فقه الصيام والحج من دليل الطالب

حمد الحمد

فقه الصيام من دليل الطالب

دليل الطالب_كتاب الصيام [1] للصيام أحكام مهمة، ومن جملتها معرفة حكمه في الإسلام وشرائط وجوبه وصحته، وما تثبت به رؤية هلال رمضان، وحكم العمل برؤية غير أهل البلد، وغير ذلك من الأحكام.

بيان معنى الصيام ومعنى رمضان

بيان معنى الصيام ومعنى رمضان الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد: فأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذه المحاضرات في هذه الدورة مباركة على الجميع، مباركة على من حضر وحاضر ونظّم وأعان؛ إنه مجيب الدعاء، وأسأله جل وعلا أن يفقهنا وإياكم في دينه وأن يبصّرنا في شريعته وأن يجنبنا وإياكم الجهل والزلل؛ إنه سميع الدعاء. ودروسنا في هذه الدورة الصباحية في كتاب الصيام من كتاب الدليل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصيام]. الصيام في اللغة: الإمساك، ومنه قوله تعالى عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم:26] أي: إمساكاً عن الكلام {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم:26]. وأما في الشرع: فهو الإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، يمسك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها من مفطّرات الصائم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام في الشرع، ولا خلاف بين أهل السير أن رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام صام تسعة رمضانات. ورمضان: من رمِض يرمض رمضاً، وسمي رمضان برمضان؛ لأنه وافق شدة حر في أول مشروعيته، وما روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا: جاء رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله) فهذا حديث ضعيف فيه أبو معشر وهو ضعيف الحديث، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة) كما في الصحيح، فلا يصح أن رمضان اسم من أسماء الله جل وعلا الحسنى].

حكم صيام رمضان

حكم صيام رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب صوم رمضان]. صوم رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال عليه الصلاة والسلام: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، وقد أجمع أهل العلم على أن من جحد وجوبه فقد كفر، من قال: إن رمضان ليس بفرض، بل هو كمال أو فضل أو سنة وليس بفرض وليس بواجب وأنا أصوم لأنه فضل؛ فهذا كافر بإجماع أهل العلم، فمُنكر وجوبه كافر بالإجماع، وأما من أفطر رمضان متعمداً لا عذر له وهو مقر بوجوبه فإنه لا يكفر، وإنما قد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر، لكنه لا يكفر، فالذي يكفر هو مُنكر أو جاحد وجوبه، فجاحد وجوبه كافر بالإجماع.

ما يثبت به وجوب صيام رمضان

ما يثبت به وجوب صيام رمضان

حكم الصيام برؤية غير أهل البلد

حكم الصيام برؤية غير أهل البلد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس] لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) قال الجمهور: إذا رُئي في بلد لزم سائر البلاد الصوم. واستدلوا بحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فإذا رُئي -مثلاً- في قطر ولكن الإمارات حال دون رؤيتها غيم أو قتر أو غير ذلك ولو لم يكن كغيم أو قتر فيلزم أهل الإمارات الصوم، ويلزم أهل مصر، وأهل الشام، وأهل الحجاز ونجد، وسائر أهل المملكة العربية السعودية، وغير ذلك من البلاد شرقاً وغرباً، هذا هو قول الجمهور؛ لحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). وقال الإمام إسحاق: بل لكل بلد رؤيته، أهل قطر لهم رؤيتهم، وأهل الإمارات لهم رؤيتهم، وأهل الشام لهم رؤيتهم، وهكذا. واستدل بحديث كريب، فإنه استهل عليه رمضان وهو في الشام حين بعثته أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها، وفيه أن ابن عباس رضي الله عنه سأله؟ فقال كريب: رأيت الهلال ليلة الجمعة في الشام. قال: أنت رأيته؟ قال: نعم رأيته ورآه الناس فصام الناس وصام معاوية. قال ابن عباس: (لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نُكمل ثلاثين أو نراه. فقلت -يقول كريب -: ألا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه؟! قال: لا، هكذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام). إذاً: أهل الشام قد رأوه ليلة الجمعة، وأهل الحجاز رأوه ليلة السبت، فكان لكل أهل بلد رؤيتهم. وهذا -أيها الأخوة- يدل على أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وكون المسلمين يختلفون في ذلك لا يضر، كون أهل الشام يصومون قبلنا بيوم أو بعدنا بيوم هذا لا يؤثر، ولا يثير عداوة ولا بغضاء، أما كون أهل البلد الواحد بعضهم يصوم وبعضهم يفطر فهذا الذي فيه العداوة والبغضاء، الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يُفطر الناس، فهذا الذي يُنهى عنه، فإذا رأى الحاكم قولاً أخذ به وألزم الناس به، وحُكم الحاكم يرفع الخلاف، ولا تقل: أنا أرى أن لكل أهل بلد رؤيتهم والحاكم قد أعلن، بل ترجع إلى قول الحاكم؛ لأن هذه المسائل يُرجع فيها إلى حُكم الحاكم ليرفع فيها الخلاف. وبعض العلماء -كالشافعية- توسطوا -وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - فقالوا: إذا اتحدت المطالع لزم الصوم وإذا اختلفت المطالع لم يلزم الصوم، فإذا أعلن -مثلاً- أهل قطر أنهم رأوا الهلال وكان أهل الإمارات يوافقونهم في المطلع -وهذا أمر معروف عند أهل الفلك- صاموا، وإذا كانوا يختلفون معهم لم يصوموا، وهكذا. إذاً: إذا اتحدت المطالع لزم الصوم، وإذا اختلفت لم يلزمنا أن نصوم لرؤية أهل بلد يختلفون معنا في مطلع القمر، وهذا هو الأصح. وهذه المسألة -أيها الأخوة كما تقدم- من المسائل الاجتهادية، فإذا رأى الحاكم قولاً فإن قوله يرفع الخلاف ويُلزم الناس بذلك.

حكم صيام يوم الشك

حكم صيام يوم الشك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس، وعلى من حال دونهم ودون مطلعه غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان احتياطاً لنية رمضان]. هؤلاء أهل البلد في ليلة الثلاثين من شعبان، كان بينهم وبين رؤية الهلال غيم أو قتر، فقد مضى اليوم التاسع والعشرون من شعبان ونحن الآن في ليلة الثلاثين من شعبان، لكن الليلة ليلة غيم وقتر، فلم يتمكن الناس من رؤية الهلال والحالة هذه، فما الحكم؟ قال الحنابلة: يصبحون صائمين احتياطاً، إذاً: كم يكون شهر شعبان؟ يكون تسعة وعشرين يوماً. واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له) قالوا: (اقدروا له): يعني: ضيّقوا عليه، أي: ضيقوا عليه بأن يكون تسعة وعشرين يوماً. وقال الجمهور: بل لا يجب صيام هذا اليوم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (فاقدروا له) فقالوا: معناه: احسبوا ثلاثين يوماً، فالتقدير هنا من الحساب، قالوا: ويدل على ذلك رواية البخاري (فأكملوا العدة ثلاثين)، وفي رواية مسلم (فاقدروا له ثلاثين يوماً) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة (فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين) قالوا: وعلى ذلك فقوله عليه الصلاة والسلام: (فاقدروا له) أي احسبوا وعدوا ثلاثين يوماً واستدل الحنابلة -أيضاً- بأن الراوي -وهو ابن عمر - كان رضي الله عنه -كما في سنن أبي داود - إذا حال دون رؤيته غيم أو قتر أصبح صائماً، ورُدّ هذا بأن العبرة بروايته لا برأيه، فهذا رأي له وقد فعله احتياطاً. وقد جاء في سنن أبي داود أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) فكان يتحرى الهلال، فإذا رأى هلال رمضان صام، وإن لم يره أصبح مفطراً، وعلى ذلك فالصحيح ما ذهب إليه الجمهور. وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أن هذا اليوم يُنهى عن صيامه، وهو اختيار أبي الخطاب وابن عقيل من الحنابلة، واختاره طائفة من أئمة الدعوة كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم، ويدل على ذلك قول عمار رضي الله عنه -كما عند الأربعة-: (من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم). وهذا القول هو الراجح، وهو أنه يُنهى عن ذلك، والأصح أنه نهي تحريم، وأن اليوم الذي يُشك فيه لا يجوز صيامه، والوجوب الذي هو مذهب الحنابلة -كما تقدم- لا تتوجه إضافته إلى الإمام أحمد كما قال ذلك صاحب الفروع، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فليس في نصوصه ما يدل على الوجوب. إذاً: الراجح أن يوم الشك يُنهى عن صيامه، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت ليلته ليلة غيم وقتر، فلو كانت الليلة ليلة صحو ولم يروا الهلال فإنهم يفطرون بلا خلاف. إذاً: إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان ليلة صحو ولم يُر الهلال فإنهم يفطرون، فإن كانت ليلة غيم وقتر -والقتر: هو الغبار- ولم يروا الهلال، ويُحتمل أن يكون الهلال قد استهل لكنهم لم يروه للغيم أو القتر؛ فأهل العلم منهم من يوجب الصيام، ومنهم من لا يوجبه، ومنهم من ينهى عنه، والصحيح النهي كما تقدم. وهنا المؤلف رحمه الله قال: [احتياطاً بنية رمضان] إذاً: هو عنده من باب الاحتياط، لكنه يجب على المشهور في المذهب. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجزئ إن ظهر منه]. هذا رجل صام يوم الثلاثين من شعبان احتياطاً فبان أن هذا اليوم من رمضان، ثبتت البينة في أثناء النهار أن هذا اليوم من رمضان، وأنه رئي في البلد الفلاني، وكان في القديم يتأخر الخبر، فثبت في النهار أنه من رمضان، فالحكم أنه يجزئه ذلك، ولذا قال: [ويجزئ إن ظهر منه] أي: يجزئ إن ظهر من رمضان. قال رحمه الله تعالى: [وتصلى التراويح احتياطاً كذلك] فيصومون نهاره ويقومون ليلته احتياطاً. قال رحمه الله تعالى: [ولا تثبت بقية الأحكام]. فبقية الأحكام لا تثبت كوقوع الطلاق، فلو أن رجلاً قال لزوجته: يا فلانة! أنتِ طالق في أول يوم من رمضان، فهل تطلق في هذا اليوم الذي هو يوم الشك؟ لا؛ لأنه يوم شك، لكنها تطلق في اليوم الذي بعده؛ لأنه هو اليوم المتيقن أنه من رمضان. ولو أن رجلاً أجّل دينه أو كان على أقساط يحل القسط في أول رمضان، فهل يحل في يوم الشك؟ لا يحل، بل يحل في اليوم الذي بعده. ولذا قال: [كوقوع الطلاق والعتق] فلو قال: يا فلان! أنت حر في أول يوم من رمضان؛ فلا يعتق في هذا اليوم الذي هو يوم الشك، وحلول الأجل كذلك.

بيان من يقبل خبر رؤيته هلال رمضان وما يترتب عليها

بيان من يقبل خبر رؤيته هلال رمضان وما يترتب عليها قال رحمه الله تعالى: [وتثبت رؤية هلاله بخبر مسلم] لا كافر؛ لأن الله يقول: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات:6] والكافر أولى في رد خبره. قال رحمه الله تعالى: [مكلّف عدل ولو عبداً أو أنثى]، فيُقبل خبر الواحد في رؤية الهلال إذا كان عدلاً مكلفاً، يعني: بالغاً عاقلاً ولو كان أنثى، ولو كان عبداً، لا يُشترط أن يكون حراً؛ لأن هذا خبر دين، وخبر الدين يُقبل فيه خبر الواحد، ولذا نعتمد على أحاديث الآحاد وإن كان الراوي واحداً، فالحديث الغريب نقبله وإن رواه الواحد؛ لأنه خبر ديني والناس مستأمنون على أديانهم، فإذا كانوا عدلواً فإنهم لا يكذبون، فلا يمكن أن يقول: إني رأيت الهلال وهو كاذب، فيُقبل خبر الواحد لأنه خبر ديني، ولذا جاء في سنن أبي داود أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (تراءى الناس الهلال فرأيته وأخبرت النبي عليه الصلاة والسلام أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه). وتثبت بقية الأحكام تبعاً للصيام، كل الأحكام تثبت تبعاً للصيام، ما دام أنه ثبت بخبر الواحد وثبت أنه عدل فإن الصيام يثبت وتثبت بقية الأحكام. قال رحمه الله تعالى: [ولا يُقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان]. في بقية الشهور لا بد من رجلين عدلين، لا يُقبل فيها خبر الرجل الواحد، واستدلوا بحديث في سنن النسائي ومسند أحمد (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) قالوا: قوله: (فصوموا) قبلنا في الصيام خبر الواحد لحديث ابن عمر، لكن قوله: (فأفطروا) ليس فيه عندنا حديث يُعارضه، فقوله: (فصوموا) مفهومه أنا لا نصوم بشهادة شاهد، لا نصوم رمضان إلا بشهادة شاهدين، لكن حديث ابن عمر منطوقه يدل على خلاف ذلك، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم. لكن قوله: (وأفطروا) ما عندنا شيء يعارضه، فقال الجمهور على ذلك: إن رؤية هلال شوال التي يثبت بها خروج رمضان لا تثبت إلا بشاهدين؛ لقوله: (فإن شهد شاهدان) وأما رؤية هلال رمضان التي يثبت بها الصيام فيُقبل فيها خبر الواحد، وهذا هو قول الجمهور.

شروط وجوب الصوم

شروط وجوب الصوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وشروط وجوب الصوم أربعة أشياء] هذه شروط وجوبه، فلا يجب الصيام إلا بهذه الشروط: قال رحمه الله تعالى: [الإسلام] فلا يجب الصيام على الكافر، ولا يصح منه كما سيأتي، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54]. قال رحمه الله تعالى: [والبلوغ والعقل] فلا يجب على المجنون؛ لأن المجنون ضد العاقل، ولا يصح منه كما سيأتي، فلا يصح من المجنون ولا يجب عليه، وضد البالغ الصبي، فالصبي لا يجب عليه الصيام، وهل يصح منه؟ سيأتي ذكر ذلك إن شاء الله. قال رحمه الله تعالى: [والقدرة عليه، فمن عجز عنه لكبر أو مرض لا يُرجى زواله أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً مد بُر أو نصف صاع من غيره] لقول حيث ابن عباس رضي الله عنه في قوله جل وعلا: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] حيث قرأ: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطوّقُونَهُ)) وقال رضي الله عنه: (هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً) رواه البخاري، وسيأتي شرح هذا إن شاء الله تعالى. إذاً: لا يجب على الكافر، ولا يجب على الصبي، ولا يجب على المجنون، ولا يجب على الكبير والمريض الذي لا يُرجى برؤه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وشروط صحته ستة: الإسلام].

شروط صحة الصوم

شروط صحة الصوم

الإسلام

الإسلام قلنا: إنه لا يجب على الكافر، لكن هل يصح من الكافر؟ قال المؤلف هنا: لا يصح. إذاً: لا يجب على الكافر ولا يصح منه.

انقطاع دم الحيض والنفاس

انقطاع دم الحيض والنفاس قال رحمه الله تعالى: [وانقطاع دم الحيض والنفاس] فلو أن امرأة صامت وهي حائض أو نفساء فهل يصح صومها؟ لا يصح.

التمييز

التمييز قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الرابع: التمييز]. التمييز يكون عند تمام سبع سنين، فمن كان دون سبع سنين فهو غير مميز، فهل يصح منه الصوم؟ لا يصح، فلو صام وهو ابن ست سنين أو ابن خمس سنين لا يصح صومه؛ لأن قصده ناقص ضعيف فهو كالمعتوه، فإن كان الصبي مميزاً وهو ابن سبع سنين فيصح صومه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيجب على ولي المميز المطيق للصوم أمره به وضربه عليه ليعتاده]. هذه مسألة أخرى، قلنا: إن المميز -وهو ابن سبع سنين- يصح صومه، لكن هل يؤمر بالصيام كما يؤمر بالصلاة؟ قال المؤلف: فيه تفصيل: إن كان يطيق أُمر، وإن كان لا يُطيق لم يؤمر، فإن كان عمره عشر سنين لم يبلغ، وهو ضعيف البدن والجو شديد الحرارة والنهار طويل ويشق عليه الصيام مشقة شديدة، فهل يجب على الولي أن يأمره بالصوم؟ لا، وإذا كان قوي البنية قادراً على الصوم مطيقاً له فإنه يأمره بذلك، ولذا قد يأمر الأب هذا ولا يأمر هذا، قد يأمر الأصغر ولا يأمر الأكبر، قد يكون عنده ابن ثمان سنين أو تسع سنين لكنه ضعيف لا يتحمل، أو يكون في تلك الليلة لم يطعم، والآخر قد طعم ونشط. فهذه المسألة راجعة إلى اجتهاد الولي، إن كان الولي يرى أن الابن يطيق أو أن البنت تطيق، وهذا إنما يكون بعد سبع سنين، أما إن كان دون سبع سنين فإنه لا يصح صومه.

العقل

العقل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الخامس: العقل] لأن الصوم إمساك بنية، ومن لا عقل له لا نية له. قال رحمه الله تعالى: [لكن لو نوى ليلاً ثم جُن أو أُغمي عليه جميع النهار فأفاق منه قليلاً صح]. هذا رجل نوى الصيام من الليل ثم جُن، فبعض الناس يُجن تارة ويعقل تارة، يذهب عقله ويجيء مثل بعض كبار السن، فبعض كبار السن يذهب عقله، ثم يعود إليه عقله تاماً، فهذا رجل نوى من الليل ثم جُن فأفاق أثناء النهار وأمسك، أو قبل غروب الشمس بنصف ساعة أفاق وأمسك ولم يأكل ولم يشرب وقد نوى من الليل فغربت عليه الشمس ولم يأكل ولم يشرب، فإنه يصح صومه. أو رجل أُغمي عليه، كأن تسحر ثم وقع على رأسه وأغمي عليه ولم يفق إلا قبل غروب الشمس بدقائق فأمسك ولم يأكل ولم يشرب ولم يكن قد أكل أو شرب؛ إذ بعض الناس يوضع له مغذ وهو مغمى عليه، والمغذي يقوم مقام الأكل والشرب، لكن هذا لم يوضع له المغذي ولم يطعم فأمسك، فيصح صومه. لكن إن أُغمي عليه جميع النهار، فما أفاق إلا بعد غروب الشمس فقد قال الحنابلة: يجب عليه القضاء. وقال بعض العلماء -وهو اختيار صاحب الفائق من الحنابلة، واختيار ابن سريج من الشافعية- لا يجب عليه القضاء، وهذا هو الصحيح؛ لأنه زائل العقل فليس بمكلف، وهذا الأمر راجع إلى العقل، فالتكليف مناطه العقل، فالصحيح أن من أُغمي عليه جميع النهار فلا يجب عليه القضاء، ومن نام كل النهار صح صومه بإجماع العلماء والحمد لله.

النية

النية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السادس: النية من الليل لكل يوم واجب قال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، وفي سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له) فلا بد من النية؛ فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. قال رحمه الله تعالى: لكل يوم من الليل، لا بد أن تكون النية من الليل لكل صوم واجب كرمضان، وكالنذر، وككفارة اليمين، أو كفارة القتل، أو كفارة الظهار، أو القضاء، هذا كله من صيام الواجب فلا بد أن ينوي من الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له) وهنا المؤلف قال: [لكل يوم] فكل يوم له نيته من الليل، اليوم الأول له نيته، واليوم الثاني له نيته، واليوم الثالث له نيته، وهكذا. وقال المالكية -وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن عقيل من الحنابلة-: بل تكفي نية من أول الشهر، إذا لم يقطع هذه النية بسفر يُفطر به أو مرض، أي: يُفطر به، كرجل سافر فقطع نيته فأفطر، فلا بد أن ينوي إذا أراد أن يصوم، أو مريض أفطر أياماً ويريد أن يصوم من الغد، فلا بد أن ينوي من الليل وإلا فإن النية من أول الشهر تكفي؛ لأن شهر رمضان عبادة واحدة، وهذا هو الراجح، وهو -أيضاً- الأيسر، وبه -أيضاً- يزول ما يُخشى من وقوع كثير من الناس في الوسوسة: أنا نويت أم لم أنو. فالراجح ما ذهب إليه المالكية وهو رواية عن أحمد واختيار ابن عقيل، أن نية من أول الشهر تكفي إن لم يقطع ذلك بسفر يُفطر به. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [لكل يوم واجب]، وأما النفل فإن النية تصح فيه من النهار، سواء كان هذا النفل نفلاً مطلقاً أو نفلاً مقيداً كعرفة، أو عاشوراء، أو أيام الست، أو أيام البيض، فالنية من النهار تكفي ما دام أنه لم يطعم، فتكفي النية من النهار قبل الزوال أو بعده على الصحيح، حتى لو نوى بعد الزوال، فلو أن رجلاً نام فاستيقظ بعد أذان الظهر وقال: ما بقي من النهار إلا ساعات يسيرة فلو أني نويت وأتممت هذا اليوم صائماً؟ فلا حرج عليه في ذلك، لكنه يؤجر بقدر ما نوى، ولا فرق في هذه المسألة كما تقدم بين الأيام التي يُستحب صيامها على التقييد كعرفة، والتطوع المطلق، وقد جاء في صحيح مسلم ما يدل على ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: (هل عندكم شيء؟ قالت: لا قال: إني إذاً صائم) ثم أتاها في يوم آخر فقالت له: (يا رسول الله! أُهدي لنا حيس. فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً) هذا يدل على أن التطوع تُجزئ النية فيه من النهار، وهذا هو قول الجمهور، لكن أهل العلم القائلين بذلك اختلفوا: فمنهم من يرى أن النية إنما تُجزئ إذا كانت قبل الزوال، ومنهم من يرى أنها تجزئ ولو بعد الزوال، وهذا هو الراجح، وعلى ذلك فالصوم الواجب يجب أن ينوي فيه من الليل، والصوم المستحب مطلقاً -حتى لو كان صوم عرفة، أو عاشوراء، أو أيام الست أو غير ذلك- تجزئ النية فيه من النهار ما دام أنه لم يطعم، ويكون أجره بقدر نيته. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم فقد نوى] في الليل خطر في قلبه أنه صائم، فهذه هي النية؛ لأن النية محلها القلب، فهذا قد نوى. قال رحمه الله تعالى: [وكذا الأكل والشرب بنية الصوم] دعا بالسحور ليتسحر فتسحّر، فهذه نية صوم، أو قام من الليل قبل الفجر وقال: أحضروا لي تمراً ولبناً فشرب بنية الصوم، فهذا يكفي. قال رحمه الله تعالى: [ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم]. بعض الناس يقول: أنا نويت الساعة الثانية وقلت: أنام قليلاً قبل الفجر فاستيقظت وقد بقي لطلوع الفجر نصف ساعة، فهل لي أن آكل أو أشرب أو أن أجامع؟ له ذلك، ولا يُنافي هذا النية المتقدمة، تبقى نيته ثابتة، ما دام أنه لم ينو الفطر من الغد. قال رحمه الله تعالى: [ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم أو قال: إن شاء الله غير متردد]. قالوا له: تصوم غداً؟ فقال: إن شاء الله، أراد بذلك تعليق الأمر بمشيئة الله والتبرك بذكره، فهذا ليس بتردد، لكن لو قيل له: أتصوم غداً وهو مسافر فقال: إن شاء الله فهو متردد، فإن نام على هذا التردد، فهل تكفي هذه النية أو لا بد من جزم بالنية؟ لا تكفي هذه النية؛ لأنها فيها تردد، فلا بد أن يجزم لأن النية يُشترط فيها الجزم. والتردد ينافي الجزم. إذاً: إذا قال إن شاء الله متردداً لم تُجزئ نيته، وإن قال إن شاء الله متبركاً غير متردد فإنها تجزئ. قال رحمه الله تعالى: [وكذا لو قال ليلة الثلاثين من رمضان: إن كان غداً من رمضان ففرض وإلا فمفطر]. هذا رجل في ليلة الثلاثين من رمضان أراد أن ينام مبكراً ولم يثبت بعد هل الشهر كامل أم لا، فما أُعلم بعد، فقال: سأنام، فإن كان غداً من رمضان فهذا فرض ل

بيان فرض الصوم

بيان فرض الصوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفرضه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس]. فيمسك الصائم عن الأكل والشرب وسائر المفطرات -ويأتي شرحها إن شاء الله تعالى- من طلوع الفجر الصادق، وهو البياض المعترض في الجانب الشرقي تحل فيه الصلاة -أي: صلاة الصبح، يعني: دخل وقتها- ويحرم فيه الطعام، بخلاف البياض المستطيل الذي يذهب إلى أعلى فإن هذا هو الفجر الكاذب، وأما الفجر الصادق فهو البياض المعترض الذي يكون في الجانب الشرقي، قال جل وعلا في كتاب الكريم: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، وقال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في الصحيحين: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) والحديث متفق عليه. إذاً: يمسك من طلوع الفجر الصادق، وعلى ذلك فإذا قال المؤذن: (الله أكبر) وجب الإمساك، إذا كان المؤذن ثقة يؤذن على الوقت، والناس الآن في هذا الوقت يعتمدون هم والمؤذنون على التقويم، وعلى ذلك فإذا دخل الوقت على التقويم المعتمد من الأوقاف وجب الإمساك. وبعض الناس يأكل ويشرب حتى يسكت المؤذنون وهذا غلط، بل إذا تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وجب الإمساك، فليس لك أن تأكل والمؤذنون يؤذنون، بل يجب عليك أن تُمسك بمجرد دخول وقت الصلاة كما تقدم تقريره.

بيان سنن الصوم

بيان سنن الصوم قال المؤلف: [وسننه ستة: تعجيل الفطر] قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه، فيستحب تعجيل الفطر، فإذا غربت الشمس استحب لك أن تُفطر. قال رحمه الله: [وتأخير السحور] ثبت في الصحيحين أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحّرنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ثم قمنا إلى الصلاة. فقيل له: كم كان بينهما؟) يعني: بين فراغكم من السحور وبين القيام للصلاة. قال: (خمسون آية) وهذا زمن يسير، فدل هذا على استحباب تأخير السحور، والسحور سنة مؤكدة، قال عليه الصلاة والسلام: (السحور بركة) متفق عليه، وفي مسند أحمد (فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء) ولو أن تأكل تمرة أو تجرع جرعة من ماء؛ فإن ذلك يقويك على الصيام، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر). إذاً: السحور مستحب، ويستحب -كما تقدم- تأخيره. قال رحمه الله تعالى: [والزيادة في أعمال الخير] في رمضان من قراءة للقرآن، وذكر، وصدقة وغير ذلك من الأعمال الصالحة. قال رحمه الله: [وقوله جهراً إذا شُتم: إني صائم] لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (فإن شاتمه أحد فليقل: إني صائم، إني صائم) والحديث متفق عليه، وفي رواية: (إني امرئ صائم). وظاهره أنه يقول ذلك جهراً لا سراً بحيث يسمعه من سبه أو شتمه، وظاهره -كذلك- أن ذلك في الفرض وفي النفل، ولذا قال المؤلف هنا: [جهراً] وأطلق، يعني: في الفرض وفي النفل، لكن إن خشي على نفسه الرياء في النفل فهنا يقول ذلك سراً يؤدب نفسه بذلك، فيقول ذلك سراً لا جهراً إذا خشي على نفسه الرياء، وأما في الفرض فإنه يقول ذلك مطلقاً، يقول: (إني صائم) في الفرض، وفي النفل إذا لم يخش على نفسه الرياء قال ذلك جهراً، وإذا خشي على نفسه الرياء في النافلة فإنه يقول ذلك سراً. قال رحمه الله تعالى: [وقوله عند فطره: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت]. هذا الدعاء جاء في سنن أبي داود وعند غيره لكن إسناده ضعيف، [سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم]، هذا من الدعاء المباح، وكذلك قول: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) إن قال ذلك فلا بأس، لكن لا يتخذ ذلك سنة، والمستحب له أن يقول ما جاء في سنن الدارقطني -والحديث حسن-: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله). هذا رواه الدارقطني وغيره وهو حديث حسن، أما حديث: (لك صمت وعلى رزقك أفطرت) فإن قاله فحسن، لكن الحديث في سنده ضعف. قال رحمه الله تعالى: [وفطره على رُطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء] فقد جاء في الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يُفطر على رطبات، فإن لم تكن فتمرات، فإن لم تكن حسى حسوات من ماء، والحديث رواه الترمذي وغيره وهو حديث حسن، فيُفطر إما على رطب في أوان الرطب، وإما على تمر، فإن كان في أوان الرطب فالأفضل الرطب؛ لأن الرطب أبرد على المعدة من التمر، فيُفطر على رُطب، فإن لم يكن فعلى تمر، والتمر أصله الرطب وكلاهما حلو، فيسهل هضمهما على المعدة، فينشط البدن سريعاً، فالمستحب له أن يُفطر على رطب، فإن لم يكن فعلى تمر، فإن لم يكن حسى حسوات من ماء، هذا هو المستحب له، لكن لو أفطر على طعام فلا بأس بذلك، لكن الأفضل أن يبدأ بالرُطب فإن لم يكن فبالتمر، فإن لم يكن حسى حسوات من ماء.

كتاب الصيام [2]

دليل الطالب_كتاب الصيام [2] من أحكام الصوم ما يتعلق بفرضه، ومنها ما يتعلق بسننه، ومنها ما يتعلق بالأعذار التي يجوز بها الفطر في نهار رمضان، وكل ذلك لا ينبغي للمسلم أن يجهله.

أعذار الفطر في رمضان

أعذار الفطر في رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: في أهل الأعذار. ويحرم على من لا عذر له الفطر برمضان] لأن صيام رمضان فريضة، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، قال عليه الصلاة والسلام: (بُني الإسلام على خمس) وذكر منها صيام رمضان، فمن أفطر في رمضان بلا عذر فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر، وقد جاء في سنن أبي داود بإسناد ضعيف أن من أفطر في رمضان بغير عُذر لم يكفه صيام الدهر وإن صامه، والحديث إسناده ضعيف وإن كان معناه صحيحاً؛ فإن الفطر في رمضان -كما تقدم- من كبائر الذنوب، ولذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل دماً فسأل عنهم، فقيل له: (هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم)، والحديث صحيح.

الحيض والنفاس

الحيض والنفاس قال رحمه الله تعالى: [ويجب الفطر على الحائض والنفساء] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟!) فالحائض والنفساء لا يصح صومهما ويجب عليهما الفطر، وعليهما القضاء.

الحاجة إلى الفطر لإنقاذ معصوم

الحاجة إلى الفطر لإنقاذ معصوم قال رحمه الله تعالى: [وعلى من يحتاجه لإنقاذ معصوم من مهلكة]. هذا رجل على الشاطئ رأى من يدركه الغرق فقال: أنا ضعيف عن إنقاذه، لا أقدر على إنقاذه إلا بأن آكل أو أشرب حتى أتقوى على إنقاذه، وقد يحتاج إلى الدخول في الماء ونحو ذلك، فله الفطر، فإن كان الأمر يتوقف على ذلك؛ فإنه يجب عليه الفطر؛ لأن هذا فيه إنقاذ للمسلم من الهلكة، وهذا أعظم وأولى من إكماله صومه، بل يجب عليه ذلك إن كان لا يقوى على إنقاذه إلا بذلك، فإن كان يقوى على إنقاذه بدون ذلك لكنه قد يضعف فإنا نقول له: يستحب لك أن تأكل وتشرب لتتقوى، أما إذا كان لا يقوى على إنقاذه إلا بالأكل والشرب فإنه يجب عليه ذلك؛ لما في ذلك من إنقاذ المسلم من الهلكة.

السفر

السفر قال رحمه الله تعالى: [ويسن لمسافر يباح له القصر] إذا كان المسافر يباح له القصر، وهو الذي يسافر لمسافة ثمانين كيلو، وينوي إقامة أربعة أيام فقط أو أقل، يعني: لا ينوي أكثر من أربعة أيام، هذا هو المسافر، فيسن للمسافر الفطر في رمضان، وهذا هو المشهور في المذهب، يعني: الأفضل لك -أيها المسافر- أن تفطر إن كنت في الطريق، وإن كانت نازلاً وكانت مدة إقامتك أربعة أيام فأقل، فإذا نويت أربعة أيام فأقل فإن الأفضل لك أن تُفطر، هذا هو المشهور في المذهب، واستدلوا بما جاء في حديث حمزة الأسلمي أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الصوم في السفر، وذكر أن به قوة على الصيام في السفر، فهل عليه جناح في ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (هي رخصة من الله، فإن أخذت بها فحسن، وإن صمت فلا جناح عليك) قالوا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من البر الصيام في السفر) متفق عليه، فهذا يدل على أن الأفضل له الفطر. وقال الجمهور: بل الأفضل له الصوم إلا أن يشق عليه ذلك فيفطر، واستدلوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء أن النبي عليه الصلاة والسلام صام في السفر في يوم شديد الحر، قال رضي الله عنه: (كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في سفر في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن رواحة) قالوا: فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، فهذا يدل على أنه هو الأفضل، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن. وهذا القول هو الراجح، فالأفضل له الصوم؛ لأن ذلك أبرأ لذمته، ولأن في ذلك إيقاعاً للصوم في هذا الشهر المبارك، إلا أن يشق عليه، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة. وعلى ذلك فعندنا ثلاثة أحوال للمسافر: الحالة الأولى: أن يكون المسافر لا يشق عليه الصيام، ويجد قوة عليه، فهذا الأفضل له أن يصوم، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر كما في حديث أبي الدرداء. الحالة الثانية: أن يشق عليه الصيام مشقة تُحتمل لكنه يضعُف، فهذا الأفضل له الفطر وأن يأخذ بهذه الرخصة، ويُحمل حديث حمزة الأسلمي على ذلك؛ لأن الغالب في السفر أن يكون في الصوم فيه مشقة. الحالة الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة حتى إنه يخشى على نفسه الضرر، فبعض الناس قد يبلغ به الحال حتى إنه ليُغمى عليه، وقد يكون يقود السيارة، فهذا يُخشى عليه الضرر، فيجب عليه الفطر، لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر) كما في الصحيحين، قال ذلك في رجل قد ظلل عليه، يعني: اجتمع عليه الناس وازدحموا عليه حتى إنهم حجبوا الشمس عنه، وهذا يدل على أنه قد شق عليه ذلك مشقة شديدة، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (إن الناس قد شق عليهم الصوم، فدعا بإناء فشرب، وكان صائماً، فقيل له: إن بعض الناس قد صام. فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة). إذاً: هذا رجل قال: أنا مسافر أقمت في مكة كإقامتي في بلدي، المكيفات موجودة وأنا آخذ راحتي من النوم ولا يشق عليّ الصوم أبداً، فما هو الأفضل في حقي؟ نقول: الأفضل في حقه -على الصحيح- أن يصوم. ورجل آخر خرج من بلده بعد صلاة العصر مسافراً بعد أن تسحّر ونوى الصيام، فالأفضل في حقه أن يُكمل الصوم، فليس فيه مشقة. وهناك حالة أخرى، وهي أن يكون هناك مشقة لكنها مشقة تُحتمل، مثل رجل سافر في السيارة فخرج من الأحساء بعد الفجر إلى مكة بسيارته في حر يشق عليه، لكنها مشقة تُحتمل، نقول: الأفضل لك أن تأخذ بالرخصة وأن تُفطر وأن تتقوى. وآخر شق عليه الصوم مشقة شديدة حتى إنه خُشي عليه، وأخذه شيء من الإغماء اليسير، وظهر عليه إعياء شديد، فهذا يجب عليه الفطر.

المرض

المرض قال المؤلف رحمه الله: [ولمريض يخاف الضرر]. المرض يُبيح الفطر، قال الله جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] وما هو المرض الذي يُبيح الفطر؟ هل هو كل مرض؟ قد يُصاب الإنسان بالصداع اليسير، قد يُصاب بزكام، قد يكون هناك ألم في رُكبته، أو ألم في ظهره، فهل كل مرض يُبيح الفطر؟ A لا، بل المرض الذي يُبيح الفطر هو المرض الذي تكون معه مشقة في الصوم، يعني: يشق عليه الصوم، ويلحقه حرج في الصوم، قال الله جل وعلا: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وهذا عليه حرج، وعليه مشقة، فالصداع الشديد فيه مشقّة، فيحتاج إلى أن يتناول دواءاً، كذلك إذا كان عنده التهاب شديد في المعدة أو نحو ذلك إذا كان المرض يزداد بالصوم، ويتأخر البرء، وهذا هو المرض الذي يجوز معه الفطر في نهار رمضان، أما الشيء اليسير الذي يُحتمل ولا مشقة فيه فإنه لا يسوغ معه الفطر في نهار رمضان إذا كان لا مشقة فيه. فإن كان المرض يضر معه الصيام، حيث يقول له الطبيب ذلك أو يُعرف في العادة أن الذي يصوم وفيه هذا المرض يضره الصيام؛ فظاهر كلام المؤلف أنه يُسن له الفطر، والراجح أنه يجب، وهو اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، واختاره بعض الحنابلة؛ لأنه إن صام فقد ألقى بنفسه للتهلكة، فإذا كان يضره الصوم وجب عليه الفطر، وإذا كان لا يضره الصوم لكن يشق عليه ويحرجه، فهذا يُستحب له الفطر.

حكم الفطر بعد السفر في أثناء النهار

حكم الفطر بعد السفر في أثناء النهار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويُباح لحاضر سافر في أثناء النهار]. إذا سافرت في أثناء النهار -يعني: كنت في بلدك ثم سافرت في أثناء النهار -فهل لك أن تُفطر؟ الصواب أن لك أن تُفطر وهو المشهور في مذهب الحنابلة، ويدل عليه ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج في سفر فلما بلغ كراع الغميم دعا بإناء فشرب) عليه الصلاة والسلام. فهذا رجل أصبح صائماً مع الناس في بلده ثم خرج ظهراً مسافراً، فله أن يُفطر. ولكن هل له أن يُفطر قبل أن يُفارق عمران بلده، فيُفطر في بيته لأنه يريد السفر؟ على قولين: المشهور في المذهب: أنه ليس له أن يفطر حتى يغادر عمران بلده، والقول الثاني في المسألة -وهو قول إسحاق - أن له أن يُفطر قبل أن يغادر عمران بلده دون قصر الصلاة، فقصر الصلاة لا خلاف فيه، فإنه لا يقصر ما دام في البلد؛ لأن الصلاة لا تستمر ركعات، لكن الصوم مآله إلى الفطر، فهل له أن يُفطر؟ قال بذلك إسحاق وهو قول بعض العلماء، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم. قالوا: له أن يفطر ما دام أنه متهيئ للسفر، واستدلوا بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ففي الترمذي أن محمد بن كعب قال: (أتيت إلى أنس بن مالك رضي الله عنه وقد رُحّلت له راحلته ولبس ثياب سفره فدعا بطعام فأكل فقلت له: سنة؟ فقال: سنة. ثم ركب) وهذا هو الأقرب، وإن كان الأحوط له أن ينتظر حتى يفارق عمران بلده، والأمر يسير والطعام في الطريق، لكن لو أكل أو شرب وهو متهيئ للسفر عازم عليه فلا حرج عليه في ذلك في قول طائفة من العلماء، وهو قول إسحاق.

الحمل والرضاع

الحمل والرضاع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولحامل ومرضع خافتا على أنفسهما أو على الولد، لكن لو أفطرتا خوفاً على الولد فقط لزم وليه إطعام مسكين لكل يوم]. الحبلى -وهي الحامل- وكذلك المرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو خافتا على أنفسهما وعلى الولد معاً، أو خافتا على الولد فقط جاز لهما الفطر، فقد ثبت في سنن الترمذي والنسائي بإسناد صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم) وعلى ذلك فلهما الفطر، فإذا خافت المرضع على نفسها، أو خافت على ولدها، أو خافت على النفس والولد فلها الفطر، وكذلك المرضع، وعلى ذلك فعندنا ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن تخاف على نفسها فقط، أي: الحبلى أو المرضع. الحالة الثانية: أن تخاف على الولد فقط. الحالة الثالثة: أن تخاف على النفس والولد جميعاً. فهذه الحالات الثلاث يجب فيها القضاء، وإن كان الخوف على الولد فقط فعليها مع القضاء الإطعام، والذي يُطعم -كما قال المؤلف- هو الولي، فيجب على الولي الإطعام. إذاً: إذا خافت على نفسها فقط فعليها القضاء فقط، وإذا خافت على نفسها وعلى الولد جميعاً فعليها القضاء فقط، وإذا خافت على الولد فقط ولم تخف على نفسها، يعني: قال لها الطبيب: إن صيامكِ يضر بالجنين. أو: إن صيامكِ يضر بولدكِ في إرضاعه، وهي مرضع فخافت على ولدها فقط فأفطرت فعليها هي القضاء وعلى وليه الإطعام، ولذا جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (رُخِّص للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة أن يُفطرا ويُطعما عن كل يوم مسكيناً، والحُبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً) وجاء في الدارقطني عن ابن عمر: (أطعمتا مداً من حنطة). وهذه من المسائل التي تشتبه على كثير من الناس، ولذا قال المؤلف هنا: [ولحامل ومرضع خافتا على أنفسهما أو على الولد، لكن لو أفطرتا خوفاً على الولد فقط لزم وليه إطعام مسكين لكل يوم] وإنما وجب ذلك على الولي؛ لأن فطرها حيث خافت على الولد فقط، فكان على وليه -وهو الأب- أن يُطعم، والإطعام -كما تقدم- مد من حنطة، والمد هو ربع الصاع، والصاع يساوي ثلاثة كيلو جرامات، وعلى ذلك فالواجب عليها ثلاثة أرباع الكيلو إذا كان من حنطة أو من أرز جيد، وأما إذا كان من التمر أو من الأرز الرديء فإن الواجب هو نصف الصاع، وهذا يساوي كيلو ونصفاً، فالصاع يساوي ثلاثة كيلو جرامات، ونصف الصاع كيلو ونصف، وربعه ثلاثة أرباع الكيلو.

بيان ما يلزم المكلف حال انقطاع عذره أثناء النهار

بيان ما يلزم المكلف حال انقطاع عذره أثناء النهار قال رحمه الله تعالى: [وإن أسلم الكافر، أو طهرت الحائض، أو برئ المريض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصغير، أو عقل المجنون في أثناء النهار وهم مفطرون لزمهم الإمساك والقضاء]. إذا أسلم الكافر لزمه الإمساك والقضاء، هذا رجل أسلم في أثناء النهار بعد العصر ودخل في الإسلام، فما الواجب عليه؟ الواجب عليه الإمساك بلا خلاف، لقوله جل وعلا: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] وهذا قد شهده، وهل يجب عليه القضاء؟ قال المؤلف: يجب عليه القضاء، واستدل الحنابلة بما جاء في سنن أبي داود أن أسلم لما دخلوا في الإسلام قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (صوموا بقية يومكم واقضوه) والحديث رواه أبو داود لكن إسناده ضعيف، وقد ضعّفه عبد الحق الأشبيلي وغيره. والقول الثاني في المسألة -وهو مذهب الأحناف واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجب عليهم القضاء، فالكافر إذا أسلم لا يجب عليه القضاء، قالوا: لأن الشرائع إنما تجب بعد العلم بها، وهؤلاء لم يسلموا إلا في أثناء النهار، فأسلموا وعلموا أن من شرع الله وجوب الصيام فوجب عليهم الإمساك دون القضاء، قالوا: ويدل على ذلك أن صوم يوم عاشوراء كان في أول الإسلام واجباً قبل فرضية رمضان، وقد جاء أن النبي عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين- لما فُرض يوم عاشوراء فقال: (من أصبح صائماً فليتم صومه، ومن أصبح مفطراً فليصم بقية يومه) ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بالقضاء، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذا القول هو الراجح. إذاً: إذا أسلم الكافر وجب عليه الإمساك ولم يجب عليه القضاء وإن أكل وشرب في أول النهار. ومثل هذه المسألة إذا قامت البيّنة في أثناء النهار، حيث جاء النبأ أن هذا اليوم من رمضان، والناس منهم من أكل وشرب وجامع ومنهم من لم يطعم، وقامت البيّنة في أثناء النهار، فالجمهور يقولون: يجب الإمساك والقضاء، وشيخ الإسلام ومن وافقه يقولون: يجب الإمساك فقط ولا يجب القضاء كالمسألة السابقة تماماً؛ لأن الشرائع لا تجب إلا بعد العلم بها وهؤلاء إنما علموا في أثناء النهار، ولحديث يوم عاشوراء المتقدم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو برئ المريض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصبي الصغير، أو عقل المجنون]. إذا بلغ الصغير وجب عليه الإمساك، إذا بلغ في أثناء النهار، نام في وسط النهار فاحتلم وكان قد أكل أو شرب فقام بعد هذه القيلولة وقت عند العصر وإذا به قد احتلم، نقول: يجب عليك أن تمسك؛ لأنك أصبحت الآن ممن يجب عليهم الصيام، وهل يجب عليه القضاء أم لا؟ على قولين كما تقدم، والصحيح أنه لا يجب القضاء. كذلك -أيضاً- إذا أفاق المجنون فعقل في أثناء النهار، وجب عليه الإمساك بقية اليوم ولم يجب عليه القضاء على الصحيح، فهذه أربع مسائل: إذا أسلم الكافر، وإذا قامت البيّنة في أثناء النهار، وإذا بلغ الصبي، وإذا عقل المجنون، هؤلاء الأربعة -على الصحيح- يجب عليهم الإمساك دون القضاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو برئ المريض]. هذا رجل مريض في أول النهار لكنه لما شرب الدواء برئ، قالوا: فيجب عليه القضاء بلا خلاف؛ لأن القضاء تعلق في ذمته في أول النهار، وهل يجب عليه الإمساك أم لا؟ على قولين، كذلك إذا قدم المسافر وهو مفطر فيجب عليه القضاء، وهل يجب عليه الإمساك أم لا؟ على قولين، كذلك -أيضاً- إذا طهرت الحائض، كانت حائضاً في أول النهار ثم طهرت بعد العصر، فيجب عليها القضاء بلا خلاف، وهل يجب عليها الإمساك؟ على قولين. فالمشهور في المذهب وجوب الإمساك على هؤلاء: المريض إذا برئ، والمسافر إذا قدم، والحائض إذا طهرت، فالقضاء لا خلاف في وجوبه، والخلاف في الإمساك، فالحنابلة قالوا: يجب الإمساك، وقال الشافعية -وهو رواية عن أحمد -: بل لا يجب عليهم الإمساك، وذلك لأنه لا ثمرة من إمساكهم، والله يقول: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147] وقد أُذن لهم بالفطر في أول النهار لعذر ووجب عليهم القضاء فلا فائدة من أمرهم بالإمساك، وهذا هو القول الراجح. فعندنا -أيها الأخوة- طائفتان: طائفة يجب عليها الإمساك فقط، وطائفة يجب عليها القضاء فقط، والمشهور في المذهب أن هؤلاء جميعاً يجب عليهم الإمساك والقضاء، والصحيح أن طائفة يجب عليها القضاء فقط وأن طائفة يجب عليها الإمساك فقط، فإذا قامت البيّنة نهاراً، وإذا أسلم الكافر، وإذا عقل المجنون، وإذا بلغ الصبي؛ فهؤلاء يجب عليهم الإمساك فقط ولا قضاء، وإذا برئ المريض، وإذا طهرت الحائض، وإذا قدم المسافر ويجب عليهم القضاء فقط ولا يجب الإمساك.

حكم صيام المعذور غير رمضان في رمضان

حكم صيام المعذور غير رمضان في رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وليس لمن جاز له الفطر برمضان أن يصوم غيره فيه] هذا رجل سافر إلى مكة مثلاً لأداء عمرة، ونوى أن يمكث في مكة ثلاثة أيام، فأفطر لأنه مسافر ووافق ذلك يوم الإثنين فقال: أنا قد اعتدت على صيام يوم الإثنين، أريد أن أصوم في مكة يوم الإثنين في رمضان بنية صيام يوم الإثنين، فهل يصح هذا؟ لا يصح باتفاق العلماء، ففي رمضان إما أن تصوم الفريضة وإما أن تُفطر إن كنت معذوراً، أما أن تصوم يوماً آخر في رمضان فإن ذلك لا يجزئ باتفاق العلماء. إذاً: لو أن رجلاً عذر في الفطر لكنه نوى في رمضان أن يصوم نفلاً فإن ذلك لا يجزئ، أو قضاء أو نذراً، فلو قال: أنا عليّ نذر أن أصوم يوماً في مكة، والآن أنا في مكة، فأريد أن أصوم، وأنا مسافر يجوز لي أن أُفطر، فلا أصوم هذا اليوم بنية أنه من رمضان لأني مسافر وسأصوم اليوم الذي هو من نذري. نقول: لا، فوقت رمضان وقت مضيّق لا يسع غير الفريضة، إما أن تصوم فريضتك وإما أن تُفطر إن كنت معذوراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قصر الصلاة في البلدة قبل السفر

حكم قصر الصلاة في البلدة قبل السفر Q ما حكم قصر المسافر الصلاة في بلده قبل خروجه؟ A ليس له أن يقصر باتفاق العلماء، فإن قيل: ما الفرق؟ فالجواب أن الصلاة تنتهي، فلو صلى في بيته انتهت الصلاة في البيت، ولا تستمر، لكن الصيام مآله إلى الفطر، فإذا أفطر في بيته أو لم يفطر فمآله إلى الفطر، أما الصلاة فإنها تنتهي، أما اليوم فإنه لا ينتهي، فهو الآن في بلده، فإن سافر أفطر، فمآله إلى الفطر بخلاف القصر، أما القصر فلا خلاف بين أهل العلم في أنك ما دمت في عمران بلدك ليس لك أن تقصر الصلاة.

حكم الجمع والقصر في المطار

حكم الجمع والقصر في المطار Q ما حكم الجمع والقصر في المطار؟ A المطار فيه تفصيل، فإذا كان المطار خارج العمران -يعني: منفصل- جاز ذلك.

حكم جمع أهل قطر وقصرهم في مطار الدوحة

حكم جمع أهل قطر وقصرهم في مطار الدوحة Q مطار الدوحة هل يجوز فيه الجمع والقصر؟ A لا، مطار الدوحة داخل، الذي أعلم أن المطار داخل.

حكم الجمعة للمسافر

حكم الجمعة للمسافر Q هل يصلي المسافرون جمعة؟ A لا، ما تسمى جمعة إلا في الأماكن المستقرة، المسافرون لا يصلون جمعة، فهي تُعتبر ظهراً بالنسبة لك كسائر الأيام، فليس هناك فرق.

حكم صلاة المسافر في الطائرة

حكم صلاة المسافر في الطائرة Q هل يصلي المسافر الظهر في الطائرة في وقتها أم يؤخرها؟ A تصليها ظهراً، إن صليت في الطائرة أو انتظرت وجمعت فلا بأس، فإن صليت تصلي بحسب حالك وحسب قدرتك، وإن أخّرتها حتى تجمعها إلى التي بعدها -وهي العصر- فهذا حسن.

حكم القصر بعد العودة من السفر

حكم القصر بعد العودة من السفر Q إذا وصلت راجعاً إلى مطار الدوحة بعد دخول وقت الظهر، فهل أقصر أم أتم؟ A لا، تصليها ظهر أربعاً، إذا وصلت إلى الدوحة ولا يزال وقت الظهر فإنك تصليها تماما؛ لأنه زال العذر.

حكم إنقاذ الكافر من المهلكة

حكم إنقاذ الكافر من المهلكة Q ما حكم إنقاذ الكافر من الغرق؟ A الكافر الذي يعيش في بلادنا ذمي له عهد، فهذا يُنقذ، لكن إذا كان كافراً حربياً -يعني: يحاربنا- فهذا لا يُنقذ.

حكم فطر المصاب بمرض السكر

حكم فطر المصاب بمرض السكر Q ما حكم فطر المريض بالسكر؟ A المريض بالسكر يُرجع فيه إلى الطبيب، والأصل أن السُكري الأنفع له هو الصوم، والأحسن له الصوم، لكن بعضهم قد يقرر له الطبيب خلاف ذلك، وهذا راجع إلى رأي الطبيب الثقة، فمعلوم أن السكري يخففه الصوم.

كتاب الصيام [3]

دليل الطالب_كتاب الصيام [3] الصوم عبادة تعتمد على الامتناع عن المفطرات بالنية، فإذا وقع الصائم في أحد المفطرات فسد صومه، ولذا يجب على المسلم أن يتعلم ما يفسد صومه، أو ينقصه، حتى لا يقع في ذلك.

المفطرات

المفطرات

خروج دم الحيض والنفاس

خروج دم الحيض والنفاس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في المفطرات: وهي اثنا عشر: خروج دم الحيض والنفاس] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحائض: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟!) فالمرأة إذا حاضت فقد أفطرت وعليها القضاء، لو نزلت من المرأة قطرة من دم الحيض قبل أذان المغرب بدقائق، فهل يجزئها هذا اليوم من رمضان؟ إن خروج الدم منها قبل غروب الشمس يبطل صومها.

الموت

الموت قال رحمه الله تعالى: [الموت] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) فإذا غسلوه فهل يقولون: لا ندخل الماء إلى فيه حتى لا يدخل الماء إلى جوفه وهو صائم؟ نقول: لا، الموت يُبطل العمل {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث}.

الردة

الردة قال رحمه الله تعالى: [الردة] قال الله جل وعلا: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65].

العزم على الفطر

العزم على الفطر قال رحمه الله تعالى: [العزم على الفطر] هذا رجل في سفر فنوى الفطر ولم يجد طعاماً أو وجد طعاماً لا يناسبه فقال: إذاً: أُكمل هذا اليوم. فهل يجزئه ذلك؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فواجب أن تستوعب النية اليوم كله، وهذا أخلى جزءاً من النهار من النية، وهذا كله في الفرض، لكن النفل يختلف، إذا نوى الفطر ولم يُفطر نقول لك أن تُكمل؛ لأن النية في النهار تُجزئ في النفل.

التردد في الصيام

التردد في الصيام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتردد فيه] هذا رجل تردد في أثناء النهار: أُفطر، لا أُفطر فهذا حصل عنده تردد، قال: كذلك يكون بذلك قد أفطر؛ لأن الواجب هو الجزم بالنية، والقول الثاني في المذهب: أن التردد في النية في أثناء النهار لا يُبطل الصوم، وهذا أرجح، وذلك لأن الأصل بقاء النية وإنما تردد هل يزيلها أم لا؟ بخلاف التردد في الليل، فلو أنه تردد: هل أصوم غداً أم لا أصوم؟ ومضى عليه الليل ودخل النهار وهو متردد، فواضح أنه لا يصح ذلك الصوم فريضة؛ لأنه تردد في الليل والواجب هو الجزم، لكن هذا جزم أصلاً في نيته ونوى، ثم إنه تردد: هل يقطع صومه فيفطر أم لا؟ فحصل عنده تردد، فهذا -على الصحيح وهو قول في المذهب- لا يُفطر بذلك، لكن لو جزم بالفطر فإنه يُفطر ولو لم يأكل ويشرب.

القيء عمدا

القيء عمداً قال رحمه الله تعالى: [القيء عمداً] لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض) والحديث رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح صححه جماعة كثيرة من أهل العلم، فقوله: (من استقاء) يعني: من طلب خروج القيء، وأما من ذرعه فإنه لا قضاء عليه، و (ذرعه) يعني: خرج بلا قصد، فمن ذرعه قيء -يعني: خرج القيء من غير قصد- فإنه لا يفطر، ومن استقاء فطلب خروج القيء -كالذي يُدخل إصبعه في فيه حتى يخرج ما في معدته- فإنه يُفطر. فإن قيل: ما هي الحكمة؟ فالجواب كما ذكر ابن عبد البر رحمه الله أن خروج الطعام من المعدة مظنة رجوع بعض منه، إذا خرج الطعام فوصل إلى الفم فإن هذا مظنة رجوع شيء منه إلى المعدة فيرجع شيء منه من الحلق أو من الفم إلى المعدة مرة أخرى، وعلى ذلك فمن استقاء فإنه يُفطر، ومن خرج منه القيء بلا قصد فإنه لا يُفطر بذلك.

الاحتقان

الاحتقان قال رحمه الله تعالى: [الاحتقان من الدبر] يعني: إذا وضع في دبره حقنة للتداوي، يعني دواء حقنة في الدبر، قال: كذلك يُفطر، وهذا هو المشهور في المذهب؛ لأن قاعدة المذهب -كما سيأتي- أن ما دخل في جوفه أو في المجوف في بدنه كالدبر فإنه يُفطر به، والقول الثاني في المسألة -وهو الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام - أن الحقنة في الدبر لا يُفطر بها الصائم، وذلك لأن الله جل وعلا قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] والحقنة ليست أكلاً ولا شرباً في عُرف المخاطبين بهذه الآية من العرب، فالعرب لا يعدون الحقنة طعاماً ولا شراباً، والله جل وعلا قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] وعلى ذلك فالراجح أن الحقنة لا يُفطر بها الصائم.

بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم

بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم قال رحمه الله تعالى: [بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم] وهي ما يخرج من الصدر أو يخرج من الدماغ، وهي شيء مستقذر معروف، إذا استخرجها من صدره إلى فيه ثم ابتلعها قصداً -وهذا لا يكاد يفعله أحد- فإنه يُفطر في المشهور في المذهب، فإن أخذها من الصدر إلى المعدة مباشرة، أو من الدماغ إلى المعدة مباشرة ولم يجمعها في الفم فإنه لا يُفطر، قالوا: لأنه يشق التحرّز من ذلك، وأما إذا جمعها في فيه ثم ابتلعها فإنه يفطر، والقول الثاني في المسألة -وهو رواية عن الإمام أحمد، واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله- أن ابتلاع النخامة ولو وصلت إلى الفم لا يُفطر به الصائم؛ لأن النخامة كالريق متحللة من الجوف، فكما أن من جمع ريقه ثم ابتلعه لا يُفطر فكذلك من ابتلع النخامة، وهذا هو الراجح.

الحجامة

الحجامة قال رحمه الله تعالى: [الحجامة خاصة حاجماً كان أو محجوماً] الحجامة معروفة، وهي استخراج الدم الفاسد إما بمص الحاجم، وإما بالآلة فقط، يعني: بأكواب يضعها على ظهره أو في موضع آخر، فالحجامة يُفطر بها الصائم في المشهور في المذهب، واستدلوا بما روى الخمسة إلا الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) قالوا: هذا يدل على أن الحاجم والمحجوم يُفطران بالحجامة، قالوا: والعلة تعبدية، يعني: لا نفقه العلة بل العلة مجهولة عندنا، ولذا فالمشهور في المذهب أن الحاجم يُفطر ولو كان يحجم بالأكواب، لقوله: (أفطر الحاجم والمحجوم). وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيرى أن العلة معقولة المعنى وليست تعبدية، قال: أما المحجوم فلأن بدنه يضعف بالحجامة، وأما الحاجم فإنما يُفطر إذا مص الآلة، وأما إذا كان يحجم بالكأس فقط -يعني: بالكوب- فإنه لا يُفطر بذلك، قال: فالعلة معقولة المعنى، فالذي يمص لا يأمن دخول الدم إلى جوفه، وأما الذي يحجم بالأكواب فقط فهذا لا يفطر؛ لأن الدم لم يصل إلى فيه بحيث يُخشى أن يدخل إلى جوفه. وقال جمهور العلماء: بل الحجامة لا تُفطّر ولا يُفطر بها الصائم، واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري (أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم) رواه البخاري في صحيحه، قال ابن عبد البر: لا اختلاف بين أهل العلم في صحته وثبوته، وقال ابن حجر: هذا الحديث لا نطعن فيه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وهو من حديث ابن عباس وهو مذهب راويه، فقد ثبت في البخاري معلقاً أن ابن عباس رضي الله عنه قال: الفطر فيما دخل لا فيما خرج، قالوا: وأما حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) فهو منسوخ، ويدل عليه ما جاء في سنن الدارقطني بسند قوي أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مر النبي عليه الصلاة والسلام على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يحتجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر هذان قال أنس: ثم رُخّص بعد في الحجامة للصائم) وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرّمهما إبقاء على أصحابه. وهذا هو القول الراجح، وأما حديث أفطر الحاجم والمحجوم فمنسوخ. ومن العلماء من قال: إن قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) يعني: يئول أمرهما إلى الفطر؛ لأن المحجوم يضعف بدنه فيشق عليه الصوم، وأما الحاجم فإنه لا يؤمن -كما تقدم- من دخول الدم إلى جوفه فيفطر بذلك. والمؤلف ذكر هنا الحجامة خاصة، وأما الفصد فإنه لا يُفطر به على المذهب، وكذلك جرح البدن بحيث يخرج الدم من غير أن تغور الآلة، فإذا جرح بدنه من غير أن تغور الآلة فإنه لا يُفطر بذلك، كذلك إذا أدخل أصبعه في أنفه فخرج الدم -وهو الرعاف- فإنه لا يُفطر بذلك، هذا على ما هو مشهور في مذهب الإمام أحمد. وأما التبرع بالدم فهو من جنس الحجامة، فالقائلون بأن الحجامة تُفطّر يكون التبرع عندهم من جنسها، يعني: إخراج الدم الكثير من جنسها، وأما إخراج الدم من البدن بجرحه -كما يُفعل هذا لمريض السكري- فلا يُفطر به الصائم حتى على المشهور في المذهب؛ لأن الآلة لا تغور، أما إخراجه سحباً -بأن تدخل الآلة حتى تسحب الدم- فهذا -على المشهور في المذهب- يُفطر به الصائم؛ لأن الآلة تغور، والذي يترجح -كما تقدم وهو قول الجمهور- أن الصائم لا يُفطر بذلك. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تردد الصائم في الفطر أثناء النهار

حكم تردد الصائم في الفطر أثناء النهار Q ما حكم تردد الصائم في الفطر أثناء النهار؟ A إذا تردد يُعتبر قد أفطر، لكن هل له أن يتم اليوم فيرجع فينوي من جديد؟ له ما دام أنه لم يأكل ولم يشرب، فإذا تردد قلنا: بطل صومك ولك أن تنوي من جديد، هذا فيما إذا نوى الفطر، أما إذا كان مجرد تردد فإن هذا لا يؤثر في أثناء النهار، وفي الليل إذا تردد في النفل نقول: الحمد لله، اعزم على النية ولا يضرك هذا، يعني: يدخل الفجر وهو متردد، ولما صلى الفجر عزم، فليس هناك مانع من صيامه.

حكم استعمال الصائم السواك

حكم استعمال الصائم السواك Q ما حكم السواك للصائم؟ A الصحيح أنه لا يُفطّر، السواك لا يُفطّر، لكن هل يكره بعد أذان الظهر؟ من العلماء من يكرهه، والصحيح أنه لا يُكره؛ لأنه لا يُذهب الخلوف؛ ومن أهل العلم من يقول: إنه لو أذهبه فلا مانع، ليس المقصود هو إذهاب الرائحة، بل المقصود أن هذه الرائحة مستحبة لأنها أثر مستحب للصيام، لأن الله يحب هذه الرائحة التي هي أثر عنه وليس المقصود أن العبد لا يزيلها كما سيأتي ذلك إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.

كتاب الصيام [4]

دليل الطالب_كتاب الصيام [4] من أحكام الصيام ما يتعلق بإنزال المني المفسد للصوم وأثر خروج المذي على الصوم، واستعمال بخاخ الربو وإجراء عمليات الغسيل الكلوي، وما يعتبر منفذاً يبطل الصوم بدخول شيء من خلاله إلى البدن، وغير ذلك من الأحكام المهمة للصائم.

تابع مفطرات الصائم

تابع مفطرات الصائم

ما يقع به الفطر من نزول المني وخروج المذي

ما يقع به الفطر من نزول المني وخروج المذي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إنزال المني لتكرار النظر، لا بنظرة ولا بتفكير ولا باحتلام]. إنزال المني هو شهوة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي في الصحيحين: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) وإنزال المني هو الشهوة، فإذا أنزل المني باختياره أولج أو لم يولج -والإيلاج كما سيأتي من المفطرات أنزل أم لم ينزل- فإذا أنزل المني باستمناء كالذي يستمني بيده، أو بمباشرة المرأة دون إيلاج، كأن يأتيها بين فخذيها، أو -كما ذكر المؤلف هنا- بالقبلة، قبّل فأمنى، أو مس المرأة بيده فأمنى، أو كرر النظر فأمنى، فهذا كله يفسد الصوم. والكلام هنا -كما تقدم- ليس في الإيلاج، فإن الإيلاج له حكم سيأتي إن شاء الله، فالكلام هنا في إنزال المني باختياره، لكن لو كان باحتلام حيث احتلم وهو نائم فأنزل، فهذا لا يفسد صومه؛ لأن هذا بغير اختياره، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) فإذا خرج المني -والمني هو السائل الذي يتكون منه الولد- بغير اختياره إما بمباشرة للمرأة، أو بمس المرأة بيده أو بقبلة، أو بتكرار النظر؛ لأن المني -كما تقدم- هو الشهوة، وفي الحديث: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) لكن إن أنزل بنظرة لا بتكرار، بل بنظرة واحدة فقط فقد قالوا: هذا لا يُفسد صومه؛ لأن هذا لا يمكن التحرز منه، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة، فالنظرة الأولى لك، فهذا نظر نظرة واحدة فأنزل، قالوا: يشق التحرز من ذلك. قال رحمه الله تعالى: [ولا بالتفكير] فكّر بامرأة فأنزل، فهذا -كذلك- لا يفسد صومه؛ لأن هذا -أيضاً- لا يمكن التحرز منه. وكذلك الاحتلام، فالاحتلام كذلك لا يفسد به الصوم؛ لأن هذا بغير اختياره. هذا كله تقرير ما ذكره المؤلف، وهو المشهور في المذهب، فإذا استمنى بيده فأنزل فهذا يفسد به الصوم؛ لأن هذه شهوة -كما تقدم- فكانت كالأكل والشرب في إفساد الصوم؛ لحديث: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي). لكن إذا قبّل فأنزل، أو مس بيده فقط فأنزل فهل هذا سبب معتاد للإنزال؟ أو يكون نزول المني في الحقيقة بغير اختياره؟ يكون نزوله بغير اختياره؛ لأن هذا ليس بسبب معتاد، ولذا مال صاحب الفروع في هذه المسألة إلى أنه لا يفسد صومه إذا قبّل فأنزل أو مس بيده فقط فأنزل؛ لأن هذا ليس بسبب معتاد، فيكون خروج المني هذا ليس باختياره؛ لأن هذا سبب ليس بمعتاد، إذا كرر النظر فأنزل، هل هذا سبب معتاد للإنزال؟ ليس بسبب معتاد للإنزال، ولذا قال الشافعية والأحناف: فإنه لا يفطر بذلك، لا يفسد الصوم بذلك. وهذا أرجح؛ لأن هذا ليس بسبب معتاد، لكن المباشرة سبب معتاد، باشر المرأة لكنه لم يولج، هذا سبب معتاد، هذا كالاستمناء باليد. إذاً: إذا استمنى بيده أو باشر المرأة -كالذي يباشرها بين فخذيها فينزل- يفسد صومه، وأما من نظر فقط وكرر النظر، أو فكّر، أو قبّل أو مس فالصحيح أنه لا يفسد صومه بذلك؛ لأن هذا ليس بسبب كما تقدم تقريره. إذا احتلم في نهار رمضان فإنه لا يفسد صومه باتفاق أهل العلم. إذاً -أيها الأخوة-: من استمنى فإنه يُفطر وقد فسد صومه ولكنه يمسك بقية يومه ولا يأكل ويشرب بعد ذلك، يجب عليه الإمساك، هذا رجل استمنى في أول النهار، نقول: فسد صومك لكن ليس لك أن تأكل وتشرب بعد ذلك، عليك الإمساك، وعليك القضاء؛ لأنه ليس بمعذور، ليس كالمسافر المعذور، أو المريض المعذور، بل هذا يجب عليه أن يتم هذا اليوم فيمسك ولا يؤذن له بالأكل والشرب والجماع، وعليه -كما تقدم- القضاء. من باشر المرأة دون الفرج فأنزل يفسد صومه، لكن من قبّل فقط أو مس فقط، أو كرر النظر فقط فأنزل فإن من أهل العلم من يقول: يفسد صومه، كالحنابلة، ومنهم من يقول: لا يفسد، وذلك لأن هذا ليس بسبب معتاد، وهذا -كما تقدم- هو الراجح. قال رحمه الله تعالى: [ولا المذي] فلا يفسد صومه إذا كرر النظر فأمذى، هذا رجل كرر النظر فأمذى، قالوا: لا يفسد صومه؛ لأن هذا لا يمكن التحرز منه، لكن خروج المني -كما قال بعد ذلك- أو المذي بتقبيل أو لمس أو استمناء أو مباشرة دون الفرج يفسد به الصوم. والمذي: سائل أبيض لزج يخرج عند تحرك الشهوة، إذا تحركت الشهوة خرج، هذا مقدمة للشهوة وليس هو الشهوة، فالشهوة هي المني الذي يكون منه الولد، لكن المذي يكون عند تحرك الشهوة، فهل المذي يفسد به الصوم أم لا؟ يعني: خروج المذي، المؤلف قال هنا: إن كان بتكرر النظر فإنه لا يفسد، وإن كان بالتقبيل أو بالمس أو بالمباشرة فإنه يفسد به الصوم. هذا رجل قبّل امرأته، أو مسها بيده، أو ضمها فخرج منه هذا السائل الأبيض اللزج ولم يخرج منه الماء، وإنما خرج هذا السائل الأبيض، فهل يفسد صومه أم لا؟ قال المؤلف هنا: يفسد صومه، والقول الثاني في المسألة -وهو قول الشافعية والأحناف- قالوا: لا يفسد صومه؛ وذلك لأن الأصل بقاء الصوم، قالوا: ولم يأت دليل يدل على أن خروج المذي مفطّر، وأما ق

حكم ما يصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ

حكم ما يصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ ثم قال رحمه الله: [كل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ من مائع وغيره] إلى آخر كلامه رحمه الله. إذا وصل إلى جوفه -والجوف: هو المعدة- أو إلى مجوف -كالحلق أو الدماغ- فإن الصائم يفطر بذلك، إلى جوفه: يعني: إلى معدته، وإلى مجوف: كالدماغ، هذا كله تقرير المشهور في المذهب. فإذا اكتحل فوصل طعم الكحل إلى حلقه، هل يفطر في المذهب؟ يفطر؛ لأنه وصل إلى مجوف وهو الدماغ، إذا تبخّر فوصل إلى دماغه فإنه يفطر، إذا وضع قطرة في أذنه فوصلت إلى الدماغ فإنه يفطر، إذا جُرح في بدنه جائفة وصلت إلى جوفه فأخذ دواء وأخذ يضع هذا الدواء داخل بطنه حتى يعالج هذه الجائفة أفطر في المذهب، إذا أدخل آلة -كالذي يأخذ تحليلاً- وكالذي يدخل آلة تصوير في باطنه إما من حلقه أو من دبره من أجل أن يصور باطنه -فهذا أيضاً يُفطر بذلك، ولذا قال: [فيفطر إن قطّر في أذنه ما وصل إلى دماغه، أو داوى الجائفة فوصل إلى جوفه، أو اكتحل بما علم وصوله إلى حلقه] مثل ذلك القطرة التي تكون في العين وتصل إلى الحلق، هذا كله تقرير للمشهور في المذهب، وفي هذه المسائل اختلاف بين أهل العلم في الكحول وفي القطرة وفي مسائل أخرى، ومثل ذلك أيضاً -كما تقدم في الدرس السابق- الحقنة إذا أُدخلت في الدبر، فإنَّه -على المذهب- يُفطر بذلك. القول الآخر في المسألة والراجح وهو اختيار شيخ الإسلام وطائفة من المحققين قالوا: إنه لا يفطر إلا بما يصل إلى معدته أو إلى دمه فيغذي بدنه، وعلى ذلك فلا يفطر إلا بما يعد أكلاً أو شرباً في العُرف، فما يُعد أكلاً أو شرباً فهذا هو الذي يفطر به الصائم، قالوا: لأن الله جل وعلا قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] ولم ينه الله جل وعلا عن الكحل ولا عن الحقنة ولا عن غير ذلك، قالوا: والشرع قد بيّن مبطلات الصلاة، وقد بيّن لنا نواقض الوضوء، ولو كان ذلك -أي: الذي ذكره الفقهاء- من مفسدات الصوم لبيّنه الشارع كما بيّن لنا نواقض الوضوء؛ لأن الصوم ركن من أركان الإسلام، فلو كانت هذه من مفسداته لبيّنها الشارع الحكيم، قالوا: والمخاطبون الذين نزل القرآن بلغتهم -وهم العرب- لا يعدون الكحل أكلاً ولا شرباً، فلو أن أعرابياً حلف أن لا يأكل يومه ذلك فاكتحل، فهل يكون قد حنث في يمينه؟ ولو حلف أن لا يأكل ولا يشرب فوضع حقنة في دبره أو وضع قطرة في أذنه أو داوى جائفته فهل يُعد آكلاً أو شارباً، ويكون حانثاً في يمينه؟ لا. وهذا القول هو القول الراجح. إذاً: ما يُعد أكلاً أو شرباً هو الذي يُفطر به الصائم، وعلى ذلك فلو اكتحل -ولو وصل الطعم إلى حلقه- فإنه لا يُفطر، ولو وضع قطرة في أذنه ووصلت إلى دماغه فإنه لا يفطر، ولو وضع حقنة في دبره فإنه لا يُفطر، وكذلك لو تبخّر بالبخور على الصحيح، ومن العلماء من يرى أن البخور مفطّر، والراجح أنه لا يفطّر، لا يفسد به الصوم؛ لأنه -وإن وصل إلى الدماغ- لا يُعد أكلاً ولا شرباً، وقد جاء في البخاري أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهيناً مترجلاً) وتعلمون أن الذي يدّهن يصل هذا إلى بدنه، ينفذ إلى البدن، ولذا تداوى الأعصاب وباطن البدن بكثير من الأدهان، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الذي يدّهن على بدنه أنه لا يفسد بذلك صومه.

حكم غسيل الكلى واستعمال بخاخ الربو وإبرة السكر

حكم غسيل الكلى واستعمال بخاخ الربو وإبرة السكر وغسيل الكلى هل يحصل به الفطر؟ غسيل الكلى إن وضع معه ما يغذي البدن بتقرير الطبيب فإنه يفطّر، وأما مجرد الغسيل فإنه لا يُفسد الصوم، لكن إن أحب أن يُفطر؛ لأنه يضعف بدنه بعد الغسيل فله ذلك، إذا ضعف بدنه فله أن يُفطر، لكن مجرد الغسيل هذا لا يحصل به الفطر. والبخاخ الذي يكون للربو كذلك، فهذا يوسع الشعب الهوائية فقط. والإبرة من الأنسولين التي تخفض السكري عندما يرتفع، هذه لا يفسد بها الصوم، لكن إذا كانت من الجلوكوز -وهي التي ترفع السُكري عند انخفاضه، إذا انخفض السكري أُعطي إبرة ليرتفع- فهذه فيها غذاء؛ لأن الجلوكوز غذاء. إذاً: الطبيب يقرر لنا هل في هذه الإبرة غذاء أم ليس فيها غذاء؟ فإذا كان فيها غذاء فإنها تُفطّر الصائم وتُفسد صومه، وإذا لم يكن فيها غذاء فإنها لا تفسد الصوم.

حكم مضغ العلك ونحوه

حكم مضغ العلك ونحوه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو مضغ علكاً أو ذاق طعاماً ووجد الطعم بحلقه] إذا مضغ علكاً ولم يكن هذا العلك متحللاً، يعني: علكاً قوياً، فأخذ العلك القوي فمضغه فلم يتحلل -كما لو مضغ بلاستيكاً أو خرقة- فإنه لا يُفطر، فإن كان مما يتحلل -يعني: فيه طعام بحيث إنه إذا علكه تحلل هذا الطعام ودخل جوفه- فإنه يُفطر بذلك. إذاً: عندنا علك قوي لا يتحلل، وعندنا علك يتحلل، فالعلك الذي يتحلل إذا مضغه وبلع فهذا الذي في فيه مما تحلل مع الريق فإنه يفطر بذلك. إذاً: العلك الذي يتحلل يفطر، والعلك الذي لا يتحلل لا يفطّر؛ لأن العلك الذي لا يتحلل مثل الخرقة، أو مثل البلاستيك. قال رحمه الله تعالى: [أو ذاق طعاماً ووجد الطعم بحلقه] هل يجوز له أن يتذوق -أي: الصائم- الطعام؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: (لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء يريد شراءه) رواه البخاري معلّقاً، قال الفقهاء كالحنابلة: يجوز له أن يتذوق الطعام للحاجة، فإن كان لغير حاجة فيُكره، يعني: لا يكره أن يتذوق الطعام لحاجة، فإن كان التذوق لحاجة لم يكره، يأخذ -مثلاً- من الخل ويضع على طرف لسانه، أو المرأة تضع على طرف لسانها لتتذوق في طرف لسانها هل فيه ملح أو لا؟ هذا لا بأس به، لكن إن وصل إلى حلقه أفطر، وعلى ذلك قال الفقهاء: يبصق، إذا تذوّق بصق حتى لا يدخل الطعام إلى حلقه، وإنما يكتفي -فقط- بذوق الطعام بلسانه من غير أن يصل الطعام إلى حلقه. إذاً: لا بأس أن يتذوق، ولكنه بعد التذوق يبصق لئلا يصل الطعام إلى حلقه، هذا هو تقرير المذهب.

حكم بلع ما يكون على الشفتين من الريق

حكم بلع ما يكون على الشفتين من الريق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو بلع ريقه بعد أن وصل إلى ما بين شفتيه] إذا ابتلع الريق من الفم فإنه لا يُفطر ولو جمع ريقه ثم ابتلعه، لكن هنا يقول المؤلف: إذا أخرجه إلى الشفتين -أخرج الريق إلى الشفتين- فإنه يفطر بذلك، كما لو بلع ماءاً. إذاً: عندنا إذا ابتلع الريق من الفم مباشرة فهذا ما فيه شيء، لكن إذا أخرج الريق حتى وصل الريق إلى الشفتين، أصبح الآن خارج البدن، ثم ابتلعه بعد ما جمعه هنا على شفتيه، قالوا: يفطر بذلك. والذي يترجح أنه لا يفطر؛ لأن الريق ليس طعاماً ولا شراباً، الريق لا يعد طعاماً ولا شرباً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن مثل هذا الفعل لا فائدة منه وهو عبث. إذاً: إن بلع ريقه أو جمعه فابتلعه فهذا لا شيء فيه ولا حرج عليه في ذلك، وإن أخرجه حتى كان على الشفتين ثم ابتلعه ففي المذهب أنه يفسد بذلك صومه، والقول الثاني وهو الراجح: أنه لا يفسد بذلك صومه؛ لأن ذلك لا يُعد أكلاً ولا شرباً، ونقف عند هذا القدر، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

بيان مذهب العامي

بيان مذهب العامي Q ما هو مذهب العامي؟ A العامي يقلِّد عالماً يثق به، ومذهبه مذهب من أفتاه، الناس مذهبهم مذهب من يفتيهم، فإذا وجدوا من يستفتونه وهو من أهل العلم وممن لا يتبع الهوى ويترك شواذ المسائل ويأخذ بالدليل، وقد درس الفقه على أهل العلم، وأخذ الفقه على المذاهب فهو صاحب معرفة في الفقه ويوثق به، فإنهم يستفتونه ويأخذون عنه العلم ولو خالف المذهب.

حكم تداوي الصائم

حكم تداوي الصائم Q ما حكم تداوي الصائم؟ A يجوز له أن يُفطر إذا احتاج إلى دواء، فإن أمكن أن يضع الدواء وهو صائم فلا مانع، لأنه عندما تضع عليه دواء ولا تبلعه فهذا ما يضر، لكن إن احتجت إلى أن تبلع ويشق عليك ذلك فإنك تفطر وتقضي هذا اليوم.

حكم مضغ العلك

حكم مضغ العلك Q ما حكم مضغ العلك؟ الشيخ: العلك إذا كان قوياً، بمعنى أنه علك قد عُلك قبل فأصبح لا طعم فيه، إذ هناك علك قوي لكن فيه طعم، لكن إذا كان مثل الخرقة والبلاستيك وقد ذهب طعمه، وأما إذا كان فيه طعم فإنه يُفسد، سواء كان الطعم مرارة أو طعم سُكّر، كان حلاوة أو مرارة، هذا يُفطّر إذا دخل إلى الحلق.

حكم فطر الصائم أثناء النهار بتناول الدواء

حكم فطر الصائم أثناء النهار بتناول الدواء Q ما حكم فطر الصائم بتناول الدواء؟ A يجوز له إذا كان يأخذ دواء أن يُفطر إذا قال له الطبيب: لازم أن تأكل علاجاً في الساعة الفلانية أو في كذا.

حكم تقبيل الصائم امرأته

حكم تقبيل الصائم امرأته Q ما حكم القبلة للصائم؟ A قبلة المرأة ومباشرة المرأة هذه لا يُفطر بها الصائم، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُباشر ويقبّل وهو صائم، لو أمذى، لكنه يُكره للشاب الذي تحرك شهوته، وإن كان لا يأمن على نفسه فلا يجوز له؛ لأن القبلة قد تدعوه إلى الجماع.

كتاب الصيام [5]

دليل الطالب_كتاب الصيام [5] من أحكام الصيام ما يتعلق بتناول المفطر مع النسيان والإكراه، وكذا مع الجهل، وما يتعلق بالأكل مع الشك في طلوع الفجر، واغتسال الصائم للتبرد وتمضمضه ونحو ذلك.

حكم تناول المفطر مع النسيان والإكراه

حكم تناول المفطر مع النسيان والإكراه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يُفطر إن فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو مكرهاً] من أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه لا قضاء عليه ولا كفارة، ففي الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وعلى ذلك فإذا أكلت ناسياً ثم تنبهت أو نُبّهت أنك صائم فماذا يجب عليك؟ يجب أن تمسك بقية اليوم، فلو كان بعض الطعام في فيك وجب أن تلفظه ولا تبتلع هذا الذي في فيك، ولا تأخذ لقمة أخرى أو تمرة أو نحو ذلك فتأكلها بعد أن ذكرت، ولا يجب عليك القضاء، وفي مستدرك الحاكم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أفطر ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة). ومن رآه فهل يُشرع له أن ينبهه ويقول: يا فلان! أنت صائم، أو يتركه؟ فيه قولان لأهل العلم فمن أهل العلم من يقول: إنه لا يجب عليك أن تنبهه فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولذا قال في الحديث: (فإنما أطعمه الله وسقاه) وقال بعض العلماء: بل يجب، وهذا من جنس الإنكار على الجاهل، فالجاهل معذور ويجب أن تُنكر عليه وهو جاهل. والذي يترجح أنه لا يجب، وهناك فرق بين الجاهل وبين الناسي من جهة أن الناسي يعلم بالحكم ولكن طرأ عليه النسيان، وأما الجاهل فإذا لم يُعلّم استمر على جهله في مستقبل أيامه، وأما هذا فإنه ناسٍ والناسي يتذكر، وقد يتكرر منه النسيان، لكن الجاهل لابد من تعليمه؛ لأنا إذا تركناه بلا علم كرر خطأه في مستقبل أيامه، واستمر على جهله، وعلى ذلك فلا يجب، إن نبهه فلا بأس وإن تركه فلا بأس. قال رحمه الله تعالى: [أو مكرهاً] لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وعلى ذلك فلو أنه دخل بغير اختياره شيء من الطعام إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك، ولذا قال المؤلف: [ولا إن دخل الغبار حلقه أو الذباب بغير قصده] لأن هذا ليس باختياره، إذاً: لا يُفطر إلا من كان ذاكراً لا ناسياً، ومختاراً لا مكرهاً.

حكم تناول المفطر جهلا

حكم تناول المفطر جهلاً لم يتعرض المؤلف هنا للجهل هل يُعذر الجاهل أو لا يُعذر؟ المشهور في المذهب أنه لا يُعذر، ولذا لم يذكره المؤلف بناءً على المشهور عند الحنابلة، أن الجاهل في هذا الباب لا يُعذر، وعلى ذلك فلو أنه استقاء وقال: أنا ما علمت أن من استقاء فإنه يُفطر بذلك، ما علمت بهذا، وكان مثله يجهل فهو في بلد لا ينتشر فيها العلم ولم يعلم أن من أدخل أصبعه في فيه فأخرج الطعام أنه يُفطر، فقالوا: عليه القضاء، هذا المشهور في المذهب، كذلك من أكل قبل غروب الشمس يظن أن الشمس قد غربت، هذا جاهل بالوقت أو بالحكم؟ جاهل بالوقت يظن أن الشمس قد غربت، يعني: نظر فيما حوله وفيما عنده وغلب على ظنه أن الشمس قد غربت، بعض الناس يأكل وهو لم ينظر إلى الساعة ولم يخرج لينظر إلى الشمس، هذا مفرّط عليه القضاء، لكن بعض الناس هذا هو علمه، كشيخ كبير في بيته سمع صياحاً وهو لا يعرف الساعة ولا يعرف الوقت ولا يستطيع أن يقوم، وليس عنده أحد، فلما سمع هذا ظن أن المؤذن يؤذن فأكل لا استعجالاً، لكن هذا هو علمه، وهذه هي قدرته، فالمشهور في المذهب أن عليه القضاء، والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام، واختاره أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين وهو قول طائفة من السلف، وقول أبي الخطاب من الحنابلة، قالوا: إن الجاهل يُعذر كالناسي وكالمكره، كما أن الناسي يُعذر وكما أن المُكره يُعذر فالجاهل كذلك يُعذر سواء كان جاهلاً بالحكم أو كان جاهلاً بالوقت، واستدلوا بقصة عدي بن حاتم رضي الله عنه، فإنه أخذ عقالين أسود وأبيض فجعل ينظر إليهما ويأكل، وذلك قبل نزول قوله جل وعلا: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] قبل نزول قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فجهِل رضي الله عنه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار). الخيط الأبيض: هذا بياض الليل، البياض المعترض الذي يكون في الجانب الشرقي، هذا هو الخيط الأبيض، والخيط الأسود: هو الليل، والحديث متفق عليه، ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بالقضاء، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، واستدلوا أيضاً بما ثبت في البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: (أفطر الناس في يوم غيم ثم طلعت الشمس) وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهشام بن عروة -وهو الراوي عن أسماء - قيل له: هل قضوا؟ قال: لا أدري، وفي رواية قال: وهل بد من قضاء؟! يعني: لا بد من القضاء، هذا اجتهاد منه ورأي منه، ولكنه قال: لا أدري؛ وقد تقدم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وليس في الحديث أنهم قضوا ما عليهم، أنهم قضوا هذا اليوم، وعلى ذلك فنقول: الراجح أن الجاهل بالوقت أو الجاهل بالحكم لا يُفطر، فاجتمع لنا ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون مختاراً، وضد المختار المكره. الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، وضد الذاكر الناسي، أن يكون ذاكراً لا ناسياً. الشرط الثالث: أن يكون عالماً، وضده الجاهل، الجاهل بالوقت أو الجاهل بالحكم. وعلى ذلك فإذا أفطر جاهلاً بالوقت أو جاهلاً بالحكم وكان منه تفريطاً هل يُقبل منه ذلك؟ لو أن رجلاً قال: ما علمت أن الجماع مفطّر وهو في بلد فيها علم، هل يُقبل منه ذلك؟ ما يُقبل، فالجاهل إنما يُعذر إذا لم يكن مفرطاً، لكن إذا كان عنده تفريط فإنه لا يُعذر، إذاً: من أكل أو شرب ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً بالوقت أو بالحكم فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، ولكن هل كل جاهل يُعذر؟ من هو الجاهل المعذور؟ الجاهل الذي لم يفرّط وكان مثله يجهل، بعض الناس يعيشون في بادية، أو يعيشون في بلد لا ينتشر فيه العلم، لا يسمح للناس بالعلم، أو ليس فيه علماء، أو يكونون في أماكن في بلاد كانت تحت حكم يُبعدهم عن العلم كالبلاد التي تعيش تحت الحكم الروسي سابقاً، هؤلاء عندهم جهل شديد، فإذا كان جاهلاً ولم يُفرّط فإنه يُعذر. فالتفريط بمعنى أن يكون العلم متيسراً ولم يطرق بابه، يكون عنده مدارس فيها ناس يدرسون، ولله الحمد فعندنا في هذه البلاد مدارس، الناس يدرسون المسائل الشرعية، الناس يسمعون في الإذاعة وفي غيرها، والكتب متيسرة، لكن هناك مسائل قد تخفى لقلة وقوعها، فإذا كانت هذه المسائل مما قد يخفى قُبل جهله، وأما إذا كانت المسألة ظاهرة فإنه لا يُقبل فيها الجهل، كما لو أن شاباً استقاء وقال: ما عرفت، هذا قد يُقبل منه ذلك، لكن لو أكل أو شرب وقال: ما عرفت لا يُقبل منه، مثل الإشارة، لو جاء رجل وقطع الإشارة وقال: أنا ما عرفت أن الإشارة الحمراء تقف عندها، هل يقبل ذلك منه؟ ما يُقبل ذلك منه، لكن لو أتى إلى شارع جديد والشا

حكم الأكل مع الشك في طلوع الفجر

حكم الأكل مع الشك في طلوع الفجر من أكل شاكاً في طلوع الفجر، فلا شيء عليه؛ لأن الأصل بقاء الليل، يعني: هو ينظر إلى الخيط الأبيض من الخيط الأسود وعنده شك فأكل أثناء الشك، هذا لا يؤثر؛ لأن الأصل بقاء الليل، لكن من كان عنده شك هل غربت الشمس أو لم تغرب، فهل له أن يأكل أو يشرب؟ لا؛ لأن الأصل بقاء النهار، أما حديث (أفطر الناس في يوم غيم) فهم تيقنوا أن الشمس قد غربت، ما هو بشك، عندهم يقين (أفطر الناس في يوم غيم ثم طلعت الشمس) فقد تيقنوا -أو غلب على ظنهم- أن الشمس قد غربت، لكن لو كان مجرد شك لا يدري هل غربت أو لم تغرب، فإذا أكل كان عليه القضاء. قال رحمه الله تعالى: [ولا إن جمع ريقه فابتلعه] إذا جمع ريقه فابتلعه -والريق: هو اللعاب- فإنه لا شيء في ذلك، وهل يكره؟ الصحيح أنه لا يُكره، وهو اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله؛ لأنه لا دليل على الكراهة، لا يكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، وتقدم لكم أنه إذا جمعه في شفتيه ثم ابتلعه فمن أهل العلم من يرى أنه يفسد صومه، والراجح أنه لا يفسد.

حكم تمضمض الصائم

حكم تمضمض الصائم ما حكم المضمضة للصائم؟ حكم المضمضة في غير وضوء أنه لا حرج أن يتمضمض، فإنه لما سأل عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ قال له: (أرأيت لو تمضمضت؟ قال: لا بأس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ففيم؟!) فالمضمضة جائزة للصائم ولكن ليس له أن يبتلع هذا الماء بل يجب عليه أن يمجه، فإذا تمضمض أخرج هذا الماء ومجّه، فيخرج هذا الماء الذي في فيه ولا يجب أن يتكلف، بعض الناس يجلس إذا تمضمض دقائق أحياناً وهو يبصق! ولا يحتاج إلى هذا، أنت عندما تتمضمض للصلاة تتمضمض كالوضوء المعتاد، تُخرج الماء ويكفي، إذا شعرت أن هناك ماء في فيك باقياً فأخرجه ويكفي هذا، بعض الناس يُكثر من البصق حتى يشق على نفسه، هذا لا يُحتاج إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولم يأمر بذلك عليه الصلاة والسلام، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والمسلم يتمضمض للصلوات، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يُكثر من البصق، وعلى ذلك فإذا تمضمضت فأخرجت الماء من فيك فلا بأس، يكفي هذا.

حكم اغتسال الصائم للتبرد

حكم اغتسال الصائم للتبرد هل للصائم أن يغتسل للتبرد؟ لا بأس بذلك، ولذا جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح وهو جنب ثم اغتسل كما في الصحيحين، وكان -كما في سنن أبي داود - يصب الماء على رأسه لشدة الحر أو العطش وهو صائم عليه الصلاة والسلام، ولا بأس كذلك بأن يدّهن بالأدهان بوجهه وبيديه أو شفتيه، لا بأس بذلك، ويدل على ذلك ما ثبت في البخاري معلقاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهيناً مترجلاً) والأثر رواه البخاري معلقاً، ونقف عند هذا القدر، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

كتاب الصيام [6]

دليل الطالب_كتاب الصيام [6] من الأحكام المشتهرة في أحكام الصيام ما يتعلق بجماع الصائم في نهار رمضان، إذا تتعلق به جملة من الأحكام منها شرط وجوب الكفارة عليه، وحكم الكفارة على من جامعها، ونوع الكفارة وغير ذلك من الأحكام.

حكم الجماع في رمضان

حكم الجماع في رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل]. هذا الفصل في حكم من جامع في نهار رمضان، والأصل في هذا الفصل ما ثبت في الصحيحين (أن رجلاً أتى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! هلكت -وفي رواية: احترقت- قال: وما أهلكك؟ قال: يا رسول الله! وقعت على امرأتي في نهار رمضان وأنا صائم. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: هل تجد ما تُطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، فأتي النبي عليه الصلاة والسلام بعرق فيه تمر فقال: خذ هذا فتصدّق به. قال: وعلى أفقر منا يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي) يعني: ما بين لابتي المدينة وهما الحرتان: الحرة الشرقية والحرة الغربية، وهذا الحديث فيه وجوب الكفارة على من جامع في رمضان، وتقدم أن الصوم له مفسدات من الأكل والشرب، والحجامة، والجماع، والإنزال، والاستقاء عمداً، أي: إخراج القي عمداً، تقدم شرح هذه المفسدات، والواجب فيها القضاء، من أفطر بأكل أو شرب أو بإنزال أو بغير ذلك فالواجب عليه القضاء، لكن هذا الفصل في وجوب أمر زائد عن القضاء في خصوص الجماع، فمن جامع في نهار رمضان فعليه الكفارة: عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن جامع نهار رمضان في قُبل أو دُبر] يعني: في فرج، سواء كان هذا الفرج هو القُبل -وهو قُبل المرأة- أو كان في دبر. قال رحمه الله تعالى: [ولو لميت] هذا شذوذ، قد يطأ الرجل ميتة، بعض الناس قد يقتل ويطأ، أو يجدها ميتة فيطأها. قال رحمه الله تعالى: [ولو بهيمة] وهذا أيضاً من الشذوذ، فإذا حصل وطء أنزل أم لم ينزل، كرجل وطئ امرأته في رمضان، بمعنى: أولج، فإذا أولج في الفرج فالتقى ختانه بختانها فقد وجب الغُسل، وكذلك سائر الأحكام، فإذا وطئ امرأ في نهار رمضان أنزل أو لم ينزل فعليه الكفارة، إذاً: هل يشترط الإنزال؟ لا، أنزل أم لم ينزل، فإن لم باشر فأنزل، يعني: أتى المرأة بين فخذيها لكنه لم يولج لا في قُبل ولا في دُبر، فما الواجب عليه؟ القضاء فقط، ولو استمنى بيده فالواجب عليه القضاء فقط، ولو قبّل فأنزل أو مس فأنزل أو نحو ذلك فالواجب عليه في المذهب القضاء فقط، وتقدم الخلاف في القُبلة وفي المس، إذاً: لا بد من إيلاج أنزل أم لم ينزل. وأما وجوب الكفارة بالأكل أو الشرب ففيه خلاف، والصحيح المشهور في المذهب أنه لا تجب به الكفارة، وإلا فمن أهل العلم من يوجب في كل مفسد حتى في الأكل والشرب، لكن الصحيح أنه تجب فقط في الوطء في قُبل أو في دُبر وإن كان وطء الدبر حراماً لا يجوز، لكن عليه مع الإثم الكفارة.

من تلزمه الكفارة بالجماع

من تلزمه الكفارة بالجماع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [في حالة يلزمه فيها الإمساك] فإن كان لا يلزمه الإمساك مثل المسافر ومثل المريض لو جامع وكانت المرأة معذورة فهل في ذلك شيء؟ لا شيء في ذلك، جامع امرأته وهو مسافر؛ لأنه معذور بالفطر. قال رحمه الله تعالى: [مكرهاً كان أو ناسياً لزمه القضاء والكفارة] مكرهاً أو ناسياً، قالوا: حتى لو كان الرجل مكرهاً، قالوا: لأن الذكر لا ينتشر مع الإكراه، والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخنا الشيخ محمد رحمه الله قال: إن المكره معذور، وذلك لأن الرجل إذا هُدد بالقتل على أنه يجامع هذه المرأة، وكان ذلك -مثلاً- في رمضان، فإذا قرب من المرأة وإن كان مكرهاً فقد ينتشر ذكره لأنه كان مكرهاً؛ لأنه أكره في حال الابتداء وبقي الإكراه لكن الشهوة غلبته فانتشر ذكره، وعلى ذلك فالصحيح أن المكره معذور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). قال رحمه الله تعالى: [أو ناسياً] يقول: إن الناسي ليس بمعذور، إذا وطئ الرجل امرأته وهو ناس فليس بمعذور، قالوا: لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستفصل من الرجل الذي جامع امرأته، لم يقل: هل كنت ناسياً أم لا؟ وترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنزّل منزلة العموم في المقال، يعني: هذا له حكم العموم، لما لم يستفصل دل على أن الحكم عام يستوي فيه النسيان والذُكر، والصحيح أن الناسي معذور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أفطر ناسياً فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وقال عليه الصلاة والسلام: (من أفطر ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة) رواه الحاكم، (من أفطر ناسياً) دخل في ذلك الجماع، وأما قصة هذا الرجل؛ فلأن الأصل عدم النسيان، الأصل أن الإنسان يأتي هذا الفعل وهو ذاكر ليس بناس هذا هو الأصل، ولأن الرجل قال: (هلكت) و (احترقت)، والإنسان إنما يصف نفسه بذلك إذا لم يكن ناسياً؛ لأنه يقول: احترقت وهلكت، فدل على أنه كان ذاكراً وأنه كان مختاراً، وعلى ذلك فالراجح -وهو قول الجمهور-: أن الناسي يُعذر، وكذلك الجاهل على اختيار شيخ الإسلام، وعلى ذلك فالجماع كغيره يُعذر فيه الناسي ويُعذر الجاهل ويُعذر المكره، لكن الجاهل متى يُعذر؟ إن كان مثله يجهل ولم يكن مفرّطاً، أما إذا كان مفرطاً في السؤال مفرطاً في العلم فإنه لا يُعذر، إذا كان العلم متيسراً سهلاً أسبابه متيسرة وهو مع ذلك لم يسأل فإنه يكون غير معذور. إذاً: الناسي والجاهل والمكره يُعذرون في مسألة الجماع في نهار رمضان على الصحيح.

حكم من جومع في رمضان

حكم من جومع في رمضان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا من جومع إن طاوع] انتهينا من الذي جامع، بقي الذي جومع كالمرأة، قلنا: إن الذي جامع تجب عليه الكفارة إذا أولج -أنزل أم لم ينزل- في أي فرج قُبلاً كان أو دبراً من حيوان أو إنسان، من حي أو ميت، ولكن قلنا: إن الصحيح أن الناسي والجاهل والمكره يعذرون، وننتقل الآن إلى من جومع كالمرأة. قال رحمه الله تعالى: [وكذا من جومع إن طاوع] الذي يُجامع في قبله أو في دبره -كالمرأة- هذا عليه الكفارة [إن طاوع] يعني: إن كان مختاراً، فإن كان مكرهاً فلا شيء عليه، حتى على المذهب لا شيء عليه، وعلى ذلك فالمرأة لو جامعها زوجها وهي مطاوعة مختارة ليست بمكرهة فما الواجب عليها؟ تجب عليها الكفارة أيضاً، فعلى زوجها كفارة وعليها كفارة. قال رحمه الله تعالى: [غير جاهل وناس] إن كان جاهلاً أو ناسياً فإنه يعذر، قالوا: المُجامَع يختلف، المُجامَع يُعذر عند الإكراه ويُعذر عند الجهل ويُعذر عند النسيان، وأما المُجامِع الذي يجامع فإنه لا يُعذر، والصحيح أنه يُعذر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان). إذاً: المرأة عليها كفارة إذا جومعت مطاوعة ولم تكن معذورة، لكن لو كانت المرأة قد طهرت من حيضها فأتاها الرجل وجامعها، فهل عليها كفارة؟ كان معها زوجها الضحى وكانت حائضاً فطهرت في الساعة العاشرة ضحى فاغتسلت لصلاة الظهر فجامعها، هل عليها كفارة؟ لا؛ لأن عليها قضاء هذا اليوم في الأصل، وتقدم أن المرأة إذا طهرت من الحيض لم يجب عليها الإمساك، لكن ليس لها أن تمكنه من نفسها وهو صائم حتى لا تعينه على الإثم، والله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] لكن لو طاوعت فعليها الإثم، وعليها الاستغفار، ولكن لا كفارة عليها، لم؟ لأنه لا يجب عليها الصوم في ذلك اليوم على الصحيح. وتقدم أن المرأة عليها كفارة إن لم تكن معذورة، إن كانت مطاوعة ومختارة ذاكرة عالمة فعليها الكفارة، فإن قيل: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يوجب في هذا الحديث على المرأة كفارة وإنما أوجب على الرجل! قال له: (هل تجد له رقبة تعتقها؟ قال: لا) فما الجواب؟ نقول: الجواب أن المرأة لم تكن سائل: وإنما السائل هو الرجل، ثانياً: المرأة قد تكون معذورة ولذا لم يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم بحكم، ثالثاً: أن حكمها يُعرف بالقياس؛ لأن النساء شقائق الرجال، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (النساء شقائق الرجال) كما لو جاءك شخص وقال: صليت أنا وفلان وفعلنا وفعلنا، والإعادة تلزم الاثنين، فماذا تقول؟ تقول له: أعد، فأين حكم الآخر؟ الآخر لم يسأل؛ لأن حكم هذا يُعرف به حكم الآخر.

كفارة الجماع في رمضان

كفارة الجماع في رمضان قال رحمه الله تعالى: [والكفارة عتق رقبة] هذه الكفارة عتق رقبة، ما هي الرقبة؟ العبد أو الأمة المملوك، وكان هذا موجوداً في السابق مشتهراً وجوده، أما الآن فهو نادر، فيجب عليه أن يُعتق رقبة، يعني: يحرر رقبة من الرق. قال رحمه الله تعالى: [فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين] هل هو بالخيار أم على الترتيب؟ على الترتيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب. قال: [فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين] إن كان بدأ في أول الشهر، بدأ -مثلاً- من أول رجب فيصوم رجب وشعبان، وإن كان أحدهما ناقصاً أو كانا ناقصين، لكن لو بدأ من اليوم الثاني أو اليوم الثالث ولم يبدأ من أول يوم فيجب عليه أن يصوم ستين يوماً، وهل له أن يفطر إذا سافر أو مرض؟ له كرمضان، فإذا سافر أفطر، فإذا رجع أكمل مباشرة، يبادر، الذي يصوم الشهرين المتتابعين لو أنه أصبح مريضاً مرضاً يبيح له الفطر نقول: أفطر فإذا جاء الغد فصم. قال رحمه الله تعالى: [فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً] لكل مسكين كيلو ونصف، فإن كان الطعام من الطعام الجيد كالأرز فيكفيه ربع الصاعت، وربع الصاع هو ثلاثة أرباع الكيلو.

حكم المعسر عن الكفارة

حكم المعسر عن الكفارة قال رحمه الله تعالى: [فإن لم يجد سقطت عنه] هذا رجل قال: لم أجد رقبة ولا أستطيع أن أصوم الشهرين المتتابعين وليس عندي ما أطعم به ستين مسكيناً، فإنها تسقط عنه؛ لأنه معسر، ولذا قالوا: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يوجب ذلك في ذمة الأعرابي، لم يقل: هذا في ذمتك. وإنما سكت النبي عليه الصلاة والسلام، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، قالوا: فدل على أنها قد سقطت. قال رحمه الله تعالى: [بخلاف غيرها من الكفارات] لأن هذا الحديث يدل على إسقاطها، وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة، قالوا: ولا كفارة في رمضان بغير الجماع، فلو أنه استمنى أو باشر هل عليه الكفارة؟ لا. ولو كان في غير رمضان، كرجل في يوم قضاء، أو في يوم صيام كفارة، أو في يوم صيام نذر، أو في يوم صيام تطوع جامع، فهل عليه الكفارة؟ لا. هذا رجل سافر فكان عليه يوم من رمضان، ثم إنه قضاه -مثلاً- في الخامس عشر من شوال فجامع امرأته، فسد صومه، ولكن هل عليه الكفارة؟ لا. فهي في رمضان فقط لحرمة الشهر، ولو أنه جامع في صيام نذر، نذر أن يصوم أسبوعاً فجامع امرأته في هذا الأسبوع، فهل عليه الكفارة؟ لا، فالكفارة -إذاً- في نهار رمضان فقط، وأما في غيره فلا، لا في صيام واجب ولا في صيام تطوع، فإن كان الصيام واجباً فعليه الاستغفار، وأما المتطوع فهو أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر. قال رحمه الله تعالى: [والإنزال بالمساحقة] يقول: إذا حصلت مساحقة بين امرأتين -وهذا أيضاً من الشذوذ وهو منهي عنه- فأنزلا -أنزلت هذه وأنزلت هذه- فعلى كل منهما الكفارة، وإن لم تنزل هذه وأنزلت هذه فعلى التي أنزلت الكفارة، والقول الثاني في المسألة والذي مشى عليه في الإقناع أن الكفارة لا تجب في المساحقة وإنما يفسد بها الصوم أنزلت أم لم تنزل، وهذا هو الصحيح؛ لأن المساحقة ليس فيها إيلاج، فالصحيح أن المساحقة يفسد بها الصوم ولكن لا كفارة، فيفسد الصوم وعليهما الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله جل وعلا، ولكن لا يجب في ذلك الكفارة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الكفارة في حال اليسر بعد سقوطها بالعسر

حكم الكفارة في حال اليسر بعد سقوطها بالعسر Q هل تسقط الكفارة عن المعسر ولو أيسر؟ A المشهور في المذهب أنه حتى لو أيسر، ومن أهل العلم من يقول: تبقى في ذمته، فإذا قلنا: تبقى في ذمتك إذا أيسرت لزمته حال اليسار، أما المشهور في المذهب هنا فإنهم يقولون: تسقط، فلو أيسرت بعد ذلك لم تجب عليك.

حكم فطر المسافر في الطريق

حكم فطر المسافر في الطريق Q نوينا السفر ونوينا الصيام، لكن لما رأيت المرأة غلبتني نفسي فجامعتها وأفطرت بالجماع، فما الحكم؟ A لا شيء عليه لأنه مسافر، فإن رجع زال العذر، كرجل مسافر قال: أنا سأصوم، فوصل إلى أهله بعد العصر وهو صائم، فلما أتى أهله جامع، نقول: هذا عليه الكفارة.

كينونة الرق في عصرنا

كينونة الرق في عصرنا Q هل الرق ما زال موجوداً؟ A يقال: إنه موجود في جهة بعض بلاد أفريقيا ونحوها، يوجد فيها لكنه قليل.

حكم قطع صيام كفارة الجماع في رمضان ونحوه

حكم قطع صيام كفارة الجماع في رمضان ونحوه Q ما حكم من أفطر بغير عذر في صيام كفارة الجماع ونحوها؟ A إذا أفطر بغير عذر يستأنف من جديد؛ لأنه يجب التتابع، لكن إذا أفطر بعذر كمرض أو سفر يُكمل مباشرة.

كتاب الصيام [7]

دليل الطالب_كتاب الصيام [7] من أحكام الصيام ما يتعلق بالقضاء لما فات صيامه من رمضان بعذر، فمن ذلك حكم الفورية في القضاء وحكم تأخير القضاء إلى مجيء رمضان الثاني، وحكم تطوع من عليه قضاء قبل القضاء، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بهذه المسألة.

أحكام القضاء

أحكام القضاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: في قضاء رمضان. ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه] قال جل وعلا: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] فمن أفطر من رمضان يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك أو أفطر الشهر كله لعذر يبيح الفطر، وتقدم ذكر الأعذار التي تبيح الفطر، فمن ذلك المرض، فإذا كان قد أفطر لمرض يرجى برؤه، أفطر من رمضان -مثلاً- عشرة أيام، أو أفطرت المرأة للحيض ستة أيام أو سبعة أيام مثلاً؛ فالواجب القضاء، قال جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] أي: فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] يعني: عليه قضاء عدة من أيام أخر، وكان فيما أنزل من القرآن ((فعدة من أيام أخر متتابعات)) كما في الدارقطني من حديث عائشة قالت: ثم نُسخ ذلك ((فعدة من أيام أخر متتابعات)) ولذا قال ابن عباس -كما في البخاري معلقاً-: لا بأس أن يفرّق، وهذا هو إطلاق الآية الكريمة؛ لأن قوله (متتابعات) نسخ، وعلى ذلك فلو قضى متتابعاً أو متفرقاً فلا بأس بذلك، عليه عشرة أيام من رمضان فصام من كل أسبوع يوماً حتى قضى ما عليه لا حرج، أو صامها متتابعة لا حرج، والأفضل أن يتابعها، كما أن الأفضل أن يبادر بالصيام بعد يوم العيد، هذا هو الأفضل؛ وذلك لأن في ذلك إبراء ذمته، وعلى ذلك فيجب القضاء وتستحب المبادرة به ويستحب أن يكون متتابعاً، فإن لم يتابع أو لم يبادر فلا بأس، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها -كما في الصحيحين-: (كان يكون عليّ الصوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان لمكان النبي عليه الصلاة والسلام مني) فتأخير القضاء إلى شعبان جائز، وعلى ذلك فالقضاء واجب، ولا بأس أن يفرق ولا بأس أن يؤخر ما لم يأت رمضان الجديد، كالصلاة الظهر يُستحب أن تصليها في أول وقتها، لكن لو أخّرتها ما لم يحضر العصر لا بأس، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر) فما دام أن رمضان الآخر لم يحضر فلك أن تقضي.

حكم القضاء على الفور

حكم القضاء على الفور قال رحمه الله تعالى: [ويسن القضاء على الفور]؛ لأن في القضاء على الفور إبراء للذمة، وفيه مسارعة إلى الخير ومبادرة إليه، وفيه أيضاً إبراء لذمته. قال رحمه الله تعالى: [إلا إذا بقي من شعبان بقدر ما عليه فيجب] هذا رجل عليه خمسة أيام من رمضان، فإذا كان اليوم الخامس والعشرون من شعبان وجب أن يصوم اليوم الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين؛ لأن الشهر قد يكون ناقصاً فوجب عليه أن يصوم، وهل له أن يُفطر في اليوم الخامس والعشرين؟ لا. هذا عليه خمسة أيام من رمضان أخّرها لم يصمها، خرج شوال وخرج ذو القعدة وخرج ذو الحجة ومحرم وصفر حتى جاء شعبان، بقيت خمسة أيام فقط من شعبان، هل له أن يُفطر؟ لا، يجب أن يصوم؛ لأنه لو أفطر ولو يوماً واحداً منها بقي عليه يوم يصومه بعد رمضان الآخر، وهذا لا يجوز. إذاً: لا يجوز تأخير قضاء رمضان حتى يأتي رمضان الجديد، ولذا قال: [إلا إذا بقي من شعبان بقدر ما عليه فيجب] لضيق الوقت. وأما يوم الثلاثين -وهو يوم الشك- فإنه يصومه قضاءاً الذي عليه قضاء؛ لأن هذا قد صامه بنية القضاء، والذي يُنهى عنه صومه بنية الاحتياط لرمضان. وإذا مرض العبد فإنه يُفطر، ما دام أنه مريض فالمرض يبيح الفطر في رمضان نفسه.

حكم من أخر القضاء حتى جاوز رمضان الثاني

حكم من أخر القضاء حتى جاوز رمضان الثاني وهنا مسألة: هذا رجل أفطر عشرة أيام من رمضان، قلنا: إنه ليس له أن يؤخر ذلك حتى يجيء رمضان الجديد، فإن أخّر حتى جاء رمضان الجديد لنقول: هل هو معذور أم ليس بمعذور؟ إن قالوا: لا، بل هو معذور لقد استمر به المرض حتى جاء رمضان الجديد، هذا معذور، كامرأة أفطرت عشرة أيام من رمضان بالحيض ثم إنها مرضت من ليلة عيد الفطر واستمر بها المرض حتى جاء رمضان الآخر فصامته وهي غير مريضة، شُفيت، الآن أخّرت عشرة أيام لعذر أو لغير عذر؟ لعذر، فالواجب القضاء فقط، نقول: اقضي فقط. فإن أخّره لغير عذر كرجل أفطر في رمضان ثم إنه لم يصم في شوال مع أنه كان يمكنه أن يصوم ولم يصم في ذي القعدة مع أنه كان يمكنه أن يصوم، بل أخّر فقال: حتى يأتي شعبان، ولما جاء شعبان انشغل أو مرض فأخّره حتى جاء رمضان الآخر فهذا عليه مع القضاء الإطعام؛ لأنه أخّر لغير عذر، فعليه القضاء والإطعام، يُطعم عن كل يوم مسكيناً. إذاً: إذا أخّر القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر أو إلى ما بعد رمضان ثان أو ثالث أو رابع، لو أخّره إلى ما بعد خمس سنين ولم يكن هذا لعذر فالواجب عليه أمران: القضاء، والكفارة، يُطعم عن كل يوم مسكيناً، فما دام أنه أفطر عشرة أيام نقول: يطعم عشرة مساكين، وهذا قد صح عن أبي هريرة كما في الدارقطني وكذلك عن ابن عمر وابن عباس كما في الدارقطني أيضاً، ولا يُعلم لهم مخالف. إذاً: من أخّر لغير عذر حتى جاء رمضان الآخر ولم يصم فهذا عليه مع القضاء الإطعام، لكن إن أخر إلى شعبان لعذر أو لغير عذر فلا بأس ولا شيء عليه، وإذا أخره سنة أخرى هل نعدد الكفارة أو هي كفارة واحدة؟ كفارة واحدة ولو أخره عشر سنين، كرجل عليه يوم من رمضان فلم يقضه إلا بعد عشر سنين لغير عذر، عليه القضاء وكفارة واحدة.

حكم من مات وعليه قضاء من رمضان

حكم من مات وعليه قضاء من رمضان فإن مات وعليه أيام من رمضان فهل يشرع لوليه القضاء أو الإطعام؟ هذا رجل مات وعليه صيام، فإذا كان الذي عليه صيام نذر فإن وليه يقضي، وإن كان الذي عليه صيام فرض فإن وليه يطعم، هذا رجل قال: إن أبي قد مات وقد أفطر شهراً كاملاً من رمضان، فما الواجب؟ نقول: الواجب هو الإطعام، فإن قال: إن أبي قد نذر أن يصوم شهراً كاملاً فلم يصمه فما هو المستحب في حقنا؟ نقول: الصيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه البخاري من حديث عائشة، وقوله هنا: (من مات وعليه صيام) يعني صيام نذر كما فسّرت هذا عائشة رضي الله عنها وهي راوية الحديث، فقد صح في سنن سعيد بن منصور أن عائشة رضي الله عنها سألتها عمرة قالت: إن أمي ماتت وعليها أيام من رمضان، أفأقضي عنها؟ قالت: لا، أطعمي عنها عن كل يوم مسكيناً، وهذا هو قول ابن عباس رضي الله عنه كما في سنن أبي داود وهو المشهور في المذهب؛ لأن أقوال الصحابة تخصص العمومات، فالميت الذي عليه أيام من رمضان يُطعم عنه، يعني: يؤخذ من تركته ويُطعم عنه، مات وعليه أيام من رمضان يؤخذ من تركته ويُطعم عنه، وإن لم يكن له تركة استحب لأوليائه أن يُطعموا عنه، فإن مات وعليه نذر فالمستحب لأوليائه أن يصوموا عنه؛ لحديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) هذا هو المشهور في المذهب من هذا التفصيل، وهو الذي دلت عليه الآثار.

حكم تطوع من عليه قضاء

حكم تطوع من عليه قضاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يصح ابتداء تطوع من عليه قضاء رمضان] هذا رجل يريد أن يصوم يوم عرفة ولكن عليه قضاء، أو يريد أن يصوم أيام الست من شوال وعليه قضاء من رمضان، أو يريد أن يصوم يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان، فما الحكم؟ يقول المؤلف هنا: لا يصح ابتداء تطوع من عليه قضاء من رمضان، واستدلوا بما جاء في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام تطوعاً وعليه أيام من رمضان لم يقضها لم يجزه) ولكن الحديث فيه ابن لهيعة وابن لهيعة ضعيف الحديث، هذا هو المشهور في المذهب، وقال الجمهور: بل له أن يتطوع وإن كان عليه قضاء، قالوا: لأن وقت القضاء موسع كوقت الصلاة، فإذا زالت الشمس فهل لك أن تتطوع وتؤخر صلاة الظهر إلى الساعة الثانية ظهراً أو الساعة الثالثة قبل أذان العصر بدقائق؟ لك أن تؤخر، الوقت واسع، بقطع النظر عن صلاة الجماعة، ولذا قالت عائشة: (كان يكون عليّ الصيام من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان) فوقت القضاء موسع، وعلى ذلك فالراجح أن له أن يتطوع قبل القضاء، لكن إن بادر بالقضاء فهو أفضل؛ لأن القضاء دين في ذمته فكونه يبدأ به أولى، ولكن إن أخر ذلك واشتغل بتطوع فلا بأس بذلك، هذا هو الصحيح وهو قول جمهور العلماء. قال رحمه الله تعالى: [فإن نوى صوماً واجباً أو قضاء ثم قلبه نفلاً صح كالصلاة] يقول: هذا نوى أن هذا اليوم -مثلاً- نذر ثم إنه نواه نفلاً، قلب نيته إلى نفل، فيصح كما لو قلب نية الفرض إلى نفل، هذا رجل دخل في المسجد فكبّر بنية الفريضة فإنه يقلب نيته إلى نفل ويتم صلاته نفلاً، قالوا: فكذلك هنا كالصلاة، له أن يقلب نيته من فرض إلى نفل، ونقف عند هذا القدر، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قلب نية صيام النافلة إلى صوم واجب

حكم قلب نية صيام النافلة إلى صوم واجب Q هل يصح قلب نية صيام النافلة إلى الصوم الواجب؟ A لابد من تبييت النية من الليل لصيام الفرض، يعني: ينوي الفرض، وأقوى من ذلك أن نقول: هذا قلب من دون إلى أعلى.

بيان ما يصنعه من شك في عدد ما عليه من قضاء

بيان ما يصنعه من شك في عدد ما عليه من قضاء Q ما يصنع من شك في عدد الأيام التي أفطرها إذا أراد القضاء؟ الشيخ: يتحرى تحرياً، إذا كان يقول: أنا ما أدري لكن الذي يغلب على ظني والذي يقع في نفسي أنها عشرة أيام فليجعلها عشرة أيام، وإن كان يقول: أنا أشك هل هي عشرة أيام أو تسعة أيام؟ فيبني على الأقل وهي تسعة أيام، وإن احتاط فصام عشرة أيام فهو أفضل.

وقت قضاء أيام الفطر في رمضان

وقت قضاء أيام الفطر في رمضان Q متى يقضي من عليه صيام من رمضان؟ A في أي وقت، يجزئ ولو كان بعد رمضان لكن يُبادر به.

حكم من لزمه إطعام لم يستطع بذله لفقره

حكم من لزمه إطعام لم يستطع بذله لفقره Q رجل عليه إطعام لم يستطع بذله لفقره، فما الحكم؟ A هذا يبقى في ذمته، يعني: يبقى الإطعام ديناً في ذمته فإن قدر فالحمد لله، وإن لم يقدر فإن الله جل وعلا لا يكلفه، فإن تيسر أمره أخرج، وإن لم يتيسر ومات معسراً ولم يكن له تركة فلا شيء عليه.

حكم من أخر القضاء لغير عذر ثم مات

حكم من أخر القضاء لغير عذر ثم مات Q ما حكم من أخّر القضاء بدون عذر، ثم مات؟ A هذا عليه إثم، تأخير القضاء حتى يأتي رمضان الجديد بلا عذر هذا فيه إثم، ولكن يُطعمون عنه من تركته، ولعل الله أن يغفر له كغيره، فالإطعام كفارة، وهل يُطعم عنه كفارة واحدة أو كفارتان؟ هذا رجل مات وقد أخّر لغير عُذر حتى جاء رمضان، فهل يُطعم عنه بكفارة أو بكفارتين؟ A كفارة واحدة، ولو كان حياً فعليه القضاء والكفارة. أقول: لو كان حياً فالواجب عليه القضاء والكفارة، فإذا كان ميتاً، فهل نخرج من تركته كفارة واحدة أو كفارة عن الكفارة وكفارة عن القضاء؟ قولان لأهل العلم، فالمشهور في المذهب أنه كفارة، والشافعية يقولون: يخرج عنه كفارتان، وهذا أصح، يُطعم عنه عن كل يوم مسكينين واحد كفارة التأخير، وواحدة عن القضاء.

حكم من أفطر عمدا في رمضان

حكم من أفطر عمداً في رمضان Q ما حكم من أفطر عمداً في رمضان؟ A الجمهور على أن عليه القضاء، وإن أخر فعليه مع القضاء الإطعام، هذا قول الجمهور، وشيخ الإسلام وطائفة يرون أنه لا يقضي من أفطر متعمداً وإنما عليه التوبة؛ لأن من أفطر يوماً من رمضان غير معذور فإن الشرع لم يأت في حقه بقضاء وإنما القضاء في المعذورين، قالوا: ولا يقاس غير المعذور على المعذور، وإنما يستحب له أن يكثر من التنفل لتتم به فريضته، وعليه مع ذلك التوبة والاستغفار.

كتاب الصيام [8]

دليل الطالب_كتاب الصيام [8] للصيام أيام مسنونة يسن صيامها، فيسن صوم التطوع المطلق يوماً ويوماً، وصوم أيام البيض وصوم الخميس والاثنين وصوم ست من شوال وصوم شهر الله المحرم وآكده عاشوراء، وصوم عشر ذي الحجة وآكدها يوم عرفة.

مسنونات الصيام

مسنونات الصيام

صوم التطوع يوما ويوما

صوم التطوع يوماً ويوماً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يُسن صوم التطوع وأفضله يوم ويوم]. يستحب صيام التطوع، وله فضائل منها: أنه تُكمّل به فريضة العبد يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة يقول الله جل وعلا: (انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتتمون به فريضته) رواه الإمام أحمد وغيره، فالتطوع تُكمّل به الفريضة. قال رحمه الله تعالى: [وأفضله يوم ويوم] يعني: يصوم يوماً ويفطر يوماً، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) فيستحب أن يصوم يوماً ويُفطر يوماً، يصوم -مثلاً- السبت والإثنين والأربعاء والجمعة ثم الأحد، وهكذا يصوم يوماً ويفطر يوماً ولو وافق جمعة وذلك لظاهر الحديث، فإن ظاهر الحديث أنه يصوم يوماً ويُفطر يوماً ولو كان ما يصومه يوم الجمعة؛ لأن من صام يوماً وأفطر يوماً فإن ذلك يوافق الجمعة في أسبوع من كل أسبوعين، يعني: في كل أسبوعين يصوم مرة الجمعة، وسيأتي أن النهي إنما هو لإفراد الجمعة. إذاً: الأفضل أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وما حكم صيام الدهر؟ صيام الدهر نوعان: النوع الأول أن يصوم الدهر كله فلا يُفطر، ويدخل في ذلك يوم العيد، وأيام التشريق، فهذا لا يجوز، عند ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم هكذا). النوع الثاني: أن يصوم الدهر كله باستثناء الأيام التي يحرم صيامها كيوم العيد وأيام التشريق ويوم الشك، فيستثني الأيام التي نهى الله جل وعلا عن صيامها ويصوم الباقي، من أهل العلم من يرى أنه يكره كـ الموفق، ومنهم من يرى أنه لا يكره وهو المشهور في المذهب. إذاً: المشهور في المذهب أنه يجوز ولا يكره، والقول الثاني في المسألة أنه يُكره وهو اختيار الموفق، وهذا هو الراجح، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ عبد الله بن عمرو: (إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، وإنك إن فعلت ذلك هجمت له العين -يعني: غارت- ونهكت -يعني: تعبت- لا صام من صام الدهر) وفي النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صام ولا أفطر). فتغور العين من التعب؛ لأنه يصوم النهار فيضعف بدنه ويقوم الليل فيُنهك بدنه وتغور عينه.

صوم أيام البيض

صوم أيام البيض قال رحمه الله تعالى: [ويسن صوم أيام البيض، وهي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر] فقد جاء في النسائي من حديث ملحان القيسي قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) أيام البيض: يعني: أيام الليالي البيض، ولذا لا نقول: الأيام البيض وإنما نقول: أيام البيض، وذلك لأن الأيام كلها بيض، ولكن نقول: أيام البيض، يعني: أيام الليالي البيض؛ لأن الليالي هذه -ليلة الثالث عشر وليلة الرابع عشر وليلة الخامس عشر- ليالٍ مقمرة، فهي بيض فيستحب صيام أيامها، وقد جاء في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر! إذا صمت من الشهر فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة). ويستحب له أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن عمرو -كما في الصحيحين-: (صم ثلاثة أيام من الشهر فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر) وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قيل لها: من أيها كان يصوم؟ قالت: كان لا يبالي من أيه صام) وعلى ذلك نقول: يستحب أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون أيام البيض، يستحب أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أوله، من وسطه، من آخره، أو أن يصوم يوماً في أوله ويوماً في وسطه ويوماً في آخره، هذا يستحب، لكن الأفضل أن تكون هي أيام البيض، الصدقة مستحبة والأفضل أن تكون على القريب، هذه كهذه، هذه نظير هذه، فهنا نقول: صيام ثلاثة أيام مستحب من أي أيام الشهر ولو فرّق لكن الأفضل أن تكون أيام البيض، وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لكن لو صام يوماً من أوله ويوماً من وسطه ويوماً من آخره أُجر، وكان بذلك قد صام من كل شهر.

صوم الإثنين والخميس

صوم الإثنين والخميس قال رحمه الله تعالى: [وصوم الخميس والإثنين] فقد جاء في سنن أبي داود (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم الإثنين والخميس) عليه الصلاة والسلام، ويقول: (إن أعمال العباد تُعرض على الله في يوم الإثنين والخميس) ونحوه في الترمذي وزاد: (فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم) فيستحب أن يصوم الاثنين والخميس، ولو صام الإثنين فقط، أو الخميس فقط فلا بأس، لكن الأفضل أن يصوم الإثنين والخميس، ولو صام أحدهما فلا بأس بذلك.

صوم ست من شوال

صوم ست من شوال قال رحمه الله تعالى: [وستة من شوال] لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)]. وجاء في ابن ماجة أنه قال: (كان تمام السنة؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها) ثم قرأ قول الله جل وعلا: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160]] وعلى ذلك فإذا صام شهر رمضان والحسنة بعشر أمثالها يكون هذا كما لو صام عشرة أشهر، وإذا صام ستة أيام والحسنة بعشر أمثالها فكما لو صام ستين يوماً، كم المجموع؟ المجموع اثنا عشر شهراً، هذا هو تمام السنة. ولذا فإن من صام شهر رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان ذلك كصيام الدهر، وتقدم أن الراجح أن له أن يصوم هذه الست قبل القضاء، وإن كان الأولى أن يشتغل بالقضاء قبل التطوع، لكن لو صام هذه الأيام الست قبل القضاء فلا بأس بذلك، تقدم أن هذا هو الراجح وهو قول جمهور العلماء.

صوم شهر الله المحرم وعاشوراء خاصة

صوم شهر الله المحرم وعاشوراء خاصة قال: [وسُن صوم المحرم] فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)] ومحرم هذا هو أول شهور السنة الهجرية، وجاء في أبي داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الأشهر الحرم) لكن الحديث إسناده ضعيف. إذاً: يُستحب صيام شهر الله المحرم. قال رحمه الله: [وآكده عاشوراء] آكد يوم من أيام شهر الله المحرم يوم عاشوراء، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أحتسب على الله أن يكفّر السنة الماضية) قال ذلك في يوم عاشوراء، وقال في يوم عرفة: (أحتسب على الله أن يكفّر السنة الماضية والمقبلة) يعني: يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده. إذاً: يوم عاشوراء يكفّر السنة التي قبله، يعني: يكفّر الصغائر، فقوله: (أحتسب على الله أن يكفّر السنة الماضية) يعني التي قبله، هذا هو لفظ مسلم، وعلى ذلك فيستحب صيام يوم عاشوراء، وكانت قريش -كما في الصحيحين- تصوم يوم عاشوراء وتعظّمه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ثم لما أتى المدينة عليه الصلاة والسلام صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فُرض رمضان قال: (من شاء صامه ومن شاء تركه) وهذا يدل على ما ذهب إليه الأحناف واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أن يوم عاشوراء كان يوماً واجباً صيامه ثم نُسخ، لما فُرض رمضان نُسخ صيامه وإلا فإنه كان واجباً، فكان يجب أن يُصام ثم نُسخ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى المدينة كانت اليهود تصومه وتعظّمه وتقول: إنه هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وقومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منكم) وعلى ذلك كانت قريش تعظّمه وكانت اليهود تعظّمه، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم هذا اليوم، والمستحب أن يصوم اليوم الذي قبله وهو اليوم التاسع، فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني والعاشر، ولذا فإن الراوي -وهو ابن عباس رضي الله عنه- كما في مصنف عبد الرزاق وسنن البيهقي قال: (صوموا اليوم التاسع والعاشر وخالفوا اليهود). إذاً: يستحب أن يصوم اليوم التاسع والعاشر، فإن صام اليوم العاشر والحادي عشر فهذا حسن، وقد جاء في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً) لكن الحديث في سنده ضعف، فإن أفرده بالصيام فصام يوم عاشوراء فقط لم يُكره ذلك وهو المشهور في المذهب واختاره شيخ الإسلام. وعلى ذلك فعندنا ثلاث مراتب: أفضلها أن يصوم اليوم الذي قبله معه فيصوم اليوم التاسع والعاشر، ثم المرتبة الثانية: يصوم اليوم العاشر والحادي عشر، المرتبة الثالثة: أن يفرده فيصوم اليوم العاشر وحده.

صوم عشر ذي الحجة وعرفة خاصة

صوم عشر ذي الحجة وعرفة خاصة قال رحمه الله تعالى: [وصوم عشر ذي الحجة] لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) فيستحب صيام عشر ذي الحجة باستثناء يوم النحر، فهذا لا يجوز صومه، وعلى ذلك فيصام اليوم الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن للحاج ولغير الحاج، أما يوم عرفة فيستحب لغير الحاج. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وآكدها يوم عرفة] هذا آكدها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأحتسب على الله أن يكفّر السنة الماضية والمقبلة) كيف المقبلة؟ على ظاهره بأن يكفّر الصغائر في المقبلة، فإن مات ولم يدرك المقبلة فإن ذلك يكون رفعة في درجاته أو يكفّر عنه صغائر سابقة. قال رحمه الله تعالى: [وآكدها يوم عرفة] لكن لغير الحاج، أما الحاج فيُكره له الصوم، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها (أن الناس تماروا عندها هل النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة، هل هو صائم أو مفطر؟ فقال بعض الناس: هو صائم، وقال بعضهم: هو مفطر فأرسلت إليه بقدح لبن وهو على بعيره فشرب عليه الصلاة والسلام) فيستحب للصائم أن يفطر يوم عرفة ليتقوى على العبادة، ويتقوى على الدعاء والوقوف في ذلك اليوم العظيم. قال رحمه الله تعالى: [وهو كفارة سنتين] فيوم عرفة كفارة سنتين كما تقدم، يكفّر الماضية والمقبلة، ونقف عند هذا القدر والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم جمع النيتين في صوم النفل

حكم جمع النيتين في صوم النفل Q هل يصح صيام يوم الإثنين بنية صيام الإثنين وصيام يوم من الأيام البيض؟ A أيام البيض إذا وافقت يوم الإثنين أو يوم الخميس فما هناك بأس، ما دام أن اليوم الأول وافق الخميس مثلاً فينوي أنه من أيام البيض، وكونه وافق الإثنين فالأعمال تُرفع إلى الله في هذا اليوم، فيكون فيه مزيد فضيل.

مدى صحة ورود حديث في فضل صوم أول الشهر

مدى صحة ورود حديث في فضل صوم أول الشهر Q هل ورد حديث في فضل صيام أول يوم من الشهر؟ A ما ورد حديث في فضيلة أول يوم من الشهر، أو أول يوم من السنة، أو آخر يوم من السنة كما يفعل بعض الناس، هذا لم يرد فيه حديث.

كتاب الصيام [9]

دليل الطالب_كتاب الصيام [9] للصيام أحكام تتعلق بما يكره منه وما يحرم، فمن مكروهاته إفراد شهر رجب بالصوم وإفراد يوم الجمعة وصوم يوم الشك، ومن المحرم صيامه صيام العيدين وأيام التشريق.

مكروهات الصيام

مكروهات الصيام

إفراد رجب

إفراد رجب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكره إفراد رجب] يكره إفراد رجب بالصيام، فقد ثبت في ابن أبي شيبة وغيره (أن عمر رضي الله عنه كان يضرب أكف المترددين حتى يضعوها في الطعام، ويقول رضي الله عنه: إن هذا شهر تعظّمه الجاهلية)، وعلى ذلك فيكره أن يُفرد رجب بالصيام فإن أفطر بعض أيامه زالت الكراهة، أفطر بعض أيام رجب، لم يصمه كله وإنما أفطر بعض أيامه، أو صام شهراً آخر في السنة فلم يفرده، وأما إفراده بالصيام فهو الذي يُنهى عنه؛ لأن هذا الشهر تعظّمه الجاهلية فإذا صامه وصام شهراً آخر زالت الكراهة، كذلك إذا أفطر بعض أيامه زالت الكراهة، ورجب هو الشهر السابع في السنة الهجرية.

إفراد الجمعة

إفراد الجمعة قال رحمه الله تعالى: [والجمعة] يُكره إفراد الجمعة بأن يتعمد صيام الجمعة، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ جويرية وقد دخل عليها وكانت صائمة يوم جمعة: (أصمتِ أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري) وهذا يدل على النهي عن إفراد الجمعة، واختار الآجُرِّي من الحنابلة -وهو الراجح- أن ذلك للتحريم لظاهر الحديث (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة) والنهي للتحريم، لكن هذا -كما تقدم- إذا تعمده، يعني صامه بنية الجمعة، وأما إذا لم يتعمده كأن يصوم يوم عاشوراء ويوافق ذلك يوم جمعة فلا بأس، أو يصوم يوم عرفة ويوافق ذلك يوم جمعة فلا بأس، أو يصوم بنية القضاء أو بنية النذر فلا بأس، أو يصوم يوماً ويُفطر يوماً فلا بأس، فالأحاديث دلت على ذلك (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) ويدخل في ذلك يوم الجمعة. إذاً: النهي عن تعمده، وأما إذا نوى غيره بالصيام، نوى أنه يوم عاشوراء، يعني إنما صامه لا لكونه يوم الجمعة وإنما لكونه يوم عاشوراء فلا بأس، وعلى ذلك فلو وافق يوم عاشوراء يوم جمعة فصام يوم الجمعة بنية عاشوراء فلا حرج عليه.

حكم إفراد السبت بالصيام

حكم إفراد السبت بالصيام قال: [والسبت] يعني: يُكره إفراد السبت، واستدلوا بما روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنبة فليمضغها) هذا الحديث استدل به من يرى كراهة إفراد يوم السبت (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرض عليكم)، وذهب بعض العلماء من المتأخرين إلى أن يوم السبت لا يجوز صيامه مطلقاً إلا في الفريضة، والأكثر على أنه لا يُكره إفراد صومه. إذاً: عندنا ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يُكره أن يفرده، والثاني: أنه لا يجوز صيامه إلا في الفريضة، والثالث: أنه لا يُكره إفراده كغيره من الأيام، وهذا هو الراجح، أما هذا الحديث (لا تصوموا يوم السبت) فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحديث إما شاذ أو منسوخ، وهذا هو الصواب، وقد قال بالنسخ الإمام أبو داود، ومعنى (منسوخ): رُفع حكمه، قال ذلك أبو داود، والحديث قال فيه الأثرم رحمه الله: جاء هذا الحديث وجاءت الأحاديث كلها بخلافه، يعني: هو شاذ، ولذا ضعّفه يحيى بن سعيد والزهري والإمام مالك والنسائي وشيخ الإسلام ابن تيمية، بل قال الإمام مالك رحمه الله: هو كذب، وعلى ذلك فالحديث شاذ لا يصح؛ لأنه يخالف الأحاديث الأخرى، فهو حديث شاذ، فالصحيح أن إفراد يوم السبت بالصيام لا يُكره، فإن قيل: إن يوم السبت تعظّمه يهود فنقول: ويوم الأحد تعظّمه النصارى، وقد جاء في مسند أحمد بإسناد لا بأس به أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم السبت والأحد ويقول عليه الصلاة والسلام: (هذان يومان تعظمهما اليهود والنصارى فأُحب أن أصومهما) (تعظّمهما) يعني: فيفطرون فيهما كما نُفطر نحن في الجمعة، لا يعظمونهما بالصيام وإنما يعظمونهما بالفطر؛ لأنهما يوما عيد بالنسبة لليهود والنصارى. إذاً: الخلاصة أن إفراد السبت لا يُكره، وأما حديث (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) فشاذ ضعيف، وهذا هو قول الأكثر.

صوم يوم الشك

صوم يوم الشك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكُره صوم يوم الشك] لقول عمار رضي الله عنه: (من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم) ولذا فالصحيح أن صيام يوم الشك يحرم؛ لأنه قال: (فقد عصى أبا القاسم) وما هو يوم الشك؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو الثلاثون من شعبان إذا لم يكن غيم] أي: سحاب [أو قتر] يعني: غبار في ليلة الثلاثين، لو قُدّر أنا نحن في يوم التاسع والعشرين من شعبان، وغداً هو يوم الثلاثين من شعبان ويُحتمل أن يكون أول رمضان فأتى الليل فأخذنا نرقب الهلال ننظر إذا ثبت الهلال فغداً أول رمضان، فلما كان الليل إذا بالغيم والقتر يحول بيننا وبينه، يعني: حال بيننا وبينه الغيم والقتر فأصبح غداً يوم شك، هذا هو يوم الشك، والمؤلف يقول في يوم الشك؟ [إذا لم يكن غيم أو قتر] والصحيح أن يوم الشك إذا كان غيم أو قتر لا إذا لم يكن غيم أو قتر؛ لأن يوم الشك عند الحنابلة إذا كان لم يكن غيم أو قتر، فإذا كان غيم أو قتر قالوا: نصوم وجوباً -كما تقدم- بنية الاحتياط لرمضان. فيوم الشك -على الصحيح- هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت ليلته ليلة غيم وقتر فأصبحنا شاكين لا ندري هل هذا هو أول رمضان أو هو الثلاثون من شعبان؟ وعلى ذلك فيحرم الصوم؛ لأن هذا هو يوم الشك.

حكم صوم العيدين وأيام التشريق

حكم صوم العيدين وأيام التشريق قال رحمه الله تعالى: [ويحرم صوم العيدين] إجماعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام العيدين -كما في الصحيحين- حتى في القضاء، لو قال: أريد أن أقضي في يوم عيد الفطر فهل يصح؟ لا يصح، فينهى عن الصيام فرضه ونفله في يوم العيد. قال رحمه الله تعالى: [وأيام التشريق] أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، فعندنا يوم النحر يوم العاشر، والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر هذه الثلاثة هي أيام التشريق، لا يصح كذلك الصوم فيها إلا لمن لم يجد الهدي، فقد جاء في البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرخّص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي)، هذا رجل فقير يقول: ما وجدت هدياً، فله أن يصوم هذه الأيام الثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وغيره هل له أن يقضي أو يصوم نذره في هذه الأيام؟ لا، ذلك فقط لمن لم يجد الهدي، فإذا لم يجد الهدي فله أن يصوم هذه الأيام الثلاثة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فهي أيام أكل وشرب لا يرخص فيها بالصيام إلا لمن لم يجد الهدي.

حكم الدخول في صوم تطوع

حكم الدخول في صوم تطوع قال رحمه الله تعالى: [ومن دخل في تطوع لم يجب إتمامه] صام هذا اليوم؛ لأنه يوم الإثنين أو صام يوم الخميس وبدا له أن يُفطر في أثناء النهار، هل عليه حرج؟ لا، صام يوم عرفة فبدا له أن يُفطر، هل عليه حرج؟ وكذا يوم عاشوراء وأيام البيض وكل تطوع له أن يُفطر في أثنائه، ويدل على ذلك ما رواه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) فالمتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر، وفي سنن الترمذي (أن النبي عليه الصلاة والسلام أُتي بشراب فشرب فناوله أم هانئ رضي الله تعالى عنها فشربت ثم قالت: يا رسول الله! إني أذنبت فاستغفر لي. قال: وما ذاك؟ قالت: كنت صائمة فأفطرت) يعني: كانت قبل أن يناولها النبي صلى الله عليه وسلم صائمة فلما ناولها النبي صلى الله عليه وسلم أخذت هذا الإناء وشربت استحياء منها أو تبركاً (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قالت: كنت صائمة فأفطرت. قال: أمن قضاء كنت تقضينه؟ قالت: لا) قال لها: هل هذا اليوم يوم قضاء؟ قالت: لا (قال: فلا يضركِ) هذا فيه فائدتان: الفائدة الأولى أن المتطوع لا حرج عليه أن يُفطر، وفيه فائدة أخرى من مفهومه: وهي أن من يصوم صيام قضاء يضره الفطر، ولذا قال: (أمن قضاء كنت تقضينه؟ قالت: لا. قال: فلا يضركِ) وعلى ذلك فهل له أن يُفطر في القضاء، وفي صيام النذر الواجب، وفي صيام الكفارة؟ عليه كفارة صيام ثلاثة أيام متتابعة مثلاً في كفارة اليمين، هل له أن يُفطر؟ لا، إن أفطر أثم وعليه الاستغفار، ولذا قال رحمه الله: [وفي فرض يجب] يعني: يجب الإتمام في الفرض. وما هو النفل الذي من دخل فيه وجب عليه أن يتمه؟ هناك عبادة من دخلها وجب أن يتمها وهي تطوع في الأصل، ولكن من دخل فيها وجب أن يتمها، وهي الحج والعمرة {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] هذا إنسان يقول: أنا حججت فرضي، فدخل بنية حج تطوع، فهل له أن يقطع ويرجع؟ لا، وعمرة التطوع هل له أن يقطعها؟ لا، أما سائر العبادات كالصلاة والصوم فله أن يقطعها. إذاً: من دخل في تطوع فله أن يقطعه سوى الحج والعمرة.

حكم الدخول في صوم فرض

حكم الدخول في صوم فرض قال رحمه الله تعالى: [وفي فرض يجب ما لم يقلبه نفلاً] فالفرض يجوز أن تقلبه إلى نفل كالصلاة، هذا رجل نوى اليوم أن يصوم نذراً ثم قال: هذا يوم الإثنين وأنا اعتدت على صيام الإثنين فقلبه من النذر -والنذر واجب- إلى يوم الإثنين، قالوا: لا بأس بذلك، لكن هل له أن يُفطر؟ إن كان قد نوى ذلك في القلب حيلة على الفطر فلا، يعني: لو كان الصوم نذراً فهل الذي يصوم النذر له أن يُفطر؟ لا، فإن قلبه إلى نفل نقول: لك أن تقلبه إلى نفل بناءاً على المشهور في المذهب قياساً على الصلاة، لكن إن كان ذلك حيلة على الفطر -يعني: ما قلبه إلا ليفطر، يقول: أقلبه إلى نفل فإذا قلبته إلى نفل جاز لي الفطر- نقول: لا، هذه هي حيلة والحيل باطلة. إذاً: ليس له أن يقلبه إلى نفل ليفطر، وإنما يقلبه لنفل إذا كان عنده عذر صحيح، كأن يقول: هذا اليوم يوم عرفة، والآن أنا دخلت في قضاء وما أريد أن يفوتني يوم عرفة ظننت أنه يجزئ يوم عرفة عن التطوع وعن القضاء، والآن أريد أن أقلبه إلى يوم عرفة فقط، فلا بأس أن يقلبه إلى يوم عرفة، لكن هل له أن يُفطر ويكون قد فعل هذا حيلة على الفطر؟ لا، إذا فعل هذا حيلة على الفطر فليس له أن يُفطر، ونقف عند هذا القدر، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم القضاء في أيام التشريق

حكم القضاء في أيام التشريق Q ما حكم صيام أيام التشريق بنية قضاء رمضان؟ A لا، هذا رجل عليه ثلاثة أيام قضاء من رمضان، فهل له أن يصومها في أيام التشريق؟ لا، بل تصام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي.

حكم صيام أيام التشريق لمن عليه كفارة

حكم صيام أيام التشريق لمن عليه كفارة Q هل يجوز صيام أيام التشريق ونحوها لمن عليه صيام شهرين؟ A حتى صيام الشهرين المتتابعين، يفطر ثم يرجع ويكمل.

حكم الجمع بين نيتين في صوم النافلة

حكم الجمع بين نيتين في صوم النافلة Q ما حكم صيام يوم بنية صيام الإثنين ونية صيامه من الأيام البيض؟ A يعني هو الآن يصوم على أنه يوم الإثنين وعلى أنه يوم من ثلاثة أيام من كل شهر، هذا ما فيه بأس، هذا ليس فيه تعارض هنا.

كتاب الصيام [10]

دليل الطالب_كتاب الصيام [10]

درجة حديث: (من أفطر يوما من رمضان لم يجزه صيام الدهر)

درجة حديث: (من أفطر يوماً من رمضان لم يجزه صيام الدهر) Q ما حال حديث: (من أفطر يوماً في رمضان لم يجزه صيام الدهر ولو صامه)؟ A الحديث ضعيف، ولكن أهل العلم منهم من يرى أن المتعمد يقضي ومنهم من يرى أنه لا يقضي.

حكم المتعمد الفطر

حكم المتعمد الفطر Q هذا رجل أفطر في رمضان متعمداً، فما حكمه؟ A قلنا: إن الجمهور يرون أنه يقضي، وبعض العلماء يقولون: إنه لا يقضي، قالوا: لأن القضاء جاء في المعذور {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] وهذا ليس بمعذور، وعلى ذلك فعليه التوبة والاستغفار ويستحب له أن يُكثر من التطوع.

حكم بلع الصائم النخامة

حكم بلع الصائم النخامة Q ما حكم بلع الصائم النخامة؟ A بلع النخامة الصحيح أنه لا يفطّر، ومن أهل العلم من يقول: إذا جمعها في فيه ثم ابتلعها أفطر كما في المذهب، والصحيح أنه لا يُفطر.

حكم استعمال معجون الأسنان

حكم استعمال معجون الأسنان Q ما حكم استعمال الصائم معجون تنظيف الأسنان؟ A المعجون لا بأس للصائم أن يستخدمه ولكن لا يبتلع هذا الطعم، بل إذا انتهى من استعماله لفظه وبصق حتى يخرج الطعم من فيه.

حكم إفطار الحامل والمرضع

حكم إفطار الحامل والمرضع Q هل يجوز للحامل والمرضع أن يفطرا؟ A الحامل والمرض لهما أن يُفطرا إذا خافا على النفس أو خافا على الولد، لهما أن يُفطرا، فإن كان الخوف على الولد فقط، إذا كانت المرأة تقول: إنها مرضع وتخاف على ولدها فقط، فعليها للقضاء وعلى ولي الولد الإطعام، وإن كان خوفاً على نفسها أو خوفاً على الجميع -على الولد والنفس- فعليها القضاء فقط، هذا هو تفصيل حكم الحامل والمرضع.

حكم صوم يوم الجمعة منفردا

حكم صوم يوم الجمعة منفرداً Q رجل صام يوم الجمعة ولم يصم يوماً قبله ولا يوماً بعده، فما الحكم؟ A إذا لم يتعمد الجمعة فلا شيء عليه، يعني: لم يقصد نفس الجمعة بل قصد عاشوراء، أو قصد عرفة أو قضاء، لكن لو أنه تعمد الجمعة يريد الجمعة أو لم ينو شيئاً آخر، لم ينو عرفة ولا غيرها، بل وقع في نفسه أن يصوم فوافق ذلك الجمعة فهذا لا يجوز حتى يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، أما إذا كان قصده عرفة أو قصده عاشوراء فإن ذلك يصح ولا شيء عليه ولا يأثم ولو أفرد.

حكم استعمال المرأة ما يمنع نزول الحيض في رمضان

حكم استعمال المرأة ما يمنع نزول الحيض في رمضان Q ما حكم استعمال المرأة ما يمنع نزول الحيض في رمضان؟ A لا حرج على المرأة أن تتناول مانع الحيض في رمضان ليقف عنها الدم وتصوم الشهر كاملاً وتقوم لياليه، لا حرج في ذلك، فإذا كان الشهر الذي بعده وتركت المانع انطلق الدم، فإذا لم يتجاوز خمسة عشر يوماً فهو حيض، وما تجاوز خمسة عشر يوماً فهو استحاضة، ففي الخمسة عشر يوماً لا تصلي، وفي اليوم السادس عشر تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، فالزائد على الخمسة عشر يوماً استحاضة.

حكم تناول المفطر لظن دخول الليل

حكم تناول المفطر لظن دخول الليل Q ما حكم من أكل يظن أنه قد دخل الليل؟ A إذا كان لم يفرط فهذا هو علمه، ولم يقع في قلبه إلا أن النهار قد انتهى ودخل الليل، فإذا أكل ثم علم بعد ما أكل أنه لا يزال في النهار، فهذا يُمسك بقية الوقت -ولو دقائق- ولا قضاء عليه؛ لأنه معذور، هذا هو الصحيح.

حكم صيام المحتلم في نهار رمضان

حكم صيام المحتلم في نهار رمضان Q ما حكم صيام من احتلم في نهار رمضان؟ A إذا احتلم في نهار رمضان فلا شيء عليه؛ لأن هذا ليس باختياره، إذا احتلم وهو نائم فلا شيء عليه؛ لأن هذا لم يكن باختياره.

حكم الحائض إذا طهرت في نهار رمضان

حكم الحائض إذا طهرت في نهار رمضان Q إذا طهرت الحائض أثناء النهار فما الحكم؟ A هناك قول أنها تمسك بقية اليوم وعليها قضاء، هذا الذي عليه المؤلف وهو المشهور في المذهب، والقول الثاني أنها لا تمسك ويجب عليها القضاء؛ وهذا أصح، والمؤلف مشى على المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فالكتاب كله هو المشهور في مذهب الحنابلة، والواجب علينا إذا عرفنا الدليل أن نقول بالدليل، هذا الواجب علينا، فخرجنا من بعض المسائل في المذهب؛ لأن طائفة من المحققين قد اختاروا هذا القول واتضح لنا أن دليلهم أظهر.

حكم الإمساك حال الأذان

حكم الإمساك حال الأذان Q إذا أذن المؤذن وأنت تتسحر فما الواجب عليك؟ A الواجب هو الإمساك؛ لأنه قد تبيّن بالأذان دخول الوقت، فإذا قال المؤذن: (الله أكبر) فقد دخل الوقت، وإذا كان المؤذن يعتمد على التقويم فأنت تعتمد مثله على الإمساكية وتضعها عندك، فإذا كان الوقت يدخل الساعة الثالثة أو الساعة الرابعة صباحاً فعندها تُمسك، أو الرابعة وعشر دقائق تُمسك.

بيان حال أذان المؤذنين بالنسبة لوقت الفجر

بيان حال أذان المؤذنين بالنسبة لوقت الفجر Q كيف نعرف أن أذان المؤذنين كائن على الوقت؟ A هذه المسائل يرجع فيها إلى جهة الأوقاف وهي الجهة المسئولة، في كل بلد ناس يجتهدون ويقولون: حصل هذا في مصر وحصل هذا في السعودية وحصل في مناطق أخرى، يقولون: أنتم تبكرون في الأذان، والجهة المسئولة تقول: نحن لا نبكّر هذا اجتهادنا، ونحن نرى أن الوقت قد دخل، أما لو أقروا فقالوا: نعم نحن نضيف عشر دقائق احتياطاً فنقول: لا داعي لهذا الاحتياط، بل هذا الاحتياط لا يجوز، أرأيتم لو أن رجلاً سمع الأذان فقام فصلى مباشرة يريد أن ينام أو امرأة أو مريض معذور في البيت، ألا يكون قد صلى قبل الوقت، والأذان هل يصح قبل الوقت؟! لكنهم لا يقولون: هذا احتياط، لا يقولون بأنه احتياط، يقولون: هذا هو الوقت باجتهادنا، وتعلمون أن المسائل الاجتهادية حكم الحاكم فيها يرفع الخلاف، فالجهة المسئولة -وهي جهة الأوقاف- هي النائبة عن الحاكم في هذه المسألة، يعني: الحاكم ولي الأمر قد أقام الأوقاف نائبة عنه، ولا شك أن الناس لو كان كل واحد منهم يريد أن يجتهد لترتب على ذلك أمور، لو قلنا للناس: كل واحد يجتهد ويمشي على اجتهاده فستجد هذا المسجد يؤذن الآن، والمسجد الآخر يؤذن بعد خمس دقائق، والمسجد الثالث يؤذن بعد عشر دقائق، فتترتب فتنة وشر، ولذا فنحن نقول: هذه المسائل يُرجع فيها إلى الجهة المسئولة وهي الأوقاف. فإن كان هناك خلاف من بعض الناس فما مضى لا حرج عليهم فيه، لكن بعد ذلك أرى أن الاعتماد يكون على الجهة المسئولة وهي جهة الأوقاف، الإمساكية المعتمدة من الأوقاف هي المعمول بها عندنا في مكة، وبعض الناس تجرأ ووضع رسالة في الإنترنت يقول: إبطال صلاة الإمام في المسجد الحرام، يقول: صلاة الفجر في المسجد الحرام باطلة! والحال أن ما حصل من الأوقاف اجتهاد، هؤلاء اجتهدوا، هذا الوقت عندهم وهم الجهة المسئولة، فوضع هذا رسالة في الإنترنت وفي غيره وحصل عند الناس شيء من الإشكال واشتباه في دينهم، فجعل الناس في لبس من دينهم مثل هذا الأمر، فنحن نقول دائماً: المسائل الاجتهادية يُرجع فيها إلى ولي الأمر، وولي الأمر أناب الأوقاف في هذه المسألة، وأناب المحاكم في مسألة أخرى، وأناب في الرؤية جهة أخرى يقول: أنتم ترون الهلال أو تنتظرون الناس، ومن رأى الهلال أثبته عندكم وتنظرون في شهادته وتخبروننا، فإذا أناب الحاكم أحداً من هؤلاء فإنه يُرجع إليه.

حكم من نوى الفطر لسفره ثم نوى الإمساك في أثناء النهار بعد خروجه

حكم من نوى الفطر لسفره ثم نوى الإمساك في أثناء النهار بعد خروجه Q مسافر ركب سيارته ونوى الفطر، وقال: أفطر في إحدى المحطات القريبة، فمشى فما وجد محطة مناسبة ثم قرب الوقت فقال: أريد أن أكمل، فهل يصح صومه؟ A لا؛ لأنه نوى الفطر، فمن نوى الفطر فقد أفطر.

الفرق بين مفسد الصيام والمفطر

الفرق بين مفسد الصيام والمفطر Q ما الفرق بين المفسد والمفطر؟ A لا فرق، هذا مفسد وهذا مفطّر.

حكم غيبة الصائم غيره

حكم غيبة الصائم غيره Q ما حكم غيبة الصائم غيره؟ A هذا ينقص أجره، فالغيبة تنقص أجر الصيام.

حكم الصائم تارك الصلاة

حكم الصائم تارك الصلاة Q ما حكم الذي لا يصلي وهو صائم؟ A الذي لا يصلي هذا له حكم آخر، الصحيح أنه إذا كان لا يصلي بالكلية -يعني: ما يركع ولا يسجد ولا يصلي لله بالكلية- فإن صومه لا يصح، وأما إذا كان يصلي ويترك، يعني: يصلي أحياناً ويترك أحياناً فإن صومه يصح، فما دام أنه يصلي في رمضان فقد أصبح مسلماً، لكنه بعد ذلك إذا ترك الصلاة ارتد، لكن لا نحكم عليه نحن بالردة بحيث يُستباح دمه ويفرّق بينه وبين امرأته إلا إذا حكم القاضي بذلك.

فضل العمرة في رمضان

فضل العمرة في رمضان Q هل العمرة في رمضان أفضل أم في أشهر الحج؟ A العمرة في رمضان أفضل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي). وأما تركه صلى الله عليه وسلم العمرة في رمضان فلانشغاله في رمضان لصيامه، ولكن ورد في الحديث أنها كحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم والحجة معه صلى الله عليه وسلم أفضل من العمرة في أشهر الحج.

بيان جهة فضل عشر ذي الحجة وعشر رمضان

بيان جهة فضل عشر ذي الحجة وعشر رمضان Q أيها أفضل: عشر ذي الحجة أو عشر رمضان؟ A هذه مسألة من المسائل التي وقع فيه الخلاف، والصحيح أنه من جهة النهار عشر ذي الحجة أفضل؛ لأن صوم يوم عرفة في النهار، والذبح والنحر يوم عشرة، ومناسك الحج من رمي ونحر ومن الوقوف بعرفة كل ذلك في النهار، فمن جهة النهار عشر ذي الحجة أفضل، ومن جهة الليل العشر الأواخر من رمضان أفضل؛ لأن ليلة القدر في الليل، هذا هو الصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: من جهة النهار عشر ذي الحجة أفضل، ومن جهة الليل العشر الأواخر أفضل.

حكم صيام عشر ذي الحجة

حكم صيام عشر ذي الحجة Q ما حكم صيام الأيام التسعة من ذي الحجة؟ A لا بأس أن يصوم الأيام التسعة، ورد حديث في أبي داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذي الحجة).

الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر

الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر Q في أي ليلة ترجى ليلة القدر؟ A ليلة القدر في الوتر آكد وفي ليلة سبع وعشرين آكد، ولكنها قد تكون في الشفع، قد تكون في ليلة أربع وعشرين، وقد حصل هذا، وعلى ذلك فنقول: على المسلم أن يجتهد في العشر كلها ليصيب هذه الليلة المباركة، لو قيل لك: إن في العمر هذه الليلة المباركة لرأيت أن اجتهادك في العمر كله من أجل إصابتها شيء قليل من أجل الحصول على هذه الليلة المباركة، فكيف بها في عشر ليال؟! قال ابن مسعود: (من يقم الحول يصب ليلة القدر) لما سئل قال: (من يقم الحول يصب ليلة القدر) هذا لاجتهادهم رضي الله عنهم في العبادة، أما الآن فكثير من الناس لا يجتهد إلا في ليلة سبع وعشرين، ودونه في أقلية الاجتهاد وهو خير منه من يجتهد فقط في الوتر، وإذا كانت ليلة شفع ترك العبادة، والذي ينبغي للمسلم أن يحرص في هذه العشر كلها على العبادة.

علامات ليلة القدر

علامات ليلة القدر Q ما هي علامات ليلة القدر؟ A منها أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها، وقد جاء أنه لا يرمى فيها بنجم وأنها ليلة لا حارة ولا باردة.

حكم الكفارة على من أفطر في رمضان بغير الجماع

حكم الكفارة على من أفطر في رمضان بغير الجماع Q هل على من أفطر في نهار رمضان بالأكل والشرب كفارة؟ A الصحيح -وهو قول جمهور العلماء- أن الكفارة فقط في الجماع لا في الأكل والشرب، لو أكل وشرب لا نقول: عليه كفارة صيام شهرين متتابعين.

درجة حديث: (أوله رحمة وأوسطه مغفرة)

درجة حديث: (أوله رحمة وأوسطه مغفرة) Q ما صحة حديث: (أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)؟ A الشهر كله شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، ولذا قال في الحديث: (ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة).

درجة صحة الكشف العلمي بتغيير إشعاعات الجو في إحدى ليالي العشر

درجة صحة الكشف العلمي بتغيير إشعاعات الجو في إحدى ليالي العشر Q اكتشف أن في ليلة من الليالي العشر لا تكون الإشعاعات التي في الجو متزنة كغيرها، فما قولكم؟ A هذا يُحتمل لأنه تتنزل الملائكة في هذه الليلة والله أعلم.

حكم الاعتكاف بغير صيام

حكم الاعتكاف بغير صيام Q هل يشترط الصيام للاعتكاف؟ A الصيام ليس شرطاً للاعتكاف، يصح أن يعتكف وهو ليس بصائم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

فقه الحج من دليل الطالب

دليل الطالب_كتاب الحج [1] الحج فريضة من فرائض الله وركن من أركان الإسلام، وكذلك العمرة واجبة، لكن إنما يجبان على المرء بشروط إذا اختل منها شرط سقط الوجوب، ومن الشروط ما هو شرط صحة، ولهذا ينبغي أن يتفقه المسلم في أحكام الحج وشروطه وواجباته وحكم الاستنابة فيه حتى يعبد الله على بصيرة.

تعريف الحج وحكم وجوبه

تعريف الحج وحكم وجوبه

تعريف الحج

تعريف الحج إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فأشكر أولاً القائمين على إدارة الدعوة في دولة قطر على إقامة مثل هذه الدورات التي يتفقه فيها المسلم بدينه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، أسأل الله أن يبارك في الجهود، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه مجيب الدعاء. وبين أيدينا كتاب الدليل وقد تدارسنا منه في الأعوام السابقة ما سبق كتاب الحج من أبواب العبادات، ونتدارس إن شاء الله تعالى في هذه الدورة كتاب الحج. والحج في اللغة: هو القصد. وفي الاصطلاح: قصد بيت الله لعمل مخصوص في زمن مخصوص، ويتضح ذلك بذكر مسائل الحج وأحكامه إن شاء الله تعالى.

وجوب الحج

وجوب الحج قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهو واجب مع العمرة في العمر مرة]، الحج واجب وهو ركن من أركان الإسلام وأحد مبانيه العظام، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]. وقال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في الصحيحين: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً). وتارك الحج لا يكفر عند جماهير العلماء، خلافاً لمن ذهب إلى ذلك من السلف، لكن جمهور السلف وعليه الأئمة الأربعة: أن تارك الحج لا يكفر. ويكفر هو من جحد وجوبه؛ لأنه منكر ما تواترت به الأدلة، فإن فرضية الحج قد تواترت بها الأدلة من الكتاب والسنة، وأجمع على ذلك أيضاً علماء الأمة فهو منكر للإجماع أيضاً، فهو منكر للإجماع ومنكر لما هو ظاهر من الدين قد تواترت به النصوص، وأما الذي يتركه فإنه لا يكفر. وأما ما رواه الترمذي من قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد زاداً وراحلة ولم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً)، فالصواب وقفه على عمر، فهو من قول عمر رضي الله عنه، ومعناه المراد منه: الترهيب من ترك الحج، ولا يدل على أن تاركه كافر لكن تخشى عليه سوء الخاتمة نسأل الله العافية. وهو واجب في العمر مرة، فقد جاء عند الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا. فقالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة وما زاد فهو تطوع)، وعلى ذلك فلا يجب الحج في العمر إلا مرة واحدة.

وجوب العمرة

وجوب العمرة وهنا قال رحمه الله: (مع العمرة) وهذا هو المشهور في المذهب وأن العمرة واجبة على كل مكلف، ويدل على ذلك ما ثبت في مسند أحمد وابن ماجة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قالت له عائشة رضي الله عنها: (على النساء جهاد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة). وفي سنن أبي داود أن الصبي بن معبد قال لـ عمر رضي الله عنه: (إني كنت أعرابياً نصرانياً فأسلمت فرأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال: هديت لسنة نبيك). وهذا يدل على أن من هديه عليه الصلاة والسلام وجوب العمرة، ولذا قال عمر مقراً له في قوله: (مكتوبين علي) فقال: (هديت لسنة نبيك عليه الصلاة والسلام). وعمرةُ القارن والمتمتع تجزئه عن عمرة الفريضة، فمن حج قارناً أو حج متمتعاً فاعتمر وتحلل الحل كله ثم حج فإن هذه العمرة تجزئه عن عمرة الإسلام، وعلى ذلك فيجب على المكلف أن يعتمر، وتجزئه عمرة القران وعمرة التمتع عن عمرة الإسلام. والمذهب: أن العمرة واجبة مطلقاً يعني: على كل مكلف، فدخل في ذلك أهل مكة. والمنصوص عن الإمام أحمد وهو اختيار الموفق ابن قدامة: أن العمرة لا تجب على المكيين وإنما تجب على الآفاقيين، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة: أن أهل مكة لا تشرع لهم العمرة؛ وذلك لأن العمرة هي الزيارة، وأهل مكة هم أهل المحل وعمرتهم إنما هي الطواف بالبيت، وعلى ذلك فتجب على الآفاقيين دون أهل مكة.

شروط وجوب الحج

شروط وجوب الحج

الشرط الأول الإسلام

الشرط الأول الإسلام قال المصنف رحمه الله: [وشرط الوجوب خمسة أشياء: الإسلام، والعقل، والبلوغ، وكمال الحرية]. شرع المؤلف في ذكر شروط الحج فقال: [الإسلام]، أي: فالكافر لا يصح منه النسك، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54]، فإذا كانت النفقة ذات النفع المتعدي لا تقبل فأولى من ذلك الحج؛ لأن الغالب فيه النفع اللازم. والكفار يؤاخذون يوم القيامة على فروع الشريعة فيؤاخذون على تركهم الحج، وذلك ليزيد عذابهم وإن كانوا لو فعلوا ذلك لم يصح منهم لاختلال شرطه وهو الإسلام. فالشرط في صحة العمل هو الإيمان وهؤلاء لم يؤمنوا، واختلال هذا الشرط من عندهم، ولذا فإنهم يؤاخذون على ما تركوه من فروع الشريعة.

الشرط الثاني العقل

الشرط الثاني العقل قال: [والعقل]. العقل شرط فلا يصح النسك من المجنون. وأما الصبي وإن كان لم يعقل كالذي ولد للحظة، أو كان دون سن التمييز، فإن حجه يصح عند جمهور العلماء، فقد رفعت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام صبياً وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر) رواه مسلم في صحيحه. فالصبي يصح حجه لكنه لا يجزئه عن حجة الإسلام، ويكون تطوعاً له، وهذه المسألة في الصبي غير المميز من المسائل التي يفارق الحج فيها غيره من العبادات، فالصلاة لا تصح من الصبي غير المميز، فإن ابن سنتين وابن ثلاث وابن أربع وابن خمس وابن ست لا تصح صلاتهم؛ لأن المميز هو من أكمل سبع سنين، فمن كان دون ذلك فإن عباداته لا تصح سوى الحج. كما أن الحج -وهذا سيأتي- لا يبطل برفضه بخلاف سائر العبادات، أي: لو أن رجلاً رفض نيته في أثناء الحج قال: أنا أريد أن أرجع إلى بلدي ولا أريد أن أكمل الحج، فهذا الرفض لا يعتد به، فلا يبطل برفض نيته، أما سائر العبادات فإنها تبطل، فالذي يتوضأ إذا قطع نيته أثناء الوضوء بطل وضوءه، والذي يصلي إذا قطع نيته في أثناء الصلاة بطلت صلاته. إذاً هذه من الفروق بين الحج وغيره، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]. إذاً الصبي ولو ولد للحظة يصح حجه لكن لا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام، ولا يصح حجه إلا بإذن وليه؛ وذلك لأن الحج عبادة ذات عقد يلزم به المال لما فيه من هدي، وفدية على من أتى محظوراً ففيه مال، والصبي لا يتصرف بشيء من ماله إلا بإذن وليه، وعلى ذلك فلا يصح حجه إلا بإذن وليه. ثم إن كان الطفل عاقلاً -يعني: مميزاً- أحرم عن نفسه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه، ويجوز أن يحرم عنه أجنبي بإذن وليه، يجوز أن يحرم عنه أجنبي بإذن وليه. ويفعل الصبي كل ما يقدر عليه كالوقوف بعرفة، وما لا يقدر عليه يفعله عنه وليه كالرمي. وقد جاء في ابن ماجة -والحديث في سنده ضعف- أن جابراً رضي الله عنه قال: (حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) وعليه العمل عند أهل العلم كما ذكر هذا ابن المنذر وحكاه من فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنه. وإذا حمله وليه في الطواف فهل يجزئ هذا الطواف عن المحمول فقط، أو يجزئ عن الحامل والمحمول؟ قولان لأهل العلم: المشهور في المذهب: أنه يجزئ عن المحمول فقط، فمن حمل صبياً أو شيخاً كبيراً أجزأ ذلك عن هذا المحمول فقط. والقول الثاني في مذهب أحمد واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي واستحسنه الموفق وهو مذهب الأحناف: أنه يجزئ عنهما معاً مع النية، فمن حمل صبياً ونوى في نفسه الطواف وقد نوى لهذا الصبي الحج بأن أحرم عنه إن كان غير مميز، وإن كان مميزاً قد أحرم عن نفسه فإن هذا يجزئ عنهما معاً، وهذا هو الراجح؛ لأن كليهما قد طافا بالبيت ونوى، فكلاهما قد حصل منه طواف وحصلت منه نية مجزئة.

الشرط الثالث البلوغ

الشرط الثالث البلوغ قال: [والبلوغ]. البلوغ شرط في وجوب الحج، فلا يجب الحج إلا على البالغ. وقد ثبت في سنن أبي داود والبيهقي وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ)، فهؤلاء الثلاثة وهم: النائم والمجنون والصبي قد رفع عنهم قلم التكليف. وقد جاء في مستدرك الحاكم -والحديث صحيح- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى). وعلى ذلك فالصبي إذا بلغ عليه أن يحج حجة أخرى فلا تجزئه هذه الحجة عن حجة الإسلام.

الشرط الرابع كمال الحرية

الشرط الرابع كمال الحرية قال المصنف رحمه الله: [وكمال الحرية]. فالعبد لا يجب عليه الحج، وإن حج لم تجزئه عن حجة الإسلام؛ لكن حجته تصح له تطوعاً للحديث المتقدم: (وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى). قال المصنف رحمه الله: [لكن يصحان من الصغير والرقيق، ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته]. نعم، يصحان من الصغير والرقيق تطوعاً كما تقدم، ولذا قال: (ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته). قال المصنف رحمه الله: [فإن بلغ الصغير أو عتق الرقيق قبل الوقوف أو بعده إن عاد فوقف في وقته أجزأه عن حجة الإسلام]. قلنا: إن الصبي إن حج فإن عليه حجة أخرى يحجها إذا بلغ، لكن إذا كان قد بلغ في حجته أثناء وقوفه بعرفة، أو بعد انصراف الناس إلى مزدلفة ثم إنه عاد فوقف بعرفة والوقت باق؛ فإنه يجزئه، وذلك إذا لم يكن قد سعى قبل ذلك بين الصفا والمروة إذا كان مفرداً أو قارناً. هذا صبي ذهب إلى مكة مع أهله فأحرم من الميقات ثم طاف طواف القدوم ولم يسع بين الصفا والمروة وكان مفرداً أو قارناً، ثم وقف بعرفة وأثناء الوقوف بعرفة بلغ، أو بلغ ليلة مزدلفة حيث استيقظ قبل الفجر وقد احتلم فرجع إلى عرفة وأدرك الوقوف بها قبل أذان الفجر، فتصح له هذه الحجة فرضاً، ويكون بذلك قد أتى بالفريضة. ومثل ذلك العبد؛ فلو أن رجلاً أعتق عبده بعرفة فإنها تجزئه عن حجة الإسلام، ولو أنه أعتقه ليلة مزدلفة ثم إن العبد عاد إلى عرفة ووقف فيها قبل أذان الفجر ليلة النحر؛ فإنه يكون بذلك مدركاً لحجة الإسلام. قال المصنف رحمه الله: [ما لم يكن أحرم مفرداً أو قارناً وسعى بعد طواف القدوم]. إذا كان إحرامه على صفة الإفراد أو صفة القران وطاف طواف القدوم يوم مجيئه، ثم سعى بين الصفا والمروة قبل الوقوف بعرفة، ثم بلغ الصبي أو أعتق العبد يوم عرفة فلا تجزئه عن حجة الإسلام؛ لأنه شرع في الأركان حين سعى سعي الركن بعد طواف القدوم؛ وذلك لأن هذا السعي يجزئه عن سعي حجه، وعلى ذلك فلا تجزئه هذه عن حجة الإسلام. قال المصنف رحمه الله: [وكذا تجزئ العمرة إن بلغ أو عتق قبل طوافها]. أما العمرة فإنها تجزئه إن بلغ أو عتق قبل طوافها، فإذا أحرم صبي من ميقات ذي الحليفة مثلاً، وقبل أن يصل إلى مكة بلغ، وكذلك العبد إذا أعتق، فتجزئه هذه العمرة عن عمرة الإسلام، لكن لو أنه أعتق بعد أن انتهى من شوط واحد أو شوطين لم تجزئه عن عمرة الإسلام، بل تكون نفلاً. إذاً: إذا أحرم الصبي أو العبد بالعمرة، ثم إن الصبي بلغ أو العبد أعتق قبل الشروع في الطواف فإن ذلك يجزئ عن عمرة الإسلام، وأما إذا كان ذلك بعد شروعه في الطواف فإن هذه العمرة لا تجزئه عن عمرة الإسلام.

الشرط الخامس الاستطاعة

الشرط الخامس الاستطاعة قال المصنف رحمه الله: [الخامس: الاستطاعة، وهي ملك زاد وراحلة تصلح لمثله]. أن يملك زاداً وراحلة، فقد جاء في الترمذي: أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: (ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة) والحديث حسنه الترمذي وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية فهو حديث حسن. قول المؤلف: (تصلح لمثله) هذا في الزاد والراحلة، وقال صاحب الزاد وهو احتمال في المذهب: (صالحين لمثله) أي: الزاد والراحلة، وهذا أرجح. وعلى ذلك فلو أن رجلاً وجد زاداً لا يصلح لمثله أو وجد راحلة لا تصلح لمثله في العرف فلا يجب عليه أن يحج حتى يستطيع، بأن يجد زاداً يصلح لمثله وراحلة تصلح لمثله. فلو أن رجلاً ثرياً أراد أن يحج فلم يجد حجزاً في الطائرة وهناك سيارات تذهب بالناس وهو لم يعتد ركوب مثل هذا النوع، فهذا عليه حرج في ركوبه، والله جل وعلا يقول: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. أو وجد مثلاً حملة عندها طعام لا يصلح لمثله كالشعير لم يؤمر بالحج. والحمد لله أن الناس اليوم يكادون يشتركون في الأطعمة وفي الراحلة، فلا تجد فرقاً كبيراً بين طعام الغني وطعام الفقير؛ لكن لو قدر أنه لا يجد إلا التمر أو لا يجد إلا الشعير أو نحو ذلك وكان هذا الطعام لا يصلح لمثله، فلا يؤمر بالحج حتى يجد زاداً وراحلة صالحين لمثله؛ وذلك لأن الله جل وعلا قد رفع عن هذه الأمة الحرج، قال جل وعلا: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. قال المصنف رحمه الله: [أو ملك ما يقدر به على تحصيل ذلك]. إذا لم يكن معه زاد ولا راحلة؛ لكنه يملك نقوداً أو دراهم أو ذهباً يمكنه أن يحصل به راحلة يستأجرها وطعاماً يتقوت به، فهذا لا يملك زاداً ولا يملك راحلة؛ لكنه يملك دراهم يمكنه أن يشتري بها ما شاء من الطعام وأن يركب ما شاء من السيارات أو غيرها.

اشتراط كون الزاد والراحلة فاضلين عن الحاجة

اشتراط كون الزاد والراحلة فاضلين عن الحاجة قال المصنف رحمه الله: [بشرط كونه فاضلاً عما يحتاجه من كتب ومسكن وخادم]. هذا رجل لم يحج لأنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه في الحج، لكن عنده بيت يسكنه، فهل نأمره أن يبيع هذا المسكن؟ A لا، قال تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. عنده سيارة يركبها، قد تكون هذه السيارة تساوي خمسين ألفاً وتناسبه في العرف، فلا نقول: بع سيارتك لتحج. كذلك لو كان عنده كتب يقرؤها مثل طالب في الجامعة عنده كتب أو طالب علم عنده كتب يقرؤها فلا نأمره أن يبيع هذه الكتب؛ لأنه يحتاج إليها. ولا نأمره ببيع أثاث بيته ليحج. فلابد -كما قال المؤلف- أن يكون فاضلاً عما يحتاجه من كتب ومسكن وخادم. ولو أن رجلاً عنده سيارتان في البيت وإحدى السيارتين يمكنه أن يستغني عنها فإننا نأمره ببيعها، وكذلك لو كان له بيتان أو عنده كتب زائدة أو نحو ذلك، ويكون ذلك فاضلاً عن حاجته، يعني: عنده بيت يسكنه وبيت فاضل عن حاجته، لكن لو كان يؤجر البيت الثاني وينفق الأجرة على أهله فلا يؤمر ببيعه. إذاً: يؤمر ببيع الفاضل عن حاجته ليحج بيت الله؛ لأنه قادر. قال المصنف رحمه الله: [وأن يكون فاضلاً عن مؤنته ومؤنة عياله على الدوام]. أي: أن يكون فاضلاً عن نفقته ونفقة عياله على الدوام. فلو أن الرجل له راتب قدره خمسة آلاف وهذا الراتب ينفقه على نفسه وعلى عياله ولا يفضل منه شيء، فلا نأمره بالحج، لكن لو كان عنده ما يزيد على حاجته في النفقة أو حاجة عياله فيجب عليه أن يحج ويعتمر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود وغيره، فلا يؤمر بأن يضيع أولاده ليحج أو يعتمر.

وجوب الحج على الفور

وجوب الحج على الفور قال المصنف رحمه الله: [فمن كملت له هذه الشروط لزمه السعي فوراً إن كان في الطريق أمن]. أي: من كملت له هذه الشروط لزمه السعي إلى الحج فوراً وليس له أن يتراخى، وقد جاء في سنن أبي داود ما يدل على ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (من أراد الحج فليتعجل) وهو حديث حسن لغيره. وقال: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل)، فهذا يدل على وجوب المبادرة في أداء الحج على من حصل له إحصار، وأولى من ذلك حج الفريضة، ولأن أصح قولي الأصوليين: أن الواجبات على الفور. وقول المصنف رحمه الله: [إن كان في الطريق أمن]، أي: لكن إن كان الطريق ليس بآمن فلا يجب عليه أن يحج؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار).

حكم من عجز عن الحج

حكم من عجز عن الحج

استنابة العاجز في الحج

استنابة العاجز في الحج قال المصنف رحمه الله: [فإن عجز عن السعي لعذر ككبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم نائباً حراً ولو امرأة يحج ويعتمر عنه من بلده]. إذا عجز عن السعي لعذر وكان هذا العذر لا يرجى زواله، ككبير لا يقدر على التنقل بين المشاعر وركوب الراحلة، أو مريض لا يرجى برؤه في العادة، أو محبوس لا يرجى خروجه، فهؤلاء يجب عليهم أن يقيموا نائباً يحج عنهم ويعتمر. ولا يشترط أن يكون هذا النائب ذكراً، إن كان المستنيب ذكراً بل يجزئ الذكر أن ينيب المرأة والعكس، ولذا قالت الخثعمية للنبي عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين- (إن فريضة الحج على العباد قد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حجي عنه). فهنا هذا الرجل شيخ كبير ولا يستطيع الركوب على الراحلة، فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام أن تحج عنه. ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، وأما إذا كان يرجى برؤه فليس له أن ينيب، ومثل ذلك أيضاً المحبوس الذي يرجو الخروج من الحبس فهذا كذلك ليس له أن ينيب، ومثل ذلك أيضاً من يعيش في بلاد فيظل سنوات كثيرة لا يسمح له بالحج حتى يأتيه دوره، وقد يجلس عشر سنوات، هذا ليس له أن ينيب بل ينتظر حتى يؤذن له ويحج بيت الله.

حج النائب من بلد العاجز

حج النائب من بلد العاجز وقول المصنف رحمه الله: (يحج ويعتمر عنه من بلده). أي: فإذا كان من أهل مصر وهو في مصر فإنه ينيب من مصر ومن نفس المدينة أيضاً. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قال: بل له أن ينيب ولو من مكة، وهذا هو الراجح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال للمرأة: (حجي عنه) ولم يقيد ذلك بكونه من بلده، فالنص مطلق فيجب أن نبقيه على إطلاقه، ولأن الانتقال من بلده إلى مكة ليس مقصوداً في الأصل، بل المقصود هو أداء النسك، وإنما وجب عليه أن ينتقل من بلده لأنه فيها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى ذلك فالصحيح ما اختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: وهو أن له أن ينيب من غير بلده من يحج عنه.

حكم ما إذا زال عذر العاجز عن الحج وقد استناب من يحج عنه

حكم ما إذا زال عذر العاجز عن الحج وقد استناب من يحج عنه قال المصنف رحمه الله: [ويجزئه ذلك ما لم يزل العذر قبل إحرام نائبه]. هذا الرجل أناب في عمرة فريضة أو حج فريضة، ثم إنه شفي قبل شروع النائب في النسك، يعني: وهو في الطريق قبل أن يحرم من الميقات، فقد زال العذر فلا تجزئه حجة النائب عن حجة الإسلام، ولا تجزئه عمرة النائب عن عمرة الإسلام. وأما إذا زال العذر بعد شروعه، أي أن النائب قال: لبيك حجاً عن فلان، أو قال: لبيك عمرة عن فلان، أو لبيك عمرة وحجة عن فلان ثم شفي هذا المريض الذي كان لا يرجى برؤه أو أطلق المحبوس فهنا تجزئه عن حجة الإسلام وعن عمرة الإسلام. وذلك لأن البدل إذا شرع فيه أجزأ ذلك عن الأصل الذي كان معجوزاً عنه، فمن عجز عن الأصل وانتقل إلى البدل وشرع فيه ثم قدر على الأصل لم يلزمه. هذا رجل قال: أنا لا أقدر على إطعام عشرة مساكين فنقول له: صم ثلاثة أيام، فلما شرع في اليوم الأول أتاه إرث مال كثير يستطيع أن يكفر منه كفارات كثيرة فلا نؤمره الآن أن يعود ويطعم عشرة مساكين، لأنه قد شرع في البدل والبدل يجزئه. فهنا هذا النائب قد شرع في البدل فأجزأ ذلك عن حجة الإسلام وعمرة الإسلام.

حكم من مات ولم يستنب من يحج عنه

حكم من مات ولم يستنب من يحج عنه قال المصنف رحمه الله: [فلو مات قبل أن يستنيب وجب أن يدفع من تركته لمن يحج ويعتمر عنه]. من مات ولم يحج فيجب أن يخرج من تركته؛ لأن هذا دين في ذمته، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة التي سألته كما في البخاري عن أمها التي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت: أفتحج عنها؟ قال: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا الله فالله أحق بالقضاء)، وهذا دين فيجب وفاؤه.

شرط النائب في الحج

شرط النائب في الحج قال المصنف رحمه الله: [ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حج عن غيره]. الذي لم يحج عن نفسه الفريضة ليس له أن يحج عن غيره، فقد جاء في سنن أبي داود: (أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة قال: هل حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)، فإذا حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه كانت الحجة له. هذا رجل أخذ دراهم ليحج بها عن أحد الناس ولم يكن قد حج عن نفسه، نقول: هذه الحجة تكون له تجزئه هو عن حجة الإسلام ولا تجزئ المستنيب.

اشتراط الزوج أو المحرم لوجوب الحج على الأنثى

اشتراط الزوج أو المحرم لوجوب الحج على الأنثى قال المصنف رحمه الله: [وتزيد الأنثى شرطاً سادساً وهو: أن تجد لها زوجاً أو محرماً مكلفاً]. المرأة تزيد شرطاً سادساً، وهو أن تجد لها زوجاً يحج بها، ولا يجب ذلك عليه، ولا يجب أن ينفق عليها في هذه الحجة؛ وذلك لأن الله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]. فإن ذهب معها وأنفق على نفسه أو أنفق عليها فهذا فضل منه ولا يجب عليه ذلك. أو أن تجد محرماً كالأب أو الأخ أو العم فلا بد أن تجد زوجاً يذهب بها أو محرماً، ولا بد أن يكون هذا المحرم مكلفاً؛ لأن الصبي والمجنون لا يحفظ ولا يصونها فلا يحصل به المقصود. وقد جاء في الصحيحين: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقال رجل: يا رسول الله! إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي قد خرجت حاجة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: انطلق فحج مع امرأتك). وجاء في الدارقطني أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تحجن امرأة إلا مع ذي محرم). والمرأة إن حجت بلا محرم خشي عليها الإثم وصح حجها وأجزأها ذلك عن حجة الإسلام. والمرأة التي لا تجد محرماً لا يجب عليها الحج، فهذا شرط في وجوب الحج، ولذا إذا ماتت لم يخرج ذلك من تركتها؛ لأنه لم يجب عليها الحج شرعاً إلا بوجود محرم لها، فالمرأة لا يجب عليها الحج حتى تجد محرماً. قال المصنف رحمه الله: [أو محرماً مكلفاً وتقدر على أجرته وعلى الزاد والراحلة لها وله]. فالواجب عليها ألا تحج إلا مع ذي محرم، وعليها في الأصل النفقة لها وله إلا أن يتبرع لها محرمها بذلك. قال المصنف رحمه الله: [فإن حجت بلا محرم حرم وأجزأها]. إن حجت بلا محرم حرم، لكن ذلك يجزئها عن حجة الإسلام. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتاب الحج [2]

دليل الطالب_كتاب الحج [2] الإحرام بالحج هو مبدأ الدخول فيه، وله مواقيت مكانية ومواقيت زمانية لا يجوز تجاوزها من غير إحرام، وهو لا ينعقد مع وجود الجنون أو الإغماء أو السكر، وإذا انعقد وجب على الحاج أن يحافظ عليه مما يخل به أو يبطله، وأن يتجنب المحظورات التي حرمت عليه بسبب الإحرام، كما ينبغي أن يتعلم أنواع النسك وأفضلها حتى يختار لنفسه عند الإحرام ما هو أفضل حسب استطاعته.

تعريف الإحرام وذكر المواقيت المكانية

تعريف الإحرام وذكر المواقيت المكانية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإحرام]. والإحرام: هو نية الدخول في النسك. وهذا الإحرام يجب أن يكون من الميقات، ولذا قال: [وهو واجب من الميقات]، فلا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا بإحرام، فمن كان ميقاته ذا الحليفة كأن يكون من أهل المدينة أو من يأتي من طريقهم فإنه يحرم من هذا الميقات ولا يتجاوزه إلا بإحرام، ولو أحرم قبله أجزأ بإجماع العلماء. فلو أن رجلاً خرج من الدوحة إلى مكة محرماً قد نوى الدخول في النسك، فإن ذلك يجزئ وإن كان خلاف الأولى. وقد وقت النبي عليه الصلاة والسلام خمسة مواقيت، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (وقت النبي عليه الصلاة والسلام لأهل المدينة ذي الحليفة، ولأهل الشام -وفي رواية عند النسائي: ومصر- الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرناً) وهو قرن المنازل، والقرن هو الجبل المنفرد، (هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة). هذا الحديث المتفق عليه فيه أربعة مواقيت. وفي النسائي وأبي داود: (أن النبي عليه الصلاة والسلام وقت لأهل العراق ذات عرق). وفي البخاري: أن أهل المصرين -أي الكوفة والبصرة- أتوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين! إن النبي عليه الصلاة والسلام قد وقت لأهل نجد قرناً وإنه دور عن طريقنا، وإن أردنا قرناً شق ذلك علينا فقال لهم: انظروا إلى حذوه، فوقت لهم ذات عرق]، فقد خفي هذا التأقيت على عمر رضي الله عنه فاجتهد فأصاب السنة رضي الله تعالى عنه. إذاً: هذه خمسة مواقيت وقتها النبي عليه الصلاة والسلام للمريد للنسك من حج أو عمرة، فليس له أن يتجاوز هذه المواقيت إلا بإحرام أولها: ذو الحليفة، ويسميه العامة بآبار علي، ولا أصل لهذه التسمية، والعامة يعتقدون أن علياً قاتل الجن في هذه الآبار، وهذا كذب لا أصل له. أما الميقات الثاني فهو ميقات الجحفة، وهذا الميقات انتقلت إليه حمى يثرب، فقد دعا النبي عليه الصلاة والسلام أن تنتقل حمى يثرب إلى الجحفة، فاتخذ الناس رابغ ميقاتاً لأنها بحذوه. وتبعد رابغ عن مكة نحو خمس مراحل، وكل مرحلة نحو أربعين كيلاً، والمرحلة هي سير الإبل في اليوم، وعلى ذلك فيحتاج راكب الإبل بين الجحفة ومكة إلى خمس ليال. وتبعد يلملم -وتسمى بالسعدية- عن مكة مرحلتين أي: نحو ثمانين كيلاً، وكذلك الضريبة. وأما السيل فيبعد نحو ثلاث مراحل. وعلى ذلك فأقرب المواقيت إلى مكة يبعد مرحلتين أي: يبعد نحواً من ثمانين كيلاً. واعلم أن من لم يكن في طريقه ميقات فإن المشروع له أن يحرم من حذو أقرب المواقيت إلى هذا الطريق، ولذا قال عمر رضي الله عنه لأهل العراق: انظروا إلى حذوه. ومن أتى من البحر ولم يكن في طريقه أرض يابسة فإنه يحرم من جدة، كالذين يأتون من السودان ونحوها، وجدة تبعد عن مكة مرحلتين، وليست ميقاتاً في المشهور المفتى به، لكنها للذين يأتون من تلك الجهة من أهل السواكن وذكر في المنتهى أنها ميقات. وقد ذكر بعض الأحناف وهذا فيه قوة: أن من أتى إلى جدة ليمكث فيها أياماً لعمل ونحوه فإن له أن يحرم منها، لأنه مر من ميقات، كالذي يمر من ميقات ذي الحليفة وهو يريد جدة يمكث فيها أياماً لعمل أو تجارة أو غير ذلك، ثم يريد السفر من جدة إلى مكة بعد أن يمكث فيها أياماً، فالذي يظهر أن هذا له أن يحرم من جدة؛ لأنه مريد لها عند مروره بالميقات؛ ولأن بقاءه محرماً لا يخلو من مشقة. قوله: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ)، يعني: من كانت قريته أو موضع سكنه دون هذه المواقيت، فمن حيث أنشأ. كأن يسكن قرية تبعد عن مكة عشرين كيلاً، فهذا يحرم من هذا الموضع، ولو كان في الأصل ليس من أهلها لكنه أتى إليها ثم بدا له أن يعتمر فمن حيث أنشأ، فلو أن مدنياً مكث في موضع دون ذي الحليفة ثم نوى منه أن يعتمر ولم يكن قبل ذلك مريداً للحج والعمرة لكنه أنشأ هذه النية هناك فإنه يحرم من هذا الموضع. وقوله: (حتى أهل مكة من مكة)، هذا في الحج، وأما في العمرة فليست كل مكة تصلح ميقاتاً في العمرة، بل الذي يصلح منها للمعتمر شرعاً هو الحل، فلا بد أن يذهب إلى الحل ليعتمر منه، وأما الحاج فإنه ينشئ نسكه من مكة حلها أو حرمها. هذا رجل من أهل مكة نوى أن يحج البيت من شقته أو من بيته وهو داخل الحرم فلا بأس بذلك ولا حرج. أما العمرة فلا بد أن يخرج إلى التنعيم أو غيره من الحل، وذلك لأن العمرة ليس فيها إلا الحرم فناسب أن يخرج إلى الحل ليعتمر فيجمع بين حل وحرم؛ ولأن العمرة هي الزيارة فناسب أن يأتي من الحل ليزور البيت في الحرم، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من الت

ما لا ينعقد معه الإحرام وما يبطله

ما لا ينعقد معه الإحرام وما يبطله قال: [ولا ينعقد الإحرام مع وجود الجنون أو الإغماء أو السكر] لعدم أهليته للنية؛ لأنه لا بد من نية، (وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) والحديث متفق عليه. وعلى ذلك فلا يصح الإحرام من مجنون ولا من مغمى عليه ولا من سكران، واستثنت الأدلة كما تقدم الصبي غير المميز فقد رفعت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام طفلاً فقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر). فالصبي ولو ولد للحظة والجارية ولو ولدت للحظة فإن حجهما يصح وكذلك العمرة، وهذا كما تقدم لا يجزئ عن حجة الإسلام ولا عن عمرة الإسلام وإنما يكون نفلاً، وتقدم شرح هذا. قال: [وإذا انعقد لم يبطل إلا بالردة] أي: إذا انعقد الإحرام من عاقل قد سلم من السكر والإغماء، فلم يكن سكران ولم مغمىً عليه ولا مجنوناً فلا يبطل هذا الإحرام إلا بالردة عن الإسلام، أعاذنا الله وإياكم.

فساد الإحرام بالوطء وما يترتب عليه

فساد الإحرام بالوطء وما يترتب عليه قال: [لكن يفسد بالوطء في الفرج قبل التحلل الأول ولا يبطل بل يلزمه إتمامه والقضاء] وعلى ذلك لو أحرم عاقل ثم طرأ عليه الجنون فلا يبطل إحرامه، ولو أحرم ثم أغمي عليه أو سكر فلا يبطل نسكه، إذ لا يبطل النسك إلا بالردة؛ لكن يفسد بالوطء في الفرج قبل التحلل الأول من غير بطلان. فمن وطئ قبل أن يأتي بنسكين من ثلاثة أنساك في يوم النحر -وهي الرمي والتقصير أو الحلق والطواف بالبيت- فإنه قد جامع قبل التحلل الأول فنقول: إن نسكه قد فسد ولم يبطل، فيجب عليه أن يمضي فيه مع فساده، وأن يقضي هذه الحجة في العام القادم. ويجب عليه كذلك أن ينحر بدنة، وإذا كانت المرأة راضية مختارة فعليها مثل ما على هذا الرجل. إذاً يجب عليه أن يمضي في هذا النسك الفاسد ويجب عليه أن يقضيه في العام القادم وتجب عليه بدنة إما بقرة تم لها سنتان أو ناقة أو جزور تم لها خمس سنوات. هذه الأحكام تترتب على من جامع قبل التحلل الأول. وأما من كان جماعه بعد التحلل الأول فإن حجه يصح، وعليه إن كان قد خلع إحرامه أن يعود فيلبسه وأن يكون ذلك من الحل. إذاً: عليه أن يذهب إلى الحل وأن يجدد إحرامه. وإن كان لم يخلعه فإن عليه كذلك أن يجدد الإحرام من الحل يعني: يذهب إما إلى عرفة وإما إلى التنعيم أو غير ذلك من المواضع فيحرم من هناك، وعليه أن يذبح شاة، هذا إذا كان الجماع بعد التحلل الأول، وفي ذلك آثار عن الصحابة.

أنواع النسك وأحكامها

أنواع النسك وأحكامها

التمتع أفضل الأنساك الثلاثة

التمتع أفضل الأنساك الثلاثة قال: [ويخير من يريد الإحرام بين أن ينوي التمتع وهو أفضل أو ينوي الإفراد أو القران]. هذه ثلاثة أنساك: النسك الأول: التمتع، والنسك الثاني: الإفراد، والنسك الثالث: القران. وأفضلها التمتع، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لولا أني سقت الهدي لأحللت بعمرة غير أنه لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله)، وقد أمر أصحابه عليه الصلاة والسلام بأن يتمتعوا، وقد جاءت أحاديث كثيرة عن نحو أربعة عشر صحابياً في هذا الباب؛ لكن هذا التمتع كان خاصاً بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (كانت المتعة لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام خاصة). وقد جاء في الصحيحين عن سراقة رضي الله عنه أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: (ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: بل للأبد). فمشروعية التمتع واستحبابه ومشروعية فسخ الحج إلى عمرة باقية إلى يوم القيامة، وأما وجوبه فكان خاصاً بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أنهم في الجاهلية كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالتمتع ليزول هذا الاعتقاد الذي كان عليه أهل الجاهلية. إذاً أفضل الأنساك التمتع، ثم الإفراد فيما ذكر المؤلف، والذي يترجح أن القران أفضل، فقد حج النبي عليه الصلاة والسلام قارناً كما في الصحيحين؛ ولأن القران يجمع فيه الناسك بين الحج والعمرة، وفيه الهدي فهو أفضل، ثم الإفراد، فالإفراد في المرتبة الثالثة.

تعريف التمتع

تعريف التمتع قال: [فالتمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم بعد فراغه منها يحرم بالحج] وأشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. فيحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم بعد فراغه منها يتحلل الحل كله، فتكون جميع محظورات الإحرام جائزة بالنسبة له، ثم يحرم بالحج في نفس العام، هذا هو التمتع. إذاً التمتع أن يهل بالعمرة أولاً ويكون إهلاله بها في أشهر الحج، فلو أهل بها في رمضان أو في شعبان فلا يعد متمتعاً، ولكن تكون عمرته في أشهر الحج ثم يتحلل منها ثم يهل بالحج في نفس السنة، وعليه الهدي، {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].

تعريف الإفراد

تعريف الإفراد قال: [والإفراد هو أن يحرم بالحج، ثم بعد فراغه منه يحرم بالعمرة]. فهذا قد أحرم بالحج فقط فنسكه حج لا عمرة فيه، وبعد الفراغ من الحج يستحب له في المشهور في المذهب أن يعتمر. واختار شيخ الإسلام أنه لا يستحب، وهذا أصح؛ لأن الراجح أن العمرة إنما تستحب للقادم الذي يأتي مكة من خارجها، وأما صاحب المحل أو من فرغ من الحج فالأفضل له ألا يعتمر، فإن اعتمر لم يكن في ذلك بأس وإن كان خلاف الأفضل.

تعريف القران

تعريف القران قال: [والقران هو أن يحرم بالحج والعمرة معاً] يعني: مرة واحدة، فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يقول: لبيك عمرة في حجة، أي أنه جمع بين العمرة والحج. قال: [أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها] أي: يحرم أولاً بالعمرة فيقول: لبيك عمرة، ثم بعد ذلك يدخل عليها الحج فيقول: لبيك حجاً، فهذا قارن. إذاً: القران أن ينوي في الميقات النسكين معاً، أو ينوي العمرة أولاً ثم يدخل عليها الحج، وقد يحتاج لذلك كالمرأة التي تحيض ولم تطف طواف العمرة وكذلك لو أحرموا بالعمرة ثم حصل -مثلاً- عطل في السيارة فتأخروا، أو حاضت المرأة في الطريق فخافت أن يفوت عليها الحج، يعني لو ذهبت وطافت بالبيت وسعت وقصرت ثم ذهبت لتدرك الوقوف بعرفة فقد يفوتها الحج إذا انتظرت حتى تطهر، لأنها قد لا تطهر إلا في اليوم التاسع، فإذا بقيت تنتظر الطواف والتحلل من العمرة فقد لا تدرك الوقوف. أو تخشى ألا تطهر إلا في يوم النحر أو في اليوم الحادي عشر والثاني عشر وكذلك من يحصل له عطل في سيارته فيخشى إن ذهب إلى مكة وتحلل بالعمرة أن يفوته الوقوف بعرفة، فهؤلاء ينتقلون من التمتع إلى القران فيدخلون على عمرتهم الحج، وقد فعلته عائشة رضي الله عنها كما ثبت هذا في صحيح مسلم وغيره. قال: [أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها]، فإن أدخل الحج على العمرة بعد الشروع في الطواف لم يكن له ذلك؛ وذلك لأنه لما شرع في طواف العمرة يكون قد دخل في أنساك العمرة فوجب عليه أن يتم هذا النسك ثم بعد فراغه منه يحرم بالحج. وعلى ذلك فله أن يدخل الحج على العمرة فيكون قارناً قبل الشروع بالطواف، أما إذا شرع بالطواف فيجب عليه أن يتم أنساك العمرة ثم بعد ذلك ينوي الحج فيكون متمتعاً. لكن المرأة لو شرعت في الطواف ثم طرأ عليها الحيض أثناء الطواف بطل طوافها، فإذا خافت أن تستمر أيام عادتها حتى يفوت الوقوف بعرفة قبل أن تطهر وتطوف للعمرة فهذه تحرم بالحج وتكون قارنة. قال: [فإن أحرم به ثم بها لم يصح]. هذا إدخال الأصغر على الأكبر، يعني: أدخل أصغر النسكين على أكبرهما، ففي المسألة الأولى أدخل الأكبر على الأصغر، كان معتمراً ثم نوى الحج، وقد قلنا: إن ذلك جائز؛ لكن العكس هنا، فهو قد نوى الحج مفرداً ثم أراد أن ينتقل إلى القران فأدخل العمرة، فهذا لا يجزئ في المشهور في المذهب. وقال الأحناف: بل يجزئ، وهذا أقرب؛ لأنه لا دليل يدل على المنع من ذلك، وليس فيه محظور.

حكم الإحرام المطلق

حكم الإحرام المطلق قال: [ومن أحرم وأطلق صح إحرامه وصرفه لما شاء، وما عمل قبل فلغو]. قوله: (من أحرم وأطلق) يعني: نوى النسك وأطلق فلم يعين، كأن أتى إلى ميقات ذي الحليفة وقال: لبيك اللهم نسكاً، وقال: أنا لا أدري هل أحج هذه السنة تمتعاً أو قراناً أو إفراداً، فنوى النسك الذي لا تعيين فيه ولم يحدد هل هو قارن أو متمتع أو مفرد؟ يقول: يجوز ذلك، ثم له أن يصرفه لما شاء، فإن أحب صرفه إلى العمرة، وإن أحب صرفه إلى الحج، وإن أحب صرفه إليهما. قوله: [وما عمل قبل فلغو] أي: كل أعماله قبل التعيين لغو، فطوافه وسعيه قبل التعيين كلها لغو؛ وذلك لأن هذه الأعمال لا تنصرف وتكون صحيحة حتى يعين، وهو لم يحصل منه تعيين ولا تحديد، لكن الأولى أن يصرف ذلك إلى العمرة فيكون متمتعاً. إذاً: من أحرم فأطلق فلا بأس ثم إنه يصرفه لما شاء؛ لكن الأفضل أن يعين نسكه في الأصل، ولذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بتعيين النسك إما تمتعاً أو قراناً أو إفراداً كما في حديث عائشة في الصحيحين.

حكم الاشتراط عند الإحرام

حكم الاشتراط عند الإحرام قال: [لكن السنة لمن أراد نسكاً أن يعين]، الأفضل أن يعين نسكه، فإما أن يكون تمتعاً وإما أن يكون قراناً وإما أن يكون إفراداً، لكن إن تركه بلا تعيين فلا شيء عليه، ثم إنه يصرفه كما تقدم لما شاء. قال: [وأن يشترط فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني]. هذا الاشتراط له أثر، وأثره أنه يتحلل بلا دم، فإذا قال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فحبسه حابس فإنه يتحلل ولا شيء عليه. والمذهب أن له أن يشترط مطلقاً سواء كان خائفاً أو لم يكن خائفاً، هذا هو المشهور في المذهب. واختار شيخ الإسلام وهو اختيار الشيخ محمد بن عثيمين: أن الاشتراط إنما يستحب للخائف فقط، وأن المؤثر في إسقاط الدم عن المحصر إنما هو الاشتراط الذي يحصل من الخائف دون غيره، قال: لأن الدليل إنما جاء في الخائف، فقد ثبت في الصحيحين: أن ضباعة بنت الزبير قالت للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله، إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)، زاد النسائي: (فإن لك على ربك ما استثنيت)، فكانت شاكية، ولذا لم يصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه اشترط ولا أنه علمه سائر أصحابه، وإنما علمه الخائف كما في حديث ضباعة رضي الله تعالى عنها. وعلى ذلك فالخائف هو الذي يشترط، ثم إن حصل له مانع وحبسه حابس فإنه يتحلل ولا شيء عليه، ومن ذلك المرأة التي تخاف الحيض أو النفاس فإنها تشترط ثم لها أن تتحلل ولا شيء عليها، أو الرجل يخاف أن يتعرض له في طريقه عدو، أو يخشى عطلاً متوقعاً كأن تكون العلامات في سيارته تدل على احتمال وجود عطل يمنعه من السفر ونحو ذلك، فإذا حبسه حابس فإنه يتحلل ولا دم عليه. وأما الذي لم يشترط وكذلك على الصحيح اشتراط غير الخائف، فهذا إذا أحصر فإنه يتحلل وعليه دم، والذي يترجح أنه لا يستحب الاشتراط لغير الخائف ولا يشرع له؛ لأن هذا لم يرد، والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإهلال أن يقول: لبيك اللهم عمرة، أو يقول: لبيك اللهم حجاً، أو يقول: لبيك اللهم عمرة في حجة. وأما التصريح بنيته فلم يرد، أي: أن يقول: اللهم إني أريد كذا أو أنوي كذا؛ فإن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتاب الحج [3]

دليل الطالب_كتاب الحج [3] إذا تلبس المسلم بالإحرام ونوى النسك من حج أو عمرة فقد دخل في حالة يحرم عليه فيها أمور تسمى بمحظورات الإحرام، والفقهاء يجعلونها قسمين: قسم هو من باب الترفه ولا إتلاف فيه، وقسم من باب الإتلاف، فيحرم على المحرم إتيان شيء منها، فإن أتاه فهل عليه الفدية، في ذلك تفصيل يختلف بحسب الحال والفعل.

محظورات الإحرام

محظورات الإحرام

الأول لبس المخيط على الرجل

الأول لبس المخيط على الرجل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب محظورات الإحرام]. أي: ما يمنع منه المحرم، فهذا الباب فيما يمنع منه المحرم بحج أو عمرة. قال: [وهي سبعة أشياء: أحدها: تعمد لبس المخيط على الرجال حتى الخفين]. هذا هو المحظور الأول وهو في حق الرجل دون المرأة، ولذا قال: (على الرجال)، وفي حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل: (ما يلبس المحرم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفاف إلا ألا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، ولا يلبس ثوباً مسه ورس ولا زعفران). وفي رواية للبخاري: (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين). وهذا الحديث فيه أن كل مخيط ينهى عنه الرجل المحرم. وهل المراد بالمخيط ما فيه خيوط فننهى الرجل عن لبس النعلين اللتين فيهما خيوط؟ وننهاه عن لبس الحزام الذي فيه خيوط؟ وننهاه عن لبس الرداء الذي فيه خيوط؟ A ليس هذا هو المراد، ولا أصل لذلك في كلام أهل العلم، والعوام يظنون أن هذا هو المراد، ولذا فإنهم يلبسون النعال التي لا خيوط فيها، وهذا لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام أهل العلم. وإنما المراد بالمخيط: المفصل على البدن كالسراويل والقمص ونحو ذلك مما يفصل على البدن كله أو بعضه. يقول: (حتى الخفين)، وفي الحديث المتقدم: (ولا الخفين إلا ألا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين). فالخفاف لا يجوز للمحرم أن يلبسها، لكن إن احتاج إلى لبسها كالذي يحرم في الطائرة ولا يجد نعلين وعليه الخفاف فهذا له أن يلبسها للحاجة، ولا يجب عليه على الصحيح أن يقطع الخفاف حتى تكونا أسفل من الكعبين؛ لأن هذا الحكم منسوخ، فقد جاء في الصحيحين في حديث ابن عباس رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب بعرفات فقال عليه الصلاة والسلام: ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل)، ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بأن تقطع الخفاف حتى تكونا أسفل من الكعبين وإنما أمر بذلك في المدينة؛ لأن حديث ابن عمر الذي تقدم ذكره كان في المدينة، وحديث ابن عباس الذي ليس فيه الأمر بالقطع في عرفات فهو متأخر. وحديث ابن عمر أيضاً إنما قاله لأهل المدينة فقط، وأما حديث ابن عباس فإنه لمن حضر حجته عليه الصلاة والسلام إلى الناس جميعاً من أهل المدينة وغيرهم. وإذاً فإن الراجح والمشهور في المذهب: أنه إن لم يجد نعلين فيلبس الخفين ولا يلزمه أن يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين.

الثاني تغطية الرأس من الرجل والوجه من الأنثى

الثاني تغطية الرأس من الرجل والوجه من الأنثى قال: [الثاني: تعمد تغطية الرأس من الرجل]. قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، قال ذلك فيمن وقصته راحلته فمات وكان محرماً. وتقدم الحديث الذي رواه ابن عمر وفيه: (لا يلبس القميص إلى أن قال: ولا العمائم)، فالعمامة ينهى عنها المحرم وكذلك كل غطاء للرأس، ولذا قال في الحديث: (ولا تخمروا رأسه) يعني: لا تغطوه. وفي البيهقي عن ابن عمر من قوله رضي الله عنه أنه قال: [إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها]. وعلى ذلك فليس له أن يغطي رأسه بأي غطاء مما يعد لباساً في العرف كالطاقية والشماغ والغترة والعمامة وغير ذلك. قال: [ولو بطين]، فلو أخذ طيناً ووضعه هكذا على رأسه نهي عن ذلك؛ لأن هذا غطاء للرأس، لكن إن حمل على رأسه شيئاً مثل بعض الناس ممن يحمل حقيبته ومتاعه على رأسه فهذا لا شيء فيه، أو يحمل فراشه كالذين يسيرون من عرفة على أقدامهم حتى يصلون منى فلا شيء في ذلك، هذا هو المشهور في المذهب؛ لأن هذا لا يعد لباساً؛ ولأن هذا لا يستدام في العادة فلا حرج فيه. كذلك إذا جلس في خيمة والخيمة مغطاة من الشمس فلا شيء عليه، ولذا جاء في صحيح مسلم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ضربت له قبة في نمرة) فهذا لا شيء فيه. قال المصنف رحمه الله: [أو استظلال بمحمل]. المحمل هو الذي يكون كالصندوق يوضع على الراحلة ويستظل به راكب الراحلة، والمشهور في المذهب أن هذا يمنع منه المحرم، ولذا قال المصنف رحمه الله: (أو استظلال بمحمل)، والراجح وهو مذهب الشافعي أنه لا حرج فيه، ومثله الآن السيارات التي لها سقف يغطي راكبها فهذه لا حرج فيها، ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أم الحصين قالت: (رأيت النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أسامة بن زيد وبلال بن رباح أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر قد رفعها ثوبه على رأسه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) يعني: رفع ثوبه على رأسه ليستره من الشمس، وهو كالشمسية التي تسمى اليوم بالشمسية، فلا حرج فيها، ومثل ذلك على الصحيح -كما تقدم- الاستظلال بمحمل ونحوه فإنه لا حرج فيه. قال: [وتغطية الوجه من الأنثى] أما الرجل فله أن يغطي وجهه وهو محرم، وأما ما جاء في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي وقصته راحلته فمات وفيه: (ولا تغطوا وجهه) فهذه الجملة شاذة، ولذا قال الذهبي رحمه الله: وذكر الوجه غريب. وعلى ذلك فقوله: (ولا تغطوا وجهه) قال ذلك للمحرم وهو رجل، وهذه الجملة شاذة كما قرر هذا الذهبي رحمه الله وقرره أيضاً ابن حجر. أما المرأة فإنها تنهى عن تغطية وجهها، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، فتنهى المرأة عن تغطية وجهها بنقاب أو برقع أو أي غطاء إلا أن يكون هناك أجنبي، أو أن تكون في موضع تخشى من أن ينظر إليها الأجانب كأن تكون في السيارة في النهار والسيارة تمر قريباً منهم فتغطي وجهها، لكن إذا كانت في الليل أو كانت السيارة مستورة فإنها تكشف وجهها وجوباً، وكذلك في خيمتها تكشف وجهها وجوباً، هذا ما عليه المذاهب الأربعة. وبعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنها إنما تنهى عن النقاب والبرقع وأما ما سوى ذلك فلا تنهى عنه. والراجح ما ذهب إليه الجمهور وأنها تنهى عن كل ما يستر وجهها إلا إذا غطته لحاجة كأجنبي، ويدل على ذلك أثر ابن عمر المتقدم فإنه قال: (إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه). رواه البيهقي عن ابن عمر من قوله بإسناد صحيح ولا يعلم له مخالف. فكما أن الرأس لا يغطى من الرجل فكذلك وجه المرأة لا يغطى وهي محرمة، إلا أن يكون هناك أجنبي، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها كما في البيهقي: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت من الألوان والزينة ولها كذلك أن تلبس الحلي لا تنهى المرأة عن شيء من ذلك لكنها لا تتبرج بزينة أمام الأجانب لكن لها أن تلبس من الثياب ما شاءت. المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت، ولا تتبرقع ولا تتلثم، وإن شاءت أسدلت ثوبها على وجهها من الرجال. وقالت أسماء رضي الله عنها كما في مستدرك الحاكم: (كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات من الرجال)، فدل على أنها تغطي وجهها من الرجال وأما غير ذلك فإنها تكشف وجهها. ويدل على ذلك أن المرأة لا تنهى عن شيء من اللباس فلو كان النهي عن البرقع وعن النقاب لكونه لباساً لا لكونه غطاء للوجه ما نهيت عنه المرأة؛ لأن المرأة لا تنهى عن شيء من الألبسة، فدل ذلك على أن النهي في البرقع وفي النقاب إنما هو لكونه غطاء لا

الثالث قصد شم الطيب

الثالث قصد شم الطيب قال: [الثالث: قصد شم الطيب]. الطيب: هو ما تطيب رائحته ويتخذ للشم في العرف، أما ما طابت رائحته ولم يتخذ طيباً وإنما يؤكل كالتفاح أو النعناع أو نحو ذلك فإن هذا لا شيء فيه، ولذا لا يمنع عن القيثوم وعن الشيح وعن أكل التفاح ونحو ذلك كما هو المشهور في مذهب أحمد وغيره، إنما يمنع عما يتخذ طيباً. لكن إذا استخلص من الفاكهة طيباً منع منه المحرم؛ لأنه قد اتخذ طيباً. ومما يدل على المنع للمحرم عن الطيب ما ثبت في قصة الرجل الذي وقصته راحلته فمات وكان محرماً، فقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (ولا تحنطوه) والحنوط: أخلاط من الطيب، وفي رواية: (ولا تمسوه طيباً). وقال: (ولا يلبس ثوباً مسه ورس أو زعفران) والزعفران مما يتخذ طيباً وكذلك الورس. وهذا المحظور تشترك فيه المرأة والرجل. قال هنا: (قصد شم الطيب إلا لحاجة)، أي: إلا لحاجة شراء فليس له أن يفتح زجاجة الطيب ويشم هذا الطيب، وليس له أن يتبخر؛ لأن المقصود من الطيب شمه فليس له أن يشمه، إلا أن يكون بغير قصد كأن يدخل في مكان فيه طيب فلا شيء عليه، وأما إذا قصد ذلك فإن ذلك محظور من محظورات الإحرام. قال: [ومس ما يعلق] يعني: ما يعلق باليد، فليس له أن يمس الطيب السائل الذي يعلق باليد، أما إذا كان يابساً مثل الخشب الذي يتبخر به فمسه بيده فلا شيء عليه؛ لأنه لا يعلق باليد، لكن لو أن هذا الخشب دهن بطيب -كما يفعله بعض الباعة- فإنه إذا مسه انتقل هذا إلى يده وعلق بيده؛ فهذا محظور. قال: [واستعماله في أكل أو شرب بحيث يظهر طعمه أو ريحه] كالقهوة إذا طبخت بالزعفران -والزعفران من الطيب- فظهرت الرائحة أو ظهر الطعم، أما الرائحة فواضح؛ لأن الطيب تقصد منه رائحته وأما الطعم فلأن وجود الطعم يستلزم الرائحة. أما إذا وجد اللون فقط كما لو طبخ طبخاً كثيراً حتى إنه لم يبق إلا لونه كما يكون هذا في الأرز إذا طبخ فيه شيء من الزعفران فأصبح لونه أصفر لكن لا طعم للزعفران ولا رائحة؛ فإذا كان الأمر كذلك فإنه لا شيء فيه، لأن اللون لا يؤثر، والذي يؤثر هو وجود الطعم أو وجود الرائحة.

حكم من أتى شيئا من المحظورات غير متعمد

حكم من أتى شيئاً من المحظورات غير متعمد قال: [فمن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه]. ذكر هنا ثلاث محظورات: اللبس وتغطية الرأس والطيب، هذه المحظورات الثلاث تشترك في كونها جميعاً لا إتلاف فيها. فمن تطيب فهل يكون أتلف شيئاً؟ A لا. إذا لبس قميصاً فهل يكون أتلف شيئاً؟ A لا. إذا غطى رأسه فهل يكون قد أتلف شيئاً؟ الجواب أيضاً: لا. إذاً: هذه محظورات لا إتلاف فيها، قالوا: فيعذر فيها بالنسيان والإكراه والجهل، فمن تطيب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، ومن لبس ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، ومن غطى رأسه ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، هذا هو المشهور في المذهب. قالوا: وأما التي فيها إتلاف كتقليم الأظافر فهذا لا يعذر فيه بالنسيان ولا بالجهل ولا بالإكراه. والحاصل: أن ما فيه إتلاف يستوي عمده وخطؤه؛ قالوا: لأن فيه إتلافاً. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن الإمام أحمد واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قالوا: بل لا فرق في هذا بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، فالجميع يعذر فيه بالنسيان والجهل والإكراه؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وهذا هو القول الراجح. ويدل على ذلك أن قتل الصيد فيه إتلاف، وقد قال الله جل وعلا: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة:95] فرتب الجزاء على قتل الصيد على سبيل التعمد، فدل ذلك على أنه ليس في شيء من محظورات الإحرام فدية لمن كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً. ولأن الإتلاف الذي فيه الجزاء وفيه الضمان مطلقاً هو الإتلاف الذي في حق الآدمي، وأما ما كان في حق الله جل وعلا فلا ضمان فيه؛ لأن حق الله مبني على المسامحة وأما حق الآدمي فإنه مبني على المشاحة. إذاً المشهور في المذهب التفريق بين ما لا إتلاف فيه وهو اللبس والطيب وتغطية الرأس، وما فيه إتلاف وهو الوطء؛ لأن الوطء إن كان من ذكر ففيه إتلاف للبكارة، وإن كان من غير ذكر وهي الثيب فإن ذلك من باب الإلحاق فتلحق الثيب بالبكر، كذلك قتل الصيد فيه إتلاف، وتقليم الأظافر فيه إتلاف، وحلق الشعر فيه إتلاف، قالوا: فهذه المحظورات فيها الفدية مطلقاً، فلو أن رجلاً أخذ من شعره ناسياً أو نتف من إبطه ناسياً فإن عليه فدية، والراجح أنه لا فدية عليه ما دام ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً.

الرابع إزالة الشعر والأظافر من البدن

الرابع إزالة الشعر والأظافر من البدن قال: [الرابع: إزالة الشعر من البدن ولو من الأنف]. قال جل وعلا: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة:196]، وقاس أهل العلم شعر سائر البدن على شعر الرأس، وحكى الموفق الإجماع على ذلك. وقال الله جل وعلا: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج:29]، قال ابن عباس: التفث الشعر والظفر. رواه ابن جرير. وعلى ذلك فكل شعر البدن لا يجوز أخذ شيء منه، فدخل في ذلك شعر الإبط، وشعر العانة، وشعر الأنف، وشعر الشارب، وشعر اللحية. قال: [وتقليم الأظافر]. فليس للمحرم أن يقلم أظافره، وهذا بإجماع العلماء كما قال الموفق ابن قدامة، وهو من أشد أهل العلم تحرزاً في حكاية الإجماع، وتقدم قول ابن عباس أن التفث: الشعر والأظافر، ولذا جاء في صحيح ابن خزيمة: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نحر هديه ورمى الجمرة قلم أظافره).

الخامس قتل الصيد البري

الخامس قتل الصيد البري [الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، وإفساد بيضه، وقتل الجراد والقمل، لا البراغيث، بل يسن قتل كل مؤذ]. هنا في إزالة الشعر وفي تقليم الأظافر، إذا صال عليه شيء من الشعر أو صال عليه شيء من الأظافر فأزاله فلا شيء عليه؛ لأنه مؤذ فلو نزلت شعرة مثلاً من حاجبه على عينه فآذته أو انكسر ظفره فآذاه فقصه فلا شيء عليه؛ لأن هذا من باب دفع الصائل. وأما إذا أزاله لمصلحة نفسه لا لأنه آذاه كأن يكون هناك وسخ في أظافره أو أن يكون هناك في رأسه داء مثل القمل فأزال الشعر، فهذا لمصلحة نفسه فعليه الفدية؛ لأن الله قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة:196]. ومثل ذلك قتل الصيد، فلو قتل صيداً ليأكله لمجاعة فهذا لمصلحة نفسه فعليه الجزاء. ولو صال عليه الصيد في خيمته كما لو أقبل عليه حمار وحشي وكاد أن يطأه فخاف على نفسه ورماه فليس عليه شيء. إذاً: إذا صال عليه شيء فقتله إن كان صيداً أو أزاله إن كان شعراً أو ظفراً فلا شيء عليه، وأما إذا كان قد أزاله لمصلحة نفسه ولم يكن منه أذى وإنما الأذى من غيره، مثلما تحلق شعر رأسك لوجود قمل في شعرك فالأذى ليس من الشعر بل من القمل، فإذا أزل الشعر فعليه الفدية. وعندما ينزل شيء من الشعر على عينيك وتبعده ويعود ويؤذيك فعندما تزيله فلا شيء عليه هنا؛ لأن المؤذي هو الشعر. قوله: [الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول]. هذا هو الخامس. قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]. قوله: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) الصيد هنا هو صيد البر؛ لأن الله جل وعلا قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96]، فصيد البحر جائز للمحرم. وقال: (الوحشي) يعني: الذي هو في أصله وحشي، لكن لو كان في أصله أهلياً وليس وحشياً ثم إنه توحش، كما لو أن رجلاً ترك شيئاً من الغنم أو الإبل وأصبح في البر لا يعرف له مالك وأصبح متوحشاً فهذا إذا قتله لا يكون ذلك محرماً؛ لأن هذا ليس بوحشي في أصله، بل هذا أهلي، وقد يحتاج إليه ولا يمكنه أن يمسكه فيذبحه كالذي يكون في رءوس الجبال ولا يمكنهم أن يذبحوه فيرمونه رمياً، فهذا لا شيء فيه. المقصود من ذلك هنا: أن هذا ليس بوحشي بل أهلي؛ والعبرة إنما هي بالأصل وإن كان قد توحش، فالإبل والبقر والغنم أهلية. كذلك لو أن المتوحش أصبح أهلياً، كالذي يأخذ حمار وحش صغير ثم يربيه فهذا صيد؛ لأن أصله متوحش، فليس له أن يشتريه لو وجده في السوق وهو محرم؛ لأنه ينهى عن إمساك الصيد. قوله: (المأكول) فإذا كان ليس بمأكول كما لو رمى ذئباً أو غيره فلا شيء عليه. إذاً: ينهى عن قتل صيد البر الوحشي المأكول؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]. ولا يجوز له أن يعين من يريد صيده سواء كان هذا الصياد حلالاً أو حراماً، ولا أن يشير إليه، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (هل منكم من أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟)، ولما قال لهم كما في الصحيحين: (ناولوني السوط قالوا: والله لا نعينك عليه). فينهى المحرم أن يناول من يريد الصيد سوطاً ولو كان محلاً، أو أن يدله فيقول: في المكان الفلاني صيد، أو أن يشير إليه يقول: هذا هو الصيد؛ ينهى عن ذلك كله. قال: [وإفساد بيضه]. ينهى عن إفساد بيضه كبيض النعام؛ لأن البيض يئول أمره إلى أن يكون صيداً وعلى ذلك فينهى عن إفساد بيضه. [وقتل الجراد]؛ لأن الجراد صيد بري فينهى عن قتل الجراد. قال: [والقمل]، ينهى كذلك عن قتل القمل. والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه لا ينهى عن ذلك، وهذا هو الراجح؛ لأن القمل مؤذ فلم يكن هناك حرج في قتله. قال: [لا البراغيث، بل يسن قتل كل مؤذ مطلقاً]. كل مؤذ يجوز للمحرم أن يقتله، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خمس يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والعقرب والغراب والفأرة والكلب العقور)، وفي رواية: (الحية)، فهذه مؤذيات فيقتلن في الحل والحرم، وليس على من قتل شيئاً منهن جزاء. إذاً: الجزاء إنما يكون في قتل الصيد البري المأكول المتوحش، وأما ما سوى ذلك فننظر إن كان مؤذياً جاز قتله، وإن كان غير مؤذ لم يجز قتله، وإن قتله فلا شيء عليه. إذاً إن كان صيداً برياً مأكولاً متوحشاً فإنه لا يجوز قتله للمحرم، ولا تجوز الإشارة إليه، ولا أن يناول من

السادس عقد النكاح

السادس عقد النكاح قال: [السادس: عقد النكاح، ولا يصح]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب). فإن نكح بطل هذا النكاح، ولذا جاء في موطأ مالك: أن عمر رضي الله عنه رد نكاح محرم يعني: أبطله، فنكاح المحرم باطل فلا يجوز أن يعقد لنفسه، ولا أن يعقد لغيره، ولا يكون ولياً للمرأة، ولا وكيلاً في الزواج، وأما الشاهد وكذلك ما يسمى بالمأذون الذي يعقد الأنكحة للناس فلا شيء فيه، ما دام أن العاقدان المتزوجان محلين، يعني: المرأة حلال وليست محرمة والرجل كذلك حلال وليس بمحرم، والولي كذلك حلال، فحينئذ لا حرج أن تشهد ولا حرج أن تكون مأذوناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح). قال: (ولا يخطب) فينهى عن الخطبة؛ لأن ذلك من مقدمات الجماع والله جل وعلا يقول: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]. ومن أهل العلم من يقول: تكره الخطبة، والذي يترجح أن الخطبة تحرم لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا يخطب).

السابع الوطء ودواعيه

السابع الوطء ودواعيه قال: [السابع: الوطء في الفرج]، فالوطء في الفرج مفسد للإحرام إذا كان قبل التحلل الأول كما تقدم شرحه في الدرس السابق، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَلا رَفَثَ} [البقرة:197] والرفث هو الجماع ومقدماته. قال: [ودواعيه] كالقبلة والمس، فهذه ينهى عنها المحرم، وهذه يجهلها كثير من الناس، فبعض الناس يقبل وهو محرم، ويمس يد المرأة بشهوة وهو محرم، وهذا محظور من محظورات الإحرام؛ لأن هذه مقدمات الجماع. قال: [والمباشرة دون الفرج]. يعني: أن يباشرها بين فخذيها ولا يولج في فرجها، هذه من الدواعي. قال: [والاستمناء] هذه كلها من محظورات الإحرام. ومما يتعلق بالجماع أنه إذا جامع قبل التحلل الأول فعليه بدنة، وإن جامع بعد التحلل الأول فعليه شاة، وتقدم شرح هذا، أما إن حصل شيء من الدواعي كالمباشرة أو المس أو القبلة وحصل منه مذي أو مني فإن عليه فدية الأذى على الصحيح، أي أنه يخير بين إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام. إذا باشر فأنزل أو أمنى أو قبل فأمنى أو أنزل، أو استمنى، فإن الواجب عليه كما تقدم إحدى هذه الخلال الثلاث: إما أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، أو يذبح شاة، هذا هو مذهب الشافعي خلافاً للحنابلة، وهذا القول هو القول الراجح.

ما يجب في محظورات الإحرام

ما يجب في محظورات الإحرام قال: [وفي جميع المحظورات فدية إلا قتل القمل]. تقدم أن قتل القمل -على القول بأنه لا يجوز للمحرم- لا فدية فيه. وأما عقد النكاح فإذا عقد المحرم فقد قلنا: إن نكاحه يبطل وليس عليه فدية، ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر الفدية، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) ولم يذكر فدية عليه الصلاة والسلام. قال: [وفي البيض والجراد قيمته مكانه]. إذا أفسد بيض صيد ثم سأل أهل الخبرة: ما قيمة هذا البيض؟ قالوا: قيمته مثلاً مائة ريال. نقول: تصدق بثمنها بأن تشتري طعاماً وتتصدق به على مساكين الحرم، كذلك إذا قتل جراداً فإننا ننظر إلى القيمة ويتصدق بها. قال: [وفي الشعرة أو الظفر إطعام مسكين وفي اثنين إطعام اثنين]. إذا أخذ شعرة واحدة فعليه إطعام مسكين، وإذا أخذ شعرتين فعليه إطعام مسكينين، وإذا أخذ ظفراً واحداً فعليه إطعام مسكين واحد، وإذا أخذ ظفرين فعليه إطعام مسكينين. وإذا أخذ ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار فهذا جمع، فعليه الفدية: إما إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام. هذا هو المشهور في مذهب أحمد؛ قالوا: لأن ما ثبت الضمان بجملته ثبت الضمان في أبعاضه، الضمان يثبت في الجمع وهو ثلاث فيثبت في الأبعاض، قالوا: فنظرنا في الشرع فوجدنا أن أقل فدية هي إطعام مسكين في قوله تعالى: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] فقلنا بذلك، وهذا ظاهر. وعلى ذلك فمن أخذ شعرة فعليه إطعام مسكين، وإن أخذ شعرتين فعليه إطعام مسكينين. قال: [والضرورة تبيح للمحرم المحظورات ويفدي]، فإذا اضطر المحرم إلى فعل المحظور فعله وفدى. إذا احتاج الرجل أن يغطي رأسه وهو محرم أو اضطر إلى ذلك غطى رأسه وعليه الفدية. بعض النساء تقول: إنها مثلاً تحتاج إلى النقاب وتقول: لأنها تخشى على نفسها السقوط مع زحام الناس فتلبس النقاب وتكشف شيئاً من عينيها لتنظر لحاجتها إلى ذلك، فنقول: لا حرج عليها في ذلك ما دام أنها تحتاج وعليها الفدية، بأن تصوم ثلاثة أيام أو تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

كتاب الحج [4]

دليل الطالب_كتاب الحج [4] إذا أحرم المرء بالحج أو العمرة فإنه يكون قد دخل في عبادة لها شعائرها وآدابها، فيحرم عليه أمور تعرف عند الفقهاء بمحظورات الإحرام، وهذه المحظورات يأثم المحرم بمقارفتها من غير عذر، وتجب عليه الفدية تكفيراً عن المحظور الذي اقترفه، وهذه الفدية تختلف باختلاف المحظورات المرتكبة، فمنها المخير ومنها المرتب، ومنها غير ذلك.

أحكام الفدية وأقسامها

أحكام الفدية وأقسامها

تعريف الفدية

تعريف الفدية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفدية]. والفدية في الأصل: ما يدفع في فكاك الأسير ونحوه. وأما الفدية في الشرع فهي ما يجب فعله على من فعل محظوراً من محظورات الإحرام، فمن فعل محظوراً من محظورات الإحرام فعليه الفدية، ويأتي شرحها إن شاء الله تعالى. قال: [وهي ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم، وهي قسمان: قسم على التخيير وقسم على الترتيب]. أي: قسم يخير فيه المكلف بين أكثر من شيء، وقسم يجب عليه أن يفعل شيئاً، فإن لم يجده فعل الذي بعده، فهذا القسم على الترتيب.

القسم الأول من الفدية: ما يجب على التخيير

القسم الأول من الفدية: ما يجب على التخيير قال: [فقسم التخيير] يعني: الذي يخير فيه المكلف بين أشياء [كفدية اللبس] أي في حق من لبس مخيطاً، [والطيب، وتغطية الرأس، وإزالة أكثر من شعرتين أو ظفرين، والمباشرة بغير إنزال مني، فيخير بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره]. قال الله جل وعلا: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196] يعني: فحلق رأسه فيجب عليه فدية {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. وقد جاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وقد أتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام والقمل يتناثر على وجهه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما كنت أظن أن الوجع يبلغ بك ذلك، أتجد شاة؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين)، وفي الموطأ: (أي شيء منها فعلت أجزأ عنك) يعني: فليخير بين هذه الأشياء الثلاثة، وقد جاء تفسيرها في حديث كعب: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة:196] يعني: صيام ثلاثة أيام، ولا يجب أن تكون متتالية. {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة:196] يعني: إطعام ستة مساكين. {أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] يعني: أو ذبح، أي: أو ذبح شاة، أي أنه بالخيار بين هذه الأشياء الثلاثة أيها فعل أجزأه ذلك. إذاً: أنت أيها الناسك الذي قد فعلت محظوراً من محظورات الإحرام يجب عليك إما أن تصوم ثلاثة أيام أو تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة. ويكون هذا حيث وجد سببه، فلو أنه في الميقات كذي الحليفة فعل محظوراً فإنه يكفر في هذا الموضع، وإن أخره إلى مكة فلا بأس، والصيام جائز في أي موضع ولو رجع إلى بلده، فيصوم ثلاثة أيام. وهي محظورات ست تجب فيها الفدية، وهي حلق الشعر، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، والطيب، والمباشرة بغير إنزال كما قال المؤلف هنا، والصحيح أن المباشرة وإن كانت بإنزال ففيها فدية الأذى وليس فيها بدنة خلافاً للمذهب كما سيأتي. وهذا -كما تقدم- إن فعله ذاكراً لا ناسياً، عالماً لا جاهلاً، مختاراً لا مكرهاً. فمن فعل محظوراً من هذه المحظورات الست وهو يعلم الحكم، وهو ذاكر ليس بناس، وهو مختار ليس بمكره فتجب عليه الفدية. فإن فعل شيئاً من هذه المحظورات ناسياً فلا شيء عليه، أو فعل شيئاً منها جاهلاً ومثله يجهل ذلك فلا شيء عليه، أو فعل شيئاً منها مكرهاً غير مختار فلا شيء عليه. ولكل مسكين في الصدقة نصف صاع من تمر أو شعير أو ربع صاع من بر أو أرز؛ لأن البر والأرز أكمل. وعلى ذلك فإذا قلنا: إن الصاع يساوي ثلاثة كيلو جرامات تقريباً فإن الواجب عليه كيلو ونصف من التمر يعطيه كل مسكين، وإن أحب أعطاه ثلاثة أرباع الكيلو من البر أو من الأرز، وهو ربع مد وهو الذي يملأ الكفين من متوسط اليدين. قال: [ومن التخيير جزاء الصيد]، فجزاء الصيد فيه تخيير، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]، إذاً الجزاء أولاً، وهذا على التخيير بين عدة أشياء. الذي يذبح صيداً أو يقتله يخير بين ثلاثة أشياء: الشيء الأول: أن يذبح مثله في الحرم ويتصدق بلحمه على مساكين الحرم، ومن الذي يحدد المثلية؟ قال الله جل وعلا: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95]، وهذا مذكور في كتب الفقهاء كما سيأتي، فأوجب مثلاً في النعامة بدنة، وعلى ذلك فإذا صاد نعامة فالواجب عليه أن يذبح بدنة في مكة كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95] يعني: يكون في الحرم، ويتصدق به على مساكين الحرم. الشيء الثاني: أن نثمن هذه البدنة ويشتري بثمنها طعاماً يتصدق به على الفقراء لكل مسكين -كما تقدم- ربع صاع من بر أو نصف صاع من غيره، وعلى ذلك فلو قومنا البدنة بخمسة آلاف ريال مثلاً فإنه يشتري بها نحو خمسين كيساً من الأرز يتصدق على كل مسكين بثلاثة أرباع الكيلو، وعليه يصل عدد المساكين نحو ثلاثة آلاف، لأنك عندما تقسم خمسين كيساً على المساكين وتعطي كل مسكين ثلاثة أرباع الكيلو فإن الكيس يسع تقريباً ستين مسكيناً، إذاً (60×50=3000). الشيء الثالث: أن يصوم بعدد المساكين أياماً، أي: يصوم في المثال المذكور ثلاثة آلاف يوم، قال الله جل وعلا: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة:95]. قال المؤلف هنا: [ومن التخيير جزاء الصيد، يخير بين المثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف ويشتري بقيمته طعاماً يجزئ في الفطرة فيطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً]، فإ

القسم الثاني من الفدية: ما يجب على الترتيب

القسم الثاني من الفدية: ما يجب على الترتيب

فدية التمتع والقران وترك الواجب

فدية التمتع والقران وترك الواجب انتهينا من قسم التخيير وبقي الآن قسم الترتيب. يقول: [وقسم الترتيب]. الترتيب أن يجب عليك شيء واحد، فإن لم تجد هذا الشيء تنتقل إلى ما بعده. قال: [كدم المتعة] يعني: من تمتع بالعمرة إلى الحج فالواجب عليه الهدي، [والقران] أي الذي قرن بين حج وعمرة فالواجب عليه الهدي؛ لأن القران تمتع باتفاق الصحابة فيجب فيه الهدي. قال: [وترك الواجب]، فمن ترك واجباً فعليه دم، ومن الواجبات الإحرام من الميقات فمن تركه وجب عليه دم، ومن الواجبات المبيت بمنى، فمن ترك المبيت بمنى فعليه دم، ومن ترك المبيت بمزدلفة فعليه دم، ومن ترك الرمي فعليه دم. هذا ليس بالتخيير، بل يجب عليه دم، فإن عجز عنه صام عشرة أيام كما سيأتي. بعض الناس يخلط بين فعل محظور وترك الواجب فيقول: من تطيب فعليه دم، من قلم أظافره فعليه دم، وهذا غير صحيح، والعبارة الصحيحة أن يقول: فعليه الفدية، ومن لم يحرم من الميقات فعليه دم.

الفرق بين ترك الواجب وفعل المحظور

الفرق بين ترك الواجب وفعل المحظور فالواجب عليه أن يذبح دماً، أعني من ترك واجباً. وعندنا فرقان بين ترك الواجب وفعل المحظور، لا بد أن يدركهما طالب العلم: الفرق الأول: أن من ترك واجباً فعليه دم، وليس في ذلك تخيير، ومن فعل محظوراً فعليه الفدية على التخيير بين إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام. الفرق الثاني: أن تارك الواجب لا يعذر بنسيان ولا بإكراه ولا بجهل، لو أن رجل قال: نسيت ولم أحرم في الميقات فالواجب عليه دم، لكن من فعل محظوراً فإنه يعذر بالنسيان والجهل والإكراه. وهذا في أبواب كثيرة من العلم ليس في هذا الباب فقط، فلو صلى بلا وضوء ناسياً فالواجب عليه أن يعيد، لكن من صلى وعلى ثوبه نجاسة ناسياً فالصحيح أنه لا يعيد.

فدية الإحصار

فدية الإحصار ثم قال: [والإحصار] وهو المنع من إتمام المناسك، قال الله جل وعلا: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. فإذا منع من الوصول إلى مكة لإتمام نسكه في عمرة أو حج فالواجب أن يذبح هدياً، وهل هذا على التخيير بينه وبين غيره؟ A لا. هذا على الترتيب. قال: [والوطء ونحوه]، فمن جامع قبل التحلل الأول فعليه دم، ومن جامع بعد التحلل الأول فعليه دم؛ لكن الدم الذي قبل التحلل الأول في الحج هو بدنة وفي العمرة شاة، أما إذا جامع بعد التحلل الثاني فلا شيء عليه. قوله: [ونحوه]. المراد بنحوه هنا المباشرة بإنزال. قال: إن عليه بدنة، والراجح: أن عليه فدية الأذى، أي: فيخير بين الأشياء الثلاثة في الفدية: بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، هذا فيمن باشر وأنزل أو لم ينزل على الصحيح؛ لأن هذا محظور فيقاس على غيره من محظورات الإحرام وليس كالجماع؛ لأنه دونه، فقياسه على الجماع قياس مع الفارق؛ لأن الجماع يفسد الحج، أما المباشرة فإنها لا تفسد الحج. قال: [فيجب على متمتع وقارن وتارك واجب دم، فإن عدمه أو ثمنه] أي: أن من وجب عليه هدي وهو متمتع، أو وجب عليه هدي وهو قارن، أو وجب عليه دم لتركه الواجب. (فإن عدمه) أي: فلم يجد دماً أو لم يجد ثمنه فالواجب عليه كما قال: [صام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل كون آخرها يوم عرفة فيصوم اليوم السابع والثامن والتاسع]، صح ذلك عن علي وابن عمر كما في مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة. وله الصيام من إحرامه بالعمرة، فلو أحرم بالعمرة في ليلة إهلال ذي الحجة وهي الليلة الأولى منه فله أن يصوم اليوم الأول. بعض الناس يقول: أحب أن آخذ العمرة وأجلس هناك في مكة لأصوم لأني لا أستطيع الهدي فيذهب ويمكث في مكة، فإذاً بعد إهلاله بالعمرة له أن يصوم فيصوم ثلاثة أيام في الحج، ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله ولو صامها في مكة فلا بأس لكن له أن يؤخرها -فهي رخصة- حتى يرجع إلى أهله. قال: [وتصح أيام التشريق]، لو لم يصم اليوم السابع والثامن والتاسع، صام أيام التشريق فيصح ذلك، ولذا جاء في البخاري عن ابن عمر وعائشة: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي).

ما يجب على المحصر

ما يجب على المحصر قال: [ويجب على محصر دم] المحصر كما تقدم يجب عليه الدم، لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. قال: [فإن لم يجد صام عشرة أيام ثم حل]، أي أن الواجب إن كان يقدر على الهدي أن ينحر هديه ثم يحل، {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فإن لم يجد قال المؤلف: (صام عشرة أيام ثم حل) يعني: يبقى محرماً عليه ثياب الإحرام وعليه اجتناب محظورات الإحرام حتى يصوم عشرة أيام ثم يحل. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية والأحناف وهو الراجح: أنه لا يجب عليه الصيام، فإن لم يقدر على الهدي حلّ ولا شيء عليه؛ لأن قياس المحصر على المتمتع قياس مع الفارق، فإن المتمتع يهدي لفعله النسك، والمحصر يهدي لأنه تارك للنسك، ولا يقاس من ترك النسك ولم يحصله على من حصل النسك وفعله، وعلى ذلك فنقول: إذا لم يجد هدياً فإنه يحل ولا شيء عليه.

ما يجب على من وطئ وهو محرم

ما يجب على من وطئ وهو محرم قال: [ويجب على من وطئ في الحج قبل التحلل الأول أو أنزل منياً بمباشرة أو استمناء أو تقبيل أو لمس لشهوة أو تكرير نظر بدنة]. الواجب على من جامع في الفرج قبل التحلل الأول بدنة كما صحت بذلك الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم. وهنا ألحق به المؤلف وهو المذهب الإنزال بمباشرة أو بالاستمناء أو تكرار النظر، بأن يكرر النظر حتى ينزل المني لا المذي، وكذلك إذا استمنى، وكذلك إذا قبل فأنزل فيقول: الواجب عليه بدنة، وهذا قياس مع الفارق؛ لأن الجماع يفسد الحج وأما المباشرة والاستمناء واللمس لا تفسد الحج. وعلى ذلك فالصحيح: أن البدنة إنما تجب في الوطء في الحج قبل تحلله الأول، وأما المباشرة واللمس وتكرار النظر ونحو ذلك فهذا فيه فدية الأذى، يعني: أنها تقاس على حلق الشعر وتقليم الأظافر ونحوه؛ لأنه به أشبه، وأما الجماع فهو الذي فيه البدنة. قال: [فإن لم يجدها صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع]، كدم المتعة. هذا رجل وطئ ولم يجد بدنة فالواجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج ويصوم سبعة أيام إذا رجع. قال: [وفي العمرة إذا أفسدها قبل تمام السعي شاة]. العمرة إذا أفسدها فالواجب عليه شاة إذا جامع قبل الطواف وقبل إتمام السعي، يعني: في أثناء السعي، فالعمرة ليست كالحج، لأن الحج تجب فيه بدنة والعمرة تجب فيها شاة؛ لأن ابن عباس رضي الله عنه: (أمر امرأة جامعها زوجها قبل التقصير بأن تهدي بدنة أو بقرة أو شاة؛ تفعل ما شاءت). فدل على أن الشاة تجزئ، والأثر رواه البيهقي وغيره. [والتحلل الأول يحصل باثنين من رمي وحلق وطواف] أي: باثنين من هذه الثلاث. فإذا رمى وحلق حل التحلل الأول، وإذا طاف وحلق كمن قال: لا أريد أن أذهب مباشرة إلى مكة، بل فأطوف طواف الإفاضة وأؤخر الرمي فله ذلك، فإذا طاف ثم حلق أو قصر حل التحلل الأول. لو أنه رمى ولم يجد من يحلق رأسه وذهب إلى مكة فطاف فقد حل التحلل الأول. إذاً: إذا جمع بين نسكين من ثلاثة فإنه يحل التحلل الأول، وفي أبي داود: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء). والصحيح: أن ذكر التحليق ضعيف، والصحيح: (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) يعني: من جهة الرواية؛ لكن الأحوط ألا يحل حتى يفعل نسكين من ثلاثة. فبعد التحلل الأول قال: [ويحل له كل شيء إلا النساء] فيتطيب، ويلبس الثياب إلى غير ذلك من المحظورات إلا النساء وطئاً ومباشرة وقبلة ومساً، أي: ليس له الجماع ولا مقدمات الجماع، لقوله: (حل لكم كل شيء إلا النساء). أما التحلل الثاني فيقول: [والثاني يحصل بما بقي من الثلاثة مع السعي إذا لم يكن سعى قبل]، إذا كان قد سعى قبل كالقارن والمفرد الذي يقدم السعي بعد طواف القدوم فهذا يبقى عليه نسك واحد، وإذا كان لم يسع آخر سعيه أو كان متمتعاً يجب عليه سعي آخر، فهذا إذا سعى فكمل الأنساك الأربعة حل له كل شيء حتى النساء. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

كتاب الحج [5]

دليل الطالب_كتاب الحج [5] إذا دخل المحرم في الإحرام أو دخل المرء حرم مكة حرم عليه الصيد، ووجب فيه الجزاء، فما كان من الصيد مثلياً ففيه المثل يحكم به ذوا عدل هدياً بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياماً، وكذلك يحرم قطع شجر الحرم مما لا يستنبته الآدميون، ويضمن الصغير بشاة وما فوقه ببدنة.

جزاء الصيد

جزاء الصيد

جزاء الصيد الذي له مثل

جزاء الصيد الذي له مثل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في جزاء الصيد]. تقدم في درس سابق أن من محظورات الإحرام: قتل الصيد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]، وعلى ذلك فالواجب على من قتل صيداً الجزاء، والجزاء إن حكم به النبي عليه الصلاة والسلام وجب القول به، كما حكم النبي عليه الصلاة والسلام في الضبع كبش، كما في أبي داود، وإن قضى به صحابي أخذنا به؛ لأن أقوال الصحابة حجة في الأحكام إذا لم يخالفوا، فإن لم يكن فيه حكم صحابي رجعنا إلى قول عدلين خبيرين لا يشترط أن يكونا فقيهين، بل الشرط أن يكونا خبيرين عدلين، قال الله جل وعلا: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95]. فنقول لهذين الخبيرين: إن هذا قد قتل هذا الصيد -سواء كان من الدواب التي تدب على الأرض أو كان مما يطير في الهواء- ونقول له: حدد لنا ما الذي يماثله من بهيمة الأنعام من الإبل أو البقر أو الغنم، ولا يشترط أن يكون هذا الذي يماثل مما يجزئ في الأضحية، بل لو كان صغيراً فنسأله عن الذي يشبهه ويماثله في الصورة وفي الخلقة، ثم بعد ذلك يذبح هذا ويكون هدياً بالغ الكعبة يتصدق بلحمه على فقراء الحرم. قال: [والصيد الذي له مثل من النعم كالنعامة وفيها بدنة] قضى بذلك عدد من الصحابة، وعلى ذلك فمن صاد نعامة فالواجب عليه أن يذبح بدنة، أي: أن يذبح ناقة أو جزوراً. قال: [وفي حمار الوحش وبقره بقرة]. حمار الوحش معروف وهو ما فيه خطوط، فإن صاده فالواجب عليه بقرة، وكذلك في بقر الوحش. قال: [وفي الضبع كبش]، قضى به النبي عليه الصلاة والسلام، والضبع معروف. قال: [وفي الغزال شاة]، قضى به بعض الصحابة، فمن صاد غزالاً في أي مكان وهو محرم، أو صاده في حرم مكة ولو لم يكن محرماً، فعليه هذا الجزاء، وهو كبش. قال: [وفي الوبر والضب جدي له نصف سنة]. والوبر: دويبة تشبه الهرة تصاد، ذكر المؤلف أن الواجب فيها جدي له نصف سنة يعني: ستة أشهر، كذلك الضب فيه جدي له نصف سنة، والجدي من صغار المعز له ستة أشهر، أي: التيس الذي له ستة أشهر. قال: [وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر]. الجفرة: السخلة التي لها أربعة أشهر، وهي تجب في جزاء اليربوع. واليربوع هو الذي يسميه العامة بـ (الجربوع)، وهو في هيئته قريب من الفأر مع اختلافه في بعض شكله، وهو صيد حلال. قال: [وفي الأرنب عناق]. العناق أصغر من الجفرة، وقد قلنا: إن الجفرة هي السخلة التي لها أربعة أشهر، فالعناق دونها. قال: [وفي الحمام -وهو كل ما عب الماء كالقطا والورش والفواخت- شاة]، هذه أنواع من الطير تشبه الحمام وكلها تعب الماء عباً كما تعبه الشاة، وهذا هو وجه الشبه بينها وبين الشاة، وعب الماء هو أن تضع منقارها في الماء ثم تمص ولا ترفع رأسها وإنما تفعل كما تفعل الشاة، فالحمامة فيها شاة، وفيه أثر عن ابن عباس رضي الله عنه رواه البيهقي وغيره. وقال المالكية: بل إنما تجب الشاة في الحمامة إذا كانت من حمام الحرم فقط، أما لو صاد حمامة خارج الحرم وهو محرم فإن الواجب فيه القيمة؛ لأن هناك فرقاً كبيراً بين الشاة والحمامة، واستدلوا بقول ابن عباس رضي الله عنه كما في سنن البيهقي: (وفي كل ما سوى حمام الحرم القيمة إذا صاده المحرم)، وهذا هو الأظهر. وعلى ذلك فنقول: الحمام الذي يسكن في حدود الحرم الواجب فيه شاة، وإذا كان خارج الحرم فصاده محرم ففيه القيمة، مثاله: رجل أحرم من المدينة وفي الطريق وقف عند شجرة وصاد حمامة، فالواجب عليه القيمة، وهكذا ما ذكره من الطيور الأخرى من القطا والورشان والفواخت، وهذه أنواع من الطير تشبه الحمام.

جزاء الصيد الذي ليس له مثل

جزاء الصيد الذي ليس له مثل قال: [وما لا مثل له كالأوز إذا لم يكن له مثل والحبارى والحجل والكركي ففيه قيمته مكانه]. الأوز والحبارى والحجل هذه أنواع من الطيور لا مثل لها، فهي لا تعب الماء عباً، فالواجب فيها القيمة في المكان الذي صيدت فيه، وهي قد تساوي في هذا المكان مائة وتساوي في غيره خمسين فالعبرة بالمكان الذي صيدت فيه.

حكم صيد حرم مكة

حكم صيد حرم مكة قال: [فصل: ويحرم صيد حرم مكة وحكمه حكم صيد الإحرام]. صيد حرم مكة يعني: الذي يدخل في حدود الحرم، إذا أتيت من المدينة مثلاً فإنك إذا تجاوزت مسجد التنعيم تدخل في الحدود، وليس المقصود المسجد الحرام، بل المقصود منطقة الحرم ولها حدود معروفة، فمزدلفة من الحرم لكن عرفة ليست من الحرم. والكلام هنا في صيد حرم مكة، وحكمه حكم صيد الإحرام فيحرم على المحل إجماعاً، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده قال: ولا تلتقط لقطتها إلا لمن عرفها ولا يختلى خلاها) وهذا الحديث متفق عليه، وفيه: أن حرم مكة حرام لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط اللقطة فيه إلا لمن عرفها، يعني: فلا يمتلكها الملتقط بعد تعريفها سنة بل يعرفها دائماً، ولا يختلى خلاها.

حكم قطع شجر الحرم وما يجب فيه

حكم قطع شجر الحرم وما يجب فيه

حكم قطع شجر الحرم

حكم قطع شجر الحرم قال: [ويحرم قطع شجره]، أضاف الشجرة إلى الحرم، وعلى ذلك فالشجر الذي يغرسه الآدمي له أن يقطعه ولا حرج عليه؛ لكن الشجر الذي ينبت فيه وليس من فعل الآدمي لا يجوز قطعه، لكن إن قلعه من مكان ليغرسه في مكان آخر فلا بأس، لأن هذا ليس إتلافاً. إذاً: الشجر الذي يضاف إلى الحرم هذا لا يجوز إتلافه إذا كان ينسب إليه، أما إذا كان غرسه من فعل الآدمي فلا حرج في قلعه. قال: [وحشيشه] الحشيش يعني: الأخضر، ولذا قال في الحديث: (ولا يختلى خلاها) والخلى هو العشب الأخضر، أما العشب اليابس فلا شيء في أخذه لأنه ميت لا قيمة له. كذلك يحرم قطع الشوك الأخضر، أما الشوك اليابس فلا شيء فيه؛ لأنه ميت لا قيمة له، وعلى ذلك فإذا أزال شيئاً من العشب اليابس أو من الشوك اليابس فلا شيء عليه. لو أخذ حطباً يابساً فلا بأس في ذلك أو أخذ من الحشيش اليابس الميت فلا شيء في ذلك، لكن لو أخذ من الأخضر أو اقتلع الحطب من الأرض حتى أزال أصلها فهذا عليه شيء، قال: [والمحل والمحرم في ذلك سواء]، لأن الأمر راجع إلى تحريم المكان فلا فرق بين محل ومحرم؛ لكن إن احتاج بحيث يلحقه الحرج إذا لم يقلع فلا بأس. هذا رجل أراد أن ينصب خيمته وهو يحتاج إلى هذا المكان ولا يستطيع أن يستغني عنه، بحيث يلحقه حرج في الاستغناء عن هذا المكان؛ لكن هذا المكان فيه شوك أخضر أو في طريقه إذا مشى أغصان من شجرة فيحتاج إلى أن يقطع بعض هذه الأغصان ولا يكفي الرفع، يقول: إذا رفعت عادت فلا حرج عليه؛ لأن هذه حاجة. ومثل ذلك إذا أخذ شيئاً من عشبه الأخضر للدواء، مثل السناء المكي ونحوه فهذا لا حرج عليه في ذلك.

ما يضمن به شجر الحرم

ما يضمن به شجر الحرم قال: [فيضمن الشجرة الصغيرة عرفاً بشاة وما فوقها ببقرة]. وفي ذلك أثر عن ابن عباس رضي الله عنه؛ قال: (في الشجرة الصغيرة شاة) يعني: إذا قلع شجرة صغيرة فالواجب عليه شاة، وإذا قلع شجرة وسطى أو شجرة كبرى فعليه بقرة. وكيف نعرف أن هذه صغرى وأن هذه وسطى؟ هذا يرجع إلى العرف. قال: [ويضمن الحشيش والورق بقيمته]. قلنا: إن الحشيش اليابس لا شيء فيه، لكن إذا أخذ الحشيش الأخضر فعليه القيمة في مكانه، فنأتي إلى أهل الخبرة ونقول: كم يساوي هذا الحشيش؟ فإذا قالوا: يساوي عشرة ريالات فعليه أن يخرجها في الحرم. قال: [ويجزئ عن البدنة بقرة كعكسه]. البدنة هي الناقة، وتجزئ عنها بقرة، فمن وجبت عليه نعامة قلنا: عليه بدنة، فلو ذبح بقرة فإنها تجزئ. وقلنا: إنه لو صاد حماراً وحشياً كان الواجب عليه بقرة، ولو ذبح بدنة فإنها تجزئ؛ لأن البقرة تجزئ عن البدنة والبدنة تجزئ عن البقرة، ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه عن البقرة هل تجزئ عن البدنة -كما في مسلم - قال: (وهل هي إلا من البدن)، يعني: أن البقرة من البدن. قال: [ويجزئ عن سبع شياه بدنة أو بقرة]. هذا رجل ذبح سبع غزالات فالواجب عليه سبع شياه، فإذا ذبح بقرة فإنها تجزئ؛ لأن البقرة تكفي عن سبع شياه، وإذا ذبح بدنة -ناقة- تجزئ.

المراد بالدم الواجب في الحج

المراد بالدم الواجب في الحج قال: [والمراد بالدم الواجب ما يجزئ في الأضحية]. هذا إذا قلنا مثلاً: فلان عليه دم لأنه ترك الإحرام من الميقات، وكذلك الدم الواجب في الفدية، كما لو قلنا: إن فدية الأذى يخير فيها بين ثلاث: الدم ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، فالدم هنا يجب أن يكون ما يجزئ في الأضحية. هذا رجل ترك الإحرام من الميقات فقلنا: إن عليك دماً فذبحها سخلة أو تيساً لم يجزئه؛ لأن هذا لا يجزئ في الأضحية فلا بد أن يذبح ما يجزئ في الأضحية. ولذا قال: [ما يجزئ في الأضحية جذع ضأن أو ثني معز]. وجذع الضأن هو ما له ستة أشهر من الضأن، وثني المعز ما له سنة من المعز، والضأن معروف وهو الذي يكون من الخروف ونحوه، فهذا إذا بلغ ستة أشهر فإنه يجزئ في الأضحية، وأما الماعز فهو العنز وكذلك التيس، فهذا لا بد أن يكمل له سنة، فإذا كان التيس له ستة أشهر أو ثمانية أشهر لم يجزئ، لكن لو كان له سنة فإنه يجزئ، والسخلة صغيرة لا تجزئ لكن العنز التي لها سنة تجزئ. إذاً: من المعز ما له سنة ومن الضأن ما له ستة أشهر. قال: [أو سبع بدنة أو سبع بقرة، فإن ذبح إحداهما فأفضل]، أي أن سبع البدنة أو البقرة يكفي، ولو ذبح بقرة كاملة أو ذبح بدنة كاملة عن سبعها فإنه يكفي وهو أفضل؛ لأنه أوفر لحماً. هذا رجل وجب عليه أن يذبح شاة فيكفيه أن يشترك في بقرة يكون له سبعها؛ لكنه ذبح البقرة كلها أو ذبح البدنة كلها فذلك أفضل. فلو أنه ترك الإحرام من الميقات فإن الواجب عليه أن يذبح شاة، فإذا بقرة كاملة أو ذبح ناقة أو جزوراً أجزأه ولا شك، بل هذا أفضل لأنه أوفر لحماً. قال: [وتجب كلها]، لو قال: أنا ذبحت بقرة أريد أن أجعل سبعها عن تركي للواجب وستة أسباع أضعها في الثلاجة، فهل له ذلك؟ قولان، والمشهور في المذهب -كما ذكر المؤلف- أنها تجب كلها، لأنها ذبحت هدياً، يعني: أريق دمها على أنها هدي، وإنما جاز الاشتراك فيها على أنها هدي، وأما أن يشترك فيها أناس لا على أنها هدي فلا يظهر. وعلى ذلك فنقول: إذا ذبح بقرة عن شاة كان ذلك أفضل، ولو قال: أنا أريد أن آخذ ستة أسباع هذه البقرة أو ستة أسباع هذه البدنة فإنا نقول: لا يجوز، وإذا ذبحها فإنها كلها تكون هدياً؛ هذا هو المشهور في المذهب. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتاب الحج [6]

دليل الطالب_كتاب الحج [6] الحج والعمرة لها أركان وواجبات ومسنونات، ويختلف حكم الأركان فيهما عن الواجبات، فمن ترك ركناً لم يصح حجه إلا به، ومن ترك واجباً صح حجه وعليه دم، ومن ترك مسنوناً فلا شيء عليه، ولذا يجب على المرء قبل أن يحج أن يعرف ما هي أركان الحج وما هي واجباته وما هي مسنوناته حتى يتمكن من أداء النسك على الوجه الصحيح.

أركان الحج

أركان الحج

الأول الإحرام

الأول الإحرام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أركان الحج وواجباته: أركان الحج أربعة، الأول: الإحرام]. والإحرام هو نية الدخول في النسك، وتقدم شرحه، وهو الركن الأول من أركان الحج. قال: [وهو مجرد النية]. فلا يشترط مع النية شيء، لا تجرد من مخيط ولا غيره، بل نفس نية الدخول في النسك هو الإحرام، فإذا نوى أن يدخل في النسك فقد أحرم، أما مسألة التجرد من المخيط فهذه داخلة في محظورات الإحرام كما تقدم شرح هذا. ولا تشترط له التلبية أيضاً، بل التلبية سنة، وكذلك الإهلال، وهو قول: لبيك اللهم عمرة، أو لبيك اللهم حجاً، بل هو سنة، فالإحرام هو نية الدخول في النسك. قال: [فمن تركه لم ينعقد حجه]. من تركه لم ينعقد حجه، لأن من لا نية له فلا عمل له، فلا حج له ولا عمرة له، إذا لم يحرم.

الثاني الوقوف بعرفة

الثاني الوقوف بعرفة [الثاني: الوقوف بعرفة]. قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الخمسة: (الحج عرفة، فمن أدرك عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج)، فالحج هو عرفة، ولذا فإن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، وكل عرفة موقف، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وغيره: (كل عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة). قال: [ووقته من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر]. إذاً: وقته أربع وعشرون ساعة، تبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة وتنتهي بطلوع الفجر يوم النحر، فإذا وقف بعرفة في الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً أو العاشرة صباحاً أجزأه ذلك، والناس إنما يقفون بعرفة بعد زوال الشمس اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، يعني: بعد أذان الظهر، لكن لو وقف قبل ذلك أجزأ، ولذا جاء في السنن ومسند أحمد في حديث عروة بن المضرس الطائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى صلاتنا هذه -يعني صلاة الصبح- بمزدلفة، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه). إذاً: إذا وقف في أي ساعة من ليل أو نهار أجزأه ذلك، لكن المشروع له ألا يقف إلا بعد زوال الشمس، لكن لو وقف قبل ذلك أجزأ. بعض الناس بسبب الزحام يذهبون إلى عرفة بعد طلوع الشمس، بل أكثر الناس يدفعون بعد طلوع الشمس ولا يقفون بنمرة. ويصلون هناك، بل يذهبون إلى مخيماتهم بعرفة، لو أن رجلاً مرض بعد أن وصلوا إلى عرفة فرجع بعد أن مكث مثلاً لحظات فإنه يجزئه ذلك ويكون قد أدرك عرفة، لكن المشروع في حقه أن يكون وقوفه بعرفة بعد زوال الشمس.

شرط الوقوف بعرفة

شرط الوقوف بعرفة قال: [فمن حصل هذا الوقت بعرفة لحظة واحدة وهو أهل]، بأن يكون مسلماً عاقلاً محرماً. فلو وقف كافر أو وقف مجنون أو وقف من ليس بمحرم لم يجزئه. هذا رجل عنده عمل بعرفة، ووقف مع الناس وهو ليس بمحرم، ثم لما كانت صبيحة يوم النحر لبس إحرامه وقال: أنا قد وقفت مع الناس قبل ذلك، فنقول: وقوفك مع الناس قبل ذلك لم يكن بنية، لأنك لست محرماً، أي: لم تكن قد نويت الدخول في النسك. إذاً: لابد أن يكون الوقوف بعد نية الدخول في النسك. قال: [ولو ماراً]؛ لأن الواجب هو مجرد الوقوف. فليس المقصود بالوقوف أن يقف قائماً، لأن الوقوف هنا يعني المكث، فلو دخل من عرفة بسيارته من جهة وخرج من جهة فإنه يكون مدركاً، ولذا قال: (ولو ماراً). [أو نائماً]، لو خرج وهو نائم لم يستيقظ فإنه يجزئه ذلك؛ لأنه حصل منه الوقوف، فالوقوف بعرفة كما تقدم هو مجرد المكث. [أو حائضاً] المرأة الحائض يجزئ وقوفها. [أو جاهلاً أنها عرفة صح حجه]، أي: وقف جاهلاً أنها عرفة، يقول: لا أدري أنها عرفة. مثلاً: جاء رجل إليك وأنت في مزدلفة، وقال: أين عرفة؟ فأنا لم أقف بعرفة وأنا أبحث عنها، فقلت له: هذه عرفة، قال: ذلك المكان الذي فيه كذا؟ قلت: نعم، قال: أنا دخلت فيه ومررت به ولم أعرف أنه عرفة، فهل يجزئ ذلك؟ A يجزئه، ولا يشترط أن يعرف أنها عرفة؛ لأن المقصود هو مجرد المكث والوقوف بها. قال: [لا إن كان سكران] فالسكران لا يصح وقوفه. [أو مجنوناً]؛ لأنه لا عقل له. [أو مغمى عليه]؛ لأنه زائل العقل، فالمغمى عليه والمجنون وكذلك السكران لا يصح وقوفهم بعرفة، لكن لو أفاق وأدرك بعرفة جزءاً يسيراً وقد زال عنه السكر فإنه يجزئه ذلك، أو كان مغمى عليه من قبل أن يصلوا إلى عرفة، ووقفوا بعرفة وهو مغمى عليه، وقبل أن يخرج منها أفاق، فإنه يجزئه ذلك.

حكم ما لو أخطأ الناس في الوقوف

حكم ما لو أخطأ الناس في الوقوف قال: [ولو وقف الناس كلهم إلا قليلاً في اليوم الثامن أو اليوم العاشر خطأ أجزأهم]. لو وقف الناس في اليوم الثامن يظنون أن هذا يوم عرفة جهلاً ولم يعلموا ذلك إلا بعد مضي يوم عرفة، كما لو علموا يوم النحر أن وقوفهم كان قبل الوقت، فإنه يجزئهم ذلك، أو وقف الناس كلهم في اليوم العاشر، وظنوا أن هذا هو يوم عرفة، فإنه يجزئهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الأضحى يوم تضحون، والفطر يوم تفطرون)، فالعبرة بما عليه الناس، فما دام أن الناس ظنوا ذلك خطأ فلا شيء في ذلك. لكن لو أن بعض الناس تفردوا، بأن وقف الناس بعرفة في يوم التاسع، وهم قالوا: بل يوم عرفة هو اليوم العاشر ووقفوا وحدهم، فهل يجزئهم ذلك؟ A لا يجزئهم ذلك؛ لأن هذه المسائل لابد أن يجتمع عليها الناس.

الثالث طواف الإفاضة

الثالث طواف الإفاضة قال: [الثالث: طواف الإفاضة]، ويسمى بطواف الصدر، وطواف الزيارة. يسمى بطواف الإفاضة لأن الناس يفيضون من منى إلى مكة لفعله، وسمي بالصدر لأنهم يصدرون من منى لمكة لفعله، وسمي بالزيارة لأنهم يأتون من منى زائرين. قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، ولذا فهو ركن من أركان الحج، لا يصح الحج إلى به. قال: [وأول وقته من نصف ليلة النحر] في المشهور في مذهب أحمد والشافعي [لمن وقف، وإلا فبعد الوقوف] لو أنه لم يقف إلا في الساعة الثانية ليلة النحر فإنه يجزئه الوقوف كما تقدم. طاف والناس في مزدلفة في الساعة الثانية ليلاً وقد وقف بعرفة فإنه يجزئه ذلك، لكن لا يجزئه أن يشرع بالطواف قبل الوقوف بعرفة، لأن الطواف لا يصح إلا بعد الوقوف بعرفة، ولذا قال هنا: (وإلا فبعد الوقوف)، يعني: هذا لمن وقف وإلا فبعد الوقوف. فأول وقته من نصف الليل، فإذا طاف قبل الفجر ليلة النحر أجزأه ذلك، هذا في المشهور في المذهب، واستدلوا بحديث أم سلمة أنها أفاضت بعد نصف الليل. ومن أهل العلم من يرى أنه لا يصح إلا يوم النحر، والذي يترجح هو هذا، لكن من أخذ بالمذهب فلا بأس بذلك، فيكون بعد نصف ليلة النحر. قال: [ولا حد لآخره]، هذا رجل ذهب إلى مكة ووقف بعرفة وبات بمزدلفة ثم رمى الجمرة مثلاً وسافر إلى أهله، وجاء بعد ستة أشهر أو بعد سنة وطاف طواف الإفاضة فإنه يجزئه ذلك، قالوا: ما دام حياً، فلا حد لآخره؛ لأن الشرع لم يحدد له آخراً، لا في شهر ذي الحجة ولا في أيام التشريق، بل لا حد لآخره، وهذا هو قول الجمهور.

الرابع السعي بين الصفا والمروة

الرابع السعي بين الصفا والمروة ثم قال: [الرابع: السعي بين الصفا والمروة] المفرد عليه سعي واحد، والقارن عليه سعي واحد، والمتمتع عليه سعيان، سعي لعمرته وسعي لحجه، وعلى ذلك فالمفرد إذا كان قد سعى بعد طوافه للقدوم، وكذلك القارن إذا كان سعى بعد طوافه للقدوم أجزأه ذلك، وبقي عليه طواف الإفاضة. وأما المتمتع فإذا طاف وسعى لعمرته فعليه سعي لحجه بعد ذلك، ولذا قال ابن عباس: (أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج الحديث، وفيه: فإذا طفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي). إذاً: المتمتع عليه سعيان: سعي لعمرته وسعي لحجه، وأما المفرد والقارن فعليها سعي واحد، فإذا سعى يوم قدومه مع الطواف كفى، وعليه طواف إفاضة، وإذا لم يسع واكتفى بطواف القدوم فعليه السعي.

واجبات الحج

واجبات الحج

الأول الإحرام من الميقات

الأول الإحرام من الميقات قال: [وواجباته سبعة: الإحرام من الميقات]. أي: فلابد أن يحرم من الميقات، ولو أحرم بعده أجزأه الحج لكن يكون تاركاً للواجب. لو أحرم من مكة فإنه يصح حجه، لكنه يكون تاركاً للواجب وهو الإحرام من الميقات؛ لأن عندنا أصل الإحرام ركن، وأما كون الإحرام يكون من الميقات فهو واجب، فالذي يحرم ولو بعد الميقات يكون قد فعل الركن، وحجه صحيح، لكن عليه دم؛ لأنه ترك الإحرام من الميقات.

الثاني الوقوف إلى الغروب لمن وقف نهارا

الثاني الوقوف إلى الغروب لمن وقف نهاراً قال: [والوقوف إلى الغروب لمن وقف نهاراً]. الذي يقف بعرفة في النهار يجب أن يقف حتى تغرب الشمس، فلو دفع قبل غروب الشمس أجزأه الحج، لكنه يكون قد ترك الواجب، وهو الوقوف إلى غروب الشمس، وعلى ذلك فعليه دم.

الثالث المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل

الثالث المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل قال: [والمبيت ليلة النحر بمزدلفة إلى بعد نصف الليل]. يجب عليه أن يبيت بمزدلفة إلى بعد نصف الليل، فليس له أن يدفع من مزدلفة قبل نصف الليل، أما الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل للأقوياء والضعفة فهو المشهور في المذهب، ومذهب الشافعية، ومن أهل العلم من يقول: لا يدفع إذا كان قوياً حتى يطلع الفجر، وهذا أقوى من جهة الدليل.

الرابع المبيت بمنى ليالي التشريق

الرابع المبيت بمنى ليالي التشريق قال: [والمبيت بمنى ليالي التشريق]. ليالي التشريق هي ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن تأخر، أما الذي لم يتأخر فيتعجل فيبيت ليلتين: ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، أما المبيت ليلة عرفة بمنى فهو سنة، والمبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر واجب.

الخامس رمي الجمار مرتبا

الخامس رمي الجمار مرتباً قال: [ورمي الجمار مرتباً]. فيرمي أولاً الجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم يرمي ثانياً الجمرة الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة ثالثاً، لابد من الترتيب.

السادس الحلق أو التقصير

السادس الحلق أو التقصير [والحلق أو التقصير]. فيجب أن يحلق رأسه أو أن يقصر منه كله، فلابد أن يعم التقصير الشعر كله؛ لأن الله جل وعلا يقول: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27].

السابع طواف الوداع

السابع طواف الوداع [وطواف الوداع]. هذا واجب وليس بركن، وعلى ذلك فمن تركه صح حجه، لكن عليه الدم. وطواف الوداع لا يجلس بعده إلا أن يشتري شيئاً في طريقه، أو أن ينتظر رفيقه ونحو ذلك، أما أن ينام بعده في مكة أو يجلس للشراء ونحو ذلك، فهذا عليه أن يعيده. إذاً: الواجب السابع طواف الوداع، إلا أنه خفف عن الحائض كما في البخاري، فالحائض لا يجب عليها هذا الطواف.

أركان العمرة وواجباتها

أركان العمرة وواجباتها قال: [وأركان العمرة ثلاثة: الإحرام والطواف والسعي]. هذه أركان العمرة، فالإحرام يعني نية الدخول في العمرة، والثاني: الطواف، أي: طواف العمرة، والثالث: السعي. [وواجباتها شيئان: الإحرام بها من الحل]. إذا كان في مكة فلابد أن يخرج إلى الحل، أما الحج فيحرم به من مكانه وتقدم، وإذا كان في طريقه ميقات فلابد أن يحرم من الميقات، وإذا لم يكن في طريقه ميقات فمن حيث أنشأ، كما تقدم شرحه. قال: [والحلق والتقصير]، وأما طواف الوداع فهو سنة في المشهور، وهو قول أكثر أهل العلم، أعني أنه لا يجب في العمرة، ولذا لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه في عُمَرِهِِ كلها، وإنما أمر به في الحج، فطواف الوداع سنة في العمرة. وبعض أهل العلم يرى أن طواف الوداع واجب في العمرة، لكنه يقول: إذا خرج مباشرة فلا شيء عليه؛ لأن آخر عهده بالبيت، أي أنه طاف وسعى ومشى. وأما الذي يمكث فيرون أنه يجب عليه طواف الوداع؛ لحديث: (اصنع بعمرتك ما أنت صانع في حجك). لكن الراجح ما ذهب إليه الأكثر وهم الجمهور في هذا؛ وذلك لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر الناس في الحج أن يكون آخر عهدهم بالبيت كما في الصحيح، ولأن العمرة مناسكها كلها في البيت، بخلاف الحج فإنهم يتنقلون من منى إلى عرفة، فوجب عليهم أن يأتوا بهذا الطواف يودعون به البيت، لكن يستحب للمعتمر أن يودع البيت بالطواف.

مسنونات الحج

مسنونات الحج ثم شرع في المسنونات، قال: [والمسنون كالمبيت بمنى ليلة عرفة] هذا سنة من السنن، فالمبيت بعرفة ليلة التاسع من السنة. قال: [وطواف القدوم]، هذا بالنسبة للقارن والمفرد من السنن. [والرمل في الثلاثة الأشواط الأول منه] يعني: في طواف القدوم، وطواف العمرة أيضاً، وهذا فعل الرجل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والمراد بالرمل هل هو الجري أم هو الهرولة؟ قال: [والاضطباع] يعني: الاضطباع في طواف القدوم وفي طواف العمرة للرجل، والاضطباع هو أن يضع وسط الرداء تحت منكبه الأيمن، فيكون المنكب الأيمن مكشوفاً، ويضع طرفيه على العاتق الأيسر. قال: [وتجرد الرجل من المخيط عند الإحرام] يعني: عند إرادة الإحرام، فقبل أن يحرم يكون قد خلع ثيابه، هذا سنة، والواجب أنه إذا أحرم خلعه مباشرة، فلو قال: أنا أحب أن أخلع ثيابي بعد الإحرام مباشرة فلا بأس، يعني: أنه لما وصل الميقات نوى فقال: لبيك اللهم عمرة، ثم أخذ يطرح الثوب المخيط وبلبس الإزار والرداء فلا بأس بذلك، كما يكون هذا في الطائرة، فبعض الناس يأتيه الخبر وهو في الطائرة أنه قد حاذى الميقات فماذا يفعل؟ يقول: لبيك اللهم عمرة، ثم يخلع الثياب المفصلة على البدن ويلبس الإزار والرداء، فهذا لا بأس بهذا. قال: [ولبس إزار ورداء أبيضين] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض) ولو لبس غير الأبيض كالأخضر فلا بأس بذلك، ولذا طاف النبي صلى الله عليه وسلم ببرد أخضر كما في النسائي. قال: [نظيفين] يعني: إما جديدين وإما غسيلين. قال: [والتلبية من حين الإحرام] يستحب أن يلبي من حين الإحرام؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، ثم يستحب له أن يلبي كلما تجدد أمر، فإذا هبط وادياً لبى، وإذا علا وادياً لبى، وإذا التقى برفاقه لبى، ودبر الصلاة يلبي. قال: [إلى أول الرمي]، جاء في صحيح مسلم من حديث أم الحصين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة). فإذاً: يترك التلبية قبل أن يرمي مباشرة، لأنه يكبر مع كل حصاة فيقول: الله أكبر، الله أكبر، وعلى ذلك فيكون تركه للتلبية قبيل الرمي.

حكم من ترك ركنا أو واجبا أو مسنونا

حكم من ترك ركناً أو واجباً أو مسنوناً ثم ذكر الحكم الذي يترتب على ما تقدم، فقال: [فمن ترك ركناً لم يتم حجه إلا به] فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه، لكن من ترك الطواف فلا يتم حجه إلا به، والسعي لا يتم حجه إلا به. قال: [ومن ترك واجباً] ولو سهواً أو جهلاً [فعليه دم، وحجه صحيح]. لأثر ابن عباس ولا يعلم له مخالف، والأثر في البيهقي أنه قال: (من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليرق دماً). إذاً: إذا ترك واجباً فحجه صحيح لكن عليه الدم. قال: [ومن ترك مسنوناً فلا شيء عليه]. الذي يترك شيئاً من المسنونات لا شيء عليه، كمن ترك الاضطباع أو الرمل أو غير ذلك من السنن والمستحبات، ولو تركها جميعاً فلا شيء عليه. ونقف عند هذا القدر والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

كتاب الحج [7]

دليل الطالب_كتاب الحج [7] الطواف والسعي من أركان الحج والعمرة، ولكل منهما شروط لا يصح إلا بها، وكذلك سنن يستحب الإتيان بها والمحافظة عليها ليكمل الأجر، ويسن الشرب من ماء زمزم والدعاء عند شربه، وكذلك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه والصلاة في المسجد النبوي.

شروط الطواف

شروط الطواف

النية والإسلام والعقل والستر ودخول وقته

النية والإسلام والعقل والستر ودخول وقته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل]، وهذا الفصل في شروط الطواف. [وشروط صحة الطواف أحد عشر] هذه شروط صحة الطواف، وهي أحد عشر شرطاً. قال: [النية] هذا هو الشرط الأول، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فلابد من النية. قال: [والإسلام]، فلا يصح الطواف إلا من مسلم، لأن الكافر لا يصح عمله، ومن ذلك الطواف، {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54]. قال: [والعقل]، فلا يصح الطواف من مجنون. قال: [ودخول وقته] وتقدم أن أول وقته في المذهب نصف ليلة النحر. قال: [وستر العورة]، فقد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث منادياً في حجة أبي بكر بالناس: (ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان)، فلا بد من ستر العورة في الطواف. وهذه الشروط في كل طواف، في طواف الركن كطواف الإفاضة وطواف العمرة، وفي الطواف الواجب كطواف الوداع، وفي الطواف المستحب كطواف القدوم.

الطهارة من الخبث والحدث

الطهارة من الخبث والحدث قال: [واجتناب النجاسة] يعني: في ثوبه وفي بدنه. [والطهارة من الحديث] يعني: الأكبر والأصغر. فلابد من الطهارة من الأحداث الأكبر منها والأصغر، ولابد من الطهارة من النجاسة في ثوبه وفي بدنه، هذا هو قول الجمهور، واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الطواف في البيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه) رواه الترمذي والنسائي. واستدلوا أيضاً بما ثبت في البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم مكة كان أول شيء بدأ فيه أن توضأ ثم طاف بالبيت، قالوا: وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لتأخذوا عني مناسككم). والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب خلافاً للمشهور، واختاره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، واختاره أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين وطائفة من أهل العلم، قالوا: إن الطواف ليس من شروطه الطهارة، وعلى ذلك لو طاف وهو محدث أجزأ ذلك. واستدلوا بالأصل، فإن الأصل صحة الطواف، والأصل -أيضاً- براءة الذمة من الشروط. قالوا: وأما حديث: (الطواف بالبيت صلاة) فإنه كقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة} يعني: هو مأمور بالسمت والسكينة والوقار، كالذي يكون في طريقه إلى المسجد، وكالذي ينتظر الصلاة، قالوا: ويدل على ذلك أن الشخص في طوافه لا ينهى عن الكلام وينهى عنه في الصلاة، ولا ينهى عن الشرب وينهى عنه في الصلاة، ولا يؤمر باستقبال البيت ويؤمر باستقباله في الصلاة، إلى غير ذلك من الأحكام، قالوا: فدل على أنه كقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة، فلا يشبكن) في بعض الأحاديث. وأما ما استدلوا به من أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ فنقول: هذا فعل، والفعل عند أهل الأصول لا يدل على الوجوب، وهذا القول أرجح، وإن كان الأحوط له ألا يطوف إلا وهو متطهر، لكن بعض الناس في هذا الزمن مع الزحام الشديد قد يحدث، بأن تخرج منه ريح أو نحو ذلك لا سيما كبير السن والمرأة، ويشق عليه مشقة شديدة أن يذهب إلى دورات المياه ليتوضأ ثم يستأنف الطواف من جديد، هذا فيه مشقة شديدة، وعلى كل حال فإن الذي يترجح هو القول الثاني في هذه المسألة.

التسبيع والمشي وجعل البيت عن يساره

التسبيع والمشي وجعل البيت عن يساره قال: [وتكميل السبع] فلابد من تكميل السبع، فلو طاف بالبيت ستاً لم يجزئه ذلك، لأنه لابد من سبعة أشواط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتأخذوا عني مناسككم). قال: [وجعل البيت عن يساره] فلا يصح أن يجعله عن يمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما طاف جعل البيت عن يساره، وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم). قال: [وكونه ماشياً مع القدرة] المشهور في المذهب أن الركوب في الطواف -وكذلك في السعي كما سيأتي- لا يجزئ إلا مع العذر كالمريض، واستدلوا بأن النبي عليه الصلاة والسلام رخص لـ أم سلمة أن تطوف راكبة لأنها كانت شاكية، كما في الصحيحين. قالوا: وقياساً على الصلاة، فكما أن الصلاة لابد فيها من قيام مع القدرة فلابد في الطواف من مشي مع القدرة. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية أنه يصح الطواف من الراكب مع القدرة، لكنه خلاف الأفضل، واستدلوا بأن النبي عليه الصلاة والسلام طاف على بعيره كما في الصحيحين. وقد جاء في مسلم من حديث ابن عباس: (أن الناس اجتمعوا عليه وكان يطوف ماشياً، وقالوا: هذا محمد هذا محمد حتى خرجت العواتق من البيوت، وكان يكره أن يدفع الناس بين يديه). وقال ابن عباس رضي الله عنه: (فطاف على بعيره والمشي أفضل)، فدل ذلك على أن المشي أفضل وإن كان الطواف على البعير أو على الكرسي ونحو ذلك مجزئ، وكذلك في السعي.

الموالاة

الموالاة قال: [والموالاة] يعني: بين الأشواط، فلا يفصل بين شوط وآخر بفاصل يعد في العرف طويلاً، بل يجب أن يوالي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف موالياً وقال: (لتأخذوا عني مناسككم). قال: [فيستأنفه لحدث فيه] اشترط الموالاة واشترط الطهارة، يقول: لو أحدث في الطواف فيجب أن يستأنف، يعني: أن يبدأه من جديد. قال: [وكذا لقطع طويل] يعني: لغير عذر، فلو أنه فصل بين الشوط الأول والشوط الثاني بقطع طويل في العرف فالواجب أن يستأنف من جديد. قال: [وإن كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى من الحجر الأسود]. يقول: إن كان الفاصل يسيراً في العرف، كمن يرتاح أو يذهب ليشرب من ماء زمزم، ويكون هذا لدقائق معدودة في العرف، فهذا لا يؤثر، كذلك إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، أو حضرت جنازة فإنه يصلي الجنازة ثم يبني، والمؤلف هنا قال: يبني من الحجر الأسود. إذاً: لا يقطعه إلا بشيء يسير في العرف، أو إذا أقيمت الصلاة المكتوبة أو حضرت جنازة فقط، فإذا قطعه لشيء من ذلك فلا يبدأ من جديد. لكن هل يرجع إلى الحجر ليبدأ هذا الشوط من أوله أو يطوف من مكانه؟ هذا رجل طاف أربعة أشواط، وفي أثناء الخامس أقيمت الصلاة، أو تعب فارتاح يسيراً، أو حضرت جنازة، فهل نقول له: ارجع وابدأ من الحجر أو طف من مكانك؟ قولان لأهل العلم، والمؤلف هنا قال: إنه يبني من الحجر الأسود، وهذا هو المذهب، والقول الثاني في المسألة وهو وجه عند الشافعية وبه أفتت اللجنة الدائمة في المملكة وهو الراجح أنه يبني من مكانه؛ لأن الطواف عبادة واحدة، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

سنن الطواف

سنن الطواف

استلام الركنين

استلام الركنين قال: [وسننه: استلام الركن اليماني بيده اليمنى]. الركن اليماني هو الركن الذي يكون قبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فيستحب له أن يستلمه بيده اليمنى، ولم يرد أنه يقبل يده، ولم يرد أنه إذا لم يستلمه يشير إليه، إذاً: فلا يشرع إلا استلامه فقط، ولا يشرع تقبيله ولا تقبيل اليد التي استلمته، ولا الإشارة، كل ذلك لا يشرع في حقه. أما الحجر الأسود فيستحب تقبيله أو استلامه وتقبيل اليد، أو مسه بعصا أو نحوها وتقبيل هذه العصا، أو الإشارة إليه، كل ذلك وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن إذا أشار إليه بيده فقط فلا يقبل يده؛ لأنها لم تمسه، أما إذا استلمه بمحجن أو عصا فإنه يقبل هذا المحجن كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام. قال: [وكذا الحجر الأسود وتقبيله] كما تقدم شرح هذا. ويستحب له إذا أشار إليه بشيء أو استلمه أو قبله أن يقول: الله أكبر، ثبت هذا في البخاري عن النبي عليه الصلاة والسلام. وفي أول طواف له يستحب أن يقول: باسم الله، فيبدأ بالبسملة، وثبت هذا عن ابن عمر كما في البيهقي بسند صحيح، فيقول: (باسم الله) عند أول طوافه فقط، ويكبر عند كل تقبيل له أو كل استلام له أو كل إشارة له، هذا في الحجر الأسود.

الاضطباع للرجال في طوافي القدوم والعمرة

الاضطباع للرجال في طوافي القدوم والعمرة قال: [والاضطباع]، الاضطباع سنة في حق الرجال فقط، وصفة الاضطباع أن يضع وسط الرداء تحت منكبه الأيمن، فيكون منكبه الأيمن مكشوفاً، وتكون هذه السنة في طواف القدوم وفي طواف العمرة فقط، أما طواف الإفاضة فلا يستحب فيه الاضطباع، ولا طواف الوداع، بل يستحب له أن يكون قد لبس ثيابه، لكن بعض الناس يقدم طواف الإفاضة قبل أن يرمي الجمار، فيكون عليه إزاره ورداؤه، فلا يشرع له أن يضطبع، والاضطباع يكون في الأشواط السبعة كلها حيث شرع.

الرمل للرجال في غير طوافي الإفاضة والوداع

الرمل للرجال في غير طوافي الإفاضة والوداع [والرمل] الرمل هو إسراع في المشي مع تقارب في الخطى، وليس هرولة ولا جرياً، وإنما هو مشي سريع يقارب فيه بين خطاه، ويستحب في الأشواط الثلاثة الأولى في طواف القدوم وطواف العمرة للرجال فقط، ويرمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر ويمشي أربعة. ولا يشرع هذا في طواف الإفاضة ولا طواف الوداع. قال: [والمشي في مواضعها] أي: المشي في المواضع التي يستحب فيها المشي، وبقية الطواف يستحب فيه المشيء، فطواف الإفاضة يستحب فيه المشي، وطواف الوداع يستحب فيه المشي، والأشواط الأربعة الأخيرة في طواف القدوم وطواف العمرة يستحب فيها المشي.

الدعاء والذكر والدنو من البيت

الدعاء والذكر والدنو من البيت قال: [والدعاء والذكر] ومما ورد بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه أبو داود. ويستحب له أن يشتغل في طوافه بالذكر والدعاء وقراءة القرآن، وليس هناك ذكر مخصوص ولا دعاء مخصوص لكل طواف، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكره، وأما ما سوى ذلك فإنه يدعو بما تيسر، ولو بلهجته الدارجة، والأفضل أن يدعو بما جاء في القرآن من الأدعية وبما جاء في السنة، لكن إن دعا بما يحب وبما يتيسر له فهذا أمر جائز. قال: [والدنو من البيت] فيستحب له أن يدنو من البيت، فكلما قرب من البيت فهو أفضل، إلا أن يكون هناك زحام فإنه يبتعد عن الزحام ويخفف على الطائفين. [والركعتان بعده] ويستحب أن تكونا خلف المقام، قال الله جل وعلا: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125].

شروط السعي

شروط السعي

النية والإسلام والعقل والموالاة والمشي

النية والإسلام والعقل والموالاة والمشي قال: [فصل؛ وشروط صحة السعي ثمانية] السعي الذي يكون بين الصفا والمروة، شروط صحته ثمانية. [النية]، لحديث: (إنما الأعمال بالنيات). [والإسلام والعقل والموالاة] تقدم ذكر ما يدل عليها في الطواف، فكذلك في السعي. فلابد إذاً من الموالاة بين أشواط السعي، فلا يفصل بين أشواط السعي بفاصل طويل في العرف، يستثنى من ذلك ما إذا أقيمت مكتوبة أو حضرت جنازة كما تقدم شرحه. وأما الموالاة بين الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فهو سنة، لو طاف بالبيت سبعة أشواط والى بينها، ثم استراح طويلاً، كأن ذهب إلى بيته ونام ثم عاد فطاف بين الصفا والمروة، فلا بأس بذلك. فالموالاة بين الطواف والسعي سنة، أما الموالاة بين أشواط الطواف وبين أشواط السعي فهو شرط لابد أن يواليه. قال: [والمشي مع القدرة]، تقدم الكلام على هذا، وأن الراجح أن المشي أفضل من الركوب وإن كان الركوب يجزئ.

كونه بعد طواف وتكميل السبع

كونه بعد طواف وتكميل السبع قال: [وكونه بعد طواف] فلا يصح سعي إلا بعد طواف. هذا رجل ذهب إلى مكة وهو قارن أو مفرد، فأتى البيت فوجد زحاماً في الطواف، فذهب فسعى بنية الركن، لا يجزئه ذلك، ونقول له: إذا أردت أن تسعى فطف أولاً طواف القدوم ثم اسع بين الصفا والمروة، هذا هو الصحيح وعليه المذاهب الأربعة. فلابد -إذاً- أن يكون السعي بعد طواف ولو كان هناك فاصل طويل في العرف، لكن المقصود أن يكون قد سبقه طواف. قال: [ولو مسنوناً كطواف القدوم] لو كان هذا الطواف مسنوناً كطواف القدوم، فإنه يصح أن يسعى بعده للركن بين الصفا والمروة، ويجزئه هذا السعي للمفرد والقارن كما تقدم. بعض العلماء رخص في كون السعي لا يسبقه طواف في يوم النحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)، وأما ما سوى ذلك فالصحيح المقطوع به أنه لا يصح إلا بعد طواف. قال: [وتكميل السبع] أي: فلو أنه سعى ستاً لا يجزئه، لأنه لابد أن يسعى سبعاً، لكن لو زاد فسعى أربعة عشر شوطاً نقول: إن سعيه يصح والزيادة لغو. بعض الناس يقول: أنا حججت أو اعتمرت وسعيت أربع عشرة مرة من الصفا إلى المروة ثم من المروة إلى الصفا، كنت أظن أن الذهاب والإياب هذا شوط، فنقول: هذا غلط، بل من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط ثان، ثم من الصفا إلى المروة شوط ثالث وهكذا.

استيعاب ما بين الصفا والمروة والبدء بالصفا

استيعاب ما بين الصفا والمروة والبدء بالصفا قال: [واستيعاب ما بين الصفا والمروة] فلابد أن يستوعب ما بين الجبلين، ولا يجب الرقي، فرقي الصفا ورقي المروة سنة، لكن الواجب أن يسعى من طرف الجبل في الصفا إلى طرف الجبل في المروة؛ لأنه لا يصدق عليه أنه سعى بينهما حتى يستوعب، فلو أنه بدأ بعد عشرة أمتار أو خمسة أمتار من الصفا لا يجزئه ذلك. والمستحب له إذا رقى الصفا أن يقرأ قول الله جل وعلا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]، وأن يستقبل القبلة، ويرفع يديه ويقول: (لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثانية: (لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو ثانية، ثم يقول الذكر ثالثة، فيكون الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين، ثم ينزل إلى المروة. وإن كان رجلاً فيستحب له أن يسعى سعياً شديداً بين الميلين الأخضرين، فإذا أتى إلى المروة فعل كما فعل على الصفا، فاستقبل القبلة وأتى بالذكر الذي تقدم، يفعل ذلك سبع مرات. وعلى ذلك فوقوفه الأخير عند المروة لا يشرع، بل إذا وصل إلى المروة عند آخر سعية ينصرف، ولا يرقى المروة في آخر مرة ويدعو بما تقدم، لأنه يقول ذلك سبعاً عند الصفا ثم المروة ثم الصفا ثم المروة ثم الصفا ثم المروة ثم الصفا، فإذا أتى إلى المروة وقد فرغ من سعيه انصرف ليحلق رأسه أو يقصره. قال: [وإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط] لأن الله بدأ بذلك فقال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة:158] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أبدأ بما بدأ الله به) وفي رواية: (ابدءوا بما بدأ الله به) كما في النسائي.

سنن السعي

سنن السعي قال: [وسننه: الطهارة، وستر العورة]، هذه سننه، فالطهارة سنة في السعي، وهي شرط في الطواف في المذهب كما تقدم، وعلى ذلك فلو أنه طاف بين الصفا والمروة محدثا فلا حرج عليه في المذهب، وكذلك الطواف على الراجح. [والموالاة بينه وبين الطواف] يقول: يستحب أن يوالي بينه وبين الطواف، فيستحب له أن يسعى بين الصفا والمروة بعد طوافه.

سنية الشرب من ماء زمزم وزيارة القبر الشريف والصلاة في المسجد النبوي

سنية الشرب من ماء زمزم وزيارة القبر الشريف والصلاة في المسجد النبوي قال: [وسن أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويرش على بدنه وثوبه]؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ماء زمزم لما شرب له)، ولم أقف على دليل يدل على أنه يرش منه الثوب، وإنما جاء شربه والتداوي به، وأما رش الثوب فلا أعلم دليلاً يدل على ذلك. قال: [ويقول: باسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً وشفاء من كل داء، اغسل به قلبي واملأه من خشيتك] وقد جاء بعض هذا الدعاء عن ابن عباس رضي الله عنه، فيدعو بما أحب، وهذا دعاء حسن إن دعا به أو بغيره فلا بأس. [وتسن زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبري صاحبيه رضوان الله وسلامه عليهما]، لمن أتى المدينة لا أن يشد رحله لذلك. أما من أتى المدينة فيستحب له أن يزور قبره وقبر صاحبيه، وليس له أن يسافر لأجل ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه، فلا يشد الرحل إلى غير هذه المساجد. [وتستحب الصلاة بمسجده وهي بألف صلاة، وفي المسجد الحرام بمائة ألف]. قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) متفق عليه، زاد أحمد: (فصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد). والمشهور في المذهب أن هذا لا يخص الصلاة بل سائر الأعمال الصالحة مضاعفة، وهذا قياس صحيح، فسائر الأعمال الصالحة تضاعف. قال: [وفي المسجد الأقصى بخمسمائة] جاء هذا في الطبراني بسند فيه ضعف، وجاء في مستدرك الحاكم والحديث حسن: (أن صلاة في المسجد النبوي أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى)، وعلى ذلك ستكون الصلاة في المسجد الأقصى عن مائتين وخمسين صلاة، وهذا أصح. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتاب الحج [8]

دليل الطالب_كتاب الحج [8] قد يحرم المرء بالحج أو العمرة ثم يمنعه مانع فيصده عن الحج حتى يفوته الوقوف بعرفة، وقد يحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة ويكون قد رمى وحلق وقد يكون ذلك قبل الرمي والحلق، فهذه أحوال يحتاج المسلم إلى معرفة أحكامها وما يترتب عليها.

أحكام الفوات والإحصار

أحكام الفوات والإحصار

حكم من فاته الحج بطلوع فجر يوم النحر بالإحصار

حكم من فاته الحج بطلوع فجر يوم النحر بالإحصار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفوات والإحصار]. الفوات: من فات الشيء إذا سبق. وأما الإحصار فهو في اللغة المنع. والفوات في اصطلاح الفقهاء هو فوات الوقوف بعرفة. وأما الإحصار فهو منع المحرم من إتمام نسكه. قال: [من طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة لعذر حصر أو غيره فاته الحج، وانقلب إحرامه عمرة]. قال عليه الصلاة والسلام فيما روى الخمسة بإسناد صحيح: (الحج عرفة، فمن أدرك عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك)، يعني: أدرك الحج. وهذا الحديث فيه أن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، فإذا لم يقف بعرفة وفاته الوقوف بعرفة بأن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف فإنه يقلب إحرامه عمرة كما قال المؤلف. هو قد نوى الحج قارناً أو مفرداً، فيقلب الحج إلى عمرة، لكن لو جاء في يوم عرفة أو بعد غروب الشمس من يوم عرفة ليلة النحر، أو في منتصف الليل أو بعد نصف الليل أو قبل الفجر بيسير فأدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج. إذاً: هنا قد فاته الوقوف فلم يدركه، فيكون الحج قد فاته، مثال هذا: رجل أحرم من ميقات ذي الحليفة، وفي الطريق حصل عطل في سيارته أو ضاعت نفقته أو تأخر بسبب زحام شديد أو حصل له حادث، أو نحو ذلك، فوصل مكة وقد طلع الفجر من يوم النحر فاته الحج. ولو وصل يوم عرفة بعد المغرب بيسير مثلاً أو بعد العشاء أو قبل الفجر بحيث يدرك الوقوف بعرفة فإنه يدرك بذلك الحج، لكنه إذا لم يصل إلا وقد فاته الوقوف بعرفة فيقلب حجه عمرة. يقول أيضاً: [ولا تجزئ عن عمرة الإسلام] أي: هذه العمرة، فهي عمرة تحلل، هذا هو المذهب، وفي الإنصاف: وقيل تجزئ. وهذا أصح؛ لأنها عمرة ذات طواف وسعي وتقصير فأجزأت عن عمرة الإسلام، فالذي يترجح أنها تجزئه عن عمرة الإسلام. لكن المذهب أنها لا تجزئه عن عمرة الإسلام، فإذا كان لم يعتمر من قبل فعليه أن يعتمر مرة أخرى، لأن هذه العمرة إنما هي عمرة تحلل. قال: [فيتحلل بها، وعليه دم، والقضاء في العام القابل]. إذاً: يقلب حجه إلى عمرة، ويهدي، ويحج عاماً قابلاً، هذا هو المذهب، ويدل عليه ما ثبت في موطأ مالك عن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه رضي الله عنه أمر من فاته الوقوف بعرفة أن يقلب حجه عمرة، وأن يهدي وأن يحج من العام القابل، وهذا الأثر عن عمر رضي الله عنه لا يعلم له مخالف، فهو حجة، بل قد اشتهر، وقول الصحابي إذا اشتهر ولم يعلم له مخالف فهو إجماع سكوتي.

حكم من صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته

حكم من صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته قال: [لكن لو صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته فلا قضاء]، أي: إذا صده عدو عن الوقوف بعرفة فتحلل قبل فواته، كأن تحلل في اليوم الثامن أو التاسع، حيث غلب على ظنه أن هذا العدو داخل مكة، أو في الطريق وهو في بلده أو نحو ذلك وغلب على ظنه أنه يفوته الوقوف بعرفة فتحلل، فهذا لا يجب عليه القضاء، وإنما يهدي، قال الله جل وعلا: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].

حكم من حصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة

حكم من حصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قال: [ومن حصر عن البيت ولو بعد الوقوف ذبح هدياً بنية التحلل]. يعني: منعه عن البيت عدو ولو بعد وقوفه بعرفة، لكنه لم يرم ويحلق ذبح بنية التحلل. وتقدم أن التحلل الأول يحصل بنسكين من ثلاثة، وفي حق المتمتع بنسكين من أربعة، وكذلك القارن والمفرد إذا لم يسع عند قدومه، فهذا وقف بعرفة، فيكون قد أدرك الحج، لكنه حصر عن البيت ومنع من دخوله لإتمام نسكه، فما هو الواجب عليه؟ قال: (ذبح هدياً بنية التحلل) أي وحل بذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. ويحلق رأسه أيضاً، وقد جاء في صحيح البخاري: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نحر هديه قبل أن يحلق في عمرة الحديبية، وأمر أصحابه بذلك)، وعلى ذلك فيهدي ويحلق، وهذا أحد القولين في المذهب، وهو الراجح من جهة الدليل خلافاً للمشهور في المذهب. فالمشهور في المذهب أنه لا يحلق رأسه، والذي في الإقناع أنه يحلق، وهو أحد القولين في المذهب وهو أصح. قال: [فإن لم يجد صام عشرة أيام بالنية وقد حل] إذا لم يجد هدياً فالواجب عليه أن يصوم عشرة أيام، قالوا: قياساً على الهدي، وتقدم أن الراجح في هذه المسألة أنه لا يجب عليه الصيام، بل إذا لم يجد هدياً فلا شيء عليه، وذلك لأن قياس دم الإحصار على دم الهدي قياس مع الفارق، فإن دم الإحصار دم يذبح لترك النسك والتحلل منه، ودم الهدي دم يذبح لكمال النسك وتمامه وتحصيله، فهذا قياس مع الفارق. فالقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية كما تقدم أنه لا يجب عليه الصيام، بل إذا لم يجد هدياً تحلل، ولأن في تكليفه أن ينتظر عشرة أيام حتى يتحلل مشقة.

حكم من حصر عن طواف الإفاضة وقد رمى وحلق

حكم من حصر عن طواف الإفاضة وقد رمى وحلق قال: [ومن حصر عن طواف الإفاضة وقد رمى وحلق]. في المسألة السابقة وقف بعرفة لكنه لم يتحلل، إذاً: فإحرامه تام وكل محظورات الإحرام لا تحل له، لأن من وقف بعرفة ولم يرم ولم يحلق لم يتحلل شيئاً من الحل، وعلى ذلك فإنه يذبح هدياً ويحل. أما هنا فإنه قد رمى وحلق وأصبحت جميع المحظورات حلاً له سوى النساء، فلا تحل له النساء وطئاً ومباشرة وقبلة ومساً، أما سائر المحظورات فإنها تحل له حتى يطوف ويسعى إذا كان متمتعاً ويحل الحل كله. فهذا الرجل أحصر عن طواف الإفاضة، يعني أنه وقف بعرفة ثم ذهب إلى منى فرمى الجمرة وحلق ولبس ثيابه وتطيب وأراد أن يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة فمنع وأحصر، فما الحكم؟ قال: [لم يتحلل حتى يطوف]، وعلى ذلك يبقى على هذه الحال حتى يطوف. وما الفرق بين المسألتين؟ قالوا: الذي جاء به الشرع هو المسألة الأولى، وهي التحلل بالهدي من نسك إحرامه تام، وأما هذا فإن إحرامه ليس بتام، لأنه لا يحرم عليه إلا النساء، وعلى ذلك فيبقى عمره محرماً حتى يطوف في البيت، وعلى هذا سيكون كمسألة الحائض إذا حاضت قبل طواف الإفاضة ولم ينتظرها أهلها، فإنها ترجع وتبقى محرمة يحرم عليها ما يتعلق بالوطء ومقدماته فقط، وأما سائر المحظورات فإنها تحل لها حتى تطوف بالبيت، هذا هو المذهب. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية قالوا: بل يهدي ويحل؛ لعموم قوله جل وعلا: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] ومثله الحائض عندهم، وعلى ذلك يحل لكنه يتم نسكه بعد ذلك فمتى قدر أتم هذا النسك الذي بقي شيء من أركانه.

حكم الاشتراط في الحج

حكم الاشتراط في الحج قال: [ومن شرط في ابتداء إحرامه: إن محلي حيث حبستني، أو قال: إن مرضت أو عجزت أو ذهبت نفقتي فلي أن أحل؛ كان له أن يتحلل متى شاء من غير شيء، ولا قضاء عليه] تقدم شرح هذا بحديث ضباعة بنت الزبير، أنها كانت شاكية فذكرت ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) وهذه الزيادة في النسائي كما تقدم، والحديث أصله في الصحيحين سوى هذه الزيادة: (فإن لك على ربك ما استثنيت) وتقدم أن الراجح أن هذا الشرط إنما يصح من الخائف. إذاً: يقول المؤلف رحمه الله هنا أن من شرط في ابتداء إحرامه أن محله حيث حبس، فإنه يتحلل، كذلك إذا أتى بعبارة أخرى كقوله: إن مرضت أو عجزت أو نحو ذلك. واعلم أن أصح قولي العلماء خلافاً للمشهور في المذهب، وهو اختيار ابن القيم رحمه الله وطائفة من أهل العلم أن عدم إتمام المحرم نسكه بمانع آخر غير العدو له حكم المنع بالعدو، كضياع نفقة أو مرض أو نحو ذلك، وهذا هو الصحيح، وهذا يدخل في عموم قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، بل إن الإحصار في اللغة إنما يكون لمرض ونحوه. وعلى ذلك فنقول: إذا أحصر بذهاب نفقة أو بمرض أو نحو ذلك فهو كالذي يحصره العدو، ويدل على ذلك ما ثبت عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من كسر أو عرج فليحل، وعليه الحج من قابل). وعلى ذلك فالراجح أن منع من إتمام نسكه بسبب آخر هو عذر من مرض أو ذهاب نفقة أو نحو ذلك من الأعذار فهو كالذي يمنع بالعدو، هذا هو القول الراجح خلافاً للمشهور في المذهب. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

كتاب الحج [9]

دليل الطالب_كتاب الحج [9] سن النبي صلى الله عليه وسلم الأضحية للناس بعد صلاة العيد يوم النحر وذلك تقرباً إلى الله ومشابهة للحجاج، والأضحية عبادة لا تصح إلا أن تكون من بهيمة الأنعام وقد بلغت السن الشرعية، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، وأن يتصدق منها، ولها سنن ومستحبات كثيرة يجب على المسلم أن يتعلمها ليعمل بها وقت الحاجة.

حكم الأضاحي وما يسن فيها

حكم الأضاحي وما يسن فيها

متى تسن الأضحية ومتى تجب

متى تسن الأضحية ومتى تجب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأضحية: وهي] أي: الأضحية [سنة مؤكدة] هذا هو قول الجمهور، فقد (ضحى النبي عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر)، والحديث متفق عليه. وثبت في البيهقي بإسناد صحيح أن أبا بكر وعمر لم يضحيا خشية أن يرى ذلك واجباً. وأما حديث: (من وجد سعة فلم يضح فليس منا) فهو حديث لا يصح رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والصواب أنه من قول أبي هريرة رضي الله عنه، وعلى ذلك فالصحيح أنها سنة مؤكدة. قال: [وتجب بالنذر]، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، فهناك أمور تجب بالنذر هي في الأصل سنة، لكن إن نذر فقال: لله علي أن أضحي هذه السنة، وجبت عليه الأضحية؛ لأن ذلك نذر. قال: [وبقوله: هذه أضحية أو لله] لأن هذا تعيين للأضحية. رجل ذهب إلى السوق فاشترى شاة قبل العيد بيومين أو ثلاثة، وقال لأهله: هذه أضحيتي، وجبت، لكن لو اشتراها في السوق ونوى أنها أضحية ولم يتلفظ بقوله: هذه أضحية لم تجب. إذاً: لا تجب إلا بالتعيين بلفظه. وكذلك الفعل مع النية، فإذا قلد الهدي أو قلد الأضحية -وبعض الناس يخضبها ونحو ذلك- فإذا فعل ذلك فهذا فعل مع النية يقتضي التعيين فتجب. لا نقول: إنه يجب أن يضحي، وإنما نقول: يجب أن يضحي بهذه الأضحية، فلو ماتت قبل يوم العيد لم يجب عليه أن يضحي، إنما يجب أن يضحي بها إذا بقيت. إذاً: لو ماتت بلا تعد منه ولا تفريط، فلا نقول له: يجب أن تضحي هذه السنة بأن تشتري من السوق، لكن نقول: هذه التي عينتها يجب أن تضحي بها، فإذا تعديت عليها وفرطت فيجب عليك أن تشتري أضحية مثلها، كما لو تركها في مكان وأهملها ولم يعلفها فماتت قبل يوم أو يومين من العيد فإنه يشتري أضحية مكانها.

الأفضل من الحيوان في الضحية ومن تجزئ عنه

الأفضل من الحيوان في الضحية ومن تجزئ عنه قال: [والأفضل الإبل فالبقر فالغنم]. الأفضل الإبل ثم البقر ثم الغنم، ولذا جاء في حديث مسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن). [وتجزئ الشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته]، لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: (كان الرجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون، ثم تباهى الناس كما ترى). وهذا فرق بين الأضحية وبين الهدي، فالهدي يستحب تكثيره ولو أن تذبح مائة من الإبل أو مائتين، وأما الأضحية فالمستحب هو أن تكون واحدة، والناس عكسوا ذلك، ففي الهدي يشترون الشاة التي هي أرخص ثمناً من غيرها، ولا يكثرون من الهدي، فلا يهدي الواحد إلا واحدة، وأما في الأضاحي فتجد أن الرجل قد يضحي بالخمس وبالست وبالسبع وبالعشر، والأفضل هو خلاف هذا كما تقدم. قال: [وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة]؛ لحديث جابر الذي تقدم ذكره وهو في صحيح مسلم، وفيه أن البدنة تجزئ عن سبعة، فإذا اشتركت سبعة بيوت في بدنة بنية الأضحية أجزأهم ذلك.

الأسنان الواجبة في الأضاحي

الأسنان الواجبة في الأضاحي قال: [وأقل ما يجزئ من الضأن ما له نصف سنة] يعني: ستة أشهر، وقد جاء في أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الجذع من الضأن يوفي مما توفي منه الثنية) فمن الضأن ما له ستة أشهر. [ومن المعز ما له سنة]، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعاً من الضأن) رواه مسلم، فالأفضل أن يذبح مسنة، وهي خير من الجذع من الضأن، لكن الجذع من الضأن يجزئ. قال: [ومن البقر والجاموس ما له سنتان] الجذع من البقر والجاموس لابد أن يكون له سنتان. [ومن الإبل ما له خمس سنين] لا يجزئ أقل من ذلك. إذاً: من الضأن ما له ستة أشهر، ومن المعز سنة، ومن البقر سنتان، ومن الإبل خمس سنين.

ما يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ

ما يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ قال: [وأما ما سوى بهيمة الأنعام فلا يجزئ] بإجماع أهل العلم، ولذا قال الله جل وعلا: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:34]، فالصيد البري لا يجزئ، كمعز الجبل أو بقر الوحش أو غير ذلك، وكذلك الدجاج ونحوه، ولا يجزئ إلا أن يكون من بهيمة الأنعام.

حكم الجماء والبتراء والخصي

حكم الجماء والبتراء والخصي قال: [وتجزئ الجماء]، وهي التي لا قرن لها خلقة. [والبتراء]، وهي التي لا ذنب لها، وهناك فرق بين الإلية والذنب، فالذنب ليس بشرط؛ لأنه ليس بمقصود، أما الألية فهي عضو مقصود، وهي: الشحمة التي تجتمع في مؤخر الحيوان، والحاصل أنه لابد أن تكون الألية غير مقطوعة. أما الذنب فسواء كان لها ذنب في الخلقة ثم قطع أم ليس لها ذنب، فلا يضر ذلك. [والخصي]، جاء في سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين موجوئين، أي: خصيين، لكن إذا جب الذكر لا يجزئ؛ لأنه عضو مقصود.

حكم الحامل وما خلق بلا أذن أو ذهب نصف أذنه أو أليته

حكم الحامل وما خلق بلا أذن أو ذهب نصف أذنه أو أليته قال: [والحامل وما خلق بلا أذن] يعني: في الخلقة ليس له أذن، فهذا يجزئ. قال: [أو ذهب نصف أليته أو أذنه] لو ذهبت نصف الألية فأقل أو نصف الأذن فأقل، فهذا لا يؤثر، بل يجزئ، ولذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن أعضب الأذن والقرن) والأعضب هو الذي ذهب أكثر أذنه، يعني: أكثر من النصف، أما إذا ذهب النصف فأقل فإنه يجزئ، فلو قطع ربع الأذن أو نصف الأذن أجزأ، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله في العضباء.

حكم العوراء والعمياء والمريضة والعجفاء والعرجاء والهتماء والمجبوب والعضباء

حكم العوراء والعمياء والمريضة والعجفاء والعرجاء والهتماء والمجبوب والعضباء قال: [لا بينة المرض ولا بينة العور بأن انخسفت عينها، ولا قائمة العينين مع ذهاب أبصارهما] يعني: أن بياض العين قائم موجود لكنها لا تبصر، فهذه لا تجزئ. قال: [ولا عجفاء وهي الهزيلة التي لا مخ فيها]، فلا تجزئ. [ولا عرجاء] والعرجاء معروفة، وقيد ذلك بقوله: [لا تطيق مشياً مع الصحيحة] أي: لا تقدر على المشي مع الصحيحة. فهذه الأربع لا تجزئ في الأضاحي، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الخمسة: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها -كالتي فيها جرب- والعجفاء التي لا تنقي -يعني: لا مخ فيها- والعرجاء البين عرجها). قال: [ولا هتماء، وهي التي ذهبت ثنايها من أصلها]، فهذه كالعرجاء، العرجاء إنما نهي عنها لأنها لا تأكل في الرعي كما تأكل الصحيحة، فكذلك التي ذهبت أسنانها، واختار شيخ الإسلام وهو وجه عند الشافعية وقال به بعض الحنابلة أنها تجزئ، وهو أصح. قال: [ولا عصماء، وهي ما انكسر غلاف قرنها]، يقول: التي ينكسر الغلاف الذي يكون على قرنها لا تجزئ، والصحيح أنها تجزئ كما سيأتي. [ولا خصي مجبوب] أي: مجبوب العضو الذكر، لكن الخصي الذي رضت خصيته أو سلت، والذكر موجود يجزئ. قال: [ولا عضباء، وهي ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها]، فهذه تسمى بالعضباء، وذلك إذا ذهب أكثر الأذن أو أكثر القرن، وقد جاء في النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام: (نهى عن أعضب الأذن والقرن). وقال الجمهور وهو اختيار شيخ الإسلام واختاره في الفروع وصوبه في الإنصاف واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أن ذلك يجزئ لكنه يكره، وهذا هو الراجح، لحديث: (أربع لا تجوز في الأضاحي)، الحديث، وهذا حصر، وعلى ذلك فالنهي هنا للكراهة. إذاً: لو ذهب من قرنها الثلثان أو ذهب من أذنها الثلثان أو أكثر، فالصحيح أن ذلك يجزئ، وهذا هو قول الجمهور خلافاً للمشهور في المذهب.

كيفية ذبح الهدايا والأضاحي

كيفية ذبح الهدايا والأضاحي قال: [فصل؛ ويسن نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى]. تبعث الإبل قائمة وتعقل الرجل اليسرى ثم تنحر، {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج:36] أي: سقطت، ولذا قال ابن عمر رضي الله عنه: (ابعثها قائمة مقيدة. سنة محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري. وجاء في مراسيل أبي داود وعليه العمل أنها تعقل يدها اليسرى كما تقدم، فاليد اليسرى هي التي تعقل. قال: [وذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر]، أي: يضجعها على جنبها الأيسر، [موجهة إلى القبلة]. فيضجعها إلى الجهة اليسرى ليكون الذبح باليد اليمنى، وهذا أقوى له على الذبح، لكن لو كان أعسر -عمله بيده اليسرى- فإنه يضجعها على الشق الأيمن؛ لأن المقصود أن تراح الذبيحة وأن يسهل ذبحها. إذاً: الأفضل أن تضجع على الجهة اليسرى ليكون ذبحه لها باليد اليمنى، لكن لو عكس لأنه أقوى له بيساره لم يكن في ذلك بأس. [ويسمي حين يحرك يده بالفعل ويكبر]، لحديث: (سمي وكبر)] يعني قال: باسم الله والله أكبر. [ويقول: (اللهم هذا منك ولك)] هذا في أبي داود، (فاللهم منك) يعني: هذه الذبيحة منك يا الله تفضلاً، (ولك) يعني: نتعبد بها لك تعبداً.

وقت ذبح الأضحية

وقت ذبح الأضحية قال: [وأول وقت الذبح من بعد أسبق صلاة العيد بالبلد]، أول مسجد يصلى فيه العيد وتنتهي الصلاة يجوز الذبح. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من ذبح قبل الصلاة فليعد) كما في الصحيحين. وقال أيضاً كما في الصحيحين: (من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم). قال: [أو قدرها لمن لم يصل، فلا تجزئ قبل ذلك] إذا كان الموضع لا صلاة فيه للعيد فإنه يقدر الوقت، فبعد أن ترتفع الشمس قيد رمح يقدر وقتاً للصلاة ثم يذبح. وبعض الناس يقول: أنا أسكن في مكان بعيد ليس فيه مسجد نصلي فيه صلاة العيد، نقول: إذا مضى وقت كاف للصلاة فإنك تذبح. [ويستمر وقت الذبح نهاراً وليلاً]، أي: حتى في الليل يجوز الذبح، لكن النهار أفضل؛ لأنها في ذلك إظهاراً لهذه الشعيرة. قال: [إلى آخر ثاني أيام التشريق] إذاً: أيام الذبح على المذهب: يوم النحر، وهو يوم العاشر من ذي الحجة، ويوم الحادي عشر من ذي الحجة، واليوم الثاني عشر من ذي الحجة، فإذا غربت الشمس من اليوم الثاني عشر فلا ذبح. هذا هو المذهب. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية واختيار شيخ الإسلام وطائفة: أنه ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذا أصح؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل أيام التشريق ذبح) رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح. قال: [فإن فات الوقت قضى الواجب] إذا كان قد عينها فإنه يقضي هذا الواجب. عين فقال: هذه أضحية، ثم إنه سافر وجاء في اليوم الخامس أو السادس بعد الأيام الأربعة، فإنه يذبح؛ لأنه واجب يجب أن يأتي به، فلا يسقط الواجب بفوات وقته. [وسقط التطوع] لأنه سنة فات محلها. هذا رجل اشترى أضحية ولم يعينها باللقط، لكن نوى أنها أضحية فقط، ووضعها في المزرعة ونسي أو سافر، ثم بعد ذلك تذكر فنقول له: فات محل هذه السنة، فإن ذبحتها وتصدقت بها على الفقراء فهي صدقة، وإن ذبحتها لأهلك فهي شاة لحم؛ لأنها سنة قد فات محلها.

حكم الأكل والتصدق والبيع من الهدي والأضحية

حكم الأكل والتصدق والبيع من الهدي والأضحية قال: [وسن له الأكل من هديه التطوع] لفعله عليه الصلاة والسلام فإنه أكل من هديه كما في صحيح مسلم. قال: [وأضحيته ولو واجبة]، أي يستحب له أن يأكل من أضحيته ولو واجبة، ولو كانت منذورة فإنه يستحب له ذلك كالهدي. [ويجوز من دم المتعة والقران] إذا كان متمتعاً أو قارناً يجب عليه الهدي فيستحب له أن يأكل من هديه؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، لكن دم ترك الواجب أو فدية الأذى ليس له أن يأكل منه. فمن حلق رأسه وهو محرم ففدى بالذبح فليس له أن يأكل منه، لأنه للفقراء والمساكين. وكذلك دم الواجب، فهذا رجل ترك المبيت بمزدلفة، فقال: أذبح ذبيحة أطعم بها أصحابي وآكل معهم منها فليس له ذلك. إذاً: الدم الذي يكون لترك واجب أو لفدية الأذى لا يأكل منه، لأنه صدقة، أما الهدي فإنه يأكل منه. قال: [ويجب أن يتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم]، أي: يجب أن يتصدق من أضحيته ولو بنصف كيلو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا وتصدقوا) كما في صحيح مسلم، فيتصدق ولو بكيلو واحد أو بنصف كيلو. بعض الناس يأكلها كلها، أو يضعها في ثلاجة لأهل بيته، وبعضهم يوزعها كلها على أصحابه الأغنياء، وهذا لا يجزئ، لأنه لابد أن يخرج منها صدقة ولو شيئاً يسيراً. وعلى ذلك فإذا قال: أنا فرقتها وانتهت، نقول: اشتر لحماً من السوق وتصدق به ولو كان شيئاً يسيراً، ولذا قال: (ويجب أن يتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم). قال: [ويعتبر تمليك الفقير فلا يكفي إطعامه] هذا رجل قال: هذه اللحمة كما أعطيها للفقير أطبخها في البيت وأدعوه ليأكل معنا، نقول: هذا لا يجزئ؛ لأن هذا ليس بتمليك، والتمليك أن ترسلها له نيئة أو مطبوخة ليتملكها فإن شاء أكلها وإن شاء باعها. أما إذا وضعت له الطعام فليس بمالك له، ولذا لو أن رجلاً دعا شخصاً على ذبيحة ثم إنه أخذ الذبيحة التي صنعت له وباعها، لم يصح ذلك، لأنه لا يملك، لكن لو أرسل له طعاماً إلى البيت فباع منه فإن له ذلك؛ لأنه يكون قد ملكه. [والسنة أن يأكل من أضحيته ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها]. هذا هو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه كما حكى ذلك عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهذا هو الأفضل. قال: [ويحرم بيع شيء منها حتى من شعرها وجلدها، ولا يعطي الجازر بأجرته منها شيئاً]. إذاً: يحرم أن يبيع من أضحيته ولو شعرها أو جلدها، لأنه صدقة لله، فله أن يأخذ الجلد وينتفع به، أو يأخذ الصوف وينتفع به هو؛ لكن ليس له أن يبيعه. وقوله: (ولا يعطى الجازر بأجرته شيء)، ولذا جاء عن علي رضي الله عنه كما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يعطي للجزار منها شيئاً)، قال: نحن نعطيه من عندنا. لكن لو أعطاه على سبيل الصدقة والهدية فلا بأس. هذا رجل اتفق مع رجل أن يذبح له أضاحيه، كل ضحية بمائة ريال، فلما أعطاه حقه من الأجرة أعطاه من لحمها، أو أعطاه جلدها، أو أعطاه شعرها، فلا بأس بذلك، ولذا قال المؤلف: [وله إعطاؤه صدقة وهدية]، لا أجرة.

حكم الأخذ من الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية

حكم الأخذ من الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية قال: [وإذا دخل العشر حرم على من يضحي أو يضحى عنه أخذ شيء من شعره أو ظفره إلى الذبح]. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل العشر -وفي رواية-: إذا أهل هلال ذي الحجة) ويهل بغروب الشمس من يوم الثلاثين من ذي القعدة. فإذا غربت الشمس يوم الثلاثين من ذي القعدة فلا تأخذ من شعرك ولا تأخذ من أظفارك، وأما في اليوم التاسع والعشرين فإن الناس ينتظرون الخبر، فإذا جاء الخبر وقالوا: غداً هو اليوم الأول من شهر ذي الحجة وجب أن يمسكوا، أما قبل أن يأتي الخبر بثبوت الهلال فإن لهم أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم. قال: (فلا يأخذ من شعره شيئاً) أي: لا بقص ولا بحلق من أي موضع من البدن، (ولا من أظفاره، وفي رواية: ولا من بشرته)، والبشرة هي الجلد، فليس له أن يأخذ من جلده، وهذا الحديث الصحيح للوجوب، وإن فعل فليس عليه فدية، لعدم ورود ذلك. قال: [ويسن الحلق بعده] وحكي هذا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

كتاب الحج [10]

دليل الطالب_كتاب الحج [10] العقيقة سنة في حق المولود تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه فضة، ويشترط فيها ما يشترط في الأضحية إلا أن البدنة أو البقرة لا تجزئ إلا كاملة.

حكم العقيقة

حكم العقيقة

سنية العقيقة

سنية العقيقة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في العقيقة]. والعقيقة: من العق وهو القطع؛ لأن الذبيحة عند ذبحها تقطع أوداجها، فسميت عقيقة لذلك. وهذا الاسم الأولى ألا يداوم عليه، بل يسمي به أحياناً من غير مداومة، ولذا جاء في سنن أبي داود والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن العقيقة فقال: (إن الله لا يحب العقوق) كأنه كره الاسم عليه الصلاة والسلام. وقال: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك له فلينسك عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة)، وعلى ذلك فإن سماها بالعقيقة لم يكره ذلك على الإطلاق، إنما يكره أن يداوم على ذلك حتى يكون هذا هو الاسم الغالب، وإنما تسمى نسيكة، أو تميمة كما يسميها بعض الناس، يعني: بها أخلاق الولد. قال: [وهي سنة] هذا هو مذهب الجمهور، وهو الراجح. وهي -أي: العقيقة أو النسيكة- سنة مؤكدة، هذا هو قول الجمهور وهو الصواب، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك له) قال: (فأحب) فأرجأ الأمر إلى إرادة المكلف، فدل على أنها سنة مؤكدة. وقد جاء عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه). (كل غلام رهينة بعقيقته) أي: مرتهن بالعقيقة محبوس عليها، وذلك لتأكيدها. فهي مؤكدة، فكما أن الرهن يحبس عند المرتهن حتى يؤدي الراهن الحق الذي في ذمته، فهي كذلك، بمعنى أنها مؤكدة، وهذا لا يدل على الوجوب، وقد قال عطاء: إن معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (مرتهن بعقيقة) يعني: لا يشفع لوالديه حتى يعق عنه، وقاله الإمام أحمد، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وفي ذلك نظر لا يخفى. وهو كما قال، لأن الولد قد جاءت الأدلة بأنه يشفع لوالديه، وكونه لا يعق عنه مع كونها سنة لا يقتضي أن لا يشفع له، فهي سنة كما تقدم، لكن تكمل بها أخلاق هذا الصبي وتتم، وهي مؤكدة كتأكد الرهن الذي يحفظ به المرتهن حقه عند راهنه.

من يعق عن المولود

من يعق عن المولود قال: [في حق الأب] الأب هو الذي يعق عن ولده، فيعق الأب أو وكيله. والقول الثاني في المسألة أن لكل أحد أن يعق عنه ولو لم يكن أباً له، فالخال مثلاً له أن يعق، وهذا قول طائفة، وممن قال به الشوكاني رحمه الله، وهذا أقرب للأدلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه) تذبح عنه على البناء للمجهول، ولم يعين النبي عليه الصلاة والسلام الأب أو غيره. وقد جاء في النسائي وغيره (أن النبي عليه الصلاة والسلام عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين)، ولم يكن أباً لهما عليه الصلاة والسلام فإن أباهما علي رضي الله عنه، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فالمقصود من ذلك أن الأم إذا ذبحت هذه العقيقة أجزأ، وكذلك الخال والعم والأخ الأكبر، وإذا عق عن نفسه إذا كبر فلا بأس. أما ما رواه الطبراني: (أن النبي عليه الصلاة والسلام عق عن نفسه) فلا يصح، فإذا عق عن نفسه فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ومن ذبحها عنه أجزأت ولو كان هو الذابح، هذا هو ظاهر الحديث. قال: [ولو معسراً] أي أنها في حق الأب ولو معسراً، وعلى ذلك فالأفضل له إن كان معسراً أن يقترض إن كان يقدر على الوفاء، ولا يترك هذه السنة المؤكدة.

ما يجزئ عن الغلام وعن الجارية

ما يجزئ عن الغلام وعن الجارية [فعن الغلام شاتان وعن الجارية شاة] للحديث المتقدم، وقد جاء في النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة) ولو أنه عق عن الصبي بشاة واحدة أجزأ ذلك، لكن الأفضل أن يعق عنه باثنتين.

البدنة والبقرة لا تجزئ عن سبعة في العقيقة

البدنة والبقرة لا تجزئ عن سبعة في العقيقة قال: [ولا تجزئ بدنة وبقرة إلا كاملة] تقدم في الهدي أن البقرة تجزئ عن سبعة، وأن الأضحية إن كانت بدنة أو بقرة تجزئ عن سبعة؛ لحديث جابر في صحيح مسلم، أما هنا فقال الحنابلة: لا تجزئ البدنة والبقرة في العقيقة إلا كاملة، يعني: لو أن رجلاً عنده سبع بنات مثلاً، فقال: أريد أن أذبح بقرة أو أن أذبح ناقة تامة لها خمس سنين؛ فالمذهب أنه لا يجزئه ذلك. ويشترط في العقيقة من جهة السن والإجزاء ما يشترط في الأضحية، فلا يجزئه أن يذبح أقل من جذع في الضأن ولا أقل من مسن في المعز، ولا أقل من سنتين في البقر، ولا أقل من خمس سنين في الإبل، ولا أن يذبح ما فيه عيب يمنع من الإجزاء في الأضحية. وهنا هذا الرجل قال: أريد أن أذبح بقرة عن بناتي السبع، أو اجتمع مجموعة وقالوا: نذبح ناقة أو نذبح بقرة تجزئ عن أولادنا، فالمذهب أنه لا يجزئه إلا كاملة، خلافاً للأضحية والهدي، قالوا: لأنها فكاك نفس والنفس بالنفس. وقال الجمهور: بل تجزئ البقرة عن سبعة في العقيقة، وهذا أقرب وأصح؛ وذلك لأنها تجزئ في الهدي وفي الأضحية فأجزأت في العقيقة لأن كليهما نسك، ولذا قال: (فأحب أن ينسك)، فالجميع نسك، وعلى ذلك فالراجح أنها تجزئ.

وقت ذبح العقيقة

وقت ذبح العقيقة قال: [والسنة ذبحها في سابع يوم ولادته] للحديث المتقدم الذي رواه الخمسة: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه)، هذا هو الأفضل، وكيف نحسب؟ إذا ولد يوم الجمعة ضحى أو بعد الفجر أو بعد أذان العصر أو بعد أذان المغرب أو في أي وقت في النهار فإنا نحسب الجمعة اليوم الأول، وعلى ذلك فتذبح يوم الخميس، وإن ولد ليلة السبت، أي: بعد أذان المغرب أو قبل أذان الفجر فلا نحسب يوم الجمعة وإنما نحسب يوم السبت؛ لأن النهار يتبع الليل، وعلى ذلك تذبح يوم الجمعة، هذا هو الأفضل، ولو ذبحت في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث أجزأ ذلك. قال: [فإن فات ففي أربع عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين]، وقد صح ذلك عن عائشة رضي الله عنها -وله حكم الرفع- كما في مستدرك الحاكم أنها قالت: (بل السنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة تذبح جدولاً)، يعني: أعضاءً، فتفرد اليد وتفرد الرجل ويفرد الظهر، ولا تكسر العظام؛ تفاؤلاً بسلامة المولود. قالت: (لا يكسر لها عظم، تذبح يوم سابعه، فإن لم يكن ففي الرابع عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين). إذاً: يستحب أن يذبح في اليوم السابع، فإن فات ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي اليوم الواحد والعشرين، وفي أي يوم يذبح تجزئ. م قال: [ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك]، أي: يذبح متى شاء بعد ذلك ولا حد لآخره، لو ذبح وابنه ابن سبع سنين أو ابن خمس عشرة أو بعد البلوغ أجزأ ذلك، لكن المستحب كما تقدم أن تذبح يوم سابعه. ويستحب أن يسمى في اليوم السابع أو يوم ولادته، فاليوم السابع كما تقدم في الحديث السابق: (ويسمى فيه)، ويوم ولادته لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين: (ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم) والحديث متفق عليه، (سمى النبي عليه الصلاة والسلام المنذر بن الأسود يوم ولادته) كما في الصحيحين.

حكم لطخ رأس المولود بدم النسيكة

حكم لطخ رأس المولود بدم النسيكة [وكره لطخه من دمها] وكان هذا من فعل الجاهلية، فقد كانوا يذبحون الشاة ويأخذون من دمها ويلطخون به رأسه بعد أن يحلقوا شعره، كما جاء هذا في أبي داود عن بريدة، قال: (كنا في الجاهلية نذبح الشاة ونحلق رأس الغلام ونلطخ من دمها برأسه، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح الشاة ونحلق رأسه ونلطخه بالزعفران).

ما يسن عند ولادة المولود

ما يسن عند ولادة المولود قال: [ويسن الأذان في أذن المولود اليمنى] جاء هذا في الترمذي ومسند أحمد (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ولدت فاطمة الحسن أذن في أذنه اليمنى)، والعمل عليه عند أهل العلم. قال: [والإقامة في اليسرى] جاء هذا عند ابن السني، لكن الحديث ضعيف جداً لا يصح، وعلى ذلك فالمستحب أن يؤذن في أذنه اليمنى فقط. قال: [وسن أن يحلق رأسه في اليوم السابع]، وهذا في الغلام فقط لا في الجارية، ولذا تقدم أن الأحاديث في الغلام: (كل غلام مرتهن) إلى أن قال: (يحلق رأسه)، ولحديث بريدة المتقدم، وهذا هو المذهب، وأن الحلق لا يشرع في الجارية وإنما هو في الغلام، ولكن إن كان في رأسه بعض المرض كأن يكون فيه بثور أو نحو ذلك تركه ولم يحلقه لئلا يلحقه ضرر. قال: [ويتصدق بوزنه فضة ويسمى فيه] أي: يؤخذ هذا الشعر ويوزن ويتصدق بوزنه فضة، وهذا يقرب من مائة ريال، وعلى ذلك فلو قدر ذلك تقديراً ولم يزنه فالأمر واسع.

ما يستحب من الأسماء وما يكره

ما يستحب من الأسماء وما يكره قال: [وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن]، جاء هذا في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها كعب ومرة). قال: [وتحرم التسمية بعبد غير الله كعبد النبي وعبد المسيح] لأن هذا من باب التعبيد لغير الله، فلا يجوز أن تسميه بعبد فلان، وإنما يسمى بعبد الله أو عبد الرحمن، ويجب أن يغير الاسم الذي فيه تعبيد لغير الله كعبد النبي أو عبد محمد أو عبد الحسين أو عبد الحسن. قال: [وتكره بحرب] للحديث المتقدم؛ لأن العرب كانوا يختارون الأسماء التي فيها شدة لما كانوا عليه من أمور الحرب وغيرها، فكانوا يختارون الأسماء التي تهيب الأعداء منهم، فكان العرب يختارون الأسماء التي فيها شيء من الصعوبة وتدل على القوة والجلافة والشدة، فكره النبي عليه الصلاة والسلام ذلك. قال: [ويسار ومبارك ومفلح وخير وسرور] هذه الأسماء إنما كرهت لأنه قد يقول الرجل لأهل بيته: هل مبارك موجود، هل يسار موجود، هل نجيح موجود، هل نجاح موجودة؟ فيقال له: لا، فيكون في ذلك نوع من التشاؤم، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (لا تسم غلامك يساراً ولا نجيحاً ولا رباحاً ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو؟ -يعني: هل هو موجود- فيقال: لا). كذلك الأسماء التي فيها نوع تزكية للنفس: تقوى هدى ونحو ذلك، فهذه الأسماء فيها نوع كراهة، لكن هذا لا يقتضي أن يشدد على الناس في المنع منها، ولا أن تغير هذه الأسماء، لكن الأولى والأكمل أن يسمى بغيرها. قال: [ولا بأس باسم الملائكة والأنبياء] ولذا تقدم لكم الحديث الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم)، وهذا من باب التفاؤل، فيسمى بهذه الأسماء لعله أن يناله شيء مما كان عليه أصحاب هذه الأسماء من الخير والدين.

حكم ما إذا اتفقت عقيقة وأضحية

حكم ما إذا اتفقت عقيقة وأضحية قال: [وإن اتفق وقت عقيقة وأضحية أجزأت إحداهما عن الأخرى]، إذا وافقت العقيقة وقت أضحية فنوى بالذبيحة أنها أضحية وعقيقة أجزأ ذلك، هذا هو المذهب، قالوا: كما أن سنة الفجر تجزئ عن سنة الفجر وعن تحية المسجد. والقول الثاني في المسألة وهو الراجح وهو رواية عن الإمام أحمد أنها لا تجزئ، وذلك لأن هذه لها مقصود تختص به وهذه لها مقصود تختص به، فالعقيقة شرعت لتتميم أخلاق المولود، والأضحية شرعت يوم النحر تقرباً إلى الله جل وعلا، فالذي يترجح أنها لا تجزئ. والأضحية والعقيقة -كما تقدم في الأضحية- تقسم أثلاثاً، ولذا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (يأكل ويطعم ويتصدق). كما في الحاكم. فإن أحب وزعها لحماً، وإن أحب وزعها مطبوخة، وإن أحب دعا الناس لها؛ لكنه يتصدق بالشيء ولو يسيراً من لحمها فلا بأس بذلك كما تقدم في الأضحية. وبهذا ننتهي من المقرر، نسأل الله جل وعلا أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

كتاب الحج [11]

دليل الطالب_كتاب الحج [11]

وجوب الحج على الفور

وجوب الحج على الفور Q هل يجب الحج على الفور أم على التراخي؟ A أصح قولي العلماء أن الحج يجب على الفور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليتعجل) رواه أبو داود، وقال: (من كسر أو عرج فليحل، ثم ليحج من قابل) فالحج يجب فوراً، وهذه قاعدة في كل الواجبات التي لم يحدد لها زمن أنها تجب فوراً، فمن كان قادراً ببدنه وقادراً بماله وأذن له من بلده؛ وجب عليه أن يحج فوراً، ولا يؤخر؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، هذا هو الصحيح، وبعض العلماء يقول: على التراخي، والصحيح أنه يجب فوراً.

حكم الاستدانة للحج

حكم الاستدانة للحج Q ما حكم أن يستدين من أجل أن يحج؟ A لا بأس له أن يستدين من أجل أن يحج، لا سيما إذا كان يجد وفاء، يعني: يقدر على الوفاء، كبعض الناس الذين لهم رواتب فيؤخذ منها قسط في كل شهر فالأولى له أن يستدين، وأما إذا كان يخشى عدم الوفاء فلا ينبغي له أن يستدين. أما استئذان الدائن فإن كان الدين لم يحل فلا يحتاج إلى استئذان، أو كانت أقساطاً شهرية تؤخذ من راتبه كما في هذا الزمن فهذا لا يحتاج إلى استئذان، أما إذا كان الدين حالاً فلا يذهب حتى يستأذن، فإن أذن له وإلا فإنه لا يحج، بل يعطيه حقه، أو يقول له: أنا أريد أن أحج، فإن قال: أعطني هذا المبلغ لأن الدين حال، فيجب عليه أن يعطيه لأن هذا حق آدمي فيقدم.

حكم من جن قبل أن يكمل الحج

حكم من جن قبل أن يكمل الحج Q رجل ذهب ليحج ثم جن في الحج قبل أن يكمل، فما الحكم؟ A ينظر إذا كان الذي بقي عليه واجب فالذي يظهر أنه يذبح عنه دم، كما لو كان بقي عليه مثلاً رمي الجمار فإذا كان له مال فيذبح عنه دم وينتهي. أما إذا كان لم يحل التحلل الأول ولم يأت بأركان الحج التي هي الوقوف بعرفة والطواف والسعي فإنه يبقى على حاله حتى يرجع عقله، فإذا رجع عقله والله عز وجل يتقبل منه ما فعل، ويرجى إذا مات على جنونه أن يبعث يوم القيامة ملبياً، وإذا عقل أكمل المناسك، أما إن كان الذي فاته من المناسك الرمي والمبيت بمنى وطواف الوداع فإنه يذبح عن كل واحدة منها دم، يذبح وليه من ماله.

حكم من مات بحادث أثناء ذهابه للحج

حكم من مات بحادث أثناء ذهابه للحج Q ما حكم من مات بحادث وهو ذاهب إلى الحج؟ A هذا إن كان محرماً فإنه يبعث يوم القيامة محرماً، وإن لم يكن أحرم بعد فإنه يرجى كذلك أن يعطى أجر من حج البيت؛ لأنه كان ناوياً وعازماً على الحج لكن حال بينه وبين أداء هذه الفريضة هذا الحادث، وعلى ذلك فيرجى له هذا الأجر وهذا الثواب. ثم إذا كان لم يحج يحج عنه، وإذا كان لم يكمل الحج ينوب عنه من ماله من يكمل عنه الحج.

حرمة الأكل من الصيد على من أعان الصائد

حرمة الأكل من الصيد على من أعان الصائد Q لماذا يحرم الأكل من الصيد على من أعان مع أنه لم يصد؟ A لكنه لما أعان عوقب بنقيض قصده، وكذلك إذا أشار يعاقب بنقيض قصده وإن كان لا يجب عليه الضمان لأن هذا الذي صاده محل، لكنه لا يأكل، ويأكل غيره، بل من صيد لأجله فلا يأكل ولو لم يعن ولو لم يصد، لذا فإن عثمان رضي الله عنه لم يأكل وأمر أصحابه أن يأكلوا، وقال: إنما صيد من أجلي، والنبي صلى الله عليه وسلم رد هدية الصعب لما أهدى له الصيد؛ لأنه صاده من أجله، قال: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم).

حكم الحج عن الأم بعد موتها

حكم الحج عن الأم بعد موتها Q هل يجب على المرء أن يحج عن أمه إذا ماتت ولم تحج مع القدرة؟ A لا يجب عليه ذلك، لكن يستحب له، والله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]. فإذا أراد الحج عنها فإما أن يحج هو أو يدفع من ماله لمن يحج عن أمه. وإذا أراد أن يحج عنها بنفسه فلا يحج عنها بنفسه حتى يحج عن نفسه أولاً، فإذا كان يريد أن يحج بماله فننظر: إن كان ليس عنده إلا هذا المال، يقول: إما أن أدفع هذا المال لنفسي أو لأمي، فيجب أن يبدأ بنفسه، وإما أن يقول: أنا صاحب مال كثير، ولكني أريد أن أؤخر الحج عن نفسي إلى السنة القادمة أو التي بعدها، لأن ظروفي لا تسمح، أو لم يسمح لي، فهذا له أن يدفع مالاً لمن يحج عن أمه وإن كان هو لم يحج.

حكم من سافر ولم يحرم إلا من مكة

حكم من سافر ولم يحرم إلا من مكة Q ما حكم من سافر ولم يحرم إلا من مكة؟ A إذا كان لم يحرم إلا في مكة فعليه دم، ويصح حجه أو تصح عمرته، وهذا إذا كان ناوياً من الأصل، وأما إذا كان لم ينو إلا من مكة فهذا إن كان حجاً يحرم من مكة، وإن كانت عمرة فمن التنعيم.

حكم سفر المرأة للحج

حكم سفر المرأة للحج Q ما حكم سفر المرأة للحج؟ A ننظر أولاً إذا كان هناك رفقة مأمونة معها والمرأة كذلك مأمونة فإنها تذهب مع هذه الرفقة، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإننا ننظر: إن كانت قد دخلت في الإحرام فإنها تكلم من يأتي معها من محارمها ليكون معها وإن كان هو لا يلزمه لأنه {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] إلا إذا كان يطيعها كولدها فإنه يلزمه من باب الطاعة. وإن كانت لم تحرم فننظر: إن كان الرجوع آمن لها رجعت، وإن كان الذهاب لطريق الحج آمن لها على نفسها فإنها لا ترجع، لأنه قد يكون رجوعها أشد عليها وأخطر، فقد لا تجد حجزاً فتجلس في مكان غير آمن، وقد لا تجد سيارة ترجع معها فتجلس في هذا المكان، فبقاؤها مع رفقتها يكون آمن لها.

§1/1