فقه الأسرة

أحمد علي طه ريان

مقدمة

مقدمة ... أهمية الأسرة وعناية الإسلام بها: ينبثق نظام الأسرة من معين الفطرة وأصل الخلقة وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعًا وللمخلوقات كافّة، قال جل شأنه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 1, وقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} 2. إن النظام الإسلامي يجعل الأسرة هي العمود الفقري الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وقد أحاطها الإسلام برعايةٍ عظيمةٍ في كل مراحل تكوينها، وقد استغرق تنظيمها وحمايتها وتطهيرها من فوضى الجاهلية جهدًا كبيرًا، وأحاطها كذلك بكلِّ المقومات اللازمة لإقامة هذه القاعدة الأساسية الكبرى للمجتمع المسلم. ونظرًا لأهمية هذه القاعدة في تكوين النظام الاجتماعي ربطها الإسلام بجاذبية الفطرة بين الجنسين؛ حيث أودع في كل طرف رغبة ملحة للطرف الآخر لتحقيق المودة والسكينة التي يبحث عنها كل منهما لدى الآخر، وما ذاك إلّا لتتجه إلى إقامة الأسرة القوية, وتكوين البيت الصالح الذي يتكون من مجموعهما المجتمع الصالح، قال جل شأنه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} 3, وقال عز من قائل: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} 4. إن الأسرة هي الوضع الفطري الذي ارتضاه الله تعالى لحياة الناس منذ فجر الخليقة وفضله لهم، واتخذ من الأنبياء والرسل مثلًا، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} 5.

_ 1 سورة الذاريات الآية 49. 2 سورة يس الآية 36. 3 سورة الروم الآية 21. 4 سورة النحل الآية 80. 5 سورة الرعد الآية 38.

ويبحث عنها لدى الطرف الآخر، وتلك السكينة التي تظلل هذه الخلية الناشئة، وهذه المرحمة التي تغمر قلبي طرفيها، هذه المعاني كلها تجعل الرجل يندفع للارتباط بأنثاه، مضحيًّا من أجلها بماله، ومغيرًا طريقه حياته, مستبدلًا بروابطه السابقة روابط أخرى.. وهي التي تجعل المرأة تقبل الانفصال عن أهلها ذوي الغيرة عليها، وتترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها لترتبط بالزواج برجل غريب عنها, تقاسمه السرّاء والضرّاء، وتسكن إليه ويسكن إليها، ويكون بينهما من المودة والمرحمة أقوى من كل ما يكون بين ذوي القربى، وما ذلك إلّا لثقتها بأن صلتها به ستكون أقوى من أيِّ صلة، وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة، وهذا ميثاق فطري من أغلظ المواثيق وأشدها إحكامًا. من أهم المقاصد التي أرادها الإسلام من تكوين الأسرة: 1- تنظيم الطاقة الجنيسة: هذه الطاقة خلقت في الإنسان سواء كان ذكرًا أم أنثى لتحقيق غاية جليلة، وهي التناسل والتوالد والتكاثر بغرض استمرار الجنس البشري لتتحقق العمارة التي أرادها الله تعالى للأرض. وإنما شرع الزواج والأسرة ليكون الزواجُ أداةً, وتكون الأسرة وعاءً شرعيًّا نظيفًا لاستقبال هذه الطاقة وتوظيفها في المحل الصحيح. ولولا الزواج الذي هو تنظيم لتلك الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوى الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان في سبيل تلبية هذه الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع، وعندئذ لن يكون هو الإنسان الذي كرَّمه ربه ونفخ فيه من روحه، ثم منحه العقل والتفكير، وفضَّله على كثير من خلقه مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ

مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} 1. إن الإسلام لا ينظر إلى هذه الطاقة كمجرد أمر واقع, ولكنه يعاملها بالتقدير باعتبارها وسيلة لغاية جليلة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم:"إن في بضع أحدكم صدقة" -أي: إن الرجل يثاب على العمل الجنسي الذي يأتيه مع زوجته- قيل يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ... " 2. وإن ذكر الله تعالى قبل بدء الاتصال بين الرجل وزوجته، وهو ما أدّب النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على فعله؛ ليدل دلالة قاطعة على مدى نظافة الجنس في نظر الإسلام، وعلى مدى رغبته في تأصيل هذه النظافة في حس المسلم3. 2- بقاء النوع الإنساني: الإنسان مجبول على حب البقاء، وإذا كان الإنسان لا سبيل إلى بقائه بذاته، فإن سبيله إلى البقاء إنما هو النسل المعروف نسبته إليه، حيث يراه امتداد في بقائه واستمرارًا لذكراه وخلودًا لحياته. وقد حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على طلب النسل وحبَّبَ إليه، فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وأنها لا تلد فأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" رواه أبو داود والنسائي4. 3- حسن التربية للأجيال القادمة: إن الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الفراخ الناشئة ورعايتها

_ 1 سورة الإسراء الآية 70. 2 مسلم، كتاب الزكاة، باب: بيان اسم الصدقة على كل نوع من المعروف. 3 الزواج في الإسلام أمام التحديات ص116. 4 أبو داود "2050", والنسائي "6/ 65", والحاكم، وصححه وهو صحيح.

وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكافل, وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تتفتح للحياة, وتفسر الحياة, وتتعامل مع الحياة. ونظرًا لأن الطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولةً؛ إذ هي فترة إعداد وتهيؤ وتدريب للدور المطلوب منه في الحياة في باقي حياته، لذا كانت حاجته لملازمة أبويه أشد من حاجة أيّ طفل لحيوان آخر، وكانت الأسرة المستقرة الهادئة ألزم للنظام الإنساني وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة. وقد أثبتت التجارب العملية أن أيَّ جهاز آخر غير جهاز الأسرة لا يعوّض عنها ولا يقوم مقامها, بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وتربيته, ولاسيما نظام دور الحضانة الجماعية التي أرادت بعض النظم المتعسفة أن تستعيض بها عن نظام الأسرة. ومن أعجب العجب أن نجد كثيرًا من الفلسفات المعاصرة بدأت تشجع عمل المرأة وتركها للمنزل أكبر فترة ممكنة تاركةً أبناءها إما للحاضنات أو للخادمات، وهي تضحية كبيرة بأعلى رصيد للمستقبل وهم الأطفال, في مقابل ما يسمى بزيادة دخل الأسرة أو تكوين شخصية المرأة وغير ذلك من الدعاوى1. 4- عمارة الأرض: إن الأسرة هي العماد الذي يقوم عليه كل ما ينشأ في هذه الحياة من مظاهر التحضر والعمران, لذلك شاءت إرادته تعالى حينما أزف رحيل آدم -عليه السلام- من الجنة ليهبط إلى الأرض ليبدأ الحياة والعمران -كما سبقت بذلك الإرادة- أن خلق له من نفسه من تشاركه في هذه الحياة وفي إقامة هذا العمران؛ حيث يتولى هو بما أوتي من قدراتٍ عقلية وبدنية تهيئة الأسباب المادية لهذا العمران, وتتولى هي تهيئة ما

_ 1 المرأة في ظلال القرآن ص12، 13 بتصرف.

يحتاجه هذا الإنسان الكادح من راحةٍ نفسيِّة واحتياجات بدنية في منزله، ثم تنجب له الأولاد الصالحين والبنات الصالحات لتستمر الحياة وتتواصل الأجيال، كل يحاول بحسب قدراته أن يضيف إلى ما وجد من أسباب العمارة والازدهار, وهكذا كانت الأسرة ولا تزال هي محور عمارة هذه الأرض ومصدر حضارتها وتقدمها المستمر. 5- حفظ الأنساب: قال جل شأنه: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} 1 فلا بُدَّ للإنسان السويِّ أن يكون منتسبًا إلى أسرة مكونة من أب معروف وجَدٍّ معروف وأم وجدة كذلك، ومن عوامل الاستقرار النفسي لدى الإنسان كذلك أن يشعر بأن له أبناء وأحفادًا ينتمون إليه ويحملون اسمه ولقبه. وبناءً على ذلك تتقرر الحقوق والواجبات داخل الأسرة من تربية وحضانة ونفقة وإرث, وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي لولا البناء السليم للأسرة لما أمكن ترتيب هذه الحقوق أو توفيتها2. من مظاهر عناية الإسلام بالأسرة: لم يحظَ تشريع إسلامي -فضلًا عن غيره- باهتمام واسع من الشريعة الإسلامية بمثل ما حظي به تشريع الأسرة؛ فقد تناول كل مراحل تكوين الأسرة وقيامها، ثم المحافظة على بنيانها قويًّا متماسكًا حتى تستطيع الوفاء بالرسالة الإنسانية والحضارية التي أرادها المولى سبحانه منها, وقد أوصى بحسن اختيار عن رغبة حقيقية ورضى قلبي غير مشوب بأيِّ عاملٍ من العوامل التي تؤثر في إرادة الإنسان، ورسم الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه هذا البنيان، فجعل الدين هو الأصل في الاختيار.

_ 1 سورة النحل الآية 72. 2 أضواء على نظام الأسرة للدكتورة سعاد صالح ص21، 22.

ولهذا جعل بناء الأسرة يتم على مراحل متعددة تبدأ من حسن الاختيار إلى الخطبة إلى العقد إلى الدخول ... كل ذلك حتى يتأكَّدَ طرفاها من متانة البنيان وقوته ليستطيعا مواجهة أعاصير الحياة. ثم رتَّبَ لكل طرف حقوقه وواجباته لدى الطرف الآخر, وأخذ عليهما الميثاق الغليظ للوفاء بهذه الحقوق, والقيام بتلك الواجبات. ووزَّعَ كذلك بينهما الأعباء التي يجب على كلٍّ منهما أن يتحمَّلها في الأسرة؛ حيث يتولى أحدهما عمل كل الأسباب التي توفر الحياة الكريمة لأفراد الأسرة, وعلى الطرف الآخر أن يوفر عوامل الاستقرار والسكينة لأفراد الأسرة داخل المنزل. كذلك رسم الطريق الصالح الذي تعالج به المشكلات التي قد تنشأ بين طرفي الأسرة, وجعلها على مراتب متعددة حسب نوع المشكلة وظروف كل أسرة. فإذا تعقَّدت الأمور وصعُبَ حلّها, جعل لها مخرجًا كريمًا لكلٍّ منهما, ثم رتَّبَ لكلٍّ منهما الحقوق التي يجب عليه الوفاء بها, والتي يقتضيها التسريح بالمعروف حفاظًا على ما كان من ودٍّ وحسن عشرة، لعل الله أن يحدث بعد ذلك في القلوب ما يجمعها بعد تنافر، ويؤلف بينهما بعد شتات. رسم الإسلام هذا وغيره من التشريعات الحكيمة, والتوجيهات السديدة التي سيأتي الكلام عليها بالتفصيل في ثنايا هذا المنهج -إن شاء الله تعالى.

الباب الأول: الخطبة وما يتعلق بها

الباب الأول: الخطبة وما يتعلق بها الفصل الأول: الترغيب في الزواج وما يراعى في اختيار الزوج الصالح مدخل ... الباب الأول: الخطبة وما يتعلق بها نظرًا لأهمية الزواج سواء للفرد وللمجتمع، وما يترتب عليه من آثارٍ خطيرة في العاجل والآجل، جعلته الشريعة الإسلامية على عدة مراحل، كل مرحلة تعتبر تمهيدًا لما بعدها، حتى تكون هناك فرص متعددة لكلا الطرفين تجعلهما قادرين على فهم بعضهما بعضًا، فإذا ما كان الدخول بعد، كان كلٌّ منهما على إحاطة تامَّةٍ بكل ما يتعلق بشريك حياته ماديًّا وأدبيًّا، فلا يفاجأ أيٌّ منهما بشيء غير متوقع من صاحبه، وحينئذ تسير حياتهما بعد الزواج من يسر إلى يسر إن شاء الله تعالى. وقد وردت بعض النصوص الشرعية بتسمية المرحلة الأولى بالخطبة -بكسر الخاء, لذلك اصطلح الفقهاء جميعًا على تسميتها بذلك. وبناء على ذلك سنأخذ في بيان الخِطْبَةِ وما يتعلق بها في عدد من الفصول، نبدؤها بأولها فنقول:

الفصل الأول: الترغيب في الزواج, وما يراعى في اختيار الزوج الصالح الأهداف الخاصة: يتوقع منك عزيزي الدارس بعد دراسة هذا الفصل أن تصبح قادرًا على معرفة ما يلي: 1- ترغيب الإسلام في الزواج وحثه عليه. 2- فوائد الزواج. 3- مدى كون النكاح من العبادة, وأفضلية النكاح عن التخلي للعبادة. 4- أن تعرف -أخي الدارس- أهم الصفات التي ينبغي الحرص على توافرها في الزوجة، وأن تعرفي -أختي الدارسة- ما ينبغي على الزوجة أو وليها مراعاته في اختيار الزوج.

المبحث الأول: الترغيب في الزواج وبيان الفوائد المترتبة عليه

المبحث الأول: الترغيب في الزواج وبيان الفوائد المترتبة عليه لقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة، وكذلك عمل الصحابة الكرام وقولهم على الترغيب فيه، من ذلك: أولًا: من الكتاب العزيز: قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 1. وقال جل شأنه أيضًا: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} 2. وقال عز وجل: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} 3, وغير ذلك من آيات الكتاب الحكيم.

_ 1 سورة النور الآية 32. 2 سورة النساء الآية 3. 3 سورة الروم الآية 21.

ثانيًا: من السنة المطهرة 1- قوله -صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 1. 2- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه: جاء ثلاثة إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تَقَالُّوهَا، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا, فأنا أصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله, إني لأخشاكم لله وأتقاكم له, لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" 2. 3- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة" 3. 4- عن طاووس قال عمر -رضي الله عنه- لرجل: أتزوجت؟ قال لا، قال: إما أن تكون أحمق, وإما أن تكون فاجرًا -أخرجه عبد الرزاق4. 5- وعن مجاهد أن ابن عباس دعا سميعًا وكريمًا وعكرمة، وكانوا من مواليه، فقال لهم: إنكم قد بلغتم ما يبلغ الرجال من شأن النساء، فمن أحب منكم أن أزوجه زوجته، لم يزن رجل قط إلّا نزع منه نور الإسلام! يرده الله إن شاء أن يرده أو يمنعه إياه إن شاء أن يمنعه، أخرجه سعيد بن منصور5.

_ 1 متفق عليه: من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه، البخاري في الصوم والنكاح، ومسلم في النكاح. 2 متفق عليه: صحيح مسلم جـ9/ 175، 176 مع شرح النووي، وصحيح البخاري مع فتح الباري جـ11/ 4، 5. 3 أحمد "3/ 158، 245"، وصححه ابن حبان فأخرجه في "صحيحه". 4 المصنف لعبد الرزاق جـ6/ 170. 5 سنن سعيد بن منصور جـ1/ 140.

فوائد الزواج: قال الإمام الخرشي -وهو أول شيخ للأزهر- ذاكرًا فوائد الزواج: وفيه فوائد أربع: 1- دفع غوائل الشهوة. 2- التنبيه باللذة الفانية على اللذة الدائمة؛ لأنه إذا ذاق هذه اللذة وعلم أنه إذا عمل الخير وجد ما هو أعظم, سارع إلى الخيرات لما هو من جنس تلك اللذة ولما هو أعظم وأتم وأبقى، وهو اللذة بالنظر إلى وجهه الكريم. 3- المسارعة إلى تنفيذ إرادة الله تعالى ببقاء الخلق إلى يوم القيامة، ولا يحصل ذلك إلّا بالنكاح. 4- تنفيذ إرادة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لقوله: "تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" 1, 2.

_ 1 شرح الخرشي على مختصر خليل جـ3/ 164. 2 الحديث سبق تخريجه ص5، 13.

المبحث الثاني: مدى كون النكاح من العبادة

المبحث الثاني: مدى كون النكاح من العبادة اتفق الفقهاء على أن النكاح من العبادة إذا كان القصد منه الإعفاف أو النسل أو غيرهما من الأمور التي يدعو الإسلام إلى تحقيقها. واختلفوا فيما إذا خلا من ذلك: - فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه مباح إذا لم يشغله عن عبادة نافلة1؛ لأن المقصود منه حينئذ مجرد قضاء الشهوة. - ذهب بعض أهل العلم إلى أنه من العبادة، فقد قال صاحب الدر المختار الحنفي: "ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن, ثم تستمر في الجنة إلّا النكاح والإيمان"2. ونصوص الشريعة تقوي الرأي القائل بأنه من العبادة, فقد جاء في الحديث الشريف "إن في بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله, أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال -صلى الله عليه وسلم: "رأيتم إذا وضعها في حرام, أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" 3. الزواج أفضل من التخلي للعبادة: يفهم من كلام أكثر الفقهاء أن النكاح إذا اقترن بقصد تحقيق شي صالح للدنيا أو الآخرة فإنه أفضل من التخلي للعبادة، ولم يشذّ عن ذلك إلّا قليل من الفقهاء الذين آثروا التخلي للعبادة تعلقًا ببعض الآثار الواهية التي تدعو إلى ترك النكاح

_ 1 حاشية قليبوبي وعميرة على المحلي على المنهاج جـ3/ 206, وكشاف القناع جـ5/ 7, شرح الخرشي مع حاشية العدوي عليه جـ3/ 165, والدر المختار مع حاشية رد المحتار جـ3/ 3. 2 الدر المختار مع حاشية رد المحتار جـ3/ 3. 3 صحيح مسلم، وسبق ص3.

والتخلي للعبادة حتى لا ينشغل المسلم بتكاليفها عن طاعة الله تعالى، والتحقق بالعبودية له -عزَّ وجلَّ- مثل ما ورد من رواية: "خيركم في المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد"، ومثل ما ورد عن طريق حذيفة أنه قال: "إذا كان سنة خمس ومائة فلأن يربي أحدكم جرو كلب خير من أن يربي ولدًا". وقد قال ابن حزم -رحمه الله- عقب إيراده لهذين الخبرين: "هذان خبران موضوعان؛ لأنهما من رواية أبي عاصم روّاد بن الجراح العسقلاني وهو منكر الحديث لا يحتج به1، وبيان وضعهما: أنه لو استعمل الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل الإسلام والجهاد وغلب أهل الكفر، مع ما فيه من إباحة تربية الكلاب، فظهر فساد كذب رواد بلا شك"3. والنصوص الشرعية تؤيد رأي الجمهور بأفضلية النكاح على التخلي للعبادة, وقد سبقت الإشارة إلى بعضها. ويضاف إلى ما تقدَّم: أن النكاح فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وواظب عليه مدة حياته, وفي هذا المعنى يقول ابن الهمام: "ولم يكن الله -عز وجل- يرضى لأشرف أنبيائه إلّا بأشرف الأحوال، وكان حاله إلى الوفاة النكاح، فيستحيل أن يقرَّه على ترك الأفضل مدة حياته"3.

_ 1 المحلى لابن حزم جـ9/ 440، 441. 2 بالغ أبو محمد بن حزم -رحمه الله- في نقد رواد كعادته، والرجل ضعيف الحديث، له مناكير, ولم يكن يكذب إلّا إن قصد ابن حزم بيان الحال وليس تعمُّد الكذب، وانظر تهذيب الكمال "9/ 229" -ترجمة رواد- والخبران موضوعان بلا ريب. 3 فتح القدير جـ3/ 103.

المبحث الثالث: ما ينبغى لكل من طرفي الزواج أن يراعيه عند اختيار الطرف الآخر

المبحث الثالث: ما ينبغي لكلٍّ من طرفي الزواج أن يراعيه عند اختيار الطرف الآخر نظرًا لأهمية عقد الزواج في حياة طرفيه ومستقبلهما وما يتولَّدُ عنه من أثار، ندب الشارع الحكيم كل طرف منهما إلى حسن اختيار الطرف الآخر؛ بحيث تتوفر فيه مجموعة من الخصال الكريمة والصفات الحميدة التي تحبب كل طرف في صاحبه, مما يجعله مألوفًا إليه قريبًا من قلبه؛ لتستمر العشرة، وتدوم المودة، وتتحقق الرحمة والسكينة التي أرادها الله تعالى للزوجين في كتابه، والتي أشار إليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" 1. ومن أهم الصفات التي يجب الحرص على توافرها في الزوجة: أولًا: أن تكون دينة, وذلك لما في صحيح البخاري ومسلم من قوله -صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" 2 أي: استغنيت إن فعلت، أو المعنى: افتقرت إن خالفت، والمراد بالدين: الطاعات، والأعمال الصالحات، والعفة عن المحرمات3. وليس المراد بالصلاح في الرجل أو المرأة هو أداء الصلاة فقط أو الصيام فقط, بل هو مجموعة من الخصال الحميدة المكنونة في النفس, وما الصلاة والصيام وغيرهما إلّا قرائن تشير إلى ما يتمتع به الإنسان من هذه الخصال, فليس هناك سعادة في الحياة تعدِلُ سعادة الزوج الذي رُزِقَ بزوجة صالحة, وذلك لأنها ستكون مصدرًا من مصادر

_ 1 سنن سعيد بن منصور جـ1/ 145، والترمذي "1087"، والنسائي "6/ 69". 2 متفق عليه: البخاري في "النكاح"، ومسلم في "باب استحباب ذات الدين" رقم 1466. 3 مغني المحتاج جـ3/ 126، 127.

الخير، فإن كان فقيرًا أغنته زهدها وقناعتها، وإن كان غليظًا جافيًا ألانته بعطفها وحلمها، وإن كان عاصيًا كانت قدوة صالحة له بمسلكها مع ربها ومعه، وغير ذلك من الجوانب، والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك. ثانيًا: أن تكون ذات خلق حسن، لعموم النصوص التي تحض على مكارم الأخلاق, ولأن النكاح يراد للعشرة, ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها، وربما تعدى ذلك إلى ولدها، وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء, فإن ولدها ضياع, وصحبتها بلاء1. ثالثًا: أن تكون بكرًا، أي: لم يسبق لها الزواج، وقد حثَّ الإسلام على التزوج من البكر خاصة لمجموعة من المزايا قلَّ أن تتوفر في المرأة الثيب وهي التي سبق لها الزواج وخبرت الرجال؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت لو أنك نزلت واديًا فيه شجرة قد أُكِلَ منها, ووجدت شجرًا لم يُؤكَلْ منها, في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: "في الذي لم يرتع منها"، تعني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرًا غيرها2. ودلالة هذا الحديث على أفضلية التزوج من البكر ظاهرة تؤخذ من النتيجة التي سلم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذكر مقدماتها من تلك الفصيحة البليغة الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنهما، وكذلك ما في الأبكار من قرب العهد بالصبا, وما يشتملن عليه من الميل إلى الفكاهة واللعب والنظر إلى الحياة بأملٍ ورغبةٍ في الاستمتاع, وذلك واضح مما جاء في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما, الذي أخرجه مسلم بروايات متعددة كلها تدور حول المعنى السابق، ومنها رواية عمرو بن دينار, عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما, أن عبد الله -أي: والده- هلك وترك تسع بنات أو قال: سبعًا, فتزوجت امرأة ثيبًا، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا جابر, تزوجت؟ " قال: قلت: نعم، قال: "فبكر أم ثيب؟ " قال: بل ثيب يا رسول الله، قال: "فهلا جارية

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 127, وكشاف القناع جـ5/ 9. 2 البخاري كتاب النكاح, باب: نكاح الأبكار.

تلاعبها وتلاعبك"، أو قال: "تضاحكها وتضاحكك" , قال: قلت له: إن عبد الله هلك وترك تسع بنات أو سبعا، وإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن, فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهن وتصلحهن، قال: "فبارك الله لك" أو قال لي: "خيرًا" وفي رواية أخرى لمسلم "امرأة تقوم عليهن وتمشطهن، قال: "أصبت" 1. الحاجة قد تدعو للزواج بالثيب: يجب علينا قبل أن نترك الكلام على هذه الصفة أن نشير إلى أن الحضَّ على تزوج البكر لا يقتضي كراهة تزوج الثيب، بل قد تكون للزوج أغراض لا تتحقق إلّا بزواجه من الثيب ذات الخبرة الكبيرة بأسباب الحياة, ولاسيما إذا كان الزوج ذا عيلة من إخوة صغار أو أطفال من زوجة سابقة، الأمر الذي لا تستطيع البكر القليلة الخبرة في الحياة أن تقوم به, ويشهد لذلك ما فعله جابر -رضي الله عنه, الذي أوردنا حديثه آنفًا؛ إذ اختار الثيب زوجةً له ترعى أخواته بعد موت أبيه، وقد أقرَّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذا الفعل ودعا له بخير, وهذا على استحسان هذا التصرف من جابر ومن يحذو حذوه من المسلمين. رابعًا: أن تكون ولودًا، أي: تنجب الأولاد وليست عقيمًا، وذلك لتحقق الكثرة التي أرادها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمباهاة الأمم يوم القيامة بكثرة أمته, فعن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال, إلا أنها لا تلد, أفأتزوج بها؟ فنهاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فأتاه الثانية فقال له مثل ذلك فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال له مثل ذلك, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم" 2. ولكن لا ينبغي أن يفهم من الحثِّ على التزوج بالولود والنهي عن التزوج بالعقيم أن ذلك عقوبة لها على وضعٍ لا اختيار لها فيه, إنما الأمر بالتزوج بالولود

_ 1 صحيح مسلم جـ10/ 53 شرح النووي. 2 سبق ص5، 14.

لأهداف شرعية، منها: تكثير الأمة، ومنها الحصول على ولد صالح، ومنها عمارة الدنيا تحقيقًا للخلافة في الأرض، وهكذا, غير أن بعض الرجال قد يكون في حاجة إلى زوجة لا تنجب لأسباب كثيرة, قد يكون منها أنه عقيم، أو كبير السن قد انقطع نسله، أو له مجموعة من الأولاد خلفتهم له زوجته المتوفاة فيكون في حاجة إلى من يصلحهم ويقوم على شأنهم ... وغير ذلك من الأسباب. خامسًا: أن تكون خفيفة المهر لما روي عن عائشة -رضي الله عنها, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يمن المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها" 1, وقال عروة: أول شؤم المرأة أن يكثر صداقها2. هذه هي أهم الصفات التي تضافرت حولها النصوص الشرعية, لكن بعض الفقهاء أضاف صفات أخرى استفيدت من آثار ضعيفة، أو من بعض التجارب، أو من تأويل بعض النصوص. سادسًا: أن تكون طيبة الأصل, وذلك تأويلًا لقوله -عليه الصلاة والسلام: "ولحسبها" , وأما خبر "تخيروا لنطفكم, ولا تضعوها إلّا في الأكفاء"3, فقد قال فيه أبو حاتم الرازي: ليس له أصل4، وقال ابن الصلاح: له أسانيد فيها مقال، وقال الخطيب في تاريخه: كل طرقه واهية, ولما صححه الحاكم5، رد عليه الذهبي بقوله: "الحارث متهم، وعكرمة ضعفوه". وقد علَّلَ الحنابلة ذلك بقولهم: ليكون ولدها نجيبًا، فربما أشبه أهلها ونزع إليهم, وقالوا: لا ينبغي تزوج بنت زنا أو لقيطة ومن لا يعرف أبوها6.

_ 1 ابن حبان في صحيحه "4095", والحاكم في المستدرك جـ2/ 181، والبيهقي "7/ 235" مع اختلاف يسير في لفظه. 2 مغني المحتاج جـ3/ 127. 3 سنن ابن ماجه جـ1/ 607 مع اختلاف يسير في اللفظ، وينظر أيضًا مغني المحتاج جـ3/ 127. 4 علل الحديث: 1/ 403. 5 مستدرك الحاكم 2/ 163. 6 كشاف القناع جـ5/ 9.

سابعًا: ألَّا تكون ذات قرابة قريبة, وذلك بأن تكون أجنبية, أو ذات قرابة بعيدة, ويروى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قوله: "اغتربوا لا تُضْووا", أي: تزوجوا في بعاد الأنساب لا يأتي النسل ضعيفًا. ونقل عن الشافعي قوله: "يستحب له أن لا يتزوج من عشيرته", قال صاحب المغني: الأولى حمل كلام الشافعي -رضي الله عنه- على عشيرته الأقربين, ولا يشكل على ذلك بتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب -رضي الله عنها- مع أنها بنت عمته, لأنه تزوجها بيانًا للجواز، ولا بتزوج علي فاطمة -رضي الله عنها؛ لأنها بعيدة في الجملة؛ إذ هي بنت ابن عمه, وأيضًا بيانًا للجواز1. ثامنًا: أن تكون على قدر مناسب من الجمال؛ لأنها أسكن للنفس وأغض للبصر وأكمل للمودة، وقد ورد في الحديث: قيل يا رسول الله: أيُّ النساء خير، قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره" رواه أحمد والنسائي2. قال الماوردي: لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع فإنها تزهو بجمالها، وأن الإمام أحمد قال لبعض أصحابه: ولا تغال في المليحة فإنها قلَّ أن تسلم لك3. تاسعًا: أن تكون عاقلة, قال الأسنوي: ويتجه أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي، وهو ما كان زيادة على مناط التكليف4. عاشرًا: ألا يكون لها مطلق يرغب في نكاحها لاحتمال تعلقها به, أو تعلقه بها, فيفسد ذلك عليه حياته الزوجية بسبب الصلة التي كانت بينها وبين مطلقها،

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 127. 2 سنن النسائي جـ6/ 68. 3 مغني المحتاج جـ3/ 127, وكشاف القناع جـ5/ 9. 4 مغني المحتاج جـ3/ 127.

واطّلاع كلٍّ منهما على أسرار الآخر وأخص خصوصياته1. الحادية عشرة: ما أشار إليه صاحب الدر المختار حيث قال: ويندب كونها دونه سنًّا وحسبًا وعزًّا ومالًا، وفوقه خلقًا وأدبًا وورعًا وجمالًا. أما دونه سنًّا، فحتى لا يسرع إليها العقم لو كانت أكبر منه، كما أن مظاهر الكبر تسرع إلى المرأة في سن يكون الرجل فيها قد بلغ أشده، وذلك في سن الأربعين, أما كونها دونه حسبًا وعزًّا ومالًا فذلك حتى تنقاد له ولا تحتقره؛ لأنها إن كانت فوقه في هذه الأمور ترفعت عليه، وهذا مشاهد في الواقع لا يحتاج إلى نصوص للاستشهاد عليه2. وهناك صفات أخرى تعرَّضَ لها بعض الفقهاء, لكني اكتفيت بهذا القدر من الصفات لصعوبة اجتماعها أو اجتماع أكثرها في زوجة واحدة. ورحم الله العلامة الخطيب الشربيني إذ قال بعد أن عدَّدَ مجموعةً من الصفات المتقدمة: وهذه الصفات كلها قلَّ أن يجدها الشخص في نساء الدنيا, وإنما توجد في نساء الجنان, فنسأل الله تعالى ألَّا يحرمنا منهن3. ما يجب على الزوجة أو وليها مراعاته في اختيار الزوج: هذه الصفات المتقدمة لا يختص بمراعاتها الزوج وحده في اختيار الزوجة حين يقدم على الزواج, بل تشترك في ذلك الزوجة حين يؤخذ رأيها في مَنْ ترى أن يكون شريكَ حياتها، وكذلك ولي أمرها إن كانت قاصرًا لا تعرف حقائق الصفات المتقدمة, وقد نصَّ بعض الفقهاء على هذه المساواة، فعمَّمَ بعضهم وخصَّصَ آخرون: فمن الأول: ما جاء في حاشية القليوبي على المحلى حيث قال بعد أن عدد

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 127. 2 الدر المختار مع حاشية ابن عابدين جـ3/ 8. 3 مغني المحتاج جـ3/ 127.

مجموعة من الصفات المتقدمة التي ينبغي على الزوج أن يراعيها في اختيار زوجته: "تنبيه: كل ما طلب في حق المرأة للرجل يطلب في عكسه ذلك"1. ومن الثاني: ما جاء في حاشية العلامة عميرة؛ حيث قال تعليقًا على قول متن المنهاج "بكر": "كذلك يستحب للشخص ألّا يزوج ابنته إلّا من بكر, أي: لم يتزوج قبلها"2. وكذلك ما جاء في حاشية ابن عابدين: "والمرأة تختار الزوج الدَّيِّن الحسن الخلق الجواد الموسر, ولا تتزوج فاسقًا، ولا يزوج ابنته الشابة شيخًا كبيرًا, ولا رجلًا دميمًا, ويزوجها كفؤًا"3. ويتأيد ذلك بما نقل عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث أتى -رضي الله عنه- بامرأة شابة زوجوها شيخًا كبيرًا فقتلته، فقال: "يأيها الناس, اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء, ولتنكح المرأة لمتها من الرجال, يعني: شبهها" واللمة: المثل في السن والترب4. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "ولا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح, فإنهن يحببن ما تحبون"5. بل أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأمَّ حق الاستشارة في زواج ابنتها ممن يتقدم, ولا يستأثر الولي بالأمر كله، وذلك لأن المرأة قد تعرف من أسرار ابنتها ما لا يعرف ولي أمرها؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"آمروا النساء في بناتهن"6. ثم بعد هذا كله أعطى الإسلام البنت حق الرضا بمن يتقدم إليها بكرًا أم ثيبًا،

_ 1 جـ3/ 207. 2 حاشية عميرة على المحلى جـ3/ 207. 3 حاشية ابن عابدين جـ3/ 9. 4 سنن سعيد بن منصور جـ1/ 211. 5 سنن سعيد بن منصور جـ1/ 211. 6 سنن أبي داود جـ1/ 483-2095، وأحمد "2/ 34", وإسناده ضعيف.

وجعل لكلٍّ علامة على الرضا؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله, وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" 1. ثم وصل الإسلام في تثبيته لهذا الحق أن الحاكم يعطي لها حقَّ رد النكاح إذا لم يكن عن رضًا منها, فعن نافع أن ابن عمر تزوج بنت خاله: عثمان بن مظعون, قال: فذهبت أمها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن ابنتي تكره ذلك، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفارقها, وقال: "لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن, فإذا سكتن فهو إذنهن " فتزوجها المغيرة بن شعبة2. كما أخرج البخاري بسنده عن خنساء بنت خذام الأنصارية, أن أباها زوَّجَها وهي ثيب فكرهت ذلك, فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه"3.

_ 1 متفق عليه البخاري في النكاح, باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، ومسلم في النكاح, باب: استئذان الثيب في النكاح. 2 الدارقطني، والحاكم، والبيهقي، ورواه أحمد "2/ 130", وهو صحيح. 3 صحيح الإمام البخاري مع شرحه فتح الباري جـ11/ 100.

الخلاصة

الخلاصة: 1- رغَّب الإسلام في الزواج, ويتضح ذلك لنا من القرآن والسنة وعمل الصحابة الكرام وقولهم. 2- اتفق الفقهاء على أن النكاح إذا كان القصد منه الإعفاف أو النسل فإنه يكون من العبادة، وإذا خلا من ذلك فبعض الفقهاء يرى أنه يكون أيضًا من العبادة, ونصوص الشريعة تقوي هذا الرأي. 3- يرى جمهور العلماء أن النكاح إذا اقترن بقصد تحقيق شيء صالح للدنيا أو الآخرة فإنه يكون أفضل من التخلي للعبادة. 4- هناك صفات يجب على كلٍّ من طرفي الزواج أن يراعيها عند اختيار الطرف الآخر. 5- أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأم حق الاستشارة في زواج ابنتها, ولا يستأثر الولي بالأمر كله. 6- أعطى الإسلام البنت حق الرضا بمن يتقدم إليها, وجعل علامة للرضا "الأيم تستأمرن, البكر تستأذن بأن تسكت".

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- رغَّبَ الإسلام في الزواج. اذكر أدلة ذلك من القرآن ومن السنة ومن عمل الصحابة وقولهم. 2- للزواج فوائد ... اذكر أربعًا منها. 3- هل النكاح من العبادة؟ 4- أيهما أفضل: النكاح أم التخلي للعبادة؟ اذكر آراء الفقهاء وأدلة كل فريق ووازن بينها. 5- ما أهم الصفات التي يجب الحرص على توافرها في الزوجة, والتي جاءت بها نصوص صريحة؟ وما أهم الصفات التي يجب الحرص على توافرها في الزوجة, والتي استفيدت من آثار ضعيفة أو من التجارب أو من تأوّل بعض النصوص؟ 6- ما الذي يجب على الزوجة أو وليها مراعاته في اختيار الزوج؟ 7- صوّب "صحح" هذه العبارات مع ذكر السبب. 1- يكره تزوج الثيب. 2- يستأثر الولي بالأمر كله في زواج البنت, وليس لأمها أي حق. 3- علامة الرضا للأيم أن تستأذن "بأن تسكت"، وعلامة الرضا للبكر أن تستأمر. إجابة السؤال رقم "7": 1- لا يكره تزوج الثيب، بل قد تكون للزوج أغراض لا تتحقق إلّا بزواجه من الثيب؛ مثل ما حدث مع الصحابي جابر بن عبد الله, ولكن ما ورد هو استحباب زواج البكر. 2- أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأم حق الاستشارة في زواج ابنتها, ولا يستأثر الولي بالأمر كله فقال -صلى الله عليه وسلم: "آمروا النساء في بناتهن". 3- علامة الرضا للأيم أن تستأمر، وعلامة الرضا للبكر أن تستأذن "بأن تسكت".

الفصل الثاني: معنى الخطبة والنظر إلى المخطوبة

الفصل الثاني: معنى الخطبة والنظر إلى المخطوبة مدخل ... الفصل الثاني: معنى الخطبة, والنظر إلى المخطوبة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- المراد من الخطبة وصيغتها وحكمها. 2- حكم النظر إلى المخطوبة, وهل يحتاج إلى إذنها, أو إذن وليها في النظر؟ 3- حكم نظر المرأة إلى من يريد خطبتها. 4- ماذا يفعل الرجل إذا لم يتيسر له أن ينظر إلى من يريد خطبتها. 5- حكم لمس الخاطب خطيبته في الخطبة. 6- هل من حق الولى أن يعرض موليته على رجل صالح ليتزوجها؟

المبحث الأول: المراد من الخطبة، وصيغتها، وحكمها

المبحث الأول: المراد من الخطبة, وصيغتها، وحكمها المطلب الأول: المراد من الخطبة الخطبة -بالكسر, مأخوذة من الخَطب, أي: الشأن أو الأمر صغر أو عظم ... والخطب -بالكسر, الذي يخطب المرأة، ويراد منه أيضًا: المرأة المخطوبة, واختطب القوم فلانًا دعوه إلى تزوج صاحبتهم1. أما معنى الخطبة شرعًا: فهو التماس الخاطب النكاح من المخطوبة أو من وليها2. ويستفاد من ذلك أن التماس التزويج قد يوجّه من الرجل إلى المرأة مباشرةً, ولاسيما إذا كانت المرأة ثيبًا، فقد أشرنا إلى ذلك في خطبة أبي طلحة لأم سليم بنت ملحان, وقد يكون الالتماس إلى ولي المرأة, على أن يتولَّى الولي إبلاغ الخطبة إلى المرأة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب إليه إحدى بناته يجيء الخدر فيقول: "إن فلانًا يخطب فلانة, فإن حركت الخدر لم يزوجها, وإن سكتت زوجها"3. وقد يكون الالتماس من طرف ثالث كما حدث من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أرسل حاطب بن أبي بلتعة ليخطب له أم سلمة -رضي الله عنها4.

_ 1 لسان العرب: فصل الباء حرف الخاء، والمصباح المنير: حرف الخاء والباء وما يثلثهما. 2 مغني المحتاج جـ3/ 135، الخرشي على المختصر جـ3/ 167، المطلع على أبواب المقنع ص319. 3 رواه أحمد، وأبو يعلى من حديث عائشة، والطبراني في "الأوسط" من حديث أنس، وفي "الكبير" من حديث ابن عباس, وكلها ضعيفة. 4 صحيح مسلم.

وقد يحدث العكس, فيكون الالتماس من ولي المرأة إلى الرجل المراد لتزوج منه, كما فعل عمر -رضي الله عنه- حين عرض ابنته حفصة -رضي الله عنها- على عثمان, ثم أبي بكر -رضي الله عنهما1. وقد يكون الالتماس من المرأة إلى الرجل الصالح، وهذا يؤخذ من قصة الواهبة وعرضها نفسها على النبي -صلى الله عليه وسلم2.

_ 1 صحيح البخاري جـ11/ 80، 81، 82، وبوب له: باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير. 2 متفق عليه، وبوب له البخاري: عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.

المطلب الثاني: صيغة الخطبة وحكمها

المطلب الثاني: صيغة الخطبة وحكمها صيغة الخطبة: لم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم, أو أحد من أصحابه الكرام -رضي الله عنهم, أو أحد من الفقهاء تقييد الخطبة بلفظ محدد تبطل الخطبة بدونه، بل تتأتى وتؤتى ثمرتها بأي تعبير يدل على طلب التزويج, سواء من الرجل أم المرأة أم من ينوب عنهما, سواء كان ذلك بالتصريح بالخطبة أم بالكناية. حكم الخطبة: قال العلامة القليوبي في حاشيته على المحلى: إن الخطبة -بكسر الخاء- لها حكم النكاح وجوبًا وندبًا وكراهةً وتحريمًا وإباحة: - فتستحب الخطبة إن كان الخاطب ممن يستحب له النكاح؛ كمن يملك مئونة النكاح لكن لا يخشى على نفسه العنت. - وتكره إن كان ممن يكن له النكاح؛ لأن حكم الوسيلة يأخذ حكم المقصد.

- وتحرم خطبة المنكوحة إجماعًا، كما تحرم خطبة المطلقة رجعيًّا قبل انقضاء عدتها؛ لأنها في حكم المنكوحة، كما تحرم الخطبة من شخص له أربع زوجات، وكذا من يحرم الجمع بينها وبين زوجته، والمطلقة ثلاثًا بالنسبة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره وتعتد منه, ويحرم أيضًا خطبة من تقدمت خطبتها من شخص آخر وركنت إليه. - وتجب الخطبة لمن خشي على نفسه العنت إن لم يخطب ويتزوج. - وتحل خطبة الخلية من نكاح وعدة تصريحًا وتعريضًا1.

_ 1 حاشيتا قليوبي وعميرة جـ3/ 313، والشرح الصغير جـ1/ 376، 377، وكشاف القناع جـ5/ 18.

المبحث الثاني: النظر إلى المخطوبة

المبحث الثاني: النظر إلى المخطوبة المطلب الأول: حكم نظر الرجل إلى المخطوبة ومدى الحاجة إلى إذنها في ذلك؟ اتفق الفقهاء على مشروعية نظر الرجل الذي يريد النكاح إلى مَنْ يريد نكاحها, وذلك لكثرة النصوص الشرعية التي تحضُّ على ذلك, فقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- تحت باب النظر إلى المرأة قبل التزويج بسنده إلى عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتك, فكشفت عن وجههك الثوب, فإذا أنت هي، فقلت: إن يك هذا من عند الله يُمْضه" 1. كما أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم, فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ " قال: لا، قال: "فاذهب فانظر إليها, فإن في أعين الأنصار شيئًا" 2. والحكمة من مشروعية النظر عند الخطبة هو التعرف على الطرف الآخر الذي سيشاركه حياته في مجلسه ومخدعه ويقظته ومنامه، فإذا ما كان مشتملًا على ملامح من الجمال وسماحة النفس كان ذلك أرجى أن تطيب العشرة وتدوم المودة وتحصل السكينة التي أرادها الله تعالى في قوله عز شأنه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} 3 وهو ما قصد إليه رسول

_ 1 صحيح البخاري مع فتح الباري جـ11/ 85. 2 صحيح مسلم بشرح النووي جـ9/ 209، 210. 3 سورة الروم الآية 21.

الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله في الحديث السابق: "فإنه أجدر أن يؤدم بينكما". حكم النظر: تراوحت مذاهب أهل العلم ما بين قائل بالسنية، وقائل بالندب، وقائل بالإباحة, فمن قال بالسنية أخذ بظاهر الأمر الوارد في عددٍ من الأحاديث, وقد تقدَّم بعضها, ومن قال بالندب راعى أن الأمر الوارد في الأحاديث إنما المقصود به الإرشاد، بدليل التعليل المقترن بكل أمرٍ, وهو يفيد الاستحباب, ومن قال بالإباحة فقد نظر إلى أن الأمر في هذه الأحاديث إنما ورد بعد الحظر، وورود الأمر بعد الحظر إنما يفيد الإباحة, والأقرب لظاهر النصوص الواردة في هذا الباب أن الأمر فيها يدل على الندب؛ لدلالة التعليل المقترن بكل أمر, وهو رجاء حسن العشرة ودوام المودة، ومثل ذلك يفيد الاستحباب. هل يحتاج إلى إذنها أو إذن وليها في النظر؟ ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم الحاجة إلى إذنها أو إذن وليها في ذلك, بل ذهب الحنابلة إلى أن عدم الإذن أولى1, لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل". قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما يدعوني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها2، ويترتب على الاستئذان كذلك العلم بوقته, فتستعد لذلك فيفوت الغرض الذي جعل الاستئذان لأجله3. وقال المالكية بكراهة استغفالها, لئلّا يتطرق أهل الفساد للنظر إلى النساء ويقولون: نحن خطَّاب4, لكن مشروعية النظر مقيدة بقيود ثلاثة:

_ 1كشاف القناع جـ5/ 10، ومغني المحتاج جـ3/ 128. 2 سنن أبي داود جـ1/ 480 "رقم 2082"، وأحمد "3/ 334، 360"، والحاكم "2/ 165" وصححه، وهو كما قال. 3 مغني المحتاج جـ3/ 128. 4 الشرح الصغير جـ1/ 376.

أولها: ألَّا يكون النظر إلى المرأة المراد خطبتها بشهوة, وإلّا حرم خلافًا للشافعية والحنفية. ثانيها: أن يكون قد عزم على نكاحها, ولديه رجاء بإجابة خطبته وإلا حرم. ثالثها: عدم الخلوة, فلا ينظر إليها ولا تنظر هي إليه وهما معًا في خلوة. تكرار النظر: أجاز الفقهاء تكرار النظر إلى المرأة المراد التزوج منها ليتأمل محاسنها، ويرى منها الملامح التي تستريح إليها نفسه, وقد ورد في الحديث: "فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"، وقد تقدم قريبًا. وهل ينضبط التكرار بثلاث مرات لما في الحديث: "أريتك في ثلاث ليال" ولحصول المعرفة بذلك غالبًا، أو الأولى أن يُضْبَطَ بمدى الحاجة, أي: تحقق الغرض الذي شرع النظر لأجله, ولعل هذا الثاني هو الأقرب للنصوص.

_ 1 سورة النور من الآية 31.

المطلب الثاني: المواضع التى شرع النظر إليها مع بيان الوقت المناسب لذلك

المطلب الثاني: المواضع التي شرع النظر إليها مع بيان الوقت المناسب لذلك قصر جمهور الفقهاء النظر على الوجه والكفين لتحقق الغرض الذي شرع النظر لأجله بذلك، لأنه يستدل بالوجه على الجمال, وبالكفين على خصب البدن, فلا حاجة إلى ما وراء ذلك، ولأنهما مواضع ما يظهر ما الزينة المشار إليها في قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} 1 وهو كذلك قياس على جواز كشفهما في الحج1.

_ 1 الخرشي مع حاشية العدوي جـ3/ 166، ومغني المحتاج جـ3/ 128، كشاف القناع جـ5/ 10، شرح معاني الآثار جـ3/ 16.

وقد توسَّع الحنابلة في المواضع التي شُرِعَ النظر إليها من المرأة المراد خطبتها؛ حيث أباحوا النظر إلى كل ما يظهر من المرأة غالبًا "رقبة ووجه ويد وقدم"، بل هناك رواية عن الإمام أحمد بن حنبل "لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة" وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر غالبًا, ولعل ما ذهب إليه الحنابلة أقرب إلى النصوص، والله أعلم. الوقت المناسب للنظر: عبارات أكثر الفقهاء في تحديد وقت النظر يستفاد منها: أن ذلك يكون قبل الخطبة حتى إذا لم ير ما يرغبه في المرأة لم يتقدم لخطبتها ابتداءً، وحينئذ لن يصيب قلب المرأة ويطلق ألسنة الجيران عليها، وفي هذا إيذاء لها ولأهلها، ويتأيد هذا التعليل بما كان يحدث من الصحابة -رضي الله عنهم- حين كانوا يتخبأون لرؤية من يرغبون في نكاحهن, وبناءً على ذلك تحمل ألفاظ الأحاديث الواردة في مشروعية النظر عند الزواج أو بعده على العزم، أي: فمن عزم على خطبة امرأة أو على نكاحها فلينظر إليها قبل أن يخطبها أو يتزوجها1, لذلك كان القول بالنظر قبل الخطبة فيه أخذ بالسنة، وفيه كذلك حفظ لمشاعر المرأة وأوليائها. إذا لم يتيسر النظر إلى من يراد خطبتها: إذا لم يتيسر النظر من الرجل إلى مَنْ يرغب في التزوج منها، فله أن يبعث امرأة من قبله لتتأمل المرأة المراد خطبتها وتصفها له, ويمكن الاكتفاء برؤية إحدى أخواتها الصغار لتشابه الأخوات غالبًا إذا أمنت الفتنة في كل ما ذكر2.

_ 1 حاشيتا قليوبي وعميرة جـ3/ 208، والشرح الصغر جـ1/ 376، وكشاف القناع جـ5/ 10، وحاشية ابن عابدين جـ3/ 8. 2 شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه جـ3/ 166، ومغني المحتاج جـ3/ 128.

المطلب الثالث: حق المرأة في النظر إلى من يريد خطبتها

المطلب الثالث: حق المرأة في النظر إلى من يريد خطبتها اتفق الفقهاء على مشروعية نظر المرأة إلى وجه وكفَّيْ من يريد خطبتها, وتفاوتت اجتهاداتهم في تحديد درجة هذه المشروعية ما بين السنية أو الندب أو الإباحة، ولعل القول بالندب هو الأقرب قياسًا على ما قررناه في نظر الرجل إليها. عدم جواز اللمس في الخطبة: اتفق الفقهاء على عدم جواز لمس الخاطب خطيبته بيد أو غيرها في الخطبة أو قبلها أو بعدها قبل عقد النكاح، وذلك لأنها أجنبية عنه, وإنما أبيح النظر للحاجة؛ لأنه وسيلة إلى الترغيب في عقد النكاح. كذلك لا يجوز له الخلوة بها أو الخروج معها دون محرم لها، فما لم ينعقد العقد فهي غريبة عنه.

المطلب الرابع: هل من حق الولي أن يعرض موليته على رجل صالح ليتزوجها

المطلب الرابع: هل من حق الولي أن يعرض موليته على رجل صالح ليتزوجها صرَّح بعض الفقهاء بسنية ذلك العمل، وصرَّح آخرون باستحباب ذلك1, وتعليل هذا الحكم أو ذاك ظاهر لعدة أدلة منها: أولًا: قصة نبي الله شعيب مع نبي الله موسى -عليهما السلام, فقد عرض شعيب -عليه السلام- ابنته على موسى -عليه السلام- في أثناء مروره بمدين، وقد حكى الله تعالى ذلك على لسان شعيب وموافقة موسى -عليه السلام, قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ... } 2 الآيتان.

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 39، وكشف القناع جـ5/ 20. 2 سورة القصص الآية 28، 29.

ثانيًا: ما فعله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين عرض ابنته حفصة بعد موت زوجها على أبي بكر ثم على عثمان -رضي الله عنهما, قبل أن يتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم1. ونكتفي بهذا القدر من الأدلة على مشروعية عرض الرجل ابنته على رجل صالح رجاء أن يتزوجها، والأمثلة على ذلك كثيرة من حياة الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم.

_ 1 صحيح البخاري جـ11/ 80، 81، 82، وبوب له: باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير.

الخلاصة

الخلاصة: 1- معنى الخطبة شرعًا: التماس الخاطب النكاح من المخطوبة أو وليها. 2- لم يرد تحديد أو تقييد للخطبة بأي لفظ محدد. 3- حكم الخطبة: لها حكم النكاح وجوبًا وندبًا وكراهةً وتحريمًا وإباحة. 4- اتفق الفقهاء على مشروعية نظر الرجل إلى من يريد نكاحها. 5- الأقرب إلى النصوص في حكم نظر الرجل إلى من يريد الزواج منها هو القول بالندب. 6- أكثر الفقهاء على عدم الحاجة إلى إذنها أو إذن وليها في النظر. 7- مشروعية النظر مقيدة بقيود ثلاثة: - ألا يكون بشهوة. - أن يكون قد عزم على نكاحها. - عدم الخلوة. 8- الأقرب للنصوص أن يضبط تكرار النظر بمدى الحاجة, وليس بعدد معين. 9- المواضع التي شرع النظر إليها: الأقرب إلى النصوص أنها كل ما يظهر من المرأة غالبًا "رقبة ووجه ويد وقدم". 10- من حق المرأة النظر إلى من يريد خطبتها وهو مندوب لها. 11- لا يجوز للخاطب أن يلمس خطيبته, ولا يجوز له الخلوة بها, أو الخروج معها دون محرم. 12- من حق الولي "وقد يستحب" أن يعرض موليته على رجل صالح ليتزوجها.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما معنى الخطبة شرعًا؟ وما الذي يستفاد من ذلك؟ 2- ما الحكمة من مشروعية نظر الرجل الذي يريد النكاح إلى من يريد نكاحها؟ 3- هل يحتاج الرجل إلى إذن المرأة التي يريد الزواج منها, أو إذن وليها في النظر إليها؟ وضَّح أدلة من قالوا بعدم الحاجة إلى ذلك. 4- ما حكم لمس الخاطب خطيبته أو الخلوة بها أو الخروج معها دون محرم؟ ولماذا؟ اختر الإجابة الصحيحة: 5- اختلف الفقهاء في حكم النظر إلى المخطوبة: أ- لعدم وجود نص صريح. ب- لوجود أحاديث بالأمر, وأخرى بالنهي. جـ- لاختلافهم في حمل الأمر الوارد بالأحاديث. د- الأفضل والأورع أن لا ينظر إليها. 7- الوقت المناسب للنظر: أ- قبل الخطبة. ب- يخبر وليها برغبته في الخطبة, ثم ينظر إليها. جـ- يتقدَّم للخطبة أولًا, ثم ينظر إليها. د- عند خطبة النكاح. 8- حق المرأة في النظر إلى من يريد خطبتها: أ- ليس لها الحق في ذلك لعدم وجود نص صريح.

ب- تكتفي بأن تبعث امرأة أمينة من قبلها لتنظر إليه. جـ- عليها أن تتقي الله ولا تنظر إليه. د- قال الفقهاء بسنية ذلك العمل أو ندبه أو إباحته. 11- صوّب هذه العبارات مع ذكر السبب أو الدليل: 1- ليس من الدين أن يعرض الولي موليته على رجل صالح ليتزوجها. 2- حكم الخطبة يختلف عن حكم النكاح؛ لأنها من مقدمات النكاح. إجابة بعض الأسئلة: 5- "جـ"، 6- "جـ"، 7- "أ"، 8- "د". 9- "أمع 3" - "2 مع أ". 10- "1 مع 2"، "2 مع 1".

الفصل الثالث: الخطبة على الخطبة

الفصل الثالث: الخطبة على الخطبة مدخل ... الفصل الثالث: الخطبة على الخطبة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- حكم خطبة المسلم على خطبة مسلم آخر. 2- معنى الركون إلى الخاطب. 3- مدى مشروعية ذكر مساوئ الخاطب لمن استشير فيه. 4- ومدى مشروعية ذلك بغير استشارة. 5- مشروعية الاستخارة في أمر الزواج وأدلة ذلك. 6- صاحب الحق في الإجابة والرفض. 7- حكم الرد للخاطب بعد الركون إليه. 8- حكم الهدايا عند النكول عن الخطبة.

المبحث الأول: في بيان حكم الخطبة على الخطبة

المبحث الأول: في بيان حكم الخطبة على الخطبة المطلب الأول: حكم خطبة المسلم على خطبة مسلم آخر ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم الخطبة على الخطبة -بالكسر فيهما, إذا كان قد صرَّح للخاطب الأول بالإجابة، ولم يأذن لغيره، ولم يترك الخطبة صراحة أو حكمًا بأن غاب مدة طويلة تشعر بإعراضه عنها, مع ضرورة أن يكون الثاني عالمًا بالركون إلى الأول1, قال -صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله, أو يأذن له الخاطب" 2. لكن إن سكتت المخطوبة أو وليها بعد الخطبة, فأكثر الفقهاء على جواز التقدم إليها من كل خاطب3.

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم جـ9/ 197، مغني المحتاج جـ3/ 136، حاشية ابن عابدين جـ3/ 534. 2 صحيح البخاري مع فتح الباري جـ11/ 104. 3 كشاف القناع جـ5/ 19، مغني المحتاج جـ3/ 136، الزرقاني جـ3/ 136، حاشية ابن عابدين جـ3/ 534.

المطلب الثاني: هل تجوز الخطبة على خطبة الفاسق؟

المطلب الثاني: هل تجوز الخطبة على خطبة الفاسق؟ ذهب بعض الفقهاء -المالكية- إلى جواز خطبة المسلم الصالح أو المستور الحال على خطبة المسلم الفاسق؛ لأن تحريم الخطبة على الخطبة إنما كان لحرمة الإسلام, أما الفاسق فلا حرمة له, بل في نكاحها من غيره تخليص لها من فسقه, وقال النووي: فالصحيح الذي تقتضيه الأحاديث وعمومها، أنه لا فرق بين الخاطب الفاسق وغيره1.

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم جـ9/ 198.

المبحث الثاني: الركون إلى الخاطب وما يتعلق به من أحكام

المبحث الثاني: الركون إلى الخاطب, وما يتعلق به من أحكام المطلب الأول: في بيان معنى الركون إلى الخاطب الركون أمر نفسيٌّ, وهو ميل القلب واطمئنانه إلى شخص معين، لكن لا بُدَّ من ظهور دلائل الرضا التي يقطع من يسمعها بأن المخطوبة قد رضيت بمن تقدَّم لخطبتها أو من وليها، أو من الولي والزوجة معًا إذا كان الزوج غير كفء، ومن السلطان إن كانت غير عاقلة بالغة فاقدة الأب والجد1. وقد نقل عن الإمام مالك -رحمه الله- في بيان معنى الركون قوله: نرى والله أعلم: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه, ويتفقان على صداق واحد معلوم وقد تراضيا, فهي تشترط لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه2. هل يذكر المستشار ما يعرفه من مساوئ الخاطب؟ أو ما يعرفه من مساوئ نفسه؟ الجاري في العرف حينما يتقدَّم إنسان لخطبة امرأة, فإن أهلها يطلبون بعض الوقت للمشورة قبل إقدامهم على الموافقة على الخطوبة, وذلك لخطورة عقد النكاح والآثار المترتبة عليه.

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 136. 2 شرح الزرقاني على الموطأ جـ3/ 125.

وبناءً على ذلك, فمن استشير في خاطب أو مخطوبة, وكان يعرف بعض مساوئ من استشير فيه, فهل يذكر هذه المساوئ؟ وهل يأثم إذا لم يذكرها؟ والجواب: إن ذلك يدخل في باب النصيحة لقوله -صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" 1, ولكنه آكد من النصيحة العامة؛ لأن المستشير سيعتمد على المعلومات التي سيتلقاها من المستشار، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: "المستشار مؤتمن" 2, لكن يجب أن يحذر المستشار من الاستطراد بذكر ما لا حاجة إليه؛ لأنه سيدخل حينئذ في باب الغيبة. ومعنى هذا أنه سيقتصر على ما تمس الحاجة إليه, فإن استطاع صرف الخاطب المستشير أو الخاطبة المستشيرة بعبارةٍ عامَّةٍ دون ذكر المساوئ بالتفصيل, فعليه أن يقتصر على ذلك؛ كأن يقول: لا تصلح لك مصاهرة فلان، أو لا يصلح لكِ زوجًا, فإن كان لا يقتنع إلّا بذكر شيء من المساوئ بالتفصيل، وعلم أن ذكر بعضها كافٍ، فعليه أن يقتصر عليه، فإن تجاوزه إلى غيره وقع في المحظور. وإذا استشير في نفسه, وعلم أن له بعض العيوب؛ كالبخل وحِدَّة الطبع ونحوهما, فإنه يطالب بذكر ذلك حتى تكون زوجة المستقبل على بينة بأخلاقه, فإن كانت لها قدرة على التكليف فلها أن تقبله، وإلا ردت خطوبته. إذا علم عيبًا بأحد الطرفين, فهل يذكره للآخر ولو لم يستشر؟ تفاوت الفقهاء في ذلك ما بين قائلٍ بالوجوب وقائل بالندب، والأقرب القول بالندب؛ لأن ذلك من باب النصيحة العامة, وهي إذا لم تتعين صارت مندوبة3. والأصل الخاص المعول عليه في هذا الباب هو حديث فاطمة بنت قيس حين أشار عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- بنكاح أسامة بدلًا من نكاح معاوية وأبي جهم، ثم ذكر لها عيب

_ 1 صحيح مسلم, كتاب الإيمان، سنن أبي داود جـ3/ 583. 2 سنن أبي داود جـ2/ 626. 3 مغني المحتاج جـ3/ 137.

كلٍّ منهما، فقال لها: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضرّاب للنساء, أو لا يضع عصاه عن كاهله" 1. مشروعية الاستخارة في أمر الزواج: يندب لكل خاطب أو مخطوبة, أو مَنْ يهمه أمرهما أن يستخير الله -سبحانه وتعالى- في أمر زواجه, استجابةً للتوجيه الصادق من المصطفى -صلى الله عليه وسلم, حين كان يعلمها أصحابه, كما كان يعلمهم السورة من القرآن2, ثم اقتداءً بما فعلت السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- حين بلغها أمر خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها, فعن أنس -رضي الله عنه- قال: لما انقضت عدة زينب, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزيد: "اذكرها علي" , قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب أبشري، أرسلني إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أستأمر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فدخل بغير إذن3. قال الإمام النووي -تعليقًا على ذلك: ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه -صلى الله عليه وسلم, وأما معنى قولها: أستأمر ربي "أي: أستخيره"4. من له حق الإجابة والرفض؟ يعتبر الركون أو عدمه حين يصدر من أهله، فإن يصدر من المخطوبة وكانت أهلًا لذلك بأن كانت ثيبًا قبل منها، فإن كانت مجبرة أو سفيهة, فالمعتبر رد وليها لا ردها. وقد استثنى الحنابلة صورة واحدة تقدَّم فيها رغبة المخطوبة المجبرة، وهي ما أنها لو

_ 1 صحيح مسلم "1480". 2 البخاري في الصحيح, وسنن النسائي جـ3/ 80 مع زهر الربى. 3 سنن النسائي جـ3/ 79 مع زهر الربى. 4 صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش، والنسائي جـ3/ 79.

كرهت الشخص المجاب من قِبَلِ وليها, واختارت كفئًا غيره وعينته, سقط حكم إجابة وليها؛ لأن اختيارها إذا تمَّ لها تسع سنين يقدم على اختياره1. وإذا ركنت الأم للخاطب ولم يظهر رد من المخطوبة له اعتبر ركون الأم, وإن ظهر رد المخطوبة للخاطب فلا عبرة بركون الأم حينئذ2. والأصل المعول عليه في الإجابة والرفض من قبل الولي في المجبرة حديث عائشة -رضي الله عنها: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين، ومكثت عنده تسعًا"3 أخرجه البخاري. ومعلوم أن بنت تسع سنين لا تعقل الزواج حتى يؤخذ رأيها. وأما الأصل في أن المعول عليه في غير المجبرة هو رأيها, فهو حديث خنساء بنت خذام الأنصارية "أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك, فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه" أخرجه البخاري4. حكم الرد للخاطب بعد الركون إليه أو العكس: يكره الرد للخاطب بعد الركون إليه؛ لأنه من إخلاف الوعد, أما إذا كان الرجوع لغرض صحيح فلا كراهة؛ لأنه عقد عُمْرٍ يدوم الضرر فيه, فكان لها الاحتياط لنفسها والنظر في حظها، والولي قائم مقامها وإنما لم يحرم لأن الحق بعد لم يلزم, فهو كمن ساوم على سلعة ثم بدا له أن لا يبيعها5. فإن كان الرد بسبب خطبة الثاني على خطبة الأول فيحرم الرد حينئذ, فإذا ادَّعت هي أو وليها أنها رجعت قبل خطبة الثاني، وادَّعى الأول أن الرجوع كان بسبب خطبة الثاني ولا قرينة لأحد الطرفين فالظاهر أنه يعمل بقولها أو بقول مجبرها؛ لأن هذا لا يعلم إلّا من جهتها، ولأن دعواه توجب الفساد ودعواهما توجب الصحة

_ 1 الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه جـ1/ 377, والكشاف جـ5/ 20. 2 شرح الخرشي جـ3/ 168. 3، 4 البخاري جـ11/ 95. 5 حاشية الصاوي على الشرح الصغير جـ1/ 377.

والأصل في العقود الصحة. حكم الرجوع بالهدية على المخطوبة إذا تزوجت غيره: إذا أهدى الخاطب إلى المخطوبة التي ركنت إليه وأجابته إلى خطبته ثم حدث أن تزوجت غيره, فإن الفقهاء تباينت آراؤهم: فمن قائلٍ بأنه لا يرجع بشيء مطلقًا, سواء أكان الرفض منها أم منه1، وقائل بالرجوع مطلقًا2, وأوسط الآراء وأقرابها سواء أنه إن كان هناك شرط أو عرف عمل بهما, وإلا فإن كان الرفض من قبله لم يرجع بشيء حتى لا يجمع عليها كسر قبلها بالرفض والغرامة المالية بإعادة ما دفعه إليها, وإن كان الرفض من قِبَلِهَا كان من حقه الرجوع حتى لا يجتمع عليه كسر قلبه برفض خطبته وضياع ماله عليه3.

_ 1 حاشية العدوي على الخرشي جـ3/ 171. 2 حاشية قليوبي على المحلى جـ3/ 216. 3 شرح الزرقاني وحاشية البناني عليه جـ3/ 127.

الخلاصة

الخلاصة: 1- حكم خطبة المسلم على خطبة مسلم آخر: أ- إذا صُرِّحَ للخاطب الأول بالإجابة ولم يؤذن لغيره ولم يترك الخطبة صراحةً أو حكمًا, فإن جمهور الفقهاء يذهب إلى تحريم الخطبة على الخطبة. ب- ولكن إن سكتت المخطوبة أو وليها بعد الخطبة, فأكثر الفقهاء على جواز التقدم إليها من كل خاطب. 2- هل تجوز خطبة المسلم الصالح أو المستور الحال على خطبة المسلم الفاسق؟ أ- ذهب المالكية إلى الجواز. ب- بينما يرى النووي أنه لا فرق بين الخاطب الفاسق وغيره. 3- معنى الركون إلى الخاطب أنه أمر نفسي، وهو ميل القلب واطمئنانه إلى شخص معين, لكن لا بُدَّ من ظهور دلائل الرضا. 4- هل يذكر المستشار ما يعرفه من مساوئ الخاطب؟ الجواب: إن ذلك يدخل في باب النصيحة, وعليه أن يقتصر على ما تمس الحاجة, فإن تجاوزه إلى غيره فسيدخل حينئذ في باب الغيبة. 5- إذا علم عيبًا بأحد الطرفين فهل يذكره للآخر ولو لم يستشر؟ القول الأقرب: هو القول بالندب؛ لأنه من باب النصيحة العامة التي لم تتعين فتصير مندوبة. 6- تشرع الاستخارة في أمر الزواج استجابةً لتوجيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم, ثم اقتداءً بما فعلته السيدة زينب بنت جحش. 7- من له حق الإجابة والرفض؟

أ- المخطوبة إن كانت ثيبًا رشيدةً فلها ذلك الحق. ب- وإن كانت مجبرةً أو سفيهةً فالمعتبر رد وليها. 8- أ- يكره للخاطب بعد الركون إليه وكذلك العكس. ب- ولكن إن كان الرجوع لغرض صحيح فلا كراهة. جـ- وإن كان الرد بسب خطبة الثاني على خطبة الأول حَرُم الرد حينئذ. 9- إذا أهدى الخاطب إلى المخطوبة التي ركنت إليه, ثم حدث أن تزوجت غيره, فأوسط الآراء وأقربها: أ- إن كان هناك شرط أو عرف عمل بهما. ب- إن كان الرفض من قبله لم يرجع بشيء، وإن كان الرفض من قبلها كان من حقه الرجوع.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما حكم خطبة المسلم على خطبة مسلم آخر؟ 2- هل تجوز خطبة المسلم الصالح أو المستور الحال على خطبة المسلم الفاسق؟ 3- ما معنى الركون إلى الخاطب؟ 4- هل يذكر المستشار ما يعرفه من مساوئ الخاطب؟ أ- لا يذكر شيئًا من المساوئ إطلاقًا, وإلا دخل في باب الغيبة. ب- له أن يذكب وينفي وجود هذه المساوئ؛ لأن هذا من باب الإصلاح. جـ- إن ذلك يدخل في باب النصيحة, وعليه أن يقتصر على ما تمس الحاجة إليه. د- الأولى والأسلم له أن يصمت ولا يذكر شيئًا. 5- إذا علم عيبًا بأحد الطرفين فهل يذكره للآخر ولو لم يستشر؟ أ- الأقرب هو القول بالوجوب. ب- الأقرب هو القول بالندب. جـ- الأقرب هو القول بالإباحة. د- الأقرب هو القول بالكراهة. 6- اذكر حديث فاطمة بنت قيس حين أشار عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر زواجها، وما الحكم الذي استخلصه الفقهاء من هذا الحديث فيما يتعلق بموضوعنا؟ 7- هل تشرع الاستخارة في أمر الزواج؟ وما الدليل؟ 8- من الذي له حق الإجابة والرفض في أمر زواج البنت؟

9- صل عبارات المجموعة الأولى مع ما يناسبها من المجموع الثانية: 1- يكره 1- الرد للخاطب بسبب خطبة الثاني على خطبة الأول. 2- لا يكره 2- الرد للخاطب بعد الركون إليه. 3- يحرم 3- الرد للخاطب بعد الركون إليه لغرض صحيح. 10- تباينت آراء الفقهاء في الخاطب أهدى إلى المخطوبة التي ركنت إليه, ثم حدث أن تزوجت غيره. اذكر أوسط هذه الآراء وأقربها. إجابة بعض الأسئلة: 4- "جـ"، 5- "ب". 9- "1 مع 2"، "2 مع 3"، "3 مع 1".

الفصل الرابع: خطبة المعتدة أو المستبرأة

الفصل الرابع: خطبة المعتدة أو المستبرأة مدخل ... الفصل الرابع: خطبة المعتدلة أو المستبرأة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- حكم التصريح أو التعريض بالخطبة للمعتدة أو المستبرأة. 2- حكم المواعدة مع المعتدة أو وليها على النكاح بعد انقضاء العدة. 3- كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة، وحكمه، وبعض صيغه, ومن التي يباح لها التعريض.

المبحث الأول: حكم خطبة المعتدة أو المستبرأة ومواعدتها

المبحث الأول: حكم خطبة المعتدة أو المستبرأة ومواعدتها المطلب الأول: حرمة التصريح بالخطبة للمعتدة أو المستبرأة يحرم التصريح بالخطبة للمعتدة, ومن في حكمها. والمراد من التصريح: أن يستخدم الخاطب الألفاظ التي تقع بالرغبة في النكاح, سواء أكان ذلك للمخطوبة مباشرة أو لوليها؛ كأن يقول لها: أريد الزواج منك، أو إذا انقضت عدتك نكحتك، أو أن يقول لوليها: إذا انقضت عدة موليتك نكحتها أو تزوجتها، ومن التصريح التصرف الذي يقطع بالرغبة في النكاح، وذلك كأن يجري عليها النفقة وهي في العدة1. والمراد بالمعتدة التي يحرم التصريح لها: هو المعتدة من وفاة أو طلاق رجعي أو بائين, مسلمة كانت أم كتابية، حرة كانت أو أمة2. والأصل في تحريم التصريح للمعتدة ومن في حكمها قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} 3 الآية، فإن مفهوم المخالفة للتعريض المباح هو التصريح المحرم، وكذلك التعريض بالقول الفاحش.

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 136. 2 شرح الخرشي جـ3/ 169. 3 سورة البقرة من الآية 35.

أما الحكمة من حرمة التصريح: فلأن فيه التزام الخاطب بالتزوج بمجرد انقضاء العدة, وهذا التصرف قد يحمل المعتدة -لحرصها على إتمام النكاح وسرعة حصوله- على الإخبار بانقضاء العدة قبل انقضائها حقيقةً بخلاف التعريض الذي لا التزام فيه بذلك1. حرمة التعريض بالخطبة للمعتدة من طلاق رجعي: الأصل هو مشروعية التعريض بالخطبة للمعتدات عمومًا, إلّا المعتدة من طلاق رجعي, فإنه يحرم التعريض لها بالخطبة من غير المطلق؛ لأنها في حكم الزوجة، ولأنها مجفوة بالطلاق, فقد تكذب وتخبر بانقضاء عدتها نكايةً في زوجها المطلق لها طلاقًا رجعيًّا, وقد سبق في التدليل على مشروعية هذا التعريض قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} .

_ 1 كشاف القناع جـ5/ 18 بتصرف.

المطلب الثاني: المواعدة مع المعتدة أو وليها على النكاح بعد انقضاء العدة

المطلب الثاني: المواعدة مع المعتدة أو وليها على النكاح بعد انقضاء العدة المواعدة: مفاعلة من الجانبين، وذلك بأن يتوثق كلٌّ من صاحبه ألَّا يأخذ غيره, فهو يعدها بالتزوج منها بعد انقضاء العدة، وهي تعده بألا تتزوج غيره. وحكمها: أنها تحرم إذا كانت من الجانبين, أما إذا كانت من جانبٍ واحدٍ وسكت الآخر كرهت عند بعض الفقهاء1 وذهب آخرون إلى أن المواعدة تأخذ حكم التصريح أو التعريض2

_ 1 شرح الخرشي جـ3/ 169. 2 مغني المحتاج جـ3/ 136.

ويكون الحكم بالتحريم أو الكراهة إذا وجّه إلى من يعتبر قوله في الإيجاب والرفض, وهي الثيب البالغة الرشيدة وولي المجبرة. أما إذا كانت المواعدة بين الزوج والولي غير المجبر, فحكمها الكراهة فقط، فقد حكى ابن رشد الإجماع على أن مواعدة غير المجبر بغير علمها، كالعدة من أحدهما مكروهة خلافًا لمن حكى التعميم في الحكم بالتحريم بين المجبر وغيره1. ودليل التحريم ظاهر قوله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} قال ابن العربي: المعنى: قد منعتم التصريح بالنكاح وعقده، وأذن لكم في التعريض، فإياكم أن يقع بينكم مواعدة في النكاح حين منعتم العقد فيه2.

_ 1 حاشية العدوي على الخرشي جـ3/ 169. 2 أحكام القرآن لابن العربي جـ1/ 212.

المطلب الثالث: كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة وحكمه وبعض صيغه

المطلب الثالث: كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة, وحكمه, وبعض صيغه التعريض بالنكاح: أن يأتي الخاطب بكلام يقصد به إبداء رغبته في النكاح دون أن يكون في كلامه تصريح بزواجه أو نكاحه منها. ومن الصيغ المأثورة في التعريض ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس "إذا حللت فآذنيني" وهو عند مسلم، وفي لفظ: "لا تفوتينا بنفسك" أخرجه أبو داود. وما أخرجه البخاري عن القاسم بن محمد يقول: إنك عليَّ كريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله لساق إليك خيرًا، أو نحو هذا. من التي يباح لها التعريض؟

اتفق الفقهاء على إباحة التعريض بالنكاح للمعتدة من وفاةٍ, ويباح للبائن بطلاق أو فسخ في الأظهر عند الشافعية, وذلك لانقطاع سلطة الزوج عنها, كما يباح التعريض للمعتدة من شبهة نكاح، والمعتدة من طلاق بائن، وكذلك لمن لا تحصل لمطلقها كما في المطلقة ثلاثًا، أولم تحل لمفارقها، كالمفارقة بلعان أو رضاع, فشأنها شأن المعتدة من وفاة في إباحة التعريض في العدة1. والحكم كذلك بالنسبة لجواب المرأة؛ إذ يباح لها التعريض حين تجيب من يعرض لها في العدة، فيجوز للبائن التعريض في عدتها, ويحرم على الرجعية التعريض, شأنه شأن التصريح منها ما دامت في العدة، وذلك لغير مطلقها, ومن أمثلتها في التعريض المباح جوابًا لمن يعرض لها: ما يُرغبُ عنك، وإن قضى الله شيئًا كان، وإن يك من الله يمضه2.

_ 1 المحلى على المنهاج جـ3/ 243، والشرح الصغير جـ3/ 379. 2 المحلى على المنهاج جـ3/ 413، 414، وأحكام القرآن لابن العربي جـ1/ 212، شرح منتهى الإرادات جـ3/ 9، بدائع الصنائع جـ3/ 414.

المبحث الثاني: حكم النكاح الواقع بعد التصريح أو التعريض المحرمين أو بعد العدة منهما

المبحث الثاني: حكم النكاح الواقع بعد التصريح أو التعريض المحرمين أو بعد العدة منهما ... المبحث الثاني: حكم النكاح الواقع بعد التصريع أو التعريض المحرمين, أو بعد العدة منهما بعد أن علمنا موقف الفقهاء من التصريح أو التعريض في الخطبة بما يقبح ذكره للمعتدة، أو المواعدة منهما, أو من أحدهما، نبين الآن الحكم فيما إذا اقتحما هذه الحرمة وعقدا النكاح بناءً على هذه الخطبة المحرمة، ويقع ذلك في الصور التالية: الصورة الأولى: أن يقع العقد والدخول بعد انتهاء العدة. الصورة الثانية: أن يقع العقد أثناء العدة والدخول بعدها. الصورة الثالثة: أن يقع العقد والدخول معًا في العدة. الحكم إذا وقع العقد والدخول بعد انتهاء العدة: بعد أن اتفق العلماء على عدم المشروعية اختلفوا في درجة الحكم الذي يجب إيقاعه على هذا الزواج؛ فوصفه بعضهم بالكراهة من غير حاجة لِأَنْ يفرَّقَ بين الزوجين؛ إذ العقد المنهي عنه لسببه لا يبطل1، ووصفه آخرون بالحرمة, وأوجبوا التفريق بين الزوجين؛ لأن النهي يقتضي الفساد, والقول الأول ينسجم مع قول ابن عباس "خير لك أن تفارقها"2. ما الحكم إذ وقع العقد في العدة ووقع الدخول فيها أو بعدها؟ يذهب الجميع إلى حرمة هذا العقد ووجوب التفريق بين الزوجين، لكن بعضهم يذهب إلى تأبيد حرمتها عليه إذا تمَّ الدخول في العدة لما رواه مالك أن طليحة

_ 1 المجموع جـ15/ 147, والأم للشافعي جـ5/ 32، الشرح الصغير جـ1/ 380، وفتح الباري جـ11/ 84. 2 صحيح الإمام البخاري مع شرحه فتح الباري جـ11/ 84.

الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها, فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرَّقَ بينهما، ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها, فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فُرِّقَ بينهما, ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبًا من الخطاب، وإن كان دخل بها فُرِّقَ بينهما, ثم اعتدت عدتها من الأول, ثم اعتدت من الآخر, ثم لا يجتمعان أبدًا1. ويذهب الآخرون وهم الأكثر إلى عدم تأبيد الحرمة, سواء أدخل بها في العدة أم لا, بل يصير بعد اعتدادها من الاثنين خاطبًا من الخطاب، لما حكم به علي بن أبي طالب في مثل هذه الواقعة, وقالوا: إن عمر -رضي الله عنه- رجع إلى قول علي هذا, وأضاف بعض هذا الفريق إيجاب الحد عليهما إن كانا يعلمان بالحرمة حين أتبعا العقد بالوطء في العدة، ذهب الآخرون إلى تعزير العالم منهما بدلًا من الحد لوجود الشبهة2.

_ 1 الموطأ مع شرح الزرقاني عليه جـ3/ 145. 2 حاشية ابن عابدين جـ3/ 516، 527، والمهذَّب للشيرازي جـ2/ 25، والمجموع للنووي جـ17/ 40، 41, وشرح منتهى الإرادات جـ3/ 225، وكشاف القناع جـ5/ 426.

الخلاصة

الخلاصة: 1- يحرم التصريح بالخطبة للمعتدة من وفاة أو طلاق رجعي أو بائن. 2- الحكمة من حرمة التصريح أنه قد يحمل المعتدة على الإخبار بانقضاء العدة قبل انقضائها حقيقة. 3- يحرم التعريض من غير المطلق للمطلقة طلاقًا رجعيًّا. 4- المواعدة مع المعتدة أو وليها على النكاح, وإن كانت من جانب واحد وسكت الآخر كرهت عند بعض الفقهاء. وذهب آخرون إلى أن المواعدة تأخذ حكم التصريح أو التعريض. 5- كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة, هو أن يأتي الخاطب بكلام يقصد به إبداء رغبته في النكاح من غير أن يكون في كلامه تصريح بزواجه أو نكاحه منها. 6- حكم النكاح الواقع بعد التصريح أو التعريض المحرمين له ثلاث صور: الأولى: أن يقع العقد والدخول بعد انتهاء العدة: قال بعضهم بكراهيته وعدم الحاجة للتفريق بين الزوجين. وقال آخرون بحرمته, ووجوب التفريق بين الزوجين. الثانية: أن يقع العقد في أثناء العدة والدخول بعدها, يحرم هذا العقد ويجب التفريق بين الزوجين. الثالثة: أن يقع العقد والدخول معًا في العدة: يحرم هذا العقد، وذهب بعضهم إلى تأبيد حرمتها عليه, بينما يذهب الأكثر إلى عدم تأبيد الحرمة.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المقصود بالتصريح بالخطبة للمعتدة؟ ومن المعتدة التي يحرم التصريح لها؟ 2- ما الدليل على تحريم التصريح للمعتدة ومن في حكمها؟ وما الحكمة من هذا التحريم؟ 3- من التي يحرم التعريض لها بالخطبة؟ ولماذا؟ 4- ما المقصود بالمواعدة مع المعتدة أو وليها عى النكاح بعد انقضاء العدة؟ وما حكمها؟ 5- وضح كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة, مع ذكر بعض الصيغ المأثورة في التعريض؟ 6- من التي يباح لها التعريض بالنكاح؟ د- اتفق العلماء على تأبيد حرمتها عليه فيما بعد. هـ- يذهب بعضهم إلى تأبيد حرمتها عليه, بينما يذهب الأكثر إلى عدم تأبيد الحرمة إجابة السؤال رقم "7": "أمع جـ", "ب مع أ", "جـ مع هـ".

المراجع المساعدة

المراجع المساعدة: 1- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الوهاب خلاف, ص13-21. 2 الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بين مذاهب أهل السنة.. والشيعة: لمحمد حسين الذهبي, ص23- 51. 3- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الرحمن تاج, ص8-12. 4- المفيد في الفقه الإسلامي: لعبد الرحمن العدوي, ص7-19.

الباب الثاني: عقد النكاح

الباب الثاني: عقد النكاح الفصل الأول: تعريف النكاح وحكمه وأركانه مدخل ... الفصل الأول: تعريف النكاح وحكمه وأركانه الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تصبح محيطًا بما يلي: 1- الأولويات التي أعطتها الشريعة شيئًا من الاهتمام بين يدي العقد, مثل أفضل الأماكن وأفضل الأوقات في عقد النكاح. 2- معنى النكاح في اللغة وفي الشرع. 3- حكم النكاح في حال القدرة على الوطء والنفقة وعدم خشية العنت. 4- حكمه في حال خشية العنت "الزنا". 5- حكمه في حال عدم القدرة على القيام بواجباته. 6- حكمه في حال القدرة على مُؤَن النكاح غير الجماع. 7- حكمه في حال القدرة على مؤن الزواج مع عدم الاحتياج إلى النكاح. 8- حكمه في حق من لا يصح منه الزواج, وليس في حاجة إليه. 9- أركان عقد النكاح وموقف الفقهاء من تحديدها.

الفصل الأول: تعريف النكاح، وحكمه, وأركانه وقبل أن ندخل في دراسة محتويات هذا الفصل نشير بإيجازٍ إلى بعض الأفضليات التي أعطتها الشريعة شيئًا من الاهتمام بين يدي العقد، وذلك مثل اختيار أفضل الأماكن والأزمان لعقد النكاح، ثم ما ينبغي على العاقدين من تقديم خطبتين -بضم الخاء- متبادلتين بين يدي العقد. الأفضل في وقت النكاح ومكانه: 1- اتفق الفقهاء على استحباب عقد النكاح بالمسجد؛ لأنه أشرف البقاع، وهو المكان المختار من الشارع لتجمع المسلمين ليتفرغوا فيه لعبادة ربهم، فناسب أن يجعل مكانًا لبداية نشأة الأسرة المسلمة. 2- واتفقوا أيضًا على استحبابة في يوم الجمعة, لأنه يوم شريف، وهو عيد المسلمين الأسبوعي، والبركة في النكاح مطلوبة, فاستحب له أشرف الأيام طلبًا للبركة1. 3- واختلفوا في تحديد الساعة التي يستحب العقد فيها من يوم الجمعة، فذهب الأكثر إلى اختيار أن يكون العقد مساء الجمعة؛ لأن به ساعة الإجابة قبيل الغروب على ما يراه بعض العلماء, لذا يستحب أن يلتمس فضل هذا الوقت نظرًا لما يصاحب العقد من الدعاء بالبركة للزوجين, فيكون أرجى للقبول2, ولكن بعض الفقهاء استحب عقده في صباح يوم الجمعة لحديث "اللهم بارك لأمتي في بكورها" 3, 4, وترك فريق ثالث الاختيار لظروف الطرفين العملية والعائلية

_ 1 كشاف القناع جـ5/ 20. 2 المقدمات جـ1/ 482، ومواهب الجليل جـ3/ 407، 408، وكشاف القناع جـ5/ 20. 3 مسند الإمام أحمد جـ3/ 416, وللحديث طرق أخرى, وهو مختلف في صحته. 4 شرح النووي على صحيح مسلم جـ9/ 209.

والاجتماعية في إيقاع العقد في أي ساعة من ساعات يوم الجمعة1، والموضوع يدور في مجال الاستحباب, فلا حرج في اختيار وقت دون آخر إن شاء الله تعالى. 4- ذهب جمهور الفقهاء إلى اختيار شهر شوال لعقد النكاح فيه، وذلك لحديث عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: "تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شوال، وبنى بي في شوال، فأيّ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أحظى عنده مني", قال الراوي: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال. أخرجه مسلم2، كما أخرج هذا الحديث الإمام الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح, وكذلك أخرجه الإمام النسائي3. كما أخرج الإمام ابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج أم سلمة -رضي الله عنها- وجمعها إليه في شوال4. وفي المقابل ذهب بعض الفقهاء إلى اختيار شهر رمضان لاستحباب عقد النكاح والدخول فيه، استدلًا بما جاء في سنن سعيد بن منصور عن حبيب بن عبيد -وكان من التابعين, وقد أدرك سبعين من الصحابة- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستحب النكاح في رمضان رجاء البركة فيه5. وموقف الجمهور أقوى لصحة ما استدلوا به، والله أعلم. استحباب خطبتين بين يدي العقد: استحب أكثر الفقهاء أن يخطب الولي بين يدي العقد، وأن يرد عليه الزوج أو وكيله بخطبة أخرى ويندب تقليلها, وأقلها أن يقول الولي: الحمد لله والصلاة

_ 1 رد المحتار جـ3/ 8. 2 صحيح مسلم بشرح النووي جـ9/ 209. 3 الترمذي جـ4/ 215، والنسائي جـ6/ 70. 4 سنن ابن ماجه جـ1/ 641. 5 سنن سعيد بن منصور جـ1/ 112 وحديثه هذا مرسل.

والسلام على رسول الله، زوجتك على كذا، ويقول الزوج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، قبلت نكاحها. وعلى هذا تكون جملة الخطب عند الخطبة وعند العقد أربعًا، اثنتين عند الخطبة, واثنتين عند العقد, وهما آكد استحباب من خطبتي الخطبة1. وفي المقابل يذهب بعض الفقهاء إلى عدم الحاجة إلى تعدد الخطب عند الخطبة أو العقد, بل يستحب الاقتصار على خطبة واحدة بين يدي العقد فقط, ثم يكون العقد بعده؛ إذ المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم, وعن السلف خطبة واحدة, وهو أولى ما اتبع2, والأفضل أن تكون صيغة الخطبة هي الواردة في خطبة الحاجة التي رواها ابن مسعود -رضي الله عنه.

_ 1 مواهب الجليل جـ3/ 407، ومغني المحتاج جـ3/ 138. 2 المغني جـ6/ 536.

المبحث الأول: تعريف النكاح

المبحث الأول: تعريف النكاح النكاح في اللغة: يرد الكاح في اللغة بمعنى الوطء وهو الأكثر، أو بمعنى العقد، أو مطلق الضم، وقيل: هو مشترك بين لفظي العقد والوطء، وقيل: هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر1. النكاح شرعًا: عقد يفيد بطريق الأصالة ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل. وكلمة "بطريق الأصالة" الواردة في التعريف تخرج ملك استمتاع السيد بأمته, فإن ذلك تابع لملك رقبتها، والتعبير في جانب الرجل بالملك, وفي جانب المرأة بالحِلِّ, لبيان أن الرجل يملك وحده حق الاستمتاع بالمرأة، بخلاف المرأة, فإنها لا تملك وحدها حق الاستمتاع به, لأن له أن يشرك في ذلك امرأة أخرى بالتعدد.

_ 1 لسان العرب لابن منظور جـ3/ 465، والمصباح المنير حرف النون مع حرف الكاف.

المبحث الثاني: حكم النكاح

المبحث الثاني: حكم النكاح أولًا: حكم النكاح في حال الاعتدال والمقصود بالاعتدال القدرة على الوطء والنفقة وعدم خشية العنت. والذي عليه جمهور الفقهاء أن النكاح في هذه الحالة مستحب، ما دام قادرًا على الوطء, ومالكًا للمهر والنفقة، وغير خائف من الزنا والجور، وترك السنن، والفضائل1. ويذهب الحنابلة إلى استحبابه ولو كان الرجل فقيرًا عاجزًا عن الإنفاق؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- زوج رجلًا لم يقدر على خاتم من حديد, ولا وجد إلّا إزاره2. والمرأة في ذلك كالرجل، فإن كانت محتاجة إلى النكاح بأن كانت تتوق إليه أو محتاجة للنفقة، أو خائفة من اقتحام الفجرة، أو لم تكن مشغولةً بالعبادة, استحب لها أن تتزوج لما في ذلك من تحصين الدين, وصيانة الفرج، والترفه بالنفقة، وغير ذلك3. ودليل الجمهور في القول بالاستحباب أو السنية حديث: "يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 4 لأنه -صلى الله عليه وسلم- خيَّرَه بين النكاح والصوم بالاتفاق, ولو كان النكاح واجبًا لما خيره بينهما، قال سلطان العلماء: أقام الصوم مقام النكاح، والصوم ليس بواجب، ولأن بعض الصحابة لم تكن له زوجة ولم ينكر عليه5.

_ 1 الخرشي جـ3/ 165، كشاف القناع جـ5/ 6، ومغني المحتاج جـ3/ 125. 2 صحيح البخاري مع فتح الباري جـ11/ 94. 3 مغني المحتاج جـ3/ 125. 4 متفق عليه. 5 بدائع الصنائع جـ3/ 1325.

وذهب داود الظاهرى إلى وجوبه, وهناك قول للحنفية: بأن النكاح واجب في حال الاعتدال -ومعلوم أن الواجب عند الحنفية غير الفرض؛ إذ الواجب عندهم ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، وبذلك تقترب السنة المؤكدة من الواجب عند الحنفية؛ إذ تارك أيٍّ منهما يأثم عندهم, غير أن الإثم أيسر في ترك السنة المؤكدة منه في ترك الواجب1. ودليل القائلين بالوجوب في حال الاعتدال: - الأمر الوارد في الحديث السابق بالزواج، والأمر إذا أطلق يستفاد منه الوجوب، وقد سبقت مناقشة هذا الاستدلال في معرض الحديث عن دليل الجمهور. - ثم حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا2. ثانيًا: حكمه في حال خشية العنت يذهب جمهور الفقهاء إلى فرضية النكاح إذا خشي على نفسه العنت -أي: الزنا3، ومقابله عدم الوجوب4, وأضاف بعضهم إلى هذه الحالة -أي: الفرضية, مَنْ أمره والداه أو أحدهما بالزواج، أو كان قد نذره وهو قادر على النكاح5. ثالثًا: حكمه في حق من عدم القدرة على القيام بواجباته واجبات النكاح في الجملة: القدرة على الجماع، والقدرة على المهر،

_ 1 حاشية ابن عابدين جـ3/ 7، المحلى جـ11/ 3. 2 متفق عليه: البخاري في "النكاح" باب: ما يكره من التبتل والخصاء, ومسلم في "النكاح", التبتل ترك لذات الدنيا والانقطاع للعبادة. 3 حاشية ابن عابدين جـ3/ 6، فتح القدير جـ3/ 100، كشاف القناع جـ5/ 7، 8، والخرشي وعليه حاشية العدوي جـ3/ 165. بل ذهب المالكية إلى الوجوب في هذه الحالة, ولو أدى إلى الإنفاق عليها من حرام. المرجع السابق. 4 مغني المحتاج جـ3/ 125. 5 كشاف القناع جـ5/ 7، 8.

والنفقة، والكسوة، والمسكن. ذهب بعض الفقهاء إلى كراهة النكاح لمن فقد مؤن النكاح, ولم يحتج له بأن لم تتق نفسه له من أصل الخلقة, أو لعارض مرض أو عجز, وذلك لما يترتب على النكاح في هذه الحالة من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة1. وذهب فريق آخر إلى تحريم النكاح لمن لم يخش العنت ويضر بالمرأة لعدم قدرته على النفقة أو الوطء أو يتكسب من حرام لينفق عليها2. رابعًا: حكمه في حق من قَدِرَ على مؤن النكاح غير الجماع يذهب بعض الفقهاء إلى كراهة التزوج لمن يملك القدرة على النفقة, ولكن به علة تمنعه من الجماع؛ كهرمٍ أو مرض دائمٍ أو تعنينٍ دائمٍ, وذلك لعدم الحاجة إليه مع منع المرأة من التحصين، ويذهب آخرون إلى إباحة التزوج في هذه الحالة لعدم منع الشارع منه3. والقول بالكراهة أقرب؛ لأنه سيترتب على الزواج الاشتغال بما ليس في حاجة إليه، وحبس المرأة عن زواجها بمن تتحصن به، وانشغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه. خامسًا: حكمه في حق من قدر على مؤن الزواج, ولم يحتج إلى النكاح, وليست به علة تمنعه منه فمن قدر على النكاح ولكن لم يحتج إليه، ويملك القدرة على المهر والنفقة على الزوجة، وليس لديه مقصد شرعي من ورائه؛ كرجاء نسل أو رغبة في تعفف أو اقتداء، ولم يقطعه عن عبادة غير واجبة, فإن الزواج يباح في هذه الحالة، وأما إذا

_ 1 المحلى على المنهاج جـ3/ 165. 2 شرح الخرشي على المختصر جـ3/ 165. 3 مغني المحتاج جـ3/ 126.

كان له مقصد شرعي مما تقدَّمَ, فإنه يندب أو يسن في حقه, بحسب سموِّ هذا المقصد1. سادسًا: حكمه في حق من لا يصح منه الزواج وليس في حاجة إليه هذه الحالة فرع عن الحالة السابقة, ولكنها خاصة بالمولى عليه لجنون أو عته ونحو ذلك, والحكم في هذه الحالة هو التحريم؛ لأنه من إضاعة المال فيما لا فائدة من ورائه, إلى جانب ما سيترتب عليه من التزامات عائلية2.

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 126، شرح الخرشي مع حاشية العدوي جـ3/ 165، وحاشية رد المحتار جـ3/ 7, وبدائع الصنائع جـ3/ 1326، 1327. 2 حاشية العلامة عمير على المحلى جـ3/ 206، ومغني المحتاج جـ3/ 126.

المبحث الثالث: أركان عقد النكاح

المبحث الثالث: أركان عقد النكاح الأركان: جمع ركن، وهو في اللغة: الجانب الأقوى للشيء, وركن الإنسان قوته وشدته، وركن الرجل قومه وعدده ومادته, وفي التنزيل العزيز: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} 1 أي: إلى عزٍّ ومنعة، أراد عز العشيرة الذين يستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط2. أما في الاصطلاح: فهو ما تتوقف عليه حقيقة الشيء, أو كان جزءًا من ماهيته3. وأما العقد في اللغة: فهو ما عُقِدَ من البناء, بأن أُلْصِقَ بعض حجارته ببعض بما يمسكها فأحكم إلصاقها.. أو هو ارتباطٌ بين طرفين يلتزم بمقتضاه كلٌّ منهما تنفيذ ما اتفقا عليه4. وهو في الاصطلاح: تعلق كلام أحد العاقدين بالآخر شرعًا على وجهٍ يظهر أثره في المحل5. موقف الفقهاء من أركان العقد: 1- يختلف الفقهاء -رحمهم الله- في نظرتهم إلى ما يجب أن يكون ركنًا وما لا يجب أن يكون كذلك. 2- فبعضهم يعتبر الأركان خمسة، وبعضٌ آخر يعتبرها اثنين، وثالث يعتبرها ثلاثة.

_ 1 سورة هود الآية رقم 80. 2، 4 المعجم الوجيز, من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة ص426، لسان العرب جـ7/ 45، وكشاف القناع جـ5/ 37. 3 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير جـ2/ 220. 5 العناية مع فتح القدير كلاهما على الهداية جـ5/ 74.

3- كذلك نجد أن من قصروا الأركان على اثنين يختلفون في تعيينها؛ فالخطَّاب المالكيّ اختار جعل الزوج والزوجة ركني العقد فقط, أما الحنفية والفتوحي من الحنابلة فجعلوا ركني العقد الإيجاب والقبول فقط. 4- كذلك نجد أن من يقول إنها خمسة يختلفون في تعيينها؛ فالشافعية يجعلون الشاهدين ركنًا مع الولي والصيغة والزوج والزوجة، والمالكية يجعلون الصداق ركنًا خامسًا مع الولي والصيغة والزوج والزوجة. بعد هذه العجالة من النظر إلى مواقف الفقهاء من أركان العقد أرى أن الأقرب إلى الواقع هو ما قاله العلامة البناني المالكيّ إذ قال: "والحق -والله أعلم, أن المراد بالركن ما لا توجد الحقيقة الشرعية بدونه، فتدخل الخمسة: الولي والصداق والمحل والصيغة؛ لأن العقد لا يتصور إلّا من عاقدين، وهما شرعًا الولي والزوج، ومن معقود عليه هو الزوجة، والعوض فلا بُدَّ من وجوده وإن لم يجب ذكره، ولا يتصور العقد إلّا بصيغة ... 1. وعلى ذلك فسنتناول دراسة هذه الأركان الخمسة في الفصول التالية.

_ 1 حاشية البناني على الزرقاني جـ3/ 168.

الخلاصة

الخلاصة: 1- اتفق الفقهاء على استحباب عقد النكاح بالمسجد، واتفقوا أيضًا على استحبابه في يوم الجمعة, وذهب الأكثر إلى اختيار مساء الجمعة، قبيل الغروب، وذهب جمهور الفقهاء إلى اختيار شهر شوال لعقد النكاح فيه. 2- استحب أكثر الفقهاء خطبتين بين يدي العقد. 3- تعريف النكاح شرعًا: عقد يفيد بطريق الأصالة ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحِلّ استمتاع المرأة بالرجل. 4- حكم النكاح: أ- حكمه في حال القدرة والنفقة وعدم خشية العنت: ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بالاستحباب. ب- حكمه في حال خشية العنت: يذهب جمهور الفقهاء إلى فرضية النكاح في هذه الحالة. جـ- حكمه في حق من عدم القدرة على القيام بواجباته: - إن لم يحتج له, قال بعض الفقهاء بالكراهة. - وإن لم يخش العنت وكان يضر بالمرأة, ذهب فريق من الفقهاء إلى تحريم النكاح. د- حكمه في حقِّ من قَدِرَ على مؤن النكاح غير الجماع: القول بالكراهة هو الأقرب. هـ- حكمه في حقِّ من قَدِرَ على مؤن الزواج ولم يحتج إلى النكاح: يباح له إن لم يكن له مقصد شرعي, وإن كان له مقصد شرعي فيندب له. و حكمه في حق من لا يصح منه الزواج وليس في حاجة إليه: هو التحريم؛ لأنه من إضاعة المال.

6- اختلف الفقهاء في نظرتهم إلى ما يجب أن يكون ركنًا من أركان العقد وما لا يجب: أ- بعض الفقهاء يعتبرون الأركان خمسة: "الولي - الصيغة - الزوج - الزوجة - الشاهدين". أو "الولي - الصيغة - الزوج - الزوجة - الصداق". ب- وبعض آخرها يعتبرها اثنين: "الزوج - الزوجة". أو "الإيجاب - القبول". والأقرب هو أنها: الصيغة - الولي - الإشهاد - الصداق - محل العقد "ويتكون من الزوج والزوجة".

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: أكمل: 1- اتفق الفقهاء على استحباب عقد النكاح في ... ، واتفقوا أيضًا على استحبابه في يوم ... , وذهب الأكثر إلى اختيار ... ,قبيل ... , وذهب جمهور الفقهاء إلى اختيار شهر ... 2- استحب أكثر الفقهاء ... بين يدي العقد. 3- صل عبارات المجموعة الأولى مع ما يناسبها من المجموعة الثانية: حكم النكاح:

4- ما معنى الركن لغة واصطلاحًا؟ 5- ما معنى العقد لغة واصطلاحًا؟ 6- وضِّح كيف اختلف الفقهاء في نظرتهم إلى ما يجب أن يكون ركنًا من أركان عقد النكاح وما لا يجب. إجابة السؤال رقم3: "1 مع 4"، "2 مع 6"، "3 مع 1"، "4 مع 5"، "5 مع 7"، "6 مع 3"، "7 مع 2".

الفصل الثاني: صيغة عقد النكاح

الفصل الثاني: صيغة عقد النكاح مدخل ... الفصل الثاني: صيغة عقد النكاح الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تصبح ملمًّا بما يلي: 1- صيغة عقد النكاح ومعنى الإيجاب والقبول. 2- ما يصح من الألفاظ في عقد النكاح وما لا يصح. 3- حكم انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة وموقف العلماء منهما. 4- حكم انعقاد النكاح بالإشارة والكتابة. 5- حكم انعقاد النكاح بغير العربية, وما يشترط في المترجم. 6- الحكم إذا أدعى أحد العاقدين الهزل. 7- حكم التعليق في عقد النكاح, وحكم تأقيته بالعمر, أو لمدة معينة. 8- حكم انعقاد النكاح بلفظ واحد. 9- المراد بمجلس العقد وأحكامه. 10- أهم العناصر التي ينبغي أن تتضمنها الوثيقة الخاصة بالعقد.

المبحث الأول: المراد بصيغة العقد والألفاظ التى تصلح لذلك

المبحث الأول: المراد بصيغة العقد, والألفاظ التي تصلح لذلك المطلب الأول: بيان المراد بالصيغة عرَّفَ بعض الفقهاء الصيغة بقوله: "هي لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة؛ كأنكحت, وملكت, وبعت, وكذلك وهبت, بتسمية صداق"1. وكلمة "لفظ" الواردة في التعريف يُراد منها الجنس، إذ المقصود مجموعة الألفاظ الصادرة من طرفي العقد الدالة على التأبيد مدة الحياة, والأمثلة التي ذكرت عقب التعريف إنما قُصِدَ بها شرح كلمة "التأبيد" الواردة في التعريف، ولفظ "مدة الحياة" ليتحرز به عن العقود التي يستمر أثرها بعد الموت، كالبيع والهبة والصلح ونحوها. الإيجاب والقبول: هما اللفظان الصادران من طرفي العقد على الوجه المخصوص. وأكثر الفقهاء يعتبرون ما صدر من ولي الزوجة إيجابًا, وما صدر من الزوج هو القبول, سواء تقدَّم أيٍّ منهما أم تأخر2. ويرى بعضهم أن ما صدر أولًا هو الإيجاب، وما صدر ثانيًا هو القبول، من غير نظر إلى الموجب سواء كان ولي الزوجة أم الزوج3. ورأي الأكثر هو الأقرب للقواعد؛ لأن العبرة بالعقود إنما هي بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.

_ 1 شرح الخرشي جـ7/ 12، 173. 2 الخرشي جـ3/ 174, والزرقاني جـ3/ 169, والمحلى على المنهاج جـ3/ 216, وهذا خلافًا للحنابلة الذين يشترطون الترتيب بين الإيجاب وهو الصادر أولًا من قِبَلِ الولي أو من يقوم مقامه, والقبول وهو الصادر ثانيًا من الزوج أو وكيله. كشاف القناع جـ5/ 37. 3 فتح القدير جـ5/ 74.

المطلب الثاني: ما يصح من الألفاظ في عقد النكاح وما لا يصح

المطلب الثاني: ما يصح من الألفاظ في عقد النكاح وما لا يصح الفقهاء متفقون على صحة النكاح إذا وقع بلفظي النكاح والتزويج وما اشتق منهما, ولكنهم اختلفوا فيما إذا وقع بغير هذين اللفظين من كل ما يدل على التأبيد لعقد النكاح؛ كلفظ بعت وملكت، فذهب فريق إلى عدم صحة العقد بذلك؛ لأن النصوص الشرعية لم تستعمل في عقد النكاح إلّا هذين اللفظين, مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية1, وفي الحديث الشريف: "زوجناكها بما معك من القرآن" 2, فاستعمال غيرهما يحتاج إلى دليل ولم يوجد3, وذهب فريق آخر إلى صحة النكاح بكل لفظ دالٍّ على النكاح، ففي الحديث الشريف في حق المرأة الواهبة نفسها, حين زوجت للفقير الذي لم يجد خاتمًا من حديد: "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن" أخرجه الإمام البخاري4. وعلى ذلك فكل ما يدل على التمليك والتأبيد في النكاح من الألفاظ المشتملة على ما يفيد المقصود من العقد يصح النكاح به5. والرأي الثاني هو الذي يتفق مع روح الشريعة؛ إذ لم يرد حصرٌ للألفاظ التي يصح بها عقد النكاح في النصوص الشرعية، ثم إن المعول عليه في العقود هو الرضا, وهو متوفر في عقد النكاح أكثر منه في غيره لتعدد مراحله.

_ 1 سورة الأحزاب الآية 50. 2 متفق عليه في "النكاح" من الصحيحين. 3 مغني المحتاج جـ3/ 139, الفروع لابن مفلح جـ5/ 169, ط عالم الكتب. 4 صحيح البخاري مع فتح الباري جـ11/ 87. 5 العناية على الهداية مع فتح القدير جـ3/ 108, والخرشي جـ3/ 173.

المبحث الثاني: انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة

المبحث الثاني: انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة المطلب الأول: في انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة وغير ذلك وسنتناول الحديث عن متعلقات هذا المطلب في الفروع الآتية: الفرع الأول: الأصل في صحة العقد بالوكالة والرسالة لقد وردت عدة نصوص شرعية تجعل عبارة الوكيل في النكاح مثل عبارة الموكل في انعقاد النكاح, ومن ذلك ما سبقت الإشارة إليه من قول أم سلمة -رضي الله عنها- لابنها عمر بن أبي سلمة: "قم فزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزوجه"1, فظاهر اللفظ يقتضي أنه كان وكيلًا عن أمه؛ لأنها هي القائلة له: قم يا عمر فزوج, ولم يزوجها بحكم الولايةح لأن الصبي لا ولاية له, فيكون تزويجه بحكم الوكالة، وفي المغني: "إن رجلًا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال: إذا وجدت كفئًا فزوجه ولو بشراك نعله, فزوجها عثمان بن عفان"2. وأما الرسالة: فيشهد لها ما جاء في جامع الترمذي عن أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول فيما بينهما" قال أبو عيسى -ويعني الترمذي نفسه: هذا الحديث حسن3.

_ 1 سنن النسائي جـ6/ 82، والحاكم 3/ 16، والبيهقي 7/ 131 وفي إسناده ضعف. والله أعلم. 2 المغني لابن قدامة 6/ 463. 3 جـ3/ 580، وأحمد 6/ 392، وفي إسناده مطر الوراق، وهو ممن يخطئ كثيرًا وقد وصله، والصواب ما في "الموطأ" مرسلًا.

الفرع الثاني: موقف الفقهاء من الوكالة والرسالة لا خلاف بين الفقهاء في صحة توكيل الولي من يتولى العقد عنه, كما أنه لا خلاف بينهم من صحة توكيل الزوج من يتولى عقد النكاح عنه، ولكنّ الخلاف بينهم في المرأة، هل يصح أن توكل من يتولى العقد عنها أو عن غيرها؟ فذهب فريق من الفقهاء إلى عدم جواز تولي المرأة التوكيل بنفسها من يتولى العقد عليها, أو على من تحت يدها, بل هذا الحق للولي المجبر ولو بغير إذنها1. وذهب فريق آخر إلى صحة توكيل المرأة مَنْ يتولى العقد عنها لنفسها أو لمن تحت يدها؛ لأنها لما كانت تملك مباشرة العقد بنفسها فتوكيلها مَنْ يتولى ذلك عنها أولى2. الفرع الثالث: انعقاد النكاح بالإشارة والكتابة الأصل في انعقاد النكاح بالإشارة والكتابة، أن الإشارة من الأخرس والكتابة منه أو الغائب تقوم مقام العبارة من الناطق أو الحاضر إذا كانت دالةً على الرضا من الطرفين بالعقد, وبناءً عليه لا تصح الإشارة من القادر على النطق ولم يمنعه منه مانع شرعيّ، كما لا تصح الكتابة من الحاضر إذا لم يمنعه من النطق مانع شرعي, هذا هو الظاهر عند الجمهور3 خلافًا لمن صحح ذلك من القادر على النطق مع بعض القيود4.

_ 1 مغني المحتاج جـ3/ 141، كشاف القناع جـ5/ 40. 2 فتح القدير جـ3/ 196. 3 كشاف القناع جـ5 39، مغني المحتاج جـ/ 141، الفتاوى الهندية جـ1/ 270، دار إحياء التراث العربي بيروت. 4 شرح الزرقاني جـ3/ 169.

المطلب الثاني: انعقاد النكاح بغير العربية، وما يشترط في المترجم

المطلب الثاني: انعقاد النكاح بغير العربية، وما يشترط في المترجم الفرع الأول: انعقاد النكاح بغير العربية يذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد عقد النكاح بغير العربية مطلقًا, سواء كان قادرًا على العربية أم لا1, خلافًا لمن قصر ذلك على حالة العجز عن النطق بالعربية؛ إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها2 وموقف الجمهور أيسر وأوسع؛ لأن الإيجاب والقبول وما يحف بهما من القرائن وسيلة إلى تبين حقيقة الرضا من الطرفين, والناطقان للصيغة بغير العربية يمكنهما الوصول إلى هذه الحقيقة كالناطقين بالعربية, والقاعدة في العقود -ومنها عقد النكاح- أن العبرة بالمعاني وليس بالألفاظ, ومن جهة أخرى: فإن الإسلام قد انتشر الآن بين الأقطار كلها, ولا أظن شعبًا ما ليس به عدد من المسلمين، وعقد النكاح من العقود السائدة بين الجميع, فلا ينبغي التشديد في إجراءاته حتى لا يصير طقسًا من الطقوس، ويكفي هؤلاء أن يتعلموا من العربية ما يصححون به عبادتهم, أما عقد النكاح فلهم أن يباشروه بلغاتهم الأصلية حتى يستطعيوا التعرف على أركانه وأسراره، وما يترتب عليه من التزامات. الفرع الثاني: في الحاجة إلى المترجم، وهل يشترط فيه التعدد؟ تظهر الحاجة إلى المترجم إذا اختلف اللسان بين طرفي عقد النكاح أو بين أحدهما وبين الشاهدين, أو بين أحد من هؤلاء وبين الموثق. لم يزد الفقهاء فيما يشترط في المترجم في باب النكاح عن شرط واحد، وهو أن يكون ثقة3, والثقة هو من يطمئن السامع إلى ما يخبر به، وإذا كان المعول عليه هو المترجم الثقة فلا يضر بعد توفر هذا الشرط أن يكون ذكرا أو أنثى متعددا ما دام ذلك في عقد النكاح.

_ 1 فتح القدير جـ3/ 102، مغني المحتاج جـ3/ 140. 2 المغني جـ6/ 533 مطبعة عاطف وسيد وشركاهما بالقاهرة، وكشاف القناع جـ5/ 38، 39. 3 مغني المحتاج جـ3/ 157، 158، وكشاف القناع جـ5/ 49.

المطلب الثالث: بيان الحكم فيما إذا ادعى أحد العاقدين الهزل

المطلب الثالث: بيان الحكم فيما إذا ادعى أحد العاقدين الهزل ... المطلب الثاني: بيان الحكم فيما إذا ادعى أحد العاقدين الهزل لا يقبل الهزل في النكاح ولا اللعب به, فكل من تكلَّم به لزمه حكمه, ولا يقبل منه أن يدعي خلافه، وذلك تأكيدًا لأمر الفروج واحتياطًا له, والأصل في حكم الهزل في عقد النكاح حديث "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" , فقد أخرجه الترمذي بهذا اللفظ, ثم قال: هذا حديث حسن غريب1، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم, وغيرهم. وقد قال عمر -رضي الله عنه: "أربع جائزات إذا تكلم بهن: الطلاق والنكاح والعتاق والنذر", وقال علي -رضي الله عنه: "أربع لا لعب فيهن: الطلاق والعتاق والنكاح والنذر"، وقد ذكرهما صاحب المغني2.

_ 1 جامع الإمام الترمذي، والحديث اختلف في حجته, وله طرق متعددة فانظر "الإرواء". 2 جـ6/ 535.

المبحث الثالث: تعليق النكاح وتاقيته وانعقاده بلفظ واحد

المبحث الثالث: تعليق النكاح وتأقيته وانعقاده بلفظ واحد المطلب الأول: تعليق النكاح وتأقيته الفرع الأول: بيان حكم التعليق في عقد النكاح اتفق الفقهاء على أن تعليق عقد النكاح بالمستقبل إذا كان بغير المشيئة مبطل للعقد، أما إذا كان التعليق على أمر واقع في المحال, أو كان قد وقع في الماضي, فإن أكثر الفقهاء لا يجعلون له تأثيرًا على صحة العقد؛ وذلك كمن بُشِّرَ بمولود ثم قال لمن بشره أو لغيره: إن كانت أنثى فقد زوجتكها، أو إن كانت بنتي طلقت أو زوجها مات زوجتكها، وكانت البنت قد أذنت لأبيها في تزويجها، وذلك لأن مثل هذه الصور وإن كانت تعليقًا في الظاهر لكنها حقائق في الواقع, وإن كان بعضهم قد أبطل هذا العقد لوجود صورة التعليق1. أما التعليق بالمشيئة: فهو كقوله: زوجتك ابنتي إن شاء الله تعالى، أو قبلت زواجها إن شاء الله تعالى، فإن بعض الفقهاء يرى صحة هذا العقد، أما الآخرون فلا يصححون مثل هذا العقد إلّا إذا كان القصد من المشيئة هو التبرك, أو أن كل شيء بمشيئة الله تعالى، وأما إذا كان القصد هو حقيقة التعليق فلا يصح العقد2. الفرع الثاني: بيان حكم التأقيت في العقد: جمهور العلماء على أن التأقيت في عقد النكاح مبطل له، سواء كان الأجل قصيرًا كشهر, أو بعيدًا لا تبلغه أعمارهما غالبًا كمائة سنة، سواء كان معلومًا كما

_ 1 المحرر جـ2/ 14، كشاف القناع جـ5/ 40، الخرشي جـ3/ 166، ومغني المحتاج جـ3/ 141 وفتح القدير جـ3/ 110. 2 مغني المحتاج جـ3/ 140.

تَقَدَّمَ، أو مجهولًَا؛ كتزوجتك إلى حين قدوم زيد1. والأصل في إبطال هذا العقد ما ورد من النهي عن نكاح المتعة الذي أبيح مؤقتًا لمدة قصيرة في صدر الإسلام, ثم نهي عنه إلى الأبد. وإلى تحريم نكاح المتعة أو الزواج المؤقت يشير حديث الربيع بن سبرة الجهني, أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يأيها الناس, إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" رواه مسلم. وحديث علي -رضي الله عنه- أنه قال لابن عباس: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المتعة, وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر. متفق عليه. الفرع الثالث: إذا أضمر الزوج التأقيت ولم يذكر في العقد محل التأقيت الذي منعه جمهور الفقهاء هو إذا ذكر الأجل في العقد أو اشترطه الزوج حين عقد النكاح, أما إذا لم يذكر في العقد ولم يشترط خلاله, ولكن في نية الزوج ذلك فليس من التأقيت المؤثر في صحة العقد عند عامة أهل العلم, كما نقله عنهم صاحب المغني2. وذهب بعض أهل العلم إلى عدم الصحة لقربه من النكاح المحرَّم وهو نكاح المتعة3. ووجهة الجمهور ظاهرة، وهي الحاجة إلى الإعفاف, ولاسيما في سفر الشباب إلى البلاد الأوربية والأمريكية ونحوها, والتي لا يستطيع تحمل نفقة سفر أهله معه إليها, ولا يستطيع أن يكبت غريزته, ولا سيما إذا طالت الإقامة مع شدة الإغراء في تلك البلاد التي يسودها الانحلال الخلقي.

_ 1 الخرشي جـ3/ 196، كشاف القناع جـ5/ 96، وفتح القدير جـ3/ 150، ومغني المحتاج جـ3/ 142. 2 شرح الزرقاني على المختصر جـ3/ 90, والمغني لابن قدامة جـ6/ 469. 3 كشاف القناع جـ5/ 97.

المطلب الثاني: انعقاد النكاح بلفظ واحد

المطلب الثاني: انعقاد النكاح بلفظ واحد وذلك كمن كانت له الولاية من الجانبين، سواء كانت أصليةً مثل القرابة؛ كالجد حين يزوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الآخر الصغيرة، والأخ إذا زوَّج بنت أخيه الصغيرة من ابن أخيه الآخر الصغير, أم كانت الولاية دخيلة كالوكيل والقاضي، وذلك بأن توكل المرأة رجلًَا ليزوجها من نفسه، أو القاضي حين يزوّج يتيمًا تحت ولايته بيتيمةً تحت ولايته أيضًا، فهل يصح أن يتم العقد بلفظ واحد؟ أكثر الفقهاء أجازوا ذلك1 خلافًا لبعضهم، محتجين بأن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف: إنه خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت؟ قال: وتجعلين ذلك إليّ؟ قالت: نعم، قال: قد تزوجتك، قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه2, وقد فعل ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه أحد3, وعلى هذا الرأي فهل ينعقد النكاح بعبارة واحدة؟ يذهب أكثر الفقهاء إلى كفاية عبارة العاقد الواحد، لكن ينبغي أن تكون واضحة الدلالة على المقصود من العقد, مع ذكر العناصر الأخرى التي لا يصح العقد إلّا بها، وهي أن يعين لها الزوج ويشهد على رضاها احتياطًا من منازعتها، وأن يحدد لها الصداق، وأن يفهم رضاها بما عرض لها، وذلك بأن يقول لها مثلًا: تزوجتك على صداق كذا وكذا وترضى به4.

_ 1 البدائع جـ3/ 1331, والخرشي جـ3/ 190, والمغني جـ6/ 469. 2 صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري جـ11/ 91. 3 المغني جـ6/ 470. 4 شرح الخرشي جـ3/ 190، 191، حاشية سعدى جلبي بهامش فتح القدير جـ3/ 105.

المبحث الرابع: في بيان العقد وما يتعلق به

المبحث الرابع: في بيان العقد وما يتعلق به مجلس العقد: المراد به وحدة الزمان والمكان اللذين يكونان ظرفًا للإيجاب والقبول, أو ما يقوم مقامها، فإذا أوجب أحد المتعاقدين، فالآخر إن شاء قَبِلَ في المجلس -ولو حكمًا, وإن شاء ردَّ، وهذا إذا كانا حاضرين مجلس العقد, أما إذا كانا متفرقين بأن كان كل في بلد غير التي يوجد بها الآخر, فيعتبر مجلس العقد هو محل بلوغ الكتاب أو محل أداء الرسالة, ويمكن إيجاز أحكام مجلس العقد فيما يلي: 1- يتفق الفقهاء على أن الفاصل الطويل إذا حدث خلاله ما يشعر بالإعراض عن إتمام العقد فإنه يؤثر في صحة العقد, وبناءً عليه، فإنه إذا قَبِلَ الطرف الموجَّه إليه الإيجاب بعد ذلك الفاصل, فيجب أن يصدر الأول عبارة صريحة تفيد تجديد رغبته في إنشاء العقد، وذلك لبطلان الإيجاب الذي صدر منه أولًا. 2- يذهب أكثر الفقهاء إلى أن الفاصل الطويل لا يؤثر في صحة العقد إذا لم يصدر خلاله ما يشعر بالإعراض عن التعاقد، خلافًا لمن يرى أنه مبطل للعقد. 3- التراخي اليسير إذا لم يتخلله شيء, أو تخلله ذكر يسير يتعلق بالعقد؛ كالثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله الأمين, فإن أكثرهم لا يرونه مؤثرًا في صحة العقد. أهم العناصر التي ينبغي أن تتضمنها الوثيقة الخاصة بالعقد: 1- اسم كلٍّ من الزوجين ونسبهما ومحل إقامتهما. 2- صفة الزوجة إن كانت بكرًا أم ثيبًا، وخلوها من الموانع الشرعية، مع إثبات رضاها بالزوج.

3- اسم الولي أو الوصي ونسبه، وكذلك وكيل الزوج إن تولى العقد عنه. 4- تحديد قدر الصداق ونوعه، أو صفته من التعجيل والتأجيل، وأن هذا الصداق هو صداق مثلها إن كان العاقد عليها الوصي أو القاضي. 5- أن يشهد على العقد شاهدان على معرفة سابقة بالزوجين وبأهليتهم للزواج. 6- أن يذكر التاريخ الذي وثِّقَ فيه العقد في نفس الوثيقة.

الخلاصة

الخلاصة: 1- صيغة عقد النكاح هي لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة. 2- أكثر الفقهاء يعتبرون ما صدر من ولي الزوجة هو الإيجاب, وما صدر من الزوج هو القبول. 3- اتفق الفقهاء على صحة النكاح إذا وقع بلفظي النكاح والتزويج وما اشتق منهما, واختلفوا فيه إذا وقع بغير هذين اللفظين. 4- يصح العقد بالوكالة والرسالة. ولا خلاف بين الفقهاء في صحة توكيل الولي من يتولى العقد عنه وكذا الزوج، لكن الخلاف بينهم في المرأة. 5- الإشارة من الأخرس أو الكتابة منه أو من الغائب تقوم مقام العبارة من الناطق والحاضر، ولا تصح الإشارة ولا الكتابة من القادر على النطق أو الحاضر إذا لم يمنعهما مانع شرعي عند الجمهور. 6- يذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح بغير العربية "قادرًا كان أم غير قادر", ويشترط في المترجم شرط واحد وهو أن يكون ثقة، ويكفي الواحد في باب النكاح. 7- الحكم إذا ادعى أحد العاقدين الهزل: لا تقبل دعواه، والأصل فيه حديث:$"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة". 8- اتفق الفقهاء على أن تعليق عقد النكاح بالمستقبل إذا كان بغير المشيئة مبطل للعقد. وإذا كان التعليق على أمر واقع في الحال, أو كان قد وقع في الماضي, فإن أكثر الفقهاء لا يجعلون له تأثيرًا في صحة العقد.

أما التعليق بالمشيئة: أ- بعض الفقهاء يرى صحة هذا العقد. ب- بعضهم لا يصححه إلّا إذا كان القصد من المشيئة هو التبرك، أو أن كل شيء بمشيئة الله، فإن كان القصد هو التعليق فلا يصح العقد. 13- جمهور العلماء على أن التأقيت في عقد النكاح مبطل له, سواء كان الأجل قصيرًا أم بعيدًا, معلومًا أم مجهولًا، ورأي الجمهور أقرب إلى القواعد المستقرة في الشريعة حسمًا لمادة الفساد وسدًّا للذرائع. 14- من كانت له الولاية من الجانبين "أصلية أو دخيلة" يصح له أن يتم العقد بلفظ واحد عند أكثر الفقهاء, وينعقد النكاح بعبارة واحدة, لكن يجب أن تكون واضحة الدلالة على المقصود, مع ذكر العناصر الأخرى التي لا يصح العقد إلّا بها كالصداق وغيره. 15- مجلس العقد: المراد به وحدة الزمان والمكان اللذين يكونان ظرفًا للإيجاب والقبول, أو ما يقوم مقامها. 16- أهم العناصر التي ينبغي أن تتضمنها الوثيقة الخاصة بالعقد: اسم الزوجين ونسبهما, صفة الزوجة "بكر أم ثيب", اسم الولي ونسبه, الصداق, الشاهدان, التاريخ.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المراد بصيغة عقد النكاح؟ وما المقصود بالإيجاب والقبول؟ 2- وضِّح ما يصح من الألفاظ في عقد النكاح وما لا يصح. 3- حدد العبارات الصحيحة فيما يأتي: أ- اتفق الفقهاء على صحة النكاح بكل لفظ دالٍّ على التزويج. ب- الذي يتفق مع روح الشريعة هو صحة النكاح بكل لفظ دالٍّ على النكاح. جـ- اتفق الفقهاء على عدم صحة النكاح إذا وقع بلفظي النكاح والتزويج وما اشتق منهما. د- اختلف الفقهاء في صحة النكاح إذا وقع بغير لفظي النكاح والتزويج وما اشتق منهما. هـ- اتفق الفقهاء على صحة النكاح إذا وقع بلفظي النكاح والتزويج وما اشتق منهما. و الذي يتفق مع روح الشريعة هو عدم صحة النكاح إلّا بلفظي النكاح والتزويج وما اشتق منهما فقط. 4- هل يصح العقد بالوكالة وبالرسالة؟ وما الأدلة على ذلك؟ 5- ما موقف الفقهاء من توكيل كلٍّ من الولي والزوج والمرأة؟ 6- ما حكم عقد النكاح بالإشارة أو الكتابة؟ 7- ما حكم انعقاد النكاح بغير العربية؟ ومتى تظهر الحاجة إلى المترجم؟ وماذا

يشترط في المترجم؟ 8- ما الحكم إذا ادعى أحد العاقدين الهزل؟ 10- ما هو حكم التأقيت في العقد؟ 11- هل يصح انعقاد النكاح بلفظ واحد؟ اذكر مثالًا لذلك. وإذا كان الجواب بالجواز, فهل ينعقد النكاح بعبارة واحدة؟ 12- ما المراد بمجلس العقد؟ 13- اذكر بإيجاز أحكام مجلس العقد. 14- ما أهم العناصر التي يجب أن تراعى في وثيقة الزواج؟ إجابة السؤال رقم3: العبارات الصحيحة هي "ب, د, هـ". إجابة السؤال رقم9: "أمع ب"، "ب مع جـ"، "جـ مع أ".

الفصل الثالث: الولى وما يتعلق به

الفصل الثالث: الولى وما يتعلق به مدخل ... الفصل الثالث: الولي وما يتعلق به الأهداف الخاصة: يتوقع منك عزيزي الدارس بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى الولي والولاية وأنواع الولاية. 2- حكم الولاية في حق المرأة الحرة البالغة العاقلة. 3- الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح. 4- من أحق الناس بالولاية في عقد النكاح، وهل هناك ولاية لغير العصبات، وتعرف في ذلك أهم مواضع الاتفاق وأهم مواضع الخلاف بين المذاهب. 5- شروط الولي.

المبحث الأول: الولاية في عقد النكاح، وأنواعها وحكمها ودليلها، والحكمة منها

المبحث الأول: الولاية في عقد النكاح، وأنواعها وحكمها ودليلها، والحكمة منها المطلب الأول: المراد بالولي والولاية وأنواعها الولاية -بالكسر: السلطان، والولاية بالفتح: النصرة, يقال: هم على ولاية, أي: مجتمعون على النصرة. وقال الزجاج: ولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته، وولي المرأة الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه, ولهما معانٍ أخرى1. الولاية في اصطلاح الفقهاء: الولاية سلطة شرعية يملك بها صاحبها التصرف في شئون غيره جبرًا عنه، وهذا هو معنى الولاية المطلقة، فيدخل فيها الولاية على النفس والولاية على المال، كما تشمل الولاية الخاصة كولاية الأب على الصغير، أو الولاية العامة كولاية الإمام والقاضي. قال ابن عرفة المالكي: "الولي: من له على المرأة ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطة أو ذو إسلام"2.

_ 1 لسان العرب لابن منظور جـ20/ 287 إلى 289. 2 حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني جـ2/ 34.

أنواع الولاية: لم يخرج الفقهاء عن هذه الأنواع السبعة التي اتضحت من تعريف ابن عرفة، والتي يمكن أن تؤول بعد التأمل إلى هذه الأنواع: 1- ولاية بسبب الملك: كولاية السيد على إمائه وعبيده. 2- ولاية بسبب القرابة: وهي تشمل ولاية الأب وولاية العصبة. 3- ولاية بسبب الوصية: فإن وصيّ الأب على بناته يقوم مقامه في النكاح في الجملة. 4- وقد تكون بسبب الولاية العامة، فإن السلطان ولي من لا ولي لها، كما يكون له دور في تزويج المرأة إذا غاب الولي أو كان صغيرًا، أو كان قد ثبت عضل الولى لموليته.. وغير ذلك. هذا وإن العدل من المسلمين قد تكون له ولاية تزويج المرأة إذا أسلمت على يديه، أو كانت لا ولي لها وليس بالبلد سلطان يتولى مثل هذا الأمر1, وعند عدد من العلماء اختلاف في بعض الأنواع؛ إذ يقتصر معظمهم على ولايات النسب والولاء والسلطان2.

_ 1 مواهب الجليل للحطاب جـ3/ 429. 2 فتح القدير جـ3/ 157، ومغني المحتاج جـ3/ 149-150، المغني جـ6/ 446.

المطلب الثاني: حكم الولاية وأدلته

المطلب الثاني: حكم الولاية وأدلته حكم الولاية: يذهب بعض العلماء إلى أن الولاية مندوبة في حق المرأة الحرة البالغة العاقلة, وذلك حتى لا تسمع في مجلس العقد ما يخدش حياءها, ولكنهم يوجبونها على الصغيرة والمجنونة فقط، ومعنى ذلك: أنه يحق للمرأة الحرة البالغة العاقلة أن تتولى عقدها بنفسها وفاتها الاستحباب فقط1. واستدلوا بإضافة العقد إلى النساء في عدد من آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ... } الآية2, وقوله جل شأنه: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ... } 3 الآية, فدل على أنها تملك المباشرة. وكذلك جعلها أحق بنفسها من وليها في السنة المطهرة: "لأيم أحق بنفسها من وليها, والبكر تستأمر في نفسها, وإذنها صماتها"، وفي لفظ عند مسلم أيضًا "لبنت أحق" 4 والأيم اسم للمرأة إذا لم تكن ذات زوج, سواء كانت بكرًا أم ثيبًا، عند أهل اللغة. وأيضًا استدل هذا الفريق بالمعقول حيث قال: "إنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة مميزة، ولهذا كان لها التصرف في المال، ولها اختيار الأزواج, وإنما يطالب الولي بالتزويج كي لا تنسب إلى الوقاحة"5.

_ 1 حاشية رد المحتار على الدر المختار جـ3/ 55. 2 سورة البقرة الآية 234. 3 سورة البقرة الآية 230. 4 صحيح مسلم بشرح النووي جـ9/ 204, والحديث سبق. 5 الهداية مع فتح القدير جـ3/ 158، 159.

بينما يذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الولاية على المرأة في النكاح، وعليه فلا يصح تولي المرأة عقد نكاحها بنفسها، كما روي هذا القول عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء1, ومن أدلتهم على ذلك ما يلي: - قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ... } الآية2, ومن أولى مهام القوامة على المرأة أن تمنع من مجالسة الرجال وترديد عبارات النكاح والتزويج والرضا والقبول ونحوها, مما يجب أن تصان عنه النساء لما فيه من خدش للحياء وابتذالٍ للكرامة بالنسبة للمرأة. - وما نقل عن الشافعي -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} حيث قال: أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلّا لما كان لعضله معنى. - وأيضًا قوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ... } الآية3, فإن الخطاب موجه إلى من بيده عقد النكاح وهو الولي. ومن السنة المطهرة حديث عائشة -رضي الله عنها, عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" 4 والولي لا يأذن لموليته أن تجلس مع الرجال لتعقد معهم عقد نكاحها مع وجوده. - وما روي عن أبي موسى -رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نكاح إلا بولي" 5, وهذا أصرح نص في هذا الباب، وهو، وإن كان في سنده مقال، لكنه

_ 1 المغني جـ6/ 449، ومغني المحتاج جـ3/ 147، وكفاية الطالب الرباني جـ2/ 34، 35. 2 سورة النساء الآية 34. 3 سورة البقرة رقم 221. 4 الترمذي جـ4/ 228, وقال حديث حسن مع اختلاف يسير في اللفظ، كما أخرجه أبو داود بلفظ قريب منه جـ6/ 98، 99 مع عون المعبود. 5 سنن أبي داود جـ6/ 102، مع شرحه عون المعبود.

يتقوى بما قبله من حديث عائشة -رضي الله عنها. - وأيضًا حديث أبي هريرة من قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تزوج المرأة المرأة, ولا تزوج المرأة نفسها" 1 فإن صيغة النفي أو النهي الواردة في الحديث كافية في الدلالة على ضرورة تولي الولي العقد. ومن جهة المعقول: إن النكاح لا يراد لذاته بل لمقاصده من السكن والاستقرار ولتحصيل النسل, ولا يتحقق ذلك مع كل زوج، والتفويض إليهن مخل بهذه المقاصد؛ لأنهن سريعات في اتخاذ القرار، سيئات الاختيار, فيخترن مَنْ لا يصلح, لا سيما عند غلبة الشهوة2. وقد ورد على أدلة كلا الطرفين كثير من المناقسات وإجابات عن المناقشات, مما لا يتسع المقام لعرضه. هذا بالإضافة إلى رأي عدد من التابعين الذين يجعلون لها أن تعقد لنفسها؛ لكن بإذن وليها لمفهوم حديث عائشة المتقدم، وعليه فإن عقدت بدون إذنه وقفت إجازته على إذنه3. وعلى أيِّ حال فإنه وإذا كان لكل رأي مما تقدَّمَ مميزاته العقلية والواقعية, فإن رأى الجمهور هو الأحوط لما يغلب على النساء من غلبة العاطفة وسرعة الانخداع بالمظاهر وسرعة التأثر بمعسول الكلام من غير تفكير فيما وراء ذلك، وهذا مشاهد في الواقع. نعم هناك بعض النساء اللاتي يتميزن بالتعقل والتفكير المتزن، والنظر إلى عواقب الأمور، ولكن ذلك ليس هو الغالب الأعم, بل هذا الصنف قليل نادر، والنادر لا حكم له.

_ 1 رواه ابن ماجه 1882، والدارقطني جـ3/ 227, والبيهقي 7/ 110, وإسناده حسن وأخرجه البيهقي من وجه آخر فأوقفه على أبي هريرة. 2 قاله في فتح القدير -على لسان الجمهور جـ3/ 157، 158. 3 المغني جـ6/ 449، 450.

وفي النهاية أقول: إنه من الخطورة بمكانٍ ترك هذا الأمر للنساء, ولا سيما في هذه الأزمنة بعد أن تطورت أساليب الخداع، ووصول الأمر إلى تزوير المستندات الدالة على الهوية، ولم تكتشف حقيقة الأحوال إلا بعد فوات الأوان. ولا أقول إن وجود الولي في العقد فيه الدواء الكافي الشافي لمعرفة حقائق الأحوال، ولكنه يمثل نوعًا من الضوابط أو الكوابح التي تساعد على تهدئة السير في مثل هذه المشروعات، والنظر من خلال هذه التهدئة في بعض المنعطفات التي تجلي بعض المواقف لكل الأطراف. وقد يكون من أسباب تعدد المراحل في النكاح "من النظر، والخطبة، والعقد، والدخول" أن يتعرف أطراف هذه المشروعات بعضهم على بعض، ويطلعوا على الحقائق التي يهم كل طرف الاطلاع عليها، وفي هذا ما فيه من الأمان من مفاجآت المستقبل التي قد يترتب على ظهورها تدمير هذه الأسرة الناشئة.

المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح

المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح الأحكام الشرعية مبنية على مصالح العباد في الجملة، ولكننا قد ندرك هذه المصالح من وراء تشريع بعض الأحكام، وقد لا ندركها، إما لقصور في العقل البشري، وإما لكون هذه الحكم من الدقة واللطافة بمكانٍ لا يدركه العقل مهما كان حظه من الرجاحة والحدة, وفي هذا وذاك اختبار للعباد لمعرفة المؤمن الحق الذي لا تتوقف عبادته على معرفته هذه الحكم, مِن المؤمن الذي يعبد الله على حرف، فإن أدرك الحكمة من العبادة نشط لها, وإن لم يدركها فعلها على ملالة وسأم. وفي تشريع الولاية في النكاح مجموعة من هذه الحكم التي قد ندرك بعضها ومنها:

1- السموّ بالمرأة وإبعادها عن مظنة السوء بها وتعرضها للقيل والقال, وهذا المعنى قديم قدم الشريعة الإسلامية، وقد أشار له بعض الصحابة الكرام حين تعرضهم للنصوص الواردة في ضرورة مباشرة الولي للعقد، ومنع المرأة من مباشرته, ومن ذلك ما قاله أبو هريرة -رضي الله عنه- بعد ذكره لحديث "لا تزوج المرأة المرأة, ولا تزوج المرأة نفسها" , قال أبو هريرة: وكنا نقول: "إن التي تزوج نفسها هي الفاجرة" وفي رواية أخرى: "إن التي تنكح نفسها هي البغي"، وفي رواية ثالثة: "وكان يقال: الزانية تُنْكِحُ نفسها". 2- حفظ كرامة الأسرة وعدم ابتذال سمعتها، لأن المعرَّة لن تقتصر على المرأة المبتذلة وحدها، بل ستلحق بأسرتها كذلك, وقد ينسى الناس اسمها وشخصها, ولا يذكرون إلّا عائلتها أو عشيرتها أو قبيلتها بمرور الأيام. والأمثلة على ذلك من التاريخ كثيرة، فهذا اسم قبيلة غامد الآن في كتب التاريخ والسنة والفقه والتفسير من غير أن يذكر اسم المرأة التي رجمت بسبب الزنا، فيقال: الغامدية، كما يقال: الجهنية, وقد يظل الاسم مقترنًا بالقبيلة فيتردد في الكتب الآن, وبعد أربعة عشر قرنًا -اسم ماعز منسوبا إلى قبيلته، فيقال: ماعز الأسلميّ.. وهكذا.. 3- في حضور الولي مجلس العقد إشعار له بمدى المسئولية التي تقع على عاتقه مما يفرض عليه أن يعد للأمر عدته، فيأخذ الاحتياطات اللازمة تحسبًا لأيِّ مفاجآت قد تحدث فيما بعد، فيهتم بالبحث عن الظروف المحيطة بالرجل المتقدم, سواء من حيث التدين، أم من حيث الحسب والنسب، أم من حيث المقدرة المالية، أو الوضع الاجتماعي، وغير ذلك مما يهتم به أهل المخطوبة في مثل هذه الظروف, ولا أعتقد أن اهتمام الولي سيكون بهذه الدرجة فيما لو كان دوره يقتصر على الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة؛ لأنه يجد نفسه أمام أمر واقع، وقدرته على المناورة ستكون محدودة، فهو إما أن يوافق، أو يخسر موليَّته، أو الرجل المتقدم, أو يخسرهما معًا، وقد يكون في موافقته المتعجلة خسارة له وللقبيلة كلها.

4- إذا فُقِدَ وضع الولي في ابتداء الزواج فلن يكون له دور في دوامه واستمراره, وبذلك تبقى العشرة الزوجية مرهونة برضا الزوجة, لكن دوام الرضا في الحياة الزوجية أمر نادر، فمشاكل الحياة وتعقيداتها لم تبق في قلب أحد من الناس رضًا, لذلك كان وجود الولي خلف الزوجة يخلق نوعًا من التوازن، فأما الزوج فإنه يحسب حسابه في إقدامه على أي تصرف قد يمس الزوجة، وأما الزوجة فلا تقدم على تصرف يسيء إلى زوجها؛ لأنها تخشى رد فعل ولي أمرها إذا ما أشركه الزوج في معالجة المشكلة المترتبة على تصرف الزوجة.

المبحث الثاني: أحق الناس بالولاية في عقد النكاح وهل هناك ولاية لغير العصبات

المبحث الثاني: أحق الناس بالولاية في عقد النكاح, وهل هناك ولاية لغير العصبات مراعاة الترتيب في من يلي أمر النكاح من الأولياء من الأهمية بمكان؛ لأنه قد يترتب على عدم مراعاته بطلان عقد النكاح، كما إذا عقد الأبعد مع وجود الأقرب، وليس لديه مانع من مباشرة العقد, لذلك ينبغي الاهتمام بهذا؛ لما يترتب على مخالفته من المخاطر على عقد النكاح. لاتساع هذا الموضوع وتشعبه سنحاول الإشارة إلى أهم مواضع الاتفاق والاختلاف فيه بين المذاهب. ونأمل في المستقبل أن نرجع إليه في بحث خاصٍّ إن شاء الله تعالى. مواضع الاتفاق: 1- إن الأولوية في ولاية النكاح بالنسبة للحرة إنما هي للعصبة من النسب، وهم الأقارب من جهة الأب. 2- إن الشقيق يقدَّم على ذي الأب في حواشي النسب, وذلك إن كانت الولاية فيهم, فيقدَّم الأخ الشقيق على ذي الأب فقط, ويقدَّم ابن الأخ الشقيق على ذي الأب فقط, وهكذا ... وذلك على المعول عليه في المذاهب المختلفة. 3- إن للسلطان دورًا في التزويج, ولكنه يأتي بعد الولاية الخاصة. أما مواضع الخلاف فمن أهمها ما يلي: 1- يذهب جمهور الفقهاء إلى أن الابن وابنه لهما دور في التزويج على اختلافٍ بينهم في موضع أحقيته, ويذهب أكثرهم إلى تقديم الابن وابنه على الأب في ولاية النكاح, بينما يذهب بعضهم إلى تقديم الأب على الابن وابنه, وهناك فريق ثالث يذهب إلى حرمان الابن وابنه من ذلك الحق بمحض البنوة، لكن إن كان

أحدهما أميرًا أو قاضيًا أو عصبًا للمرأة مثلًا, فإنه يعطى الحق بهذه الصفة الأخيرة ولا تضره البنوة. دليل الأكثر: ما ورد في السنة من تزويج عمر بن أبي سلمة لأمه أم سلمة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والشاهد فيه قولها: فقالت: إنه ليس أحد من أوليائي شاهد, قال -صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس أحد شاهد ولا غائب إلا سيرضى"، فقلت: يا عمر, قم فزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم1, وفي رواية أخرى: "مري ابنك أن يزوجك" فأثبت له ولاية لأنه كان شاهدا. وكذلك ما روي في قصة زواج أم سليم من أبي طلحة -رضي الله عنهما, وقيام أنس -وهو ابنها- بذلك، والشاهد فيها قولها: "يا أنس زوج أبا طلحة"2. وقد استدل الذين حرموا الابن من الولاية على أمه بعدم وجود مشاركة بينها وبينه في النسب؛ إذ انتسابها إلى أبيها, والابن ينتسب إلى أبيه، فلا يعتني بدفع العار عن النسب3. وأما ما ورد في تزويج عمر بن أبي سلمة لأمه -على فرض صحته, فإنما كان ببنوة العم؛ لأنه من بني أعمامها. وقد استدل الذي قدَّم الأب على الابن بأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} 4, وفي الحديث "أنت ومالك لأبيك" 5, وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس، ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظرًا بخلاف الميراث6.

_ 1 السنن الكبرى للبيهقي جـ7/ 131, والحديث سبق. 2 السنن الكبرى جـ7/ 132. 3 مغني المحتاج جـ3/ 151. 4 سورة الأنبياء الآية رقم 90. 5 ابن ماجه 2991، والطحاوي في مشكل الآثار 2/ 230، وصححه البوصيري، وعبد الحق الأشبيلي ثم الشيخ الألباني. 6 كشاف القناع جـ5/ 50.

ولعل هذا الرأي هو أظهر الآراء في هذه القضية؛ لأن من أهم آثار الولاية على المرأة في النكاح هو النظر في مصلحتها العاجلة والآجلة المتوقعة من وراء هذا النكاح، وأقدر الطرفين على القيام بهذه المهمة هو الأب, لا سيما بعد أن قطع هذه المرحلة الطويلة من العمر فازداد معرفةً بالحياة, واتسعت خبرته بالناس والأشياء, كما أن من شأنه أن يتريث في اتخاذ القرار. وهذا بخلاف الابن الذي يكون في هذه المرحلة شابًّا لم يعرك الحياة ولم يختبر الناس، وحينئذ تكون خبرته بشئون الحياة محدودة, يغلب عليه الاندفاع وسرعة اتخاذ القرار، وهذا يتنافى مع ما يجب أن يكون عليه الولي في اتخاذ القرار في شئون الزواج. 2- كذلك من أهم مواضع الخلاف: مدى أحقية القرابة من الأم في ولاية النكاح؛ إذ يذهب جمهور الفقهاء إلى أن ولاية النكاح إنما هي للعصبة, فإن عدمت فللسلطان, وذلك لقول ابن عباس -رضي الله عنهما: "ليس للنساء من عقد النكاح شيء, جعلت ميمونة أمرها إلى أم الفضل, فجعلته أم الفضل إلى العباس, فأنكحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم". رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات, ورواه أبو يعلى بنحوه, إلّا أنه قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب ميمونة فجعل أمرها إلى العباس"1 ولهم أدلة أخرى. ومن قال بأن ذوي الأرحام يفوض إليهم أمر النكاح بعد العصبات، لاشتراكهم في الميراث ولتوفر الشفقة لديهم2, فهو قياس في مقابلة النص فلا ينهض للاحتجاج.

_ 1 مجمع الزوائد للهيثمي جـ4/ 287. 2 العناية على الهداية جـ3/ 182 مع فتح القدير.

المبحث الثالث: شروط الولى

المبحث الثالث: شروط الولي الشرط الأول: أن يكون مسلمًا فلا يجوز أن يلي الكافر -ذميًّا أو مشركًا أو مرتدًّا أو حربيًّا- أمر نكاح مسلمة, ولو كان أبًا أو ابنًا أو أخًا لها؛ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} 1. الشرط الثاني: البلوغ فلا يصح تولية الصبي أمر النكاح -عند الجمهور؛ لأنه لا يلي أمر نفسه فعدم ولايته لغيره أولى، والحديث صريح في ذلك, قال -صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الطفل حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستقيظ" 2. الشرط الثالث: العقل فالمجنون وضعيف العقل -المعتوه, لا يصح أن يتولى أمر النكاح، وقد سبق القول بأن من لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره. الشرط الرابع: الذكورة وهذا الشرط محل اعتبار عند جمهور الفقهاء، خلافًا لبعضهم, وقد سبق إيضاح هذين الموقفين في أثناء الكلام عن ولاية المرأة إنكاح نفسها3.

_ 1 سورة النساء الآية رقم 141. 2 أبو داود 4399، والترمذي 1423، وابن ماجه 4042 من حديث علي بن أبي طالب وهو صحيح ويروى من حديث عائشة في سند أبي داود والنسائي, وهو صحيح أيضًا. 3 ينظر في الشروط الأربعة السابقة الدر المختار مع حاشية رد المحتار جـ3/ 54، والشرح الكبير جـ2/ 231، ومغني المحتاج جـ3/ 154, وكشاف القناع جـ5/ 53.

الشرط الخامس: أن يكون رشيدًا والمراد بالرشد عند الجمهور في المعاملات المالية: هو حسن التدبير في المال, بأن يتصرف فيه تصرف العقلاء1, وقد ذهب بعضهم إلى أن المراد به هو الصلاح في الدين والمال2. وخصه آخرون في باب النكاح بمعرفة الكفء ومصالح النكاح لا حفظ المال؛ لأن رشد كل شيء بحسبه؛ فالشاب أو الكهل العالم بمصالح النكاح يقدَّم على الشيخ الكبير الجاهل بها, لذلك اعتبروا عضل الولي من الفسق3. ويجب أن يكون المعوّل عليه في هذه القضية الهامة هو التفرقة بين فاسق مجاهر بفسقه, متهتك لا يبالي بتزويج موليته بحسبٍ ولا نسبٍ ولا دين، ولا يهتم بمصلحتها في الآجل والعاجل، ولا يبالي أن يفرط فيها لمن يساعده في فسقه ومجونه، ولا ينظر إلى مهرٍ مثلٍ أو كفاءة, فمثل هذا لا أرى أن أحدًا من الفقهاء يقول ببقاء حقه في الولاية؛ حيث لا يؤتمن عليها في هذه الحالة. أما المبتلى بشيء من المعاصي يحاول ستره عن الناس، وفيه غيرة على محارمه, وعنده نظر في مصلحة نكاح موليته, لا يقل عن نظر غيره، فمثل هذا لا ينبغي أن تسلب ولايته. الشرط السادس: العدالة وهو لبعض الفقهاء محتجين بما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما: "لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد" وروي عنه مرفوعًا: "لا نكاح إلّا بولي وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل"4.

_ 1 رد المحتار جـ3/ 54، الخرشي جـ3/ 87. 2 مغني المحتاج جـ3/ 155. 3 كشاف القناع جـ5/ 54، والشرح الكبير جـ2/ 231. 4 سنن الدارقطني جـ3/ 222 والبيهقي 7/ 112 وقال الدارقطني رفعه عدي بن الفضل ولم يرفعه غيره، وقال البيهقي "وهو ضعيف، والصحيح موقوف".

ويكفي في تحقق العدالة هنا كون الولي مستور الحال؛ لأن اشتراط العدالة ظاهرًا وباطنًا حرج ومشقة، ويفضي إلى بطلان غالب الأنكحة إلا في سلطان يزوج من لا ولي لها, فلا تشترط عدالته للحاجة1. الشرط السابع: عدم الإحرام وهو لجمهور الفقهاء, ألا يكون الولي محرمًا حال العقد، فإن المحرم لا يتولى عقد النكاح لنفسه ولا لغيره لحديث عثمان "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" 2 خلافًا لمن نفى هذا الشرط محتجًّا بحديث ابن عباس المتفق عليه: " تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو محرم", ولكن هذا مردود بحديث ميمونة في مسلم: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهو حلال"، وهو يتفق مع حديث عثمان السابق، وهو صحيح3.

_ 1 كشاف القناع جـ5/ 54، بينما قال الشافعية: يكفي اشتراط عدم الفسق في الولي. مغني المحتاج جـ3/ 155. 2 أخرجه مسلم 1409 في الحج، وأبو داود 1838، والترمذي والنسائي وابن ماجه, وهو صحيح. 3 وقد جزم ابن حبان في صحيحه أن قول ابن عباس: "وهو محرم" أي: داخل في الحرم أو في الأشهر الحرام. سبل السلام جـ3/ 100, بيد أنه تأويل بعيد وترده الراويات الأخرى.

الخلاصة

الخلاصة: 1- ولي المرأة هو الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد به دونه. والولاية في اصطلاح الفقهاء: سلطة شرعية يملك بها صاحبها التصرف في شئون غيره جبرًا عنه. 2- أنواع الولاية: 1- ولاية بسبب الملك. 2- ولاية بسبب القرابة. 3- ولاية بسبب الوصية. 4- الولاية العامة. 3- حكم الولاية في حق المرأة الحرة البالغة العاقلة: أ- يذهب بعض العلماء إلى أنها مندوبة, أي: إنه يحق للمرأة البالغة العاقلة أن تتولى عقدها بنفسها وفاتها الاستحباب فقط. ب- يذهب جمهور الفقهاء وعدد كبير من الصحابة والتابعين إلى وجوب الولاية عليها في النكاح. ورأي الجمهور هو الأحوط, لما يغلب على النساء من غلبة العواطف وسرعة الانخداع بالمظاهر. 4- الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح: 1- السموّ بالمرأة. 2- حفظ كرامة الأسرة. 3- إشعار الولي بمدى المسئولية التي تقع على عاتقه. 4- ليكون للولي دور في دوام الزواج واستمراره. 5- أحق الناس بالولاية في عقد النكاح, وهل هناك ولاية لغيره العصبات: عدم مراعاة الترتيب في مَنْ يلي أمر النكاح من الأولياء قد يترتب عليه بطلان عقد النكاح، كأن يعقد الأبعد مع وجود الأقرب وليس لديه مانع من مباشرة العقد.

أهم مواضع الاتفاق بين المذاهب: 1- الأولوية في ولاية النكاح بالنسبة للحرة إنما هي للعصبة من النسب. 2- الشقيق يقدَّم على ذي الأب في حواشي النسب, وذلك إذا كانت الولاية فيهم. 3- للسلطان دور في التزويج, ولكنه يأتي بعد الولاية الخاصة. أهم مواضع الخلاف بين المذاهب: 1- يذهب جمهور الفقهاء إلى أن الابن وابنه لهما دور في التزويج على خلاف بينهم: أ- يذهب أكثرهم إلى تقديم الابن وابنه على الأب في ولاية النكاح. ب- يذهب بعضهم إلى تقديم الأب على الابن وابنه, ولعل هذا هو الرأي الأظهر. وهناك فريق ثالث يذهب إلى حرمان الابن وابنه من ذلك الحق بمحض البنوة. 2- يذهب جمهور الفقهاء إلى أن ولاية النكاح إنما هي للعصبة, فإن عدمت فللسلطان، وهذا هو الرأي الأقرب, وبعض الفقهاء قال: إن ذوي الأرحام يفوّض إليهم أمر النكاح بعد العصبات. 6- شروط الولي: 1- الإسلام. 2- البلوغ. 3- العقل. 4- الذكورة: عند الجمهور. 5- الرشد. 6- العدالة. عند بعض الفقهاء. 7- عدم الإحرام.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المراد بالولي والولاية لغة وفي اصطلاح الفقهاء؟ 2- ما أنواع الولاية؟ 3- ما حكم الولاية في حق المرأة البالغة العاقلة؟ وضح أدلة كل فريق. 4- وضح الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح. 5- وضح أهم مواضع الاتفاق بين المذاهب في أحق الناس بالولاية في عقد النكاح. 6- وضح أهم مواضع الخلاف بين المذاهب في أحق الناس بالولاية في عقد النكاح. 7- ما شروط الولي؟

الفصل الرابع: الإشهاد على النكاح

الفصل الرابع: الإشهاد على النكاح مدخل ... الفصل الرابع: الإشهاد على النكاح الأهداف الخاصة: يتوقع منك عزيزي الدارس بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- مشروعية الإشهاد على عقد النكاح. 2- هل يمكن الاستغناء عن الإشهاد إذا توفر الإعلان بطريق آخر. 3- شروط الشاهد على عقد النكاح. 4- حكم شهادة الأعمى على عقد النكاح.

المبحث الأول: مشروعية الإشهاد على عقد النكاح

المبحث الأول: مشروعية الإشهاد على عقد النكاح شُرِعَ الإشهاد على عقد النكاح لكونه من ألوان الإعلان عن قيام الرابطة الزوجية الشرعية بين رجل وامرأة, وذلك للتفرقة بين النكاح الشرعيّ القائم على الأسس الإسلامية وبين السفاح الذي يحدث في السر أو تحت جنح الظلام، ثم ليكون ذلك حمايةً للحقوق المترتبة على قيام هذه العلاقة, سواء أكانت حقوقًا مالية, أم متعلقة بما ينشأ عنها من النسل؛ من حيث كفالته وإثبات نسبه، وغير ذلك من الحقوق. وإذا كان القصد من الإشهاد هو الإعلان، فهل يمكن الاستغناء عن الإشهاد إذا توفر الإعلان بطريق آخر؟ يذهب عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى ضرورة الإشهاد على العقد, فلا ينعقد إلّا بشاهدين لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لانكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل" 1 كما روى

_ 1 رواه ابن حبان في صحيحه, والبيهقي 7/ 125، والدارقطني في "سننه", والروايات الأصح والأثبت بغير ذلك الشاهدين, ويروى عن ابن عباس من قوله كما رجحه الطبراني، والدارقطني، والبيهقي. وانظر الإرواء 1858.

الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين"1، ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد, فاشترطت الشهادة فيه لئلَّا يجحده أبوه فيضيع نسبه2. ومقابل رأي الجمهور السابق، ذهب بعض الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح بغير شاهدين, مستدلين بأن عددًا من الصحابة تزوج بغير شهود، منهم ابن عمر، والحسن بن علي، وابن الزبير، وسالم وحمزة ابنا ابن عمر -رضي الله عنهم. وقد قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر, وقال أيضًا: قد أعتق النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية ابنة حيي فتزوجها بغير شهود, وقال أنس بن مالك -رضي الله عنه: "اشترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جارية بسبعة رءوس، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم جعلها أم ولد؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها، فعلموا أنه تزوجها" متفق عليه, قال: فاستدلوا على تزويجها بالحجاب3.

_ 1 الدارقطني، وقال أبو الخصيب مجهول، واسمه نافع بن ميسرة. 2 المغني جـ6/ 450، 451، الهداية جـ3/ 190، حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 34، والمحلى على المنهاج جـ3/ 219. 3 المغني جـ6/ 452، حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 34, قال مالك: ينعقد العقد, لكن لا بد من الشهود العدول قبل الدخول, وإلا استكثروا من الشهود كالثلاثين والأربعين, أي: لكي يحصل الإعلان.

المبحث الثاني: ما يشترط في الشاهد على عقد النكاح

المبحث الثاني: ما يشترط في الشاهد على عقد النكاح وعلى رأي جمهور أهل العلم الذين ذهبوا إلى ضرورة الإشهاد على عقد النكاح, فإنهم قالوا لا بُدَّ أن تتوفر في الشاهد على عقد النكاح مجموعة من الشروط تجعله أهلًا للشهادة, ومن أهمها: الشرط الأول: الإسلام سواء أكان العقد لزوجين مسلمين, أم كان الزوج مسلمًا والزوجة ذمية, للحديث السابق "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"؛ ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين، مثله مثل نكاح الزوجين إذا كانا مسلمين, وهذا هو رأي أكثر العلماء من هذا الفريق1. وذهب بعضهم إلى أن الشهادة تصح من الذميين على النكاح إذا كانت الزوجية ذمية, وذلك لقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعضهم2. الشرط الثاني: العدالة ذهب أكثر العلماء من هذا الفريق الذي يرى ضرورة الإشهاد على عقد النكاح إلى اشتراط العدالة في الشاهد على عقد النكاح للحديث السابق "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". وذهب بعضهم إلى صحة الشهادة من الفاسق؛ لأنه من أهل الولاية3.

_ 1 المغني جـ6/ 452، الهداية جـ3/ 190، حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 34، المحلى على المنهاج جـ3/ 220. 2 المغني جـ6/ 452، الهداية جـ3/ 190. 3 المغني جـ6/ 452، الهداية جـ3/ 190، حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 34، المحلى على المنهاج جـ3/ 239.

وليس المراد من العدالة عند من اشتراطها هو حقيقتها, أي: مراعاة الصلاح والتقوى من الشاهد ظاهرًا وباطنًا, بل يكفي أن يكون الشاهد مستور الحال حين الشهادة، لأن النكاح ينعقد في القرى والبادية وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة، فاشتراطها يشق, لذلك يُكتَفَى بظاهر الحال، وهو أنه لم يعرف بالفسق حين العقد. وإذا تبين بعد أنه كان فاسقًا حين العقد، فلا يؤثر ذلك في عقد الكاح على الأظهر، لأن شرط العدالة الظاهرة كان قد تحقق في أثناء العقد. ومن باب أولى أن لا يؤثر حدوث الفسق من الشاهد بعد العقد1. الشرط الثالث: البلوغ فلا ينعقد النكاح بشهادة الصبيين، أو كان أحد الشاهدين صبيًّا؛ لأن الصبي ليس من أهل الشهادة2. الشرط الرابع: العقل فلا ينعقد النكاح بشهادة مجنونين أو معتوهين، أو كان أحد الشاهدين مجنونًا أو معتوهًا، لأن كلًّا منهما ليس من أهل الشهادة3. الشرط الخامس: أن يكون الشاهد سميعًا ناطقًا فلا تصح شهادة الأخرس الذي لا ينطق لعدم تحقق الأداء منه, ويرى فريق من أهل العلم صحة الشهادة من الأخرس إذا كانت إشارته مفهومة وقاطعة الدلالة على المراد، ولا سيما إذا كان يستطيع أن يكتب ما يريد4.

_ 1 المغني جـ6/ 452، حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 35، المحلى على المنهاج جـ3/ 220. 2 المغني جـ6/ 453. 3 المغني جـ6/ 453، والهداية جـ3/ 190. 4 المغني جـ6/ 453، الهداية جـ3/ 190، المحلى على المنهاج جـ3/ 219، حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 35.

الشرط السادس: الذكورة فلا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين، ومن باب أولى أن لا تجوز الشهادة من أربع نسوة ليس معهن رجال, وهذا هو رأي جمهور الفقهاء، وذلك لما حكاه الإمام الزهري -وهو من أئمة التابعين؛ إذ قال: "مضت السنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق" رواه أبو عبيد في الأموال وابن أبي شيبة في مصنفه1. ولأنه عقد ليس بمال، ولا المقصود منه المال، ويحضره الرجال في غالب الأحوال، فلا يثبت بشهادتين كالحدود, وبناء على ذلك فلا تقاس شهادتين في باب النكاح على شهادتين في المعاملات المالية الثابتة بالقرآن الكريم. ويرى بعض الفقهاء صحة انعقاد النكاح بشهادة رجل وامرأتين لما فيه من المعاوضة؛ إذ يدفع الزوج شيئًا من المال يسمى مهرًا أو صداقًا في مقابل الاستمتاع وغيره2.

_ 1 وإسناده ضعيف, فهو منقطع ومعضل, ويرويه عن الزهري الحجاج, وهو ابن أرطأة وفيه لين وضعف, والصحيح من قول الزهري "لا يجلد في شيء من الحدود إلا بشهادة رجلين". 2 المغني جـ6/ 452، 453، الهداية جـ3/ 190، المحلى على المنهاج جـ3/ 219.

المبحث الثالث: شهادة الأعمى على عقد النكاح

المبحث الثالث: شهادة الأعمى على عقد النكاح يذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح بشهادة الأعمى لعموم النصوص، ولأنها شهادة على قول هو سامع له, فتقبل منه الشهادة عليه. لكن ذلك لا ينبغي قبوله بإطلاق، بل هو مقيد بعلم الأعمى صوت المتعاقدين من قبل التعاقد يقينًا, وذلك بأن كان جارًا لهما، أو شريكًا لهما في عمل أو تجارة، ومن باب أولى إذا كان ذا قربة قريبة منهما. فإذا كان يعلم صوت المتعاقدين يقينًا، وتيقن في أثناء الأداء من ذلك يقينًا لا يشك فيه، كما يعلم ذلك من يراهما قبلت شهادته، وإلا فلا تقبل شهادته. ومقابل رأي الجمهور، يذهب بعض العلماء إلى عدم صحة الشهادة من الأعمى على عقد النكاح لتشابه الأصوات؛ إذ يصعب التحقق من أصوات المتعاقدين في أثناء تحمل الشهادة وفي أثناء أدائها1. ورأي الجمهور أولى بالاعتبار إذا أخذت القيود التي قيد بها رأيه مأخذ الجد؛ لأن الشأن في صوت القريب أو الصديق أو الشريك وأمثالهم, أنه لا يخفى على صديقه أو قريبه أو من كان يتعامل معه، مهما تباعدت بينهما المسافات أو الأزمات، ومن باب أولى إذا استمرت الإقامة في حي واحد أو بلد واحد من حين تحمل الشهادة إلى حين أدائها.

_ 1 المغني جـ6/ 453، المحلى على المنهاج جـ3/ 219.

الخلاصة

الخلاصة: 1- شُرِعَ الإشهاد على عقد النكاح لأنه لون من ألوان الإعلان عن قيام الرابطة الزوجية الشرعية بين رجل وامرأة، وذلك للتفرقة بينه وبين السفاح الذي يحدث في السر، ثم ليكون ذلك حماية للحقوق المترتبة على قيام هذه العلاقة, سواء أكانت حقوقًا مالية أم متعلقة بما ينشأ عنها من النسل. 2- هل يمكن الاستغناء عن الإشهاد إذا توفر الإعلان بطريق آخر؟ أ- جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء على ضرورة الإشهاد على العقد لحديث "لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل"، ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد. ب- يذهب بعض الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح بغير شاهدين. 3- ما يشترط في الشاهد على عقد النكاح, وذلك على رأي جمهور أهل العلم الذين ذهبوا إلى ضرورة الإشهاد: 1- الإسلام: عند الجمهور, وذهب بعض أهل العلم أن الشهادة تصح من الذميين إذا كانت الزوجة ذمية. 2- العدالة: عند الجمهور، ويكفي أن يكون الشاهد مستور الحال ولم يعرف بالفسق حين الشهادة، وعند بعضهم أن الشهادة تصحُّ من الفاسق لأنه من أهل الولاية. 3- البلوغ. 4- العقل. 5- أن يكون سميعًا ناطقًا. ويرى فريق من أهل العلم صحة الشهادة من الأخرص إذا كانت إشارته مفهومة

وقاطعة الدلالة, أو كان يستطيع أن يكتب ما يريد. 6- الذكورة: عند جمهور الفقهاء. ويرى بعض الفقهاء صحة انعقاد النكاح بشهاد رجل وامرأتين. 4- يذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح بشهادة الأعمى، ويذهب بعض العلماء إلى عدم صحة الشهادة من الأعمى لتشابه الأصوات. ورأي الجمهور أولى بالاعتبار؛ لأن صوت القريب أو الصديق أو الجار لا يخفى على قريبه أو صديقه أو جاره.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- وضح الحكمة من مشروعية الإشهاد على عقد النكاح. 2- هل يمكن الاستغناء عن الإشهاد إذا توفَّر الإعلان بطريق آخر؟ وضح أدلة كل فريق. 3- اذكر ما يشترط في الشاهد على عقد النكاح, مبينًا الآراء المختلفة في بعض الشروط. 4- هل يصح عقد النكاح بشهادة الأعمى؟ بَيِّن الرأي الأولى بالاعتبار.

الفصل الخامس: الصداق

الفصل الخامس: الصداق مدخل ... الفصل الخامس: الصداق الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد فراغك من دراسة هذا الفصل أن تفقه ما يلي: 1- معنى الصداق ودليل مشروعيته. 2- حكم عقد النكاح عند عدم تسمية الصداق فيه. 3- ما يترتب على عدم تسمية المهر. 4- الحكم إذا اتفق طرفا العقد على إسقاط الصداق جملة. 5- شروط الصداق بإيجاز. 6- أقل الصداق وأكثره. 7- حكم انعقاد النكاح إذا كان المسمَّى منفعة، وبم يثبت المسمى؟ 8- هل يعتبر في الدخول مجرد الخلوة, أو لا بد من حصول الجماع؟

المبحث الأول: تعريف الصداق ودليل مشروعيته

الفصل الخامس: الصداق الصداق من أهم عناصر عقد النكاح، وقد أخذ جهودًا كثيرة من الفقهاء في بحث دقائقه، وقد كتبت فيه رسائل علمية في العصر الحديث, ولكننا لظروف الطلاب في هذه المرحلة سنتناول أهم أحكامه بمشيئة الله تعالى في عدة مباحث: المبحث الأول: تعريف الصداق ودليل مشروعيته تعريف الصداق: الصداق في اللغة: مهر المرأة, وله أسماء كثيرة؛ منها: صداق، ومهر، ونحلة, وفريضة، وحباء، وأجر، وعقر، وعلائق. وفي الاصطلاح: هو ما يكون عوضًا في النكاح. وهذا أعم من أن يكون نقدًا أو غير نقد، حالًا أو مؤجلًا، مالًا معينًا أو منفعة، وغير ذلك مما يصلح أن يكون عوضًا في عقد البيع أو الإجارة. دليل مشروعية الصداق: الأصل في مشروعية الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} 1, قال أبو عبيدة: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى, وقيل: النحلة: الهبة،

_ 1 سورة النساء الآية رقم5.

والصداق في معناها، لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه, وجعل الصداق للمرأة، فكأنه عطية بغير عوض, وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء؛ أي: عطية خالصة من الله تعالى للنساء1, أي: تكريمًا لهن لجهودهن في رعاية الأزواج وتنشئة الأطفال. وأما السنة: فقد روى أنس -رضي الله عنه: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران2، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "مهيم؟ " -أي: ما هذا؟ أو ما وراءك؟ - فقال: يا رسول الله, تزوجت امرأة، فقال: "ما أصدقتها؟ " قال: وزن نواة من ذهب، فقال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" متفق عليه3. وعن أنس -رضي الله عنه: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها" متفق عليه4. وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح5.

_ 1، 5 المغني جـ6/ 679. 2 ردع زعفران: أي: أثر زعفران. 3 أخرجه البخاري ص25، 27، 102, ومسلم جـ2/ 1042، 1042. 4 المرجعين السابقين.

المبحث الثاني: تسمية الصداق وما يتعلق بها

المبحث الثاني: تسمية الصداق وما يتعلق بها عدم تسمية المهر: اتفق العلماء على صحة عقد النكاح وإن لم يسم فيه الصداق1 لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} الآية2, فأثبت صحة الطلاق مع عدم الفرض، والطلاق لا يكون إلّا عن نكاح صحيح, وقد ورد في السنة المطهرة عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل: "إني أزوجك فلانة؟ " قال نعم، قال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلانًا؟ " قالت: نعم، فزوج أحدهما من صاحبه فدخل عليها، ولم يفرض لها به صداق، فلما حضرته الوفاة، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقًا ولم أعطها شيئًا, وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر, فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف"3. ما يترتب على عدم التسمية: من لم يُسَمَّ لها مهر إن طلقت قبل الدخول فإنه لا مهر لها ولها المتعة، وإن مات عنها قبل الدخول, فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن لها مهر مثلها ولها الميراث, وذهب آخرون إلى أنه لا مهر لها ولكن لها المتعة والميراث, والأول أولى لحديث معقل ابن سنان الأشجعي4 في بروع بنت واشق الأشجعية حين حكم لها -صلى الله عليه وسلم- بذلك.

_ 1 المهذب جـ2/ 55، الهداية جـ3/ 204، والمغني جـ10/ 98 طبعة الأمير تركي. 2 سورة البقرة الآية 236. 3 سنن أبي داود جـ1/ 88 "2117"، صحيح ابن حبان 4072، الحاكم 2/ 181، البيهقي 7/ 232، وإسناده صحيح. 4 أخرجه أحمد رقم 4099، 4100، وأبو داود 2114، والترمذي 1145، والنسائي 6/ 121 وهو صحيح.

أما إن حصل الطلاق أو الموت بعد الدخول فلها مهر مثلها عند الجميع1. ولكنه يُسْتَحَبُّ تسمية الصداق في العقد قطعًا للنزاع وحسمًا لأي خلاف يحصل في المستقبل, وقد وردت السنة المطهرة في كثير من الأحاديث بتسمية الصداق، ومنها حديث الواهبة نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال للرجل الذي طلبها للزواج: "هل من شيء تصدقها به؟ " فالتمس فلم يجد شيئًا, قال: "فالتمس خاتمًا من حديد"، فلم يجد شيئًا، فزوجه إياها بما معه من القرآن2. فإن اتفقا على إسقاطه جملة فقد ذهب بعضهم إلى عدم صحة العقد على أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل، وذهب آخرون إلى أنه يصح العقد ويجب لها مهر المثل, سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده3. تقدير الصداق: ذهب فريق من الفقهاء إلى صحة الصداق بأي شيء يصدق عليه أنه مال مهما كان قليلًا، ما دامت له قيمة، وقد تقدَّم حديث الواهبة نفسها, وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، وكذلك زوَّج سعيد بن المسيب ابنته -التي أبى أن يزوجها للخليفة الذي طلبها منه, وزوَّجَها لطالب فقير- بدرهمين، وقال: لو أصدقها سوطًَا لحلت4. وذهب فريق آخر إلى ضرورة أن يكون الصداق مقدرًا لا يقل عن حد معين، وقد جعل له بعضهم حدًّا أدنى لا يقل عن ثلاثة دراهم5 وقال آخرون: لا يقل

_ 1 المغني جـ10/ 99 طبعة الأمير تركي, والمهذب جـ2/ 55, والمسند. 2 البخاري جـ3/ 132، جـ6/ 236، جـ7/ 8، 17، 19، ومسلم 1425 في النكاح. 3 الهداية جـ3/ 209، ومسلم جـ2/ 104. 4 المغني جـ10/ 99 طبعة الأمير تركي، والمهذب جـ2/ 55. 5 حاشية العدوي على الكفاية جـ2/ 36.

عن عشرة دراهم1, وكلا الرأيين مبنيٌّ على القياس على القدر الذي يقطع به السارق. ورأي الفريق الأول أقرب للنصوص الشرعية. أما أكثره فلا حدَّ له باتفاق الفقهاء, قال جل شأنه: {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} 2 وقد أصدق عمر -رضي الله عنه- أم كلثوم بنت الزهراء أربعين ألفًا"3. ما يشترط في الصداق بإيجاز: يشترط في الصداق ما يشترط في الثمن في عقد البيع من الطهارة وكونه منتفعًا به، وكونه مقدورًا على تسليمه، وكونه معلومًا4. وقال الحنفية: يصح أن يكون الصداق خمرًا أو خنزيرًا, ولكن يلغى ما اتفق عليه, ويجب مهر المثل سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده5.

_ 1 الهداية جـ3/ 204. 2 سورة النساء الآية 20. 3 السنن الكبرى للبيهقي جـ7/ 233. 4 الخرشي جـ3/ 253، حاشية العدوي على الكفاية جـ20/ 37، المغني جـ10/ 101 طبعة الأمير تركي. 5 الهداية جـ3/ 209.

المبحث الثالث: ما الحكم إذا كان المسمى منفعة؟

المبحث الثالث: ما الحكم إذا كان المسمى منفعة؟ صحة المهر حالًا ومؤجلًا: يجوز أن يكون المهر المسمى حالًا كما يصح أن يكون مؤجلًا, وكذلك يجوز بعضه حالًا وبعضه مؤجلًا؛ إذ حكمه كالثمن في عقد البيع، والأجرة في عقد الإجارة والمعول عليه في التفرقة بين الحال والمؤجل هو ذكر الوقت، فإن أهملا ذكر وقت التأجيل فإنما يكون قصدهما الحلول1. الحكم فيما إذا كان المسمى منفعة: يذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح مقابل منفعة يقدمها الزوج لزوجته، إذا كانت هذه المنفعة معلومة لهما مثل أن يقوم ببناء دار لها، أو خياطة ثوب، أو عمل في مزرعتها، أو يعلمها صناعة أو حرفة، أو سورًا من القرآن, ونحو ذلك، مستدلين بما ورد في القرآن الكريم في قصة إنكاح شعيب ابنته لموسى -عليهما السلام- مقابل خدمته له مدة من الزمن, فقال جل شأنه على لسان شعيب -عليه السلام: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ... } 2, وكذلك بحديث الواهبة نفسها حين قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نهاية الحديث: "زوجتكها بما معك من القرآن" وقد تقدَّمَ، ولأن مثل الأعمال المتقدمة منافع معلومة يجوز أخذ الأجرة عنها3. وذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز المنفعة صداقًا؛ لأن المشروع من المهر هو

_ 1 المغني جـ10/ 115 طبعة الأمير تركي. 2 سورة القصص 27. 3 المغني جـ10/ 103، 104.

ابتغاء المال، والتعليم ليس بمال، فإذا وقع العقد بذلك فإنه يصح, ولكن يجب مهر المثل1، وقد استند هذا الفريق إلى ما جاء في بعض روايات حديث الواهبة نفسها: "لا تكون لأحد بعدك مهرًا"2. غير أنها زيادة لا تصح منكرة, وما في الصحيحين من رواية الثقات بدونها.

_ 1 الهداية جـ3/ 207، والخرشي جـ3/ 269. 2 "رواه النجاد بإسناده" عن سنن سعيد بن منصور جـ1/ 176 من رواية أبي النعمان الأزدي مرسلًا، وهو مجهول لا يعرف, وزيادته منكرة لما تقرر في "أصول الحديث ومصطلحه" من أن تفرد مثله بزيادة عن الثقات يعد منكرًا.

المبحث الرابع: بم يثبت المسمى

المبحث الرابع: بم يثبت المسمى يثبت الحق في المهر كاملًا بالعقد الصحيح, لكنه يستقر بالدخول، أو موت أحد الزوجين؛ لأنه بالدخول يتحقق تسليم المبدل وبه يتأكد البدل، وبالموت ينتهى النكاح نهايته، والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد, فيتقرر بجميع مواجبه. وهل المعتبر في الدخول مجرد الخلوة كما يقول بعض الفقهاء1, أو لا بد من الدخول الحقيقي وهو حصول الجماع كما يقول آخرون2؟ والقول الأول أيسر وأضبط وأحوط إذا لم يكن هناك مانع من الوطء، فإن وجد مانع شرعي من الوطء بأن كان أحدهما صائمًا في رمضان أو كان مريضًا مرضًا يمنعه من الوطء، أو محرمًا بحج فرض أو نفل أو بعمرة أو كانت الزوجة حائضًا، فلا تعتبر الخلوة صحيحة، فلو طلقها في أثناء ذلك كان لها نصف المهر3. كما يجب لها نصف المهر المسمى إن طلقها قبل الدخول لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآية4.

_ 1 الهداية جـ3/ 205. 2 المهذب جـ2/ 57، الخرشي جـ3/ 260 كما يثبت عند المالكية -إن لم يكن وطء- بالإقامة للزوجة سنة في بيت الزوجية. 3 الهداية جـ2/ 205، 206، الخرشي جـ3/ 206. 4 سورة البقرة الآية 237.

الخلاصة

الخلاصة: 1- الصداق: في اللغة: هو مهر المرأة. في الاصطلاح: هو ما يكون عوضًا في النكاح. 2- والصداق مشروع بأدلة من القرآن والسنة والإجماع. 3- اتفق العلماء على صحة عقد النكاح وإن لم يسم فيه الصداق. 4- ما يترتب على عدم تسمية المهر: أ- إن طلقت قبل الدخول: فلا مهر لها ولها المتعة. ب- إن مات عنها قبل الدخول: فبعض الفقهاء يرى أن لها مهر مثلها ولها الميراث, وهذا الرأي هو الأولى. وبعض الفقهاء يرى أنه لا مهر لها ولكن لها المتعة والميراث. جـ- إن حصل الطلاق أو الموت بعد الدخول: فلها مهر مثلها عند الجميع. 5- يستحب تسمية الصداق في العقد قطعًا للنزاع وحسمًا لأي خلاف يحصل في المستقبل. 6- إن اتفق الطرفان على إسقاط الصداق جملة: أ- ذهب بعض الفقهاء إلى عدم صحة العقد على أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل. ب- ذهب آخرون إلى أن العقد يصح ويجعل لها مهر المثل, سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده.

7- تقدير الصداق: أقله: الرأي الأقرب للنصوص الشرعية هو صحة الصداق بأي شيء يصدق عليه أنه مال مهما كان قليلًا. أكثره: لا حدَّ له باتفاق الفقهاء. 8- ما يشترط في الصداق: الطهارة وكونه منتفعًا به، وكونه مقدورًا على تسليمه، وكونه معلومًا. 9- يجوز أن يكون المهر المسمى حالًا، كما يصح أن يكون مؤجلًا، وكذلك يجوز بعضه حالًا وبعضه مؤجلًا، فإن أهملا ذكر وقت التأجيل فإنما يكون قصدهما الحلول. 10- يذهب جمهور الفقهاء إلى صحة انعقاد النكاح مقابل منفعة معلومة يقدمها الزوج لزوجته. 11- يثبت الحق في المهر كاملًا بالعقد الصحيح, لكنه يستقر بالدخول أو موت أحد الزوجين. 12- يرى بعض الفقهاء أن المعتبر في الدخول هو مجرد الخلوة إذا لم يكن هناك مانع من الوطء, وهذا القول هو الأيسر والأضبط والأحوط. 13- يجب للزوجة نصف المهر المسمى إن طلقها الزوج قبل الدخول.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- وضح معنى الصداق في اللغة وفي الاصطلاح. 2- ما أدلة مشروعية الصداق؟ 3- ما حكم عقد النكاح إن لم يُسَمَّ فيه الصداق؟ 4- صل عبارات المجموعة الأولى مع ما يناسبها من المجموعة الثانية: ما يترتب على عدم تسمية المهر أ- إن طلقت قبل الدخول. أ- فلها مهر مثلها عند الجميع. ب- إن مات عنها قبل الدخول. ب- لا مهر لها ولها المتعة. ج- إن حصل الطلاق أو الموت بعد الدخول. ج- الرأي الأولى هو أن لها مهر مثلها ولها الميراث. 5- يستحب تسمية ... في العقد قطعًا للنزاع، وحسمًا لأي خلاف يحصل في المستقبل. اختر العبارات الصحيحة فيما يلي: 6- إن اتفق طرفا العقد على إسقاط الصداق جملة: أ- يرى بعض الفقهاء عدم صحة العقد على أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بغير مهر. ب- يرى بعض الفقهاء أن العقد يصح ويجب لها مهر المثل, سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده. جـ- يرى بعض الفقهاء أن العقد يصح ويجب لها مهر المثل بعد الدخول فقط.

د- يرى بعض الفقهاء عدم صحة العقد على أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل. هـ- يرى بعض الفقهاء أن العقد لا يصح، ويجب لها مهر المثل, سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده. 7- تقدير الصداق: الأقرب للنصوص الشرعية أن أقل الصداق: أ- أي شيء يصدق عليه أنه مالو مهما كان قليلًا ما دامت له قيمة. ب- لا يقل عن 3 دراهم. جـ- لا يقل عن 10 دراهم. 8- اتفق الفقهاء على أن الصداق أكثره: أ- لا يزيد عن قنطار لقوله تعالى: {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} . ب- لا يزيد عن أربعين ألفًا؛ لأن عمر -رضي الله عنه- أصدق أم كلثوم بنت الزهراء أربعين ألفًا. جـ- لا حدَّ له. 9- اذكر ما يشترط في الصداق بإيجاز؟ 10- يجوز أن يكون المهر المسمى ... ، كما يصح أن يكون ... ، وكذلك يجوز بعضه ... وبعضه ... فإن أهملا ذكر وقت التأجيل فإنما يكون قصدهما ... 11- ما رأي جمهور الفقهاء في الحكم إذا كان المسمى منفعة؟ وما أدلتهم؟ 12- بم يثبت المسمى؟

13- هل المعتبر في الدخول مجرد الخلوة, أو لا بد من حصول الجماع؟ وضح القول الأيسر والأضبط والأحوط. 14- {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} . وضح الحكم الوارد في هذه الآية كما درسته. الإجابة على بعض الأسئلة: إجابة السؤال رقم4: "أمع ب"، "ب مع جـ"، "جـ مع أ". إجابة السؤال رقم6: العبارات الصحيحة "ب، د". إجابة السؤال رقم7: العبارة الصحيحة "أ". إجابة السؤال رقم8: العبارة الصحيحة "جـ".

الفصل السادس: الزوج والزوجة

الفصل السادس: الزوج والزوجة مدخل ... الفصل السادس: الزوج والزوجة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- وجوب التعريف بالزوجين حتى يكون كلٌّ منهما معينًا لدى الطرف الآخر وللمجتمع الذي يعيشان فيه. 2- الأمور التي تبين مدى صلاحية كلٍّ منهما ليكون طرفًا في علاقة الزواج التي ستجمع بينهما. 3- حكم تزويج المحجور عليهم. 4- الموانع من الزواج بسبب اختلاف الدين، والمراد بالمشركات في الآية الكريمة {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} . 5- الموانع الصحية والأمراض التي تعطي أحد الطرفين الحق في المطالبة بفسخ العقد. 6- المحرمات من النساء. 7- الكفاءة ومشروعيتها وما يتعلق بها من الأحكام. 8- هل الكفاءة معتبرة في جانب الزوجة أو في جانب الزوج؟ وهل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟ وما هي مواقف العلماء من الأمور المعتبرة في الكفاءة؟ 9- موقف الفقهاء الذين رأوا إعطاء الزوجة وأوليائها الحق في التمسك بالكفاءة وأدلتهم. 10- نظرة الجمهور إلى الكفاءة.

هذا هو الركن الثالث من أركان عقد الزواج, والزوجان هما طرفا العقد وأصله ومحوره؛ إذ كل ما عداهما من أحكام عقد الزواج إنما يقصد بها توثيق الرابطة الناشئة بينهما، وتوفير الحماية للحفاظ على هذه العلاقة التي يراد منها تكوين أسرة إسلامية تصبح خلية فاعلة في المجتمع الذي توجد به. لذلك نجد حرص الفقهاء جميعًا أثناء الحديث عن صيغة العقد؛ إذ يوجبون تعيين الزوجة والزوج تعيينًا تامًّا بذكر الاسم والنسبة والصفة والجهة التي ينتمي إليها, وكذلك الشاهدان يجب أن يكونا عارفين بالزوجين معرفة تامة خالية من الجهالة. قال الإمام أحمد في رجل خطب جارية فزوجوه أختها, ثم علم بعد: يفرق بينهما، ويكون الصداق على وليها لأنه غرَّه، ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق الأول, لكن بعقد جديد كما يقول ابن قدامة؛ لأن العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما؛ لأن الإيجاب صدر في إحداهما, والقبول في أخرى فلم ينعقد في هذه ولا تلك, وعن علي -رضي الله عنه- في رجلين تزوجا امرأتين فزفت كل امرأة إلى زوج الأخرى، قال: لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها1. كما يجب التحقق من انتفاء الموانع الشرعية من الزواج، ووجود التكافؤ بين الزوجين في بعض الأمور حتى تستقر الحياة الزوجية، وسنتناول الحديث عن ذلك في المبحثين الآتيين:

_ 1 المغني لابن قدامة جـ6/ 546.

المبحث الأول: مدى صلاحية الزوجين للعلاقة الزوجية

المبحث الأول: مدى صلاحية الزوجين للعلاقة الزوجية المطلب الأول: أهلية الزوجين 1- يذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا توجد موانع من الزواج لكلٍّ من الذكر والأنثى من جهة السن أو العقل أو العقد أو الرشد, إلا في حالات خاصة سنشير إليها بعد قليل, وذهب بعض الفقهاء إلى عدم صحة التزويج، منهم ابن شبرمة, حيث نقل عنه عدم جواز العقد على الصغيرة من أبيها ولا من سواه من أوليائها. ولكن جمهور الفقهاء استدلوا على الجواز من كتاب الله تعالى بقوله تعالى في آية العدة: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... } الآية1، فالصغيرة تشملها هذه الآية إذ أنها من النسوة اللاتي لم يحضن, ومع ذلك نزل القرآن ببيان عدتها إذا تزوجت وطلقت قبل أن تحيض، وإلّا فكيف يوجب عليها العدة إذا لم يكن الزواج صحيحًا. وكما استدل الجمهور من السنة أيضًا2 بما حدث في زواج السيدة عائشة -رضي الله عنها؛ إذ تم العقد عليها وعندها ست سنوات, ودخل بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندها تسع سنوات3. 2- المجنون الكبير المطلق إن خيف عليه الزنا أو الهلاك أو شدة الضرر, أو كان الزواج فيه علاج لحالته, أجبر على الزواج عند بعض الفقهاء كالمالكية، وأشار بعضهم إلى جواز الزواج من غير ذكر الوجوب. وهل يزوجه الأب فقط، أو يكون ذلك للوصي أو السلطان؟ ثمة خلاف ليس هذا مجال تفصيل القول فيه.

_ 1 سورة الطلاق الآية: 4. 2 وهو حديث متفق عليه. 3 الشروط الصغير للإمام الطحاوي جـ2/ 673، 674.

أما من يفيق أحيانًا فتنتظر إفاقته حتى يؤخذ إذنه في تزويجه1. أما الغلام الصغير سليمًا أو مجنونًا فأجاز الجمهور تزويجه إن كان في ذلك مصلحة, وقد قال بذلك ابن المنذر والحسن والزهري وقتادة ومالك والنووي والأوزاعي, مستدلين بأن ابن عمر -رضي الله عنهما- زوج ابنه وهو صغير, فاختصما إلى زيد فأجازاه جميعًا، رواه الأثرم بإسناده2, بل قال المالكية بجواز جبر الصغير السليم العقل على التزويج إن كان فيه مصلحة له كتزويجه من غنية أو شريفة3 وفرق الشافعي بين الغلام الصغير السليم العقل وبين المجنون, فأجاز تزويج الأول إن كان فيه مصلحة, ولم يجز تزويج المجنون الصغير لما يترتب على التزويج من حقوق؛ كالمهر والنفقة مع حاجته إليه ولو كان ذلك من أبيه4. 3- يلزم الأب بتزويج ابنته البالغة المجنون, سواء أكانت بكرًا أم ثيبًا إن خيف عليها الزنا5 مع اختلافهم فيمن يملك ذلك, أما المجنونة الصغيرة فأجاز الجمهور تزويجها لمصلحة, ومنع ذلك الشافعي لعدم الحاجة6. 4- السفيه المحجور عليه إذا كانت هناك حاجة لتزويجه, لزم وليه أن يزوجه لأنه نصب وليًّا عليه لمصالحه، وهذا الزواج من مصالحه؛ لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه، فإنما ربما تعرَّضَ بترك التزوج للإثم بالزنا والحد وهتك العرض، وإن لم تكن له حاجة إليه لا يزوجه؛ لأنه يلزمه بالنكاح حقوق من المهر والنفقة والمبيت والسكنى, فيكون تضييعًا لماله ونفسه من غير فائدة, فإن كان الولي رأى حاجته فأذن له بالتزوج فتزوج صح زواجه7.

_ 1 الشرح الكبير للدردير جـ2/ 246، والمغني جـ6/ 499، 500, والمحلى على المنهاج جـ3/ 237. 2 المغني جـ6/ 499 والشرح الكبير جـ2/ 244. 3 الشرح الكبير جـ23/ 244. 4 المحلى على المنهاج جـ3/ 237, والمغني جـ6/ 496. 5 الشرح الكبير جـ2/ 244، والمحلى على المنهاج جـ2/ 230, والمغني جـ6/ 496، 497. 6 المحلى على المنهاج جـ3/ 230، والشرح الكبير جـ2/ 244، 245. 7 المغني جـ6/ 499, والشرح الكبير جـ2/ 244.

وقال الشافعية: لا يستقل السفيه المحجور عليه بالنكاح، بل ينكح بإذن وليه أو يقبل له الولي بإذنه "أي بإذن السفيه"، فإن نكح بغير إذن وليه بطل نكاحه, ولا يلزمه شيء من النفقة أو الصداق. وذهب بعض الفقهاء الآخرين إلى صحة النكاح منه ما دامت به حاجة إليه ولو لم يأذن له الولي، إذ حقه في النكاح صار متعينًا في هذه الحالة. هذه كلمة موجزة في حكم تزويج المحجور عليهم, ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب المذاهب الفقهية. أما بيان مدى حق الزوجة في المشاركة في العقد وحكم الوكالة منها أو من الزوج, فهذا قد سبق في صيغة العقد والولاية في النكاح فلم يحسن تكرار الكلام عليه.

المطلب الثاني: الموانع بسبب اختلاف الدين

المطلب الثاني: الموانع بسبب اختلاف الدين 1- لا يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة مشركة أو لا تنتمي إلى دين سماوي, كما لا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير مسلم بأي حالٍ من الأحوال, للنص القرآني الصريح في ذلك قال جل شأنه: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} 1. والمراد بالمشركات في هذه الآية غير نساء أهل الكتاب، فتكون الآية مقصورة

_ 1 سورة البقرة الآية 221.

على المشركات من عابدات الأوثان وكل من لا تدين بدين سماوي, وقد نقل هذا القول عن عدد كبير من الصحابة والتابعين؛ منهم: عثمان وطلحة وابن عباس وجابر وحذيفة، ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وطاووس وعكرمة والشعبي والضحاك, وكل فقهاء الأمصار. 2- وقد روى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى تزوجوا من نساء أهل الكتاب أخذًا من قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الآية1. 3- لكن مع ذلك لا ينبغي للمسلم أن يترك النساء المسلمات ويتزوج من أهل الكتاب لما في ذلك من الجفاء لأهل دينه؛ إذ هن أولى بالرعاية وحسن العشرة والنفقة, وما إلى ذلك من نساء أهل الكتاب، ولا سيما وقد اشترط جماعة من الفقهاء لصحة الزواج من الكتابيات أن يكن عفيفات, وهو ما يفهم من القيد الوارد في آية نساء أهل الكتاب {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} 2, بل ربما مال إليها قلبه ففتنته، وربما كان بينهما ولد فيميل إليها, وقد نقل عن الإمام مالك والشافعية كراهة ذلك في بلد الإسلام؛ لأنها تتغذى بالخمر والخنزير وتغذي ولده بهما وهو يقبلها ويضاجعها وليس له منعها من ذلك كما لا يمنعها من الكنيسة3.

_ 1، 2 سورة المائدة الآية 5. 3 الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه جـ2/ 267, وتزداد الكراهة وتتأكد عند الإمام مالك إذا كان النكاح ببلد الحرب, لتركه ولده بها, وخشية تريبتها له على دينها, ولا تبالي باطلاع أبيه على ذلك، المرجع السابق.

المطلب الثالث: الموانع الصحية

المطلب الثالث: الموانع الصحية وهي عبارة عن تلبس أحد زوجي المستقبل بأحد الأمراض التي تنفر الطرف الآخر منه لو علم بها قبل إنشاء عقد الزواج، لكن إذا اطَّلع عليها قبل العقد ووافق على الاستمرار في إجراءات العقد بالرغم من علمه بها, فإن العقد يصح إذا كان الزوج بالغًا عاقلًا رشيدًا، أما إذا كان محجورًا عليه, فإن الأمر يتوقف على إذن وليه وإذنه هو بعد بلوغه؛ حيث يجوز له حينئذ المطالبة بفسخ العقد1. لكن إذا كان هذا المرض بالزوج فشرط الاستمرار في إجراءات هذا العقد رغم العلم به هو موافقة الزوجة فقط, ولا كلام لأوليائها في ذلك. والأمراض المعول عليها والتي تعطي أحد الزوجين الحق في المطالبة بفسخ العقد قبل الدخول أو بعده, هي الأمراض المستحكمة التي لا يمكن البرء منها, أو يمكن بعد زمن طويل, ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر, سواء أكانت قبل العقد ولم يعلم بها, أو حدثت بعده ولم يرض بها، ومن هذه العيوب ما هو خاصٌّ بالرجال, ومنها ما هو خاصٌّ بالنساء, ومنها ما هو مشترك بينها: - ومن العيوب الخاصة بالرجال: الجب، والعنة، والخصاء2. - ومن العيوب الخاصة بالنساء: الرتق والقرن والإفضاء وبخر الفرج عند المالكية3. العيوب المشتركة بين الرجال والنساء وهي: الجنون والجذام والبرص والعُذيطة وهي التغوط عند الجماع. والأثر المترتب على الفسخ بالعيب المقارن للعقد أو الحادث بعده: إن حدث قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعد الدخول وقبل الوطء فعليه مهر المثل، وإن وطئ فعليه المسمى4.

_ 1 الشرح الكبير جـ2/ 277. 2 الجب: قطع الذكر مع الأنثيين، والعنة -بضم العين: العجز عن الوطء, أو هو صغر الذكر جدًّا، والخصاء: إذهاب الخصتين. 3 القرن -بفتح الراء: شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة يكون من لحم غالبًا فيمكن علاجه, وقد يكون من عظم فلا يمكن علاجه، والرتق -بفتح الراء والتاء: انسداد مسلك الذكر بحيث لا يمكن معه الجماع, وهو كالقرن في العلاج وعدمه، الإفضاء: اختلاط مسلكي الذكر والبول, وأولى منه اختلاط مسلكي الذكر والغائط, وبخر الفرج: أي: نتن الفرج, وقد قال بذلك المالكية دون غيرهم في هذا العيب خاصة, أما عند الأئمة الثلاثة فلا ردَّ بنتن الفرج كنتن الفم, فلا رد به عند الجميع. 4 المحلى على المنهاج جـ3/ 262، 263.

المطلب الرابع: الموانع الشرعية أو المحرمات

المطلب الرابع: الموانع الشرعية أو المحرمات الأصل في هذا قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 1. وقوله -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي هريرة: "لا يجمع بين المرأة وعمتها, ولا بينها وبين خالتها" متفق عليه. ومن حديث عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الرضاعة تحرِّم ما يحْرُمُ من الولادة" متفق عليه, ثم الإجماع على كل ذلك. وفيما يلي ذكر للمحرمات بشيء من التفصيل:

_ 1 سورة النساء الآيات: 22-24.

أقسام المحرمات من النساء: المحرمات من النساء قسمان: - محرمات على التأبيد: وهن من لا يحل الزواج بواحدة منهن أبدًا لمن حرمت عليه؛ لأن سبب التحريم دائم لا يزول. - محرمات على التأقيت: وهنَّ من لا يحل الزواج بواحدة منهن لمن حرمت عليه ما دام سبب الحرمة قائمًا, فإن زال سبب الحرمة جاز التزوج بهن. أولًا: المحرمات على التأبيد أسباب الحرمة المؤبدة ثلاثة: النسب والمصاهرة والمراضعة، وقد تنوَّعت المحرمات على التأبيد تبعًا لتنوع أسباب الحرمة إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: المحرمات من النسب وتشمل أصول الرجل من النساء وهن: الأم والجدة لأب أو لأم وإن علت، وفروعه وهن: بناته وبنات أولاده وإن نزلن، وفروع أبويه وهن: الأخوات وبنات الإخوة والأخوات وإن نزلن، وفروع أجداده في مرتبة واحدة وهن: العمات والخالات سواء أكن عمات وخالات الشخص نفسه, أم كنَّ عمات وخالات لأبيه أو أمه، أو لأحد أجداه وجداته، أما ما دون العمات والخالات من المراتب كبنات العمات وبنات الأخوال والخالات فلسن بمحرمات، فيؤول أمر المحرمات من النسب إلى سبعة أصناف وهن: 1- الأمهات: وهن كل من انتسب إليها بولادة وإن علت, من ذلك أم أمك وأم أبيك. 2- البنات: وهو كل أنثى لك عليها ولادة كابنتك من الصلب وبنات البنين والبنات وإن نزلت درجتهن.

3- الأخوات: من الجهات الثلاث من الأبوين أو من الأب أو من الأم. 4- العمات: أخوات الأب من الجهات الثلاثة، وكذا عمة كل من الأب أو الأم أو الجد أو الجدة. 5- الخالات: أخوات الأم من الجهات الثلاثة، وكذا خالة كل من الأب أو الأم أو الجد أو الجدة. 6- بنات الأخ: كل امرأة انتسبت إلى أخٍ لك بولادة من أي جهة كان الأخ. 7- بنات الأخت: كذلك. النوع الثاني: المحرمات من الرضاع 1- الأمهات المرضعات: وهن اللاتي أرضعنك وأمهاتهنّ وجداتهنّ وإن علت درجتهنّ. 2- الأخوات من الرضاعة: وهن كل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك، أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة, أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد؛ كرجلٍ له امرأتان لهما منه لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى فهي أختك من الرضاعة. النوع الثالث: المحرمات بالمصاهرة وهن أصناف أربعة: 1- أمهات زوجاتك: فمن تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع, قريبة أو بعيدة, بمجرد العقد وهو قول الجمهور. 2- بنات زوجاتك اللاتي دخلت بهن: وهن الربائب فلا يحرمن إلا بالدخول بأمهاتهن, وهنَّ كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع, قريبة أو بعيدة, سواء أكانت في حجره أم لم تكن؛ إذ القيد في الآية خرج مخرج الغالب, ونقل عن عليٍّ

وعمر -رضي الله عنهما- أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره. قال ابن المنذر: وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول. 3- زوجات الأبناء: سواء أكان الأبناء من النسب أم الرضاع، بمجرد العقد. 4- زوجات الأب: فتحرم على الرجل امرأة أبيه قريبًا أم بعيدًا، ويحرم عليه من وطئها أبوه أو ابنه بملك يمين أو شبهة, كما يحرم عليه من وطئها بعقد نكاح. قال البراء بن عازب: "لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله" رواه النسائي1. ثانيًا: المحرمات على التأقيت وهن أنواع متعددة نذكر منها: 1- المشغولة بحق الغير: وهي المتزوجة والمعتدة من طلاق أو وفاة، لقوله تعالى في المتزوجة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} فقد عطفها على المحرمات، والمراد بهن ذوات الأزواج، وقوله تعالى في المعتدات: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2, وقوله في المعتدة من وفاة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 3, وقوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} 4. 2- الجمع بين محرمين: والمراد من المحرمين: كل امرأتين بينهما قرابة محرمية؛ بحيث لو فرضت أيتها ذكرًا حرمت عليه الأخرى، فهذا النوع إذن ينتظم صنفين:

_ 1 جـ2/ 85، وأبو داود 4457، والدارمي 2/ 153، والحاكم 4/ 357، وإسناده صحيح. 2 سورة البقرة الآية 228. 3 سورة البقرة الآية 23س4. 4 سورة البقرة الآية 235.

- الجمع بين الأختين: سواء أكانتا من النسب أم الرضاع، وسواء أكانتا من أبوين أم من أب أو من أم، سواء في هذا قبل الدخول وبعده، قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} فإن تزوجهما في عقد واحد فسد العقد؛ إذ لا مزية لإحداهما على الأخرى، وإن عقد عليهما مرتبتين كان عقد الأولى صحيحًا وعقد الثانية فاسدًا. - الجمع بين المرأة وعمتها, أو بينها وبين خالتها: لما يترتب على الجمع من إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضائه إلى قطيعة الرحم المحرمة. 3- المطلقة ثلاثًا: وهي محرمة على مطلقها حتى تنكح زوجًا غيره، لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} 1. 4- الزيادة على الأربع: فلا يجوز لرجل يجمع في عصمته أربع زوجات أن يتزوج بخامسة، وذلك لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} 2. هل لبن الفحل محرَّم؟ إن المرأة إذا أرضعت طفلًا بلبن ناتج عن وطء رجل, حرم الطفل على الرجل وأقاربه؛ لأن اللبن من الرجل كما هو من المرأة, فيصير الولد ابنًا للرجل والرجل أبًا للولد, ويصير أولاد الرجل للطفل سواء من تلك المرأة أم من غيرها، ويصير إخوة الرجل وأخواته أعمام الطفل وعماته، ويصير آباؤه وأمهاته أجداده وجداته, وسئل ابن عباس -رضي الله عنه- عن رجلٍ له جاريتان, أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلامًا, فقال: لا، اللقاح واحد, وقد قال بذلك عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء، منهم ابن عباس وعطاء وطاووس ومجاهد والحسن

_ 1 سورة البقرة الآية 230. 2 سورة النساء الآية 3.

والشعبي والقاسم وعروة ومالك والنووي وأبو حنيفة، قال ابن عبد البر: وإليه ذهب فقهاء الأمصار, وقد رخَّصَ في لبن الفحل ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحن وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والنخعي وأبو قلابة كما يروى عن ابن الزبير، بحجة أن اللبن من المرأة وليس من الرجل1

_ 1 المغني لابن قدامة جـ6/ 567، 572، والشرح الكبير جـ2/ 250، والمحلى على المنهاج جـ3/ 240، وحاشية ابن عابدين جـ3/ 28 وما بعدها.

المبحث الثاني: الخلو من الموانع الاجتماعية أو "الكفاءة"

المبحث الثاني: الخلو من الموانع الاجتماعية أو "الكفاءة" أ- تعريف الكفاءة: الكفاءة في اللغة: المماثلة والمقاربة. وأما في الشرع: فهي كون الزوج مساويًا للزوجة أو أعلى منها في أمور مخصوصة. ب- هل الكفاءة حق للمرأة أو لوليها أو لله تعالى؟ يرى بعضهم أن الكفاءة حق للمرأة والأولياء معًا؛ مثل: الشافعية والحنابلة1, واختلف قول المالكية؛ فمنهم من يراها للمرأة الثيب دون وليها, ومنهم من يراها للزوجة ووليها, ومنهم من يراها حقًّا لله تعالى, قال صاحب البهجة: وبه القضاء. والمشهور أنها حق للزوجة والولي2، ويرى الحنفية أنها حق للولى فقط3. وقد ذهب الثوري وأبو الحسن الكرخي وأبو بكر الجصاص وعدد من علماء العراق إلى عدم اعتبارها في النكاح أصلًا4 جـ- هل الكفاءة معتبرة في جانب الزوجة أو في جانب الزوج؟ جمهور العلماء على أن الكفاءة معتبرة في جانب الزوج وغير معتبرة في جانب الزوجة, وعند صاحبي أبي حنيفة تعتبر في جانب الزوج والزوجة معًا5 ويستدل الجمهور بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا مكافئ له وقد تزوج من أحياء العرب وتزوج

_ 1 المحلى على المنهاج جـ3/ 233, والمغني جـ6/ 481. 2 البهجة على التحفة لابن عبد السلام التسولي جـ1/ 261. 3 الدر المختار مع حاشية ابن عابدين جـ3/ 85. 4 حاشية ابن عابدين جـ3/ 86. 5 الدر المختار على حاشية ابن عابدين جـ3/ 85.

صفية بنت حيي, وتسرَّى بالإماء وقال:$"من كانت عنده جارية فعلَّمها وأحسن تعليمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران" متفق عليه. ولأن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه فلم يعتبر ذلك في الأم1. هـ- هل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟ وهل يبطل بفقدانها؟ يرى بعض المالكية وبعض الحنابلة وبعض الحنفية أنها شرط صحة يبطل العقد بفقدها2, أما الجمهور فيرى أنها حق يجوز تركه، فلو رضيت المرأة وأولياؤها بزواجها من فاسق سكّيرٍ يؤمن عليها منه صحَّ النكاح3, ويرى الحنفية أنها معتبرة للزوم النكاح4. و مواقف العلماء من الأمور المعتبرة في الكفاءة: يذهب الحنفية إلى اعتبارها في النسب والإسلام والحرفة والحرية والديانة والمال والقدرة على الجماع5. ويذهب المالكية في المعتمد عندهم على إلى أنها معتبرة في التدين؛ أي: كونه ذا دين غير فاسق، والسلامة من العيوب, ونقل عن ابن القاسم أنها معتبرة في المال أيضًا, لكنهم قالوا: إن شرط السلامة من العيوب حق للمرأة وليس للأولياء فيه كلام، وكذلك لهم في كفاءة العبد للحرة رأيان6. ويذهب الشافعية إلى أن المعتبر في خصال الكفاءة خمسة، وهي السلامة من العيوب المثبتة للخيار مثل "الجنون أو الجذام أو البرص"، والحرية والنسب

_ 1 المغني جـ6/ 487. 2 البهجة على التحفة للتسولي جـ1/ 161، والمغني جـ6/ 481، وحاشية ابن عابدين جـ3/ 86. 3 الشرح الكبير للدردير جـ2/ 249، والمغني جـ6/ 481. 4 الدر المختار مع الحاشية جـ3/ 86. 5 الدر المختار مع الحاشية جـ3/ 86، 87. 6 الشرح الكبير جـ3/ 249، 250.

"فالعجمي ليس كفئًا لعربية, وغير القرشي من العرب ليس كفئًا لقرشية, وكذلك غير الهاشمي والمطلبي من قريش ليس كفئًَا للهاشمية والمطلبية, والعفة: "فليس الفاسق كفئًا للعفيفة"، والحرفة "فصاحب حرفة دنيئة ليس كفئًا لبنت صاحب حرفة رفيعة ولو نسبيًّا "فالخياط والتاجر لا يكافئان ابنة العالم والقاضي نظرًا للعرف في ذلك". والأصح عندهم: أن اليسار لا يعتبر؛ لأن المال غادر ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر، ومقابله يعتبر؛ لأنه إن كان معسرًا تضررت هي به وبعدم إنفاقه عليها وعلى الولد1. وعند الحنابلة: أن المعتبر في الكفاءة "على الرواية التي تذهب إلى اشتراط الكفاءة" هو الدين والنسب. وروى الإمام أحمد أيضًا: أنها تعتبر في الحرية والصناعة واليسار2. والحق أن من يعطي الزوجة وأولياءها الحق في التمسك بالكفاءة والمساواة في النسب والمال ونحوه إنما ينظرون إلى غايةٍ ساميةٍ وحكمة جديرة بالتأمل، وذلك أن عقدة النكاح تتم على أساس الارتباط الدائم, فلا بُدَّ للزوجية الصالحة من التوافق في الطبع، والتلاؤم في الوضع، والتشابه في المركز الاجتماعي, والتقارب في المستوى الثقافي، حتى نضمن للزوجين حياةً مستقرةً هادئةً ملؤها الود والإخلاص وقوامها الاحترام والتقدير. أما إذا كان الزوج دون الزوجة حالًا وأقل مالًا وأحط نسبًا وأدنى ثقافةً وعلمًا؛ فهيهات أن يكون هناك انسجام ووئام، وهيهات أن يمضي يوم بدون شقاق وخصام، وهيهات أن يرفع الرجل أمام المرأة رأسًا، أو يظهر -وهو القوام عليها- حمية وبأسًا، وبذلك تسوء الحال، ويكون أمر هذه الزوجية إلى زوال.

_ 1 المحلى على المنهاج جـ3/ 234، 235، 236. 2 المغني جـ6/ 482.

وقد ساعد هذا الفريق على هذا الاتجاه ما نُقِلَ عن عددٍ من السلف أنهم كانوا يراعون ذلك أو يدعون إليه باعتباره أمرًا واقعًا يقتضيه الطبع أو تمليه ظروف البيئة, ومن ذلك: 1- ما ذكره أبو إسحاق الهمداني قال: خرج سلمان وجرير في سفرٍ, فأقيمت الصلاة, فقال جرير لسلمان: تقدَّم أنت، قال سلمان: بل أنت تقدم, فإنكم معشر العرب لا يُتَقَدَّمُ عليكم في صلاتكم، ولا تنكح نساؤكم، إن الله فضلكم علينا بمحمد -صلى الله عليه وسلم, وجعله فيكم1. 2- ما نقل عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلّا من الأكفاء"2. ويلاحظ هنا أن الكفاءة عند الجمهور ليست ضربة لازب لا محيد عنها ولا مناص منها, وإنما هي سلاح في يد المرأة التي يراد تزويجها، كما أن بعضها سلاح في يد وليها. فإذا أراد الأولياء زواجها من غير ملتزم بالدين، أو ذي نسب يقل في نظرها عن نسبها، أو عبد أو غير ذلك مما ورد في الكفاءة، لسبب ما؛ بأن كان ذا مالٍ أو كان ذا وجاهةٍ, أو له خدمات عليهم, وغير ذلك من الأسباب التي تقتضي في نظرهم الزواج منه، كان من حقها أن ترفض, وأن ترفع أمرها لولي الأمر أو نائبه لمنع هذا الزواج. وهو كذلك سلاح في يد الأولياء؛ إذ كثيرًا ما تخدع البنات بالأشكال اللامعة من الشباب الفارغين من أيِّ محتوى, أو العاطلين, أو من ذوي نسب قد يعير به أهلها, لذلك أعطوا هذا السلاح في أيديهم حتى تتريث البنت في اختيارها، وتعلم أن الزوج المنتظر لا بُدَّ من أن يحوز رضا الأولياء.

_ 1 البيهقي 7/ 174. 2 البيهقي 7/ 133، والدارقطني 3/ 298.

أما إذا وافقت البنت وأهلها على شخص تقدَّم لهم وفيه مخالفة لعدد من خصال الكفاءة, فليس هناك مانع شرعي يحول دون إتمام هذا الزواج, فقد زوَّج -صلى الله عليه وسلم- مولاه زيد بن حارثة من ابنة عمته زينب بنت جحش وهي من ذؤابة قريش، وتقدَّم الحديث الذي أخرجه البخاري بزواج سالم مولى أبي حذيفة من ابنة أخي حذيفة، وغير ذلك من الصور المخالفة لما اعتبره بعض الفقهاء من الكفاءة. لذلك نرى أنه لا داعي للهجوم على مقولة أهل العلم عن الكفاءة, وأنها تمثّل فوارق طبقية وغير ذلك؛ إذ هي كما قلت سلاح في يد المرأة تستخدمه للحفاظ على نفسها إذا تعسَّف أهلها في تزويجها من شخص لا يناسبها, كما أنها سلاح في يد الأولياء حتى لا تندفع البنت في الارتباط بشخص قد يكون حسن المنظر ولكنه سيئ المخبر.

الخلاصة

الخلاصة: 1- يوجب الفقهاء في صيغة العقد تعيين الزوج والزوجة تعيينًا تامًّا. 2- يذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا موانع من الزواج لكلٍّ من الذكر والأنثى من جهة السن أو العقل أو الرشد إلّا في حالات خاصة. 3- لا يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة مشركة أو لا تنتمي إلى دين سماويٍّ، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير مسلم بأيِّ حالٍ للنص القرآني الصريح {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ... وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ... } والمراد بالمشركات في هذه الآية: غير نساء أهل الكتاب. لكن لا ينبغي للمسلم أن يترك النساء المسلمات ويتزوج من أهل الكتاب. 4- الموانع الصحية: هي عبارة عن تلبس أحد زوجي المستقبل بأحد الأمراض التي تنفر الطرف الآخر منه لو علم بها قبل إنشاء عقد الزواج. 5- الأمراض المعول عليها, والتي تعطي أحد الزوجين الحق في المطالبة بفسخ العقد, سواء قبل الدخول وبعده, منها عيوب خاصة بالرجال، ومنها عيوب خاصة بالنساء، ومنها عيوب مشتركة بين الرجال والنساء. 6- الأصل في الموانع الشرعية الآيات "22، 23، 24" من سورة النساء. وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها, ولا بين المرأة وخالتها"، وقوله: "إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة". المحرمات من النساء قسمان: أولًَا: المحرمات على التأبيد وهن ثلاثة أنواع: 1- المحرمات من النسب: وهن سبعة أصناف:

"الأمهات - البنات - الأخوات - العمات - الخالات - بنات الأخ - بنات الأخت". 2- المحرمات من الرضاع: الأمهات المرضعات, والأخوات من الرضاعة. 3- المحرمات بالمصاهرة: وهن أصناف أربعة: "أمهات زوجاتك - بنات زوجاتك اللاتي دخلت بهن - زوجات الأبناء - زوجات الأب". ثانيًا: المحرمات على التأقيت وهن أنواع متعدة نذكر منها: 1- المشغولة بحق الغير: وهي المتزوجة والمعتدة من طلاق أو وفاة. 2- الجمع بين محرمين: وهما كل امرأتين بينهما قرابة محرمية, وهذا النوع ينتظم صنفين: أ- الجمع بين الأختين. ب- الجمع بين المرأة وعمتها, أو بينها وبين خالتها. 3- المطلقة ثلاثًا. 4- الزيادة على الأربع. إذا أرضعت المرأة طفلًا بلبن ناتج عن وطء رجل, حرم الطفل على الرجل وأقاربه كما يحرم من النسب. 8- اختلف الفقهاء لمن حق الكفاءة على أقوال:

حق للمرأة والأولياء معًا، أو حق للمرأة الثيب دون وليها، أو حق لله تعالى، أو حق للولي فقط، بل ذهب بعض العلماء إلى عدم عدم اعتبار الكفاءة في النكاح أصلًَا. 9- جمهور الفقهاء على أن الكفاءة معتبرة في جانب الزوج, وغير معتبرة في جانب الزوجة. 10- يرى جمهور الفقهاء أن الكفاءة ليست شرطًا في صحة النكاح, فهي حق يجوز تركه لو رضيت بذلك المرأة وأولياؤها. 11- اختلفت مواقف العلماء من الأمور المعتبرة في الكفاءة. 12- رأى بعض الفقهاء إعطاء الزوجة وأوليائها الحق في التمسك بالكفاءة وذلك لغاية سامية, وساعدهم على هذا الاتجاه ما نُقِلَ عن عددٍ من السلف أنهم كانوا يراعون ذلك, أو يدعون إليه باعتباره أمرًا واقعًا. 13- يلاحظ أن الكفاءة عند الجمهور ليست ضربة لازب, ولكنها سلاح في يد المرأة التي يراد تزويجها, كما أن بعضها سلاح في يد وليها.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- هل يصح تزويج الصغيرة التي لم تحض؟ اذكر الدليل على ما تقول. 2- وضح حكم تزويج كلٍّ من: أ- المجنون الكبير المطبق. ب- الغلام الصغير السليم, والغلام الصغير المجنون. د- السفيه المحجور عليه. 3- ما حكم زواج المسلم من النساء المشركات؟ وما الدليل على ما تقول؟ 4- ما المقصود بالموانع الصحية؟ وما الأمراض التي نعطي أحد الزوجين الحق في المطالبة بفسخ العقد قبل الدخول أو بعده؟ 5- وضح باختصار أقسام المحرمات من النساء. 6- وضح المقصود بالكفاءة. 7- هل الكفاءة حق للمرأة أو لوليها أم لله تعالى؟ 8- هل الكفاءة معتبرة في جانب الزوجة أم في جانب الزوج؟ 8- هل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟ وهل يبطل بفقدانها؟ 10- وضح مواقف العلماء من الأمور المعتبرة في الكفاءة. 11- رأى بعض الفقهاء إعطاء الزوجية وأوليائها الحق في التمسك بالكفاءة. وضح ذلك مبينًا ما الذي ساعدهم على هذا الاتجاه. 12- وضح نظرة الجمهور إلى الكفاءة.

المراجع المساعدة

المراجع المساعدة: 1- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الوهاب خلاف, ص21-74، 124-130. 2- الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بين مذاهب أهل السنة.. والشيعة: لمحمد حسين الذهبي, ص52-152. 3- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الرحمن تاج, ص13-193. 4- المفيد في الفقه الإسلامي: لعبد الرحمن العدوي, ص20-170.

الباب الثالث: الحقوق المترتبة على العقد مدة الحياة الزوجية

الباب الثالث: الحقوق المترتبة على العقد مدة الحياة الزوجية مدخل ... الباب الثالث: الحقوق المترتبة على العقد مدة الحياة الزوجية ونريد أن نشير في هذا الباب إلى الآثار الناشئة عن عقد النكاح إذ هو عقد كسائر العقود، بل هو أكرم العقود, لما يترتَّب عليه من حقوق لِكِلَا الطرفين, وتتميز هذه الحقوق عن بقية الحقوق التي تنشأ عن العقود الأخرى, وذلك بأن استيفاءها يقوم على المكارمة والمسامحة والرغبة في الوفاء من خلال المودة وحسن المعاشرة، وذلك بخلاف الاستيفاء في العقود الأخرى التي تقوم على المشاحة والمغالبة والمماطلة. إن طبيعة هذا العقد تختلف عن طبيعة أكثر العقود؛ إذ به تنشأ الأسر وتترابط الجماعات, ثم تتكون من خلال ذلك الشعوب والأمم. أما معظم العقود الأخرى فهي تحكم علاقة وقتية تنتهي بمجرد انتهاء آثارها, فقد تنتهي في لحظاتٍ كعقد البيع، أو شهور أو سنوات كعقد الإجارة، بخلاف عقد النكاح فإن آثاره تمتد إلى أجيال وأجيال، وسنحاول أن نتناول هذه الحقوق في فصلين: نخصص الأول منهما للحقوق التي يقتضيها العقد بالنسبة للطرفين؛ حيث نتكلم عن حقوق الزوج نحو زوجته, وحقوق الزوجة نحو زوجها, ومعلوم أن الواجبات على أحدهما تكون بمثابة حقوق للطرف الآخر. أما الآخر فسنتناول فيه الحقوق الناشئة عن الاشتراط في العقد لمصلحة أحد الطرفين, ومدى شرعية الوفاء بهذه الشروط.

الفصل الأول: الحقوق التى يقتضيها العقد

الفصل الأول: الحقوق التى يقتضيها العقد مدخل ... الفصل الأول: الحقوق التي يقتضيها العقد الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- حقوق الزوجة على زوجها, والتي تتمثل فيما يلي: - النفقة وما يتعلق بها من أحكام. - المعاشرة بالمعروف وآدابها. - حق الرعاية والتوجيه وما يتعلق به من أحكام. - العدل في معاشرة الزوجة أو الزوجات. 2- حقوق الزوج على زوجته, والتي تتمثل فيما يلي: - الدخول في طاعته, وتقديم حقه في الطاعة على حق أبويها في ذلك. - إجابته إذا دعاها إلى فراشه، وألّا تصوم تطوعًا وهو حاضر إلّا بإذنه. - عدم الإذن في داره لأحد إلّا بإذنه. - خدمته بما جرت له العادة. - أن لا تؤجر نفسها لعمل إلّا بإذنه. - تجنيبه ما يكره في ثوبها وبدنها، وحسن التبعل له.

المبحث الأول: حقوق الزوجة على زوجها

المبحث الأول: حقوق الزوجة على زوجها المطلب الأول: النفقات المراد بنفقة الزوجة: ما تحتاج إليه من طعام وكسوة ومسكن وأثاث وخدمة وكل ما يلزمها بالمعروف. دليل مشروعيتها: قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ... } الآية1، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله ... ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم. ولأنها محبوسة على الزوج مشغولة بمصالحه, مما يمنعها من التصرف والاكتساب, فوجبت نفقتها عليه ولو كانت ذمية من أهل الكتاب، عملًا بالأصل العام: كلُّ من حُبِسَ لحقِّ غيره ومنفعته فنفقته على من احتبس لأجله. وقد أجمع علماء المسلمين على ذلك2.

_ 1 سورة الطلاق الآية: 7. 2 كشاف القناع جـ5/ 460.

معيارها: هي نفقة الكفاية بحسب ما يصلح لمثلها مع مثله بالمعروف, لقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه لهند زوجة أبي سفيان حين شكت شحَّه وبخله: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 1, وهي تختلف باختلاف حال الزوجين يسارًا وإعسارًا. واختلف هل يعتبر في تقديرها حال الزوج وحده من اليسار والإعسار، فيفرض له إن كان موسرًا نفقة الموسرين ولو كانت غنية؟ أم أن المعتبر حال الزوجين معًا, فإن كانا موسرين فنفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة أمثالهما من الفقراء، وإن كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا فنفقة الوسط؟ خلاف بين أهل العلم، والراجح هو القول الأول، وهو مقتضى قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ} ، ولأن الله تعالى فرَّق بين الموسر والمعسر في الإنفاق، ولم يبين ما فيه التفريق, فوجب الرجوع إلى العرف، وأهل العرف يتعارفون فيما بينهم أن جنس نفقة الموسرين أعلى من جنس نفقة المعسرين، ويعدون المنفق من الموسرين من جنس نفقة المعسرين بخيلًا2. شروط وجوب النفقة على الزوج: 1- صحة عقد الزواج, فليس على المسلم نفقة في زواج فاسد أو باطل. 2- صلاحية الزوجة للمعاشرة الزوجية. 3- أن لا يفوت على الزواج حقه في احتباس الزوجة بغير مبرر شرعي, وبسبب ليس من جهته.

_ 1 متفق عليه. 2 كشاف القناع جـ5/ 460.

ما يراعى في حالة فرض النفقة: 1- كفاية الزوجة مع مراعاة حال الزوج من اليسار والإعسار. 2- مراعاة حال البلد الذي يقيمان فيه؛ من كونها حاضرة يعيش أهلها على الناعم من المطعم والكسوة, أو بادية يأكل أهلها الخشن من الطعام ويلبسون الغليظ من الثياب. 3- غلاء الأسعار ورخصها حين العقد. 4- إذا احتاجت الزوجة إلى من يخدمها لكون مثلها لا يخدم نفسها ولا خادم لها, لزمه خادم لها لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وتلزمه نفقة الخادم وكسوته بقدر نفقة الزوجين الفقيرين. 5- إن لم تكن الزوجة أهلًا للإخدام أو كانت أهلًا له, ولكن كان الزوج فقيرًا فعليها الخدمة داخل المنزل، ولو كانت غنية ذات قدر؛ من غسل ثياب وعجن وكنس وفرش وطبخ له لا لضيوفه, بخلاف الخياطة ونحوهما مما هو من التكسب عادةً فلا تجب عليها1. نفقة المطلقة الرجعية أيام عدتها: يحب للمطلقة الرجعية النفقة من مطعم وملبس ومسكن كالزوجة سواء لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 2 وكذلك ما لا بُدَّ منه من للنظافة العادية؛ إذ لا يمكن لأحد الاستغناء عنه. وكذلك المطلقة طلاقًا بائنًا بفسخ أو طلاق إن كانت حاملًا لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 3 إذ الحمل ولده, والإنفاق عليه دونها متعذر, فوجبت لها النفقة كما وجبت لها أجرة الرضاع4.

_ 1 الشرح الكبير جـ2/ 511. 2 سورة البقرة الآية: 228. 3 سورة الطلاق الآية: 60. 4 كشاف القناع جـ5/ 464، 465.

بم تسقط النفقة؟ 1- لا نفقة لناشز: لا تجب النفقة للزوجة الناشز غير الحامل؛ لأن النفقة في مقابل الاستمتاع وما يتعلق بذلك من منافع متبادلة، والنشوز لا يتحقق معه ذلك, فإن كان لها ولد منه أعطاها نفقة ولدها إن كانت هي الحاضنة له أو المرضعة له؛ لأن نفقته بسبب القرابة وهي موجودة مع نشوز أمه، ويعطيها أجرة رضاعها إن طالبت بها لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 1. والنشوز معصية الزوج والخروج على طاعته في غير معصية, ويكون ذلك بامتناعها من فراشة أو من انتقالها معه إلى مسكن مثلها, أو بخروجها من منزله بغير إذنه, أو بسفرها, أو انتقالها من منزله بغير إذنه, أو أبت السفر معه دون شرط سابق بعدمه2. عسر الزوج بالنفقة: إن أعسر الزوج بنفقتها -الشاملة للكسوة والمسكن- الواجبة أو ببعضها، وأمكنه تحصيل نفقة المعسر, أجبرت على البقاء معه, أما إذا أعسر عن نفقة المعسر أيضًا فإن لها أن ترفع أمرها للقضاء لفسخ العقد على التراخي عند الحنابلة، أو يطلق عند المالكية بعد أن يؤجله مدة لعله يستطيع تحصيل ما ينفقه عليها. ويزيد في مدة التأجيل إن كان مسجونًا أو مريضًا, إن رجي الخروج من السجن أو البرء من المرض قريبًا, وإلا طلق عليه كما يطلق على الغائب إذا لم يترك لزوجته نفقتها، فإن علم له موضع وكان قريبًا على أقل من عشرة أيام، فإنه يعطي فرصة باجتهاد الحاكم بعد محاولة الاتصال به وإعلامه, فإن لم يحضر ولم يبعث نفقتها طلقها عليه3.

_ 1 سورة الطلاق الآية: 6. 2 الشرح الكبير جـ2/ 514، وكشاف القناع جـ5/ 467. 3 الشرح الكبير جـ2/ 514، وكشاف القناع جـ5/ 467.

فإن كان للغائب مال وحلفت أنها لم تتسلم نفقتها منه قبل سفره أنفق عليها الحاكم من ماله، ولها أن تطالبه بنفقتها مدة سفره ليدفعها لها معجلة حتى يقدم, أو يقيم لها كفيلًا يتولى الإنفاق عليها حتى يرجع1. فائدة في نفقة الوالدين والولد مع المقارنة بنفقة الزوجة: تجب نفقة الوالدين وإن علوا لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 2، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، ولقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} 3, ومن الإحسان القيام بكفايتهما عند حاجتيهما, ولقوله -صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" 4 وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال لهما نفقتهما واجبة في مال الولد. وتجب نفقة الولد وإن سفل لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 5 حتى يبلغ الذكر عاقلًا قادرًا على الكسب، والأنثى حتى يدخل بها. وهذه النفقة بالمعروف بحسب ما يليق بهم -أي: الفروع والأصول- من الحلال إذا كانوا فقراء, ولكن هذه النفقة لا تجب في مال الشخص إلّا إذا فضلت عن نفقته ونفقة زوجته في يومهم الحاضر, وكذلك لا تجب نفقة أصوله وفروعه -فضلًا عن غيرهما من أقاربه- من ثمن البضاعة التي يتاجر بها, ولا من ثمن ما يملكه من عقاره ولا من

_ 1 الشرح الكبير جـ2/ 520. 2 سورة الإسراء الآية 23. 3 سورة لقمان الآية: 15. 4 وهو صحيح، أبو داود 3528، الترمذي 1358، النسائي 7/ 240، ابن ماجه 2290 وقال الترمذي: حسن صحيح. 5 سورة البقرة الآية: 233.

ثمن آلة عمله التي يتعايش منها لحصول الضرر بذلك, لفوات ما يتحصل منه قوته وقوت زوجته، لكنه يجبر على العمل إن كان قادرًا على التكسُّب لكي ينفق على زوجته ووالديه وأولاده. وعلى ذلك يبدأ الإنسان بالإنفاق على نفسه، فإن بقي شيء فعلى زوجته, ثم على ابنه, ثم على أبويه إذا كان الجميع في حاجة، لكنه يقدم من كان حاجته أشد. ومن نفقة الصغير دفع أجرة الظئر1 التي ترضع الولد إن لم يكن للولد مال, فإن كان له مال فنفقة الصغير في مال نفسه، وتختص نفقة الصغير بالأب دون غيره, لقوله جل شأنه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 لكن نفقة الظئر خاصة بالحولين لا ما زاد عنهما إلّا أن يتضرر الصغير بترك الرضاع في هذه السن. وعلى الشخص إعفاف من تلزمه نفقته من أبٍ وأولادٍ إن احتاجوا إلى ذلك وليس لهم ما يتزوجون به. وتقدَّر نفقة من ذكر من الأصول والفروع بقدر نفقة الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن بقدر العادة.

_ 1 الظئر: المرضعة. 2 سورة البقرة الآية: 233.

المطلب الثاني: المعاشرة بالمعروف

المطلب الثاني: المعاشرة بالمعروف المعاشرة بالمعروف: هي الصحبة الجميلة بين الزوج والزوجة، وأن يكف كل منهما عن الآخرة أذاه, وأن يمطله بحقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة عند أدائه, بل يبذل ببشر وطلاقة ولا يتبعه منَّةً ولا أذى، لأن هذا من المعروف المأمور به. والأصل في هذا قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1 وقوله جل شأنه:

_ 1 سورة النساء الآية: 19.

{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1. وقوله -صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم. وقال -عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي" 2 فعلى المسلم أن يكون لطيفًا في معاملة زوجته, رحيمًا في محاولة إصلاحها وتقويمها, وألا يشتد في هذا التقويم حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه, فقد قال -عليه الصلاة والسلام: " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة, فإن ذهبت تقيمها كسرتها, وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج" متفق عليه. ويمكن إجمال المعاشرة بالمعروف فيما يلي: 1- التزين للزوج: قال ابن عباس -رضي الله عنه: "إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف -أي آخذ- كل حقي الذي لي عليها, فتستوجب حقها الذي لها عليّ؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: زينة من غير مأثم. وعن ابن عباس أيضًا: أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن. ويستفاد من كلام ابن عباس -رضي الله عنهما, أنه يستحسن أن يتزين الرجل لزوجته, وإن كان يختلف من شخص لآخر, ومن الشباب إلى الشيوخ, ومن عصر إلى عصر, ومن بيئة إلى أخرى، فالمهم أن يتزين لها بالزينة التي تليق به في سنه وفي وضعه الاجتماعي كي تستلطفه وتشعر باهتمامه بها.

_ 1 سورة البقرة الآية: 228. 2 الترمذي 3895، الدارمي 2/ 159، وابن حبان في صحيحه 4177، وإسناده صحيح.

قال الإمام القرطبي: فإنما يعمل اللائق والوفاق ليكون عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن غيره من الرجال. 2- إذا دعي للدخول والبناء بها وكان بالغًا وكانت هي مطيقة للوطء فعليه إجابتها لذلك بعد أن يمهل مدةً لتجهيز نفسه بما يناسب حاله، وإلّا وجب عليه أن ينفق عليها وهي في دار أهلها، وقد تقدَّم تفصيل ذلك. 3- الإذن لها بزيارة والديها, ولاسيما إذا كانت بهما ظروف تقتضي ذلك، وألَّا يمنعهما من الدخول عليها، وكذلك لا يمنع أبناءها من غيره من الدخول عليها, وإن حلف بعدم دخول والديها عليها فإن عليه أن يحنث ويكفر عن يمينه, وكذلك إذا حلف بألا تزور والديها. ويقضي لها بالخروج وزيارة والديها إن كانت مأمونة ولو شابة, وهي محمولة على الأمانة حتى يظهر خلافها. ويقضي للصغار من أولادها من غيره بزيارتها كل يوم للتفقد حالهم, وللكبار من أولادها. 4- أن يجهز لها سكنًا يناسب حالها بعيدًا عن أهله إذا امتنعت عن السكنى مع أهله في دار واحدة, ولو لم يثبت تضرر لها منهم بمشاجرة أو غيرها. ويستثنى من ذلك إذا اشترط عليها السكنى مع أهله فليس لها الامتناع. ولها أن تمتنع عن السكنى مع ولده الصغير من غيرها -والكبير أولى, إن كان له حاضن غيرها يحضنه, وإلَّا فليس لها الامتناع من ذلك, سواء علمت به حال البناء أم لا, وكذلك الزوج1. 5- الوفاء لها بالشروط التي اشترطتها عليه في العقد، مثل عدم السفر بها أو لا يخرجها من بلدها, وغيرها من الشروط التي لا تناقض مقتضى العقد, ولا تلك التي نهى عنها الشارع, والتي سنفصل فيها القول في مبحث الاشتراط في العقد. 6- عدم العزل عنها إلّا بإذنها؛ لأن لها حقًّا في الولد وكمال المتعة مثله, فلا يعزل عنها إلا بإذنها.

_ 1 الشرح الكبير جـ2/ 512، 513.

المطلب الثالث: ولاية التوجيه

المطلب الثالث: ولاية التوجيه لقد منح الله الزوج باعتباره رب الأسرة القوامة عليها, والزوجة أحد أفراد هذه الأسرة تشملها هذه الولاية, وهذه الولاية تكاد تكون فطرية؛ لأن أيَّ مجتمعٍ مهما صغر شأنه وقلَّ عدده، لا بُدَّ فيه من فردٍ توكل إليه مهمة تدبير شأن هذا المجتمع، ورعاية شئونه، والقيام على حمايته، وتوجيه من ينشر عن الالتزام بواجباته, أو يخرج عن الإطار المنظم لحياته, لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} 1. ولما كان الرجل قد كُلِّفَ بمسئولياتٍ كبارٍ قبل هذا المجتمع الصغير, سواء كان ذلك بتكليفه بتجهيز المكان الذي ستقيم به هذه الأسرة، وتجهيز كل الاحتياجات التي يصلح بها المكان لمعيشة هذه الأسرة، ثم الالتزام بالإنفاق عليها, وحمايتها في مدة بقائها في المنزل أو ظعنها عنه، كان هذا الرجل أحق أفراد الأسرة بأن توكل إليه هذه المهمة, لكن في إطار الشريعة الإسلامية، قال جلَّ شأنه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} 2 وسيأتي تفصيل الكلام في موضعين: أحدهما قبيل الكلام عن الطلاق، والآخر في قضية القوامة إن شاء الله تعالى.

_ 1 سورة التحريم الآية: 6. 2 سورة النساء الآية: 34.

المطلب الرابع: العدل في معاشرة الزوجة أو الزوجات

المطلب الرابع: العدل في معاشرة الزوجة أو الزوجات الفرع الأول: قسم الرجل من نفسه لزوجه المراد من القسم هنا: تخصيص الرجل جزءًا من وقته للخلوة الشرعية بأهله, وذلك بأن يبيت معها ليلًا إذا كان يعمل نهارًا، فإن كان عمله ليلًا كالحراس مثلًا, فإنه يخصص لها نهارًا أو بعضه. وكذلك الحال بالنسبة لمن كان له أكثر من زوجة، فإنه يجب عليه أن يخصص لكلِّ واحدة منهن وقتًا يتفرغ لها فيه، ولا يجوز له أن ينشغل عنها بأعماله أو تهجده أو غير ذلك. ويرى جمع من الفقهاء أن هذا القسم واجب يأثم بتركه، ويخاطب بهذا الحكم كل رجل متزوج؛ سواء كان صحيحًا أم مريضًا، رجلًا سويًّا أم عنينًا, وفي الجملة أيًّا كانت حالة الرجل فإنه يجب عليه أن يقسم لأهله من نفسه. وهذا القسم حق للزوجة؛ سواء كانت صحيحة أم مريضة, مطيقة للوطء أو غير مطيقة، حائضًا أم خالية من الحيض, مسلمة أم ذمية، فإنه يحق لها المطالبة بذلك.

كيفية هذا القسم عند هذا الفريق: أن يجعل الرجل للمرأة ليلة على الأقل من أربع ليالٍ على افتراض أنه متزوج من أربع؛ حيث يؤمر بالمبيت معها ليلة, ثم إن إراد أن يفرغ بقية أيامه لأعماله وما يشغله فلا بأس. وإن كانت له زوجتان فإنه يبيت مع كل واحدة منهما ليلة, ثم يتفرغ في اليومين الآخرين إن شاء وهكذا. وبذلك يقول الحنابلة وأبو حنيفة في رواية محمد بن الحسن عنه, وكذلك يروى عن الثوري وأبي ثور1. ويرى مالك أنه إن ترك القسم لأهله من نفسه مضارة ولا علة به فإنه لا يترك حتى يجامع أو يفارق على ما أحب أو كره لأنه مضار2. وفي ظاهر الرواية عند الحنفية: لا يتعين حقها في يوم وليلة من كل أربع, ولكن يؤمر الزوج بأن يراعي قلبها ويبيت معها أحيانًا3. وفي المهذب عند الشافعية: لا يجب القسم؛ إذ هو حقه فجاز له تركه. أما أدلة من يرى وجوب القسم فمن أهمها: 1- حديث عائشة -رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"4. 2- قوله -صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله, ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا

_ 1 المغني جـ7/ 28، وكشاف القناع جـ5/ 191، والمبسوط جـ5/ 221. 2 المدونة جـ4/ 271. 3 المبسوط جـ5/ 221. 4 سنن أبي داود جـ1/ 491، والترمذي جـ4/ 294، والنسائي 7/ 64، وابن ماجه ج1971 والصواب أنه مرسل قاله النسائي والترمذي.

رسول الله قال: فلا تفعل، صم وأفطر, وقم ونم, فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا وإن لزوجك عليك حقًًّا"1. 3- تنفيذ عمر -رضي الله عنه- لقضاء كعب بن سوار حين قضى بذلك: فقد جاءت امرأة إلى عمر -رضي الله عنه- وقالت: إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فقال: نعم الرجل زوجك وأثنى عليها، فأعادت كلامها مرارًا, وفي كل مرة يجيبها عمر بهذا، فقال كعب: يا أمير المؤمنين, إنها تشكو من زوجها في أنه هجر من صحبتها, فتعجب عمر من فطنته وقال: اقض بينهما, فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم, قال كعب: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن، وأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن, ولها يوم وليلة، فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب إلى من الآخر, اذهب فأنت قاضٍ على البصرة2. قال صاحب المغني: هذه قضية انتشرت فلم تنكر فكانت إجماعًا3. ويستدل للفريق الذي لم ير وجوب القسم للزوجة, بل ترك ذلك لإرادة الرجل ورغبته بأن العنين -وهو الذي لا يأتي النساء- يؤجل سنة من يوم أن خاصمته زوجته, فإن أتاها وإلّا فرق بينهما4. وكذلك في آية الإيلاء: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فقد وقَّتَ الله تعالى للمولي من زوجته أربعة أشهر, فإن لم يأتها خلالها وإلا طلقت عليه, فلو كان القسم يوم من كل أربعة أيام لما جعل لعنين سنة, ولما جعل للمولي أربعة أشهر.

_ 1 متفق عليه. 2 طبقات ابن سعد 7/ 252، مصنف عبد الرزاق 7/ 148. 3 المغني جـ7/ 29. 4 المصنف لعبد الرزاق جـ6/ 253، 254.

ويضاف إلى ما تقدَّم: الضرورات الكثيرة التي تعرض للرجال وتدفع بهم بعيدًا عن زوجاتهم؛ كالحج والغزو وزيارة الوالدين البعيدين والسفر للعمل في البلاد الأجنبية الشهور والسنين, وغير ذلك, فلا يستقيم هذا التقسيم مع هذه الضرورات. بعد أن أوجزنا وجهة الفريقين فيما مضى نحاول أن نجمع بين الرأيين، وذلك بالمصير إلى ما ذهب إليه الفريق الأول في حالة الاختيار, وفي حالة الاضطرار إلى ما ذهب إليه الفريق الثاني. فإذا كانت الظروف مهيأة للقاء الزوجين, وليس هناك مانع من قِبَلِ أحدهما أو غيرهما, فإنه يحكم على الزوج بتخصيص ليلة من أربع ليالٍ لزوجته, وإن لم يجب واستمرَّ في تعنته, فإنه ينذر من جهة القاضي بأنه إن لم يقسم لأهله فإنه سيفرق بينهما, ويضرب له القاضي أجلًا, وإلا طلق عليه للضرر. أما إذا وجد ظرف قاهر يحول دون تحقق القسم الذي يقول به الفريق الأول, وذلك بأن كان الزوج ذا أسفار ولا يمكن حمل زوجته معه, أو كان مريضًا أو مسنًّا أو نحو ذلك من الظروف، فحينئذ يمكن المصير إلى ما يقول به الفريق الثاني, وهو أمره بالفيئة إلى أهله دون تحديد وقت معين, والله أعلم1. الفرع الثاني: عدل الرجل بين زوجاته يجب على الرجل أن يعدل بين زوجتيه أو زوجاته, لحديث عائشة السابق، وكذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه: "إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط" -تفرد برفعه همام.

_ 1 لمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى كتاب تعدد الزوجات ومعيار العدل بينهن في الشريعة الإسلامية. دار الاعتصام بالقاهرة, بالإضافة إلى المراجع السابقة في المواضع المشار إليها فيها.

قال الترمذي نقلًا عن الإمام البخاري: وحديث همام أشبه وهو ثقة حافظ1. ثم حديث عائشة عند البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه ... الحديث2. العدل في ألوان المعيشة المادية: يذهب الحنابلة والمالكية إلى أن الرجل يجب عليه القيام بكل ما يلزم الزوجة أو أزواجه من مسكن مناسب ومطعم مناسب, وما يتبع ذلك من ألوان الترفيه كالفاكهة والحلوى ونحوهما, ولا يطالب بالتسوية المطلقة بينهما في ذلك, إلا إذا كان يقصد بعدم التسوية المضارَّة بإحداهن أو الميل إلى الأخرى. فإذا قام لكلٍّ بما يجب لها بقدر حالها, فلا حرج عليه أن يوسِّع على من شاء بما شاء3. أما الحنفية فيذهبون إلى وجوب التسوية في المطعم والملبس والمسكن وما يشتهى من ألوان الفواكه والزينة. ولكن المفتى به في مذهبهم هو عدم التسوية, بل تُعْطَى كل زوجة من الزوجتين أو الزوجات بقدر حالها4. فأما وجهة الفريق الأول: فهي أن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجب لم يمكن القيام به إلا بحرج, فسقط وجوبه كالتسوية في الوطء5.

_ 1 جامع الترمذي جـ4/ 495، ورواه أبو داود 2133، والنسائي 7/ 63، وابن ماجه 1969، وأحمد 2/ 471، ورواه ابن حبان في صحيحه 4207، والحاكم 2/ 186 وصححه على شرطهما. 2 متفق عليه. 3 حاشية البناني جـ4/ 55 على شرح عبد الباقي الزرقاني دار الفكر بيروت. والمغني جـ7/ 32. 4 بدائع الصنائع جـ5/ 1547، مطبعة الإمام وحاشية ابن عابدين جـ3/ 202، دار الفكر بيروت. 5 المغني جـ7/ 32.

وأما وجهة الفريق الثاني فهي الأمر العام بالعدل مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} إلا ما خص بدليل، وحديثه -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة المتقدم "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعدل بين نسائه في القسمة ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك, فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك". ولفظ العدل يشمل المبيت والنفقة. ونقول: إنه لا خلاف بين العلماء في أفضلية التسوية بين الزوجات فيما قدر عليه الزوج من النفقة وما إليها، لكنها لا تجب لضرورة عدم التساوي بين الزوجات في مدى الحاجة إلى النفقات وما إليها كمًّا وكيفًا بسبب عوامل كثيرة، من السن, والصحة، والمرض, وحال الزوجة من يسر وعسر, وما معها من أولاد, وهل هي مرضع أو حامل، وغير ذلك من العوامل التي تحتاج إلى رعاية خاصة من الزوج بظروف كلِّ زوجة من زوجاته, إلى جانب واجبه العام نحوهن. أما القسم في البيتوتة فهو محل إجماع من العلماء, لكن القسم يكون بحسب ظروف الزوج لكل واحدة ليلة أو ثلاث ليالٍ، وإن كان بعضهم لا يجيز الزيادة على ليلة واحدة, وعماد القسم يكون بالليل ويكون النهار تابعًا, إلا من كان عمله ليلًا فيكون القسم عنده بالنهار ويكون الليل تابعًا له1.

_ 1 البناني على شرح الزرقاني جـ4/ 57، والمغني جـ7/ 27، ومغني المحتاج جـ3/ 255، والمبسوط جـ5/ 219.

المبحث الثاني: حقوق الزوج

المبحث الثاني: حقوق الزوج حقوق الزوج المتولدة عن العقد كثيرة, لكننا نقتصر على ما هو الأهم من هذه الحقوق مراعاةً لظروف منهج هذه المادة. ومن أهم هذه الحقوق: 1- الدخول في طاعته والانتقال إلى بيته وتمكينه من نفسها، إلا لشرط أن تقيم في بيتها ويأتيها إذا أرادها فيسن له الوفاء بهذا الشرط. لكن هذا الواجب مقيد بإمكان الاستمتاع بالزوجة, وقد حدَّد بعض العلماء إمكان الاستمتاع بتسع سنوات, فإذا بلغت الزوجة تسعًا وطلبها زوجها وجب تسليمها إليه وليس لأهلها حبسها عنه وذلك: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين"1. وذهب بعضٌ آخر من الفقهاء إلى أن ذلك مقيد بكونها تطيق الوطء, وإلا فلا يجب تسليمها إليه. فإن كان بالمرأة مانع مؤقت يمنع جماعه لها؛ كإحرام أو مرض أو سفر وحيض, فلا يلزم الأب تسليمها إلا بعد زوال هذا المانع. لكن كما أشرنا من قبل إذا طلب أهلها إمهالهم مدة قصيرة لتجهيزها, فإنه يمهلهم هذه المدة كما سبق أن أشرنا إلى أنه إذا طلبوه لتسلم زوجته فإنه يمهل مدة تتناسب مع ظروفه حتى يجهز نفسه2.

_ 1 سبق تخريجه. 2 كشاف القناع جـ5/ 185، 186.

2- يجب أن تصحبه في السفر إذا طلبها للسفر معه أو اللحوق به في بلد غير بلدها؛ لأن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسافرون بنسائهم في الغزوات وغيرها, لكن ذلك مقيد بالأمن في السفر, فإن كان الطريق أو البلد الذي يريدان السفر إليه مخوفًا وتخشى على نفسها منه فليس له أن يسافر بها كرهًا عنها لحديث "لا ضرر ولا ضرار"، ويتبين ذلك بالعرف، لكن إن وافقت مع هذه المخاطر على السفر مع زوجها أو اللحاق به فلها ذلك1. 3- ليس لها الخروج من داره بغير إذنه ولو لزيارة والديها أو ولدها من غيره، وإن كان لا يجوز أن يمنعها من زيارتهما أو زيارة ابنها من غيره، لكن لا بُدَّ من إذنه, فإن لم يأذن رفعت أمرها للقضاء ليقضي لها بزيارة أبويها، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك بشيء من التفصيل في أثناء الحديث عما يجب على الزوج لزوجته. وأولى من ذلك خروجها لزيارة غيرهما, فإن خرجت بغير إذنه كانت ناشزًا وتقدَّم ذلك. 4- طاعة زوجها إذا طلبها للاستمتاع في أيِّ وقتٍ وعلى أيٍّ صفة كانت, ما دام الجماع في القبل؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها, فليس له ذلك ولا يجب عليها إجابته لذلك. ولا يجوز للمرأة تطوع بصيام وزوجها حاضر إلّا بإذنه، لقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلّا بإذنه, ولا تأذن في بيته إلّا بإذنه, وما أنفقت من نفقة بغير إذنه فإنه يرد إليه بشطر" 2. لكن يحرم جماعها في الحيض أو النفاس إلّا بعد أن تطهر منهما, قال تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3.

_ 1 كشاف القناع جـ5/ 187. 2 متفق عليه. 3 سورة البقرة الآية: 222.

وكذلك يحرم الوطء في الدبر لحديث: "إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن" 1، وكذلك حديث: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها" 2. وروى جابر -رضي الله عنه- قال: كان اليهود يقولون: إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} من بين يديها ومن خلفها, غير أنه لا يأتيها إلّا في المأتى. متفق عليه. وفي روايةٍ: إيتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج, فإن فعل في الدبر عوقب على ذلك، وإن تطاوعا عليه عوقبا، بل ذهب بعض العلماء إلى التفريق بينهما إن نهيا فلم ينتهيا, كما يفرق بين الفاجر وما يفجر به3. 5- الاغتسال من الجنابة إذا كانت بالغةً مسلمة دون الذمية, لكن يجب على الذمية الاغتسال من الحيض والنفاس وله جبرها عليهما إذا امتنعت منهما. 6- إزالة النجاسة أو أيَّ شيء يعافه الزوج كشعر نبت في غير موضعه, ووساخة على بدنها أو ثوبها، ويجب عليها الأخذ من ظفرها إذا طال وتأذّى منه الزوج. 7- عدم تناول كل ما له رائحة كريهة؛ كبصل وثوم وكرات إذا كان الزوج يتأذّى من رائحته؛ لأن ذلك يمنع الاستمتاع. 8- خدمة زوجها على ما جرت به العادة من أمثالها بالمعروف في كل ما يحتاجه الزوج من الطبخ وغسل الثياب وما إلى ذلك, وكذلك خدمة نفسها إلّا أن يكون مثلها لا تخدم نفسها فعليه خادم لها، وتقدَّم ذلك.

_ 1 رواه الشافعي 1619، والنسائي في "عشرة النساء"، والبيهقي 7/ 196، وقال ابن الملقن: رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح، وصححه الشافعي. 2 النسائي في "عشرة النساء"، والترمذي 1165 وابن حبان في صحيحه، وحسنه الترمذي. 3 كشاف القناع جـ5/ 189.

9- لا يجوز أن تؤجر نفسها لعمل أو رضاع بغير إذن زوجها؛ لأنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة الشيء المؤجر, فأما مع إذن الزوج فإن الإجارة تصح ويلزم العقد لأن الحق لا يخرج عنها. فإن أجرت نفسها أو أجرها وليها قبل الزواج, ثم تزوجت, فلا يملك زوجها أن يفسخ العقد إلّا بعد أن تنتهي المدة المتعاقد عليها؛ لأن منافعها ملكت بعقد سابق على الزواج. 10- تقديم طاعة الزوج على طاعة الوالدين, فإذا تعارضت طاعة الزوج مع طاعة والديها قدمت طاعة زوجها, ولو أمرها والداها بفراق زوجها، فلا يلزمها إجابتهما.

الخلاصة

الخلاصة: 1- المراد بنفقة الزوجة: ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وكسوة ومسكن وأثاث وخدمة وكل ما يلزمها بالمعروف. 2- النفقة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع, وهي تختلف باختلاف حال الزوج يسارًا وإعسارًا. 3- شروط وجوب النفقة على الزوج: 1- صحة عقد الزواج, فليس على المسلم نفقة في زواج فاسد أو باطل. 2- صلاحية الزوجة للمعاشرة الزوجية. 3- أن لا يفوت على الزوج حقه في احتباس الزوجة بغير مبرر شرعي, وبسبب ليس من جهته. 4- ما يراعى في حال فرض النفقة: كفاية الزوجة وحال البلد وغلاء الأسعار ورخصها والحاجة إلى الخادم. 5- يجب للمطلقة الرجعية النفقة كالزوجة سواء، وكذلك تجب للمطلقة البائن بفسخ أو طلاق إن كانت حاملًا. 6- تسقط النفقة عن الزوجة الناشز غير الحامل. 7- إن أعسر الزوج بنفقتها الواجبة أو ببعضها, وأمكنه تحصيل نفقة المعسر أجبرت على البقاء معه, فإذا أعسر عن نفقة المعسر أيضًا فإن لها أن ترفع أمرها للقضاء ليفسخ العقد. 8- تجب نفقة الوالدين وإن علوا, كما تجب نفقة الولد وإن سفل. 9- المعاشرة بالمعروف: هي الصحبة الجميلة بين الزوج والزوجة.

ويمكن إجمالها في: التزين للزوجة، وإجابتها للدخول بها إذا دعي لذلك، ألا يمنعها من زيارة والديها وأولادها من غيره، وأن يجهز لها سكنًا يناسب حالها, والوفاء لها بالشروط التي اشترطتها عليه في العقد, وعدم العزل عنها إلّا بإذنها. 10- منح الله الزوج باعتباره رب الأسرة القوامة عليها وجعل له ولاية التوجيه. 11- يرى جمع من الفقهاء أن قسم الرجل من نفسه لزوجه أو زوجاته واجب يأثم الزوج بتركه, ثم اختلفوا بعد ذلك: أ- فذهب فريق إلى أن للمرأة ليلة على الأقل من أربع ليالٍ. ب- وذهب فريق آخر أنه لا يتعين حقها في يوم وليلة من كل أربعٍ, ولكن يؤمر الزوج بأن يراعي قلبها ويبيت معها أحيانًا. كيفية الجمع بين الرأيين: وذلك بالمصير إلى ما ذهب إليه الفريق الأول في حالة الاختيار, والمصير إلى ما ذهب إليه الفريق الثاني في حالة الاضطرار. 12- يجب على الرجل أن يعدل بين زوجتيه أو أزواجه. ولا خلاف بين العلماء في أفضلية التسوية بين الزوجات فيما قدر عليه الزوج من النفقة وما إليها, ولكنها لا تجب لضرورة عدم التساوي بين الزوجات في مدى الحاجة إلى النفقات وما إليها كمًّا وكيفًا. 13- حقوق الزوج: 1- الدخول في طاعته والانتقال إلى بيته وتمكينه من نفسها. 2- أن تصحبه في السفر إذا طلبها للسفر معه ما لم يكن السفر مخوفًا. 3- ليس لها الخروج من داره بغير إذنه. 4- طاعة زوجها إذا طلبها للاستمتاع.

5- الاغتسال من الجنابة إذا كانت بالغة مسلمة. 6- إزالة النجاسة أو أي شيء يعافه الزوج. 7- عدم تناول ما له رائحة كريهة إذا كان الزوج يتأذّى من ذلك. 8- خدمة زوجها على ما جرت به العادة من أمثالها بالمعروف. 9- لا يجوز أن تؤجر نفسها لعمل أو رضاع بغير إذن زوجها. 10- تقديم طاعة زوجها على طاعة والديها.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المراد بالنفقة شرعًا؟ وما دليل مشروعية نفقة الزوجة؟ 2- ما معيار نفقة الزوجة؟ 3- اذكر شروط وجوب النفقة على الزوج. 4- وضح ما يراعى في حال فرض نفقة الزوجة. 5- صل عبارات المجموعة الأولى مع ما يناسبها من المجموعة الثانية: 1- المطلقة الرجعية 1- تتوقف النفقة لها على رضا الزوج. 2- المطلقة البائن بفسخ أو طلاق 2- تجب لها النفقة كالزوجة سواء. 3- لا تجب لها نفقة لأنها بائن. 4- تجب لها النفقة إن كانت حاملًا. 6- وضح المقصود بنشوز الزوجة. 7- صل عبارات المجموعة الأولى مع ما يناسبها من المجموعة الثانية: 1- إن أعسر الزوج بنفقة زوجته الواجبة 1- لها أن ترفع أمرها للقضاء ليفسخ العقد, ولكن أمكنه تحصيل نفقة المعسر. 2- إن أعسر الزوج عن نفقة المعسر أيضًا 2- يمهله الحاكم سنة ليدبر النفقة 3- تجبر الزوجة على البقاء معه, وتجب نفقتها على أبيها أو أخيها. 4- تجبر الزوجة على البقاء معه 8- ما حكم نفقة الوالدين ونفقة الولد؟ وما الأدلة على ذلك؟

9- ما معنى المعاشرة بالمعروف بين الزوج والزوجة؟ وما دليل مشروعيتها؟ 10- وضح باختصار آداب المعاشرة بالمعروف. 11- ما المراد بقسم الرجل من نفسه لزوجه أو زوجاته؟ وما حكمه؟ 12- وضح كيفية هذا القسم عند من قال بوجوبه؟ 13- هناك رأيان مختلفان في كيفية قسم الرجل من نفسه لزوجه. وضح كيف يمكن الجمع بينهما. 14- وضح أدلة وجوب عدل الزوج بين زوجتيه أو أزواجه، وهل تجب التسوية بينهما أو بينهن؟ 15- ما حكم قسم الرجل في البيتوتة بين زوجتيه أو أزواجه؟ 16- اذكر بإيجاز أهم حقوق الزوج؟ أجابات بعض الأسئلة: إجابة السؤال رقم5: "امع 2"، "2 مع 4". إجابة السؤال رقم7: "1 مع 4"، "2 مع 1".

الفصل الثاني: الاشتراط في العقد

الفصل الثاني: الاشتراط في العقد مدخل ... الفصل الثاني: الاشتراط في العقد الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا الفصل أن تحيط علمًا بما يلي: 1- كيفية تقسيم الفقهاء للشروط التي تشترط في عقد النكاح. 2- حكم كل قسم منها.

القسم الأول: ما يصح معه العقد والشرط

القسم الأول: ما يصح معه العقد والشرط وهذا بدوره ينقسم إلى قسمين: الأول: ما يقتضيه العقد كأن يشترط في العقد أن تسلم الزوجة نفسها إلى الزوج، أو يشترط أن تمكنه من الاستمتاع بها، أو أن يسلمها المهر، أو من حقها أن تنتفع بالمهر، أو أن يحسن عشرتها, أو أن يلتزم بنفقتها أو كسوتها, أو بالمسكن اللائق بهما, فاشتراط أمر من هذه الأمور وما يماثلها لا يضر العقد؛ لأنه مما يقتضيه العقد, بل يجب الوفاء بهذه الأمور ولو لم تشترط؛ لأنها من مقتضيات عقد النكاح1. الثاني: أن يشترط أحد الزوجين شروطًا فيها منفعة لأحد العاقدين كأن تشترط الزوجة زيادة معلومة في المهر، أو زيادة في النفقة الواجبة، أو أن يكون المهر من نقد معين، أو تشترط ألَّا يخرجها الزوج من دارها أو بلدها، أو ألا يسافر بها، أو ألَّا يفرِّق بينها وبين أبويها، أو ألَّا يفرِّق بينها وبين أولادها، أو على أن ترضع طفلها الصغير، أو ألَّا يتزوج عليها, فهذا الاشتراط صحيح, وإن كان يسنُّ الوفاء به عند الحنابلة ويستحب عند المالكية، لكنه لا يبطل العقد بعدم الوفاء به من قِبَلِ الزوج, ويكون من حق الزوجة أن تتمسك به وتطلب فسخ العقد لعدم الوفاء به في هذه الحالة2. وقد قال المالكية بكراهة هذا الشرط لما فيه من تحجير الزوج على نفسه ابتداءً، فإن وقع شرط استحب الوفاء به3.

_ 1 الشرح الكبير جـ2/ 317، وكشاف القناع جـ5/ 90، 91. 2 الشرح الكبير جـ2/ 306، 317، وكشاف القناع جـ5/ 91. 3 الشرح الكبير جـ2/ 306، 317.

القسم الثاني: ما لا يصح معه الشرط

القسم الثاني: ما لا يصح معه الشرط وهو قسمان: أحدهما: ما يبطل معه الشرط ويصح معه العقد وهو أن يشترط أحد الزوجين الخيار في عقد النكاح، أو في المهر، أو شرط أحدهما أو كلاهما عدم الوطء، أو عدم النفقة، أو أن يعزل عنها، أو شرطت ألّا تسلم نفسها إليه إلّا مدة معينة، أو شرطت عليه أن يسكن بها حيث شاءت أو حيث شاء أبوها أو غيره، أو أن تستدعيه إلى الجماع حيث شاءت هي، أو شرطت لها النهار وضرتها الليل أو العكس، ونحو ذلك مما لا يقتضيه العقد أو فيه مضرة للطرف الآخر, فإن العقد يصح ويبطل الشرط عند الحنابلة, وعند المالكية يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل ويلغى الشرط1. الثاني: ما يبطل معه العقد والشرط جميعًا ويمكن حصر ذلك في اشتمال العقد على شرط يتضمن أمرًا منهيًّا عنه من الشارع أو منافيًا لما يقتضيه العقد, ومن أمثلة ذلك ما يأتي: 1- أن يجعل بضع ابنته أو أخته مثلًا مهرًا لامرأة أخرى يتزوجها, وقد اشتهر هذا العقد باسم نكاح الشغار, سُمِّيَ بذلك لقبحه تشبيهًا له برفع الكلب رجله ليبول, وذلك بأن يتعاقدا على أن يزوج أحدهما الآخر وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما, سواء سكتا عنه أم شرطا نفيه، وهذا متفق على بطلانه2. وقد ورد النهي عنه صريحًا, فقد روى ابن عمر -رضي الله عنهما: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار" متفق عليه. والشغار: أن يزوج الرجل ابنته أو وليته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق.

_ 1 كشاف القناع جـ5/ 97، 98، والشرح الكبير جـ2/ 238. 2 الشرح الكبير جـ2/ 307، وكشاف القناع جـ5/ 93.

فإن سَمَّيَا مهرًا معلومًا مع البضع, مثل أن يقول: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة مائة, أو قال أحدهما: ومهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون, أو أقل منها أو أكثر, صح العقد عند الحنابلة1. أما المالكية فيمنعونه ويسمونه وجه الشغار, ويسمون الصورة الأولى صريح الشغار, ويوجبون في الصورة الأولى فسخ النكاح أبدًا, سواء عثر عليه قبل البناء أم بعده, وفي الصورة الثانية يفسخونه قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل2, وإن سمى لواحدة دون الأخرى أعطيت من سمى حكم وجه الشغار, وأعطيت الآخر حكم صريح الشغار3. 2- أن يشترطا في العقد أن الزوج متى أحل الزوجة المطلقة ثلاثًا لزوجها طلقها, أو فلا نكاح بينهما، أو نوى ذلك الزوج قبل العقد ولم يرجع عن نيته عند العقد, وقد اشتهر ذلك بنكاح التحليل أو المحلل وهو حرام غير صحيح4 لما روى ابن مسعود "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المحلِّلَ والمحلَّل له"5. وعند الشافعية قول وهو أن شرط التطليق لا يبطل النكاح ولكن يبطل الشرط والمسمى, ويجب مهر المثل, فإذا نكح من غير شرط وفي عزمه أن يطلق إذا وطئ كره ذلك وصح العقد, وحلت لزوجها الأول بوطئه6. 3- اشتراط التوقيت في العقد: وقد اشتهر ذلك بنكاح المتعة وسمي بذلك لأنه يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد معلوم أو مجهول مثل أن يقول: زوجتك ابنتي مثلًا إلى نهاية السنة, أو إلى انقضاء الموسم, أو شهرًا, أو يومًا، وقد روى سبرة قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة, ثم لم نخرج حتى نهانا عنه،

_ 1 كشاف القناع جـ5/ 93. 2 الشرح الكبير جـ2/ 309. 3 الشرح الكبير جـ2/ 309. 4 الشرح الكبير للدردير جـ2/ 258، والمحلى على المنهاج جـ3/ 247، وكشاف القناع جـ5/ 94. 5 الترمذي 1134، النسائي 3198، وأحمد 1/ 448، والبيهقي، وقال الترمذي: حسن صحيح. 6 المحلى في المنهاج جـ3/ 247.

رواه مسلم. ويفسخ العقد إن وقع ويعاقب الزوجان. وإن نوى الزوج بقلبه من غير لفظ فقد قال بجوازه بعض العلماء ومنعه آخرون1, وقد فصَّلنا القول فيه في ركن الصيغة في حكم النكاح المؤقت. 4- إذا اشترط في العقد ألّا يطأها, أو علَّق العقد على غير مشيئة الله تعالى في المستقبل؛ كقوله: زوجتك ابنتي إذا جاء رأس الشهر, أو إذا رضيت أمها, أو إذا رضي فلان ... وذلك لأنه عقد معاوضة فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع, وقد تقدَّم الكلام في تعليق العقد عند الكلام في صيغة العقد.

_ 1 كشاف الفناع جـ5/ 97، والشرح الكبير جـ2/ 238، 239.

الخلاصة

الخلاصة: 1- قسَّم الفقهاء الشروط التي تشترط في عقد النكاح إلى قسمين: الأول: ما يصح معه العقد والشرط, وهذا بدوره ينقسم إلى قسمين: أ- ما يقتضيه العقد: إذا اشترط في العقد ما يقتضيه العقد؛ كأن تسلِّمَ الزوجة نفسها إلى الزوج, أو يلتزم بنفقتها, فهذه الشروط لا تضر العقد, بل يجب الوفاء بها ولو لم تشترط؛ لأنها من مقتضيات العقد. ب- أن يشترط أحد الزوجين شروطًا فيها منفعة لأحد العاقدين: إذا اشترط أحد الزوجين شروطًا فيها منفعة لأحد العاقدين "زيادة في المهر أو النفقة الواجبة أو ألا يتزوج عليها" فيستحب الوفاء به, لكن لا يبطل العقد بعدم الوفاء به. الثاني: ما لا يصح مع الشرط, وهذا بدوره ينقسم أيضًا إلى قسمين: أ- ما يبطل معه الشرط ويصح معه العقد: إذا اشترطت أحد الطرفين ما لا يقتضيه العقد أو ما فيه مضرة للطرف الآخر, فهذا العقد يصح ويبطل الشرط. ب- ما يبطل معه العقد والشرط جميعًا: إذا كان العقد قد اشتمل على شرط يتضمن أمرًا منهيًّا عنه من الشارع أو كان منافيًا لما يقتضيه العقد مثل: "نكاح الشغار ونكاح التحليل واشتراط التوقيت في العقد" فحكمه أن يبطل العقد والشرط جميعًا.

أسئلة التقويم الذاتي

أسئلة التقويم الذاتي: 1- صل الأمثلة في المجموعة الأولى مع حكمها المناسب في المجموعة الثانية. مثال توضيحي: "1 مع ب" لأنه إذا اشترط في العقد زيادة معلومة في المهر أو النفقة الواجبة يصح العقد ويستحب الوفاء بالشرط, لكن لا يبطل العقد بعدم الوفاء به. الأمثلة الحكم 1- إذا اشترط في العقد زيادة معلومة في المهر أو النفقة الواجبة. أ- يجب الوفاء بهذا الشرط ولو 2- اشتراط التوقيت في العقد. لم يشترط؛ لأنه من مقتضيات 3- إذا اشترط في العقد ألا تسلم نفسها إليه إلا مدة معينة. العقد. 4- إذا اشترط في العقد أن تسلم الزوجة نفسها إلى الزوج ب- يصح العقد ويستحب الوفاء وتمكنه من الاستمتاع بها. بالشرط, لكن لا يبطل العقد 5- إذا اشترط في العقد عدم النفقة. بعدم الوفاء به. 6- إذا اشترط في العقد ألا يتزوج عليها. ج- يصح العقد ويبطل الشرط. 7- إذا اشترط في العقد أن يلتزم بنفقتها. د- يبطل العقد والشرط جميعًا. 8- نكاح الشغار. 9- إذا اشترط في العقد أن يسلمها المهر. 10- إذا اشترط في العقد ألا يفرق بينها وبين أبويها. 11- إذا اشترط في العقد عدم الوطء. 12- نكاح التحليل.

2- وضح المقصود بالآتي: أ- نكاح الشغار. ب- نكاح التحليل. جـ- نكاح المتعة. إجابة السؤال "1" "1 مع ب", "5 مع جـ", "9 مع أ" "2 مع د", "6 مع ب", "10 مع ب" "3 مع جـ", "7 مع أ", "11 مع جـ" "4 مع أ", "8 مع د", "12 مع د"

المراجع المساعدة

المراجع المساعدة: 1- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الوهاب خلاف, ص75، 124. 2- الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بين مذاهب أهل السنة ... والشيعة: لمحمد حسين الذهبي, ص152-229. 3- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الرحمن تاج, ص193-235. 4 المفيد في الفقه الإسلامي: لعبد الرحمن العدوي, ص171-205.

الباب الرابع: انتهاء عقد النكاح وما يترتب عليه من آثار

الباب الرابع: انتهاء عقد النكاح وما يترتب عليه من آثار مدخل ... الباب الرابع: انتهاء عقد النكاح وما يترتب عليه من آثار ينتهي عقد النكاح بموت أحد الزوجين حقيقة أو حكما، كما ينتهي بحل العصمة التي قد تكون بالطلاق من الزوج، أو الخلع بطلب الزوجية أو التطليق من الحاكم أو نائبه في حالة وقوع ضرر من الزوج على زوجته، كما يكون الانتهاء بفسخ العقد بسبب خلل في العقد أو في ركن من أركانه. وأما أهم الآثار المترتبة على انتهاء عقد النكاح بالطلاق أو التطليق أو الفسخ؛ فهي العدة والمتعة والنفقة والحضانة. وسنتناول أهم مشتملات هذا الباب في فصلين، نبين في أولهما: أهم أسباب انتهاء عقد النكاح، وفي ثانيهما: أهم الآثار المترتبة عليه، فنقول وبالله التوفيق.

الفصل الأول: أهم أسباب انتهاء عقد النكاح

الفصل الأول: أهم أسباب انتهاء عقد النكاح مدخل ... الفصل الأول: أهم أسباب انتهاء عقد النكاح الأهداف الخاصة: يتوقع منك - عزيزي الدارس- بعد دراسة هذا الفصل أن تعلم ما يلي: 1- الطلاق وما يتعلق به من أحكام. 2- الخلع وما يتعلق به من أحكام. 3- الرجعة وما يتعلق بها من أحكام. 4- الإيلاء وما يتعلق به من أحكام. 5- الظهار وما يتعلق به من أحكام. 6- اللعان وما يتعلق به من أحكام. 7- الرضاع وما يتعلق به من أحكام.

المبحث الأول: أحكام الطلاق

المبحث الأول: أحكام الطلاق الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تعلم ما يلي: 1- كيفية معالجة الإسلام ما ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين. 2- معنى الطلاق وأدلة مشروعيته وحكمه. 3- الفرق بين الطلاق السني والطلاق البدعيّ وحكم كلٍّ منهما. 4- أركان الطلاق وما يتعلق بها. 5- النيابة في الطلاق وأنواعها. 6- التعليق في الطلاق والأحكام المتعلقة به.

تمهيد: علاج من ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين: هذا الشقاق غالبًا ما ينشأ عن عدم طاعة الزوجة لزوجها، أو اعتداء الزوج عليها دون مبرر معقول، وهو ما يسمى بالنشوز عند الفقهاء, الذي قد يكون من الزوجة, وقد يكون من الزوج، لذلك سنبدؤه بالكلام عن التعريف بالنشوز. النشوز في اللغة: الارتفاع، يقال: نشزت المرأة, أي: ارتفعت بنفسها عن زوجها. النشوز في الاصطلاح: الخروج عن الطاعة الواجبة؛ كأن منعته الاستمتاع بها، أو خرجت بلا إذن لمحلٍّ تعلم أنه لا يأذن فيه، أو تركت حقوق الله تعالى كالغسل أو الصلاة1، كما يعتبر من النشوز إغلاقها الباب دونه، أو تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة2. والأصل في النشوز وكيفية علاجه قوله تعالى: {وَاللّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ... } الآية3. وهو يكون من الزوج كما يكون من الزوجة، ولكنه باعتبار كثرة حدوثه من الزوجة نبه الشارع عليه, وذكر الطريقة التي يعالج بها وجعلها من عدة مراحل: المرحلة الأولى: وهي الطريقة الأخف, وذلك عن طريق لمس ما في القلب من خوف الله تعالى والتذكير بيوم العرض عليه، وأن معصية الزوج إثم عظيم عند الله تعالى.

_ 1 الشرح الكبير جـ2/ 343. 2 الشرح الكبير جـ2 والمغني جـ7 ص46، والدمدمة: الغضب والتضجر، والتلفظ بما يسيء. 3 سورة النساء الآية 34.

روى الإمام أحمد بسنده عن الحصين بن المحصن "أن عمة له أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ذات زوج أنت؟ " قالت: نعم، قال: "انظري أين أنت منه, فإنما هو جنتك ونارك" 1 قال في الفروع: إسناده جيد. كما يستحسن مداراة الزوجة وعدم محاسبتها على كل ما يصدر منها من صغار الأمور وكبارها, بل ينبغي أن يتغافل عن توافه الأمور التي تحدث منها، وقد ذكر رجل لأحمد بن حنبل ما قيل: من أن العافية عشرة أجزاء, تسعة منها في التغافل، فقال الإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل2. المرحلة الثانية: وهي مرحلة الهجر في المضجع، وهي تكون في حالة ما إذا استمرت في عنادها وعصيانها لأمره, أو تركها لفرائض الله تعالى، فإنه يترك مضاجعتها في فراش الزوجية، ولا يهجرها بترك الكلام معها لأكثر من ثلاثة أيام, لما روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" 3، وقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجاته شهرًا حين اشتددت عليه في طلب المؤونة والتوسع من مباهج الحياة كبقية النساء حولهن، وذلك في حديث طويل أخرجه البخاري وغيره. المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الضرب غير المبرح, أي: غير الشديد، وذلك في حالة ما إذا أصرت على النشوز ولم ترتدع بما سبق من العظة والهجر. لكن هذه المرحلة لا تنفذ إلّا بعد الظن أنها ستفيد في علاج الموقف, وقد نصَّ المالكية على أنه إذا ضربها قبل أن يتأكد أن الضرب سيفيد, فإنه يطلق عليه ويقتص منه. فإذا تعيَّن الضرب طريقًا للعلاج ضربها بعصا خفيفة أو بسوط رقيق؛ بحيث لا يترك أثرًا على البدن, ولا يقطع لحمًا, ولا يكسر عظمًا، وقد سئل ابن عباس عن أداة

_ 1 مسند الإمام أحمد بن حنبل "4/ 341"، والحديث أخرجه النسائي في "الكبرى", والحاكم في "المستدرك", وقال: صحيح الإسناد. 2 كشف القناع جـ5 ص210. 3 متفق عليه.

الضرب فقال: بسواك ونحوه، وقد روى عبد الله بن زمعة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم" 1. ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدٍّ من حدود الله" 2, 3. النشوز من الزوج: إذا تعدَّى الزوج على زوجته ببينة أو إقرار, بأن كان يضاررها بالهجر أو الضرب أو الشتم, فهناك طريقتان عند المالكية: الطريقة الأولى: يزجره الحاكم بالوعظ حسب اجتهاده، فإن أفاد وإلّا ضربه إن ظن إفادته, وأولى إن جزم بذلك. فإن لم يثبت تعديه عليها ببينة أو إقرار, فإنه يقتصر على الوعظ فقط دون ضرب. الطريقة الثانية: أن الحاكم يعظه أولًَا, فإن لم يفد ذلك أمرها بهجره, فإن لم يفد ضربه. قال الإمام الدسوقي: والطريقتان على حدٍّ سواء, ولكن الظاهر الثانية؛ لأن هجرها له فيه مشقة عليه, بل ربما كان أضر به من الضرب4. لكن محل زجر الحاكم له ثم ضربه له في حالة ثبوت تعديه عليها إن لم يفد الوعظ؛ حيث لم ترد التطليق منه, بل أرادت زجره وإبقاءها معه، وإلّا فإن أرادت التطليق منه للضرر فإنها تجاب إليه, ولو لم تشهد البينة بتكرره. فإن ثبت تعدي كلٍّ منهما على صاحبه, وعظمها الحاكم أو نائبه, ثم ضربهما

_ 1 متفق عليه. 2 البخاري في الحدود، باب: كَمّ التعزير، ومسلم في الحدود, باب: قدر أسواط التعزير. 3 المغني جـ7 ص47، والشرح الكبير جـ2 ص343. 4 الشرح الكبير جـ2, وحاشية الدسوقي جـ2 ص343.

باجتهاده، فإن لم يثبت التعدي اقتصر على وعظهما فقط1. المرحلة الرابعة: أن يسكنها الحاكم بين قوم صالحين إذا ادعت الضرر وتكررت شكواها وعجزت عن إثبات ما ادعته، أو ادعى كلٌّ منهما الضرر وعجزا عن إثبات دعواهما. وعند الحنابلة يكفي إسكانهما من الحاكم إلى جانب رجلٍ ثقةٍ يشرف عليهما ويكشف حالهما ويلزمها الإنصاف. فإن لم يفد هذا الإسكان, أو كانت ساكنة بينهم ابتداءً, أو لم تمكن السكنى بينهم, فإن الإمر يصل إلى المرحلة الخامسة. المرحلة الخامسة: وهي التحكيم من قِبَلِ اثنين؛ أحدهما من قبلها, والآخر من قِبَلِ الزوج. هل الحكمان وكيلان عن الطرفين أم حاكمان؟ ذهب عدد كبير من أهل العلم أن الحكمين وكيلان عن الطرفين؛ بحيث لا يملكان التفريق إلّا بإذن الزوجين, وذلك لأن البضع حقه بالعقد, وكذلك المهر حقها بالعقد, وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف في حق كلٍّ منهما إلّا بإذنه, سواء بوكالة أو ولاية. وذهب آخرون إلى أنهما حاكمان، ولهما أن يفعلا ما يريانه من جمعٍ أو تفريقٍ بعوض أو بغير عوض, دون حاجة إلى توكيل الزوجين أو رضاهما، وذلك لأن الله تعالى سمَّاهما حكمين في قوله سبحانه: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق, كما يقضي الدَّيْنَ عنه من ماله إذا امتنع, ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع.

_ 1 الشرح الكبير جـ2 ص344, والمحلى على المنهاج جـ3 ص305، 306.

ما يشترط في الحكمين, سواء قلنا وكيلين أو حاكمين: 1- أن يكونا عاقلين. 2- أن يكونا بالغين. 3- أن يكونا مسلمين. 4- أن يكونا عالمين بأحكام الجمع والتفريق. واختلف في اشتراط كونهما ذكرين، وكونهما حُرَّيْن، فذهب بعض أهل العلم إلى اشتراط ذلك إذا كانا حكمين, ولا يشترط ذلك إذا كانا وكيلين؛ إذ يجوز أن يكون الوكيل امرأة أو عبد. واختلف أيضًا في اشتراط كونهما من أهل الزوجين، لكن الأولى أن يكونا من أهلهما حتى يعلما من أمرهما ما لم يعلم غيرهما1.

_ 1 المحلى على المنهاج جـ3 ص305، 306، والشرح الكبير جـ2 ص344, والمغني جـ7 ص48-50.

تعريف الطلاق ومشروعيته وحكمه الطلاق في اللغة: رفع القيد. وفي الاصطلاح: رفع ارتباط قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص1. الأصل في مشروعيته: 1- من الكتاب العزيز: قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2 وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 3. 2- من السنة المطهرة: ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما: "أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مره فليراحعها ثم ليتركها حتى تطهر, ثم تحيض, ثم تطهر, ثم إن شاء أمسك بعد, وإن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ, فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" متفق عليه4، وغير ذلك من الآيات والأخبار. 3- الإجماع: أجمع الناس من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يومنا هذا على جواز الطلاق.

_ 1 الدر المختار مع حاشية ابن عابدين جـ3 ص226. 2 سورة البقرة الآية 228. 3 سورة الطلاق الآية 1. 4 صحيح الإمام البخاري جـ11 ص260 مع فتح الباري.

حكمة تشريعه: شُرِعَ الطلاق في الإسلام1 ليستطيع الزوجان التخلص من رابطة الزوجية إذا تبيَّن أنها مصدر الشقاء, وأنه لا يمكن أن يتعاشر الزوجان بالمعروف, ولا أن يقوم كلٌّ منهما بحقوق الزوجية وواجباتها, وذلك لأسباب عدة. منها: أن الزوجين قد يتبين لهما بعد المعاشرة الزوجية أن بينهما تباينًا في الأخلاق وتنافر في الطباع, وأن ما بذلاه من البحث والتحري في وقت الخطبة لم يظهر الحقيقة التي أظهرتها المعاشرة الزوجية, وأنهما مع هذا التباين والتنافر لا يتبادلان مودةً ولا رحمةً, ولا يقوم واحدٌ منهما بحقوق الزوجية وواجباتها, فلرفع الحرج عنهما فتح الله لهما بابًا للخلاص من هذا الشقاء والتباغض ليستبدل كلٌّ منهما زوجًا آخر قد يأتلف به ويتبادل معه المودة والرحمة: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} . ومنها أنه قد يتحقق الزوجان أن أهم مقاصد الزواج وهو التوالد والاستمتاع الجنسي لا توصل إليه هذه الزوجية؛ لأن بعض النساء قد تكون عقيمًا مع زوجٍ وولودًا مع آخر، وكذلك بعض الأزواج قد يولد له من زوجةٍ ولا يولد له من أخرى, وكم زوجين عاشا عقيمين, فلما افترقا وُلِدَ له من زوجته الأخرى ووُلِدَ لها من زوجها الآخر، وكذلك الشهوة الجنسية قد تكون مفقودة لبعض النساء وغير مفقودة لأخرى، فمن الحكمة أن شرع الله سبيلًا لتخلص مثل هذين الزوجين من زوجية لا تحقق أغراضها. ومنها أن الزوج قد يرتاب في زوجته, أو يجد فيها من العيوب الخُلُقيَّة أو الخَلْقِيَّة ما لا يستطيع معه المعاشرة بالمعروف والقيام بحقوق الزوجية. ومنها: أن الزوجة قد تجد من زوجها ما يحملها على حل العقدة التي تربطهما

_ 1 كما شرع الطلاق في الإسلام شرع في اليهودية والنصرانية، غير أنه في اليهودية لا يباح إلّا لسبب من ثلاثة: الزنا، والعقم، وعيب الخلق والخلق, وفي النصرانية من طلَّقَ زوجته إلّا لعلة الزنا يجعلها تزني, وفي الإسلام أبيح لأيِّ سبب يدعو إلى الخلاص.

كأن يمرض بداءٍ عضالٍ لا يمكن البرء منه ولا معاشرته معه، أو يضارّها بأقواله أو أفعاله أو أخلاقه، أو يكيدها بعدم الإنفاق عليها، أو يعسر عن نفقتها، أو يغيب عنها المدة الطويلة بلا عذر. فلا ريب في أنه قد تدعو الحاجة القاهرة إلى حل عقدة الزواج، وأن الحاجة قد تبعثهما معًا على الرغبة في الطلاق, وقد تحمل أحدهما، فلو لم يشرع الله سبيلًا لحل عقدة الزواج عند الحاجة القاهرة لنال بعض الأزواج حرج, وكانت بعض الزوجات مصدر شقاء دائم، مع أن الله شرع الزواج ليكون مصدر معونة متبادلة ورحمة ومودة. وإنما أباح الله لكلِّ واحد من الزوجين أن يحل عقدة الزواج وحده, ولم يلزم تراضيهما وتوافق إرادتهما عليه, كما لزم تراضيهما على عقده؛ لأن الحاجة الملجئة إلى الطلاق قد تدعو أحدهما إلى الخلاص ويتعنت الآخر ولا يوافقه، فزوجة المشلول أو المجذوم تريد الخلاص من زوجيته وهو لا يرضى، وزوج المريبة يريد الخلاص من زوجيتها وهي لا ترضى، فلهذا لا يشترط تراضيهما على إيقاع الطلاق, بل لكلٍّ منهما الانفراد به دفعًا للضرر مع نفسه. حكم الطلاق: تعتريه الأحكام الخمسة. الأول: وهو الأصل: الإباحة: وذلك عند الحاجة إليه إذا ساء خلق المرأة أو ساءت عشرتها. ثانيها: الكراهة: وهو في حالة ما إذا لم يحدث من المرأة ما يسيء إلى الزوج أو يتضرر به منها، وليس به عجز من نفقتها أو إعفافها. ثالثها: الندب: وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله تعالى مثل الصلاة ولا يمكنه إجبارها عليها. رابعها: الوجوب: وهو في حالة الإيلاء وعدم فيء الزوج إلى زوجته في

الأجل الذي ضرب له. خامسها: الحرمة: وهو طلاقها في الحيض, أو في طهر جامعها فيه. الطلاق السني والطلاق البدعي: الطلاق السني: هو أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يصبها فيه, ثم يتركها حتى تنقضي عدتها. الطلاق البدعي: وهو ما تخلف فيه قيد من قيود الطلاق السني؛ كأن يطلقها في حيضٍ أو في طهرٍ مسها فيه مثلًا، وذلك لمخالفة الآيتين والحديث المتقدم. هل يحتسب الطلاق إذا وقع بدعيًّا؟ - جمهور أهل العلم على أنه يحتسب عليه لقول ابن عمر: "حسبت علي بتطليقة". وبناءً على رأي الجمهور: عليه أن يراجعها, ثم عليه أن يمسكها حتى تطهر, ثم تحيض حيضة أخرى, ثم تطهر, ثم إن شاء طلَّق وإن شاء أمسك1, فإن أبى المراجعة هدد بالسجن, فإن استجاب وإلا سجن بالفعل, فإن أبى هدد بالضرب, فإن أبى ضرب2. - خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية, الذين قالوا بأنه لا يقع الطلاق ولا يحتسب عليه، لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة, فإذا طلق في غيره لم يقع؛ كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله أن يوقعه في غيره. أركان الطلاق: أركان الطلاق أربعة: أهلية وقصد ومحل ولفظ.

_ 1 المغني جـ7 ص8-11, والشرح الكبير جـ2 ص361, والمحلى على المنهاج جـ3 ص323, والدر المحتار مع حاشية ابن عابدين جـ3 ص228، 229. 2 الشرح الكبير جـ2 ص363.

الركن الأول: أن يكون الموقع للطلاق أهلًا لإيقاعه, سواء كان زوجًا أو نائبًا له أو وليه، وأهم الشروط التي يتحقق بها هذا الركن: الإسلام، والتكليف: وهو يقتضي البلوغ والعقل والطوع ولو سفيهًا، فطلاق الصبيّ لا يقع عند أكثر العلماء خلافًا لبعضهم. كما أن طلاق المجنون لا يصح باتفاق الفقهاء. طلاق السكران: يأخذ السكران بحلال حكم المجنون، أما السكران بحرامٍ فقد اختلف في وقوع الطلاق منه. فذهب بعض الفقهاء إلى وقوع الطلاق منه لأنه أدخل نفسه باختياره, فعليه أن يتحمَّل تبعة ذلك. وذهب بعض آخر إلى عدم وقوع الطلاق منه؛ لأنه لا يدري ما يقول, فهو كالمجنون. الركن الثاني: وهو القصد، ونتناول فيه طلاق الهزل والإكراه. أما طلاق الهزل فهو واقع ولو لم يقصد حلّ العصمة على المشهور عند الجمهور لحديث: "أربع جدهن جد وهزلهن جد" 1, وذكر منها الطلاق، خلافًا لمن قال بعدم وقوعه لمقالة في الحديث. أما من سبق لسانه به أو كان أعجميًّا فلقنه أو هذى به لمرض ونحوه, فإن الطلاق لا يقع في هذه الحالات جميعًا لعدم القصد.

_ 1 الحديث سبق ... وذكرنا اختلاف العلماء في قبوله ورفضه, وكل أسانيده ضعيفة؛ فمنهم من يقوى بعضها ببعض، ومنهم من يرى عدم صحته.

طلاق المكره: من أُكْرِهَ عليه بقتلٍ أو بضربٍ شديدٍ أو بسجنٍ أو بقيدٍ ونحو ذلك, سواء كان واقعًا أو متوقعًا, فإن الطلاق لا يقع؛ لأنه وإن وجد فيه قصد إيقاع الطلاق، فإنه قد انتفى معه الاختيار, ولحديث "لا طلاق في إغلاق"1 أي: إكراهٍ, إلا أن ذلك مقيد بما إذا كان المكره قادرًا على إيقاع ما أكره به، وكان يتوقع ذلك منه فور عدم تنفيذه ما أكرهه عليه من إيقاع الطلاق, وألا يوقعه بعد زوال الإكراه عنه، وإلا فلا يعتبر مكرهًا. خلافًا للحنفية الذين يرون أن طلاق المكره واقع؛ لأنه يملك الطلاق وأوقعه على محله وهي الزوجة, وهو يملك عصمة زوجته وهو مكلف, كما أن عنده نوع من الاختيار وإن انعدم رضاه2. الركن الثالث: من يقع عليها الطلاق وهي الزوجة, سواء كانت في العصمة أو في عدة من طلاق رجعي فينفذ طلاقها، ولا ينفذ طلاق الأجنبية وكذلك البائن لا ينفذ الطلاق عليها. الركن الرابع: اللفظ وهو أربعة أنواع: النوع الأول: الصريح: وهو ما فيه لفظ الطلاق كقوله: أنت طالق, أو طالقة, أو مطلقة, أو طلقتك, أو طُلِّقْتِ مني، فإنه يلزمه الطلاق بهذا كله ولا يفتقر إلى نية. وإن ادعى أنه لم يُرِدْ الطلاق لم يقبل منه إلّا إذا اقترنت بقرينةٍ تدل على صدق دعواه، مثل أن نسأله أن يطلقها من وثاقٍ فيقول: أنت طالق.

_ 1 رواه أحمد "6/ 276"، وأبو داود "2193"، وابن ماجه "2046"، والدارقطني، والحاكم "2/ 198"، والبيهقي "7/ 357", وفي إسناده محمد بن عبيد المكي, ضعفه أبو حاتم, وله إسناد آخر ضعيف، أخرجه الدارقطني، والبيهقي, وفيه خزيمة بن سويد وهو ضعيف الحديث, ضعفه ابن معين، والنسائي، وأبو داود، وقال ابن حبان: كثير الخطأ، فاحش الوهم. وقد قال بعدم وقوعه عمر بن الخطاب وابنه، وعلي وابن عباس، وابن الزبير، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد. 2 الشرح الكبير جـ2 365، 366، 367، والدر المختار مع شرحه حاشية ابن عابدين جـ3/ 335 إلى 341, والمحلى على المنهاج جـ3/ 323، 324, والمغني جـ7/ 113 إلى 118.

وألحق بعض العلماء لفظ التسريح ولفظ الفراق لورودهما في القرآن الكريم بالطلاق الصريح مما لا يحتاج معه إلى نية. النوع الثاني: الكناية الظاهرة: وهي التي جرت العادة أن يطلق بها في الشرع أو في اللغة كقوله: أنت بائن أو الحقي بأهلك. فحكم هذه العبارات: عند بعض العلماء كالمالكية يقع بها الطلاق ولو لم ينو. وقال بعضهم كالشافعية: يرجع إلى ما نواه, ويصدق في نيته. بل ذهب البعض إلى أنه يقع بها الثلاث, وهو ما نُقِلَ عن مالك, وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. وذهب فريق رابع إلى أنه يرجع إلى ما نواه من واحدة أو أكثر. النوع الثالث: الكناية المحتملة مثل: ابعدي عني، واذهبي, وما أشبه ذلك. وفي هذا النوع لا يلزمه الطلاق إلّا إذا نواه، وإن قال: إنه لم ينو الطلاق قُبِلَ قولُه في ذلك. النوع الرابع: ما عدا ما تقدَّم من ألفاظ الصريح والكناية الظاهرة والمحتملة من الألفاظ التي لا تدل على الطلاق كقوله: قومي أو اشربي أو تجرعي, وما أشبه ذلك. وهذا النوع: إن أراد به الطلاق لزمه على المشهور عند المالكية. وإن لم يرده لم يلزمه. وهذا القدر هو ما أمكن استخلاصه من مواقف العلماء مع اتساعها وكثرتها وتباينها، وأرجو أن يكون فيه كفاية لطالب العلم1.

_ 1 القوانين الفقهية لابن جزى الكلبي الغرناطي, ص239، 240.

وفيما يلي عدد من الفروع المهمة: 1- من قال: أنت طالق ثلاثًَا, فهل تحسب عليه ثلاث طلقات أم طلقة واحدة؟ خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنها تحسب عليه ثلاثًا، خلافًا لمن رأى أنها تحسب عليه واحدة, وهو منسوب إلى ابن عباس -رضي الله عنهما, والإمام ابن تيمية, وبعض المعاصرين من أهل العلم. 2- من قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق, لزمه الثلاث إلّا أن ينوي التأكيد. 3- من قال: أنت عليّ حرام. فمشهور مذهب مالك أنها ثلاث في المدخول بها, وينوي في غير المدخول بها هل الثلاث أو دونها. ومذهب أبي بكر وعمر وابن عباس -رضي الله عنهم: أنه يلزمه فيها كفارة يمين لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 1. وقال بعض الفقهاء: ينوي في الطلاق وفي عدده, فإن لم ينو شيئًا فلا يلزمه. 4- إشارة الأخرس بالطلاق, وإشارة القادرة على الكلام؛ كالكتابة يقع بها الطلاق.

_ 1 سورة التحريم آية 2.

5- من كتب الطلاق عازمًا عليه لزمه، بخلاف المتردد ليشاور نفسه. 6- من شكَّ هل طلَّقَ أم لا لم يلزمه شيء. أنواع الطلاق: يختلف الطلاق باعتبار أثره المترتب عليه إلى ثلاثة أنواع: الرجعيّ، والبائن بينونة صغرى، والبائن بينونة كبرى. أما الطلاق الرجعيّ: فهو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته التي دخل بها حقيقة، إيقاعًا مجردًا عن أن يكون في مقابلة مال, ولم يكن مسبوقًا بطلقة أصلًا, أو كان مسبوقًا بطلقة واحدة، وحكمه: سواء أكان أول الطلقات أم ثانيها أنها يترتب عليه أثران: أولهما: نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته, بمعنى أنه متى وقعت طلقة رجعية، فإن كانت الأولى لم يبق للزوج إلّا طلقتان، وإن كانت الثانية لم تبق له إلّا واحدة، والمراجعة لا تمحو هذا الأثر. وثانيهما: تحديد الرابطة الزوجية بانقضاء العدة, بعد أن كانت غير محددة, بمعنى: أنه إذا وقع الرجعي وانقضت العدة من غير مراجعة بانت الزوجة بانقضاء العدة. وهو لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكًا ولا حلًّا, بمعنى: أنه لا يزيل ملك الاستمتاع الثابت بالزواج, ولا يجعل المطلقة محرمة بسبب من أسباب التحريم على مطلقها, فيحل له الاستمتاع بها ما دامت في العدة, ويصير بذلك مراجعًا، وإذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر، ونفقتها واجبة عليه، ولا يحلّ به مؤخر الصداق المؤجل لأحد الأجلين الموت أو الطلاق, وإنما يحل بانقضاء العدة، والسبب في هذا كله أن الطلاق الرجعيّ لا يرفع في الحال قيد الزواج, والزوجية بعده لا تزال قائمة, وللزوج مراجعة زوجته ما دامت في العدة، فهو ينعقد سببًا للفرقة ولكن لا

يترتب عليه مسببة ما دامت المطلقة في العدة, فإذا انقضت العدة من غير رجعة ترتَّب أثره وبانت منه. والرجعة هي استدامة الزواج القائم وإلغاء عمل السبب الذي حدَّد الزوجية بانقضاء العدة، وهي حق للزوج ما دامت مطلقته رجعيًّا في العدة، لقوله تعالى بعد أن قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ، أي: وأزواجهن أحق بإرجاعهن إلى عصمتهم في ذلك الوقت الذي تربصته، ولكونها حقًّا جعله الشرع للزوج لا يملك إسقاطه، فلو قال: لا رجعة لي فله الرجعة، ولا يشترط لصحتها رضا الزوجة ولا علمها، ولا حضور شهود لها، وإنما ينبغي له أن يشهد عليها خشية أن تنكرها الزوجة بعد انقضاء عدتها فيعجز عن إثباتها، وينبغي له أن يعلمها بها حتى لا تتزوج بغيره بعد انقضاء مدة العدة ظنًّا منها أنها بانت بانقضائها. وكما تكون بأيّ قولٍ يصدر منه يدل على معناها مثل: راجعتك, أو راجعت زوجتي, تكون بالفعل وهو الوقاع ودواعيه التي توجب حرمة المصاهرة, سواء كانت منه أو منها، ويشترط في الرجعة بالقول أن تكون منجزة لا معلقة على شرط, ولا مضافة إلى وقتٍ مستقبل؛ لأنها كالزواج من بعض الوجوه، والزواج لا يقبل الإضافة إلى الزمن المستقبل، ولا التعليق على شرط غير محقق في الحال. وإذا انقضت عدة المطلقة رجعيًّا بانت ولا تصح مراجعتها، بل لا بُدَّ لإعادة زوجيتها من عقد ومهر جديدين، وأقل مدة تصدق فيها الزوجة أن عدتها انقضت ستون يومًا؛ لأنها تحتاج إلى ثلاث حيض كاملة يتخللها طهران, فللحيضات الثلاث ثلاثون يومًا بمراعاة أكثر مدة للحيض وهي عشرة أيام, وللطهرين ثلاثون يومًا بمراعاة أقل مدة للطهر وهي خمسة عشر يومًا، فإذا مضى عليها من تاريخ طلاقها ستون يومًا فأكثر, وادَّعت انقضاء عدتها صدقت بيمينها, ولا تصح الرجعة بعد ذلك، وإذا مضى

عليها من تاريخ طلاقها أقل من ستين يومًا لا تصدق في دعواها انقضاء عدتها وتصح مراجعتها. وإذا اختلف الزوجان في أصل الرجعة فادّعى الزوج أنه راجعها وأنكرت الزوجة دعواه، فإن كان هذا النزاع والزوجة لا تزال في العدة فالقول للزوج؛ لأنه يخبر عن أمر يملك إنشاءه في الحال, فلا معنى لتكذيبه فيه، وإن كان هذا النزاع بعد انقضاء العدة فالبينة على مدعي الرجعة وهو الزوج, فإن لم تكن له بينة فالقول للزوجة بلا يمين. وإذا اختلف الزوجان في صحة الرجعة فادَّعى الزوج أنها صحيحة؛ لأنها وقعت قبل انقضاء العدة, وأنكرت هي صحتها؛ لأنها وقعت بعد انقضاء العدة, فالقول للزوجة بيمينها إذا كانت المدة بين الطلاق وبين الوقت الذي تدعي فيه انقضاء عدتها يحتمل ذلك, بأن كان ستين يومًا فأكثر. وأما الطلاق البائن بينونة صغرى: فهو طلاق الزوج لزوجته قبل الدخول الحقيقي بها، أو طلاقه إياها في مقابل مالٍ تفتدي به نفسها، ولم يكن مسبوقًا بطلقة أصلًا, أو كان مسبوقًا بطلقة واحدة، وحكمه سواء أكان أول الطلقات أم ثانيها أنه يترتب عليه نقص عدد الطلقات، وإزالة قيد الزوجية في الحال, بمعنى: أنه بمجرد صدوره يزيل ملك الاستمتاع الذي كان ثابتًا بالزواج, ولا يعود هذا الملك إلّا بعقدٍ ومهرٍ جديدين بتراضي الزوجين في العدة وبعدها، ولكنه لا يزيل الحل, بمعنى: أن المطلق بائنًا بينونة صغرى يحلُّ له أن يعقد على مبانته في العدة وبعدها بدون حاجة إلى زوجٍ آخر يحلها له؛ لأنها بالبينونة الصغرى لم يقم بها سبب من أسباب التحريم المؤبدة أو المؤقتة. وإذا كان البائن بينونة صغرى يرفع قيد الزواج بمجرد صدوره, فلا يحل لأحد الزوجين الاستمتاع بالآخر ولا الخلوة به, وتكون منه بمنزلة الأجنبية، وإن مات أحدهما في العدة أو بعدها فلا يرثه الآخر إلا في حالة الفرار كما سيجيء، ويحلّ به مؤخر الصداق المؤجل إلى أحد الأجلين الموت أو الطلاق.

وأما الطلاق البائن بينونة كبرى: فهو ما كان مكملًا للثلاث، وحكمه أنه يزيل في الحال بمجرَّد صدوره الملك والحلَّ معًا, فلا يملك المطلِّقُ المتعة بمطلقته, وتصير من المحرمات عليه مؤقتًا حتى تتزوج زوجًا غيره بزواج شرعي صحيح نافذ، ويدخل بها الزوج الثاني دخولًا حقيقيًّا ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} . ولا توارث بينهما إذا مات أحدهما, سواء كانت العدة باقية أو انقضت، ويحلّ به مؤخر الصداق المؤجل إلى أحد الأجلين الموت أو الطلاق؛ لانقطاع رابطة الزوجية به في الحال. فيؤخذ مما تقدَّم أن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك ولا الحلّ، وأن البائن بينونة صغرى لا يزيل الحلّ ويزيل الملك، وأن البائن بينونة كبرى يزيل الملك والحلّ معًا. بناءً على هذا: لو راجع الزوج زوجته بعد أن طلقها رجعيًّا, أو عقد عليها عقدًا جديدًا بعد أن بانت منه بينونة صغرى, تعود إليه بما بقي له من الطلقات؛ لأن الحلَّ الأول ما زال وكأنه هو الذي عاد, فيعود بما بقي من عدد الطلقات, أما لو بانت بينونة كبرى, ثم تزوجها غيره, وبعد أن طلقها عقد عليها زوجها الأول, تعود إليه بحلٍّ جديد وبملكٍ عليها ثلاث طلقات؛ لأن الزوج الثاني أنهى الحلَّ الأول, فالعقد الجديد أنشأ حلًّا جديدًا كامل عدد الطلقات. الطلاق إما منجز وهو ما كانت صيغته غير معلقة على شرطٍ ولا مضافة إلى زمن مستقبل, وقصد به إيقاع الطلاق فورًا مثل: أنت طالق، أنت عليّ حرام, وحكم هذا أنه متى صدر من أهلٍ لإيقاعه وصادف محلًّا لوقوعه, وأسند إليها وقع في الحال, وترتبت عليه آثاره بمجرد صدوره. وإما مضاف إلى زمن مستقبل, وهو ما كانت صيغته مقرونة بوقت مستقبل قصد إيقاع الطلاق حين حاوله, مثل: أنت طالق غدًا, أو أول الشهر المقبل، وحكم هذا أنه

متى صدر من أهله, وصادف محله انعقد في الحال سببًا للطلاق، ولكنه لايقع ولا تترتب عليه آثاره إلا حين حلول الزمن المضاف إليه الطلاق، فلا يقع على زوجته الطلاق إلّا إذا جاء الغد أو أول الشهر المعين, بشرط أن تكون حين حلول الوقت المضاف إليه لا تزال محلًّا لوقوع الطلاق عليها حتى يصادف الوقوع محله. وإما معلق وهو كانت صيغته معلقًا فيها حصول الطلاق على حصول شيء آخر بأداة من أدوات التعليق مثل: إن خرجت من منزلي بغير إذني فأنت طالق، وحكم هذا أنه إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل الشيء أو تركه, وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه, فهو لغوٌ لا يقع به الطلاق، وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط؛ لأنه لا يريد المقام، مع زوجته عند حصوله، مثل: إن مرضت بالسل فأنت طالق، فهذا يقع به الطلاق عند وجود الشرط المعلق عليه1. وأما طلاق على صيغة اليمين, أي: مقصود به تقوية العزم على فعل شيء مستقبل أو تركه أو تقوية تصديقه في الأخبار عن شيء مضى، مثل عليّ الطلاق لأسافرنَّ غدًا أو لا أسافر غدًا أو ما سافرت أمس، وحكم هذا الطلاق الوارد على صيغة اليمين أنه لغوٌ لا يقع به شيء؛ لأنه ليس الغرض به حل قيد الزواج، بل حمل نفسه على فعل أو ترك أو حمل مخاطبه على شيء. فالمنجز، والمضاف إلى زمن مستقبل، والمعلق الذي لا يقصد به مجرد التخويف أو الحمل على فعل شيء أو تركه: يقع بها الطلاق إما فورًا، أو حين حلول الزمن، أو عند وجود الشرط. وأما المعلق المقصود به الحمل على فعل شيء أو تركه، واليمين، فهما لغو لا يقع بواحد منهما الطلاق.

_ 1 وكون التعليق مقصودًا به مجرد التخويف والتهديد والحمل على فعل شيء أو تركه، أو مقصودًا به حل رابطة الزوجية إذا حصل المعلق عليها، يرجع في بيانه إلى قصد المعلق, وإلى مادة صيغة التعليق؛ لأن مثل قوله: إن مات ابني فأنت طالق, لا يحتمل قصد الحمل على فعل شيء أو تركه, كما يحتمله قوله: إن زرت فلانة فأنت طالق.

الخلاصة: 1- عالج الإسلام ما ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين, وجعل طريقة العلاج من عدة مراحل: المرحلة الأولى: التذكير بالله وبيوم العرض عليه, وأن معصية الزوج إثمها عظيم عند الله. المرحلة الثانية: مرحلة الهجر في المضجع. المرحلة الثالثة: مرحلة الضرب غير المبرح. إن تعدّى الزوج على زوجته, فالظاهر عند المالكية أن الحاكم يعظه أولًا, فإن لم يفد ذلك أمرها بهجره, فإن لم يفد ضربه. المرحلة الرابع: أن يسكنها الحاكم بين قوم صالحين إذا دعت الضرر وعجزت عن إثبات ما ادعته. المرحلة الخامسة: التحكيم من قِبَلِ اثنين؛ أحدهما من قِبَلِها, والآخر من قِبَلِ الزوج. 2- الطلاق في الاصطلاح: هو رفع ارتباط قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص. 3- ثبتت مشروعية الطلاق بالكتاب والسنة والإجماع. 4- حكم الطلاق: تعتريه الأحكام الخمسة وهي: الإباحة والكراهة والندب والوجوب والحرمة. 5- الطلاق السني: هو أن يطلق الرجل زوجته في طهرٍ لم يصبها فيه, ثم يتركها حتى تنقضي عدتها, وزاد المالكية شرطًا وهو أن لا يوقع الطلاق على بعض المرأة كوجهها أو يدها مثلًا. 6- الطلاق البدعي: هو ما تخلّف فيه قيد من قيود الطلاق السني، كأن يطلقها في حيض أو طهر مسها فيه مثلًا.

7- يحتسب الطلاق إذا وقع بدعيًّا عند جمهور أهل العلم خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية. 8- أركان الطلاق أربعة: أهلية وقصد ومحل ولفظ. 9- لا بُدَّ أن يكون الموقع للطلاق أهلًا لإيقاعه. 10- طلاق الصبيّ لا يقع عند أكثر العلماء، وطلاق المجنون لا يصح باتفاق الفقهاء. 11- طلاق السكران بحلال يأخذ حكم المجنون، وطلاق السكران بحرام اختلف في وقوعه. 12- طلاق الهزل واقع ولو لم يقصد حلّ العصمة على المشهور عند الجمهور. 13- يقع الطلاق على الزوجة, سواء كانت في العصمة أو في عدة من طلاق رجعي، ولا ينفذ طلاق الرجعية ولا البائن. 14- لفظ الطلاق أربعة أنواع: أ- الصريح: ويلزمه به الطلاق ولا يفتقر إلى نية. ب- الكناية الظاهرة: عند بعض العلماء يقع بها الطلاق ولو لم ينو، وقال بعضهم: يرجع إلى ما نواه. جـ- الكناية المحتملة: لا يلزمه الطلاق إلّا إذا نواه. د- ما عدا ما تقدَّم: لا يلزمه الطلاق إذا نواه. 15- من قال: أنت طالق ثلاثًا: اختلف أهل العلم, والصحيح أنها تحسب عليه طلقة واحدة؛ لأن الطلقات الثلاث لا تقع إلّا مرة بعد مرة. من قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق, لزمه الثلاث إلّا أن ينوي التأكيد. 16- يختلف الطلاق باعتبار أثره المترتب عليه إلى ثلاثة أنواع: الرجعي، والبائن بينونة صغرى، والبائن بينونة كبرى. 17- الطلاق إما منجز، وإما مضاف إلى زمن مستقبل، وإما معلق, وإما صيغة اليمين.

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما معنى النشوز لغة واصطلاحًا؟ 2- هات بعض الأمثلة التي توضح كيفية نشوز الزوجة. 3- وضّح الطريقة التي عالج بها الشارع نشوز المرأة مبينًا مراحلها. 4- وضّح كيفية معالجة النشوز عندما يكون من الزوج عند المالكية. 5- قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} , هذان الحكمان: أ- يرى جمهور العلماء أنهما وكيلان عن الطرفين فقط. ب- يرى جمهور العلماء أنهما حاكمان لهما أن يفعلا ما يريانه من جمع أو تفريق. جـ- يرى عدد كبير من أهل العلم أنهما وكيلان, ويرى آخرون أنهما حاكمان. 6- اذكر الشروط المتفق عليها وكذلك المختلف فيها التي تشترط في الحكمين, "سواء قلنا وكيلين أو حاكمين". 7- اذكر معنى الطلاق لغة واصطلاحًا. 8- ما أدلة مشروعية الطلاق؟ 9- ما هي الأحكام التي تعتري الطلاق؟ 10- ما المقصود بكلٍّ من الطلاق السني والطلاق البدعي؟ 11- الطلاق البدعي:

أ- يحتسب عند جمهور أهل العلم خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية. ب- أجمع علماء الأمة على أنه يقع الطلاق ويحتسب عليه. جـ- أجمع علماء الأمة على أنه لا يقع الطلاق ولا يحتسب عليه. د- لا يحتسب عند جمهور أهل العلم خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية. 12- إذا أوقع الرجل الطلاق بدعيًّا ... ما الذي يجب عليه أن يفعله على رأي الجمهور؟ استشهد لذلك بدليل من السنة. 13- اذكر أركان الطلاق الأربعة بدون شرح. 14- ما هي أهم الشروط التي يكون بها الموقع للطلاق أهلًا لإيقاعه؟ 15- ما حكم طلاق كلٍّ من السكران بحلالٍ والسكران بحرامٍ؟ 16- طلاق الهزل: أ- أجمع أهل العلم على وقوعه. ب- قال الجمهور بعدم وقوعه لمقالة في حديث "أربع جدهن جد وهزلهن هزل". جـ- يقع على المشهور عند الجمهور, ولو لم يقصد حلّ العصمة. د- يتوقف على مراجعة قصد الموقع للطلاق. 17- وضح بالتفصيل حكم طلاق الإكراه موضحًا القيود التي لا يقع طلاق الإكراه عند تحققها.

21- اختر الإجابة الصحيحة: من شك هل طلَّق أم لا "لم يلزمه شيء - أمر بالفراق - يلزمه فيها كفارة يمين". إجابة بعض الأسئلة: "5" جـ "11" أ "17" جـ "20" "أمع د", "ب مع جـ", "جـ مع هـ", "د مع ب", "هـ مع أ". "21" "أمع د", "ب مع جـ", "جـ مع ب", "د مع أ". "22" "أمع جـ", "ب مع أ", "جـ مع ب".

المبحث الثاني: أحكام الخلع

المبحث الثاني: أحكام الخلع الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى الخلع وأسبابه وأدلة مشروعيته. 2- حكم الخلع إن كان بسبب إضرار الزوج لزوجته لتفتدي منه. 3- هل الخلع طلقة بائنة أم فسخ للعقد؟ 4- حكم الخلع إن كان بلفظ صريح أو بغير ذلك. 5- حكم الخلع إذا وقع على غير عوض. 6- حكم التوكيل في الخلع. 7- حكم خلع السفيهة والمريضة.

الخلع: حل عقدة الزوجية بلفظ الخلع أو ما في معناه, مقابل عوض تلتزم به الزوجة1. من أسباب الخلع: كراهة الزوجة زوجها لخلْقه أو خُلُقِه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك, وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته, جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه. أدلة مشروعيته: 1- من الكتاب: قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 2. 2- من السنة: ورد في صحيح البخاري "جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله, ما أنقم على ثابت في دينٍ ولا خُلُقٍ إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم. فردتها عليه وأمره ففارقها" وفي رواية "فقال له: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" 3. 3- وقد أطبق على مشروعيته جمهور الفقهاء4. ولا يحتاج الخلع لحكم حاكم به عند جمهور أهل العلم، حيث يكفي اتفاق الزوجين أو وكيل كلٍّ منهما عليه, كما يصح أن يكون العوض أقلّ أو أكثر من المهر، ولكن الأفضل ألّا يكون أكثر من المهر، كما يصح بعوضٍ مجهول. ولا يجوز أن يكون الخلع بسبب إضرار الزوج لزوجته وتضييقه عليها لتفتدي

_ 1 أحكام الأحوال الشخصية لعبد الوهاب خلاف, ص157. 2 سورة البقرة الآية 229. 3 البخاري, كتاب الطلاق، باب: الخلع. 4 المغني جـ7 ص51.

منه، فإن وقع ذلك: - فذهب أكثر العلماء أن الخلع باطل والعوض مردود. - ونقل عن بعض أهل العلم أن العقد صحيح والعوض لازم والزوج آثم عاصٍ. - والخلع عند أكثر أهل العلم طلقة بائنة. - بينما ذهب البعض إلى أنه فسخ للعقد, وإذا وقع فلا يلحقها طلاق آخر أثناء عدتها منه, كما لا تثبت فيه الرجعة. - والخلع قد يكون بلفظ صريح مثل: خالعتك أو فاديتك أو فسخت نكاحك, وأضاف بعضهم: باينتك، بارأتك، فارقتك. - فإذا وقع بغير ذلك فهو كناية يحتاج إلى نية. - ما الحكم إذا وقع الخلع على غير عوض: - عند فريق من العلماء صحَّ الخلع ولا شيء للزوج. - بينما ذهب فريق آخر إلى أنه لا يكون إلّا بعوض, فإن وقع بغيره فطلاق يصح له أن يراجعها بعده. - ويصح التوكيل في الخلع من كلِّ واحد من الزوجين، إذ كلُّ من صح أن يتصرف بالخلع لنفسه جاز توكيله وتوكله. وللرشيدة أن تخالع عن نفسها، ويخالع الأب عن ابنته الصغيرة، ولا يجوز خلع السفيهة. أما خلع المريضة: فيجوز إن كان على قدر ميراثه منها، وقيل بعدم الجواز، وقيل بالجواز مطلقًا1.

_ 1 يراجع بتوسع المغني جـ7 من ص51, والقوانين الفقهية ص244، 245, والمحلى على المنهاج جـ3 من ص307 إلى ص322، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين عليه جـ3 من ص439 إلى ص464.

الخلاصة: 1- الخلع هو حل عقدة الزوجية بلفظ الخلع أو ما في معناه مقابل عوضٍ تلتزم به الزوجة. 2- من أسباب الخلع: كراهة الزوجة زوجها لخلْقه أو لخُلُقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك, وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته. 3- ثبتت مشروعية الخلع بالكتاب والسنة, وأطبق على مشروعيته جمهور الفقهاء. 4- لا يجوز أن يكون الخلع بسبب إضرار الزوج لزوجته لتفتدي منه، فإن وقع ذلك: أ- فذهب بعض العلماء إلى أن الخلع باطل والعوض مردود. ب- ونقل عن بعضهم أن العقد صحيح والعوض لازم, والزوج آثم عاصٍ. 5- يقع الخلع عند أكثر أهل العلم طلقة بائنة, وعند البعض فسخ للعقد. 6- الخلع قد يكون بلفظ صريح, فإذا وقع بغير ذلك فهو كناية يحتاج إلى نية. 7- إذا وقع الخلع على غير عوض: أ- صحَّ الخلع عند فريق من الفقهاء, ولا شيء للزوج. ب- بينما ذهب فريق آخر إلى أنه طلاق يصحّ له أن يراجعها بعده. 8- يصحُّ التوكيل في الخلع.

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المقصود بالخلع؟ وما أسبابه؟ 2- ما أدلة مشروعية الخلع؟ 3- هل يحتاج الخلع لحكم حاكم به؟ اختر العبارات الصحيحة فيما يلي: 4- لا يجوز أن يكون الخلع بسبب إضرار الزوج لزوجته لتفتدي منه, فإن وقع ذلك: أ- أجمع العلماء على أن الخلع باطل والعوض مردود. ب- ذهب أكثر العلماء أن الخلع باطل والعوض مردود, وقال بعضهم: العقد صحيح والعوض لازم والزوج آثم عاصٍ. جـ- ذهب جمهور العلماء أن العقد صحيح والعوض لازم والزوج آثم عاصٍ. 5- الخلع: أ- عند أكثر أهل العلم يحتسب طلقة بائنة. ب- ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه فسخ للعقد. جـ- عند أكثر أهل العلم طلقة بائنة, وعند البعض فسخ للعقد. د- طلاق رجعي يصح أن يراجعها في عدتها. 6- إذا وقع الخلع بغير لفظ صريح: أ- فهو كناية يحتاج إلى نية. ب- يقع الخلع ولا يفتقر إلى نية.

جـ- الخلع باطل والعوض مردود. 7- إذا وقع الخلع على غير عوض: أ- عند جمهور العلماء يصحُّ ولا شيء للزوج. ب- عند جمهور العلماء يكون طلاقًا يصحُّ له أن يراجعها بعده. جـ- عند فريق من العلماء يصحُّ ولا شيء للزوج, وعند فريق آخر يكون طلاقًا يصحُّ له أن يراجعها بعده. 8- التوكيل في الخلع: أ- يصحُّ من الزوج فقط. ب- يصحُّ من كلِّ واحد من الزوجين. جـ- ذهب الجمهور إلى عدم صحته. د- يصح من الزوجة فقط. 9- ما حكم خلع المريضة؟ إجابة بعض الأسئلة: "4" ب "5" جـ "6" أ "7" جـ "8" ب

المبحث الثالث: الرجعة

المبحث الثالث: الرجعة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى الرجعة وحكمها وأدلة مشروعيتها. 2- حكم الرجعة لكلٍّ من غير المدخول بها والمطلقة ثلاثًا. 3- ما تكون به الرجعة. 4- هل الإشهاد شرط في الرجعة. 5- بعض الأحكام التفصيلية الخاصة بالرجعة.

لما كانت الرجعة مرتبطة بالطلاق الرجعيّ, آثرنا أن نشير إلى أهم أحكامها عقبه فنقول وبالله التوفيق: الرجعة في اللغة: المرة من الرجوع. واصطلاحًا: الرد إلى النكاح من طلاقٍ غير بائن في العدة1. حكمها: تعتريها الأحكام الخمسة التي تعتري النكاح من وجوب وندب وإباحة وكراهة وحرمة حسب الأحوال. أدلة مشروعيتها: 1- من الكتاب: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} إلى قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} 2. 2- من السنة: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "طلقت امرأتي وهي حائض، فسأل عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مره فليراجعها" متفق عليه3. 3- الإجماع: أجمع أهل العلم على أن الحرَّ إذا طلَّقَ الحرة دون الثلاث له الرجعة. ذكره ابن المنذر4. كما أجمعوا على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق زوجها رجعتها، وذلك لأن الرجعة تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول. كما أجمعوا على أن المطلقة ثلاثًا لا تحلُّ لزوجها إلّا إذا نُكِحَتْ غيره نكاحًا

_ 1 المحلى على المنهاج جـ4/ 2. 2 سورة البقرة الآية 228. 3 صحيح الإمام البخاري مع فتح الباري جـ11/ 260. 4 المغني جـ7 ص273.

صحيحًا, ووطئها في فرجها، وشرط المرتجع أهلية النكاح بنفسه بأن يكون بالغًا عاقلًا. ما تكون به الرجعة: لا تفتقر الرجعة إلى وليٍّ ولا صداقٍ ولا رضى المرأة ولا علمها بإجماع أهل العلم. هل الإشهاد شرط في الرجعة؟ - ذهب أكثر الفقهاء إلى أنها ليست واجبة, والأمر الوارد في ذلك محمول على الاستحباب؛ لأنها لا تفتقر إلى قبولٍ فلم تحتج إلى شهادة. - وذهب آخرون إلى أن الشهادة واجبة لنصِّ الآية الكريمة. - والراجح ما عليه الجمهور. - إذا ادعت انقضاء العدة صُدِّقَت ما دام ذلك ممكنًا؛ إذ هو أمر لا يعرف إلّا من جهتها. - وإن ادَّعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس, أو منذ شهر, قُبِلَ قولُه؛ لأنه لما ملك الرجعة ملك الإقرار بها كالطلاق. - إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية:

- عند أكثر أهل العلم بنت على ما مضى من العدة؛ إذ هما طلاقان لم يتخللها إصابة ولا خلوة. - وذهب آخرون إلى استئناف العدة؛ لأنها طلقة واقعة في حق مدخول بها فاقتضت عدة كاملة. - وإذا طلقها ثم راجعها وأشهد على المراجعة من حيث لا تعلم صحَّت المراجعة، فإذا انقضت عدتها ثم تزوجت من غيره, ثم جاء وقال: كنت راجعتها قبل انقضاء عدتها، وأقام البينة على ذلك: - فذهب بعض الفقهاء إلى أنها زوجته, وأن النكاح الثاني فاسد؛ لأنه تزوج امرأة غيره, وترد إلى الأول. - وذهب آخرون إلى أن الثاني إذا دخل بها فهي امرأته ويبطل نكاح الأول، وذلك لأن كل واحد منهما عقد عليها, وهما ممن يجوز لهما العقد في الظاهر, ومع الثاني مزية الدخول فتكون له1.

_ 1 تراجع هذه الأحكام بتوسع في المغني جـ7 ص273 إلى ص297, وقوانين الأحكام الشرعية ص246, والدر المختار بحاشية ابن عابدين جـ3 من ص397 إلى ص420.

الخلاصة: 1- الرجعة في الاصطلاح: الرد إلى النكاح من طلاقٍ غير بائن في العدة. 2- حكمها: تعتريها الأحكام الخمسة التي تعتري النكاحَ من وجوبٍ وندبٍ وإباحةٍ وكراهةٍ وحرمة. 3- ثبتت مشروعية الرجعة بالكتاب والسنة والإجماع. 4- أجمع أهل العلم على أنَّ غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة, ولا يستحق زوجها رجعتها. 5- كما أجمعوا على أن المطلقة ثلاثًا لا تحلُّ لزوجها إلّا إذا نكحت غيره نكاحًا صحيحًا ووطئها في فرجها. 6- أ- تحصل الرجعة بالوطء عند أكثر أهل العلم ولو لم ينو به الرجعة، وقال آخرون: لا بُدَّ مع الوطء من نية الرجوع. ب- وتحصل الرجعة بمجرد القول عند أكثر أهل العلم. جـ- واختلف أيضًا في صحة الرجعة باللمس والقبلة ونحوهما, فذهب بعض أهل العلم إلى صحة الرجعة بذلك, وآخرون إلى عدم صحتها. 7- ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الشهادة ليست شرطًا في الرجعة. أسئلة التقويم الذاتي: 1 ما معنى الرجعة في اللغة وفي الاصطلاح؟ وما هي الأحكام التي تعتريها؟ 2- ما أدلة مشروعية الرجعة؟ 3 أكمل ما يأتي: أجمع أهل العلم على أن ... تبين بطلقة واحدة, ولا يستحق

زوجها رجعتها. كما أجمعوا على أن ... لا تحل لزوجها إلّا إذا نكحت غيره نكاحًا صحيحًا ووطئها في فرجها. 4- وضِّحْ حكم حصول الرجعة بالوطء, أو بالقول, أو باللمس والقبلة ونحوهما, مبينًا الآراء المختلفة في ذلك. 5- اذكر ألفاظ الرجعة. 6- هل الإشهاد شرط في الرجعة؟ 7- وضح الحكم في الحالات الآتية: أ- إذا ادَّعت المطلقة انقضاء العدة, هل تصدق أم لا؟ ب- إن ادَّعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر, هل يُقْبَلُ قولُه أم لا؟ جـ- كيف تقضي المطلقة عدتها إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية؟ د- إذا طلقها ثم راجعها, وأشهد على المراجعة من حيث لا تعلم, فهل تصحُّ المراجعة؟ هـ- إذا انقضت عدة المطلقة ثم تزوجت من غيره, ثم جاء الأول وقال: كنت راجعتها قبل انقضاء عدتها، وأقام البينة على ذلك, فهل تكون زوجة للأول أم للثاني؟

المبحث الرابع: أحكام الإيلاء

المبحث الرابع: أحكام الإيلاء الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى الإيلاء وحكمه وأدلة ثبوته شرعًا. 2- شروط الإيلاء. 3- ألفاظ الإيلاء. 4- هل تطلق على المُولي زوجته بمضي الأربعة أشهر؟ 5- حكم الكفارة على المولي إذا فاء, سواء داخل المدة أو بعدها. 6- المقصود بالفيئة بالقول إذا كان بالمولي عذر يمنع الوطء. 7- متى يطلق الحاكم على المولي؟ وكيف تحتسب طلقة المولي؟ 8- حكم ترك الوطء دون يمين. 9- حكم ما إذا ادعى المولي الفيئة.

الإيلاء في اللغة: مطلق الحلف. وشرعًا: حلف زوج على الامتناع من وطء زوجته مدة أربعة أشهر أو مطلقًا. حكمه: الحرمة إذا لم يكن لحاجة، ويجب على الرجل أن يحنث في يمينه ويفيء إلى امرأته بقربانها قبل انتهاء مدة الإيلاء. وقد ثبت الإيلاء شرعًا بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وقد آلى -صلى الله عليه وسلم- من نسائه شهرًا. شروط الإيلاء: 1- قيام الزوجية: فيصح الإيلاء من زوجته التي في عصمته، ومن المعتدة من طلاقٍ رجعيٍّ لأنها لا تزال في حكم الزوجة. 2- أهلية الزوج للطلاق -عند أبي حنيفة؛ لأن الإيلاء مصيره إلى طلاق بائنٍ إذا أصرَّ الرجل عليه، فيلزم أن يكون الزوج بالغًا عاقلًا. ألفاظ الإيلاء: كل لفظ يفهم منه الإعراض عن جماع الزوجة المدة المتقدمة يقع به الإيلاء؛ مثل: لا وطئتك, أو لا اغتسلت منك, ونحوه. فإن ذكر لفظًا محتملًَا مثلًا: لا قربت فراشك, أو لا نمت عندك, أو لا مَسَّ جلدي جلدك, فإنه يسأل عن مراده من هذه الألفاظ, فإن كان يقصد بها الإعراض عن جماع زوجته كان موليًا وإلا فلا.

هل تطلق عليه بمضي الأربعة أشهر؟ - ذهب الأكثر من أهل العلم إلى أن المولي من زوجته يتربص به أربعة أشهر, ولا يطالب فيهن بشيء, فإذا مضت ورافعته امرأته إلى الحاكم وقفه وأمره بالفيئة إلى زوجته في خلال أجلٍ قصيرٍ يضربه له, فإن أبى أمره بالطلاق، ولا تطلق زوجته بنفس المدة، لأن الله تعالى تعالى ذكر الفيئة بالفاء المقتضية للتعقيب ثم قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ولو وقع بمضيّ المدة لم يحتج إلى عزم عليه. - وقال فريق كبير من أهل العلم: إذا مضت الأربعة أشهر فهي تطليقة بائنة, ولا يطالب بالفيئة بعدها, وذلك لقراءة ابن مسعود -رضي الله عنه: {فَإِنْ فَاءُوا} فيهنَّ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . فإذا أفاء سواء داخل المدة أو بعدها: - عند أكثر أهل العلم يطالب بكفارة يمينه الذي آلى به؛ حيث حنث فيه بفيئته إلى زوجته. - وقال بعضهم: لا يطالب بكفارة لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . الفيئة بالقول: إذا مضت المدة وبالمولي عذر يمنع الوطء؛ من مرض أو حبس بغير حق أو غير ذلك من الأعذار: - رأى فريق من الفقهاء أنه يلزمه أن يفيء بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتها, ونحو ذلك؛ لأن القصد من الفيء هو ترك قصد الإضرار, وقد ترك هذا القصد بما حدث من الاعتذار. - خلافًا لمن قال: لا يُقْبَلُ منه إلّا الجماع أو التطليق.

متى يطلق الحاكم عليه: إذا امتنع المولي من الفيئة بعد التربص, أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه أو الوطء بعد زوال عذره, أُمِرَ بالطلاق: - فإن طلَّق واحدة أو أكثر كان له ذلك, ولا يجبره الحاكم على أكثر من واحدة؛ لأنها تبين بها ويتحقق التخلص من ضرره. - وإن امتنع من الطلاق: رأى أكثر أهل العلم أن الحاكم يطلق عليه، وقيل: يضيِّقُ عليه الحاكم ويحبسه حتى يفيء أو يطلق. وهذه الطلقة: - رأى الأكثر من أهل العلم أنها بائنة لا يحق لها مراجعتها خلال العدة. - ورأى بعض أهل العلم أنه رجعيّ؛ لأن رغبته في الرجعة دليل على قصده رفع الضرر. ترك الوطء بغير يمين: من ترك جماع زوجته دون يمين فهل يكون موليًا؟ - ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يكون موليًا. - وذهب آخرون إلى أنه إن كان يقصد الضرر بترك الجماع يُعْطَى حكم المولي، وإلّا فلا. التداعي بالفيئة وعدمها: إذا وقف بعد الأربعة أشهر فقال: قد أصبتها: - فإن كانت ثيِّبًا فالقول قولُه مع يمينه؛ لأنه أمر لا يُعْلَمُ إلّا من جهته. - وإن كانت بكرًا نظرتها النساء الثقات: فإن قلن ببكارتها فالقول قولها؛ لأنه لو وطئها زالت بكارتها، وإن قلن زالت بكارتها, فالقول قوله بيمينه.

_ 1 تنظر أحكام الإيلاء بتوسُّع في المراجع التالية: المغني جـ7 من ص298 إلى ص337, وقوانين الأحكام الشرعية ص253، والمحلى على المنهاج جـ4 من ص8 إلى ص14, والدر المختار مع حاشية ابن عابدين جـ3 من ص422 إلى ص438.

الخلاصة: 1- الإيلاء في الشرع: هو حلف زوج على الامتناع من وطء زوجته مدة أربعة أشهر أو مطلقًا. 2- حكم الإيلاء: الحرمة إذا لم يكن لحاجة. 3- وقد ثبت الإيلاء شرعًا بالكتاب والسنة. 4- شروط الإيلاء: 1- قيام الزوجة: فيصحُّ الإيلاء من زوجته التي في عصمته، ومن المعتدة من طلاقٍ رجعيٍّ لأنها لا تزال في حكم الزوجة. 2- أهلية الزوج للطلاق -عند أبي حنيفة؛ لأن الإيلاء مصيره إلى طلاق بائنٍ إذا أصر الرجل عليه، فيلزم أن يكون الزوج بالغًا عاقلًا. 5- ألفاظ الإيلاء: كل لفظ يفهم منهم الإعراض عن جماع الزوجة المدة المتقدمة يقع به الإيلاء. 6- أ- ذهب الأكثر من أهل العلم إلى أنه بمضيِّ الأربعة أشهر يأمر الحاكم المولي بالفيئة إلى زوجته في خلال أجلٍ قصيرٍ يُضْرَبُ له, فإن أبى أمره بالطلاق. ب- وقال فريق كبير من أهل العلم: إذا مضت الأربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. 7- إذا أفاء المولي سواء داخل المدة أو بعدها: أ- فإنه يطالب بكفارة يمينه الذي آلى به عند أكثر أهل العلم. ب- وقال بعضهم: لا يُطَالَبُ بكفارة. 8- إذا مضت المدة وبالمولي عذر يمنع الوطء: أ- يرى فريق من الفقهاء أنه يلزمه أن يفيء بلسانه.

ب- خلافًا لمن قال: لا بُدَّ أن يجامع أو يطلق. 9- إذا امتنع المولى من الفيئة بعد التربص أُمِرَ بالطلاق, فإن امتنع من الطلاق: أ- رأى أكثر أهل العلم أن الحاكم يطلق عليه. ب- وقيل: يضيق عليه الحاكم ويحبسه حتى يفيء أو يطلق. 10- وهذه الطلقة: أ- رأى الأكثر من أهل العلم أنها بائنة. ب- ورأى بعض أهل العلم أنه رجعيّ. 11- مَنْ تَرَكَ جماع زوجته دون يمين: أ- ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يكون موليًا. ب- بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه إن كان يقصد الضرر بترك الجماع فإنه يُعْطَى حكم المولي وإلا فلا. 12- إذا وقف بعد الأربعة أشهر فقال: قد أصبتها: أ- فإن كانت ثيِّبًا؛ فالقول قولُه مع يمينه. ب- وإن كانت بكرًا نظرتها النساء الثقات.

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما معنى الإيلاء لغة وشرعًا؟ وما حكمه؟ وما أدلة ثبوته شرعًا؟ 2- ما هي شروط الإيلاء؟ 3- ما هي ألفاظ الإيلاء؟ وما الحكم إن ذكر لفظًا محتملًا؟ 4- هل يطلق الحاكم على المولي زوجته بمجرد مضيّ الأربعة أشهر؟ 5- ما حكم الكفارة على المولي إذا أفاء, سواء داخل المدة أو بعدها؟ 6- ما المقصود بالفيئة بالقول؟ ومتى تلزم المولي؟ 7- متى يطلق الحاكم على المولي؟ 8- كيف تحتسب طلقة المولي؟ 9- من ترك جماع زوجته دون يمين فهل يكون موليًا؟ 10- إذا وقف المولي بعد الأربعة أشهر فقال: قد أصبتها, فهل يُقْبَلُ قولُه؟

المبحث الخامس: أحكام الظهار

المبحث الخامس: أحكام الظهار الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تصبح قادرًا على معرفة ما يلي: 1- معنى الظهار وأدلته من القرآن والسنة. 2- أركان الظهار والأحكام المتعلقة بها. 3- حكم الظهار والآثار المترتبة عليه. 4- حكم من ظاهر من أجنبية ثم تزوجها. 5- كفارة الظهار وأنواعها. 6- بعض الفروع المهمة الخاصة بأحكام الظهار.

الظهار في اللغة: مصدرٌ ظاهر من امرأته: إذا قال لها: أنت عليّ كظهر أمي. وشرعًا: تشبيه المسلم زوجته أو جزءًا شائعًا منها بمحرم عليه تأبيدًا؛ كأنت عليَّ كظهر أمي, أو نصفك كظهر أمي, أو ظهر أختي, أو فرج أمي, أو فرج ابنتي1. دليل الظهار: 1- من القرآن الكريم قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} الآية2. 2- من السنة: ما رواه أبو داود بإسناده إلى خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: "تظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشكو, ورسول الله يجادلني فيه ويقول: "اتقي الله فإنه ابن عمك" فما برحت حتى نزل القرآن {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} 3, فقال -صلى الله عليه وسلم: "يعتق رقبة" , فقلت: لا يجد, قال: "فيصوم شهرين متتابعين"، فقلت: يا رسول الله, إنه شيخ كبير ما به من صيام, قال: "فليطعم ستين مسكينًا"، قلت: ما عنده من شيء يتصدق به, قال: "فإني سأعينه بعرقٍ من تمر"، فقلت: يا رسول الله, فإني أعينه بعرق آخر.

_ 1 حاشية ابن عابدين جـ3 ص465، 466. 2 سورة المجادلة الآية 2. 3 سورة المجادلة الآية 1.

قال: "قد أحسنت، اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينًا وارجعي إلى ابن عمك" 1. أركان الظهار: أركان الظهار أربعة: المظاهر، والمظاهر عنها، واللفظ، والمشبه به. 1- المظاهِر: وهو كل زوج مسلم عاقل بالغ عند جمهور الفقهاء. 2- المظاهَر عنها: وهي زوجة المظاهر الحرة, سواء كانت مسلمة أم كتابية. 3- اللفظ: ويكون صريحًا, وهو كل ما تضمن لفظ الظهر. والكناية مما لم يتضمَّن ذكر الظهر مثل قوله: أنت عليّ كأمي, أو أنت عليّ حرام: - فإن نوى به الظهار فهو ظهار. - وإن لم ينو وأطلق: فذهب بعض العلماء إلى أنه ظهار، وذهب آخرون إلى أنه طلاق. والحقُّ في الفتوى في مثل هذه الصيغة أن ينظر إلى حال الشخص الذي عبَّر عنها، فإن كثيرًا من العامة لا يعرفون معنى الظهار الشرعيّ، ولا يقصدون من مثل هذا اللفظ إلّا تأكيد التحريم، فينبغي أن يحمل هذا على أنه طلاق بائن, ومثله أن يقول: أنت عليّ حرامٌ كأمي وأختي، فإنه طلاق بائن بينونة صغرى، ما لم يقصد به البينونة الكبرى, فإنه يكون على ما نوى. 4- المشبه به: وهي الأم عند الجمهور, ويلحق بها كل محرمة عليه على التأبيد

_ 1 سنن أبي داود "2214"، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي "7/ 389" من حديث خويلة, وفي إسناده معمر بن عبد الله بن حنظلة, مجهول لا يُعْرَفُ, وله شاهد مرسل رجاله, كتاب رواه البيهقي "7/ 389", والبغوي في "شرح السنة" "2364", ورواه ابن ماجه "2063"، والحاكم "2/ 481" من حديث عائشة مختصرًا وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وهو كما قال.

بنسب أو رضاع أو صهر. - وقيل: إنما الظهار بالأم خاصة1. حكم الظهار والآثار المترتبة عليه: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد أن يطلِّقَ امرأته جعلها في التحريم على نفسه كالمواضع التي لا يطلع عليها من أمه: كالفخذ والظهر والفرج، ثم نظروا فلم يجدوا موضعًا أحسن في الذكر ولا أستر من الظهر, مع إصابة المعنى الذي أرادوا, فاستعملوه دون غيره. وعلى هذا, فإن الظهار حرامٌ لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} . والذي عليه جماهير أهل العلم: أنه يحرم على المظاهر وطء زوجته قبل أن يكفِّر, وفي سنن أبي داود "أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, إني تظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفِّر, فقال: "ما حملك على ذلك رحمك الله؟ " قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر, قال: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله" 2. أما التلذذ بما دون الجماع من القبلة واللمس والمباشرة فيما دون الفرج: فأكثر العلماء يحرمونه قبل التكفير، وقيل بجواز ذلك. الظِّهَارُ من أجنبية ثم تزوجها: إذا قال الشخص: إن تزوجت فلانة فهي عليَّ كظهر أمي, ثم تزوجها: ذهب فريق من الفقهاء إلى أنه لا يقربها حتى يكفر، لما رواه الإمام مالك

_ 1 القوانين ص254. 2 سنن أبي داود ص274 رقم1.

بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي عليَّ كظهر أمي، فتزوجها، قال: عليه كفارة الظهار1. وذهب فريق آخر إلى عدم الكفارة، عن ابن عباس2 ولقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} والأجنبية ليست من نسائه. الكفارة وأنواعها: من ظاهر من امرأته ثم أراد العود -وهو العزم على الوطء عند الجمهور- وجب عليه الكفارة. والكفارة ثلاثة أنواع: النوع الأول: عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررًا بيّنًا. النوع الثاني: من لم يجد رقبة, وجب عليه صيام شهرين متتابعين، فإن أفطر فيها من عذرٍ بنى على ما مضى، وإن أفطر من غير عذر ابتدأ. النوع الثالث: فإن لم يستطع الصوم فإطعام ستين مسكينًا، لكلِّ مسكينٍ مُدٌّ من بُرٍّ أو نصف صاعٍ من تمرٍ أو شعيرٍ من غالب قوت بلده. ومن ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان أفطر يوم الفطر وبنى. وكذلك من ابتدأ من أول ذي الحجة أفطر يوم النحر وأيام التشريق وبنى على ما مضى من صيامه. والنية شرط في صحة الكفارة؛ لأنها عبادة مدارها على النية.

_ 1 الموطأ "2/ 559" ورجاله ثقات, إلا أن القاسم بن محمد لم يدرك عمرًا، ومثل هذا الانقطاع احتمله العلماء وقبوله. 2 هو ما رواه عكرمة عنه أنه كان لا يرى الظهار قبل النكاح شيئًا، ولا يرى الطلاق قبل النكاح شيئًا. رواه عبد الرزاق في "المصنف", وهو قول الحسن وقتادة, وبه يقول الشافعي، وأهل الظاهر.

فروع مهمة: 1- من وطئ قبل أن يأتي بالكفارة كان عاصيًا وعليه الكفارة. 2- إذا قالت المرأة لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي: - رأى أكثر الفقهاء أنها لا تكون مظاهرة وتلزمها كفارة الظهار؛ لأنها قد أتت بالمنكر من القول والزور، وجهة الجمهور أن الظهار في الآية نُسِبَ إلى الرجال لا إلى النساء. - ونُقِلَ عن عدد من الفقهاء أنه ظهار. 3- إذا ظاهر الزوج من زوجته مرارًا قبل أن يكفر. - رأى أكثر العلماء أن عليه كفارة واحدة. - بينما ذهب عدد آخر إلى التفرقة بين ما إذا حدث هذه الظهارات في مجلس واحد فكفارة واحدة، أو في مجالس متعددة فتعدد الكفارة. - والذي عليه الجمهور هو الأقرب إلى النظر في هذه المسألة1.

_ 1 تنظر هذه الأحكام بتوسع في المغني جـ7 من ص337 إلى ص390, ومغني المحتاج للخطيب الشربيني الشافعي جـ3 من ص352 إلى ص366, ومجمع الأنهر للشيخ محمد بن سليمان, المعروف بدامادا أفندي جـ1 من ص446 إلى ص454, والقوانين ص254، 255.

الخلاصة: 1- الظهار: هو تشبيه المسلم زوجته أو جزءًا شائعًا منها بمحرم عليه تأبيدًا كأن يقول: أنت عليّ كظهر أمي، أو نصفك كظهر أمي. 2- وردت أدلة الظهار في القرآن والسنة. 3- أركان الظهار أربعة: أ- المظاهِر ب- المظاهَر عنها. جـ- اللفظ: ويكون صريحًا, وهو كل ما تضمَّن لفظ الظهر. أو كنايةً مما لم يتضمَّن ذكر الظهر؛ فإن نوى به الظهار فهو ظهار, وإن لم ينو وأطلق فذهب بعض العلماء إلى أنه ظِهَار، وذهب آخرون إلى أنه طلاق، والحق أن يُنْظَرَ إلى حال الشخص الذي عبَّر عنها ويكون على ما نوى. د- المشبَّه به: وهي الأم, ويلحق بها كل محرَّمةٍ عليه على التأبيد عند الجمهور. 4- الظِّهار حرام, والذي عليه جماهير أهل العلم أنه يَحْرُمُ على المظاهِرِ وطء زوجته قبل أن يكفر. 5- إذا ظاهر الرجل من أجنبية ثم تزوجها: أ- ذهب فريق من الفقهاء إلى أنه لا يقربها حتى يُكَفِّرَ. ب- وذهب فريق آخر إلى عدم الكفَّارة. 6- كفَّارة الظِّهار: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد رقبةً وجب عليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع الصوم فإطعام ستين مسكينًا.

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المقصود بالظهار؟ وما أدلته من القرآن ومن السنة؟ 2- أكمل الجمل الآتية: أركان الظهار أربعة وهي: أ- المظاهِرُ: وهو كل ... عند جمهور الفقهاء. ب- المظاهَر عنها: وهي ... سواء كانت ... جـ- اللفظ: ويكون صريحًا, وهو كل ما تضمَّن لفظ ... , أو كنايةًَ مما لم يتضمَّن ذكر ... ، فإن نوى به الظهار فهو ... , وإن لم ينو وأطلق فذهب البعض إلى أنه ... ، وآخرون إلى أنه ... ، والحق ... د- المشبَّه به: وهي ... ويلحق بها ... عند الجمهور. 3- ما حكم الظهار؟ وما الدليل؟ اختر الإجابة الصحيحة: 4- الذي عليه جماهير أهل العلم أنه: أ- يَحرُمُ على المظاهِرِ وطء زوجته قبل أن يُكَفِّرَ. ب- يجوز الجماع قبل التكفير بالطعام. جـ- يجوز للمظاهر وطء زوجته قبل أن يكفِّرَ. 5- التلذذ بما دون الجماع من القبلة واللمس والمباشرة فيما دون الفرج: أ- أجمع العلماء على عدم جوازه قبل التكفير. ب- أكثر العلماء يحرمونه قبل التكفير.

جـ- أكثر العلماء قالوا بجوازه قبل التفكير. 6- ما هي كفارة الظهار وما أنواعها؟ 7- وضِّحْ الحكم في الحالات الآتية: أ- إذا ظاهر الرجل من أجنبية ثم تزوجها. ب- مَنْ صام صوم الظِّهار ولكن أفطر فيه من عذر. جـ- من صام صوم الظِّهار ولكن أفطر فيه من غير عذر. د- من ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان. هـ- من ابتدأ صوم النهار من أول ذي الحجة. و إذا قالت المرأة لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي. إجابة بعض الأسئلة: 2 أ- هو كل زوج مسلم عاقل بالغ. ب- هي زوجة المظاهِر الحرة, سواء كانت مسلمة أم كتابية. جـ- الظهر - الظهر- ظهار - ظهار- طلاق - أن ينظر إلى حال الشخص الذي عبَّر عنها ويكون على ما نوى. د- الأم -كل محرمة عليه على التأبيد. 4- أ 5- ب

المبحث السادس: أحكام اللعان

المبحث السادس: أحكام اللعان الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى اللعان وأدلة مشروعيته. 2- أركان اللعان والأحكام المتعلقة بها. 3- ما هي الأحكام المترتبة على اللعان. 4- بعض الفروع المهمة في أحكام اللعان.

اللعان في اللغة: مشتق من اللعن؛ لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبًا. وشرعًا: هو شهادات مؤكدة بالأيْمَان, مقرونة باللعن, قائمة مقام حَدِّ القذف في حق الزوج, ومقام حَدِّ الزنا في حقها1. وقد ثبت بالكتاب والسنة: 1- من الكتاب: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ... } الآيات2. 2- من السنة: ما رواه سهل بن سعد الساعدي "أن عويمر العجلاني أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, أرأيت رجلًا وَجَدَ مع امرأته رجلًا فيقتله فتقتلونه, أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك, فاذهب فائت بها". قال سهل: فتلاعنَّا وأنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها, فطلقها ثلاثًا بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم"3. وأركانه أربعة: الملاعن, والملاعنة، وسببه، ولفظه. أما الملاعن والملاعنة: فهما الزوجان العاقلان البالغان, سواء كانا حُرَّيْن أو مملوكين أو فاسقين. ويشترط الإسلام في الزوج لا في الزوجة، فإن الذمية تلاعن لرفع العار عنها.

_ 1 مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر جـ1 ص455. 2 سورة النور الآيات 6-9. 3 الحديث متفق عليه.

واشترط أبو حنيفة أن يكونا حرين مسلمين عدلين. وأما سبب اللعان فشيئان: أحدهما: دعوى رؤية الزنا بشرط ألا يطأها بعد الرؤية, فإن لم يلتعن أو يأت بأربعة شهداء, فإنه يُحَدُّ حَدَّ القذف, وحُكِمَ بفسقه ورَدِّ شهادته، ولا يُعرض له بحدٍّ أو غيره حتى تطالبه الزوجة بذلك؛ لأن ذلك حقٌّ لها، وليس لوليها المطالبة عنها ولو كانت محجورًا عليها، ولا فرق بين كون الزوجة مدخولًا بها أو غير مدخول بها. الثاني: نفي الحمل, بشرط أن يدعي أنه لم يطأها لأمد يلحق به الولد, وهو ستة أشهر فأكثر، أن يدعي الاستبراء لها بحيضة, وقيل بثلاث, وأن ينفيه قبل وضعه, فإن سكت حتى وضعته حُدَّ ولم يلاعن, خلافًا لبعض العلماء الذين قالوا: يكون له اللعان بعد الوضع, وكذلك نفيه, وقيل: إن سكت لعذر كان من حقه اللعان. وأما لفظ اللعان: فإنه يقول أربع مرات في الرؤية: "أشهد بالله لقد رأيتها تزني" أو "إني لصادق فيما رميتها به من الزنا" ويصف ما رآه كما يصف الشهود، وقيل: ليس عليه هذا الوصف، ويقول أربع مرات في نفي الحمل: "أشهد بالله لقد زنت, أو "ما هذا الحمل مني". ويقول في الخامسة: {لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} . - وتقول المرأة أربع مرات في الرؤية: "أشهد بالله ما رآني أزني", وتقول أربع مرات في نفي الحمل: "ما زنيت وإنه منه". وتقول في الخامسة: {غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . ويتعين لفظ الشهادة، ولا يبدل الغضب باللعن أو العكس, مع وجوب الترتيب بين الغضب واللعن.

ويصح لعان الأخرس وقذفه إذا كان يعقل الإشارة أو يفهم الكتابة, وإلّا كان كالمجنون. ويكون اللعان بمحضر جماعة لا ينقصون عن أربعة. الأحكام المترتبة على اللعان: إذا التعن الزوج تعلقت به ثلاثة أحكام: 1- سقوط حَدِّ القذف عنه. 2- انتفاء نسب الولد منه. 3- وجوب حَدِّ الزنا عليها إلّا أن تلاعن. وإذا التعنت المرأة تعلقت بها ثلاثة أحكام: 1- سقوط الحدِّ عنها. 2- ثبوت الفرقة بينهما عند أكثر العلماء. 3- تأبيد تحريمها عليه خلافًا لأبي حنيفة. وقال بعض العلماء: إن الفرقة بينهما وتأبيد التحريم يترتبان على التعان الزوج, ولو لم تلاعن هي. من الفروع المهمة: أ- إن نكل الزوج عن اللعان: - عند الجمهور يُحَدُّ للقذف. - خلافًا لبعض الفقهاء الذي يرى أنه يُحْبَسُ ولا يُحَدُّ حتَّى يلاعن أو يكذِّب نفسه.

وإن نكلت الزوجة عن اللعان: - عند الجمهور ترجم. - خلافًا لبعض الفقهاء الذي يرى أنها تُحْبَسُ حتَّى تلاعن أو تصدِّق زوجها. ب- تقع الفرقة بينهما باللعان دون حكم حاكم بها، خلافًا لأبي حنيفة الذي يجعلها للحاكم. جـ- الفرقة فسخ عند الجمهور، وعند أبي حنيفة طلقة بائنة. د- ينبغي أن يوعظ المتلاعنان قبل لعانهما, ويخوَّفَا بعذاب الله في الآخرة. هـ- لا يحكم القاضي في اللعان حتى يثبت عنده نكاح الزوجين؛ لأن اللعان لا يكون إلّا بينهما. و إن أكذب الملاعن نفسه قبل لعان المرأة حُدَّ وبقيت له زوجة. ز- إن القذف قد يكون واجبًا, وذلك في حالة ما إذا رآها تزني في طهرٍ لم يطأها فيه, فإنه يلزمه اعتزالها حتى تنقضي عدتها, فإن أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا, وأمكنه نفيه عنه, لزمه قذفها, ونفي ولدها؛ لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزنا, فإذا لم ينفه لحقه الولد وثبتت له كل حقوق الولد من الصلب, وليس ذلك بجائز، فيجب نفيه لإزالة ذلك. وقد يكون الستر أولى إذا لم يكن ولد, وفي إمكانه طلاقها وستر نفسه وسترها. وقد يكون القذف حرامًا, وهو في حالة ما إذا قذف أزواجه دون مبرر، أو قذف الأجانب وهو في هذه الحالة يكون من الكبائر1.

_ 1 ينظر بتوسع في هذه الأحكام: القوانين ص225 إلى ص257, ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر من ص454 إلى ص464, والمغني جـ7 من ص390 إلى ص448, ومغني المحتاج جـ3 من ص367 إلى ص384.

الخلاصة: 1- اللعان: هو شهادات مؤكَّدةٌ بالأَيْمَانِ, مقرونة باللعن, قائمة مقام حَدِّ القذف في حق الزوج، ومقام حَدِّ الزنا في حقها. 2- وقد ثبت اللعان بالكتاب والسنة. 3- أركان اللعان أربعة: أ- الملاعن ب- الملاعنة جـ- سببه "دعوى رؤية الزنا - نفي الحمل" د- لفظه 4- الأحكام المترتبة على التعان الزوج: أ- سقوط حَدِّ القذف عنه. ب- انتفاء نسب الولد منه. جـ- وجوب حَدِّ الزنا عليها إلّا أن تلاعن. الأحكام المترتبة على التعان المرأة: أ- سقوط الحدِّ عنها. ب- ثبوت الفرقة بينهما عند أكثر العلماء. جـ- تأبيد تحريمها عليه خلافًَا لأبي حنيفة. 5- إن نكل الزوج عن اللعان حُدَّ للقذف عند الجمهور. إن نكلت الزوجة عن اللعان رجمت عند الجمهور. 6- إن أكذب الملاعن نفسه قبل لعان المرأة حُدَّ وبقيت له زوجة. 7- إن القذف قد يكون واجبًا, وذلك في حالة إذا ما رآها تزني في طهرٍ لم يطأها فيه, واعتزلها حتى تنقضي عدتها, ثم أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا؛ لأن ذلك يجري مجرى اليقين من أنَّ الولد من الزنا.

أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المقصود باللعان؟ وما أدلة ثبوته من الكتاب والسنة؟ 2- أكمل الجمل الآتية: أركان اللعان أربعة: أ، ب- الملاعن والملاعنة: وهما ... , سواء كانا ... جـ- سبب اللعان شيئان: أحدهما ... , والثاني ... د- لفظ اللعان: يقول الزوج أربع مرات في الرؤية ... ويقول أربع مرات في نفي الحمل ... ويقول في الخامسة ... وتقول المرأة أربع مرات في الرؤية ... وتقول أربع مرات في نفي الحمل ... وتقول في الخامسة ... 3- ما هل الشروط الواجب توافرها حتى يمكن للزوج أن ينفي الحمل عن نفسه؟ 4- وضح صحة أو خطأ هذه العبارات: أ- يجوز اللعان لكلِّ لفظ يدل على معنى الشهادة. ب- يجوز في اللعان أن يبدل الغضب باللعن أو العكس, ولا يلزم الترتيب بين الغضب واللعن. جـ- يكون اللعان بمحضر جماعة لا ينقصون عن عشرة. 5- ما هي الأحكام المترتبة على اللعان بالنسبة لكلٍّ من الزجين؟ 6- وضح الحكم في الحالات الآتية: أ- إن نكل الزوج عن اللعان. ب- إن نكلت الزوجة عن اللعان. جـ- إن أكذب الملاعن نفسه قبل لعان المرأة. 7- متى يكون القذف واجبًا؟ ومتى يكون حرامًا؟

المبحث السابع: أحكام الرضاع

المبحث السابع: أحكام الرضاع الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى الرضاع وأدلة التحريم بالرضاع. 2- القدر المحرم من الرضاع. 3- كيف ينشر الرضاع الحرمة؟ 4- قصر الحرمة على المرتضع دون أقاربه. 5- ما هو السن المحرم في الرضاع. 6- بم تكفي الشهادة على الرضاع. 7- حكم الإقرار بالرضاع.

الرضاع لغة: اسمٌ لمصِّ الثدي وشرب لبنه. وشرعًا: اسمٌ لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه1. الأصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والإجماع: 1- من الكتاب قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} 2 حيث ذكرهما الله تعالى في جملة المحرمات. 2- من السنة: روت السيدة عائشة -رضي الله عنها: "إن الرضاعة تحرِّم ما تحرِّم الولادة" متفق عليه. 3- الإجماع: أجمع علماء الأمة على التحريم بالرضاع. القدر المحرم من الرضاع: - ذهب فريق من العلماء إلى أن القدر المحرم هو خمس رضعات فصاعدًا، وهو قول الشافعي ومذهب أحمد في أشهر الروايات عنه، لحديث عائشة قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن, ثم نسخن بخمس معلوماتٍ, فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو فيما يقرأ من القرآن" رواه مسلم3. - وذهب فريق آخر إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهو قول الحنفية والمالكية ومذهب جمهور الصحابة والتابعين ورواية عن أحمد -رحمه الله؛ لعموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وعموم قوله -صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم في النسب".

_ 1 مغني المحتاج جـ3 ص414. 2 سورة النساء الآية 23. 3 صحيح الإمام مسلم كتاب الرضاع، باب: القدر الذي يثبت به حكم الرضاع, وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في "الموطأ".

- بينما ذهب فريق ثالث إلى أن المحرم ثلاث رضعات, وذلك أخذًا من حديث: "لا تحرم المصة والمصتان" 1. وإذا حلب اللبن من نسوة ثم سُقِيَه الصبي فهو كمن رضع منهن، حتى ولو شيب بماء أو بسائل آخر فإنه يحرم كاللبن الخالص. الرضاع ينشر الحرمة: إن المرأة إذا حملت من رجل وثاب لها لبن فأرضعت به طفلًا رضاعًا محرمًا, صار الطفل المرتضع ابنًا للمرضعة بغير خلاف، وصار أيضًا ابنًا لمن ينسب إليه هذا الحمل، فيصير الابن في إباحة الخلوة والتحريم ابنًا لهما. كما يصير أولاده من البنين والبنات أولاد أولادهما وإن نزلت درجتهم. كما يصير جميع أولاد المرضعة من زوجها ومن غيره إخوة للمرتضع وأخواته, وجميع أولاد الزوج صاحب اللبن إخوة للرضيع من الأب. وأولاد أولادها أولاد إخوته وأخواته وإن نزلت درجتهم. وأم المرضعة جدته وأبوها جده، وإخوتها أخواله، وأخواتها خالاته. وأبو الرجل جده، وأمه جدته، وإخوته أعمامه، وأخواته عماته. وجميع أقاربهما ينتسبون إلى المرتضع كما ينتسبون إلى ولدهما من النسب. وذلك لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة، فنشر التحريم إليهما, ونشر الحرمة إلى الرجل وإلى أقاربه, وهو ما يسمى بماء الفحل. ودليل ذلك ما روت عائشة -رضي الله عنها: أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليَّ بعد ما أنزل الحجاب فقلت: والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فإن أخا

_ 1 مسلم -الموضع السالف- وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه وقال الترمذي: حسن صحيح.

أبي القعيس ليس هو أرضعني, ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله, إن الرجل ليس هو أرضعني, ولكن أرضعتني امرأته، قال: "ائذني له فإنه عمك تربت يمينك" قال عروة: فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول: "حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه1. الحرمة قاصرة على المرتضع دون أقاربه: الحرمة التي أصابت المرتضع تنشر الحرمة إلى ذريته فقط دون أقاربه، فلا تنتشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته, ولا إلى أعلى منه كأبيه وأمه وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته وأجداده وجداته. فلا يحرم على المرضعة نكاح أبي الطفل المرتضع ولا أخيه ولا عمه ولا خاله. ولا يحرم على زوجها نكاح أم الطفل المرتضع ولا أخته ولا عمته ولا خالته. ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها إخوة الطفل المرتضع وأخواته. ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخته من الرضاع؛ لأنه ليس بينهما رضاع ولا نسب. السن المحرم في الرضاع: جمهور أهل العلم على الرضاع المحرم هو ما كان في الحولين. - حجة الجمهور: قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ، وقوله سبحانه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ، وقوله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} . فقد جعلت الآية الأولى فطام الطفل في العامين لا بعدهما، وقدَّرت الآية

_ 1 البخاري في "النكاح", باب: ما يحل من الدخول، وفي "الرضاعة", ومسلم في الرضاع، باب: تحريم الرضاعة من ماء الفحل.

الثانية مدة حمل الجنين وفطام الرضيع بثلاثين شهرًا، ومعلوم أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فتكون مدة الرضاعة سنتين، أما الآية الثالثة فقد جعلت تمام الرضاع بكمال حولين، ولا زيادة بعد التمام. أما من السُّنَّة: فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا رضاع إلّا ما كان من حولين"، وحديث "لا يحرم من الرضاع إلّا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح1. - ونُقِلَ عن أبي حنيفة: أنه ما كان في الثلاثين شهرًا الأولى، وعن زفر ثلاث سنين. ولا تنتشر الحرمة إلّا من لبن امرأة. الشهادة على الرضاع: - ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن شهادة المرأة الواحدة كافية في التحريم، وحجة هذا الفريق: ما روى عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب, فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له, فقال: "وكيف وقد زعمت ذلك؟ " متفق عليه. - وذهب فريق آخر إلى ضرورة شهادة امرأتين. - وقال الحنفية: لا بُدَّ من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين, وروي ذلك عن عمر -رضي الله عنه, ولعموم الآية {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} 2 الآية. كما تقبل شهادة المرضعة على فعل نفسها.

_ 1 رقم 1152، وإسناده صحيح, رجاله رجال الصحيحين, ومن حجتهم -أيضًا- قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه من حديث عائشة. 2 سورة البقرة الآية 282.

لكن لا تقبل شهادة الرضاع إلّا مفسرة بأن تقول: هذا رضع عن ثدي هذه كذا رضعة في الحولين. الإقرار بالرضاع: إذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول: هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح, فإن صدقته المرأة فلا مهر لها، وإن كذَّبته فلها نصف المهر. وإن كانت المرأة هي التي قالت: هو أخي من الرضاعة فأكذبها, ولم تأت بالبينة على ما وصفت فهي زوجته في الحكم1.

_ 1 يراجع في هذه الأحكام بتوسع: المغني جـ7 من ص535 إلى ص563, والشرح الكبير جـ2 من ص502 إلى ص508, ومغني المحتاج جـ3 من ص414 إلى ص 423.

الخلاصة: 1- الرضاع شرعًا: اسمٌ لحصول لبن امرأة, أو ما حصل منه في معدة طفل. 2- ثبتت أدلة التحريم بالرضاع بالكتاب والسنة والإجماع. 3- اختلف العلماء في القدر المحرم من الرضاع: أ- ذهب فريق من العلماء إلى أن القدر المحرم هو خمس رضعات فصاعدًا. ب- وذهب فريق آخر إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم. جـ- بينما ذهب فريق ثالث إلى أن المحرم ثلاث رضعات. 4- الرضاع ينشر الحرمة. 5- الحرمة التي أصابت المرتضع تنشر الحرمة إلى ذريته فقط دون أقاربه. 6- اختلف العلماء في السن المحرم في الرضاع: أ- جمهور أهل العلم على أن الرضاع المحرم هو ما كان في الحولين, وهذا هو الصحيح. ب- ونُقِلَ عن أبي حنيفة: أنه ما كان في الثلاثين شهرًا الأولى، وعن زُفَر: ثلاث سنين. 7- اختلف العلماء في الشهادة في الرضاع: أ- ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن شهادة المرأة الواحدة كافية في التحريم. ب- وذهب فريق آخر إلى ضرورة شهادة امرأتين. جـ- وقال الحنفية: لا بُدَّ من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. 8- إذا تزوج رجل امرأة ثم قال قبل الدخول: هي أختي من الرضاع, انفسخ النكاح, فإن صدَّقته المرأة فلا مهرَ لها، وإن كذَّبته فلها نصف المهر. وإن كانت المرأة هي التي قالت: هو أخي من الرضاعة فأكذبها, ولم تأت بالبينة على ما وصفت, فهي زوجته في الحكم.

أسئلة التقوم الذاتي: 1- ما معنى الرضاع لغة وشرعًا؟ 2- ما أدلة التحريم بالرضاع؟ 3- اذكر آراء العلماء وأدلتهم في أحكام الأمور الآتية: أ- القدر المحرم من الرضاع. ب- السن المحرم في الرضاع. جـ- الشهادة على الرضاع. 4- وضِّح كيف ينشر الرضاع الحرمة مبينًا الدليل على ذلك. 5- اختر الإجابة الصحيحة: الحرمة التي أصابت المرتضع: أ- تنشر الحرمة إلى أقاربه فقط. ب- تنشر الحرمة إلى ذريته فقط. جـ- تنشر الحرمة إلى أقاربه وذريته جميعًا. 6- أكمل العبارات الآتية: إذا تزوَّج رجل امرأة ثم قال قبل الدخول: هي أختي من الرضاع ... فإن صدَّقته المرأة ... , وإن كذَّبته ... وإن كانت المرأة هي التي قالت: هو أخي من الرضاعة فأكذبها, ولم تأت بالبينة على ما وصفت, فهي ... في الحكم. إجابة بعض الأسئلة: 5 ب. 6 انفسخ النكاح - فلا مهر لها - فلها نصف المهر - زوجته.

الفصل الثاني: أهم الآثار المترتبة على انتهاء عقد النكاح

الفصل الثاني: أهم الآثار المترتبة على انتهاء عقد النكاح المبحث الأول: العدد الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تحيط علمًا بما يلي: 1- معنى العدة وأدلة مشروعيتها. 2- أقسام المعتدات وعدة كل منهن. 3- القاعدة التي تبين عدد الفرق من غير الطلاق. 4- الوقت المعتبر في نهاية العدة. 5- أقل سن الحيض وأكثره. 6- كيف تكون عدة الصغيرة إذا بلغت أثناء عدتها. 7- كيف تكون عدة الرجعية إذا مات زوجها. 8- أقل مدة الحمل وأقصاه. 9- الحكم إذا تزوجت المرأة في عدتها. 10- حكم من طُلِّقَتْ في عدتها.

العدد واحدها عدة: وهي أَجَلٌ حدَّده الشارع لانقضاء ما بقي من آثار الزواج بعد الفرقة. أدلة مشروعيتها: 1- من الكتاب: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1. وقوله سبحانه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2. وقوله جل شأنه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 3. 2- من السنة: قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث إلّا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرًا" 4. وقال -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس: "اعتدِّي في بيت ابن أم مكتوم" 5. 3- الإجماع: أجمعت الأمة على مشروعية العدة. وأجمعوا على أن المطلقة قبل الدخول لا عِدَّةَ عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} 6.

_ 1 سورة البقرة الآية 228. 2 سورة الطلاق الآية 4. 3 سورة البقرة الآية 234. 4 متفق عليه. 5 صحيح مسلم في الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها. 6 سورة الأحزاب الآية: 49.

حكمة تشريعها: وحكمة إيجاب العدة تعرف براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب، وإعطاء الزوج فرصةً يتمكن فيها من إعادة زوجيتها، كما أشار الله سبحانه إلى ذلك بقوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ، وبقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} ، والحداد والأسف على الزوج المتوفى، فكل عدة أوجبت فهي لتحقيق حكمة أو أكثر من هذه. وتجب العدة على الذمَّيَّة, سواء كانت زوجة لذميٍّ أو مسلم عند جمهور العلماء, خلافًا لأبي حنيفة الذي لم يوجب عليها العدة لعدم مخاطبتهم بفروع الشريعة. أقسام المعتدات: القسم الأول: معتدة بالحمل وهي كل امرأة حامل من زوج إذا فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو موته عنها, فعدتها وضع حملها؛ قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . القسم الثاني: معتدة بالقروء وهي كل امرأة من ذوات الحيض حصلت الفرقة بينها وبين زوجها بعد الدخول بها حقيقةً أو حكمًا بسبب غير الوفاة, سواء أكان طلاقًا أو فسخًا ولم تكن حاملًا وقت الفرقة, فعدتها القروء لقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . القسم الثالث: معتدة بالشهور 1- وهي كل من تعتدُّ بالقرء, أي: بالحيض إذا لم تكن ذات قرء لصغر أو إياس؛ لقول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} . 2- وكل من توفي عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرًا لقول الله تعالى:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} سواء كانت مدخولًا بها أم لا, ما لم تكن حاملًا. قاعدة عامة في عدد الفرق من غير الطلاق: كل فرقة بين زوجين من غير الطلاق فعدتها عدة الطلاق, سواء كانت بخلعٍ أو لعانٍ أو رضاعٍ أو فسخٍ لعيب أو إعسار أو إعتاق أو اختلاف دين أو شبهة, أو غير ذلك في قول أكثر أهل العلم. عدة المطلقة المدخول بها: إذا طَلَّقَ الرجل زوجته المدخول بها بعد مَسِّهِ إياها, فعدتها ثلاثة قروء على اختلافٍ بين العلماء في بيان المراد من القروء؛ فقال فريق من العلماء: هي الطهر، وقال فريق آخر: هي الحيض. أما إذا لم يمسّ, فذهب الجمهور إلى وجوب العدة عليها كاملة، ووجهة الجمهور: ما رواه زرارة بن أوفى "قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترًا أو أغلق بابًا فقد وجب المهر ووجبت العدة"1 رواه الإمام أحمد. وذهب البعض إلى عدم وجوب العدة عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وهو نصٌّ في الموضوع.

_ 1 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف", والبيهقي "7/ 255", وقال: هذا مرسل، زرارة لم يدركهم، وقد رويناه عن عمر وعلي موصولًا". ثم روى البيهقي من طرق عن عمر وعلي نحوه, وأسانيدها صحيحة, وأخرج الدارقطني في "سننه" عن عمر نحوه بإسنادٍ صحيح, وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر وعلي -رضي الله عنهما. والانقطاع في رواية زرارة مثله -هنا- يحتمل والله أعلم.

أقل سن الحيض وأكثره: أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين، فإذا رأت الدم من كانت أقل من ذلك فليس بحيض. وأما أكثره: فذهب البعض إلى تحديده بخمسين سنة، وبعضهم وصل به إلى ستين سنة, وقال فريق ثالث: اثنين وستين سنة. ومعلوم أن الصغيرة والآيسة عدتها ثلاثة أشهر. فإذا بلغت سنًّا تحيض فيه النساء عادةً ولم تحض هي؛ كخمس عشرة سنة, فعدتها ثلاثة أشهر عند أكثر أهل العلم، وذهب البعض إلى أن عدتها سنة. عدة المستحاضة: - إذا كانت تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة, وكانت أيام حيضها, فعليها أن تراعي عادتها في الحيض والطهر, فإذا مضت ثلاث حِيَضٍ انتهت العدة. - وإن لم تكن تميز: قيل: تعتد بثلاثة أشهر، وعند أكثر أهل العلم أنها تعتد بسنة؛ كمن ارتفع حيضها ولا تدري سبب رفعه. عدة الصغيرة إذا بلغت أثناء عدتها: الصغيرة إذا اعتدت بالأشهر ثم بلغت ونزل عليها الحيض قبل انتهاء عدتها ولو بساعة, فإنها تستقبل عدتها بالأقراء كاملةً عند عامة العلماء. عدة الرجعية إذا مات زوجها: إذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا بلا خلاف. أقل مدة الحمل: أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} , وبما

أن الفصال بمضيِّ عامين, فيكون الحمل ستة أشهر. إذا تزوجت المرأة في عدتها: إذا تزوجت المرأة قبل أن تكمل عدتها فزواجها الثاني باطل, وبنت على عدة الأول, ثم استقبلت العدة من الثاني، وهل تحرم على الثاني تأبيدًا؟: بهذا قال فريق من الفقهاء، وقال فريق آخر: إنه يكون خاطبًا من الخطاب. - ثم إن كانا عالمين بالعدة وتحريم النكاح فيها ووطئها, فهما زانيان عليهما حَدُّ الزنا, ولا مهر لها ولا يلحقه النسب. - وإن كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم ثبت النسب وانتفى الحدُّ ووجب المهر. - وإن علم هو دونها فعليه الحدُّ والمهر ولا نسب له. - وإن علمت هي دونه فعليها الحدُّ ولا مهر لها والنسب لاحقٌ به. - وإنما كان كذلك لأن هذا نكاح متفق على بطلانه, فأشبه نكاح ذوات محارمه1.

_ 1 ينظر بتوسع المغني جـ7 من ص448 إلى ص448, ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر جـ1 من ص464 إلى ص470, وقوانين الأحكام الشرعية من ص247 إلى ص249, ومغني المحتاج جـ3 من ص384 إلى ص398.

الخلاصة: 1- العدة: أجلٌ حدَّده الشارع لانقضاء ما بقي من آثار الزواج بعد الفرقة. 2- ثبتت أدلة مشروعية العدة بالكتاب والسنة والإجماع.

3- كل فُرْقَةٍ بين زوجين من غير الطلاق فعدتها عدة الطلاق, سواء كانت بخلعٍ أو لعانٍ أو رضاعٍ, أو فسخٍ لعيب أو إعسار أو إعتاق أو اختلاف دين أو شبهة أو غير ذلك, في قول أكثر أهل العلم. 4- الصغيرة إذا اعتدت بالأشهر ثم بلغت ونزل عليها الحيض قبل انتهاء عدتها ولو بساعة, فإنها تستقبل عدتها بالأقراء كاملةً عند عامة العلماء. 5- إذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا بلا خلاف. 6- إذا تزوجت المرأة قبل أن تكمل عدتها, فزواجها الثاني باطلٌ, وبنت على عدة الأول ثم استقبلت العدة من الثاني, واختلف العلماء هل تحرم على الثاني تأبيدًا أم لا؟ أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المقصود بالعدة؟ وما أدلة مشروعيتها؟ 2- ما هي العدة الواجة على كل من: أ- المطلقة قبل الدخول. ب- المرأة الحامل إن فارقها زوجها بطلاقٍ أو فسخٍ أو موته عنها. جـ- المطلقة المدخول بها. د- الصغيرة والآيسة. هـ- كل من توفي عنها زوجها, سواء كانت مدخولًا بها أم لا, ما لم تكن حاملًا. و إذا بلغت سنًّا تحيض فيه النساء عادةً ولم تحض هي؛ كخمس عشرة سنة. ز- المستحاضة.

3- أكمل: كل فُرْقَةٍ بين زوجين من غير الطلاق فعدتها ... في قول ... 4- ما هو أقل سن الحيض؟ وما أكثره؟ 5- ما هي أقل مدة الحمل؟ 6- متى تتحول العدة من الحيض إلى العدة بالأشهر؟ 7- متى تتحول العدة من الأشهر إلى الحيض؟ 8- أكمل موضحًا حكم الحدِّ والمهر والنسب فيما يلي: إذا تزوجت المرأة قبل أن تكمل عدتها, فزواجها الثاني ... , وبنت على ... , ثم استقبلت ... ثم: إن كانا عالمين بالعدة وتحريم النكاح فيها ووطئها فهما ... وإن كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم ... وإن علم هو دونها ... وإن علمت هي دونه ... إجابة بعض الأسئلة: 6 إذا طلق الرجل زوجته - وهي من ذوات الحيض طلاقًَا رجعيًّا ثم مات عنها وهي في العدة, فإن عليها أن تعتد عدة الوفاة, وهي أربعة أشهر وعشرًا. 7 الصغيرة إذا اعتَّدت بالأشهر ثم بلغت ونزل عليها الحيض قبل انتهاء عدتها ولو بساعة, فإنها تستقبل عدتها بالأقراء كاملة عند عامة العلماء.

المبحث الثاني: أحكام زوجة المفقود

المبحث الثاني: أحكام زوجة المفقود الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تعرف حكم الحالات الآتية: 1- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً غير منقطعة؛ بحيث يُعْرَفُ خبره ويأتي كتابه. 2- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً منطقعة؛ بحيث لا يُعْرَفُ خبره ولا يُعْلَمُ موضعه. أ- إن كان الشأن في غيبته السلامة. ب- إن كان الشأن في غيبته الهلاك.

أحكام زوجة المفقود: إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً غير منقطعةٍ؛ بحيث يُعْرَفُ خبره ويأتي كتابه فليس لامرأته أن تتزوج من غيره بإجماع العلماء إلّا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله, فلها أن تطلب فسخ النكاح, وكذلك زوجة الأسير لا تتزوج حتى يقين وفاته. أما إذا غاب الزوج غيبةً منقطعةً بحيث لا يُعْلَمَ خبرُه ولا يُعْلَمُ موضعه: - فإن كان الشأن في غيبته السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة, وكذلك في طلب العلم والسياحة: رأى فريق من الفقهاء أنه لا تزول الزوجية إلّا بعد مضيِّ تسعين سنة من ولادته, ما لم يثبت موته قبل ذلك. - بينما ذهب فريق آخر إلى أنها ترفع أمرها للحاكم الذي يحاول الاستعلام عنه, فإن لم يعلم خبره تربصت أربع سنين, وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرًا, وتحلُّ للأزواج؛ لأنه إن جاز الفسخ لتعذر النفقة بالإعسار فهذا من باب أولى. - وإن كان الشأن في غيبته الهلاك: كالذي يُفْقَدُ من بين أهله ليلًا أو نهارًا، أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع، أو يُفْقَدُ بين فريقين في معرَّة، أو ينكسر بهم مركب فيغرق بعض رفقته، أو يفقد في برية كبرى كبرية الحجاز ونحو ذلك: - فذهب أكثر العلماء إلى أنها تتربص أربع سنين, أكثر مدة الحمل, ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرًا, وتحلُّ للأزواج, وقد نُقِلَ هذا عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير1.

_ 1 وعند المالكية فيمن فُقِدَ بين الصفين وشهد الشهود بأنه حضر المعركة بين المسلمين, فإن زوجته تعتد بعد ذلك مباشرة, وقيل: بعد مدةٍ ليُسْتَعَلَمَ عنه, وإلا يعلم خبره اعتدت زوجته ووُرِثَ مالُه مثل من سافر إلى بلد فيها وباء, ثم انقطع خبره. الشرح الكبير جـ2 ص482، 483.

والأصل في هذا ما قضى به عمر -رضي الله عنه, فيما رواه الأشرم والجوزجاني بإسنادهما1, عن عبيد بن عمير قال: "فُقِدَ رجل في عهد عمر, فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين, ففعلت ثم أتته، فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرًا، ففعلت ثم أتته، فقال: أين وليّ هذا الرجل؟ فقال: طلقها، ففعل، فقال لها عمر: انطلقي فتزوجي من شئت، فتزوجت2 وقد قضى به بعد ذلك عثمان وعلي وابن الزبير -رضي الله عنهم. - وذهب بعض أهل العلم إلى أن امرأة المفقود لا تتزوج حتى يتبين موته أو فراقه؛ لأنه شك في زوال عصمة الزوجية, فلم تثبت به الفرقة. وفي كلا القولين تثبت لها النفقة في ماله, وإن لم يكن له مالٌ أو كان ولم يمكن الإنفاق, فإنها تطلب التطليق للإعسار عند الجمهور. وإن اختارت زوجة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها النفقة ما دام حيًّا، وينفق عليها من ماله حتى يتبين حاله؛ لأنها محكوم لها بالزوجية فتجب لها النفقة. فإذا تبيَّنَ أنه مات أو فارقها فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه, ويرجع عليها بالباقي، وقيل: لا يرجع إلّا من يوم علمها. ولا يُقسَّمُ مال المفقود إلّا في الوقت الذي تُعْلَمُ فيه وفاته, أو بعد أجلٍ يظهر فيه وفاته؛ لأن البقاء هو الأصل فلا يزول منه بالشك، وإنما أعطيت الزوجة فرصة التزويج بعد مدة قصيرة نسبيًّا حتى لا يطول عليها الضرر. وإن شهد ثقات بوفاة المفقود فاعتدت زوجته للوفاة, أبيح لها أن تتزوج, فإن عاد الزوج الأول بعد ذلك فحكمه حكم المفقود3.

_ 1 عزاه إليهما في المعنى. 2 رواه عبد الرزاق في "المصنف", وابن أبي شيبة والبيهقي في "سننه" بأسانيد صحيحة. 3 يرجع إلى هذه الأحكام بتوسع في: المغني جـ7 من ص488 إلى ص497, والشرح الكبير جـ2 ص479, وما بعدها.

الخلاصة: 1- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً غير منقطعة؛ حيث يُعْرَفُ خبره ويأتي كتابه, فليس لامرأته أن تتزوج من غيره بإجماع العلماء إلّا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله, فلها أن تطلب فسخ النكاح. 2- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةًَ منقطعة؛ بحيث لا يُعْرَفُ خبره ولا يعلم موضعه: أ- فإن كان الشأن في غيبته السلامة: رأى فريق من الفقهاء أنه لا تزول الزوجية إلّا بعد مضيِّ تسعين سنة من ولادته, ما لم يثبت موته قبل ذلك. بينما ذهب فريق آخر إلى أنها ترفع أمرها للحاكم الذي يحاول الاستعلام عنه, فإن لم يعلم خبره تربصت أربع سنين, وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرًا, وتحلُّ للأزواج. ب- وإن كان الشأن في غيبته الهلاك: ذهب أكثر العلماء إلى أنها تتربص أربع سنين, ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرًا, وتحلُّ للأزواج. بينما ذهب بعض أهل العلم إلى أن امرأة المفقود لا تتزوج حتى يتبين موته أو فراقه. وفي كلا القولين تثبت لها النفقة في ماله. وإن لم يكن له مال أو كان ولم يمكن الإنفاق, فإنها تطلب التطليق للإعسار عند الجمهور.

أسئلة التقويم الذاتي: 1 وضِّحْ الحكم في الحالات الآتية: 1- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً غير منطقعة؛ بحيث يُعْرَفُ خبره ويأتي كتابه. 2- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً منقطعة, وكان الشأن في غيبته السلامة. 3- إذا غاب الرجل عن زوجته غيبةً منقطعة, وكان الشأن في غيبته الهلاك. 4- إذا تزوجت زوجته المفقود ثم عاد زوجها الأول. 2 ما حكم النفقة لزوجة المفقود؟ 3 متى يقسَّمُ مال المفقود؟

المبحث الثالث: الإحداد

المبحث الثالث: الإحداد الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تعلم ما يلي: 1- المقصود بالإحداد وحكمه. 2- ما يجب على زوجة المتوفي اجتنابه؟ 3- هل يجب الإحداد على المطلقة أم لا؟ 4- الحكم إذا خرجت الزوجة إلى الحج فتوفي عنها زوجها.

المقصود بالإحداد: هو ترك زوجة المتوفى أنواع الزينة والمبيت في غير منزلها. حكمه: - عند جمهور العلماء يجب الإحداد على زوجة المتوفى, سواء كانت صغيرة أم كبيرة, مسلمة أم ذمية. - وقال آخرون: لا إحداد على صغيرةٍ أو ذميةٍ لعدم التكليف. ما يجب عليها اجتنابه: 1- الطيب: لقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تمسّ طيبًا إلّا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها" متفق عليه. 2- الزينة: كالاختضاب وتحمير الوجه وتحفيفه والاكتحال؛ لحديث "لا تحدّ المرأة فوق ثلاثة أيام إلّا على زوج, فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا, ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلّا ثوب عصب 1, ولا تكتحل, ولا تمس طيبًا ... " الحديث, متفق عليه. 3- زينة الثياب: فلا تلبس الأحمر والملون إذا كان القصد منه التحسين؛ كالأزرق الصافي والأخضر الصافي والأصفر, وفي الحديث2 "لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق". 4- الحليّ: حتى الخاتم لما ورد في الحديث "ولا الحلي" 3.

_ 1 وهو ما صبغ غزله قبل نسجه, وقيل: هو نبت تصبغ به الثياب. 2 أبو داود "2304"، والنسائي، وأحمد "6/ 302", وأبو يعلى في "مسنده", والبيهقي "7/ 440"، وابن حبان في "صحيحه". وإسناده صحيح, رجاله رجال مسلم. 3 هو جزء من الحديث الذي قبله.

5- المبيت في غير منزلها: أ- ذهب جمهور العلماء: إلى أنها لا تخرج من منزلها إلّا لحاجة نهارًا ثم تعود إليه. دليل الجمهور: ما روته فُرَيْعَة بنت مالك, أنها جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعْبُدَ له أبقوا1, فقتلوه بطرف القدوم2، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أرجع إلى أهلي, فإن زوجي لم يتركني في مسكنٍ يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني, أو أمر بي فدعيت له, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت؟ " فرددت عليه القصة، فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله"، فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به، رواه مالك في موطئه3. لكن ذلك إذا لم يوجد سبب مانع من البقاء؛ كخوف غرق أو هدم أو لصوص أو غير ذلك, وإلا فلها الانتقال إلى مكانٍ آمن تعتد به. ب- وقيل بجواز الخروج وأن تعتد في غير منزلها كبيت أهلها. الدليل: قوله تعالى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} الآية4. ولا يجوز الإحداد على غير زوج أكثر من ثلاثة أيام, كما ورد في الحديث.

_ 1 هربوا. 2 موضع على بعد ستة أميال من المدينة. 3 "2/ 519" عن سعد بن إسحاق, عن عمته زينت, عن الفريعة، وأخرجه من طريقة أبو داود "2300"، والترمذي "1204"، والدارسي "2/ 168"، والبيهقي "7/ 434"، وقال الترمذي: حسن صحيح, وأخرجه النسائي "6/ 199"، وابن ماجه "2031"، وأحمد "6/ 370، 420", والبيهقي "7/ 434" من طرق أخرى عن سعد بن إسحاق مع اختلاف يسير, وبعضهم يختصره. وصححه ابن حبان فأخرجه في "صحيحه", والحاكم "2/ 208", ونقل عن الذهليّ تصحيحه. 4 سورة البقرة الآية 240.

أما المطلقة فلا يجب عليها الإحداد عند جمهور العلماء للحديث السابق، خلافًا لمن أوجبه عليها من باب القياس على المتوفى عنها زوجها. إذا خرجت الزوجة إلى الحج فتوفي عنها زوجها: - فإن كانت بالقرب رجعت لتقضي العدة؛ لأنها في حكم الأقامة. - وإن كانت قد تباعدت مضت في سفرها, فإن رجعت وقد بقي من عدتها شيء أتت به في منزلها. - وقال مالك: ترد ما لم تحرم. - وإن كانت قد أحرمت من بيتها لزمها الاعتداد, ثم إذا أمكنها السفر بعد ذلك تحللت بعمرة، وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج، وإن لم يمكنها السفر فحكمها حكم المحسر؛ كالتي يمنعها زوجها من السفر1.

_ 1 تراجع هذه الأحكام بتوسع في المغني جـ7 من ص517 إلى ص524، والقوانين الفقهية ص250، 251، ومغني المحتاج جـ3 من ص398 إلى ص405.

الخلاصة: 1- المقصود بالإحداد: هو ترك زوجة المتوفى أنواع الزينة والمبيت في غير منزلها. 2- يجب الإحداد -عند جمهور العلماء- على زوجة المتوفى, سواء كانت صغيرة أم كبيرة، مسلمة أم ذمية. 3- ما يجب على زوجة المتوفى اجتنابه: الطيب - الزينة - زينة الثياب - الحلي - النقاب - المبيت في غير منزلها. 4- لا يجب الإحداد -عند جمهور العلماء- على المطلقة. 5- إذا خرجت الزوجة إلى الحج فتوفي عنها زوجها: أ- إن كانت بالقرب: رجعت لتقضي العدة. ب- إن كانت قد تباعدت: مضت في سفرها, فإن رجعت وقد بقي من عدتها شيء أتت به في منزلها. أسئلة التقوم الذاتي: 1- ما المقصود بالإحداد؟ وما حكمه؟ 2- ما الذي يجب على زوجة المتوفى اجتنابه؟ 3- ما مدة إحداد المرأة على كلٍّ من الزوج وغير الزوج؟ 4- هل يجب الإحداد على المطلقة؟ 5- ما الحكم إذا خرجت الزوجة إلى الحج فتوفي عنها زوجها؟

المبحث الرابع: نفقة المعتدة وسكناها

المبحث الرابع: نفقة المعتدة وسكناها الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تصبح قادرًا على أن تعرف حكم نفقة المعتدة وسكناها في الحالات الآتية: 1- المعتدة من طلاق رجعيّ. 2- المعتدة من طلاق بائن. 3- المتوفى عنها زوجها.

نفقة المعتدة وسكانها: المعتدة من طلاق رجعيٍّ لا خلاف بين العلماء أنه يجب لها النفقة والسكنى, كما يجب ذلك للمطلقة الحامل وإن كانت بائنًا. وأما البائن التي ليست بحامل فلها السكنى دون النفقة عند الشافعي, وقال أبو حنيفة: لها السكنى والنفقة، وقال ابن حنبل: لا سكنى لها ولا نفقة؛ لحديث فاطمة بنت قيس, أن أبا عمر بن حفص طلقها وهو غائب, فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال لها: "ليس لك عليه نفقة ولا سكنى, فأمرها أن تعتد بيت أم شريك -ثم قال: إن تلك امرأة يغشاها أصحابي, اعتدي في بيت ابن أم مكتوم" متفق عليه. وأما المتوفى عنها زوجها فلها السكن خاصة؛ لحديث1 الفريعة السابق، هذا إن كان المسكن للمتوفى بملك أو كراء نقده، وإن لم ينقد الكراء فلرب الدار إخراجها. كما إنه لا نفقة للمتوفى عنها زوجها, سواء كانت حاملًا أم لا من مال الميت لا من مال الحمل, وتقدَّم حديث الفريعة2.

_ 1 تقدم آنفًا. 2 تراجع هذه الأحكام بتوسع القوانين ص251، والمغني جـ7 ص528، 529، 531، ومغني المحتاج جـ3 من ص404-406.

الخلاصة: 1- المعتدة من طلاقٍ رجعيٍّ: لا خلاف بين العلماء أنه تجب لها النفقة والسكنى. 2- المطلقة البائن: أ- الحامل: تجب لها النفقة والسكنى بلا خلاف. ب- غير الحامل: عند الشافعي: لها السكنى دون النفقة. وقال أبو حنيفة: لها السكنى والنفقة. وقال أحمد بن حنبل: لا سكنى لها ولا نفقة. 3- المتوفى عنها زوجها: لها السكنى ولا نفقة لها. أسئلة التقوم الذاتي: وضح حكم نفقة المعتدة وسكناها في الحالات الآتية: 1- المعتدة من طلاق رجعيٍّ. 2- المطلقة البائن. أ- الحامل. ب- غير الحامل. 3- المتوفى عنها زوجها.

المبحث الخامس: المتعة

المبحث الخامس: المتعة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تتعرف على ما يلي: 1- المقصود بالمتعة ودليل مشروعيتها. 2- حكم المتعة. 3- من التي تمتع من النساء؟ 4- من لا متعة لهن عند الجمهور؟

المتعة: المتعة: هي ما يؤمر الزوج بإعطائه للمطلقة ليجبُرَ به ألم فراقها. دليل مشروعيتها من القرآن الكريم: قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} 1. وقال جل شأنه: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} 2. ومعنى متعوهن: أي أعطوهن شيئًا يكون متاعًا لهن, ويكون قدره بحسب حال الزوج من عسرٍ ويسرٍ. وقد اختلف العلماء في حكمها: - فنقل عن ابن عمر وعلي والحسن وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم القول بالوجوب؛ الدليل: لصيغة الأمر {وَمَتِّعُوهُنَّ} . - وحمله بعض العلماء؛ كأبي عبيد ومالك بن أنس والقاضي شريح وغيرهم على الندب. الدليل: لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} و {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ولم يوجبه على الخلق أجمعين. - قال الإمام القرطبي: القول الأول أولى3.

_ 1 سورة البقرة الآية 236. 2 سورة البقرة الآية 241. 3 تفسير القرطبي جـ2 ص1008 طبعة الشعب.

من التي تُمَتَّعُ من النساء؟ - نُقِلَ عن عددٍ من أهل العلم أن المتعة واجبةٌ للمطلقة قبل البناء والفرض, ومندوبة في حق غيرها. - وقال بعضهم: المتعة مندوبة في كل مطلقة وإن دخل بها, إلّا في التي لم يدخل بها وقد فرض لها, فحسبها ما فرض لها ولا متعة. - وأجمع أهل العلم على أن المطلقة التي لم يُفْرَضْ لها ولم يُدْخَلْ بها, لا شيء لها غير المتعة. مَنْ لا متعة لهنَّ عند الجمهور: 1- من فُسِخَ نكاحها في لعانٍ, وعيبٍ كجنون وجذام وعنة. 2- المختلعة من زوجها لعدم الموجب له, وهو ألم الفراق. 3- من فُرِضَ لها صداقٌ وطُلِّقَتْ قبل البناء لحصولها على نصف الصداق. 4- الزوجة المخيرة والمملكة إن اختارت نفسها لعدم وجود موجبه. بينما ذهب بعض أهل العلم إلى متعة كل مطلقة وكذلك الملاعنة1.

_ 1 ينظر بتوسع في جواهر الإكليل جـ1 ص365، والقوانين ص252، وتفسير القرطبي جـ2 ص1008، 1009.

الخلاصة: 1- المتعة: هي ما يؤمر الزوج بإعطائه للمطلقة ليجبر به ألم فراقها. 2- ثبت دليل مشروعية المتعة بالقرآن الكريم. 3- اختلف العلماء في حكمها: فنُقِلَ عن بعضهم القول بالوجوب وهو الأولى، وعن بعضهم القول بالندب. 4- مَن التي تمتع من النساء؟ أ- نقل عن عدد من أهل العلم أن المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض، ومندوبة في حق غيرها. ب- وقال بعضهم: المتعة مندوبة في كل مطلقة وإن دخل بها, إلا في التي لم يُدخَل بها وقد فُرِضَ لها, فحسبها ما فُرِضَ لها ولا متعة. جـ- وأجمع أهل العلم على أن المطلقة التي لم يُفْرَضْ لها ولم يُدْخَلْ بها, لا شيء لها غير المتعة. 5- من لا متعة لهنَّ عند الجمهور؟ 1- من فُسِخَ نكاحها في لعانٍ, وعيبٍ كجنون وجذام وعنة. 2- المختلعة من زوجها. 3- من فُرِضَ لها صداقٌ وطُلِّقَت قبل البناء. 4- الزوجة المخيرة والمملكة إن اختارت نفسها. أسئلة التقوم الذاتي: 1- ما المقصود بالمتعة؟ وما دليل مشروعيتها؟ 2- وضح حكم المتعة مبينًا آراء العلماء وأدلتهم. 3- من التي تُمَتَّعُ من النساء؟ 4- من اللاتي لا متعة لهنَّ عند الجمهور؟

المبحث السادس: الحضانة

المبحث السادس: الحضانة الأهداف الخاصة: يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تتعرف على ما يلي: 1- المقصود بالحضانة وحكمها. 2- من الأحق بالحضانة؟ 3- هل تثبت الحضانة للفاسق والكافر؟ 4- الحكم فيما إذا سافر أحد الأبوين. 5- متى تنتهي حضانة الأم؟

الحضانة: الحضانة: هي القيام على تربية الطفل وتنشئته ورعايته وحفظه. حكمها: الوجوب؛ لأن الطفل يهلك بتركه, فيجب حفظه عن الهلاك. من الأحق بالحضانة؟ إذا افترق الزوجان ولهما ولد صغير أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته, سواء كان ذكرًا أم أنثى، وذلك لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص "أن امرأة قالت: يا رسول الله, إن ابني هذا كان بطني له وعاء, وثديي له سقاء, وحجري له حواء, وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أبو داود1. كما يروى أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه, حكم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه, بعاصم لأمه أم عاصم, وقال: ريحها وشمها ولطفها خير له منك. رواه سعيد في سننه2. فإن لم تكن الأم من أهل الحضانة بأن كانت مريضة مرضًا يمنعها من الحضانة أو تزوجت, فتنتقل الحضانة بعد الأم إلى أمها, ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب. فإن عَدِمَتْ الأمهات فتنتقل الحضانة إلى الأب, ثم إلى الجد وإن علا.

_ 1 "2276"، وأحمد "2/ 182"، والدارقطني "2/ 207"، والبيهقي "8/ 4"، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 2 وأخرجه مالك في "الموطأ" "2/ 767" في الوصية، وعبد الرزاق في "المصنف", وابن أبي شيبة، كلهم من وجوهٍ عن عمر, فيها انقطاع؛ فالقاسم ابن محمد، وعكرمة لم يسمعا منه، وقد سبق أن ذكرنا ص27 أن مثله احتمله العلماء وقبوله, وحسبك إخراج مالك له في "الموطأ", وروي من وجهٍ ضعيف موصول. وقال ابن عبد البر: "هذا حديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة, تلقاه أهل العلم بالقبول والعمل". واللفظ المروي هنا لابن أبي شيبة وسعيد بن منصور.

فإن عدم الأب والجد, أو لم يكن من أهل الحضانة, فإنها تنتقل إلى الأخت الشقيقة, ثم الأخت لأب, ثم الأخت لأم، ثم الخالة، ثم العمة على اختلاف يسير بين العلماء في ذلك. فإن استوى اثنان في حق الحضانة أُقْرِعَ بينهما. هل تثبت الحضانة للفاسق والكافر؟ إذا كان من يستحق الحضانة حسب الترتيب السابق فاسقًا فلا يجوز انتقال الحضانة إليه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. أما إذا كان كافرًا: - فيرى فريق من الفقهاء بعدم أحقيته في الحضانة على الطفل المسلم, ويشترطون الإسلام في الحاضن, من أدلتهم: أ- أن الحاضن حريص على تربية الطفل؛ على دينه وتنشئته عليه, فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه، فلا يؤمن من تهديد الحاضن وتبصيره للطفل المسلم, وقد قال -صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" متفق عليه. ب- أن الحضانة من الولاية, وقد قطع الله الموالاة بين المسلمين والكفار, فلا ولاية لكافر على مسلم. - وقال فريق آخر وهم أهل الرأي بثبوت الحضانة للأم مع كفرها وإسلام الولد، واحتجوا بما روى النسائي في سننه من حديث عبد الحميد بن جعفر, عن أبيه, عن جده رافع بن سنان، أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم، فقالت: ابنتي وهي فطيم أو يشبهه، وقال رافع: ابنتي, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اقعد ناحية" , وقال لها: "اقعدي ناحية" , وقال لهما:"ادعواها"، فمالت الصبية إلى أمها،

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهدها" , فمالت إلى أبيها فأخذها1. قالوا: ولأن الحضانة لأمرين: الرضاع، وخدمة الطفل، وكلاهما يجوز من الكافرة. وقد ضعَّف الجمهور هذا الحديث وقالوا: هذا الحديث من رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري الأوسيّ، وقد ضعَّفه إمام العلل يحيى بن سعيد القطان، وكان سفيان الثوري يحمل عليه2، وضعَّف ابن المنذر الحديث, وضعَّفه غيره، وقد اضطرب في القصة، فروي أن المخيَّر كان بنتًا، وروي أنه كان ابنًا. وقال الشيخ في "المغني": وأما الحديث، فقد روي على غير هذا الوجه، ولا يثبته أهل النقل، وفي إسناده مقال، قاله ابن المنذر. ثم إن الحديث قد يحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام، فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لها بالهداية، فمالت إلى أبيها، وهذا يدل على أن كونها مع الكافر خلاف, هدى الله الذي أراده من عباده، ولو استقرَّ جعلها مع أمها، لكان فيه حجة، بل أبطله الله سبحانه بدعوة رسوله. ومن العجب أنهم يقولون: لا حضانة للفاسق، فأيُّ فسق أكبر من الكفر؟ وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقع من الكافر. الحكم فيما إذا سافر أحد الأبوين: 1- إذا أراد أحد الأبوين سفرًا بقصد حاجة ثم يعود, والآخر مقيم, فالمقيم أولى

_ 1 أخرجه أبو داود "2244" بهذا السند كما تقدَّم، وأما رواية النسائي 6/ 185 فمن طريق عبد الحميد بن سلمة, عن أبيه، عن جده. 2 تضعيف الثوري له من أجل مذهبه، ويحيى بن سعيد مرة وثَّقَه، ومرَّةً ضعَّفَه، وقد وثَّقَه ابن معين وأحمد، وأبو حاتم والنسائي، وابن عدي، وابن سعد، والساجي، فحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، ولذا قال الحافظ في "التقريب": صدوق ربما وهم، فالحديث حسن كما تقدَّم.

بالحضانة؛ لأن في المسافرة بالولد إضرارًا به. 2- وإن كان أحد الأبوين منتقلًا إلى بلد ليقيم به: أ- فإن كان الطريق مخوفًا, أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفًا, فالمقيم أحق به؛ لأن في السفر به خطرًا عليه, حتى لو اختار للولد السفر في هذه الحال لم يجب إليه؛ لأن فيه تغريرًا به. ب- وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنًا وطريقه آمن, فالأب أحق به سواء كان هو المقيم أو المنتقل. جـ- فإن كان بين البلدين قرب؛ بحيث يراهم الأب كل يوم ويرونه, فتكون الأم على حضانتها, وذلك لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب ابنه وتعليمه وحفظ نسبه. 3- وإن انتقلا جميعًا إلى بلد واحد, فالأم باقية على حضانتها. متى تنتهي حضانة الأم؟ ذهب بعض العلماء إلى أن البنت تنتهي حضانتها عند أمها إذا بلغت سبع سنين؛ لأنها تصير حينئذ في حاجة إلى تركيز الرعاية والمحافظة، والأب على هذا أقوى. وأما الغلام فذهب فريق من العلماء إلى أن الغلام يخيَّر في هذه السن بين أبيه وأمه, فمن اختاره منهما بقي عنده؛ لأن "النبي -صلى الله عليه وسلم- خيَّر غلامًا بين أبيه وأمه"1 رواه سعيد. فإن لم يختر أحدهما أقرع بينهما. - وذهب فريق آخر إلى أن الغلام إذا استقلَّ بنفسه, ولبس بنفسه, واستنجى بنفسه, فالأب أحق به.

_ 1 رواه أبو داود "2277"، والترمذي "1357"، والنسائي "6/ 185، 186"، وابن ماجه "2351" والإمام أحمد "2/ 246"، والطحاوي في "مشكل الآثار"، وابن حبان في صحيحه، والحاكم "4/ 97"، والبيهقي "8/ 3". وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد, وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح "الإرواء" "2192".

- وقال فريق ثالث بانتهاء حضانة الأم إذا أثغر الغلام, فإن اختار الغلام أباه كان عنده ليلًا ونهارًا. وإن اختار أمه, كان عندها ليلًا, وعند أبيه نهارًا؛ ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه. وعلى أيِّ حالٍ إن كان عند أحدهما لا يمنع من زيارة الآخر أو عيادته في مرضه. وكذلك إذا كان الولد مريضًا لا يمنع الآخر من عيادته. فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه، وإن عاد فاختار الأول رُدَّ إليه, هكذا أبدًا. لأنه قد يشتهي المقام عند أحدهما في وقت, وعند الآخر في وقت، وقد يشتهي التسوية بينهما وأن لا ينقطع عنهما1.

_ 1 هذا موجز لما قاله الفقهاء في أحكام الحضانة، ينظر بتوسع: كتاب المغني لابن قدامة جـ9 ص133 وما بعدها. الناشر مكتبة الجمهورية العربية المتحدة بالصنادقية بالأزهر الشريف.

الخلاصة: 1- الحضانة: هي القيام على تربية الطفل وتنشئته ورعايته وحفظه. 2- حكمها: الوجوب. 3- إذا افترق الزوجان ولهما ولد صغير أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته, سواء كان ذكرًا أم أنثى. فإن لم يكن فتنتقل الحضانة بعد الأم إلى أمها, ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب. فإن عدمت الأمهات فتنتقل الحضانة إلى الأب, ثم إلى الجد وإن علا. 4- لا يجوز انتقال الحضانة إلى الفاسق. أما الكافر: أ- فيرى فريق من الفقهاء بعدم أحقيته في الحضانة على الطفل المسلم. ب- وقال فريق آخر بثبوت الحضانة للأم مع كفرها وإسلام الولد, واستدلوا بحديثٍ ضعَّفه الجمهور, وأنه إذا مُنِعَتْ حضانة الفاسق فالمنع من حضانة الكافر أولى. 5- إذا أراد أحد الأبوين سفرًا بقصد حاجة ثم يعود, والآخر مقيم, فالمقيم أولى بالحضانة. - وإن كان أحد الأبوين منتقلًا إلى بلد ليقيم به: أ- فإن كان الطريق أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفًا فالمقيم أحق به. ب- وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنًا وطريقه آمن, فالأب أحق به, سواء كان هو المقيم أو المنتقل. جـ- وإن كان بين البلدين قرب بحيث يراهم الأب كل يوم ويرونه, فتكون الأم على حضانتها. - وإن انتقلا جميعًا إلى بلد واحد, فالأم باقيةٌ على حضانتها. 6- ذهب بعض العلماء إلى أن البنت تنتهي حضانتها عند أمها إذا بلغت سبع سنين. أما الغلام:

أ- ذهب فريق من الفقهاء إلى أن الغلام يخيَّر في هذه السن بين أبيه وأمه. ب- وذهب فريق آخر إلى أن الغلام إذا استقلَّ بنفسه, ولبس بنفسه, واستنجى بنفسه, فالأب أحق به. جـ- وقال فريق ثالث بانتهاء حضانة الأم إذا أثغر الغلام. فإن اختار الغلام أباه كان عنده ليلًا ونهارًا, وإن اختار أمه كان عندها ليلًا, وعند أبيه نهارًا؛ ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه, فإن عاد فاختار الآخر نُقِلَ إليه، وإن عاد فاختار الأول رُدَّ إليه ... هكذا أبدًا. أسئلة التقويم الذاتي: 1- ما المقصود بالحضانة؟ وما حكمها؟ 2- من الأحق بالحضانة؟ 3- هل تثبت الحضانة للفاسق؟ 4- هل تثبت الحضانة للكافر؟ 5- أكمل العبارات الآتية لتوضح حكم الحضانة في كلٍّ منها: - إذا أراد أحد الأبوين سفرًا بقصد حاجة ثم يعود, والآخر مقيم ... - وإن كان أحد الأبوين منتقلًا إلى بلد ليقيم به: أ- فإن كان الطريق أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفًا ... ب- وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنًا وطريقه آمن ... جـ- وإن كان بين البلدين قرب بحيث يراهم الأب كل يوم ويرونه ... - وإن انتقلا جميعًا إلى بلد واحد ... 6- متى تنتهي حضانة البنت عند أمها؟ 7- متى تنتهي حضانة الغلام عند أمه؟

المراجع المساعدة: 1- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الوهاب خلاف, ص131-184، 202-233، 259-262. 2- الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بين مذاهب أهل السنة ... والشيعة: لمحمد حسين الذهبي, ص231-263. 3- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: لعبد الرحمن تاج, ص237-285. 4- المفيد في الفقه الإسلامي: لعبد الرحمن العدوي, ص236-357.

الفهرس

الفهرس: الصفحة الموضوع الوحدة الأولى: 3 أهمية الأسرة وعناية الإسلام بها 4 من أهم المقاصد التي أرداها الإسلام من تكوين الأسرة 4 تنظيم الطاقة الجنسية 5 بقاء النوع الإنساني 5 حسن التربية للأجيال القادمة 6 عمارة الأرض 7 حفظ الأنساب 7 من مظاهر عناية الإسلام بالأسرة 9 الباب الأول: الخطبة وما يتعلق بها الفصل الأول: الترغيب في الزواج وما يراعى في اختيار الزوج الصالح: 11 الأهداف الخاصة 12 الرسم التوضيحي 13 المبحث الأول: الترغيب في الزواج وبيان الفوائد المترتبة عليه 13 أولًا: من الكتاب العزيز 14 ثانيًا: من السنة المطهرة 15 فوائد الزواج 16 المبحث الثاني: مدى كون النكاح من العبادة 16 الزواج أفضل من التخلي للعبادة 18 المبحث الثالث: ما ينبغي لكلٍّ من طرفي الزواج أن يراعيه عند اختيار الطرف الآخر 18 أهم الصفات التي يجب الحرص على توافرها في الزوجة 20 الحاجة قد تدعو للزواج بالثيب 23 ما يجب على الزوجة أو وليها مراعاته في اختيار الزوج 26 الخلاصة

الصفحة الموضوع 27 أسئلة التقويم الذاتي الفصل الثاني: معنى الخطبة والنظر إلى المخطوبة: 29 الأهداف الخاصة 30 الرسم التوضيحي 31 المبحث الأول: المراد من الخطبة وصيغتها وحكمها 31 المطلب الأول: المراد من الخطبة 32 المطلب الثاني: صيغة الخطبة وحكمها 32 صيغة الخطبة 32 حكم الخطبة 34 المبحث الثاني: النظر إلى المخطوبة 34 المطلب الأول: حكم نظر الرجل إلى المخطوبة, ومدى الحاجة إلى إذنها في ذلك 35 حكم النظر 35 هل يحتاج إلى إذنها أو إذن وليها في النظر؟ 36 تكرار النظر 36 المطلب الثاني: المواضع التي شرع النظر إليها مع بيان الوقت المناسب لذلك 37 الوقت المناسب للنظر 37 إذا لم يتيسر النظر إلى من يراد خطبتها 38 المطلب الثاني: حق المرأة في النظر إلى من يريد خطبتها 38 عدم جواز اللمس في الخطبة 38 المطلب الرابع: هل من حق الوليّ أن يعرض موليته على رجل صالح ليتزوجها 40 الخلاصة 41 أسئلة التقويم الذاتي الوحدة الثانية: الفصل الثالث: الخطبة على الخطبة: 43 الأهداف الخاصة 44 الرسم التوضيحي

الصفحة الموضوع 45 المبحث الأول: في بيان حكم الخطبة على الخطبة 45 المطلب الأول: حكم خطبة المسلم على خطبة مسلم آخر 45 المطلب الثاني: هل تجوز الخطبة على خطبة الفاسق؟ 47 المبحث الثاني: الركون إلى الخاطب وما يتعلق به من أحكام 47 المطلب الأول: في بيان معنى الركون إلى الخاطب 47 هل يذكر المستشار ما يعرفه من مساوئ الخاطب؟ أو ما يعرفه من مساوئ نفسه؟ 48 إذا علم عيبًا بأحد الطرفين, فهل يذكره للآخر ولولم يستشر؟ 49 مشروعية الاستخارة في أمر الزواج 49 من له حق الإجابة والرفض؟ 50 حكم الرد للخاطب بعد الركون إليه أو العكس 51 حكم الرجوع بالهدية على المخطوبة إذا تزوجت غيره 52 الخلاصة 54 أسئلة التقويم الذاتي الفصل الرابع: خطبة المعتدة أو المستبرأة 57 الأهداف الخاصة 58 الرسم التوضيحي 59 المبحث الأول: حكم خطبة المعتدة أو المستبرأة ومواعدتها 59 المطلب الأول: حرمة التصريح بالخطبة للمعتدة أو المستبرأة 60 حرمة التعريض بالخطبة للمعتدة من طلاق رجعي 60 المطلب الثاني: المواعدة مع المعتدة أو وليها على النكاح بعد انقضاء العدة 61 المطلب الثالث: كيفية التعريض المباح بالنكاح للمعتدة, وحكمه, وبعض صيغه 61 من التي يباح لها التعريض؟ 63 المبحث الثاني: حكم النكاح الواقع بعد التصريح أو التعريض أو بعد العدة منهما 63 الحكم إذا وقع العقد والدخول بعد انتهاء العدة 63 الحكم إذا وقع العقد في العدة ووقع الدخول فيها أو بعدها 65 الخلاصة

الصفحة الموضوع 66 أسئلة التقويم الذاتي 67 المراجع المساعدة الوحدة الثالثة: 69 الباب الثاني: عقد النكاح الفصل الأول: تعريف النكاح وحكمه وأركانه 71 الأهداف الخاصة 72 الرسم التوضيحي 73 الأفضل في وقت النكاح ومكانه 74 استحباب خُطْبَتَيْن بين يدي العقد 76 المبحث الأول: تعريف النكاح 76 النكاح في اللغة 76 النكاح شرعًا 77 المبحث الثاني: حكم النكاح 77 أولًا: حكم النكاح في حال الاعتدال 78 ثانيًا: حكمه في حال خشية العنت 78 ثالثًا: حكمه في حق من عُدِمَ القدرة على القيام بواجباته 79 رابعًا: حكمه في حق من قَدِرَ على مؤن النكاح غير الجماع 79 خامسًا: حكمه في حق من قَدِرَ على مؤن الزواج ولم يحتج إلى النكاح وليست به علة تمنعه منه 80 سادسًا: حكمه في حق من لا يصح منه الزواج وليس في حاجة إليه 81 المبحث الثالث: أركان عقد النكاح 81 الركن والعقد في اللغة وفي الاصطلاح 81 موقف الفقهاء من أركان العقد 83 الخلاصة 85 أسئلة التقويم الذاتي

الصفحة الموضوع الفصل الثاني: صيغة عقد النكاح: 87 الأهداف الخاصة 88 الرسم التوضيحي 89 المبحث الأول: المراد بصيغة العقد والألفاظ التي تصلح لذلك 89 المطلب الأول: بيان المراد بالصيغة 90 المطلب الثاني: ما يصح النكاح من الألفاظ في عقد النكاح وما لا يصح 91 المبحث الثاني: انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة 91 المطلب الأول: في انعقاد النكاح بالوكالة والرسالة والإشارة والكتابة وغير ذلك 91 الفرع الأول: الأصل في صحة العقد بالوكالة والرسالة 92 الفرع الثاني: موقف الفقهاء من الوكالة والرسالة 92 الفرع الثالث: انعقاد النكاح بالإشارة والكتابة 93 المطلب الثاني: انعقاد النكاح بغير العربية، وما يشترط في المترجم 93 الفرع الأول: انعقاد النكاح بغير العربية 93 الفرع الثاني: في الحاجة إلى المترجم، وهل يشترط فيه التعدد؟ 94 المطلب الثالث: بيان الحكم فيما إذا ادَّعى أحد العاقدين الهزل 95 المبحث الثالث: تعليق النكاح وتأقيته وانعقاده بلفظ واحد 95 المطلب الأول: تعليق النكاح وتأقيته 95 الفرع الأول: بيان حكم التعليق في عقد النكاح 95 الفرع الثاني: بيان حكم التأقيت في العقد 96 الفرع الثالث: إذا أضْمرَ الزوج التأقيت ولم يذكر في العقد 97 المطلب الثاني: انعقاد النكاح بلفظ واحد 98 المبحث الرابع: في بيان العقد وما يتعلق به 98 مجلس العقد 98 أهم العناصر التي ينبغي أن تتضمنها الوثيقة الخاصة بالعقد 100 الخلاصة 102 أسئلة التقوم الذاتي

الصفحة الموضوع الفصل الثالث: الوليُّ وما يتعلق به 105 الأهداف الخاصة 106 الرسم التوضيحي 107 المبحث الأول: الولاية في عقد النكاح، وأنواعها وحكمها ودليلها، والحكمة منها 107 المطلب الأول: المراد بالوليّ والولاية وأنواعها 107 الولاية في اصطلاح الفقهاء 108 أنواع الولاية 109 المطلب الثاني: حكم الولاية وأدلته 109 حكم الولاية 112 المطلب الثالث: الحكمة من مشروعية الولاية في النكاح 115 المبحث الثاني: أحق الناس بالولاية في عقد النكاح, وهل هناك ولاية لغير العصبات؟ 115 مواضع الاتفاق 115 أهم مواضع الخلاف 118 المبحث الثالث: شروط الوليّ 118 الشرط الأول: أن يكون مسلمًا 118 الشرط الثاني: البلوغ 118 الشرط الثالث: العقل 118 الشرط الرابع: الذكورة 119 الشرط الخامس: أن يكون رشيدًا 119 الشرط السادس: العدالة 120 الشرط السابع: عدم الإحرام حال العقد 121 الخلاصة 123 أسئلة التقويم الذاتي الوحدة الرابعة: الفصل الرابع: الإشهاد على النكاح 125 الأهداف الخاصة

الصفحة الموضوع 126 الرسم التوضيحي 127 المبحث الأول: مشروعية الإشهاد على عقد النكاح 129 المبحث الثاني: ما يشترط في الشاهد على عقد النكاح 129 الشرط الأول: الإسلام 129 الشرط الثاني: العدالة 130 الشرط الثالث: البلوغ 130 الشرط الرابع: العقل 130 الشرط الخامس: أن يكون الشاهد سميعًا ناطقًا 131 الشرط السادس: الذكورة 132 المبحث الثالث: شهادة الأعمى على عقد النكاح 133 الخلاصة 135 أسئلة التقوم الذاتي الفصل الخامس: الصداق 137 الأهداف الخاصة 138 الرسم التوضيحي 139 المبحث الأول: تعريف الصداق ودليل مشروعيته 139 تعريف الصداق 139 دليل مشروعية الصداق 141 المبحث الثاني: تسمية الصداق وما يتعلق بها 141 عدم تسمية المهر 141 ما يترتب على عدم التسمية 142 تقدير الصداق 143 ما يشترط في الصداق بإيجاز 144 المبحث الثالث: ما الحكم إذا كان المسمى منفعة؟ 144 صحة المهر حالًا ومؤجلًا 144 الحكم فيما إذا كان المسمى منفعة 149 المبحث الرابع: بم يثبت المسمَّى؟

الصفحة الموضوع 147 الخلاصة 149 أسئلة التقويم الذاتي الفصل السادس: الزوج والزوجة 153 الأهداف الخاصة 154 الرسم التوضيحي 156 المبحث الأول: مدى صلاحية الزوجين للعلاقة الزوجية 156 المطلب الأول: أهلية الزوجين 158 المطلب الثاني: الموانع بسببب اختلاف الدين 159 المطلب الثالث: الموانع الصحية 161 المطلب الرابع: الموانع الشرعية أو المحرمات 162 أقسام المحرمات من النساء 162 أولًا: المحرمات على التأبيد 162 النوع الأول: المحرمات من النسب 163 النوع الثاني: المحرمات من الرضاع 163 النوع الثالث: المحرمات بالمصاهرة 164 ثانيًا: المحرمات على التأقيت 165 هل لبن الفحل محرم؟ 167 المبحث الثاني: الخلوّ من الموانع الاجتماعية أو "الكفاءة" 167 تعريف الكفاءة 167 هل الكفاءة حق للمرأة أو لوليها أو لله تعالى؟ 167 هل الكفاءة معتبرة في جانب الزوجة أو في جانب الزوج؟ 168 هل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟ وهل يبطل بفقدانها؟ 168 مواقف العلماء من الأمور المعتبرة في الكفاءة 172 الخلاصة 175 أسئلة التقويم الذاتي 176 المراجع المساعدة

الصفحة الموضوع الواحدة الخامسة: 177 الباب الثالث: الحقوق المترتبة على العقدة مدة الحياة الزوجية الفصل الأول: الحقوق التي يقتضيها العقد 179 الأهداف الخاصة 180 الرسم التوضيحي 181 المبحث الأول: حقوق الزوجة على زوجها 181 المطلب الأول: النفقات 181 المراد بنفقة الزوجة 181 دليل مشروعيتها 182 معيارها 182 شروط وجوب النفقة على الزوج 183 ما يراعى في حالة فرض النفقة 183 نفقة المطلقة الرجعية أيام عدتها 184 بم تسقط النفقة؟ 184 عسر الزوج بالنفقة 185 فائدة في نفقة الوالدين والولد مع المقارنة بنفقة الزوجة 186 المطلب الثاني: المعاشرة بالمعروف 189 المطلب الثالث: ولاية التوجيه 190 المطلب الرابع: العدل في معاشرة الزوجة أو الزوجات 190 الفرع الأول: قسم الرجل من نفسه لزوجه 191 كيفية هذا القسم 191 أدلة من يرى وجوب القسم 192 أدلة من لم ير وجوب القسم 193 الفرع الثاني: عدل الرجل بين زوجاته 194 العدل في ألوان المعيشة المادية 196 المبحث الثاني: حقوق الزوج 196 أهم هذه الحقوق

الصفحة الموضوع 200 الخلاصة 203 أسئلة التقويم الذاتي الفصل الثاني: الاشتراط في العقد 205 الأهداف الخاصة 206 الرسم التوضيحي 207 القسم الأول: ما يصح معه العقد والشرط 208 القسم الثاني: ما لا يصح معه الشرط 211 الخلاصة 212 أسئلة التقويم الذاتي 214 المراجع المساعدة الوحدة السادسة: 215 الباب الرابع: آثار انتهاء العقد الفصل الأول: أهم أسباب انتهاء العقد 217 الأهداف الخاصة 219 المبحث الأول: أحكام الطلاق 219 الأهداف الخاصة 220 تمهيد 220 علاج ما ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين 222 النشوز من الزوج 223 هل الحكمان وكيلان أم حاكمان؟ 225 تعريف الطلاق ومشروعيته وحكمه 225 الأصل في مشروعيته 226 حكمة تشريعه 227 حكم الطلاق 228 الطلاق السني والطلاق البدعي

الصفحة الموضوع 228 هل يحتسب الطلاق البدعي؟ 228 أركان الطلاق 229 طلاق السكران 230 طلاق المكره 232 فروع مهمة 233 أنواع الطلاق 233 الطلاق الرجعي 235 الطلاق البائن بينونة صغرى 236 الطلاق البائن بينونة كبرى 238 الخلاصة 240 أسئلة التقوم الذاتي 244 المبحث الثاني: أحكام الخلع 244 الأهداف الخاصة 245 الخلع 245 تعريفه 245 أسباب الخلع 245 أدلة مشروعيته 247 الخلاصة 248 أسئلة التقويم الذاتي 250 المبحث الثالث: الرجعة 250 الأهداف الخاصة 251 تعريفها وحكمها 251 أدلة مشروعيتها 252 ما تكون به الرجعة 252 هل الإشهاد شرط في الرجعة؟ 254 الخلاصة 254 أسئلة التقويم الذاتي

الصفحة الموضوع 256 المبحث الرابع: أحكام الإيلاء 256 الأهداف الخاصة 257 تعريفه وحكمه 257 شروط الإيلاء 257 ألفاظ الإيلاء 258 هل تطلق عليه بمضي الأربعة أشهر؟ 258 الفيئة بالقول 259 متى يطلق الحاكم عليه؟ 259 ترك الوطء بغير يمين 259 التداعي بالفيئة وعدمها 260 الخلاصة 262 أسئلة التقويم الذاتي 263 المبحث الخامس: أحكام الظهار 263 الأهداف الخاصة 264 تعريفه 264 دليل الظهار 265 أركان الظهار 266 حكم الظهار والآثار المترتبة عليه 267 الظهار من أجنبية ثم تزوجها 267 الكفارة وأنواعها 268 فروع مهمة 269 الخلاصة 270 أسئلة التقويم الذاتي 272 المبحث السادس: أحكام اللعان 272 الأهداف الخاصة 273 تعريفه 273 أدلة ثبوته 273 أركان اللعان 273 الملاعن والملاعنة

الصفحة الموضوع 274 سبب اللعان 274 لفظ اللعان 275 الأحكام المترتبة على اللعان 275 من الفروع المهمة 277 الخلاصة 278 أسئلة التقويم الذاتي 279 المبحث السابع: أحكام الرضاع 279 الأهداف الخاصة 280 تعريفه 280 الأصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والإجماع 280 القدر المحرم من الرضاع 281 الرضاع ينشر الحرمة 282 الحرمة قاصرة على المرتضع دون أقاربه 282 السن المحرم في الرضاع 283 الشهادة على الرضاع 284 الإقرار بالرضاع 285 الخلاصة 286 أسئلة التقويم الذاتي الوحدة السابعة: الفصل الثاني: أهم الآثار المترتبة على انتهاء عقد النكاح 289 المبحث الأول: العدد 289 الأهداف الخاصة 290 تعريفها 290 أدلة مشروعيتها 291 حكمة تشريعها 291 أقسام المعتدات 292 قاعدة عامة في عدد الفرق من غير الطلاق 292 عدة المطلقة المدخول بها

الصفحة الموضوع 293 أقل سن الحيض وأكثره 293 عدة المستحاضة 293 عدة الصغيرة إذا بلغت أثناء عدتها 293 عدة الرجعية إذا مات زوجها 293 أقل مدة الحمل 294 إذا تزوجت المرأة في عدتها 295 الخلاصة 296 أسئلة التقويم الذاتي 298 المبحث الثاني: أحكام زوجة المفقود 298 الأهداف الخاصة 299 الرسم التوضيحي 300 أحكام زوجة المفقود 302 الخلاصة 303 أسئلة التقويم الذاتي 304 المبحث الثالث: الإحداد 304 الأهداف الخاصة 305 المقصود بالإحداد 305 حكمه 305 ما يجب عليها اجتنابه 307 إذا خرجت الزوجة إلى الحج فتوفي عنها زوجها 308 الخلاصة 308 أسئلة التقويم الذاتي 309 المبحث الرابع: نفقة المعتدة وسكناها 309 الأهداف الخاصة 310 الرسم التوضيحي 311 نفقة المعتدة وسكناها 312 الخلاصة 312 أسئلة التقويم الذاتي

الصفحة الموضوع 313 المبحث الخامس: المتعة 313 الأهداف الخاصة 314 المتعة 314 تعريفها ودليل مشروعيتها من القرآن الكريم 314 حكمها 315 من التي تمتع من النساء؟ 315 مَن لا متعة لهنّ عند الجمهور 316 الخلاصة 316 أسئلة التقويم الذاتي 317 المبحث السادس: الحضانة 317 الأهداف الخاصة 318 الحضانة 318 حكمها 318 من الأحق بالحضانة؟ 319 هل تثبت الحضانة للفاسق والكافر؟ 320 الحكم فيما إذا سافر أحد الأبوين 321 متى تنتهى حضانة الأم؟ 323 الخلاصة 324 أسئلة التقويم الذاتي 325 المراجع المساعدة 326 الفهرس

§1/1