فقه الأسرة

محمد المختار الشنقيطي

حقوق الزوجة

فقه الأسرة - حقوق الزوجة فرض الله سبحانه وتعالى على الأزواج حقوقاً تجاه زوجاتهم، وهذه الحقوق من أداها على وجهها كان من خيار عباد الله المؤمنين، قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) . فينبغي للمسلم أن يعرف واجباته تجاه أهله حتى لا يقصر في ذلك، لأن الإنسان قد يحرم زوجته من أشياء هي من حقها، وقد يطلق لها العنان في أمور كان عليه أن يمنعها، وفي هذه المادة تتعرف على كثير من الحقوق الزوجية.

حقوق الزوجة على زوجها

حقوق الزوجة على زوجها الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه ومنواله إلى يوم الدين. أما بعد: فلا زال حديثنا موصولاً عن الحقوق الزوجية، وقد تقدم في المجلس الماضي بيان ما فرض الله على الزوجة تجاه زوجها، وفي هذا المجلس سيكون حديثنا إن شاء الله عما أوجب الله عز وجل على الزوج تجاه زوجته، وهذا من عدل الله تبارك وتعالى، فإن الله سبحانه عدل بين الزوجين، فأمر الأزواج وأمر الزوجات ولم يخص واحداً منهما بالأمر، حتى لا يكون ظلماً للآخر: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115] . فرض الله على الأزواج حقوقاً تجاه زوجاتهم، هذه الحقوق من حفظها وحافظ عليها وأداها على وجهها فقد حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، قال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً) ، ومن حفظ هذه الحقوق وحافظ عليها فإنه من خيار عباد الله المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ، فهي الحقوق العظيمة التي فرضها الله على زوجٍ يخافه ويتقيه، ويعلم علم اليقين أنه محاسبه ومجازيه، هذه الحقوق إذا قام الأزواج بها على وجهها كانت السعادة والطمأنينة، وشعرت المرأة بفضل الزوج، وأنه مؤمن قائم لله عز وجل بحقه وحقوق عباده، وإذا رأت المرأة من زوجها الاستهانة والاستخفاف بحقوقها تنكد عيشها وتنغصت حياتها، حتى أنها ربما لا تستطيع أن تقوم بعبادتها على وجهها؛ بسبب ما ينتابها من الوساوس والخطرات، وبما تحسه من الظلم والاضطهاد والأذية. ولذلك قال العلماء: إن إضاعة حقوق الزوجات أعظم من إضاعة حقوق الأزواج؛ لأن الزوجة إذا ضاع حقها لا تدري ماذا تفعل، ولا أين تذهب، وهي تحت ذلك الزوج الذي يمسكها للإضرار والتضييق عليها. وأما الرجل فإنه إذا ظلمته المرأة وضيعت حقه استطاع أن يطلق، وقد يكون بقوته وما أعطاه الله من الخلقة وفطره عليها يستطيع أن يصبر ويتحمل، ولكن المرأة لا تستطيع ذلك. ولهذا قال العلماء: ظُلم النساء في حقوقهن عظيم، والمرأة إذا ظُلمت ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فتحس أنها قد فشلت في حياتها، وأنها لا مفر لها من هذا البلاء، وليست كالزوج الذي يطلق وينفك من بلائه، ولهذا يكون مفرها إلى الله، وشكواها إلى الله، وتبث حزنها إلى الله، وكفى بالله ولياً، وكفى بالله نصيراً. ولذلك أنزل الله في كتابه آية المجادلة، وأخبر أنه سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (إني لمن وراء الستر يخفى عليّ بعض كلامها، وهي تقول: إلى الله أشكو ثعلبة، إلى الله أشكو ثعلبة، قالت: فسمعها من فوق سبع سماوات، فسبحان من وسع سمعه الأصوات!) . فالمرأةُ إذا ظُلمت وضيّق عليها واضطهدت لا تستطيع الشكوى إلا إلى الله، بل يبلغ ببعض النساء أنه يضيع حقها، وتضطهد في بيتها، وتُظلم من زوجها، ولا تستطيع الشكوى لا لأبيها ولا لأخيها ولا لقرابتها وفاءً لبعلها وزوجها، وقد لا تستطيع الدعاء عليه ولا شكوى أمره إلى الله؛ لأنها تحبه ولا تريد السوء له، وهذا يقع في المرأة الحرة الأبية؛ ولذلك تقع بين نارين لا تستطيع الصبر عليهما إلا بالله عز وجل. هذه الحقوق التي فرضها على الأزواج تنزلت من أجلها الآيات، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمام أصحابه في آخر موقف وعظ به أكثر أصحابه في حجة الوداع، فكان مما قال: (اتقوا الله في النساء) .

إنفاق الزوج على زوجته

إنفاق الزوج على زوجته أما الحق الثاني الذي أوجب الله للزوجات على أزواجهن: فهو حق النفقة. وهذا حق دلّ عليه دليل الكتاب والسنة والإجماع: قال الله في كتابه: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7] (ذو سعة) يعني قدرة، سعى وسعة، (من سعته) أي: مما أعطاه الله عز وجل عليه ووسّع عليه من المال، ينفق إذا كان غنياً مما آتاه الله على قدر غناه، وإذا كان فقيراً مما آتاه الله على قدر فقره، هذه الآية الكريمة يقول العلماء فيها أمران: الأمر الأول: وجوب النفقة في قوله: (لينفق) فالنفقة واجبة. وأما الأمر الثاني: أنها تتقيد بحال الرجل إن كان غنياً فينفق نفقة الغني. فذو سعةٍ من سعته: ذو الغنى من غناه، وذو الفقر من فقره في قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7] ، فهذان أمران: النفقة واجبة، وعلى الغني على قدر غناه، وعلى الفقير على قدر ما آتاه الله، وكذلك أوجب الله النفقة في قوله سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ، فأخبر سبحانه أن الرجل له فضلٌ على المرأة بالقيام بنفقتها. وثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالنفقة والحث عليها، ووصية الأزواج بالقيام بها على وجهها، حتى أباح للمرأة أن تأخذ من مال الزوج إذا امتنع من الإنفاق عليها، قال عليه الصلاة والسلام حينما اشتكت إليه هند رضي الله عنها، فقالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيح مسّيك، أفآخذ من ماله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) ، قالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح مسّيك) أي: رجلٌ شحيح، ويمسك المال، فإذا أنفق لا ينفق نفقةً تكفيني، وكذلك أيضاً: مسيك، أي يخاف على ماله. يقول بعض العلماء: لعلّ هنداً تجاوزت في الوصف؛ وذلك أن هنداً كانت من الأثرياء ومن بيت غنىً، ولذلك قالت: (رجلٌ شحيح مسّيك) فبالغت في الوصف. وقال بعض العلماء: لم تبالغ، الذين قالوا: إنها بالغت في الوصف، قالوا: إن جواب النبي صلى الله عليه وسلم لها: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) ، ولذلك قالوا: لم يعط لها الأمر بدون تقييد، والذين قالوا: إنها قد اشتكت من ضيق يد أبي سفيان، قالوا: إن هذا يؤكد أنها ظُلمت لقوله: (خذي) وهذا هو الصحيح، أعني الوجه الثاني، وعلى هذا لما قال لها: (خذي من ماله) دلّ على أن المرأة لها في مال الرجل حق من أجل النفقة. وأما الدليل الثاني من السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم على نسائكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم: أن لا يوطئ فرشكم من تكرهون، وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، وأما حقكم عليهن: أن تحسنوا إليهن في طعامهن وفي كسوتهم) . (فأما حقهن عليكم) قالوا: قوله حق، يدل على أنه واجب، ولكن على الزوج، فدل هذا الحديث على أن النفقة من الزوج على زوجته واجبة ولازمة. وفي حديث معاوية رضي الله عنه وأرضاه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرأتي عليَّ؟ قال: تطعمها مما تطعم، وتكسوها مما تكتسي) ، فدل على أن من حق المرأة على زوجها أن يطعمها ويكسوها، وأجمع العلماء رحمةُ الله عليهم: على أن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته بالمعروف، قال بعض أهل العلم: إنما وجبت النفقة على الرجال؛ لأن المرأة محبوسةٌ في البيت، عاطلةٌ عن العمل، والأصل في المرأة أن تقوم على بيته وأن ترعى بيته، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله في خطبته كما في الصحيح في حجة الوداع: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هنّ عوان عندكم) عوان: أي أسيرات، قالوا: ولذلك أُمِرَ الرجل أن يقوم بالإنفاق على المرأة من أجل هذا. أما الأمر الآخر الذي جعل النفقة على الرجل للمرأة: فالحقوق المتبادلة والمنافع التي يبادل كلٌ منهما الآخر، فالمرأة يستمتع بها الرجل، قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] ، فاستحقت أن تأخذ أجرها على ما يكون منها من القيام بحق بعلها في فراشه. ولذلك قالوا: إذا نشزت وامتنعت من الفراش كان من حقه أن يمتنع من الإنفاق عليها، ونصّ بعض العلماء على أن من أسباب النفقة كونها فراشاً للرجل، فلهذا كله أوجب الله على الرجال الإنفاق على النساء، والقيام بحقوقهن، وهذه النفقة فيها مسائل: المسألة الأولى: ما هي أنواع النفقة التي ينبغي على الزوج أن يقوم بها تجاه زوجته؟ والمسألة الثانية: ما هي ضوابط النفقة التي ينبغي أن يتقيد بها الرجل، بمعنى: أن يؤديها على سبيل اللزوم، وإذا أداها برئت ذمته؟ أما بالنسبة لأنواع النفقة فإنها تنحصر في الإطعام والكسوة والسكن، فهذه ثلاثة أمور ينبغي للزوج أن يراعيها في إنفاقه على زوجته وأهله وولده. الحق الأول في الإنفاق الإطعام: فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبّه عليه في حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه وأرضاه في خطبته في حجة الوداع فقال: (أما حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن) ، قال العلماء: إن عموم الأدلة التي دلت على النفقة يدخل فيها الطعام؛ لأن الله عز وجل قيّد ذلك بالمعروف، وقيّده النبي صلى الله عليه وسلم بالمعروف، والمعروف في أعراف المسلمين أن الزوج يطعم زوجته ويقيم على طعامها على الوجه الذي لا إضرار فيه، والطعام يستلزم أن يقوم الزوج بتهيئة ما تحتاجه المرأة وكذلك ولده بالتبع من جهة الأكل، قال العلماء: يلزمه أمران: الأمر الأول: الطعام وما يحتاج إليه لاستصلاح الطعام فيطعمها، فيكون الطعام كحبٍ ونحو ذلك وما يؤتدم به الطعام، فهذا كله لازمٌ على الزوج، ويكون مقيداً بالعرف، فإذا كان غنياً فإنه يكون طعامه مرتبطاً بطعام الأغنياء مثله، فلا يطعم الغني طعام الفقير، ولا يطعم الفقير طعام الغني، بمعنى لا يلزمه ذلك، ولا تطالبه المرأة بمثل ذلك. قال العلماء: الطعام ينقسم في الأعراف إلى ثلاثة أقسام: الأفضل الجيد، والرديء، والوسط بينهما، فإن كان مال الرجل ودخله وما هو فيه من الحال هو حال أهل الغنى وجب عليه أن يطعم زوجته بالطعام الجيد الذي يطعمه مثله من ذوي اليسار، وإذا عدل عن الطعام الجيد إلى أردئه فإنه يكون ظالماً، وكان من حق الوالي والقاضي أن يلزمه بأجود الطعام وأحسنه، كذلك أيضاً العكس، فإنه إذا كان فقيراً وسألته المرأة أو وليها أن يطعمها طعاماً أفضل من طعام مثله وألحّت عليه في ذلك لم يجب عليه أن يلبي لها ذلك؛ لأن الله عز وجل أمر الإنسان أن ينفق على قدر ما أعطاه، قال: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7] ، وقوله: (من قُدِرَ) يعني: من ضيق، كما قال تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد:26] ، يعني: يوسع ويضيق، فقوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} يعني ضيق عليه. وهنا مسألة وهي: أن الزوج ربما يكون ماله ودخله طيباً، ولكن تنتابه ظروف لا يستطيع معها أن ينفق نفقة مثله، وهذه الظروف تنقسم إلى قسمين: الحالة الأولى: إما أن تكون ظروفاً قسرية تجبره على أن يقصّر في النفقة وينزل عن نفقة مثله، فهذا اغتفره العلماء، كما لو طرأت عليه خسارة أو طرأت عليه مصيبة في مال، فاحتاج أن يدفع فأخذ يقسط من شهره، حتى ضيّق على أهله في طعامهم، فهذا لا إثم عليه. الحالة الثانية: أن تكون ظروفاً كمالية؛ كأن يريد أن يشتري شيئاً، وهذا الشيء من باب الكمال: كسيارةٍ أو نحو ذلك، كما ذكر بعض العلماء من دابة أو مركوبٍ أو نحو ذلك، يريد أن يشتري أفضل مركوب، وهذا أفضل مركوب سيكون على حساب زوجه وأولاده، فيضيق عليهم في النفقة، قالوا: إنه يكون ظالماً في هذه الحالة، وأنه لا يجوز له في هذه الحالة أن يطلب الكمال على وجهٍ يضيع فيه الحق الواجب، بل عليه أن يبقى على النفقة، ويلزم شرعاً في الإفتاء والقضاء أن يبقى على نفقة مثله ولو اعتذر بهذا الكمال فإنه لا عذر له فيه، ويُحكمُ بإثمه إذا ضيق على أهله وولده. الأمر الثاني مما يحتاج إليه في الإطعام: يلزم الزوج بكل ما يهيئ به الطعام عرفاً، فيشتري للمرأة الآلات والوسائل التي يمكن معها إصلاح الطعام، ويعتبر شرعاً ملزمٌ به، فإن امتنع أجبر قضاءً، ومن الأخطاء أن بعض الأزواج يمتنع من شراء بعض الآلات ويلزم الزوجة بشرائها، وقد يلزم أولياءها بشرائها، وهذا يعتبر من الظلم كما ذكر بعض أهل العلم رحمةُ الله عليهم، بل ينبغي على الزوج أن يشتري آلة الطهي وإعداد الطعام ومواعينه ونحو ذلك وهو ملزمٌ بها شرعاً، ولكن قد تطالب المرأة بما هو أفضل، فتطالب بشراء ما هو أغلى وأجود، فمن حق الزوج أن يردها إلى الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، خاصةً إذا كان من غير ذوي اليسار. كذلك أيضاً: ينبغي على الزوج وهو الحق الثاني في الإطعام إذا قلنا أنه ينبغي عليه أن ينفق عليها في طعامها ف Q هل يجب عليه أن يعطيها نفقة الطعام بيدها، أم أنه يشتري الطعام لها؟ إذا كان الزوج يريد إعطاء المرأة المال بيدها فلا بأس، لكن إذا كانت المرأة سفيهةً بالتصرف ولا تُحسن القيام والنظر لنفسها وولدها، فإن من حقه أن يلي شراء ذلك، قال العلماء: إنه إذا كانت المرأة لا تُحسن الأخذ لنفسها ولا الإعطاء لغيرها كان من حقه أن يأخذ النفقة، لكن الأصل أنه يعطيها النفقة بيدها، وقال العلماء: يختلف ذلك باختلاف الناس، فإن كان من الفقراء والضعفاء لزمه أن يعطي النفقة كل يومٍ ب

أمر الزوج زوجته بطاعة الله

أمر الزوج زوجته بطاعة الله هذه الحقوق أعظمها وأجلّها: حق الأمر بطاعة الله عز وجل، فأول ما ذكر العلماء من حقوق الزوجة على زوجها أن يأمرها بطاعة الله تبارك وتعالى، وهذا الحق من أجله قام بيت الزوجية، فإن الله شرع الزواج وأباح النكاح؛ لكي يكون عوناً على طاعته، ويكون سبيلاً إلى رحمته، فالواجب على الزوج أن يأمر زوجته بما أمر الله، وأن ينهاها عما حرم الله، وأن يأخذ بحجزها عن عقوبة الله وناره، أشار الله تعالى إلى هذا الحق العظيم بقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] . قال بعض العلماء: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، والأمر للأمة وللرجال من الأمة أن يأمروا أهليهم بما أمر الله؛ وذلك بدعوتهم لفعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله عز وجل، فيكون الزوج في البيت آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر؛ إذا رأى خيراً ثبّت قلب المرأة عليه، وإذا رأى حراماً صرفها عنه وحذّرها ووعظها وذكّرها، وإلا أخذها بالقوة وأطرها على الحق أطراً، وقصرها عليه قصراً حتى يقوم حق الله في بيته. قال بعض العلماء: كان بعض أهل العلم يتعجب من هذه الآية الكريمة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه:132] ؛ لأن الله قال فيها: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه:132] ثم قال بعد أن أمره بالصبر والاصطبار عليها: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] ، قالوا: إنه ما من زوج يقوم بحق الله وما فرض الله عليه في أهله وزوجه، ويعظها ويذكرها حتى يقوم البيت على طاعة الله ومرضاة الله، إلا كفاه الله أمر الدنيا، فالله عز وجل يقول: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه:132] كأن إقامته لأمر الله طريقٌ للبركة في الرزق وطريقٌ للخير والنعمة على هذا البيت المسلم القائم على طاعة الله ومحبة الله عز وجل. للمرأة على بعلها حق الأمر بطاعة الله؛ ولذلك كان من وصية الله لعباده المؤمنين إذا أردوا الزواج: أن يختاروا المرأة الدينة المؤمنة الصالحة؛ لأنها هي التي تقيم بيتها على أمر الله عز وجل وما فرض الله، قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، قال العلماء: إنما قال: (فاظفر بذات الدين) ؛ لأنها غنيمةٌ وأي غنيمة، إن أمرها بطاعة الله ائتمرت، وإن نهاها عن حدود الله ومحارمه انكفت وانزجرت، وهذا الحق -وهو الأمر بطاعة الله- إذا ضيعه الزوج خذله الله في بيته، وخذله الله مع أهله وزوجه وأولاده، فلم تر عينك رجلاً لا يأمر بما أمر الله في بيته ولا يتمعر وجهه عند انتهاك حدود الله مع أهله وولده إلا سلبه الله الكرامة وجعله في مذلةٍ ومهانة، وجاء اليوم الذي يرى فيه سوء عاقبة التفريط في حق الله الذي أوجب الله عليه في أهله وولده. أمرنا الله جل وعلا أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة، فمن ضيع هذا الحق سلب الله المهابة من وجهه، وسلب الله المهابة من قلب أهله وولده. وأما إذا رأت عيناك زوجاً آخذاً بحجز زوجته عن نار الله يقيمها على طاعة الله ومرضاة الله وجدت المحبة والمودة والهيبة والإجلال، ومن وفّى لله وفّى الله له؛ ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96] . فالذي يأمر زوجته بما أمر الله ويقيمها على طاعة الله ومرضاة الله يضع له القبول والمحبة والهيبة والكرامة، ولذلك ينبغي على الزوج أن يضع نصب عينيه أول ما يضع أن يقيم بيت الزوجية على طاعة الله وتقواه، ولا يستطيع أن يقوم بهذا الحق على أتمّ الوجوه وأكملها إلا بأمورٍ مهمة نبّه العلماء عليها منها: الأول: -وهو أعظمها- أنه إذا أراد نصيحة زوجته بأمرٍ مما أمر الله أو نهيٍ عما حرم الله، فينبغي أن يكون السبب الباعث له هو مرضاة الله، بمعنى: أنه إذا وعظ زوجته فأراد أن يأمرها بطاعة الله أو ينهاها عن معصية الله لا ينطلق من جهة السمعة أو من جهة العاطفة، ولذلك تجد الرجل يقول لامرأته: فضحتيني، أو ماذا يقول الناس عني، أو نحو ذلك من محبة السُّمعة أو العواطف التي لا ينبغي أن تكون هي أساس دعوته ومحور وعظه ونصحه. قال بعض العلماء: لا يبارك الله لكثيرٍ من الأزواج في وعظهم لزوجاتهم؛ لأنهم يعظون خوفاً على أنفسهم وخوفاً على السمعة، لكن إذا وعظ الزوج وهو يخاف الله على زوجته ويخشى أن يصيبها عذاب الله بارك الله له في كلماته، وبارك الله له في موعظته، وبلغت الموعظةُ مبلغها، وكان لها أبلغ الأثر، ولذلك أول ما يوصى به من يأمر أهله ويعظهم ويريد أن يحثهم على طاعة الله أن يُخلص لله في دعوته. الثاني: القدوة، فإن الزوجة لا تطيع زوجها ولا تمتثل أمره ولا تعينه على أداء هذا الحق بامتثال ما يقول إلا إذا كان قدوةً لها، ولذلك الواجب على الزوج أن يهيئ من نفسه القدوة لزوجته، كيف تطيع الزوجة زوجها إذا أمرها بواجب وحثّها على أدائه وهي تراه يضيع حقوق الله وواجباته؟! كيف تطيع الزوجة زوجاً يقول لها: اتق الله، وتراه ينام عن الصلوات، ويضيع الفرائض والواجبات، وتراه لا يبالي بحقوق الناس؟! فلذلك إذا وجدت القدوة تأثرت الزوجة، وأحسّت أن هذا الكلام الذي يخرج من الزوج يخرج بإيمانٍ وقناعة، وأنه ينبغي أن تمتثله وأن تسير على نهجه؛ لأنها ترى الكلام مطابقاً للفعل فتتأثر بذلك وسُرعان ما تمتثل. الثالث: تخيّر الكلمات الطيبة التي تلامس شغاف القلوب وتؤثر في المرأة فتستجيب لداع الله بامتثال أمره وترك نهيه، وهذا هو الذي عناه الله وأوصى به كل من يعي، فقال سبحانه: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء:63] ، فالذي يريد أن يقيم زوجته على طاعة الله يتخيّر أفضل الألفاظ وأحسنها، والتي تؤثر في نفسية الزوجة ترغيباً أو ترهيباً، فإن كانت الزوجة تستجيب بالترغيب حثّها بالترغيب، وإن كان تستجيب بالترهيب حثّها بالترهيب وخوفها، ويكون ذلك بقدر مع الإشفاق وخوف من الله عز وجل. هذه الأمور إذا تهيأت ينبغي أن يسلم الزوج من ضدها، مما ينفِّر من قبول دعوته، فالكلمات الجارحة، والعبارات القاسية: أنتِ لا تفعلين، أنت عاصية، أنت كذا، فهذا لا ينبغي، بل ينبغي على الزوج إذا وعظ زوجته خاصةً عند الخصومة أو عند الخطأ والزلل أن لا يفجر في قوله. قال العلماء: الفجور في القول أن يبالغ في تقبيح وصفها، فيصفها بأشنع الأوصاف، وهي لا تستحق ذلك الوصف، وهذا هو من شأن النفاق، فإن المنافق إذا خاصم فجر، فبعض الأزواج إذا رأى أقلّ تقصير من زوجته حمّل ذلك التقصير ما لم يحتمل من الوصف، وقرع زوجته بأشنع العبارات وأقساها وأقذعها، فإذا كانت المرأة صالحة أحست بالنقص وتأثرت، فإن القلوب تتأثر بالكلمات الجارحة، ولو كان الرجل مستقيماً وعلى طاعة الله فإنه يتأثر، ولذلك ينبغي على الزوج أن يتحفّظ وأن يتوقى في الألفاظ، وهذا أصل في الدعوة إلى الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] ، فالموعظة الحسنة هي الموعظة المشتملة على الكلمات الطيبة والنصائح القيمة الهادفة التي تنصب على الأمر الذي لا يراد فعله.

الأسئلة

الأسئلة

حكم خدمة الرجل لامرأته

حكم خدمة الرجل لامرأته Q هل من حق الزوجة عليّ أن أخدمها إذا احتاجت إلى ذلك؟ A هذا السؤال يحتمل أمرين، هل من حق المرأة أن أَخْدُمها أو أُخدِمها، يعني أن أخْدُمها، يعني هو بنفسه يخدم المرأة، ويخْدِمها، بمعنى: أن يستأجر لها خدامة ومن يخدُمها. فأما كون الرجل يخدُم امرأته إذا كانت مريضة أو كان عندها عذر، فهذا من مكارم الأخلاق، وشأن أهل الكرم والفضل أنهم يردون الجميل ويردون الإحسان، ولا يجب عليه ذلك، ولكن إذا مرضت واحتاجت إلى هذا وفعله منه فإنه من أفضل ما يكون، وهذا داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيرُكم لأهله) . أما إذا كان السؤال أُخدِمها، بمعنى استأجر لها خادمةً تقوم على خدمتها، فهذا فيه نظر، قال العلماء: إذا كانت الزوجة قادرة على خدمة البيت وامتنعت من خدمة بيتها، وسألت الزوج أن يستأجر لها من يخدمها لم يكن من حقها ذلك، وإذا أرادت خادمة فإنها تطالب بالنفقة على الخدامة إذا أرادت أن تستخدم؛ لأن الحق متعلقٌ بها، فإذا أرادت أن تقوم بهذا الحق أصالةً قامت به، وإذا أرادت أن تقوم بها نيابةً بأن تستأجر الخدامة فإنه لا حرج، لكن إذا كانت تعمل، وقالت: أريد أن آتي بخدامة، فالزوج مخيرٌ بين أمرين: إن شاء أن يلزمها بالبقاء في بيتها والقرار فيه وتقوم بخدمة البيت، من حقه ذلك، ويجب عليها أن تبقى في بيتها وأن تخدم بيتها وأن تقوم عليه بالمعروف؛ لأن هذا هو الأصل، وهذا هو الفطرة التي فطر الله عز وجل عليها الناس، أن كل امرأة مطالبةٌ بخدمة بيتها، وأن عملها الأصلي والذي فرضهُ الله عليها وأوجبه عليها من فوق سبع سماوات رعايتها لبيت زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها) ، ثم قال: (فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) ، فالأصل أنها تبقى في بيت زوجها. قال العلماء: لو اشترطت المرأة على زوجها أن تبقى في عملها وأن يخلي لها ذلك، قال جمعٌ من العلماء: لا يلزمه هذا الشرط، ومن حقه أن يقول لها في أي يوم تبقين في البيت وينفق عليها بالمعروف، من حقه، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما أوفيتم به من الشروط واستحللتم به الفروج) فقالوا: هذا محلها أن لا يتضرر، والمرأة إذا خرجت من بيتها بالفطرة والجبلة فسيتضرر الرجل، وخاصةً إذا كان عنده ولد، وقد يرضى في حال العقد، لكن حينما يأتيه الولد ويرى بأم عينيه كيف يضيع الأولاد بين خدامةٍ وأخرى، وكيف يتعرض الأولاد للضرر، وكان في حسبانه أن الخدامة تقوم بما تقوم به امرأته، فإذا بالظنون يخالفها الواقع وتخالفها الحقيقة فمن حقه أن يمتنع في أي يوم شاء، وهذا كما ذكرنا؛ لأن الأصل أنها مطالبة في البقاء في بيتها، وعملها خارج البيت هذا إذا رضي به الزوج، وأما إذا لم يرض به الزوج فمن حقه أن يردها إلى الأصل، وأن يلزمها بهذا الأصل، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ، ولذلك من جهة كونه يُخدِمُها لا يلزمه. لكن إذا كانت المرأة مثلها يُخْدَم، وجرى العرف أن مثلها يُخْدَم، كان غنياً -الرجل غني- والمرأة من ذوات الغنى واليسار، فمذهب بعض العلماء: أنه إذا كانت من ذوات اليسار، وجرى عرفها أنها تخْدَم يلزمه أن يُخدِمَها، وأن يستأجر لها من يخدمها، والأصل ما ذكرناه، الأصل أن المرأة هي التي تقوم بالخدمة، وهل رأت عيناك كمثل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم الكريمات بنت الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك هنّ اللاتي كنّ يخدمن بيوتهن، وهنّ اللاتي كنّ يقمن برعاية البيت وحقوق البيت على أتم الوجوه وأكملها، حتى كانت أسماء رضي الله عنها وأرضاها وهي بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها تتأوه من شدة ما تحمله على ظهرها في خدمةِ بيت بعلها، ومع ذلك ما كان ذلك ليغض من مكانتهن ولا لينزل من قدرهن، أبداً بل كان سبباً في رفعتهن واستقامت أمور المسلمين، لما حفظ النساء حقوقهن في البيوت، ورعين البيوت كما ينبغي، وقام الرجال بحقوق النساء فاستقامت الأمور، فإذا اختلفت الفطرة واختلت فإنه حينئذٍ قد تضيع حقوق؛ ولذلك كونه يلزم بإخدامها هذا ليس بواجب، وإذا جرى عرفٌ يضر بالرجل ولم يجد الخدمة على الوجه المعروف كان من حقه أن يمتنع، فمحل الرجوع في العُرف أن لا يتضرر. وليس بالمفيد جري العيد بُخلف أمر المبدئ المعيد فالعادات والأعراف إذا أدت إلى الإضرار بالزوج أو إلى ضياع الأولاد كان من حق الزوج أن يعتذر عن ذلك، وأن يتمنع منه. والله تعالى أعلم.

إكثار الزوج للسهر خارج بيته تاركا زوجته وأولاده

إكثار الزوج للسهر خارج بيته تاركاً زوجته وأولاده Q ما توجيهكم لرجلٍ يكثر السهر خارج بيته، بل لا يأتي للبيت في الغالب إلا للأكل والنوم، وقد ضيّع بذلك حقوق زوجته وأبنائه، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا الحق يتعلق بالحقوق المشتركة، وسيكون حديثنا إن شاء الله عنها في الغد؛ لأن الحقوق الزوجية منها الحق الخاص، ومنها الحق العام، فالحقوق الخاصة: ذكرناها حق الرجل وحق المرأة. وفي الغد إن شاء الله سيكون هناك الحق المتعلق بالمبيت والفراش، الحقوق المشتركة بين الزوجين. ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذلك وأن ييسره.

نصيحة لزوج يجبر زوجته على كشف وجهها

نصيحة لزوج يجبر زوجته على كشف وجهها Q زوجي يجبرني على كشف وجهي أمام إخوانه لإرضائهم، وإذا رفضت ضربني وأهانني، فما نصيحتكم لذلك، وجزاكم الله خيراً؟ A على الزوج أن يتقي الله، وأن يأمر بما أمر الله وأن ينهى عما نهى الله عنه، ولا سمع له ولا طاعة إذا أمر بالمنكر، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة بالمعروف) ، ولذلك لا سمع له ولا طاعة إذا أمر بالمنكر. ومن حق المرأة إذا أمرها الزوج أن تكشف وجهها أمام الأجانب أو أمام إخوانه أو أعمامه أو أخواله من غير ذوي المحارم من حقها أن تمتنع، ولا سمع له ولا طاعة، بل ولا كرامة له؛ لأن الزوج الكامل يغار، ولا يكون ديوثاً يفتح أبواب الفتنة على نفسه وأهله وزوجه، بل إذا رأى المرأة الصالحة ثبتها وأعانها واتقى الله فيها. ولذلك لا يجب على المرأة أن تطيع الزوج في مثل هذه الأمور ونحوها من المنكرات التي تقع بحكم عادة أو تقليد، بل عليها أن تطيعه بما أمر الله، وأن تجعل بينها وبين بعلها في السمع والطاعة شرع الله، فما أمر الله به تطيع، وما خالف شرع الله ذكرته، وقالت له: اتق الله، هذا لا يجوز، وبينت له أنه حرام، فحينئذٍ إذا استجاب فبها ونعمت، وإن لم يستجب فإنها لا تطيعه، وعليها أن تمتنع، وأن تصر على ذلك، فإن الله يعينها، وما استدام إنسان ولا ثبت على خير إلا ثبّته الله؛ لأن الله عز وجل يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت، وكما ثبتهم في أشد الأحوال وأشد الأمور وهو عند السؤال والموت فإنه سبحانه يثبت فيما هو دون ذلك. ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثبت قلوبنا على طاعته ومرضاته، وأن يبلغنا أعالي الدرجات في جناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حقوق الأرحام

فقه الأسرة - حقوق الأرحام صلة الأرحام من الحقوق التي فرضها الله عز وجل لكي تستقيم بيوت المسلمين، وتتم الألفة والمحبة بينهم، وإن من أعظم هذه الحقوق حقوق أقارب الزوجين، فإن لهم حقوقاً لابد لكل من الزوجين أن يقوم بها وأن يؤديها، ولقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحق على أتم الوجوه وأحسنها وأفضلها وأكملها، فمن كان متأسياً فليتأس به صلوات الله وسلامه عليه.

أهمية صلة الأرحام

أهمية صلة الأرحام الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فسيكون حديثنا اليوم عن أمرٍ عظيم وحق جليل كريم، عن حق من الحقوق التي فرضها الله على الأزواج والزوجات، فلا يمكن أن تستقيم بيوت المسلمين وأن تتم الألفة والمحبة والمودة إلا بالقيام بهذا الحق وأدائه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، هذا الحق وصّى الله عز وجل به عباده من فوق سبع سماوات أن يتقوه، وأن يتقوا الله في الأرحام، فقال سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] . إنها الرحم خلقها الرحمن، واشتق لها اسماً من اسمه، فهو الرحمن وهي الرحم، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ومن قطعه الله فلا تسأل عن حاله، في ضيعةٍ وخسارةٍ ووبال والعياذ بالله! هذا الحق هو حق الأرحام والدا الزوج ووالدا الزوجة فقد فرض الله عز وجل على المؤمن أن يتقيه سبحانه في الرحم، وواجب على كل زوج إذا أراد أن يوفقه الله في زواجه وأن يسعده في أهله ونكاحه أن يحفظ حق قرابة زوجته، وواجب على كل زوجة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتقي الله في والدي زوجها وفي قرابته، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) . فجعل الله عز وجل صلة الرحم من الإيمان به؛ لأنه لا يحفظ زوجاً حق رحمه ولا تحفظ زوجة حق رحمها إلا بباعث من الإيمان بالله عز وجل. هذا الحق وهو حق الأرحام قام به النبي صلى الله عليه وسلم على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فكان يصل قرابة زوجه. وفي السير: أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فسمع صوت امرأةٍ تستأذن، فقام صلى الله عليه وسلم كالفزع، فإذا بها امرأةٌ كبيرة وإذا به يقول: (إنها هالة، إنها هالة أخت خديجة) ذكّرته عليه الصلاة والسلام بحبه وزوجه، بما كان بينه وبين أهله.

حقوق أقارب الزوجة على الزوج

حقوق أقارب الزوجة على الزوج هذا الحق فرضه الله على الزوج؛ لكي يكون كريماً مع أهل زوجته، ولن يستطيع الزوج أن يحفظ هذا الحق إلا إذا كان في نفسه من صفاء القلب وحفظ العهد ورعاية الحق ما يعينه على ذلك.

صلة والدي الزوجة والأدب معهما

صلة والدي الزوجة والأدب معهما كذلك أيضاً: عليه أن يتقي الله في حقوق والديّ الزوجة من الصلة والبر، فصلة أهل الزوجة واجبةٌ على الزوج، كما هي واجبةٌ على ابنتهم أي: زوجته، فلا يقطعهم من زيارة، وإذا زارهم زارهم كريماً محباً مشتاقاً يُظهِر المودة والمحبة، ويجعل من هذه الزيارة تأكيداً لما بينه وبين هذه الرحم من صلة؛ فإذا نظر الله إلى ذلك، رضي عنه، وجعل له الخير في حياته، فنعمت عين الزوجة وهي ترى أهلها في كرامةٍ من بعلها، الأمر الذي ينعكس بالآثار الحميدة في معاملتها لأهله. وإذا زار رحمه فإن عليه أن يتوخى الآداب، يتوخى آداب الزيارة في مواقيتها، وكذلك في الدخول والاستئذان، وفي الجلوس، فيراعي الحرمات، ولا يبالغ في الدخول إلى البيت والجلوس ساعات طويلة، والدخول في عورات البيت، إلى غير ذلك مما لا يليق بالكريم ولا ينبغي للمؤمن، بل عليه أن يزور زيارة يحفظ بها ماء وجهه، ويكون متسربلاً بسربال التقوى الذي يحبهُ الله ويرضى. وإذا جلس مع والد زوجته، أجلّه وأكرمه، فإذا لقيه تبسم في وجهه، حافظاً لعهده، فالغالب أن والد الزوجة ينزل منزلة الوالد؛ إما لكبر السن أو لعظم الحق، وهو جد لأبنائه وبناته فعليه يجله ويكرمه ويقدره وينزله منزلته. فإذا ما اجتمع معه في مجلس فمن حقه عليه أن يحفظ العورة، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (كنت رجلاً مذاءً -أي: كثير المذي- فكنت أغتسل حتى تشقق ظهري، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني) . استحييت أن آتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أواجهه وأقول: إني مصابٌ بكذا وكذا، مع أنه مضطر، ومع أنه في دين وعبادة، ولكن الكريم كريم، كريم في أدبه ووده وحفظه لماء وجهه. فينبغي على الزوج أن يحفظ حق رحمه، فلقد ضيع بعض الناس في هذا الزمان الحياء، فأصبح المجلس يجمعه بوالد زوجته فلا يستحي ولا ينكف عن ذكر أمورٍ يخجل من ذكرها أمامه، وهذا لا شك أنه إساءة، يقول بعض العلماء: (أجمع العقلاء على أن هذا من باب الإساءة والإهانة لوالد الزوجة، أن يذكر الزوج عنده ما يستحيا من ذكره) ، فهذه آداب ومكارم وأخلاق ينبغي حفظها والعناية بها.

تفقد أحوال والدي الزوجة والإحسان إليهما

تفقد أحوال والدي الزوجة والإحسان إليهما ومن حقه: أن يتفقد حاله، وينظر إذا كان محتاجاً إلى معونةٍ ومساعدة، يقول العلماء: (صلة الرحم لم تأت من فراغ) ، أي: أن الإنسان حينما أمر بصلة رحمه وبرهم وزيارتهم، فليست خالية من معنى ومقصد وهو: أن يتفقد حالهم؛ فإن كانوا محتاجين ويستطيع المساعدة بذل، ولو بالقليل الذي يستطيعه، وإن كانوا مفتقرين إلى معونة معنوية كأن يدعوهم إلى الثبات على مصيبة أو بلية ثبتهم، ومن ذلك إذا كان مريضاً عاده، وإذا كان في نكبةٍ ثبته على الصبر واحتساب الأجر، ونحو ذلك مما يحتاج إليه عند الشدائد والملمات. ومن أكمل ما يكون من الزوج: أنه إذا نزلت بأهل زوجه بلية أو مصيبة وجدوه أول رجل يطرق بابهم. وإذا أُصيبَ والد زوجته بحاجةٍ وفاقة كان أسبق الناس بالوقوف معه ومعونته ومساعدته؛ لعلمه أن الله يرضى عنه، ولعلمه أنه إذا وصلهم وصله الله، وأنه إذا أعطى أخلف الله عليه في دينه ودنياه وآخرته، فحري بالزوج أن يسمو إلى الكمالات، وأن يبذل ما يستطيع من التضحيات والمواقف الطيبة التي تنبئ عن طيب معدنه وزكاة نفسه وحبه للخير، وما يريده لأهل زوجه. وعليه: إذا وجد من أهل زوجته إذا قام بهذه الحقوق ووجد من أهل زوجته ما ينتظر من تقدير معروفه وتقدير سعيه أن يحمد الله عز وجل وأن يشكره، وإذا وجد منهم نكران الجميل وكفران النعمة ونسيان الفضل فليعلم علم اليقين أن الله تعالى يقول في كتابه: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30] . فأكمل ما يكون الأجر إذا بُليَ الزوج برحمٍ يصلهم فيقطعونه، ويعطيهم فيحرمونه، ويرفعهم فيضعونه، فإن كان كذلك فكأنما يسفهم الملّ، فمن أفضل ما تكون الصدقة والإحسان والبر للقريب الكاشح، وهو القريب الذي يكاشحك العداوة وتجد منه السوء والضر وأنت تبذل له الخير والنفع، ولا شك أن ذلك أعظم ما يكون أجراً، وأثقل ما يكون عند الله عز وجل صلةً وبراً؛ لأن الذي يصل في مثل هذه المواقف، ويبذل لمثل هذا النوع، إنما يريد وجه الله ولا يريد شيئاً سواه، واعلم أنك تعامل الله وأن هذا واجب عليك دعاك إليه الله جل جلاله، فإن قصروا في حقك فلا تقصر في حقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) . ذكر بعض العلماء: (أن بعض طلابه كان يأتيه والد زوجته فيسبه ويؤذيه، ويذكر عند الشيخ أموراً عجيبة مكذوبةً ملفقة على هذا الطالب، والطالب لا يعلم أن والد زوجته يأتي إلى هذا الشيخ، فكان والد زوجته يقول الزور والكذب ويتهم الزوج بما ليس فيه، من أجل أن يقول له: انصحه وذكره، وهذا لا خير فيه وهذا كذا وكذا فإذا جاء الطالب سأله الشيخ كيف حاله مع رحمه؟ فقال: نِعمَ الرحم ونعم الناس، وهو من بالغ ما يكون في الإحسان إليهم والتودد والملاطفة لهم، فاستحلفه بالله يوماً من الأيام، فقال له: والله ما غششت ولا كذبتُ عليك، ليس بيني وبينهم إلا الود والمحبة، وإني قائمٌ بكذا وكذا، وذكر ما يكون من بره وإحسانه، قال: فتأثر الشيخ تأثراً كبيراً مما كان من حال والد الزوجة، فقال له: أي بني إن والد زوجتك يقول كذا وكذا، فاتق الله عز وجل فيه إن كنت كاذباً، وإن كنت صادقاً فاصبر على ما يكون منه، فبكى ذلك الطالب وحلف بالله العظيم أنه صادقٌ فيما يقول، فلما حلف بالله العظيم انتظر الشيخ مجيء والد زوجته، فقال له: إنك زعمت كذا وكذا، فقال له: إي والله، إنه كان كذا وكذا، قال: وتحلف بالله؟! قال: نعم، وأحلف بالله، فدعا عليه الشيخ: وقال: أسأل الله العظيم ألا تمسي سالماً يومك هذا إن كنت كاذباً، يقال، فما غربت الشمس إلا وهو مشلول والعياذ بالله! فالظلم ظلمات، فإذا كنت ترى من والد الزوجة الإهانة والإذلال فاعلم أنك تعامل الله، وأنك تتقي الله في رحمٍ وصّى الله به من فوق سبع سماوات.

حفظ المعروف لوالد الزوجته

حفظ المعروف لوالد الزوجته فأول ما ينبغي على الزوج: أن يتذكر حق والد الزوجة عليه، حقه يوم اختاره من بين الناس زوجاً لابنته، ويوم اختاره من بين الناس كفئاً كريماً يستر عورته، يسترها ولا يفضحها، ويكرمها ولا يهينها، ولذلك أشبه الناس بالأب بناته كما ذكروا، حتى قيل: إن البنت الكبرى تشبه أباها. ذكرت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح مثالاً على ذلك، فقالت رضي الله عنها: (جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما تخالف مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم) . فالذي يختار الزوج ويرضى به زوجاً لابنته، فإن هذا يدل على حسن النية وعن حسن الظن، الأمر الذي يوجب على الزوج أن يحفظ هذا الحق وأن يعتبره ديناً عليه. ولذلك كان بعض الفضلاء، إذا أوذي من زوجته، لا يقف يوماً من الأيام على أبيها يشتكي، فلما عظمت أذيتها واشتدت بليتها، قيل له: هلا اشتكيتها إلى أبيها؟ قال: زوجني وأكرمني فأستحي أن أقف على بابه شاكياً. فإذا كان الإنسان حراً كريماً أعظم الإحسان وردّه بمثله وأفضل منه، وتلك سنةُ الأخيار، وإذا تذكر الإنسان اختيار أهل زوجه له، قابل ذلك بحسن المكافأة وردّ الجميل، وذلك من الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: (حفظ العهد من الإيمان) .

حقوق والدي الزوج على الزوجة

حقوق والدي الزوج على الزوجة وكما أن على الزوج أن يحفظ حق والد الزوجة، كذلك على الزوجة الصالحة أن تحفظ حق والدي الزوج، وأن تعي وتدرك أن حنان الوالدين وأن ما في قلبي الوالدين من الرحمة والصلة بالولد فوق الخيال وفوق التصور، فينبغي أن تقدر هذه العاطفة، وأن تقدر هذه الرحمة التي قذفها الله في قلب الوالد والوالدة، ولا يكون هناك ما يبعث على الغيرة أو على قطع الولد عن والديه، ولتكن على علم أنها إذا أرادت أن يبارك الله لها في زوجها وأن يقر عينها به فلتعنه على بر والديه، وإذا كان والدي الزوج بحاجةٍ إلى قرب الولد أن تكون قريبةً منهما، وأن تقابلهما بالمحبة والإجلال والوفاء، ولقد أباح الله وجعل والد الزوج محرماً لزوجة ابنه، حتى يحصل التواد والتراحم والتواصل، وتنظر المرأة لوالد زوجها وكأنه والدٌ لها، فتشفق عليه، وترعى أموره، وتحسن إليه، وكذلك لوالدته. وأكثر ما تقع المشاكل بين الزوجات والأمهات، والسبب في ذلك واضح وهو: أن أبلغ الحنان وأكمل ما تكون الرحمة من أمةٍ لعبدٍ أو من عبد لعبد أو من أمةٍ لأمة إنما هو حنان الأم لولدها، ولا تلام في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم لما دمعت عيناه على ابنه إبراهيم قيل: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: رحمةٌ أسكنها الله في قلوب عباده) ، فالله أسكن في قلب الأم رحمة تحن بها إلى ولدها، وتصبح فارغة الهم إلا من ولدها، فما على الزوجة إلا أن تقدر ذلك، فإذا انطلقت من منطلق الغيرة أو وسوسة الشيطان لها بالوساوس والخطرات قطعت الوالدة عن ولدها، وقطعت الزوج عن أمه وأبيه، وعندها تتأذن بسخط الله -والعياذ بالله- وغضبه. الله أعلم كم من قلب أمٍ تقرّح بسبب أذية الزوجة وإضرارها، وكم من عينٍ بكت ودمعت بسبب ظلم الزوجة وأذيتها لوالد الزوج، الله الله! على المرأة المؤمنة أن تخاف الله وتتقيه، وإذا كانت تعين بعلها على الظلم وعلى القطيعة فلتعلم أنه سيأتي يوم يؤذنها الله هي وبعلها بالعقوبة، فالعقوق لا خير فيه، وإنه من الذنوب التي يعجل الله به العقوبة، ويقول بعض العلماء: (إذا كانت المرأة تعين زوجها على عقوق الوالدين فإنها تجمع بين ذنبين وبين إساءتين، الذنب الأول: أنها شريكةٌ له في عقوق الوالدين، والعياذ بالله! والذنب الثاني: أنها قاطعةٌ للرحم) وجاء في الخبر أنه: (ما من ذنبٍ أحرى أن تعجّل عقوبته في الدنيا، مع ما ادخره الله لصاحبه من عقوبة في الآخرة من قطعية الرحم) ، فقطيعة الرحم عذابها عاجل؛ ولذلك قال الله في كتابه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] ، يقول بعض العلماء: (من قطع رحمه ختم الله على قلبه، فمهما مرت عليه المواعظ ومرت عليه الآيات فلا يتعظ) ، نسأل الله السلامة والعافية! ولو اتعظ يتعظ إلى حين، ولذلك كان بعض العلماء: إذا اشتكى أحدٌ من قسوة القلب سأله، وقال له: كيف أنت والرحم؟ فالمرأة التي تعين بعلها على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين قاطعةٌ لرحمها، لا تخاف الله عز وجل في زوجها، ولا تخاف الله في رحمها، وإذا كانت المرأة ترى من والدي الزوج أموراً توجب لها أن تضر بوالدي الزوج فما عليها إلا أن تبذل كل ما تستطيع بالصبر واحتساب الأجر، وعليها أن تسأل العلماء حتى تعلم ما الذي يجب عليها فعله، ففي بعض الأحيان يتدخل والد الزوج ووالدته أو يتدخل والد الزوجة ووالدتها في شئون البيت، الأمر الذي يحدث النفرة من الزوج أو يحدث النفرة عند الزوجة. والواجب في مثل هذه المواقف أن ينظر الزوج والزوجة إلى المفاسد، فإن وجد الزوج مفسدة تدخل والدي الزوجة أعظم من مفسدة إبعادها عنهما، فحينئذٍ يبعدها عن والديها، ويأذن لها بالزيارة في حدودٍ ضيقة، حتى تصلها وتقوم بحق البر مع الأمن من الأذية والإفساد والإضرار، وكذلك أيضاً إذا كان والدا الزوج يتدخلان في شئون الزوجة وفي شئون البيت بالإفساد والإضرار والأذية فالمرأة مخيرةٌ بين أمرين: إما أن تصبر وتحتسب الأجر، فهذا أحسن وأفضل وأكمل، وإما أن تنظر إلى المفاسد، فإن غلبت مفسدة التدخل سألت زوجها أن يبعدها عن والديه. وعلى الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم، فإذا نظروا أن تدخل الوالدين في شئون البيت يُحدث للمرأة أذيةً وإضراراً لا يسعها الصبر عليهما فعلى الزوج أن يتق الله في زوجته، وأن ينصفها من أهله ووالديه، وإذا قام بإبعاد زوجته عن والديه فلا يُعدّ عاقاً لوالديه، ولو سكن بعيداً عن والديه في هذه الحالة المشتملة على الإضرار والأذية، مع تفقد الوالدين؛ لأن الله عز وجل لا يأمر بالظلم ولا يرضى به، فلا يأمر الله عز وجل بالظلم، فيقال للرجل: أبق هاهنا إرضاءً لوالديك، والوالدان سوطا عذاب على المرأة في أذيةٍ وإضرار وظلم وإجحاف، والعكس كذلك. وعليهما -على الزوج والزوجة- أن يتقي الله كلٌ منهما في الآخر، وأن ينظر للأمور بمنظارها الشرعي، من حيث ترتب المفاسد ووجود المصالح، وإذا كانت المرأة ترى المفاسد عظيمة واختارت الصبر، فهذا أفضل وأعظمُ أجراً؛ لأن الله تعالى يقول: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17-18] ، قالوا: أحسنه أي: أحسن القرآن؛ لأن القرآن فيه حسن وفيه أحسن، فحسنُ القرآن أن ترد المرأة الإساءة بالإساءة، والرجل يرد الإساءة بالإساءة؛ ولكن الأحسن أن يرد الإساءة بالإحسان؛ وذلك لمن قال الله عنه: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] هذا من جهة والدي الزوجة ووالدي الزوج.

حقوق بقية أقارب الزوجين

حقوق بقية أقارب الزوجين أما بالنسبة لبقية القرابة: كالإخوان والأخوات ونحو ذلك، فعلى كلا الزوجين أن يتقوا الله في القرابة، والأخ قد ينزل منزلة الوالد، يقول بعض العلماء وهو مذهب الحنفية وطائفة من أهل العلم: (إن الأخ الكبير إذا مات الأب ينزل منزلة الأب في حفظ وده ورعايته وإكرامه وبره) . فالأخ الكبير إذا مات الأب يكون له من الحق في البر والصلة كمنزلة الأب. وقال بعض العلماء: (الأعمام ينزلون منزلة الآباء، والأخوال ينزلون منزلة الأمهات) ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الخالةُ بمنزلة الأم) ، فإذا كان للزوجة أخٌ كبير أو هو الذي قام بتزويجها ورعايتها يكون له من حفظ الحق والود والإكرام والإجلال مثل الذي ذكرنا، وليس الأمر مختصاً بوالد الزوجة؛ ولكنه يشمل كذلك الإخوان والقرابات ولو كان عمها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن عم الرجل صنو أبيه) فنزل العم منزلة الأب، ونزل الخالة منزلة الأم، فقال: (الخالةُ بمنزلة الأم) ، لما اختصموا في ابنة حمزة رضي الله عنه وأرضاه، فأمر بحضانتها للخالة، وقضى بذلك وقال: (الخالة بمنزلة الأم) كما ثبت في الصحيح. فهذا كله يدل على أن القرابة لها حق، وأن الأمر لا يختص بالوالد والوالدة، وإذا رأى الزوج حنان الزوجة لأخيها الأكبر وإكرامها له فليعذرها في ذلك؛ خاصةً إذا تربت يتيمة في حجره، وهو الذي قام عليها، فعليه أن يقوم بإكرامِ أخيها والقيام بحقه، كما ذكرنا في حقوق الوالدين. نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل.

ضياع حقوق الأرحام في واقعنا المعاصر

ضياع حقوق الأرحام في واقعنا المعاصر وهذه الحقوق -أعني حقوق الأرحام- أكثر ما يحتاج إليها في التطبيق، والذي دعانا أن نفردها بهذا المجلس؛ شدة الحاجة، فقد كان الناس يحفظون حقوق قرابات الزوج والزوجة؛ لأن الفطر لم تتلوث، وكان الناس يربون أبناءهم وبناتهم على حفظ حقوق الأرحام، ولكن لما ساءت التربية في هذه الأزمنة المتأخرة، وأصبحت هذه الحقوق ضائعة، احتجنا للتنبيه عليها، ويحتاج إلى التنبيه عليها، والدعوة إلى التزامها والقيام بها أكثر وعلى الخطباء وطلاب العلم أن يعتنوا بذلك، فقد بلغ ببعضهم أن يُجلس والد زوجته وهو حطمة في آخر عمره لكي يقاضيه. يقول بعض القضاة: من أصعب ما أراه من القضايا ومن أصعب ما يؤلمني ويزعجني في الفصل بين الناس أن أرى شيخاً كبيراً في آخر عمره له مكانته وجلالته، ثم يجلس معه حدث السن السفيه الجاهل لكي يسب ابنته في وجهه، ويكشف عورته، ويهينه ويذله، لا يرعى فيه إلاًّ ولا ذمة. يقول: حتى أني أتشوش في بعض الأحيان، ولا أستطيع أن أفصل، مما أرى ومما أسمع، فأين الذي وصى الله به وأين الذي يفعله الناس؟!! تراه في آخر عمره وتجد الزوج يصب عليه البلايا، وكل يومٍ وهو واقف على بابه يشتكي من ابنته، ويذكر عوراتها وسوءاتها وزلاتها وخطيئاتها، وقد يكون رجلاً مريضاً؛ فلا يرحمه في مرضه، ولا يرعى كِبرَ سنه، فهذه أمور تتفطر لها القلوب، ويحزن لها كل مؤمن، فالواجب أن يعنى بمثل هذا، ولا يمكن لنا أن نتلافى مثل هذه السلبيات إلا بأمرين مهمين: الأمر الأول: التربية الصالحة، أبناؤنا وبناتنا إذا زجّ بهم إلى الزواج، يعلمون ويوجهون ويربون على الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة، على حفظ الحقوق، ورعاية الذمة، فيصبح الابن بمجرد أن يزوج كأنه مدينٌ بالفضل، ويصبح يرعى حق والد زوجته وقرابتها، والبنت كذلك، تعلمها أمها وترعاها، وتجلس معها وتوجهها التوجيه الكامل الفاضل، الذي يبعثها على مكارم الأخلاق، وعلى محاسن العادات. وأما الأمر الثاني: فالتواصي بالحق، ولقد كثرت هذه المشاكل الزوجية بين الناس، وقلّ أن تجد من ينصح، وقلّ أن تجد من يعظ، أو يذكر، بل تجد الصاحب يجلس مع صاحبه والصديق مع صديقه والقريب مع قريبه يسمع بملء أذنه الزوج يسب أهل زوجته ولا يقول له: اتق الله، ولا اذكر المعروف، ولا يقول له ما قال الله: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] . فيا أيها الأحبة في الله! واجب أن نتناصح، واجب أن نحيي ما أمر الله بإحيائه من تقوى الله في الرحم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] ، وقد كانت العرب في جاهليتها الجهلاء وضلالتها العمياء، إذا اشتد الأمر بين الرجل والرجل فأراد أن يذكره ويخوفه حتى يعود إليه قال له: نشدتك الله والرحم، فينكسر الرجل ويمتنع، فإن كان يريد منه ألا يفعل شيئاً تركه، وإن كان يريد منه أن يفعل هذا الشيء فعله؛ لأنه يحس أن هذه الرحم شيءٌ كبير، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم رحماً) وهي مصر. فـ أم إسماعيل هاجر وهي من مصر، وكذلك أيضاً أم إبراهيم مارية من مصر، فقال عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بأهلها خيراً) مع أنها رحم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن جعله رحماً للأمة: (استوصوا بها خيراً، فإن لهم رحماً) ، هذا كله في الرحم مع بُعدها، فكيف إذا قربت الرحم؟!! فلذلك ينبغي التواصي بمثل هذه الحقوق، وإحياؤها في النفوس، وإذا جلسنا في المجالس ورأينا من يذم أهل زوجه ذكرناه بالله وخوفناه بالله، وإذا سمعنا بمشكلة بين قرابة منا -بين أرحام- وصلت إلى قطيعة الرحم فليتدخل العقلاء والحكماء، وليتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم؛ وذلك هو الذي يرضي الله، وهو الذي وصّى الله به من فوق سبع سماوات. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحسن الأحوال، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة والمآل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

العمرة عن الغير

العمرة عن الغير Q فضيلة الشيخ! رجلٌ اعتمر لنفسه، فهل يجوز له أن يخرج إلى المقيات ويحرم ويعتمر لأمه، علماً بأن أمه ميتة؟ A إذا كانت الأم قد ماتت ولم تعتمر فإنه يعتمر عنها، فإن من البر بالوالدين بعد الموت أن يحج ويعتمر عنهما، وفيه تفصيل: إذا خرج -مثلاً- من المدينة إلى مكة يريد العمرة، وليس في قلبه أن يعتمر عن والدته، فلما طاف وسعى أو لما وصل إلى مكة طرأ له أن يعتمر عن والدته، فيجوز له بعد فراغه من العمرة الأولى أن يخرج إلى التنعيم ويأتي بعمرة. وأما إذا كان قد صحب نيته أن يعتمر عن أمه من المدينة، فيلزمه بعد الانتهاء من عمرته الأولى أن يرجع إلى المدينة؛ لأنه مرّ بالمدينة وهو ناوٍ أن يعتمر عنها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس وابن عمر: (من مر بالميقات وهو ناوٍ نسكاً أن يحرم من الميقات) ، فيلزمه بعد فراغه من عمرته أن يرجع إلى ميقاته الذي مر به مستصحباً النية مع العمرة الأولى ويأتي بها من الميقات، وإلا لزمه الدم إن أحرم من دون. والله تعالى أعلم.

صلة الأرحام بالهاتف

صلة الأرحام بالهاتف Q نرجو من فضيلتكم بيان هل يكفي لصلة الرحم ما سخره الله عز وجل في هذا الزمان بالهاتف؟ A أخي في الله! لو كانت الصلة بالهاتف تكفي لما اقتنع المؤمن ولا رضي المسلم أن يحرم نفسه الخير بتغبير أقدامه في طاعة الله ومرضاته، ولو كانت الصلة تكفي بالهاتف أو تكفي بالرسالة أو ببعث السلام فلن يرضى المسلم حتى يطلب الأكمل والأفضل، والصحابة كانوا يأتون ويسألون عما يقرب إلى الجنة، حتى ولو كان من مشاق النفوس ومما تبذل فيه المهج والأرواح ونحنُ على العكس من ذلك نبحث فقط على القدر الواجب وقدر الإجزاء فما دون، وهذا لا ينبغي، وخاصة لطلاب العلم، ولذلك أوصي طلاب العلم في صلتهم لأرحامهم وقرابة زوجاتهم، فعندما تكون المرأة صالحة ولها أخوات عند أناس أقلّ منك صلاحاً وأقلّ منك ديانة أو أناس من العوام، فينبغي أن تكون أنت أكمل وأفضل منهم، وأن تكرم زوجتك الصالحة الدينة. بعض الأخيار والصالحين قد يكون سبباً في الشماتة؛ لأنه يقتصر على قدر الواجب، وما يدري هؤلاء العوام عن الواجب، لو كانت الصلة بالهاتف تكفي، إنما يرجعون إلى العرف ويقولون: هذا طالب علم لا يأتينا، وهذا طالب علم إنما يتصل بالهاتف، حتى ولو كان ذلك جائزاً لفُسِّر أنه تكبر واستعلاء، بالله لو كنت والداً للزوجة وكان قريبك يفعل بك ذلك أكنت ترضى؟! أكنت ترضى أن يقوم بصلتك بالاتصال ولا يغبّر قدمه بالوقوف على بابك؟! لن ترضى ذلك، ولا يرضاه الصالحون من عباد الله الأخيار؛ لأن الإنسان مجبول بفطرته على حب الكمال. فينبغي على طلاب العلم ألا يبحثوا على قدر الإجزاء فقط، بل عليهم أن يسعوا إلى الكمالات؛ لأنه إذا رضي الله عنك في برك لوالديك وصلتك لرحمك كانت صلة الله لك أكمل، وإذا كنت تبحث عن قدر الإجزاء وتبقى عليه، فهذا حد ما فرضه الله عليك، ولكن يعطيك الله ويجزيك قدره، ولكن إذا كنت تريدُ الصلة بالله على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فصل رحمك على أتم الوجوه وأكملها وأحسنها. وإذا كان الإنسان عنده مشاغل ومع ذلك ينزل الزوجة لزيارة أمها وأبيها، ويقف ويسلم على والدها ويسلم على والدتها، والله يعلم أنه مشغول وأنه متأخر، ولكن يصبر؛ لعلمه أن الله يرضى منه ذلك. وقد ترى الرجل إذا كان في تجارة، لو جاء لزيارة تاجر لجلس واستحيا أن يقوم، وإذا قال له: أنت مشغول؟ قال: لا، حقك أكبر، وأخذ يجامله، ويقول له الكلمات المكذوبة، والله يعلم أنه لا يقولها من قلبه، وهو يتمعر على فوات شغله، ولكنه يريد أن يجامل الناس، أما الرحم فلا، تجدنا أكمل ما نكون مع الأجانب ومن هم أبعد منا، وتجدنا أنقص ما نكون مع أقرب الناس منا، وهذا والله من الحرمان، ومن الخذلان أن تجد الرجل يبر خالته ويعق أمه، كما ذكروا في المثل. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند فينبغي للإنسان ألا يرضى فقط بقدر الإجزاء، ويبحث عن الرخص؛ ولذلك يقول بعض العلماء: قد يكون العلم وبالاً على العالم، قيل: كيف ذاك؟ قال: يأتي إلى العبادة، فيقول: هذا ركن وهذا واجب وهذه سنة، إذاً ما دام أنها سنة نتركها، فيصبح لا يفعل إلا الواجبات والفرائض، ويصبح علمه بالسنة وبالاً عليه نسأل الله السلامة والعافية! بدلاً من أن يكون علمه بالسنة سبباً في التمسك والحرص على الخير، صار -والعياذ بالله- سبباً في حرمان الخير، وتجد العامي ينظر إلى هذه السنة كأنها واجب، فيحرص على فعلها فينال فضلها، وتجد طالب العلم يقول: هذه ليست بواجب، فيتركها، فإذا بالعوام قد يفوقوا طلاب العلم في ذلك! إذاً لا تسأل عن قدر الإجزاء، بل ابحث عن الأكمل والأفضل، وكم ترى عينك وكم تسمع أذنك من زوج كثير المشاغل يأتي إلى أهل زوجته، يصلهم ويبرهم، وكلهم يعلم أنه مشغول، وأنه يتكلف المجيء، فيخرج من عندهم والأكف تُرفع إلى الله أن الله يوفقه ويسدده. فلذلك حري بالمسلم أن يسعى إلى الكمالات، وأن يبحث عن الأفضل والأكمل، خاصةً إذا كان من طلاب العلم وكانت عنده زوجة صالحة، فليكن أكرم بعل في الإحسان لأهلها وإكرامها رعايةً لصلاحها، فالزوجة الصالحة في هذا الزمان درةً ثمينة عزيزة غالية. نسأل الله العظيم أن يوفقنا إلى كل خير. والله تعالى أعلم.

حكم طلاق الزوجة لأمر الوالدين بذلك

حكم طلاق الزوجة لأمر الوالدين بذلك Q ما الحكم فيما إذا طلب أحد الوالدين من الابن طلاق زوجته؟ A باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فإذا كانت الزوجة سيئة في دينها أو سيئة في خلقها ووجد الموجب لتطليقها، فأمر الوالد أو أمرت الوالدة، فعلى الابن أن يَبُرّ والديه؛ وذلك لأن هذا الأمر مبنيٌ على تقوى الله عز وجل، وعليه أن يطيع والديه ويطلق زوجته، والله سيبدله خيراً منها، وقد ثبت في الصحيح في قصة إبراهيم: (لما أتى إلى زوجة إسماعيل، فسألها عن حالها، فذمته وعابته وانتقصته، فقال: إذا جاء إسماعيل أقرئيه مني السلام، وقولي له: ليغير عتبة داره، فلما جاءها أخبرته فسألها عن صفاته، فأخبرته فقال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أطلقكِ فطلقها. ثم جاء بعد ذلك إلى المرأة الثانية وهي لا تعرفه، فسألها عن حالها، فحمدت وأثنت على بعلها -وهذه عاقبة من يتقي الله عز وجل ومن يصبر ولا شك أن الثناء في محله، فإنه نبي أثنى الله عليه وزكاه من فوق سبع سماوات- فلما أثنت عليه، قال لها: أقرئيه مني السلام، وقولي له: ليثبت عتبة داره، فلما جاءها وقصت عليه القصة، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أحسن إليكِ، وأن أبقيكِ، فأبقاها) . فالأب له حق، والأم لها حق، ويمكن أن يشك الإنسان أو يدخله الريب في نصيحة أحد؛ ولكن الوالدين لا يستطيع أن يشك أو يمتري في حُسنِ نظرهما له، بمعنى أن عاطفة الوالدين في الغالب ترجو للولد كل خير، فلا يمكن أن يتهم الولد والديه أنهما يريدان السوء به، فإذا رأى الوالد أو الوالدة يشيران عليه بطلاقها، وهي على غير خير وعلى غير استقامة، فإنه يبر والديه ويطلق المرأة، ويبدلهُ الله بفضل البر خيراً منها. وأما إذا كانت المرأة صالحة ومستقيمة، والوالدان يأمران بطلاقها، فحينئذٍ يبر والديه ويمسك زوجته، فنأمر بما أمر الله به، (يبر والديه) بمعنى: أن يتلطف ويُحسن التذكير لهما بالله؛ لأن من البر أن يأخذ بحجزهما عن النار، فإذا هُدم البيت تشتت شمل الأسرة، ونال الوالدان الإثم، فيبر والديه؛ ويُذكرهما بالله، ويخوفهما من عذاب الله، حتى يستطيع أن يصل إلى رضاهما والقناعة ببقائها، فيبقي زوجته، ما دامت أنها صالحة دينة مستقيمة، فمثلها يكرم ولا يُهان ويُستمسكُ به ولا يفرط فيه. والله تعالى أعلم. ذكروا عن الإمام أحمد رحمةُ الله عليه، أنه جاءه رجل وقال: إن أبي يسألني أن أطلق زوجتي، فسأله عن زوجته فإذا هي صالحة، فقال: أمسكها، فقال: أوليس عمر قد أمر ابنه عبد الله أن يطلق زوجته فطلقها، فقال: إذا كان أبوك مثل عمر فطلقها. أي: إذا كان أبوك يتقي الله مثل عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه ويأمر بالطلاق لموجب ولأمر صحيح، فطلقها، أما أن يستغل وجوده، وتصبح نساء المؤمنين يطلقن، وتهدم بيوت المسلمين على السفه وعلى غير روية وبالظلم وبالاضطهاد، ويُجمع للمرأة بين ظلمها وهي زوجة وظلمها وهي مكسورةٌ مطلقة، فهذا لا شك أنه لا يرضي الله عز وجل، ولا يرضى الله بمثل هذا. والله تعالى أعلم.

الحقوق المشروطة

فقه الأسرة - الحقوق المشروطة فرض الله على المسلم والمسلمة القيام بالحقوق والواجبات، والوفاء بالعهود والعقود، ومن أعظم تلك العقود عقد الزواج، حيث يشترط فيه الزوج أو الزوجة شروطاً مختلفة، وهذه الشروط لا تخلو من أن تكون شروطاً شرعية ينبغي الوفاء بها، أو شروطاً غير شرعية لا ينبغي الالتزام ولا الوفاء بها، وعلى المسلم أن يتفقه في هذه الشروط ليعرف ما يحل منها وما يحرم.

أقسام شروط النكاح

أقسام شروط النكاح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن الله تعالى فرض على المسلم القيام بالحقوق والواجبات، والوفاء بالعهود، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] ، فكل ما بين المسلم والمسلم من عهدٍ وعقدٍ وشرطٍ فإنه يجب الوفاء به، إذا التزم به الطرفان أو التزم به أَحدهما، ولذلك عظّم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أمور الشروط، حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمر بالوفاء بها، والقيام بحقوقها، خاصةً إذا كانت هذه الشروط في عقد النكاح والزواج، فإذا وقع الزواج والنكاح، وكان هناك شروطٌ بين الزوجين، فإن الله عز وجل حمّل كل واحدٍ منهما الوفاء بما عليه من شرط. ولا يجوز للمسلم أن ينكث العهد ويُخلِف الوعد ولا يفي بشرط إلا إذا كان مضطراً، وأذن له الطرف الثاني، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله. فالأصل أنه ليست من شيمة المسلم أن يضيع الشروط التي التزم بها، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (مقاطع الحقوق عند الشروط) أي: أن الله سبحانه وتعالى جعل على كل إنسانٍ التزم بالشرط، جعل عليه حقاً أن يوفي بذلك الشرط، فإذا وفى بالشرط فقد أدى الحق كاملاً إلى أهله، ومن عادة الناس في عقود الزواج والأنكحة، أنه تقع بينهم شروط، فيشترط ولي المرأة على الزوج شروطاً، ويشترط الزوج على زوجته شروطاً، وحينئذٍ يرد السؤال عن موقف الشرع من هذه الشروط: ما الذي أذن الله به، فيفعل ويلزم الوفاء به؟ وما الذي نهى الله عنه، فلا يجوز اشتراطه، ولا يجوز الالتزام به؟ ومن هنا كان من الأهمية بمكان أن يعتنى عند بيان حقوق الزواج، ببيان الشروط؛ لأن الشرط نوعٌ من الحق، فإذا كانت الحقوق يلزم الوفاء بها، كذلك الشروط يلزم الوفاء بها، ومن هنا قال العلماء: إن الحقوق في الزواج منها ما هو شرعي، جعله الله عز وجل في أصل العقد، ومن لوازم العقد ومقتضياته، ومنها ما هو جعلي، بمعنى: أنه جعله الزوجان أو واحد منهما، فهذا الذي جُعل من الطرفين، أو من أحدهما، هو محل حديثنا اليوم، وهو الذي سنبين موقف الشرع منه، فالشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: شروطٌ شرعية، ينبغي الوفاء بها، ويلزم الطرفان أن يقوما بحقوقها. القسم الثاني: شروطٌ غير شرعية، وهي الشروط المحرمة.

شروط اختلف فيها العلماء

شروط اختلف فيها العلماء القسم الثالث: فهي الشروط التي اختلف العلماء فيها: هل هي مشروعة أم ليست بمشروعة؟ قالوا: من أمثلتها أن تشترط المرأة ألا تخرج من بيتها، أو ألا تخرج من عند أهلها، أو ألا يسافر بها. ألا تخرج من بيتها: امرأة تريد أن تبقى عند أهلها وفي بيت أبيها فتتزوج وتكون في داخل بيته، أو تشترط عليه ألا يبعدها عن والديها، كأن تشترط أن تسكن في الحي الذي فيه والداها، أو ألا يخرجها من مدينتها، كأن يكون من مدينةٍ أخرى، وتخشى أن يسافر بها إلى مدينته، فقال: أشترط أن تبقى بنتي ولا تسافر. أو تشترط ألا تسافر معه، كأن يكون رجل صاحب تجارة وتخاف من السفر معه، فقالت: اشترط ألا أخرج معك في سفر. فمثل هذه الشروط اختلف العلماء فيها، وهي تنقسم في الأصل إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون هناك مبرر للشرط، بأن توجد حاجة ضرورية أو حاجة ملحة لولي المرأة أو للمرأة لكي تشترط هذا الشرط، من أمثلة ذلك: أن يكون للمرأة والدان، وهذان الوالدان ضعيفان، أو أحدهما مريض، ويحتاجان إلى رعاية وعناية البنت، وهي تريد أن تكون بجوار أبيها وأمها من أجل البر وحفظ حقيهما، خاصةً إذا لم يوجد أحد، فهي مضطرة ومحتاجة لمثل هذا الشرط، فحينئذٍ مثل هذا الشرط ينبغي للزوج أن يعينها عليه، وهو مأجور، والله يبارك للزوج في زوجته، إذا أعانها على طاعة الله وبالأخص بر الوالدين، فحينئذٍ يحاول أن يعينها على هذا الشرط، وهو شرطٌ له وجهه. لكن إذا اشترط ولي المرأة ألا تخرج من بيته، وألا تسافر عنه، أيضاً له حالتان: إما أن يشترط لسبب، كأن يرى البنت صغيرةً في السن أو طائشة، ويريدها أن تكون قريبة منه، ويخشى أن سافر بها الزوج والزوج متساهل أن تقع بنته في فتنة أو حرام، أو يخشى أن يسافر بها الزوج إلى أهله وبينه وبين أهله عداوة أو نحو ذلك، فإن وجد ما يُبرر ذلك من ولي المرأة، كان شرطاً شرعياً، ومن حقه أن يشترط التأقيت، فيشترط إلى سنٍ معين، وإلى حدٍ معين، فيقول: أشترط ألا تخرج بنتي من المدينة إلى أن تبلغ عشرين سنة خوفاً من الضرر عليها، فهذا شرط يقصد به دفع الضرر، قال بعض العلماء: من حق الولي أن يشترط ذلك، لأنه شرطٌ في مصلحة الزوج والزوجة، وفيه إقامةٌ لطاعة الله عز وجل، وحفظ الله عن الحرام. القسم الثاني: إذا كان هذا الشرط فيه شيءٌُ من الفضول، كأن تشترط ألا تخرج من بيت أبيها، أو لا تخرج من جوار والديها، وليست هناك حاجة من الوالدين، أو تشترط ألا تخرج من مدينتها، وليس هناك ما يبرر هذا الشرط، أو تشترط ألا يتزوج عليها، أو ألا تكون عنده زوجة، فهذا النوع من الشروط للعلماء فيه قولان: القول الأول يقول: إنه شرطٌ لازمٌ وصحيح، ويجب على الزوج أن يفي به، وأنها إذا قالت له: أشترط ألا تتزوج علي مثلاً، وأراد أن يتزوج عليها في أي يومٍ بعد عقد النكاح، فإن من حقها أن تطالب بشرطها، وحينئذٍ يكون الفسخ، أي: ينفسخ النكاح، هذا بناءً على أنه شرط بينه وبينها، وبهذا القول قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص رضي الله عن الجميع. أربعةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يرون شرعية مثل هذا الشرط، وكان بعض التابعين يفتي به، فهو قول شريح القاضي المشهور، وقال به عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، وهو مذهب الحنابلة أنها إذا اشترطت ألا تخرج من مدينتها، أو ألا يسافر بها، أو ألا يتزوج عليها، أو ألا تكون عنده زوجة من قبل، أن هذا الشرط صحيح، وخالف هؤلاء جمهور العلماء سلفاً وخلفاً، فقالوا: ليس من حقها هذا الشرط، وإذا وقع هذا الشرط، فإنه شرطٌ باطل، وممن قال بهذا القول: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو راويةٌ أخرى عن عمر بن الخطاب، كانوا يقولون إذا اشترطت فإن هذا الشرط لاغٍ. رُفع إلى عمر بن الخطاب امرأة اشترطت على بعلها، واشترط أهلها ألا تخرج معه، فلما اشترطت هذا الشرط، قال عمر رضي الله عنه: (المرأة مع زوجها) أي: يخرج بها إلى حيث شاء وأثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه، أنه رفعت إليه قضيةٌ في اشترطت امرأةٍ مثل هذا الشرط، فقال رضي الله عنه: (سبق شرط الله شرطها) أي: أن الله عز وجل جعل الرجل قائماً على المرأة، وهذا الشرط جاء تبع، فلا تأثير له؛ لأن الأصل أن تكون تبعاً لبعلها وزوجها، وهكذا بالنسبة إذا اشترطت ألا يتزوج عليها، فإن الله فصّل هذا الأمر، وأحله وأباحه. والذين قالوا: إنه يجب الوفاء بهذا الشرط، وهم أصحاب القول الأول احتجوا بأدلة، أولها: قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج) ، قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جعل الشرط في عقد النكاح أحق ما يفي به المسلم، فقال: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج) وهذا قد استحل فرج امرأته بشرط، وهو أن لا يسافر بها، واستحله بشرط ألا يتزوج عليها، واستحله بشرط ألا تكون عنده امرأة، فإذا كان الأمر على خلاف ذلك؛ كان من حق المرأة أن تطالب بفسخ النكاح وتمتنع، وقالوا أيضاً: إن المرأة قد تشترط هذه الشروط، كأن تكون شديدة الغيرة، فتخشى أن تضيع حق بعلها، فمن حقها أن تشترط هذا، ويجب على الزوج أن يفي. والذين قالوا: إن هذا الشرط باطل احتجوا بما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) ، قالوا: إن قوله: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله) ، يوجب علينا في الشروط أن نعرضها على شرع الله، فما كان منها يحرم الحلال أو يحل الحرام، فإننا نرده، ولا عبرة به، وهو باطل، فنظرنا فيها وهي تقول: لا تتزوج علي، وأشترط ألا تكون عندك زوجة سابقة، فإذا بها تحرم عليه ما أحل الله، ووجدناه خلاف شرع الله عز وجل، وخلاف دين الله، فانطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) ، كذلك أيضاً وجدناها إذا قالت له: ألا تكون عنده زوجة، فإن الأصل أن الرجل له أن يتزوج قبل هذه المرأة وله أن يتزوج بعدها، وله أن يجمع بين أكثر من واحدة، ما دام في الحد الذي حده الشرع، فإذا جاءت تقول له: بشرط ألا تكون عندك زوجة؛ فقد منعته من زوجته الأولى، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتُكفِئ ما في إنائها) ، قالوا: هذا عام، فإذا قلنا بجواز الشرط، فكأنه حينئذٍ سيقدم على تطليق الأولى، وإدخال الثانية، وهذا هو الذي حرمه الله ورسوله، فنحن إذا جئنا ننظر في الشروط، ينبغي أن نتقيد فيها بما ورد في الشرع، فليس في شرع الله تحريم الزوجة الثانية، وليس في شرع الله عز وجل أن يبقى الرجل منحصراً مع زوجته في مكانٍ معين، بل إن الذي في شرع الله حِل ذلك كله وإباحته، وبناءً عليه قالوا: إن هذا الشرط باطل، ونبقى على عموم قوله: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) ، ثم قالوا: أنتم تستدلون بقوله: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط) ، قوله: (أحق) يدل على أن الشرط في ذاته حق وليس بباطل، فإذا كان الشرط في ذاته باطل فليس بحقٍ، ولا بأحق، وحينئذٍ يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط) ، أي: الذي وافق شرع الله، واتفق مع هدي الإسلام في الزواج، فإذا جاءت المرأة تشترط شيئاً خلاف ذلك، فإنه يُلغى شرطها، ولا يعتد به، وهذا القول هو أولى القولين بالصواب وأنه لا عبرة بمثل هذا الشرط؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قضاء الله أحق وشرط الله أوثق) . وعليه نرى أن عموم قوله: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله) ، شاملاً لهذه المسألة التي معنا، وليس من حق المرأة أن تشترط ألا تكون هناك سابقة ولا لاحقة، بل إن أصحاب القول الأول يوافقون أصحاب القول الثاني، ويقولون: لو أراد أن يكتب العقد، أو يعقد على امرأة، فقال ولي المرأة: أشترط، وأهل الزوجة يعلمون أن عنده زوجة سابقة، فقالوا له: نشترط عليك أن تطلق الأولى، فإن هذا بالإجماع حرام ولا يجوز. وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عند أحمد في مسنده رحمه الله: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينكح الرجل بطلاق الأخرى) . أي: أن ينكح المرأة على أن يطلق التي قبلها، وعلى هذا فإننا نرى أن الشرع من حيث هو لا يقرُ مثل هذا ولا يجيزه، ثم انظر رحمك الله، إذا قلنا: إن من حق المرأة أن تشترط ألا تكون هناك سابقة، وألا تكون هناك لاحقة، فدخل الرجل عليها، ورضي بهذا الشرط، فإذا بالمرأة تغير جمالها، أو ذهب ما يعينه على العفة منها، إذا به يبقى وهو يخشى على نفسه الفتنة، فتنجب له الأطفال، فيبقى حائراً، إن جاء يتزوج الثانية؛ فإن الأولى ستبين منه، وإن جاء يبقى معها، لا يأمن الوقوع في الحرام، ولذلك هذا الشرط آثاره ونتائجه التي تترتب عليه فيه أضرار عظيمة، والرجل إذا لزمه هذا الشرط، معنى ذلك أن المرأة يكون لها الخيار، وحينئذٍ إذا أراد أن يتزوج عليها الثانية، يكون من حقها أن تفسخ النكاح، وتقول: أطالب بحقي، فتنفسخ بطلقة لا رجعة له عليها. وحينئذٍ إذا كان الأمر كذلك، سيتشتت أطفاله، وقد لا يرضى بشتات أطفاله، لأن الله أخبر أن الله عز وجل علق القلوب، وجبل النفوس على حب الولد، الولد مجبنةٌ مبخلة. كان الصحابي إذا أراد الهجرة، يريد أن يهاجر من مكة إلى المدينة، تعلق به ولده فامتنع من الهجرة، من فتنة الولد، فهذا الرجل إذا تزوج ولزمه هذا الشرط، وقلنا يلزمه، وهو يعلم أنه امرأته ستتطلّق منه، وأولاده سيضيعون، كيف سيقدم على الثانية؟ فيبقى بين نارين، وبين أمرين أحلاهما مر، فإما أن يبقى مع المرأة ويقع في الحرام، وإما أن يبين ما بينه وبينها فيتشتت أطفاله، ويكون في ذلك من المفاسد ما الله به عليم. وعلى هذا فإن أصح القولين: قول الجمهور: أ

شروط محرمة لا يلزم الوفاء بها

شروط محرمة لا يلزم الوفاء بها بالنسبة للقسم الثاني من الشروط، وهي الشروط المحرمة، فإن منها ما يفسد عقد النكاح، ومن أمثلته: أن يشترط الزوج تأقيت عقد النكاح، فيقول: أتزوجها شهراً، أو أتزوجها سنةً، أو أتزوجها نصف عام، فهذا نكاح المتعة، ويوجب فساد العقد من أصله. ومما يوجب فساد العقد ويخالف الشرع أن يشترط البدل، فيقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، أو زوجتك أختي على أن تزوجني بنتك أو أختك، فهذا نكاح البدل والشغار، وهو نكاح فاسد. فهذان النوعان عارضا الشرع، أما الأول فنكاح المتعة، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن نكاح المتعة) ، ونكاح المتعة: هو النكاح المؤقت بزمانٍ معين، كأن يجعله إلى سنة أو إلى شهر أو إلى شهور يحدد أمدها، واختلف العلماء لو أنه تزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، أو جاء إلى بلدٍ ينوي الإقامة مدة، وأراد أن يتزوج ثم يسافر، وهذا كما يسميه العلماء بزواج الرّكاض، والرّكاض: هو الرجل الذي لا يستقر في أرض، كأصحاب التجارات ينزلون في الأمصار، يطلبون أرزاقاً، يتأقّت جلوسهم فيها بحسب تلك الأرزاق، فيطول مقامهم ويقصر على حسب مصالحهم، فهم غير مستقرين، فهذا النوع من النكاح وهو أن يتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يخبر المرأة بنيته، أو يخبر ولي المرأة بالنية، ويتفقان على أنه يريدها لسنة، أو يريدها مدة دراسته، أو مدة إقامته في المدينة، ثم بعد ذلك يطلق، فهذا نكاح متعة، وهو محرم بالإجماع. الحالة الثانية: لكن إذا لم يُخبِر، وتزوج المرأة وفي نيته أنه إذا اقتضت مصلحته خرج من المدينة، وأنه يطلق، فللعلماء فيه وجهان، أصحهما: أن النكاح صحيح، وأنه لا حرج عليه في ذلك؛ لعموم الأدلة؛ ولأن النهي عن التأقيت الظاهر، وأما الباطن فلم يرد فيه نهيٌ يدل على تحريمه؛ ولأن فعل السلف وما كانوا عليه مشهورٌ، أنهم كانوا يرتحلون لطلب العلم وللتجارة، وكان الرجل ينزل المصر والقرية مدة تجارته، فيتزوج بها، ثم يترك أهله ويسافر إلى بلدٍ آخر، فقالوا: إنه لا حرج عليه في ذلك، واختار هذا القول جمعٌ من المحققين، وأفتى به شيخ الإسلام رحمة الله عليه، وهو الصحيح كما ذكرنا، ولما فيه من درء كثيرٍ من المفاسد، فإن الرجل تكون عنده المرأة ضعيفة لا تطيق السفر، وقد لا ترضى بالخروج معه، ويسافر إلى بلادٍ عديدة، فيتعرض فيها إلى فتنة، وقد يسافر إلى بلد يلزم عليه المكوث والجلوس فيه، فإذا قلنا له: لا تتزوج وأنت عندك نية الطلاق، فإنه لا يأمن الوقوع في الحرام، ومصلحته تلزمه بالبقاء في هذا البلد، ولذلك كان من شرع الله التيسير على نحو هذا، خاصةً إذا عمّت به البلوى، كما هو الحال في زماننا، ولكن مع هذا قال العلماء: إنما أجزنا نكاح مثل هذا؛ لأنه ربما غير نيته وصلحت له المرأة فأخذها معه، وهذا لا شك أنه قولٌ وجيه، وأن عموم الأدلة الدالة على جواز النكاح تقتضي صحته؛ ولأن الحكم في الشرع على الظاهر، وهذا لم يظهر للمرأة ولا للولي ما يريده. أما بالنسبة للنوع الثاني من الشروط التي توجب فساد العقد، فقال العلماء: أن يكون هناك شرطٌ يخالف شرع الله عز وجل من كل وجه، كأن يشترط ما ذكرناه أولاً أنه يؤقِّت بالمدة، أو يكون نكاح البدل وهو نكاح الشغار. نكاح الشغار إذا اشترط وقال: أزوجك بنتي على أن تزوجني بنتك، فهذا لا يجوز، سواءً وُجِد مهر أو لم يوجد مهر، وبعض العلماء يقول: إذا وجد مهر، جاز النكاح. وهو مرويٌ عن نافع الراوي للحديث عن ابن عمر أنه إذا كان بينهما مهرٌ فلا بأس، والصحيح أن نكاح الشغار يحرم مطلقاً، والعلة في ذلك أنه إذا تزوج المرأة في مقابل المرأة، بمجرد أن يسمع أن المرأة الثانية ظُلمت سيظلم التي تحته، فإذا ضر هذا بامرأته، ضر هذا بامرأته، وإذا آذى هذا الأخت، آذى هذا أخته، فأصبح نكاحاً مفضياً إلى الظلم، ولذلك قال العلماء: إنه تدخله المحاباة، حتى لربما زوّج البنت الصغيرة لشيخٍ كبير، أو لمن لا صلاح في دينه ولا استقامة له، ويحابيه في ذلك لمصلحة نفسه، ولذلك قالوا: لا يجوز هذا النوع من النكاح، لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن نكاح الشغار. هناك نوعٌ ثانٍ من الشروط محرم، ولكنه لا يوجب فساد النكاح، وإنما يُلغى الشرط ويصحح العقد، ومن أمثلة ذلك: إذا تزوج المرأة واشترط الزوج أو اشترطت المرأة أن يكون المهر بشيءٍ محرمٍ شرعاً، كأن يكون المهر خمراً أو لحم خنزيرٍ أو نحو ذلك من المحرمات، فإنه يُصحّح بمهر المثل، فيُنظر إلى مثل مهر المرأة، ويُصحّح العقد به؛ لأن الأصل صحة العقد وبقاؤه، ومتى ما كان ممكناً أن نصحح العقد، فإننا نصححه؛ لأن القاعدة أن الإعمال أولى من الإهمال. عرفنا الآن أن الشروط المحرمة منها ما يوجب فساد عقد النكاح كالمتعة والشغار، ومنها ما يوجب فساد المُسمَّى وهو المهر، ويصحح بمهر المثل. هناك نوعٌ ثالث من الشروط يسقط ويبطل، وبعض العلماء يقول: يبطل ويبطل العقد معه، وبعضهم يقول: يبطل ويبقى العقد صحيحاً، ومن أمثلة ذلك: أن يتزوج المرأة ويشترط أن لا نفقة لها وألا يسكنها، فإن النفقة حقٌ من مقتضيات عقد النكاح، فإذا قال: أتزوجك بشرط أن لا أنفق عليك، فإنه ليس من حقه ذلك، وقد عارض شرع الله عز وجل، فيفسد هذا الشرط في قول طائفة من العلماء ويُصحح العقد، وقال بعض العلماء: يفسد العقد، والصحيح أنه يفسد الشرط دون العقد، فيبقى العقد صحيحاً، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله، فهو باطل) ، وهذا يدل على أنه شرطٌ باطل، والنكاح بأصله صحيح. وهنا مسألة وهي: أنه يتزوج المرأة ويشترط أن يكون له جزء من راتبها، أو يكون له مسمَّىً من الراتب، فهذا النوع من الشروط فيه نظر، والأصل يقتضي عدم جوازه، وذلك لما يأتي: أولاً: أنه يخالف مقتضى الفطرة، حيث أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة، فإذا بالمرأة هي التي تنفق عليه، والله تعالى يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ، ولذلك قال العلماء: الأصل أن ينفق الرجل على المرأة، فإذا اشترط عليها أنها تنفق عليه، فهذا شرطٌ فاسد، وليس له حقٌ في هذا الشرط. ثانياً: أنه يُعتبر من الظلم، وأكل المال بالباطل، والله تعالى يقول: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188] ، فإن المال إذا دُفع، لا يُستحق إلا في مقابل، وكونه زوجاً للمرأة، لا يقتضي معاوضة بالمال، وكونه يقول: هي تعمل، وهي موظفة، وتضر بمصالحي، نقول: أنت بالخيار بين أمرين: إما أن ترضى بالإضرار بمصالحك التي في بيتك، وتسمح لها بالعمل، وإما أن تبقيها في البيت وتترك العمل. أما أن تأخذ من مالها بدون وجه حق، فليس هناك ما يبرر هذا، ولو قيل: إن المرأة تحتاج إلى رعاية أولادها، نقول: من حقك أن تمنعها من العمل، وأن تبقى لرعاية أولادها، ونص العلماء على أن من حق الزوج أن يلزم زوجته البقاء في البيت، لأنه الأصل، وأنه إذا سمح لها بعملها فلا إشكال، فإذا لم تطب نفسه، وألزمها أن تبقى؛ فمن حقه ذلك، لكن لو كان عنده أطفال، وكانت تعمل، وأرادت العمل، فقال لها: ائتي بمن يقوم على الأطفال، من خادمةٍ أو نحوها، وتكون نفقة الخادمة عليك، فلا بأس، قالوا: لأنها في الأصل مطالبة بخدمة أولادها، فإذا كانت تريد أن توجد من يقوم مقامها في خدمة الولد، وهي الخادمة مع أمن الفتنة، والمحافظة على ما يجب أن يُحافظ عليه، فإنه حينئذٍ لا بأس، وليس الزوج آخذاً لهذا القدر من الراتب بدون حق، إنما أخذه من جهة كونها مطالبة برعاية الأولاد، وحيث أن عملها يحول بينها وبين الرعاية، فجاءت بمن يحفظ أولادها، أو يحفظ البيت من كنسٍ وتنظيفٍ وطبخ في حال غيابها، وحاجة زوجها، فحينئذٍ لا إشكال؛ لأن المعاوضة قائمة، ولا يعتبر من أكل المال بالباطل. أما أن يقول لها هكذا: لي نصف راتبك، أو لي ربع راتبك، أو نحو ذلك، فليس هناك وجه للمعاوضة، وهو داخل في أكل المال بالباطل. يقول العلماء: أكل المال بالباطل: أن يأخذ المال وليس في مقابله ما يوجب الأخذ، فكونه زوجاً ليس مما يوجب أخذ المال، ولو قلنا: من حقه أن يأخذ من راتبها بحكم الزوجية، لكان من حقه أن يأخذ من إرثها، وما تأخذه من والدها، وما يكون لها من الهبات؛ لأن هذا كله خارج من أصلٍ واحد، وهو مقام الزوجية، ولكن إذا اعتذر بضياع حقوقه، أو ضياع حاجته في داخل بيته من رعاية لأولاده، أو رعاية لطعامه وشرابه فنقول: تُقِم المرأة من يخدم، ويقوم بتلك الرعاية، ويكون ذلك على الوجه المعروف، ولا يأخذ من الراتب أصلاً. هذا بالنسبة لمسألة اشتراط النفقة، والمقصود أنه لا يجوز أن يشترط الرجل على المرأة أن تنفق عليه، وإذا حصل هذا الشرط، فإنه باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) وإن كان مائة شرط.

شروط شرعية يلزم الوفاء بها

شروط شرعية يلزم الوفاء بها أما الشروط الشرعية: فهي تنقسم إلى أقسام، فمنها ما هو من لوازم عقد النكاح، والمراد بهذا النوع من الشروط: أن يشترط ولي المرأة أو المرأة أو الزوج، أمراً هو من لوازم عقد النكاح، ومن أشهر هذه الشروط: أن يشترط ولي المرأة على الزوج، أن يمسك بمعروف، أو يسرح بإحسان، وهذا الذي يسميه العلماء بالميثاق الغليظ، قال الحسن البصري وطاووس بن كيسان، وقتادة والضحاك -رحمة الله على الجميع- في تفسير قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21] ، قالوا الميثاق الغليظ: إمساكٌ بمعروف، أو تسريحٌ بإحسان، فتلك هي العصمة التي أمر الله عز وجل أن يقوم النكاح بها، فهذا الشرط لو اشترطه ولي الزوجة، أو اشترطته الزوجة على زوجها، شرطٌ شرعي هو من مقتضيات عقد النكاح، قال بعض العلماء: كان السلف إذا زوجوا أو أنكحوا الغير اشترطوا عليه وقالوا: إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان، وفي حكم هذا الشرط أو مثله، ما يقوله العامة اليوم، يقول ولي المرأة: زوجتك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: زوجتك بنتي أو أختي على أن تلتزم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عِشرتها، والقيام بحقوقها، ورعايتها. قال العلماء: إذا اشتُرط هذا الشرط؛ وجب الوفاء به، ولزم الزوج أن يقوم بتحقيقه وأدائه على وجهه، فإذا أضر بالمرأة ناله الإثم والعياذ بالله من وجهين، فلو أنه عاشر المرأة ولم يشترط وليها عليه الإمساك بالمعروف والتسريح بإحسان أثم من وجهٍ واحد، وهو تضييع حق الله، مع ما للمرأة من المظلمة، لكن إذا أُخذ عليه هذا العهد في عقد النكاح أثم من وجهين، والعياذ بالله: أولاً: تضييع حق الله الذي ذكرناه. وثانياً: أن عليه عهداً لم يوف به، ونقض العهود من شيمة أهل النفاق، ومن صنيع أهل النار -والعياذ بالله- كما ذكر الله أوصافهم في كتابه، ولذلك قال العلماء إن هذا الشرط وإن اعتاده الناس وألفوه لكنه عظيم، ولذلك وصفه الله بكونه ميثاقاً غليظاً، فإذا اشترط ولي المرأة أو اشترطت المرأة الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، فهو شرطٌ شرعي، ومن مقتضيات عقد النكاح. كذلك أيضاً من الشروط المشروعة التي يلزم الوفاء بها: أن يتضمن الشرط جلب مصلحةٍ أو درء مفسدة، لا يعارض كل منهما شرع الله، فتشترط المرأة أو يشترط الزوج مصلحةً دينيةً أو دنيوية، ويشترط ولي المرأة مصلحةً دينية أو دنيوية، وهذه المصلحة التي يشترطها كل منهما لا تتعارض مع الشرع، بل قد تتفق معه، فالمصلحة تنقسم إلى قسمين: إما أن يشترط مصلحةً دينية، وإما أن يشترط مصلحةً دنيوية. قد يشترط ولي المرأة مصلحةً دينية، كأن تقول موليته له: اشترط أن يكون زوجي ديناً، أو عالماً، أو طالب علمٍ، أو حافظاً لكتاب الله، أو خطيباً، أو إماماً، أو نحو ذلك من الأوصاف التي هي كمالٌ في الدين، وكمالٌ في الطاعة والالتزام، فهذا شرطٌ ديني، والرجل أيضاً يشترطه على المرأة، فيقول لوليها: أشترط أن تكون حافظة لكتاب الله، أو تكون طالبة علم، أو نحو ذلك مما هو من كمالات الدين. هذا الشرط وهو اشتراط المصلحة الدينية الكاملة، أفضل شرط وأحب شرطٍ إلى الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فخاطب الزوج أن يبحث عن صاحبة الدين، وخاطب أولياء المرأة فقال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) فهذا الشرط وهو اشتراط المصلحة الدينية الكاملة، هو أفضل الشروط، وأحبها إلى الله عز وجل. أما المصلحة الدنيوية المحضة، مثل أن يشترط الرجل أو تشترط المرأة مالاً أو مصلحةً مالية، كأن يشترط ولي المرأة أن يكون الزوج تاجراً، أو موظفاً، أو له مهنة معينة، فهذه مصالح دنيوية. فإذا اشترط الزوجان، أو اشترط أحدهما مثل هذه الشروط التي لا تخالف شرع الله في جلب المصالح فإنه يجب الوفاء بها، وحينئذٍ يلزم ولي المرأة ما التزمه من الشرط في العقد، وعلى هذا فلو دخل على المرأة، فلم يجدها حافظةً لكتاب الله، كان له الخيار، أي: أن له خيار الفسخ؛ لأن المسلمين على شروطهم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، وفائدة الاشتراط، ثبوت الخيار. كذلك أيضاً يشترط درء المفسدة عن نفسه، فيشترط ألا تكون فيها مفسدة دينية، كأن لا تكون فاسقة، وتشترط المرأة على وليها أن يشترط على الزوج ألا يكون فاسقاً، وقد تشترط درء مفسدةٍ دنيوية، كأن لا يكون عصبياً، أو مريضاً في نفسه، أو بدنه، أو نحو ذلك من العاهات التي تشترط عدم وجودها في الزوج، أو يشترطها الزوج ألا توجد في المرأة. مثل هذه الشروط التي تجلب بها المصالح وتدرأ بها المفاسد وتكون موافقة للشرع، يلزم الوفاء بها، وعلى ولي المرأة أن يوفي بها للزوج، وعلى الزوج أن يوفي بها لولي المرأة، لكن اختلف العلماء في شروطٍ فيها جلب مصالح أو درء مفاسد يشترطها أحد المتعاقدين على الآخر، هل هي من النوع الأول، أو من النوع الثاني. ومن أشهر ما اختلفوا فيه أن تشترط المرأة على زوجها ألا يخرجها عن والديها، ألا يخرجها من مدينتها، أو ألا يسافر بها، أو تشترط عليه ألا يتزوج عليها، أو ألا تكون عنده زوجة، فمثل هذه الشروط اختلف العلماء رحمهم الله فيها، هل هي مشروعة؟ أو ليست بمشروعة؟ وسيأتي الكلام عليها في القسم الثالث من الشروط.

الأسئلة

الأسئلة

حكم امتناع الولد عن إعطاء والده من ماله الخاص

حكم امتناع الولد عن إعطاء والده من ماله الخاص Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ هذا سائلٌ يقول: هل يعدُّ امتناع الولد عن إعطاء والده من المال الذي يجمعه لحاجة ضرورية، خاصةً إذا كان والده ليس في حاجةٍ ضرورية، وإنما لإيجاد كماليات؟ هل يعد هذا من العقوق؟ A إذا كان الوالد يسأل الولد المال، فإن الله عز وجل يبتلي الولد بهذا السؤال، وإذا أراد الولد أن يبارك الله له في ماله، وأن يبارك له في حاله، فليبر والديه، وليعلم أن الدنيا أهون من أن تكون أعز عليه من والده، وأن لوالده من الفضل والإحسان والبر ما لا يستطيع أن يكافأ إلا بالدعاء، وسؤال الله عز وجل أن يرد جميله وفضله عليه، فالدنيا أهون من أن تكون أعز عليك من والدك ووالدتك، بل على الولد أن يبادر، والله عز وجل يبتلي كل مؤمن على قدر ماله، فإذا كمل التزامه وطاعته لله عز وجل، ابتلاه بمثل هذه المواقف. ذكروا عن رجلٍ أنه كان من أبر الناس بوالده، جمع مالاً من أجل الزواج، فجمع اثني عشر ألفاً وهو في أشد ما يكون حاجةً إليها، يقول: ففوجئت في يوم من الأيام وإذا بالوالد في ضائقة، وجاءه من يسأله ديناً عليه، فاحتاج الوالد للمال، قال: فترددت أن أعطيه المال الذي عندي، أنظر إلى حاجتي للزواج، وأنظر إلى حاجته، وأتذكر ما في البر من الخير، وأتذكر ما أنتهي إليه لو أعطيته هذا المال، حتى وفق الله فقمت وأخذت الاثني عشر ألفاً، وجئت إليه ووضعت المال بين يديه، فلما وضعته بين يديه، قال: لا آخذه، فقلت له: والله لتأخذنه. قال: فأقسمت عليه أنه يأخذه، والله يعلم أني في أشد ما أكون حاجة إليه، قال: فلما وضعته بين يديه، وحلفت عليه أن يأخذه، ورأى مني الرضا، دمعت عيناه، وبكى وقال: أسأل الله عز وجل أن يفتح لك أبواب الخير، أو دعوة نحوها يقول: فشاء الله عز وجل أنني ما مضى أسبوع إلا وأنا أدعا في وليمة لصديقٍ لي، فجئت إلى هذا الصديق على غداء، فجاء وإذا برجلٍ تاجر عنده يسأله أثناء حديثهم وهم على الطعام، يقول له: هل تعرف إنساناً ديناً أميناً يحفظ لي مالي هنا في المدينة، فقال له: لا أعرف لك خيراً من هذا الرجل، قال: فوكّله على بعض أعماله، فكانت أول صفقة له قيمتها مائةٌ وعشرون ألفاً، فرد الله له عشرة أضعاف ما بذل، مع ما له من الرضا من الله، ومع ما فاز به من محبة الله عز وجل، يقول: فهو في رغد من العيش وفي غنى، فليبشر البار بكل خير عند التضحية، لمّا تكون أحوج ما تكون إلى المال، وأحوج ما تكون تأتي إلى الراحة والدعة، وتقف أمام بر الوالد أو الوالدة، أو حاجتهما، فهناك يكمل البر، وتنام العين وتقر بإرضاء الله عز وجل، وبرضا الوالدين. فالشاب الصالح الموفق، لا يجلس يدقق في مثل هذه الأمور، لا تنظر إليها مسألة يجب أو لا يجب، يجوز أو لا يجوز، انظر إلى إنك مبتلى قبل كل شيء، ولو أن الله حاسبنا بما نعمل، لكان الإنسان من الهالكين، ولكن الله يوجب للعبد مثل هذه المواقف، التي يُضحي فيها، فإن ضحى ووفَّى لله، وفَّى الله له، ولعل الله أن يفتح له بها باب خيرٍ في الدين والدنيا والآخرة. وكان بعض الأخيار لا يسأله والده شيئاً إلا أعطاه، حتى لربما يشتري الأرض بالألوف، فيأتيه والده يقول: اكتبها باسمي، والله لا يتراجع، ومع ذلك في غنى ويسار ورضا، حتى أرضا والده بالأموال، فمات والده وعنده الأموال الكثيرة، والابن عنده أضعافها، ثم ورث والده، ففاز بخير الدنيا والآخرة، فخير ما يُوصى به بعد الإيمان بالله وتوحيده بر الوالدين، ومن بر والديه بشِّره بكل خيرٍ في دينه ودنياه وآخرته، لن يقرع باباً من الخير إلا فتحه الله في وجهه، ولا سلك سبيل برٍ إلا يسره الله له، ولذلك ينبغي للمسلم ألا يدقق في مثل هذه الأمور، واعلم رحمك الله أنه أفضل ما يكون من نفسك أن تنتظر الساعة التي يحتاج فيها والدك، بل قال بعض العلماء: أفضل ما يكون البر أن تنظر إلى حاجة والدك قبل أن يسألك، وتأتيه وتعطيه قبل أن يسألك، حتى كان بعض السلف ذُكر عنه أنه كان لا تأتيه نعمة إلا عرض على والديه أن يأخذها قبل أن يأتي بها إلى بيته. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الرضا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وصلى الله على محمد وآله وسلم، وبارك على محمد وعلى آله وصحبه.

حكم إلغاء الزوجة شرطا اشترطه والدها في عقد الزواج وفيه مصلحة دنيوية

حكم إلغاء الزوجة شرطاً اشترطه والدها في عقد الزواج وفيه مصلحة دنيوية Q أثابكم الله فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم، وبما قلتم، ونفع الله بكم الجميع هذا سائلٌ يقول: هل للزوجة أن تلغي شرطاً اشترطه والدها، وهو من الشروط التي فيها مصلحة دنيوية؟ A باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فإن الولي، وهو والدها، إذا اشترط على الزوج شرطاً دنيوياً، وفيه مصلحة للمرأة، فإنه من العقوق أن تلغي هذا الشرط، ولذلك من برها لوالدها؛ لأنه إنما اشترط هذا لمصلحتها، وعليه فإنها تلتزم بما اشترطه والدها، والزوج ملزم بما اشترطه عليه الوالد، لأن الولاية في النكاح ما جعلت إلا من أجل المصلحة، ولما جعل الله عز وجل النكاح بالولي، دل على أنه يؤخذ بقول الولي، وبما يكون منه، خاصةً إذا راعى المصلحة، فالأصل أنه يُلزم بالوفاء في هذا الشرط، ولكن لو رضيت المرأة أن تتنازل عن بعض الحقوق في الشرط واصطلحت مع زوجها على ذلك، فلا بأس، لا بأس أن يكون بينهما صلحاً، أن يكون بينهما الصلح والاتفاق على حسب ما يريانه من المصلحة لاستقامة حياتهم الزوجية، والله تعالى أعلم.

حكم إنفاق الزوج على زوجته وهو لم يدخل بها

حكم إنفاق الزوج على زوجته وهو لم يدخل بها Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ رجلٌ تزوج، ولم يدخل بزوجته، ويقوم ولي الزوجة بالنفقة عليها بدلاً عن الزوج، لأنه يسكن بعيداً من بلده، وهذا الأمر بناءً على طلب ولي المرأة، فهل هذا الأمر جائز؟ A النفقة على الزوجة لا تستحق إلا إذا كانت مدخولاً بها، أما المرأة غير المدخول بها، فإنه يُنظر إن مكن ولي المرأة الزوج من الدخول، وامتنع الزوج من الدخول، لزمته النفقة؛ لأنها لما مكنته من نفسها، صارت كأنها مدخول بها، ولذلك الأجير، إذا مكن نفسه من رب العمل ولم يطالبه بالعمل، وبقي معه المدة المتفقة عليها لزمته الأجرة، ولو لم يعمل، وهكذا المرأة. وعلى هذا قال العلماء: إنه إذا كانت غير مدخول بها، وأذن أولياؤها بالدخول ولم يدخل، لزمته النفقة. وعلى هذا إذا لزمته النفقة، فإنه يجب عليه أن ينفق عليها بالمعروف، وكونه يترك نفقتها لوليها، هذا ليس بالمستحسن ولا بالمنبغِي، إذا كان رضي الولي بذلك، فإن الأفضل والأكمل أنه يلي نفقة أهله، أما إذا رضي وليها أن ينفق عليها، وأن يقوم عليها، فلا بأس، هذا من باب الصلح والرضا، لكن الواجب عليه في الأصل أن يقوم بنفقتها، فإن تبرع وليها بالنفقة عليها، فجزاه الله خيراً، وإذا رضي الزوج بذلك، ورضيت به المرأة فلا بأس، هذا كله من الصلح، والصلح خير، والله تعالى أعلم.

حكم أخذ ولي المرأة شيئا من المال فوق المهر

حكم أخذ ولي المرأة شيئاً من المال فوق المهر Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ ما حكم عقد النكاح الذي يشترط فيه ولي المرأة شيئاً من المال له، يأخذه فوق مهر المرأة؟ A هذا يسمى الحباء، ومسألة الحباء أجازها جمعٌ من السلف، وقالوا: أنه لا بأس أن يشترط أبو المرأة الولي، بشرط أن يكون أباً، وأما غيره فلا، والجد في حكمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أحق ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) ، قالوا: فطريقة الأكل لهذا كانت عن طريق البنت، وهي من ولده، فإذا رضي الزوج أن يعطيه الحباء بطيبة نفس وبرضا خاطر، قالوا: لا بأس، أما إذا أدى إلى ظلم المرأة، وتهرب الأزواج منها، أو الإضرار بها في المستقبل، فلا يجوز. أما إذا كان حباءً بالمعروف، واشترط لنفسه شيئاً معقولاً، كأن يكون مثلاً مهر المرأة في المعروف عشرة آلاف ريال، وهو رجلٌ مديون، وعليه دين، فسأل أن يكون له خمسة آلاف، عشرة للمرأة، وخمسةٌ له، فقال جمع من العلماء: لا بأس ولا حرج في ذلك، خاصةً إذا وجد ما يوجبه، والله تعالى أعلم.

حكم تقبيل يد الوالد

حكم تقبيل يد الوالد Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ ما حكم تقبيل يد الوالد؟ A تقبيل يد الوالد فيه حديث أم المؤمنين عائشة في قيام فاطمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل عليها وقبلت يده، وأجلسته مكانها وقال العلماء: لا بأس بتقبيل يد الوالد، ويد العالم، إذا كان ممن له حق وبلاءٌ في الدين، ولكن إذا خشي منه الفتنة، وأصبح الناس يفعلون ذلك على سبيل فيه تنطع وتكلُّف، فيقفل بابه سداً للذريعة، وإلا فالأصل فيه الجواز إذا أُمنت فيه الفتنة، وهكذا تقبيل جبهة العالم، إذا قُصد بها وجه الله، أما إذا خاف الإنسان الفتنة، ورأى أنه حدث أو صغير السن، ويخشى منه الفتنة، فالأفضل أن يتورع عن ذلك ما أمكنه، والله تعالى أعلم.

حكم الوفاء بوصية زوجتي بالحج عنها

حكم الوفاء بوصية زوجتي بالحج عنها Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ هذا سائلٌ يقول: توفيت زوجتي، وقبل وفاتها، أوصت أهلها أن أَحج عنها، فهل يجب علي أن أوفي بوصيتها؟ A الله المستعان، يقول الله تعالى: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] ، كان صلى الله عليه وآله وسلم يذبح الشاة، ويبعث بها إلى صويحبات خديجة، أعز عندك أن تحج عن امرأتك، وتبعث لها خيراً من عملك، جعله الله عز وجل من الحي للميت، حُج عنها، وهذا أمر لا بأس به، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن بالحج عن الميت، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس أنه لما سمع الرجل وهو يطوف: لبيك عن شبرمة، قال: ما شبرمة؟ قال: أخي أو ابن عمٍ لي، مات ولم يحج، فأذن بالحج عن الغير، إن وُجد موجبه، كأن يكون لم يحج، ورخص جمعٌ من العلماء في الحج عن الميت نافلة، خاصةً إذا أوصى أو كان له حقٌ أراد به البر، والله تعالى أعلم.

حكم اتباع الجنائز للمعتكف

حكم اتباع الجنائز للمعتكف Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ هل يجوز للمعتكف اتباع الجنائز حتى تدفن؟ A إذا أراد أن يبطل اعتكافه يخرج يشيع الجنازة المعتكف معتكفٌ بالمسجد، لا يجوز له الخروج، حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء عنه أنه لو مر على مريض، لم يعرج عليه، لم يمض إلى غرفته، ولا إلى مكانه يسأل عنه. المعتكف ملزم بالمسجد، ولا يجوز له أن يخرج إلا من حاجةٍ ضرورية، وهي البول والغائط، ورخص العلماء في خروجه عند شدة الجوع، أو لطعامٍ إذا لم يتيسر له بلوغه، بمعنى أنه لم يجد طعاماً في مسجده، وإذا خرج لقضاء الحاجة، قالوا: لا يجوز أن يذهب لمكانٍ أبعد متى ما أمكنه أن يقضي حاجته في الأقرب. وإما اتباع الجنائز، فإنها نوافل ومستحبات، والاعتكاف إذا كان نذراً يصبح واجباً، وإذا التزم الإنسان به، فإنه لا يخرج من معتكفه، إلا لما لا بد منه كما ذكرنا من قضاء الحاجة، أو الطعام إذا لم يتيسر له الطعام في المسجد، أما لو خرج لاتباع جنازة فإنهم نصوا على أنه يبطل اعتكافه، وهكذا لو خرج لأي أمر غير الأمر الضروري، فإنه يُحكم ببطلان اعتكافه، والله تعالى أعلم.

حكم قضاء ما فات من الصيام والصلاة في سن المراهقة

حكم قضاء ما فات من الصيام والصلاة في سن المراهقة Q أثابكم الله، فضيلة الشيخ هذا سائلٌ يقول: بعض الناس لا يميزون بين الحرام والحلال وذلك في سن المراهقة، فأحياناً يصلي ويترك، وأحياناً يصوم ويفطر في رمضان، ماذا يفعل ذلك الرجل إن تاب لله توبةً نصوحاً، هل يقضيها أم تكفيه التوبة؟ وكيف القضاء وهو لا يحصي الفوائت من الصلوات؟ A ورد في السؤال كانوا يضيعون الصلوات، وكانوا يضيعون الصيام، يصومون ويفطرون، ولا يعلمون الأمد، فهم على حالتين: إما أن يكونوا دون البلوغ، أو بعد البلوغ، فإن كانوا قبل البلوغ فلا يلزمهم القضاء، وهذا قول جماهير العلماء، وهناك قولٌ ضعيف أن الصبي إذا ميز، يُكلّف بالصوم، ولكنه قولٌ مرجوح، لأنه معارضٍ لما ثبت في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة) ، وذكر منهم (الصبي حتى يحتلم) ، وفي هذه الحالة إذا كانوا دون البلوغ لا يلزمهم القضاء. أما إذا بلغوا فإنه حينئذٍ يلزمهم قضاء ما فاتهم من الأيام، ونقول لهم: قدروا هذه الأيام، فإن عجزوا عن التقدير، نظروا إلى السنوات التي كانوا فيها بعد بلوغهم وقبل أن يلتزموا بالصلاة والصيام، ويؤدوه على وجهه، فمثلاً لو كان التزامه بالصيام في سن السابع عشر، وكان بلوغه في الخامس عشر، فمعنى ذلك أن عليه شهران، فنقول: هل كنت تفطر كل الشهر أو بعض الشهر أو أغلب الشهر؟ فإن قال: كنت أفطر كل الشهر، لزمه قضاء شهرين، وإن قال: لا أستطيع تمييز العدد ولكن يغلب على ظني أن كل شهر كنت أفطر بعضه، نقول: هل هو أكثر أو أقله أو وسط؟ فإن قال: أكثره، فحينئذٍ يلزمه أن يصوم أكثر من خمسة عشر يوماً، يصوم سبعة عشر يوماً، ثمانية عشر يوماً، الذي هو الأكثر، وأما إذا قال: ما أظن أنها تكون أكثر الشهر، ولكني كنت أضيع اليوم واليومين والثلاثة والأربعة، نقول: صم بمقدار ما يغلب على ظنك أنه يفي مما هو دون النصف، فيصوم مثلاً عشرة أيام، أو يصوم أحد عشر يوماً، اثنا عشر يوماً، فيصوم بقدر ما يغلب على ظنه أنه يفي بقدر الواجب عليه، والله تعالى أعلم.

حقوق الأبناء

فقه الأسرة - حقوق الأبناء إن للأبناء حقوقاً يجهلها كثير من الآباء، وهذه الحقوق قد جاء بيانها في الكتاب والسنة، ولهذه الحقوق أهمية عظمى يترتب عليها صلاح الذرية، وبالتالي صلاح المجتمع الإسلامي، فينبغي الاعتناء بهذه الحقوق والقيام بها.

حقوق الأولاد وأقسامها

حقوق الأولاد وأقسامها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصبحه أجمعين. أما بعد: فسيكون حديثنا اليوم عن حقوق الأولاد إن نعمة الولد نعمة عظيمة امتن الله بها على عباده، ولا تكون نعمةً حقيقية إلا إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها، وقد جاءت نصوص كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تُبيّن المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد. الأولاد نعمةٌ من نعم الله عز وجل، هذه النعمة رُفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبيٍّ من أنبيائه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38] ، وقال الله عن عباده الأخيار: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74] . الأولاد والذرية تَقَر بهم العيون، وتبتهج بهم النفوس، وتطمئن إليهم القلوب، إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملةً على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، وحقوق الأولاد قسّمها العلماء إلى قسمين: القسم الأول: ما يسبق وجود الولد. والقسم الثاني: ما يكون بعد وجوده، فالله حمّل الوالدين المسئولية عن الولد قبل وجود الولد، وحملهم المسئولية عن تربيته ورعايته، والقيام بحقوقه بعد وجوده.

حقوق الأولاد قبل وجودهم

حقوق الأولاد قبل وجودهم

التسمية عند الجماع من الزوج

التسمية عند الجماع من الزوج فالمقصود أن الأصل والغالب: أنه إذا طاب معدِنُ المرأة؛ أن يطيب منها ما يكون من ذرية، هذا هو الحق الأول، وإذا اختار الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن يسمي عند إصابة أهله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر التسمية عند الجماع أنها حرزٌ وحفظٌ من الله للولد من الشيطان الرجيم، قال العلماء: وهذا حق من حقوق الولد على والده، إذا أراد أن يُصيب الأهل، وإذا كتب الله بخروج الذرية، فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة شكر الله عز وجل. من أراد أن يبارك الله له في نعمةٍ من نعمه، فليشكر الله حق شكره؛ لأن النعم لا يُتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شُكرت، وإذا نظر الله إلى عبده شاكراً لنعمه، بارك له فيما وهب، وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير. وأوّل ما ينبغي على الوالد والوالدة إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة، وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريةَ له، وأن يسألا الله خير هذا الولد وخير ما فيه، فكم من ولد أشقى والديه، وكم من ولدٍ أسعد والديه، فيسأل الله خيره وخير ما فيه، ويستعيذ به من شره، ويعوذ بالله من ذرية السوء.

حسن اختيار الزوجة والزوج

حسن اختيار الزوجة والزوج فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده، فإنه يجب على الوالد ويجب على الوالدة أن يحسنا الاختيار، فيختارُ الأب لأولاده أماً صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونهم، أماً أمينة تحفظ ولا تُضيع، وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً صالحاً يحفظ أولادها، ويقوم على تربيتهم، فاختيار الزوج والزوجة حقٌ من حقوق الولد؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لدينها وجمالها ومالها وحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) . اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية، وتقوم على إصلاحها وتربيتها على نهج ربها، اظفر بذات الدين فإنها غنيمة وفوز، وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه، وإذا أساء الرجل اختيار زوجته، ونظر إلى حظه العاجل من جمالٍ ومال، ونسي حقوق أولاده فإن الله سيحاسبه حتى ذكر بعض العلماء: أن الزوج لو اختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن إلى ذريته من بعده فإن الله يحمِّلهُ الإثم والوزر لما يكون منها من إساءةٍ إلى ولده، وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها، وعلمتْ أنه زوجٌ يُضيع حقوق أولاده، ففرطت وتساهلت وضيعت، فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها. فحقٌ على الوالدين أن يحسنا الاختيار، وأن يكون المنبت الطيب هو الذي يبحث عنه الإنسان، فالناس معادن، كما أخبر سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فيهم المعدن الكريم الذي طابت أصوله، وإذا طابت الأصول طابت الفروع. إن الأصول الطيبات لها فروعٌ زاكية والله تعالى يقول: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:34] ، فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علمٍ أو دين أو عُرِفَ بالصلاح والاستقامة فإنه نِعم المعدن، ونِعْمَ الأمينة التي ستحفظ الأولاد والذُرية في الغالب، وكذلك الرجل إذا كان مَعدنُه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده، ولا يعني هذا: أن المرأة إذا ابتليت بزوجٍ مقصِّر، أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول، وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها؛ فإن الله عز وجل يقول: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام:95] فربما يكون الزوج غير صالح، ولكن الله يخرج منه ذريةً صالحة، وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذريةً غير صالحة، فقد أخرج الله من أبي جهل عكرمة، وهو من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقائدٌ من قوّاد المسلمين، وعَظُمَ بلاؤه في الدين، وقد يخرج الميت من الحي كما في ولد نوح عليه السلام.

حقوق الأولاد بعد وجودهم

حقوق الأولاد بعد وجودهم ثم إذا كتب الله ولادة الولد، فهناك حقوق أجملها العلماء منها:

العدل بين الأبناء

العدل بين الأبناء كذلك أيضاً من الأمور المهمة وهي من حقوق الأولاد، التي ينبغي رعايتها، ونختم بها هذا المجلس، حق العدل بين الأولاد. وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور، كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث، كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى، وكانوا يغضبون إذا بشروا بولادة الأنثى، كما أخبر الله عز وجل في كتابه حيث قال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] ، فإذا بُشّر بالإناث تمعّر وجهه وتغير، وكأنه يُبشر بسوء، نسأل الله السلامة والعافية؛ فلذلك أدب الله عز وجل المسلمين على الرضا بقسمة الله عز وجل، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى، إذاً كما قلنا: لا يفضل الإناث على الذكور ولا الذكور على الإناث، وإنما يعدل بين الجميع. كان السلف رحمهم الله يعدلون بين الأولاد حتى في القُبلة، فلو قبل هذا: رجع وقبل هذا، حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد؛ ولذلك قالوا: إن التفضيل يؤدي إلى مفاسد، أولها: أن يكون ضرر التفضيل على الوالد نفسه؛ فإنه ينشأ الأولاد على حقد وكراهية للوالد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح لـ بشير بن سعد الأنصاري والد النعمان بن بشير: (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم ... ) أي إذا كنت تريدهم أن يكونوا لك في البر سواء فاعدل بينهم، وكن منصفاً فيما تسدي إليهم. كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل بين الأولاد هي: أنها توغر صدور بعضهم على بعض؛ ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته؛ لأنهم قالوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف:8] ؛ ولذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة في التصرفات والأعمال على تفضيل ولدٍ على ولد، وإنما يكون كلٌ منهما على تقوى الله عز وجل، فيجب أن يحسنوا إلى الجميع، سواءً كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوي، أو الجانب الحسي المادي، فإذا أعطى الابن شيئاً، يعطي الأنثى كذلك، واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى، ولهم قولان مشهوران، قال بعض العلماء: المال الذي يعطيه للذكر، يعطيه مثله قدراً للأنثى سواءً بسواء، فإن أعطى هذا ديناراً يعطي هذه ديناراً، وقال جمعٌ من العلماء: إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا هو الصحيح؛ لأنه قسمة الله عز وجل من فوق سبع سماوات، وقال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] ، فإن الولد يخرج ويحتك بالناس، وتنتابه من المصاريف أكثر من الأنثى؛ ولذلك قالوا: يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح؛ لأنه قسمة الله عز وجل ولا أعدل من الله بين خلقه، فالله عز وجل عدل بين عباده، ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه، وليس في ذلك غضاضة على الأنثى ولا منقصة لها. وقد تكون هناك موجبات خاصة استثناها بعض العلماء من العدل، فقالوا: إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصة به، يحتاجها لصلاح دينه أو دنياه، فلا بأس أن يخص بالعطية، إذا كان عنده عمل ومحتاج إليه، قالوا: لأنه من العدل أنه عندما يتفرغ للعلم أن يعان على تعلمه؛ لأنه تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه، ونفع العباد، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حدادةً أو صناعةً أو نحو ذلك؛ فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم فله أن ينفق عليه على قدر حاجته، ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله، فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيك؛ فإنه في هذه الحالة قد ظلم الذكر؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون استحقاق، وعلى هذا فإن الواجب على الوالدين، أو من حق الأولاد على الوالدين العدل، سواءً كان ذلك في الجانب المعنوي، أو الجانب المادي، وكان بعض العلماء يقول: ينبغي على الوالد والوالدة أن يراعيا أحاسيس ومشاعر أولادهم، فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث، أو يمازحه ويباسطهُ أكثر من الآخر، وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، إنه المرجو والأمل والله تعالى أعلم.

أن يعق الأب عن الولد

أن يعق الأب عن الولد ومن حقوق الولد على والده أن يُعَقّ عنه، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام كما في حديثٍ الحسن عن سمرة أنه ذكر العقيقة فقال: (كل غلام مرهونٌ بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويسمّى) . قال بعض العلماء: تُستحب التسمية في السابع، ولكن الجواز يجوز في أول يوم لحديث البخاري: (ولد لي الليلة ابنٌ سميته على اسم أبي إبراهيم) ؛ فهذا يدل على مشروعية التسمية في أول يوم، ولا حرج في ذلك والأمر واسع، كذلك من حقه أن يُختن، أن يَختِن الولد سواءً كان ذكراً أو أنثى، فالختان مشروعٌ للذكور ومشروعٌ للإناث، وهذه المسألة ليست محل نقاش حتى يُسأل فيها غير العلماء، أو يرجع فيها إلى آراء الناس وأهوائِهم، وإنما يُنظر فيها إلى الشرع يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل) ، فالذي يقول: ليس في الشريعة دليل يدل على مشروعية ختان الإناث فهو جاهل لا يعرف ما ورد في نصوص السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قال: (إذا التقى الختانان) ، فبين صلوات الله وسلامه عليه أن المرأة تُخْتَن كما يُختَنُ الرجل، قال العلماء: إن هذا يُخفف من حدة الشهوة عند المرأة وعلى هذا فمن حقها أن تُخْتَن ويراعى خِتانُها، وكذلك الذكر يُختن، هذا إذا كان في صغره.

حسن تربية الولد ورعايته

حسن تربية الولد ورعايته كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأَجلّها حسْن التربية والرعاية للابن والبنت، ولقد رغب رسول صلى الله عليه وسلم في هذا العمل الصالح حتى ثبت في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ابتلي بشيءٍ من هذه البنات، فرباهُن فأحسن تربيتهن، وأدبهن فأحسن تأديبهن إلا كنّ له ستراً أو حجاباً من النار) ، فهذا يدل على فضيلة تربية الابن وتربية البنت على الخصوص على طاعة الله، قال العلماء: إنما ذكر البنت لأنها هي المربية غداً لأبنائها وبناتها، والقائمة على حقوق بعلها وبيت زوجها؛ فلذلك ذكر رعاية البنات، وإلا فالفضيلة موجودة أيضاً لمن رعى الأبناء وقام عليهم وأدبهم فأحسن تأديبهم، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام -يُبيّن حسن العاقبة لمن أنعم الله عليه بهذه النعمة، وهي تربية الولد تربيةً صالحة، ذكر حسن العاقبة فقال-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له) ، قال العلماء: إن الله عز وجل يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه من رعايته لولده، فكما أحسن إلى ولده في الصغر، يجعلُ الله إحسانه نعمةً عليه حتى بعد موته، بل إن الذي يربي في الصغر، ويحسن تربية أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت حسن العاقبة في ولده، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وعلى ما يُرضي الله عز وجل إذا كبِر فرق عظمه، ووهن وأصابه المشيب والكبر، وجد ابنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه، ويحفظ أمواله ويكون أميناً، راعياً، حافظاً، على أتم الوجوه وأحسنها، وهذه هي ثمرة العمل الصالح، وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه. والعكس فمن ضيع أبناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من التقصير، فيصيبه الكبر ويرق عظمه، ويجد من تعب الحياة وشظفها، فيأتي أبناؤه ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوء العذاب في الدنيا قبل الآخرة، وهذا كله من عواقب سوء التربية، نسأل الله السلامة والعافية. فلذلك رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العمل الصالح، وهو تربية الأبناء، رغّب فيه لعلمه حب الله لهذا العمل، وحبه سبحانه لمن قام به على أتم الوجوه وأكملها. وخير ما يُربى عليه الأبناء، وآكد وأوجب ما يُرعى من تربية الأبناء: التربية الإيمانية، فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله عز وجل الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] . فأول ما يُعتنى به: غرس الإيمان، وغرس العقيدة، فلا إله إلا الله. يجب أن تغرس في قلب الصَّبي، فيعتقدها جنانه ويقر بها وينطقُ بها لسانه وتعمل بها وبلوازمها جوارحه وأركانه، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، فأول ما ابتدأ به وأول ما دله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه، أن ذكرهُ بحق الله جل جلاله، وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وليس هناك أعظم من أن يصرف حق الله جل وعلا في عبادته لغيره كائناً من كان ذلك الغير، ولهذا وعظ لقمان وابتدأ موعظته بهذا الأصل العظيم، فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله عز وجل، فأطيب وأكمل وأعظم ما يكون من الأدب أن يغرس الأب وتغرس الأم في قلب الولد الإيمان بالله عز وجل، وهو فاتحةُ الخير، وأساس كل طاعةٍ وبر، لا ينظر الله إلى عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتم الوجوه وأكملها. ولذلك لما ركب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير السّن، اختار عليه الصلاة والسلام أن يأخذ بمجامع قلبه وهو في صِغَره إلى توحيد الله جل جلاله: (يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن) ، وانظر إلى الأسلوب، (يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن) ، ينفعك الله بها نفع الدين والدنيا والآخرة: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجَفّت الصحف) . فالرسول صلى الله عليه وسلم ملأ قلبه بالله ملأ قلبه بالإيمان والعبودية والتوحيد وإخلاص التوجه لله سبحانه وتعالى: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك) فأخذ بكليته إلى الله، وكأنه يقول: اجعل الله نصب عينيك، إذا سألت فكنت في فاقة وضيقٍ وشدة فاسأل الله، وإذا ألمت بك الأمور، ونزلت بك الخطوب والشدائد فاستعن بالله، ثم بعد ذلك ينفض يديه من الخلق: (واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك) ، ولذلك ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله في قلب الولد، يقول بعض أهل العلم رحمةُ الله عليهم: إن الوالد مع ولده يستطيع في كل لحظة أن يغرس الإيمان في قلبه، فالمواقف التي تمر على الوالد مع ولده ويكون الولد بجواره يذكره فيها بالله، ويذكره فيها بوحدانية الله: وأن الله: {قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33] ، وأنه وحده بديع السماوات والأرض، خالق الكون، ومدبر الوجود، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه سبحانه، فإذا نشأ هذا القلب على الفطرة، ونشأ هذا القلب على التوحيد، نشأ على الأصل العظيم الذي فيه سعادته، وصلاح دينه ودنياه وآخرته: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] ، فتأتي هذه الكلمات النيرات، والمواعظ المباركة إلى قلب ذلك الصَّبي، وهو على الفطرة، وهو على الإيمان، لم تشبهُ شائبة كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل مولدٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) ، فيغرس هذا الإيمان على تلك الفطرة فتكون نوراً على نور: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] ؛ وعلى هذا ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله عز وجل في أبنائهم. ومن التربية الإيمانية: الأمر بالصلاة، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه:132] ، وقال عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ، فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة، أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها. قال العلماء: يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يعلما الولد كيفية الوضوء، وكيفية الطهارة، واستقبال القبلة، وصفة الصلاة، والهدي الذي ينبغي أن تؤدى به هذه العبادة. والله ما علَّمت ابنك الوضوء فصب الماء على جسده إلا كان لك مثل أجره، ولا حفظته الفاتحة أو شيئاً من كتاب الله فلفظ لسانه بحرفٍ مما علمته، إلا كنت شريكاً له في الأجر حتى يتوفاه الله عز وجل، ولو علّم ذريته فأنت شريك له في الأجر، فمن دعا إلى الهدى كان له أجره، وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً. وما علّمته الصلاة فقام في ظلمة ليلٍ أو ضياءِ نهارٍ بين يدي الله، إلا أُجرت على قيامه، وكان لك مثل أجره وثوابه، فخيرٌ كثير وفضلٌ عظيم حين يتاجر فيه الوالد مع الله عز وجل، وما قيمة الأولاد إذا لم يُرَبّوا على طاعة الله عز وجل، ويُرَبّوا على منهج الله، وتنشأ تلك النفوس على محبة الله، ومرضاة الله، والقيام بحقوق الله، فلا خير في الولد إذا تنكّر لحق الله، وإذا ضيع الولد حق الله فسيضيع حقوق من سواه من باب أولى وأحرى، فينشئه على إقام الصلاة ويعوده أنه إذا أذن المؤذن ينطلق إلى بيت الله عز وجل فيعمره بذكره، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم تعليم الصبي الصلاة لسبع الصلاة منذ نعومته وصغر سنه، حتى إذا كبر ألف ذلك الشيء واعتاده. كذلك أيضاً هذه التربية الإيمانية تستلزم التربية على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات وما يكون من الإنسان في معاملته مع الناس: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:17-19] . يقول بعض العلماء: إن هذه الآيات التي تضمنت وصايا لقمان، منهج كامل في التربية، فهو يجمع بين حق الله وحق عباده، بل حتى حظ النفس، فقد أمره بما فيه قوام النفس واستقامتها حتى في أخلاقها مع الناس؛ حيث قال له: لا تصعر خدك للناس، تكبراً وخيلاء، ولا تمش في الأرض مرحاً، فالإنسان إذا أراد أن يربي ولده، يربيه على مكارم الأخلاق، فكمال العبد في كمال خلقه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً) يعوده الصدق في الحديث، وينهاه عن الكذب، يعوده حفظ اللسان، وينهاه عن أن يرتع لسانه في أعراض المسلمين بالغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن؛ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يعد المسلم فلوّه وصغيره ثم لا يفي له؛ لأن الابن إذا رأى من والديه التقصير بالكذب في الوعد نشأ كاذباً والعياذ بالله؛ فالولد يتأثر بوالديه، فإن رأى منهما خيراً سار على ذلك الخير، وأحبه، وإن رأى منهم الشر -والعياذ بالله- والسوء سار على ذلك الشر وأحبه والتزمه، حتى يصعب أن ينفك عنه عند الكبر، نسأل الله السلامة والعافية. فلذلك ينبغي أن يُعوّد على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، في قوله وعمل

اختيار الاسم الحسن للولد

اختيار الاسم الحسن للولد حق التسمية، أن يختار له أفضل الأسماء وأكرمها، لأن الأسماء تشحذ الهِمم على التأسي بالقدوة؛ ولذلك قال بعض العلماء خير ما يُختار الأسماء الصالحة، وأسماء الأنبياء والعلماء والفضلاء؛ لأنها تشحذ هِمّة المسمّى إلى أن يقتدي وأن يأتسي، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: (وُلِدَ لي الليلة ابناً سمّيته على اسم أبي إبراهيم) ، فسمّى إبراهيم على اسم أبيه؛ ولذلك قالوا: إنه يراعى في الاسم أن يكون اسماً صالحاً، ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم، وهو الاسم الذي يكون بالعبودية لغير الله كعبد العزى، ونحو ذلك من الأسماء كعبد النبي، وعبد الحسين، ونحو ذلك من الأسماء المحرمة، التي يُعبّد فيها البشر للبشر، وإنما ينبغي أن يُعبّد العباد لله جل جلاله. كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة، والأسماء المذمومة، والممقوتة، والمستوحش منها، حتى لا يكون في ذلك إساءة من الوالدين للولد، قالوا: من حقه أن يُختار له أفضل الأسماء، وأحب الأسماء إلى الله ما كان بالعبودية لله كعبد الله، وعبد الرحمن، ونحو ذلك من الأسماء التي تكون مُصدّرة بالعبودية لله عز وجل. وينبغي أن يُجنبه كذلك ما ذكره العلماء من الأسماء المكروهة، التي فيها شيء من الدّلال والميُوعة التي لا تتناسب مع خشونة الرجل، والعكس أيضاً فإن البنت يُختار لها الاسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبه بالرجال، وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمّى بنته: عاصية، كما ذكر أبو داود -الإمام الحافظ-، وغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمها إلى جميلة، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث أنه غيّر الأسماء القبيحة، فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم ويكون اختيار ذلك للوالد، ولا حرج أن تختار الأم لابنها وابنتها، لا حرج في ذلك ولا بأس إذا اصطلحا بالمعروف.

الأسئلة

الأسئلة

العقيقة عند الكبر

العقيقة عند الكبر Q فضيلة الشيخ! إذا لم يُعِق الأب عن ابنه فهل يعق الابن عن نفسه إذا كبر؟ A مسألة العقيقة قال بعض العلماء إن حديث: (كل غلامٍ مرتهن بعقيقته) ، قالوا: إن هذا يدل على أنه مرتهن بالعقيقة، وحينئذٍ قالوا: لا تتقيد بوقت، بحيث إذا لم يُعق عنه في الصغر، يجوز أن يعق عن نفسه في الكبر، وهذا القول فيه نظر؛ لأنه لا يخفى أن الصحابة رضوان الله عليهم، لم يؤمروا بعد إسلامهم أن يعقوا؛ ولذلك قال بعض العلماء: إن كونه مرتهن بالعقيقة، المراد به العقيقة التي جرى العرف بها بالزمان المؤقت، وهي العقيقة التي تكون في صغر المولود، إما في سابعه أو في الرابع عشر، أو الحادي والعشرين، على ظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ وأما بعد ذلك فقالوا: إنها تفوت، كما أن الأضحية إذا فات وقتها؛ فهي صدقةٌ من الصدقات، ولكن إذا أراد أن يعق على نفسه على القول الأول الذي ذكرناه فحسن، لا حرج ولا بأس أن يعق على نفسه، ولكن أن يُفتى باللزوم فإنه محل نظر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

عدم اصطحاب الأولاد عند زيارة الأقارب بحجة فساد أبناء الأقارب

عدم اصطحاب الأولاد عند زيارة الأقارب بحجة فساد أبناء الأقارب Q فضيلة الشيخ أثابكم الله، إذا كان الشخص يخاف على أولاده عند زيارة الأقارب، وذلك لسوء تربية أولادهم أو غير ذلك، فهل يعذر بعدم اصطحابهم وهل في ذلك قطيعةٌ للأرحام؟ A إذا لم تكن هذه قطيعة فلا أعلم أي شيء هي القطيعة، المشكلة أننا في بعض الأحيان نكبر الأمور أكثر مما تستحق، إذا زرت الرحم وخفت على الأولاد، اجعل أولادك بجوارك، وتقول للولد لا تذهب من جواري، تأخذ بالأسباب، أما أن تفتي نفسك بأن تقطع الرحم، وتمنع أولادك من المجيء معك حتى لا يتعلمون صلة أرحامهم، فهذا أمرٌ غير جائز؛ لأن الأبناء ينشئون لا يعرفون من هم أبناء عمهم، وقد تجد الأخوين لا يعرف الواحد منهما أولاد أخيه، بسبب ماذا؟ بسبب القطيعة، وقد تجد بعض الأخيار يفعل هذا، ومعلوم أن الخيِّر وطالب العلم، والديِّن والمستقيم قدوة، فلا ينبغي أن يكون متخلقاً بقطيعة الرحم، فلا بأس أن تأخذ أولادك وتعودهم على أن يكونوا بجوارك وأن يجلسوا معك إن كان هناك خوف عليهم، فإذا رأيتهم تفلتوا منك، وخشيت أن يتأثروا فاجلس بقدر، بحيث لا يتأثرون بأخلاق أبناء الأرحام السيئة، كأن تزورهم قبل أذان المغرب بقليل فإذا أذن اصطحبت أبناءك، واعتذرت حتى لا يشعر الرحم أنك تريد القطيعة، أو أنك متوجس من زيارته، وتتخذ الأساليب الحكيمة، ولذلك ينبغي علينا أن ننتبه لأمرين: الأمر الأول: مرضاة الله عز وجل في القيام بالحقوق. الأمر الثاني: كسب الناس، فإنه ينبغي على الإنسان أن يهيئ كل الأسباب للقيام بحقوق الله، وكذلك كسب الناس للخير، فأنت إذا وصلت العم، أو العمة، أو الخال، وأتيت بأبنائك فسلموا على عمك، وعرفتهم بعمك، وعودتهم على حبه وإجلاله، كم لها في النفس من وقع وكم لها من أثر وهل ترضى أن أولاد أخيك لا يزورونك؟ وهل ترضى إذا كنت عماً أو خالاً أن تُعق ولا تزار، بحجة ما يكون في بيتك؟ نعم قد يكون في البيت إساءة؛ لكن تأتي بالأولاد إلى المجلس، وتعودهم على أن يكونوا بجوارك، تبذل كل ما تستطيع من الأسباب التي تحفظ أولادك، وإذا كنت تخشى أن الأولاد يتأثرون، بالإمكان أن تأمر أولادك أن يأتوا معك للسلام، ثم تأمرهم أن ينسلوا ويذهبوا خفية إلى السيارة، تتصرف، ومن أراد أن يتقي الله هيأ الله له الأسباب وسهلها عليه، لكن أن يقال: لا تجوز الزيارة، ولا يجوز أن تأخذهم معك، الله يأمر بالصلة والبر، ويقال: هذا لا يجوز! أو يجتهد الإنسان فيمنع أولاده من زيارة قرابته على هذه الصفة، حتى ينشأ أولاده لا يعرفون من هم القرابة إذا أرادوا أن يزوروا قرابتهم ليعرفوا من هم ومنعوا، فإنهم لن يتعرفوا عليهم. وهناك حل ثانٍ ذكره بعض العلماء، كان بعض العلماء يوصي في مثل هذه المسائل، بقوله: إذا أعيتك الحيلة عند زيارتك الرحم أن تحفظ حدود الله، وغلب على ظنك وقوع المحظور، فعليك أن تقوم بدعوة الرحم لزيارتك، فإذا دعوتهم لزيارتك فبيتك خالٍ من المنكرات، وحينئذٍ تستطيع أن تحقق صلتهم وبرهم، مع أمنك من الآثار والأضرار التي تخشاها، على العموم ينبغي على الوالد والوالدة، أن يحرصا على امتثال أمر الله بالصلة، أما الطريقة والكيفية فيجتهدان قدر الاستطاعة بتحقيق ما أمر الله به من الصلة، وحفظ الأولاد ورعايتهم عن الوقوع فيما حرم الله، والله تعالى أعلم.

حكم تزويج الوالد لولده أو العكس

حكم تزويج الوالد لولده أو العكس Q فضيلة الشيخ! هل من حق الوالد على ولده تزويجه إذا كان مستطيعاً أو العكس؟ A أما بالنسبة للولد فالأصل أنه إذا بلغ وقدر على السعي فإنه يقوم على نفسه، ويزوج نفسه هذا هو الأصل، لأنه مطالب بالقيام على نفسه إذا بلغ، وجزى الله الوالدين خيراً إذ قاما عليه حتى وصل إلى هذه السن؛ ولذلك لا يجب على الوالد أن يزوج ولده، ولا يجب عليه أن ينفق عليه حتى يزوجه، ليس بواجب؛ إنما هذا من مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ومن فضائل الآباء على أبنائهم، إذا رزق الله الولد والداً فزوجه، فليجعل على نفسه لوالده ديناً بعد دين، على هذا الفضل العظيم الذي قدمه له؛ فإذا أصبح الابن في حاجة ماسة؛ فإنه جرى العرف أن الوالد يحسن إليه، ويساعده على قدر الاستطاعة، أما أنه يجب فلا، ليس ذلك بواجبٍ على الوالد. واختلف العلماء إذا احتاج الوالد للزواج، هل يعينه الابن أو لا؟ فقال بعض العلماء: يعينه الابن، لكن بشرط أن لا تعلم الأم؛ لأنه يخشى أن يقع في عقوق الأم؛ ولذلك إذا أراد الزواج فإنه يساعده، وقال بعض العلماء: إذا كان الوالد فقيراً وخشي عليه الوقوع في الحرام، وكان الابن قادراً، فإنه يجب عليه؛ لأنه إذا أصبح الوالد يخاف الزنا وجب عليه الزواج؛ فإذا كان فقيراً تعينت هذه النفقة على الولد، فأصبحت نفقة تابعةً للنفقة الأصلية؛ لكن بالشرط الذي ذكرناه والله تعالى أعلم.

حكم ضرب الأبناء للتأديب وضوابطه

حكم ضرب الأبناء للتأديب وضوابطه Q أثابكم الله وبارك الله فيكم، ونفع الله الجميع بما قلتم، هذا سائل يقول: هل يجوز ضرب الأبناء لتأديبهم وهل هناك ضوابط معينة في هذا الأمر؟ A باسم الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه. أما بعد: فضرب الأولاد لتأديبهم عند الحاجة مشروع؛ ولكن لا يكون الضرب إلا بعد التوجيه، ولذلك قال الحكماء: إن أفضل ما تكون التربية بالضرب والزجر إذا سبقه نذير؛ فأول ما يبتدئ الوالد والوالدة أن يأمرا الصَّبي أو الصَّبية أو ينهياهما عن الشيء، فإذا لم ينته الولد أو البنت بيّنا لهما سوء العاقبة، وقالوا له: هذا يضركما لا خير فيه؛ حتى يصبح امتناعهما عن تعقل من ذاتهما، لا يعود الولد بمجرد ما يُخطئ يُضرب، إنما أول ما يبتدئ أن يحذر الصَّبي ويقول له: لا تفعل كذا، فإذا انكف الحمد لله، فإذا فعل ثانية، يقول له: لا تفعل، هذا فيه كذا، فحينئذٍ إذا لم يمتنع من جهة أمر أبيه أو أمه، فإنه قد يمتنع من جهة الضرر الموجود في الشيء الذي يفعله. فإذا لم يمتنع يقول له: لا تفعل، فإن فعلت سأضربك، فإذا قال له: إن فعلت سأضربك، ووعده أنه يضربه؛ فإنه إذا فعل يضربه ولا يتأخر؛ لأنه إذا وعده أن يضربه فجاء يريد أن يضربه فتعلق به، وقال: لا أعود فأخذته العاطفة فإن الولد سيفعل هذا ثانية، ويتكل على العاطفة، فقالوا: بمجرد أن يحذره بالضرب فإنه يضربه، فإذا ضربه أحس الابن أنه بمجرد تحذير الوالد أو الوالدة بالضرب بأنه سيقع ما وعدا به من العقوبة، لكن بعض العلماء يقول: لا ينبغي أن يبادر الوالدان بهذا الأسلوب؛ لأنه يعود الولد على اليأس والقنوط من رحمة الوالدين، بل ينبغي عليهما أن تكون عندهم مرونة، تختلف بحسب الأحوال، وما يكون من الصبي من الأخطاء، وأحوال الصبية والصبيان، فهذا صعب لا نستطيع أن نضع ضابطاً فيه؛ ولكن الأمر يرجع إلى اجتهاد الوالدين. أما الجواز فيجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الضرب وسيلة للتربية، فقال عليه الصلاة والسلام: (واضربوهم عليها لعشر) ، لكن ننبه على مسألة مهمة وهي: ضرب الصغار وهم في سنٍ مبكرة، بحيث يكون الضرب قبل أن يكون عندهم نوع من التمييز؛ وهذا لا يجوز، ولذلك جعل الشرع الضرب بعد التمييز، وإنما يكون الضرب إذا أخطأ الصبي أو الصبية وكان عندهما شيء من التمييز؛ لأن الصبيان يختلفون، يقول بعض العلماء: ربما ميز الصبي وهو في الخمس سنوات، وقد يميز وهو ابن ست سنوات، وهذا يرجع إلى قوة الذكاء وعلى حسب طبيعة الصّبي وقد يتأخر تمييزه إلى العاشرة؛ ولذلك إذا كنت تفهم أنه ميّز، وأنه لا بد من زجره، وأنه مسترسل في هذا السوء، أو في هذا الخطأ، فحينئذٍ يضرب الإنسان بقدر، وإنما هو اجتهاد ومرده إلى الوالد والوالدة، فليتق الله كلٌ منهما في هذه الطريقة. وننبه -أيضاً- على أمرٍ وهو الخطأ في استعمال الضرب، فبعض الآباء تكون فيه عصبية شديدة فتراه يضرب أولاده بشدة، فهو يضرب ضرباً مبرحاً قوياً وهذا لا يجوز، إنما يكون الضرب بقدر؛ لأن الضرب شُرِعَ لحاجة، والقاعدة: أن ما شرع لحاجة يقدر بقدرها. فإذا كان الوالد عصبياً فالأفضل أن يترك الأمر للوالدة إذا كانت حكيمةً عاقلة، إذا كان لا يأمن من نفسه أن يضرب أولاده برفق وبقدر، لكونه إذا ضرب أوجع وبالغ فيه، فحينئذٍ ينزع يديه؛ لأن مثله لا يصلح للتربية بهذا الأسلوب-أعني الضرب-، وهذا ينبه العلماء عليه في باب اتخاذ الأسباب؛ لأنه إذا كان منهياً عن ظلم ولده وضربه بالضرب المبرح الذي لا يتحمله، فلا يجوز له أن يتعاطى أسباب ذلك، فإذا غلط الولد وكل إلى أمه التربية، فيحاول أن يترك الأمر للوالدة هي التي تضرب إذا كانت حكيمة عاقلة. كذلك أيضاً الوالدة إذا كانت سيئة في أسلوب التربية، وتضرب بشدة، وتبالغ في استخدام هذا الأسلوب، هنا ينبغي على الوالد أن يتدخل، وأن يكف يدها، وأن يمنعها ويزجرها ويخوفها بالله عز وجل. قال أحد الصحابة: (يا رسول الله! إن لي موالي آمرهم فيعصونني، وأنهاهم فيخالفونني، فأضربهم وأسبهم فماذا تأمرني: قال: إذا كان يوم القيامة نظر في أمرك وعصيانهم، وضربك لهم، ثم اقتص منك ومنهم، فتولى يبكي وقال: أشهدك يا رسول الله: أنهم أحرارٌ لوجه الله) . فما دام الأمر فيه قصاصاً، وفيه مسئولية وفيه محاسبة؛ (أشهدكَ أنهم أحرار لوجه الله) ؛ ولذلك لما مر عليه الصلاة والسلام على بعض أصحابه رضي الله عنهم، وهو يضرب مولىً من مواليه، قال: فإذا بي أسمع صوتاً وراء ظهري فقال: (اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أشهدك أنه حرٌ لوجه الله) . فليعلم العبد أن الله يحاسبه عن هذه الذرية التي وصفها الله بأنها ذرية ضعيفة، فهذا رجل مولى قوي ويستطيع أن يصبر ويتحمل ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربه، فكيف بالأبناء والبنات الضعفاء؟! يقول بعض الحكماء: إن الإغراق في الضرب يجعل عند الصبي شيء من الجنون؛ لأنه لا يستطيع أن يركز، قد تكون عنده شهوة قوية وقد يكون عنده فضول، وقد يكون عنده شيء من التوجه النفسي الذي لا يُحسن فهمه، فينظر على أنه مجرم وأنه عاصٍ، فيعاقبُ فيصبح في تيه، يرى شدة العقوبة، ويرى نفسه تبعثه لا شعورياً إلى الشيء، فيصبح في تيه، وقد يتولد عنده شيء من النفاق بحيث إذا وجدت العقوبة امتنع، وإذا زالت العقوبة فعل، فالأمر يحتاج إلى شيءٍ من بعد النظر، يحتاج إلى شيءٍ من تقوى الله، ويحتاج إلى شيءٍ من الأخذ بالأسباب، ولا نستطيع أن نضع ضابطاً في ذلك، حتى الذين يقومون على وضع برامج للتربية تحار عقولهم في مثل هذا، الناس يختلفون، والأوضاع تختلف، والبيئات تختلف، ولذلك من الصعوبة أن يوضع شيءٌ معين، أما كون الضرب وسيلة، نعم وسيلة، ليعلم أن هناك حساباً وهناك مسئولية، وينبغي على الإنسان إذا أراد أن يستخدمه أن يتقي الله عز وجل وأن يسدد ويقارب، والله تعالى أعلم.

الحقوق المشتركة

فقه الأسرة - الحقوق المشتركة أوجب الله سبحانه وتعالى على كلا الزوجين حقوقاً نحو الآخر، كما أنه جعل حقوقاً يشترك فيها كل من الزوج والزوجة، ومن هذه الحقوق حق المعاشرة بالمعروف وحق المبيت، فإذا راعى كل من الزوجين هذه الحقوق، حصلت السعادة، ووجد الوئام والحنان، وعاش الزوجان عيشة هنيئة.

الحقوق المشتركة بين الزوج والزوجة

الحقوق المشتركة بين الزوج والزوجة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فحديثنا اليوم إن شاء الله سيكون عن الحقوق المشتركة، وهي الحقوق التي أوجبها الله على كلٍ من الزوج والزوجة، ومن عدل الله تبارك وتعالى، أن جعل هناك حقوقاً بين الزوجين، يشترك كلٌ منهما فيها، ومن أعظم هذه الحقوق حقان، الحق الأول: حق العشرة بالمعروف، والحق الثاني: حق المبيت والقسم.

حق المبيت والقسم بين الزوجات

حق المبيت والقسم بين الزوجات الحق الأخير: حق المبيت، والمراد بحق المبيت: إعفاف الرجل لامرأته، وإعفاف المرأة لزوجها، وهذا الحق ينبغي أن يحفظه كلٌ من الزوجين للآخر، وقال بعض العلماء: إن المقصود من النكاح إعفاف الرجل لنفسه وإعفاف المرأة نفسها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع من منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) ، فلا يُغض البصر عن حرمات الله ولا يحصن عن حدود الله ومحارمه، إلا إذا أحسنت المرأة التبعُّل لزوجها، والعكس، ما حفظ الزوج زوجته وتقرب إلى الله بحفظها عن الحرام إلا كتب الله له بذلك أجراً، ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم: (وفي بِضع أَحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له بها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر) ، شكر الله من الزوج، فكتب له ثواب ما يلقي من النطفة؛ لأن هذه النطفة، وهذا الإحسان إلى الزوجة بإعفافها عن الحرام يصونها عن حدود الله، ويحفظها عن محارم الله، ويُقيمها على صراط الله، فالواجب على الزوج أن يُعين زوجته على ذلك، والواجب على الزوجة أن تعين زوجها على ذلك، بتهيئة الأسباب، فالمرأة تتجمل وتتكامل لزوجها حتى تغِضّه وتُعِفّه، كذلك الرجل يتجمل ويتزين لامرأته حتى يعفها، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (صدق سلمان) أي: أن لزوجك عليك حقاً، لأنه لما رأى أم الدرداء غير متجملة، مبتذلة في ثيابها، سألها عن ذلك فأخبرته أن أبا الدرداء لا حاجة له بها، فلما أتى أبو الدرداء وعظه، وقال له: (إن لنفسك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حقٍ حقه) ، فجاء أبو الدرداء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال: (صدق سلمان) ، صدق وذلك بقوله: إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فهذا كله دار حينما رأى سلمان المرأة مبتذلة في ثيابها، فعلم أنها لا تستطيع أن تقوم بحق زوجها، وعلم أن وراء ذلك سراً، فاستكشف وسأل حتى يعلم ما بأخيه، فلما رأى التقصير وعظ أخاه وذكره، وبين له أن هذا حقٌ واجبٌ عليه، ولذلك كما يتقرب العبد لربه بالركوع والسجود يتقرب بإعفاف نفسه عن الحرام، فالله يُطاع بأمرين: بفعل أوامره وترك نواهيه، ومن أعظم المزالق والهوى: زلة الزنا والعياذ بالله، {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء:22] تُنتهك به أعراض المسلمين، وتختلط به أنسابهم، ويكون منه من الشر ما الله به عليم، تأذّن الله بالفقر لصاحبه وبالأذية وبالسقم والمرض، وما يكون من شرور العواقب، فمن الذي يحفظ بعد الله إلا المرأة الصالحة، والرجل الصالح الذي يحفظ زوجته، خاصةً في زمان مليءٍ بالفتن، تهيّئ المرأة من نفسها الأسباب للتجمل والكمال؛ حتى يرى الرجل في زوجته الكمال، فيحفظ نفسه عن غيرها، كذلك أيضاً الرجل يهيئ من نفسه فيحفظ زوجته، فلا يسهر كثيراً خارج البيت، ولا يأتي في ساعات تعبه ونصبه خاملاً كسلاناً لكي يضيع حق أهله، ويحرمهم الحنان ويحرمهم الإعفاف والإحصان عما حرم الله عز وجل عليهم، فلذلك ينبغي على كلا الزوجين لتحقيق هذا الحق تهيئة الأسباب، ويكون الرجل مرتباً لأوقاته، فساعات الأهل للأهل، وساعات العمل للعمل، ولكل ذي حقٍ حقه، ولذلك يوصي العلماء دائماً بترتيب الأوقات، ومن أعظم المصائب التي بُليت بها الأمة خاصةً في هذا الزمان كثرة السهر، هذا السهر دمر بيوت المسلمين، وأضاع حقوق الأزواج والزوجات والأولاد الأبناء والبنات، بل كثير من مشاكل الطلاق تنشأ من السهر؛ لأن الرجل ضيع حق زوجته وحق ولده، ولذلك لو أن الناس حفِظوا أوقاتهم خاصةً بعد العشاء، وحرص الإنسان على ترتيب وقته في إدخال السرور على أهله، لأن الله جعل الليل سكناً، {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام:96] هذه سنة الله، وفطرة الله، فجعل الله للمرأة حقاً في زوجها، وكذلك جعل للرجل حقاً في امرأته. قال العلماء: يجب على الرجل أن يصيب امرأته، واختلفوا في الأمد، قال بعض العلماء: يجب عليه أن يصيبها كل أربع ليالٍ مرة، لأن الله أعطى الرجل أربع زوجات، ونصيبها عند التعدد أن يكون لها ليلةٌ من الأربع، ولذلك قالوا: يصيبها في أربع، ولذلك لما جاءت المرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قالت له: يا أمير المؤمنين! زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فقال لها: بارك الله لك في بعلك، أثنى على بعلها خيراً، فمضت ثم رجعت، فقالت: يا أمير المؤمنين! زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فقال لها: من زوجك؟ قالت: فلان، قال: جزاك الله خيراً، أعلمتينا خيره أو عرفتينا فضله، فمضت ثم رجعت، فقالت: يا أمير المؤمنين! زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وهذا يدل على كمال السلف الصالح والأدب والحياء والخجل، ما أجمل النساء إذا حفظن الحياء والخجل، تكمل المرأة. لذلك يقول العلماء: إن الحياء كالغطاء للحلوى، فإذا تكشفت سقط عليها الذباب، كذلك المرأة إذا لبست الحياء كمُلت، وأصبحت سراً ثميناً ودرة مصونة، فاستحت أن تؤذي زوجها بذكره مباشرةً أنه يسيء إليها، قال بعض العلماء: إما أنها حيية والحياء خير، وإما أنها كريمة لا تريد أن تنتقص زوجها عند عمر، فالمهم أنه قال كعب رضي الله عنه: (يا أمير المؤمنين! إن الزوجة تشتكي زوجها، ولا تظنون أن عمر كان غافلاً، إنما كان عمر ذكياً فطناً، وإنما أراد أنه يصبِّر المرأة ويصرفها، وهذا دأب عمر، أنه دائماً يدرأ بالشبهات، حتى لما جاء يشتكي الزبرقان من الحطيئة، فهذا منهج عمر دائماً يوري ويبعد الناس عن المشاكل؛ لأنه كلما كان الناس يصطلحون فيما بينهم كلما كان ذلك أفضل، ولا يلجئهم دائماً إلى الشكوى والفصل بينهم، وهذا منهج معروف في تدبير الناس، المقصود قال ل كعب: (أما وإنك قد فطنت لهما فلا يقضي بينهما إلا أنت) ، فجيء بالرجل، فقالت المرأة: ألهى خليلي عن فراش مسجده وليله نهاره ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده ما قالت: زوجي يفعل، أو زوجي الظالم، أو زوجي كذا، أين نساء اليوم؟ وأين ما يسمع من الشكاوى أمام القضاة من السب والشتم؟ والمرأة بمجرد أن ترى الإساءة أقامت الدنيا وأقعدتها، فما بقيت معيبة ولا منقصة إلا ذكرتها في بعلها، رحم الله الصالحات، الصلاح إذا دخل في المرأة رأيت خيراً وسمعت خيراً، فهذا من صلاح الرعيل الأول، ولذلك زكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرن الأول: (خير القرون قرني) ، أي والله خير قرن نساءً ورجالاً، شباباً وشيباً وأطفالاً، جعل الله فيه الخير، فانظر كيف أن المرأة ما تبادر حتى بالإساءة؟ ما قالت: زوجي يفعل كذا، إنما قالت: (ألهى خليلي عن فراش مسجده) ، وذكرت محاسنه وفضائله (ليله نهاره ما يرقده، ولست في أمر النساء أحمده) ، حتى لما يقال: لست أحمده في أمر النساء، قد يكون هذا نقص في الكمال، ولا يقتضي طعناً، فقال زوجها: زهدني في فرشها ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول إني امرؤ قد رابني وجل أي رابني الخوف من الله، وذكرت الآخرة، وقرأت كتاب الله، فأقامني على الآخرة، حتى كأني أراها رأي عيان، فزهدتني النار وما فيها من الأغلال، وزهدتني الجنة وما فيها من النعيم في هذا المتاع الزائل والنعيم الحائل، فقال رضي الله عنه وأرضاه: إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربعٍ لمن عقل فالزم بذا ودع عنك العلل لابد من يومٍ في أربع، لا نقبل عذراً، وليس من حقك، إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربعٍ لمن عقل كن عاقلاً لبيباً، هذه امرأة أمانةٌ في عنقك، حقٌ واجبٌ عليك، ولذلك قال: إنه يصيبها في كل أربع ليالٍ مرة، لأن الله جعل للحر أربع زوجات، فيكون نصيب الواحدة نصيبه من الأربع، ليلة من بين أربع ليالٍ، وقال بعض العلماء: لا يجب على الرجل أن يصيب امرأته، ويترك هذا إلى نشاطه وقوته، وإنما يتقيد بالأربعة الأشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر يكون آثماً وظالماً؛ لأنها مدة الإيلاء. وفي الحقيقة القول الأول قوي، أنه في كل أربع ليالٍ مرة، لأن هذا له أصلٌ من الشرع، وتكون مدة الإيلاء غاية ما يُترك له الرجل في المعاشرة، بحيث يجوز للمرأة أن تشتكيه وأن تتظلم، خاصةً إذا حلف أنه لا يطأ المرأة، وهذا الوطء يُترك للإنسان بنشاطه، كما ذكر العلماء أنه لا يفرض على الرجل أن يُبالغ، ولكن ذكر أهل العلم أنه إذا وجدت الموانع في المرأة، كنقصان الجمال، ويكون الرجل مالاً لزوجته، أو غير مقبلٍ عليها، قالوا أنه أفضل ما يكون في حسن الإحسان إلى الزوجة في مثل هذا، لأن المرأة إذا كانت ناقصة الجمال، كانت إصابته لها أكثر ما تكون لله، وخوفاً من الله، وحفظاً لحق الله في أمة الله، فإذا أراها ذلك وحرص على حفظها من الحرام، فهذا من أبلغ ما يكون، أما إذا كانت ذات جمال، فإنه في هذه الحالة يكون فطرياً، لكن إذا كانت المرأة غير جميلة، كان بعض العلماء يقول: إن الإنسان يكره نفسه ويغالب نفسه حتى يعظم أجره، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (وفي بضعِ امرأة أحدكم صدقة) ، فأخبر عليه الصلاة والسلام: أنها من الصدقة، فالمرأة إذا كانت ناقصة الجمال وكان الرجل يرى فيها دمامة خلقة فعليه أن يتذكر ما فيها من الخير والبر، فالمرأة قد تكون ناقصة الجمال لكنها من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، وما يدري الرجل لو رزق امرأةً كاملة الجمال أو ذات جمال تخونه في فراشه، أو تضيع له عرضه، -والعياذ بالله- وتدنسه، وقد تكون المرأة الجميلة تنظر إلى زوجها بعين الاحتقار فترى أنها أولى بمن هو أجمل منه، ولكن المرأة ناقصة الجمال قد يعوِّضها الله في عقلها ودينها واستقامتها ما تحمد عليه، وكم من امرأة دميمة الخلقة ولكن الله عز وجل يعوض نقصها بالعقل، حتى كانوا يقولون: غالباً أن ا

حق المعاشرة بالمعروف

حق المعاشرة بالمعروف فأما حق العشرة بالمعروف، فإنه لا سعادة للمسلمين ولا طمأنينة لهم في بيوتهم إلا إذا قامت على العشرة بالمعروف، وهذا الحق أمر الله عز وجل به؛ لما فيه من صلاح أمر الزوج والزوجة، ولما فيه من السعادة لهما، وهو الاختبار الحقيقي للزوج وللزوجة، قال الله في كتابه المبين: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ولذلك قال العلماء: المعاشرة بالمعروف حقٌ واجب، يأثم تاركه، ويثاب فاعله، وقال الله عز وجل: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] والمعاشرة بالمعروف، تستلزم أموراً لا بد منها، وهذه الأمور تكون في قلب الإنسان، فيما بينه وبين الله، وتكون في قوله وكلماته وما يصدر منه من عباراته، وتكون منه في تصرفاته وأفعاله، فهناك ثلاثة جوانب للمعاشرة بالمعروف. الأول -وهو أهمها-: النية الصالحة، فلن يستطيع الرجل أن يعاشر امرأته بالمعروف ولن تستطيع المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف إلا إذا غيّب كلٌ منهما نية صالحة، وهذا هو الذي عناه الله عز وجل بقوله: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة:231] ، فإذا أراد الإنسان أن يُمسك زوجه، فلتكن نيته صالحةً تجاهها، ولذلك قال العلماء: ما غيّب الإنسان في سريرته وقلبه أمراً -خيراً كان أو شراً- إلا أظهره الله في فلتات لسانه، فالذي ينوي الخير لامرأته ويتزوج المرأة أو يردها إلى عصمته وفي قلبه أن يحسن وأن يكرم وأن يعاشر بمعروف وفّقه الله وسدده، قال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا} [الأنفال:70] ، فالله إذا اطلع على قلب الرجل واطلع على قلب المرأة ووجد كلاً منهما يبيّت النية الصالحة وفّق الله كلاً منهما في ظاهره وتصرفاته وأفعاله، لكي يكون منه الخير، فأول ما يوصى به من أراد أن يعاشر بالمعروف: النية الصالحة، وكان بعض العلماء يقول: ينبغي للزوج أن يجدد نيته كل يوم، حتى يُعظِم الله أجره وثوابه، خاصةً إذا كانت المرأة صالحة، أو كانت ذا حقٍ على الإنسان كقريبته ونحو ذلك، فيُغيِّب في قلبه نية الخير لها، وإذا غيّب الخير أظهره الله في أقواله وأفعاله، وهكذا المرأة تغيب في قلبها نية الخير للزوج، وما إن تتغير هذه النية حتى يغير الله ما بالزوجين {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] ، فإذا غيّر الزوج أو الزوجة نيتهما غير الله حالهما من الخير إلى الشر ومن الحسن إلى الأسوأ، ولذلك كل من أصابته مصيبة بينه وبين أهله فلينظر إلى نيته وقلبه، فالأصل في العشرة بالمعروف أنه ينبعث من نية صالحة ومن نيةٍ طيبة ومن قلبٍ يغيّب الخير حتى تظهر الآثار على الجوارح، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) . الأمر الثاني للعشرة بالمعروف: قول الخير، فكما أن الإنسان ينبغي أن يغيّب في قلبه النية الطيبة حتى يعاشر بالمعروف ينبغي أن يكون قوله موافقاً لمرضاة الله عز وجل، قال بعض العلماء: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] المعروف: كل ما وافق شرع الله عز وجل، والمنكر: كل ما خالف شرع الله، فإذا أراد أن يعاشر زوجته بالمعروف، فعليه أن يتقي الله فيما يقول، وكذلك على المرأة أن تتقي الله فيما تقول، والأصل الذي قرره كتاب الله وقررته سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ينبغي على كل مؤمنٍ ومؤمنة أن يحفظ لسانه، وأن يقول الخير، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت) ، فمن دلائل الإيمان بالله عز وجل حفظ اللسان، واستقامة اللسان حينما يخاطب الناس على العموم وحينما يخاطب الأهل على الخصوص، والله تعالى أوصى المؤمنين -أوصى من قبلنا، ووصيته لمن قبلنا وصيةٌ لنا- فقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] فأمرنا إذا تكلمنا وإذا نطقنا أن نقول الحسن الذي يرضيه سبحانه؛ لأن القول الحسن يُحسن إلى صاحبه في الدنيا والآخرة، والقول السيئ يسيء إلى صاحبه في الدنيا والآخرة. الحلم زينٌ والسكوت سلامةٌ فإذا نطقت فلا تكن مهذارا ما إن ندمت على السكوت مرةٍ ولقد ندمت على الكلام مرارا فالكلمة إذا خرجت من اللسان لا تعود، وإذا خرجت جارحةً قاسية أدمت القلوب وأحدثت فيها من الفساد ومن تغيُّر الإلفة والمحبة ما الله به عليم؛ ولذلك أوصى الله بحفظ اللسان في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل العلماء المحاور التي تكون بها العشرة بالمعروف في الأقوال بين الزوجين في أحوال: الأول: في النداء، إذا نادى الزوج الزوجة، وإذا نادت الزوجة زوجها. الثاني: في الطلب عند الحاجة، تطلب منه أو يطلب منها. والثالث: عند المحاورة، والكلام، والحديث، والمباسطة. والرابع: عند الخلاف والنقاش. الحالة الأولى: عند النداء. إذا نادت المرأة بعلها فإنه ينبغي لكل من الزوجين أن يحسن النداء، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فيقول: (يا عائش!) قال العلماء: إن هذا اللفظ يدل على الإكرام والملاطفة، وحسن التبعُّل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهله، فهذا منهجٌ للمسلم إذا نادى زوجه، أن يجعل في ندائه من الكلمات ما ينبئ عن شيءٍ من المحبة والملاطفة، فالغلظة والوحشية في النداء بأسلوب القسر والقهر من الرجل أو بأسلوب السخرية والتهكم من المرأة تفسد المحبة، وتقطع أواصر الألفة بين الزوج والزوجة، فتتخير الزوجة أحب الأسماء إلى زوجها، ويتخير الزوج أحب الأسماء لزوجه، ويكون كما قال عمر: (إن مما يبعث المودة والمحبة أن ينادي المسلم أخاه بأحب الأسماء إليه) ، فهي إحدى الثلاث التي تزيد من ود المسلم لأخيه المسلم، فكيف بالزوجة مع زوجها؟! فمن الأخطاء أن يختار الزوج لزوجته كلمة يجرحها بها، ويجعلها طريقاً للتعيير والانتقاص منها، ومن الأخطاء كذلك أن الزوجة تختار لزوجها كلمة تنتقصه أو تحقِّره بها، وكان بعض العلماء يقول: الأفضل ألا تناديه وألا يناديها بالاسم المجرد، فمن أكرم ما يكون في النداء النداء بالكنية، فهذا من أفضل ما يكون. وقال العلماء: إنه ما من زوج يألف ويعتاد نداء زوجته بالملاطفة إلا قابلته المرأة بمثل ذلك وأحسن، فإن النساء جبلن على الملاطفة، وجبلت على حب الدعة والرحمة والألفة، فإذا قابلها الزوج بذلك قابلته بما هو أحسن وأفضل. الحالة الثانية: عند الطلب. إذا خاطب الرجل امرأته عند الطلب وأراد منها أمراً، يطلب ذلك منها بأسلوبٍ لا يشعرها بالخدمة والإذلال والامتهان والانتقاص، والمرأة إذا طلبت من بعلها شيئاً لا تجحفه ولا تؤذيه ولا تضره، ولا تختار الكلمات والألفاظ التي تقلقه وتزعجه، فهذا مما يحفظ اللسان، ويعين على العشرة بالمعروف في الكلمات، كذلك أيضاً قال صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين رضي الله عنها، وهو في المسجد: (ناوليني الخُمْرَة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) فانظر إلى رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، يسأل حاجته من أم المؤمنين، فلما اعتذرت، اعتذرت بالعذر الشرعي، وما قالت: لا أستطيع إبهاماً، أو معللة عدم استطاعتها بشيءٍ مجهول، وإنما قالت: إني حائض، فبماذا تأمرني؟ وماذا تريد؟ وكيف أفعل؟ فقال: (إن حيضتك ليست في يدك) ، أي إذا ناولتينيها فإن دخول اليد ليس كدخول الكل. الشاهد: الملاطفة في النداء والطلب وعند الحاجة، وقد تقع المشاكل الزوجية بكثرة الحوائج، ذكر بعض العلماء: أن المرأة إذا أثقل عليها الزوج بالحوائج، وكان أسلوبه في الطلب مزعجاً مقلقاً، فإن هذا من أهم الأسباب التي تفسد المودة وتفسد المحبة؛ لأن المرأة تشعر وكأنها خادمة وكأنها ذليلةٌ في بيت زوجها، ومما أوصى به الحكماء والعقلاء، بل أوصى به قبل ذلك رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، المكافأة عند الطلب ولو بالكلمات، فالزوج إذا احتاج من امرأته شيئاً وطلبها وجاءته بالشيء قابلها بالكلمة الطيبة، من الدعاء لها بالخير، والدعاء أن يبارك الله فيها، فالمرأة إذا وجدت أن معروفها يُشكر وأن خيرها يُذكر ولا يُكفر حمدت ذلك من بعلها، ونشطت للإحسان إليه والقيام بأمره وشأنه، بل كان ذلك معيناً لها على البقاء على العشرة بالمعروف. الحالة الثالثة: حالة الحديث والمباسطة، فلا ينبغي للمرأة ولا ينبغي للرجل أن يُحدِّث كلٌ منهما الآخر في وقتٍ لا يتناسبُ فيه الحديث؛ ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن من الأذية بالقول أن تتخير المرأة ساعات التعب والنصب لمحادثة الزوج، أو يتخير الزوج ساعات التعب والنصب لمحادثة زوجته، فهذا كله مما يحدث السآمة والملل، ويخالف العشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها، وقالوا: إذا باسط الرجل امرأته فليتخير أحسن الألفاظ، وإذا قص لها تخير أحسن القصص وأفضلها، مما يحسن وقعه ويطيب أثره. الحالة الرابعة: عند الخصومة والنزاع، فمن العشرة بالمعروف إذا وقع الخلاف بين الرجل والمرأة أن يحدد الخلاف بينه وبين امرأته، وأن يبين لها الخطأ إن أخطأت بأسلوبٍ بعيدٍ عن التعنيف والتقريع إذا أراد أن يقرِّرها، وبعد أن تقر وتعترف إن شاء وبخها وإن شاء عفا عنها، أما أن يبادرها بالهجوم مباشرة قبل أن يبين لها خطأها فإن هذا مما يقطع الألفة والمحبة ويمنع من العشرة بالمعروف؛ لأنها تحس وكأنها مظلومة، والأفضل والأكمل: أن الرجل إذا عتب على امرأته شيئاً أن يتلطف في بيان خطئها، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم متى تكون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها راضيةً عنه ومتى تكون ساخطة، فإن كانت راضيةً عنه قالت: (ورب محمد) ، وإن كان في نفسها شيئاً قالت رضي الله عنها: (ورب إبراهيم) ، فعلم عليه الصلاة والسلام أنها ما اختارت الحلف

الأسئلة

الأسئلة

أثر الخلافات الزوجية أمام الأبناء

أثر الخلافات الزوجية أمام الأبناء Q ما توجيهكم لزوجين يكثر نقاشهم، وذكر أخطاء بعضهم البعض أمام أبنائهم، وجزاكم الله خيراً؟ A مما يفسد المودة والمحبة كثرة النقد، ومن أكثر الانتقاد للناس سلط الله عليه من ينتقده، قال مالك رحمه الله برحمته الواسعة: (أعرف أقواماً عندهم عيوب، سكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم، وأعرف أقواماً ليست عندهم عيوب، -يعني أهل كمالات وفضلٍ واستقامة- تكلموا في عيوب الناس، فأحدث الناس لهم عيوباً) ، حتى كذبوا وافتروا عليهم عيوباً، ولا يعني هذا السكوت عن الحق وبيان الحق، هذا مستثنى، لكن نحن نقول أن النقاش وكشف السوءات والعورات بين الزوج والزوجة خاصة أمام الأبناء والبنات هذا ممن لا ينبغي، لأنه يفسد الألفة والمحبة، ويحرص الزوج والزوجة على ألا يتناقشا في هذه المواضيع أمام الأولاد؛ لأنه ثبت طبياً بقول أهل الخبرة أنه يؤثر في نفسيات الأولاد أعظم التأثير، ولو كانت مناقشة بسيطة، فإن الابن إذا رأى الحياة نكدة في وجه أبيه وأمه، تشتت ذهنه وعزب عنه رشده، وأصبح في حيرة وتنتابه بعض الوساوس والأمراض، ويتسلط عليه الشيطان في أمور لا تُحمد عقباها وهذا معروف، حتى إن أهل الطب يقررون أن بعض الأمراض النفسية هي بسبب المشاكل الزوجية بين الزوجين أمام الأولاد -الأبناء والبنات- وهذا من أعظم ما يؤذي خاصةً البنات، فإن البنات ضعيفات، وينبغي أن يُتقى الله فيهن، فلا يؤذي الزوج زوجته أمام بناته، ويقول لها الكلمات الجارحة يؤذيها ويسبها، والعكس فلا تؤذي الزوجة زوجها أمام أبنائه وتحتقره وتنتقصه، على كلٍ أن يتقي الله، وأن يعلما أنهما موقوفان بين يدي الله، وأن الله عز وجل يحاسبهما على ما يكون منهما، وإذا كان بينهما خلاف أو نقاش فليكن في حال العزلة والانفراد، ولذلك أُوصي حتى طلاب العلم وأئمة المساجد والعلماء والمفتين إذا ارتفع إليك اثنان في مشاكل زوجية فاحرص على أن تسمع من كل واحدٍ على حدة؛ لأن المواجهة والمقابلة تكشف عورات لا يحمد كشفها، وإذا سمعت من الرجل على حدة ومن المرأة على حدة، وحاولت أن تنمي خيراً بينهما وتصلح بينهما، فهذا من أفضل الطرق لعلاج المشاكل الزوجية وهذا مجرب، ولذلك كثير من الذين يتدخلون في المشاكل الزوجية يجمعون الزوج والزوجة، وقد يأتون بقرابة الزوج وقرابة الزوجة، وكل منهما يجرِّح في الآخر، ويصبح الأمر عصبياً وكل منهما يريد أن يتغلب على الآخر، فهذا من الأخطاء. من أفضل ما يكون في معالجة الأخطاء والتوجيه أن تنفرد مع المخطئ وأن تسمع منه، وأن تعرف من خلال كلامه، هل هو مبالغ وتناقشه وتسأله، وإذا جاءتك المرأة بالعيب والعورة، التمست مخرجاً للرجل، وإذا جاءك الرجل بعيبٍ في المرأة التمست لها المخرج، وجئته بما هو أسوأ، حتى يقدر نعمة الله عليه، وجئتها بما هو أسوأ حتى تقدر نعمة الله عليها، وتحاول أن توفق. أما مناقشة المسائل والخلافات أمام الأبناء والبنات فهذا ظلم للأبناء والبنات، وزوجان يتناقشان ويختلفان ويصيحان ويلغطان أمام الأبناء والبنات فإنهما انتُزع من قلبيهما الرحمة، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي، والله لو علما مقدار ما يكون من أذى ذلك على الابن والبنت ما فعلا ذلك أمامهم، فليتق الله الزوج والزوجة، وليكن النقاش نقاشاً هادفاً في انفراد مع وصية كلٍ منهما بتقوى الله، فيما يقوله وما يكون منه، والله تعالى أعلم.

حكم سفر الزوج للعمل تاركا زوجته

حكم سفر الزوج للعمل تاركاً زوجته Q فضيلة الشيخ! بعض الرجال يسافرون للعمل ويتركون زوجاتهم أكثر من سنتين، فهل يعتبر ذلك ظلماً؟ A هذه مسألة تحتاج إلى نظر، التغرب للعمل لا يخلو من أحوال: الحالة الأولى: أن يكون الزوج يغلب على ظنه ويغلب على ظن الزوجة أنها ستقع في الحرام إن غاب عنها زوجها، فحينئذٍ لا يجوز للزوج أن يتغرب، ويخير بين أمرين، بين أن يبقى مع زوجه بما قسم الله وما كتب الله له من رزق ويحفظ عرضها، وبين أن يسرِّحها بإحسان؛ لأن الأسباب آخذة حكم ما تفضي إليه من نتائج، فلما كان السفر سيوقع المرأة في الحرام، والغالب أنها ستقع في الحرام، فليس للرجل أن يتسبب في وقوع زوجته في الحرام فهذا ليس من شرع الله، لأن الله لا يأمر بحرام ولا يأذن بحرام، ولذلك إذا كان سفره سيوقعها في الحرام، وغلب على ظنه أنها ستقع في الحرام، أو بيئتها التي هي فيها بيئةٌ فاسدة لا تستطيع فيها الصبر على الحرام وغالباً ما تقع وتستزل وتستدرج فحينئذٍ لا يجوز له أن يسافر حتى يبت في الأمر، إما أن يبقى معها، وإما أن يسرحها بإحسان، أو يأخذها معه في السفر، هذا إذا غلب على ظنه أو غلب على ظنها، لأن الغالب كالمحقق. الحالة الثانية: أن يغلب على ظنه ويغلب على ظنها حفظ حدود الله، وتقوى الله عز وجل والسلامة من الحرام، وطابت نفس المرأة أن تصبر وعلمت من نفسها أنها تقوى على الصبر، واختارت لبعلها أن يطلب حلال العيش والكسب الطيب، فهي مأجورة على معونته والله يثيبها، كما أنها مثابة بما يكون من حسن المعاشرة، مثابة على الصبر على زوجها ومرور لياليها وأيامها، والله كاتبٌ لها أجرها، لأنه لولا الله ثم صبرها ما تغرب، فهي تعينه على هذا الخير الذي سيعود عليها وعليه وعلى أولاده بالخير والنفع، فهي مأجورة على ذلك، هذا إذا غلب على ظنها أنها تحفظ نفسها عن الحرام، أو كانت البيئة تعينها على ذلك. الحالة الثالثة: أن تكون المرأة في شك، فحينئذٍ الاحتياط والأصل أنها لا تأذن، ويكون حكمه حكم الحالة الأولى، لكن لو سافر وخيرت، قالت: لو سافرت إن خشيت الوقوع في الحرام فسأكتب لك، فحينئذٍ يسافر فإن كان حفظت نفسها فالحمد لله، وإذا لم تحفظ نفسها فإنها تكون مخيرة بين البقاء وبين تطليقه لها، والله تعالى أعلم. والعلماء ينصون على أنهما إذا اصطلحا واتفقا ورضي الطرفان لا حرج، فالزوجان إذا اتفق وتراضيا فلا جناح عليهما ولو إلى سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع؛ لأن هذا حق من حقوق المرأة، والمراد به حفظ حق الله عز وجل، فإذا حفظت حقوق الله فلا حرج، لكن إذا غلب الوقوع في المحظور فكما سبق، يحرم عليه أن يتسبب في ذلك، والله تعالى أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

§1/1