فضيلة ذكر الله لابن عساكر

ابن عساكر، أبو القاسم

فضيلة ذكر الله

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن برحمتك حدثنا الشيخ الإمام الحافظ الثقة أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي رضي الله عنه، إملاءً من لفظه في يوم الاثنين مستهل ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين، قال: 1 - أنا المشايخ أبو نصر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن رضوان وأبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين وأبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد بن البناء، قالوا: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، قال: أنا أبو بكر بن أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي، قال: ثنا أمية بن بسطام، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا -[20]- روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: جمدان. فقال: ((سيروا هذا جمدان، سبق المفردون)). فقالوا: يا رسول الله، ومن المفردون؟ قال: ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)). أخرجه مسلم في صحيحه عن أمية.

2 - أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن الحسين بن علي بن الحاجي، قال: ثنا أبو الحسين محمد بن -[21]- علي بن محمد الهاشمي. وأخبرنا الشيخ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، قالا: أخبرنا عيسى بن علي بن محمد الهاشمي، ثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: ثنا خلف بن هشام البزار، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفّت بهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده)) -[22]- رواه مسلم عن زهير، عن ابن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق.

3 - أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، قال: أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان، قال: ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز، قال: حدثني أبو إسماعيل الترمذي وهو محمد بن إسماعيل، قال: ثنا مخلد بن مالك أبو محمد الحراني، قال: ثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، قال: ثنا زيد بن أسلم، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي، يعني بي، وأنا معه حين يذكرني والله أفرح بتوبة -[23]- أحدكم من الرجل يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإن جاءني يمشي أتيته أهرول)). رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد، عن جرير (¬1). ¬

_ (¬1) في الأصل: (حفص) وهو خطأ. والصواب ما أثبته من صحيح مسلم.

4 - أخبرنا المشايخ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن هبة الله المقرئ وأبو منصور علي بن علي بن عبيد الله بن سكينة وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن السمرقندي قالوا: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الخطيب، قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق المتوثي، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني عمرو بن قيس السكوني، عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنهما، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((طوبى لمن طال عمره وحسن عمله)). قال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: ((أن تفارق الدنيا ولسانك رطبٌ من ذكر الله تعالى)). -[25]- أخرجه أبو عيسى الترمذي عن أبي كريب الهمداني، عن زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، وقال: حسن غريب.

5 - أخبرنا الشيخان أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن البندار وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد الحافظان ببغداد، قالا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البزاز، قال: أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس الذهبي، قال: أنا أبو حامد محمد بن هارون بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا عبد الرحمن بن واقد الواقدي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -زاد إسماعيل فقال: قال الله عز وجل: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته قبل أن يسلني)). -[27]- هذا حديث غريب تفرد به أبو مسلم الواقدي عن ابن عيينة هكذا.

6 - أخبرنا الشيخ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، قال: أنا أبو الحسين بن النقور، قال: ثنا أبو القاسم عيسى بن علي الوزير، قال: ثنا القاضي أبو القاسم بدر بن الهيثم، قال: ثنا هارون بن إسحاق، قال: ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري، -[28]- قال: ثنا المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، عن زياد بن أبي زياد، عن أبي بحرية، عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئكم بخيار أعمالكم وأرضاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم؟)) قالوا: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: ((ذكر الله تعالى)). قال معاذ بن جبل رحمه الله: ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله تعالى. رواه ابن ماجه في سننه عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن زياد. واسم أبي بحرية عبد الله بن قيس التراغمي.

7 - أخبرنا الشيخ أبو العز أحمد بن عبيد الله بن محمد العديني، قال: أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، قال: أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ، قال: أنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي، قال: ثنا أبو عمر القطيعي وهو إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا الحكم بن ظهير، قال: ثنا علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: لما نزلت {والذين يكنزون الذهب والفضة .... } الآية. قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما للكنز اليوم؟ قال: فقال رجل من القوم: يا رسول الله نزل اليوم في الكنز ما نزل فماذا نكنز؟ قال: ((لساناً -[30]- ذاكراً وقلباً صادقاً وجسداً على البلاء صابراً)). هذا حديث حسن غريب وفي رواية أخرى: ((وقلباً شاكراً)).

8 - أخبرنا الشيخ أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي بنيسابور، قال: أنا أبو محمد محمد -[31]- ابن عبد الرحمن بن محمد الفقيه، قال: أنا أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد الطرازي، قال: أنا أبو بكر محمد بن غيلان السوسي ببغداد، قال: ثنا أبو جعفر محمد بن يزيد، وكان من العباد، قال: ثنا يحيى بن سليم الطائفي، قال: ثنا عمران بن مسلم القصير، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ذاكر الله في الغافلين كالذي يقاتل عن الفارين، وذاكر الله في الغافلين كالمصباح في البيت المظلم، وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة الخضراء وسط الشجر، وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده من الجنة، وذاكر الله في الغافلين يستغفر له كل فصيح وأعجمي)) والفصيح بنو آدم والأعجمي البهائم -[32]- هذا حديث غريب.

9 - أخبرنا الشيخ أبو القاسم ابن السمرقندي، قال: أنا أبو الحسن بن النقور، قال: ثنا عيسى بن علي الوزير، قال: قرئ على القاضي أبي القاسم -[33]- بدر بن الهيثم وأنا أسمع قيل له: حدثكم أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبق المفردون)) قالوا: يا رسول الله وما المفردون؟ قال: ((المستهترون في ذكر الله عز وجل يضع الذكر أثقالاً فيأتون يوم القيامة خفافاً)).

10 - أخبرنا الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين الخلال بأصبهان، قال: أنا أبو طاهر أحمد بن محمود بن أحمد الثقفي، قال: أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ قال: ثنا علان: علي بن أحمد بن سليمان المصري، قال: ثنا محمد بن سلمة المرادي، قال: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم)). قيل: يا رسول الله: ومن أهل الكرم؟ قال: ((مجالس الذكر في المساجد)). -[35]- اسم أبي الهيثم سليمان بن عمرو بن عبد العتواري، واسم أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان والحديث غريب.

11 - أخبرنا الشيخ أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد بن زريق ببغداد، قال: ثنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن المهتدي بالله، قال: ثنا أبو بكر محمد بن يوسف بن محمد بن دوست العلاف إملاء، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن طاووس، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: -[36]- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل)). قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله ولو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع)). قالها ثلاثاً.

12 - وأخبرنا أبو منصور، قال: ثنا أبو الحسين، قال: ثنا أبو بكر ابن العلاف، قال: ثنا القاضي أحمد بن إسحاق بن البهلول، قال: ثنا أبي، قال: حدثني أبي، عن بكر بن خنيس، عن أبي عبد الرحمن، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، رضي الله -[37]- عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذكر الله تعالى على كل حال، فإنه ليس عمل أحب إلى الله تعالى ولا أنجى لعبد من كل سيئة في الدنيا والآخرة من ذكر الله تعالى)). فقال قائل: ولا القتال في سبيل الله يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا ذكر الله لم يؤمر بالقتال في سبيل الله، ولو اجتمع الناس على ما أمروا به من ذكر الله تعالى ما كتب الله القتال على عباده، وإن ذكر الله تعالى لا يمنعكم من القتال في سبيله، بل هو عون لكم على ذلك، فقولوا: لا إله إلا الله والله أكبر، وقولوا: سبحان الله، وقولوا: الحمد لله، وقولوا: تبارك الله، فإنهن خمس لا يعدلهن شيء، عليهم فطر الله عز وجل ملائكته، ومن أجلهن رفع سماءه ودحى أرضه، ولهن جبل إنسه وجنه، وفرض عليهن فرائضه. ولا يقبل الله ذكره إلا ممن اتقى وطهر قلبه. وأكرموا الله أن يرى ما نهاكم عنه)). قالوا: يا رسول الله، فإن ذكر الله لا يكفينا من الجهاد. قال: ((ولا الجهاد يكفي من ذكر الله، ولا يصلح -[38]- الجهاد إلا بذكر الله، وإنما الجهاد شعبة من شعب الله. وطوبى لمن أكثر في الجهاد من ذكر الله عز وجل، كل كلمة بسبعين ألف حسنة، كل حسنة بعشر، وعند الله من المزيد ما لا يحصيه غيره)). قالوا: يا رسول الله، والنفقة؟ قال: ((والنفقة على حسب ذلك)). قالوا: يا رسول الله، إن ذكر الله تعالى هو أهون العمل. قال: ((إن الله كريم، إنما فرض على الناس أهون العمل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً، فلما لم يقبلوا رحمة الله أمر الله بجهادهم، فاشتد ذلك على المؤمن وجعل الله لهم العاقبة وجعل لهم النقمة من الكافرين)). -[39]- قال عبد الرحمن بن غنم: فقلت لمعاذ: إن الله عز وجل إنما ذكر النفقة في سبيله في القرآن بسبعمائة، فقال: قَلَّ فهمُك، إنما ذلك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهليهم غير غزاة.

13 - أخبرنا الشيخ أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي الفقيه ببغداد، قال: ثنا أبو الحسين ابن المهتدي، قال: ثنا عمر بن أحمد بن شاهين، قال: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا نعيم بن الهيصم، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري قال: إن للكلام الطيب حول العرش دوياً كدوي النحل يذكر بصاحبه.

14 - أخبرنا الشيخ أبو القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ بأصبهان، قال: أنا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، قال: أنا أبو الحسين ابن -[40]- بشران، قال: ثنا محمد بن عمرو ابن البختري، قال: ثنا علي بن إبراهيم، قال: ثنا الحارث بن منصور قال: ثنا إسرائيل، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: إن الرجل وعبده ليدخلان الجنة، فيكون عبده أرفع منه، فيقول: رب هذا كان عبدي في الدنيا. فيقال: إنه كان أكثر ذكراً لي منك.

15 - سمعت الشيخ أبا المظفر عبد المنعم ابن القشيري يقول: سمعت أبي، رحمه الله، يقول: سمعت محمد بن الحسين، يقول: سمعت عبد الله بن موسى السلامي يقول: سمعت الشبلي رحمه [الله] (¬1) ينشد في مجلسه: ذكرتك لا أني نسيتك لمحةً ... وأيسر ما في الذكر ذكر لساني -[41]- وكنتُ بلا وجدٍ أموت من الهوى ... وهام علي القلب بالخفقان فلما أراني الوجد أنك حاضري ... شهدتك موجوداً بكل مكان فخاطبتُ موجوداً بغير تكلم ... ولاحظت معلوماً بغير عيان والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زدته ليستقيم النص.

§1/1