فضائل الصحابة - محمد حسن عبد الغفار

محمد حسن عبد الغفار

مقدمة

فضائل الصحابة - مقدمة لقد اختار الله عز وجل الصحابة الكرام لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وشرفهم برؤيته صلى الله عليه وسلم، جاهدوا معه، وحملوا راية الدين إلى أرجاء الدنيا، وقدموا نفوسهم وأموالهم من أجل إعلاء كلمة الدين، فصدقوا مع الله عز وجل فجعلهم خير أمة أخرجت للناس، وقد جاءت النصوص الكثيرة ناطقة بفضلهم، وشاهدة على حسن بلائهم؛ ولذلك كانت منزلتهم أعظم منزلة، ورتبتهم أعلى رتبة.

فضل صحابة رسول الله

فضل صحابة رسول الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام! قال الإمام مالك رحمه الله: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وأول صلاح هذه الأمة هو الاستنارة والاستضاءة بنور الوحيين، فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضاءوا الدنيا بشموسهم وبأفاضلهم وأكارمهم وأماجدهم -صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأحسنهم خلقاً، فهم الذين نزلت عدالتهم من فوق سبع سماوات، فإذا أراد المرء منا أن يرتقي أو يتقدم أو يفوز بعلو الدنيا وعلو الآخرة فلابد من أن يستضيء بنور هؤلاء ويسير على خطاهم، فهم الذين عضوا بالنواجذ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أعلنها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لـ عمر بن الخطاب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (عمر ينطق بالحق، أو معه الحق، وإذا سلك عمر فجاً سلك الشيطان فجاً غير فج عمر). فـ عمر نفسه استضاء بكلمات من نور أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه عندما قال له: يا عمر! الزم غرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رسول الله ولن يضيعه الله. ونحن نعلنها كما أعلنها أبو بكر، ثم نعلنها كما أعلنها عمر وعثمان وعلي أننا والله لا رقي لنا ولا علو ولا رفعة ولا تنقشع عنا هذه الكربة ولا ترتفع عنا هذه الغمة إلا بالتمسك بخطى هؤلاء. وقد حق لنا أن نبين فضل هؤلاء الصحابة الذين سادوا وقادوا الدنيا في مدة وجيزة من الزمن، والذين رفعهم الله وأجلسهم على عرش الدنيا في مدة وجيزة من الزمن. إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير الناس اختارهم الله لخير نبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال فيهم الله تعالى من فوق سبع سماوات: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]، وهذا دليل صريح على أن صحابة رسول الله هم خير أمة، وخير صحبة لخير نبي؛ لأن هذه الأمة هي خير الأمم. وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وهذا أعلى تزكية، وأعلى رفعة لهؤلاء الصحابة، فهي أرقى ما يكون من تعديل وتزكية، قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] وذلك بدلالة الاقتران، فقد قرنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله هو أحب خلق الله إليه، فلا يقرن الله جل وعلا مع رسوله صلى الله عليه وسلم إلا من كانوا على درجته. نعم. الآن أي عمل يجتهد فيه الإنسان يقل أو يستكثر كيف يقبل عند الله؟ لا يقبل إلا بالإخلاص، وقد كشف الله عن قلوبهم التي لا يمكن أن يراها أحد إلا الله جل في علاه وأعلنها للدنيا بأسرها فقال: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] أي: أخلصوا دينهم لله جل في علاه، وهذه أيضاً لفتة على أن الله لا يقبل من عباده إلا المخلِصين المخلَصين، أما رأيت أن الله مدح يوسف وبين أنه أنقذه من براثن الزنا؛ لأنه كان من المخلصين: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24]. ثم قال: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29]، فالذي يقيم الليل الله جل وعلا يلبسه ثوب النور في الصباح، ثم قال جل في علاه: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29]. وهذه الآية احتج بها الإمام مالك رحمه الله على أن الشيعة الروافض كفار، فالإمام مالك رحمه الله يكفر الروافض بهذه الآية؛ لأنه قال: ((لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ))، فكل من عض الأنامل على الصحابة، وتغيظ على الصحابة فهو يدخل تحت هذه الآية: ((لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)) والروافض دائماً يدعون صباحاً ومساءً: (اللهم العن صنمي قريش)، ويقصدون بذلك أبا بكر وعمر فنعوذ بالله من الخذلان! قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان يغزوا فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح عليهم)، وهذه من بركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وبركة الذين رأوه صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول العلماء: لا مقارنة بين عمر بن عبد العزيز وهو الخليفة الراشد الخامس وبين معاوية، فإن يوماً رأى معاوية فيه وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل عمر بن عبد العزيز وأهل بيته أجمعين، فالصحبة لا تقارن؛ لأن الله جل وعلا لم يصطف لصحبة نبيه إلا الأخيار، قال: (يأتي على الناس زمان يغزوا فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم). وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة؟ ثم قال: إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون). وهذا هو الزمان الذي تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرنا غيباً عنه بقوله: (ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)، فكل من ظهر فيه السمن فليخش على نفسه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويظهر فيهم السمن) وهذه ليست على الإطلاق، فقد كان الإمام محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما رأيت سميناً فيه خير قط إلا محمد بن الحسن الشيباني، فالمقصود بقوله: (يظهر فيهم السمن) أي: بأكل الرشوة، وأكل الحرام، فلا يبالون من أي الأموال أكلوا.

فضل الأنصار رضي الله عنهم

فضل الأنصار رضي الله عنهم في فضل الأنصار إجمالاً قال أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، فقال أبو هريرة: ما ظنكم بأبي وأمي! قوم آووه ونصروه)، وحق لهم ذلك، فالأنصار هم خير أتباع النبي، وهم الذين أسسوا هذه الأمة الإسلامية في مدينتهم، وقد بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا عنه كما يقاتلوا عن نسائهم وأطفالهم؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله). وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين، قال: إما لا فاصبروا حتى تلقوني). وفي رواية أخرى قال: (وموعدكم الحوض). وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه ستكون أثرة بعد موته، بأن يفضل الناس أنفسهم ويتركون الأنصار، وهذه لفتة من بعيد على أن أهل الدنيا يخسرون في الآخرة، وأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. فهؤلاء الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسست الدولة الإسلامية على أرضهم، وفدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم، ومنهم من قتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من رمى نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءً له، ومع ذلك فالمكافأة ضحلة عليهم في هذه الدنيا، بل وسيكون هناك أثرة عليهم، ولا يعرف الناس لهم قدراً؛ لأن الله جل في علاه سيوفيهم في الآخرة نصيبهم، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من أهل الآخرة لا من أهل الدنيا. قال ابن مسعود: لقد شهدت مع المقداد مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي مما طلعت عليه الشمس -يعني: كان موقفاً بديعاً- وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يذكر المشركين فقال: (يا رسول الله! إنا والله لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، ولكن نقاتل من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرق وجهه لذلك وسره وأعجبه). ومن فضل الصحابة الذين باعوا أنفسهم لله جل في علاه، وائتمروا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين من أصحابه صاحب السبق، وصاحب الفضل، ويرفعه على المتأخر، وإن كانوا كلهم كما بين الله جل وعلا أن كل واحد منهم له الحسنى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على خالد بن الوليد وهو يشتد ويحتد على عبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن بن عوف كان سادس ستة قد أسلموا من السابقين، وخالد متأخر الإسلام عن عبد الرحمن بن عوف، فاشتد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد ثم قال: (لا تسبوا أصحابي) يقولها لـ خالد مع أنه صاحب، ولكن ليبين له قدر عبد الرحمن بن عوف.

الطعن في الصحابة طعن في الإسلام

الطعن في الصحابة طعن في الإٍسلام ونجد الآن أن الطعن في قلب الإسلام وكبده لا يأتي إلا عن طريق الطعن في الصحابة، إما ترويج لفكر الشيعة والتنقيص من عمر بن الخطاب أو من أبي بكر رضي الله عنهما وأرضاهما، وهما من أعمدة هذا الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنقيص من الشريعة نفسها من خلال الطعن في أبي هريرة رضي الله عنه؛ لأن المستشرقين يريدون هدم السنة، والسنة بأسرها على لسان أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، هذا الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متأخر في الإسلام، لكنه صدق الله فصدقه الله، قال: (يا رسول الله! ما أحفظ عنك شيئاً ولا أعقل عنك شيئاً)، لكنه كان صادقاً مع ربه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابسط ثوبك، ثم وضع يده على صدره ودعا له، قال: والله ما لبثت أن انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديثه إلا وعقلته وفهمته كله، وما كتبت بيضاء في سوداء)، فحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما قاله، ولذلك جاء المستشرقون يريدون ضرب سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصاحب الجليل أكثر الناس رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحرب التي تدور اليوم على الإسلام لا تدور علانية، ولكن من تحت أحزاب كما يقولون، فيضربون الإسلام في الثوابت، ويجعلونها حرباً على الثوابت، فإذا أرادوا أن يحاربوا الإسلام حاربوه في الجبال الشم الشوامخ، إما في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدم السنة من تحت كما يقولون وإما علناً.

أهمية الاقتداء بالصحابة

أهمية الاقتداء بالصحابة والإنسان إذا أراد أن يرتقي فلا بد أن يكون له قدوة، وهذه القدوة إما أن تكون مازالت حية، وإما أن تكون قد ماتت وبشرت بالجنة، وهؤلاء الصحابة قد مشوا على الأرض وبشرهم الله بالجنة، فعلينا أن نعلم أنفسنا أولاً ثم نعلم أبناءنا ونساءنا أدب الصحابة وخلقهم واتباعهم وجهادهم ونفقتهم حيث باعوا أنفسهم بحق وصدق لله جل في علاه، وائتمروا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ضرب لنا أروع الأمثلة في التصديق واليقين في الله، واليقين في موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه في سخرية: أين كنت البارحة؟ فقال: أسري بي إلى بيت المقدس، فقام أبو جهل يضحك يقول: ذهبت إلى بيت المقدس ورجعت هذه الليلة؟! فيقول: نعم، فيذهب أبو جهل ويجتمع مع القوم ويقول: الآن ينفض المجلس ونذهب إلى أبي بكر -لأنهم يعلمون أن أبا بكر يعلم أن الإبل لا تضرب إلى بيت المقدس ليلة واحدة، بل في شهر ذهاباً، وشهر إياباً- فذهبوا إلى أبي بكر الصديق فقالوا: أرأيت ما قال صاحبك؟! -والصحابة ما اصطفاهم الله إلا على علم عنده سبحانه وتعالى، كشف عن القلوب فعلم الصدق والنقاء فاختارهم لنبيه صلى الله عليه وسلم- فقال: ماذا يقول؟ فقالوا: يقول: إنه كان البارحة في بيت المقدس وجاء الليلة هنا عندنا! قال: أقال ذلك؟ قالوا: نعم قال ذلك. قال: والله لقد صدق، ثم بين بنقاء قلبه وصدق لهجته ما يعقله الإنسان، فقال: إني أصدقه فيما هو أكثر من ذلك أصدقه في وحي ينزل عليه من السماء. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان متيقناً بالله جل في علاه عندما ذهب إلى بيت المقدس، وكانت التوراة مكتوب فيها صفة عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي سيفتح بيت المقدس، ولذلك لما استعصى على المسلمين فتح بيت المقدس بعث أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر: أن تعال لعل الله جل وعلا يفتح على يديك، فمنعه كثير من الصحابة منهم علي وعثمان وقالوا: أنت أميرنا فلا تذهب، فقال: والله لأذهبن. فذهب عمر رضي الله عنه وأرضاه فاستقبل مخاضة، فأخذ نعليه تحت إبطيه -تأبط نعليه- فقال له أبو عبيدة بن الجراح وكان أحب الناس إلى عمر: يا أمير المؤمنين! ما أحب أن القوم يروك على هذه الهيئة تتأبط نعليك وتسير حافياً أمامهم، فقال: يا أبا عبيدة! والله لو قالها غيرك لأدبته على ما يقول، لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، ولو ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. إن هؤلاء الصحابة هم منارات لنا، وهم القدوة بحق، فنحن نتكلم عن الصحابة ونتدبر أحوالهم حتى نعيش الإيمانيات التي كانوا يعيشونها، فنحن أشباح بلا أرواح، فمن منا جلس وحده عندما ينام فدمعت عينه من خشية الله؟! ومن منا تذكر نعمة من نعائم الله عليه فشكر الله، فلما شكر الله فاضت عيناه؟! ومن منا تذكر أنه لو كان في الفردوس الأعلى فإنه سيصاحب رسول الله فيأخذ بيده ويسير معه على شط النهر فيشرب معه العسل، ثم يذهب زائراً لربه فيرى وجهه؟ من منا يتدبر هذا؟! فهم كانوا يتدبرون ذلك، ولذلك أنس كان يخشى ما يخشاه أن ينزل درجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال رسول الله: (المرء مع من أحب) قال: والله ما فرح صحابة رسول الله فرحاً أشد من فرحهم بهذا الحديث. فنحن إنما نتدبر أحوال الصحابة لنعيش إيمانيات الصحابة؛ لأن هذه الأمة لا بد لها من أن ترجع إلى هذه الإيمانيات، ولذلك نقول: الرعيل الأول الذكي النقي قادوا وسادوا في مدة وجيزة من عمر الزمن؛ لأنهم علموا أن الله حق، وتعلموا خشية الله، والإحسان في عبادة الله جل وعلا والرقابة لله، فـ عمر رضي الله عنه نفسه عندما كان يقول لـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: الأمر من هاهنا لا من هاهنا، كأنه يقول لنا: اسمعوا واعلموا أنه لو تكالبت عليكم الدنيا بأسرها وأنتم على يقين من أنكم على الحق وأنكم متمسكون بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم والله لو اجتمع عليكم من بأقطارها فلن يضروكم لأنكم مع الله ومع رسول الله، فالأمر من هاهنا يدبر، يعني: من صاحب العرش، ممن استوى على عرشه ويدبر أمر خلقه، فالأمر من هاهنا لا من هاهنا، فهي عبادة الرقابة، وعبادة الإحسان: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولقد مر عمر على امرأة تقول لابنتها: يا ابنتي! أخلطي اللبن بالماء، فلا أحد يرانا، فقالت البنت: إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا، فاصطفاها عمر زوجة لابنه، فأنجبت من ذريتها عمر بن عبد العزيز الذي أشرقت شمسه على سماء الإسلام، وكان أعدل الناس في زمانه، ما ترك مسلماً ولا نصرانياً ولا أحداً إلا وأعطاه من بيت مال المسلمين، فـ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه ثمرة من ثمرات عبادة الإحسان لله جل في علاه. نحن ننطلق بإذن الله من فضائل الصحابة لنتدبر كيف آمنوا؟ وكيف استيقنوا في ربهم؟ وكيف استنوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ لعلنا نتخذهم قدوة فيعلو إيماننا، فنرتقي إلى ربنا، ويأخذ كل منا بيد أخيه إلى طريق الجنة، فإنه يسير على من يسره الله عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فمن جلس في مجالس العلم فهذا هو التيسير له، ومن أنفق في سبيل الله، وكف لسانه عن إخوانه فهذا ميسر له، ومن اغتاب الناس وأكل في لحوم الناس، وأقسم بالله كذباً، وتجرأ على حدود الله فهذا ميسر له، فليخش كل امرئ على نفسه، ويقول كما قال عمر وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت قد كتبتني عندك شقياً فامحها واكتبني عندك سعيداً، اللهم اجعل كل المسلمين من السعداء وأدخلنا جميعاً الجنة. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

فضائل أبي بكر الصديق [1]

فضائل الصحابة - فضائل أبي بكر الصديق [1] اختار الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم أطهر الناس قلوباً، وأشرفهم نفوساً، وقد بذلوا دونه مهجتهم وأرواحهم، وكان أفضلهم نفساً، وأرجحهم عقلاً، وأرفعهم منزلة ومكانة، وأقربهم مجلساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

من مناقب أبي بكر

من مناقب أبي بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع هذه الشموس التي أشرقت في سماء إسلامنا، مع مصابيح الدجى مع منارات الهدى مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن الناس خلقاً، وأعمقهم إيماناً، وأبرهم قلوباً، الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتدوا بهديه، واستنوا بسنته، وعضوا عليها بالنواجذ مع الذين أنزل الله عدالتهم من فوق سبع سماوات مع الذين قال الله فيهم: {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:26]، مع أكبر شمس في سماء إسلامنا مع أعظم رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من خاطبه الله بصيغة التعظيم والتبجيل هنيئاً لك يا أبا بكر! فإن الله جل في علاه يخاطبك ويتكلم عنك بصيغة التبجيل والتعظيم فجبار السماوات والأرض يقول عن أبي بكر: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور:22] باتفاق المفسرين أن المقصود بأولي الفضل هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه. فضائل أبي بكر رضي الله عنه صدرها التاريخ لنا نبراساً، فهذه هي الفضائل التي يحتذي بها المؤمن التقي النقي الذي يريد أن يسارع إلى ربه جل في علاه فيحتذي حذو ما فعل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه العظيم المعظم من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد وردت الآثار أن النبوة والوحي إن لم تنزل على رسول الله لنزلت على مثل هذا الرجل؛ لأنه كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه سمته عمله قلبه تصديقه يقينه بالله جل في علاه. قال الله في أبي بكر يبين فضله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] إن نبي الله صلى الله عليه وسلم ما اختار الله له في الهجرة إلا خير صاحب؛ ليأنس به رسول الله، ويدافع عن رسول الله، ولنعم ما اختار الله جل في علاه! وقد ظهر ذلك جلياً عندما سار مع رسول الله وهو يقص علينا كيف سار مع رسول الله، قال: (كنت مع رسول الله أتقدم رسول الله وأتخلف عنه، وآتي يميناً وآتي يساراً) لو نظر الناظر في فعل أبي بكر يقول: ماذا يفعل هذا الرجل؟! تارة أمامه، ثم تارة خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، لم هذا؟! وهذا السؤال أجاب عنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فقال: كنت أخشى الطلب فأتراجع خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم -نفسي فدىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم أخشى العدو الذي يأتي من الأمام فأتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عن يمينه وعن شماله. ولما قدر الله أن يختبر إيمان هذا الرجل العظيم الجليل دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال تعالى: ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)) لما دخل مع رسول الله علمنا أدباً جماً لابد أن يتعامل به الإنسان مع العظماء والشرفاء، مع الأكارم والأفاضل؛ فإن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله بين لنا كيف يفعل هذا الفاضل مع من هو أفضل منه، تقدم رسول الله -وهذا التقدم ليس بسوء أدب بل هو قمة الأدب خشية على صحة ونفس رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى الغار، دخل يستكشف أي خطر ممكن أن يجهز على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشمس الإسلام لن تشرق إلا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل أبو بكر ينظر في فتحات هذا الغار فيسد كل فتحة من فتحات الغار، وتبقى فتحة واحدة، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبو بكر الفتحة الأخيرة برجله، وكان رسول الله -وهذه من السنن المهجورة، أن الفاضل إذا جلس مع المفضول نام على حجره، فهذا فيه دلالة على التواد والوفاق- قد نام على حجر أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وأبو بكر يسد الفتحة برجله، فجاءت عقرب فلدغت أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه فما تحرك أبداً حتى لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الذي لا إله إلا هو من يتصفح صفحات التاريخ يعلم لم اختار الله هؤلاء القوم ليسودوا الناس، وليتربعوا على عرش الأمم في مدة وجيزة من عمر الزمن! انظروا الرجل تلدغه عقرب بسم ناقع في جسده ولا يتحرك؛ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجره! لكن يقدر الله ليأتي الشفاء لـ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن الله يأبى إلا أن يستخلف أبا بكر، فبكى أبو بكر من شدة التألم؛ فنزلت دموع أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظته، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وضع يده على رجل أبي بكر ثم رقاه؛ فشفاه الله جل في علاه. وجاء القوم يطلبون رسول الله فقام أحدهم يبول، فقال أبو بكر: يا رسول الله! أحدهم يبول -والله لا بد لهذه الأمة أن ترجع إلى ربها جل في علاه- نعم يبول أمامه عياناً ولا يراه؛ لأن قدرة الله جل وعلا تخفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبصارهم، ومن استيقن في ربه أتاه ما يتمناه من ربه جل في علاه، وقال: (يا رسول الله! إنهم فوقنا لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا). انظروا في يقين الرسول صلى الله عليه وسلم، عبر ونوادر إيمانية تستنبط من المواقف، مواقف إيمانية عزيزة عظيمة جليلة، فرسول الله يربي أبا بكر حتى يربينا على اليقين بالله جل في علاه، فقال: (يا أبا بكر!) بقلب ثابت! بقلب مستيقن في ربه جل في علاه! (يا أبا بكر! ما بالك باثنين الله ثالثهما؟). يراقب ربه ويعلم أن الله جل وعلا ناصره رغم أنف الكافرين، ويعلم أن الله جل وعلا منقذه من الهلكة حتماً، (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟). الله جل في علاه يعمي الأبصار وهي تنظر، ويصم القلوب والآذان وهي تسمع سبحانه جل في علاه، أما رأيتم ربكم عندما استيقن به موسى كما استيقن به محمد صلى الله عليه وسلم؟! العدو خلفهم فرعون ومن معه، والبحر أمامهم ولا أحد منقذ لهذه الفرقة، يقول قومه: يا موسى! أدركنا القوم! ماذا يقول؟! يقول موسى المستيقن في ربه: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، وكما استيقن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربه فجاء الفرج، قال: (ما بالك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا) معية تسديد! معية توفيق! معية لا تكون إلا للمؤمنين الخالصين المخلصين المتقين، فقال أبو بكر: (إن القوم سيروننا. فقال: لا تحزن إن الله معنا). وهذه كانت فضيلة أيما فضيلة لـ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، حيث إن رسول الله يأمر الصحابة بأسرهم أن يهاجروا، وأبو بكر يأتي فيقول: (أهاجر يا رسول الله؟! ورسول الله يقول: انتظر لعل الله يجعل لك صحبة) وهو يختبئ أبا بكر لنفسه صلى الله عليه وسلم. جاء في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عن أبي بكر قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا؛ فقال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما) ولا نقول هذا كما يقول أهل التصوف الذين يتنطعون ويقولون: الولاية تقدم على النبوة؛ لأنهم يقولون: الخضر ولي، وموسى نبي واتبع الخضر، وهنا أيضاً يقولون: أبو بكر قد فزع وجزع أن الناس قد يروه، فقال: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقالوا: ثبته رسول الله، انظروا الولاية والنبوة! ثم جاء رسول الله في غزوة بدر فقام يبتهل ويقول: (اللهم انصر هذه العصابة، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم، ثم قال: اللهم نصرك الذي وعدتني! اللهم أنجز لي ما وعدتني! فقام أبو بكر وقال: يا رسول الله! والله إن الله سينجز لك ما وعدك) فقالوا: هذه بتلك، ثبت أبو بكر رسول الله! عموا وصموا، وعليهم من الله ما يستحقون! لا يعلمون قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: هذه بتلك! ويقولون: قد ثبت أبو بكر رسول الله في غزوة بدر وثبته رسول الله في الغار، بل في الثنتين؛ فإن رسول الله له المنة العظمى على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولما جزع أبو بكر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبته بثبات الله له سبحانه جل في علاه.

الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر رضي الله عنه

الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر رضي الله عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الله تبارك وتعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبو بكر) بأبي هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم! وبأبي هو وأمي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أفقه الصحابة على الإطلاق، وأقرأ الصحابة على الإطلاق، وهذا الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مماته ينظر فيرى عمر الفاروق يتقدم الناس ويصلي؛ فاشتد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمعر وجهه وقال: (يأبى الله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر) لا بد أن يتقدم أبو بكر؛ لأنه الأحق، (يأبى الله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر، مروا أبا بكر أن يصلي بالناس). انظروا إلى فقه هذا الرجل الجليل العظيم يبكى! قال أبو سعيد: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير! فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، كلهم قالوا: رجل خيره الله بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، هذا ليس فيه شيء، ما الذي يبكيك يا أبا بكر؟! لكن فقه أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ونظره الدقيق علم أن التخيير لا يكون إلا للأنبياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما قبض نبي إلا وخير) كل نبي يأتيه ملك الموت يقول: تختار الدنيا أم تختار لقاء الله؟ فيقول: اللهم الرفيق الأعلى! فلما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك عبداً خير علم أبو بكر أنه لا يخير إلا النبي؛ فعلم أن رسول الله قد خير وأن الأجل قد دنا وقرب. قال أبو سعيد رضي الله عنه: (وكان أبو بكر أعلمنا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) رضي الله عنه وأرضاه. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي) فيه دلالة على أن الخلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن الخلة لإبراهيم، وهذا فيه رد على الصوفية الذين يقولون: الخلة لإبراهيم والمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتجون بحديث عن ابن عباس وهو حديث ضعيف: (أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والرؤية لمحمد؟!). يعني: محمد رأى ربه في الدنيا وهذا ليس بصحيح فالحديث ضعيف. فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خليلاً غير ربي) أي: رسول الله خليل الرحمن جل في علاه. وقال عبد الله بن عمر: (كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان). وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قام على المنبر خطيباً في الناس فقال: أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم بمن بعد ذلك. وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: (أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعد رجالاً). عمرو بن العاص أسلم قبل هذه الغزوة بثلاثة أشهر، وبعد ثلاثة أشهر من إسلامه أمره النبي صلى الله عليه وسلم على غزوة ذات السلاسل، فلما كان أميراً طلب المدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إليه المدد وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وكان في المدد عمر وأبو بكر، فلما قدم أبو عبيدة بن الجراح على عمرو بن العاص قال له: أنت جئت علي فأنا الأمير، فـ أبو عبيدة بن الجراح قال: إن رسول الله أمرني ألا أنازع الأمر أهله أنت الأمير؛ فلما وجد عمرو بن العاص نفسه أميراً على أبي عبيدة وعمر وأبي بكر قال: أنا أحب الناس إلى رسول الله، أبو بكر المتقدم في الإسلام يكون تحت يدي؟! ففيه دلالة على أن الإمارة لا تدل على الفضل، بل يمكن أن يكون المفضول تحت يد الفاضل؛ فذهب عمرو بن العاص فقال: (يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة - من النساء -. فقال: لست عن هذا أسأل بل من الرجال، فقال: أبو بكر) فهذه دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه له الحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سبق أبي بكر في كل خير

سبق أبي بكر في كل خير أختم بأمر كان الصحابة يعتادونه دائماً وليتنا نفعل به، فقد صدقوا قول الله تعالى وعملوا به بعدما سمعوه قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26]، فكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتركون شاردة ولا واردة ولا شاذة ولا فاذة تقربهم من الله وتسرع بهم إلى ربهم إلا وسارعوا إليها، فهذه همة عالية تعلو قمم الجبال، عانقوا السماء بهذه الهمم! أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان يتنافس مع الصحابة في المسارعة والمسابقة إلى الله، وكان عمر ما ينظر إلا لمن هو أعلى منه عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث نصح أبا موسى الأشعري عندما قال: (أما في الدين فانظر إلى من فوقك، وأما في الدنيا فانظر إلى من تحتك)؛ لأنك إذا نظرت إلى من تحتك في الدنيا حمدت الله على هذه النعمة التي أنت فيها، لكن لو نظرت إلى من هو فوقك في الدنيا ازدريت نعمة الله عليك، وإذا نظرت لأهل الدين من فوقك علت همتك، لم يكون هذا مع رسول الله ولم يتخلف في الدرجة التي تكون أسفلها؟ لم لا أكون مثله؟! لم لا أسارع كما يسارع؟! هذا الذي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يسابق أبا بكر، فكان دائماً لا يسابق أبا بكر إلا ويسبقه أبو بكر، ففي ذات مرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بالنفقة؛ فجاء كل واحد بماله الذي تصدق به، وجاء عمر بشطر ماله ليسبق الجميع فقال: (يا رسول الله! هذا شطر مالي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم مثله) فابتسم رسول الله وأثنى عليه ثناءً حسناً، وقال عمر: اليوم أسبق أبا بكر ما من أحد قدم مثلما قدم، فجاء الفقيه الأريب اللبيب، جاء الصاحب الكريم، جاء الجليل، جاء الذي خاطبه الله جل وعلا معظماً مجللاً عندما قال له: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ} [النور:22] (جاء أبو بكر بماله كله فوضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر! ما تركت لأهلك؟) انظروا إلى اليقين! انظروا إلى الفقه! انظروا إلى السبق! فقال: (تركت لهم الله ورسوله). ولذلك استنبط العلماء فقالوا: من بلغ إيمانه إيمان أبي بكر فليفعل ما فعل أبو بكر. وإن شاء الله في الكلمات القادمة نتكلم عن أبي بكر في فضائله، وفي مواقفه الإيمانية، حتى نأتسي بهذا الرجل العظيم الذكي النقي ونحذو حذوه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

فضائل أبي بكر الصديق [2]

فضائل الصحابة - فضائل أبي بكر الصديق [2] أبو بكر الصديق رضي الله عنه أفضل الصحابة على الإطلاق، فقد زهد في الدنيا وتركها في سبيل متابعته لهذا الدين ودفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدق الرسول حين كذبه الناس، وواساه حين تركه الناس، بدايته في الإسلام رفيقاً لرسول الله، ونهاية حياته في الدنيا أن استخلف على المسلمين، فحفظ الله به الدين، وأقام به الملة، فقد حارب المرتدين ومانعي الزكاة، وأرسل الجيوش لفتح فارس والروم.

من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

علم أبي بكر وحفظه

علم أبي بكر وحفظه الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. ما زلنا مع خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، مع الصديق الذي خاطبه الله جل في علاه بالتبجيل والتعظيم والإجلال وقال: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور:22] تعظيماً وتبجيلاً وتوقيراً للصديق رضي الله عنه وأرضاه. إن فضائله رضي الله عنه كثيرة، فهو أعلم الصحابة على الإطلاق، وأفقه الصحابة على الإطلاق، بل وأحفظ الصحابة على الإطلاق، ودليل ذلك من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته دعاه بلال ليخرج فيصلي بالناس، فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً، فذهب بلال يدعو أبا بكر فأحال أبو بكر بلالاً على عمر، فكلم بلال عمر بن الخطاب، فذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فصلى بالناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأبى الله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر) أي: يأبى الله ويأبى المؤمنون تقديم أحد على أبي بكر. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، فهذه فيها دلالة على أن أقرأ الصحابة وأحفظهم هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان أعلم الصحابة، وفاق في العلم على كثير من الصحابة. ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم انشغل الناس: هل يغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثيابه أو لا؟ وهل يدفن في بيته أو يدفن في مقابر المسلمين؟ ولم يوجد هذا العلم عند الصحابة، لكنه قد وجد عند أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

زهد أبي بكر وجوده

زهد أبي بكر وجوده إن من فضائل أبي بكر ما علم عنه من زهد وجود رضي الله عنه وأرضاه؛ فهو الذي أنفق ماله كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعوة إلى الله جل في علاه. وكان من أزهد الناس وأتقى الناس، وقد حصل أن عبداً له كان يعمل في الخراج، والعبد إذا كان في يد السيد فكل عمل يستجلب منه مالاً فهذا المال يكون لسيده، فكان أبو بكر يأخذ عامله بيده ويقول له: من أين اكتسبت هذا المال؟ وفي ذات مرة نسي أبو بكر أن يسأل هذا العبد: من أين أتيت بهذا المال؟ فقال العبد: بعدما أخذ أبو بكر المال وأكل منه: لم لم تسألني من أين اكتسبت هذا المال؟ فقال: من أين اكتسبته؟ فقال العبد: هذه كهانة كنت قد تكهنتها في الجاهلية، أي: ادعى العلم بالغيب زوراً وبهتاناً، ولأجله أخذ المال، فأكل أبو بكر من ذلك المال، فانظروا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وإلى ورعه وتقواه لله جل في علاه هنا، مع أن القاعدة تقول: إن الإثم مرفوع عن المكره وعن المخطئ وعن الناسي الذي لا يعلم، وقد قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وأبو بكر لم يكن يعلم أن هذا المال من حرام وظنه حلالاً، لكن ورعاً وتقوى من أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أدخل إصبعه في فيه حتى استقاء كل ما في بطنه؛ خشية منه أن يدخل درهماً حراماً في جوفه رضي الله عنه وأرضاه! وصدق عبد الرحمن بن عوف إذ يقول: لو وضع إيمان الأمة -ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- في كفة، ووضع إيمان أبي بكر في كفة لرجحت كفة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

غضب الرسول لأبي بكر

غضب الرسول لأبي بكر قال أبو الدرداء: بينما كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر الصديق آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه، وهذه الجملة يستدل بها الفقهاء، وكل حديث تجد فيه فوائد مستنبطة تنفع كل مؤمن فقهاً وعقيدة وتوحيداً، وليس هذا خروجاً عن الموضوع ولكن الشيء بالشيء يذكر، وهذه الطريقة كان يفعلها شيخ الإسلام ابن تيمية، والجهلاء كانوا يعترضون على شيخ الإسلام ويقولون: نكلمه عن المشرق، فيتكلم عن الشمال والجنوب والغرب، قال ابن القيم: وهذا من جهلهم وسعة علمه؛ لأنه ما يرى فائدة من الفوائد في أي كلمة من كلام النبي إلا وبينها للناس حتى يستفيدوا ويعلموا أن رسول الله أوتي جوامع الكلم. ومن هنا استنبط الفقهاء أن الركبة لا تدخل في العورة، وكثير من الناس يقولون: العورة من السرة إلى الركبة، وهذا يلزم منه أن الركبة من العورة، وأنا أستدل بهذا الحديث بعدم كونها من العورة، ووجه الدلالة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لفعل أبي بكر، إذ لو كانت الركبة عورة فلن يسع النبي أن يسكت ولقال لـ أبي بكر: الركبة عورة غط ركبتيك، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتبليغ. فقال أبو الدرداء: (حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر! فسلم، وقال: إني كان بيني وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مشاحنة ثم ندمت). يعني: أن المشاحنة حصلت، واشتد أبو بكر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال: فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إلى الرسول فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر؛ لأن هذه تغمر في بحر حسنات أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، كيف لا وقد قال الفاروق عندما نظر إليه وهو يموت، ويوصي بثوبه الجديد لبيت مال المسلمين ويقول: كفنوني في ثوبي البالي فبكى عمر وقال: أتعبت من بعدك يا أبا بكر: ليتني شعرة في صدر أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه. فقال الرسول: (يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال: أثم أبو بكر؟ أي: هنا أبو بكر؟ قالوا: لا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي يتمعر على عمر). والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعذر الناس، ولكنه مع ذلك لا يقدم أحداً على أبي بكر؛ لأنه من الظلم البين أن تضع أحداً في موضع ليس أهلاً له، ومن الظلم كذلك ألا تنزل الناس منازلهم. قال: (فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه وقال: يا رسول الله! والله إني كنت أظلم مرتي)، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين منزلة أبي بكر ومنزلة عمر، فقال: (إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذب) والذي قال ذلك قريش ومن فيهم، والفاروق أيضاً كان معهم وأبو بكر لم يكن كذلك، فله السبق هنا (وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ (مرتين) فما أوذي بعد هذا). وجاء أنه حدث بين أبي بكر وبين رجل من الأنصار مشكلة، فاشتد أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على الأنصاري، ثم ندم فقال للرجل: سامحني على ما فعلت، فقال الرجل لـ أبي بكر: يغفر الله لك، وقال: اقتص مني، قال: لا أقتص منك يغفر الله لك. قال: اقتص مني وإلا استعديت عليك رسول الله، فاندهش الأنصار وقالوا: سبحان الله! يسبك ويذهب ليستعدي عليك رسول الله، والله لنذهبن معك إلى رسول الله فنقص عليه القصة، ولكن من فقه هذا الأنصاري أنه كان يعلم أن رسول الله قد أنزل أبا بكر مكانتة عظيمة، وقال: اسكتوا لا يسمعكم أبو بكر فيغضب فيذهب إلى رسول الله فيغضب رسول الله لغضب صاحبه، فيهلك صاحبكم، ثم ذهب الرجل إلى رسول الله فقال: (حدث كيت وكيت وكيت، وقلت له: يغفر الله لك. قال: نعم، قل يغفر الله لك يا أبا بكر!). وقال عبد الله بن المبارك: إنما سمي أبو بكر صديقاً؛ لأنه يكذب قط، ووالله ما قالوا له حادثة نقلوها عن رسول الله إلا وقال: أو قال محمد صلى الله عليه وسلم ذلك؟ فإن قالوا: نعم. قال: فقد صدق.

علو همة أبي بكر في نيل فضل الله تعالى

علو همة أبي بكر في نيل فضل الله تعالى قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: ما على الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر). ونستفيد من هذا الحديث أن هناك باباً اسمه الريان، وباباً للصدقة، وباباً للجهاد، وباباً للصلاة، فجاء أبو بكر يطلب أن يدخلها كلها، وهذا فيه الحث على الأعمال الصالحة. ويستفاد من هذا الحديث أيضاً القوة العالية وهمة الصحابة، فأين نحن منهم الآن، فلعل بعضنا يقول: أريد أن أشم من رائحة الجنة ويكفي ذلك، أو يقول: أريد من الله أن يزحزني من النار فقط، لكن الصحابة الأكارم الأماجد الأكابر كانوا يعلمون أن الله يحب معالي الأمور، ويحب علو الهمة، فكانت الهمم عندهم كالجبال، فسيدنا أبو بكر لما رأى أن الأبواب كثيرة: الصدقة والجهاد والصلاة والصيام تفتح، لم يقل: يفتح له باب فقط، بل كل باب: الصيام والصلاة والجهاد والنفقة وهذه الهمم قد اندثرت في عصرنا هذا. قد يشكل على البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرجو أن تكون منهم) ولم يقل: أنت منهم، مع أنه قال لـ عكاشة بن محصن عندما قال له: (يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم، قال: أنت منهم) وعكاشة لا يقرب من مكانة أبي بكر، وقوله لـ أبي بكر هنا: (أرجو أن تكون منهم) يعني: أنه يدعو له بذلك، وليس فيه الجزم كما في عكاشة. والإجابة على الإشكال أن يقال: إن هذا استنهاض للغير من الأدنى إلى الأعلى حتى يسارعوا في فعل ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.

ترتيب أبي بكر في الفضل عند الصحابة

ترتيب أبي بكر في الفضل عند الصحابة محمد بن الحنفية هو أحد التابعين، وهو ابن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه من أمته التي كان يطؤها من غير نكاح، قال محمد بن الحنفية: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول: عثمان، فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. وقد دب الخلاف بين فقهاء التابعين وأهل السنة والجماعة هل الأفضل عثمان أم علي؟ فالأحناف والثوري كانوا يقدمون علياً على عثمان وكذلك الإمام الشوكاني علامة اليمن، وهو والصنعاني كانا زيدية، وكانا يقدمان علياً على عثمان، والصحيح الراجح هو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: وأجمعت كلمة الأمة بعد هذا الخلاف على أن الترتيب في الأفضلية هو ترتيب الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين. وحدث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) ويقصد بالصديق أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، فمكانة الصديقية مكانة رفيعة نالها هو، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن الشهيد في قبره لا يسأل، مع أنه قد جاءت نصوص عامة تدل على أنه ما من أحد إلا سيسأل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تفتنون في قبوركم قريباً من فتنة الدجال)، ولكن جاء التخصيص لهذا العموم للشهيد بأنه لا يسأل، ولذلك سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (لم لا يسأل؟ قال: كفى ببارقة السيوف فتنة). ثم إن العلماء اختلفوا، هل الصديق ممن يسأل أو لا؟ فقال العلماء: إن قلنا بقياس الأولى والقياس الجلي فسنقول: لا يسأل؛ لأن السؤال في القبر مفاده اختبار لصدق العبد، فالشهيد الذي باع نفسه صادقاً لله قد أظهر صدقه في الدنيا، والصديق أقوى صدقاً من الشهيد، فقالوا: إذاً: الصديق لا يسأل في قبره، لكنا لا نأخذ بهذا القول، فالمسألة توقيفية، وإن كنا نقول: إن الصديق شهيد بل فوق الشهيد بمرحلتين ومرتبتين، لكنه يسأل في قبره، والله أعلم.

تضحيات أبي بكر وبذله في سبيل الله

تضحيات أبي بكر وبذله في سبيل الله قال عروة بن الزبير: سألت عبد الله بن عمر: ما أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رأيت عقبة بن أبي معيط قد جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقاًَ شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟! فوقف وقفة لم يقفها أحد مثله، كما وقف مؤمن آل فرعون أمام فرعون وقومه.

استخلاف أبي بكر لعمر

استخلاف أبي بكر لعمر قال الحسن البصري: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال: انظروا كم أنفقت من مال الله عز وجل؟ فوجدوه قد أنفق في سنتين ونصف ثمانمائة ألف درهم. قال: اقضوه عني، فقضوه عنه، ثم قال: يا معشر المسلمين، إنه قد حضر من قضاء الله عز وجل ما ترون، ولا بد لكم من رجل يلي أمركم ويصلي بكم ويقاتل عدوكم، فإن شئتم اجتمعتم وائتمرتم، وإن شئتم اجتهد لكم رأيي. لأنه يعلم أنه سيسأل عند ربه من استخلف على المسلمين؟ وذلك إن اختيار من يكون أهلاً لإحقاق الحق من الشرع بمكان، وهي مسئولية لابد أن يعد الجواب عنها أمام الله جل في علاه. والإنسان يظهر عندما تأتي الحقائق، والناس يعرفون في المواقف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا) وأبو بكر وضع في مكانة عظيمة، وقد علم أنه سيقبل على ربه، وأنه سيسأل من ولى على المسلمين؟ ثم قال: وإن شئتم اجتهدت لكم رأيي، فو الله الذي لا إله إلا هو لا آلوكم -يعني: لا أقصر في النفع والنصح لكم- ونفسي خيراً، فبكوا وقالوا: أنت خيرنا وأعلمنا -وحق لهم أن يقولوا ذلك- فاختر لنا، فقال: إني قد اخترت لكم عمر رضي الله عنه وأرضاه، فلما قال ذلك -كما في بعض الروايات التي ذكرها أهل السير-: ضج الناس وقالوا: يا أبا بكر ماذا ستفعل عند ربك عندما تضع علينا هذا الشديد؟! يعني: كانوا يخافون من شدة عمر.

شدة عمر في الحق

شدة عمر في الحق إن أبا بكر عمل ذلك؛ لأنه يعلم أن عمر رجل مبشر بالجنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على الباب أبا هريرة يوماً فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لقيت فبشره أنه من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) فجاء عمر رضي الله عنه وأرضاه ففرح أبو هريرة وقال: أدخل على أخي السرور، فقال ذلك لـ عمر، فكانت المكافأة عظيمة فضربه عمر فخر على استه، فذهب مسرعاً إلى رسول الله يرتجف، قال له رسول الله: (ما بك؟ قال: قلت لـ عمر ما قلت فضربني، فدخل عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، لا تقل ذلك للناس فيتكلوا) فأخذ بقول عمر رضي الله عنه وأرضاه، فكان شديداً في الحق، ولذلك كان علي بن أبي طالب أسد السنة الذي حافظ عن هذه السنة عندما قتل عمرو بن ود، كان أشد قريش قتالاً، وذلك أنه (وقف في غزوة الخندق ثم نزل عن فرسه، ورسول الله خلف الخندق، فقال عمرو بن ود: يا أيها الناس! يا هؤلاء! تزعمون أن عند ربكم جنة؟ فنظروا إليه فقال: أما يريد أحد منكم أن ينظر إلى هذه الجنة ويذهب إليها؟ فما برز له أحد، فقال: أما تشهدون بما أخبركم به الله ورسوله أن لكم جنة؟ أما منكم أحد يريد أن يبارز؟ فما خرج له أحد. فقام علي بن أبي طالب فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال له: اجلس. فقال عمرو بن ود: أين أنتم؟ أما تريدون الجنة؟ ألا أحد يبارز؟ فقام علي مرة ثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس، فقام الثالثة فقال: يا رسول الله، إن كان هو عمرو بن ود فأنا علي بن أبي طالب، فخرج إليه ثم نظر إليه فقال: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب. قال: أخ كريم ابن أخ كريم، لكن يا بني إن أباك كان صاحباً لي، وإني أخشى أن أقتل ابن أخي. فقال علي: وإني والله أشتهي أن أقتلك، فنزل الرجل من جواده ونزل إليه، فلما نزل إليه قتله علي بن أبي طالب حيلة، وذلك أن علياً أول ما نظر إليه قال: ما جئت لأقاتل اثنين، فنظر عمرو بن ود خلفه، فأطاح به علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه). ويقال: إن الغبار جاء فغطى الاثنين فقتل علي عمرو بن ود وهذه القصة تراجع أسانيدها، فإن العلماء قد يتساهلون في الأسانيد في كتب التراجم، وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض على قلبه فقال: (اللهم ثبت لي علياً، اللهم إنك قبضت حمزة فأبق لي علياً). وهذه أيضاً يراجع إسنادها. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه مع شجاعته يقص علينا فعله مع عمر: قال: كنا نسير وعمر أمامنا وكلنا خلفه، فإذا وقف ونظر خلفه سقطت قلوبنا في أرجلنا! وعندما ضج الناس عند استخلاف أبي بكر لـ عمر قالوا: يا أبا بكر، تستخلف علينا وتؤمر علينا هذا الشديد؟ قال: أستخلف عليكم رجلاً إن سألني ربي عنه قلت: هو أعلمهم وأفقههم وأتقاهم وأورعهم. فـ أبو بكر يعلم هذه المميزات لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وكانت خير خاتمة لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أنه ختم حياته باستخلافه لـ عمر رضي الله عنه وأرضاه. قال ابن مسعود: أفرس الناس أي: أشد الناس تفرساً ثلاثة: عزيز مصر، وامرأة فرعون، وأبو بكر الصديق، قالوا: لم يا ابن مسعود؟ قال: سأجيبكم، إن امرأة فرعون تفرست في موسى وقالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص:9] فنجاها الله بحبها لموسى طفلاً رضيعاً، وتفرس عزيز مصر فنظر ليوسف عليه السلام فقال عنه: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا} [يوسف:21] وقد كان كذلك وأصبح يوسف عليه السلام عزيز مصر، وأبو بكر الصديق تفرس في عمر، فأصبح عمر سيداً على الدنيا بأسرها، وفتح الله على يديه الأمصار، وفتح ربوع الدنيا مشارقها ومغاربها كان على يد عمر، وكل ذلك من حسنات أبي بكر جمعنا الله مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

فضائل عمر بن الخطاب [1]

فضائل الصحابة - فضائل عمر بن الخطاب [1] عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أبرز الرجال الذين قام الدين على أكتافهم وجهودهم، آتاه الله قوة في الدين والعلم، وجرأة في الحق، وصرامة لا مثيل لها على الباطل، فاستحق بذلك أن يكون الوزير الثاني للرسول الكريم، والخليفة الذي عقمت النساء أن يلدن مثله.

من فضائل عمر بن الخطاب

من فضائل عمر بن الخطاب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فما زلنا مع أفضل البشر على الإطلاق في هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، ما زلنا مع من أنزل الله عدالتهم من فوق سبع سماوات قائلاً جل في علاه: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:26]. نحن اليوم على موعد مع الوزير الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع سيد الخلق أجمعين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر في هذه الأمة، مع الذي فرق الله به بين الحق وبين الباطل، بين أهل الشرك وأهل الإسلام، مع الذي قال فيه ابن مسعود: كان إسلامه للمسلمين عزاً، وللإسلام نصراً، وكانت هجرته فتحاً، وكان الله جل وعلا قد قلده كل كنوز كسرى وقيصر، وفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، الرجل الذي علم أهل الزهد كيف يكون الزهد، الرجل الذي علم أهل العدل كيف يكون العدل، أنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

الأحاديث الواردة في فضل عمر

الأحاديث الواردة في فضل عمر فضائله كثيرة، فهو الوزير الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر يمشيان فقال لـ علي بن أبي طالب: (هذان سيدا كهول أهل الجنة) أبو بكر وعمر. وكفى بـ عمر فخراً أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة وهو يمشي على الأرض! روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة -ورؤيا الأنبياء حق- فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لـ عمر، فأردت أن أدخله فذكرت غيرته فوليت مدبراً). وهذا أدب جم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يراعي غيرة أصحابه، وهو سيد عمر بل إن عمر لن يدخل الجنة إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نجى الله عمر إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن تأدباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل القصر الذي في الجنة لما علم من غيرة عمر، فلما قص ذلك على عمر بكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!! صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عن عمر بن الخطاب، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يجري من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم). وهذه شهادة من نبينا صلى الله عليه وسلم على أن عمر بن الخطاب سيد العلماء، وهو أفقه الصحابة بعد نبينا وبعد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه. وهنا فائدتان: الفائدة الأولى: أن شرب اللبن في المنام يؤول بالعلم. الفائدة الثانية: أن شرب عمر من اللبن كان من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنه استقى العلم كله من منبعه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه أيضاً فيها بشارة للذين يتبعون السنن أن العلم لا يكون إلا بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والقصة طويلة جداً وهي تبين لنا شجاعة عمر وعز المسلمين بإسلام عمر فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له الرسول: الآن يا عمر! قال: الآن يا رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! فقال: يا رسول الله ألست على الحق؟ قال: بلى. قال: ولم الكتمان ولم السكوت؟ فخرج فصف حمزة وبعض الصحابة صفاً ثم صف عمر بن الخطاب صفاً آخر، وعلى رأس الصف الأول أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الفاجعة الكبرى التي سقطت كالزلزال على قريش وهي إسلام عمر مع حمزة فـ حمزة أسد الله وأسد رسوله على رأس صف، وعمر بن الخطاب كذلك، وصعدوا في شرفات مكة يعلنون بكلام الله وبكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً في البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في المنام أني أنزع بدلو فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً) يعني: وما ترك شيئاً في البئر (فلم أر عبقرياً يفري فريه) يعني حكيم كان يدقق النظر ويخطط تخطيطاً سديداً. ولذلك ابن القيم يقول: انظروا إلى قلب متشعب برضا الله وبعبادة الله، كان في الصلاة يخطط للمعركة، ومن الممكن للإنسان أن يخطط في صلاته؛ لأنه يرضي الله ويرضي رسوله، فالأمر كله منساق للصلاة؛ لأن الصلاة أصالة عبادة لله، وفتح المسلمين للأراضي أيضاً عبادة لله وهي مرتبطة بهذه العبادة. قال: (حتى روي الناس وضربوا بعطن)، وهذه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يبشر بأن خلافة أبي بكر كانت قليلة، وأما خلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه فهي طويلة الأمد، فقد اتسعت الخلافة في يد عمر بن الخطاب.

ذكر فضله في العلم

ذكر فضله في العلم

هيبة عمر وشدته في الحق

هيبة عمر وشدته في الحق في الحديث المتفق عليه عن سعد بن أبي وقاص قال: (استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر ورسول الله يضحك)، هذا قبل أن ينزل الحجاب حتى لا يتخيل متخيل أنهن جلسن مع رسول الله كاشفات عن وجوههن ثم لما دخل عمر احتجبن خوفاً من شدة عمر رضي الله عنه وأرضاه. قال: (فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله!)، فالسنة أنك إذا رأيت أخاك يضحك أن تقول له: أضحك الله سنك. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللائي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فقال عمر: فأنت كنت أحق أن يهبن يا رسول الله! ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ). فالنبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الشدة واللين. والشدة توضع في مكانها واللين يوضع في مكانه قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فقلن: (نعم، أنت أفظ وأغلظ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده! ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر فظاظة عمر وغلظة عمر فقال: (ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر) ويستنبط من هذا الحديث عدة فوائد: أولها أدب الصحابة مع رسول الله، وهذا مستنبط من قول عمر: كنت أنت أحق أن يهبنك. ومنها الأصل الرفق بالنساء؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (رفقاً بالقوارير) وكان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وأيضاً (دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد طلق نساءه فوجده نائماً على الحصير وقد أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى عمر، فقال رسول الله: ما يبكيك يا عمر؟ قال: هذا كسرى وقيصر ينامون على الحرير وأنت رسول الله- أي: أنت خير الخلق أجمعين- تنام على الحصير؟! فقال: يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا وتكون لنا الآخرة؟ فرضي عمر ثم قال: أردت أن أضحك رسول الله فقال: أرأيت يا رسول الله! كنا معاشر المهاجرين نشتد على نسائنا أي: الكلمة لنا ليست للنساء، فلما جئنا إلى المدينة فرأين أن نساء الأنصار يشددن على الرجال، أي: نساء الأنصار كلمتهن مسموعة، قال الراوي: فتبسم رسول الله لقول عمر). ويستنبط العلماء من تبسم رسول الله أنه أقر نساء الأنصار بما يفعلن وأقر رجال الأنصار بما يفعلوا، وهذا صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من أجل عقد انفرط على عائشة جلس بالناس وليسوا على ماء؛ كل ذلك من أجل عقد لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها. وقد وردت قصة لطيفة جداً في رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، فـ عائشة لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم كان سنها تسع سنين، فكانت ما حملت اللحم، فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه فسافرت معه، فقال للقوم: (تقدموا)، فتقدموا، (فقال لـ عائشة: تسابقيني؟) اللهم! ارزقنا ذلك اللين (فسابقها وسابقته فسبقته)، فمضت مدة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم السفر فأقرع بين نسائه فقدر الله أن تخرج عائشة لكنها كانت قد حملت اللحم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للقوم: تقدموا (وقال: يا عائشة! تسابقيني؟ فسبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه بتلك) واحدة بواحدة. الغرض المقصود: يستنبط من هذا الحديث رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، ولذلك كن لا يهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تستحي المرأة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسأله في أدق الأشياء وتقول: (يا رسول! الله إذا المرأة احتلمت ما عليها؟ فيقول: عليها الغسل إن هي رأت الماء). وفي هذا الحديث إقرار ومدح من رسول الله لمكانة عمر ولشدته، ولذلك كان عمر أشد الأمة في الحق، ولذلك قال: (إيه يا عمر! ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً) وهذه ممدحة لقوة عمر في الحق والله يحب القوة في الحق قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:3 - 4] فالقوة في الحق ممدوحة عند الله جل في علاه.

عمر محدث الأمة

عمر محدث الأمة قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر) محدثون أي: ملهمون، الملك ينطق على لسانه بالحق. وهذا واقع نعرفه عن عمر بن الخطاب، فقد نطق الملك على لسانه في أكثر من واقعة، فوافق فيها عمر الحق. فالرسول صلى الله عليه وسلم مال إلى قول أبي بكر في افتداء الأسارى، وعمر بن الخطاب قال له: لا يا رسول الله! والله! لابد أن تعطيني فلاناً -قريبه- فأضرب عنقه، وتعطي فلاناً -قريبه- أبا بكر فيضرب عنقه، وتعطي علي بن أبي طالب عقيلاً فيضرب عنقه، فيعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة لمن لا يؤمن بالله ورسوله، فمال النبي صلى الله عليه وسلم لقول أبي بكر فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال:67]. وأيضاً في مسألة الحجاب لما قال: إنه يدخل عليهن مريض القلب وغيره، وقد وافق ربه. أيضاً في الصلاة على المنافقين عندما اعترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: منعك الله من ذلك، فقال: (اتركني يا عمر! فإن الله خيرني {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80] فقال: والله! لو علمت أن الله سيغفر لهم بأكثر من سبعين لاستغفرت لهم)، فأنزل الله الآية موافقاً لـ عمر {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] فوافق الله جل في علاه في أكثر من موضع. وجاء في البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: أولته الدين). إذاً رؤيت لـ عمر رؤيتان: الرؤية الأولى: أنه كان يشرب اللبن، وهذه دلالة على العلم، والرؤية الثانية: قميص يجره، وهذه دلالة على قوة الدين. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف منكراً ونكير قال: (يا عمر! ماذا تفعل معهما؟)، ومنكر ونكير هما صاحبا سؤال القبر (فقال: يا رسول الله! أهما خلق من خلق الله؟ قال: هما خلق من خلق الله؟ فقال عمر: والله! لأسألهما كما يسألاني: من ربكما؟ وماذا تقولون في الرجل الذي بعث فينا؟) أو كما جاء في الأثر. فانظروا إلى القوة في الحق! ونسأل الله جل وعلا أن يقوينا ويجعلنا في قوة عمر في الحق، أذلاء على المؤمنين، نعمل لرضا الله جل في علاه، ويجمع بيننا وبينه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

فضائل عمر بن الخطاب [2]

فضائل الصحابة - فضائل عمر بن الخطاب [2] عمر الفاروق هو قدوة كل خليفة يريد رضى ربه، وهو أسوة كل مؤمن في زهده وورعه وخوفه وعدله، فينبغي الحرص على قراءة ترجمته وأخذ ما في حياته من الحكم والدروس والعظات.

عدل عمر في رعيته

عدل عمر في رعيته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد. ما زلنا مع سيرة الوزير الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إيه يا عمر! ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير الفج الذي سلكته) والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان في هذه الأمة محدثون -أو ملهمون- لكان عمر) رضي الله عنه وأرضاه، الذي وافق ربه في أكثر من حالة. روى أشهب عن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مر بطريق مكة فأبصر راعياً يرعى بمكان جدب فناداه، فقال: قد رأيت مكاناً هو أخصب من مكانك فالحق به، ثم قال على إثر ذلك: كل راعٍ مسئول عن رعيته. هذه دلالة على عدل عمر وقوة عمر في الحق، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الذي أتعبته هذه الخلافة، ينظر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه عندما كان على فراش الموت ويقول: خذوا ثوبي هذا فضعوه في بيت مال المسلمين، ثم ائتوني بثوب خلق -يعني بال- أكفن فيه، فقال عمر بعدما بكى: قد أتعبت من بعدك يا أبا بكر! وكان عمر رضي الله عنه أعدل ما يكون في رعيته؛ حتى إن رسول الروم جاء يسأل عن أمير المؤمنين فقال: أين قصر أمير المؤمنين؟ قالوا: هناك، وكان عمر بن الخطاب ينام تحت الشجرة. قال: أسأل عن أمير المؤمنين لا على آحاد الرعية. قالوا: هو هناك. فذهب إليه فوجده يتوسد نعله فقال: هذا هو أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم، فقال الكلمة المشهورة: يا عمر حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر. فانظروا إلى عدل عمر، وانظروا إلى النصيحة التي أسداها أمير المؤمنين لرعيته. قال ابن القاسم عن مالك قال: دعا عمر بن الخطاب رجلاً يستعمله، فجاء ابن لـ عمر، فأخذ عمر يقبله، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين أتقبله؟ قال: نعم، فقال: إن لي أولاداً ما قبلت منهم أحداً قط، فقال له عمر: أنت لا ترحم ولدك فأنت للناس أقل رحمة، فأبى أن يستعمله! انظروا إلى دقة النظر لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فقد استنبط من عدم تقبيل الرجل لأولاده أنه لا يرحم الأولاد وهم أقرب والقاعدة تقول: الأقربون أولى بالمعروف، فإذا كان الأقربون لا ينالون المعروف منه فإن الأبعدين لا يمكن أن يأخذوا منه معروفاً، فلم يستعمله عمر رضي الله عنه، وهذا هو الفقه. وأيضاً روى ابن القاسم عن مالك قال: مر عمر بن الخطاب على منزل طويل البناء، فلما رآه طويل البناء جلس في ظله حتى جاء صاحبه، فقال له: ما حملك على أن أقمت هذا البنيان؟ فقال: يا أمير المؤمنين! ما أطلته أشراً ولا رياء، غير أني كنت ببلد يطيلون البنيان فاتخذت مثلهم، فقال: أظن الأمر على ما قلت، ولكن أقصره حتى ترده مثل بنيان الناس، فلا يتأسى بك أحد.

زهد وورع عمر بن الخطاب

زهد وورع عمر بن الخطاب روي عنه أنه احتبس عن الناس يوم الجمعة فخرج يعتذر إليهم ويقول: إنما احتبست؛ لأني غسلت ثوبي -يعني قميصه- فهذا هو الزهد العالي لـ عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ما عنده إلا ثوب واحد فقط! ولذلك جعل الله جل وعلا خلافته فتحاً، وفتح الدنيا بأسرها في مدة وجيزة من عمر الزمن، وملكوا ملك كسرى وقيصر؛ لأنهم باعوا الدنيا بحق لله جل في علاه. هذا وخزانة الدنيا بأسرها في يده وليس معه إلا ثوب واحد يغسله حتى يذهب يصلي! سبحان الله! والله لن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به الأولون، وقال أنس: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وقد رقع بين كتفيه بثلاث رقاع قد لبد بعضها فوق بعض. ويروى عنه رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يقول: لا تأكلوا الدقيق فإنه طعام الكل، أي: أنه لا يستطيب النقي منه، بل كان يأكل الخل والزيت ويقول لبطنه: قرقري كيفما شئت، والله! ما لك إلا هذا الطعام رضي الله عنه وأرضاه. وورد أنه شرد بعير من بعير الصدقة فتبعه وعثمان بن عفان يستظل في بيته، وعمر يتبعه في حر الرمضاء فيقول: من هذا المجنون الذي يمشي في وسط حر الرمضاء؟ فإذا هو أمير المؤمنين فنادى: يا أمير المؤمنين! ما الذي تفعله في هذا الحر الشديد؟ فقال: بعير من بعير الصدقة قد شرد، قال: مر أحد عمالك أن يرده عليك، فقال: أو عمالي يجيبون عني أمام ربي؟ فاستجمع ثيابه وأخذ يسرع خلف البعير حتى رده إلى مكان الصدقة، فرحم الله عمر بن الخطاب. قال طاوس: أجدب الناس على عهد عمر فما أكل سميناً حتى أكل الناس، أي: ما أكل لحماً حتى أكل الناس، ويرى نفسه أحد الرعية يخشى أن يتقدم عليها حتى في الطعام. وكان عمر يدني يده من النار ويقول: (يا ابن الخطاب! ألك صبر على هذا؟). وهذه القصص لابد من النظر في أسانيدها، فالأصل عند المحدثين التساهل في أسانيد التراجم، والذهبي في سير أعلام النبلاء ينقل كثيراً من كرامات الإمام أحمد وكثير من أسانيدها فيها متكلم فيهم بل فيها هلكى ووضاعون. ويروى عنه أنه لما قدم الشام لقيه الجنود وعليه إزار وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطيه، فقالوا: له يا أمير المؤمنين! الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال. فقال: إنا قوم قد أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. هذه كلمات تكتب بماء الذهب وأبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة هو الذي استدرك على عمر بن الخطاب عندما وجد المخاضة وأراد أن يعبر عمر هذه المخاضة، فخلع نعله ثم مر على المخاضة، فقال: ما لي أراك يا أمير المؤمنين تسير بهذه الهيئة؟! ما أحب أن يراك البطارقة بهذا النظر، فقال: لو غيرك قالها! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، ولو ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، كلامه نبراس لكل مؤمن تقي يريد العزة والرفعة لهذه الأمة، قال الله تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139]. اللهم أعزنا بدينك وبطاعتك يا رب العالمين. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: رأيت عمر بن الخطاب يعدو على قدمه فقلت: يا أمير المؤمنين! إلى أين؟ فقال: ند بعير من الصدقة فأنا أطلبه. فقال: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أمير المؤمنين، وحق له أن يقول ذلك، فقال: لا تلمني يا أبا الحسن فوالذي بعث محمداً بالنبوة لو أن سخلة ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة، ألا إنه لا حرمة لوال ضيع المسلمين. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (ما من راع استرعاه الله على رعية فمات يوم مات وهو غاش لها لم يرح رائحة الجنة). قال عمر بن الخطاب لـ معاوية بعد أن سأله عن سبب قلة نومه: إن نمت بالنهار ضيعت الرعية، وإن نمت بالليل ضيعت نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟! وقد أخذ عمر بنصيحة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه عندما قال له وهو على فراش الموت: يا عمر! إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، فأخذ بالنصيحة وعلم أن الليل بينه وبين ربه وأما النهار فهو للرعية. نقل المؤرخون عن بعض الصحابة قالوا: كنا نرى خطين أسودين على خدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه من البكاء. وروي عنه أنه طاف ليلة فإذا هو بامرأة في جوف دارها حولها صبية يبكون وهي توقد تحت قدر لها، فأتى من الباب وقال: يا أمة الله! ما بكاء هؤلاء الصبية؟ فقالت: من الجوع. فقال: ما في هذا القدر؟ قالت: جعلت فيه ماء أوهمهم أن فيه شيئاً وأعللهم حتى يناموا، فذهب عمر إلى بيت مال المسلمين فأخذ غرارة وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم! احمل علي. قال أسلم: يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك، فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله؛ لأني أنا المسئول عنه في الآخرة، قال: فحمله على صلبه حتى أتى منزل المرأة فأخذ القدر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه وينفخ تحت القدر. قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة فلقد رأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا، ثم قال: يا أسلم! هل تدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين قال: كنت قد رأيتهم يبكون فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي! عليك رضوان الله يا أمير المؤمنين! قد أتعب حقاً من بعده ولم يصل أحد إلى ما وصل إليه. كفانا فخراً بـ عمر بن الخطاب وهو على فراش الموت بعدما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي -عليه من الله سحائب اللعان تنزل تترى- بعدما شرب اللبن فخرج من الفتحة التي طعن فيها، فدخل عليه شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين! كنت كذا وكنت كذا وكنت كذا وبعدما بشره لم يستح أن ينكر عليه المنكر الذي وقع فيه، نظر إليه فوجد ثوبه مسترخياً أي: كان مسبلاً، فقال له: يا بني! ارفع ثوبك، فإنه اتقى لربك وأنقى لثوبك. انظروا كيف عمر بن الخطاب يعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان في يد أحدكم فسيلة) فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذا كان يبشره بالجنة وبفضائل أعماله، وما حمله ذلك على الاستحياء منه، وهذه فيها دلالة قوية قاطعة على تحريم إسبال الثياب.

وفاة عمر

وفاة عمر أختم بموت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، يروى أنه لما حضرت وفاته قال لابنه عبد الله ورأسه في حجره: ضع خدي في الأرض، فقال: يا أبتاه: إن خدك من الأرض لقريب، فهو على فخذ ابن عمر فقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، فوضع خده بالأرض، ثم قال: ويل لـ عمر، ويل لـ عمر، وفي رواية أخرى قال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي، وقال: ويل لـ عمر إن لم يغفر الله له ثلاث مرات، فقام رجل من القوم فقال: تقدم -والله- يا أمير المؤمنين على ما يسرك وتقر به عينك، فقال: وما يدريك ويحك، فقال ابن عباس: وما لك لا تدري وقد عشت حميداً، وذهبت فقيداً أي: شهيداً، وعملت بالحق؟! فقال عمر للقوم: أتعرفون ما قال ابن عباس؟ قالوا: نعم، قال: لو احتجت إلى شهادتكم عند ربي أكنتم تشهدون لي بما قال؟ قالوا: اللهم نعم، فرفع ثم قال: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! ثم قال: يا عبد الله! ائت عائشة وقل لها: إن عمر يقرئك السلام، ويقول لك: إنا قد نهينا أن ندخل بيوتكن إلا بإذن، أفتأذني لي أن أدفن في بيتك مع صاحبي؟ فقال عبد الله: فأتيتها فقلت لها ذلك فبكت حتى علا بكاؤها، ثم قالت: نعم والله! ما كنت أعددته إلا لي ولأوثرنه به على نفسي. قال: فأتيته وأخبرته. فقال: يا بني! إني أرى المرأة أذنت لنا وهي ترى أني حي، فإذا مت فاغسلني وكفني فإذا حملتني فتقدم السرير ثم قل لها: هذا عمر يستأذن على الباب فإن أذنت لي فادفني مع صاحبيَّ، وإن أبت فأخرجني إلى البقيع. وختاماً نقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الوزير الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه ورأى أبا بكر: (هذان سيدا كهول أهل الجنة) رضي الله عنهما. قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت خلافته رحمة. ويروى أن رجلاً قال لـ عمر جزاك الله عن الإسلام خيراً. قال: بل جزى الله عني الإسلام خيراً. انظروا إلى من يرى نعائم الله ويضعها في موضعها، والله لو بقينا ليل نهار نلهج بذكر الله وبحمد الله على نعمة الإسلام ما وفينا هذه النعمة. قال بعضهم: قلت لـ ابن عباس: صف لي عمر بن الخطاب فقال: كان عمر كالطير الحذر، قد علم أنه قد نصب له في كل وجه شرك، كان يعمل لكل يوم بما فيه؛ لأن الشيطان لا يتركه، فالشيطان في كل مرصد يقعد له، وكان يعمل لكل يوم بما فيه كأنه في حلبة السباق رضي الله عنه.

فضائل عثمان بن عفان

فضائل الصحابة - فضائل عثمان بن عفان لقد اختار الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه أفضل الخلق بعد الأنبياء، فقد كانوا مثالاً أعلى يحتذى به في جميع أمورهم، في أمور الدين والدنيا، ولهم فضائل جمة لم تجتمع لغيرهم كما اجتمعت لهم، ومن هؤلاء الصحابة ذو النورين عثمان بن عفان الحيي الجواد الشهيد رضوان الله تعالى عليه.

الأحاديث الواردة في فضل عثمان رضي الله عنه

الأحاديث الواردة في فضل عثمان رضي الله عنه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع الشموع المضيئة مع الأقمار المستنيرة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين ملكهم الله رقاب الدنيا بأسرها في مدة وجيزة من عمر الزمن، والذين اختارهم الله على علم عنده، والذين نظر في قلوبهم فوجدهم أبر الناس قلوباً، وأعمق الناس علماً، وأفضل الناس خلقاً. نحن اليوم مع ذي النورين مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً، فأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا هو أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا هو عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه) رواه البخاري ومسلم. وفي المسند: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار لـ عثمان بن عفان في خلوة بينه وبينه فخرج متغيراً) كأن هذا التغير أن النبي صلى الله عليه وسلم بين له ماذا سيحدث له، وفسر له هذه المصيبة والبلوى التي ستقع عليه، وهو التآمر عليه من أجل قتله، ولذلك نصح هذه النصيحة: (إذا ألبسك الله ثوباً فلا تخلع عنك هذا الثوب). وروى قتادة أن أنساً حدثهم قال: (صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف، فقال: اسكن أحد! فإنه ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدين) وكأن هذه الشهادة الصريحة من النبي صلى الله عليه وسلم أن قتل عثمان شهادة، فالنبي هو محمد صلى الله عليه وسلم، والصديق هو أبو بكر الصديق، والشهيدان: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين. وعن نافع عن عبد الله بن عمر قال: (كنا في زمن النبي لا نعدل بـ أبي بكر أحداً، ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم). وعثمان بن عفان هو ذو النورين؛ وسمي بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه من ابنتيه، بل ورد في بعض الآثار أنه قال: (لو كان هناك ثالثة لزوجتك إياها) وذلك لفضل عثمان ولكرم عثمان، ولحياء عثمان. وكفى بإيمان عثمان أنه ملئ حياء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الحياء لا يأتي إلا بخير)، وقال: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، فحياء عثمان يضرب به المثل، كما في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس وكان قد كشف فخذه، فدخل أبو بكر يستأذن فأذن له، ثم استأذن عمر فأذن له فدخل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتحرك من مكانه ولم يغط فخذه، ثم دخل عثمان فغطى النبي صلى الله عليه وسلم فخذيه، فلما خرجوا جميعاً قالت عائشة: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن أبا بكر قد استأذن فدخل ثم عمر استأذن فدخل ولم تغط فخذك، فلما دخل عثمان غطيت فخذك! فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟!). قال بعض المؤرخين: كان عثمان بن عفان إذا أراد أن يغتسل أظلم مكانه، يعني: عمل على إظلام مكانه حتى لا ينظر إلى عورته حياء منه رضي الله عنه وأرضاه.

محنة عثمان وصبره

محنة عثمان وصبره قام المرجفون والمبغضون الذين يتربصون بـ عثمان رضي الله عنه وأرضاه الدوائر من أهل مصر وغيرهم يتلمسون السقطات على عثمان، وما أخذ عليه شيء، بل هي في أنظارهم، فقد أجلاها لنا ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، فعن عثمان بن موهب قال: (جاء رجل من أهل مصر وحج البيت فرأى قوماً جلوساً، فقال: من القوم؟ فقالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر، قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فأجبني، قال: هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، فقال: الرجل: الله أكبر!) فكأنه يقول: هذه سقطات من الكبائر، فإن الفرار يوم الزحف من الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها: التولي يوم الزحف)، وذكر أيضاً أنه لم يشهد بدراً، وخير الناس هم أهل بدر، والدليل على ذلك حديث قصة بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى مكة برسالة يقول فيها: إن النبي صلى الله عليه وسلم يجند الجنود لكم، فلما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ووصلت الورقة إليه، قال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، ولذلك العلماء قالوا: إن العشرة المبشرين بالجنة هم أفضل الصحابة ثم البدريين، ثم بعد ذلك أهل بيعة الرضوان، فهو يقول: إنه ليس من أهل بدر، وإنه فر يوم الزحف، وإنه ليس من أصحاب بيعة الرضوان، ولذلك قال له ابن عمر: تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله قد عفا عنه وغفر له، وهذا لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:155]، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه)، وهذا يستنبط منه حكم فقهي، وهذا الحكم وقع فيه اختلاف بين الفقهاء، ألا وهو: هل تمريض الزوجة واجب على الزوج أم لا؟ بمعنى: لو مرضت الزوجة فهل يجب على الزوج أن يذهب بها إلى الطبيب وينفق عليها أم لا؟ فالجمهور على أنه لا يجب، وهذا يجعلكم تستغربون منه جداً، لكن الجمهور الذين قالوا: إنه لا يجب على الزوج أن يمرضها قالوا: إن على الزوج أن يسكنها من حيث يسكن، ويطعمها من حيث يطعم، والغرض المقصود أن جمهور الفقهاء قالوا: لا يجب عليه التمريض، لكن هذه الرواية تثبت قوة من قال بوجوب تمريض الزوجة؛ لأنه تغيب عن واجب، بل هو من أوجب الواجبات، لكن ممكن يشكل علينا ويشوش علينا أن معركة بدر لم يكن القصد من الخروج إليها القتال، وإنما خرجوا للعير، فممكن نقول: لا يجب، وأنس بن النضر تخلف عنها، وكثير من الصحابة تخلفوا عنها، فهذا يدل أنه لا يجب عليهم الخروج، لكن ممكن نقول: إنه تركها من أجل ما هو أوجب، وإن كانت هذه الأدلة تحتمل النظر، لكنها دليل لمن يقول بوجوب تمريض الزوجة. ثم قال: وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى وضرب بها على يده، فقال: (هذه عن عثمان) يعني: جعل اليمنى لـ عثمان وبايع باليسرى، فهذا يدل على أفضلية عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يده اليمنى كيد عثمان، وفيه دلالة على أنه رضي الله عنه قد بايع بيعة الرضوان، ولا يصح أن يقال: إنه ليس من أهل بيعة الرضوان، بل هو من أهل بيعة الرضوان، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وهذه القصة مشهورة، وهو أنه طلب من عمر أن يذهب وافداً إلى قريش، فقال: لا أحد يحميني منهم، ولي عندهم ما عندهم، فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه. قال بعض العلماء: يقال: إنه لم يتزوج أحد قط ببنتي نبي غير عثمان بن عفان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه ابنتيه رقية وأم كلثوم، ولذلك سمي ذا النورين رضي الله عنه وأرضاه.

خلافة عثمان وفضله

خلافة عثمان وفضله وعثمان بن عفان له فضائل كثيرة، فهو من السابقين في الإسلام، وهو الذي أنفق ماله كله أو جله في سبيل الله، فخاب وخسر من قال: إنه كان يأخذ من بيت مال المسلمين، يعني: الذين يقولون بالحرب الدائرة على عثمان أن من المآخذ عليه أنه كان يأخذ من بيت مال المسلمين، وينفق على نفسه وينفق على ذويه، وحتى عثمان نفسه قال: أفيكم طلحة؟ أفيكم علي؟ واستشهدهما على أنه كان أغنى المسلمين مالاً، وأنفق جل ماله في سبيل الله، وكفى عثمان فضلاً أن عبد الرحمن بن عوف عندما مات عمر بن الخطاب وكتب في الوصية أن الخلافة تكون في رجل من الستة أصحاب الشورى، فلما اجتمعوا نزل كل رجلين لواحد من هؤلاء، فصارت ثلاثة أسهم لـ علي وثلاثة أسهم لـ عثمان فذهب عبد الرحمن بن عوف فقال لـ علي لو لم تأخذ أنت الولاية من يكون أحق بها غيرك؟ قال: عثمان، وقال لـ عثمان: لو لم تتول إمرة المسلمين من أحق بها غيرك من الموجودين، فقال: علي بن أبي طالب، فانظروا إلى الإنصاف، وانظروا إلى إحقاق الحق ولو على النفس، مع أن كل واحد منهما قام ليصلي على عمر، فقام علي يتقدم ليصلي إماماً على عمر وقام عثمان يتقدم ليصلي على عمر فـ عبد الرحمن بن عوف قال: لا، أنتما في محل اختيار الولاية، فمن تقدم للصلاة منكما فقد تقدم للولاية، وحجبهما عن الصلاة على عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومع ذلك علي يقول: عثمان، وعثمان يقول: علي، لكن ظهر فضل عثمان؛ ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية تكلم ببصر نافذ فقال: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، فهم أفضل الناس على الإطلاق، فقال عبد الرحمن بن عوف: والله ما دخلت بيتاً من بيوت الأنصار ولا المهاجرين ولا جلست مع جماعة منهم إلا ما عدلوا عن عثمان بأحد، أي: ما فضلوا أحداً على عثمان، قال: حتى النساء في خدورهن ما اخترن إلا عثمان بن عفان؛ ولذلك أجمع المتأخرون على فضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم.

شهادته رضي الله عنه

شهادته رضي الله عنه كان مشهد قتل عثمان مشهداً مزرياً جداً ومشهداً مروعاً، حبس عنه الماء وهو الذي أروى المسلمين حينما عز الماء، انظروا لعل الله جل وعلا أراد أن يوفيه جزاءه جزاءً موفوراً يوم القيامة؛ لأنه لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ما كان هناك سقيا الماء إلا من بئر رومة، وقد تحكم فيها اليهودي الملعون، فـ عثمان بن عفان ذهب يساوم الرجل وأعطاه وكساه من المال وكان خبيثاً ماكراً فقال: لا أعطيك بئر رومة كلها، لكن هي لك في يوم ولي في يوم، فكان في يومه يحجب الماء عن المسلمين، فجاء عثمان في يومه فتركها سبيلاً للمسلمين، فكانوا يأخذون يوم عثمان فلم يبق ماء في يوم اليهودي، فعلم اليهودي أنه لا مربح له بعد ذلك، فعرض على عثمان أن يشتري يومه، فاشترى يومه وتركها في سبيل الله، ومع ذلك حاصر هؤلاء الظلمة عثمان ومنعوه الماء حتى مات عطشاً، ولم يكتفوا بذلك بل دخلوا عليه وقتلوه شر قتلة، فرضي الله عنه وأرضاه، وهو من السابقين والعشرة المبشرين بالجنة. نتمنى أن يمتع الله أعيننا بالنظر إلى وجوههم، ويجعلنا معهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى. أقول قولي هذا وأستغفر الله.

فضائل علي بن أبي طالب

فضائل الصحابة - فضائل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه صاحب المناقب والفضائل والسوابق، فهو رابع الخلفاء الراشدين المهديين، ومن العشرة المبشرين بجنات النعيم، وهو من آل البيت الطاهرين، ولم ترد أحاديث في فضل أحد من الصحابة مثلما وردت في فضل أبي الحسن رضي الله عنه.

الأحاديث الصحاح في فضائل علي بن أبي طالب

الأحاديث الصحاح في فضائل علي بن أبي طالب الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع الشموع المضيئة ومع الأقمار المستنيرة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ملكهم الله رقاب الدنيا بأسرها في مدة وجيزة من عمر الزمن، الذين اختارهم الله على علم عنده، الذين نظر في قلوبهم فوجدهم أبر الناس قلوباً، وأعمق الناس علماً، وأفضل الناس خلقاً، نحن اليوم مع فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. قال سهل بن سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: فأرسلوا إليه، فأتي به فلما جاء بصق في عينه فدعا له فبرئ كأن لم يكن به وجع)، وهذه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لفتة بأن الله جل وعلا ما فضل نبياً بشيء إلا وأعطى نصيباً من هذا الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الذي كان يبرئ بالمسح هو عيسى عليه السلام، فالله فضل محمد بنفس صفة من صفات عيسى عليه السلام، أيضاً يوسف أعطي شطر الجمال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال القائل: (كنت أنظر إلى وجه رسول الله وأنظر إلى القمر، فلوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر)، وأيضاً موسى عليه السلام كانت أكبر المعجزات التي حباه الله إياها هي أن يلقي العصا فتتحول حية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ خشبة ثم هزها فتحولت سيفاً حديداً غليظاً جداً، وأيضاً والله جل وعلا كلم موسى وكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وكما رفع الله عيسى إلى السماء الدنيا فإن الله عرج بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة. فقال علي: (يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام)، وهذا واجب على كل مجاهد ألا يقاتل الكافر حتى يدعوه إلى الإسلام، فإن أبى الإسلام يدعوه إلى الجزية وإلا فالقتال، قال: (ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وهذه فيها دلالة على فضل الدعاة وفضل العلماء الذين يهتدي بهم الأمم. والطريف في هذه القصة أن عمر بن الخطاب اشربت عنقه للولاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)، والنبي صلى الله عليه وسلم صح عنه حديث عجيب جداً، وهو قوله: (الخائن عندنا من طلب العمل) يعني: من طلب إمارة أو إمامة أو طلب مسئولية أو طلب ولاية فهذا من أخون الناس، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا له تفسير، إما أنه سيكون من أخون الناس؛ لأنه سيوكل إلى نفسه، وإما أن يكون هناك وحي من الله أن الذي يطلب الإمارة لا يعان عليها فيصبح من أخون الناس؛ لأنه سيضيع هذه الإمارة؛ والأحاديث الأخرى تفسر هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي ذر: (لا تطلبن الإمارة)، وفي الحديث الآخر قال: (من لم يطلبها أو جاءته من غير طلب أعين عليها، ومن طلبها وكل إلى نفسه) فهنا عمر بن الخطاب يقول: أنا ما طلبتها من أجل أنها إمارة، بل طلبتها لأنها شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقر في القلب وهو حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث المتفق عليه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ علي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)، وهذا فضل كبير لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزله بمنزلة هارون من موسى، وهارون كان نبياً، وفي بعض الروايات: (ولكنه لا نبي بعدي)، ولا غرو فإن علي بن أبي طالب هو أول الذين أسلموا لله رب العالمين، لم يشرب خمراً، ولم يعبد صنماً، ولم يفعل فاحشة قط، فهو مسلم منذ الصغر، وقد اختلف العلماء هل أسلم علي قبل الصديق أم الصديق هو الذي أسلم أولاً؟ فجمع بعض العلماء بين القولين وقال: أول الرجال إسلاماً هو أبو بكر، وأول النساء إسلاماً خديجة، وأول الأطفال إسلاماً علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. وقال رجل لـ سهل بن سعد: هذا أمير المدينة يذكر علياً عند المنبر، يعني: يسب علياً في هذه المعضلة التي حدثت بينه وبين معاوية، وخاب وخسر من فعل ذلك، وقد قدح في دينه من يتجرأ على علي بن أبي طالب أو يتجرأ على معاوية أو يتجرأ على أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فكان يقول على المنبر: أبو تراب فضحك سهل فقال: والله ما سماه بذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: كأنه كان يسخر من هذه الكنية، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه بـ أبي تراب، فضحك سهل وقال: والله ما سماه إلا النبي، وما كان له اسم أحب إليه منه، دخل علي على فاطمة رضي الله عنها ثم خرج مغضباً، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وقال: (أين ابن عمك؟) انظروا إلى فقه التعامل! النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على ابنته وهو يعلم أن هناك مغاضبة حصلت بين علي وفاطمة، فيقول لها: (أين ابن عمك؟) يعني: هذا دمك هذا لحمك هذا قريب منك، حتى ولو حدث بينك وبينه شيء فلا يكونن في قلبك منه شيء، فقال: (أين ابن عمك؟ فقالت: في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره والتراب في ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب! اجلس أبا تراب)! وفي البخاري عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب أنه قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون للناس جماعة فأموت كما مات أصحابي، فكان يرى أن عامة ما يروى عن علي كذب. فالرافضة أشاعوا الكذب، قال الشافعي: أكذب أهل الأرض هم الرافضة، وقال: ما رأيت أحداً أكذب من الرافضة، وأشهر الأحاديث التي وضعوها على علي هي: (خلقت أنا وعلي من نور على يمين عرش الرحمن)، وأيضاً: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وغيرها من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل علي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أكثر من جاءت فيه أحاديث في الفضائل من الصحابة هو علي بن أبي طالب، فهو مستغن عن أن يضعوا له الأحاديث.

صفة علي رضي الله عنه

صفة علي رضي الله عنه دخل ضرار بن ضمرة صاحب لواء علي بن أبي طالب على معاوية بن أبي سفيان فقال: يا ضرار! صف لي علي بن أبي طالب، وهذه منها دلالة على أن معاوية رضي الله عنه وأرضاه كان يعرف قدر علي، ويعظم قدر علي، ويوقر ويحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، لا كما يظن الجاهلون، فقال ضرار: تعفيني يا أمير المؤمنين، فقال: لابد من وصفه، فقال: إن كان لابد فقد كان بعيد الندى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا دعوناه، ويعطينا إذا سألناه، ويأتينا إذا أتيناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، يعني لما خاف من ربه خوف الله منه البشر، ولما عظم الله في قلبه عظمه البشر جزاء وفاقاً، ولما وقر ربه جل في علاه أصبح أصحابه يوقرونه جزاء وفاقاً. قال: ولا نبتدؤه لعظمته، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطيع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، وبالله أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى عليه الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل بمحرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ الكليل، ويبكي بكاء الحزين، يقول: يا دنيا إليك عني، غري غيري، لا حاجة لي بك، أبي تعرضت أم إلى تشوفت؟ أإلي أئلي تعرضتي أم إلي تشاورتي؟! هيهات هيهات! قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وخطرك حقير، وزادك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فنسأل الله أن يرحم علياً، ويجعله مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى. فهملت عينا معاوية بالدموع وقال: رحم الله أبا الحسن! فلقد كان كذلك. والله إنه قد كان كذلك وفوق ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدحه مدحة ليس بعدها مدحة، حيث قال: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ولقد أعمل سيفه في سبيل الله، ورفع راية الله، وباع نفسه صدقاً لربه جل في علاه، ففي غزوة بدر هو الذي افتتح القتل والقتال عندما طلب أكفاء المبارزة، فقام علي بن أبي طالب وحمزة أسد الله ورسوله، ثم ابتدأ القتال بعدما قتل علي من قاتله وقتل حمزة من قاتله، وأتيا على الثالث فقتلاه جميعاً.

حسن خاتمة علي رضي الله عنه

حسن خاتمة علي رضي الله عنه علي بن أبي طالب مات شهيداً، وقد ورد في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على أحد فاهتز أحد فضربه برجله وقال: اثبت أحد! ما عليك إلا نبي وصديق وشهيد)، وكان على أحد نبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فكانوا كلهم شهداء. علي بن أبي طالب أبى الله إلا أن يقبضه شهيداً، قتله الفاسق الخارجي الذي خرج على علي وكفره وكفر المسلمين، وكان علي بن أبي طالب قد ساره النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا علي! أتعلم من أشقاها؟ قال علي بن أبي طالب: هو قاتل الناقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشقاها من يجعل الدماء تسيل من هاهنا على هذه اللحية) يعني: أشقاها صاحب ثمود وأيضاً الذي يضرب علياً، والحق كان مع علي حتى إن عائشة رضي الله عنها عندما أخبروها بأن علي بن أبي طالب قتل الرجل الخارجي الذي فيه العلامة التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم بكت وقالت: والله إن الحق كان مع علي، وما بيني وبينه إلا ما بين الأحماء بعضهم وبعض، وابن عمر بن الخطاب كان منهجه اعتزال الفتنة هو وأبو موسى الأشعري وغيرهما، ورجح شيخ الإسلام أن هذا كان هو الأسلم والأحق والأصح، وهذا خطأ بين، بل الأصح والأحق هو القتال مع علي بن أبي طالب؛ لأن الحق كان مع علي، والأدلة على ذلك متوافرة متضافرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية)، والأوضح من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحق مع عمار)، وفي المسند بسند صحيح قال: (ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما) وهذا فاصل في النزاع؛ لأن عماراً ما اختار إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وأيضاً عندما ذكر النبي الخوارج قال: (تقتلهم أولى الفئتين بالحق)، وهذه فيها إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحق مع علي ولذلك ورد أن ابن عمر بكى عند موته وقال: ليتني قاتلت مع علي، إن الحق كان مع علي. والمقصود أن الحق كان مع علي، وعندما تفرق عنه الناس، وخرج عليه الخوارج، قام يوقظ الناس لصلاة الفجر، انظروا إلى أمير المؤمنين ماذا يفعل! كان يمشي في الليل يتعسس ويذهب إلى بيت كل مسلم يوقظه للصلاة، ثم قبض على لحيته وقال: اللهم ابعث أشقاها، اللهم ابعث أشقاها! يعني: صاحب الضربة، فقام الفاسق فضرب علياً رضي الله عنه وأرضاه بالسيف المسموم وقتله رضي الله عنه وأرضاه، وقد كان علي بن أبي طالب نبراساً لكل شجاع، وكان أسداً من أسد الله في ساحة الوغى، فرفع الله به الراية.

الحق مع علي في الفتنة التي وقعت بين الصحابة الكرام

الحق مع علي في الفتنة التي وقعت بين الصحابة الكرام حدث القتال بين علي وبين طلحة والزبير وعائشة في معركة الجمل، سميت بذلك لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت فيها على جمل. هؤلاء الثلاثة خرجوا متأولين يطلبون دم عثمان، وجاء في حديث أن النبي قال لأزواجه: (من منكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟)، فلما نبحت عليها الكلاب قالت: أرجعوني فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وبعض العلماء تكلم في إسناد هذا الحديث، لكن مضى قدر الله، ووقف الصفان، فلما وقف الصفان وقف علي بن أبي طالب ينظر إلى عائشة وإلى طلحة وإلى الزبير وهو لا يريد إراقة دم مسلم واحد في هذه المعركة، وهو الحريص على هذه الأمة، فذهب إلى الزبير بن العوام فقال للزبير: أما تذكر أنني جلست معك في جلسة فمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا زبير! أتحب علياً؟ فقال: وما لي لا أحبه فقال: لتقاتلنه وأنت ظالم له) أو كما قال، فقال الزبير: كأني لم أسمع به إلا الآن، يعني: ما تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم، فانصرف عن القتال، فجاء فاسق من الفساق فقتل الزبير، وكذلك قتل طلحة، ولما اشتد الكرب وحدث القتال الشنيع عند جمل عائشة رضي الله عنها وأرضاها خاف علي على أم المؤمنين، حتى إن بعض الذين يشعلون نار الحرب قام عند الهودج ونزع الستر فقال: ما هي إلا حميراء يعني: ما هي إلا بيضاء، هل هذه عائشة؟! فقالت: هتك الله سترك كما هتكت هذا الستر، فرؤي هذا الرجل مقتولاً عارياً والعياذ بالله. وعندما قتل الجمل وأنزلت عائشة قال لها علي: يا أمي؛ لأنها أم المؤمنين، هل تريدين شيئاً؟ فقالت: لا، فأعطاها ما يكفيها، ثم أمر جنداً ليرجعوها سالمة إلى المدينة، وانفضت هذه الفتنة، وعلم الناس أن الحق مع علي. وفي وقعة الجمل سمع عمار بن ياسر رجلاً من جيش علي من الذين أشعلوا نار الفتنة يسب عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلطمه عمار أو نهره وقال: اسكت والله إنها لزوجة نبينا في الجنة، ولكن الله اختبركم وابتلاكم بها، أتسمعون له أو تسمعون لها، فهي اختبار وفتنة من الله جل في علاه. ولما قتل رجل من جيش معاوية عمار بن ياسر دخل متهللاً فرحاً مسروراً على معاوية فقال: قد قتلت ابن سمية، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: أبشرك بما يسوءك، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل عمار في النار)، وذكر حديث: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية)، فقال معاوية لـ عمرو بن العاص: اذهب عنا بمجنونك هذا، والمقصود أن علي بن أبي طالب كان الحق معه، وما وقع بين علي وبين معاوية وبين علي وبين طلحة، وبين علي وبين عائشة؛ هو مما يكون بين البشر، فنكف ألسنتنا عن هذا الذي حدث بينهم، وكما أن الله برأنا من الدماء التي سالت في تلك المعارك فلنصن ألسنتنا، ونحن نشهد أن الله أنزل عدالة معاوية وعلي وعائشة وطلحة والزبير من فوق سبع سماوات، وما من أحد منهم يذكر إلا وقلنا: رضي الله عنه وأرضاه، ونتمنى أن يمتع الله أعيننا بالنظر إلى وجوههم، ويجعلنا معهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.

فضائل أبي عبيدة بن الجراح

فضائل الصحابة - فضائل أبي عبيدة بن الجراح على المسلم أن يقرأ سير السلف الصالح وخصوصاً سير الصحابة رضي الله عنهم، حتى يعرف ما كانوا عليه من العبادة والصلاح والشهامة والتضحية في سبيل هذا الدين، فيحاول أن يقتدي بهم وأن يسلك منهجهم، فإنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ومن هؤلاء الرجال الأماجد الأبرار الذين يقتدى بهم: أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه.

أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح

أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح

نسب أبي عبيدة بن الجراح

نسب أبي عبيدة بن الجراح الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم الله جل في علاه على البشرية أجمعين وخص نبيه صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الأكارم الأماجد الأفاضل، وقد ذكرنا أن أفضل هذه البشرية بعد الأنبياء هم الصحابة، وأفضل هؤلاء الصحابة هم الخلفاء الراشدون الأربعة ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، وأولهم هو أبو عبيدة بن الجراح، أمين هذه الأمة، واسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري المكي، أحد السابقين الأولين، شهد له الصديق قبل توليه الخلافة، وأشار به في كمال أهليته، فإن أبا بكر قال في السقيفة: وأرضى لكم أحد الرجلين، يقصد بذلك عمر وأبا عبيدة بن الجراح. يجتمع أبو عبيدة في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر.

ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر على أبي عبيدة

ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر على أبي عبيدة شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسماه أمين هذه الأمة، ومناقبه شهيرة كثيرة، روى أحاديث معدودة، وغزا غزوات مشهودة. عن يزيد بن رومان قال: انطلق ابن مظعون وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها إلى الإسلام. شهد أبو عبيدة بدراً فقتل يومئذ أباه، حتى يثبت لله جل وعلا -والله أعلم بذلك- أنه لا هوادة في قلبه للمشركين، بل لا يوجد فيه إلا ولاء لله وبراءة من كل مشرك، وأبلى يوم أحد بلاء حسناً، ونزع يومئذ حلقتين من حلق المغفر دخلتا في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: ما رئي هتم أحسن من هتم أبي عبيدة بن الجراح، مكافأة لما فعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزبير بن بكار: قد انقرض نسل أبي عبيدة وولد إخوته جميعاً، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة. وكان أبو عبيدة بن الجراح -أمين هذه الأمة- معدوداً فيمن جمع القرآن العظيم، قال موسى بن عقبة في مغازيه: في غزوة ذات السلاسل التي حدثت بعد إسلام عمرو بن العاص بأشهر قليلة، فقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش أو على سرية ثم إن عمرو بن العاص طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم المدد؛ لكثرة الأعداء وقلة المسلمين، وهذه الغزوة كانت في مشارف الشام، فانتدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وكثيراً من المهاجرين، فأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أبا عبيدة بن الجراح، فـ أبو عبيدة كان أميراً على أبي بكر وعمر، فلما قدموا على عمرو بن العاص قال: أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح. فقال عمرو بن العاص: إنما أنتم مدد أمددت بكم، فلما رأى ذلك أبو عبيدة تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم له: (تطاوعا ولا تختلفا)، وهو الذي يسمع لرسول الله ويطيع، وكان رجلاً حسن الخلق، لين الشكيمة، متبعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فسلم الإمارة لـ عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، وهذا الذي جعل عمرو بن العاص يظن أن له مكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره من الصحابة، ولذلك لما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا رسول الله! إني سائلك، قال: سل، قال: من أحب الناس إليك؟) وكان يتوقع أن يقول: أنت؛ لأنه أمّره على أبي بكر وعلى عمر وعلى أبي عبيدة بن الجراح، أكارم وأماجد وأفاضل الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (عائشة، فقال: لست عن النساء أسأل، بل عن الرجال أسأل، فقال: أبوها، فقال: ثم من؟ قال: عمر، قال: ثم من؟ قال: عثمان، وفي رواية قال: أبو عبيدة بن الجراح، فسكت عمرو بن العاص). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)، لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في مرض موته: (لو كان أبو عبيدة حياً لوليته عليكم، أو لاستخلفته عليكم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح). وعن عمرو بن العاص قال: (قيل: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قيل: من الرجال؟ قال: أبو بكر. قيل: ثم من؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح). وكان أبو عبيدة رضي الله عنه موصوفاً بحسن الخلق وبالحلم والتواضع، قال عمر لبعض جلسائه: تمنوا، فتمنى كل واحد أمنية - انظر كيف تمنى عمر بن الخطاب ما لم يتمن لنفسه ولا لشخصه، إنما تمنى لله ولنفع هذه الأمة- فقال عمر: لكني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً أمثال أبي عبيدة بن الجراح، فالأمة تفوز وتنتصر بوجود مثل أبي عبيدة بن الجراح. وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قد أمر أبا عبيدة على بيت المال؛ لأمانته، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح). قال ابن المبارك: عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا عبيدة حوصر بالشام ونال منه العدو، فكتب إليه عمر: أما بعد: فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً، وإنه لا يغلب عسر يسرين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران:200]، قال: فكتب إليه أبو عبيدة رضي الله عنه: أما بعد: فإن الله يقول: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد:20] إلى أن قال: {مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]، قال: فخرج عمر بكتابه فقرأه على المنبر فقال: يا أهل المدينة، إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي، أي: أنه يرغب في الجهاد، وكأنه يبين أن هذه الدنيا -التي تمسكتم بها- زائلة، فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً، انفروا أو استحقوا العذاب، فـ عمر بن الخطاب فهم هذا، من هذه الآية: ((إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)) فقال: إما يعرض بي أو يعرض بكم، اخرجوا إلى الجهاد.

تواضع أبي عبيدة وزهده وورعه

تواضع أبي عبيدة وزهده وورعه قال ثابت البناني: عن أنس: قال أبو عبيدة: (يا أيها الناس! إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في مسلاخه). وهذا من تواضعه رضي الله عنه وأرضاه. وعن قتادة قال: قال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كنت كبشاً فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي. هذا ورع قد مات مع الذين ماتوا، حتى إننا الآن لا نسمع به ولا نشم رائحته. وعن طارق: أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون: إنه قد عرضت بي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها، فعجل إلي، فلما قرأ الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، سبحان الله! وذلك لأن عمر كان يحب أبا عبيدة بن الجراح كثيراً جداً، فقد كانت أمانة الأمة كلها مجتمعة في هذا الرجل، فلما علم عمر أن الطاعون بأرض الشام وكان أبو عبيدة هناك، علم أنه قد يهلك، والأمة تحتاج لمثله، فانظروا إلى فقه عمر ثم انظروا إلى ما هو أروع من ذلك وهو فقه أبي عبيدة بن الجراح، فإن عمر بن الخطاب لما خاف على أبي عبيدة قال: إني قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك فيها، يعني: أريدك أن تأتي؛ وذلك حتى ينقذه الله من الطاعون، وهذا كان خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نزل الطاعون بأرض فلا تخرجوا منها ولا تدخلوا إليها). فلما قرأ أبو عبيدة هذا الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، فكتب إلى عمر: إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، يعني: اجعلني في حل من أمرك، فإني في جند من جنود المسلمين، ولم أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة، قال: لا، وكأن قد. قال: فتوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون.

تأمير الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء لأبي عبيدة

تأمير الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء لأبي عبيدة وأمّر النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة غير مرة، منها المرة التي جاع فيها عسكره وكانوا ثلاثمائة، وألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له: العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، يعني: كيف نأكل الميتة؟ ينكر على من يأكل هذا الحوت. لكن يحل لهم أكل هذه الميتة من وجهين: الوجه الأول: أن هذه ميتة بحر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لنا ميتتان: ومنها: السممك)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). الوجه الثاني: أنهم كانوا في حالة ضرورة. وهذه القصة كانت من الكرامات التي منحها الله لـ أبي عبيدة بن الجراح. (فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له: العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة. ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله؛ فكلوا) وذكر الحديث وأصله في الصحيحين. ولما فرغ الصديق من حرب أهل الردة وحرب مسيلمة الكذاب جهز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة، ونصر الله المؤمنين، فجاءت البشرى والصديق في مرض الموت، ثم كانت وقعة السماوة، ووقعة مرج الصفر، وكان أبو بكر قد بعث خالداً لغزو العراق، ثم بعث إليه أن يمد جند الشام، فقطع المفاوز حتى وصل السماوة، فأمره الصديق على الأمراء كلهم، وحاصروا دمشق، وتوفي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد، وهذا الذي أخذ على عمر، فإنه دائماً كان يطلب من أبي بكر أن يعزل خالد بن الوليد، ولكنه عاتب نفسه بعد ذلك، حتى إنه بكى وقال: رحم الله أبا بكر فقد كان أعرف بالرجال مني، فأمر عمر بعزل خالد واستعمل على الكل أبا عبيدة، فوصل الكتاب إلى أبي عبيدة فكتمه مدة، وهذا من دينه وحلمه؛ وذلك حتى لا تنهار معنوية الجند، وحتى لا تكون المسألة خلافاً بينهم على الإمارة، فقد نحى الكتاب جانباً، وجعل الإمارة كما هي حتى انتهت المعركة، فأبلغ خالداً بما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكتم أبو عبيدة هذا الكتاب، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان فتح دمشق على يده، فعند ذلك عقد صلحاً مع الروم، ففتحوا له باب الجابية صلحاً، وإذا بـ خالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح، فعن المغيرة أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم. ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقتل منهم خلق عظيم، وتوفي أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه في الطاعون. نسأل الله جل في علاه أن يجمعنا به في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

فضائل طلحة بن عبيد الله

فضائل الصحابة - فضائل طلحة بن عبيد الله لقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة بن عبيد الله بالجنة، وقد ضحى بنفسه دون رسول الله في مواطن كثيرة، ومن أشهرها حين دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد، فقد جعل نفسه درعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل الكفار وصدهم عنه حتى قطعت أصابعه من جراء ذلك، وله فضائل كثيرة، فرضي الله عن طلحة بن عبيد الله وأرضاه.

سيرة طلحة بن عبيد الله وفضائله

سيرة طلحة بن عبيد الله وفضائله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع هذه الشموس المشرقة، مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن اليوم مع موعد مع طلحة الخير، طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه، فهو قرشي مكي، وكنيته أبو محمد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من السابقين إلى الإسلام، أوذي في الله، ثم هاجر، وغاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام، وتألم لغيبته، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وهذا مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أقواماً بالمدينة ما سلكتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: وهم في المدينة، حبسهم العذر)، إذ إن كل إنسان يعامل بنيته، فمن كانت نيته حسنة عامله الله بهذه النية، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

دفاعه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد

دفاعه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد روى الترمذي بإسناد حسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: أوجب طلحة)، وهذا الحديث عندما كان معه عشرة من الأنصار ويقول لكل واحد منهم: (من يدفع عني القوم وهو رفيقي في الجنة؟ فيقوم طلحة ويقول له: امكث، حتى قتل العشرة عن بكرة أبيهم، فقام طلحة ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقاتل فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويقول: نحري دون نحرك يا رسول الله، لا ترفع رأسك حتى لا يأتيك سهم من سهام القوم، ثم دافع عن رسول الله حتى شلت يده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دونكم صاحبكم فقد أوجب، قال بعضهم: قد رأيت أصابع طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد شلاء). وعن جابر قال: (لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلاً، منهم طلحة، فأدركهم المشركون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من للقوم؟ قال طلحة: أنا، فقال: كما أنت، فقال: رجل أنا، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: من لهم؟ قال: طلحة: أنا، فقال: كما أنت، قال رجل من الأنصار: أنا، قال: أنت، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير، فقال: من للقوم؟ قال: طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر، حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: باسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، ثم رد الله المشركين بغيظهم). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)، وهذا يصدق على كل من وقف في هذا الموقف؛ لأنه قال: (أو شهيد) و (شهيد) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.

ورعه وجوده وزهده رضي الله عنه

ورعه وجوده وزهده رضي الله عنه عن طلحة بن يحيى قال: حدثتني جدتي قالت: دخلت على طلحة يوماً وهو خافت، يعني: كان كسلاً غير نشيط- فقلت: ما لك، لعلك راعك من أهلك شيء؟ قال: لا والله، ونعم حليلة المسلم أنت، ولكن عندي مال قد غمني، فقلت: ما يغمك؟ عليك بقومك، قال: يا فلان! ادع لي قومي فقسمه فيهم، فسألت الخادم: كم أعطى؟ قال: أربعمائة ألف. وهذه كلها أنفقها في سبيل الله، كانوا زاهدين في الدنيا بعدما فتحها الله عليهم، فباعوها صدقاً لله جل وعلا، وهذا الذي رفعهم أمام الأمم.

موقفه من قتلة عثمان واستشهاده رضي الله عنه

موقفه من قتلة عثمان واستشهاده رضي الله عنه عن علقمة بن وقاص الليثي قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان عرضوا من معهم بذات عرق، فاستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما، قال: ورأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها، وهو قابض بلحيته، فقلت: يا أبا محمد إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها، إن كنت تكره هذا الأمر فدعه فلا تخرج، فقال: يا علقمة لا تلمني، كنا بالأمس يداً واحدة على من سوانا -يقصد بذلك أيام رسول الله، وأيام أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين- فأصبحنا اليوم جبلين من حديد يزحف أحدنا إلى الآخر، ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان يعني: كان مجتهداً متأولاً، فلابد من دم عثمان قبل البيعة لـ علي، وهذا خطأ، فالصحيح أن يلتف الناس حول أميرهم أولاً ثم يطالب الأمير بالدم، لكنهم اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر واحد، أما علي بن أبي طالب فاجتهد فأصاب فله أجران، قال: ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي في طلب دمه. والذي كان منه في حق عثمان أنه شاهد مصرع عثمان فندم على ترك نصرته رضي الله عنهما، وقد كان طلحة أول من بايع علياً، أرغمه على ذلك قتلة عثمان وأحضروه حتى بايع، وأيضاً الزبير، ولكن طلحة والزبير بعدما أجابا أمير المؤمنين وبايعاه علما أن الخروج عن الأمير يحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من بويع له فقام أحد عليه فهو باغ لابد أن يقاتل، قال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9]، لكن كان عذر طلحة والزبير أنهما بايعا مكرهين ولم يبايعا على الرضا. عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت مروان بن الحكم حينما رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته، فما زال الدم يسيح حتى مات. قلت: قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علي، ولذلك علي بن أبي طالب ذهب إلى طلحة وأزال عن وجهه التراب وبكى ويقول: لقد أعز علي أبا محمد أن أراك في هذا الموقف.

مكانته رضي الله عنه عند الصحابة وخوفه من ربه

مكانته رضي الله عنه عند الصحابة وخوفه من ربه عن جابر أنه سمع عمر يقول لـ طلحة: ما لي أراك شعثاً مغبراً مذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعله في صدرك من إمارة ابن عمك؟! فقال: معاذ الله. فقد اتفق المسلمون من المهاجرين والأنصار على إمارة أبي بكر، ولذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بايع متأخراً، فأخذ القوم عليه ذلك، فبرر هذه البيعة المتأخرة على أنه أراد أن يرضي فاطمة؛ لأن فاطمة أخذت في صدرها على أبي بكر رضي الله عنه وأضاه، وهي مخطئة أيضاً؛ لأنها أرادت الإرث بعد والدها صلى الله عليه وسلم، فـ أبو بكر بين لها أن كل نبي إذا مات لا إرث له، وكل ما تركه صدقة، وكان الحق مع أبي بكر، لكن علي بن أبي طالب أراد أن يمالئها حتى لا يغضبها عليه، وهي سيدة نساء العالمين، فلما ماتت ذهب فبايع أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، حتى إنه قال: قد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر لديننا فما لنا لا نرضاه لدنيانا، فهذه دلالة عظيمة على أن علي بن أبي طالب يعرف مكانة أبي بكر وطلحة وغيره من المسلمين، فإن علي بن أبي طالب كان على منبر الكوفة وهو يخطب، فقام رجل؟ فقال: من خير الناس يا علي؟ كأنه يلمح بأن علياً سيقول: أنا خير الناس، فقال علي بن أبي طالب خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ومن فضلني عليهما جلدته حد المفتري الكذاب، يعني: ثمانين جلدة. وابن مسعود يقول: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله كذلك، وما رآه المسلمون سيئاً فهو كذلك -يقصد بالمسلمين صحابة رسول الله- قال: وقد أجمع المسلمون من المهاجرين والأنصار على خلافة أبي بكر، ولذلك قال طلحة: (معاذ الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها رجل يحضره الموت إلا وجد روحه لها روحاً حين تخرج من جسده، وكانت له نوراً يوم القيامة، فلم أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يخبرني بها، فقال عمر بن الخطاب: فأنا أعلمها، قال: فلله الحمد، فما هي؟ فقال: الكلمة التي قالها لعمه: قال: صدقت) ما هي الكلمة التي قالها لعمه أبي طالب فلم يقبلها فلم يدخل الجنة؟ هذه الكلمة هي: لا إله إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: (يا عم، قل كلمة أحاج لك بها عند الله) فرفضها عمه وقبلها طلحة، ففاز طلحة وخاب وخسر عمه. قتل رحمه الله ورضي الله عنه في سنة ست وثلاثين وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها، وقبره بظاهر البصرة، ولـ طلحة أولاد نجباء أكبرهم محمد وكان شاباً خيراً عابداً قانتاً لله حنفياً، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم الجمل أيضاً، فحزن عليه علي وقال: قتله بره بأبيه، يعني: هو ما خرج للقتال إلا براً بأبيه، وهذا أيضاً كان اجتهاداً خاطئاً، فرضي الله عن الصحابة أجمعين، ونسأل الله جل في علاه أن يجعل ألسنتنا مكفوفة عن هؤلاء، وأن نترضى عنهم جميعاً في المجالس. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

فضائل الزبير بن العوام

فضائل الصحابة - فضائل الزبير بن العوام لقد كان الزبير بن العوام رضي الله عنه من المقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمته، وحواريه، وهو من العشرة المشهود لهم بالجنة، وكان شجاعاً مقداماً، فهو أول من سل سيفه في الإسلام دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عنه وأرضاه.

سيرة الزبير بن العوام رضي الله عنه وفضائله

سيرة الزبير بن العوام رضي الله عنه وفضائله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، والذين أنزل الله عدالتهم من فوق سبع سماوات، ما زلنا مع العشرة المبشرين بالجنة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد، فإنه ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيد)، وهم العشرة المبشرون بالجنة، ومنهم الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه، وهو حواري صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة من أهل الشورى، وهو أول من سل سيفه في سبيل الله، وكنيته أبو عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، أسلم وهو حدث له تسع عشرة سنة. عن موسى بن طلحة قال: كان علي والزبير وطلحة وسعد عذار عام واحد يعني: ولدوا في سنة واحدة. قال عروة: (جاء الزبير بسيفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك؟ قال: أخبرت أنك أخذت؟ قال: أكنت صانعاً هذا؟ قال: كنت أضرب به من أخذك، فدعا له ولسيفه)، فهو أول من أشهر سيفاً في سبيل الله جل في علاه.

صفته الخلقية وتربية أمه له رضي الله عنه

صفته الخلقية وتربية أمه له رضي الله عنه روى هشام عن أبيه عروة أن الزبير كان طويلاً تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، وكانت أمه صفية تضربه ضرباً شديداً، وهو يتيم، فلما قيل لها في ذلك بينت أنها ما فعلته إلا لرفعة الزبير. فالمرأة الصالحة هي التي تربي لنا رجالاً يقودون الأمم، كما فعلت أم الثوري وأم الشافعي، كل النساء الصالحات يتمنين أن يكون أولادهن في الصدارة.

هجرته وشجاعته وجهاده ومكانته رضي الله عنه

هجرته وشجاعته وجهاده ومكانته رضي الله عنه كان الزبير ممن هاجر إلى الحبشة ولم يطل الإقامة بها، وقال جابر: فاز بهجرتين: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة. قال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: (من يأتنا بخبر بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس له، فجاء بخبرهم، ثم قال الثانية، فقال الزبير: أنا، فذهب، ثم الثالثة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري، وحواري الزبير). قال الثوري: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة وعلي والزبير. وعن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك. هذا فيه دلالة على أن الزبير رضي الله عنه وأرضاه ما ترك غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي الزبير أن الله بشره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو يمشي على رجليه بين الناس! عن مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان رعاف شديد عام الرعاف حتى تخلف عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال: استخلف، قال: وقالوها؟ قال: نعم، قال: من هو؟ فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر فقال له مثل ذلك ورد عليه نحو ذلك، فقال عثمان: قالوا: الزبير؟ قالوا: نعم، قال: أما والذي نفسي بيده إن كان لأخيرهم وأحبهم إلى رسول الله. يعني: كأن عثمان رضي الله عنه وأرضاه يفضل الزبير على علي، والصحيح الراجح أن التفضيل هو على نفس ترتيب الخلافة: الأول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي الستة المشهورين: سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد والزبير وطلحة بن عبيد الله.

موقفه من قتلة عثمان واستشهاده رضي الله عنه

موقفه من قتلة عثمان واستشهاده رضي الله عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي فلقيه ابنه عبد الله بن الزبير، فقال: جبناً؟!! فـ الزبير تراجع لما التقى بـ علي فقال له علي: تذكر يوم كذا حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحبه؟ فقلت: نعم أحبه، فقال: ستقاتله وأنت له ظالم)، فكأن الزبير لم يسمع ذلك إلا يوم الجمل، وذكره بذلك علي بن أبي طالب، فقال الزبير عندما قال له ولده عبد الله: تتراجع جبناً؟ قال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت ألا أقاتله، ثم قال: ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين فلما رجع الزبير متوجهاً إلى المدينة لحقه ابن جرموز بوادي السباع فقتله وهو يصلي، فلما جيء به مقتولاً بكى علي بن أبي طالب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قاتل الزبير في النار). وعن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى إلا عيناه، فكان يكنى أبا ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات، فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها -يعني: الحربة- فلقد انثنى طرفاها. قتل رضي الله عنه وأرضاه سنة ست وثلاثين وله بضع وخمسون سنة. قال علي بن المديني: سمعت سفيان يقول: جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزبير لما ولي إمارة العراق لأخيه الخليفة عبد الله بن الزبير فقال: أقدني بـ الزبير -يعني: كأنه يريد التوبة من قتل الزبير بن العوام رضي الله عنه- قال: أقدني بـ الزبير، فكتب في ذلك يشاور عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، فجاءه الخبر: أنا أقتل ابن جرموز بـ الزبير؟ لا، ولا بشرك نعله. قلت: هذا فيه فضل الزبير رضي الله عنه وأضاه، وزيادة في أجره، وكفى بـ الزبير فخراً أنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفاه فخراً أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكفاه فخراً بأن عمر بن الخطاب لما استخلف الستة كان فيهم الزبير رضي الله عنه وأرضاه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

فضائل عبد الرحمن بن عوف

فضائل الصحابة - فضائل عبد الرحمن بن عوف لقد كان عبد الرحمن بن عوف من السابقين إلى الإسلام، وشهد المشاهد كلها، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وقد صار بعد الهجرة من أغنى الصحابة، وكان جواداً كريماً زاهداً متواضعاً، وله فضائل كثيرة جداً فرضي الله عنه وأرضاه.

سيرة عبد الرحمن بن عوف وفضائله

سيرة عبد الرحمن بن عوف وفضائله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. ما زلنا مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم الله على البشر أجمعين، فجعلهم صحبة لنبيه نصرة لدينه، ونشرة لدعوته. لقد نظر الله في قلوب العباد فوجد أصفى هذه القلوب وأنقى هذه القلوب هي قلوب الصحابة رضي الله عنهم، فاختارهم لصحبة نبيه، فهم أعمق الناس علماً، وأحسن الناس خلقاً، وأبرهم قلوباً. نحن اليوم على موعد مع عبد الرحمن بن عوف الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو يمشي على رجليه بين الناس. هو أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل: عبد الحارث وقيل: عبد الكعبة وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، ففي هذا دلالة على أن الاسم الذي لا يجوز شرعاً لابد أن يغير، يعني: أي اسم معبد لغير الله أو يتضمن تزكية؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث غير اسم برة إلى زينب؛ لأن برة من البر. إذاً: فمن السنة إن كان الاسم فيه تزكية للنفس أن يغير، وإن كان مطابقاً له، والأمر الثاني إذا عبد لغير الله كعبد علي وعبد الحسين وعبد الرسول، كل ذلك وجوباً لابد أن يغير، أما بالنسبة للتسمي باسم الإسلام والإيمان فلا يجوز التسمية بالإسلام والإيمان. إذاً: لا يجوز التسمي بالأسماء التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هناك أسماء تتضمن تزكية، ولم يغيرها النبي صلى الله عليه وسلم كمحمد، والتزكية في محمد أنه كثير المحامد، وأيضاً صالح؛ لأن هناك نبياً من أنبياء الله اسمه صالح، وصالح فيه تزكية، فنقول: القاعدة الأصلية: أن كل اسم فيه تزكية للنفس يغير إلا ما جاء الدليل به فنمكث عليه.

إسلامه رضي الله عنه وهجرته ومشاهده

إسلامه رضي الله عنه وهجرته ومشاهده أسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قديماً قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، وهذه من فضائله الجميلة، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكل المؤرخين دائماً يبينون من ثبت في غزوة أحد؛ لأن كثيراً من الصحابة فروا يوم أحد، ومنهم عثمان بن عفان، لكن الله عفا عنهم وقال: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:155]، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك، وهذه تكرمة الله لهذه الأمة، ما من أمة صلى خلف آحادها نبيها إلا هذه الأمة، وليست مرة واحدة بل مرتين، وقبل أن تقوم الساعة سيصلي نبي خلف آحاد هذه الأمة، سيصلي عيسى خلف المهدي فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر عندما ذهب ليصلح بين فريقين: (فقام بلال فاستأذن أبا بكر في الصلاة فصلى بهم أبو بكر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل في الصف، فأخذ الناس يضربون بالأكف حتى تراجع أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ودخل رسول صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس، بعدما أشار عليه أن مكانك، فرفع يديه في الصلاة يحمد الله على هذه الفضيلة، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم، فقال لـ أبي بكر: ما منعك أن تمكث إذ أمرتك؟ قال: ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي مرة أخرى: (في صلاة الفجر تأخر رسول صلى الله عليه وسلم فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقه عبد الرحمن بن عوف، وقام رسول صلى الله عليه وسلم يكمل ما فاته من الصلاة)، وهذه فضيلة لهذه الأمة، وقبل يوم القيامة تكون هذه الفضيلة أيضاً لهذه الأمة (عندما ينزل عيسى عليه السلام على جناح الملك، وتكون الصلاة قد أقيمت والمهدي قام ليصلي، فينظر إلى عيسى فيعرفه، فيقدم عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول عيسى: لا، إمامكم منكم تكرمة الله لهذه الأمة). وعن أبي سلمة عن أبيه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في حاجته، فأدركهم وقت الصلاة فأقاموا الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى مع الناس خلفه ركعة، فلما سلم قال: أصبتم أو قال: أحسنتم)، وقد اختاروا أفضلهم فأم بهم، فـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه يكفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، وكذلك جعله عمر من الستة الذين يختار منهم الخليفة بعد عمر رضي الله عنه وأرضاه.

جوده رضي الله عنه

جوده رضي الله عنه عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: (بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتاً رجت منه المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: هذه العير قدمت لـ عبد الرحمن بن عوف من الشام، وكانت سبعمائة راحلة، فقالت عائشة: أما إني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأتاها فسألها عما بلغها فحدثته، فقال: إني أشهدك بأنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله عز وجل). وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام)، وعبد الرحمن بن عوف فتح الله عليه من الأموال شيئاً ما فتحه على صحابي مثله، فكان من أغنى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع ذلك من عائشة خشي على نفسه أن يتأخر في دخول الجنة؛ فأنفق كل هذا المال في سبيل الله جل في علاه. وعن أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال: (باع عبد الرحمن بن عوف أرضاً له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال، فقالت عائشة: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون)، وهذه شهادة من رسول الله بصلاح عبد الرحمن بن عوف حيث بعث بمال لأمهات المؤمنين. وعن الزهري قال: (تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة). وعن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة يعني: من الرقيق.

خوفه وزهده وتواضعه ووفاته رضي الله عنه

خوفه وزهده وتواضعه ووفاته رضي الله عنه عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً، فقال: قتل مصعب رضي الله عنه وأرضاه وهو خير مني، فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، ثم قال: وقتل حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن به إلا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. وعن نوفل بن ياسر البري قال: (كان عبد الرحمن لنا جليساً، وكان نعم الجليس -لأنه كان دائماً يذكرهم بالله جل في علاه ويذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم- وإنه انقلب بنا يوماً حتى دخلنا بيته، ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا، وأتانا بصحفة فيها خبز ولحم، فلما وضعت بكى عبد الرحمن بن عوف، فقلنا له: يا أبا محمد ما يبكيك؟ فقال: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ولا ترانا إلا عجلت لنا طيباتنا في هذه الحياة الدنيا)، فليخش كل من فتحت عليه الدنيا إن لم ير في هذا المال حقه أن الله سبحانه قد استدرجه بهذا المال. وعن سعيد بن جبير قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده؛ لأنه كان متواضعاً، كأنه مثل الرقيق يحمل كما يحملون ويأكل كما يأكلون، ويسير كما يسيرون، والتواضع سمة الصالحين المتقين المؤمنين. وعن أيوب السختياني عن محمد أن عبد الرحمن بن عوف توفي، وكان فيما ترك ذهب ومال، فأخرج ذلك في سبيل الله جل في علاه. توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ويقال: وهو ابن خمس وسبعين سنة. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1