فقه التاجر المسلم

حسام الدين عفانة

فقهُ التاجرِ المسلمِ وآدابُه تأليف الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

الطبعة الأولى بيت المقدس 1426هـ 2005م توزيع المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر القدس / أبوديس / شارع جامعة القدس تلفون (2791365) طباعة وتنسيق: شفاء بنت حسام الدين عفانه

بسم الله الرحمن الرحيم نصوص شرعية في البيع والشراء: قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة الآية 275. وقال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون َ} سورة الجمعة الآية 10. وقال الله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} سورة النور الآية 37. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحب سَمْح البيع سَمْح الشراء سَمْح القضاء) رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 34. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة آل عمران الآية 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء الآية 1. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. أما بعد ... فإن هذا الكتاب يتناول قضية هامة من القضايا التي يحتاجها كثير من الناس، حيث إن التجارة هي عصب الحياة الاقتصادية في المجتمع وقد رغبت أن أضع بين يدي إخواننا التجار كتاباً يحوي أهم المسائل التي يحتاجونها في تجارتهم وتعاملهم مع الناس. فوضعت هذا الكتاب المشتمل على أحكام البيع والشراء وما يتعلق بهما من آداب ليكون دليلاً للتاجر المسلم في تجارته، وقدمت على ذلك حديثاً موجزاً عن التجارة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وعرضت مسائل الكتاب بلغة سهلة واضحة، وطرزت الكتاب بنصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وبيّنت الراجح من أقوال أهل العلم في المسائل الخلافية التي ذكرتها، مستنداً في ترجيحي على الأدلة الشرعية، وعلى ما قرره كبار فقهاء الإسلام قديماً وحديثاً. وذكرت في هذا الكتاب كثيراً من القضايا المعاصرة التي يتعامل بها التجار في وقتنا الحاضر، وبينت أحكامها الشرعية، وخاصة مسألة الربا والتعامل مع البنوك الربوية، فقد نالت حظاً وافراً من الحديث في مواضع عديدة، نظراً لانتشار التعامل بالربا بين كثير من التجار. وختاماً أذكر العبارة المشهورة التي تقول: (الدين المعاملة)، فهذه العبارة صحيحة المعنى ويدل على صدقها وصحتها الأدلة الكثيرة التي سقتها في هذا الكتاب، فإن حسن تعامل التجار المسلمين

قديماً كان سبباً في دخول ملايين الناس في دين الإسلام. فالتاجر المسلم صاحب عقيدة يدعو الناس إليها. والتاجر المسلم صاحب خلق يدعو الناس إليه، والتاجر المسلم داعية إلى دين الله بسلوكه وحسن تعامله مع الناس فهو داعية بلسان الحال وإن لم يكن كذلك بلسان المقال، وقد ذكر بعض أهل العلم تحليلاً لكلمة تاجر حيث قال: [التاء تعني تقوى، والألف أمين، والجيم جسور، والراء رحيم، فالتاجر المسلم تقيٌّ أمينٌ جسورٌ رحيمٌ] وآمل أن يتحلى تجارنا بهذه المعاني الطيبة وأن يعيدوا سيرة التجار المسلمين السابقين الذين كانوا هداة مهتدين. وأود أن نبه إلى أن هذا الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى الأول ضمن سلسلة تهدف إلى تقريب الفقه الإسلامي إلى أصحاب المهن والصنائع وغيرهم وسيتبعه بإذن الله تعالى بقية السلسلة كما يلي: - فقه الطبيب المسلم وآدابه ... - فقه الممرض المسلم وآدابه - فقه الزوجة المسلمة وآدابها ... - فقه الزوج المسلم وآدابه - فقه الموظف المسلم وآدابه ... - فقه المعلم المسلم وآدابه (المربي) - فقه إمام المسجد وآدابه ... - فقه خطيب الجمعة وآدابه - فقه العامل المسلم وآدابه ... - فقه الرياضي المسلم وآدابه - فقه المسئول وآدابه أسأل الله عز وجل أن يعينني على إعدادها وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه أبوديس/ القدس صباح يوم الثلاثاء الثاني عشر من رجب 1426هـ وفق السادس عشر من آب 2005 م.

تمهيد في التفقه في أحكام التجارة

تمهيد في التفقه في أحكام التجارة حث الله سبحانه وتعالى على التفقه في الدين فقال جلَّ جلاله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} سورة التوبة الآية 122. فيجب على المسلم أن يتعلم من أمور دينه ما هو ضروري لعبادته ولعمله. وقد ورد في الحديث قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وهو حديث لا يقلّ عن درجة الحسن كما سيأتي لاحقاً. وقد قال العلماء إن المقصود بالفريضة من العلم ما تتوقف عليه صحة العبادة والمعاملة فلا بد للسلم أن يتعلم كيفية أداء الصلاة والصيام والزكاة والحج بشكل صحيح وكذا يجب على من اشتغل بعمل من الأعمال أن يتعلم الأمور الأساسية التي لا يصح العمل بدونها، فعلى التاجر المسلم أن يتعلم أحكام البيع والشراء وما يتعلق بالربا حتى يتجنبه ونحو ذلك من الأحكام. ومن الجدير بالذكر أن العلماء قد قسموا العلم الشرعي إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما هو فرض عين، والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحدُّ هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة إن كان عنده نصاب، والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها، فمثلاً لو كان شخص يعمل في الصرافة فيجب عليه أن يتعلم أحكام الصرف في الشريعة الإسلامية وهكذا بالنسبة للأمور التي يحتاج لها في عباداته ومعاملاته. قال الإمام النووي: [ ... فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدّى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به، ككيفية الوضوء والصلاة ونحوها وعليه حمل جماعات الحديث المروي في مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح ... ] المجموع 1/ 24. والحديث الذي ذكره الإمام النووي وهو: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) حديث مختلف فيه فمن العلماء من يرى أنه حديث ضعيف، قال الإمام البيهقي: [وهذا حديث متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيف] وضعفه الإمام أحمد أيضاً كما قال الحافظ العراقي في

تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. ويرى بعض أهل الحديث أن الحديث يصلح للاحتجاج لتعدد طرقه كالسيوطي والعلامة الألباني. وعلى كل حال فالمقصود بالعلم في الحديث هو العلم الذي يكون فرض عين فقط وليس مطلق العلم. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله: [من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم وعلم الزكاة لمن له نصاب والحج لمن وجب عليه والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات وكذا أهل الحرف وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين 1/ 42. الثاني: فرض الكفاية وهو ما إذا قام به البعض كفى وسقط الإثم عن الباقي، وعرّفه الإمام النووي بقوله: [وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والأحاديث وعلومهما والأصول والفقه والنحو واللغة والتصريف ومعرفة رواة الحديث والإجماع والخلاف. وأما ما ليس علماً شرعياً ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضاً ... ] المجموع 1/ 26. الثالث: النفل وهو كالتوسع في العلوم الشرعية. وبهذا يظهر لنا أن تعلم أحكام التجارة من باب فرض العين في حق التجار، لأن صحة أعمالهم التجارية متوقفة على العلم بها، قال الإمام النووي: [باب أقسام العلم الشرعي هي ثلاثة: الأول فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ... أما البيع والنكاح وشبههما مما لا يجب أصله فقال إمام الحرمين والغزالي وغيرهما يتعين على من أراده تعلم كيفيته وشرطه وقيل لا يقال يتعين بل يقال يحرم الإقدام عليه إلا بعد معرفة شرطه وهذه العبارة أصح: وعبارتهما محمولة عليها] المجموع 1/ 24 - 25. وقال الإمام الغزالي: [اعلم أن تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم وإنما هو طلب العلم المحتاج إليه والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب ومهما حصل علم هذا الباب وقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شذ عنه من الفروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم يعلم أسباب الفساد بعلم جملي

فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال، ولو قال لا أقدم العلم ولكني أصبر إلى أن تقع لي الواقعة فعندها أتعلم وأستفتي، فيقال له: وبم تعلم وقوع الواقعة مهما لم تعلم جمل مفسدات العقود فإنه يستمر في التصرفات ويظنها صحيحة مباحة فلا بد له من هذا القدر من علم التجارة ليتميز له المباح عن المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح ولذلك روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدرِّة ويقول لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى] إحياء علوم الدين 2/ 66. وقال الشوكاني: [التفقه في الدين مأمور به في كتاب الله عز وجل، وفي صحيح الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس ذلك بخاص بنوع من أنواع الدَّين، بل في كل أنواعه، فيندرج تفقه التاجر للتجارة تحت الأدلة العامة ولا شك أن أنواع الدَّين تختلف باختلاف الأشخاص دون بعض، فمثلاً التاجر المباشر للبيع والشراء أحوج لمعرفة ما يرجع إلى ما يلابسه من غيره ممن لا يلابس البيع إلا نادراً] وبل الغمام 2/ 122. وقال ابن عابدين: [ ... وفي تبيين المحارم: لا شك في فرضية علم الفرائض الخمس وعلم الإخلاص؛ لأن صحة العمل موقوفة عليه وعلم الحلال والحرام ... وعلم البيع والشراء والنكاح والطلاق لمن أراد الدخول في هذه الأشياء] حاشية ابن عابدين 1/ 42. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [تعلم الفقه قد يكون فرض عين على المكلف كتعلمه ما لا يتأدّى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به، ككيفية الوضوء والصلاة، والصوم ونحو ذلك، وعليه حمل بعضهم الحديث المروي عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ... أما البيوع والنكاح وسائر المعاملات مما لا يجب أصله فيتعين على من يريد شيئاً من ذلك تعلم أحكامه ليحترز عن الشبهات والمكروهات، وكذا كل أهل الحرف، فكل من يمارس عملاً يجب عليه تعلم الأحكام المتعلقة به ليمتنع عن الحرام] الموسوعة الفقهية الكويتية 32/ 194 - 195. فيجب على التاجر المسلم أن يتعلم أحكام البيع والشراء وما يتعلق بالربا حتى يتجنبه ونحو ذلك من الأحكام الأساسية. وهذا الواجب ينبغي أن يكون قبل الخوض في التجارة فإن العلم قائد والعمل تابع وخاصة أن كثيراً من التجار والباعة في أسواقنا هم من العامة الذين لا يعرفون معظم أحكام البيع والشراء، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يأمر التجار بالتفقه في أحكام البيع والشراء، فقد روى الترمذي أن عمر بن

الخطاب - رضي الله عنه - قال: [لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين] قال العلامة الألباني حسن الإسناد، انظر صحيح الترمذي 1/ 151. وجاء في رواية أخرى عن عمر - رضي الله عنه - قال: [لا يبع في سوقنا إلا من تفقه، وإلا أكل الربا شاء أم أبى]. وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - كان يضرب من وجده في السوق وهو لا يعرف أحكام البيع والشراء، وقال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله معلقاً على أثر عمر السابق: [نعم، حتى يعرف ما يأخذ وما يدع، وحتى يعرف الحلال والحرام، ولا يفسد على الناس بيعهم وشراءهم بالأباطيل والأكاذيب، وحتى لا يُدخِل الربا عليهم من أبواب قد لا يعرفها المشتري، وبالجملة: لتكون التجارة تجارة إسلامية صحيحة خالصة، يطمئن إليها المسلم وغير المسلم، لا غش فيها ولا خداع] تعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي 2/ 357. وقال عطاء من التابعين: [مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذا] الآداب الشرعية 2/ 34. وقال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: [ ... وكان التجار في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيهاً يرجعون إليه وعن أئمة خوارزم أنه لا بد للتاجر من فقيه صديق]. - - -

التجارة في الكتاب والسنة

التجارة في الكتاب والسنة

التجارة في الكتاب الكريم

التجارة في الكتاب الكريم التجارة هي البيع والشراء وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في عدة مواضع منها: - قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} سورة البقرة الآية 282. - وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. قال الإمام الطبري: [ ... عن قتادة قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} قال التجارة رزق من رزق الله وحلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها وقد كنا نحدث أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة] تفسير الطبري 5/ 32. وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ... كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال, ولكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال] تفسير ابن كثير2/ 239. - ومنها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. - ومنها قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} سورة المزمل الآية 20. قال الإمام القرطبي في تفسير الآية: [سوَّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله].

- ومنها قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة الجمعة الآية 10. وقد وصف الله سبحانه وتعالى البيع بأنه حلال في قوله جل جلاله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة الآية 275. وقال الإمام البخاري: [باب صدقة الكسب والتجارة لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} سورة البقرة الآية 267. وقال الإمام البخاري أيضاً: [باب الخروج في التجارة وقول الله تعالى: {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ} سورة الجمعة الآية 10]. وقال الإمام البخاري أيضاً: [باب التجارة في البحر وقال مطر لا بأس به وما ذكره الله في القرآن إلا بحق ثم تلا: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} سورة النحل الآية 14]. ثم روى الإمام البخاري بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج. وغير ذلك من النصوص من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. - - -

التجارة في السنة النبوية

التجارة في السنة النبوية ورد في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في التجارة وأشير إلى طائفة منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج قرأ ابن عباس كذا) رواه البخاري. وفي رواية أخرى قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه) رواه البخاري. وعن قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نسمى السماسرة فقال: (يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن. وفي رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما (التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة) أخرجه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح. قال الطيبي في شرح الحديث [قوله: (التاجر الصدوق الأمين إلخ ... ) فمن تحرى الصدق والأمانة في تجارته كان في زمرة الأبرار من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين] شرح الطيبي على المشكاة 7/ 2119. وقال الإمام البخاري: [باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقاً فليطلبه في عفاف]. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع) ... والمراد بالسماحة ترك المضاجرة ونحوها لا المكايسة في ذلك].

ثم روى الإمام البخاري بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله يحب سَمْح البيع سَمْح الشراء سَمْح القضاء) رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 34. قال المباركفوري: [قوله: (إن الله يحب سَمْح البيع) بفتح السين وسكون الميم أي سهلاً في البيع وجواداً يتجاوز عن بعض حقه إذا باع. قال الحافظ: السمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد والمراد هنا المساهلة. (سمح الشراء سمح القضاء) أي التقاضي لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال. قاله المناوي: وللنسائي من حديث عثمان رفعه: (أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً وقاضياً ومقتضياً) ... وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح. قال المناوي في شرح الجامع الصغير: وأقروه] تحفة الأحوذي 4/ 457. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة بعد العصر إلى مغيربان الشمس حفظها منّا من حفظها ونسيها منّا من نسيها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، فإن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى منهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً، ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فالأرض الأرض، ألا إنّ خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا، فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء الفيء وسريع الغضب وسريع الفيء فإنها بها، ألا إن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب، وشر التجار من كان سيئ القضاء سيئ الطلب، فإذا كان الرجل حسن القضاء سيئ الطلب أو كان سيئ القضاء حسن الطلب فإنها بها، ألا إن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة، ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) فلما كان عند مغيربان الشمس قال: (ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) رواه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم والبيهقي.

وعن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نسمى السماسرة فقال: (يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال حين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة) رواه ابن ماجة وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 21. وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: قيل (يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال: كسب الرجل بيده وكل بيع مبرور) رواه أحمد والحاكم. وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) رواه أبو داود والدارقطني وهو حديث حسن. وقال الإمام البخاري [باب ما ذكر في الأسواق، وقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - لما قدمنا المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. وقال أنس قال عبد الرحمن دلوني على السوق. وقال عمر ألهاني الصفق بالأسواق]. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (باب ما ذكر في الأسواق) قال ابن بطال: أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للأشراف والفضلاء وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع وهو حديث أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق) وإسناده حسن,

وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا من حديث ابن عمر نحوه, قال ابن بطال: وهذا خرج على الغالب وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد ... والغرض منه هنا ذكر السوق فقط وكونه كان موجوداً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف وللتعفف عن الناس] فتح الباري 4/ 429. وقال الإمام الترمذي: [باب ما جاء في التبكير بالتجارة] ثم روى بإسناده عن صخر الغامدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله) ... قال الترمذي حديث حديث حسن. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - التجار من الحلف الكاذب فقال: (إن التجار هم الفجار. قيل: يا رسول الله! أو ليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون] رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1 حديث رقم 366. - - -

التجارة لا تلهي عن الواجبات عامة ولا تلهي عن الصلوات خاصة

التجارة لا تلهي عن الواجبات عامة ولا تلهي عن الصلوات خاصة التاجر الصادق مع الله ومع نفسه هو الذي يوازن بين أمور الدنيا وأمور الآخرة فيعطي كلاً حقه وقد أثنى الله عز وجل على الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ولا عن شيء من الواجبات فقال: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} سورة النور الآية 37. قال القرطبي [قوله تعالى: {لَا تُلْهِيهِمْ} أي لا تشغلهم. {تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن الصلاة ... {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} اختُلِفَ في تأويله؛ فقال عطاء: يعني حضور الصلاة، وقاله ابن عباس، وقال: المكتوبة. وقيل عن الأذان؛ ذكره يحيى بن سلام. وقيل: عن ذكره بأسمائه الحسنى؛ أي يوحدونه ويمجدونه. والآية نزلت في أهل الأسواق؛ قاله ابن عمر. قال سالم: جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال: فيهم نزلت: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} الآية. وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله). وقيل: إن رجلين كانا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أحدهما بياعاً فإذا سمع النداء بالصلاة فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعاً، وإن كان بالأرض لم يرفعه. وكان الآخر قيناً يعمل السيوف للتجارة، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان؛ فأنزل الله تعالى هذا ثناءً عليهما وعلى كل من اقتدى بهما ... قوله تعالى {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} هذا يدل على أن المراد بقوله {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} غير الصلاة؛ لأنه يكون تكراراً ... قوله تعالى {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} قيل: الزكاة المفروضة؛ قاله الحسن. وقال ابن عباس: الزكاة هنا طاعة الله تعالى والإخلاص؛ إذ ليس لكل مؤمن مال. {يَخَافُونَ يَوْمًا} يعني يوم القيامة. {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} يعني من هوله وحذر الهلاك] تفسير القرطبي 12/ 279 - 280.

وقال ابن كثير: [وقوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} الآية, يقول تعالى لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم, والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم, لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق, ولهذا قال تعالى: {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم, قال هشيم عن سيار قال: حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوماً من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة, فقال عبد الله بن مسعود: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية, ... عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة, فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر: فيهم نزلت {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه} ... وعن ابن عباس {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه} يقول عن الصلاة المكتوبة ... وقال السدي: عن الصلاة في جماعة. وقال مقاتل بن حيان: لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله, وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها] تفسير ابن كثير4/ 559 - 560. وقد عاتب الله عز وجل الصحابة الذين تركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء خطبة الجمعة عندما جاءت قافلة تجارية وفيهم نزل قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مّنَ اللهْوِ وَمِنَ التّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ}. قال ابن كثير: [يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ فقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} أي على المنبر تخطب, هكذا ذكره غير واحد من التابعين ... فانصرفوا إليها وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً على المنبر إلا القليل منهم, وقد صحّ بذلك الخبر فقال الإمام أحمد ... عن جابر قال: قدمت عير مرة المدينة, ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجلاً فنزلت {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا} أخرجاه في الصحيحين ... وعن جابر بن عبد الله قال: بينما النبي

- صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة, فقدمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , حتى لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي ناراً) ونزلت هذه الآية {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} وقال: كان في الاثني عشر الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر رضي الله عنهما] تفسير ابن كثير 6/ 218 - 219. وروى الإمام البخاري بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (بينما نحن نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبلت عير تحمل طعاماً فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلاً فنزلت هذه الآية {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً}. وقال الإمام البخاري: [باب {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إ} وقوله جل ذكره {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه} وقال قتادة كان القوم يتجرون ولكنهم كانوا إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله]. وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بإجابة النداء لصلاة الجمعة وترك البيع والشراء فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة الآية 9. فيا أخي التاجر إذا سمعت الأذان لصلاة الجمعة فأجب النداء وأغلق محلك وقت الصلاة واحذر من الانشغال عن صلاة الجمعة فالبيع والشراء الذي يؤدي إلى فوات صلاة الجمعة محرم وما تحصل عليه من كسب حينئذ فهو كسب خبيث واحذر من إضاعة بقية الصلوات لأجل كسب دراهم معدودات فإن الدنيا زائلة ومال الدنيا باقٍ فيها فاترك الدنيا الفانية واسع لذكر الله الموصل للآخرة {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ}. والزم يا أخي التاجر ذكر الله عز وجل عندما تدخل السوق أو محلك التجاري فقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال حين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير كتب

الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 21. قال المباركفوري: [قوله (من دخل السوق) قال الطيبي: خصه بالذكر لأنه مكان الغفلة عن ذكر الله والاشتغال بالتجارة فهو موضع سلطنة الشيطان ومجمع جنوده، فالذاكر هناك يحارب الشيطان ويهزم جنوده فهو خليق بما ذكر من الثواب انتهى. (فقال) أي سراً أو جهراً ... قال الطيبي: فمن ذكر الله فيه دخل في زمرة من قال تعالى في حقهم {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه} تحفة الأحوذي 9/ 272 - 273. قال الإمام الغزالي تحت عنوان شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته: [ولا ينبغي للتاجر أن يشغله معاشه عن معاده فيكون عمره ضائعاً وصفقته خاسرة وما يفوته من الربح في الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا فيكون اشترى الحياة الدنيا بالآخرة بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه وشفقته على نفسه يحفظ رأس ماله ورأس ماله دينه وتجارته فيه. قال بعض السلف أولى الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل وأحوج شيء إليه في العاجل أحمده عاقبة في الآجل. وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - في وصيته: إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا فتنظمه قال الله تعالى: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} أي لا تنس في الدنيا نصيبك منها للآخرة فإنها مزرعة الآخرة وفيها تكتسب الحسنات وإنما تتم شفقة التاجر على دينه بمراعاة سبعة أمور ثم ذكر منها: الثالث أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة وأسواق الآخرة المساجد، قال الله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} وقال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته فيلازم المسجد ويواظب على الأوراد كان عمر - رضي الله عنه - يقول للتجار: اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم وما بعده لدنياكم. وكان صالحو السلف يجعلون أول النهار وآخره للآخرة والوسط للتجارة] إحياء علوم الدين 2/ 86. ثم قال الإمام الغزالي: [الرابع أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل بالتهليل والتسبيح فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل ... قال - صلى الله عليه وسلم -: (من دخل السوق فقال لا

إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة) وكان ابن عمر وسالم بن عبد الله ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة هذا الذكر] إحياء علوم الدين 2/ 86. واحذر أخي التاجر أن تكون من المتكالبين على الدنيا الحريصين عليها فلا تكونن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإن ذلك شر عظيم فقد روى الإمام مسلم بإسناده عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: (لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته). قال الإمام النووي: [قوله في السوق (إنها معركة الشيطان) ... فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة; لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع, والأيمان الخائنة, والعقود الفاسدة, والنجش, والبيع على بيع أخيه, والشراء على شرائه, والسوم على سومه, وبخس المكيال والميزان. قوله (وبها ينصب رايته) إشارة إلى ثبوته هناك, واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس, وحملهم على هذه المفاسد المذكورة, ونحوها, فهي موضعه وموضع أعوانه] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 8 - 9. - - -

التجار من الصحابة

التجار من الصحابة من المعلوم أنه كانت للعرب أسواق في الجاهلية يتاجرون فيها وهي أسواق مشهورة في شعر العرب وأدبهم وقد ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كانت عكاظ ومَجنَّه وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه، فنزل قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} رواه البخاري. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو في مكة يرتاد الأسواق ويتاجر كسباً للرزق وطلباً للمعاش بل كان له شريك في التجارة يقال له السائب وقد عاب المشركون على النبي - صلى الله عليه وسلم - تردده على الأسواق حيث ذكر الله جل جلاله ذلك عنهم {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} سورة الفرقان الآية 7. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى {وَقَالُوا} ذكر شيئاً آخر من مطاعنهم. والضمير في {وَقَالُوا} لقريش؛ وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلس مشهور، ذكره ابن إسحاق في السيرة وغيره. مضمنه - أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا: يا محمد! إن كنت تحب الرئاسة وليَّناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا؛ فلما أبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك رجعوا في باب الاحتجاج معه فقالوا: ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام، وتقف بالأسواق! فعيروه بأكل الطعام؛ لأنهم أرادوا أن يكون الرسول مَلَكاً، وعيروه بالمشي في الأسواق حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفعون عن الأسواق، وكان عليه السلام يخالطهم في أسواقهم، ويأمرهم وينهاهم؛ فقالوا: هذا يطلب أن يتملك علينا، فماله يخالف سيرة الملوك؛ فأجابهم الله بقوله، وأنزل على نبيه: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} فلا تغتم ولا تحزن، فإنها شكاة ظاهر عنك عارها ... دخول الأسواق مباح للتجارة وطلب المعاش. وكان عليه السلام يدخلها لحاجته، ولتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته، ويعرض نفسه فيها على القبائل، لعل الله أن يرجع بهم إلى الحق. وفي البخاري في صفته عليه السلام: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ... وذكر السوق مذكور في غير ما حديث، ذكره أهل

الصحيح. وتجارة الصحابة فيها معروفة، وخاصة المهاجرين؛ كما قال أبو هريرة: وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق؛ خرجه البخاري] تفسير القرطبي 13/ 4 - 5. وقال تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} سورة الفرقان الآية 20. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} نزلت جواباً للمشركين حيث قالوا: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} سورة الفرقان الآية 7. وقال ابن عباس: لمّا عيّر المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفاقة وقالوا: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} الآية، حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك فنزلت تعزية له؛ فقال جبريل عليه السلام: السلام عليك يا رسول الله! الله ربك يقرئك السلام ويقول لك: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} أي يبتغون المعايش في الدنيا ... هذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك ... وقال: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} قال العلماء: أي يتجرون ويحترفون ... وكان الصحابة رضي الله عنهم يتجرون ويحترفون وفي أموالهم يعملون] تفسير القرطبي 13/ 12 - 14. وعن مجاهد عن السائب بن أبي السائب أنه كان يشارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الإسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح جاءه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب قد كنت تعمل أعمالاً في الجاهلية لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك وكان ذا سلف وصلة) رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد. وذكر ابن هشام تحت عنوان [خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام في تجارة خديجة وما كان من بحيرى]. قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال. تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم وكانت قريش قوماً تجاراً; فلما بلغها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغها، من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام ثم باع رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة] سيرة ابن هشام 1/ 187 - 188. هذا وقد اقتدى الصحابة رضوان الله عليهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يرتادون الأسواق ويتجرّون فيها بأموالهم، ولا يرون في ذلك بأساً. وقد ذكر أهل الحديث والتاريخ والسير عدداً من الصحابة الذين اشتغلوا في التجارة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وزيد بن أرقم والبراء بن عازب والزبير بن العوام رضوان الله عليهم فقد ذكر ابن سعد في الطبقات في ترجمة أبي بكر - رضي الله عنه - أنه كان رجلاً تاجراً فكان يغدو إلى السوق فيبيع ويبتاع] الطبقات 3/ 186. وذكر أيضاً أن عثمان - رضي الله عنه - كان رجلاً تاجراً في الجاهلية والإسلام. الطبقات 3/ 60. وذكر نحوه محمد بن الحسن في كتاب الكسب ص 89. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تاجراً إلى بصرى، لم يمنع أبا بكر الضن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شحه على نصيبه من الشخوص للتجارة، وذلك كان لإعجابهم كسبَ التجارة، وحبهم للتجارة، ولم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر من الشخوص في تجارته لحبه صحبته وضنه بأبي بكر، - فقد كان بصحبته معجباً - لاستحسان (وفي رواية: لاستحباب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتجارة وإعجابه بها) رواه الطبراني في الكبير وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/ 1036. وروي في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: خرج أبو بكر - رضي الله عنه - في تجارة إلى بصرى قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعام ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة وكانا شهدا بدراً وكان نعيمان على الزاد وكان سويبط رجلاً مزَّاحاً، فقال لنعيمان: أطعمني، قال: حتى يجيء أبو بكر، قال: فلأغيظنك، قال: فمروا بقوم فقال لهم سويبط: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا: نعم، قال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم إني حر فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا عليَّ عبدي، قالوا: لا بل نشتريه منك، فاشتروه منه بعشر قلائص، ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلا فقال: نعيمان إن هذا يستهزئ بكم وإني حر لست بعبد، فقالوا: قد أخبرنا خبرك فانطلقوا به فجاء أبو بكر فأخبروه بذلك قال: فاتبع القوم ورد عليهم القلائص وأخذ نعيمان، قال: فلما قدموا على النبي

- صلى الله عليه وسلم - وأخبروه، قال: فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منه حولاً) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني في الكبير. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتاجر أيضاً حتى شغله الصفق في الأسواق عن المواظبة على مجالس العلم عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى الإمام البخاري بإسناده (أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلم يؤذن له وكأنه كان مشغولاً فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه فقال: كنا نؤمر بذلك، فقال: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال: عمر أخفي هذا عليَّ من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألهاني الصفق بالأسواق يعني الخروج إلى تجارة). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... وأطلق عمر على الاشتغال بالتجارة لهواً لأنها ألهته عن طول ملازمته النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سمع غيره منه ما لم يسمعه, ولم يقصد عمر ترك أصل الملازمة وهي أمر نسبي, وكان احتياج عمر إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله والتعفف عن الناس] فتح الباري 4/ 378. وكان عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - من أهم التجار في المدينة وكان ذا ثراء عظيم مع أنه بدأ تجارته بعد الهجرة ولما مات - رضي الله عنه - ترك ثروة كبيرة حتى إن امرأته صولحت بثمنها بثمانين ألفا. أخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال ص51. وقال الإمام البخاري: [باب ما ذكر في الأسواق، وقال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. وقال أنس قال: عبد الرحمن دلوني على السوق، وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (باب ما ذكر في الأسواق) قال ابن بطال: أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للأشراف والفضلاء ... قوله: (وقال عبد الرحمن بن عوف إلخ) تقدم موصولاً في أوائل البيوع, والغرض منه هنا ذكر السوق فقط وكونه كان موجوداً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف وللتعفف عن الناس] فتح الباري 4/ 429.

وروى الإمام البخاري بإسناده أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: (لما قدمنا المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها، قال فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع قال فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن قال ثم تابع الغدو فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تزوجت؟ قال: نعم، قال: ومن قال امرأة من الأنصار، قال: كم سقت؟ قال: زنة نواة من ذهب أو نواة من ذهب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أولم ولو بشاة). وجاء في رواية عند الإمام أحمد في المسند (أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فقال له سعد: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالاً فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فذهب فاشترى وباع وربح فجاء بشيء من أقط وسمن ثم لبث ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه ردع زعفران، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مهيم – أي ما أمرك وما شأنك - فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: أولم ولو بشاة. قال عبد الرحمن فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضةً). وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته خارجاً من بيت حفصة فسألته عن ذلك فقال: لا بأس به بالقيمة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. وكان زيد بن أرقم والبراء بن عازب والزبير بن العوام وعثمان بن عفان رضوان الله عليهم من التجار. روى الإمام البخاري بإسناده عن أبي المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصرف فقال: إن كان يداً بيد فلا بأس وإن كان نساءً – أي مؤجلاً - فلا يصلح). وهكذا كان عدد كبير من الصحابة مهاجرين وأنصار يشتغلون في التجارة. روى الإمام البخاري بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً ثم يتلو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ... إلى قوله

الرَّحِيمُ} إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون). وقال سعيد بن المسيب: (كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجرون في بحر الروم، منهم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص 76. وقال أيوب: (كان أبو قلابة يأمرني بلزوم السوق والصنعة، ويقول: إن الغنى من العافية) إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص76. وعن الهيثم بن جميل قال: قلت لابن المبارك: أتّجر في البحر؟ قال: اتّجر في البر والبحر، واستغن عن الناس) إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص77. ولقي رجل الحسن بن يحيى بأرض الحبشة، معه تجارة، فقال له: (ما الذي بلغ بك هاهنا؟ فأخبره، فعذله الرجل. فقال: أكل هذا طلب للدنيا، وحرص عليها؟ فقال له الحسن: يا هذا إن الذي حملني على هذا، كراهة الحاجة إلى مثلك) إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص78. وقد ضرب التجار من الصحابة أروع الأمثلة في البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - خير مثال للمنفق في سبيل الله. فعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق فوافق ذلك عندي مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك قلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبداً) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وروى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: (جاء عثمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار حين جهز جيش العسرة فينثرها في حجره قال عبد الرحمن فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها في حجره ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين) قال الترمذي حديث حسن غريب. وعن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله عليَّ ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها

في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عن المنبر وهو يقول ما على عثمان ما عمل بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه) رواه الترمذي. وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، قالوا: نعم، قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة والناس مجهدون معسرون فجهزت ذلك الجيش قالوا: نعم، ثم قال أذكركم بالله، هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل قالوا اللهم نعم وأشياء عددها) رواه الترمذي ثم قال حديث حسن صحيح غريب وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 208. وذكر أهل التاريخ أنه في عهد الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أصاب الناس جفاف وجوع شديدان، فلمّا ضاق بهم الأمر ذهبوا إلى الخليفة أبي بكر - رضي الله عنه - وقالوا: يا خليفة رسول الله، إنّ السّماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، وقد أدرك الناس الهلاك فماذا نفعل؟ قال أبو بكر - رضي الله عنه -: انصرفوا، واصبروا، فإني أرجو ألاّ يأتي المساء حتّى يفرج الله عنكم. وفي آخر النهار جاء الخبر بأنّ قافلة جمالٍ لعثمان بن عفّان - رضي الله عنه - قد أتت من الشّام إلى المدينة. فلمّا وصلت خرج النّاس يستقبلونها، فإذا هي ألف جمل محملة سمناً وزيتاً ودقيقاً، وتوقّفت عند باب عثمان - رضي الله عنه - فلمّا أنزلت أحمالها في داره جاء التجار. قال لهم عثمان - رضي الله عنه - ماذا تريدون؟ أجاب التجار: إنّك تعلم ما نريد، بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنّك تعرف حاجة النّاس إليه. قال عثمان: كم أربح على الثّمن الذي اشتريت به؟ قالوا: الدّرهم درهمين. قال: أعطاني غيركم زيادة على هذا. قالوا: أربعة! قال عثمان - رضي الله عنه -: أعطاني غيركم أكثر. قال التّجار: نربحك خمسة. قال عثمان: أعطاني غيركم أكثر. فقالوا: ليس في المدينة تجار غيرنا، ولم يسبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟! قال عثمان - رضي الله عنه -:إن الله قد أعطاني بكل درهم عشرة، الحسنة بعشرة أمثالها، فهل عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال عثمان: فإني أشهد الله أني جعلت ما جاءت به هذه الجمال صدقة للمساكين وفقراء المسلمين. ثم أخذ عثمان بن عفان يوزّع بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة واحد إلاّ أخذ ما يكفيه ويكفي أهله.

قال الإمام البخاري: [باب مناقب عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان وقال من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتاً في المدينة فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء، قال: فكانت سبع مائة بعير، قال: فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فقال: إن استطعت لأدخلنها قائماً فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل) رواه أحمد. - - -

فقه التجارة

فقه التجارة

البيع وشروطه

البيع وشروطه البيع هو مبادلة المال بالمال تملكاً وتمليكاً كما قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 3/ 480. ولفظ البيع من أسماء الأضداد التي تطلق على الشيء وضده مثل لفظة الشراء فيطلق البيع ويراد به الشراء ويطلق الشراء ويراد به البيع، قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي باعوه. سورة يوسف الآية 20. والبيع مباح ومشروع بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وانعقد الإجماع على ذلك. وقامت الأدلة الكثيرة على ذلك منها: - قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة الآية 275. - وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} سورة البقرة الآية 282. - وقوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ... } سورة النساء الآية 29. وصحّ في الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يبتاع المرء على بيع أخيه ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لبادٍ) رواه البخاري. وغير ذلك من النصوص، وقد انعقد الإجماع على جواز البيع. شروط البيع: ذكر الفقهاء شروطاً كثيرة لعقد البيع وأذكر هنا أهم هذه الشروط بإيجاز شديد: - يشترط في العاقدين أن يكونا مكلفين شرعاً وجائزي التصرف شرعاً وأجاز كثير من الفقهاء بيع الصبي المميز. - ويشترط توافق الإيجاب والقبول في البيع. ويصح البيع بكل لفظ يدل على التراضي حسب ما يتعارف عليه الناس سواء كان بلفظ الماضي أو الحاضر أو الأمر ويصح البيع بالتعاطي أيضاً بدون النطق بالإيجاب والقبول وقد جرى العرف بذلك

- ويشترط في المبيع أن يكون مملوكاً لصاحبه وأن يكون موجوداً حقيقة أو حكماً عند العقد وأن يكون مالاً متقوماً شرعاً أي له قيمة في الشرع ويباح الانتفاع به وأن يكون مقدور التسليم وأن يكون معلوماً. - ويشترط لصحة البيع أن يخلو العقد من الجهالة والإكراه والغرر وأن يخلو من الشروط المفسدة للعقد. - ويصح البيع بثمن حالّ أو مؤجل إلى أجل معلوم لقوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً فَاكْتُبُوهُ} سورة البقرة الآية 282. ومن أراد تفصيل الكلام على هذه الشروط وغيرها فليرجع إلى كتب الفقهاء. وينبغي أن يُعْلم أن الشروط السابقة تختلف عن الشروط التي يشترطها أحد المتعاقدين وتسمى بالشروط الجعلية أي التي تكون بجعل من المكلف مثل أن يشتري شخص بضاعة من تاجر ويشترط عليه نقلها إلى محل المشتري في قريته أو يشترط عليه كفالة الآلات لمدة سنة واحدة ونحو ذلك من الشروط. فهذه الشروط جائزة شرعاً إذ الأصل في الشروط في المعاملات الحل والإباحة إلا ما نصت الأدلة على تحريم اشتراطه. ويدل على جواز الشروط الجعلية ما يلي: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} سورة الإسراء الآية 34. فقد أمر سبحانه بالوفاء بالعقود والعهود وهذا عام ويدخل فيه ما عقده المرء على نفسه من الشروط ورضي به والتزمه. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أنه كان يسير على جملٍ له قد أعيا فمرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربه فدعا له فسار بسير ليس يسير مثله ثم قال: بعنيه بوقية، قلت: لا، ثم قال: بعنيه بوقية، فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل على إثري قال: ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك ... ) وقال محمد بن المنكدر عن جابر شرط ظهره إلى المدينة) رواه البخاري. وفي رواية عند أبي داود عن جابر بن عبد الله قال: (بعته يعني بعيره من النبي - صلى الله عليه وسلم - واشترطت حملانه إلى أهلي ... ).

ووجه الدلالة في الحديث أن جابراً - رضي الله عنه - شرط أن يركب الجمل إلى المدينة النبوية مع أنه باعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ابتدأ ذلك الشرط من عند نفسه من غير أن يسأل هل هذا الشرط مما تقره الشريعة أم لا؟ وقد أقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الشرط فهذا الإقرار من النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على أن الأصل في الشروط الجعلية الجواز. ومما يدل على أن الأصل في الشروط الحل ما جاء في الحديث عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي ثم قال: حديث حسن صحيح. وقد أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشترط أحد المتبايعين شرطاً له فيه مصلحة كما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أن هذه الأدلة تدل على حرية المتعاقدين في وضع الشروط التي تحقق مصلحتهما وأنه لا يحرم من الشروط إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه. - - -

الكسب الحلال

وبعد هذا البيان الموجز للبيع وشروطه سأتحدث عن مسائل هامة في البيع والشراء وما يتعلق بهما وهي مسائل يقع التعامل بها في عالم التجارة في الوقت الحاضر. الكسب الحلال من الواجبات على المسلم أن لا يأكل إلا الحلال بل إن الله قدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقد ذكر الإمام الغزالي: [أنه كان بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين صحبة طويلة فهجره أحمد إذ سمعه يقول: إني لا أسأل أحداً شيئاً ولو أعطاني الشيطان شيئاً لأكلته حتى اعتذر يحيى، وقال: كنت أمزح فقال تمزح بالدين أما علمت أن الأكل من الطيبات قدمه الله تعالى على العمل الصالح فقال: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}] إحياء علوم الدين 2/ 92. وفي هذا الزمان تحقق ما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق حيث أخبر أن من الناس من لا يفرق في كسبه بين حلال وحرام فلا يهمه من أين اكتسب المال وكل ما يهمه أن يكون المال بين يديه ينفقه كيفما شاء. فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام) رواه البخاري. وقد ينسى بعض الناس أنه سيحاسب على ماله وأنه سيسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ فقد ورد في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني. فلتحرص أخي التاجر على الكسب الحلال وإن قلَّ. وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على الأكل من الطيبات منها: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} سورة البقرة آية 172.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة البقرة الآية 188. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) رواه البخاري ومسلم. كما وردت النصوص الكثيرة التي تحذر من الأكل من الحرام وتبين أن الجسد الذي ينمو من حرام فالنار أولى به فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج) رواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 318. وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا نبي الله إنا لنستحي والحمد الله. قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء هو أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا - يعني من الله - حق الحياء) رواه الترمذي وحسّنه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 2/ 299.

وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون بعدي فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد عليَّ الحوض ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ويرد عليَّ الحوض. يا كعب بن عجرة: الصلاة برهان والصوم جنة حصينة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189. وعن أبي بكر - رضي الله عنه - أن - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 320. وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه) رواه البخاري. ورُوي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شرب لبناً فأعجبه، فقال للذي سقاه من أين لك هذا؟ فقال مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء. - - -

ضوابط الكسب

ضوابط الكسب إن المسلم ينطلق في حياته من عقيدته الإسلامية وأنه عبد لله سبحانه وتعالى ملتزم بشرعه فالإسلام لا يعطي الفرد الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء وكيفما يشاء كما هو الحال في النظام الرأسمالي. إن الحرية المطلقة رذيلة ممقوتة حيث إنها تؤدي بالإنسان إلى الشرود والجموح والانفلات من جميع القيم والمبادئ، يقول د. يوسف القرضاوي: [إن الحرية التي شرعها الإسلام في مجال الاقتصاد ليست حرية مطلقة من كل قيد كالحرية التي توهمها قوم شعيب {أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} سورة هود الآية 87. بل هي حرية منضبطة مقيدة بالعدل الذي فرضه الله تعالى. ذلك أن في الطبيعة الإنسانية نوعاً من التناقض خلقها الله عليه لحكمة اقتضاها عمران الأرض واستمرار الحياة. فمن طبيعة الإنسان الشغف بجمع المال وحبه حباً قد يخرجه عن حد الاعتدال كما قال تعالى في وصف الإنسان: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} سورة العاديات الآية 8. وكما صوّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مدى طمع الإنسان بقوله: (لو كان لابن آدم واديان من تراب لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) متفق عليه. ومن طبيعة الإنسان الشح والحرص كما قال تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} سورة النساء الآية 128، {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} سورة الإسراء الآية 100. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان: الحرص، وطول الأمل) رواه البخاري. ومن طبيعته حب الخلود إن لم يكن بنفسه فبذريته من بعده وحب الاستعلاء والسيطرة على الآخرين وهاتان الغريزتان كانتا الأحبولة التي أوقع إبليس بها آدم أبا البشر في شرك المخالفة بالأكل من الشجرة: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} سورة طه الآية 120] دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي ص 371 - 372.

إذا تقرر هذا فإن الإسلام حث على العمل والسعي في الأرض للكسب، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} سورة الملك الآية 15. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} سورة البقرة الآية 168. وقد وضع العلماء أصولاً وضوابط لما يحل ويحرم في باب المعاملات فمن هذه الضوابط والأصول: - تحريم الربا فهو محرم بنص كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} سورة البقرة الآيتان 275 - 276. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. ويترتب على تحريم الربا تحريم العمل في البنوك الربوية مهما كان العمل لأن العمل فيها إما إعانة على الربا أو رضاً بهذا العمل المحرم وكلاهما ممنوع شرعاً يقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية 2. ويدخل في ذلك تأجير المحلات والمباني للبنوك الربوية فهو حرام لما سبق من أنه تعاون على الإثم والعدوان. - ومن هذه الضوابط تحريم كل معاملة فيها غش وخداع وقد ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. فهذا الحديث عام يشمل المعاملات كلها والعمل كذلك. وصور الغش والخداع في زماننا كثيرةٌ جداً وخاصة في التجارة والأعمال المختلفة فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: 1. بيع المواد الفاسدة والمنتهية الصلاحية. 2. التلاعب في الأوزان كأن يكتب على العبوة وزن معين ثم لا يكون وزنها في الحقيقة كذلك. 3. تسويق بضاعة رديئة على أنها بضاعة جيدة وذلك بوضع العلامة التجارية للبضاعة الجيدة على الرديئة.

4. بيع المواد الضارة بالصحة والتي تسبب الأمراض المستعصية. 5. وصف مكونات المواد المصنعة بأوصاف غير حقيقية. 6. الغش في تنفيذ المقاولات وأعمال البناء مثل تقليل الحديد والإسمنت في البنايات مما قد يتسبب في انهيار المبنى ومقتل سكانه أو إصابتهم بأذى. - ومن الضوابط التي تحكم عالم التجارة والعمل تحريم الاتجار والعمل بالمحرمات سواء كان ذلك بانتهاك محرم أو ترك واجب. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} سورة المنافقون الآية 9. ومن صور الاتجار في المحرمات وكذا العمل فيها: التجارة في الخمر بمختلف أسمائها وكذا العمل في صناعتها والعمل في قطف العنب لتصنيعها وبيع العنب لمن يعصره خمراً. وقد صح في الحديث من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول إليه وآكل ثمنها) رواه أبو داود والحاكم وصححه الشيخ العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/ 907. ويلحق بتحريم الاتجار بالخمر الاتجار بالمخدرات والسموم القاتلة كالهيروين والأفيون والحشيش. - ومن الصور المحرمة المتاجرة في الأفلام الساقطة الخليعة والصحف والمجلات التي تنشر الفحشاء والمنكر وكذا العمل في طباعتها وطباعة أي مادة تحارب الله ورسوله ودينه. - ومن صور العمل المحرمة الأعمال التي يجبر فيها الإنسان على ترك الفرائض كمن يعمل في مصنع ويمنع من أداء الصلاة المفروضة في وقتها فهذا عمل محرم. - وكذا العمل الذي تكون فيه خلوة محرمة شرعاً كعمل السكرتيرة في مكتب المدير أو المحامي أو الطبيب إذا وجدت الخلوة المحرمة. - وكذا العمل الذي يقتضي أن تتخلى المرأة المسلمة عن لباسها الشرعي المفروض.

- وكذا العمل الذي تنتهك فيه المحرمات كعمل الراقصات والمغنيات والممثلات ومن يشاركهن في ذلك من الرجال والنساء كالمصورين والمخرجين وغيرهم فهذا العبث الذي يسميه الناس في زماننا فناً والمتضمن انتهاك المحرمات كالعري والتقبيل والمعاشرة الجنسية وإن لم تكن تامة كل ذلك من المحرمات ويمنع ترويج وبيع هذه الأفلام والأشرطة أو تأجيرها أو الإعلان عنها وغير ذلك. - ومن الأعمال المحرمة الحفلات الغنائية المختلطة وما يصاحبها من رقص ماجن وعري وتهتك. - ومن الأعمال المحرمة الاشتغال بعمل أو وظيفة من شأنها الإعانة على ظلم أو حرام فهي حرام كمن يشتغل في عمل ربوي أو محل للخمر أو في مرقص أو ملهى أو نحو ذلك. الحلال والحرام ص 141. - وكذلك العمل في وظيفة تلحق الضرر والأذى بالمسلمين سواء كان الضرر أو الأذى مادياً أو معنوياً. - ومن الأعمال المحرمة المتاجرة بالمواد المسروقة والمغصوبة وهي التي أخذت من أصحابها بغير رضا كالمواد التي تصادر من الناس ظلماً وعدواناً. - ومن الضوابط في هذا المجال تحريم المعاملات التي فيها غرر وخطر كالقمار الذي هو الميسر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} سورة المائدة الآيتان 90 - 91. - ومن ذلك ما يعرف باللوتو والتوتو وكذلك اليانصيب المسمى زوراً وبهتاناً باليانصيب الخيري فكل ذلك حرام. وأخيراً لا يظنن أحد أن فيما تقدم من المحرمات تضييق لموارد الرزق على الناس بل إن طرق الكسب الحلال مفتوحة وهي أكثر من أن تعد وتحصى. - - -

توثيق المعاملات بالكتابة

توثيق المعاملات بالكتابة كتابة العقود وتوثيقها بمختلف أنواعها أمر مطلوب شرعاً وخاصة في هذا الزمان حيث خربت ذمم كثير من الناس وقلَّ دينهم وورعهم وزاد طمعهم وجشعهم. وإن الاعتماد على عامل الثقة بين الناس ليس مضموناً لأن قلوب الناس متقلبة وأحوالهم متغيرة وقد يكون المتعاقدان متحابين وصديقين حميمين وقت العقد ووقت الإقراض ثم يقع بينهما من العداوة والبغضاء ما الله به عليم فتضيع الحقوق. أو تنكر أو تنقض لذا كان من الأمور المندوبة شرعاً توثيق الدَّين وغيره من العقود والاتفاقيات. ومما يدل على مشروعية ذلك آية الدَّين وهي أطول آية في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآيتان 282 - 283. ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على مشروعية كتابة الدَّين وتوثيقه. قال الإمام ابن العربي المالكي: [قوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} يريد أن يكون صكاً ليستذكر به عند أجله لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل والنسيان موكل بالإنسان،

والشيطان ربما حمل على الإنكار والعوارض من موت وغيره تطرأ فشُرِع الكتاب والإشهاد] أحكام القرآن 1/ 247. ومما يرشد إلى مشروعية كتابة العقود وتوثيقها ما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) رواه البخاري ومسلم. وقد روى الترمذي بإسناده عن عبد المجيد بن وهب قال: (قال لي العداء بن خالد بن هوذة: ألا أقرئك كتاباً كتبه لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: قلت بلى، فأخرج لي كتاباً: هذا ما اشترى العداء ابن خالد بن هوذة من محمد - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه عبداً أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم) رواه الترمذي وحسّنه وقال العلامة الألباني: حسن. صحيح سنن الترمذي 2/ 5. وبناءً على هذه الأدلة قال جمهور أهل العلم إن كتابة الدَّين وتوثيقه أمر مندوب إليه، وقال بعض العلماء بوجوب ذلك أخذاً بظاهر الآية وهو قول وجيه له حظ من النظر وينبغي حمل الناس عليه في هذا الزمان قطعاً لأكل حقوق الآخرين بالباطل وسداً لأبواب النزاعات، والخصومات ولما نرى في مجتمعنا من نزاع وشقاق وخلاف بسبب عدم توثيق الديون والعقود وكتابتها فكم من المنازعات حدثت بين المؤجر والمستأجر بسبب عدم كتابة عقد الإجارة وكم من خصومات حصلت بين الشركاء لاختلافهم في قضية ما ويعود ذلك لعدم كتابة اتفاق الشراكة وهكذا الحال في كل المعاملات التي لم توثق. لذا فإني أنصح كل متعاقدين في أي من العقود الشرعية أن يوثقا العقد بجميع شروطه وتفصيلاته الصغيرة قبل الكبيرة، قال الله تعالى: {ولا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ}. قال ابن العربي المالكي: [هذا تأكيد من الله تعالى في الإشهاد بالدَّين تنبيهاً لمن كسل فقال: هذا قليل لا أحتاج إلى كتبه والإشهاد عليه. لأن أمر الله تعالى فيه والتحضيض عليه واحد والقليل والكثير في ذلك سواء] أحكام القرآن 1/ 257. كما أن المعاملة التي لا تكتب ولا يستشهد عليها يترتب عليها مفاسد كثيرة منها ما يكون عن عمد إذا كان أحد المتداينين ضعيف الأمانة فيدعي بعد طول الزمن خلاف الواقع ومنها ما يكون

عن خطأ ونسيان فإذا ارتاب المتعاملان واختلفا ولا شيء يُرجع إليه في إزالة الريبة ورفع الخلاف من كتابة أو شهود أساء كل منهما الظن بالآخر ولم يسهل عليه الرجوع عن اعتقاده إلى قول خصمه فلج خصامه وعدائه وكان وراء ذلك من شرور المنازعات ما يرهقهما عسراً ويرميهما بأشد الحرج وربما ارتكبا في ذلك محارم كثيرة. تفسير المنار 3/ 134 بتصرف. وكتابة الدَّين وتوثيقه تعود بالمنفعة على الناس من عدة وجوه: 1. صيانة الأموال وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها. 2. قطع المنازعة فإن الوثيقة تصير حَكَماً بين المتعاملين ويرجعان إليها عند المنازعة، فتكون سبباً لتسكين الفتنة ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن تخرج الوثيقة وتشهد الشهود عليه بذلك فينفضح أمره بين الناس. 3. التحرز عن العقود الفاسدة لأن المتعاملين بها ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب. 4. رفع الارتياب فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل فإذا رجعا إلى الوثيقة لا يبقى لواحد منهما ريبة] الموسوعة الفقهية 14/ 135. ويجب التنبيه على أن كاتب الديون أو العقود بين الناس لا ينبغي أن يكون أحد المتعاقدين حتى يكون أقرب للعدل المشار إليه في قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}. قال القرطبي: [قوله تعالى: {بِالْعَدْلِ} أي بالحق والمعدلة أي لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ولا أقل وإنما قال: {بَيْنَكُمْ} ولم يقل أحدكم لأنه لما كان الذي له الدَّين يهتم في الكتابة الذي عليه الدَّين وكذلك بالعكس شرع الله سبحانه وتعالى كاتباً غيرهما يكتب بالعدل لا يكون في قلبه ولا قلمه موادة لأحدهما على الآخر] تفسير القرطبي 3/ 383. وأخيراً فينبغي الإشارة إلى قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} إن المدين - الذي عليه الحق - هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدَّين ومقدار الدَّين وشرطه وأجله، ذلك خيفة أن يقع الغبن

على المدين لو أملى الدائن فزاد في الدَّين أو قَرَّب الأجل أو ذكر شروطاً معينة في مصلحته والمدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبةً في إتمام الصفقة لحاجته إليها فيقع عليه الغبن فإذا كان المدين هو الذي يملي لم يمل إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر ثم ليكون إقراره بالدَّين أقوى وأثبت وهو الذي يملي وفي الوقت ذاته يناشد ضمير المدين وهو يملي أن يتقي الله ربه وأن لا يبخس شيئاً من الدَّين الذي يقرّ به] ظلال القرآن 1/ 492. - - -

الإشهاد على العقد

الإشهاد على العقد الإشهاد على العقود من السنن وليس من الواجبات. ولا شك أن الإشهاد على العقود أفضل وأولى وخاصة إذا كان العقد يتعلق بأمر ذو أهمية كبيع أرض أو إجارة عمارة أو نحو ذلك والإشهاد على العقود أقطع للنزاع وأبعد عن التجاحد وإنكار الحقوق بل فيه حفظ للحقوق وهذا الأمر ينطبق تماماً على كتابة العقود وتوثيقها فينبغي لمن وقع عقد بيع أرض مثلاً مع غيره أن يبين فيه كل التفاصيل المتعلقة بالبيع مثل موقع الأرض وحدودها ومساحتها وثمن البيع ووقت تأدية الثمن إن كان مؤجلاً أو على أقساط وينبغي له أن يستشهد شهيدين على ذلك بأن يذكر اسميهما على أن يوقعا على وثيقة البيع وينبغي عدم إغفال تاريخ البيع بالتفصيل بالإضافة لذكر كل ما يزيد العقد توثيقاً ... إلخ. ومما يدل على مشروعية ذلك آية الدَّين وهي أطول آية في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآيتان 282 - 283.

وفي هاتين الآيتين الكريمتين أمر الله جل وعلا بالإشهاد في موضعين الأول {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} والموضع الثاني {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وهذا الأمر مصروف عن ظاهره والمراد به الندب لا الإيجاب كما قرر ذلك جمهور أهل العلم. قال الإمام أبو بكر الجصّاص الحنفي: [ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئاً منه غير واجب. وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجباً لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندباً، وذلك منقول من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا. ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواتراً مستفيضاً ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين] أحكام القرآن للجصاص 2/ 206. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [اختلف النَّاس في لفظ (أَفْعِلْ) في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} على قولين: أحدهما: أنَّه فرض; قاله الضَّحَّاكُ. الثاني: أنَّه ندب; قالهُ الكافَّة; وهو الصّحيح; فقد باع النّبي - صلى الله عليه وسلم - وَكتب ونسخة كتابِه: (بِسم اللَّه الرحمن الرَّحيم هذا ما اشترى العدَّاء بن خالد بن هَوْذَة من محمدٍ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه عبدًا أو أمةً لا داء ولا غائلة ولا خِبثة, بيع المسلم للمسلم). وقد باع ولم يشهد, واشترى ورهن درعه عند يهوديّ ولم يشهد, ولو كان الإشهاد أمرًا واجباً لوجب مع الرهن لخوف المنازعة] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 259. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويستحب الإشهاد في البيع; لقول الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وأقل أحوال الأمر الاستحباب. ولأنه أقطع للنزاع، وأبعد من التجاحد, فكان أولى, ويختص ذلك بما له خطر, فأما الأشياء القليلة الخطر, كحوائج البقَّالِ, والعطَّارِ, وشبههما, فلا يستحب ذلك فيها; لأن العقود فيها تكثر, فيشق الإشهاد عليها, وتقبح إقامة البينة عليها, والترافع إلى الحاكم من أجلها, بخلاف الكثير. وليس الإشهاد بواجب في أحد منهما, ولا شرطاً

له. روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي, وأصحاب الرأي, وإسحاق وأبي أيوب وقالت طائفة: ذلك فرض لا يجوز تركه .... ولنا قول الله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. وقال أبو سعيد: صار الأمر إلى الأمانة. وتلا هذه الآية, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودي طعاماً, ورهنه درعه, واشترى من رجل سراويل, ومن أعرابي فرساً, فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت, ولم يُنقل أنه أشهد في شيء من ذلك. وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق، فم يأمرهم بالإشهاد، ولا نقل عنهم فعله، ولم ينكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لما اخل بنقله. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية. ولم يأمره بالإشهاد. واخبره عروة أنه اشترى شاتين فباع إحداهما، ولم ينكر عليه ترك الإشهاد. ولأن المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها، فلو وجب الإشهاد في كل ما يتبايعونه، أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال والتعليم، كما أمر بالرهن والكاتب، وليس بواجب، وهذا ظاهر]. المغني 4/ 205 - 206. وخلاصة الأمر أنه يستحب الإشهاد على عقود البيع والشراء والإجارة ونحوها إذا كان محل العقد شيئاً مهماً كبيراً ولا ينبغي الإشهاد على كل صغير لما في ذلك من الحرج. - - -

حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة

حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة الآية 9. وصلاة الجمعة فرض على كل مسلم بإجماع الأمة والأئمة إلا من استثني وقد أمر الله بالسعي إلى ذكر الله وأمر بترك البيع لما فيه من إشغال عن الصلاة. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} منع الله عز وجل منه عند صلاة الجمعة وحرَّمه في وقتها على من كان مخاطباً بفرضها. والبيع لا يخلو من شراء فاكتفى بذكر أحدهما ... وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق] تفسير القرطبي 18/ 107. والأمر بالسعي في الآية يفيد الوجوب والأمر بترك البيع بمعنى النهي يفيد التحريم وقد قال جمهور أهل العلم إن المقصود بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}، الأذان الذي يكون بين يدي الإمام والذي يبدأ الإمام عقبه بالخطبة لأنه الأذان الذي كان موجوداً على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الحديث عن السائب بن يزيد قال: (كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلمّا كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. قال الإمام البخاري: والزوراء موضع بالسوق من المدينة) رواه البخاري. وفي هذا الحديث أنه كان على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أذان واحد للجمعة وهو الذي يكون بين يدي الإمام وبعده تكون الخطبة، ثم لمّا كان عثمان أحدث الأذان الثاني لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياساً على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب. فتح الباري 3/ 44. وسماه الحديث ثانياً باعتباره وجد بعد الأذان الأول الذي كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وسمّاه في الحديث ثالثاً: باعتباره مزيداً على الأذان الأول والإقامة ولأن الإقامة تسمى أذاناً كما في الحديث: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري ومسلم.

وقد اتفق جمهور أهل العلم على تحريم البيع والشراء وقت النداء وأن هذا التحريم خاص بالمخاطبين بفرض الجمعة وأما من لا جمعة عليهم فلا حرج عليهم إذا باعوا وشروا مع أمثالهم ممن لا يخاطب بالجمعة وهؤلاء غير المخاطبين بالجمعة هم: 1. الصبي وهو من كان دون البلوغ. 2. المرأة فليس على النساء جمعة. 3. المسافر فلا جمعة على المسافر. 4. المريض فلا جمعة على المريض العاجز عن إجابة النداء. وهناك أعذار خاصة تسقط الجمعة ليس هذا محل بحثها. فهؤلاء المذكورين ومن في حكمهم ممن لا جمعة عليهم يجوز لهم البيع والشراء وقت النداء لأن الله سبحانه وتعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي للجمعة وهؤلاء غير مخاطبين بالسعي إلى الجمعة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وتحريم البيع ووجوب السعي يختص بالمخاطبين بالجمعة فأما غيرهم من النساء والصبيان والمسافرين فلا يثبت في حقه ذلك ... فإن الله تعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي ولأن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقهم] المغني 2/ 220.فالمرأة إن باعت لصبي أو لامرأة مثلها أو لمسافر أو لمريض ومن في حكمهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وأما إن باعت لمن وجبت عليه الجمعة وهو تارك لها فإنها قد أعانت على المعصية والإثم فذاك تارك الجمعة لا شك أنه آثم لتركه الجمعة فإعانته على المعصية حرام، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ومن المعلوم أن ترك الجمعة لغير عذر ذنب عظيم فقد ثبت في الحديث الشريف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) رواه أحمد وأصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني. وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين) رواه الطبراني وقال العلامة الألباني حديث حسن.

وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: (من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه) رواه أحمد والحاكم بإسناد حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب ص 306 - 307. ويجب أن يعلم أن الأمر بترك البيع وقت النداء لصلاة الجمعة ليس خاصاً بالبيع وإنما النهي يشمل البيع والشراء والإجارة والنكاح وباقي العقود لأن الحكمة في ذلك أن البيع يشغل عن تلبية النداء فكذا بقية العقود ويلحق بذلك الألعاب المختلفة فتحرم إقامة المباريات الرياضية أو الثقافية وقت النداء لصلاة الجمعة. روى الإمام البخاري عن عطاء أحد أئمة التابعين أنه قال: [تحرم الصناعات كلها -أي وقت النداء للجمعة -]. وذكر الحافظ ابن حجر رواية أخرى عن عطاء بلفظ آخر: [إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتاباً].وقال الحافظ: [وبهذا قال الجمهور أيضاً] فتح الباري 3/ 41.ويستمر تحريم هذه العقود حتى انقضاء صلاة الجمعة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي للصلاة فإذا قضيت الصلاة فبع واشتر] ذكره الحافظ في فتح الباري 3/ 41. - - -

كيفية حساب زكاة أموال التجارة

كيفية حساب زكاة أموال التجارة من المعلوم أن الزكاة واجبة في عروض التجارة على الصحيح من أقوال أهل العلم لعموم الأدلة التي أوجبت الزكاة في الأموال ولا شك أن عروض التجارة داخلة في هذا العموم دخولاً أولياً كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة التوبة الآية 103. وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة الذاريات الآية 19. وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} سورة البقرة الآية267. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يُعد للبيع) رواه أبو داود والدارقطني واختلف في سنده وحسنه ابن عبد البر. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته). قال الإمام النووي: [هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك والبيهقي بأسانيدهم ذكره الحاكم بإسنادين ثم قال هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم] المجموع 6/ 47. والبز المذكور في الحديث هو الثياب ومنه البزاز لمن يعمل في تجارة الثياب. انظر المصباح المنير ص 47 - 48. وقال الإمام النووي: [والصواب الجزم بالوجوب -أي وجوب الزكاة في عروض التجارة- وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين قال ابن المنذر أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة قال رويناه عن عمر بن الخطاب وابن عباس والفقهاء السبعة سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسلمان بن يسار والحسن البصري وطاووس وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي والنعمان - أبو حنيفة - وأصحابه وأحمد واسحق وأبي ثور وأبي عبيد ... ] المجموع 6/ 47. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما العروض التي للتجارة ففيها الزكاة وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول: روي ذلك عن عمر وابنه

وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاووس والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وحكي عن مالك وداود: لا زكاة فيها. وفي سنن أبي داود عن سمرة قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع). وروى عن حماس قال: مرَّ بي عمر فقال: أدِ زكاة مالك، فقلت: مالي إلا جِعاب وأُدُم فقال قومها ثم أد زكاتها. واشتهرت القصة بلا منكر فهي إجماع. – والجعاب جمع جعبة وهي وعاء توضع فيه السهام. انظر المصباح المنير ص 102. والأُدُم جمع أديم وهو الجلد المدبوغ انظر المصباح المنير ص9 - . وأما مالك فمذهبه أن التجار على قسمين: متربص ومدير. فالمتربص: وهو الذي يشتري السلع وينتظر بها الأسواق فربما أقامت السلع عنده سنين فهذا عنده لا زكاة عليه إلا أن يبيع السلعة فيزكيها لعام واحد وحجته أن الزكاة شرعت في الأموال النامية فإذا زكى السلعة كل عام - وقد تكون كاسدة - نقصت عن شرائها فيتضرر فإذا زكيت عند البيع فإن كانت ربحت فالربح كان كامناً فيها فيخرج زكاته ولا يزكي حتى يبيع بنصاب ثم يزكي بعد ذلك ما يبيعه من كثير وقليل. وأما المدير: وهو الذي يبيع السلع في أثناء الحول فلا يستقر بيده سلعة فهذا يزكي في السنة الجميع يجعل لنفسه شهراً معلوماً يحسب ما بيده من السلع والعين والدَّين الذي على المليء الثقة ويزكي الجميع هذا إذا كان ينض في يده في أثناء السنة ولو درهم فإن لم يكن يبيع بعين أصلاً فلا زكاة عليه عنده] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/ 15 - 16. وبعد هذا البيان لوجوب الزكاة في أموال التجارة فإذا حلَّ الشهر الذي يؤدي التاجر فيه زكاة أمواله فإنه يقوم بحصر أمواله من التجارة والتي تشمل البضائع الموجودة لديه والتي لم تبع بعد ذلك وكذلك أمواله السائلة وماله من ديون على الناس إذا كانت مضمونة فيقوِّم البضائع الموجودة لديه بسعرها الحاضر ويضم إلى ذلك أرباحه ومدخراته وديونه المضمونة الأداء ويخصم ما عليه من دين إن كان هناك دين ثم يخرج زكاة الباقي بنسبة 2,5% أي ربع العشر. مثال توضيحي: أحصى تاجر ما في محله من البضائع في أول شهر رمضان فوجد قيمتها بسعر الجملة 120000 دينار، ومعه أموال نقدية 40000 دينار، وله ديون مضمونة على الناس بلغت 65000 دينار، وعليه ديون للناس 25000 دينار، فيجمع قيمة البضائع وما معه من نقد وماله من ديون مضمونة فتكون 225000 دينار، ويخصم من المجموع ما عليه من ديون، فيكون الصافي 200000 دينار، فيزكيها بنسبة 2،5% فيكون ما عليه من زكاة 5000 دينار.

وينبغي التنبيه على أن الأجهزة والمعدات والرفوف وديكور المحل لا تدخل في الزكاة مثلاً إذا كانت لديه ثلاجات أو خزائن أو مبنى أو سيارة لخدمة المحل أو نحو ذلك فلا تحسب من ضمن مال الزكاة وإنما الزكاة على الأموال السائلة وهي الأموال المعدة للبيع لما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يعد للبيع). وكذلك فإن تقويم البضائع والسلع يكون بناءً على سعرها الحالي - سعر الجملة - الذي تباع به وقت التقويم وهذا قول أكثر الفقهاء. ويجوز للتاجر أن يخرج زكاة تجارته من أعيان تلك التجارة كتاجر المواد الغذائية فيجوز له أن يخرجها مما عنده من أرزٍ أو طحينٍ أو سكر وغيرها. - - -

يقدر نصاب النقود في الزكاة بالذهب دون الفضة

يقدر نصاب النقود في الزكاة بالذهب دون الفضة الزكاة فريضة تُؤخذ من الأغنياء، وترد على الفقراء كما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن فقال: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم .... ) رواه البخاري. وجاء في حديث آخر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما الصدقة عن ظهر غنى) رواه أحمد وإسناده صحيح. والغنى الذي يوجب الزكاة عند الفقهاء، هو ملك النصاب، والمقصود بالنصاب هنا، عشرون ديناراً ذهباً، وتعادل خمسة وثمانين غراماً من الذهب، أو مئتا درهم من الفضة وتعادل خمسمئة وخمسة وتسعون غراماً من الفضة. ومن المعلوم أن مقدار النصاب من الذهب - عشرون ديناراً - كانت تساوي مقدار نصاب الفضة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن سعر الفضة أخذ في الهبوط بعد ذلك العهد إلى أن صار الفرق بين النصابين كبير جداً بينما بقي الذهب محافظاً على سعره إلى وقتنا الحاضر مع اختلاف يسير حيث إن القوة الشرائية للذهب في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تساوي (100% - 120%) مما هي عليه الآن لا أكثر، انظر مجلة المجمع الفقهي 5/ 3/1679. ونظراً للهبوط الكبير في سعر الفضة، رأى كثير من العلماء، أن تقدير النصاب في الزكاة بالذهب هو الصحيح، نظراً لثبات سعر الذهب دون الفضة. قال د. يوسف القرضاوي مرجحاً هذا القول: [ويبدو لي أن هذا القول سليم الوجهة قوي الحجة، فبالمقارنة بين الأنصبة المذكورة في أموال الزكاة، كخمس من الإبل أو أربعين من الغنم أو خمسة أوسق من الزبيب أو التمر، تجد أن الذي يقاربها في عصرنا الحاضر، هو نصاب الذهب لا نصاب الفضة] فقه الزكاة 1/ 264. ويقول د. وهبة الزحيلي: [ويجب اعتبار النصاب الحالي كما هو كان في أصل الشرع دون النظر إلى تفاوت السعر القائم بين الذهب والفضة، وتقدر الأوراق النقدية بسعر الذهب، ولأنه هو الأصل في

التعامل، ولأن غطاء النقود هو بالذهب، ولأن المثقال كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعند أهل مكة هو أساس العملة .... ] الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 760. وقال د. محمد الأشقر: [وقد مال في هذا العصر بعض الفقهاء إلى الرجوع إلى التقويم في عروض التجارة والنقود الورقية إلى نصاب الذهب خاصة، ولذلك وجه بيّن، وهو ثبات القدرة الشرائية للذهب فإن نصاب الذهب -العشرين ديناراً- كان يشترى بها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرون شاة من شياه الحجاز تقريباً وكذلك نصاب الفضة -المئتا درهم- كان يُشتَرى بها عشرون شاةً تقريباً أيضاً، أما في عصرنا الحاضر فلا تكفي قيمة مئتي درهم من الفضة إلا لشراء شاة واحدة، بينما العشرون مثقالاً من الذهب تكفي الآن لشراء عشرين شاة من شياه الحجاز أو أقل قليلاً فهذا الثبات في قوة الذهب الشرائية تتحقق به حكمة تقدير النصاب على الوجه الأكمل، بخلاف نصاب الفضة] أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 1/ 30. - - -

زكاة مال الشركاء

زكاة مال الشركاء الأصل أن الزكاة تجب على المكلف في ماله فإذا ملك نصاباً وحال عليه الحول وتحققت شروط وجوب الزكاة في ماله زكَّاه. وبالنسبة للمال المشترك فكل واحد من الشركاء يحسب نصيبه من الشركة وما تحقق له من ربح في المحل التجاري ويضمه إلى ما لديه من أموال أخرى فإن تحققت فيه شروط وجوب الزكاة وجب عليه إخراجها. وقد أخذ بهذا القول مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة فقرر أنه في الشركات التي يساهم فيها عدد من الأفراد لا ينظر في تطبيق أحكام الزكاة إلى مجموع أرباح الشركات وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك على حدة. ومن العلماء من يرى أن تُعامل الشركة معاملة الشخص الواحد أي شخصية اعتبارية فتخرج الزكاة على هذا الأساس فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: [أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها وتخرجها الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك أو صدر به قرار من الجمعية العمومية أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه. ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة ومن حيث النصاب ومن حيث المقدار الذي يؤخذ وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة ومنها أسهم الخزانة العامة وأسهم الوقف الخيري وأسهم الجهات الخيرية وكذلك أسهم غير المسلمين. ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه زكى أسهمه على هذا الاعتبار لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة المستغلات وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية فإن صاحب هذه الأسهم لا

زكاة عليه في أصل السهم وإنما تجب الزكاة في الريع وهو ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة زكاها زكاة عروض التجارة فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة فيخرج ربع العشر 2,5% من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح. رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد4 ج1/ 881 - 882. وجاء في فتاوى بيت التمويل الكويتي ما يلي: [يجوز أن يتضمن عقد إنشاء الشركة بنداً ينص على أن الشركة تخرج الزكاة عما لديها من الأموال وحينئذ يحق لإدارة الشركة إخراج الزكاة نيابة عن المساهمين أما إذا لم ينص عقد إنشاء الشركة على ذلك فيجوز للشركاء أن يوكلوا إدارة الشركة في إخراج الزكاة فإن لم يوكلوها لم يكن لها أن تخرج الزكاة] وهذا في ظل الأمر القائم الآن من أن الدولة جعلت تحصيل بيت الزكاة للزكوات باختيار المزكين أما لو أخذت الدولة بنظام التحصيل الإلزامي فيجوز حينئذ أخذ الزكاة للشركة ككل ويعتبر مالها مالاً واحداً قياساً على نظام الخلطة في زكاة الماشية وأما في ظل الوضع الحاضر فإن كل مزك يخرج عن نفسه أو يوكل من يخرج عنه الزكاة ويضم إلى حصته من الموجودات الزكوية من الشركة ما سوى ذلك من أمواله الزكوية ويسقط ما عليها من الديون ويزكى الباقي إن كان أكثر من نصاب والله أعلم]. ولا بد من رضا المساهمين شخصياً عند تطبيق هذا الرأي ومستند هذا الاتجاه الأخذ بمبدأ (الخلطة) الوارد في السنة النبوية بشأن زكاة الأنعام والذي أخذ به الشافعية أيضاً في الأموال النقدية وأموال التجارة وغيرها، قال الإمام النووي: (الخلطة تؤثر في المواشي بلا خلاف - أي في المذهب الشافعي - وهل تؤثر في الثمار والزروع والنقدين وأموال التجارة؟ ... ) ثم ذكر أن المذهب الجديد عندهم أن الخلطة تؤثر فيها. الروضة 2/ 30. وخلاصة الأمر أن الأصل أن يزكي كل شريك أمواله منفرداً وإن زكت الشركة أموالها باعتبار أنها شخصية اعتبارية فحسن ولا بأس بذلك. - - -

زكاة الأسهم

زكاة الأسهم السهم هو الحصة التي يقدمها الشريك في شركات المساهمة وهو يمثل جزءاً معيناً من رأس مال الشركة فالسهم مال كما هو في الغالب لأن بعض الأسهم قد تكون عيناً وبما أن السهم مال مملوك فتجب الزكاة فيه إذا توافرت شروط وجوب الزكاة وهذا ما قرره الفقهاء المعاصرون. ومن هؤلاء العلماء من يرى أنه تجب زكاة الأسهم على المساهم نفسه لأنه هو المالك لها فيقوم بإخراج زكاتها ومنهم من يرى أن الشركة هي المطالبة بإخراج زكاة الأسهم لأن الشركة لها شخصية اعتبارية مستقلة ولأن الزكاة حق متعلق بالمال نفسه فلا يشترط فيمن تجب عليه أن يكون مكلفاً شرعاً كما هو الحال في وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون. ومن العلماء من جمع بين القولين بأن قال إن زكاة الأسهم تجب على المساهم لأنه هو المالك الحقيقي للأسهم وتقوم الشركة بإخراج الزكاة نيابة عنه فإذا نص نظام الشركة الأساسي على أن الشركة تخرج زكاة الأسهم فتقوم الشركة بإخراجها ولا يطالب بها المساهمون وأما إذا لم تقم الشركة بإخراج الزكاة فيجب على المساهم أن يزكي أسهمه وهذا رأي حسن قرره مجمع الفقه الإسلامي في جدة بالسعودية. وعند قيام الشركة بإخراج زكاة الأسهم فإنها تخرجها كما يخرج الشخص العادي زكاة ماله بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال لشخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال وتعامل الأسهم في الشركة التجارية معاملة عروض التجارة فتقوم الأسهم وتزكى مع أرباحها في كل عام بنسبة 2. 5%. وأما إذا كان الشخص مساهماً في شركة تجارية ولا تقوم هذه الشركة بإخراج الزكاة فإن الواجب على المساهم أن يخرج زكاة أسهمه بعد أن يعرف قيمة أسهمه وأرباحها. - - -

زكاة البضاعة الكاسدة

زكاة البضاعة الكاسدة إن الأصل عند أكثر العلماء أن كل مال يكون عند التاجر ويقصد به التجارة تجب فيه الزكاة ويدخل في ذلك جميع السلع وإن كسدت أو بارت فعلى التاجر أن يقوِّم هذه السلع الكاسدة ويؤدي زكاتها كغيرها من السلع غير الكاسدة. وهنالك رأي آخر في المسألة قال به بعض فقهاء المالكية ونسب إلى الإمام مالك وهو إن السلع إذا كسدت وبارت فلا تجب الزكاة فيها إلا إذا بيعت فيزكيها صاحبها عن سنة واحدة وهذا رأي له وجاهته ويمكن الأخذ به وخاصة إذا كانت البضائع الكاسدة كثيرة وهذا من باب التخفيف والتيسير على التجار. ومن المعروف عند التجار أنه لابد أن تبور كمية من كل نوع من السلع فمثلاً إذا اشترى التاجر مئة قطعة من نوع معين من الثياب فباع تسعين قطعة وبارت الباقية فحينئذ تكون الفتوى على قول جمهور أهل العلم فتقوم تلك البضاعة ويزكيها عندما يزكي أمواله وأما إذا كان الكساد هو الأكثر فحينئذ نأخذ برأي بعض فقهاء المالكية. قال الدسوقي المالكي: [قوله: (إذ بوارها لا ينقلها للقنية ولا للاحتكار) هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم، ومقابله ما لابن نافع وسحنون لا يقوم ما بار منها وينتقل للاحتكار، وخص اللخمي وابن يونس الخلاف بما إذا بار الأقل قالا: فإن بار النصف أو الأكثر لم يقوم اتفاقاً. وقال ابن بشير: بل الخلاف مطلقاً بناء على أن الحكم للنية لأنه لو وجد مشترياً لباع أو للموجود وهو الاحتكار قاله في التوضيح] حاشية الدسوقي 1/ 474. وقد أفتى بقول المالكية هذا بعض أهل العلم المعاصرين منهم الشيخ العلامة مصطفى الزرقا فقال: [إن ما سألتني عنه من رأيي في زكاة البضائع الكاسدة والتاجر المتربِّص، رأيي فيه من القديم هو مذهب مالك - رضي الله عنه - وهو الذي يُشعِر كلامُ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ باستحسانه، كما استحسنه أخونا العلامة الدكتور القرضاوي أيضاً، وضعاً للضَّرر البالغ عن التاجر المتربِّص، فأنا أُفتي به دائماً تيسيراً على الناس، ولا سيما في العقارات، حيث يكثر فيها المشترون المتربِّصون في عهد التضخم النقدي العام اليوم، ولا سيما في عالمنا الثالث الذي استمر فيه هبوط قيمة النقود الورقية التي انفردت في وظيفة التنمية، منذ أن حلَّت المَطابع محلَّ مناجم استخراج الذَّهب والفضة!! ولم يبقَ أمام كثير من الناس وسيلة لحفظ قيمة نقودهم وقوتها الشرائية سوى تحويلها

إلى عقار والتربص به، وقد يتربَّصون بها مُدداً طويلة، وعدداً من السنين قد تَصل إلى العَشرات، ثم يبيعونها عندما يَحتاجون إلى قيمتها. وخلال ذلك قد ترتفع قيمتها كما كانوا يتوقَّعون من استمرار ارتفاع قيمة العَقارات في كل مكان تقريباً، وإن لم ترتفع فإنها لا تهبِط، فأنا أفتي في هذه بأنها تزكَّى مرة واحدة عن سنة واحدة حين بيعها، لكنها يجب أن تزكّى على أساس قيمتها الحالية المرتفعة، لا على أساس قيمتها القديمة التي اشتروها بها، فإذا كانت قيمتها قد ارتفعت من البيع عشرة أضعاف مثلاً أو أكثر ـ وهذا واقع كثيرًا في الأراضي ـ فإن زكاتها تَزيد أيضاً عشرة أضعاف عن زكاتها بحسَب قيمتها الأولى التي اشْتُريتْ بها. وفي هذا عدل، كما أنه تيسير على المكلَّف، ودفع للإرهاق عنه، ومثل ذلك التربُّص في البضائع التجارية الكاسدة. وقد نصَّ الفقهاء على أن التاجر إذا أفرزَ بعض أموالِه ليأخذَه إلى بيته لاستعماله فيه، فإن زكاته تتوقَّف منذ ذلك؛ لأنه خرج من نطاق التِّجارة التي تُنَمِّيه، فأصبح بتحويله لاستعماله غيرَ نامٍ، والزكاة إنما هي في المال النامِي فعلاً أو تقديراً كالنقود. ففي رأيي أن حالة التربُّص ـ خلال مدّة التربُّص ـ تُشبهُ هذه ما دام المُتربِّص لا يُريد بيع المال المتربَّص فيه، بل تركه بمعزِل عن التداول إلى أجل غير محدَّد، فالمال في هذه الحالة أصبح غير نام، أو متوقِّف النماء، كالديون غير المرجوة الوفاء (ولو أَنّها كانت أثمانًا لمَبيعات رابحة، وليست قروضًا حسنة) فإنها بانقطاع الأمل من استيفائها خرجت عن أن تكونَ ناميةً ولو تَقديراً. هذا ما أراه ـ أيها الأخ الكريم ـ وأرجو من فضله ـ تعالى ـ أن يكون صوابا مُتَّفِقًا مع مقاصد الشريعة] فتاوى الشيخ العلامة مصطفى الزرقا ص 135 - 136. وخلاصة الأمر أن البضائع إذا كسدت وبارت وكانت كثيرة وصار الأمل ضعيفاً جداً في بيعها فلا زكاة فيها حتى يتم بيعها فإذا بيعت زكيت عن سنة واحدة فقط ولو مضى على بوارها سنوات وأما البوار والكساد القليل فلا يمنع الزكاة. - - -

التهرب من أداء الزكاة

التهرب من أداء الزكاة صح في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فالله سبحانه وتعالى مطلع على النوايا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فالمسلم يجب أن يلتزم بما أمر الله سبحانه وتعالى به والزكاة من جملة فرائض الله سبحانه وتعالى فعلى من وجبت عليه الزكاة أن يلتزم بإخراجها وأن يضعها في مصارفها الشرعية ولا يجوز لأحد أن يحتال لإسقاط الزكاة ويحرم الفرار من الزكاة وهذا مذهب جماهير أهل العلم وقالوا إن من حاول الفرار من الزكاة فإنها تؤخذ منه ويعامل على خلاف قصده كما في قصة أصحاب الجنة التي قصها الله علينا قال الله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} سورة القلم 17 - 32. فأصحاب البستان عزموا على حرمان المساكين من الصدقة فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بخلاف قصدهم، قال العلامة ابن كثير: [هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة وهو بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ولهذا قال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} أي اختبرناهم {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أي فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء {وَلَا يَسْتَثْنُونَ} أي فيما حلفوا به، ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} أي أصابتها آفة سماوية {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}]. ثم قال ابن كثير أيضاً: [قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن، قال سعيد بن جبير: كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء، وقيل كانوا من

أهل الحبشة وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء ولو أنا منعناهم لنوفر ذلك علينا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء قال الله تعالى {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما أتاه الله وأنعم عليه ومنع حق المساكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفراً {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الآخرة أشق] تفسير ابن كثير 4/ 406 - 407. ومما يدل على تحريم الفرار من الزكاة ما ورد عن أنس - رضي الله عنه -: (أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) رواه البخاري. وقد ذكر الإمام البخاري هذا الحديث في صحيحه في كتاب الحيل باب الزكاة أي ترك الحيل في الزكاة لإسقاطها. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 15/ 363. قال الحافظ ابن حجر: [قال مالك في الموطأ: معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة. وقال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة. فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فمعنى قوله (خشية الصدقة) أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة فلما كان محتملاً للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فحمل عليهما معاً. لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر والله أعلم] فتح الباري 4/ 56. وقال العلامة ابن القيم: [ويدل على تحريم الحيل الحديث الصحيح وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزكاة

أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيلاً على إسقاط الزكاة فقد فرق بين المجتمع فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها] إعلام الموقعين 3/ 172. وذكر الخرقي في مختصره مسألة الفرار من الزكاة فقال: [من كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم فراراً من الزكاة لم تسقط الزكاة عنه]. وقد فصل الشيخ ابن قدامة المقدسي المسألة بقوله: [قد ذكرنا أن إبدال النصاب بغير جنسه يقطع الحول ويستأنف حولاً آخر فإن فعل هذا فراراً من الزكاة لم تسقط عنه سواء أكان المُبدل ماشية أو غيرها من النصب. وكذا لو أتلف جزءاً من النصاب قصداً للتنقيص لتسقط عنه الزكاة، لم تسقط وتؤخذ الزكاة منه في آخر الحول إذا كان إبداله أو إتلافه عند قرب الوجوب ولو فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة. لأن ذلك ليس بمظنة للفرار، وبما ذكرناه قال مالك والأوزاعي وابن الماجشون وإسحاق وأبو عبيد ... ولنا: قول الله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته، ولأنه لمّا قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده كمن قتل مورثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشرع بالحرمان وإذا أتلفه لحاجته لم يقصد قصداً فاسداً] المغني 2/ 504. وخلاصة الأمر أنه يحرم على المسلم أن يفر من أداء الزكاة بأي وسيلة كانت لأن ذلك من الحيل المحرمة في الشرع وقد نعى الله سبحانه وتعالى تحيل اليهود لانتهاك المحرمات فقال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} سورة الأعراف الآية 163. ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة] إبطال الحيل ص 112. وقال العلامة الألباني: [وحسَّن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 33. - - -

تعجيل الزكاة

تعجيل الزكاة يجوز تعجيل زكاة الأموال التي يشترط لها الحول قبل حلول الحول، على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي والحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم ابن سلام وغيرهم، انظر المغني 2/ 470، ويدل على ذلك أحاديث منها: - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (أن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخص له في ذلك) رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما، قال الإمام النووي: وإسناده حسن، المجموع 6/ 145، وقال العلامة الألباني: حديث حسن، صحيح سنن الترمذي 1/ 207. - وعن علي - رضي الله عنه - أيضاً، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر بن الخطاب: (إنا أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام) رواه أبو داود والترمذي، وقال العلامة الألباني: حسن أيضاً صحيح سنن الترمذي 1/ 207 - 208. - وفي رواية أخرى عن علي أيضاً، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنا كنا احتجنا فاستسلفنا من العباس صدقة عامين) قال البيهقي: وهذا مرسل. قال الإمام النووي بعد أن ذكر الأدلة على جواز تعجيل الزكاة: [إذا عرفت هذا، حصل الاستدلال على جواز التعجيل من مجموع ما ذكرنا، وقد قدمنا في أول هذا الشرح أن الشافعي يحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أربعة أمور، وهي أن يسند من جهة أخرى أو يرسل، أو يقول بعض الصحابة أو أكثر العلماء به فمتى وجد واحد من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به، وقد وجد في هذا الحديث المذكور عن علي - رضي الله عنه -، بأنه روي في الصحيحين معناه من حديث أبي هريرة السابق وروى هو أيضاً مرسلاً ومتصلاً كما سبق، وقال به من الصحابة ابن عمر، وقال به أكثر العلماء كما نقله الترمذي، فحصلت الدلائل المتظاهرة على صحة الاحتجاج به، والله أعلم] المجموع 6/ 146. وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الإمام النووي، هو ما رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد

المطلب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله رسوله، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس بن عبد المطلب، فعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهي عليه صدقة ومثلها معها). وفي رواية أخرى: (وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها معها) رواه مسلم. وقد اختلف أهل العلم في المراد بكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حق صدقة العباس على أقوال منها ما قاله الحافظ ابن حجر: [وقيل معنى قوله (عَلَيَّ) أي هي عندي قرض، لأنني استلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحاً بما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي]، - ثم ذكر الروايات الواردة في تعجيل العباس صدقته وبين حال إسنادها - ثم قال: [ ... وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم] فتح الباري 4/ 76. قال العلامة الألباني: [قلت: وهو الذي نجزم به لصحة سندها مرسلاً وهذه شواهد لم يشتد ضعفها فهو يتقوى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال] إرواء الغليل 3/ 49. وقال الإمام النووي في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فهي عليَّ ومثلها معها)] والصواب أن معناه تعجلتها منه وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم (إنا تعجلنا منه صدقة عامين) شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 49. ومما يدل على جواز تعجيل الزكاة، ما ورد في جواز تعجيل صدقة الفطر قبل وقت الوجوب، كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن وغيرهما. ومما احتج به العلماء على جواز تعجيل الزكاة قبل حلول الحول، قياس ذلك على جواز الكفارة قبل الحنث، لما ثبت في أحاديث كثيرة منها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير) رواه مسلم. وقد أجاز الحنفية تعجيل زكاة سنوات كثيرة، وأجاز الحسن البصري أن يعجلها لثلاث سنوات فقد روى أبو عبيد بإسناده عن حفص بن سليمان قال: [قلت للحسن: أأخرج زكاة ثلاثة أعوام ضربة - أي دفعة واحدة - فلم ير بذلك بأساً] الأموال ص703. والأولى هو ألا يزيد التعجيل عن حولين، لأنه هو الذي وردت به النصوص. - - -

لا يجوز احتساب الدين من الزكاة

لا يجوز احتساب الدَّين من الزكاة لا يجوز احتساب الدَّين الذي على الفقير من مال الزكاة، على الراجح من أقوال أهل العلم لما ورد في الحديث الشريف من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذاً إلى اليمن فقال له: ( ... أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) رواه البخاري ومسلم. فلا بد في الزكاة من أخذها من الأغنياء، ثم ردها إلى الفقراء، وإسقاط الدَّين عن الفقير لا يعتبر أخذاً من الأغنياء ولا رداً على الفقراء، وهذا قول جماهير أهل العلم الحنفية والمالكية والحنابلة وهو أصح القولين في مذهب الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام وسفيان الثوري وغيرهم. قال الإمام النووي: [إذا كان لرجل على معسر دين، فأراد أن يجعله من زكاته وقال له جعلته عن زكاتي فوجهان حكاهما صاحب البيان أصحهما لا يجزئه، وبه قطع الصيمري، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، لأن الزكاة في ذمته فلا يبرأ إلا بإقباضها ... الخ] المجموع 6/ 210. وقال الإمام القرافي: [لا يخرج في زكاته إسقاط دينه عن الفقير لأنه مستهلك عند الفقير] الذخيرة 3/ 153. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال مهنا: سألت أبا عبد الله -يعني الإمام أحمد- عن رجل له دين برهن وليس عنده قضاؤه، ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع إليه رهنه ويقول له: الدَّين الذي لي عليك هو لك ويحسبه من زكاة ماله، قال -أحمد- لا يجزيه ذلك، ثم قال الشيخ ابن قدامة المقدسي معللاً ذلك: لأن الزكاة لحق الله تعالى، فلا يجوز صرفها إلى نفعه، ولا يجوز أن يحتسب الدَّين الذي له من الزكاة قبل قبضه، لأنه مأمور بأدائها وإيتائها وهذا إسقاط، والله أعلم] المغني 2/ 487. وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إسقاط الدَّين عن المعسر، هل يجوز أن يحسبه من الزكاة؟ فأجاب: [وأما إسقاط الدَّين عن المعسر فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع] الفتاوى 25/ 84. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: [وكان سفيان بن سعيد الثوري فيما حكوا عنه يكرهه ولا يراه مجزئاً -أي إسقاط الدّين واحتسابه من الزكاة- فسألت عنه عبد الرحمن، فإذا هو على مثل رأي

سفيان، ولا أدري لعله قد ذكره عن مالك أيضاً، وكذلك هو عندي غير مجزئ عن صاحبه، لخلال اجتمعت فيه: أما إحداها: فإن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة كانت على خلاف هذا الفعل، لأنه إنما كان يأخذها من أعيان المال عن ظهر الأغنياء ثم يردها في الفقراء، وكذلك كانت الخلفاء بعده ولم يأتنا عن أحد منهم أنه أذن لأحد في احتساب دين من زكاة، وقد علمنا أن الناس قد كانوا يدانون به في دهرهم -أي يتداينون-. الثانية: أن هذا المال ثاوٍ -أي هالك أو ضائع- غير موجود قد خرج من يد صاحبه على معنى القرض والدَّين، ثم هو يريد تحويله بعد الثواء - الهلاك - إلى غيره بالنية، فهذا ليس بجائز في معاملات الناس بينهم حتى يقبض ذلك الدَّين ثم يستأنف الوجه الأخر فكيف يجوز فيما بين العباد وبين الله عز وجل. الثالثة: أني لا آمن أن يكون إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدَّين قد يئس منه فيجعله ردءاً لماله يقيه به إذا كان منه يائساً ... وليس يقبل الله تبارك وتعالى إلا ما كان له خالصاً] الأموال ص533 - 534. وبهذا يظهر لنا أنه لا يجوز إسقاط الدَّين واحتسابه من الزكاة. - - -

لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها

لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها يرى جمهور الفقهاء أن الزكاة واجبة على الفور، فلا ينبغي تأخيرها إذا وجبت هذا في حق من وجبت عليه الزكاة، ومن باب أولى في حق من هو موكل بتوزيعها على المستحقين ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} سورة الأنعام/141، وهذه الآية في زكاة الزروع ويلحق بها غيرها، فالله سبحانه وتعالى أمر بإيتاء الزكاة، فمتى وجبت الزكاة في مال فيجب المبادرة إلى إخراجها وتوزيعها على مستحقيها، ولأنه لو جاز التأخير لجاز إلى غير غاية فتنتفي العقوبة على الترك، ولأن حاجة الفقراء والمساكين ناجزة وحقهم في الزكاة ثابت، فيكون تأخيرها منعاً لحقهم في وقته. وسُئل الإمام أحمد عن الرجل إذا ابتدأ في إخراج الزكاة فجعل يخرجها أولاً فأولاً؟ فقال: [لا بل يخرجها كلها إن حال الحول]. وقال الإمام أحمد: [لا يجري على أقاربه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئاً] المغني 2/ 510، الموسوعة الفقهية 23/ 295. ومما يدل على وجوب إخراج الزكاة على الفور والمبادرة إلى توزيعها على المستحقين عموم النصوص المرغبة في المبادرة إلى الطاعات كما في قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} سورة البقرة/148. وقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} سورة آل عمران/133. ومما يدل على المبادرة في إخراج الزكاة وإيصالها إلى مستحقيها، ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر فأسرع ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج فقلت أو قيل له، فقال: كنت خلَّفت في البيت تبراً من الصدقة فكرهت أن أبيِّته فقسمته)، فانظر أخي المسلم يا رعاك الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يبيّت عنده شيء من مال الصدقة فسارع إلى قسمته وإعطائه لمستحقيه. وقال ابن بطال معلقاً على الحديث السابق: [فيه أن الخير ينبغي أن يُبادَر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود] فتح الباري 4/ 41.

وقال الحافظ ابن حجر: [وزاد غيره -أي غير ابن بطال- وهو أخلص للذمة وأنقى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب] فتح الباري 4/ 41. وبناءً على ما تقدم، فلا يجوز شرعاً تأخير إخراج الزكاة أو تأخير توزيعها من الشخص أو الجهة الموكلة بتوزيعها، ومن يؤخرها بدون عذر شرعي فهو آثم. قال الإمام النووي: [قد ذكرنا أن مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء] المجموع 5/ 335. فلذلك ننصح لجان الزكاة والقائمين على توزيع الزكاة، أنهم إذا جمعوا الزكاة فالواجب عليهم أن يبادروا إلى توزيعها على مستحقيها، ولا يؤخروها إلا لمدة يسيرة ولعذر مقبول، كأن تؤخر لتدفع إلى فقير غائب أشد حاجة وفقراً من الحاضرين. وعلى كل حال فالتأخير المسموح به هو التأخير اليسير، قال د. يوسف القرضاوي: [وعندي أنه لا ينبغي العدول عن ظاهر ما جاء عن فقهاء المذاهب، وإن كان التسامح في يوم أو يومين بل أياماً أمراً ممكناً جرياً على قاعدة اليسر ورفع الحرج، أما التسامح في شهر أو شهرين بل أكثر إلى ما دون العام ... فلا يصح اعتباره حتى لا يتهاون الناس في الفورية الواجبة] فقه الزكاة 2/ 830. - - -

مصارف الزكاة

مصارف الزكاة بين الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة وحصرها في ثمانية مصارف، فقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60. فهذه الآية الكريمة حصرت مصارف الزكاة في المصارف الثمانية ويدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} ولفظة {إِنَّمَا} تقتضي حصر الزكاة في المصارف الثمانية ثم إن الله سبحانه وتعالى أضاف الصدقات للفقراء باللام التي تدل على التمليك ثم عطف بقية الأصناف على الفقراء، قال أبو إسحق الشيرازي بعد أن ذكر آية مصارف الزكاة: [فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم] المهذب مع شرحه المجموع 6/ 185. وقد اختلف أهل العلم في اشتراط تمليك الزكاة للأصناف الثمانية، فمن العلماء من قال إن التمليك شرط في الأصناف الثمانية. وجمهور العلماء على أن التمليك شرط في الأصناف الأربعة الأولى وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وأربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة. فمتى أخذوها ملكوها ملكاً دائماً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال وأربعة منهم وهم: الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل. فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً. فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم. والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها: أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين] المغني 2/ 500. وجاء في توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت سنة 1413هـ ما يلي: [التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ... } شرط في إجزاء الزكاة والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج كآلات الحرفة وأدوات الصنعة وتمليكها للمستحق القادر على العمل] أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/ 886.

وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلا لهذه الأصناف التي ذكرت في الآية الكريمة ولكنهم اختلفوا بعد ذلك هل يجب استيعاب هذه المصارف؟ أم أنه يجوز الصرف لبعض هذه المصارف دون بعض. والذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجب صرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورين في الآية ويجوز صرفها إلى صنف واحد وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة ومنقول عن جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [وإن أعطاها كلها في صنف واحد أجزأه] وجملته أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية ويجوز أن يعطيها شخصاً واحداً وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي] المغني 2/ 498 - 499. وقال الإمام النووي: [وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد له صرفها إلى صنف واحد قال ابن المنذر وغيره وروي هذا عن حذيفة وابن عباس قال أبو حنيفة وله صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف قال مالك ويصرفها إلى أمسهم حاجة وقال إبراهيم النخعي إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف وإلا وجب استيعاب الأصناف] المجموع 6/ 186. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية قول الإمام أبي جعفر الطبري: [عامة أهل العلم يقولون: للمتولي قسمتها ووضعها في أي الأصناف الثمانية شاء وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلاماً منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها لا إيجاباً لقسمتها بين الأصناف الثمانية وروى بإسناده عن حذيفة وعن ابن عباس أنهما قالا: إن شئت جعلته في صنف أو صنفين أو ثلاثة. قال وروى عن عمر أنه قال: أيما صنف أعطيته أجزأك وروى عنه أنه كان عمر يأخذ الفرض في الصدقة فيجعله في الصنف الواحد وهو قول أبي العالية وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 40. ويدل لما ذهب إليه جمهور أهل العلم من جواز إعطاء صنف واحد من أصناف الزكاة وأنه لا يجب تعميمها على الأصناف الثمانية ما قاله القرطبي: [وتمسك علماؤنا بقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} سورة البقرة الآية 271. والصدقة متى أطلقت

في القرآن فهي صدقة الفرض] تفسير القرطبي 8/ 168. ومراد القرطبي أن الآية لم تذكر إلا صنفاً واحداً - الفقراء - من الأصناف الثمانية. واحتج الشيخ ابن قدامة المقدسي لقول الجمهور بحديث معاذ - رضي الله عنه - لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقال: [(أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ثم أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف ثان سوى الفقراء وهم المؤلفة: الأقرع بن حابس وعينية بن حصن وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل قسّم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه علي من اليمن وإنما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر: فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال: (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وفي حديث سلمة بن صخر البياضي: أنه أمر له بصدقة قومه ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد] المغني 2/ 499. وحديث معاذ الذي ذكره الشيخ ابن قدامة المقدسي رواه البخاري ومسلم، وأما حديث الذهبية فهو ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (بعث علي - رضي الله عنه - وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعينية بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم ... ) الحديث، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى هؤلاء المؤلفة قلوبهم فقط ولو كان استيعاب الأصناف واجباً لاستوعبها. وأما حديث قبيصة فهو ما رواه مسلم بإسناده عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: (تحملت حمالة فأتيت رسول الله أسأله فيها فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) قال: ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) صحيح مسلم مع شرح النووي 3/ 110.

والشاهد في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع الزكاة إلى صنف واحد بل إلى شخص واحد من مصرف واحد وهو مصرف الغارمين وأما حديث سلمة بن صخر البياضي فقد جاء فيه أنه قد ظاهر من زوجته ثم واقعها ثم ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب عونه في الكفارة فقال له رسول الله: (انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن. والشاهد في هذا الحديث كسابقه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بدفع الزكاة لصنف واحد بل لشخص واحد. وخلاصة الأمر في هذه المسألة أنه يجب أخذ الأمور الآتية بالاعتبار عند توزيع الزكاة من قبل لجان الزكاة أو من الأفراد: أولاً: إذا كان مال الزكاة كثيراً فينبغي تعميم المال على المصارف الثمانية إذا وجدت. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإن المستحب صرفها إلى جميع الأصناف أو إلى من أمكن منهم لأنه يخرج بذلك عن الخلاف ويحصل الإجزاء يقيناً] المغني 2/ 499. وهذا ما رجحه د. يوسف القرضاوي إذا كانت الزكاة توزع من قبل إمام المسلمين. ثانياً: إذا كان المال قليلاً فيعجبني ما ذهب إليه إبراهيم النخعي حيث قال: [إذا كان المال ذا مز -أي ذا فضل وكثرة- ففرقه في الأصناف وإذا كان قليلاً فأعطه صنفاً واحداً] الأموال ص 689. فإذا كان لدى شخص ألف دينار فزكاتها خمسة وعشرون ديناراً فأرى له أن يعطيها فقيراً واحداً أو مسكيناً واحداً ولا أرى له أن يفرقها لقلة النفع بها حينئذ. ثالثاً: إذا كان في أحد الأصناف الثمانية حاجة ماسة وظاهرة فينبغي العناية بالصرف إليه وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك حيث إنه يرى أنه إن وجدت الأصناف كلها فينبغي إيثار أهل الحاجة. الذخيرة 3/ 149. رابعاً: قال د. يوسف القرضاوي: [ينبغي أن يكون الفقراء والمساكين هم أول الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة، فإن كفايتهم وإغنائهم هو الهدف الأول للزكاة حتى إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر في حديث معاذ وغيره إلا هذا المصرف: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وذلك لما لهذا المصرف من أهمية خاصة] فقه الزكاة 2/ 693. - - -

صرف الزكاة للعمال العاطلين عن العمل

صرف الزكاة للعمال العاطلين عن العمل الأصل في الزكاة أن تصرف في المصارف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60. فهؤلاء الذين تصرف لهم الزكاة فمن كان غنياً أو قادراً على الكسب فلا يجوز أن تصرف له الزكاة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني. والمقصود بذي مرة سوي أي الإنسان القوي السليم الأعضاء الذي يستطيع العمل والذي يفهم من النصوص الشرعية أن المقصود من يستطع العمل ويجد العمل والطريق إلى كسب العيش وأما من سدت طرق التكسب في وجهه ولا يجد عملاً فيجوز أن يعطى من الزكاة وإن كان قوياً قادراً على الكسب ولكنه لا يجد السبيل إلى ذلك كما هو حال كثير من العمال في وقتنا الحاضر الذي سدت سبل طلب الرزق أمامهم فإذا أعطوا من الزكاة فلا بأس بذلك، قال الإمام النووي: [قال أصحابنا - أي الشافعية- وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة لأنه عاجز] المجموع 6/ 191. ويؤيد ما سبق ما رود في الحديث عن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: (أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين -أي قويين- فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الإمام النووي وصححه العلامة الألباني. - - -

مصرف (وفي سبيل الله) في آية الصدقات

مصرف (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في آية الصدقات يقول الله سبحانه وتعالى في بيان مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60. وقد اختلف العلماء في المراد بعبارة {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} المذكورة في الآية فمنهم من رأى أن سبيل الله يراد بها سبيل الخير. المصالح العامة التي تقوم عليها أمور الدين والدولة دون الأفراد بالإضافة إلى المجاهدين والمرابطين كبناء المستشفيات والملاجئ والمدارس الشرعية والمعاهد الإسلامية والمكتبات العامة ومساعدة الجمعيات الخيرية على أداء مهماتها الإنسانية ودعم المؤسسات التي تقدم خدمات عامة لأفراد المجتمع وكذا الإنفاق على الجهاد شريطة ألا يأكل ذلك أسهم الأصناف الأخرى التي ذكرت في آية الصدقات] إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص100 - 101. ومن العلماء من يرى أن {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الغزاة في سبيل الله فقط ولا يصح صرف الزكاة فيما سواه. ومن العلماء من يرى أن مصرف في سبيل الله يقصد به الجهاد والحج والعمرة. وأرجح الأقوال هو القول الأول الذي يرى جواز صرف الزكاة في المصالح العامة وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء المتقدمين واللاحقين ولهم أدلة قوية على ما ذهبوا إليه منها. أولاً: لا يوجد نص صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمنع أن يصرف جزء من سهم {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} في المصالح العامة أو يحصر الصرف في الجهاد. ثانياً: ثبت في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطى دية رجل من الأنصار قتل بخيبر مئة من إبل الصدقة رواه البخاري ومسلم. وهذا من الإصلاح بين الناس وهو من المصالح العامة. ثالثاً: إن المتأمل للآية التي حددت المصارف الثمانية للزكاة يجد أنها فرقت بين الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم من جهة وبين بقية الأصناف الأخرى وهي الرقاب والغارمون وسبيل الله وابن السبيل من جهة أخرى في حرف الجر الذي سبق كلاً من المجموعتين فقد سبق ذكر الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم حرف اللام وسبق الأصناف الأخرى حرف (في) واللام تفيد التمليك أما (في) فتفيد الوعاء وعلى هذا فالأصناف الأربعة الأوائل يملكون الزكاة

والأصناف الأخرى يستحقون الزكاة فتصرف عليهم لتحقيق مصالحهم ومنافعهم وما جاءت المصالح العامة إلا لهذا. إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص 103 - 104. رابعاً: زعم بعض العلماء المحدثين أن عبارة {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} إذا اقترنت بالإنفاق كان معناها الجهاد جزماً ولا تحتمل غيره مطلقاً. النظام الاقتصادي في الإسلام ص 208. إن هذا الزعم غير صحيح وهذا الجزم غير مقبول وترده الآيات التي ذكر فيها {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ويراد بها غير الجهاد فمن ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} سورة التوبة الآية 34. فالمراد بسبيل الله في الآية المعنى الأعم وليس الجهاد فقط وإلا لكان من أنفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى ونحوهم داخلاً ضمن الذين يكنزون وليس الأمر كذلك. ومن ذلك قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلِّ سنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 261. ومن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة الآية 262. فهذه الآيات يفهم منها أن المراد {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} المعنى العام وليس المعنى الخاص. وخلاصة الأمر جواز الصرف في المصالح العامة للمسلمين ولكن يجب التدقيق والنظر العميق قبل الصرف حتى نتحقق أن ما نصرفه من هذا السهم هو فعلاً من المصالح العامة للمسلمين. - - -

دفع الزكاة للأقارب

دفع الزكاة للأقارب صرف الزكاة لأِقارب المزكي فيه تفصيل عند أهل العلم أبينه فيما يلي: أولاً: لا يجوز صرف الزكاة للوالدين باتفاق أهل العلم، نقل الشيخ ابن قدامة المقدسي عن ابن المنذر قوله: [أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة، ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه] المغني 2/ 282. ثانياً: لا يجوز صرف الزكاة للأولاد ذكوراً وإناثاً، لأن أولاد الرجل جزء منه وهو ملزم بالإنفاق عليهم، ومن يدفع الزكاة لأولاده يكون كمن دفع المال إلى نفسه، انظر فقه الزكاة 2/ 781. ثالثاً: لا يجوز للزوج أن يصرف الزكاة إلى زوجته، لأن نفقة الزوجة واجبة على زوجها باتفاق أهل العلم، قال ابن رشد القرطبي المالكي: [واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على زوجها النفقة والكسوة، لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة البقرة الآية 233، ولما ثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لهند زوجة أبي سفيان: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) بداية المجتهد 2/ 45. فإذا أعطى الزوج زكاة ماله لزوجته فقد دفع المال إلى نفسه. رابعاً: يجوز للزوجة الغنية أن تدفع زكاة مالها الخاص بها لزوجها الفقير لأنه لا يجب على المرأة الإنفاق على زوجها الفقير. ويدل على الجواز ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد -أي فقير- وإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فائته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها لغيركم، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: إئت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن

قالت: فدخل بلال فسأله فقال له: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب فقال الرسول: أي الزيانب؟ فقال امرأة عبد الله فقال - صلى الله عليه وسلم - لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه. وذهب إلى العمل بمقتضى هذا الحديث جمهور أهل العلم فقالوا: يجوز للزوجة أن تعطي زكاة مالها لزوجها. خامساً: لا يجوز إعطاء الزكاة لبقية الأقارب الذين تجب نفقتهم على المزكي، وهناك خلاف بين أهل العلم في النفقة على الأقارب غير الأصول والفروع والزوجة، مثل الأخ أو الأخت والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم. والقول الراجح في ذلك هو: إن النفقة تجب على ذي الرحم الوارث، سواء ورث بفرض أو تعصيب أو برحم وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وبناء على ذلك لا يجوز أن يعطي الرجل زكاة ماله لمن وجبت عليه نفقته، فمثلاً أخرج المزكي زكاة ماله وله عمة وليس لها من ينفق عليها إلا المزكي المذكور، فلا يجوز أن يعطيها من زكاة ماله. وهذا الأساس الذي بني عليه الحكم في المنع من إعطاء الزكاة للأقارب إذا كانت النفقة واجبة على المزكي، قال به جماعة من أهل العلم من السلف والخلف فمن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي حفصة قال: (سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة فقال: ما لم يغلق عليكم باباً) المصنف 3/ 192، -أي ما لم يضمها إلى عياله-. سادساً: إن لم تكن نفقة القريب واجبة على المزكي، فيجوز إعطاؤه من الزكاة، فيجوز إعطاء عمك وخالك وعمتك وخالتك وأختك المتزوجة وأخيك وابن أخيك وابن أختك وزوج أختك ونحوهم إن كانوا فقراء، ولم تكن ملزماً بالإنفاق عليهم، بل هؤلاء الأقارب في هذه الحالة أولى بالزكاة من غيرهم، وللمزكي إن أعطى الزكاة لأقاربه أجران أجر الصدقة وأجر الصلة، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 387. سابعاً: يجوز إعطاء الزكاة للبنت المتزوجة من فقير، لأن نفقة البنت بعد زواجها واجبة على زوجها لا على أبيها.

ثامناً: يجوز قضاء ديون الأقارب من الزكاة، حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي فيجوز قضاء ديْن الأب وديْن الأم ودين الابن ودين البنت وغيرهم من الأقارب، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدَّين تحصيل نفقة واجبة على المزكي، لأن ديون الأقارب بما فيها ديون الوالدين والأولاد لا يجب شرعاً على المرء أن يؤديها عنهم، فيجوز قضاء الدَّين عنهم من الزكاة لأنهم يعتبرون هنا في هذه الحالة من الغارمين فهم يستحقون الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه. - - -

حكم أخذ غير المستحق من أموال الزكاة

حكم أخذ غير المستحق من أموال الزكاة يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60. وقد أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا تصرف إلا في المصارف الثمانية المذكورة في الآية الكريمة ولا حق لأحد من الناس فيها سواهم ولهذا قال عمر بن الخطاب: [هذه لهؤلاء]. وقد روي في الحديث عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعته -وذكر حديثاً طويلاً- فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لم يرضَ بحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت في تلك الأجزاء أعطيتك حقك) رواه أبو داود والبيهقي والدارقطني وفي سنده ضعف. وقد طعن بعض الناس في تقسيم النبي - صلى الله عليه وسلم - للزكاة وكانوا طامعين فيها مع أنهم ليسوا من أهلها فنعى الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَاءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآيات 58 - 60. إذا تقرر هذا فإن العلماء قد بينوا أصناف الذين لا يستحقون الزكاة ولا يجوز صرفها لهم وهم على وجه الإجمال: الأغنياء والأقوياء المتكسبون والمتفرغون للعبادة وأصول المزكي وفروعه وزوجته وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - والكفار والملاحدة هذا بشكل عام، وهناك غيرهم اختلف الفقهاء في إعطائهم وسأقتصر هنا على الحديث عن القسمين الأولين. أما الأغنياء فلا تحل لهم الزكاة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال لمعاذ - رضي الله عنه - في الحديث: (أعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح صححه العلامة الألباني وغيره. انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 308.

وعن عبيد الله بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن الصدقة فصعد فيهما وصوب فقال: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح صححه العلامة الألباني وغيره. انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 307. والغني الذي لا تحل له الزكاة هو من ملك نصاباً زائداً عن حاجته الأصلية وتحققت فيه شروط وجوب الزكاة وهذا أرجح أقوال العلماء في حد الغنى المانع من أخذ الزكاة حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء ومن ملك نصاباً وتحققت فيه الشروط الشرعية لوجوب الزكاة فعليه أداؤها فهو غني وغير فقير قال القرطبي عند ذكر اختلاف العلماء في حد الفقر: [وقال أبو حنيفة: من معه عشرون ديناراً أو مئتا درهم فلا يأخذ من الزكاة، فاعتبر النصاب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها في فقرائكم) وهذا واضح ورواه المغيرة عن مالك] تفسير القرطبي 8/ 171 - 172. وأما القوي المكتسب فلا تحل له الزكاة، والقوي المكتسب هو من كان صحيحاً في بدنه ويجد عملاً يكتسب منه ما يسد حاجته فهذا لا يعطى من الزكاة لأن الواجب عليه أن يعمل ويكسب ليكفي نفسه وعياله ولا يجوز أن يكون عاطلاً عن العمل باختياره ويمد يده ليأخذ من أموال الزكاة وهذا مذهب جمهور أهل العلم. انظر المجموع 6/ 228. وعلى ذلك دلت الأدلة كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) وهذا الحديث وإن كان قد ورد في ذي المرة السوي مطلقاً إلا أنه مقيد بالحديث الآخر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) وهو حديث صحيح كما سبق. قال الإمام النووي: [من يكسب كل يوم كفايته لا يجوز له أخذ الزكاة] روضة الطالبين 2/ 310. وقال الإمام البغوي بعد أن ذكر الحديث: [فيه دليل على أن القوي المكتسب الذي يغنيه كسبه لا يحل له الزكاة ولم يعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهر القوة دون أن يضم إليه الكسب لأن الرجل قد يكون ظاهر القوة غير أنه أخرق لا كسب له فتحل له الزكاة وإذا رأى الإمام السائل جلداً قوياً شك في أمره وأنذره وأخبره بالأمر كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن زعم أنه لا كسب له أو له عيال لا يقوم كسبه بكفايتهم قبل منه وأعطاه] شرح السنة 6/ 81 - 82.

فإذا لم يجد الكسوب عملاً حلت له الزكاة قال الإمام النووي: [قال أصحابنا وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة]. المجموع 6/ 191. وقال د. يوسف القرضاوي: [والخلاصة أن القادر على الكسب الذي يحرم عليه الزكاة هو الذي تتوافر فيه الشروط التالية: 1. أن يجد العمل الذي يكتسب منه. 2. أن يكون هذا العمل حلالاً شرعاً فإن العمل المحظور في الشرع بمنزلة المعدوم. 3. أن يقدر عليه من غير مشقة شديدة فوق المحتمل عادةً. 4. أن يكون ملائماً لمثله ولائقاً بحاله ومركزه ومروءته ومنزلته الاجتماعية. 5. أن يكتسب منه قدر ما تتم به كفايته وكفاية من يعولهم. ومعنى هذا أن كل قادر على الكسب مطلوب منه شرعاً أن يكفي نفسه بنفسه وأن المجتمع بعامة -وولي الأمر بخاصة- مطلوب منه أن يعينه على هذا الأمر الذي هو حق له وواجب عليه. فمن كان عاجزاً عن الكسب -لضعف ذاتي كالصغر والعته والشيخوخة والعاهة والمرض أو كان قادراً ولم يجد باباً حلالاً للكسب يليق بمثله أو وجد ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها- فقد حل له الأخذ من الزكاة ولا حرج عليه في دين الله] فقه الزكاة 2/ 559 - 560. - - -

تحديد ربح التجار

تحديد ربح التجار إن المتتبع لآيات القرآن الكريم ولأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يجد أنها حددت مقدار أرباحهم بل جعلت ذلك حسب ظروف التجارة والسماحة والتيسير وعدم الاستغلال. وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على جواز أن يربح التاجر ضعف ثمن البضاعة فقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري بإسناده عن شبيب بن غرقدة، قال: (سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه ديناراً يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب أربح فيه) وقول الراوي في الحديث: سمعت الحي أي قبيلته، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 7/ 445. وقد ورد هذا الحديث براوية أطول عند الإمام أحمد في مسنده عن عروة بن الجعد البارقي - رضي الله عنه - قال: (عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - جلب فأعطاني ديناراً، وقال: أي عروة إئت الجلب فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: وصنعت كيف؟ قال فحدثته الحديث. فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة أي سوقها فأربح أربعين ألفاً قبل أن أصل إلى أهلي وكان يشتري الجواري ويبيع) الفتح الرباني 15/ 20. ففي هذا الحديث نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أقر عروة على بيعه الشاة بدينار مع أنه اشتراها بنصف دينار فقد ربح فيها ما نسبته 100% فهذا يدل على جواز أن يربح التجار هذه النسبة بشرط أن لا يكون في البيع غش أو خداع أو احتكار أو غبن فاحش. فالتاجر المسلم الملتزم بدينه لا يتعامل بهذه الطرق غير المشروعة. وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي مسألة تحديد أرباح التجار وقرر ما يلي: أولاً: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها عملاً بمطلق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29.

ثانياً: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التاجر والسلع مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير. ثالثاً: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش والخديعة والتدليس والاستغفال وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة. رابعاً: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللاً واضحاً في السوق والأسعار ناشئاً من عوامل مصطنعة فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش. - - -

العربون في البيع جائز

العربون في البيع جائز بيع العربون هو أن يبيع الإنسان الشيء ويأخذ من المشتري مبلغاً من المال يسمى عربوناً لتوثيق الارتباط بينهما على أساس أن المشتري إذا قام بتنفيذ عقده احتسب العربون من الثمن، وإن نكل كان العربون للبائع. المدخل الفقهي 1/ 495. وقد اختلف فيه الفقهاء، فجمهور الفقهاء على أنه غير صحيح، لما روي في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العربان) رواه أحمد والنسائي وأبو داود ومالك، وهذا الحديث ضعيف. قال الحافظ ابن حجر: [وفيه راوٍ لم يسمَّ، وسُمِّي في رواية لابن ماجة ضعيفه عبد الله بن عامر الأسلمي وقيل هو ابن لهيعة وهما ضعيفان] التلخيص الحبير3/ 17، وضعف العلامة الألباني الحديث في تخريجه للمشكاة 2/ 866. وأجاز الحنابلة بيع العربون وروي القول بصحة بيع العربون عن عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما، وقال به محمد بن سيرين وسعيد بن المسيب، وقد ضعف الإمام أحمد الحديث الوارد في النهي عن بيع العربون، واحتج لصحته بما ورد عن نافع بن عبد الحارث (أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم فإن رضي عمر كان البيع نافذاً وإن لم يرض فلصفوان أربعمئة درهم، قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر - رضي الله عنه -، وضعّف الحديث المروي) المغني 4/ 176. واحتجوا على صحته بما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن زيد ابن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سئل عن بيع العربان فأحله)، ولكنه مرسل وفيه ضعيف كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 173. والقول بصحة بيع العربون هو أرجح القولين في المسألة لما في ذلك من تحقيق مصالح العباد وخاصة أنه لم يثبت النهي عن بيع العربون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ومن المعلوم أن طريقة العربون، هي وثيقة الارتباط العامة في التعامل التجاري في العصور الحديثة، وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها، وهي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والإنتظار. وقد أيد ذلك ابن القيم رحمه الله بما رواه البخاري في صحيحه في باب ما يجوز من الاشتراط، عن ابن عون عن ابن سيرين أنه قال: (قال رجل لكرّيه: أرحل ركابك فان لم أرحل معك في يوم

كذا، فلك مئة درهم، فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه) المدخل الفقهي 1/ 495 - 496، والكرّي هو المكاري الذي يؤجر الدواب للسفر، وأرحل ركابك، أي شدّ على دوابك رحالها استعداداً للسفر. وبناءً على ما تقدم، يجوز أخذ العربون إن تراجع المشتري عن الصفقة. وإن كنت أفضل أن يعاد العربون لصاحبه خروجاً من الخلاف ورحمة بالناس. ومدة العربون ترجع إلى ما تعارف عليه الناس حيث لم يرد في الشرع تحديد لمدة العربون وما لم يرد له تحديد في الشرع فالمرجع في تحديده العرف. - - -

تسمية الثمن في البيع شرط لصحته

تسمية الثمن في البيع شرط لصحته لا يصح البيع بدون ذكر الثمن عند العقد لأن ذلك من بيع الغرر؛ وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر) رواه مسلم. ويدخل في الغرر الجهل بالثمن فإن الجهل بالثمن أو عدم معلومية الثمن تفضي إلى النزاع والخلاف بين المتعاقدين وكذلك فإنها جهالة مفضية إلى بطلان العقد حيث إن معرفة مقدار الثمن شرط من شروط صحة البيع عند جمهور الفقهاء. قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في المهذب: [ولا يجوز إلا بثمن معلوم القدر فإن باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع فلان سلعته وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل لأنه عوض فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه] المهذب مع المجموع 9/ 332. وقال الإمام النووي: [يشترط في صحة البيع أن يذكر الثمن في حال العقد فيقول: بعتكه بكذا، فإن قال: بعتك هذا واقتصر على هذا فقال المخاطب: اشتريت أو قبلت لم يكن هذا بيعاً بلا خلاف ولا يحصل به الملك للقابل على المذهب وبه قطع الجمهور] المجموع 9/ 171. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... لأن العلم بالثمن شرط لصحة البيع فلا يثبت بدونه] المغني 4/ 144. وذكر المرداوي الحنبلي من شروط صحة البيع: [أن يكون الثمن معلوماً] الإنصاف 4/ 309. وجاء في المادة 237 من مجلة الأحكام العدلية: [تسمية الثمن حين البيع لازمة فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسداً]. وجاء في المادة 238 من مجلة الأحكام العدلية: يلزم أن يكون الثمن معلوماً والعلم بالثمن (1) العلم بقدره (2) العلم بوصفه صراحةً أو عرفاً، وكذلك إذا كان الثمن يحتاج حمله إلى نفقة وجب العلم بمكان التسليم وكل ذلك لازم لئلا يفسد البيع فإن الجهل بالثمن مؤد إلى النزاع فإذا كان الثمن مجهولاً فالبيع فاسد ويفهم من لفظتي (قدراً، وصفاً) أن الثمن يجب أن يكون معلوماً وصفاً كأن يقال: دينار سوري أو مصري أو إنكليزي (ابن عابدين على البحر) والمسائل التي تتفرع عن هذه المادة هي: 1. إذا قال إنسان لآخر: بعتك هذا المال برأس ماله أو بقيمته الحقيقية أو بالقيمة التي يقدرها المخمنون أو بالثمن الذي شرى به فلان فإذا لم تقدر القيمة ويعين ثمن المبيع في المجلس فالبيع فاسد ما لم يكن المبيع مما لا تتفاوت قيمته كالخبز] درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/ 217 - 218.

وكلامه في أن البيع فاسد لا باطل بناءً على أصل الحنفية في التفريق بين الباطل والفاسد حيث إن الحنفية يفرقون بينهما في المعاملات فالباطل عندهم ما كان الخلل واقعاً فيه في أصل العقد والفاسد ما كان الخلل واقعاً في صفة العقد وهذا التفريق عند الحنفية تفريق عملي لا نظري. وخلاصة الأمر أن البيع بدون ذكر الثمن بيع باطل لا تترتب عليه آثاره شرعاً كما هو مذهب جمهور أهل العلم وبهذه المناسبة أودُّ التنبيه على أنواع من المخالفات التي تقع في البيع والشراء ويتعامل بها بعض التجار فمن ذلك الصور التالية: الصورة الأولى: هنالك من يشتري سلعة بثمن معلوم ولكنه مؤجل لمدة شهرين أو ستة أشهر أو نحو ذلك ويتم الاتفاق بين البائع والمشتري على أنه إن بقي سعر السلعة في السوق كما تم عليه الاتفاق في يوم البيع فإن المشتري إذا حلَّ الأجل دفع الثمن حسب الاتفاق السابق وأما إن طرأ ارتفاع على الأسعار فإنه يدفع الثمن حسب السعر الجديد عندما يحل الأجل فهذه المعاملة معاملة ربوية محرمة شرعاً لأن الثمن إذا استقر في ذمة المشتري فأي زيادة تلحق الثمن بعد ذلك تكون زيادة ربوية محرمة شرعاً. وقد قرر الفقهاء أن ثمن السلعة المؤجل إنما هو دين استقر في ذمة المشتري والأصل في الديون أن تقضى كما استقرت في الذمة بدون زيادة. الصورة الثانية: إذا اشترى شخص سلعة إلى أجل بالشيكل فإن المتعاقدين يتفقان على أن يتم السداد بالدينار الأردني. وهذه الصورة لا تجوز شرعاً لأن الدَّيْن إذا استقر في الذمة بعملة معينة فيجب قضاؤه بنفس تلك العملة ولا يجوز أن يسجل في ذمة المدين بعملة أخرى. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 79/ 6/8 ما يلي: [رابعاً: الدَّين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدَّين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 8، ج3/ 788. الحالة الثالثة: إذا اشترى شخص سلعة بالشيكل ثم ماطل في سداد الثمن فإن البائع يقوم بتحويل السعر إلى الدينار الأردني فهذه الصورة شبيهة بالصورة السابقة إلا أن تحويل الدَّين هذا تم بإرادة البائع منفرداً وهذه الصورة لا تجوز شرعاً لما ذكرته فيما سبق.

معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تبع ما ليس عندك)

معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تبع ما ليس عندك) هذا الحديث ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر إرواء الغليل 5/ 132. وفي رواية أخرى عند الترمذي عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: (نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أبيع ما ليس عندي). وقال الترمذي: [والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا أن يبيع الرجل ما ليس عنده] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 363. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 361. وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز أن يبيع المسلم ما ليس عنده أي ما ليس في ملكه عند العقد قال المباركفوري: [وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبع ما ليس عندك) دليل على تحريم بيع ما ليس في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت قدرته] تحفة الأحوذي 4/ 360. وقد جعل الفقهاء من شروط صحة عقد البيع أن يكون المبيع موجوداً حين العقد وأن يكون في ملك البائع ولم يجيزوا بيع المعدوم كبيع ما تنتجه الحيوانات وبيع ما في ملك جاره أو صديقه لأنه غير مملوك للبائع وقد استثني من هذا الأصل بيع السلم وألحق به عقد الاستصناع. قال الإمام البغوي في شرح حديث (لا تبع ما ليس عندك): [هذا في بيوع الأعيان دون بيوع الصفات فلو قبل السلم في شيء موصوف عام الوجود عند المحل المشروط يجوز وإن لم يكن في ملكه حال العقد] شرح السنة 8/ 141. وقال الشوكاني: [وظاهر النهي تحريم ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت مقدرته وقد استثني من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم] نيل الأوطار 5/ 175.

ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن المنذر قوله: [وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما: أن يقول: أبيعك عبداً أو داراً معينة وهي غائبة فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها. وثانيهما: أن يقول: هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها لك صاحبها وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني] فتح الباري 4/ 441. وبيع السلم الذي استثناه العلماء من بيع ما ليس عند الإنسان هو بيع آجل بعاجل أو هو بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً. ومثال ذلك أن يبيع المزارع ألف كيلو غرام من الزيتون بسعر خمسة آلاف شيكل يقبضها عند العقد على أن يسلم كمية الزيتون بعد أربعة أشهر مثلاً وعقد السلم مشروع باتفاق العلماء وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم. قال الله تعالى: {يَاأ َيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} سورة البقرة الآية 282. وقال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلَّم خاصة. تفسير القرطبي 3/ 377. وصح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) رواه البخاري ومسلم. وعقد السلم من العقود التي تعطي مرونة كبيرة للاقتصاد الإسلامي وتفتح مجالاً رحباً في الزراعة والصناعة فالمزارع يبيع إنتاجه الزراعي مقدماً وكذا صاحب المصنع يبيع إنتاجه ويحصل على ثمنه مقدماً على أن يسلمه في مدة لاحقة متفق عليها وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالسلم وتطبيقاته المعاصرة ما يلي: [يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطه أم طويله واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى. ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم ومنها ما يلي:

أ. يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم فيقدم لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم. ب. يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة وذلك بشرائها سلماً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية. ج. يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 9 ج1 ص663 - 665. وأما عقد الاستصناع الذي استثناه العلماء أيضاً من بيع ما ليس عند الإنسان فهو فرع من عقد السلم عند جمهور أهل العلم وهو عقد مع صانع على عمل شيء معين في الذمة كمن يطلب من نجار أن يصنع له خزانة بأوصاف معينة بثمن معين. وعقد الاستصناع عقد مشروع فقد صح (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استصنع خاتماً) رواه البخاري. وعقد الاستصناع أيضاً يفتح آفاقاً واسعة في الاقتصاد الإسلامي يقول الشيخ العلامة مصطفى الزرقا: [إن عقد الاستصناع لا يجري في المنتوجات الطبيعة التي لا تدخلها الصنعة كالبقول والفواكه واللحوم الطازجة واللبن والقمح وسائر الحبوب ... إلخ فهذه السلع الطبيعية طريق بيع غير الموجود منها وقت العقد إنما هو السلم فلا يجري الاستصناع إلا فيما تدخله الصنعة كالأمثلة السابقة البيان. واليوم قد وجدت صناعة التعليب لهذه المنتوجات الطبيعية وصناعة تجميدها أيضاً لتحفظ معلبة أو مجمدة مثلجة في علب أو أكياس البلاستيك فهل تنتقل بذلك من زمرة المنتوجات الطبيعية إلى زمرة المصنعات فيصح فيها عقد الاستصناع ويجوز التعاقد مع معمل التعليب على أن يقوم بتعليب الكميات المطلوبة من كل نوع بمواصفات معينة. لا شك في كون الجواب إيجابياً لأنها انتقلت بهذا العمل الصناعي إلى زمرة المصنعات ويدخل في ذلك الأسماك واللحوم والخضروات وسواها. بطريق الاستصناع يمكن إقامة المباني على أرض مملوكة للمستصنع بعقد مقاولة فإذا كان عقد المقاولة يقوم على أساس أن المقاول هو الذي يأتي

بمواد البناء ويتحمل جميع تكاليفه ويسلمه جاهزاً على المفتاح فهذا يمكن أن يعتبر استصناعاً] عقد الاستصناع ومدى أهميته ص24 نقلاً عن البيوع الشائعة ص177. وبعد هذا الكلام ترى أن العلماء قد منعوا بيع ما ليس عند الإنسان واستثنوا من ذلك بيع السلم وعقد الاستصناع مع أن كلاً منهما عقد على غير مملوك للإنسان عند العقد. وأود أن أنبه إلى أن بعض الناس قد أدخل تحت النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان صوراً من التعامل الصحيحة الجائزة وزعموا أنها محرمة فمن ذلك: بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تتعامل به المصارف الإسلامية وإدخال بيع المرابحة المذكور تحت بيع ما ليس عندك غير صحيح وتجنٍ على المصارف الإسلامية لأن المعروف أن المصارف الإسلامية عندما تتعامل ببيع المرابحة للآمر بالشراء فإنها لا تبيع السلعة للآمر بالشراء إلا بعد أن يتملك المصرف الإسلامي السلعة تملكاً تاماً وقد جاء في قرارات مؤتمر المصرف الإسلامي ما يلي: [يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي] بيع المرابحة للآمر بالشراء ص60. فإذا اتفق شخص مع آخر على أن يشتري له سلعة وصفها له واتفقا على ثمنها وأن ثمنها سيكون على أقساط مؤجلة وتم الوعد بينهما على ذلك ولكن العقد لم يجر بينهما إلا بعد تملك الأول للسلعة فالعقد صحيح وهذه المعاملة غير داخلة في بيع ما ليس عند الإنسان. ومن الصور التي زعم بعض الناس دخولها تحت بيع ما ليس عندك ما تعارف عليه الناس قديماً وحديثاً مما يسميه الناس (التفصيل) يقولون فلان فصَّل غرفة نوم وفلان فصَّل بدلة، وهذا في الحقيقة هو عقد استصناع وهو عقد صحيح إذا تم وفق ما قرره الفقهاء. ومن الصور التي زعم بعض الناس أنها تدخل في بيع ما ليس عندك شراء سيارة جديدة من وكالة السيارات والسيارة ليست موجودة لدى الوكالة وإنما ما زالت في بلد الإنتاج، وهذا الزعم باطل لأنه عندما يتم بيع سيارة بالطريقة السابقة فإن جميع التفاصيل تكون مبينة وواضحة فيما يسمى بكتالوج السيارة بل إن أدق التفاصيل تكون مذكورة فيه فهذا العقد صحيح ولا يدخل تحت بيع ما ليس عند الإنسان بل هو من صور السلم.

ومن الصور الجائزة في البيع أيضاً وغير داخلة في بيع ما ليس عند الإنسان بيع عمارة أو شقة على الخارطة إذا كانت الأوصاف مبينة وواضحة فهذه الصورة لا بأس بها أيضاً وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالتمويل العقاري لبناء المساكن ما يلي: [إن تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع –على أساس اعتباره لازماً– وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع دون وجوب تعجيل جميع الثمن بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6، ج 1/ 188. - - -

البيع بالتقسيط

البيع بالتقسيط البيع بالتقسيط جائز شرعاً ولا مانع منه ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} سورة البقرة الآية 282. وكذلك ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم) رواه البخاري ومسلم. وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يهودي طعاماً بنسيئة إلى أجل ورهنه درعاً من حديد) رواه البخاري ومسلم. وليس في بيع التقسيط رباً وليس فيه غرر ما دام العاقدان قد بتَّا البيع فإذا قال البائع للمشتري: أبيعك هذه السلعة بألف دينار حالَّة وبألف ومئة مؤجلة فقال المشتري: اشتريها بألف ومئة مؤجلة فالعقد صحيح ولا مانع منه وزيادة المئة ليست من الربا المحرم فالصورة المذكورة جائزة. وأما إذا قال المشتري: قبلت ولم يحدد ما الذي قبله، هل هو الثمن الحالّ أم الثمن المؤجل؟ فلا يجوز ذلك ويعتبر العقد باطلاً لأنه بيعتين في بيعة حيث إنه لم يجزم ببيع واحد. والبيع بالتقسيط فيه توسعة على الناس فالبائع يزيد مبيعاته والمشتري يستطيع الحصول على السلعة دون أن يكون لديه الثمن حالاً بل يسدد ثمنها على أقساط. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي مسألة بيع التقسيط وقرر جوازه مع مراعاة ما يلي: 1. تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن محدد فهو غير جائز شرعاً. 2. لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة. 3. إذا تأخر المشتري المدين في دفع القسط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدَّين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.

4.يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء. 5. يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد. 6. لا حق للبائع في الاحتفاظ بالمبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. - - -

بيع الجزاف

بيع الجزاف بيع الجزاف اصطلاحاً: هو بيع ما يكال, أو يوزن, أو يُعد, جملةً بلا كيلٍ ولا وزنٍ, ولا عدٍ. ومثاله شراء كومة بطيخ أو حمولة سيارة من العنب ونحو ذلك. وجمهور الفقهاء على جواز بيع الجزاف في الجملة مع أن الأصل أن من شرط صحة عقد البيع أن يكون المبيع معلوماً, ولكن لا يشترط العلم به من كل وجه, بل يشترط العلم بعين المبيع وقدره وصفته, وفي بيع الجزاف يحصل العلم بالقدر, كبيع صبرة - كومة - طعام, دون معرفة كيلها أو وزنها, وبيع قطيع الماشية دون معرفة عدده, وبيع الأرض دون معرفة مساحتها، وبيع الثوب دون معرفة طوله. وبيع الجزاف استثني من الأصل لحاجة الناس واضطرارهم إليه، بما يقتضي التسهيل في التعامل. قال الدسوقي المالكي: الأصل في بيع الجزاف منعه, ولكنه خفف فيما شق علمه من المعدود, أو قلَّ جهله في المكيل والموزون. وقد اشترط أهل العلم لجواز بيع الجزاف عدة شروط أهمها: الأول: أن يرى المشتري المبيع جزافاً حال العقد، أو قبله إذا استمر على حاله إلى وقت العقد دون تغيير. الثاني: أن يجهل المتبايعان معاً قدر الكيل أو الوزن أو العدد فإن كان أحدهما يعلم عددها فلا يصح. الثالث: أن يحزرا ويقدرا قدره عند إرادة العقد عليه. الرابع: ألا يكون ما يراد بيعه جزافاً كثيراً جداً، لتعذر تقديره ... ولا قليلاً جداً، لأنه لا مشقة في معرفة قدره بالعد. ودليل جواز بيع الجزاف ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لقد رأيت الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتاعون جزافاً يعني الطعام يُضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم) رواه البخاري ومسلم. وعن سالم بن عبد الله أن أباه - رضي الله عنه - قال (قد رأيت الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في أن يبيعوه في مكانهم وذلك حتى يؤووه إلى رحالهم) رواه مسلم، وفي رواية أخرى

عند مسلم. قال ابن شهاب وحدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن (أباه كان يشتري الطعام جزافاً فيحمله إلى أهله). وهذه الروايات تدل على أن جواز بيع الجزاف لأنه وقع من الصحابة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 72 - 73 بتصرف وزيادة. - - -

السمسرة وأجرة السمسار في البيع وغيره

السمسرة وأجرة السمسار في البيع وغيره الوساطة التجارية أو السمسرة أو الدلالة من الأمور المشهورة والمتعارف عليها ويتعامل بها الناس منذ عهد بعيد وهي مشروعة وجائزة. وقد ورد في الحديث عن قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال: (كنا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسمَّى السماسرة فمر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمانا باسم هو أحسن منه. فقال: يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة - أي اخلطوه -) رواه أبو داود وسكت عنه وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 640. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد) - قال طاووس راوي الحديث- فقلت لابن عباس: ما قوله (لا يبع حاضر لباد) قال: لا يكون له سمساراً) رواه البخاري ومسلم. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب أجرة السمسرة ولم يرَ ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً. وقال ابن عباس: لا بأس أن يقول بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك. وقال ابن سيرين: إذا قال له بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون عند شروطهم). ثم ساق الإمام البخاري حديث ابن عباس السابق] صحيح البخاري مع الفتح 5/ 357 - 358. وينبغي أن تكون أجرة السمسار معلومة باتفاق الفقهاء حتى لا يقع أي نزاع فيما بعد. ويصح أن تكون الأجرة مبلغاً مقطوعاً كعشرة دنانير مثلاً ويجوز أن تكون الأجرة نسبة مئوية كأن يقول شخص لسمسار: بع لي هذه الأرض ولك 1% من ثمنها مقابل سعيك وسمسرتك. وأما أخذ السمسار أجرة من البائع والمشتري فلا بأس به إذا كان مشروطاً أو جرى العرف بذلك فمثلاً لو قال شخص لسمسار: بع لي هذه العمارة ولك 1% من ثمنها. وقال شخص آخر لنفس السمسار اشتر لي تلك العمارة ولك 1% من ثمنها فيجوز ذلك ولا بأس به. لأن الشرط المذكور شرط جائز ينبغي الوفاء به وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلمون عند شروطهم) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 143.

وأخيراً ينبغي التنبيه على أن السمسرة من الأمور المهمة في عالم التجارة ولكن يجب على السماسرة أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أعمالهم وأن يبتعدوا عن التغرير والتدليس والغش ليكون كسبهم حلالاً طيباً وقد ثبت في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من غشناً فليس منا) رواه مسلم. وعلى السماسرة ألا يخدعوا الناس في معاملاتهم فيزينوا لهم شراء السلع والبضائع بأكثر من أسعارها الحقيقية أو يزينوا للبائعين أن يبيعوا بضائعهم بأبخس الأثمان فكل ذلك غير جائز شرعاً فلا يجوز إلحاق الضرر بالناس فلا ضَرَرَ ولا ضِرار. - - -

الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية

الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية يزعم بعض الناس أنه لا يوجد فرق بين البنوك الإسلامية وبين البنوك الربوية وهؤلاء يلقون الكلام جزافاً دون معرفة أو اطلاع على حقائق الأمور، وهذه المقولة يرددها كثير من الوعاظ والعامة وبعض المنتسبين إلى العلم الشرعي من أرباع المثقفين وليس من أنصافهم الذين ما عرفوا الأسس الشرعية التي تقوم عليها فكرة البنوك الإسلامية وما عرفوا كيفية تطبيق المعاملات في البنوك الإسلامية ومن جهل شيئاً عاداه وبعض هؤلاء المعادين لفكرة البنوك الإسلامية يرفضونها لأنهم يعتبرونها ترقيعاً ويظنون أنه عندما تقوم للمسلمين دولة سيضغط الخليفة على زر فتتحول البنوك الربوية إلى بنوك إسلامية في لحظة واحدة ولكن هؤلاء واهمون ومخطئون. ولو سألت هؤلاء ما هو الحل لهذه المشكلة العظيمة التي يعاني منها العالم الإسلامي وهي هذا الطوفان الربوي الجارف فلا يحرون جواباً سديداً. والغريب في مقولة المحاربين لفكرة البنوك الإسلامية أنهم يسوون بين الحلال والحرام دونما بصر أو بصيرة ودعواهم هذه قالها المشركون قديماً كما حكى الله سبحانه وتعالى قولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وقد رد الله سبحانه وتعالى عليهم رداً قاطعاً واضحاً فقال جل جلاله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. وأقول لهؤلاء هل درستم نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية دراسة واعية ودرستم كيفية تطبيق البنوك الإسلامية لمعاملاتها قبل أن تلقوا الكلام على عواهنه. إن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي البعد عن الربا في جميع معاملاتها أخذاً وإعطاءً فكيف تسوون بينها وبين البنوك الربوية التي تقوم أكثر معاملاتها على الربا أخذاً وإعطاءً. إن البنوك الإسلامية تعلن جهاراً نهاراً أنها لا تتعامل بالربا بجميع أشكاله وتنص أنظمتها ولوائحها الداخلية على ذلك ويأتي هؤلاء ويقولون إنه لا فرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية!!؟

إن خاصية البنوك الإسلامية في عدم التعامل بالربا هي الخاصية الأساسية التي يتميز بها البنك الإسلامي عن البنك الربوي لأن الربا كما هو معلوم محرم بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. يقول الدكتور غريب الجمال: [تشكل خاصية استبعاد الفوائد من معاملات المصارف الإسلامية المعلم الرئيسي لها وتجعل وجودها متسقاً مع البنية السليمة للمجتمع الإسلامي وتصبغ أنشطتها بروح راسية ودوافع عقائدية تجعل القائمين عليها يستشعرون دائماً أن العمل الذي يمارسونه ليس مجرد عمل تجاري يهدف إلى تحقيق الربح فحسب بل إضافة إلى ذلك أسلوب من أساليب الجهاد في حمل عبء الرسالة والإعداد لاستنقاذ الأمة من مباشرة أعمال مجافية للأصول الشرعية وفوق كل ذلك وقبله يستشعر هؤلاء العاملون أن العمل عبادة وتقوى مثاب عليها من الله سبحانه وتعالى إضافة إلى الجزاء المادي الدنيوي] المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص192 - 193. كما أن البنوك الإسلامية توجه كل جهودها نحو استثمار المال بالحلال فمن المعلوم أن المصارف الإسلامية مصارف تنموية بالدرجة الأولى ولما كانت هذه المصارف تقوم على اتباع منهج الله المتمثل بأحكام الشريعة الغراء، لذا فإنها وفي جميع أعمالها تكون محكومة بما أحله الله وهذا يدفعها إلى استثمار وتمويل المشاريع التي تحقق الخير للبلاد والعباد والتقيد في ذلك بقاعدة الحلال والحرام التي يحددها الإسلام مما يترتب عليه ما يأتي:

أ. توجيه الاستثمار وتركيزه في دائرة إنتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للإنسان المسلم. ب. تحري أن يقع المنتج - سلعة كان أو خدمة - في دائرة الحلال. ج. تحري أن تكون كل مراحل العملية الإنتاجية (تمويل - تصنيع - بيع - شراء) ضمن دائرة الحلال. د. تحري أن تكون كل أسباب الإنتاج (أجور - نظام عمل) منسجمة مع دائرة الحلال. هـ. تحكيم مبدأ احتياجات المجتمع ومصلحة الجماعة قبل النظر إلى العائد الذي يعود على الفرد]. المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص 193. ويضاف إلى ذلك ما للبنوك الإسلامية من دور هام في إحياء نظام الزكاة من خلال صندوق الزكاة وتوزيع الزكاة على المستحقين لها. وكذلك دور البنوك الإسلامية الذي لا ينكره إلا مكابر أو جاهل في بعث الروح في فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية الذي طالما كان مهجوراً فتوجهت همم الباحثين والدارسين لنفض الغبار عنه وبدأت الدراسات الكثيرة عن مفردات هذا النظام فحفلت المكتبة الإسلامية بمئات المؤلفات التي درست المرابحة والمضاربة والشركات والصرف وغير ذلك. وينبغي أن يعلم أن كلامي هذا عن البنوك الإسلامية لا يعني أنها بلغت الدرجة العالية في التطبيق والتنفيذ وأنها لا تخطئ وأنها كلها تسير على المنهج الشرعي بشكل تام. لا، فإن البنوك الإسلامية حالها كحال الناس تماماً فكما أنك تجد في أفراد المسلمين من هو ملتزم تماماً بالحكم الشرعي وتجد فيهم من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فكذلك البنوك الإسلامية تجد بعضها لديه التزام عالٍ بالمنهج الشرعي وبعضها يخلط الخطأ بالصواب وإن وجود الأخطاء في التطبيق لدى البنوك الإسلامية لا يعني بحال من الأحوال أن الخطأ في الفكرة والقاعدة التي تسير عليها البنوك الإسلامية ولكن وجود الأخطاء من العاملين أمر عادي جداً فالذي لا يعمل هو الذي لا يخطئ أما الذي يعمل فلا بد أن يقع منه الخطأ.

وأخيراً يجب التنبيه إلى أن البنوك الإسلامية تسير في مسيرتها التي تشهد تقدماً ونجاحاً بمرور الأيام -والحمد لله- معتمدةً على أسس وقواعد وضعها عدد كبير من علماء المسلمين في هذا العصر من خلال دراسات وأبحاث ومجامع علمية وفقهية ومن خلال مؤتمرات علمية يشارك فيها خبراء في الاقتصاد بجانب علماء الشريعة كما أن لكل بنك إسلامي هيئة للرقابة الشرعية مؤلفة من أهل الخبرة والاختصاص الشرعيين والاقتصاديين لمراقبة أعمال البنك تتولى التوجيه والإرشاد والتدقيق وغير ذلك. وأختم كلامي بما قاله د. يوسف القرضاوي: [ ... كلمة أوجهها للناقدين للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أيا كانت دوافعهم وأعتقد أن بعضهم مخلص في نقده وكلمتي إليهم تتمثل في أمور ثلاثة: أ. أن يكونوا واقعيين ولا ينشدوا الكمال في البنوك الإسلامية وحدها في مجتمع يعج بالنواقص في كل ميدان وأن يصبروا على التجربة فهي لا زالت في بدايتها وأن يقدموا لها العون بدل أن يوجهوا إليها الطعن من أمام ومن خلف. وان يذكروا هذه الحكمة جيداً: إن من السهل أن نقول ونحسن القول ولكن من الصعب كل الصعب أن يتحول القول إلى عمل. ب. أن يقدموا حسن الظن بالناس بدل المسارعة بالاتهام للغير وسوء الظن بالآخرين وأن يتخلوا عن الإعجاب بالرأي فهو أحد المهلكات وعن الغرور بالنفس فهو أحد الموبقات وأن يذكروا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} سورة الحجرات الآية 12. وقول رسوله الكريم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) متفق عليه. ج. أن يذكروا أن المصارف الإسلامية -وإن كان لها بعض السلبيات وعليها بعض المآخذ- لها إيجابيات مذكورة وإنجازات مشكورة نذكر منها: 1. أنها يسرت للفرد المسلم سبيل التعامل الحلال وأراحت ضمائر المسلمين من التعامل مع البنوك الربوية.

2. زرعت الثقة والأمل في أنفس المسلمين بإمكان قيام بنوك بغير ربا وأن تطبيق الشريعة عندما تتجه الإرادة الجماعية إليه ميسور غير معسور. 3. شجعت قاعدة كبيرة من جماهير الشعوب المسلمة على الادخار والاستثمار على حين قلما تتعامل البنوك الربوية إلا مع الأغنياء. 4. هيأت فرصة مساعدة الفقراء ومساعدة المؤسسات الخيرية والجمعيات الإسلامية عن طريق صناديق الزكاة والبر والقرض الحسن. 5. ساهمت في تنمية الجانب التربوي الثقافي] بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية ص 86 - 87. - - -

الفرق بين الربح والربا

الفرق بين الربح والربا من القضايا المشكلة في أذهان كثير من الناس عدم التفريق بين الربح والفائدة (الربا). فيقول هؤلاء إنه لا فرق بين ما يتم التعامل به في البنوك الإسلامية وبين ما يتم التعامل به في البنوك الربوية فيقول أحدهم مثلاً: إنه ذهب لشراء سيارة إلى البنك الإسلامي فأخبروه أن ثمن السيارة مثلاً مئة ألف شيكل وأنهم سيربحون منه ثمانية آلاف شيكل وأنه ذهب إلى بنك ربوي ليحصل على قرض لشراء ذات السيارة فأخبروه أنهم سيقرضونه مئة ألف شيكل بفائدة قدرها 6. 5% فهو يرى أنه لا فرق بين المعاملتين بل إن الفائدة في البنك الربوي أقل من الربح في البنك الإسلامي ولذلك قرر أن يختار أقل التكلفتين. ولتوضيح الفرق بين الصورتين أقول: إن الربح في لغة العرب هو النماء في التجارة والعرب تقول: ربحت تجارته إذا ربح صاحبها فيها ويقولون تجارة رابحة كما ورد في تاج العروس 4/ 44. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في القرآن الكريم حيث قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} سورة البقرة الآية 16. وقد ذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية ما يلي: [ ... الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلاً هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به فأما المستبدل من سلعته بدلاً دونها ودون الثمن الذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته] تفسير الطبري 1/ 315 - 316. فالربح هو الزيادة على رأس المال نتيجة تقليبه في النشاط التجاري أو هو الزائد على رأس المال نتيجة تقليبه في الأنشطة الاستثمارية المشروعة كالتجارة والصناعة وغيرها. انظر الربح في الفقه الإسلامي ص44. والربح عند الفقهاء ينتج من تفاعل عنصري الإنتاج الرئيسيين وهما العمل ورأس المال فالعمل له دور كبير في تحصيل الربح. المصدر السابق ص44 - 45. قال د. سامي حمود: [والخلاصة أن الربح في النظر الفقهي الإسلامي هو نوع من نماء المال الناتج عن استخدام هذا المال في نشاط استثماري وأن هذا النشاط الاستثماري ملحوظ فيه عنصر تقليب راس المال من حال إلى حال كما هو الحال عند الاتجار بالمال حيث تصبح النقود عروضاً ثم تعود نقوداً أكثر بالربح أو أقل بالخسارة إذا حصلت خسارة بالفعل.

وإن هذا التقليب المعتبر للمال والذي يحصل الربح نتيجة له ما هو إلا إظهار للجهد البشري المرتبط بعمل الإنسان في المال. وذلك لأن هذا المال الجامد لا يزيد، ولولا مخالطة العمل للمال لبقي الدينار فيه ديناراً عاماً بعد عام ولكن هذا الدينار يمكن أن يصبح دنانير إذا أمسكته يد الإنسان الخبير بالبيع والشراء وسائر وجوه التقليب المعتبرة فالمال الجامد لا ينمو إلا بالعمل فيه حيث إن النقود لا تلد النقود. ولذا فإن الإسلام في نظرته لرأس المال -كما تجلت قواعده الفقهية- لم يقرر للنقود حقاً في الحصول على أي ربح إلا إذا كان ذلك على وجه المشاركة للعمل في السراء والضراء، وفي هذا دليل ملموس على مدى اعتبار هذا العنصر المعنوي المتمثل في جهد الإنسان الذي كرمه الله تكريماً لم يقدره هذا المخلوق الجزوع والذي لا يتوانى عن الخضوع ذليلاً لكل ما يشرعه أهل الأرض بينما لا يخجل من نفسه أن يتطاول -وإذا نظر للمسائل دون إيمان- على ما شرع الله لعباده بالعدل والإحسان] تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية ص 254. وأما الفائدة فهي زيادة مستحقة للدائن على مبلغ الدَّيْن يدفعها المدين مقابل احتباس الدَّيْن إلى تمام الوفاء. الفائدة والربا ص 16. إذا تأملنا تعريف الفائدة فنجد أنها زيادة في مبادلة مال بمال لأجل أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. فمثلاً إذا اقترض شخص ألف دينار من البنك الربوي على أن يردها ألفاً ومئة دينار فالمئة دينار هي الفائدة وهذه استحقت مقابل تأجيل السداد لمدة سنة، ولتوضيح الفرق بين الربح والفائدة (الربا) لا بد أن نلاحظ أن الربح ناتج عن اجتماع العمل مع رأس المال فالتاجر يشتري ويبيع فيتولد من عمله ورأس ماله ربح وأما الفائدة فهي متولدة من رأس المال فقط بلا عمل أي أن المال هو الذي يولد المال. وقد يقول قائل إن كلاً من الربح والفائدة يحملان معنى الزيادة في المال وهذا الكلام صحيح ولكن الزيادة في الربح مرتبطة بالتصرف الذي يتحول به المال من حال إلى حال، وأما الزيادة في الفائدة فهي حاصلة بشكل يزداد فيه المال نفسه أي أن الألف دينار صارت ألفاً ومئة. وينبغي التنبيه إلى ما يقال من أن نتيجة الأعمال التي تقوم بها البنوك الإسلامية هي نفس نتيجة الأعمال التي تقوم بها البنوك الربوية فلوا افترضنا أن شخصاً اشترى سلعة من بنك إسلامي وكان

ثمنها أحد عشر ألف دينار، وشخص آخر اقترض عشرة آلاف دينار بفائدة قدرها 10% لشراء ذات السلعة فإن النتيجة في الحالتين واحدة وأقول إن العبرة ليست بالنتيجة وإنما بالطريق الموصل إلى تلك النتيجة. فلو افترضنا أن شخصين كل منهما عنده ألف دينار فقام الأول بشراء كمية من الأرز بالألف التي يملكها ثم باع الأرز بألف ومئة دينار فإن هذا الشخص يكون قد زاد رأس ماله مئة دينار وتسمى هذه الزيادة ربحاً. وإذا قام الشخص الثاني بإقراض الألف التي يملكها لآخر على أن يردها ألفاً ومئة فإنه يكون قد زاد رأس ماله مئة دينار وهذه الزيادة تمسى ربا وفائدة. فنلاحظ أن كلاً منهما زاد رأس ماله مئة دينار فالنتيجة في الحالتين واحدة ولكن الزيادة الأولى حلال والزيادة الثانية حرام. فليست العبرة بالنتيجة وإنما العبرة بالطريق الموصل إليها. - - -

بيع المرابحة للآمر بالشراء

بيع المرابحة للآمر بالشراء عقد المرابحة هو في الأصل بيع المرابحة المعروف عند الفقهاء المتقدمين وإن اختلفت بعض صوره الحديثة التي تتعامل وفقها المؤسسات والبنوك الإسلامية كبيع المرابحة للآمر بالشراء فبيع المرابحة عند الفقهاء هو بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح. وصورة بيع المرابحة المستعملة الآن في البنوك والمؤسسات الإسلامية هي أن يتفق العميل والبنك على أن يقوم العميل بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها وهذه الصورة هي المسماة ببيع المرابحة للآمر بالشراء ومثال ذلك أن يطلب صاحب مصنع من البنك أو المؤسسة التي تتعامل وفق الشريعة الإسلامية أن يشتري له جهازاً من الأجهزة اللازمة له ويكون طلب الشراء مصحوباً باستعداد لشراء ذلك الجهاز من البنك أو المؤسسة إذا كانت مواصفاته كما طلب ويدفع المشتري ربحاً يتم الاتفاق عليه مقابل قيام البنك أو المؤسسة بشراء ذلك الجهاز وتأجيل الثمن وجعله على أقساط فيشتري البنك أو المؤسسة الجهاز ويحوزه في ملكه ثم يبيعه للآمر بالشراء حسب الشروط التي تم الاتفاق عليها، وإذا لحق بالجهاز ضرر يكون الضرر على البنك إلى أن يقوم بتسليمه للآمر بالشراء ويكون الآمر بالشراء ملزماً بشراء السلعة إذا كانت مواصفاتها كما طلب. فهذه الصورة من بيع المرابحة للآمر بالشراء هي أكثر صورة منتشرة الآن وهذه الصورة جائزة شرعاً عند كثير من فقهاء العصر وصدرت بجوازها فتاوى كثيرة. ومن الأدلة على جوازها، قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فالآية الكريمة تدل على حل جميع أنواع البيع إلا إذا ورد دليل بتحريم نوع معين والمرابحة من ضمن البيوع المباحة. وكذلك فإن المعاملات مبنية على مراعاة العلل والمصالح كما قرر ذلك فقهاء الإسلام يقول د. يوسف القرضاوي: [إن الشرع لم يمنع من البيوع والمعاملات إلا ما اشتمل على ظلم وهو أساس تحريم الربا والاحتكار والغش ونحوها أو ما خشي منه أن يؤدي إلى نزاع وعداوة بين الناس وهو أساس تحريم الميسر والغرر ... ] بيع المرابحة د. القرضاوي ص 18. وكذلك فإن بيع المرابحة جائز قياساً على جواز عقد الاستصناع، وأما قول من قال إن هذه الصورة ما هي إلا نوع من الربا فكلام باطل ومردود وقد أجاب عن ذلك د. يوسف القرضاوي فقال: [قالوا: إن القصد من العملية كلها هو الربا والحصول على النقود التي كان يحصل عليها العميل من البنك الربوي فالنتيجة واحدة وإن تغيرت الصورة والعنوان، فإنها ليست من البيع والشراء في شيء فإن

المشتري الحقيقي ما لجأ إلى المصرف إلا من أجل المال والمصرف لم يشتر هذه السلعة إلا بقصد أن يبيعها بأجل إلى المشتري وليس له قصد في شرائها. ونقول إن هذا الكلام ليس صحيحاً في تصوير الواقع فالمصرف يشتري حقيقة ولكنه يشتري ليبيع لغيره كما يفعل أي تاجر وليس من ضرورة الشراء الحلال أن يشتري المرء للانتفاع أو القنية أو الاستهلاك الشخصي، والعميل الذي طلب من المصرف الإسلامي أن يشتري له السلعة يريد شراءها حقيقة لا صورة ولا حيلة كالطبيب الذي ذكرنا أنه يريد شراء أجهزة ولجوء مثله إلى المصرف الإسلامي ليشتري له السلعة المقصودة له أمر منطقي لأن مهمة المصرف أن يقدم الخدمة والمساعدة للمتعاملين معه. من ذلك أن يشتري لهم السلعة بما يملك من ماله ويبيعها لهم بربح مقبول. نقداً أو لأجل وأخذ الربح المعتاد على السلعة لا يجعلها حراماً وبيعها إلى المشتري بأجل لا يجعلها حراماً أيضاً. المهم أن هنا قصداً إلى بيع وشراء حقيقيين لا صوريين وليس المقصود الاحتيال لأخذ نقود بالربا والقول بأن هذه العملية هي نفس ما يجري في البنوك الربوية وإنما تغيرت الصورة فقط قول غير صحيح. فالواقع أن الصورة والحقيقة تغيرتا كلتاهما فقد تحولت من استقراض بالربا إلى بيع وشراء وما أبعد الفرق بين الاثنين وقد حاول اليهود قديماً أن يستغلوا المشابهة بين البيع والربا ليصلوا منها إلى إباحة الربا فرد الله تعالى عليهم رداً حاسماً بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. على أن تغيير الصورة أحياناً يكون مهماً جداً وإن كانت نتيجة الأمرين واحدة في الظاهر فلو قال رجل لآخر أمام ملأ من الناس: خذ هذا المبلغ واسمح لي أن آخذ ابنتك لأزني بها فقبل وقبلت البنت لكان كل منهم مرتكباً منكراً من أشنع المنكرات ولو أنه قال له: زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهراً لها ... فقبل وقبلت لكان كل من الثلاثة محسناً والنتيجة في الظاهر واحدة ولكن يترتب على مجرد كلمة (زواج) من الحقوق والمسؤوليات شيء كثير. وكذلك كلمة (البيع) إذا دخلت بين المتعاملين فإنه يترتب عليها بأن يكون هلاك المبيع إذا هلك على ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. وأن يتحمل تبعة الرد بالعيب إذا ظهر فيه عيب وكذلك إذا كان غائباً واشتراه على الصفة فجاء على غير المواصفات المطلوبة.

كما أنه إذا تأخر في توفية الثمن في الأجل المحدد لعذر مقبول لم تفرض عليه أية زيادة كما يفعل البنك الربوي بل يمهل حتى يوسر كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} سورة البقرة الآية 280. وإن تأخر لغير عذر فهو حينئذ ظالم يستحق العقوبة كما في حديث: (مطل الغني ظلم) وحديث: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) فمن حق المصرف الإسلامي أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الفعلي قلّ أو كثر عملاً بالقاعدة الشرعية التي عبر عنها حديث: (لا ضرر ولا ضرار) وأخذ منها الفقهاء أن الضرر يزال. وهذا يخالف ما تفعله البنوك الربوية لأنها تأخذ المبلغ المقترض والفائدة الربوية المقررة على كل حال من المعسر والموسر سواء حدث ضرر أم لم يحدث سواء كان الضرر قليلاً أم كثيراً بل تأخذه سواء سلمت السلعة المقترض لها المال أم لم يتسلمها أو هلكت فالبنك الربوي لا علاقة له بالسلعة بحال، انظر بيع المرابحة ص 27 - 31. - - -

يحرم وضع المال في البنوك الربوية

يحرم وضع المال في البنوك الربوية إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن المسلم إذا دقق النظر في النصوص الشرعية الواردة في تحريم الربا وقف على خطورة هذه الكبيرة والنتائج المترتبة عليها. يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} سورة البقرة الآيتان 275 - 276. ويقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان (278 - 279). وإن المتمعن في حال الأمة الإسلامية اليوم ليرى أن سوء حالها من ذلة وهوان على الناس ما هو إلا إحدى نتائج البعد عن منهج الله جل وعلا ومن ذلك التعامل بالربا فالأمة المسلمة في معظم البلدان تتعامل بالربا ويراه كثير من الناس مباحاً وبعضهم غير اسم الربا إلى فائدة متحايلاً على شرع الله فحاربهم الله تعالى وسلط عليهم الأمم من كل جانب. وينبغي أن يعلم أن آيات تحريم الربا وردت عامة فلا تفرق في تحريمه بين التعامل به مع المسلمين أو غيرهم وهذا العموم من خواص المحرمات في الشريعة الإسلامية فالشيء المحرم يكون محرماً على كل مسلم سواء كان في ديار الإسلام أو في ديار غيرهم. فالخمر حرام على المسلم في ديار الإسلام وحرام عليه أيضاً إذا خرج منها. قال الإمام الشافعي رحمه الله: [ومما يرافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في دار الكفر والحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر] الأم 4/ 160. ولذلك كله فلا يجوز التعامل بالربا مع أي بنك وفي أي بلد مهما كان. وهذا مذهب جمهور أهل العلم وبه قال الأئمة مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من العلماء.

وقد نسب إلى بعض الفقهاء قولهم بجواز التعامل بالربا في غير دار الإسلام وهذا المذهب ضعيف لا تقوم الحجة به وليس عندهم دليل معتبر والصحيح في هذه المسألة حرمة التعامل بالربا مطلقاً ويدل على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. فيؤخذ من هذا الحديث أن كل من يأكل الربا ملعون. أي مطرود من رحمة الله من غير فرق بين أن يتعامل به مع المسلمين أو مع غيرهم. - - -

الحساب الجاري في البنوك الربوية

الحساب الجاري في البنوك الربوية الأصل حرمة التعامل مع البنوك الربوية لأن أكثر أعمالها تتعلق بالإقراض والاقتراض بالفوائد الربوية المحرمة قطعاً ولكن نظراً للظروف التي نعيشها من حيث عدم الأمن على المال ومن حيث قلة البنوك الإسلامية ومن حيث توقف أعمال التجارة والصناعة على التعامل مع البنوك الربوية فيجوز فتح حسابات جارية في البنوك الربوية بشرط عدم ربطها بالفائدة الربوية. - - -

التقسيط الميسر مع البنوك الربوية

التقسيط الميسر مع البنوك الربوية إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالو: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 663. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وغير ذلك من الأحاديث. وعلى الرغم من وضوح تحريم الربا في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن بعض الناس يحاول أن يتحايل على الربا بالتلاعب بالأسماء فمن ذلك ما يفعله بعض التجار بالتعاون مع البنوك الربوية مما يسمونه التقسيط الميسر وصورته الشائعة أن التاجر يتفق مع البنك الربوي على تمويل مشتريات الزبائن فإذا تقدم زبون لتاجر أجهزة كهربائية مثلاً وأراد أن يشتري ثلاجة فيقول التاجر أبيعك الثلاجة بخمسة آلاف شيكل مقسطة على سنة ولكن التسديد يكون عن طريق

البنك الربوي فيرسل الزبون مع المعاملة إلى البنك الربوي الذي يطلب من الزبون ضمانات كتحويل راتبه على البنك إن كان موظفاً أو إحضار كفيلين ونحو ذلك من الضمانات فإن تمَّ ذلك وفق ما يطلبه البنك الربوي بعدها يقوم البنك بدفع المبلغ نقداً إلى التاجر مخصوماً منه الفوائد الربوية حسب الاتفاق بين التاجر والبنك الربوي وتتراوح نسبة الفائدة بين 5% - 10% ثم يقوم الزبون بتسديد المبلغ كاملاً للبنك على مدى سنة وهي مدة التقسيط المتفق عليها. ولدى التدقيق في هذه المعاملة نجدها معاملة ربوية حيث إن البنك مقرض وليس بائعاً فهو أقرض التاجر أربعة آلاف وخمسمئة شيكل نقداً واستوفاها من الزبون خمسة آلاف شيكل وهذا هو الربا بعينه. وإنني لأستغرب مما يفتي به بعض المنتسبين للعلم الشرعي من إباحة هذه العملية الربوية بحجة أن المشتري فيما يسمى بالتقسيط الميسر اشترى السلعة من التاجر ودفع الثمن المتفق عليه بدون زيادة وإن كان هنالك عقد ربوي بين التاجر والبنك الربوي وأن لا علاقة للمشتري بذلك العقد وإن دفع عن طريق البنك الربوي ونحو ذلك من الترهات فكل ما سبق هو من الربا الحرام وهنا يجب التذكير بالقواعد الآتية: 1. يحرم التعاون على الإثم والعدوان بنص كتاب الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية 2. 2. يحرم على المسلم أن يكون طرفاً في أي عملية ربوية وقد ثبت في الحديث الصحيح (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. 3. إذا استقر الدَّين في الذمة فلا تجوز الزيادة عليه لأن ذلك عين الربا. 4. كل زيادة مشروطة على القرض ربا بغض النظر عن اسمها فتغيير الأسماء لا يغير من حقائق المسميات شيئاً فقد صار شائعاً عند كثير من المتعاملين بالربا التلاعب بالألفاظ والعبارات محاولةً منهم لتغيير الحقائق والمسميات بتغيير أسمائها فقط فالربا يسمى فائدة ويسمى رسم خدمات ويسمى التقسيط الميسر وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا التلاعب من تغيير الناس لأسماء المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير

اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في غاية المرام ص 24 وفي السلسلة الصحيحة 1/ 136. وجاء في رواية أخرى: (إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه الحاكم والبيهقي وله شواهد تقويه، وقد صدق الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - فإن الخمور تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية. وروي في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 352. وضعفه العلامة الألباني في غاية المرام ص 25 ثم قال: [ ... معنى الحديث واقع كما هو مشاهد اليوم]. ويجب أن يُعلم أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا. - - -

حساب التوفير ربا

حساب التوفير ربا لا شك أن للبنوك الربوية أساليب كثيرة مغرية لجلب الزبائن للتعامل معها ولإيداع أموالهم حتى توسع أعمالها وتزيد من دخلها وتزين للناس طرق كسب كثيرة ولكنها لا تخرج في حقيقة الأمر عن دائرة الربا المحرم ومن ذلك دعوة الناس إلى فتح حسابات التوفير لدى هذه البنوك بطرق دعائية براقة تستهوي كثيراً من الناس ومن ذلك ما جاء في دعاية أحد البنوك من أن حسابات التوفير هي ضمان وأمان للمستقبل ونحو ذلك من الكلام الزائف. ومن المعلوم أن البنوك تدفع ما تسميه فوائد مجزية على حسابات التوفير وهي في الحقيقة من الربا المحرم. ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يقبلون على فتح حسابات التوفير هذه ويزعمون أنهم يؤمنون مستقبل أولادهم ويدخرون لهم وهذه المدخرات تنمو بالربا الحرام والمال الحرام لا يبارك الله فيه بل يسحقه ويمحقه. يقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}. وعلى المسلم أن يوقن بأن الأرزاق بيد الله وأن تأمين المستقبل كما يقولون لا يكون عن طريق الحرام وإنما يكون بالادخار من المال الحلال فهذا الذي يدخر لأولاده من المال الحرام وبطرق حرام إنما يربي أولاده على الحرام وينفق عليهم من الحرام ويدخر لهم نار جهنم والعياذ بالله. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيه بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعلى كل مسلم أن يسعى لتأمين مستقبل أولاده بالكسب المشروع الحلال ولا يكون ذلك أبدأً عن طريق الربا المحرم بنص كتاب الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

الاقتراض بالربا (الفائدة) للضرورة!!

الاقتراض بالربا (الفائدة) للضرورة!! يزعم بعض الناس أنه يقترض بالربا (الفوائد) لأنه مضطر لذلك وللرد على هذا الزعم لا بد أولاً من معرفة الضرورة عند العلماء وما هي المحظورات التي تباح بالضرورة لنرى هل الاقتراض بالربا (الفوائد) يدخل ضمن ذلك أم لا؟ فأقول إن الشريعة الإسلامية جاءت باليسر والسماحة ودفع المشقة ورفع الحرج عن الناس. يقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة البقرة الآية 173. ويقول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة المائدة الآية 3. ويقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة الأنعام الآية 145. ويقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} سورة الأنعام الآية 119. فهذه الآيات الكريمات بينت أن حالات الضرورة مستثناة من التحريم وبناءً على ذلك قال الفقهاء: [الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح

عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع] نظرية الضرورة الشرعية ص 67 - 68. وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات ليست على عمومها ولم يقل أحد من أهل العلم أن كل محظور يباح عند الضرورة. فالضرورة لا تدخل في كل الأمور المحرمة بمعنى أن هنالك محرمات لا تباح بالضرورة كالقتل فلا يباح قتل المسلم بحجة الضرورة فلا يجوز لمسلم أن يقتل مسلماً ولو كان مضطراً أو مكرهاً لأن قتل النفس لا يباح إلا بالحق يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} سورة الإسراء الآية 33. فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم أن يقدم على قتل غيره بحجة الضرورة. وكذلك فإن الزنا لا يباح بحجة الضرورة فلا يحل لمسلم أن يزني بحجة الضرورة ولو كان مكرهاً. ولكن يجوز أكل الميتة وأكل لحم الخنزير في حال الاضطرار وكذا إساغة اللقمة بالخمر عند الغصة أو عند العطش الشديد أو عند الإكراه الملجىء فهذه الأمور ونحوها تباح عند الضرورة. وقد ذكر الفقهاء قديماً وحديثاً قواعد وضوابط للضرورة منها: أن يحصل فعلاً خوف الهلاك أو التلف على النفس أو المال وذلك بغلبة الظن. أو يتحقق المرء من وجود خطر حقيقي على إحدى الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال ومنها ألا يتمكن الشخص من دفع الضرورة بوسيلة أخرى من المباحات. ومنها أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يصح التوسع في باب الضرورات فيقتصر المضطر على الحد الأدنى لدفع الضرر. نظرية الضرورة الشرعية ص 69 - 70. إذا تقرر هذا فأقول: إنه لا يجوز شرعاً الاقتراض بالربا لشراء سيارة مثلاً بحجة الضرورة لأن اقتناء السيارة ليس من باب الضرورة التي تبيح الحرام (الربا).

لا شك أن السيارة حاجة مهمة في الحياة ولكن لا يصل الحال إلى اعتبارها من الأمور الضرورية التي يتوقف عليها حفظ إحدى الضروريات الخمس فكم من الناس لا يملكون سيارة وحياتهم تسير بشكل طبيعي. فلا يجوز شرعاً أن نبيح الربا باسم الضرورة وخاصة إذا كانت هذه الضرورة متوهمة وليست حقيقية كما هو الحال في شراء سيارة جديدة بقرض ربوي باسم الضرورة. قال الشيخ المودودي: [لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا. فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية. وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضروري. فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. فإذا كانت الشريعة تسمح بإعطاء الربا في حالة من الاضطرار فإنما هي حالة قد يحل فيها الحرام كأن تعرض للإنسان نازلة لا بد له فيها من الاستقراض بالربا أو حلت به مصيبة في عرضه أو نفسه أو يكون يخاف خوفاً حقيقياً حدوث مشقة أو ضرر لا قبل له باحتمالها ففي مثل هذه الحالات يجوز للمسلم أن يستقرض بالربا ما دام لا يجد سبيلاً غيره للحصول على المال غير أنه يأثم بذلك جميع أولي الفضل والسعة من المسلمين الذين ما أخذوا بيد أخيهم في مثل هذه العاهة النازلة به حتى اضطروه لاستقراض المال بالربا. بل أقول فوق ذلك أن الأمة بأجمعها لا بد أن تذوق وبال هذا الإثم لأنها هي التي غفلت وتقاعست عن تنظيم أموال الزكاة والصدقات والأوقاف مما نتج عنه أن أصبح أفرادها لا يستندون إلى أحد ولم يبق لهم من بدّ من استجداء المرابين عند حاجاتهم. لا يجوز الاستقراض حتى عند الاضطرار إلا على قدر الحاجة ومن الواجب التخلص منه ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً لأنه من الحرام له قطعاً أن يعطي قرشاً واحداً من الربا بعد ارتفاع حاجته وانتفاء اضطراره.

أما: هل الحاجة شديدة؟ .. أم لا .. ؟ وإذا كانت فإلى أي حدّ؟ .. ومتى قد زالت؟ فكل هذا مما له علاقة بعقل الإنسان المبتلى بمثل هذه الحالة وشعوره بمقتضى الدين والمسؤولية الأخروية. فهو على قدر ما يكون متديناً يتقي الله ويرجو حساب الآخرة يكون معتصماً بعروة الحيطة والورع في هذا الباب] الربا ص 157 - 158. وأخيراً يجب أن يعلم أن كثيراً من الناس يدخلون إلى الربا الحرام من باب الضرورة كما يزعمون وهذه دعوى باطلة كما بينت فالربا محرم بالنص القطعي من كتاب الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 275 - 279. وقد صح في الحديث أن - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. - - -

بيع العينة وبيع التورق

بيع العينة وبيع التورق ورد في الحديث عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود والبيهقي وأحمد قال الحافظ ابن حجر: [رجاله ثقات وصححه ابن القطان] بلوغ المرام ص 172. وصححه الشيخ العلامة الألباني في غاية المرام ص 121 وفي السلسلة الصحيحة 1/ 15. وبيع العينة هو أن يبيع شخص شيئاً لغيره بثمن مؤجل ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر وهذه أشهر صور بيع العينة فمثلاً اشترى زيد سيارة من عمرو بمبلغ اثني عشر ألف دينار مؤجلة ثم باع زيد السيارة إلى عمرو بمبلغ عشرة آلاف دينار حالة فهنا دخلت السيارة في عملية البيع وليست مقصودة بالبيع لأن السيارة عادت إلى صاحبها فوراً وإنما المقصود النقود (العين) وهذه العملية تعتبر رباً حيث إن زيداً قد اقترض عشرة آلاف وسيقوم بتسديد اثني عشر ألفاً. فالعينة قرض ربوي مستتر تحت صورة البيع وبناء على كونها رباً قال جمهور أهل العلم بتحريم بيع العينة. انظر نيل الأوطار 5/ 234، شرح ابن القيم على مختصر سنن أبي داود 9/ 241 فما بعدها، الموسوعة الفقهية 9/ 69. وقد ساق العلامة ابن القيم أدلة كثيرة على تحريم العينة منها عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة؟ فقال: إن الله لا يُخدع، هذا مما حرم الله ورسوله) وقال ابن القيم: وهذا في حكم المرفوع اتفاقاً عند أهل العلم. وعن امرأة أبي إسحق قالت: [(دخلت على عائشة في نسوة فقالت: ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء وإنه أراد أن يبيعها فابتعتها بستمائة درهم نقداً. فأقبلت عليها وهي غضبى فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب. وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلاً ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فتلت عليها {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} فلولا أن عند أم المؤمنين علماً لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا بالاجتهاد

ولا سيما إن كانت قد قصدت أن العمل يحبط بالردة وأن استحلال الربا كفر وهذا منه ولكن زيداً معذور لأنه لم يعلم أن هذا محرم ولهذا قالت أبلغيه. ويحتمل أن تكون قد قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئاً. وعلى التقديرين لجزم أم المؤمنين بهذا دليل على أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد ولو كانت هذه من مسائل الاجتهاد والنزاع بين الصحابة لم تطلق عائشة ذلك على زيد فإن الحسنات لا تبطل بمسائل الاجتهاد] شرح ابن القيم على مختصر أبي داود 9/ 246. ثم ذكر ابن القيم أدلة أخرى على تحريم بيع العينة. وأما التورق فهو أن يشتري شخص سلعة إلى أجل ثم يبيعها لغير البائع بأقل مما اشتراها نقداً ليحصل بذلك على النقد فمثلاً اشترى زيد ثلاجة بستة آلاف مؤجلة واستلم الثلاجة من البائع وباعها إلى شخص آخر بخمسة آلاف نقداً فهذا هو التورق. انظر الموسوعة الفقهية 14/ 147، الجامع في أصول الربا ص174. وهذه المعاملة جائزة عند جمهور أهل العلم وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بكراهة هذه المعاملة ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: [التورق أخية الربا] مجموع الفتاوى 29/ 303. وقال العلامة مصطفى الزرقا: [إن هذه المسألة التي سألتم عنها تسمى عند الفقهاء (مسألة التورق) لأن مشتري البضاعة لا يريد البضاعة لذاتها وإنما يريد الرقة أو الورق وهي الفضة أي: مقصوده الدراهم (وحكمها الشرعي في رأي العلماء أنها إذا كانت نتيجة تواطؤ) تفاهم مسبق (بين المشتري والتاجر البائع على أن يعيد بيعها للبائع بسعر أقل نقداً) وقد كان اشتراها منه بسعر أعلى مؤجلاً فذلك غير جائز شرعاً، لأنه كالمراباة الصريحة -وهذه هي العينة- أما إذا كان المحتاج إلى النقود (ولا يجد من يقرضه قرضاً حسناً) قد ذهب من تلقاء نفسه إلى السوق، فاشترى بضاعة بثمن مؤجل، ثم باعها بدون سابق تواطؤ نقداً بسعر أقل، لكي يحصل على الدراهم التي هي حاجته دون أن يلجأ إلى الاقتراض بالربا، فلا مانع منه شرعاً، بل يعتبر حسن تصرف منه كيلا يقع في المراباة والله سبحانه أعلم] فتاوى العلامة مصطفى الزرقا ص 496.

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين بعد أن ذكر خلاف العلماء في المسألة: [لكن أرى أنها حلال بشروط هي: الشرط الأول: أن يتعذر القرض أو السلم أي أن يتعذر الحصول على المال بطريق مباح والقرض في وقتنا الحاضر الغالب أنه متعذر ... الشرط الثاني: أن يكون محتاجاً لذلك حاجة بينة. الشرط الثالث: أن تكون السلعة عند البائع فإن لم تكن عند البائع فقد باع ما لم يدخل في ضمانه وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن بيع السلع في مكان شرائها حتى ينقلها التاجر إلى رحله) –متفق عليه- فهذا من باب أولى لأنها ليست عنده فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة فأرجو أن لا يكون بها بأس لأن الإنسان قد يضطر أحياناً لهذه المعاملات] الشرح الممتع على على زاد المستقنع 8/ 232 - 233. وخلاصة الأمر أن التورق جائز عند توفر الشروط السابقة. - - -

كل قرض جر نفعا فهو ربا

كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا روي في الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا). وهذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروي بلفظ آخر وهو (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قرض جر منفعة) فقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر كما سبق وضعفه أيضاً العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ومع ضعف الحديث إلا أن معناه صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. وأما إذا لم يشترط ذلك فرد المقترض للمقرض القرض وهدية مثلاً بدون شرط سابق فهذا جائز ولا بأس به، بل هو من باب مكافأة الإحسان بالإحسان وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عنده دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. ومن هذا يتبين لنا أن المنفعة التي يجرها القرض تكون محرمة إذا كانت مشروطة وينطبق عليها كل قرض جر منفعة فهو ربا. ويلحق بالمنفعة المشروطة الهدية أو المنفعة التي يقدمها المقترض للمقرض قبل السداد. ولم تجر العادة في التهادي بينهما ففيها شبهٌ بالربا وقد ورد في آثار عن الصحابة المنع من ذلك. فقد روى البخاري عن أبي بردة قال: (أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: ألا تجيء إلى البيت حتى أطعمك سويقاً وتمراً فذهبنا فأطعمنا سويقاً وتمراً، ثم قال: إنك بأرض الربا فيها فاشٍ -أي منتشر- فإذا كان لك على رجل دين فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تقبله فإن ذلك من الربا) والقت علف الدواب.

وعن سالم بن أبي الجعد قال: (كان لنا سماك عليه لرجل خمسون درهماً فكان يهدي إليه السمك فأتى ابن عباس فسأله عن ذلك؟ فقال: قاصِّه بما أهدى إليك) رواه البيهقي وقال العلامة الألباني إسناده صحيح، وقوله (قاصِّه) أي احسب ما أهدى إليك واحسمه من الدَّين. وله رواية أخرى: (أن ابن عباس قال في رجل كان له على رجل عشرون درهماً فجعل يهدي إليه وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهما فقال ابن عباس: لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم) سنن البيهقي 5/ 349 - 350. وقال العلامة الألباني: إسناده صحيح، إرواء الغليل 5/ 234. - - -

تحريم الكفالة في قرض ربوي

تحريم الكفالة في قرض ربوي إن الإسلام إذا حرم شيئاً سدَّ كل الطرق الموصلة إليه والميسرة له، فالربا من أشد المحرمات وبالتالي حرم الإسلام كل ما يؤدي له أو يساعد فيه ومن هذا الباب يحرم على الشخص أن يكفل من اقترض قرضاً ربوياً ويحرم عليه أيضاً أن يشهد على ذلك ويحرم عليه أن يكتب معاملة ربوية، وقد ثبت في الحديث: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه، وقال هم سواء) رواه مسلم. وآكل الربا هو من يأخذ المال بالربا ومؤكل الربا هو دافعه ومطعمه غيره وهذا الحديث يدل دلالة صريحة على تحريم الربا وما لحق به من حيث الشاهد والكاتب والكفيل أشد من ذلك. - - -

حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحيانا

حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحياناً لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً كما هو حال كثير من الشركات المساهمة التي ينص في أنظمتها على أن من موارد الشركة الإقراض والاقتراض بالربا. والنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - صريحة في تحريم الربا تحريماً قاطعاً لا شك فيه. ومن المسلَّم به عند أهل العلم أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم. وإن في طرق الاستثمار الشرعية غنىً عن الاستثمار بالطرق المحرمة كالمساهمة في شركات تتعامل بالحرام أو تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً وهذا القول هو أصح قولي العلماء في هذه المسألة وأقربها للتقوى إن شاء الله. ولكن بعض أهل العلم المعاصرين لهم رأي آخر في المسألة ولا بأس من ذكره وهو أنه قد تكون الشركة المساهمة ذات أغراض مشروعة وموضع نشاطها حلالاً وتؤدي خدمات عامة للاقتصاد لكنها تتعامل مع البنوك الربوية بالفائدة فتضع أموالها في تلك البنوك وتتقاضى عليها فوائد ربوية تدخل في مواردها وأرباحها كما تقترض في بعض الحالات ما تحتاج إليه من تلك البنوك لقاء فائدة تدفعها وتدخل تلك القروض في إنتاج ما تنتجه والربح الذي تحققه، فالربا يدخل في بعض أعمالها أخذاً وإعطاءً فلا ينبغي أن نُحرِّم على الناس اقتناء أسهم هذه الشركات بصورة مطلقة ولا أن نبيحها لهم بصورة مطلقة بل نراعي ضرورة قيام هذه المؤسسات في المجتمعات ومنها المجتمعات الإسلامية وحاجة كثير من الناس إلى اقتناء أسهمها ولا سيما الذين لا يجدون طريقاً آخر لاستثمار مدخراتهم الصغيرة دون أن يجمدوها حتى تتآكل وفي الوقت نفسه يجب استبعاد العنصر الحرام من أرباح هذه الأسهم ... وذلك بأن يحسب مالك الأسهم بصورة دقيقة أو تقريبية جداً عند تعذر الحساب الدقيق ما دخل على عائدات كل سهم من العنصر الحرام في ربحه فيقرر مقداره من عائدات الأسهم ويوزعه على الفقراء دون أن ينتفع به أية منفعة ولا أن يحتسبه من زكاته ولا يعتبره صدقة من خالص ماله ولا أن يدفع به ضريبة حكومية ولو كانت من الضرائب الجائرة الظالمة لأن كل ذلك انتفاع بذلك العنصر الحرام من عائدات أسهمه. وإن حساب هذا العنصر ولا سيما بصورة تقريبية جداً قد أصبح ميسوراً بالوسائل والأجهزة الحديثة والاستعانة بأهل الخبرة. وهذا يدخل في عموم البلوى وبهذا نيسر على الناس ونجنبهم

الحرام دون أن نحرمهم من طريق استثماري لا يجدون بديلاً له بسب صغر مدخراتهم مع ملاحظة أن طريق المشاركات الصغيرة التجارية والمضاربة قد أصبح شديد الخطورة بسب ندرة الأمانة -مع الأسف- في هذا الزمان حيث أصبح الذي يضع ماله في يد غيره لاستثماره يدخل في مخاطرة كبيرة لفساد الذمم ويعرضه للتبخر ولا سيما أيضاً أن كثيراً من المدخرين الصغار أيتام وأرامل لا يستطيعون العمل بأنفسهم لأنفسهم. ولكل زمان حكمه وقد قرر الفقهاء في مناسبات كثيرة أموراً استثنائية عللوها بفساد الزمان. هذا وفي حالة توافر شركات مساهمة تسد الحاجة وتلتزم بعدم التعامل بالربا أخذاً وإعطاءً يجب على المسلمين عدم التعامل مع الشركات المساهمة التي تقترض بالربا عند الحاجة وتودع أموالها بفائدة. المعاملات المالية المعاصرة ص 170. ويعلق صاحب الكتاب السابق على الفتوى المذكورة بقوله: نستخلص من هذه الفتوى عدة أمور: 1. إن هذه الفتوى خاصة بالشركات الحيوية التي تؤدي خدمات عامة للناس ويقع الناس في حرج ومشقة نتيجة انهيارها ولا تعم جميع الشركات ويؤكد هذا الدكتور عبد الله الكيلاني في رسالته حيث يقول: [سألت الأستاذ الزرقاء حول موضوع الشركات المساهمة هل هي على إطلاقها أو لا؟ فأجاب: بأن الشركة التي لا تؤمِّن مرفقاً حيوياً ضرورياً أو حاجياً للمجتمع وكانت تتعامل بالربا في ادخار أموالها فأفتي بحرمة الاكتتاب بأسهمها لأنه لا يضر المجتمع انهيارها]. 2. إن هذه الفتوى تستند إلى عدة أمور وهي: أ. سد حاجة حيوية عامة للمسلمين لا تستطيع رؤوس الأموال الفردية ولا رؤوس أموال الدولة أن تقوم بها فتعين وجودها من خلال شركات المساهمة التي قد تتعامل بالربا في إيداع أموالها والاقتراض من المصارف. ب. تخريج المسألة على قاعدة (عموم البلوى ورفع الحرج عن الناس) ففي حالة فساد الزمان وخراب الذمم يمكن أن يفتى الناس بالأحكام الاستثنائية، فقد قرر الفقهاء عند فساد الزمان وشيوع الفسق وندرة العدالة قبول شهادة غير العدل فتقبل شهادة الأمثل فالأمثل لعموم البلوى كيلا يتعطل القضاء إذا طلبت العدالة الكاملة في الشاهد.

ج. سد حاجة فردية لصغار المساهمين الذين لا يجدون بديلاً استثمارياً بسب صغر مدخراتهم وعجزهم عن القيام بأنفسهم بالاستثمار بالإضافة إلى عدم الثقة بكثير ممن يقومون بالمشاركات الأخرى كالمضاربة لفساد ذممهم وقلة الأمانة لديهم. 3. الفتوى تمنع انتفاع صاحب الأسهم بالمال الحرام الذي دخل في عوائدها، وينبغي تقديره والتخلص منه بإعطائه للفقراء والمستحقين. انظر كتاب المعاملات المالية المعاصرة ص 171. وخلاصة الأمر أني لا أجيز لمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً ابتداءً. ومن له أسهم في مثل هذه الشركات فإن أراد التقوى والورع فعليه أن يبيع أسهمه تلك وأن يخلَّص رأس ماله من شوائب الربا. قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 279. وإن اختار أحدٌ الطريق الآخر وأخذ بالرأي الثاني - وله حظ من النظر والفقه - فذلك شأنه. - - -

حكم السندات

حكم السندات السندات نوع من الأوراق المالية التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية المعاصرة وتسمى أحياناً شهادات الاستثمار وهي عبارة عن قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. أو هو صك قابل للتداول يمثل قرضاً يعقد عادة بواسطة الاكتتاب العام وتصدره الشركات أو الحكومات ويعتبر حامل سند الشركة دائناً للشركة ويعطى حامل السند فائدة ثابتة سنوياً وله الحق في استيفاء قيمته عند حلول أجل معين. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 6، جزء 2، ص1283. ويلاحظ في تعريف السندات أن السند عبارة عن دين ثابت على الشركة ويستوفي حامل السند فائدة ثابتة سواء ربحت الشركة أو خسرت. وخلاصة الأمر أن السند عبارة عن قرض ربوي مهما اختلفت أسماؤه وتعددت أوصافه. وبناءً على أن السند قرض ربوي فيحرم التعامل بالسندات ما دامت تصدر بفائدة ثابتة معينة لذا لا يجوز إصدار السندات ولا تداولها والقول بتحريم السندات واعتبارها من الربا المحرم هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء المعاصرين. لأن السند قرض على الشركة أو الجهة التي أصدرته لأجل معين وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة وهذا هو ربا النسيئة بعينه الذي حرمته الشريعة الإسلامية بالنصوص الصريحة في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة البقرة الآية 275. وقد حاول بعض العلماء أن يخرج مسألة السندات على عقد المضاربة المعروف في الفقه الإسلامي ولكن هذا التخريج غير صحيح مطلقاً لأن السندات في حقيقتها قروض ربوية ولو سلمنا جدلاً بصحة تخريجها على المضاربة الشرعية فهي مضاربة فقدت شروط صحتها شرعاً كما قال د. يوسف القرضاوي: [والخلاصة أن شهادات الاستثمار من فئة (أ) و (ب) إما أنها من باب

القرض بفائدة وهو الأمر الواضح بحسب قانون إنشائها أو من باب المضاربة التي فقدت شروطها الشرعية ففقدت بذلك إذن الشرع فيها فهي محرمة على كلا الاحتمالين] فوائد البنوك هي الربا الحرام ص 102. والقول بتحريم السندات هو القول الفصل في المسألة وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي الذي يضم عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء المعاصرين فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: [وبعد الإطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً (خصماً) قرر ما يلي: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار. 4. من البدائل للسندات المحرمة -إصداراً أو شراءً أو تداولاً- السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها في القرار رقم 5 للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 6/ 2/1725 - 1726. وختاماً أقول إن تعامل الناس بالربا في هذا الزمان قد عمّ وطمّ وغلب التعامل بالربا على أكثر معاملات الناس المعاصرة بسبب ارتباط الحياة الحديثة بالبنوك الربوية وقد وقع مصداق حديث

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يبقى أحد منهم إلا أكل الربا ومن لم يأكله أصابه من غباره) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. ومع انتشار التعامل بالربا في زماننا إلا أن كثيراً من الناس يقدمون على التعامل به مختارين غير مكرهين ولا مضطرين وإلى هؤلاء وغيرهم أسوق بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: 1. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 276 - 277. 2. عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. 3. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. 4. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. 5. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 663. 6. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. - - -

التخلص من الفوائد الربوية

التخلص من الفوائد الربوية إن الربا من أكبر المحرمات وقد قامت الأدلة الصريحة من كتاب الله وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تحريمه كما سبق، والأصل أنه يحرم على المسلم أن يضع أمواله في البنوك الربوية ابتداء إلا عند الضرورة فإذا حصل ووضع أمواله في البنك الربوي وأعطاه البنك الربوي ما يسمونه بالفائدة وهو الربا حقيقة وفعلاً فإن أمامه عدة احتمالات ليتصرف بهذا المال كما قرر ذلك بعض الفقهاء المعاصرين: أولاً: أن ينفق هذا المال على نفسه وعياله وفي شؤونه الخاصة. ثانياً: أن يترك هذا المال للبنك. ثالثاً: أن يأخذ هذا المال ويتلفه ليتخلص منه. رابعاً: أن يأخذه ويصرفه في مصارف الخير المختلفة للفقراء والمساكين والمؤسسات الخيرية. هذه هي الاحتمالات الأربعة القائمة في هذه المسألة ونريد أن نناقشها واحداً تلو الآخر. أما الخيار الأول وهو أن يأخذ هذا المال الحرام -الفائدة- من البنك وينفقه على نفسه وعياله وشؤونه الخاصة فهذا أمر محرم شرعاً بنص كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأنه إن أخذه وأنفقه على نفسه وعياله يكون قد استحل الربا المحرم، يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ويقول أيضاً: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. وأما الخيار الثاني الذي مفاده أن تترك الفائدة للبنوك فإنه مهما اعتبره بعض الناس اقتضاء التقوى وموافقة حكم الشرع ومهما ترجح هذا الرأي لديهم لا يشك في تحريم ذلك من له أدنى معرفة بنظام البنوك الربوية وخاصة بنوك أوروبا وأميركا حيث تقوم هذه البنوك بتوزيع تلك الأموال على جمعيات معادية للإسلام والمسلمين. لذلك فإن إبقاء الفوائد للبنوك الربوية حرام ولا يجوز شرعاً، قال د. يوسف القرضاوي: [والخلاصة أن ترك الفوائد للبنوك وبخاصة الأجنبي حرام بيقين وقد صدر ذلك عن أكثر من مجمع وخصوصاً مؤتمر المصارف الإسلامية الثاني في الكويت] فتاوى معاصرة 2/ 410.

وذكر أحد علماء الهند المعاصرين أن تلك الفوائد التي كان المسلمون يتركونها للبنوك الربوية في الهند كانت تصرف على بناء الكنائس وعلى إرساليات التبشير وغير ذلك. راجع قضايا فقهية معاصرة ص 24. وأما الخيار الثالث وهو إتلاف تلك الأموال فلا يقول به عاقل لأن المال نعمة من الله سبحانه وتعالى وليس بنجس بنفسه وإنما يخبث المال إذا كسبه بطريق حرام فإتلافه إهدار لنعمة الله، قال الشيخ مصطفى الزرقا: [فالمال لا ذنب له حتى نحكم عليه بالإعدام فإتلافه إهدار لنعمة الله وهو عمل أخرق والشريعة الإسلامية حكمة كلها لأن شارعها حكيم]. فإذا بطلت الخيارات الثلاثة وبقي الخيار الرابع وهو أخذ المال من البنك وتوزيعه على الفقراء والمساكين وجهات الخير الأخرى وهذا شأن كل مال حرام يحوزه المسلم فيجب عليه أن يتصدق به، قال حجة الإسلام الغزالي موضحاً مسألة التصدق بالمال الحرام ما نصه: [فإن قيل: ما دليل جواز التصدق بما هو حرام وكيف يتصدق بما لا يملك؟ وقد ذهب جماعة إلى أن ذلك غير جائز لأنه حرام وحكى عن الفضيل أنه وقع في يده درهمان فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال: لا أتصدق إلا بالطيب ولا أرضي لغيري مالاً لا أرضاه لنفسي؟ فنقول: نعم ذلك له وجه واحتمال، وإنما اخترنا خلافه للخبر والأثر والقياس. أما الخبر: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتصدق بالشاة المصلية التي قدمت فكلمته بأنها حرام إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: (أطعموها الأسارى) - قال الحافظ العراقي في تخريج هذا الحديث رواه أحمد وإسناده جيد- ولما نزل قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} كذبه المشركون وقالوا للصحابة: ألا ترون ما يقول صاحبكم يزعم أن الروم ستغلب فخاطرهم أبو بكر - رضي الله عنه - بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر - رضي الله عنه - بما قامرهم به قال - صلى الله عليه وسلم -: (هذا سحت فتصدق به وفرح المؤمنون بنصر الله وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له في المخاطرة مع الكفار. قال الحافظ العراقي: حديث مخاطرة أبي بكر بإذنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وفيه فقال - صلى الله عليه وسلم -: (هذا سحت فتصدق به) أخرجه البيهقي في

دلائل النبوة من حديث ابن عباس وليس فيه إن ذلك كان بإذنه - صلى الله عليه وسلم - والحديث عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه دون قوله أيضاً: (هذا سحت فتصدق به). وأما الأثر فإن ابن مسعود - رضي الله عنه - اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن فطلبه كثيراً فلم يجده فتصدق بالثمن وقال: اللهم هذا عنه إن رضي وإلا فالأجر لي. وسئل الحسن - رضي الله عنه - عن توبة الغال -من يأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم- وما يؤخذ منه بعد تفرق الجيش فقال: يتصدق به. وروي أن رجلاً سوّلت له نفسه فغلّ مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه فأبى أن يقبضها وقال له: تفرق الناس. فأتى معاوية فأبى أن يقبضها. فأتى بعض النّساك فقال: ادفع خمسها إلى معاوية وتصدّق بما يبقى فبلغ معاوية قوله فتلهف إذ لم يخطر له ذلك. وقد ذهب أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وجماعة من الورعين إلى ذلك. وأما القياس: فهو أن يقال: إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير إذ قد وقع اليأس من مالكه وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه في البحر فإنا إن رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك ولم تحصل منه فائدة وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه وحصل للفقير سد حاجته وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في التصدق لا ينبغي أن ينكر فإن في الخبر الصحيح: (إن للزارع والغارس أجراً في كل ما يصيبه الناس من ثماره وزروعه) رواه البخاري. وأما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع. وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا حرام لاستغنائنا عنه وللفقير حلال إذا حلّه دليل الشرع وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل وإذا حل فقد رضينا له الحلال.

ونقول: إن له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيراً أما عياله وأهله فلا يخفى لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله بل هم أولى ولو تصدق به على فقير لجاز وكذا إذا كان هو الفقير] فتاوى معاصرة 2/ 412 - 413. وبهذا يظهر لنا أن المصرف الوحيد لهذه الأموال -الفوائد- هو التصدق بها وقد قال بهذا القول عدد من الفقهاء المعاصرين في مؤتمر عقد سنة 1979م وشارك فيه عدد من العلماء المسلمين المعاصرين وهو قول سديد وفقه حسن وبه أقول. - - -

حكم التعامل ببطاقات الائتمان (بطاقات الفيزا) وغيرها

حكم التعامل ببطاقات الائتمان (بطاقات الفيزا) وغيرها إننا في فلسطين نعيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة فرضت على كثير من الناس أن يتعاملوا مع البنوك الربوية وكثير من المعاملات التجارية صارت متوقفة على التعامل مع البنوك الربوية ومع ذلك فإني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية إلا في أضيق نطاق نظراً لخطورة الربا فهو من المحرمات القطعية في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك التعامل بهذه البطاقات (الفيزا وغيرها) فينبغي أن يكون استعمالها في أضيق نطاق لأن البطاقات التي تصدرها البنوك الربوية تتضمن في الغالب شروطاً ربوية مثل فرض زيادة ربوية (فائدة) في حال تأخر حامل البطاقة عن التسديد أو كشف حسابه في البنك المصدر للبطاقة، وكذلك فإن البنوك الربوية تفرض نسبةً مقطوعة محددة على كلّ عمليّة سحب نقدي يجريها حامل البطاقة وهذا هو الربا المحرم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وصح في الحديث عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. ومن المعلوم أن بطاقات الائتمان من المسائل الجديدة التي لم يعرفها الفقه الإسلامي قديماً وقد وفدت هذه المسألة من ضمن ما وفد على المسلمين من مستلزمات الرأسمالية التي تقوم على نظام الربا (الفائدة) وقد درست هذه القضية من مجامع فقهية وحلقات علمية ودراسات فردية ولكن بداية أذكر أن شيخنا الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله ورعاه يرى أن تسمية البطاقات التي تصدرها البنوك من أمثال: فيزا وماستر كارد وأميريكان إكسبريس ببطاقات الائتمان تسمية غير صحيحة وليست معبرة عن حقيقة هذه البطاقات فقد ذكر في كتابه البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد أنه يجب تصحيح مصطلح بطاقات الائتمان وأن المصطلح الصحيح هو: بطاقات الإقراض والسحب المباشر من الرصيد ليكون أبلغ في الكشف عن حقيقتها وأقسامها المتداولة، يدركه المثقف والعامي، التاجر والمستهلك، من يحملها، ومن تقدم

له، مصطلح ترسخ معناه في أذهان الجميع، يعرفون آثاره ومسؤولياته، الحلال منه والحرام، معلومة أحكامه من الدين بالضرورة، مسلم المبادئ والأحكام، وليس من سبب يدعو لهجره والعدول عنه] البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد ص31. وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي هذه البطاقة بأنها (مستند يعطيه مُصدِرهُ لشخص طبيعي أو اعتباري بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف. ولبطاقات الائتمان صور: - منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة. ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية. - ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة. ومنها ما لا يفرض فوائد. - وأكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها ومنها ما لا يفرض فيه المصدر رسماً سنوياً). مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع الجزء الأول ص717. وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي وضح فيه القواعد الأساسية للتعامل مع هذه البطاقات ونصه: ... بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/ 1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: مستند يعطيه مصدرُه (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد. قرر ما يلي: أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني.

ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدَّين. ويتفرع على ذلك: أ. جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد، بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه. ب. جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضاً من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/ 2) و 13 (1/ 3). رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة] انتهى قرار المجمع الفقهي. إذا تقرر هذا فأعود لقضية استعمال هذه البطاقات في عملية صرف العملات فأقول: اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في مجلس العقد ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد) رواه مسلم. وبما أن العملات الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قاله كثير من علماء العصر وهو القول الصحيح فإنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض في مجلس العقد ولا يجوز التأجيل وبناءً على ما تقدم فإذا كان التاجر يمكنه قبض العملة بمجرد رجوعه إلى البنك المصدر للبطاقة فيجوز استعمال البطاقات المذكورة في صرف العملات لأن القيد في الحساب مباشرة يقوم مقام القبض الفعلي وأما إذا لم يمكنه ذلك فيحرم حينئذ استعمالها.

وخلاصة الأمر أني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية بشكل عام وإذا احتاج الشخص للتعامل معها فيكون ذلك في أضيق نطاق وإذا احتاج للتعامل بالبطاقات فلا بد من الانتباه لأمر هام وهو أن يكون حساب الشخص غير مكشوف لدى البنك. - - -

حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة)

حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة) سوق الأوراق المالية المسماة بالبورصة تعني المكان الذي يلتقي فيه المصرفيون وسماسرة الأوراق المالية والتجار لإجراء الصفقات التجارية في الأسهم والسندات وحصص التأسيس. وسوق الأوراق المالية أمر حديث نسبياً في العالم الإسلامي حيث إنه من نتاج الحضارة الرأسمالية وليس معنى ذلك أنه مرفوض شرعاً وإنما لا بد من وضع ضوابط شرعية معينة حتى يصح التعامل في الأسواق المالية، وقد وضع العلماء المعاصرون هذه القيود والضوابط للحالات التي يجوز التعامل بها في السوق المالي. وينبغي أولاً التذكير بأن الأصل في باب المعاملات في الشريعة الإسلامية هو الإباحة وبناءً على ذلك لا يجوز منع أي معاملة إلا بنص صريح من الشارع الحكيم أو قياس صحيح عليه. ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فالآية الكريمة أوجبت الوفاء بالعقود من غير تعيين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته والحرام ما حرمته والدين ما شرعته] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 386. ويقول د. يوسف القرضاوي: [إن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة إلا ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدلالة يمنعه ويحرمه فيوقف عنده ... وهذا بخلاف العبادات التي تقرر: أن الأصل فيها المنع حتى يجيء نص من الشارع لئلا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله فإذا كان الأساس الأول للدين ألا يعبد إلا الله فإن الأساس الثاني ألا يعبد الله إلا بما شرع. وهذه التفرقة أساسية ومهمة فلا يجوز أن يقال لعالم: أين الدليل على إباحة هذا العقد أو هذه المعاملة؟ إذ الدليل ليس على المبيح لأنه جاء على الأصل وإنما الدليل على المُحّرّم، والدليل

المحرم يجب أن يكون نصاً لا شبهة فيه كما هو اتجاه السلف الذين نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم ما كانوا يطلقون الحرام إلا على ما علم تحريمه جزماً] بيع المرابحة للقرضاوي ص13. كما وأن الأصل في البيع الحل لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة الآية 275. إذا تقرر هذا فأعود إلى بيان حكم التعامل بالأسواق المالية (البورصة) فأقول: تتعامل البورصة بالأسهم والسندات بشكل عام، فأما الأسهم فهي عبارة عن حصص الشركاء في الشركات المساهمة حيث إن رأسمال الشركة المساهمة يقسم إلى أجزاء متساوية يُطْلَق على كل منها سهمٌ، فالسهم هو جزء من رأس مال الشركة وهو يمثل حق المساهم مقدراً بالنقود لتحديد نصيبه في ربح الشركة أو خسارتها وكذلك تحديد مسؤولية المساهم في الشركة. والأصل في الشركة المساهمة الجواز إذا كانت خالية من الربا والتعامل المحرم فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث إنهم يقدمون أسهمهم حصصاً في رأس المال فيشتركون في رأس المال ويقتسمون الأرباح والخسائر فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الاكتتاب في الشركة فيعتبر ذلك إيجاباً وقبولاً لأن الإيجاب والقبول لا يشترط فيهما التلفظ بل يصحان بالكتابة وهؤلاء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل وهو توكيل صحيح. والقول بمنع شركة المساهمة قول ضعيف لا دليل يؤيده. انظر شركة المساهمة ص 303 فما بعدها. وأما السندات فهي عبارة عن قروض طويلة الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبها أن تسدد قيمتها في تواريخ محددة مع فائدة متفق عليها. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. والصحيح من أقوال أهل العلم جواز التعامل بالأسهم ضمن ضوابط معينة وحرمة التعامل بالسندات لأنها قروض ربوية. وأما ضوابط التعامل بالأسهم فهي: أولاً: أن تكون الأسهم صادرة من شركات ذات أغراض مشروعة بأن يكون موضوع نشاطها حلالاً مباحاً مثل الشركات الإنتاجية للسلع والخدمات كشركة الكهرباء وشركة الأدوية وغير ذلك، أما إذا كان موضوع نشاطها محرماً كشركات إنتاج الخمور أو شركات إنشاء البنوك الربوية فلا يجوز امتلاك شيء من أسهمها وتداوله بين المسلمين كما تحرم أرباحها لأن شراء الأسهم من تلك الشركة من باب المشاركة في الإثم والعدوان.

ثانياً: أن تكون الأسهم صادرة عن شركة معروفة ومعلومة لدى الناس بحيث تتضح سلامة تعاملها ونزاهته لذا لا يجوز التعامل بأسهم سلة شركات مساهمة كما هو في الغرب دون أن يعرف المشتري للأسهم حقيقة تلك الشركات فمن الأساليب الجديدة في الاستثمار استثمار في سلة مشتركة لشركات مساهمة أمريكية ( Mutual Fund) وكل سلة لها مدير مشرف عليها ويديرها حسب تعليمات ودراسات تجريها شركة:"مريل لينش الاستثمارية" فالأسهم التي يشتريها المستثمر في السلة المشتركة عرضة للربح والخسارة ففي عام 1995 حققت سلة "ميرل ليتس بيسك فاليو" أرباحاً بنسبة 18% في ستة أشهر في حين أنها في عام 1990 خسرت بنسبة 13%. فبالرغم من أن الاستثمار في هذه السلة عرضة للربح والخسارة إلا أن هذا الأسلوب من الاستثمار لا يجوز لأمرين: الأول: عدم معرفة ماهية تلك الشركات التي تتضمنها تلك السلة فهي لا تخلو من شركات مساهمة ذات أنشطة اقتصادية محرمة كشركات إنتاج الخمور أو شركات البنوك الربوية التي حرم الإسلام التعامل بأسهمها. والثاني: إن هذه السلات تقوم بأنشطة اقتصادية غير مشروعة كبيع دين بدين على حساب الفائدة. ولذلك ترفض المصارف الإسلامية التعامل مع تلك السلات واستثمار أموالها عن طريقها. ثالثاً: أن لا يترتب على التعامل بها أي محظور شرعي كالربا والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل فلا يجوز للمسلم قبول أسهم الامتياز التي تعطي له حق الحصول على ربح ثابت سواء أربحت الشركة أم خسرت لأن هذا ربا محرم شرعاً ولا يجوز للمسلم قبول أسهم التمتع التي تعطي صاحبها حق الحصول على الأرباح دون أن يكون شريكاً في المال والعمل لأن هذا أكل لأموال الناس بالباطل. المعاملات المالية المعاصرة ص 169 - 173. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع التعامل مع الأسواق المالية وقرر ما يلي: [أولاً: الأسهم: 1. الإسهام في الشركات:

أ. بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز. ب. لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها. ج. الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات بالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة. التعامل بالأسهم بطرق ربوية: أ. لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. ب. لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم لأنه من بيع ما لا يملك البائع ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض ... ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد7 ج1 ص 711 - 717. وأما التعامل بالسندات فهو محرم كما قلت لأنها قروض ربوية بفوائد محددة وقرر ذلك مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة حيث جاء في قراره: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أم عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الإسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسماً (خصماً) لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار ... ]. مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج 2 ص1725 - 1726.

وبناء على كل ما تقدم فإنه لا يجوز شرعاً تداول أسهم البنوك الربوية وشركات التأمين وكل شركة تتعامل بالمحرمات كشركات إنتاج الخمور ونحوها كما لا يجوز إجراء عمليات البيع الآجلة لأن هذا النوع من العمليات لا يتم فيه تسليم المعقود عليه لا الثمن ولا المثمن بل يشترط تأجيلها فهذه العملية لا تجوز لأن شرط صحة العقود أن يتم تسليم العوضين أو أحدهما ولا يجوز تأجيل الاثنين حيث إنها تدخل في معنى بيع الكالئ بالكالئ فهذه العمليات تدخل في القمار الممنوع لأن البائع يضارب على هبوط السعر في اليوم المحدد والمشتري يضارب على صعوده ومن يصدق توقعه يكسب الفرق. الأسواق المالية ص 32. - - -

استلام الشيك الحال بمثابة قبض النقود

استلام الشيك الحالّ بمثابة قبض النقود إن الأصل في نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية الإباحة مع الالتزام بالقواعد العامة الحاكمة لنظام المعاملات المالية الشرعية وإن التطور الملموس الذي ظهر في باب المعاملات المالية يحتاج إلى دراسة وبحث لصور المعاملات المالية الحديثة على ضوء القواعد الشرعية وينبغي التروي في إصدار الأحكام ودراستها دراسة عميقة ومن المعروف أن التعامل بالشيكات صار من الأمور المشهورة والمعروفة والتي لا يستغني عنها الناس في معاملاتهم المالية والشيك عبارة عن أمر من العميل إلى المصرف ليدفع إلى شخص ثالث المبلغ المدون في الشيك من حسابه الجاري في المصرف. المصارف الإسلامية ص 314. والشيكات على أنواع وأشكال مختلفة ولا يتسع المقام للحديث عن تفاصيل ذلك ولكن سأذكر حكم استعمال الشيك في الصرف وهل يقوم استلام الشيك مقام قبض المبلغ في الصرف لأنه من المعلوم فقهاً أنه يشترط لصحة عقد الصرف تقابض البدلين في المجلس فإذا ما تصارف اثنان أحدهما لديه ألف دينار مثلاً ويريد أن يصرفها إلى دولارات فدفع الأول الألف دينار للصراف فأعطاه الصراف شيكاً حال الأجل بالدولارات التي تقابل الدنانير فهل عملية الصرف هذه صحيحة أم لا؟ إذا نظرنا إلى حقيقة التعامل بالشيكات وأن منزلتها لا تقل عن منزلة التعامل بالأوراق النقدية وإذا اشترطنا في الشيك الحلول بمعنى أن يكتب تاريخ الشيك في تاريخ المصارفة وأن يكون المبلغ المكتوب فيه محدداً فإنه يجوز استعمال الشيك في هذه الحالة ويعتبر استلام الشيك بمثابة قبض المبلغ المدون فيه فقبض الشيك في هذه الحالة يقوم مقام قبض بدل الصرف ذاته. يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله: [فإذا نظرنا إلى أن الشيكات تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية وأنها يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيراً وتحويلاً وأنها محمية في قوانين جميع الدول من حيث أن سحب الشيك على بنك ليس للساحب فيه رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعاً، إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف الوسيط شيكاً بقيمة ما قبض من طالب

التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس أي أن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه فيكون الصرف قد استوفى شريطته الشرعية في التقابض] أحكام صرف النقود والعملات ص 101. وبهذا يتضح لنا أن إعطاء شيك حال بمنزلة التقابض في المجلس فلا مانع من ذلك شرعاً وأما أخذ العمولة على الشيكات المؤجلة كأن تكون قيمة الشيك ألف دينار مثلاً وتاريخ الشيك بعد شهرين فيذهب حامل الشيك إلى الصراف فيعطيه 950 ديناراً فأرى أن هذه الصورة ممنوعة شرعاً لاشتمالها على الربا. وأما إذا كان الشيك حالَّاً فلا مانع من أخذ العمولة عليه كما جرت عادة المصارف والصرافين من خصم 1% مثلاً على الشيك فهذه الصورة تخرج على أنها وكالة والوكالة تجوز بأجر وبدون أجر فهذه العملية ظاهر فيها الجواز شرعاً لأن العمولة التي يأخذها البنك هي أجرة له على التحصيل فهو وكيل مفوّض من قبل أصحاب هذه الأوراق علماً أن تحصيلها يتطلب جهداً كبيراً من البنك ويكلفه مصاريف انتقال المحصلين وإرسال الإخطارات للمدينين والإشعارات بسدادهم يقول الأستاذ الهمشري: [وبالتأمل في مفهوم كل من التحصيل للأوراق التجارية والوكالة أستطيع أن أقرر أن عملية التحصيل للأوراق التجارية لا تخرج عن كونها عملية توكيل للبنك بأجر وإذا أجزنا للمحامي الأجر مقابل وكالته في الدفاع سواء أكسب القضية أم خسرها فإن الوكيل - البنك - في عملية التحصيل للدين يستحق الأجر سواء تم التحصيل أم لا لأنه قام بالوكالة وحقق المطالبة بسداد الدَّين في ميعاد الاستحقاق واتخذ كافة وسائل التحصيل الممكنة ... ] البنوك الإسلامية ص 137 - 138. وخلاصة الأمر أنه يجوز صرف الشيكات الحالة مع دفع عمولة عليها كما هو متعارف الآن لدى البنوك والصرافين وأن هذه العمولة تخرج على أنها وكالة بأجر. - - -

التعامل بالشيكات الآجلة

التعامل بالشيكات الآجلة التعامل بالشيكات من الأمور الجائزة شرعاً ضمن الضوابط الشرعية لذلك ومن أهم هذه الضوابط أنه لا يجوز بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها لأن ذلك من الربا المحرم حيث إن بيع الشيك المؤجل بأقل من قيمته هو في الحقيقة بيع دين بنقد مع التفاضل وعدم التقابض في المجلس وهذا ربا النسيئة المحرم بالنصوص الشرعية وقد انعقد الإجماع على ذلك، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يداً بيد) حجة للعلماء كافة في وجوب التقابض وإن اختلف الجنس] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 199. وفي رواية أخرى للحديث السابق قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض - أي لا تزيدوا - ولا تبيعوا الورق -الفضة- بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد] المغني4/ 41. ويمكن الاستعاضة عن بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها بأن يجعل الشخص الذي بيده تلك الشيكات مبلغاً من المال لمن يحصل لك تلك الشيكات المؤجلة على أن يدفع له المبلغ المتفق عليه بعد أن يقوم بتحصيلها وهذا ما يسمى الجعالة عند الفقهاء وهي تسمية مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً انظر الموسوعة الفقهية 15/ 208. وقد قال جمهور أهل العلم بصحة عقد الجعالة ويدل على جوازها قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} سورة يوسف الآية72. ويدل على جوازها أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي سعيد

الخدري - رضي الله عنه - قال: (انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة – أي علة -، فقال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟، ثم قال: قد أصبتم، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهماً) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأدلة. ولا بد من التنبيه على أن من شروط صحة الجعالة أن العامل لا يستحق شيئاً إلا بعد إنجاز العمل المتفق عليه. الموسوعة الفقهية 15/ 209. - - -

بيع الشيكات المؤجلة بعملة أخرى

بيع الشيكات المؤجلة بعملة أخرى يقوم بعض الناس ببيع شيك مؤجل بالدولار مثلاً بعملة أخرى كالشيكل ولكنه يقبض قيمة الشيك بالشيكل بأقل من سعر صرف الدولار مقابل الشيكل وهذه العملية تعد نوعاً من التحايل على الربا المحرم شرعاً فإن بيع الشيك بعملة أخرى هو من باب الصرف ويشترط فيه التقابض في المجلس وعليه فلا يجوز شرعاً بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها سواء كان ذلك بنفس العملة المذكورة في الشيك أو بغيرها من العملات وسواء كان ذلك بقيمتها أو بأقل من قيمتها. - - - صرف العملة مع تأجيل القبض إن بيع عملة بعملة أخرى يسمى عند الفقهاء عقد الصرف وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في المجلس قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد) رواه مسلم. وبما أن العملات الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قال كثير من علماء العصر فإنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض ولا يجوز التأجيل وبناء على ما تقدم لا يجوز أن يشتري شخص دولارات بشيكلات مؤجلة الدفع. - - -

حكم شراء الذهب بالشيكات وحكم بيع الذهب إلى أجل

حكم شراء الذهب بالشيكات وحكم بيع الذهب إلى أجل إن شراء الذهب بالشيكات يعتبر من باب الصرف عند الفقهاء لأن الذهب يعتبر الأصل في العملات ويشترط في عقد الصرف تقابض البدلين في مجلس العقد ويحرم تأجيل أحدهما لما سبق في الحديث (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد ... ) ومن المعلوم أن الشيكات تقوم مقام النقد. وبناءً على ما تقدم فإنه يجوز بيع وشراء الذهب بأنواعه وأشكاله المختلفة بالشيكات بشرط أن تكون الشيكات حالّة أي يستطيع الصائغ (البائع) صرفها فوراً وبشرط أن يتم استلام الذهب والشيك في مجلس العقد وأما إذا كانت الشيكات مؤجلة أي كتب عليها تاريخ متأخر عن تاريخ شراء الذهب ولو بيوم واحد فهذه المعاملة محرمة لأنها أخلت بشرط التقابض في مجلس العقد. وهنا ينبغي التذكير بأن مذهب جماهير أهل العلم أنه لا يجوز بيع حلي الذهب والفضة نسيئة أي مع تأخير قبض الثمن أو بالدَّين كما يقول عامة الناس بل لابد من البيع نقداً مع التقابض في مجلس العقد وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض -أي لا تزيدوا- ولا تبيعوا الورق -الفضة- بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء)، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 195. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: (والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم) المغني 4/ 8. - - -

حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة

حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة كثير من النساء عندما يردن بيع الحلي الذهبية القديمة التي لديهن يذهبن إلى الصائغ فيعطينه الذهب القديم ويأخذن ذهباً جديداً ويدفعن فرق السعر، إن هذا البيع باطل ولا يجوز شرعاً لأنه يشترط في بيع الذهب بالذهب أمران أولهما اتحاد الوزن أي التساوي في الوزن والثاني التقابض في مجلس البيع والشراء وفي الصورة المذكورة فإن الذهب الجديد لم يساو الذهب القديم في الوزن حيث إنه تم دفع الفرق في السعر بينهما. وحتى يكون هذا البيع صحيحاً فإن المرأة تبيع الذهب القديم إلى الصائغ بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه وتقبض الثمن ثم تشتري منه ذهباً جديداً بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه والأولى والأفضل أن تبيع المرأة الذهب القديم إلى الصائغ وتقبض الثمن ثم تذهب إلى السوق فتطلب حاجتها من الذهب من غيره من الصاغة فهذا أحسن كما ذهب إليه الإمام أحمد. المغني 4/ 42. وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض -أي لا تزيدوا- ولا تبيعوا الورق -الفضة- بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء)، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 195. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم] المغني 4/ 8. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا) رواه مسلم. وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن) رواه مسلم.

ويؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها أن الأموال الربوية أي التي يجري فيها الربا لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا إذا تساوى الوزن وتم القبض في مجلس العقد. فلا يصح بيع الرديء منها بالجيد مع اختلاف الوزن وكذلك القديم بالجديد ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بعث أخا عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب -أي جيد- فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع - تمر رديء -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً). ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: (جاء بلال بتمر برني - تمر جيد - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أين هذا؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوه عين الربا لا تفعل لكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا). وخلاصة الأمر أن الصحيح أن يباع الذهب القديم بالنقود وبعد قبضها من الصائغ يُشترى الذهب الجديد ولا ينبغي أن يكون هنالك تواطُؤ على العقدين والأفضل هو بيع القديم لصائغ وشراء الجديد من صائغ آخر. - - -

صرف دولارات من الفئة الكبيرة بدولارات من الفئة الصغيرة

صرف دولارات من الفئة الكبيرة بدولارات من الفئة الصغيرة لا يجوز شرعاً بيع الفئة الصغيرة من الدولار الأمريكي بفئة كبيرة من الدولار الأمريكي مع التفاضل سواء كان ذلك يداً بيد أو مؤجلاً، لأن العملات الورقية - النقود - تقوم مقام الذهب والفضة وبالتالي فإن الربا يجري فيها كما يجري في الذهب والفضة فتأخذ النقود الورقية أحكام الذهب والفضة وبناءً عليه لا يجوز بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض متفاضلاً سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ سواءً بسواءٍ يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. وأرى أن يقوم الصراف بتبديل الفئات الصغيرة من الدولار بعملة أخرى بسعر أقل من السعر الذي تبدل به الفئات الكبيرة من الدولار فهذه الصورة جائزة ولا بأس بها. - - -

الاختلاف بين البائع والمشتري بسبب هبوط قيمة العملة

الاختلاف بين البائع والمشتري بسبب هبوط قيمة العملة إذا اشترى شخص سيارة مثلاً بمبلغ تسعين ألف شيكل ودفع بعض ثمنها للبائع واتفقا على أن يسدد الباقي بعد شهرين ثم هبطت قيمة الشيكل فهل للبائع أن يطالب بتسديد الثمن حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار في يوم الشراء؟ لا يجوز للبائع أن يطالب بتسديد ثمن السيارة حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار في يوم شراء السيارة لأن الدَّين قد استقر في ذمة المشتري وهو تسعون ألف شيكل فعلى المشتري أن يسدد الثمن الذي استقر في ذمته عدداً لا قيمةً أي تسعون ألف شيكل فقط. وهذا مذهب أكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكثير من الفقهاء والعلماء المعاصرين حيث إنهم يرون أن الدَّين إذا استقر في ذمة المشتري بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185. وقال الكاساني: [ولو لم تكسد -النقود- ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [ ... لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً وجوب رد المثل بلا زيادة. مجموع الفتاوى 29/ 535. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5، ج 3/ 2261.

سداد الدين بعملة أخرى

وقد يقول بعض الناس إن رد المثل في القرض والديون فيه ضررٌ للمقرض والبائع فنقول لهم: إن الضرر لا يزال بضرر مثله كما قرر ذلك الفقهاء. - - - سداد الدَّين بعملة أخرى لا يجوز لمن اقترض مبلغاً بعملة معينة أن يتفق مع المقترض على سداد القرض بعملة أخرى، فإذا استدان شخص ألف دينار أردني فإن الواجب عليه سداد ألف دينار أردني فقط، لأنها هي الثابتة في ذمته. وكذلك لا يجوز ربط قيمة الدَّين بالذهب عند الاستدانة ليتم السداد بالذهب يوم السداد لأن اختلاف العملة يفسح مجالاً للتفاضل مع التأجيل، فيصير قرضاً ربوياً كما تدل على ذلك الأحاديث النبوية على أن هذه المبادلة تصير بيعاً ممنوعاً، فالذهب بالفضة لا يجوز بيعهما بالأجل لأنه يصير حينئذٍ صرفاً مؤجلاً. انظر الجامع في أصول الربا ص 283. إلا أنه يجوز اتفاق الدائن والمدين في يوم سداد الدَّين على قضاء الدَّين بعملة أخرى بسعر صرفها في يوم السداد، فمثلاً استدان شخص من آخر مبلغ ألف دولار، على أن يسددها بعد سنة، ولما حان يوم السداد، اتفق الدائن والمدين على أن يسدد المدين الألف دولار بقيمتها بالدينار الأردني بسعر اليوم الذي تمَّ فيه السداد، فيجوز ذلك بشرط أن لا يبقى شيء لأحدهما في ذمة الآخر. وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، ويدل عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت أبيع الإبل في البقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا بأس، إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الأرناؤوط: إسناده حسن على شرط مسلم.

وعن يسار بن نمير قال: (كان لي على رجل دراهم، فعرض عليَّ دنانير، فقلت: لا آخذها حتى أسأل عمر، فسألته فقال: إئت بها الصيارفة فاعرضها فإذا قامت على سعر فإن شئت فخذها، وإن شئت فخذ دراهمك) ذكره ابن حزم في المحلى. [وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي بالنسبة إلى هذه المسألة: أولاً: الدَّين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدَّين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها. ثانياً: يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد - لا قبله - على أداء الدَّين بعملة مغايرة لعملة الدَّين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد. وكذلك يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة، الاتفاق يوم سداد أي قسط على أدائه كاملاً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم. ويشترط في جميع الأحوال أن لا يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة في الذمة]. - - -

الخصم من الدين إذا عجل المدين السداد

الخصم من الدَّين إذا عجل المدين السداد إذا استدان شخص من آخر مبلغ عشرة آلاف دينار مثلاً على أن يسددها بعد سنة ولكن الدائن ألمَّت به حاجة لماله فطالب المدين أن يسدد الدَّين قبل حلول الأجل بأربعة أشهر على أن يحسم له خمسمائة دينار فهل يجوز ذلك أم لا؟ تسمى هذه المسألة عند الفقهاء مسألة (ضع وتعجل) وهي مسألة خلافية فذهب جمهور أهل العلم إلى منعها وقال آخرون بالجواز وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال إبراهيم النخعي وابن سيرين وأبو ثور وهو راوية عن الإمام أحمد ومنقول عن الإمام الشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عابدين الحنفي وقال به جماعة من العلماء المعاصرين كما سيأتي. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز كرهه زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية وإسحاق وأبو حنيفة وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك كلاكما قد آذن بحرب من الله ورسوله وروي عن ابن عباس: أنه لم ير به بأساً وروي ذلك عن النخعي وأبي ثور لأنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدَّين حالَّاً] المغني 4/ 39. وقال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر القول بمنع (ضع وتعجل) قال: [والقول الثاني أنه يجوز وهو قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد حكاها ابن أبي موسى وغيره واختاره شيخنا] أي شيخ الإسلام ابن تيمية. إعلام الموقعين 3/ 359. وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لمَّا أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج بني النضير قالوا: يا رسول الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ضعوا وتعجلوا) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد. المستدرك 2/ 362.

وأخرجه الطبراني في الكبير وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 130، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 28، وقال إنه ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي. وروى البيهقي بإسناده: [أن ابن عباس كان لا يرى بأساً أن يقول أعجل لك وتضع عني] سنن البيهقي 6/ 28. وتضعيف مسلم بن خالد الزنجي غير مسلَّم قال الذهبي عنه: [الإمام فقيه مكة] ثم ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتجريحه فقال: [قال يحيى بن معين ليس به بأس، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدي: حسن الحديث أرجو أنه لا بأس به، وقال أبو داود: ضعيف. قلت -أي الذهبي-: بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن] سير أعلام النبلاء 8/ 176 - 177. وسبق كلام الهيثمي أن مسلم بن خالد الزنجي قد وثق وهو شيخ الإمام الشافعي وقد روى عنه الإمام الشافعي واحتج به! قال ابن القيم بعد أن ساق الحديث: [قلت هو على شرط السنن وقد ضعفه البيهقي وإسناده ثقات وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي وهو ثقة فقيه روى عنه الشافعي واحتج به] إغاثة اللهفان 2/ 13. وبهذا يظهر لنا أن الحديث صالح للاحتجاج به. وقال هذا الفريق من أهل العلم إن مسألة ضع وتعجل تعتبر من قبيل الصلح وليس فيها مخالفة لقواعد الشرع وأصوله بل حكمة الشرع ومصالح المكلفين تقتضي أن المدين والدائن قد اتفقا وتراضيا على أن يتنازل الأول عن الأجل والدائن عن بعض حقه فهو من قبيل الصلح والصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً وحرم حلالاً. الربا والمعاملات المصرفية ص 237. وأجاب العلامة ابن القيم عن دعوى أن مسألة ضع وتعجل من باب الربا بقوله: [لأن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا رباً لا حقيقةً ولا لغةً ولا عرفاً فإن الربا الزيادة وهي منتفية ههنا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: إما أن تربي وإما أن تقضي،

وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة. فأين أحدهما من الآخر؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح] إعلام الموقعين 3/ 359. وقال ابن القيم أيضاً: [قالوا: وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدَّين وذلك إضرار محض بالغريم ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدَّين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بخلاف الربا المجمع عليه فإن ضرره لاحق بالمدين ونفعه مختص برب الدَّين فهذا من الربا صورة ومعنى] إغاثة اللهفان 2/ 13. وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي مسألة ضع وتعجل عند بحثه لبيع التقسيط فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: [الحطيطة من الدَّين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناءً على اتفاق مسبق وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية فإذا دخل طرف ثالث لم تجز لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/ 2/218. كما وأجازت هذه المسألة عدد من الهيئات العلمية الشرعية. - - -

لا يجوز الاشتراط في القرض دفع غرامة مالية إذا تأخر المقترض في السداد القرض الحسن مشروع بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} سورة البقرة/245. ووجه الدلالة فيه، أن الله سبحانه وتعالى شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرَض، وشبه الجزاء المضاعف على ذلك ببدل القرض شيئاً ليأخذ عوضه، ومشروعية المشبه تدل على مشروعية المشبه به، عقد القرض ص13. وثبت في الحديث الصحيح، عن أبي رافع - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف من رجل بَكْراً -أي جملاً فتياً- فقدمت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فقال: يا رسول الله، لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً - أي جملاً كبيراً -، فقال: أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً) رواه مسلم. وإقراض المعسر وتفريج كربه أمر مرغَّب فيه شرعاً ويدخل ذلك في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم. وللمقرِض أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين، إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة والطبراني وهو حديث حسن. وينبغي أن يعلم أنَّ القروض تقضى بأمثالها، ولا يجوز شرعاً الزيادة المشروطة في رد بدل القرض، وكل زيادة تعتبر من باب الربا. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وهنا لا بد من التنبيه على بعض القضايا المهمة والمتعلقة بالقروض:

أولاً: يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من دَّيون وكذلك من وجد أداءً لحق عليه وإن كان فقيراً تحرم عليه المماطلة، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: [والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً] فتح الباري 5/ 371. وقال الحافظ أيضاً: [وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يعد فعله عمداً كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسَّق] فتح الباري 5/ 372. وكما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) رواه أبو داود والنسائي وأحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5/ 459. وذكره الإمام البخاري تعليقاً فقال: [باب لصاحب الحق مقالاً، ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته). قال سفيان: (يحل عرضه) تقول: مطلتني، وعقوبته الحبس، والمراد بقوله (ليُّ الواجد) أي مماطلة من يجد أداء الحقوق التي عليه، وقوله (يحل عرضه وعقوبته) المراد به كما فسره سفيان أن يقول صاحب الحق، أو صاحب الدَّين: مطلني فلان، وعقوبته أن يسجن. وأخيراً ينبغي أن أنبه إلى أن هذا الحكم إنما هو في حق الغني المماطل وأما إذا كان المدين معسراً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} سورة البقرة الآية280. ثانياً: إن ماطل المدين الموسر، فيحرم شرعاً فرض أية غرامة مالية عليه، في حال التأخر عن السداد لأن ذلك يعتبر من الربا، وهذا ما قرره أكثر الفقهاء قديماً وحديثاً، وأخذت به المجامع الفقهية المعتمدة، فقد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة ما يلي: [نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدَّين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟

الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه]. وقد يقول قائل: إن هذا الكلام يشجع المدينين على المماطلة وعدم الوفاء بالدَّين، ونقول يمكن للمقرض أن يشترط على المدين أنه في حالة تأخره عن سداد قسط من أقساط الدَّين تحلّ بقية الأقساط ويمكن اتخاذ أمور أخرى ضد المدين المماطل كمطالبة الكفلاء وغير ذلك. وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً. ثالثاً: لا يجوز شرعاً ربط الديون بمستوى الأسعار أو جدول غلاء المعيشة، فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة ما يلي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثالث ص 2261. - - -

لا يصح اشتراط عقد آخر مع القرض

لا يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض لا يجوز شرعاً للمقرض أن يشترط أي عقد آخر مع القرض، كالبيع أو الإجارة، أو يشترط أن يقرضه المقترض، وهذا مذهب جمهور أهل العلم لما ثبت في الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل سلف وبيع) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال العلامة الألباني: حسن، إرواء الغليل 5/ 146. قال الشيخ ملا علي القاري: [لا يحل سلف وبيع، أي معه يعني مع السلف، بأن يكون أحدهما مشروطاً في الآخر. قال القاضي رحمه الله: [السلف يطلق على السلم والقرض والمراد هنا شرط القرض ... أي لا يحل بيع مع شرط سلف بأن يقول مثلاً: بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة، نفي الحل اللازم للصحة ليدل على الفساد من طريق الملازمة] مرقاة المفاتيح 6/ 89. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعاً مطلقاً فيصير جزءاً من العوض] مجموع الفتاوى 29/ 62 - 63. وقال الشيخ ابن القيم: [وأما السلف والبيع فلأنه إذا أقرضه مئة إلى سنة، ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة، فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه ردّ المثل ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك] تهذيب سنن أبي داود 9/ 295 - 296. - - -

المماطلة في سداد الدين

المماطلة في سداد الدَّين مما يؤسَف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في الدَّين تساهلاً كبيراً فتراهم يشترون البضاعة ويطلبون من البائع أن يمهلهم حتى استلام رواتبهم أو حتى نهاية الشهر أو نحو ذلك ثم يماطلون ويسوِّفون في سداد الدَّين وقد تمضي عليهم الشهور والسنون وهم كذلك مع مقدرتهم على قضاء ديونهم، إن ما يقوم به هؤلاء الناس ما هو إلا أكل لأموال الناس بالباطل وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمثال هؤلاء الذين يأخذون أموال الناس ويماطلون فيها فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري. وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: (كانت ميمونة تدان فتكثر فقال لها أهلها في ذلك ولاموها ووجدوا عليها فقالت: لا أترك الدَّين وقد سمعت خليلي وصفيي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من أحد يدَّان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح ابن ماجة 2/ 52. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته ليس ثمَّ دينار ولا درهم) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 53. وعن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما رجل يدين ديناً وهو مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً) رواه ابن ماجة والبيهقي وقال العلامة الألباني: حسن صحيح. المصدر السابق 2/ 52. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الدَّين كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة جالساً فيه فقال: يا أبا

أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلّمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني) رواه أبو داود. فلا ينبغي لأحد من الناس أن يتساهل في الدَّين وخاصة أن الإنسان قد يموت وهو مدين ويكون بذلك على خطرٍ عظيم لأن نفس المؤمن تكون معلَّقة بدينه، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (نفس المؤمن معلَّقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (توفي رجل فغسّلناه وكفّناه وحنّطناه ثم أتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا نحوه خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ قلت: إنما مات أمس، فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الآن برّدْت جلدته) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2/ 591. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتنع عن الصلاة عمَّن عليه دين حتى يقضى دينه فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدَّين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلّى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته) رواه مسلم. ويجب أن يعلم أن هؤلاء الذين يتلاعبون بأموال الناس ويماطلون في تسديد الدَّين أن المماطلة في أداء الدَّين محرمة مع القدرة على الأداء فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (مطل الغني ظلم) متفق عليه.

قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مطل الغني ظلم) قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 174 - 175. ومن المعلوم عند أهل العلم أن أداء الدَّين واجب باتفاق بدلالة الأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم مال الغير كما قال القرطبي في تفسيره 3/ 415. ولأهمية قضاء الدَّين من أموال الميت فهو مقدم على الوصية وإن ذكرت قبله في قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} سورة النساء الآية 12، وعلى هذا أكثر أهل العلم. وكذلك فإن الدَّين يقضى عن الميت قبل توزيع تركته. وأخيراً أنبه الدائنين أن يوثقوا ديونهم ويكتبوها ويشهدوا على ذلك لأن ذمم كثير من الناس قد خربت وفسدت وكثير من هؤلاء ينكرون الدَّين إن لم يكن موثقاً بالكتابة وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 282. - - -

عقد المضاربة

عقد المضاربة إذا اتفق شخص مع آخر على أن يدفع له مبلغاً من المال ليتاجر له بأنواع معينة من البضائع فهذا الاتفاق يعتبر عقد مضاربة عند الفقهاء ويسميه بعض العلماء عقد قراض أيضاً، والمضاربة مشروعة عند أهل العلم وإن لم يرد نص صحيح صريح من الكتاب والسنة في خصوصها قال الشيخ ابن حزم: [كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلاً فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد] نيل الأوطار 5/ 301. وقال ابن المنذر: [وأجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز] الإجماع ص 58. وقد استدل العلماء على جواز المضاربة بأدلة عامة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واحتجوا ببعض الأحاديث والآثار في ذلك كما سأبين. قال الماوردي: [والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} سورة البقرة الآية 198، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء] الحاوي الكبير 7/ 305. وجاء عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 300. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد

الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً فقال عمر: قد جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال) ورواه الدارقطني أيضاً، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار 5/ 300، وانظر الاستذكار 21/ 120. وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: [فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعاً منهم على الجواز] نيل الأوطار 5/ 300 - 301. ويشترط لصحة المضاربة أن يكون نصيب كل من المتعاقدين من الربح معلوماً على أن يكون جزءاً مشاعاً كنسبة مئوية 10% أو 15% أو 40% على حسب ما يتفقان. قال ابن المنذر: [أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً جزءاً من أجزاء] المغني 5/ 23. ولا يجوز أن يكون الربح مبلغاً محدداً فإن حصل ذلك أدى ذلك إلى فساد عقد المضاربة. ومن الأمور المهمة في عقد المضاربة أن الخسارة إن حصلت يتحملها صاحب المال دون العامل لأن العامل يخسر جهده وعمله، إلا إذا كانت المضاربة مقيدة ومشروطة بشرطٍ محدد، فخالف العامل ذلك الشرط فإنه حينئذٍ يضمن، كأن يشترط صاحب المال على العامل ألا يتاجر بالسيارات مثلاً، فتاجر العامل بالسيارات فخسر فحينئذٍ فإن العامل ضامن لأنه خالف الشرط الذي اتفق عليه. ولا بد من تحديد نصيب كل من الشريكين أو الشركاء من الربح نصاً صريحاً يمنع النزاع والخلاف وليكون كل منهم على بصيرة من الأمر. وأخيراً أنبه على أنه يجوز توقيت المضاربة بمدة معينة على الراجح من أقوال العلماء وهو قول الحنفية والحنابلة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويصح تأقيت المضاربة مثل أن يقول: ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر قال مهنا: سألت أحمد عن رجل أعطى رجلاً ألفا مضاربة شهراً قال: إذا مضى شهر يكون قرضاً قال: لا بأس به ... ] المغني 5/ 50، وانظر الاختيار لتعليل المختار 3/ 21. - - -

لا تجوز المشاركة بالمال مقابل مبلغ ثابت من الربح

لا تجوز المشاركة بالمال مقابل مبلغ ثابت من الربح إذا اتفق شخص مع أحد التجار ليدخله شريكاً في تجارته لمدة ثلاث سنوات على أن يدفع للتاجر مبلغ عشرة آلاف دينار وشرط عليه أن يعطيه مائة دينار شهرياً وأن يرد له العشرة آلاف دينار عند انتهاء المدة المتفق عليها فهذه المعاملة باطلة شرعاً من وجهين: الأول منهما أنها في حقيقتها قرض ربوي فالتاجر اقترض من الشخص عشرة آلاف دينار على أن يدفع له ربا (فائدة) على المبلغ وهي مئة دينار شهرياً لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا قال العلامة ابن القيم: [قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها] زاد المعاد 5/ 200. وقال في موضع آخر: [والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها] زاد المعاد 5/ 813. فكون المتعاقدين قد سمَّيا العقد بينهما شركة فهذا لا يغير من حقيقة كونها ربا شيئاً بناء على القاعدة السابقة. والشركة المقصودة هي شركة المضاربة وعقد المضاربة المعروف عند الفقهاء هو شركة تقوم على العمل من العامل والمال من صاحب المال ويجب أن يكون الربح بينهما نسبة شائعة كالربع أو الثلث مثلاً أو نسبة مئوية مثل 25% أو حسبما يتفقان عليه، وتكون الخسارة على صاحب المال وأما العامل فيخسر جهده وعمله وتبطل المضاربة إذا اشترط أحدهما مبلغاً مقطوعاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم]. قال ابن قدامة: [وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة، أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً وعشرة دراهم بطلت الشركة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي ... وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها، فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءاً وقد يربح كثيراً، يستضر من شرطت له الدراهم. والثاني: أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر، فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوماً به ولأن العامل متى شرط

لنفسه دراهم معلومة، ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح] المغني 5/ 28. والوجه الثاني لبطلان المعاملة المذكورة هو أن التاجر قد ضمن رأس المال وهذا الشرط لا يجوز شرعاً لأن يد المضارب يد أمانة وليست يد ضمان ولا يضمن المضارب إلا إذا فرَّط أو قصَّر أو أخلَّ بما شَرَط عليه صاحب المال، والمضاربة مشاركة بالمال من جهة وبالعمل من جهة أخرى فإذا حصلت خسارة فهي على رب المال ويخسر العامل جهده وتعبه فشرط ضمان التاجر لرأس المال ينافي مقتضى العقد فلا يجوز، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب ... ] المغني 5/ 39. وقال الإمام الماوردي: [ ... فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه الذي ذكرنا فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في الأقوات فيتجر في الحيوان، فهذا تعدٍ يضمن به المال، ويبطل معه القراض، فيكون على ما مضى في مقارضة غيره بالمال. والضرب الثاني: أن يكون تعديه لتغريره بالمال، مثل أن يسافر به ولم يؤمر بالسفر أو يركب به بحراً ولم يؤمر بركوب البحر، فإن كان قد فعل ذلك مع بقاء عين المال بيده ضمنه، وبطل القراض بتعديه، لأنه صار مع تعديه في عين المال غاصباً] الحاوي الكبير 7/ 340 - 341. وقال ابن رشد المالكي عند حديثه عن الشروط الفاسدة في القراض (المضاربة) [ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل، فقال مالك: لا يجوز القراض وهو فاسد، وبه قال الشافعي ... وعمدة مالك أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد ... ] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 199. وقد جاء في فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ما يلي: [السؤال: هناك أموال أيتام يريدون استثمارها في المضاربة الشرعية وقد اشترطت الجهة القائمة على هذه الأموال ضمان هذه الأموال خوفاً عليها من الخسارة فهل يجوز ضمان هذه الأموال عن

طريق إصدار خطاب ضمان يضمن فيها أموال اليتامى وهل يمكن اعتبارها إذا صح المخرج عن طريق خطاب الضمان كأمانة ترد كما هي ربحت المضاربة أم خسرت؟ الجواب: بحثت الهيئة مسألة ضمان أموال الأيتام المستثمرة ورأت أنه لا يجوز شرعاً ضمان المال المستثمر بقصد الربح لأن الاستثمار في الإسلام يقوم على أساس الغرم بالغنم فالضمان المطلوب بهذه الصورة لا أساس له شرعاً وإنما يجب اتخاذ الحيطة والحذر لذلك باختيار المضارب الثقة الأمين المتمسك بدينه مع الأخذ بالأساليب العلمية في الاستثمار من دراسة السوق ودراسة الجدوى الاقتصادية والمتابعة والتقييم لكل الخطوات التنفيذية وغير ذلك مما تتطلبه أساليب الاستثمار السليمة.] وخلاصة الأمر أنه لا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع في المضاربة لأنها تتحول حينئذ إلى رباً محرمٍ وكذلك لا يجوز أن يضمن العامل رأس المال في المضاربة إلا إذا فرَّط أو قصَّر أو تعدى. - - -

يجوز تقاضي الشريك راتبا شهريا زيادة على نسبته في الربح

يجوز تقاضي الشريك راتباً شهرياً زيادة على نسبته في الربح يجوز شرعاً أن يتقاضى أحد الشركاء راتباً مقطوعاً أو نسبةً من الربح مقابل عمله للشركة بالإضافة إلى حصته من الربح مقابل رأس ماله في الشركة فلا مانع شرعاً أن يكون الشخص شريكاً وفي ذات الوقت يكون أجيراً للشركة. فمن المعلوم أنه يجوز للشركاء أن يستأجروا عاملاً ليعمل لهم في الشركة فمن باب أولى أن يستأجروا أحدهم ليعمل للشركة حيث إنه سيكون أحرص على أموال الشركة من العامل الأجنبي عنها ولكن يجب أن يعلم أن عمل أحد الشركاء للشركة يجب أن يكون بعقد أو اتفاق منفصل عن عقد الشراكة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند حديثه عن أقسام الشركة: [القسم الرابع: أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح، فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم لأحدهما ألف وللآخر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صح، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق ماله والباقي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الألفين ثلاثة أرباعه، وللعامل ربعه، وذلك لأنه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل حصة ماله وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه وحصة مال شريكه أربعة أسهم للعامل سهم وهو الربع] المغني 5/ 20. وقال ابن حزم الظاهري: [ ... فإن عمل أحدهما أكثر من الآخر، أو عمل وحده تطوعاً بغير شرط فذلك جائز، فإن أبى من أن يتطوع بذلك فليس له إلا أجر مثله في مثل ذلك العمل ربح أو خسر، لأنه ليس عليه أن يعمل لغيره] المحلّى 6/ 415. وقال البهوتي الحنبلي: [وعلى كل من الشركاء تولي ما جرت عادة بتوليه. لحمل إطلاق الإذن على العرف، ومقتضاه تولي مثل هذه الأمور بنفسه، فإن فعل ما عليه توليه بنائب بأجرة فهي عليه لأنه بذلها عوضاً عما عليه، وما جرت عادة بأن يستنيب فيه. فله أن يستأجر من مال الشركة إنساناً حتى شريكه لفعله إذا كان فعله، مما لا يستحق أجرته إلا بعمل، وليس للشريك فعل ما جرت العادة بعدم توليه بنفسه ليأخذ أجرته بلا استئجار صاحبه له، لأنه تبرع بما لا يلزمه فلم يستحق شيئاً] شرح منتهى الإرادات 2/ 324. ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: [ ... ويصح أيضاً عند الحنفية ما عدا زفر أن يتفاضل الشريكان في الربح حالة التساوي في رأس المال بشرط أن يكون العمل عليهما، أو على الذي شرط له زيادة

الربح، لأن الربح كما قلنا يستحق إما بالمال، أو بالعمل، أو بالضمان، وزيادة الربح في هذه الحالة كانت بسبب زيادة العمل، لأنه قد يكون أحد الشريكين أحذق وأهدى وأكثر عملاً، وأقوى فيستحق زيادة ربح على حساب شريكه ... ] الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 842. ويقول الدكتور وهبة الزحيلي أيضاً: [ولا مانع من وجود صفتي الشركة والإجارة في شيء واحد لأن المنع من وجود عقدين أو شرطين في عقد يزول إذا زالت علته أو حكمته وهو عدم إثارة النزاع والخلاف وعدم التنازع جرى عليه العرف والعادة فلم يعد شرطاً مفسداً] الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 842. [وعليه فإنه يمكن حصول الشريك على راتب ونسبة معاً إذا كان يعمل خدمةً زائدةً على عمل شريكه كما لو اشتركا في رأس المال وتولى أحدهما العمل فيه، فإنه يستحق أجرة على عمله ونسبة من الأرباح بحسب رأس ماله المشارك به أو بحسب ما اتفقا عليه؛ لأن شركة العنان لا يشترط فيها التساوي في الربح ولا في رأس المال، وإنما يوكل ذلك إلى التراضي والاتفاق بين الشركاء.] فتاوى الشبكة الإسلامية. وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من أن يكون الشريك أجيراً في الشركة براتب مقطوع أو بزيادة نسبته في الربح. - - -

بيع المزايدة

بيع المزايدة بيع المزايدة هو أن ينادى على السلعة ويزيد فيها بعض المشترين على بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها. القوانين الفقهية ص 175. وبيع المزايدة مشروع وجائز ويدخل في عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ومما يدل على مشروعيته ما يلي: 1. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب بيع المزايدة] ثم ذكر قول عطاء بن أبي رباح من أئمة التابعين: [أدركت الناس لا يرون بأساً في بيع المغانم فيمن يزيد]. ثم ذكر بإسناده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر -أي بعد وفاته يكون العبد حراً- فاحتاج فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه). وذكر الحافظ ابن حجر عن مجاهد قال: لا بأس ببيع من يزيد. والشاهد في الحديث قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من يشتريه مني) فعرضه للزيادة. صحيح البخاري مع الفتح 5/ 257 - 258. 2. قال الإمام الترمذي: (ما جاء في بيع من يزيد) ثم روى بإسناده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باع حلساً وقدحاً وقال: (من يشتري هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه) وقال الترمذي: حديث حسن. تحفة الأحوذي 4/ 343. وجمهور الفقهاء على جواز بيع المزايدة. نيل الأوطار 5/ 191. وبيع المزايدة ليس من باب البيع على بيع أخيه الذي ورد النهي عنه في حديث ابن عمر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يبع بعضكم على بيع أخيه) رواه البخاري ومسلم. قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه.

وأما السوم فصورته أن يأخذ شيئاً يشتريه فيقول له: رده لأبيعك خيراً منه بثمنه أو مثله بأرخص. أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما للآخر. فتح الباري 5/ 257. وقال الحافظ ابن عبد البر في بيان البيع على بيع أخيه: [هو أن يستحسن المشتري السلعة ويهواها ويركن إلى البائع ويميل إليه ويتذاكران الثمن ولم يبق إلا العقد والرضا الذي يتم به البيع فإذا كان البائع والمشتري على مثل هذه الحال لم يجز لأحد أن يعترضه فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما هما عليه من التبايع فإن فعل أحد ذلك فقد أساء وبئس ما فعل فإن كان عالماً بالنهي عن ذلك فهو عاص لله] فتح المالك 8/ 180. وبهذا يظهر لنا الفرق بين بيع المزايدة والبيع على بيع أخيه ففي بيع المزايدة البائع يعرض سلعته لمن يزيد فإن عرض أحد الناس عليه مبلغاً فلم يرض به البائع فيطلب أكثر منه فيزيده شخص آخر وهكذا، وهذا كله قبل أن يستقر البيع وقبل أن يرضى البائع بالثمن. ومن الأمور التي تصاحب بيع المزايدة وخاصة المزادات العلنية ما يسمى عند العلماء بالنجش وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءَها ولكن ليغرَّ غيره وغالباً ما يكون النجش باتفاق بين صاحب السلعة والناجش وهو حرام شرعاً لما فيه من الخديعة فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النجش) رواه البخاري. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بعقد المزايدة ما يلي: [وحيث إن عقد المزايدة من العقود الشائعة في الوقت الحاضر وقد صاحب تنفيذه في بعض الحالات تجاوزات دعت لضبط طريقة التعامل به ضبطاً يحفظ حقوق المتعاقدين طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية كما اعتمدته المؤسسات والحكومات وضبطته بتراتيب إدارية ومن أجل بيان الأحكام الشرعية لهذا العقد قرر ما يلي: 1. عقد المزايدة: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع. 2. يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة والهيئات الحكومية والأفراد.

3. إن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي وتنظيم وضوابط وشروط إدارية أو قانونية يجب ألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. 4. طلب الضمان ممن يريد دخول الشراء في المزايدة جائز شرعاً ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز في الصفقة. 5. لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول (قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية) لكونه ثمناً له. 6. يجوز أن يعرض المصرف الإسلامي أو غيره مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من الربح سواء أكان المستثمر عاملاً في عقد مضاربة مع المصرف أم لا. 7. النجش حرام ومن صوره: أ. أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شرائها ليغري المشتري بالزيادة. ب. أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها ليغُرَّ المشتري فيرفع ثمنها. ج. أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاءً كاذباً أنه دُفعَ فيها ثمنٌ معينٌ ليدلس على من يسوم. د. ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعاً اعتماد الوسائل السمعية والمرئية والمقروءة التي تذكر أوصافاً رفيعة لا تمثل الحقيقة أو ترفع الثمن لتغرَّ المشتري وتحمله على التعاقد] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 2/ 169 - 170. - - -

الغبن في التجارة

الغبن في التجارة الغبن عبارة عن بيع السلعة بأكثر مما جرت العادة أن الناس لا يتغابنون بمثله إذا اشتراها كذلك. الموسوعة الفقهية الكويتية 31/ 138. وهذا الغبن هو الذي يسميه الفقهاء غبن المسترسل وهو المستسلم لبائعه فلا يساوم ولا يماكس. وقد أثبت بعض الفقهاء الخيار للمسترسل المغبون أخذاً بما ورد في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال (ذُكر رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يُخدع في البيوع. فقال: من بايعت فقل لا خِلابة) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس - رضي الله عنه - (أن رجلاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهلُهُ النبيَ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه ونهاه فقال يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع فقال إن كنت غير تاركٍ للبيع فقل هاءً وهاءٍ -أي يداً بيدٍ- ولا خِلابة) رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الترمذي. قال الإمام الشوكاني: [قوله (لا خِلابة) بكسر المعجمة وتخفيف اللام: أي لا خديعة. قال العلماء: لقَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القول ليتلفظ به عند البيع، فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة، ويرى له ما يرى لنفسه، والمراد أنه إذا ظهر غبن ردَّ الثمن واسترد المبيع. واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصاً بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط؟ فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله والإمام يحيى أنه يثبت الردّ لكل من شرط هذا الشرط، ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع. وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشاً وهو ثلث القيمة عنده، قالوا: بجامع الخداع الذي لأجله أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك الرجل الخيار. وأجيب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور، فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة، ولهذا روي أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعله بالخيار ثلاثاً فيرجع في ذلك.

وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل، ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة، وهذا مذهب الجمهور وهو الحقّ] نيل الأوطار 5/ 207. وبناءً على قول الجمهور الذي ذكره الشوكاني لا يثبت حق فسخ البيع بمجرد الغبن ما لم يضف إليه تغرير وقد جاء في المادة 356 من مجلة الأحكام العدلية: [إذ وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن يفسخ البيع] درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/ 368. وقد فصَّلَ هذه المسألة العلامةُ ابن عابدين وبيَّن أن الغبن الفاحش ليس سبباً موجباً لفسخ البيع في رسالته المسماة: [تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير] ضمن مجموعة رسائله 2/ 66 - 82. ونص بعض أهل العلم على أن الخيار يثبت إذا كان الغبن يخرج عن العادة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... المسترسل إذا غُبنَ غبناً يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ والإمضاء ... فأما غير المسترسل فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالبيع وكذا لو استعجل فجهل ما لو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه] المغني 3/ 497 - 498. والغبن الخارج عن العادة قدره بعض العلماء بالثلث وبعضهم بالربع وبعضهم بالخمس أي أن البائع إذا زاد في السعر بنسبة 33% أو 25% أو 20% فهذا غبن خارج عن العادة وإذا كان أقل من ذلك فيكون الغبن من ضمن ما جرى تغابن الناس به. فالمرجع في الغبن إلى العرف، فيستشار فيه أهل الخبرة فما عدُّوه غُبناً فهو غُبنٌ وما لم يعدُّوه غُبناً فليس بغبنٍ. انظر الشرح الممتع على زاد المستقنع 8/ 298، الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 221. - - -

لا يجوز شراء المال المسروق

لا يجوز شراء المال المسروق يحرم على المسلم أن يشتري مالاً مغصوباً أو مسروقاً أو أخذ من صاحبه بغير حق وهو يعلم كالأجهزة التي تصادر من أصحابها لعدم دفعهم الضرائب ونحو ذلك فهذا وأمثاله لا يجوز للمسلم أن يقدم على شرائه وهو يعلم لأنه قد أُخِذَ من أصحابه بدون حق لأن هذه الأجهزة لم تنتقل ملكيتها من صاحبها بطريق شرعي وإنما هي مغصوبة أو مسروقة فإذا أقدم المسلم على شرائها فيكون قد اشتراها من غير مالكها الحقيقي. ولا شك أن في شراء المال المسروق أو المغصوب تشجيعاً لهؤلاء الذين يأخذون أموال الناس بالباطل ويعتبر ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان وقد نهانا الله عن ذلك بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. وكذلك فإننا نعلم أنه لا يحل أخذ مال المسلم إلا إذا طابت نفسه بذلك وهذه الأموال المسروقة أو المغصوبة تؤخذ بالقوة أو بالخفية ولا تطيب نفس صاحبها بها والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وهو حديث صحيح. وقد روي في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوله: (من اشترى سرقة -شيئاً مسروقاً- وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها) رواه الحاكم والبيهقي وسنده مختلف فيه. - - -

خلو الرجل

خلو الرِّجْل خلو الرجل هو مبلغ مالي يدفع نظير إخلاء العين المؤجرة وخلو الرجل عند من يقول بجوازه يشترط فيه أن يكون قد بقي شيء من مدة عقد الإجارة، فمثلاً: إذا استأجر شخص محلاً تجارياً لمدة خمس سنوات ورغب المالك في إنهاء العقد بعد مضي سنتين فأجازوا للمستأجر أن يأخذ خلو الرجل لأن ذلك يكون مقابل ما بقي له من حق المنفعة في المحل المستأجر وأما إذا انتهت مدة عقد الإجارة فلا يجوز للمستأجر أخذ الخلو ويجب عليه إعادة المحل لمالكه لأن المالك أحق بملكه. وقد أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي قراراً بشأن بدل الخلو جاء فيه ما يلي: أولاً: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي: 1. أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد. 2. أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك، وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها. 3. أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها. 4. أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة، أو بعد انتهائها. ثانياً: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائداً عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلواً)، فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يُعد جزءًا من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة. ثالثاً: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغاً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك. أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحةً أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر. رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً، مع مراعاة

مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية. على أنه في الإجارات الطويلة المدة -خلافاً لنص عقد الإجارة طبقاً لما تسوغه بعض القوانين- لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك. أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.] مجلة المجمع عدد 4 جزء 3 ص 2171. - - -

لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه

لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه بيع الطعام قبل القبض مفسد للعقد عند أهل العلم فإذا اشترى شخص طعاماً فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه باتفاق أهل العلم لأن بيع الطعام قبل القبض لا يصح شرعاً قال ابن المنذر فيما نقله عنه الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه] المغني 4/ 83. وقال ابن رشد المالكي: [وأما بيع الطعام قبل قبضه، فإن العلماء مجمعون على منع ذلك إلا ما يحكى عن عثمان البتي. وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 119. واستدل العلماء بأدلة كثيرة على المنع من بيع الطعام قبل قبضه منها: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس وأحسب كل شيء مثله. رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)، قال ابن عباس وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) قال: وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. رواه مسلم. وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يستوفى) رواه مسلم. وعن حكيم بن حزام قال: (قلت: يا رسول اللَّه إنِّي أَشتري بيوعًا فما يحلُّ لي منها وما يحرم عليَّ؟ قال: إذا اشتريت شيئاً فلا تبِعه حتّى تقبضه) رواه أحمد.

وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري) رواه ابن ماجة والدارقطني. وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 20. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ابتعت زيتاً في السوق فلما استوجبته لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحاً حسناً فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفتُّ فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) رواه أبو داود. وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 668. قال صاحب عون المعبود: [(فلما استوجبته): أي صار في ملكي بعقد التبايع ... (فأردت أن أضرب على يده): أي أعقد معه البيع, لأن من عادة المتبايعين أن يضع أحدهما يده في يد الآخر عند العقد ... ] عون المعبود 9/ 286. وقال الإمام الترمذي: [عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس وأحسب كل شيء مثله. قال وفي الباب عن جابر وابن عمر وأبي هريرة قال أبو عيسى -الترمذي- حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا بيع الطعام حتى يقبضه المشتري. وقد رخص بعض أهل العلم فيمن ابتاع شيئاً مما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإنما التشديد عند أهل العلم في الطعام وهو قول أحمد وإسحق] سنن الترمذي 3/ 586. وقال الإمام النووي بعد أن ذكر ما رواه مسلم في هذا الباب: [باب بطلان بيع المبيع قبل قبضه ... وفي هذه الأحاديث النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه البائع, واختلف العلماء في ذلك, فقال الشافعي: لا يصح بيع المبيع قبل قبضه سواء كان طعاماً أو عقاراً أو منقولاً أو نقداً أو غيره. وقال عثمان البتي: يجوز في كل مبيع. وقال أبو حنيفة: لا يجوز في كل شيء إلا العقار. وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه. ووافقه كثيرون.

وقال آخرون: لا يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواهما. أما مذهب عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه, قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ متروك والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 130. وقد أشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى العلة في منع بيع الطعام قبل قبضه لما سأله طاووس فيما رواه البخاري عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع الرجل طعاماً حتى يستوفيه) قلت –أي طاووس- لابن عباس كيف ذاك؟ قال ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ قال أبو عبد الله مرجئون مؤخرون]. قال الإمام الشوكاني في شرحه: [ ... ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاووس قال: قلت لابن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما سأله طاووس ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاماً بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلاً فكأنه اشترى بذهبه ذهباً أكثر منه ولا يخفى أن مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول - صلى الله عليه وسلم -] نيل الأوطار 5/ 180 - 181. وما نقل عن عثمان البتي وهو أحد فقهاء التابعين من جواز بيع الطعام قبل قبضه فهو قول شاذ ومخالف لصريح الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ ابن عبد البر: [وهذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام، وأظنه لم يبلغه هذا الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه] المغني 4/ 86. وقال الإمام النووي: [أما مذهب عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه, قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ متروك والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم4/ 130.

وقال الإمام الشوكاني: [وروي عن عثمان البتي أنه يجوز بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول] نيل الأوطار 5/ 179. - - -

البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل

البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل يكتب بعض التجار هذه العبارة (البضاعة المباعة لا تُرد ولا تُستبدل) على لوحة ويعلقها في مكان بارز من متجره وهذه العبارة ليست صحيحة على إطلاقها بل في حكمها التفصيل التالي: أولاً: تكون عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) صحيحة فيما إذا وقع البيع خالياً من الخيار ومن العيوب فمن المعلوم أن عقد البيع إذا تم بصدور الإيجاب والقبول من المتعاقدين فهو عقد لازم والعقود اللازمة عند الفقهاء لا يملك أحد المتعاقدين فسخها إلا برضى الآخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا] رواه البخاري ومسلم. فإذا اشترى شخص سلعة ولم تكن معيبة ثم ذهب إلى بيته فبدا له أن يُرْجِع السلعة للبائع فلا يملك المشتري ذلك إلا إذا وافق البائع وهذا ما يسمى بالإقالة والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، ولكن إن أبى البائع أن يقيل المشتري بيعته فله ذلك وفي هذه الحالة تكون عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) صحيحة ولكن رد السلعة وإقالة المشترى أولى. ثانياً: تكون عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) باطلة إذا اشترى شخص سلعة ولما رجع إلى بيته وجد فيها عيباً فله كل الحق في رد السلعة وإن شرط البائع عليه أن (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل). قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إنه متى عَلِم بالمبيع عيباً لم يكن عالماً به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً وإثبات النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب] المغني 4/ 109. وحديث التصرية الذي أشار إليه الشيخ ابن قدامة المقدسي هو ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر) والتصرية هي حبس الحليب في الضرع لخداع

المشتري وتُعَد التصرية عيباً عند الفقهاء وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار برد المصراة وجعله حقاً للمشتري. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا أثبت الشارع الخيار لمن لم يعلم بالعيب أو التدليس؛ فإن الأصل في البيع الصحة وأن يكون الباطن كالظاهر. فإذا اشترى على ذلك فما عرف رضاه إلا بذلك فإذا تبين أن في السلعة غشاً أو عيباً فهو كما لو وصفها بصفة وتبينت بخلافها فقد يرضى وقد لا يرضى فإن رضي وإلا فسخ البيع. وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيّنَّا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)] مجموع الفتاوى 28/ 104. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (ما حكم الشرع في كتابة عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم؟ وهل هذا الشرط جائز شرعاً؟ وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع؟ الجواب: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرئُه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب. ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق. ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ... ]. فهذه الفتوى محمولة على الحالة الثانية من الحالتين اللتين ذكرتهما أي إلغاء خيار الرد بالعيب، والعلماء متفقون على أن المشتري إذا وجد عيباً فيما اشتراه كان له حق الرد وإن لم يكن البائع يعلم مسبقاً بالعيب. - - -

الإعلانات التجارية

الإعلانات التجارية الإعلانات التجارية عن السلع أمر جائز ومشروع بضوابط سأذكرها لاحقاً لأن الإعلانات تعرِّف الناس بأنواع السلع والبضائع وتعرِّفهم على أماكن بيعها وتسهل عليهم أموراً كثيرة. ومن المعروف اليوم أن الإعلان صار فناً قائماً بذاته وله طرقه ووسائله المتقدمة والمتعددة. ولكن يجب على التاجر المسلم ومن يرغب في الإعلان عن سلعه وبضائعه وغير ذلك أن يلتزم بالضوابط التالية حتى يكون إعلانه مشروعاً: 1. أن يكون الإعلان سالماً وخالياً من المحظورات الشرعية فلا يجوز الإعلان عن السلع والأمور المحرمة كالخمور والمخدرات ونوادي القمار وأفلام الجنس ونحوها. كما لا يجوز أن تستعمل في الإعلان وسائل محرمة كظهور النساء العاريات أو يظهر في الإعلان أناس يشربون الخمر ونحو ذلك. 2. أن يكون الإعلان صادقاً في التعبير عن حقيقة السلعة لأننا نلاحظ أن كثيراً من الإعلانات التجارية فيها مبالغة واضحة في وصف السلع وغالباً ما تكون هذه الأوصاف كاذبة وغير حقيقية ويعرف صدق هذا الكلام بالتجربة. إن الإعلان الكاذب عن السلع والذي يظهرها على غير حقيقتها يعتبر تغريراً وغشاً وخداعاً وكل ذلك محرم شرعاً في شريعتنا الإسلامية ويؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مرََّ على صُبرة طعام -كومة- فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله - أي المطر - قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا). ويدخل ضمن الغش والخداع أن يُذكر في الإعلان أوصاف للسلعة ولا تكون فيها حقيقة. وكذلك إذا كان في السلعة عيب أخفاه المعلن ولم يذكره وباع السلعة مع علمه أنها معيبة.

فقد جاء في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه وقال العلامة الألباني: صحيح. إرواء الغليل 5/ 165. وعن أبي سباع قال: [اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسفع - رضي الله عنه - فلما خرجت بها أدركني رجل فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: وبين لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: ارتجعها. فقال صاحبها: ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد عليَّ. قال: إني سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار) رواه ابن حبان والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 164. 3. أن لا يترتب على الإعلان عن السلعة إلحاق الضرر بسلع الناس الآخرين كأن يذم الأصناف المشابهة. انظر الإعلان المشروع والممنوع في الفقه الإسلامي ص 96 - 98. لأن هذا من الضرر الممنوع شرعاً وقد صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. كما لا يجوز استغلال التشابه في الاسم التجاري أو العلامة التجارية من أجل التغرير بالمستهلكين وإيهامهم بأن سلعته مماثلة لتلك السلع المشهورة والمعروفة. وينبغي أن يعلم أن النصح واجب في المعاملة وقد ثبت في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم. وقد بين الإمام الغزالي ضوابط النصح المأمور به في المعاملة وهي: 1. أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها لأن ذلك يعد كذباً ولا بأس أن يذكر الصفات الحقيقية الموجودة في السلعة من غير مبالغة. 2. أن يظهر جميع عيوب المبيع ولا يكتم منها شيئاً فذلك واجب فإن أخفى شيئاً من العيوب كان ظالماً غاشاً والغش حرام وكان تاركاً للنصح في المعاملة والنصح واجب.

جوائز التجار

3. أن لا يكتم من مقدار السلعة شيئاً وذلك بتعديل الميزان والمكيال والاحتياط في ذلك. قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} سورة المطففين الآيات 1 - 3. 4. أن يصدق في سعر الوقت ولا يخفي منه شيئاً. ثم قال الغزالي بعد ذلك: [فليس له أن يغتنم فرصة وينتهز غفلة صاحب المتاع ويخفي من البائع غلاء السعر أو من المشتري تراجع الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالماً تاركاً للعدل والنصح للمسلمين] انظر إحياء علوم الدين 4/ 76 - 80. - - - جوائز التجار إن ترويج التجارة اليوم أصبح فناً قائماً بذاته وصار التجار يتبعون أساليب كثيرة ومختلفة من أجل تسويق بضائعهم وبعض هذه الأساليب غير مشروع كالجوائز التي يعلن عنها التجار بأن من اشترى عندهم بمبلغ ما يحصل على كوبون ثم يدخل في سحب على سيارة أو ثلاجة أو نحو ذلك فهذا نوع من القمار المسمى باليانصيب لما يلي: 1. لأن المشتري يقدم على الشراء وهو على خطر فربما يحصل على الجائزة وربما لا يحصل عليها. 2. إن التجار الذين يمارسون هذا النوع من الترويج لبضائعهم يقومون غالباً برفع أثمان السلع حتى يتمكنوا من تغطية قيمة الجوائز من مجموع المشترين فيربح واحد من المشترين أو اثنان مثلاً ويخسر الآخرون. 3. إن مثل هذه الأساليب تدفع كثيراً من الناس إلى الشراء دونما حاجة رغبة في الحصول على الجائزة الموعودة وهذا يؤدي إلى الإسراف وترسيخ النهج الرأسمالي في الاستهلاك.

4. إن مثل هذه الأساليب تؤدي إلى تنمية الضغينة والحقد والحسد في قلوب الخاسرين من المشترين وهم الأكثر لأن الرابحين قلة. راجع كتاب (الميسر والقمار) ص 168 - 169. ولا شك أن هذا الأسلوب يدخل في الميسر المحرم (القمار) يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة الآية 90. وقد سئل الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله عن جوائز التجار فأجاب: [إن رأيي في هذه المسألة هو التميِيز بين الهدايا البَسيطة التي هي من عادة التجار وعُرفهم (أنّ مَنْ يشتري كمية كبيرة من البضائع عندهم يقدِّمون إليه هديّة بسيطة تقديريّة وتَرغيبيّة له كسيارة لُعبة أولاد أو قطعة أو قِطعتين زيادة عمّا اشتراه وبين هذه الهدايا ذات القيمة الكبيرة التي يجري عليها سحب بطريقة السحب على اليانَصيب بالأرقام، فيَفوز بِها أحدُ حاملي هذه البطاقات (الكوبونات) من الزّبائن. فتلك الهدايا البسيطة المُعتادة بيْن جميع التجار لمن يشتري كَمِّية كبيرة أو مجموعة من الأصناف هي حلال؛ لأنها تَقدمةٌ تعبيريّة عن تقديرات التاجر لذلك الزبون. أما هذا النوع الذي سألت عنه من الهدايا ذات القيمة الكبيرة كالسيارة والثلاجة، مما يجري عليه سحب بحسب أرقام القسائم التي يُعطونها لمن يشتري ما لا يقل عن مقدار معين من المُشتريات، ثم يسحب دوريًّا على القَسائم لاستحقاق تلك الهدية الثمينة، والتي أصبح المشترون يشترون من عند هذا التاجر لأخذ هذه القسائم، فلا أراها إلا من قَبيل اليانصيب التِّجاري الذي هو اليوم في نظر علماء الشريعة ضَرْبٌ من المُقامَرة مُحرَّم يأثَم فيه الطرفان التاجر والزبون، ولا يكون ما يَستحقُّه بهذه الطريقة حلالاً، ولا سيما أنَّه يضرُّ اقتصاديًّا بصِغار التُّجار الذين لا يملِكون مثل هذه الوسائل القِماريّة المُغرِية، فيصرِفُ عنهم الناسَ ويُخرِجُهم من السوق، وهذا ضرر اقتصاديٌّ كبير، والله سبحانه أعلم] فتاوى مصطفى الزرقا ص513 - 514. وعلق د. يوسف القرضاوي على الفتوى السابقة بقوله: [أنا أؤيد النظر الفقهي العميق، وأرى إضافة إلى ذلك أن هذا الأسلوب هو - في النهاية - إغلاء لقيمة السلعة على حساب عموم المستهلكين، وهو يعبر عن النمط الغربي الذي يغري الناس بكثرة الاستهلاك للسلع، وإن لم يكن

بيع المحرمات المتاجرة بأفلام الفيديو والمجلات الإباحية

بهم حاجة إليها، على خلاف المنهج الإسلامي الذي يحث على الاعتدال أبداً] المصدر السابق ص514. كما سئُل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله سؤالاً هذا نصه: [هل يجوز أن أعلن للجميع أن من يشتري من عندي سيارة يحصل على رقم، ولمدة محدودة، وبعدها يجُعل سحب على هذه الأرقام، فالذي يُسحب رقمه يحصل على جائزة قيمة، وبذلك أُرغَّب في بضاعتي ويكثر زبائني. أفتونا عن هذه الطريقة جزاكم الله خيراً؟ فأجاب: هذا لا يجوز لأنه إما قمار أو شبيه به، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة الآية 90. والميسر: هو القمار الذي يكون الداخل فيه بين غانم وغارم]. فقه وفتاوى البيوع ص414. - - - بيع المحرمات المتاجرة بأفلام الفيديو والمجلات الإباحية إن المتاجرة في أفلام الفيديو والمجلات الإباحية التي تعرض المحرمات كأفلام الجنس والخلاعة والمجون والرذائل والأفلام البوليسية التي تعلم الناس وسائل الإجرام وتسهم في نشر الجرائم والرذائل وصور النساء العاريات ونحوها حرام شرعاً، فالتعامل في هذه الأشرطة والمجلات بيعاً أو شراءً أو إجارةً أو إهداءً أو تبادلاً بدون مقابل كل ذلك محرم شرعاً لأنها تسهم بلا شك في نشر الفاحشة بين المسلمين يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية 19. وكذلك فإنه يعد من باب التعاون على الإثم والعدوان والله سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2.

بيع التماثيل والصلبان في محلات السنتواري وغيرها

وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز لمالكي العقارات والمحلات التجارية أن يؤجروها لأمثال هؤلاء، تجار أشرطة الفيديو والمجلات الخليعة. وأما إذا كانت أشرطة الفيديو تعرض البرامج النافعة والمفيدة كالأشرطة العلمية والطبية والتاريخية ونحو ذلك مما لا يتعارض مع أحكام الشريعة فيجوز التعامل بها. - - - بيع التماثيل والصلبان في محلات السنتواري وغيرها يحرم شرعاً بيع التماثيل والصلبان للمسلم ولغير المسلم وقد ثبت في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه - أذابوه - ثم باعوه فأكلوا ثمنه) رواه البخاري ومسلم. والعلة في تحريم بيع الأصنام كونها ليس فيها منفعة مباحة وأنها وسيلة من وسائل الشرك فيحرم بيعها سواء اتخذت للعبادة أو للزينة وسواء كانت على شكل إنسان أو حيوان وسواء بيعت للمسلمين أو لغيرهم. كما ويحرم بيع أي شيء له علاقة بعقيدة غير المسلمين كالمنتجات الخاصة بعيد رأس السنة (الكريسماس) وما يسمى عيد الحب (فالنتاين) ونحوهما. - - -

استعمال الدمى لعرض الملابس

استعمال الدمى لعرض الملابس في كثير من محلات بيع الملابس النسائية تعرض الملابس على دمى على شكل امرأة وهذه الأصنام تكون بحجم الانسان الكامل وهذا أمر محرم فلا يجوز عرض الملابس على هذه الدمى إلا إذا كانت مقطوعة الرأس؛ فقد ورد في الحديث عن أبي الهياج الأسدي قال: (قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن، ومر بالكلب فيُخْرَج، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان ذلك الكلب جرواً للحسن أو الحسين تحت نضد له - متاع البيت المنضود فوقه فوق بعض - فأمر به فأخرج) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. - - - حكم بيع الأغذية المصنعة المنتهية الصلاحية إن الأغذية التي لها تاريخ لانتهاء الصلاحية ومثلها الأدوية، لم يوضع عليها تاريخ انتهاء الصلاحية عبثاً وإنما بعد دراسة لصلاحية مركباتها وهذا يعتمد على دراسات علمية يقررها صانعو الأدوية والأغذية. وبناءً على ذلك وبعد سؤال أهل الخبرة في هذا الشأن فإن استعمال الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها قد يلحق الضرر والأذى بمن يستهلكها. وعليه فإنه لا يجوز شرعاً بيع الأغذية والأدوية بعد انتهاء صلاحيتها لأن في ذلك إضراراً بالناس وإلحاقاً للأذى بهم ويحرم على المسلم أن يلحق الضرر بغيره لما ورد في الحديث الشريف أن

الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني: صحيح. إرواء الغليل 3/ 408. وإذا ثبت أنه قد لحق ضرر بمن استهلك الأغذية أو الأدوية المنتهية الصلاحية فإن من باعها يكون مسئولاً عن ذلك وينبغي أن يعاقب على ذلك. ومن جهة أخرى فإن بيع الأغذية والأدوية المنتهية الصلاحية مع علم البائع بذلك يعتبر غشاً وكتماناً لعيب السلعة عن المشتري والغش محرم في الشريعة الإسلامية. فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مرَّ على صُبرة طعام -كومة- فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حمل السلاح علينا فليس منا ومن غشنا فليس منا) رواه مسلم. والحديثان ظاهران في الدلالة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من نقص أو عيب. وهذا ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لما جاء في الحديث الشريف من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. والغش حرام بصورته السلبية وهي مجرد السكوت عن العيب والنقص وبصورته الإيجابية وهي القيام بجهد ما في إخفاء العيب أو تزيين السلعة. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينة وكان يشوبه بالماء وكان معه في السفينة قرد قال: فأخذ الكيس وفيه الدنانير، قال: فصعد الذرو – أعلى السفينة - ففتح الكيس فجعل يلقي في البحر ديناراً وفي السفينة ديناراً حتى لم يبق فيه شيء) رواه أحمد. - - -

بيع العنب لمن يعصره خمرا

بيع العنب لمن يعصره خمراً يحرم على المسلم أن يبيع العنب لشخص يصنع منه خمراً سواء كان ذلك الشخص مسلماً أو غير مسلم ويشترط لتحريم ذلك علم البائع بأن المشتري يصنع من العنب خمراً وهذا مذهب المالكية والحنابلة والمعتمد عند الشافعية هو مذهب الظاهرية، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه الله: [وهذا النهي يقتضي التحريم] المغني 4/ 167. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث: (لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 27. ويدل على ذلك ما روي في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، كما قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص 167. وقد خالفه بعض المحدثين في تحسينه الحديث. وقد روى محمد بن سيرين (أن قيماً كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح إلا لمن يعصره -يجعله خمراً- فأمر بقلعه وقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر] المغني 4/ 168. وروى ابن حزم بسنده عن عطاء قال: [لا تبعه لمن يجعله خمراً] المحلى 7/ 522. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بيع العنب لمن يجعله خمراً فقال: [لا يجوز بيع العنب لمن يعصره خمراً بل قد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يعصر العنب لمن يتخذه خمراً فكيف بالبائع له الذي هو أعظم معاونة ولا ضرورة لذلك فإنه إذا لم يمكن بيعه رطباً ولا تزبيبه فإنه يتخذه خلاً أو دبساً ونحو ذلك] مجموع الفتاوى 29/ 236. وهنا لا بد من توضيح قاعدة هامة تتعلق بهذه المسألة وهي ما قرره العلماء من أن للوسائل أحكام المقاصد. قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي

بيع السجائر

أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. فوسيلة المحرم محرمة أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام. - - - بيع السجائر إن نبتة الدخان لم تكن معروفة في ديار الإسلام لذلك لم يتعرض لها الفقهاء المتقدمون في مؤلفاتهم وأول ما عرف الدخان في بلاد المسلمين في حوالي الألف للهجرة كما ذكر بعض العلماء ولما شاع التدخين اختلف الفقهاء في حكمه فمنهم من رأى أنه مباح ومنهم من رأى أنه حرام وخلافهم هذا كان قبل وقوفهم على أضرار التدخين، أما الآن فقد أصبحت أضرار التدخين معلومة علماً تاماً ومقطوعاً بها. فقد اتفقت على أضراره الهيئات العلمية والمجامع الطبية وقررت أنه سبب رئيس للسرطان وتليف الكبد وأمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية وسرطان الفم وغيرها من الأمراض الخبيثة لذلك رأى كثير من العلماء المعاصرين أن التدخين حرام وهذا هو القول الصحيح إن شاء الله تعالى. ويلحق بالدخان ما يسمى بالمعسل والشيشة (الأرجيلة) وغير ذلك من الأنواع. وإذا قلنا بتحريم التدخين فيحرم كل ما يتعلق به من بيع وتوزيع وتقديمه للناس والدعاية له ... إلخ. وهذا التحريم مستند لما يلي: أولاً: ضرر التدخين المؤكد على صحة الإنسان المدخن وغيره: وهذا ما أكده أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء والكيميائيين وغيرهم فالدخان يتكون من مجموعة كثيرة من المواد منها أكثر من خمسة عشر نوعاً من السموم الفتاكة كالنيكوتين الذي يعد من السموم القوية والفعالة وله أثر سيء على الكلية والجهاز العصبي والدم، ومنها أول أكسيد الكربون وهو معروف بتأثيره السام وله تأثير سيء على الدم. ومنها القطران وهو المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار الأسنان ونخرها وإلى التهابات اللثة وهو أخطر محتويات الدخان على الصحة ويسبب السرطان والتهابات الشعب الهوائية وغير

ذلك من المواد الضارة التي تلحق الضرر والأذى بصحة المدخن فالتدخين يضر بالفم وبالشفاه واللثة والأسنان واللسان واللوزتين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأعصاب والدورة الدموية والجهاز البولي كما أن للتدخين ضرراً على النسل لذلك تُنصح الحوامل بعدم التدخين وما كان ضرره كذلك فلا شك في حرمته لأن الإسلام يحرم كل ضار يقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. وقال الإمام النووي: [كل ما أضر أكله كالزجاج والحجر والسم يحرم أكله]. ثانياً: ضرر التدخين المالي: لا شك أن الملايين تُنْفَق على التدخين وما يتعلق به وكذلك فإن الملايين تنفق في علاج الأمراض التي تنتج عن التدخين وأن الأرقام التي تذكر في هذا المجال أرقام كبيرة جداً مما يؤكد الضرر البالغ للتدخين على الناحية الاقتصادية على مستوى الأفراد والشعوب، والإسلام لا يقر أبداً إنفاق الأموال في هذه الجوانب فإن إنفاق المال في التدخين إنفاق له فيما لا ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة. ثالثاً: يقول د. يوسف القرضاوي: [وهناك ضرر آخر يغفل عنه عادة الكاتبون في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي وأقصد به أن الاعتياد على التدخين وأمثاله يستعبد إرادة الإنسان، ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يوماً لسببٍ ما. كظهور ضررها على بدنه أو سوء أثرها في تربية ولده أو حاجته إلى ما ينفق فيها لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم أو نحو ذلك من الأسباب لهذا الاستعباد النفسي لدى بعض المدخنين يجور على قوت أولاده والضروري من نفقة أسرته ومن أجل إرضاء مزاجه هذا لأنه لم يعد قادراً على التحرر منه وإذا عجز مثل هذا يوماً عن التدخين لمانع داخلي أو خارجي فإن حياته تضطرب وميزانه يختل وحاله تسوء وفكره يتشوش وأعصابه تثور لسبب أو لغير سبب] ولا ريب في أن مثل هذا الضرر جدير بالاعتبار في إصدار حكم على التدخين. رابعاً: إن التدخين خبيث عند ذوي الطباع السليمة ولا ينكر ذلك إلا مكابر ولا يقول أحد من العقلاء إنه من الطيبات والله سبحانه وتعالى يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} والدخان خبيث فهو من المحرمات.

خامساً: إن الدخان مفتر من المفترات وهذا معروف عند المدخنين وكونه لا يفتر المدمنين عليه فهذا لا يعتبر في إثبات التحريم لأن بعض المدمنين على الخمر لا يسكر من كأس أو كأسين ويحتاج إلى كمية أكبر حتى يسكر فلا يقال إن الخمر في حقه غير محرم وكذلك الحال في الدخان وقد ثبت في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل مسكر ومفتر) حديثٌ صحيح رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، والأصل في النهي أنه يفيد التحريم ما لم ترد قرينه تصرفه عن ذلك. وبعد هذا العرض الموجز لأهم الأدلة الدالة على تحريم التدخين أقرر ما قاله بعض العلماء المعاصرين من حرمة التدخين بلا شك ولكن حرمته ليست كحرمة الخمر أو الزنا فالمحرمات تتفاوت، فهي على درجات فبعضها يعد من الكبائر وبعضها صغائر وأظن أن التدخين من الأخيرة ومع ذلك فينبغي الإقلاع عن هذه العادة السيئة ولا يجوز التعامل مع كل ما يتعلق بالتدخين كصناعته وبيعه وتوزيعه والدعاية له وتقديمه للناس وغير ذلك. وأخيراً ينبغي أن يعلم أن قول من يرى أن التدخين مباح قول ضعيف لا وجه له بعد أن ثبت الضرر المؤكد للتدخين عند العامة والخاصة يقول د. يوسف القرضاوي: [ويتبين من هذا التمحيص الذي ذكرناه أن إطلاق القول بإباحة التدخين لا وجه له بل هو غلط صريح وغفلة عن جوانب الموضوع كله ويكفي ما فيه من إضاعة لجزء من المال فيما لا نفع فيه وما يصحبه من نتن الرائحة المؤذية وما فيه من ضرر بعضه محقق وبعضه مظنون أو محتمل]. وإن كان لهذا القول وجه فيما مضى عند ظهور استعمال هذا النبات في سنة ألف من الهجرة حيث لم يتأكد علماء ذلك العصر من ثبوت ضرره فليس له أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره وسيء آثاره وعلم بها الخاص والعام وأيدتها لغة الأرقام. - - -

بيع الكلاب

بيع الكلاب يجب أن يعلم أولاً أنه لا يجوز اقتناء الكلب في البيوت إلا لحاجة نافعة ككلاب الصيد وكلاب الحراسة لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان) رواه مسلم. وأما بيع الكلاب فمحل خلاف كبير بين أهل العلم وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم بيع الكلب وأن ثمنه حرام واستدلوا على ذلك بما يلي: 1. عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن رافع بن خديج - صلى الله عليه وسلم - قال: (سمعت رسول الله يقول: شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث) وغير ذلك من الأحاديث. وأجاز جماعة من أهل العلم بيع الكلاب التي ينتفع بها ككلاب الحراسة والصيد ويلحق بها في زماننا الكلاب التي تقتفي الأثر والتي تستعمل في تعقب آثار المجرمين والكشف عن المخدرات ونحوها فيجوز بيع هذه الكلاب، وهذا قول أبي حنيفة ومالك في رواية عنه وبه قال عطاء وإبراهيم النخعي. شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 179. وسحنون من المالكية حيث قال: [أبيعه وأحج بثمنه] أي كلب الصيد كما نقله عنه في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 11، وهو قول بعض الحنابلة. الإنصاف 4/ 28. ومال إلى هذا القول الإمام الشوكاني والعلامة الألباني وغيرهما وهو الذي أميل إليه، لما يلي: أولاً: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} سورة المائدة الآية 4.

ووجه الدليل في الآية الكريمة قوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ}، قال القرطبي: [معنى: {مُكَلِّبِينَ}، أصحاب الكلاب وهو كالمؤدب صاحب التأديب] تفسير القرطبي 6/ 66. وهذه الآية تدل على جواز اتخاذ الكلاب للصيد ويفهم من ذلك أنها أداة للصيد ينتفع بها وما كان كذلك يجوز بيعه ما دام أنه يجوز اقتناؤه. ثانياً: وردت بعض الأحاديث التي تستثني كلب الصيد وكلب الماشية وما في معناهما من عموم النهي المذكور في الأحاديث التي احتج بها الجمهور على المنع فمن ذلك: 1. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) رواه الترمذي وقال لا يصح من هذا الوجه، ولكن العلامة الألباني ذكر أن الحديث حسن في صحيح سنن الترمذي 2/ 24. وقد ذكر الشيخ أحمد الغماري عدة طرق يتقوى بها حديث أبي هريرة السابق، الهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 169 فما بعدها. 2. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب إلا الكلب المعلَّم) رواه النسائي وأحمد والدارقطني وطعن النسائي في سنده ولكن قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات، إلا أن النسائي طعن في صحته. فتح الباري 5/ 331. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 4: [ورد الاستثناء من حديث جابر ورجاله ثقات] وقال الشيخ أحمد الغماري: [هذا سند على شرط الصحيح] ثم ذكر له طرقا تقويه وذكر رواية عن ابن عباس فيها استثناء كلب الصيد. الهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 171. وقال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر حديث جابر: [فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للاحتجاج به] نيل الأوطار 5/ 163. وقال العلامة المحدث الألباني: [ ... ولكن معنى الاستثناء صحيح دراية للأحاديث الصحيحة التي تبيح اقتناء كلب الصيد وما كان كذلك حل بيعه وحل ثمنه كسائر الأشياء المباحة كما حققه الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار ... ] السلسلة الصحيحة 6/ 1156.

وذكر العلامة الألباني في موضع آخر أن حديث جابر وهو: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) قد رواه النسائي والبيهقي وهو على شرط مسلم وذكر له شاهدين ثم قال: [فلعل هذا الاستثناء يقوى بهذه الطرق والشواهد] التعليقات الرضية 2/ 347. وذكر صاحب إعلاء السنن - 14/ 486 فما بعدها - عدداً من الشواهد تتقوى بها هذه الأحاديث ويدل على أن الحديث الوارد في استثناء كلب الصيد لا يقل عن درجة الحسن وعليه فيجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها في الحراسة والصيد وكلاب الأثر وغير ذلك. - - -

آداب التاجر

آداب التاجر

أخلاق التاجر المسلم

أخلاق التاجر المسلم إن التجارة في الإسلام تحكمها ضوابط وقيم أخلاقية ينبغي على التجار التحلي بها، وهذه الضوابط والقيم مستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن سير الصحابة والسلف في تعاملهم التجاري. قال أبو حامد الغزالي: [وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعاً، والعدل سبب النجاة فقط وهو يجري من التجار مجرى رأس المال والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من العقلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به العامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضلٌ منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم] إحياء علوم الدين 2/ 80 - 81. وكذلك فإن الصدق والأمانة والنصيحة من أعظم أخلاق التجار فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن. سنن الترمذي 3/ 515. وفيه ضعف منجبر كما قال العلامة الألباني في غاية المرام ص 124. وعن رفاعة - رضي الله عنه - أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبرَّ وصدق) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 3/ 516، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وغير ذلك من الأحاديث. ومن الأمور التي ينبغي للتجار ألا يتعاملوا بها الغبن، وهو أن يُغلب أحد المتبايعين، وهو نوع من الخداع. قال أبو حامد الغزالي: [ ... فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن

يمتنع من قبوله فذلك من الإحسان ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلماً وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن. يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حُلل -نوع من الثياب- مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمرّ إلى الصلاة وخلَّف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للأعرابي: بكم اشتريت؟ فقال: بأربعمائة. فقال: لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها. فقال: هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها. فقال له يونس: انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها. ثم ردّه إلى الدكان وردّ عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال: والله ما أخذها إلا وهو راضٍ بها. قال: فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك، وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو من باب الظلم ... وكان الزبير بن عدي يقول: أدركت ثمانية عشر من الصحابة ما منهم أحد يحسن يشتري لحماً بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت وإنما الإحسان المحض ما نقل عن السري السقطي أنه اشترى كرّ –مكيال– لوز بستين ديناراً وكتب في روزنامجه – سجله - ثلاثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال: خذه. قال: بكم؟ فقال: بثلاثة وستين. فقال الدلال وكان من الصالحين: فقد صار اللوز بتسعين. فقال السري: قد عقدت عقداً لا أحله لست أبيعه إلا بثلاثة وستين. فقال الدلال: وأنا عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلماً لست آخذاً منك إلا بتسعين. قال: فلا الدلال اشترى منه ولا السري باعه). فهذا محض الإحسان من الجانبين فإنه مع العلم بحقيقة الحال. وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق –نوع من الثياب– بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع في غيبته غلام شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت، فقال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال

إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك. فقال: أعطني خمسة. فردّ عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال: لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا. فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفاً أو واحداً على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحاً كثيراً وبه تظهر البركة. كان علي - رضي الله عنه - يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول: [معاشر التجار خذوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره] إحياء علوم الدين 2/ 81 - 82. ولا بد أن أشير إشارة سريعة إلى دور التجار المسلمين في نشر الإسلام فقد عمل التجار المسلمون على نشر الدعوة الإسلامية بين أهل البلاد التي رحلوا إليها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالسلوك الطيب والتعامل الحسن والتودد إلى أهل البلاد وقد دخل كثير من الناس في الإسلام عن طريق التجار المسلمين، فعرفت تركستان الشرقية في الصين الإسلام عن طريق التجار المسلمين فانتشر الإسلام بين الصينيين وقد وصل التجار المسلمون إلى بلدان جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا والفلبين وغيرها وكان التجار المسلمون وراء وصول الإسلام إلى جزر المالديف التي تقع في الجنوب الغربي من سريلانكا، ودخل الإسلام فيتنام أيضاً عن طريق التجار المسلمين. وكان للتجار المسلمين دور بارز في نقل الإسلام من الشمال الإفريقي إلى وسط وشرق وجنوب إفريقيا. ووصل الإسلام إلى ألبانيا وغيرها من مناطق البلقان عن طريق التجار المسلمين قبل الفتح العثماني. وبعد هذا العرض الموجز جداً نرى أن أخلاق التجار المسلمين وحسن تعاملهم مع الناس كان له أكبر الأثر في انتشار الإسلام في مناطق شاسعة من العالم. - - -

من آداب التاجر النية الصالحة

هذه باقة من آداب التاجر المسلم من آداب التاجر النية الصالحة أخي التاجر اجعل نيتك في عملك الوصول إلى الرزق الحلال وإعفاف نفسك وأهلك عن الحرام واجعل من عملك وسيلة لنيل رضا الله عز وجل. فالنية الصالحة هي التي تقلب الأمور العادية إلى عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل فقد صح في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري. وقد ذكر الإمام الغزالي أن حسن النية من آداب التاجر المسلم فقال: [حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال عنهم واستعانة بما يكسبه على الدين وقياماً بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به ولينو النصح للمسلمين وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه ولينو اتباع طريق العدل والإحسان في معاملته ... ولينوِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عاملاً في طريق الآخرة فإن استفاد مالاً فهو مزيد وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة] إحياء علوم الدين 2/ 84. - - -

من آداب التاجر التبكير في طلب الرزق

من آداب التاجر التبكير في طلب الرزق ينبغي التبكير في طلب الرزق قال الإمام الترمذي: [باب ما جاء في التبكير بالتجارة] ثم روى بإسناده عن صخر الغامدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لأمتي في بكورها، قال: وكان -أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سريةً أو جيشاً بعثهم أول النهار وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله) ... قال أبو عيسى - الترمذي- حديث صخر الغامدي حديث حسن ... ] سنن الترمذي. قال في التحفة: [(فأثرى) أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة. وإجابة هذا الدعاء منه - صلى الله عليه وسلم -]. - - - من آداب التاجر أن يذكر الله تعالى إذا دخل السوق ورد في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة) رواه الترمذي وابن ماجة. وقال المنذري: [وإسناده حسن متصل ورواته ثقات أثبات] الترغيب والترهيب 2/ 517، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب2/ 309. وعلى التاجر أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل بالتهليل والتسبيح فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل وكان ابن عمر وابنه سالم ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة حديث الذكر في السوق المذكور سابقاً. وكان عمر - رضي الله عنه - إذا دخل السوق قال: [اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة] فهكذا تكون تجارة من يتجر لطلب الكفاية لا للتنعم في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للاستعانة بها على الآخرة كيف يدع ربح الآخرة،

والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى قال - صلى الله عليه وسلم -: (اتق الله حيثما كنت) رواه الترمذي وصححه فوظيفة التقوى لا تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الأحوال وبه تكون حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل: من أحب الآخرة عاش، ومن أحب الدنيا طاش، والأحمق يغدو ويروح في لاش، والعاقل عن عيوب نفسه فتَّاش. انظر إحياء علوم الدين 2/ 86 - 87. واعلم أخي التاجر أن من أهم مفاتيح الرزق وأسبابه التي يُستنزل بها الرزق من الله عز وجل الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من الذنوب، قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} سورة نوح الآيات 10 - 12. وقال الله تعالى عن هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} سورة هود الآية 52. فاحرص أخي التاجر على ذكر الله وداوم على التوبة والاستغفار. - - -

من آداب التاجر طرح السلام ورده

من آداب التاجر طرح السلام ورده طرح السلام -أي التسليم- من السنن الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد صح في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) رواه البخاري ومسلم. وثبت في الحديث أيضاً عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار المقسم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم. ويجب أن يعلم أن تحية المسلمين هي السلام وليس صباح الخير ولا مساء الخير ولا أي عبارة أخرى سواء أكانت بالعربية أو بغيرها من اللغات كما يفعل بعض الناس حيث إنهم يحيون بعضهم بعضاً بألفاظ غير عربية. فالسلام هو تحية أهل الإسلام بل إنها تحية أهل الجنة أيضاً، قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} سورة الرعد الآيتان 23 - 2. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} سورة النور الآية 27. وقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} سورة الذاريات الآيتان 24 - 25. فتحية الأنبياء والملائكة والمسلمين هي السلام فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خلق الله عز وجل آدم على صورته -أي صورة آدم- فلما خلقه قال: اذهب فسلم على

أولئك، نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله) رواه البخاري ومسلم. فالسلام هي تحيتنا التي ينبغي أن نستعملها وهي تحية عظيمة تحمل معنى عظيماً فهي دعاء بالسلامة من الآفات في الدين والنفس ولأن في تحية المسلمين بعضهم لبعض بهذا اللفظ عهداً بينهم على صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم. الموسوعة الفقهية 25/ 156. ولا ينبغي للمسلمين أن يستبدلوا هذه التحية العظيمة بألفاظ مستوردة مثل: Good morning، أو بونجور، أو صباح الخير، أو مساء الخير، أو بوكر توف. قال الله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} سورة البقرة الآية 61. وقد كره العلماء استعمال هذه الألفاظ وأمثالها، قال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي: [مطلب على أنه تكره التحية بصباح الخير بخلاف صبحك الله بالخير] الفتاوى الحديثية ص 133. وقال الأستاذ عمر فروخ: [ومعظم الناس إذا حيا بعضهم بعضاً قالوا: صباح الخير أو مساء الخير! والرد على هذه التحية هو: صباح النور، مساء النور، وهذه التحية هي التحية المجوسية يعتقد المجوسي بقوتين: الخير والشر يمثلهما النور والظلمة. وللمجوسي إله للخير أو النور، وإله للشر أو الظلمة وهما يتنازعان السيطرة على العالم فكان من المعقول أن يحي المجوس بعضهم بعضاً بقولهم: صباح الخير - صباح النور! ومع أن الإسلام قد أمرنا بأن نأخذ تحية الإسلام (السلام عليكم) مكان كل تحية أخرى فلا يزال العرب في معظمهم -من المسلمين ومن غير المسلمين- يتبادلون التحية بقولهم صباح الخير- صباح النور] معجم المناهي اللفظية ص 334 - 335. والأصل في التسليم أن يكون باللسان أي باللفظ وليس باليد أو بالرأس بدون تلفظ. والسلام بالإشارة باليد أو بالرأس بدون تلفظ مكروه عند أهل العلم لما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى بالكف) رواه الترمذي وضعفه ولكن له شواهد تقويه لذا حسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 346، وفي السلسلة الصحيحة 5/ 227.

ويؤيد ذلك ويقويه ما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة ص 288 عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف والإشارة)، قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي بسند جيد. فتح الباري 13/ 255. ويؤيد ذلك أيضاً أن السلف كانوا يكرهون التسليم باليد فقد روى الإمام البخاري في الأدب المفرد عن عطاء بن أبي رباح قال: كانوا يكرهون التسليم باليد. وقال العلامة الألباني: صحيح الإسناد. صحيح الأدب المفرد 1/ 385. وقال العلامة الألباني في موضع آخر: وإسناده صحيح على شرطه في الصحيح. حجاب المرأة المسلمة ص 99. ويجوز التسليم بالإشارة مع التلفظ إذا كان المسلًّم عليه بعيداً بحيث لا يسمع التسليم قال العلامة فضل الله الجيلاني: [والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حساً وشرعاً وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا الأصم] فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد 2/ 489. وقال الحافظ ابن حجر: [واستدل بالأمر بإفشاء السلام على أنه لا يكفي سراً بل يشترط الجهر وأقله أن يسمع في الابتداء وفي الجواب. ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه ... ويستثنى من ذلك حالة الصلاة فقد وردت أحاديث جيدة أنه - صلى الله عليه وسلم - ردَّ السلام وهو يصلي إشارة ... وكذا من كان بعيداً بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام] فتح الباري 13/ 255. - - -

من آداب التاجر السماحة في البيع والشراء وإنظار المعسر

من آداب التاجر السماحة في البيع والشراء وإنظار المعسر السهولة والسماحة في البيع والشراء أمر مطلوب شرعاً وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها: عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء) رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 327. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً إذا باع سهلاً إذا اشترى سهلاً إذا اقتضى) رواه الترمذي وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 326. وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أدخل الله عز وجل رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً وقاضياً ومقتضياً الجنة) رواه النسائي وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 326. أخي التاجر اطلب حقك برفق ولين فهذه هي السماحة في الاقتضاء. وأما إنظار المعسر فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 280. وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في دين الربا إلا أن سائر الديون ملحق به لحصول المعنى الجامع بينهما فإذا أعسر المديون وجب إنظاره وهو اختيار الإمام الطبري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... ) رواه مسلم. وعن أبي اليسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله في ظل عرشه) رواه مسلم.

وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه) رواه مسلم. وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا قال لا قالوا تذكر قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر قال الله عز وجل تجوزوا عنه) رواه مسلم. وفي رواية عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: (أُتيَ اللهُ بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له ماذا عملت في الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثاً قال: يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي) فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب. أخي التاجر أنظر المعسر وتجاوز عنه تجاوز الله عنا وعنك في اليوم الآخر. - - -

من آداب التاجر الصدق والأمانة

من آداب التاجر الصدق والأمانة الصدق مطلوب من المسلم عموماً في كل أموره وأحواله قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة الآية 119. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب الآية 35. وثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) رواه البخاري ومسلم. والصدق مطلوب من التاجر المسلم خصوصاً نظراً لأهمية الصدق في المعاملات، فعن حكيم بن حزام ... - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما) رواه البخاري ومسلم، فالصدق في البيع والشراء سبب لحصول البركة والكذب سبب لمحق البركة. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وجاء في الحديث عن رفاعة - رضي الله عنه - أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ورواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح. فالبر والصدق والتقى منجاة للتاجر من النار يوم القيامة.

من آداب التاجر الخلق الحسن

وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (إن أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا صدقوا لم يكذبوا، وإن ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يندموا، وإذا باعوا لم يخدعوا، وإذا كان عليهم لم يماطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا). وقد ضرب التجار المسلمون أروع الأمثلة في الصدق والأمانة فمن ذلك ما قاله النضر بن شميل: غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة وكان يونس بن عبيد خرازاً فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعاً بثلاثين ألفاً فلما كان بعد ذلك قال لصاحبه هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا؟ قال لا ولو علمت لم أبع قال هلم إلي مالي وخذ مالك فرد عليه الثلاثين ألفاً. - - - من آداب التاجر الخلق الحسن الأخلاق الحسنة من القواعد التي أكمل بنائها الإسلام فالخلق الحسن له مكانة عظيمة في دين الإسلام وقد أثنى الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بحسن الخلق فقال جل وعلا: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم الآية 4. وقد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحث على الخلق الحسن منها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وروى الإمام البخاري بإسناده عن مسروق قال كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو يحدثنا إذ قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً وإنه كان يقول إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً). وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) رواه الترمذي وحسنه. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) رواه البيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك، ورواه مالك في الموطأ، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع 1/ 464.

من آداب التاجر وفاء الكيل والميزان

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق) رواه أصحاب السنن وقال الترمذي حسن صحيح. والأخلاق الحسنة كالصدق والأمانة والوفاء بالعقود والعهود وحسن المعاملة وإنظار المعسرين وترك المماطلة في سداد الديون وأداء الحقوق لأصحابها ونحو ذلك من الأخلاق الفاضلة الحميدة كلها مطلوبة من المسلم بشكل عام ومن التاجر المسلم على وجه الخصوص. ومن المعلوم أن الإسلام قد دخل أقطاراً كثيرة على يد التجار المسلمين أصحاب مكارم الأخلاق. ولا شك أن الأخلاق من أسس بناء الأمم كما قال الشاعر: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا - - - من آداب التاجر وفاء الكيل والميزان أوجب الله عز وجل إيفاء الكيل والميزان فقال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} سورة الأنعام الآية 152. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} سورة الإسراء الآية 35. وقال تعالى: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ} سورة الشعراء الآية 181. وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} سورة الرحمن الآية 9. وقد حرم الله سبحانه وتعالى تطفيف الكيل والميزان فيقول الله عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة المطففين الآيات 1 - 6. وجاء في الحديث أن تطفيف الكيل والميزان من أسباب الشدائد والمحن التي تصيب الأمة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا

فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجة وقال العلامة الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن ابن ماجة 2/ 370. وقال الإمام الغزالي محذراً التاجر من التطفيف: [ألا يكتم في المقدار شيئاً وذلك بتعديل الميزان والاحتياط فيه وفي الكيل فينبغي أن يكيل كما يكتال قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} ولا يخلص من هذا إلا بأن يرجع إذا أعطي وينقص إذا أخذ إذ العدل الحقيقي قلما يتصور فليستظهر بظهور الزيادة والنقصان فإن من استقصى حقه بكماله يوشك أن يتعداه وكان بعضهم يقول لا أشتري الويل من الله بحبة ... وكان يقول ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض وما أخسر من باع طوبى بويل، وإنما بالغوا في الاحتراز من هذا وشبهه لأنها مظالم لا يمكن التوبة منها إذ لا يعرف أصحاب الحبات حتى يجمعهم ويؤدي حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قال: (للوزان لما كان يزن ثمنه زن وأرجح)] إحياء علوم الدين 2/ 79. والحديث المذكور رواه أصحاب السنن والحاكم وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم. أخي التاجر إياك والتطفيف في الكيل الميزان فإنه من أسباب الهلاك وما كسبته من التطفيف في الكيل الميزان سحت محرم. - - -

من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة

من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة نظراً لما يقع من كثير من التجار من الحلف واللغو والكذب أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - التجار إلى أن يخلطوا بيعهم بالصدقة فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل فقد ورد في الحديث عن قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نسمى السماسرة، فقال: (يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي رواية أخرى عن قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال: كنا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسمَّى السماسرة فمر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمانا باسم هو أحسن منه. فقال: (يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) رواه أبو داود، وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 640. وفي رواية عند النسائي قال - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر التجار إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب فشوبوه بالصدقة). قال صاحب عون المعبود: [(إن البيع يحضره اللغو): أي غالباً وهو من الكلام ما لا يعتد به, وقيل هو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغو وهو صوت العصافير. ذكره الطيبي. قال القاري: والظاهر أن المراد منه ما لا يعنيه وما لا طائل تحته وما لا ينفعه في دينه ودنياه انتهى. (والحلف): أي إكثاره أو الكاذب منه، (فشوبوه): بضم أوله أي اخلطوا ما ذكر من اللغو والحلف قاله القاري] عون المعبود شرح سنن أبي داود 9/ 124. وقد ورد في فضل الصدقة نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - منها قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} سورة الحديد الآية 18. وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} سورة البقرة الآية 245. وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة الآية 274.

وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال عمر - رضي الله عنه - أيكم يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفتنة قال: قلت أنا أحفظه كما قال قال إنك عليه لجريء فكيف قال قلت: فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف قال سليمان قد كان يقول الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ) رواه البخاري. وعن عدي بن حاتم - صلى الله عليه وسلم - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل) رواه مسلم. وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصدقة تسد سبعين باباً من السوء) رواه الطبراني في المعجم الكبير. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (داووا مرضاكم بالصدقة) رواه البيهقي في شعب الإيمان وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 634. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عن ميتة السوء) رواه الترمذي وحسنه. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صدقة السر تطفىء غضب الرب) قال العلامة الألباني صحيح بمجموع طرقه وشواهده. السلسلة الصحيحة 4/ 535. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) رواه في مسند الشهاب والزهد لابن المبارك وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 568. وغير ذلك من النصوص. - - -

من آداب التاجر الوفاء بالوعد

من آداب التاجر الوفاء بالوعد كثيرٌ من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمرت بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك وذمت من لم يف بوعده فمن هذه النصوص قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فهذه الآية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك. قال الزجاج: [المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم مع بعضكم مع بعض] نقله عنه القرطبي في تفسيره 6/ 33. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآية 3. وهذه الآية من أشد الآيات في وجوب الوفاء بالوعد لأنها تضمنت الذم الشديد لمن لم يف بما يعد. قال القرافي: [والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن يكون كذباً وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقاً] الفروق 4/ 20. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} سورة النحل الآية 91. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} سورة الإسراء الآية 34. كما أن الله سبحانه وتعالى ذم بعض المنافقين الذين لم يفوا بوعودهم كما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْءَاتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّاءَاتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} سورة التوبة الآيات 75 - 77. كما أن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهودهم ووعودهم وأثنى عليهم كما في قول الله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} سورة البقرة الآية 177. وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} سورة النجم الآية 37.

ومدح الله سبحانه وتعالى إسماعيل بقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} سورة مريم الآية 54. وورد في السنة النبوية ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى عند مسلم: (من علامات المنافق ثلاث ... ). وفي رواية ثالثة عند مسلم أيضاً: (آية المنافق ثلاث ... وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم). وجاء في حديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتها فقالت: تعال أعطك. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أردت أن تعطيه؟ فقالت: أعطيه تمراً. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) رواه أبو داود وحسّنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 943، وفي السلسة الصحيحة 2/ 384. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستعيذ في صلاته كثيراً من المأثم والمغرم -الإثم والدَّين- فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم -أي استدان- حدث فكذب ووعد فأخلف) رواه البخاري. وبعد عرض هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية أقول إن أهل العلم اختلفوا في حكم الوفاء بالوعد فمنهم من قال بأنه مندوب ومنهم من قال بأنه واجب ومنهم من قال بالتفصيل ففي حالات يجب الوفاء وفي أخرى يندب. والذي أميل إليه وأختاره وجوب الوفاء بالوعد ديانةً وقضاءً وهذا قول جماعة من أهل العلم منهم جماعة من فقهاء السلف كالفقيه المعروف ابن شبرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والقاضي سعيد بن الأشوع وإسحاق بن راهويه وغيرهم.

قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب من أمر بإنجاز الوعد. وفعله الحسن – أي الأمر بإنجاز الوعد فعله الحسن البصري - {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} سورة مريم الآية 54 - وقضى ابن الأشوع بالوعد وذكر ذلك عن سمرة. وقال المسور بن مخرمة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر صهراً له فقال: وعدني فوفاني. قال أبو عبد الله -أي البخاري- رأيت إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن أشوع] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري5/ 355. ثم ساق البخاري أربعة أحاديث في الوفاء بالوعد منها قصة أبي سفيان مع هرقل وفيه: (سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبي). ثم ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق في علامات المنافق ثم ذكر حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء أبا بكر مالٌ من قبل العلاء بن الحضرمي. فقال أبو بكر: من كان له على النبي - صلى الله عليه وسلم - دين أو كانت له قِبَلَهُ عِدةٌ فليأتنا. قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله ... - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه ثلاث مرات. قال جابر: فعدَّ في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة). ثم ذكر حديث ابن عباس في قصة وفاء موسى عليه السلام بوعده لوالد الفتاتين. فهذه الأدلة وغيرها تدل على وجوب الوفاء بالوعد. وقد ذكر الحافظ السخاوي تفصيلاً أكثر من هذا في كتابه القيم (التماس السعد في الوفاء بالوعد) وبين قوة هذا القول فقال في مقدمة كتابه: [وبعد، فهذا تصنيف لطيف سميته التماس السعد في الوفاء بالوعد، جمعت فيه ما تيسر لي الوقوف عليه من الأحاديث والآثار ومناسبات الأشعار وافتتحته بآية في المعنى مع طرف من تفسيرها الأسنى ليتوافق دليل السنة والكتاب ويظهر قوة من جنح في ذلك للوجوب من الأصحاب] التماس السعد في الوفاء بالوعد ص 30.

من آداب التاجر الإقالة

ومن لطيف ما ذكره الحافظ السخاوي: [أن مطرفاً بن عبد الله الشخير وكان من فضلاء السلف سمع رجلاً يقول: أستغفر الله وأتوب إليه. فأخذ بذراعه وقال: لعلك لا تفعل من وعد فقد أوجب]. وذكر أيضاً: [أنه قيل لبعض الصالحين وقد أصبح صائماً تطوعاً: أفطر فإن المتطوع أمير نفسه. فقال: إني لأستحي من ربي عز وجل أن أعده وعداً وهو أن أصوم ولا أوفي له بوعدي] التماس السعد ص 57 - 58. ومن كلمات السلف: [الوعد سحابة والإنجاز مطر وأحسن المواعيد ما صدقه الإمطار] التماس السعد ص 96. وأخيراً ينبغي أن يقال إن الأخذ بقول من أوجب الوفاء بالوعد يضبط معاملات الناس وخاصة في الأمور المالية وقد أخذت كثير من المصارف الإسلامية التي تتعامل وفق الأحكام الشرعية بمبدأ الإلزام بالوعد لما في ذلك من ضبط للمعاملات المالية. - - - من آداب التاجر الإقالة أخي التاجر إذا اشترى شخص سلعة منك ثم ندم على شرائها وطلب منك إرجاعها فأرجعها وأقل بيعته عسى الله أن يقيل عثرتك يوم القيامة. والإقالة عند الْفُقَهَاءِ هي: [رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ]. الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 324. والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [حديث (من أقال أخاه المسلم صفقةً كرهها, أقالهُ اللَّه عثرتَهُ يوم القيامة). أبو داود, وابن ماجه وابن حبَّان, والحاكم وَصحَّحهُ ... قال أبُو الفتح القشيرِي: هو على شرطهما وصحَّحه ابن حزمٍ. التلخيص الحبير 3/ 24.وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 182. وجاء في رواية أخرى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (منْ أقالَ نَادِمًا بَيعَتهُ, أَقَاله اللَّهُ عثرته يومَ القيامةِ) انظر إرواء الغليل 5/ 182. وجاء في رواية أخرى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أقال أخاه بيعاً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات كما قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 110. قال صاحب عون المعبود في شرح الحديث: [(من أقال مسلماً) أي بيعه (أقاله الله عثرته) أي غفر زلته وخطيئته. قال في إنجاح الحاجة: صورة إقالة البيع إذا اشترى أحد شيئاً من رجل ثم ندم على اشترائه إما لظهور الغبن فيه أو لزوال حاجته إليه أو لانعدام الثمن فرد المبيع على البائع وقبل البائع رده أزال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لأنه إحسان منه على المشتري, لأن البيع كان قد بت فلا يستطيع المشتري فسخه انتهى] عون المعبود 9/ 237. وروى الإمام مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع له أو أن يقيله فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تألَّى -أي حلف- أن لا يفعل خيراً فسمع بذلك رب الحائط فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله هو له] الموطأ ص483. وينبغي أن يعلم أن عقد البيع إذا تم بصدور الإيجاب والقبول من المتعاقدين فهو عقد لازم والعقود اللازمة عند الفقهاء لا يملك أحد المتعاقدين فسخها إلا برضى الآخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا] رواه البخاري ومسلم. ومع ذلك فقد اتفق أهل العلم على أن من آداب البيع والشراء الإقالة قال الإمام الغزالي عند ذكره الإحسان في المعاملة: [الخامس: أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أقال نادماً صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة)] إحياء علوم الدين 2/ 83.

وقال الحافظ المناوي: [(من أقال مسلماً) أي وافقه على نقض البيع أو البيعة وأجابه إليه (أقال الله عثرته) أي رفعه من سقوطه يقال أقاله يقيله إقالة وتقاؤلاً إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري إذا ندم أحدهما أو كلاهما وتكون الإقالة في البيعة والعهد، كذا في النهاية، قال ابن عبد السلام ... : [إقالة النادم من الإحسان المأمور به في القرآن لما له من الغرض فيما ندم عليه سيما في بيع العقار وتمليك الجوار] فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/ 103. ولا شك أن الإقالة من باب الإحسان والتراحم والتيسير على الناس والرفق بهم وتقديم العون لهم وإقالة عثراتهم وهي أمور مطلوبة من المسلم فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) رواه مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) رواه مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس، فإن رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه) رواه البخاري. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه) رواه أحمد ومسلم والنسائي. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف) رواه مسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يحرم الرفق يحرم الخير) رواه مسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل) رواه مسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 180.

وإنما ذكرت هذه الأحاديث لما غلب على التعامل بين الناس من طمعٍ وجشعٍ وفقدانٍ للتراحم والإحسان، لعلهم يتذكرون فيتراحمون. وأخيراً أنبه على أمرين أولهما: ما ورد في بعض ألفاظ أحاديث الإقالة من قوله - صلى الله عليه وسلم - (من أقال مسلماً بيعته) فإن ذكر المسلم في الحديث ورد من باب التغليب وإلا فإقالة غير المسلم كإقالة المسلم قال الإمام الصنعاني: [وأما كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ, وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْماً أَغْلَبِيّاً وَإِلَّا فَثَوَابُ الْإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ مَنْ أَقَالَ نَادِماً أَخْرَجَهُ الْبَزَّار] سبل السلام 3/ 796. والثاني: إن الْإِقَالَةُ َتَكُونُ وَاجِبَةً إذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ, لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِداً أَوْ مَكْرُوهاً وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْناً لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُور, لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإمكان, وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ وَاجِبَةً إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارّاً لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيراً, وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ بِالْيَسِيرِ هُنَا, لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ] الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 325. - - -

من آداب التاجر وضع الجوائح

من آداب التاجر وضع الجوائح أخي التاجر إذا كان لك دين على تاجر آخر فاحترق محله مثلاً أو أن السيول غمرته أو أصابه نحو ذلك من الجوائح فارحمه وتسامح معه فالجائحة عند الفقهاء كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم به كعارضٍ سماويٍ مثل البرد والحر والجراد والمطر. ومثل هذه الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة. انظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/ 515. وألحق بعض أهل العلم بالآفة السماوية ما يطرأ من أمور غير سماوية كالحرب. انظر الشرح الكبير 3/ 185، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 4/ 426. وعن عطاء بن أبي رباح قال: (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق) رواه أبو داود. والجائحة لها أثر واضح في التخفيف عمن أصابته ويدل على ذلك عدة أحاديث وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها: عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) رواه مسلم. وعن أنس - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي قالوا: وما تزهي؟ قال: تحمر، فقال: إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك؟) رواه مسلم. وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمر بوضع الجوائح) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) رواه النسائي. ويؤخذ من هذه الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح حتى لا يأكل المسلم مال أخيه بالباطل. فعلى التجار أن يتقوا الله في أنفسهم وفي إخوانهم وأن يتراحموا فيما بينهم يقول الله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} سورة البلد الآية 17، وورد في الحديث عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لا يَرْحم لا يُرْحم) رواه البخاري.

وجاء في رواية أخرى عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) رواه البخاري أيضاً. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شُجْنَةٌ من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. والشُجْنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق. النهاية في غريب الحديث 2/ 447. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال وهو على المنبر (ارحموا تُرحموا واغفروا يغفر الله لكم) رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 482. - - -

أخي التاجر إياك وحلف الأيمان!

أخي التاجر إياك وحلف الأيمان! كثير من التجار يكثرون من الحلف في البيع والشراء فتراهم يحلفون بالله عز وجل على أتفه الأمور ولا يعلمون أن كثرة الحلف مكروهة هذا إذا كان الحالف صادقاً قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} سورة المائدة الآية 89. قال القرطبي: [أي بترك الحلف فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم هذه التكليفات] تفسير القرطبي 6/ 285. ونقل القرطبي أيضاً عن بعض المفسرين في قوله تعالى: {ولآ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 224، [بأن المعنى لا تكثروا من اليمين بالله تعالى فإنه أهيب للقلوب ولهذا قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} وذمَّ من كثَّر اليمين فقال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} والعرب تمتدح بقلة الأيمان ... ] تفسير القرطبي 3/ 97. وأما إذا كان الحالف كاذباً متعمداً للكذب فقد وقع في الحرام قال الله تعالى: {إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة آل عمران الآية 77. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كثرة الحلف في البيع والشراء ويلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه وينضم إليه ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 220. وقال الحافظ أبو العباس القرطبي المحدّث -وهو شيخ القرطبي المفسر-: [وقوله: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح) الرواية: منفقة ممحقة -بفتح الميم وسكون ما بعدها وفتح ما بعدها- وهما في

الأصل مصدران مزيدان محدودان بمعنى: النَّفاق. والمحق أي الحلف الفاجرة تنفق السلعة وتمحق بسببها البركة فهي ذات نفاق وذات محق. ومعنى تمحق البركة أي تذهبها وقد تذهب رأس المال كما قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وقد يتعدى المحق إلى الحالف فيعاقب بإهلاكه وبتوالي المصائب عليه وقد يتعدى ذلك إلى خراب بيته وبلده كما روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع) أي: خالية من سكانها إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة. وأما محق الحسنات في الآخرة فلا بد منه لمن لم يتب وسبب هذا كله أن اليمين الكاذبة يمين غموس يؤكل بها مال المسلم بالباطل. وقوله: (إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق) إياكم معناه الزجر والتحذير ... أي: احذره واتقه وإنما حذر من كثرة الحلف لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور وإن سلم من ذلك على بعده لم يسلم من الحنث أو الندم لأن اليمين حنث أو مندمة وإن سلم من ذلك لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها والإفراط في تزيينها ليروجها على المشتري مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم بل على جهة مدح السلعة فاليمين على ذلك تعظيم للسلع لا تعظيم لله تعالى وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 4/ 522 - 523. وجاء في الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -: (أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} رواه البخاري. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم. والمسبل هو الذي يجر رداءه تكبراً واختيالاً والمنان هو الذي لا يعطي شيئاً إلا منة.

وعن سلمان - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: أُشيْمطٌ زانٍ وعائلٌ مستكبرٌ ورجلٌ جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 589. وجاء في رواية أخرى: (رجل اتخذ الأيمان بضاعة يحلف في كل حق وباطل) رواه الطبراني وقال العلامة الألباني: حسن، كما في المصدر السابق. والأشيمط الزاني هو الرجل الكبير في العمر ومع ذلك يزني والعائل المستكبر هو ذو العيال المتكبر وغير ذلك من الأحاديث. فعلى التجار أن يتقوا الله في أنفسهم وأن لا يكثروا من الأيمان. قال أبو حامد الغزالي: [ولا ينبغي أن يحلف عليه البتة فإنه إن كان كاذباً فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع. وإن كان صادقاً فقد جعل الله عرضة لأيمانه وقد أساء فيه إذا الدنيا أخس من أن يقصد ترويجها بذكر اسم الله من غير ضرورة ... فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروهاً من حيث أنه فضول لا يزيد في الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين] إحياء علوم الدين 2/ 77. وأخيراً فإن التاجر إذا كثر منه الحلف فعليه أن يكثر من الصدقة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) أي اخلطوه بالصدقة رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 640. - - -

أخي التاجر إياك والغش!

أخي التاجر إياك والغش! إن من قواعد البيع والشراء في الشريعة الإسلامية تحريم الغش بكل صوره وأشكاله وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الغش منها ما ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مرََّ على صُبرة طعام -كومة- فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا). وفي رواية أخرى للحديث السابق عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السوق فرأى طعاماً مصبراً فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً قد أصابته السماء فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال: أفلا عزلت الرطب على حدته واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، وقال العلامة الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 334 - 335. وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حمل السلاح علينا فليس منا ومن غشنا فليس منا) رواه مسلم. وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق (ليس منا) زجرٌ شديد عن الغش، ورادعٌ من الوقوع في مستنقعه الآسن. قال صاحب عون المعبود: [قال الخطابي: معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا, يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي ... وهذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك وإليك, يريد بذلك المتابعة والموافقة, ويشهد لذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}] سورة إبراهيم الآية 36. عون المعبود شرح سنن أبي داود 9/ 231. وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلمٍ باع من أخيه بيعاً فيه عيبٌ إلا بيَّنه له) رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 22.

وهذه الأدلة ظاهرة الدلالة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من نقص أو عيب. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. والغش ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كما جاء في الحديث الشريف من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. والغش بمقتضى الأحاديث السابقة يعتبر من كبائر الذنوب. قال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي: [تنبيه: عدُّ هذا -الغش- كبيرة هو ظاهر بعض ما في هذه الأحاديث من نفي الإسلام عنه مع كونه لم يزل في مقت الله أو كون الملائكة تلعنه ... وضابط الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة، ويؤخذ من حديث واثلة وغيره ما صرح به أصحابنا أنه يجب أيضاً على أجنبي علم بالسلعة عيباً أن يخبر به مريد أخذها وإن لم يسأله عنها كما يجب عليه إذا رأى إنساناً يخطب امرأة ويعلم بها أو به عيباً أو رأى إنساناً يريد أن يخالط آخر لمعاملة أو صداقة أو قراءة ... وعلم بأحدهما عيباً أن يخبر به وإن لم يستشر به كل ذلك أداء للنصيحة المتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 543. وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضاً: [ونحن لا نحرم التجارة ولا البيع والشراء فقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون ويتجرون في البزر وغيره من المتاجر، وكذلك العلماء والصلحاء بعدهم ما زالوا يتجرون ولكن على القانون الشرعي والحال المرضي الذي أشار الله تعالى إليه بقوله عز قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29. فبين الله أن التجارة لا تحمد ولا تحل إلا إن صدرت عن التراضي من الجانبين والتراضي إنما يحصل حيث لم يكن هناك غش ولا تدليس، وأما حيث كان هناك غش وتدليس بحيث أخذ أكثر مال الشخص وهو لا يشعر بفعل تلك الحيلة الباطلة معه المبنية على الغش ومخادعة الله ورسوله فذلك حرام شديد التحريم موجب لمقت الله ومقت رسوله

وفاعله داخل تحت الأحاديث السابقة والآتية، فعلى من أراد رضا الله ورسوله وسلامة دينه ودنياه ومروءته وعرضه وأخراه أن يتحرى لدينه وأن لا يبيع شيئاً من تلك البيوع المبنية على الغش والخديعة] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 546. وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضاً: [كله حرام شديد التحريم موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش خائن يأكل أموال الناس بالباطل ويخادع الله ورسوله وما يخادع إلا نفسه لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه، وكثرة ذلك تدل على فساد الزمان وقرب الساعة، وفساد الأموال والمعاملات ونزع البركات من المتاجر والبياعات والزرعات بل ومن الأراضي المزروعات، وتأمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس القحط أن لا تمطروا، وإنما القحط أن تمطروا، ولا يبارك لكم فيه) أي بواسطة تلك القبائح والعظيمات التي أنتم عليها في تجاراتكم ومعاملاتكم، ولهذه القبائح التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والصنائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم وهتكوا حريمهم بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً، وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة المتنوعة وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتخيلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها لا يراقبون الله المطلع عليهم، ولا يخشون سطوة عقابه ومقته مع أنه تعالى عليهم بالمرصاد {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} سورة غافر الآية 19. {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} سورة طه الآية 7. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} سورة الملك الآية 14. ولو تأمل الغشاش الخائن الآكل أموال الناس بالباطل ما جاء في إثم ذلك في القرآن والسنة لربما انزجر عن ذلك أو عن بعضه، ولو لم يكن من عقابه إلا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن العبد ليقذف اللقمة من حرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من حرام فالنار أولى به). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنه لا دين لمن لا أمانة له)] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 547. وقد ذكر بعض أهل العلم مضار الغش وهي: 1. الغش طريق موصل إلى النار. 2. الغش دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفسٍ هانت عليه نفسه فأوردها مورد الهلاك والعطب.

أخي التاجر إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب

3. الغش يبعد عن الله وعن الناس. 4. الغش طريق لحرمان إجابة الدعاء. 5. الغش طريق لحرمان البركة في المال والعمر. 6. الغش دليل على نقص الإيمان. - - - أخي التاجر إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب يجب على البائع أن يبين للمشتري ما في السلعة من عيب إن كان فيها ويحرم عليه أن يكتم شيئاً من عيوبها فإذا أعلم المشتري بالعيب ثم اشترى السلعة مع علمه بالعيب يكون البائع قد أبرأ ذمته فقد جاء في الحديث عن أبي سباع قال: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع فلما خرجت بها أدركني وهو يجر إزراه فقال: يا عبد الله اشتريت؟ قلت: نعم. قال: بُينَ لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: فإن بخفها نقباً. فقال صاحبها: ما أردت أي هذا أصلحك الله تفسد علي؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يحل لأحد يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بيَّنه) رواه الحاكم والبيهقي وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وقال العلامة الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 337 - 338. وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني في الكبير. وقال العلامة الألباني: صحيح. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 338. فبيع السلعة المعيبة دون بيان العيب نوع من الغش والغش محرم بجميع أشكاله وأنواعه وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صبرة -كومة- طعام فأدخل يده فيها

أخي التاجر عليك رد المفقودات إلى أصحابها

فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا) رواه مسلم. وفي رواية أخرى للحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السوق فرأى طعاماً مصبراً فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً قد أصابته السماء فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال: أفلا عزلت الرطب على حدته واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد وقال العلامة الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 334 - 335. - - - أخي التاجر عليك ردُّ المفقودات إلى أصحابها يسمى المال الضائع من صاحبه ويجده غيره لقطة والأصل في اللقطة التعريف بها والإعلان عنها إن كانت ذات قيمة وأما الأمور التافهة التي يسرع إليها الفساد كالثمار ونحوها فلا يحتاج إلى التعريف بها والإعلان عنها ويجوز لملتقطها أن ينتفع بها فقد ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) رواه البخاري ومسلم، فهذا الحديث يدل على جواز أخذ المحقرات في الحال، قال الحافظ ابن حجر: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لأكلتها) ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه لم يمتنع عن أكلها إلا تورعاً لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه لا لكونها مرمية في الطريق فقط ... ولم يذكر تعريفاً فدل ذلك على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف] فتح الباري 5/ 107 - 108. وقال الإمام الترمذي: [وقد رخص بعض أهل العلم إذا كانت اللقطة يسيرة أن ينتفع بها ولا يعرفها وقال بعضهم إذا كان دون دينار يعرفها قدر جمعة وهو قول اسحق بن إبراهيم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 518.

ويرى بعض أهل العلم أن الأمور الحقيرة التي لا يسرع إليها الفساد تعرف ثلاثة أيام واحتجوا على ذلك بما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من التقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها) رواه أحمد والطبراني والبيهقي وفي سنده كلام لأهل العلم. وأما الأمور ذات القيمة فيجب تعريفها لمدة سنة كما ثبت في الحديث عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: (أصبت صرة فيها مئة دينار فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عرِّفها حولاً فعرفتها حولاً فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال: عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثاً، فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً) رواه البخاري. وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرِّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، قال: فضالة الغنم قال: لك أو لأخيك أو للذئب قال: فضالة الإبل؟ قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربُها) رواه مسلم. والعفاص هو الوعاء الذي يكون فيه المال، والوكاء هو الخيط الذي يشد به الوعاء. وفي رواية لمسلم عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة الذهب أو الورق فقال: (اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرِّفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه) وسأله عن ضالة الإبل فقال: (مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) وسأله عن الشاة فقال: (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب). قال الإمام النووي: [وأما التعريف سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة ولا في معنى التافهة ... ولا بد من تعريفها سنة بالإجماع] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 386. ثم قال الإمام النووي: [والتعريف أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه وفي الأسواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس فيقول: من ضاع منه شيء؟ من ضاع منه حيوان؟ من ضاع منه

درهم؟ ونحو ذلك ويكرر ذلك بحسب العادة قال أصحابنا: فيعرفها أولاً في كل يوم ثم في الأسبوع ثم في أكثر منه] المصدر السابق 4/ 386 - 387. والتعريف باللقطة إذا كانت ذات قيمة واجب على الراجح من أقوال أهل العلم قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإنه واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها، وقال الشافعي: لا تجب على من أراد حفظها لصاحبها. ولنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها إنما يقيد بإيصالها إليه وطريقه التعريف أما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذاً أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها وإما بأن يجدها مع من يعرفها وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط وجب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها فإن التمليك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع] المغني 6/ 74. إذا تقرر هذا فإن العلماء قد اتفقوا على أن يد الملتقط يد أمانة فإذا تلفت اللقطة عنده أثناء الحول بلا تعدٍ منه ولا تقصير فلا ضمان عليه وأما إذا تعدى أو قصّر فعليه الضمان. - - -

أخي التاجر إياك والنجش

أخي التاجر إياك والنجش النجش هو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شرائها ليغري المشتري بالزيادة، والنجش حرام بنص أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النجش) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أن يبيع حاضرٌ لبادٍ ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه) رواه البخاري ومسلم. ومن صور النجش أن يأتي الرجل الذي يفصل السلعة إلى صاحب السلعة فيستام بأكثر مما تسوى وذلك عندما يحضره المشتري يريد أن يغتر المشتري به وليس من رأيه الشراء إنما يريد أن يخدع المشتري بما يستام وهذا ضرب من الخديعة. قال الشافعي: وإن نجش رجل فالناجش آثم فيما يصنع والبيع جائز لأن البائع غير الناجش هذا ما قاله الإمام الترمذي. أخي التاجر إياك واستغلال جهل المشتري بالأسعار: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن استغلال جهل المشترى بأسعار السلع في الأسواق نظراً لأنه ليس من أهل المنطقة مثلاً أو لغير ذلك من الأسباب فقد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقي الركبان من أهل البادية قبل وصولهم للسوق لما في ذلك من استغلال لجهلهم بالأسعار ولما فيه من التضييق على أهل الحاضرة. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد) رواه البخاري. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد). وفي رواية (قال طاووس لابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكن له سمساراً). وفي رواية (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). وفي رواية عن أنس: (نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه أو أباه). هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي, وبه قال الشافعي والأكثرون. قال أصحابنا: والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه, فيقول له البلدي: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى] شرح النووي على صحيح مسلم.

وعلة النهي عن بيع الحاضر للبادي: [ ... ما يؤدي إليه هذا البيع من الإضرار بأهل البلد، والتضييق على الناس. والقصد أن يبيعوا للناس برخص. قال ابن القاسم: لم يختلف أهل العلم في أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لنفع الحاضرة، لأنه متى ترك البدوي يبيع سلعته، اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها، وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد، ضاق على أهل البلد، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعليله إلى هذا المعنى] الموسوعة الفقهية الكويتية9/ 82. ويمكن أن يكون النهي حتى لا يحول أهل الحاضرة بين وصول أهل البادية إلى الأسواق ومعرفة الأسعار الحقيقية فيشتري أهل الحاضرة السلع بأرخص الأسعار ثم يغالون في أسعارها. - - -

أخي التاجر احذر الرشوة والهدية للمسوؤل

أخي التاجر احذر الرشوة والهدية للمسوؤل روى الإمام البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: (استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدي إليَّ. فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلَّا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ... ). وهذا الحديث الصحيح يدل على عدم جواز الهدية للمسئولين إذا كانت الهدية جاءتهم بحكم المسؤولية التي يحملونها وتعتبر هذه الهدية في حكم الرشوة فإذا أهدى شخص هدية إلى موظف في وظيفة ما ولم يكن بينهما تهادٍ قبل توليه لتلك الوظيفة فلا يجوز أن يقبل الهدية. جاء في المغني عند الكلام على الهدية للقاضي قال: [ولا يقبل هدية من لم يكن يهدي إليه قبل ولايته وذلك لأن الهدية يقصد بها في الغالب استمالة قلبه ليعتني به في الحكم فتشبه الرشوة ... ] المغني 10/ 68. وبناء على ما تقدم أقول لك أخي التاجر إياك أن تقدم هدايا للموظفين الذين لهم علاقة بتجارتك لتسهيل معاملاتك، فهذه الهدايا ما هي في الحقيقة إلا رشاوى وقد ورد في الحديث (أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن الراشي والمرتشي) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني. واللعن هو الطرد من رحمة الله. فاحذر أخي التاجر أن تكون من المطرودين من رحمة الله تعالى. - - -

أخي التاجر احذر أكل السحت

أخي التاجر احذر أكل السحت ورد الوصف بأكل السحت في ثلاث آيات من القرآن الكريم وذلك في سورة المائدة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} سورة المائدة الآيتان 41 - 42. وقال الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة المائدة الآية 62. وقوله تعالى: {لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} سورة المائدة الآية 63. قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي الحرام وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. انظر تفسير القرطبي 6/ 183. وقيل لأنه لا بركة فيه لأهله فيهلك هلاك الاستئصال غالباً. وقيل لأنه يسحت مروءة الإنسان. والسحت المقصود في الآية هو الرشوة على الحكم وذلك على المشهور عند المفسرين وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري. تفسير الألوسي 3/ 309. وروى الإمام البخاري تعليقاً عن محمد بن سيرين أنه قال: [كان يقال السحت الرشوة في الحكم]. وقال الحافظ ابن حجر: [وأشار ابن سيرين بذلك إلى ما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قوله في تفسير السحت أنه الرشوة في الحكم أخرجه ابن جرير بأسانيد عنهم. ورواه من وجه آخر مرفوعاً ورجاله ثقات ولكنه مرسل ولفظه: كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم] فتح الباري 5/ 360.

قال الحافظ ابن عبد البر: [وفيه دليل على أن كل ما أخذه الحاكم والشاهد على الحكم بالحق أو الشهادة بالحق سحت وكل رشوة سحت وكل سحت حرام ولا يحل لمسلم أكله وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين. وقال جماعة من أهل التفسير في قول الله عز وجل: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قالوا: السحت الرشوة في الحكم وفي السحت كل ما لا يحل كسبه] فتح المالك 8/ 223. ويدخل تحت السحت كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله، ومن السحت الربا والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة والأصنام والتماثيل والمال المأكول بالباطل كمن يسأل الناس وهو ليس بحاجة فإن ما يأكله من المال يعتبر سحتاً فقد جاء في الحديث عن قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: (تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. قال ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال سداداً من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن جابر - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. قال الشيخ المناوي بعد أن ذكر الحديث: [هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال الناس بالباطل من الكبائر] فيض القدير 5/ 23. وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون بعدي فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد عليَّ الحوض ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ويرد عليَّ الحوض. يا كعب بن عجرة: الصلاة برهان والصوم جنة حصينة والصدقة

أخي التاجر احذر من استعمال الورق المكتوب عليه الآيات القرآنية لتغليف السلع

تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189. وعن أبي بكر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله الهيثمي. مجمع الزوائد 10/ 293. وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 320. - - - أخي التاجر احذر من استعمال الورق المكتوب عليه الآيات القرآنية لتغليف السلع أخي التاجر اعلم أنه لا يجوز شرعاً أن تلف السلع بالأوراق التي كتب عليها آيات القرآن الكريم لما في ذلك من امتهان لآيات الكتاب الكريم لأنه يجب شرعاً تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية 30. قال الإمام القرطبي: [{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ... فشعائر الله أعلام دينه ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. ولا شك أن آيات القرآن الكريم من أعظم شعائر الله فتجب صيانتها وحفظها من الامتهان وعندما تلف البضاعة بهذا الورق الذي كتبت عليه آيات القرآن الكريم فهذا يعرضها للامتهان وهذا أمر محرم. - - -

أخي التاجر احذر الأمور التالية:

أخي التاجر احذر الأمور التالية: الأول: التنزيلات الوهمية فهي نوع من الغش والتحايل على الناس وخاصة إذا كانت البضاعة منتهية الصلاحية أو فيها عيوب خفية. الثاني: إزعاج الناس بمكبرات الصوت عند المنادة على البضاعة. الثالث: إزعاج الناس بالموسيقى ورفع أصوات المذياع والمسجل والتلفزيون. الرابع: احذر من وضع بضائعك في الطريق العام فهذا ليس من حقك فلا ضرر ولا ضرار. الخامس: احذر من بيع الملابس وكذا غيرها من السلع المكتوب عليها آيات من القرآن الكريم لما في ذلك من ابتذال لكلام رب العالمين وتعريضه للإهانة وهذا لا يفعله مسلم. تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

فهرس الموضوع ... الصفحة مقدمة ... 5 تمهيد في التفقه في أحكام التجارة ... 9 التجارة في الكتاب والسنة ... 13 التجارة في الكتاب الكريم ... 14 التجارة في السنة النبوية ... 16 التجارة لا تلهي عن الواجبات عامة ولا تلهي عن الصلوات خاصة ... 20 التجار من الصحابة ... 25 فقه التجارة ... 33 البيع وشروطه ... 35 الكسب الحلال ... 38 ضوابط الكسب ... 41 توثيق المعاملات بالكتابة ... 45 الإشهاد على العقد ... 49 حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة ... 52 كيفية حساب زكاة أموال التجارة ... 55 يقدر نصاب النقود في الزكاة بالذهب دون الفضة ... 58 زكاة مال الشركاء ... 60 زكاة الأسهم ... 62 زكاة البضاعة الكاسدة ... 63 التهرب من أداء الزكاة ... 65

تعجيل الزكاة ... 68 لا يجوز احتساب الدَّين من الزكاة ... 70 لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها ... 72 مصارف الزكاة ... 74 صرف الزكاة للعمال العاطلين عن العمل ... 78 مصرف (وفي سبيل الله) في آية الصدقات ... 79 دفع الزكاة للأقارب ... 81 حكم أخذ غير المستحق من أموال الزكاة ... 84 تحديد ربح التجار ... 87 العربون في البيع جائز ... 89 تسمية الثمن في البيع شرط لصحته ... 91 معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تبع ما ليس عندك) ... 93 البيع بالتقسيط ... 98 بيع الجزاف ... 100 السمسرة وأجرة السمسار في البيع وغيره ... 102 الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية ... 104 الفرق بين الربح والربا ... 109 بيع المرابحة للآمر بالشراء ... 112 يحرم وضع المال في البنوك الربوية ... 115 الحساب الجاري في البنوك الربوية ... 117 التقسيط الميسر مع البنوك الربوية ... 118 حساب التوفير ربا ... 121 الاقتراض بالربا (الفائدة) للضرورة ... 122 بيع العينة وبيع التورق ... 126

كل قرض جرَّ نفعاً فهو رباً ... 129 تحريم الكفالة في قرض ربوي ... 131 حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحياناً ... 132 حكم السندات ... 135 التخلص من الفوائد الربوية ... 138 حكم التعامل ببطاقات الائتمان (بطاقات الفيزا) وغيرها ... 142 حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة) ... 146 استلام الشيك الحالّ بمثابة قبض النقود ... 151 التعامل بالشيكات الآجلة ... 153 بيع الشيكات المؤجلة بعملة أخرى ... 155 صرف العملة مع تأجيل القبض ... 155 حكم شراء الذهب بالشيكات وحكم بيع الذهب إلى أجل ... 156 حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة ... 157 صرف دولارات من الفئة الكبيرة بدولارات من الفئة الصغيرة ... 159 الاختلاف بين البائع والمشتري بسبب هبوط قيمة العملة ... 160 سداد الدَّين بعملة أخرى ... 161 الخصم من الدَّين إذا عجل المدين السداد ... 163 لا يجوز الاشتراط في القرض دفع غرامة مالية إذا تأخر المقترض في السداد ... 166 لا يصح اشتراط عقد آخر مع القرض ... 169 المماطلة في سداد الدَّين ... 170 عقد المضاربة ... 173 لا تجوز المشاركة بالمال مقابل مبلغ ثابت من الربح ... 175 يجوز تقاضي الشريك راتباً شهرياً زيادة على نسبته من الربح ... 178 بيع المزايدة ... 180

الغبن في التجارة ... 183 لا يجوز شراء المال المسروق ... 185 خلو الرِّجل ... 186 لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه ... 188 البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل ... 192 الإعلانات التجارية ... 194 جوائز التجار ... 196 بيع المحرمات (المتاجرة بأفلام الفيديو والمجلات الإباحية) ... 198 بيع التماثيل والصلبان في محلات السنتواري وغيرها ... 199 استعمال الدمى لعرض الملابس ... 200 حكم بيع الأغذية المصنعة المنتهية الصلاحية ... 200 بيع العنب لمن يعصره خمراً ... 202 بيع السجائر ... 203 بيع الكلاب ... 206 آداب التاجر ... 209 أخلاق التاجر المسلم ... 211 من آداب التاجر النية الصالحة ... 214 من آداب التاجر التبكير في طلب الرزق ... 215 من آداب التاجر أن يذكر الله تعالى إذا دخل السوق ... 215 من آداب التاجر طرح السلام ورده ... 217 من آداب التاجر السماحة في البيع والشراء وإنظار المعسر ... 220 من آداب التاجر الصدق والأمانة ... 222 من آداب التاجر الخلق الحسن ... 223 من آداب التاجر وفاء الكيل والميزان ... 224

من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة ... 226 من آداب التاجر الوفاء بالوعد ... 228 من آداب التاجر الإقالة ... 231 من آداب التاجر وضع الجوائح ... 235 أخي التاجر إياك وحلف الأيمان ... 237 أخي التاجر إياك والغش ... 240 أخي التاجر إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب ... 243 أخي التاجر عليك رد المفقودات إلى أصحابها ... 244 أخي التاجر إياك والنجش ... 247 أخي التاجر احذر الرشوة والهدية للمسئول ... 249 أخي التاجر احذر أكل السحت ... 250 أخي التاجر احذر من استعمال الورق المكتوب عليه الآيات القرآنية لتغليف السلع ... 252 أخي التاجر احذر الأمور التالية ... 253

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه 1. الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة الماجستير) 2. بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة الدكتوراه) 3. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 4. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 5. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 6. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 7. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 8. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 9. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 10. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 11. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 12. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 13. شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) 14. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي 12 جزءاً بالاشتراك (صدر الأول منها) 15. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 16. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 17. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 18. الزواج المبكر (بحث) 19. الإجهاض (بحث) 20. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 21. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامة المحدث الألباني (كتاب)

22. اتباع لا ابتداع (كتاب) 23. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 25. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 26. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 27. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 28. التنجيم (بحث بالاشتراك) 29. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك) 30. يسألونك الجزء السابع (كتاب) 31. المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) 32. يسألونك الجزء الثامن (كتاب) 33. يسألونك الجزء التاسع (كتاب) 34. فهرس المخطوطات المصورة الجزء الثاني (الفقه الشافعي) بالاشتراك (كتاب) 35. فقه التاجر المسلم وآدابه (هذا الكتاب) موقع الأستاذ الدكتور حسام الدين على شبكة الانترنت: www.yasaloonak.net وعنوان البريد الإلكتروني: yasaloonak.net.fatawa@

§1/1