فصول البدائع في أصول الشرائع

الفناري

فصول البدائع في أصول الشرائع تأليف العلامة المحقّق شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد الفناري الرومي المتوفى سنة 834 هـ تحقيق محمد حسين محمد حسن إسماعيل الجزء الأول دار الكتب العلمية أسسها محمد علي بيضون سنة 1971 بيروت - لبنان

منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان جميع الحقوق محفوظة جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملًا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيًّا. الطبعة الأولى 2006 م - 1427 هـ منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان

[مقدمة المحقق]

بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة المصنف: هو: الفناري -محمَّد بن حمزة بن محمَّد شمس الدين الفناري الرومي الحنفي ولد سنة 751 وتوفي سنة 834 أربع وثلاثين وثمانمائة من تصانيفه: أساس التصريف، أسامي الفنون، أسئلة نموذج العلوم مائة مسألة في مائة فن، رسالة رجال الغيب رسالة في مناقب الشيخ بهاء الدين النقشبندي، شرح أصول البزدوي، شرح إيساغوجي في المنطق، شرح تلخيص الجامع الكبير في فروع، شرح تلخيص المفتاح في المعاني، شرح الرسالة الأثيرية في الميزان، شرح فرائض السراجية، شرح فوائد الغياثية في المعاني والبيان، شرح مقطعات عشرين مخترعة وعشرين علمًا لوالده، شرح المواقف في الكلام، حاشية على شرح الشمية للسيد الشريف، حاشية على ضوء المفتاح، شرح المصباح في النحو، حاشية على شرحي السيد والسعد للمفتاح، عويصات الأفكار في اختيار أولي الأبصار، عين الأعيان في تفسير القرآن، وهو تفسير الفاتحة في مجلد، فصول البدائع في أصول الشرائع (وهو كتابنا) عكف على تأليفه ثلاثون سنة، مصباح الأنس بين المعقول والمضهود في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود أعني مفتاح الغيب لصدر الدين القونوي، مقدمة الصلاة وغير ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) هدية العارفين (6/ 188 - 189)، الشقائق النعمانية (1/ 17)، كشف الظنون (1/ 14، 15، 92، 184).

وصف النسخة الخطية

وصف النسخة الخطية لقد اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على: 1 - النسخة الخطية في دار الكتب المصرية تحت رقم (2409 / عمومي)، (194 مخصوصي) وهي في مجلدين. 2 - المطبوعة سنة (1280 هـ) في زمن السلطان (عبد العزيز خان)، بمطعة يحيى أفندي. وعندنا نسخة مطبوعة منه. كتبه: محمَّد حسن محمَّد حسن إسماعيل الشافعي.

طرة النسخة الخطية (الجزء الثاني)

الورقة الأخيرة من النسخة الخطية

بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) الحمد لله (¬2) الذي شرع شوارع الشرائع، لإحكام أحكام الوقائع، فنصب لعموم عباده منار الهداية، ورفع لخصوص عباده أعلام الرواية والدراية، حيث انتهضوا بعد تحصيل محصول خطابه، وتحقيق محيط كتابه، وتنقيح مناط السنن والأثر، حسبما يبلغه نهاية القوى والقدر، للاعتبار بالأمثال، فإنه من صنعة الرجال، والصلاة على محمَّد المخصوص بجوامع الكلم ومجامع الحكم، المغني عن الانتهاج بمنهاج نصائح الأمم، حاوى بديع إرشاده الأتم لسلوك الأمم، وشامل مبسوط كرمه الأعم، في التنبيه على اختيار الأعدل الأقوم، وعلى آله الواصلين من أصول فخر الإِسلام إلى منتهى السؤل، وأصحابه الحاصلين من فروع زيادات الكمال في الغاية القصوى من القبول. "أما بعد" ... فهذا كتاب فصول البدائع، في أصول الشرائع، وهو بحمد الله كأسمه جامع لغرائب المعقول والمنقول، قامع عن صفائح العقول، الشبة القادحة في الوصول إلى حقيقة الأصول، مأمول من جناب الجلال الفياض لا رفع النوال أن يتأصل كل مكن تدخل فيه، ويتكمل كلُّ من يحمل به من طالبه؛ لأن عرفانَه شامل، وإحسانَه كاملٌ، فيه التلفيق بين ¬

_ (¬1) الباء للملابسة، والظرف مستقر حال في ضمير أبتديء الكتاب كما في دخلت عليه بثياب السفر، أو للاستعانة والظرف لغوٌ كما في كتبت بالقلم، من اختار الأول نظر إلى أنه أدخل في التعظيم، ومن اختار الثاني نظر إلى أنه مشعر بأن الفعل لا يتم ما لم يصدر باسمه تعالى، وإضافة اسم الله تعالى إذا كانت للاختصاص في الجملة تشمل أسماءه كلها، وإن كانت للاختصاص وصفًا لذاته تعالى المتصف بالصفات الجميلة اختص بلفظ الله للوفاق على أن ما سواه معان وصفات، وفي التبرك بالاسم والاستعانة به كمال تعظيم للمسمى، فلا يدل على اتحادهما، بل ربما يستدل بالإضافة على تغايرهما. والرحمن الرحيم: اسمان بنيا للمبالغة من رحم كالغضبان من غضب، والعلم من علم، والأول أبلغ لأن زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ومختص به تعالى، لا لأنه من الصفات الغالبة؛ لأنه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع، وليس كذلك بل لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها، وتعقيبه بالرحيم من قبيل التتميم، فإنه لما دلّ على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها. انظر / غرر الأحكام لمنلا خسرو (1/ 3). (¬2) الحمد هو: الثناء باللسان على الجميل الاختياري من إنعام أو غيره. والمدح هو: الثناء باللسان على الجميل مطلقًا. انظر / غرر الأحكام لمنلا خسرو (1/ 3 - 4).

شتائت المباني من كنوز المذهبين، والتوفيق بين أباعد المعاني من رموز المقصدين، والتحقيق لمداحض لم يزل الفحول البزل لغموضها غموضًا عنها الأعين، والتدقيق في مغالط لم يتسن لهم في حلها إلا أن مضغوا الألسن، ثم مع أنه في فنه حاوٍ لكافة قوادح القرائح خاوٍ عن عامة مقادح القوارح يجمع إلى ضبط شوارد القوم نتائج الخواطر الفاتر ويعين بالبرهان ما عوّل عليه الرأي القاصر، كل ذلك في عبارة متصفة بعد الاقتصاد بالإعجاز لا مملة بالتطويل ولا مخلة بالإيجاز (شعر). فجاء بفضل الله جمعًا ممهدا ... بتحقيقه في فنِّه صار أوحدا لضبط أصول الفخر والحاجبي بل ... شروحهما لا كالبديع مجردا وتحصيل محصول ومنهاجهم معا ... وما قيل شرحًا فيهما لا مفردا وتلويح توضيح لتنقيحنا وذا ... بأن كل طعن فيه صارَ مسددا كذا حال مغنينا ببحث شروحه ... فمن ذا أتى ركن الأصول مشيدًا وكيف ولولا الذب عن أصل فرعنا ... لما ذكروا من قادحات معددا لما صح دعوى العلم منا لرأينا ... ولا صح تعويل على مذهب بدا ولا جاز تقليد لما بان ضعفه ... فكيف اجتهاد بالفساد مؤكدا إذا ما ترى سعيي وغاية طاقتي ... لعلك تدعو لي إلها موحدا تقول كما أعطيت علمًا مؤيدًا ... فوفق لما ترضى إلهي مؤبدا فهذا مرادي بل نهاية مطلبي ... ولا كدني الخلق جاهًا ممددا وقد ندبني إلى صياغته، جد بي إلى صناعة الشرع وصيانته، وإلى طالبي ضبطه ورعايته، إغناء لهم بالصباح، عن تكثير المصباح، وتقوية بتلفيق الأرواح، عن مؤنة تفريق الأشباح، وطالما طالبوني بجرأته فيه وفي ثمرته، وعاتبوني ما استعفى وأتعلل، ادعاء لمظنة الضنة، وإلا فمئِنة الكسل، ولما يسرني الله هنا لآخر الكلام، دعوت الله أن يوفقني لآخر المرام، والحمد لله ولي التوفيق، وإليه بالتحقيق انتهاء الطريق. وينحصر مقصوده في فاتحة ومطلب: أما الفاتحة: ففي مقاصد أربعة معرفة الماهية والفائدة والموضوع والاستمداد الإجمالي. وأما المطلب: ففيه مقدمتان ومقصدان وخاتمة.

الفاتحة

المقدمة الأولى: في عدة الموضوع وأهليتها. المقدمة الثانية: في المبادئ التفصيلية الكلامية واللغوية والإحكامية. المقصد الأول: فيه أربعة أركان للأدلة الأربعة. المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح. أما الخاتمة ففي الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى، ووجه الضبط أن ما يتضمنه الكتاب إما مسمى العلم أو ما يتوقف عليه الشروع بالبصيرة فيه، والثاني الفاتحة والمسمى هو المطلب وذلك إما أهلية الموضوع وإما مباديء وهما المقدمتان، وإما مسائل باحثة عن الأدبة من حيث الإثبات بها وهو المقصد الأول أو من حيث تعارضها وهو المقصد الثاني أو من حيث طلب الإثبات وهو الخاتمة والحصر استقرائي حاصل يتتبع جزئيات جزء الكتاب المتصورة لا عقلي لعدم اقتضاء العقل أن لا يذكر في كل قسم إلا ما فيه. وأما أن ذلك لكونه مطلبًا لا يجزم العقل بطرفيه فلا لجزم العقل ها هنا بالاستقراء فإنه تام. الفاتحة: في أربعة مقدمات الشروع بالبصيرة في العلم، وللمقام تمهيدات: 1 - أن كل علم في الأصل مسائل كثيرة تضبطها جهةً واحدةً ذاتيةً هي خصوصية بحثها عن الأعراض الذاتية لشيءٍ واحدٍ حقيقية أو اعتبارية هو موضوعه وباعتبارها وضع علمه بإزائه أو عرضية تلزمها. 2 - أنه لكون موضوع المسائل عائدًا إلى موضوعه والبرهنة عليها موقوفة على تصورات وتصديقات بينة تسمى علومًا متعارفة أو مسلمة ها هنا مبينة في علم أعلى من جنسه أو خلافه إن كان وتسمى مصادرات أو محققة عند روم التحقيق لكن بوجه لا يتوقف عليها لئلا يدور وإن لم يكن أعلى ففي ذلك العلم اصطلاحًا، وقيل: أوفى أدنى لكن لا على وجه الدور وهو الحق وهي المبادئ جزءين له في وضع ثان بخلاف مقدمات الشروع لتقدمها بمرتبتين. 3 - أن الاطلاع على ذاتيات الماهيات صعبةٌ أما الحقيقة فمطلقًا وأما الاعتبارية فبالنسبة إلى غير المعتبر فلذلك نظروا في الآثار الفائضة عنها واشتقوا منها ما يحمل على الماهية وجعلوا المستتبع العام جنسًا والخاص فصلًا، وإن لم يعلم ذاتيتها وتابعيها عرضًا

المقصد الأول في معرفة الماهية

عامًّا وخاصة فماهية العلم لكونها اعتبارية جعل تعريفها بالوحدة التي اعتبرها واضع علمه حدًّا له فجعل الموضوع كمادته والعرض الذاتي كصورته وأخذ باعتبارهما محمولان هما كونه علمًا بالموضوع وعلمًا به من الحيثية المخصوصة أو معلومًا هو الموضوع والحيثية المخصوصة إن كان العلم بمعنى المعلوم فجعلا جن سًا وفصلًا كالحيوان من بدن الإنسان والناطق من نفسه وتعريفها بالجهة العرضية المميزة المشتملة على شروط القبول رسمًا فمن مقدمة الشروع ما هو حد لكون التحديد بالأجزاء العقلية لا الخارجية حتى يمتنع فذات المسائل كأعضاء زيد وليس التحديد بها. 4 - إن كل طالب كثرة كذلك حقه عقلًا أن يعرفها بتلك الجهة ليأمن فوات ما يعنى وضياع وقته فيما لا يعني. فنقول: فحق كل طالب علم أن يعرفه بإحدى الجهتين ليكون على بصيرة في شروعه، أي: بعد تحصيل معرفة إجمالية بجميع مسائله فيأمن الأمرين وفائدته لأمور. 1 - أن يجزم بأن طلبه ليس عبثًا سواء فسر العبث بما لا فائدة فيجوز انتقاؤه عن فعل الموجب والمختار والغرض هي الفائدة المقصودة أو بما لا يقصد به فائدة ما ففعل الموجب عبث دون المختار سواء كانت الفائدة غرضًا إن لم يمكن تحصيلها إلا بذلك الفعل أولًا إن أمكن كفعل المختار عندنا، وإن كانت الفائدة عائدة إلى العباد دفعًا للاستكمال. 2 - أن يزداد جده إذا كانت الفائدة مهمة. 3 - أن لا يصرف فيه وقته إذا لم يعجبه وموضوعه لأمرين: 1 - أن يحصل له البصير الكاملة بالتميز الذاتي فإن اشتمل تعرفه عليه جاز الاكتفاء بالذكر الضمني وإلا فحقه التصريح بالتصديق لموضوعيته. 2 - أن يتميز المقصود بالذات عن المقصود بالعرض ليهتم به أكثر منه واستمداده الإجمالي أنه من أي علم يستمد ليرجع إليه عند روم تدقيق التحقيق، وإنما لم يجعله من المبادئ لأن البرهنة على المسائل لا تتوقف بعد معرفة المبادئ التفصيلية على بيان أنها من على كذا. المقصد الأول في معرفة الماهية لأصول الفقه معنيان إضافي حده بيان أجزائه المضاف والمضاف إليه والإضافة من حيث يصح تركيبها.

فالأصل في اللغة ما يبتني عليه غيره حسيًا كالبناء على الأساس أو عقليًا كالمعلول على علته والمنقول على المنقول عنه والمشتق على المشتق منه والجزئي على القاعدة الكلية ثم أطلق على الدليل والراجح والمستصحب والقاعدة بخصوصيتها (¬1). وقيل: وعلى المحتاج إليه (¬2) فيحتمل أن يكون عرفًا للبعض ولا تشاح فيه يورد أنه غير مانع للفاعل والصورة والغاية والشروط وإن سلم عدم جواز التعريف بالأعم (¬3). والفقه: قيل: معرفة النفس ما لها وما عليها (¬4)، فالمعرفة لكونها إدراك الجزئيات عن دليل يخرج التقليد وما لها وعليها ما أن يراد بهما ما ينتفع وما يتضرر به في الآخرة كالثواب وعدمه أو لعدم العقاب ووجوده وإما أن يراد ما يجوز وما يحرم وأيًّا ما كان فإن أريد عمومهما للاعتقاديات والوجدانيات اكتفى به وألا يزاد عملًا للاحتراز عنهما واحتمال المعاني الصحيحة يكفي لتصحيح لما قيل لا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك سواءًا ما وجدت لها محملًا صحيحًا. وقيل: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية (¬5) فالعلم وسيجيء تفسيره كالجنس لما مر أنها ماهيةٌ اعتباريةٌ وإلا كان جنسًا وخرج بالأحكام العلم بالحقائق والصنائع. والمراد بها ها هنا النسب الحكمية بين الأشياء الخمسة، وأفعال المكلفين التي هي مورد الإيجاب والسلب لأنفسهما ليكون العلم بها تصديقات، ولا المفسر بخطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء والتخيير أو ليندرج الوضعي كالتكليفي وهو الخطاب بتعلق شيء بشيء بالدليلية أو السببية أو الشرطية أو المانعية أو نحوها وذلك لئلا يورد تارة على تعريف الحكم بأن الحكم ما ثبت بالخطاب لا عينه فيجاب بأن المراد بالخطاب ¬

_ (¬1) قاله أبو الحسن البصري في شرح العمد. انظر / المعتمد لأبي الحسن البصري (1/ 5). (¬2) قاله الإِمام فخر الدين الرازي في المحصل والمنتخب، وتبعه صاحب التحصيل. انظر / المحصول للرازي (1/ 9)، نهاية السول للإسنوي (1/ 7). (¬3) والثالث: ما يستند تحقيق الشيء إليه، قاله الشيخ سيف الدين الآمدي في الإحكام ومنتهى السول. انظر إحكام الأحكام للآمدي (1/ 8). والرابع: ما منه الشيء، قاله صاحب الحاصل. والخامس: منشأ الشيء، قاله بعضهم انظر / نهاية السول للإسنوي (1/ 7). (¬4) قاله صدر الشريعة. انظر / التنقيح ومعه التلويح على التوضيح (1/ 10). (¬5) انظر / المحصول للرازي (1/ 10)، المستصفى لحجة الدين الغزالي (1/ 4)، المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 4)، نهاية السول للإسنوي (1/ 22).

أيضًا ما ثبت به أو الحكم إيجاب وإطلاقه على الوجوب مجاز أو هو عين الوجوب بالذات، وإن كان غيره بالاعتبار وبأن الخطاب قديم والحكم حادث كالحل بالنكاح فيجاب تارةً بأن الحادث تعلق الحكم بفعل المكلف لا عينه، وطورًا بأن الحادث ظهوره وإن قدم تعلقه أيضًا وبخروج فعل الصبي فيجاب بأن تعلق الخطاب به باعتبار وليه ولا حكم فيما لا حكم على وليّه، وأخرى على حد الفقه بلزوم تكرار الشرعية فيجاب بأنه تعريف للحكم الشرعي وبخروج ما ثبت بالقياس والإجماع والسنة، فيجاب بأن كلًا منها كاشف عن الخطاب وبخروج نحو آمنوا ولزوم التكرارِ بين العملية والأفعال ويجاب عنهما بأن المراد بالأفعال ما يتناول الجوارح والقَلب وبالعملية ما يخصها فإن كل ذلك تكلف مستغنى عنه. وخرج بالشرعية العقلية كالتماثل والاختلاف والحسية كحرارة النار والاصطلاحية كرفع الفاعل. وبالعملية الاعتقادية إذ تسمى أصلية وكلامية كوجوب الإدمان وحجية الإجماع وليست من مسائلنا لأنه إثبات الموضوع والوجدانية كالأخلاق فإنها ملكات لا تتعلق بالمباشرة فهي أولى من الفرعية إلا أن يترادف بينهما اصطلاحًا وبالأخير أصول الفقه كالعلم بوجوب المأمور والخلاف كالعلم عن المقتضى والنافي وعلم المقلد. وقوله قول مقلدي وظنونًا ليس بدليل أو ليس بتفصيلي والمراد العلم بلا واسطة إذ به الاستناد إلى الأدلة الأربعة عنده، وكذا علم الرسول وجبريل عليهما السلام لأن علمهما بالضرورة لا عن الأدلة، وربما قيل: هما عن الأدلة كوجوب الصلاة من {أَقِمِ الصَّلاةَ} [الإسراء: من الآية 78] لأنه من الغيب الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم الله لكن لا بالاستدلال لأن المؤيد من عند الله لا يحتاج إلى النظر بل بتوجه النفس أو الحدس أو قضايا قياساتها معها، فالمراد بعلم الرسول ما عدا مجتهداته إن جوز عليه الاجتهاد فقيد بالاستدلال احترازًا عنهما ومن فهمه مما قبله إما بالالتزام فذكره مقتضى صناعة التحديد أو دفع وهم الشمول، وإما بالمطابقة فذكره للتأكيد والبيان. وأما علم الله تعالى فإن كان الكلام النفسي هو المعنى المعبر عنه بالعبارات المختلفة كان الحكم بالنسبة إليه لا عن دليل، وإن كان النظم والمعنى جميعًا كان الحكم إنشاء وهو إيجاد معنى ينظم يقارنه في الوجود، والعلم تابع للمعلوم عندنا فكان علمه عن دليل كعلم الرسول في الخروج بالاستدلال.

وقبل الاختلاف في الاحتياج إلى زيادة قيد الاستدلال فيما إذا تعلق عن الأدلة بالعلم أما إذا تعلق بالأحكام أو الفرعية لأن لها معنى الوصفية فلا. قلنا لو أريد قيد الحيثية أي العلم بالأحكام من حيث هي متفرعة عن الأدلة لم يكن فرق بين التعلقين وقد يقيد الأحكام بالتي لا يعلم كونها من الدين ضرورةً لإخراج مثل وجوب الصلاة والصوم وليس بصحيح لأنه منه إلا أن يصطلح وربما يزاد عليه قيد انضمام العمل لوجوه: 1 - إن الحكمة التي هي في اللغة العلم مع العمل فسرها ابن عباس - رضي الله عنه - بالفقه. 2 - مقارنة الخير الكثير بها في قوله تعالى {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا} [البقرة: من الآية 269] ولا يقارن العلم إلا بذلك. 3 - دلالة موضع الاشتقاق نحو طبا فقيهًا بذوات إلا بلام. 4 - أنه الفقه مندوب إليه بقوله تعالى {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: من الآية 122] وبالحديث والعلم المجرد عن العمل ليس كذلك بل مذموم لقوله تعالى {كمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: من الآية 176] و {كمَثَلِ الْحِمَارِ} [الجمعة: من الآية 5] و {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: من الآية 2] وبالحديث. 5 - أنه وصفهم بالإنذار المقصود به الحذر ولا يستحق فاعله مدحًا ولا فعله رواجًا إلا بالعمل لقوله تعالى {أَتَأمُرُونَ النَّاسَ} [البقرة: من الآية 44] الآية وعدم اشتراطه في الأمر بالمعروف أمر آخر لا ينافي هذا. ولما كان ماهية العلم اعتبار انضمام العمل جزءًا من العلم والتحقيق أن كمال العلم بالعمل فالقولان اعتبار المكمل جزءًا وعدمه كما في العمل مع الإيمان ولا مساحة في التسمية لكن الأخير أنسب لغةً وشريعةً. والفرق على مذهب الحنفية أن الإيمان بدون العمل منجٍ عن عقاب الكفر بالآتية والحديث إلا عند الخوارج والعلم بدونه ليس بمنج عن عقاب الفسق بل يقتضي شدته بالحديث. وعلى مذهب الشافعية أن الإيمان مبطن له أحكام جارية بين العامة متعدية إلى الكافة فنبط بأمور ظاهرة تدل عليه كالإقرار من جملتها والعمل فعد من أجزائه مثله بخلاف العلم إذ ليس له حكم متعد ليحتاج إلى الأدلة الظاهرة فلم يجعل العمل من أجزائه تحصيل فالأركان عندهم ثلاثة لأنه إن لم يكن مقوّمًا فركن مكمل كالعمل في الفقه عند من يقول

به منا وفي الإيمان عند الشافعية وإن كان مقومًا فأما أبدًا ويسمى ركنًا أصليًا ولازمًا كالتصديق فيه والعمل عند الخوارج وكذا عند المعتزلة إما عدم دخوله في الكفر فلثبوت الواسطة أو في بعض الأحيان ويسمى ركنًا زائدًا كالإقرار فيه حالة الاختيار والنظم في القرآن في غير حالة الصلاة وما يلحق بها عند أبي حنيفة رحمه الله وفي غير حالة الضرورة عندهما ولا مشاحة في الاصطلاح. وأورد على حدي الفقه بأن المراد بما في الأول وبالأحكام في الثاني أما كلها إن كان للاستغراق والمجموع إنما يراد بالكل المضاف إلى المعرف فأما لام الاستغراق فلكل فرد من أفراد المجموع حقيقة المجموع حقيقة الوحدان مجازًا وأما بعضها إن كان للعهد الخارجي كالأحكام المنصوصة والإجماعية أو الذهني كالنصف أو الأكثر منه كما قيل بجملة غالبة أو مطلق البعض وكذا إن كان للحقيقة لأن حقيقة الجمع أفراد أقلها ثلاثة والمهمل في حكم الجزئي فعلى الأول لا جمع إذ لا فقيه إن كان الاستغراق حقيقيًا أو ليس من قال لا أدري كما لك بفقيه إن كان عُرفيًا بأن أريد كل حكم يقع في الوجوب ويلتفت إليه ذهن المجتهد، وعلى الثاني فيه جهالة إذ لا دلالة ولا إحاطة بالكل أو ليس بمانع المقلد العالم بمثله أو ثلاث عن أدلتها. وأجيب تارة: باختيار الأول وإرادة الاستغراق العرفي وكون المراد بالعلم التهيؤ القريب له وهو حصول ما يكفي في استعلام كل حكم من معرفة النصوص بمعانيها وسائر شروط الاجتهاد. ورد بأن لا دلالة للفظ عليه وأن بعض الفقهاء لم يعلموا بعض الأحكام مدة حياتهم كأبي حنيفة - رضي الله عنه - لم يعلم دهرًا وجواز الخطأ في الاجتهاد وأن لا مساغ للاجتهاد في بعضها. وأجيب: بأن الدلالة في العلم بالقوة القريبة عرفية وأن عدم العلم في الحالة الراهنة أو الخطأ فيها لا ينافي وجود التهيؤ لجواز أن يكون لتعارض الأدلة أو الوهم مع العقل أو موانع أُخر كعدم تيسير مدة مديدة يقتضيها أو فراغ فيها وأن عدم مساغ الاجتهاد فيما عدا المنصوصة والمجمع عليها مم بدلالة حديث معاذ - رضي الله عنه - (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3/ 616) - ح (1327)، والدارمي (1/ 72) - ح (168)، وأبو داود (3/ 303) - ح (3592)، والنسائي في الكبرى (3/ 468) - ح (5944)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 230) - ح (22060)، والطبراني في الكبرى (20/ 170)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 368).

وأخرى باختيار أن المراد مطلق البعض وبالعلم اليقين وبالأدلة الأمارات التي يمكن التوصل بصحيح النظر فيها إلى الظن بمطلوب خبري واليقين من الأدلة الظنية لا يحصل إلا لمجتهد يفيده ظن الحكم الجزم به في حقه وحق مقلديه أما ظنه الذي هو علة الجزم فوجداني وأما عليته فالإجماع المتواتر على أثر الجزم وهو وجوب العمل والفتوى، أو بأن رجحان المرجوح ممتنع فالأولى وجدانية والثانية ضرورية من الدين والحاصل من المقدمتين القطعيتين وهما هذا مظنوني مجتهدًا وكل ما هو كذلك فهو مجزومٌ به في حق مقلدي قطعي غاية الأمران الثابت قطعية في حقه وحق مقلديه لا في نفس الأمر ولذا لم يقطع بتخطئة المخالف اجتهادًا بالإجماع وجاز توليه مجتهد مخالف وذلك لا ينافي صدق تعلق اليقين به لأن صدق الشيء ببعض الاعتبارات طاف في أصل الصدق ومجزومية الحكم في حقه وحق مقلديه هي المرادة بالحكم بمجزومية وجوب العمل والفتوى لا أن الفقه هو العلم بوجوب العمل بالأحكام الخمسة من حيث تعلقها بأفعال المكلفين وفي حقه لا في نفس الأمر ليضره جواز كون وجوب العمل وجوبًا بما يظن أنه حكم الله تعالى كما في نحو خبر الواحد والتحقيق أن مناط الحكم قد يكون نفس المحل كحرمة لحم الخنزير وقد يكون وصفًا خارجًا كحرمة لحم المذكاة فإذا اشتبه مع لحم الميتة وكون ظن المجتهد مناطًا لقطعية الحكم من القبيل الثاني. ثم الطعن في الإجماع بأن أدلته سمعية فلا يفيد اليقين وفي الدليل العقلي بالنقض بصور ظن يجب العمل فيها بخلافه كشهادة واحد عدل ليس بشيء لأن الحق أن الأدلة السمعية تفيد اليقين بالقرائن العقلية كتواتر القدر المشترك وأن المظنون يجب العمل به ما دام مطنونًا وعند المعارض الأقوى لم يبقَ مظنونًا. نعم يرد على الثاني أن امتناع رجحان المرجوح في نفس الأمر فيلزم أن يثبت به القطعية في نفس الأمر. وجوابه: إنما يلزم أن لو كان الرجحان في نفس الأمر وهو ممنوع بل عند المستدل. فإن رد بأن ما يستنبطه المقلد أيضًا قطعي حينئذ وهو خلاف الإجماع. يجاب بأنه: إنما يلزم لو كان الرجحان الذي عنده معتبرًا وليس كذلك بالإجماع فما رأيه حتى يكون له عند. ثم تفسير الأمارات بالأدلة الظنية لا محذور فيه إذا لم يجعل الأحكام الثانية بالأدلة القطعية من الفقه وإن جعلت كما هو الحق فاندراجها أما بأن المراد بالظن الراجح الشامل لجواز المرجوح ولعدمه أو بأن المراد إفادة الأدلة من حيث هي، والسمعية إنما يفيد

العقلية أما الجواب بأن المقلد المتمكن من استنباط الحكم عن الأمارات المراد فقيه ففاسد لأن ما يستنبطه إنما يكون علمًا لو أجمع على أثره وهو وجوب العمل موجب ظنه وليس كذلك وبأن المقلد فقيه وقول إمامه أمارة أفسد لأن التقليد ليس بحجة كالإلهام والأمارة حجة وإن سلم فكونه أمارة من حيث هو قول إمامه فليس بدليل تفصيلي ولئن سلم فالمراد الأمارات من الأدلة الأربعة. ولما زعم البعض أن ذلك الإيراد وارد عدل إلى أنه العلم بكل الأحكام الشرعية العملية التي قد ظهر نزول الوحي بها والتي انعقد الإجماع عليها من أدلتها مع ملكة الاستنباط الصحيح منها فالعالم ببعض ذلك وغير العالم بشيء منه ليس فقيهًا وكذا على الجواب الأول أن لا تهيؤ بدون معرفتها وهذا المجتهد العالم ببعض الأحكام على الجواب الثاني فالحد متساويان ولا يقدح فيه عدم العلم بما نزل به الوحي ولم يظهر. واعترض بأنه حينئذ علم بجملة تتزايد بالوحي والإجماع ويتناقص بالنسخ والإجماع على خلف خبر الواحد يومًا فيومًا فليس اسمًا لشيء معين. وبأنه لا يصدق على فقه الصحابة - رضي الله عنهم - لعدم الإجماع في زمنه عليه السلام وبأنه لا يكون العلم بالأحكام القياسية فقهًا إلا بالنسبة إلى قائسها فهو بالنسبة إلى كل مجتهد شيء آخر. وبأن الظهور ولو لواحد لا يكفي وإلا لم تكن الصحابة الراجعون إلى عائشة رضي الله عنها مثلًا فقهاء وللأعم الأغلب غير مضبوط. والجواب على الأولين أن التزايد والتناقص غير قادح في التعين النوعي الكافي وإلا لقد جاء فيما مر أيضًا لأن التهيؤ لا يحصل إلا بمعرفة النصوص الثابتة بمعانيها والمسائل المجمع عليها المتزايدة المتناقصة إن كان وهي المراد. وعن الثالث أن اعتبار المسائل القياسية لنفسه دور ولغيره للمجتهد لا يجوز. وعن الرابع بأن ظهور نزول الوحي ثبوته لدى المجتهد في طلب الكل بوجع معتبر شرعًا قطعي كمحكمات الكتاب والسنة المتواترة والمشافه بها أو ظني كغيره منهما. أو نقول نفس ظهوره لكن لأكثر أهل الحلّ والعقد وذلك مضبوط كالإجماع والأول هو هو. والإضافة إن كان مضافها دالًا على معنى مشتقًا كان كمكتوب زيدًا وغيره كدق القصار يفيد الاختصاص باعتبار ذلك المعنى وإن لم يدل الأعلى الذات فمطلقًا.

المقصد الثاني في فائدته

فالمراد بأصول الفقه أدلة تختص دلالتها بالفقه والاختصاص في الإثبات لا في الثبوت وبه الفرق بين غلام زيد وغلام ليس إلا لزيد. فنقل إلى المعنى اللقبي ووضع بإزاء ما مر من الأقسام وإن لم يصدق عليها قبل النقل. ولو حمل الأصول على اللغوي بمعنى ما يبتني عليه الفقه شمل الأقسام قبل النقل وهذا أولى لأن الأصل عدم النقل لاحتياجه إلى وضع سابق وتجاوزه إلا عند النظر إلى فوائد العملية. ولقبي وحده العلم بالقواعد التي يتوصل بها توصلًا قريبًا إلى الاستنباط المذكور (¬1) فالتوصل القريب لإخراج المبادئ والاستنباط يخرج الخلاف لأن قواعده موصلة إلى حفظ المستنبط وهدية لا إلى الاستنباط، إذ لا نظر له في خصوصيات الأحكام فلا حاجة إلى قيد على التحقيق إلا بالنظر إلى أن بعض نكاته خصصت بالتعمل والحساب لأن قواعده موصلة إلى تعيين المقادير لا إلى استنباط وجوبها أو حرمتها مثلًا والقاعدة هي الأمر الكلي المنطق على جزئياته أي الذي يصلح أن يكون كبرى لصغرى معلومة في الفقه ليثبت المطلوب فالصغرى المعلومة في الفقه إن هذا الحكم مدلول الكتاب أو السنة أو مجمع عليه أو مقيس على كذا بالشروط المعتبرة في كل منها والكبرى المبحوث عنها هنا أن كل حكم كذلك فهو ثابت ولما كان قولنا كذلك فهو ثابت ولما كان قولنا كذلك مشمولًا على شروط استنباط كل حكم من الأحكام الخمسة عن كل من الأدلة اندرج تحته جميع مسائل هذا العلم المتعلقة بالأدلة من حيث الإثبات بها وتعارضها وطلب الثبوت وأما مسائل التقليد والاستغناء فإنما تذكر لكونها في مقابلة الاجتهاد لا لأن كل ما هو قول أمامي فهو واقع عندي مسألة أصولية كما ظن. وفي تحديد العلوم بحث هو أن كل علم شخص من أشخاصه والشخص لا يحد وجوابه منع أنه شخص بلا نوع أشخاصه ما في العقول لاختلافها بالمحال ولا يرد أن اختلاف المحال لو أثر في الشخص لما تشخص زيد إلا بمحله وكان في محل آخر شخصًا آخر لأن بينهما فرقًا وهو أن تشخص العرض بتحيزه خلاف الجوهر. المقصد الثاني في فائدته فائدة: معرفة الأحكام الربانية بحسب الطاقة الإنسانية لينال بالجريان على موجبها ¬

_ (¬1) انظر/ المحصول للرازي (1/ 11)، إحكام الأحكام للآمدي (1/ 8)، نهاية السول للإسنوي (1/ 5)، المستصفى للغزالي (1/ 5)، التنقيح دمعه التلويح على التوضيح (1/ 20).

المقصد الثالث في التصديق بموضوعية موضوعه

السعادات الدنيوية والكرامات الأخروية قيل لو كانت فائدته معرفة الأحكام لكانت قواعده كافية فيها وليست كذلك بل لا بد من جزء آخر باحث عن الأدلة التفصيلية ليحصل الغرض. لا يقال الملازمة ممنوعة لأن شأن فائدة الشيء توقفها عليه لا عدم توقفها إلا عليه. لأنا نقول الأصول جميع قوانين الاستنباط فلا بد أن يكون كافية. أجيب بأن الأدلة التفصيلية وما يعرضها مندرجة تحتها من حيث هي أدلة وإن لم تكن ملحوظة بخصوصيتها كما أن فائدة المنطق الذي هو جميع قوانين الاكتساب هي صون الذهن عن الخطأ في طرقه ويندرج جميع الطرق تحته من حيث إنها كاسبة وإن لم يلاحظ خصوصيتها. وتحقيقه أن في الأدلة التفصيلية ثلاث أمور جهات دلالتها على الأحكام وحصول تلك الجهات فيها وأعيانها فالأولى التي هي قوانين الاستنباط معلومة مبينة ها هنا والثانية لا تحتاج إلى البيان والثالثة وظيفة الفقه فلم يذكر من قوانين الاستنباط شيء إلا فيه. المقصد الثالث في التصديق بموضوعية موضوعه موضوعية الأدلة السمعية من حيث يستنبط عنها الأحكام الفرعية لأن البحث فيه عن أعراضها التي تلحقها لذاتها أو لما يساويها وهو حملها إما عليه نحو الكلب يثبت الحكم قطعًا أو على نوعه نحو الأمر يفيد الوجوب أو على عرضه الذاتي نحو يفيد القطع أو على نوعه نحو العام الذي خص منه البعض أو على غير ذلك كما سنوفي في موضوعه أما الأعراض أي المحمولات الخارجية اللاحقة للخارج الأعم أو الأخص أو المباين والحق ذكره لأن المراد الوسط في الثبوت وإلا لم تكن المسائل اللاحقة بلا واسطة من المفاسد العلمية. ولذا قيل التمثيل لمباديء المحمولات أولى فغريبة وكذا اللاحق للجزء الأعم في الصحيح لأنه للعلم الأعلى في الحقيقة. وقيل: والأحكام من حيث هي ثابتة بها لأنه يبحث فيه من أعراضها الذاتية أيضًا نحو الوجوب ثابت بالأمر والفرضية بقطعي لا شبهة فيه والوجوب القضائي يثبت بما يثبت به الأدائي والقضائي بمثل غير معقول لا يثبت بالقياس. وقيل: والاجتهاد والترجيح للبحث عن أعراضهما أيضًا والتحقيق أن الإثبات نسبة

تمهيدات في قواعد الموضوع

بين الأدلة والأحكام بالنسبة إلينا لأن الإثبات في الحقيقة لله تعالى والأدلة أمارات له والنسبة لها تتعلق بالمنتسبين فباعتبار تعلقها بالأدلة تسمى إثباتًا وباعتبار تعلقها بالأحكام تسمى ثبوتًا باعتبار انتسابها إلينا تسمى استنباطًا يقتضي الترجيح عند المعارضة. ولما كان جواز تعدد الموضوع مما منعه بعض الأئمة كما يجيء وعند القائلين بجوازه الأصل عدمه تقريبًا للضبط وتقليل خلاف الأصل هو الأصل كان تقليل التعدد أولى فالمختار هو الأول لأن جميع مباحثه راجع إلى الإثبات أو النفع فيه كما حققناه وإن اختلفت العبارات وأحكام الأحكام أحكام أعراض الأدلة وأنواع أعراضها فهي في الحقيقة لها وحيثية الإثبات أعم من إثباته ونفيه فيندرج فيها مباحث الأدلة المختلف فيها. تمهيدات في قواعد الموضوع الأولى في تعدده قيل يجوز ذلك إذ تتناسب باشتراكها في ذاتي كالخط والسطح والجسم التعليمي المشتركة في جنسها المقدار للهندسة أو عرضي كبدن الإنسان والأغذية والأدوية والأركان والأمزجة وغيرها المشتركة في النسبة إلى الصحة للطب فالجهة الضابطة هي جهة الاشتراك المفيدة للوحدة الذاتية أو الاعتبارية. وقيل لا يجوز إن لم يكن المبحوث عنه إضافة شيء إلى آخر وإلا لاختلفت المسائل فاختلف العلم كما لو قيل الفقه والهندسة علم واحد وموضوعه فعل المكلف والمقدار. أما إذا كان إضافة شيء إلى آخر كالإيصال في المنطق والإثبات ها هنا فجاز أن يكون كلا المضافين. وأورد بمنع لزوم اختلاف المسائل إن أريد عدم تناسبها ومنع اللازم إن أريد تكثرها. وجوابه أن المراد عدم المناسبة التامة الضابطة للكثرة عند الفهم. فبيان اللزوم أن جهة البحث هي جهة الوحدة الضابطة للمسائل الرابطة للموضوعات بها لوجوب ملاحظتها في كل مسألة والربط هو المراد بالإضافة. وبيان بطلان اللازم أن جعل المسائل العديدة علمًا واحدًا بمجرد الاصطلاح ولا بمناسبة ما كيف كانت وإلا لجاز ما مر لمناسبة الأفعال والمقادير في أشياء كثيرة كالعريضة فلا بد من المناسبة التامة الضابطة. ثم نقول كلما كانت أقرب كانت أضبط ولا شك أن الموضوع إذا اتحد كان الضبط أقرب ما يمكن وتم المناسبة فاختياره أولى تقليلًا لخلاف الأصل وهذا المقدار يكفي في الأمور الاصطلاحية.

والمحققون على أن موضوع الهندسة المقدار والطب بدن الإنسان وتعدادهم أنواعهما قصر المسافة كما نحن فيه. نعم يرد أن هذا يجري فيما كان المبحوث عنه نفس النسبة أيضًا كما حققناه فيما نحن فيه. الثاني في قيد حيثية قيل تارة تكون جزء الموضوع نحو موضوع الإلهي الموجود من حيث هو موجود فإن الوجود فيه ليس جهة البحث إذ لا يبحث فيه بأن ذاك موجود وهذا لا بل يمثل العلية والمعلولية والوجوب والإمكان العارضة من جهة الوجود وأخرى يكون جهة البحث بأن تكون بيانًا لنوع أعراضه الذاتية المبحوث عنها وإن كان له نوع آخر منها نحو موضوع الطب بدن الإنسان من حيث الصحة والزوال عنها فإن البحث فيه من هذه الجهة. ويرد على الأول وجهان: أن موضوع إلالهي ليس مركبًا من الموجود والوجود وليس البحث عن أعراض هذا المجموع إذ ليس المجموع أمرًا محققًا حتى يبحث عن أعراضه في أعلى العلوم الحقيقية. 2 - أنه لا يلزم من عدم كون الوجود جهة البحث أن يكون جزءًا لجواز أن يكون قيدًا خارجيًا معتبرًا في البحث وذلك هو الحق. وأورد على الثاني أن الحيثية لو كانت بيانًا للأعراض المبحوث عنها والأعراض مبحوث عنها من تلك الحيثية يلزم تقدم الشيء على نفسه ضرورة تقدم سبب اللحوق عليه. واجب بأن المراد حيثية الاستعداد لعروضها كحيثية الاستعداد للصحة في الطب وللحركة والسكون في العلم الطبيعي. وفيه بحث إذ لا يتمشى في مثل قولهم موضوع علم السماء من الطبيعي أجسام العالم من حيث الطبيعة إذ لا يصح تفسيره بحيثية استعداد الطبعة وإن أمكن تأويله بصرف الطبعة إلى تأثيرها. والحق من الجواب أن حيثية الصحة مثلًا اعتبارها واعتبارها غيرها وليست علة للحوقها بل لجملها والفرق بين اعتبارها في الموضوع والمسائل بأنه في الأول بالعروض وفي الثاني بالجزئية ولو صح حديث الاستعداد لما احتيج إلى الفرق. الثالث في وحدته لعلمين أو أكثر.

قيل: ممتنعة وإلا لم يتمايزا. وقيل: جائزة فيما له أعراض متنوعة في كل علم عن نوع منها لأن حقيقة العلم المسائل المركبة من الموضوع والمحمول فكما جاز اختلافه بحسب الموضوع جاز بحسب المحمول وواقعة فإن أجسام العالم موضوع الهيئة التامة من حيث الشكل مثلًا وموضوع علم السماء من حيث الطبعة والحيثية فيهما بيان المبحوث عنه لا جزء الموضوع. ولما حققنا أن قيد الحيثية لا يكون بيانًا للمبحوث عنها علم أن موضوعهما مختلف بالاعتبار وذلك كاف حتى في نفس المسائل كاشتراكهما في كرية البسيط لكن علم السماء يقيد اللمية والهيئة الآنية فهذا الاختلاف فرع الاختلاف السابق. الرابع: في شرط إفرازه وجعل أحكامه علمًا برأسه، إفرازه موضوعًا لعلم برأسه يتوقف على أمور: 1 - أن يهتم بشأن معرفة أحكامه لفوائد منوطة بها وإلا فيندرج أحكامه في العلم الأعلى على التفصيل السالف فيما مضى إفراز بدن الإنسان للطب من حيث الصحة وزوالها وبدن الفرس للفروسة من حيث التربية وأشغالها والبزاة لعلمها من حيث تعليمها والأحجار النفيسة من حيث حقيقتها وخاصيتها وتقويمها بخلاف أكثر الأحجار والحيوانات مع أن لكل منها مختصان. 2 - كون أحكامه مشتملة على وحدة جامعة وإلا اختلط العلوم بل والمتباينة وعاد الأمر على موضوعه بالنقض. 3 - كونها أعراضًا ذاتية لئلا يختلط أي لاحقه بلا واسطة أو بالمساوي لا بالأعم وإلا اختلطت بمسائل الأعلى ولا بالأخص وإلا فبمسائل الأدنى فلا بد من كونها مختصة وشاملة. أما اختصاصها فلتكون مطلوبة منه. وأما شمولها فأما على الإطلاق كالتحيز للجسم وإثبات أحد الأحكام الخمسة للأدلة الأربعة فيحمل على كليته وأما على التقابل كالحركة والسكون له وإثبات وجوب العلم والهمل أو العمل فقط لها فلا يحمل على كلية أحدهما معينًا بل مرددًا. ولم يعتبر الواحد المعين حتى يعد من الغريب اللاحق بالأخص لأن الأخص إذا لم يجعل موضوعًا لعلم آخر أدى إلى إهمالها وهي مهتم بشأنها.

إما أنه متى يجعل الأخص موضوعًا لعلم آخر فقيل الأمر الكلي فيه أن لحوقها إن احتاج إلى أن يصير الأخص نوعًا متهيئًا لقبولها كالإنسان لنحو الضحك يفرز علمًا باحثًا عنها وإلا كالتحرك من الحيوان فلا. وفيه بحث بأن الشق الثاني منقوش بنحو الكيمياء الباحثة عن كيفية تبديل الصور النوعية على هيولى واحدة غير مختص بمعدني أو نباتي أو حيواني والسيمياء الباحثة عن خواص الأجسام والأعراض من حيث ارتباطهما بالمبادئ المؤثرة من حيث التأثير غير مختص بنوع منها وبنحو الهيئة المجردة الباحثة عن أحوال أشخاص البسائط من الفلكيات والعنصريات لا عن أحوال أنواعها الكلية فإنها في علم السماء أو التامة. والشق الأول يمثل مباحث النفس ومباحث كائنات الجو وغيرهما حيث يحتاج لحوقها إلى أن يصير نوعًا متهيئًا لقبولها لكن لا يعد علمًا مفرزًا إلا إذا اصطلح جديدًا. فالحق عندي أن الأخص نوعًا كان أو صنفًا أو شخصًا إذا اهتم لبيان أحكامه من حيث هو أخص فإن كان جهة البحث عنها عين جهته عن أحكام الأعم عدت جزءًا منها لا جزئيًا واعتبر شمولها على التقابل ولم يفرز حتى لو أفرز لكان تسامحًا إفراز علم الفرائض من الفقه والكحالة في الطب. وإن تغايرت جهتا البحث جعل علمًا جزئيًا أدنى إفراز الجسم الطبيعي من مطلق الموجود والطب والثلاثة الآخر منه. الخامس: في نسبة العلوم وهي إما بالتداخل أي بالعموم والخصوص وبالتباين فترتب العلوم أعلى وأوسط وأدنى بحسب ترتيب موضوعاتها وخصوصًا المكلوم للكلام ثم الكتاب أو السنة للتفسير والحديث. أما علم القراءة وأسماء الرجال فجزءان منهما لا جزئيان ثم هما للأصول كالإجماع والقياس وكذا تباينها كالفقه للأصول إن جعل موضوعه فعل المكلف وإن جعل الأدلة الجزئية من حيث إثباتها الأفعال الجزئية فجزئي منه فنظير المباين لعلمنا علم الأخلاق. ففي التداخل إما أن يكون الأخص نوعًا كالهندسة والمجسمات أو نوعًا مع عرض ذاتي كالطبيعي والطب أو غريب غير نسبة كالأكر والأكر المتحركة أو غريب هو نسبة كالمناظر فموضوعها خطوط مضافة إلى البصر. والتباين إما بالجنس كالطب والهندسة أو بالنوع كالحساب والهندسة أولًا بهما بل باختلاف الجهة كعلم السماء والهيئة وعليك باعتبارها في الشرعيات.

تتمة

تتمة: الموضوع إذا تركب من معروض وعارض فإن كان البحث عن أعراضهما معًا يعد العلم مندرجًا تحت مطلق المعروض كما تكرر مثاله وإن كان عن أعراض العارض فقط فتحت مطلق العارض كالموسيقي الباحث عن أعراض النغمة والصوت من حيث العدد العارض عليهما كالاتفاق والاختلاف فيعد مندرجًا تحت الحساب لا تحت الطبيعي. المقصد الرابع في أنه يستمد من الكلام والعربية والأحكام (¬1) فمن الكلام لأن غير الكتاب من الأدلة الشرعية مستندة إليه في الحجية وحجيته موقوفة على معرفة الباري تعالى ليعلم وجوب امتثال ما كلف به بخطاب مفترض الطاعة وهي على معرفة حدوث العالم عندنا سواء كان نفس المحوج أو جزئه أو شرطه. وهذا التوجيه لا يتوقف على اعتبار حكم السنة باعتبار مبلغية الرسول والإجماع باعتبار سنده حكمًا لله تعالى ولأن حجية الكتاب موقوفة على صدق الرسول المبلغ وهو على دلالة المعجزة المقصود بها إظهار صدق من ادعى أنه رسول الله الموقوفة على شيئين على امتناع تأثير قدرة الله تعالى ليتعذر المعارضة سواء قلنا بأنها ليست مقدورة لرسول أو مقدورة بأقدار الله تعالى فإن ذلك كاف في التصديق وذلك موقوف على بيان أن جمع الأفعال مخلوقة لله تعالى ليكون تصديقًا منه وعلى إثبات أن الله تعالى قادر عالم مريد ليوجد المعجزة على وفق دعوى النبي والقول بأن دلالتها تتوقف على الأشياء الثلاثة بلا واسطة فيه منع. فهذه مسائل سبعة لا بد من الكلام في معرفتها إذ التقليد في العقبات المقصود فيها اليقين لا يفيد وإلا لاجتمع النقيضان فيها فيما قلد اثنان لا اثنين في النقيضين بخلاف الظنيات التي يجوز فيها أن يطابق نفس الأمر. وأيضًا يستمد في المنطق وبحث النظر المجعولين جزءًا منه اصطلاحا لما لم يكن في الشرع علم أعلى من الكلام وعدم ذكرهم هنا اكتفاء بالمبادئ التفصيلية كما أن عدم ذكر المسائل السبعة فيها اكتفاء بطهور ثبوتها في الدين كأنها ضرورية أو مفروغ عنها. ومن العربية لأن الكلب والسنة عربيان. ¬

_ (¬1) انظر/ إحكام الأحكام للآمدي (1/ 9 - 10).

المقدمة الأولى: في عدة الموضوع وهيئتها

ومن الأحكام أن تصورها لأن إثباتها ونفيها للأدلة المقصودين في الأصول نحو الأمر موجب والنهي ليس بموجب وللأفعال في الفروع نحو الوتر واجب والنفل ليس بواجب. وكذا إثبات شيء لها أو نفيه عنها نحو وجوب الشيء يقتضي حرمة ضده أو لا يقتضيها لا يمكن بدونه فتصور ما يقع في محمولات مسائل العلم ومسائل غايته من المبادئ ومنعه مكابرة لظهور أن البرهنة على مسائله من حيث هي هي ومن حيث يترتب عليها غايتها يتوقف على هذه التصورات. وفي المنطق كذلك من حيث أنه محمول ما أو واقع في محمول ما وذكره ها هنا أنسب كسائر مباديء الفقه. ولكن رد الأخيرين إلى الأولين لما مر أن الإسناد إلى الأحكام إسناد إلى الأدلة الموجبة لها في الحقيقة أو المقصود منه إفادة تصورات جزئيات الأحكام ولذا ذكرت في المبادئ. وليس إثباتها ونفيها في شيء من العلمين من المبادئ ها هنا وإلا دار صريحًا أو مضمرًا لأنهما ها هنا مقصودان لنا وفي الفقه غايتان لنا. وذكرنا إثباتها أو نفيها في بعض المبادئ الأحكامية مع أنها من مسائلنا حقيقة إنما هو لما مر من تصور جزئيات الأحكام بذلك. والمراد كان نفي توقف كل أصل على فرع نفسه فالدور لازم وإلا فلزومه مبني على مختار الجمهور وهو عدم جواز تجزي الاجتهاد إذ لا علم بحكم فقهي حينئذ إلا بعد العلم بجميع مسائلنا. وأما المطلب ففيه مقدمتان المقدمة الأولى: في عدة الموضوع وهيئتها، الأدلة السمعية أربعة عندنا بالكتاب والسنة ولكونهما من ضروريات الإِسلام ثابتين بالتواتر أو مفروغ عنهما في الكلام لم نحتج إلى إثباتهما بخلاف الباقين ولذا خولف فيهما فلما احتيج إلى إثباتهما رأوه في بابهما أليق. ثم الإجماع المستند إليهما الرابع القياس الشرعي بالمعنى المستنبط من موارد الثلاثة وفي اختيار الاستنباط إلى أن العلم سبب حياة الروح كالماء للبدن فمن الكتاب كاللواطة على الوطء حالة الحيض في الحرمة بالأذى ومن السنة كالجص على الحنطة في الربا بالقدر والجنس ومن الإجماع كوطء أم المزنية على أم الأمة في حرمة المصاهرة بالجزئية ولا نص

إلا في أم المنكوحة. فالقياس أصل من جهة إسناد الحكم إليه ظاهرًا وليس بأصل من جهة أن الاستدلال به موقوف على علة مستنبطة من مواردها فالحكم في الحقيقة لها ولذا قيل إنه مظهر لا مثبت وأن أثره في تعميم الحكم لإثباته فهذا معنى فرعيته من وجه لا ثبوت حجيته لشيء آخر وإلا كان السنة والإجماع كذلك وأورد أن الفرعية من جهة كالحجية لا ينافي إطلاق الأصالة من أخرى كالحكم مثل الأب وأن الأصالة للسبب القريب. ولا يرد أيضًا أن التعميم لإثباته الحكم في صورة أخرى وأن حكم الإجماع يستند في الحقيقة على سنده. لأنا لا نمنع أن التعميم بالإثبات فإن المراد به التعميم بالنسبة إلينا وذا بالإظهار ولأن الإجماع لا يحتاج في الدلالة إلى شيء كالقياس بل في الوجود ولأنه يفيد القطع بخلافه. ووجه الضبط أن الدليل أما من الرسول أو من غيره والأول إن تعلق بنظمه الإعجاز فالكتاب وإلا فالسنة وقياس الرسول عليه السلام من باب السنة والثاني إما رأي جميع المجتهدين في عصره فالإجماع أو رأي البعض فالقياس أو أنه إما وحي أنزله جبريل عليه السلام فإن كان متلوا أي مظهرًا لما في اللوح لا يجوز لأحد تغييره وتبديله لفظًا أو معنى فالكتاب وإلا كما لو نزل على جبريل أو الرسول معناه فعبر أحدهما بعبارته ولذا جاز نقله بالمعنى وإن كان الأولى باللفظ والمعنى فالسنة وإن كانت أعم أو المراد بالوحي ما أوحى نفسه أو الاجتهاد فيه فيتناول قياس الرسول عليه السلام وأما غير وحي فالإجماع أو القياس، وأما تقسيم الحجيج من حيث الأصل إلى موجبة للعلم ومجوزة له وإن أوجبت العمل ثم كل منهما إلى أربعة فإلى أقسام الأقسام في الحقيقة مع تداخلها ظاهر أو لا وجه إلى إدخال التمسكات الفاسدة في القسمة لأن المورد الدليل الثابت ولأن الحصر في الحقيقة بالاستقراء وهذا ضبط ما يثبت به، وأما الخامس المسمى بالاستدلال عند من يقول به فمصرح في أحكام بأن مرجعه التمسك بمعقول النص أو الإجماع ولذا قالوا إن عين السبب المستلزم كان قياسًا ومنه الاستصحاب دفعًا وكذا شرائع من قبلنا لأنها حجة حين قصت على شريعتنا والتمسك بالأثر لأنه محمول على السماع فكونه سماعًا حكميًا ككون السكوت بيانًا حكميًا والتعامل إجماع فقد قال الإمام الكردري: شريعة من قبلنا متابعة للكتاب والآثار للسنة والتعامل للإجماع والتحري والاستصحاب للقياس، وذكر في الجامع السمرقندي أن الأخذ بالاحتياط عمل بأقوى الدليلين والقرعة لتطييب القلب عمل

المقدمة الثانية: في المبادئ التفصيلية

الإجماع أو السنة المنقولة فيها أو بعموم قوله ولا تنازعوا وشهادة القلب عمل بقوله عليه السلام (لوابصة) استفت قلبك (¬1) والتحري عمل بالكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس لأن الأمة أجمعت على شريعته عند الحاجة وورد فيه السنة والآثار وكذا أقسام الاستحسان والمصالح المرسلة راجعة إليها قالوا الأدلة راجعة إلى الكلام النفسي قيل أي إلى كلام الله القديم القائم بذاته تعالى أن الحكم إلا لله وهو مدلول الكلام اللفظي إن لم يكن الحروف قديمة كما اختاره المتأخرون واللفظي الحاصل في النفس إن كانت كما عليه المتقدمون قولًا بأن الضروري حدوثه التلفظ لا اللفظ. وقيل: أي إلى الكلام النفسي القائم بذات من صدر عنه كل دليل كالمجتهد والشعبي وذات الله تعالى وأيًا كان فالكلام النفسي هي النسبة بين المفردين أعني المجموع القائمة بنفس المتكلم أي النسبة التامة الإخبارية أو الإنشائية من حيث إفادتها وأنها ثابتة وليست خارجية أي صادقة مع قطع النظر عن النفس لا موجودة فيه إذ لا وجود لنسبة ما غير الأكوان وذلك لتوقف حصولها على تعقل المفردين وليست العلم بها لتأصل ثبوتها ولذا تكون حيث خارجية كطلب الصلاة في صلوا ولا إرادتها إذ قد لا تكون مرادة. المقدمة الثانية: في المبادئ التفصيلية وفيها مقاصد ثلاثة:- المقصد الأول: في المبادئ الكلامية لما لم يكن استنباط الأحكام عنه أداتها غلا بالنظر في الدلالة والاستدلال والدليل المدلول تصوريا كان النظر الكاسب أو تصديقيًا لم يكن يد في كل منها تعريفًا وأقسامًا وأحكامًا، الكلام في الدلالة وهي لغة ترادف الإرشاد والهدي هو المعلوم من الصحاح وأخصية الهدي من الكشاف وأخصية الإرشاد من المصادر واصطلاحًا كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم والظن بشيء آخر أو من الظن به الظن بشيء آخر لزومًا ذاتيًا أو مع القرائن والقسم الرابع محال إلا شرعًا كما مر ومعنى الترديد أنه كل منها فهو تنويع لا تشكيك فالأول الدال والثاني المدلول والدال إن كان لفظًا فالدلالة لفظية وإلا فعقلية كدلالة المعجزة على صدق الرسول واللفظية إن كان للوضع فيها مدخل فوضعية وإلا فإن كانت باقتضاء طبيعة اللافظ التلفظ به عند عروض المعنى له فطبيعية كاح على السعال وإلا فعقلية كعلى اللافظ ومرادنا اللفطة الوضعية وهي ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي (2/ 320) - ح (2533) والإمام أحمد في مسنده (4/ 228) - والحارث في مسنده (1/ 201) - ح (60) البغية. وأبو يعلى في مسنده (3/ 160 - 161) - ح (1586) وأبو نعيم في الحلية (2/ 24).

كون اللفظ بحيث إذا أطلق أو أحس فهم المعنى للعلم بالوضع وقيل: متى أطلق ومبنى الخلاف اعتبار القرائن وعدمه والموقوف على العلم بالوضع فهم المعنى من اللفظ وفي الحال وما يتوقف عليه العلم بالوضع فهمه في الجملة وسابقًا وهي إما على تمام الموضوع له فمطابقة أو على جزئه بأن تنتقل الذهن من الكل إليه انتقالًا من الإجمال إلى التفصيل بعكس الحد فتضمن أو على خارجه اللازم لزومًا ذهنيًا عقليًا أو عاديًا لا خارجيًا لدلالة العدم على الملكة فالتزام فيتبعان للمطابقة. وقيل: لزومًا عقليًا فقط أي بينا بالمعنى الأخص عند جمهورهم والأعم يكفي عند الرازي ويرد عليهم أنواع المجازات فإنه مفقود في أكثرها وأجيب بأنه متحقق بالنسبة إلى المسمى مع القرينة وليس بشيء لأن الدال على المعنى المجازي إن كان هو اللفظ مع القرينة نحو أسدًا يرمي لا يكون شيء من أقسام إنجاز مجازًا في المفرد وإن كان هو اللفظ بمعونة القرينة عاد الجواب على موضوعه بالنقض إذ لم يكن اللزوم البين بتفسيرهم شرطًا ولأن قرينة المجاز ليست لفهم المعنى المجازي مطلقًا بل قسم منها لرد إرادة الحقيقة كيرمي فيما مر فإن الأسد يتفهم منه معنى الشجاع هذا ما قيل وفي الجوابين شيء فإن اللزوم البين إذا فسر بما يعم ما بالقرينة لم يكن في الجواب نقض لموضوعه وأيضًا القرينة إنما تكون لرد إرادة الحقيقة فيما يكون اللزوم بينا بلا قرينة وإلا فلا فهم، والتحقيق ما أشرنا إليه أن هذا الخلاف مبني على اعتبار القرائن وعدمه لا على تفسير الدلالة كما ظن فإنه فرع اعتبار القرينة لا بالعكس ولا بد من قيد في كل منها وفهم الجزء قد يتأخر في العلم التفصيلي وهو الفهم بشرط لا وذلك هو المراد ولا ينافي لزوم سبق فهمه في الجملة ولذا قالوا الأجزاء العقلية بلا شرط محمول جنس أو فصل وبشرط لا جزء مادة أو صورة وليست هذه المادة والصورة ما قيل بتركب الجسم عنهما وإلا لم يمونا للأغراض بل كل منهما مشترك بين المعنين ثم فهم الجزء لا يستلزم فهمه مع جزئيته هذا عند المتطبقين، وعندنا المطابقة والتضمن واحدة بالذات متعددة بالإضافة بالنسبة إلى كمال المعنى وإلا لزم فهم الجزء عند إطلاق اللفظ الموضوع لمعنيين مرتين في ضمن المجموع ومنفردًا والوجدان يكذبه وإذا ذهبنا أن المطابقة والتضمن لفظية والعقلية فقط هي الالتزام لا مع التضامن كما ذهب إليه صاحب المفتاح فلا يرد النقض بالتضمن على مهجورية الالتزام لكونها عقلية قيل كون الدلالتين واحدة بالذات غير معقول فيما إذا نصب قرينة مانعة عن إرادة الكل ولا يجاب بأنه مطابقة حينئذ لأنها دلالة على تمام المراد لأن الدلالة بحسب الوضع لا يحسب الإرادة كما يفهم من تعريفها بل إما بأن عدم

الكلام في الاستدلال

الإرادة لا ينافي وجود الدلالة وإما بأن القرينة غير معتبرة عندنا في الدلالة اللفظية وحينئذ يتحدان بالذات ودلالة المركب بحسب مادته وصورته في الأقسام الخمسة عشر غير خارجة عن الثلاث وفي الأرقام والمعميات إن أوجبت القرائن اللهم فالتزام وإلا فلا دلالة، والنسبة بين الدلالات الثلث بحسب اللزوم في الوجود وعدمه ستة فالتضمن والالتزام يستلزمان المطابقة لامتناع وجود جزء الشيء ولازمه ولا يكون نفسه والمطابقة والالتزام لا يستلزمان التضمن لجواز بساطة الموضوع له والمطابقة والتضمن استلزامهما للالتزام محتمل، وعند الرازي مقطوع به لأن كل مفهوم يستلزم أنه ليس غيره ومرجع الخلاف إلى أن لمعتبر في دلالة الالتزام اللزوم البين بالمعنى الأخص كما هو الحق وهو لزوم تصوره من تصور الملزوم أو بالمعنى الأعم وهو اللزوم المجزوم به من تصورهما فإذا كفى تصور الملزوم في فهم اللزوم كفى التصوران ولا ينعكس والالتزام مهجور اصطلاحًا ولكونها عقلية على مذهبنا إلا في المحاورات بل في الحدود كلا وبعضًا والتضمن كلا ولا بعضًا والمطابقة لا كلا ولا بعضًا ودلالة المطابقة بطريق الحقيقة والتضمن والالتزام بطريق المجاز واللزوم اعتباري صادق لا كاعتبار الاجتماع في النقيضين فلا يتسلسل وصدق الشيء لا تستلزم وجوده كصدق الأسلوب. الكلام في الاستدلال وهو طلب الدلالة لغة واصطلاحًا فأما الكلي على الجزئي نحو هذا جسم متحيز وهو القياس العقلي لأن فيه جعل النتيجة المجهولة مساوية للمقدمتين في المعلومية وسيجيء تعريفه وأما بالجزئي على الكلي نحو كل جسم متحيز لأن أفراده كذلك ويسمى استقراء ويعرف بإثبات الحكم الكلي لثبوته في جزئياته فإن كان تمامًا يسمى قياسًا مقسمًا أيضًا ويفيد القطع وإلا فاستقراء ناقصًا ولا يفيد إلا الظن نحو كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ فإن التمساح بخلافه وأما بالجزئي على الجزئي لعلة جامعة ويسمى تمثيلًا وقياسًا فقهيًا لما فيه من تسوية الجزئيين في الحكم لتساويهما في العلة وسيجيء توفية مباحثه إن شاء الله تعالى، أما الاستدلال بالكلي على الكلي نحو كل إنسان ناطق وكل ناطق حيوان فيرجع إلى ما بالكلي على الجزئي قيل لأن الكليين إن دخلا تحت ثالث فهما جزئيان إضافيان وهو المراد ها هنا وإلا فلا تعدي لحكم الأكابر إلى الأصغر، وفيه نظر لأن مقتضاه لا يكون الاستدلال إلا بالجزئي على الجزئي بل لأن الملاحظ في التعدية خصوص الصغرى وعموم الكبرى كما سيحقق بناء على أن مرجع القياس إلى الحكم على ذات

الأصغر بواسطة مفهوم الأوسط وهو أعم وكذا في الاقتران الشرطي يستدل بعموم الأوضاع والتقادير على بعضها أما في الاستثنائيين فلا يصح إلا بالرجوع إلى الأول بأن مضمون التالي متحقق الملزوم فهو متحقق أو مضمون المقدم منتفى اللازم فهو منتف. الكلام في الدليل هو لغة يقال للمرشد وما به الإرشاد والمرشد لناصب العلامة وذاكرها. وقيل: المرشد للمعاني الثلاثة ولو مجازًا (¬1) لأن المورد ما يطلق عليه ولئن سلم فلا جمع مع أن المجاز إذا اشتهر التحق بالحقيقة فالدليل على الصانع هو الصانع أو العالم أو العالم وعلى الحكم الشرعي هو الله والفقيه أو الكتاب وغيره واصطلاحًا في الأصول ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري فيتناول البرهان والأمارة واعتبار الإمكان ليتناول ما قبل النظر والصحيح وهو ما فيه وجه دلالة لأن الفاسد لا معتبر به وإن أفضى اتفاقًا فإن التوصل يقتضي وجه الدلالة بخلاف الإفضاء والخبري ليخرج المعرف وبعضهم فرق بين اصطلاح الأصول والفقه فعمم الأول وخص الثاني بالقطعي ويسمى الظني أمارة والأصح الأول يعرف بتتبع موارده وأيًّا ما كان فهو الأصغر المحكوم عليه في الصغرى لا مجموع المقدمتين لأن النظر ترتيب أو حركة للترتيب فوقوعه في المرتب محال بخلاف المنطقين فإن الدليل عندهم قولان أي قضيتان في القياس البسيط فصاعدًا في المركب مفصول النتيجة أو موصولها يكون عن المجموع قول آخر أو لو سلمت لزم لذاته عنه قول آخر بطريق الكسب وهذا القيد يخرج لزوم عكسي القضية المركبة والمقدمة في الاستثنائي ليست عين اللازم بل لزومه وإحدى المقدمتين كيف ما كانت ليست بمستفادة منهما بل العلم بها سابق على العلم بهما فيتناول الصناعات الخمس أعني البرهاني والظني المتناول للخطابة والجدل والشعرى والمغالطي المنقسم إلى المشاغبي والسفسطي ولو قيل يستلزم لذاته لم يتناول إلا البرهاني لأن أقرب الصناعات إليه الظني وليس بين الظن وشيء ما ربط عقلي أي ليس شيء مستلزمًا للظن بحيث لا يتخلف عنه عادة لانتقاء الظن مع بقاء سببه عادة كظن المطر مع الغيم الرطب فليس البحث الكلامي ها هنا تجويز اللزوم العادي الذي هو المراد في الظني لما بينا من انتفائه عادة ولا بيان أن الدليل الظني لا يستلزم لذاته شيئًا بأن المؤلف من مقدمتين ظنيتين يحصل نتيجته على تقدير واحد هو صدقهما وينتفي على ثلاث تقادير كذبهما وكذب ¬

_ (¬1) انظر / إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 11).

بهما وكذب هذه وتلك فالانتفاء إن لم يكن راجحًا فلا أقل من المساواة ولذلك يتخلف الظن بحصولها عنهما لأن البيان لا يسمى بحثا بل دليلًا بل الإشارة إلى اللزوم الذاتي أعم من العادي والتوليدي والإيجابي على المذاهب. تذنيب المراد هنا بالاستلزام الذاتي أن لا يختلف عنه اللازم أصلًا لا ما لا يكون بمقدمة أجنبية كما في قياس المساواة أو غريبة كنا لاستلزام بواسطة عكس النقيض فسيجيء أن ذلك معتبرًا عندهم. (تنبيه) الدليل أخص من الدال لتناول التصورات بخلاف الدليل، الثاني في أقسامه الدليل أن أريد به المقدمات إما عقلي محض ولا يثبت ما يتوقف عليه النقل مثل المسائل السبعة السالفة إلا به وإلا لزم الدور وإما نقلي محض بمعنى أن مقدماته القريبة مأخوذة من النقل نحو تارك الأمر عاص لقوله تعالى {فَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: من الآية 93] وكل عاص يستحق العقاب لقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللْهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: مِن الآية 14] الآية لا بمعنى عدم توقفه على العقل أصلًا فلا وجود له إذ لا بد لصدق ناقله من عقل دفعًا للتسلسل فما لا يمتنع عقلًا إثباته ولا نفيه كجلوس غراب الآن على منارة الإسكندرية لا يثبت إلا به وأما مركب بمعنى أن مقدماته القريبة بعضها من النقل وبعضها من العقل ويثبت ما عدا القسمين كوحدة الصانع إذ يمكن إثباتها بالعقل والنقل ومن أراد بالنقلي ما لا يكفي فيه العقل قسمة إلى قسمين وإن أريد به مأخذ المقدمات فإن كان استلزامه للمطلوب بحكم العقل فعقلي كالعالم للصانع وإلا فنقلي ولا معنى للمركب، الثالث في أحكامه الدليل العقلي قد يفيد اليقين الإجماع وإلا فلا برهان أما النقلي فقيل لا يفيد لتوقفه على العلم بالوضع والإرادة والأول لكونه مما لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه إنما يثبت بنقل اللغة والنحو والصرف وأصولها ثبتت برواية الآحاد الغير الثقة وفروعها بالأقيسة وكلاهما إن صحّا فظني، والثاني يتوقف على عدم النقل والاشتراك والمجاز والإضمار والتخصيص والتقديم والتأخير والناسخ والكل جائز ولا يجزم بانتفائه بل غايته الظن. وبعد الأمرين لا بد من العلم بعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح إذ في إبطاله لكونه موقوفًا عليه إبطال النقل الموقوف وكل ما أدى إلى إبطاله كان مناقضًا لنفسه وباطلًا وعدمه غير يقيني، لا يقال احتمال المعارض ثابت في العقلي أيضًا؛ لأنا نقول

العقلي الصحيح ينفي بمجرده احتمال المعارض والإلزام تعارض القواطع وارتفع الأمان عن البديهيات وأيضًا فأدور الألفاظ كلفظ الله اختلف فيه أسرياني من لاها بحذف الألف وإدخال اللام أو عربيّ فإما مشتق وضعه كلي من أله كعبد وزنا ومعنى أو من وله تحير أو من لاه ارتفع وأما موضوع وضعا شخصيًا للذات الموصوفة بصفات الألوهية أو للذات معها فما الظن بغيره والصحيح أن النقلي يفيد اليقين بقرائن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمال، وبيانه أن من المنقولات ما هو متواتر لغة كالأرض والسماء والحرّ والبرد في معانيها وصرفًا كقاعدة أن ضرب ماض ونحوا كقاعدة رفع الفاعل والمؤلف منه قطعي الدلالة ثم قد يكون قطعي الإرادة أيضًا لخلوه من المذكورة من العدميات فيحصل به علم قطعي كعلمنا بوجود مكة وبغداد فالقدح فيه بالدليل سفسطة وبدونه عناد فإن أراد المشكك أن بعض الدلائل اللفظية لا يفيد اليقين فلا نزاع أو شيء منها يفيده فشبهته لا يفيده، فإن قيل الخلو عن الأمور المذكورة إنما تبتني على الاستقراء الغير التام وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود وأيضًا السفسطة تستحق الجواب لأن العلم بكذب مقدماتها إما ضروري اشتبه على السوفسطائي فيجب التنبيه عليه أو كسبي فتحتاج إلى كاسب قلنا مما علم قطعًا بالتجربة إن العقلاء لا يستعملون الكلام في خلاف الأصل عند عدم القرينة الصارفة فيقال هذا قطعي الدلالة مستعمل مع عدمها وكل ما كان كذلك خال عن الأمور المذكورة وكل خال عنها قطعي الإرادة والمقدمة الثانية تجربته ومع ذلك فيجوزان ينضم إليه قرائن عقلية تقتضي عدم الأمور المذكورة وأن الأصل هو المراد كما في نصوص إيجاب الصلاة والزكاة والتوحيد والبعث وحينئذ لو لم يعلم قطعًا لبطل التخاطب بالجزميات وقطعية التواتر واو وجد المعارض العقلي لزم تعارض القواطع فمثله أيضًا ينفي المعارض بمجرده، وأما أن السفسطة لا تستحق الجواب فالمراد لا تتعين مقدمة منها للبطلان بل هو بالحقيقة نقض إجمالي أي دليلكم غير تام بجميع مقدماته لتخلفه إذ قد يحصل العلم القطعي بالوضع والإرادة وهذا ظاهر في الشرعيات التي يمتنع ثبوتها بمجرد العقل فلا معارض من قبله وعدمه من الشرع معلوم بالضرورة من الدين كما في النصوص المذكورة وأما في العقليات المحضة فقيل توقف لأن إفادة اليقين فيها مبنية على أنه هل يحصل بمجرد النقل بعدم المعارض العقلي وهل للقرينة مدخل في ذلك ولا قطع فيهما وهذا إنما يصح إذا نقل عمن لم يقطع عقلًا بصحة قوله كالنبي أما إذا سمع منه أو نقل عنه بالتواتر نقلا مشتملا في كل مرتبة على قرائن عقلية دالة على عدم خلاف الظاهر

أو عرف بالنقل المتواتر عدمه أيضًا فلو لم يصح وظهر المعارض العقلي لزم كذبه وحصل تعارض القواطع فإن العلم القطعي نوعان الحاصل من قطعي الثبوت المشتمل نقله على ذلك ويسمى علم اليقين كالمحكم المتواتر والحاصل منه غير مشتمل على قرائن خلاف الظاهر وعدمه وهو علم الطمأنينة كالظاهر والنص والخبر المشهور فالأول يقطع جميع الاحتمالات والثاني الاحتمالات الناشئة عن الدليل على أن الحق أن إفادة اليقين يتوقف على انتفاء المعارض لا الجزم بانتفائه لحصولها مع عدم خطوره أصلًا نعم يجب أن يكون بحيث إذا لوحظ جزم بانتفائه. الكلام في دلالة الدليل هي باشتماله على جهة الدلالة وهي أمر مستلزم للمطلوب ثابت للدليل لينتقل الذهن من الدليل لثبوته إلى المطلوب لاستلزامه إياه وهذا على عرفنا ولا بد من تفسير بعرف المنطق ليتضح حقيقته فالأمر هو الأوسط واستلزامه للمطلوب مفهوم الكبرى والمطلوب نسيبة الأكبر والدليل هو الأصغر وثبوت الأمر له مفهوم الصغرى وإنما قدمنا الإشارة إلى الكبرى لأنها أقوى المقدمتين لأن المعتبر في صغرى الخصوص بحسب المفهوم ساوتها في الوجود أولًا، ولأنها تشتمل على الحكم بالأكبر على الأصغر والاحتياج إلى الصغرى لاندراج الأصغر تحت الأوسط وذلك معلوم غالبًا بالحس أو الضرورة أو القوة القريبة من الفعل وهذا معنى كونها مهملة الحصول، ثم هذا البيان قبل حقيقة القياس الاستثنائي الذي وضع فيه المقدم. وقيل: الشكل الأول كما فسرناه ولكل منهما وجه لأن كليهما بديهي الإنتاج وبينهما تراجع فيجري على ما فسرنا، وفقول ثبوت الأمر للدليل يقتضي كون الصغرى موجبة موضوعها الأصغر فانتفاؤه إما بأن يكون سالبة أو موضوعها أوسط أو كليهما أما الأول ففي الثاني والرابع من الثاني وأما الثاني ففي ضروب الثالث والرابع سوى ثالثة ففيه كلاهما وينتفي أيضًا في الصغرى الشرطية من اقتراني الشرطيات وأن الثبوت فيها عند الدليل لا له ثم استلزامه للمطلوب يقتضي كون الكبرى كلية موجبة موضوعها الأوسط فانتفاعه إما بأن يكون جزئية أو سالبة أو كليهما أو موضوعها الأكبر فقط أو مع أحديهما أما الأول ففي ثالث الثالث وأما الثاني ففي الثاني والرابع من الأول والرابع والخامس من الثالث وأما كلاهما ففي سادس الثالث وأما الرابع فقط ففي الثاني والرابع من الثاني والأول والثالث من الرابع ومع الجزئية ففي ثاني الرابع ومع السالبة ففي الأول والثالث من الثاني والرابع والخامس من الرابع ومعهما لا وجود لها على مذهب على المتقدمين وعند الباحثين عن الموجهات لها وجود إذا كانت

الكلام في النظر من وجوه

إحدى الخاصتين كما عرف في موضعه ومن هذا يعلم أن انتفاء مجموع الأمرين أعني ثبوت الوسط للدليل واستلزامه للمطلوب في الثاني والرابع من الثاني والثلاثة التي كبرياتها سوالب من الثالث وجميع الشكل الرابع وانتفاء أحدهما في الأول والثالث من الثاني والثاني والرابع من الأول والثلاثة التي كبرياتها موجبات من الثالث بقى الأول والثالث من الأول فالباقية ترتد إليهما بل إلى الضروري من الضرب الأول وهما الموجبتان الكليتان ولارتدادها قواعد لا تخفي بعد الإحاطة بها على من ليس بممحو عن دفتر المخاطبين: 1 - الجزئي يكون كليًّا بتعيين الموضوع إن تعدد أفراده وإلا فشخصيًا. 2 - السالب يكون موجبًا سالب المحمول بتقديم الموضوع والرابطة على حرف السلب والموجب السالب المحمول مساو للسالب في المعنى. 3 - الأصغر إذا وقع محمولًا يجعل موضوعًا بالعكس المستوى وكذا الأكبر إذا وقع موضوعًا وإذا اجتمعا يجوز قلب المقدمتين وعكس النتيجة. 4 - الموجب الكلي يصير موجبًا سالب الطرفين مبدلهما بعكس النقيض على مذهب المتقدمين ولا فساد في بيانه لأن سلب السالب إيجاب ويجوز توسيط ما يخالف حدوده حدود القياس عندهم كما مر وسالبًا سالب الموضوع مبدل الطرفين على مذهب المتأخرين إن احتج إليه. 5 - كل قضية موجهة بجهة ما إذا جعلت جهتها جزءًا محمولها فهي ضرورية لضرورية الإمكان للممكن. 6 - المتصلة الموجبة حصول محمول مقدمها مستلزم لحصول محمول تاليها فهي في قوة الموجبة الكلية الحقيقية. 7 - المنفصلة ترتد إلى المتصلة من عين أحد الجزءين ونقيض الآخر على حسب الانفصال ثم المتصلة إلى الموجبة الكلية. الكلام في النظر من وجوه الأول في تعريفه قيل هو الفكر الذي يطلب به علم أو ظن (¬1) والمراد الفكر ها هنا انتقال النفس في المعقولات قصدًا سواء كان لتحصيل المطالب أولًا كأكثر أحاديث النفس فهو كالجنس وإن خرج الحدس المفسر بسنوح المبادئ مع المطالب دفعة فليس بزائد ¬

_ (¬1) هذا تعريف القاضي أبي بكر. انظر / إحكام الأحكام للآمدي (1/ 13) المحصول للرازي (1/ 14).

الثاني في أقسامه

وقيد القصد يخرج تذكر النظر وانتقال النائم والحسد المفسر بسرعة الانتقال لا حركة النفس من المطالب إلى المبادئ ثم الرجوع ولا الحركة الأولى فقط والباقي كالفصل وقول الآمدي بأن الفكر تعريف أسمى معنيًا الآخيرين والباقي رسمي كتعريف الكتاب بالقرآن الموصوف بعيد لأن الرسم حينئذ مبهم ولصدقه على القوة العاقلة وآلات الإدراك ونفس الدليل ثم قد يطلب الظن من حيث هو ظن فيما يكفي وطرح الغلبة أولى لأن الظن في الغالب أغلب فالأقسام إلى القسمين خاصة مميزة شاملة وليس تعريفًا بالأخص الأخفى لا لأن المعروف أحدهما لا المهين منهما لأن معرفة أحدهما موقوفة على معرفةكل منهما بل كان كونه أخفى باعتبار كنهه لا لتميزه في الجملة المعتبر ها هنا ولأن كل قسم من المعرف معرف لكل من المعرف مساو له هذا تعريفه بعرفنا، وأما تعريف المنطقين فيختلف باعتبار المذاهب فمن يرى أنه اكتساب المجهول بالمعلوم وهم أرباب التعاليم القائلون لا طريق إلى المعرفة إلا التعليم الفكري عرفوه بتحصيل أمر أو ترتيب أمور حاصلة للتأدي إلى آخر والمراد حقيقته عند بعضهم فيشعر بالحركة الأولى ويستلزم الثانية وعند الأمور المرتبة يجعل المصدر بمعنى المفعول وإضافة بالصفة إلى موصوفها ويستلزم الحركتين وغطه في تعيين الأمور لا في الحركتين وهو يتناول الصحيح والفاسد وإن أريد تخصيصه بالصحيح يقال بحيث يؤدي ومن يرى أنه مجرد التوجه فمن جعله عدميًّا غرفه بتجريد الذهن عن الغفلات ومن أخذه وجوديًّا عرفه بتحديق العقل نحو المعقولات كتحديق البصر نحو المبصرات والعقل ليس بمشترك عندنا ولئن سلم فالقرينة المعينة واضحة. الثاني في أقسامه النظر إما صحيح إن اشتمل على جهة الدلالة وتعريفه بالمؤدي إلى المطلوب لا يناسب جعله محل النزاع الآتي في إفادة العلم وإلا ففاسد فصحته مادته وصورته معًا وفساده بفساد أحدهما أو كليهما وقسمته إلى الجلي والخفي ليست بحسب ذاته إن فسر بالترتيب ونحوه بل بعارض كيفيتي الدليل الصورية الحاصلة من تفاوت الأشكال في الجلاء والخفاء المادية كتوقفه على مقدمات كثيرة وأكثر قليلة وأقل من التفاوت في تجريد الطرفين فيكون كل منهما كالصحيح والفاسد مجازًا شائعًا ثم حقيقة عرفية وإن فسر بالأمور المرتبة فحقيقة مطلقًا كما كالدليل. الثالث في شروطه فلمطلق النظر بعد الحياة العقل وسيأتي تفسيره وعدم ضده العام والخاص مضادته

الرابع في أحكامه العائدة إلى إفادة المطلوب

فالعام كل ما هو ضد الإدراك كالنوم والموت والغفلة والغشية والخاص هو العلم بالمطلوب والجهل المركب به إذ صاحبهما لا يتمكن من النظر لأنه مع العلم طلب الحاصل ومع الجهل المركب يمتنع الإقدام عليه أما البسيط فلا يضاده بل بينهما عدم وملكة بل هو شرط للنظر أما من علم بدليل ثم طلب دليلًا آخر فهو في الحقيقة طالب لجهة دلالة الدليل الثاني ونظر فيه بأن الاستدلال بشيء على شيء مبني على نسبة خاصة بينهما وهي في كل دليل بينه وبين المطلوب لا بين جهة الدلالة، فأقول المراد إن الغرض من تكثير الدلالة تكثير جهاتها لا إثباته لحصوله أو أن المطلوب إذا ثبت بلوازمه كعكسه وعدم نقيضه وجزئياته ومن جملتها جهة الدلالة المخصوصة في كل دليل فيجوز أن يقصد بالإثبات مجرد لازمه هذا أو المجموع وتعتبر النسبة بينهما وعندي أن المطلوب بجميع الدلائل واحد لكن النظر فيه بالثاني ليس بحسب الأمر نفسه بل على تقديران لا يكون معلومًا قبله وللنظر الصحيح أمران أن يكون في الحجة لا في الشبهة وأن يكون من جهة دلالته والألم ينفع. الرابع في أحكامه العائدة إلى إفادة المطلوب وهي أقسام الأول الصحيح يفيد العلم قد يفيده الرازي والآمدي كل نظر صحيح في القطعيات بشروطه يفيده والفرق أن الأول سهل البيان لثبوته بنظر جزئي بديهي إنتاجه قليل الجدوى إذ الجزئي لا يصلح كبرى لصغرى سهلة الحصول عند إرادة إثبات إنتاج نظر جزئي أثناء المحاورة فإن إثبات الجزئي بالجزئي إثبات بنفسه أو بما يباينه والثاني بالعكس خلافًا للسمنية والمهندسين في الإلهيات والملاحدة في معرفة الله تع بدون تعلم، فمنا من قال بأن العلم بالمط ضروري ومنه الرازي كإفادة الشكل الأول والعلم بالملازمة مع وجود الملزوم وجود اللازم فقيل عليه فلم يختلف فيه ولما فرق بينه وبين قولنا الواحد نصف الإثنين واجب بأنه قد يختلف قليل لخفاء أو عسر تجريد في التصورات كالسوفسطائية في جميع البديهيات والفرق للألف أو لتفاوت في التجريد لا لاحتمال النقيض ومنا من قال بنظريته منهم الإِمام وأنكر الرازي بأنه إثبات للشيء بنفسه وذلك يقتضي أن يعلم قيل نفسه فيعلم حسين لا يعلم وهو تناقض واجب يمنع كونه إثباتًا لنفسه بل للمهملة أو الكلية على التحريرين بنظر شخصي فيحتمل أن يكون الشخصي ضروريًّا دون المهملة أو الكلية بناء على اختلاف العنوان فإن تصور الشيء بكونه نظرًا ما أو كل

نظر غير تصوره بذاته المخصوصة والاختلاف بالضرورية والنظرية ناش من التصورات وأن يكون ذلك الشخصي من النظر ذات جهتين معلومة بالضرورة من حيث الذات مجهولة من حيث أنه نظر ما والعلم بها من حيث الذات لا يثبت بالنظر لضروريته فلا يلزم إثبات الشيء بنفسه، نظيره كل نظر صحيح فيه شروط الإنتاج مشتمل على جهة الدلالة المقتضية للعلم بالمط بلا مانع وهذا ضروري من فرض المبحث وكل مشتمل على المقتضى بلا مانع يجب ترتب الأثر عليه ضرورة فهذا نظر شخص ضروري من حيث ذاته يثبت الكلية فضلًا عن المهملة لا من حيث أنه نظر وهذا أولى من تمثيله بمطلق الشكل الأول البديهي الإنتاج بحسب ذاته ثم قياس سائر الأنظار لإثبات الكلية عليه بجامع اشتماله على جهة الدلالة على ما لا يخفي، ولنا أن قولهم لا شيء من النظر بمفيد إن كان ضروريًّا لم يختلف فيه أكثر العقلاء وهذا لا يمنع وإن كان نظريًّا لزم إثباته بنظر خاص يفيد العلم به والإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلي، وللسمنية وجوه من الشبه: 1 - الاعتقاد بالمط بعد النظر إن كان ضروريًا لم يظهر خطؤه وقد ظهر لنقل المذهب وضروريته بعد النظر لا ينافي نظريته بالنسبة إلى النظر فليس الترديد قبيحًا وإن كان نظريًّا تسلسل وجوابه ضروري إن أريد بالضرورية نفى احتياجه إلى نظر آخر وما يظهر خطؤه لا يكون نظرًا صحيحًا والكلام فيه وهذا لضروري ليس خلاف المتعارف ونظري إن أريد احتياجه إلى النظر في الجملة لحصوله من النظر السابق ولا تسلسل إذ لا يحتاج إلى نظر آخر. 2 - المقدمة الواحدة لا تنتج والثنتان لا يجتمعان لامتناع اجتماع التوجهين إلى مقصدين في حالة واحدة وجوابه منع امتناع اجتماع المقدمتين كطرفي الشرطية في تصوري التصديقين وكالحكم على زيد إنه إنسان فإنه حكم فيه بحيوان وناطق في التصديقين وامتناع الاجتماع في التوجه لا يقتضي امتناعه في العلم ولا في النظر فسر بالأمور المرتبة فبالتوجه الواحد يطلع على أشياء. 3 - إفادته للعلم مع العلم بعدم المعارض وإلا لزم التوقف لاحتماله حتى يظهر عدمه وعدمه ليس ضروريًا العدم ممتنع الوقوع لكنه يقع أما للنقلي فظاهر الناظر لا في نفس الأمر فنظري محتاج إلى نظر آخر ويتسلسل وجوابه أن عدمه نظري فإن النظر الصحيح كما يقتضي العلم بالمط يقتضي العلم لعدم المعارض لاستحالة تعارض القواطع فلا يحتاج إلى نظر آخر وأن عدمه ضروري كضرورية النتيجة بعد النظر بمعنى عدم احتياجه إلى نظر آخر.

4 - النظر إما مستلزم للعلم بالمط فلا يكون عدم العلم شرطًا له إذ لو كان عدم اللازم شرطًا للملزم نافى الملزم اللازم وهو مح وأما غير مستلزم وهو المطلوب وجوابه بأن استلزامه استعقابه عادة لإيجابه غير شامل للمذهب فلا بد من قولنا أو إيجابه عند تمامه واشتراط عدم العلم قبل تمامه. 5 - دلالة الدليل إن توقفت على العلم بها لزم الدور وإلا كان دليلًا باشتماله على جهة الدلالة لا باعتبارها. 6 - العلم بعده أما الواجب فيقبح التكليف به لكونه غير مقدور أو أنه خلاف الإجماع وإلا فيجوز انفكاكه وجوابه أن التكليف بالنظر، ورد بأنه خلاف الظاهر مثلًا معرفة الله واجب والنظر فيها واجب آخر لا أن إيجاب أحدهما عين إيجاب الآخر وأجيب بأنه كلام على السند، وأقول في حله أن ارتكاب خلاف الظاهر جمعًا بين الأدلة ليس أول لحن لفظ بالبصرة فمعنى التكليف بالمعرفة التكليف بالنظر فيها ومعنى التكليف الآخر بالنظر أي العلم بوجوبه التكليف بالنظر للعلم به والكلام على السند المنحصر منعه فيه جائز ولصحته مطلقًا جهة ذكرناها في حواشي المطالع، وعندي توجيه آخران الباء للسببية أي التكليف بالعلم بسبب مقدورية النظر فإن المكلف به أعم من مقدورية نفسه أو طريق تحصيله وذلك لأن العلم وإن وجب بعده فبالغير والواجب بالغير يجوز التكليف به والفرق بينهما أن هذا منع قبح التكليف به والأول منع أن التكليف به. 7 - دليل وجود الصانع إن أوجب وجوده لزم من عدم الدليل عدمه في الواقع وإن أوجب العلم بوجوده فلا يكون دليلًا ما لم ينظر وجوابه أنه يوجب العلم به بمعنى متى علم علم وهذه الحيثية لا يفارقه نظر أو لم ينظر. 8 - الاعتقاد الجازم الحاصل بعد النظر قد يكون علمًا وقد يكون جهلًا فالتمييز بماذا وجوابه أن التمييز بأن العلم ما يقتضيه النظر الصحيح فإنه كما يقتضي العلم يقتضي كونه علمًا لا جهلًا أو بركون النفس بعد تجويز الطرفين وعدم العناد إلى أحدهما فلا يلزم الكفرة المصرون نعم يلزم المعتزلة القائلون بتمثل العلم مع الجهل فإن التمييز من التماثل مشكل لوجوب اتحاد المتماثلين في الذاتيات ولوازمها واختلاف العوارض لا يدل على اختلافها فكيف يميز به والجواب الكلي عن شبههم أنها إن أفادت فقد أبطلتهم النظر بالنظر وإلا فوجودها كعدمها، لا يقال الغرض من معارضة الفاسد بالفاسد التساقط لأنا نقول إن إفادته فقد أفاد بعض النظر وإلا فلا عبرة قبل الغرض إيقاع الشك وهو على غير

العلم بالمتقابلين قلنا إن أفاده النظر شيئًا وإلا فلا عبرة، وللمهندسين في أن الغاية في الإلهيات الظن بالأخلق والأولى دون العلم وجهان: 1 - إن الحقائق الإلهية لا تتصور فكيف يصدق بها بخلاف العلوم المتسقة كالحسابيات والهندسيات وجوابه منع عدم تصورها فإنه مختلف فيه ثم منع وجوب التصور بكنه الحقيقة للتصديق وإلا فيلزمهم في الظن. 2 - إن أقرب الأشياء إلى الإنسان هويته وأنها غير معلومة لكثرة الخلاف فيها فأبعدها أولى وجوابه أن كثرة الخلاف دليل العسر لا الامتناع الذي فيه النزاع، وللملاحدة وجهان: 1 - لو كفى العقل لما كثر الخلاف وجوابه أن كثرته لفساد الأنظار الحاصل من معارضة الوهم. 2 - العلوم الضعيفة كالنحو لا تستغنى عن التعلم فكيف بعد العلوم عن الحس والطبع وجوابه أن الاحتياج بمعنى العسر مسلم وبمعنى الامتناع الذي فيه النزاع لا، وقد يردّ عليهم بوجهين ضعيفين: 1 - صدق المعلم إن علم بقوله دار أو بالعقل ففيه كفاية وذلك لأنهم ربما يقولون بمشاركتهما بأن بضع مقدمات يعلم منها صدقه. 2 - لو لم يكف العقل لاحتاج المعلم إلى معلم آخر وتسلسل وذلك لأنه يكفي عقله دون عقل غيره أو ينتهي إلى الوحي هذا كله إذا قالوا النظر لا يفيد العلم بدون المعلم أما لو قالوا كما حكى عنهم صاحب التلخيص لا يفيد النجاة بدونه فالرد عليهم بإجماع من قبلهم على النجاة والآيات الآمرة بالنظر في معرض الهداية إلى سبيل النجاة من غير إيجاب للتعليم ورد هذا الرد بأن الإجماع غير متواتر فلا يكون حجة في العمليات والآيات الآمرة معارضة بالدالة على إيجاب التعليم ثم قيل والحق إن التعليم في العقليات ليس بضروري بل إعانة وفي المنقولات ضروري والأنبياء ما جاؤوا لتعليم الصنف الأول وحده بل وللصنف الثاني، وأقول بل الحق إن التعليم في العقليات يتوقف عليها صحة النقل ليس إلا للإعانة وفيما لا مدخل للعقل هو المفيد ضرورة وفي غيرهما مفيد بلا ضرورة فلكل من الآيات الآمرة للنظر والتعليم محمل فلا معارضة والإجماع إنما يحتج به ها هنا على من تواتر عنده كما لا يحتج به مطلقًا الأعلى من ثبت عنده. الثاني: في كيفية إفادته للعلم وها هي كترتيب كل أثر على مؤثره العرفي بالعادة على

مذهب الأشاعرة لا بالتوليد لاستناد جميع الممكنات إلى الله ابتداء والاستناد إلى غيره مجازي كاستناد الإفادة إلى النظر ولا بالإيجاب لأنه مختار والمنفى الإيجاب الذي يقول به الحكماء فلا ينافيه الوجوب بالاختيار، وبالتوليد عند المعتزلة وهو الإيجاب بالواسطة كحركة المفتاح بحركة اليد ولا ينافي الاختيار بلا واسطة والنظر بولد العلم وأما تذكر النظر فلا يولده عندهم فقياس أصحابنا ابتداء النظر بالتذكر إلزامًا لهم فأجابوا بأن بينهما علة فارقة من وجهين عدم مقدورية التذكر وكون التذكر بعد حصول العلم فإن صح الفرق بطل القياس وإلا منعنا الحكم والتزمنا التوليد ثمة، والحاصل أنه قياس مركب فالخصم بين منع الجامع ومنع الحكم، وعلى سبيل الإعداد عند الحكماء فإن الفيض يتوقف على استعداد خاص يقتضيه وعند تمام الاستعداد يجب وهو مذهب الإِمام، وأما قول الرازي بأنه واجب غير متولد عملًا بدليل المذهبين فينافيه القواعد الكلامية ككونه مختارًا واستناد كل من الحوادث إليه ابتداء وأنه لا يجب على الله تعالى شيء اللهم إلا أن يريد الوجوب العادي. الثالث: أن الفاسد يستلزم الجهل عند الرازي مطلقًا كاستلزام أن العالم قديم وكل قديم مستغن عن العلة أن العالم مستغن عنها ولا يفيده مطلقًا عند البعض وإلا لأفاد نظر المحق في شبهة المبطل الجهل له وجواب الأول منع الاستلزام في نفس الأمر لعدم اشتمال الفاسد على وجه الدلالة بلى يفيده عند الناظر لاعتقاده الفاسد لكن ليس كل من أتى بالنظر الفاسد يعتقده ولا كل ما يفيد الشيء من حيث المحل المعين يفيده من حيث هو فلا استلزام والقول بأن مدعاة مهملة فاسد والثاني أن نظر المحق في شبهة المبطل إنما يفيده الجهل لو اعتقد مقدماتها وإلا فنظر المبطل في حجة المحق يفيده العلم وقيل: الفساد المادي يستلزمه والصوري لا وليس بشيء إذ ربما يفيد فاسد المادة العلم مع صحة صورته نحو كل إنسان حجر وكل حجر ناطق والحق النزاع يرتفع بتحرير المبحث فإن أريد الاستلزام عند الناظر بشرط اعتقاد الصحة في المادة والصورة فالمذهب الأول وإن أريد استلزامه في نفس الأمر كما في الصحيح فالمذهب الثاني، لا يقال فنظر المبطل في حجة المحق يفيده العلم أو كان استلزامه في نفس الأمر؛ لأنا نقول نعم لو لم يمنع عقيدته الفاسدة المستقرة عن درك حقيقتها وإن أريد استلزامه عند الناظر في بعض الأحيان بشرط اعتقاد الصحة في المادة فقط إذا الصورة مضبوطة فالمذهب الثالث وهذا تحقيق لا تجده في كلام القوم، الرابع شرط ابن سينا في الإفادة التفطن لكيفية اندراج الأصغر الجزئي تحت الأكبر الكلي

الكلام في المدلول

قيل فإن أراد به اجتماع المقدمتين معا فحق وإلا فمم، وحديث البغلة المنتفخة البطن للذهول عن إحديهما ولا يلزم انضمام مقدمته أخرى فيحب ملاحظة ترتديها مع الأولين وبتسلسل كما ظنه الرازي بل العلم بأن هذا مندرج تحت ذاك عين ملاحظة نسبة المقدمتين إلى المطلوب وأما تفاوت الأشكال في الجلاء والخفاء فلاختلاف اللوازم قربًا وبعدًا، وأقول العلم بالاندراج هو العلم يكون الأصغر من جزئيات الأوسط التي حكم بالأكبر على جميعها وهو أمر يفيد مصورة القياس فيجب ملاحظته كالمستفاد من مادته فلئن كان تصديقًا آخر ليس مغايرًا للمقدمتين حتى يتسلسل وليس عين اجتماعهما وإلا لم يتفاوت الأشكال بل أمر فهمه من الأول بين ومن الآخر بملاحظة الارتداد إليه قربًا وبعدًا فلذا يتفاوت واختلاف النتائج متابعة له لا بالعكس، الخامس قيل الخلاف في كون وجه الدلالة كالحدوث غير الدليل كالعالم مع أنه صفته فرع الخلاف في أن صفة الشيء غيره أولًا هو ولا غيره والحق أنه فرغ الخلاف في الوجود الذهني إذ ليس في الخارج غير العالم والصانع. الكلام في المدلول وهو العلم أو الظن من وجوه الأول في أنه يحد أولًا، الرازي لا يحد لأنه ضروري لوجهين: 1 - أنه معلوم فلو كان كسبيًا لعلم بغيره وكل شيء يعلم به فدار. 2 - إن علم كل أحد بنفسه بل وبأنه عالم ضروري لحصوله للصبيان ومن لم يمارس الكسب مسبوق بالعلم المطلق والسابق على الضروري ضروري وجوابهما أن معلومية غير العلم بتعلق علم جزئي تصوري أو تصديقي به وزاد علم كل أحد بنفسه أو بكونه عالمًا حصول العلم فهو تصديق والتصديق ولو بديهيًّا بجملته لا يستلزم تصور كنه أطرافه حتى يتوقف معلومية الغير والعلم بنفسه على تصور كنهه الذي فيه النزاع ولأن حصول الشيء ولو في الذهن لا يستلزم تصوره فكم من راء ومريد لا يتصور عنه الرؤية والإرادة لا بعدها فيكون أثرًا لازمًا ولا قبلها فيكون شرطًا لازمًا فينفك أحدهما عن الآخر فلا يلزم من بداهة الآخر وبه يحصل الجواب عن دليلهم الثالث وهو أن مطلق العلم لو كان كسبيًا لكان كل علم كسبيًا ضرورة أن كسبية الجزء تستلزم كسبية الكل واللازم بط لأن من العلوم ما هو ضروري بالوجدان وذلك لأن اللازم منه كسبية تصور كل علم وهو لا ينافي في حصول بعض التصورات أو التصديقات بلا كسب لأن حصول الشيء ليس

مشروطًا بتصوره حتى يتوقف عليه وعن الرابع أن العلم من الوجدانيات وهي بديهية فإن البديهي حصولها لا تصورها ولأن تصور الشيء ربما سبق التصديق والسابق غير اللاحق فيتغايران فلا يلزم من بداهة أحدهما بداهة الآخر قيل هذا أولى، وفيه بحث لأن المغايرة لا تجدي إذا توقف البديهي عليه، لا يقال الموقوف عليه سابق ليس بدهيًا، لأنا نقول لا تم كلية الكبرى بل ما له سابق من نوعه إذ يجوز التصديق البديهي المفسر بالحكم أن يكون له تصور سابق، وأما الرازي فلما جعل التصديق هو المجموع فإنما يكون بديهيًا عنده لو كان كل تصور منه بديهيًا ولذا نراه يستدل في كتبه الحكمية ببداهة التصديقات على بداهة التصورات ولا يفيد اللازم لرجوعه إلى الإصلاح فهذا الجواب لا يستقيم على زعمه بل الجواب حينئذ منع بداهة التصديق والإمام والغزالي لعسر تحديده لصعوبة الاطلاع على ذاتياته وعروض الاشتباه في أن الإضافة فيه ذاتية أو عرضية وإنما يعرف بالقسمة كما سنقسم ما عنه الذكر الحكمي إلى أن يخرج الاعتقاد الجازم المطابق لموجب أو بالمثال كان يقال العلم كاعتقاد أن الواحد نصف الاثنين أو يقال العلم كانطباع الصورة في المرأة فالنفس والغريزة التي بها تتهيأ للانطباع بالمعقولات المسماة بالذهن والصورة المنطبعة كالحديد وصقالته والصورة المتوهمة الانطباع وصور المعقولات حقائقها التي إذا انطبعت في النفس كانت علمًا ولذا اختير أنه كيف فذكر الانطباع أو الحصول تنبيه على أن تسمية الصورة علمًا باعتباره ومن جعله انفعًا لا جعله حقيقة واستبعد الآمدي كلامهما بأن القسمة والمال أن أفاد تمييز له عما سواه فيعرف بهما وإلا فلا يحصل بهما معرفته لأنها نفس التمييز أو ملزومته لا يقال الذي منعاه الحد والرسم بهما لا ينافيه لأنا نقول بل منعًا مطلق التعريف بدليل نقل الرسوم وإبطالها ثم القول بالعسر غايته أن منع التحديد بالتصريح في العبارة والرسم بالإشارة وأجيب بأن إفادة التمييز لا تقتضي صحة التعريف إذ الرسم ليس مطلق المميز بل مميز شامل بين لا بمعنى البين الآتي إذا الانتقال منه لا إليه ولا بمعنى ما يكون بحيث يصح منه الانتقال إلى الملزوم فإن هذا المعنى غير معهود بل بمعنى بين الثبوت لإفراد المعرف وبين الانتفاء عن غيرها بالمعنى اللغوي كاستواء القامة للإنسان لا كقابليته الكتابة لما قال الغزالي في المستصفى واجتهد أن يكون ما ذكرته من اللوازم الظاهرة المعروفة (¬1) وههنا الذي يحصل به كمال التمييز المطابقة لموجب وليس ¬

_ (¬1) نعم، هكذا ذكره حجة الدين الغزالي. انظر / المستصفى (1/ 14).

الثاني: في حده

بحيث يكون ثبوتها لأفراد العلم وانتفاؤها عن أفراد غيره ظاهرًا معلومًا وإلا لم يحصل الجهل لأحد والذي يدل على أنه كسبي أنه لو كان ضروريًّا فإن كان بسيطًا والمعنى بشرط حصوله ذاتيًا له كان كل معنى حاصل علمًا والمقدم بجزئية حق إما أنه بسيط فلأنه إذا كان ضروريًا لم يكن له تصور يتوقف عليه وكل ما كان كذلك كان بسيطًا وأما أن المعنى بشرط حصوله ذاتي له لأن رفعه عين رفعه وكل شيء شأنه ذلك كان ذاتيًّا وأما الملازمة فلأن ذاتي البسيط لا يتعدد لكن ليس كل معنى حاصل علمًا إذ قد يكون ظنًا وجهلًا وتقليدًا وغيرها. توضيح يطلق المعنى على ثلاثه معان على العرض نحو قيام المعنى بالمعنى محال وعلى المعقول المقابل للمحسوس كما يجيء وعلى مطلق المدرك في تعريف العلم بوصول النفس إلى معنى وهو المراد ها هنا لا العرض كما نوهم لأن العرض ليس بذاتي للأغراض. الثاني: في حده الحدود المرضية عندنا ثلاث يستخرج اثنان منها من التقسيمين والثالث الأصح أنه صفة توجب لمحلها المتصف بها تمييزًا لا يحتمل نقيضه أي توجب كون محلها وهو النفس مميزة لما تعلقت به فإن العلم له تعلق لازم وبذلك خرج سائر الصفات كالقدرة والإدارة الموجبة للتميز لا للتمييز والضمير في نقيضه للتمييز وعدم الاحتمال أما لمتعلقة على حذف المضاف بمعنى أن متعلقة أي الطرفين لا يقبل طرؤ نقيض هذا التمييز الذي هو الإيجاب أو السلب بدله على وجه يطابق الواقع فذلك كقولهم ماهية الممكن قابلة لوجودها وأما لنفسه بمعنى أن التمييز لا يقبل طرؤ نقيضه بدله على وجه يطابق الواقع فذلك كقولهم وجود الممكن قابل لعدمه والمراد عدم احتماله بوجه ما لعموم الفعل في سياق النفي كما في لا آكل فيخرج الجهل لاحتماله النقيض في نفس الأمر والظن والشك والوهم لاحتمالها عند الموصوف والتقليد لاحتماله عن الموصوف على تقدير التشكيك فهذا الحد يتناول التصديق اليقيني والتصور إذ لا نقيض لتمييزه لأن التناقض يلزمه الحكم ولذا يقال نقيض الشيء رفعه لا عدوله ولا يمنع الحد، وصدق التعريف على التصور الخطأ حينئذ إذ لا نقيض له فيتحمله غير محذور لأن ذاته علم وخطائية باعتبار عروض ملاحظة الحكم فيه كما أن السواد والبياض متضادان بذاتهما متضايفان بعارض ضديهما ثم رأى كالأشعري أن الإحساس اقتصر عليه وإلا زاد تمييزًا في المعاني لا الكلية لئلا يخرج العلم بالجزئيات ومن رأى أن العلم عين الإضافة فسره بالتمييز واعتراض العلوم

الثالث في القسمة المخرجة لمعناه الثاني مقدمة

العادية ككون الجبل حجرًا يحتمل انخلاقه ذهبًا بدله عند الجمهور وانقلابه ذهبًا لثبوت المختار وتجانس الجواهر عند من يقول به ولا بد من قوله بتقوم الجسم بالأعراض واجب بوجهين أحدهما أدق أما الدقيق فهو أن كون الجبل حجرًا يحتمل كونه ذهبًا بمعنى وقوعه بدله بالنظر إلى ذات الجيل فإن الممكن نسبته إلى الطرفين على السوية بالنظر إلى ذاته أما ذاته مع وصف كونه حجرًا فلا يحتمل ذلك وأما الأدق فهو أنا ولئن سلمنا أن كون الجبل حجرًا بالنظر إلى وصفه أيضًا يحتمل الذهبية لكن مرادنا ليس أن يحتمل متعلق التمييز نقيض نفسه بل أن يحتمل متعله أو نفسه نقيض التمييز وهو الجزم بكونه حجرًا أو كونه حجرًا إذا الجزم به لا يحتمل نقيض جزم العقل فإن الواقع كونه حجرًا وإنما يحتمله لو لم يحصل الجزم بثبوت عين الحكم لأمر يوجبه من حس أو ضرورة أو دليل أو إعادة لأن العادة فعل المختار على سبيل الدوام. الثالث في القسمة المخرجة لمعناه الثاني مقدمة نسبة المحكوم به إلى المحكوم عليه إما بحسب نفس الأمر وهي الخارجية وإما بحسب نفس المدرك وتسمى باعتبار كون المدرك مخلوقًا الذهنية المتصورة بإطلاقه الذكر النفسي وما عند الذكر الحكمي فالإدراك اما أن يتعلق بنفسها كما في الشك والوهم أو بحصولها وهو إذعان أنها واقعة في نفس الأمر أو ليست فالذكر النفسي المتناول لعلم الله بالمعنى الأول لا الخارجية ولا الذهنية ولا الإذعان إذا فرض تحققه بين المتعلقين وهما طرفاه فيكون من شأنه أن يلحقه حكم ويصدر عنه حكم ذكري يعتبر له نقيض فاللإثبات النفي وللنفي الإثبات فإما أن يحتمل متعلقة نقيض ذلك النفسي بوجه من الوجوه أعني في الواقع أو عند الذاكر أو عن الذاكر أولًا، والثاني العلم والأول إما أن يكون بحيث لو قدر الذاكر النقيض لكان محتملًا عنده أولًا والثاني هو الاعتقاد فإن كان مطابقًا فاعتقاد المقلد وإلا ففاسد كالجهل المركب إذ لو تأمل في الشبهة صاحبها أو أصغى حق الإصغاء إلى حجة المحق لتشكك بل اعتقد نقيضه والأول إما راجح فالظن أو مرجوح فالوهم أو مساو فالشك وإنما جعلنا مورد القسمة الذكر النفسي بالمعنى الأول دون الاعتقاد أو الحكم أي بالمعنى الثاني ليتناول الشك والوهم إذ لا اعتقاد فيهما وههنا يعلم أن الاعتقاد يطلق أيضًا على مطلق ربط القلب بالنسبة على أنها واقعة في نفس الأمر سواء كان لموجب ومع

الرابع في القسمة المخرجة لمعناه المتوسط في العموم والخصوص

تجويز النقيض أولًا وقول الرازي بأنه لا يتناول العلم انحلال العقود لا الإرتباط مم فعلم أن مورد القسمة يتناول الأقسام بذاته ويحتمل النقيض بالاعتبار اللاحق لكن لا يتناول تصور غير النسبة ولذا صار المعنى الأول أعم وتعريفه أصح والقول بجواز أن يكون بين المقسم والقسم عموم من وجه كما بين والعالم فاسد ها هنا لأن القاسم اعترف بخروج حد كل قسم عنها وذا مانع عن ذلك وأن توجه المنع إليه بما مر من أن المميز إنما يصلح معرفًا لو كان بين الثبوت لإفراد المعرف بين الانتقاء عن غيرها وليس الخارج ها هنا كذلك. الرابع في القسمة المخرجة لمعناه المتوسط في العموم والخصوص وهي أن العلم بالإدراك والتصور بلا شرط تارة يقسم إلى التصور والتصديق أي التصور بشرط لا وهو التصور الساذج وإلى الحكم المفسر بالإذعان الذي هو كيف أو انفعال لا التركيب الخبري النفساني الذي هو فعل في الأصح عند الحكيم والمجموع الحاصل من التصورات الثلاث والحكم عند الرازي ويرد على النسائي وجوه: 1 - إن المورد إما العلم الواحد فلا يصدق على العلوم الأربعة وإما مطلق العلم فلا ينحصر في القسمين وجوابه أن المورد ما له هيئة وحدانية حقيقية لا ما ليس له جزء. 2 - أنهما متقابلان ولا تقابل بين الجزء والكل لاجتماعهما وجوابه أن التقابل باعتبار الصدق أو العارض ولا ينافيه عدمه باعتبار الوجود. 3 - أن هذا التفسير يجوز اكتساب الحكم الذي هو تصور حينئذ من التصديق والتصديق الذي أحد طرفيه كسبي فقط من التصور وجوابه أن المفسر يجوزه ولا مناقشة ولو أريد بالحكم ما هو فعل يرد عليهما معًا أن أحد قسمي العلم ليس بعلم أو مركب مما صدق عليه العلم ومما لا يصدق عليه فلا يصدق عليه بخلاف صدق الحيوان على المركب منه ومن الناطق حيث يصدق عليه نعم يرد الفقه المركب من العلم والعمل إلا أن يراد العلم المنضم إلى العمل لا المجموع وكذا نحو الخمسة المركبة من الفرد كالثلاثة ومن الزوج كالاثنين. والجواب عن الأول: أنه ماهية اعتبارية والكلام في الحقيقة. وعن الثاني: أن تركب العدد من الوحدات ولا عدد يصدق على الوحدة حتى يكون تركبه مما يصدق عليه ومما لا يصدق والتحقيق أن المركب من الأجزاء الخارجية لا

يصدق على شيء منها كالعدد على الوحدات والبيت والإنسان على اليد والرجل بل على مجموع اعتبر فيها هيئة وحدانية حقيقية في الماهيات الحقيقية واعتبارية في الاعتبارية ولأنه يعتبر للمجموع هوية واحدة يصدق عليه الأجزاء العقلية ويجري التصادق بينها، وأخرى يقسم إلى التصور الساذج وإلى التصور مع الحكم ويسمى القسم الثاني التصديق فيحتمل أن يكون المراد من الشيء مع الشيء المجموع وهو مذهب الرازي فيرد الأبحاث الأربعة وأن يكون الشيء بشرط مقارنته لآخر فلا يرد شيء منها لكنه خلاف الخلاف المتعارف وأخرى يقسم إلى التصور الساذج وإلى التصور مع التصديق كما قال ابن سينا الشيء قد يعلم تصورًا ساذجًا وقد يعلم تصورًا معه تصديق كذلك قد يجهل من طريق التصور وقد يجهل من طريق التصديق فلا يرد الأبحاث الأربعة، ويرد أن نفس التصديق خارج عن القسمين فالتقسيم غير حاصر وأجيب بأن المراد ليس الحصر بل أن العلم يقع على أحد وجهين ووقوعه على الوجه الثالث لا ينافيه وهو مردود لأن جعله المجهول من جهة التصديق مقابلًا له يفهمنا أن المراد من المعلوم بالتصور مع التصديق هو المعلوم من جهة التصديق فالمراد كما قال المتقنون المعلوم الذي علمه تصديق أي حكم فإن الحكم كما يسمى باعتبار ذاته تصديقًا يسمى باعتبار حضوره في الذهن تصورًا مع التصديق ويمكن رد التقسيم الثاني إلى هذا المعنى وعليه يجرى فنقول العلم إما متعلق بمفرد أي لا بحصول النسبة وهو التصور والمعرفة وإما متعلق بحصولها وهو التصديق والعلم فهو مشترك بين المورد والقسم قيل: هذا وإنما يصح إذا كان الحكم المعبر عنه بحصول النسبة فعلًا مغايرًا للعلم أما إذا كان إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها فالوجه في التقسيم أنه إما حكم أو غيره وليس بشيء لأن التصديق إن كان العلم بالحكم الذي هو فعل توقف حصوله على خمسة أشياء بل المراد بالعلم بحصول النسبة إدراك النسبة التي هي مورد الإيجاب والسلب واقعة فالتصور نحو تصور النسبة في الشك والوهم والتصديق ضربان متميزان بذاتهما يتوقفك تحقق حقيقة الثاني على تحقق المعلوم، كما أن الإحساس يتوقف على تحقق المعلوم وحضوره وباللازم المشهور وهو احتمال الصدق والكذب وعدمه التصديق الكاذب يتوقف على تحقيق المعلوم في الزعم وذلك كاف وبأن التصديق يتوقف على التصورات الثلاث شرطًا أو شطرًا دون العكس لكن بوجه يقتضيه مقام الحكم لا بأي وجه كان ولا بحسب كنه الحقيقة البتة فالمجهول مطلقًا يمتنع الحكم عليه ولا ينافيه كونه محكومًا عليه ها هنا بجهة معلومية ذاته بالمجهولية لأن امتناع الحكم عليه ما دام مجهولًا مطلقًا

الخامس في تقسيم هذين القسمين

فالمطلقة لا تنافيه أو الجهة مجهوليته فرضًا وتقديرًا فيندفع ولو أورد على قولنا لا شيء من المجهول مطلقًا دائمًا يصح الحكم عليه دائمًا. الخامس في تقسيم هذين القسمين كل منهما إما ضروري يحصل بلا طلب وكسب وهو البديهي عند البعض وقسم منه عند آخرين وهو ما يثبته مجرد العقل كالأولى والتي قياساتها معها وأما المطلوب لا يحصل إلا بالطلب وهو الكسبي والنظري وهو ما يتضمنه النظر الصحيح، قيل: يرادفه لأن الكسب لا يمكن إلا بالنظر وقيل: يمكن عقلًا فهو أخص لكن بينهما ملازمة عادية بالاتفاق وتحصيل الكسبي بلا نظر خرق للعادة أما وجود الأقسام الأربعة فبالوجدان وإذ لولا أن بعض كل منهما ضروري لزم الدور أو التسلسل المانعان للاكتساب أما الدور فظاهر وأما التسلسل فلأن تحصيل الأمور الغير المتناهية في زمان متناه وهو الزمان الذي بين أول تعلق النفس بهذا البدن قديمة كانت أو لم تكن وبين زمان الكسب مع أن كل توجه يستدعي زمانًا محال وهذا بناء على امتناع اكتساب أحدهما من الآخر أما في التصديق فظاهر وأما في التصور ففي مطلقه ولا يلزم من عدم تحققه إلا في ضمن أحد الخاصين عدم إرادته إلا في ضمنه وفي تصورات الوجوه المنتهية تصورات الكنه إليها والإيراد بأن هذا أيضًا نظري حينئذ فيمتنع اكتسابه أما نقض إجمالي لا بالتخلف بل بإلوام المحال فيندفع بمنع أنه نظري على ذلك التقدير لاستحالة التقدير أو أنه نظري يحتاج إلى نظر حينئذ وإنما يحتاج لو كان نظريًا في نفس الأمر وأما مناقضة بمنع صدقه في نفس الأمر فلا يمكن التقصي وإنما يتوجه ممن لا يعترف بمعلوم فالاستدلال على من يعترف به ويدعى كسبيته أو على التقدير فيقال صادق في نفس الأمر فإن صدق على التقدير فذاك وإلا فينفي التقدير لأن منافي الواقع منتف ثم لولا أن بعض كل منهما نظري لما احتجنا إلى نظر في شيء والدليل منزل في كل منهما لا في كليهما إذا ثبت هذا فالمنكر للكسب في شيء أو في التصورات كالرازي وكذا المنكر للبداهة في كل شيء ما كالسوفسطائية أو في الحسيات فقط أو في غيرها فقط مباهت أن أنكر بعد العلم يعرض عنه لأن غرضنا إظهار الحق لا الإلزام أو جاهل بمعنى الأقسام فيفهم فالضروري من التصورات ما لا يتقدمه تصور يتوقف تحققه عليه سواء كان داخلًا في حقيقته كما في الحقيقي أو خارجًا كما في الرسمي وإلا كان محتاجًا إلى جمعه وترتيبه وذلك نظر فلا يحد ولا يرسم فكل ضروري بسيط والمطلوب ما يتقدمه ذلك فكل مركب مطلوب وليس كل بسيط

ضروريًا ولا كل مطلوب مركبًا لأن البسيط ربما يكون مطلوبًا بالرسم ولاعتراض على جمع الأول ومنع الثاني بتصور لا بطلب مفرداته كتصور الاثنين جوابه منع بداهة تصور الاثنين كيف وقد اختلف في ماهية الإعداد ووجوديتها اختلافًا لا يرجى معه التطابق وبداهة التصديق بالاثنينية لا يقتضي بداهة تصورهما، ومن التصديق ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه وهو دليله ولا ينافيه تقدم التصور الضروري أو النظري والمطلوب بخلافه وأورد من أنكر اكتساب التصور بوجهين الأول أن المطلوب إما مشعور به فلا يطلب لحصوله أو غير مشعور به فلا يطلب لامتناع توجه النفس نحو المعقول عنه فرد يمنع الحصر لجواز أن يكون مشعورًا به من وجه دون وجه فأعيد الكلام فيما يطلب من وجهيه ثم وثم حتى يتسلسل وأجيب باختيار أن الوجه المطلوب مجهول بذاته ومعلوم بصفته التي هي الوجه الآخر فيتوجه إليه كذات الروح مع مبدائيته للحس والحركة ولا يتسلسل لأن جهة معلومية المطلوب عين الوجه الآخر لا غيره إذ هو من جهات الوجه المجهول لا يقال فيتوقف التوجه إليه على معرفة كون الوجه المعلوم من جهات الوجه المجهول وذلك يقتضي توجهًا سابقًا إلى الوجه المجهول فيتسلسل لأنا نقول: إن أريد بالمعرفة الحكم فلا نم توقف التوجه عليها وإلا لزم من كل تصور تصديق وإن أريد تصوره به فسلم ولا نم استدعاءه توجهًا سابقًا وإلا لم يتصور شيء ومنهم من أثبت أمرًا ثالثًا زعمًا منه أن الوجهين يثبتان له فلا بد من محكوم عليه ولا حاجة إليه؛ لأن الثالث إما معلوم فلا حاجة إلى وجهه المعلوم أو مجهول فيجوز أن يطلب ذاته. وهذا الجواب إجمالي فصله بعضهم: بأن الوجه المعلوم الحقيقة الشاملة للمطلوب وغيره كالشيئية والوجود والمجهول تعيين المطلوب من بين مشمولاتها وليس بتام لأن الداعي إلى التوجه المخصوص يكون مخصوصًا كليًا أو غالبًا ولبعضهم بأن المعلوم أجزاؤه في الحقيقي وخاصته في الرسمي المعمورة فبالعلم مع المفردات الآخر والمطلوب تعيين تلك المفردات وتمييزها عن غيرها كتعيين شخص بالإشارة من جملة الحاضرين لطالب زيد وهذا يقتضي أن لا يتصور ما ليس بحاصل أصلًا والوجدان يكذبه، والتحقيق أنه ليس متصور حاضرًا في الذهن بل منه ما هو كالمحزون فيه المعرض عنه فإن كان الالتفات إليه من غير قصد يسمى حدسًا وإن كان يقصد إليه والداعي شيء من خواصه الداخلة أو الخارجة فإذا أحضر منه جملة ورتبت حصل مجموع لم يكن حاصلًا كمن يبني بناء فهذا هو الحد الحقيقي ثم ربما ينتقل الذهن منه إلى مغفول عنه أو متوجه إليه لتعلقه به بوجه

كمن الجر إلى الجار فيكون رسمًا ومن هذا يعلم أمور: 1 - أن الحد مركب والرسم يجوز بساطته. 2 - أن القصد لا بد له من داع فلا بد أن يكون مسبوقًا بتصور فيسقط ما يظن أن النظر حينئذ يكفي فيه الانتقال الثاني. 3 - سقوط الاعتراض بأن أجزاء الحد حتى الصوري إن كانت معلومة كان المحدد معلومًا فلا طلب وإلا لامتنع التعريف بها وذلك لأن أجزاءه معلومة غير مستحضرة فالطلب لاستحضارها وترتيبها. لا يقال إذا كان الصوري معلومًا كان الجمع والترتيب حاصلًا فالطلب لماذا لأنا نقول إن أريد بالجزء الصوري الصورة التي يعبر عنها بالفصل فلا نم استلزامه الجمع والترتيب في العقل وإن أريد الهيئة المجموعية من المادة والصورة فهي ليست بحاصلة والطلب لتحصيلها فالتعريف كما ذكره الرازي في المباحث المشرقية نوعان نوع لتمييز الحاصل في الذهن عن غيره ونوع لتحصيل ما لم يكن وإنما خص الرازي الإيراد والإنكار بالتصور مع وروده ظاهرًا في التصديق أيضًا لأن اندفاعه فيه واضح فإن النسبة الحكمية متصورة فيه نفيًا وإثباتًا والمطلوب تعيين أحدهما وتصورهما لا يستلزم حصولها وإلا لزم حين التشكك اجتماع النفي والإثبات وأما جواب المتأخرين بأن قولكم كل مشعور به يمتنع طلبه وكل غير مشعور به يمتنع طلبه لا يجتمعان على الصدق إذ العكس المستوي لعكس نقيض كل ينافي الآخر فمردود بأن الموضوع في كل قسم مقيد بمورد القسمة كالتصور فيكون موضوع العكس المستوي كما لا يكون تصورًا مشعورًا به أعم من موضوع الآخر كالتصور الغير المشعور به فلا ينافيه والجواب عام ورده بمنع انعكاس الموجبة الكلية كنفسها بعكس النقيض إلزامي للمتأخرين القائلين بمنعه وإلا بالانعكاس صحيح، الثاني أن تعريف الشيء بنفسه دور وبجميع أجزائه كذا لأنه عينه وببعض أجزائه بالنسبة إلى ذلك البعض دور وإلى غيره خارج ولأن باقي الأجزاء إن لم يحتج إلى التعريف لم يكن المعرف المجموع بل بعضه وإن احتاج ولم يعرف به لم يحصل التعريف وإن عرف فبالخارج وبالخارج وكذا بالداخل والخارج لأن المجموع خارج موقوف على العلم باختصاصه به وهو دور دون ما عداه الغير المتناهي وفيه الإحاطة بغير المتناهي والجواب عن الحد التام بأن جميع الأجزاء ليس نفسه إذ كل واحد مقدم فكذا الكل أو بأن الحد جميع تصورات الأجزاء والمحدود تصور واحد الأجزاء ليس بحق أما الأول فلأنه لو كان غير الأجزاء فإما

الكلام في النظر الكاسب

معها فلا يكون جميعًا أو دونها فلا يكون أجزائه ولأنه لا يلزم من تقدم كل تقدم الكل وإلا تقدم الكل على نفسه وهو دور والمادية فقط ليست جميعًا ولا كافية في معرفة الكنه وأما الثاني فلأن التصور الواحد للجميع إن أريد الوحدة الشخصية فغير كاف إذ عدم تصور جزء مناف لتصور الكل وإلا لزم وجود الكل في الذهن بدون الجزء وإن أريد الوحدة المجموعية فلا مغايرة إلا في العبارة ثم ولو سلم المغايرة في الحقيقة اشتمل تصور الشيء بحده على تصور لأجزائه مرتين تفصيلًا أولًا وإجمالًا ثانيًا وليس كذلك بالوجدان بل الحق ما مر أن الأجزاء إذا استحضرت ورتبت حصل مجموع هو الماهية فالحد أمور كل منها مقدم كالأجزاء الخارجية وتقويمه بعينها ويطرد المغلطة في نفي التركيب مطلقًا بأدنى تغيير بأن يقال كل من الجزئين ليس نفس السواد مثلًا فعند اجتماعها إن لم يحصل هيئة لهما هي السواد فلا سواد وإن حصل فالتركيب في قابله أو فاعله لا في نفسه هف، وحله أن السواد عين المجموع لا شيء غيره يحل فيه وعن الحد الناقص بأن المحدود المجموع من حيث هو مجموع فإن الواجب فيه تصور المحدود بوجه يميزه عما عداه فلا يجب الاطلاع على ذاتي ما والمعرف وإن كان جزءًا ليس من لوازمه أن يتوقف عليه حصول أجزاء المحدود كالصوري لا يتوقف عليه المادي وإلا لدار ولا نفسه بل حصول الكل من حيث هو أو البعض والأجزاء الباقية غنية عن التعريف أو مترفة قبل وعن الرسم تامًا أو ناقصًا بأن الواجب في الخارج اختصاصه الموجب للانتقال لا العلم به وإلا لزم من كل تصور بخارج تصديق ولئن سلم فيوجه لا دور ولا تسلسل فيه. الكلام في النظر الكاسب لما كان النظر الكاسب قسمين كاسب التصور وكاسب التصديق وكان كل منهما مركبًا غالبًا أو كليًّا وكل مركب مشتملًا على مادة وصورة وجب عقد فصلين لمباحث ذينك الأصلين وجزءيهما، وقبلهما تمهيدات: 1 - إن كاسب التصديق مركب قطعًا لما مر من أن جهة دلالة الدليل تقتضي مقدمتين وكاسب التصور اختلف في وجوب تركيبه أو إمكان أفراده نادرًا وهذا النزاع مبني على أن الصورة البسيطة المطلع عليها حين نفتش الصور العقلية الموجبة لانسياق الذهن إلى المطلوب لا تعد كاسبة للتصور لعدم اشتمالها على الحركة الثانية كما لا يعتبر الحدس كاسبًا لعدم الحركتين فإن المعتبر في الكسب مجموع الحركتين أو تعد أو على أن اعتبارها كاسبة إنما هو مع القرينة العقلية المصححة للانتقال وإن لم يكن المنتقل عنها إلا

أمرًا واحدًا أولًا معها لا على أن يفسر النظر بأحد الأمرين من التحصيل والترتيب فقط فإن تفسير الحقيقة فرع تحققها فالنزاع في الحقيقة لو بني على التفسير لدار فعلم أن البسيط لو كان معرفًا لكان راسمًا أما الفصل والخاصة وحدهما فلاشتقاقهما مركبان من موضوع لا يعتبر تعيينه لا أن يعتبر عدم تعيينه حتى ينافي المعين ومن نسبة لمعنى معين إليه. 2 - إن المادة والصورة مفسرتان عند الحكماء لمعنيين: أحدهها: أن ما به الشيء بالقوة مادة وما به الشيء بالفعل صورة ومن شانهما أن لا يوجد أحديهما منفكة عن الأخرى في الخارج أما في العقل فالمعبر عن المادة يسمى جنسيًا وعن الصورة فضلًا وأن يكونا في الماهية المحققة لا الاعتبارية وأن يكون المحل متقومًا بالحال لا بالعكس وهاتان إن كانتا في الأجسام كانتا موجودتين لا متميزتين في الخارج والحس بل في الذهن وفي نفس الأمر وإن كانتا في الأعراض أو في المفارقات لم يكونا موجودتين إلا في الذهن والأمور الذهنية الغير المطابقة للخارج إنما تكون كاذبة لو حكم الذهن بوجودها في الخارج ولم يكنز. وثانيهما: أن المادة قابل وجداني بالذات أو الاعتبار والصور هيئة عارضة لذلك ذكره ابن سينا في الشفاء فالحال متقوم بالمحل ويمكن انفكاك أحدهما عن الآخر ويكونان في الماهية الاعتبارية كالكرسي واصطلاحنا على هذا جرى فقلنا المادة مفردات المركب من حيث هي كذلك والصورة الهيئة الحاصلة في التئامها. 3 - أن الهيئة الحاصلة ثلاثة أقسام لأن المركب إما أن يكون له حقيقة غير حقيقة المفردات فيكون له كيفية زائدة أو لا يكون والثانية كهيئة العشرة إذ ليس لها حقيقة غير الآحاد لأنها عشرة وإن تفرقت في أقطار العالم شرقًا وغربًا بلا اجتماع وترتيب فليس فيها كيفية زائدة اللهم إلا في التعقل إن كان، أي: إن حصلت فمن الأمور العقلية وإن اعتبرها العقل إن كان التعقل، أي: الوجود الذهني فإن التعقل ثابت لا محالة وتقاوم العشرة بالأمور التي لا بها أقل منها لتعاونها لا لعشريتها والأولى إما أن تفيض عليها صورة تصير بها نوعًا في الخارج مبدأ للآثار المختلفة كالنبات ومزاج المعجون ألا لا تفيض ولكن يحصل هيئة اجتماعية يعتبر فيها نظام وترتيب فتحصل لها حقيقة أخرى اعتبارية كالكرسي والبيت ويعبر عن الأولى بشيء مع شيء وعن الثانية بشيء لنوع من شيء مع شيء وعن الثالثة بشيء لشيء مع شيء.

الفصل الأول في كاسب التصور

الفصل الأول في كاسب التصور ويسمى قولًا شارحًا ومعرفًا واحدا عن الأصولين، وفيه مقامات، الأول في تعريفه وهو ما يميز تصور الشيء عن جميع ما عداه بطريق الكسب فالمميز في التصديق وعن بعض ما عداه وإن جوزه المتقدمون في الناقصة ولا بطريق الكسب كالحدس والتمييز بالملزومات البينة ليس بحد وتصور الشيء أعم مما بكنهه أو لا ومعرف المعرف وإن كان أخص بحسب العارض فهو مساو بذاته كمعنى الشيء ومفهومه كما أن جنس الجنس أخص وأعم باعتبارين فيجوز كون الشيء الواحد مفهومًا وذاتًا باعتبارين وشرطه الاطراد وهو التلازم في الثبوت أي كما وجد الحد وجد المحدود وعكس نقيضه المنع والانعكاس وهو التلازم في الانتفاء أي كما انتفى المحدود وسمي انعكاسًا لأنه عكس نقيض الانعكاس العرفي أو الاصطلاحي بحسب خصوص المادة فسمي باسم ملزومه وهو كلما وجد المحدود وجد الحد ويلزمه الجمع وهو أن لا يشذ شيء من أفراده، الثاني في تقسيمه وهو إما حد حقيقي وهو حد منبيء عن ذاتياته الكلية المركب بعضها مع البعض فالمتنبيء عن العرضيات رسم وعن الذاتيات الجزئية كالتشخصات الذاتية للمركبة من معروض التشخص ونفسه ليس بحد لأن الأشخاص لا تحد لأن التعريف بالكليات لا يفيد تمييزها مشخصة لما عرف أن تقيد الكلي بالكلي لا يفيد الجزئية وبالتشخصات معًا لا يمكن لتبديلها لمحة فلمحة مع بقاء الشخص فلا يتناولها إلا الإشارة الحسية أو الوهمية والذاتيات فردًا فردًا لا تفيد الحقيقة لعدم صورته الجنسية الحاصلة بمطلق التركيب الشاملة للتامة والناقصة إذ لو اشتمل على مجموع الذاتيات بالمطابقة أو بالتضمن مع صورته النوعية الحاصلة من تقدم الجنس القريب على الفصل فتام وإلا فناقص سواء كان بتقديم الفصل أو بالاكتفاء عليه أو وعلى الجنس البعيد اكتفاء بدلالة الفصل التزامًا وبعضهم فسر الذاتيات بمجموعها ثم أدرج الحدود الناقصة في الرسوم وهو ذهاب إلى ما لم يعهد وإما حد رسمي وهو حد منبيء بلازمه المختص البين بالمعنى المار مرتين فالمتنبيء بالعارض أو بغير الخاص أو بغير البين ليس برسم فإن كان معه جنس قريب فتام وإلا فناقص وهو بالخاصة وحدها أو مع الجنس البعيد وقيل: ومع العرض العام مطلقًا لكن الحق مع العرض العام المساوي للجنس وهو المسمى بالجنس كما أن الخاصة مسماة بالفصل أما الفصل القريب مع الخاصة أو العرض العام فقيل غير معتبر إذ ضمهما معه غيره مفيد لا التمييز ولا الاطلاع على الذاتي وقيل: رسم ناقص لأن المركب من الداخل والخارج خارج. وقيل: حد ناقص

وههنا تحصيلات

وهو الأصح لأن الفصل وحده إذا أفاد التمييز الحدي فمع ضميمة أولى وهكذا الخلاف في التعريف بمجموع الذاتيات والعرضيات كالتعريف بالعلل الأربع قيل رسم تام وقيل: حد تام وإما حد لفظي وهو حد منبيء بلفظ أشهر سواء كان مفردًا رادفه محو الغضنفر الأسد أو مركبا وافقه كالتعريف نحو الوجود من البديهيات والمحسوسات والاصطلاحات ولذا عرفوه ببيان ما تعقله الواضع فوضع اللفظ بإزائه حتى إن ما يقال في أول الهندسة الشكل هيئة حاصلة من إحاطة حد أو حدين أو حدود بالمقدار تعريف إسمي وبعد بيان وجوده يصير حقيقيًا وأما التعريف بالمثال فرسم فبالموافقة المميزة معتبرة إلا فلا. وههنا تحصيلات: 1 - إن تقديم الجنس القريب صورة الحد التام لكون التمييز بعد التشريك أدخل في تمام التعريف وقال صاحب التلخيص لأنه المطابق لوجود المحدود فإن جنسه لاستلزام رفعه رفع الفصل بلا عكس مقدم بالطبع ولا يلزم كون الترتيب جزءًا من ماهية المحدود لأن المساواة واجبة في المفهوم لا في الوجود وليس من لوازم الاتحاد في الماهية الاشتراك في جميع الأجزاء كما بين الشخصين فالجزاء الصوري للمحدود هو الترتيب وقال الكاتبي هذا مسلم ولكن ذكره عير ملتزم في تمامية الحد بل أولى فإن الحد التام هو جمع الأجزاء المادية، وأقول الحق عندي إن صورة المحدود هو الفصل وإن كان في الحد مادة لا الترتيب وإلا لتقوم الجوهر بالعرض بل هو صورة الحد من حيث إنه تصوير للماهية وكون الحد مطابقًا للمحدود إنما هو فيه يتعلق به التصور من الحد ولا ينافي أن يكون له جزء آخر لا من حيث هو تصوير هو الترتيب فلا ينافي أن المغايرة بينهما في الذات المتصورة ليست إلا في الإجمال والتفصيل، لا يقال فالمحدود جزء من الحد فالموقوف تصور الحد لا بالعكس لأنا نقول الواقع جزأ له كل جزء من المحدود لا مجموعة ككل جزء من المعلوم للعلة التامة ومن الاثنين للثلاثة لا المجهولان وأما أن الجنس مقدم بالطبع فبعد تسليم وجودهما وتعدده أحدهما لا نم وجوب التعبير عن كيفية وجود الماهية فضلًا عن وجود أجزائها بل عن نفسها فقط كما لا يجب في تعريف الكرسي التعبير عن تقدم مادته ولئن سلم فالتقدم في التصور والذكر لا يفيد المتقدم في الوجود. 2 - إن الحد لا بد له من مميز فإن كان ذاتيًا فحقيقي وإلا فرسمي وكل إن اشتمل على الجنس مقدمًا فتام وإلا فناقص ولا ينتقص الحد التام بالمركب من المتساوين لأن المراد فيما له جنس أو الكلام في المحققة لا الممتنعة وهو ممتنع لأنهما لو لم يتحدا في ذات فلا

الثالث في مادية الذاتي والعرضي

حمل بينهما وإن اتحدا فتلك الذات أن تعين وتحصل لا بهما فليسا جزئين له وإلا كان جنسًا إذ لا نعني به إلا ذاتًا مبهمًا زال إبهامه وتحصل بالفصل وإن لم يوجد منه الأنواع وفيه منع. 3 - المركب بحد دون البسيط إذ لا بد للحد من فصل فإن تركب عنهما غيرهما حدتهما وإلا فلا. 4 - كل كسبي له خاصة بينة رسم وإلا فلا فإن تركب أمكن رسمه التام لوجوب اشتماله على الذاتي المشترك وإلا فالناقص. الثالث في مادية الذاتي والعرضي المفهوم وهو الحاصل في العقل سواء كان بالآلة أو بدونها إن منع من حيث إنه منصور فيه وقوع الشركة في الخارج فجزئي وذلك إذا كان حصوله فيه بالآلة على أنه عين الموجود في الخارج وإن لم يمنع وذلك إذا كان بدون الآلة على أنه مثال الموجود أو مفروض الوجود فكلي سواء امتنع وجوده الخارجي كشريك الباري والكليات الفرضية أو أمكن ولم يوجد كالعنفاء أو وجد فرد وامتنع غيره كالواجب تعالى وتقدس أو أمكن ولم يقع كالشمس عند من يجوز غيره أو وقع متناهيًا كالكوكب السيار أو غير متناه بمعنى أن لا يوجد زمان لم يكن شيء من أفراده موجودًا فيه كمقدورات الله تعالى ومعنى الشركة مطابقة ما في العقل للكثيرين المحققة أو المقدورة في الخارج ومعنى عدم منعها إمكان فرض المطابقة وإن امتنعت إذ في الجزئي امتناعه إذ فرضها بمنع كون المنصور جزئيًا وفرق بين فرض الممتنع والفرض الممتنع والقسيمة باعتبار المفهومين أو الفردين فلا ينافيها صدق الكلي على مفهوم الجزئي ولا يسري ذلك الصدق إلى أفراده كما لا يسري صدق النوع على مفهوم الإنسان إلى أفراده، ثم الكلي إما ذاتي أو عرضي والذاتي محمول لو فهم الذات فهم معه بمعنى أن فهمه أو متضمن لفهمه وعكس نقيضه خاصة أخرى وهو لو لم يفهم الذات بمعنى أن رفعه عين رفعها فيخرج اللازم البين بقيد العينية والمتضايفان بقيد المحمولية والعينية في الخارج لا تنافي حكم العقل بأن الذاتي رفع فرفعت الذات ومن أحكامه أن لا يكون الحد حقيقيًا إلا بتعقل جميع الذاتيات سواء أديت مطابقة أو تضمنها أو أديت التزامًا إن عدت الناقصة حدًا حقيقيًا فلا يتعدد إلا في العبارة بخلاف الرسمي لجواز تعدد اللوازم، ومن لوازمه أمران آخران، أحدهما أن لا يعلل أي لا يكون ثبوته للذات بعلة غير علتها بخلاف العرضي فإنه إن كان قريبًا فعلته نفس الذات لا علتها

الرابع في تقسيم الذاتي

وإن كان بعيدًا فعلته الوسط أو لا يكون إثباته لها التصديق به معللا لا بالذات لأنها ليست متقدمة والعلة متقدمة ولا بغيرها والعرضي يعلل التصديق به بالذات إن كان قريبًا وبالوسط إن كان بعيدًا هذا إذا كان فهم الذات بتمام حقيقتها، أما إذا كان ببعض الوجوه كما لقوم بله لم يفهموا الحقائق فيجوز أن يعلل إثبات الذاتي بعده أو بذاتي أخص ولذا يقال حمل العالي بواسطة السافل لكن هذا التعليل للتصور بالذات وللتصديق بالعرض، وثانيهما أن يتقدم على الذات في التعقل لأن الكلام في الأجزاء المحمولة كما أن شأن الجزء الخارجي أن يتقدم في الوجود الخارجي أن يتقدم في الوجود الخارجي لكن رفع كل جزء عين رفعها في الخارج بخلاف وجود كل جزء وهذه المعاني الأربعة خواص حقيقية متلازمة غير أن المتقدم في الوجود لا يتناول نفس الذات، وللذاتي في غير صناعة التحديد موضوعات أربع: 1 - المحمول لأربعة معان لممتنع الانفكاك عن الشيء وماهيته وممتنع الرفع وواجب الإثبات وكل من الثلاثة الأخيرة أخص مما قبله. 2 - الحمل لثمانية معان استحقاق الموضوعية وعموم المحمول ومواطأته واقتضاء طبع الموضوع ودوام ثبوت المحمول وثبوته بلا وسط ومقوميته ولحوقه لا لأمر أعم أو أخص أو مباين. 3 - السبب إيجابه للمسبب دائمًا أو غالبًا. 4 - الوجود كون الموجود قائمًا بذاته فهذه أربعة عشر معنى لكل منها عرضي يقابله أو العرضي الذي نحن فيه فمحمول يمكن فهم الذات قبله وفهمها ليس فهمه أو متضمنًا لفهمه ومعلل ثبوته أو إثباته ويتأخر عقلًا. الرابع في تقسيم الذاتي الذاتي معنى ما ليس بخارج عن الماهية سواء كانت جزءًا منها أو عنها فالنسبة اصطلاحية أو إلى الأشخاص ولذا قيد في حد الحد بالكلية لإخراج الشخص ينقسم إلى ثلاثة لأنه إما: تمام لماهية المعقولة للأشخاص ويسمى تمام الماهية المختصة وهو النوع الحقيقي لأنه لا يزيد عليها إلا بالمشخصات التي لا تدخل في التعقل أي بلا آلة وإنما يتناولها إشارة حسية أو وهمية. أو الحد: فهو الدال علة تمام الماهية لا عينه فالنوع الحقيقي ذو آحاد محققة أو مقدرة

متفقة الحقيقة باعتبار كونها آحادًا له أي مقولًا في جواب السؤال عنها بما هي فذو آحاد بمعنى الكلي جنس ومحققة. أو مقدرة: ليتناول مثل الإنسان والشمس ومتفقة الحقيقة لإخراج الجنس وما يماثله مفصله وخاصته وعرضه والباقي لإخراج الفصل والخاصة إن لم يخرج الخاصة بالمورد وإخراج الجنس بالنسبة إلى أفراد ونوع واحد وإدخال الجنس بالنسبة إلى حصص الأنواع ولا بد من اعتبار قيد الحيثية في كل من الكليات لأن الأمور الصادقة على محل واحد لا تنفصل إلا به والكليات كذلك لصدقها فإنه جنس لأسود نوع للمكيف فصل للكثيف خاصة للجسم عرض عام للإنسان أو جزؤها فأما تمام الماهية المشتركة بينها وبين أشخاص النوع الآخر أولًا والأول الجنس فهو تمام ما يشتمل من الذاتي على أمور مختلفة الحقيقة ويخرج فصل الجنس بقيد التمام وتلك الأمور يسمى باعتبار مشموليتها بالأنواع الإضافية وإن جاز اشتمالها على أمور مختلفة الحقيقة ولذا قيل النوع الإضافي هو الأخص من كليين مقولين في جواب ما هو فإن المقول في جواب ما هو تمام الماهية مشتركة كانت أو مختصة فهو أعم من الحقيقي من وجه أن تحقق بسيط نوعي له ماهية كلية وإلا فمطلقًا وليس كل بسيط نوعًا كالجنس العالي والفصل الأخير وهذا النوع يشارك الجنس في أن لكل منهما أربع مراتب عاليًا ومتوسطًا وسافلًا ومفردًا وإن فارقه بالعموم من وجه لكن ترتب الأجناس متصاعد والأنواع متنازل ولذا سمي العالي من الأجناس جنس الأجناس والسافل من الأنواع نوع الأنواع وكل من الكليات الأخيرة إن لم يوجب اختلاف العوارض بالحقيقة فهو نوع الأنواع كجنس الأجناس ونوع الأنواع وإلا فأنواع متوسطة والمضاف جنس الأجناس على التقديرين والثاني الفصل لأن ذاتيًا لا يكون تمام المشترك ما أن لا يكون مشتركًا أصلًا كفصل النوع أو مشتركًا ليس تمامًا بل بعضه كفصل الجنس ولا بد أن يكون مساويًا له لا مباينًا لأنه محمول ولا أخص لأنه بعضه ولا أعم وإلا لتحقق في نوع آخر فليس تمام المشترك بينهما وبينه وهلم جرا فيتركب الماهية من غير المتناهي وهو مح لأن الكلام في المعقولة ومساوي الجنس يميزه عن جميع أغياره الذي هو بعض أغيار الماهية والمميز عن بعض الأغيار فصل إذا لم يكن تمام المشترك وتمامًا المشتركين غير طاف لدفع المحال لأن بعضها المشترك بينهما أما تمام المشترك بينهما فهو تمام المشترك للماهية لأن جنس الجنس جنس وهو خلاف المفروض وأما بعضه فلا بد من تمام مشترك ثالث وهكذا ولأن بينهما حينئذ عمومًا من وجه فلا يوجد في الماهيات المحققة والكلام فيها والثابت به أن الفصل

الخامس في تقسيم العرضي

ذاتي مميز لا يكون تمام المشترك سواء كان تمييزه عن المشاركات الجنسية أو الموجودية وقد قيل بهما وبناؤه على احتمال تركب الماهية متساويين وهو الحق أو امتناعه وأما نحن فلما لم يكن لها وجود لم نقل بها وإن احتملت. الخامس في تقسيم العرضي هو إن لم يمكن مفارقته لازم فأما للماهية بعد فهمها بخلاف الذاتي سواء كان بوسط وهو غير بين ومفارقته بغير الوسط لا ينافي لزومه معه أو لا بوسط وهو بين خاص يكفي فيه تصور الملزوم وعام لا يكفي في الجزم به إلا التصوران ولزومه لا يتوقف على فرض وجوده كفردية الثلاثة وأما للوجود يتوقف عليه فإما شامل كحادثية الجسم أو غيره كمظلليته في الشمس، فليس معنى لازم الماهية لازمها في أي وجود لازمها في وجودها الخاص كما ظن وإلا يكن لازم الوجود شاملًا وإن أمكن عارض فإما أن لا يزول أصلًا كسواد الغراب وليس بلازم الوجود لإمكان مقارنته بالأدوية أو يزول فإما سريعًا كصفرة الذهب أو أسرع كحمرة الخجل أو بطيئًا كالشباب أو أبطأ كالشيب فهذه عشرة إن لم يوجد في غير الذات فخاصة وإن وجدت فعرض عام وقد ظهر حدهما. تنبيهان: 1 - تعاريف الكليات: قيل: رسوم لاحتمال أن يكون المذكورات لوازم المفهومات وقيل: حدود لأنها ماهيات اعتبارية فحقيقتها هذه الأمور المعتبرة والاحتمال يوجب عدم العلم بالحد لا العلم بعدمه ورجح الأول بأن المحمولية مقيسة إلى الغير فيقتضي الخروج وهو مردود لأن ذلك الاقتضاء في المحققة والحق أن الأمور المذكورة إن كانت عين معتبر فحدود وإلا فرسوم وحين لم يتحقق فتعاريف. 2 - كما أن الحد باصطلاح الأصوليين مطلق القول الجامع المانع كذلك الجنس أعم من المشترك الذاتي المستتبع ومن لازمه المساوي أما عارضه الأعم فمختلف في أنه يسمى جنسًا والأخص متفق على أنه لا والفصل هو المميز الكامل أعم من الذاتي المختص المستتبع ومن لازمه المساوي أما عارضه الأعم أو الأخص فلا. السادس في خلل الحد المطلق والرسمي مقدمات: 1 - الخلل مقصورًا على الصورة يسمى نقصًا فيها ومقصورًا على المادة ضعفًا في الدلالة وما يشملهما خطأ.

2 - خلل المادة بالنقض يستلزم نقص الصورة فيكون خطأ لأن ذهاب المعروض ملزوم ذهاب العارض بخلاف خللها لضعف في الدلالة. 3 - الخلل المقصور على الصورة غير قادح في الصحة بل في الكمال. 4 - لازم المذكور فني التصور المذكور في حق المادة ومهجورية الالتزام لرعاية الصورة. 5 - الخلل الرسمي ما يتعلق باللزوم فنقول في مطلق الحد النقص في الصورة بإسقاط الجنس الأقرب أو مطلق الجنس ولا نقص في المادة لدلالة الفصل عليهما بالالتزام أو بتقديم الفصل نحو العشق المفرط من المحبة. والخطأ أقسام: 1 - جعل الجنس عرضًا عامًا لا يساويه كالموجود والواحد للإنسان وفيه بحث إن ليس أقل من تركه. 2 - جعل العرض الأخص من الفصل كالكاتب بالفعل. 3 - ترك الفصل مطلقًا. 4 - التعريف بنفسه مثل الحركة عرض نقله، وفيه فسادان. 5 - جعل النوع جنسًا نحو الشر ظلم الناس. 6 - جعل الجزء المقداري جنسًا مثل العشرة خمسة وخمسة والأولى أن يقال جعل الجزء الخارجي الغير المحمول جزء جنسًا كان أو فصلًا وذلك عند عدم إرادة المجموع أما معها وهو مراد المجوز فيجوز والنزاع لفظي وخلل المادة لضعف في الدلالة وإنما يتصور في التعريف للغير استعمال الألفاظ الوحشية والمشتركة بلا قرينة معينة والمجازية بلا قرينة محصلة لعدم ظهور المقصود وتعينه وتحصله واشتماله على تكرير من غير حاجة كما في تعريف الأنف الأفطس ومن غير ضرورة كما في تعريف المتضايقين وهو القيد المستدرك والفرق بين الحاجي والضروري أن عدم التكرير الحاجي يخرجه عن الكمال والضروري يخرجه عن الصحة وفي مادة الرسمي يشترط أن يكون ظاهرًا بالنسبة إلى المرسوم فلا يجوز يمثله في الخفاء وأخفى بالأولى وبما يتوقف تصوره على تصوره فالأول مثل الزوج عدد يزيد على الفرد ينقص عن الزوج بواحد ولو كان الفرد عددًا لم يصدق الزوج على الاثنين ولو قيل في الفرد يزيد على الزوج لم يصدق شيء منهما على شيء من أفرادهما ومنه تعريف أحد المتضايقين بالآخر.

خاتمة

فإن قلت: إن لم يذكر الآخر لم يتعقل فكيف يعرف بدونه. قلت: يدرج الإشارة إلى الآخر بنوع تلطف مثل الأب حيوان يتولد من نطفته شخص آخر من حيث هو كذلك ولا يقال الأب من له ابن وحقيقته أن يذكر الآخر لا من حيث هو مضاف والثاني نحو النار جسم كالنفس فإن النفس المعقولة أخفى من النار المحسوسة ولذا كثر الاختلاف فيها وكذا مشابهتها إياها في أحداث الخفة أو في حفظ المزاج الحاصل من النضج ولو بوجه والثالث هو التعريف الدوري صريحًا مثل الشمس كوكب نهاري أو مضمرًا مثل الاثنان زوج أول إلى أن يعرف المتساويان بالاثنين وإنما خص هذا بالرسمي لأن الظهور والخفاء إنما يتصور بين الملزوم واللازم للاشتباه في نفس اللازم أو في الانتقال منه لا بين الكل والجزء فلا شك أن الكل أخفى من الجزء وكذا لا توقف إلا للكل على الجزء، لا يقال ربما يؤدي الجزء بلفظ خفي الدلالة على المعنى المنتقل منه ولا يكون في اللزوم خفاء؛ لأنا نقول ذلك من الضعف في الدلالة كما مر فالمراد بهذا الخفاء المعنوي ومنه يعلم سقوط ما يقال لا صورة للتعريف بالأخفى لأن المحدد مجهول من حيث هو محدد والحد من حيث هو حد معلوم وذلك لأن مجهوليته من حيث هو مرسوم كحقيقته لا ينافي ظاهريته من الرسم بوجه آخر فلم يذكروا خلل الحد اللفظي إذ ليس مخصوص بل يندرج خلله فيما ذكر كالتعريف بالأخفى وغيره. خاتمة في أن الحد الحقيقي لا يكتسب بالبرهان ويحتمل معنيين: أن لا يكتسب ثبوته للمحدود وأن لا يكتسب تعقل المحدودية أما الأول فلأنه اكتساب ثبوت الشيء لنفسه لأن الحد عين المحدود في الحقيقة سمى الشيء المجموع باعتبار نفسه محدودا وباعتبار أجزائه المفصلة حدًا. وأما الثاني: فلأن الاستدلال على تعقل المحدود بحقيقته موقوف على تعقله بحقيقته تعقل ما يستدل عليه من جهة ما يستدل عليه فلو استفيد ذلك التعقل من هذا الاستدلال دار التوقف من جهة واحدة بخلاف التصديق فإن الموقوف عليه فيه تعقل النسبة والمطلوب إثباتها أو نفيها وبذلك سقط أم تصور المحكوم عليه من وجه كاف وأن تعقل المحدود غير مستفاد من ثبوت الحد بل من تعقله لأن كلًا منهما إنما يتوجه لو كان الاستدلال على ثبوت الحد لا على تعقله، لا يقال تعقله تصوره والمكتسب بالبرهان التصديق فأي حاجة إلى هذا البيان لأنا نقول الحاجة لبيان أن التصديق بالذاتي لا يكتسب

الفصل الثاني في كاسب التصديق

بالبرهان ليتوسل به إلى تصور كنه الحقيقة وذلك من البيان الأول ولبيان أن تعقل الشيء بذاتية لا تكسب بالبرهان وإن فرضنا إمكان اكتساب التصور من التصديق وذلك من البيان الثاني بخلاف العرضي في الوجهين ولذا قيد المدعي بالحقيقي وإلا فالتصور الرسمي من حيث أنه تصور لا يكتسب أيضًا بالبرهان نعم لما ثبت أن الذاتي لا يعلل بمعنى لا يكون إثباته بعلة ثبت أن الحد الحقيقي لا يعلل فبيانه بعد ذلك إما تبرع بيان صريح في الكل بعد البيان في الجزء أو المحتمل لهما أو لأن المراد بالتعليل فيما سبق تعليل الثبوت إلا الإثبات وهذا أوجه وعلم من ذلك أيضًا أن التصديق يستدعي تصور طرفيه لا بأي وجه كان بل من جهة ما يستدعيه ولا يخفي مما مر أن البيان الأول إنما يتم لو كان تصوره حين الاستدلال بحقيقته أما لو كان يوجه فيجوز أن يستدل على إثبات حده له فذلك قولهم حمل العالي على السافل بواسطة حمل السافل فالحاصل أن المحدود بالشيء لا يستدل على ثبوت حده له حين هو محدود حين تصوره بوجه لا يكون محددًا به ولعدم إمكان تحصيله بالبرهان لا يطلب البرهان عليه فلا يمنع بل البحث فيه إما بالمعارضة بحد يعترف الحادية وإلا فالتصور ما لم يعتبر نسبته فلا يتعارض ولا يتناقض وإما بمنع شرائطه وصحته ولوازمه كالاطراد والانعكاس والجلاء والذاتية ومنه منع أن ذلك مفهومه شرعًا أو لغة وطريق إثباته النقل وكل ذلك منع التصديق لا التصور. الفصل الثاني في كاسب التصديق ويسمى حجةً ودليلًا وقياسًا عقليًا وقد مر تعريفه بقي الكلام في مادته وصورته ففيه قسمان القسم الأول في مادته وهي القضية المسماة إذا جعلت جزء قياسك مقدمة فلا بد من تعريفها وذكر أقسامها وأحكامها ففيه مرامات. الأول في تعريفها وتقسيمها: القضية قول خبري أي مركب عقلي في المعقولة لفظي في الملفوظة يحتمل الصدق والكذب بالنظر إلى أنه إثبات أو نفي وقد يسمى تصديقًا باعتبار أنها مصدق النسبة أو التصديق هو المجموع أو إطلاقًا للجزء على الكل فلا بد فيها من محكوم عليه ومحكوم به يسميان عند المنطقيين في الحماية موضوعًا ومحمولًا والشرطية مقدمًا وتاليًا وعند النحويين مسندًا إليه ومسند وشرطًا وجزاء وحكم بنسبة حكمية يسمى الدال عليه رابطة أما بهو هو ويسمى إيجابًا أو بهو ليس هو فسلبًا والقضية حماية موجبة أو سالبة وأما بهو عنده أو ليس عنده فشرطية متصلة موجبة أو سالبة وأما بهو مباين له أو ليس بمباين فشرطية منفصلة موجبة أو سالبة والانفصال ويرادفه العناد

والمنافاة والمباينة إما صدقًا وكذبًا فحقيقة وإما صدقًا فقط فمانعة الجمع وإما كذبًا فقط فمانعة الخلو وربما يرفع من الأخيرين قيد فقط فيكونان عامتين لشمول كل منهما الحقيقية وهذه القسمة اعتبارية بملاحظة الحكم قدمناها لأنه أقوى أجزاء القضية ولازمها المساوي كأنه عينها وأما ملاحظة المحكوم عليه فإن كان جزئيًا سميت شخصية وإن كان كلبًا فأما نفس الطبعة مطلقة كانت أو مقيدة بقيد العموم فطبيعية أو أفرادها فإن بين كميتها أي كليتها فمحصورة كلية موجبة أو سالبة أو جزئيتها فمحصورة جزئية موجبة أو سالبة فهذه هي المحصورات الأربع وإن لم يبين فمهمله ملازمة الجزئية لأنها متحققة وقسيمة الجزئية باعتبار مفهومها للكلية لا تنافي اجتماعها بحس الوجود كالكلي والجزئي والآية الكريمة كلية لأن اللام فيها للاستغراق وإنما تكون مهملة لو كانت اللام للجنس وربما تذكر الطبيعية لعدم استعمالها في الحجة، أما الشخصية فاستعمال الكلية يوجب استعمالها أو لإدراجها في المهملة التي في قوة الجزئية إذا اعتبر اندراج المسمى في المراد بالموضوع أما إدراجها في الشخصية فمناف لجعل الشخصية في حكم الكلية حتى قالوا بإنتاجها في كبرى الأول وأما بملاحظة المحمول فإن جعل السلب جزءًا منه يسمى معدولة موجبة أو سالبة وإلا فإن حكم بربط السلب فسالبة المحمول موجبة أو سالبة وإلا فموجبة محصلة أو بسيطة حكم فيها بسلب الربط فهذه ستة إذ لم يعتبر العدول والسلب والتحصيل في جانب الموضوع وإلا بلغت ثمانية عشر وذلك لأن الاختلاف بها ليس بمؤثر في مفهوم القضية لأن مناطها ذات الموضوع لا عنوانه والشيء لا يختلف باختلاف التعبير عنه بخلاف المحمول فإن المعتبر مفهومه. تنبيه ربما يقسم القضية إلى الحقيقة والخارجية والذهنية بأن يقال الحكم فيها إما على الأفراد المحققة فقط أو الذهنية فقط أو شاملًا للمحققة والمقدرة التحقق وربما يقسم إلى المطلقة والموجهة فيقال إن تعرض فيها بكيفية ثبوت المحمول للموضوع من الضرورة بأقسامها الخمسة واللا ضرورة بأقسامها الأربعة والدوام بأقسامه الثلاثة واللا دوام بقسيمة فموجهة وإلا فمطلقه وشيء من التقسيمين لا يهمنا فلذا لم نذكرهما ومباحثهما: أما الأول: فلأن المحكوم عليه فيما نحن فيه كالأدلة وأفعال المكلفين يحكم عليه باعتبار تحققه في الخارج لا باعتبار فرض تحققه فيكفينا معرفة الخارجية، وأما الثاني: فلان الجميع عائد إلى الضرورية إذا اعتبر الجهة جزءا من المحمول كما مر فلا يحتاج إلى تفاصيلها.

أصول تنبيهية

تذنيب سالبة المحمول ولا تستدعي وجود الموضوع خارجًا محققًا في الخارجية ومقدرًا في الحقيقة وذهنا في الذهنية كمطلق السالبة بخلاف المعدولة ومطلق الموجبة فالأوليان أعم من المعدولة وعند وجود الموضوع يتلازمان. أصول تنبيهية 1. موضوعية الموضوع غير محموليته وغير محمولية المحمول وموضوعيته لإمكان الاختلاف بينها بالضرورة والإمكان إذا لم يعتبر الذات المعينة. 2. معنى الحمل الحكم على المتعدد في الذهن بوحدة هويته فلا يلزم عدم إفادته ولا كون الشيء نفس ما ليس هو. 3. صدق الحمل الخارجي لا يستدعي وجود مبدأ المحمول في الخارج ولا وجود نفس الحمل والوضع بل وجود شيء يصدق عليه إن كان إيجابًا فلا يجب وجود الأجزاء العقلية ولا الماهية الكلية من صدقها على فرد ولو وجب لوجوب من مدرك آخر بل وجود ما يصدف هي عليه وجودًا واحدًا لا متعددًا. المرام الثاني فيما يفيد اليقين منها وما يفيد الصناعات خمس برهان وخطابة وجدل وشعر ومغالطة إن قوبل بها البرهان فسفسطة أو الجدل فمشاغبة وتتمايز بما يتركب منها فمقدمات البرهان يقينية وينتج إنتاجًا يقينيًا واليقين باللزوم ووجود الملزوم ملزوم اليقين بوجود اللازم لأن لازم الحق حق وتكون ضرورية من الضروريات الخمس أو السبع أو منتهية إليها وإلا فإن عاد سلسلة الاكتساب دار وإلا سار متسلسلًا وربما يقتصر على التسلسل للزومه من الدور قيل اللازم منه هو التسلسل المتعارف لأن التوقعات الدورية غير متناهية ويلزمها الموضوعات الغير المتناهية ولا يعني بالمتعارف إلا التوقعات الغير المتناهية في موضوعات كذلك وفيه بحث لأن المتعارف التوقعات الغير المتناهية في الموضوعات الغير المتناهية في نفس الأمر لا على التقدير فالأولى أن يفسر هذا التسلسل بالتوقعات الغير المتناهية في الموضوعات الغير المتناهية مطلقًا أعم مما في نفس الأمر أو على التقدير أو بالتوقعات الغير المتناهية والأول أولى لأنه أقرب إلى المتعارف، وأما مقدمات غير البرهان فلا تستلزم المدلول من حيث هي لأن أقربها الظن والاعتقاد وليس بينهما وبين الشيء ربط عقلي لزوالهما مع بقاء

موجبهما عند قيام المعارض وظهور خلافه بوجه يقيني كما مر فمقدماتهما إما ظنية أو اعتقادية أو مركبة والاعتقاد قد يحصل من الظنيات بانضمام القرائن أما الضروريات عند المنطقين فسبع لأن العقل إن لم يفتقر في حكمها إلى شيء فهي الأوليات وإن افتقر فإما إلى الحس حس الباطن فالوجدانيات أو حس الظاهر فإن لم يحتج إلى تكرره فالمحسوسات وإن احتاج واختص بحس السمع فالمتواترات وإن لم يختص فالتجريبات وإما إلى غير الحس فإن لم تغب الواسطة ففطريات القياس ويسمى قضايا قياساتها معها وإن غابت وحصلت بسهولة فالحدسيات وإلا فليست ضرورية والفرق بين الحدس والتجربة أن التجربة محتاجة إلى المباشرة وعندنا خمس لأن حكم العقل لا يحتاج إلى غير الحس في الضروريات ففطريات القياس من الأوليات وإمكان تركيب القياس لا يخرج عنها وإلا فلا أولى والحدسيات عندنا من الظنيات لا من الضروريات، وإلا لما جوز العقل نقيضها فإن العقل يجوز في مثاله المشهور أن يكون نور القمر من أمر يدور اختلافه مع اختلاف القرب والبعد ألا ترى أن إبطال رأي ابن الهيثم بالخسوف ليس مما يذهب إليه العقل بسهولة وعد الوهميات منها خطأ لأنها وإن تعلقت بالمحسوس فربما يغلط كتوهم صداقة من ليس له هي وأما الظنيات فمنها مقدمات الخطابة وهي إما مقبولات مأخوذة من معتقد فيه لمعجزة أو كرامة أو كفاية أو ديانة وإما مظنونات يظن صدقها لقرائن وفائدتها الترغيب إلى الخير والتنفير عن الشر، ومنها مقدمات الجدل وهي إما مشهورات يعترف بها الناس لمصلحة عامة أو رقة أو حمية أو شرع أو أدب وربما ينسبه للأوليات ويفرق بأنها قد تكون باطلة وبأنها لا تحصل لمن قذر خلقه دفعة وإما مسلمات في علم أو عند الخصم كحجية القياس الفقهي وفائدته إقناع القاصر عن البرهان وإلزام الخصم واعتياد النفس بترتيب المقدمات على أي وجه شاء، ومنها مقدمات الشعر وهي مخيلات تورث بالنفس قبضًا أو بسطًا على القبول ويروجه الألحان الطيبة والأوزان المطبوعة وفائدته انفعال النفس بالرغبة والنفرة، ومنها مقدمات المغالطة وهي الوهميات التي يحكم الوهم فيها على المعقول حكمها على المحسوس فربما يغلط والمشبهات بالضرورية أو المشهورة وغيرها من الظنية فإن قوبل بها الحكيم فسفسطة وإن قوبل الجدلي فمشاغبة، وفائدتهما تغليط الخصم وأعظم منه معرفتها للاحتراز عنهما كالسحر هذا هو المقرر عند المنطقيين والذي يهمنا من الظنيات أربع حدسيات كما مر ومشهورات شرعية يندرج تحتها المقبولات الشرعية الغير المتواترة والمظنونات الشرعية ولا اعتبار للعرفيات منهما

المرام الثالث في الأحكام

ووهميات ومسلمات والمخيلات غير مفيدة في أحكام الشرع وقيل: ليس فيها حكم فليس ظن. تتمات ثلاث 1 - البرهان إن كان الاستدلال فيه بما يفيد اللمية والآنية أي بسبب للثبوت والتصديق يسمى برهانًا وتعليلًا عند البعض ولا يكون إلا من المؤثر إلى الأثر وإن كان بما يفيد الآنية فقط أي التصديق وذلك لا بد منه وإلا لم يكن دليلًا يسمى برهانًا واستدلالًا مطلقًا عند البعض سواء كان بالأثر على المؤثر أو بأحد الأثرين على الآخر أو بأحد المتضائقين عند من لم يجعلهما أثرين على الآخر. 2 - قد مر أن وجه الدلالة هو الحد الأوسط لكن لا من حيث ذاته بل من حيث توسطه المخصوص بين الأصغر والأكبر وخصوصيته ناشئة من ثبوته للأصغر واستلزامه للأكبر وذلك يقتضي خصوص موضوع الصغرى وعموم موضوع الكبرى فلذا قيل وجه الدلالة أن الصغرى خصوص باعتبار موضوعها أي لها خصوص أو خاصة والكبرى عموم واندراج الخاص تحت العام واجب فيندرج موضوع الصغرى تحت موضوع الكبرى الثابت لجميع أفراده محمولها فيلتقي موضوع الصغرى ومحمول الكبرى وهو المطلوب ولما كان موضوع الكبرى باعتبار محموليته في الصغرى أعم من موضوع الصغرى مطلقًا لأن الملاحظ في الموضوع كل فرد وفي المحمول مفهومه الكلي كان الحكم بعموم موضوع الكبرى شاملًا للمتساوي مع الأصغر بحسب الوجود. 3 - إن إحدى مقدمتي البرهان قد يحذف للعلم بها اقترانيًا كان القياس أو استثنائيًا نحو {لَوْ كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: من الآية 22] فإن الحق أن لو للزوم فقط لا مع المقدمة الاستثنائيةكما قيل، فالمحذوفة استثناء نقيض المقدم لأنه في متعارف العرب لانتفاء الثاني لانتفاء الأول، وقيل: استثناء نقيض التالي لأن استثناء نقيض المقدم لا ينتج ولأن عدم سبب ما لا يقتضي عدم المسبب بخلاف العكس والحق أن ذلك متعارف لا يمكن إنكاره غايته الاستلزام الادعائي العادي الخارجي المبني على أن يراد بخزائه ما يحصل بشرطه المنحصر سببًا يكون الآية الكريمة سيقت لنفي تعدد الآلهة فلا بد أن يراد فيها استثناء نقيض التالي كما هو في مقام الاستدلال. المرام الثالث في الأحكام وهي التناقض والعكسان فالاحتياج إلى الأول لطريق الخلف والأخيرين لطريق العكس

الأول في التناقض

ولما مر، ففيه ثلاثة فصول الأول في التناقض وفيه ثلاثة أجزاء الأول في تعريفه وهو اختلاف كل قضيتين بحث يلزم من صدق أيتهما فرضت كذب الأخرى ومن كذبها صدقها فالاختلاف جنس وذكر الكل ليطابق المحدود المعتبر عمومه بلام الاستغراق وليس بين ظاهريهما فرق لأن كلًا منهما استغراق المفرد والقضيتين تخرج المفردين والمفرد والقضية إذ لا يتحقق التناقض بين المفرد وشيء آخر والباقي يخرج المتبادلين في الصدق والكذب اتفاقًا نحو الإنسان ناطق والحمار ليس بناهق فلكون الواقع الافتراق وشمول الصدق أو الكذب خلافه اتفق التبادل ويخرج اللتين ليس بينهما منع الجمع كمادة منع الخلو فقط أو منع الخلو كمادة منع الجمع فقط إذ المتناقضان يلزمهما الانفصال الحقيقي لا إن كل ما بينهما انفصال حقيقي متناقضان إذ ليس بين إثبات الشيء وسلب لازمه المساوي كإثبات الإنسانية وسلب الناطقية تناقض ويخرج عن التعريف بوجهين: 1 - إن لفظ من المبتدأ القريب كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى وبوح منه فيفهم منه اللزوم الذاتي وثمة بواسطة أن إثبات الشيء في قوة إثبات لازمه أو سلب اللازم في قوة سلب الملزوم ومنه لزوم الانفصال الحقيقي بين المسلب الكلي لتلازمه مع السلب الجزئي لخصوص المادة وبين الإيجاب الكلي نحو لا شيء من الإنسان بحجر وكل إنسان حجر بخلاف كل عدد زوج مع لا شيء من العدد بزوج إذ لا تنافي الأصدقاء لعدم تلازمه مع بعض العدد ليس بزوج. 2 - أن المراد أن يكون منشأ اللزوم صدق أحديهما أو كذبها فقط وليس ثمة كذلك بل مع استلزامه لنقيض الأخرى ومن هذا يعرف أن تقييد الاختلاف بالإيجاب والسلب ليس بواجب وأن قولنا يلزم من صدق أحديهما كذب الأخرى ليس بكاف كما في هذا حجر وليس بحماد ولا قولنا من كذب أحديهما صدق الأخرى كما في سلبهما لا يقال النقوض الثلاث إنما ترد على من لم يقيد الاختلاف بالإيجاب والسلب وإلا ففي كل منهما اختلاف بغيرهما كالمحمول لأنا نقول قيود التعريف يخرج ما ينافيها لا ما يغايرها وإلا لم يمكن إيراد قيدين فقيد الإيجاب والسلب يخرج ما ليسا فيه لا ما فيه الاختلاف بهما وبوجه آخر. الثاني في شرطه وهو أما في الشخصية فإن لا يكون بين النقيضين اختلاف أي تغاير في المعنى إلا بتبديل كل من الإثبات والنفي بالآخر وتفسير الاختلاف بالتغاير لإخراج الموضوعين المتماثلين غير المختلفين اصطلاحًا والتقييد بالمعنى لأن الاختلاف في اللفظ لا ينافيه نحو

زيد إنسان وليس بشرًا والمراد بنفي هذا التغاير نفيه ذاتًا واعتبارًا فهو إثبات لوحدة النسبة الحكمية المستلزمة للوحدات الثمانية وغيرها إذ لو اختلف أما الوحدات الثمانية فمشورة وأما غيرها فمثل الاتحاد آلة وحالًا وتمييزًا ومفعولًا به وله ومعه ومطلقًا نوعيًا أو عدديًا وغير ذلك ومن ها هنا بعلم أولوية اعتبار وحدة النسبة الحكمية من تعداد الثمانية وكذا من اعتبار وحدتي الموضوع والمحمول وإدراج الغير فيهما إما بتعيين البعض للموضوع والبعض للمحمول فلانعكاس القضية حين انعكاس القضية وإما بالإطلاق فلان وحدة الزمان لا يندرج في أحدهما وإلا فللنسبة زمان آخر فللزمان زمان آخر كذا قيل، وفيه بحث من وجهين: 1 - منع أن لكل نسبة زمانًا نحو الزمان موجود أو معدوم ونظائره العزيزة. 2 - منع أن زمان النسبة لا بد أن يكون محققًا فربما يكون وهميًا اعتباريًا نحو كان الله ولم يكن معه شيء وأمثاله الكثيرة. وأما في المحصورة فمع ذلك الاختلاف بالكلية والجزئية لجواز كذب الكليتين وصدق الجزئيتين إذا كان الحكم بعرض خاص ببعض الموضوع قيل صدق الجزئيتين لعدم وحدة الموضوع وأجيب بأن تعيين الموضوع يدرجها في الشخصية وهو مردود لإمكان دخول السور على موضوعها نحو كل ولا شيء ثم أجيب بأن الاعتبار في الأحكام لمفهوم القضية والتعين خارج عنه وفيه أيضًا بحث لما مر أن الجزئية تعتبر كلية بتعيين الموضوع تصحيحًا لارتداد القياسات ولسلوكهم طريقة الافتراض في الجزئية بتعيين موضوعها والحق من الجواب أنه إذا عين فإن كان شخصًا واحدة يدخل في الشخصية وإلا ففي الكلية لإرادة كل من المعنيات وكيفما دار يخرج عن المبحث وأما في الموجهة فما كنا لنتعرض لها ولكنا ذكرنا أن الشخصية ربما تكون موجهة ومنعنا فيها غير التغاير بالنفي والاثبات وقد قيل لا بد من الاختلاف في الجهة أيضًا لصدق الممكنتين وكذب الضرورتين في مادة الإمكان الخاص فيجيب عنه تارة بإدراج الاختلاف فيها في الاختلاف بالنفي والإثبات لأنه إذا وجب الاختلاف في الجهة كان رفع النسبة الموجهة بجهة خاصة برفع تلك الجهة وأخرى بأن الاختلاف في الجهة لم يخب بالحقيقة كما في المطلقتين الوقتيتين ومعنى الاختلاف فيها عدم كون وجوب كونها محفوظة فالمنفي الاختلاف الواجب وإذا لم يجب ذلك لم يكن منفيًا، فإن قلت المدعي وجوب الاختلاف في القضايا الثلاثة عشر المدونة وذلك ثابت لأن المتفقين في الجهة منها يجتمعان في مادة اللادوام فالدوائم الست كذبًا

الثالث في أحكامه

والسبع الباقية صدقًا ولا ينافيه عدم الاختلاف في المطلقتين الوقتيتين، قلت إذا لم يجب في كل موجهة ففيما يتحقق كالضرورية واللاضرورية والدائمة واللادائمة يتوارد النفي والإثبات على الجهة في الحقيقة، وفيما لا يتحقق كالمطلقتين الوقتيتين المعتبر تعين وقتهما لا اختلاف فلا يرد شيء منهما وأخرى بأن المراد أن لا يكون في الشخصية تغاير غيره من حيث هي مطلقة بقرينة السياق والحق من الجواب أنا ذكرنا أن جميع الموجهات ينقلب إلى الضرورية إذا أخذ الجهة جزءًا من المحمول فالاختلاف في الجهة معدود من الاختلاف في المحمول الموجب للاختلاف في النسبة. الثالث في أحكامه: المثبتة الكلية نقيض السالبة الجزئية والمثبتة الجزئية نقيض السالبة الكلية الفصل الثاني في العكس المستقيم ويسمى المستوى ويطلق على الفعل والحاصل منه ففيه جزآن، الأول في تعريفه لمعنييه فالفعل تحويل طرفيها بحيث يلزم صدقة على تقدير صدقها فالتحويل هو التقديم والتأخير جنس والطرفان أعم من الموضوع والمحمول والمقدم والتالي والتخصيص لا مخصص له وعدم ذكر الاقترانات الشرطية ليس بمخصص إذ ربما يحتاج إلى العكس في القياس الاستثنائي وبيان ارتداده إلى الاقتراني مقلوب والباقي يخرج انعكاس الموجبة الكلية كنفسها في مادة المساواة وإلى السالبة الجزئية في بعض المواد إذ لا لزوم إذ مصداقه أن لا يختلف باختلاف المواد فيتضمن قيد بقاء الكيف لأنهم لم يجدوا اللزوم بعد التتبع إلا حالتئذ ويدخل قيد التقدير عكس القضايا الكاذبة وتناوله عكس المنفصلات غير قادح لأن الشيء لعدم إفادته لا يخرج عن حقيقته بل عن اعتباره أما الاعتراض باللازم من العكس كالسالبة الجزئية من الكلية فمندفع أيضًا بأن المتبادر إلى الذهن من اللزوم هو الذاتي بلا واسطة ولزوم الأعم بواسطة لزوم الأخص وهذا أولى مما قبل بواسطة تبديل آخر أو اللازم هو تمام اللازم وهو ما لا لازم يشتمل عليه ولو قيل بحيث يحصل أخص لازم يصدق على تقدير صدق الأصل يكون أظهر، والحاصل من الفعل هو القضية التي حصلت بعد التحويل وهكذا في عكس النقيض من باب خلق الله تعالى، الثاني في أحكامه فعكس الكلية المثبتة جزئية مثبتة لالتقاء الموضوع والمحمول في ذات وكذا المقدم والتالي فرضًا لا الكلية لجواز كون المحمول أعم وعكس الكلية السالبة مثلها لعدم التقائهما أصلًا، قيل هذا ليس على عمومه فإن الوقتيتين والوجوديتين والممكنتين والمطلقة العامة لا

الفصل الثالث في عكس النقيض

تنعكس أصلًا، وأجيب بأن معناه إن كانت منعكسة فعكسها ذلك وبشأن عدم التفصيل لعدم التعرض بالجهة والأول أولى والحق التعميم على ما يقتضيه سياق ذكر القواعد بناء على أن جهات تلك القضايا إذا أخذت جزء المحمول كانت ضرورية فتنعكس وعكس المثبتة الجزئية مثلها للالتقاء والسالبة الجزئية لا عكس لها لجواز كون الموضوع أعم وامتناع عن الأخص وأما أن المتأخرين قالوا بانعكاس الخاصتين عرفية خاصة وزادوا لذلك في الشكل الرابع ضروريًا ثلاثة فبناءً على تعيين الموضوع ولذا بينوه بالافتراض، وذلك خروجٌ عن مفهوم الجزئية وبحث في الحقيقة عن الشخصية أو الكلية، وكما أن أول من تنبه لإخراجه أثير الدين الأبهري فأنا أول من تنبه لجوابه من طرف المتقدمين. الفصل الثالث في عكس النقيض وفيه جزءان: الأول: في تعريفه بالمعنى الأول ويظهر منه المعنى الثاني وهو تبديل كل من طرفي القضية بنقيض الآخر بحيث يلزم صدقه على تقدير صدقها وذلك إنما يكون مع بقاء الطيف وعند المتأخرين جعل نقيض المحمول موضوعًا وعين الموضوع محمولًا على وجه يصدق على التقدير وذلك مع المخالفة في الكيف والحق للمتقدمين لأن نقيض الشيء سلبه لا عدوله فسلب السلب إيجاب فيجري عليه. الثاني: في أحكامه فالكلية المثبتة تنعكس كنفسها لأن محمولها لازم لموضوعها بأي جهة كانت موجهة عند أخذ الجهة جزء المحمول وسلب اللازم ملزوم سلب الملزوم والجزئية المثبتة لا تنعكس إذ لا استلزام ثمةَ كما في بعض الحيوان لا إنسان. قيل: في الجزئية أيضًا لزوم لبعض الأفراد وأجيب بأن ذلك لا يقتضي اللزوم لنفس الموضوع وليس بتحقيق إنما التحقيق أن اللزوم الجزئي يصح أن يصدق على تقدير وسلب لازمه على تقدير آخر فلا يقتضي سلب ملزومه كما في المثال المذكور ولذا اشترط في القياس الاستثنائي كلية اللزوم، والجزئية السالبة تنعكس كنفسها لأنهما الكليتين المثبتتين المتلازمين وثبت أن كل متصلتين توافقتا كمًا وكيفًا وتناقضتا مقدمًا وتاليًا تلازمنا وتعاكستا والكلية السالبة تنعكس جزئية سالبة لأنها لازمة للجزئية اللازمة للكلية ولازم اللازم لازم وكذا لازم الأعم لازم الأخص ولأن كل متصلتين توافقتا كمًا وكيفًا وتاليًا ويكون مقدم أحديهما ملزوم مقدم الأخرى لزمت لازمة المقدم الأخرى من غير عكس. القسم الثاني في صورته صورة مطلق البرهان ضربان لأنه إن لم يكن اللازم ولا نقيضه مذكورًا فيه بالفعل

الفصل الأول في الاقتراني

فاقتراني وإن كان اللازم أو نقيضه مذكورًا بالفعل فاستثنائي وقيد بالفعل لأن الذكر بالقوة بالمادة حاصل في الاقتراني أيضًا فلولا ذلك انتقض تعريف الاستثنائي طردًا والاقتراني جمعًا قيل اللازم فيه الحكم والمذكور في الاستثنائي ليس فيه الحكم فليس مذكورًا بالفعل وأجيب بأن المراد بالذكر بالفعل الذكر بالأجزاء المادية وترتيبها لا بالأجزاء المادية فقط كما الاقتران وفيه بحث لأنه إن أريد بترتيب الأجزاء جمعها فلا يحصل الفعل بذلك وإن أريد ربطها فلا يحصل إلا بالحكم والتحقيق أن مضمون طرفي الشرطية يجب فرض التصديق فيه وفرض التصديق وإن لم يكن تصديقًا فهو مشتمل عليه فيكون مذكورًا بخلاف طرفي الحملية ومن هنا يتصور معنى قولهم الشرطية تنحل بطرفيها إلى قضيتين فنعقد ههنا فصلين: الفصل الأول في الاقتراني فمنه ما ليس فيه شرط ولا تقسيم ويسمى الاقتراني الحملي ومنه ما فيه أحدهما ويسمى الاقتراني الشرطي وله أقسام خمسة باعتبار خمسة باعتبار تركبه من متصلتين ومنفصلتين ومنهما ومن حملية مع أحديهما ونحن لا نعتني بها لقلة جدواها وبعد أكثرها عن الضبط والاستغناء بغيرها عنها فالاقتراني الحملي أقل ما يشتمل عليها قضيتان كما يقتضيه تعريف القياس ذكرتا أو حذف أحديهما ولا بد من اشتراكهما في أمر كما يقتضيه وجه الدلالة ويسمى حدا أوسط لتوسطه بين طرفي المطلوب كما لا بد أن يشتمل أحديهما على موضوع المطلوب ويسمى حدًا أصغر لكونه أخص وأقل أفرادًا حقيقة غالبًا واعتبارًا كليًا وتلك المقدمة صغرى لأنها ذات الأصغر والأخرى على محموله المسمى حدًا أكبر لكونه أعم كذلك وتلك المقدمة كبرى لأنها ذات الأكبر فأجزاء مقدمات القياس حدود لأنها أطراف النسبة كحدود نسب الرياضيين وتسمى الهيئة الحاصلة لها من وضع الأوسط عند الحدين الآخرين بالوضع أو الحمل شكلًا ومن اقتران الصغرى بالكبرى إيجابًا أو سلبًا وكلية أو جزئية ضربًا وقرينة والقول اللازم باعتبار استحصاله مطلوبًا وباعتبار حصوله نتيجة كما يسمى لازمًا للزومه ومدعي لادعائه والأشكال أربعة لأن الأوسط إن كان محمولًا في الصغرى موضوعًا في الكبرى فهو الأول وإن كان بالعكس فهو أربع وإن كان محمولًا فيهما فهو الثاني وإن كان موضوعًا فيهما الثالث وقال بعضهم إن كان محمولًا في أحديهما موضوعًا في الأخرى فهو الأول فأدرج الرابع فيه ومنهم من لم يدرج ولم يعتبر كالفارابي وابن سينا وسيأتي فيه كلام ومن أراد شمول

أحكام تنبيهية

الاصطلاح للاقترانات الشرطية وضع مكان الموضوع المحكوم عليه ومكان المحمول المحكوم به ووجه ترتيبها أن الأول على النظم الطبيعي الذي هو الانتقال من المبدأ إلى المنتهى مارًا على الوسط وبين الإنتاج لأنه على مقتضى جهة الدلالة ومنتج للمطالب الأربعة ولا شرف المطالب الذي هو الإيجاب الكلي أما الإيجاب فلأن الوجود خير من العدم وأما الكلية فلأنها أكثر استعمالًا في العلوم وأنفع وأضبط وأكمل لأنه أخص ثم الثاني لأنه ينتج الكلي الأشرف من الموجب الذي نتيجة الثالث لأن شرف الكلية بحسب نفس المقصود وهو العلم ولأنه من جهات متعددة ثم الثالث لموافقة الأول في الكبرى. أحكام تنبيهية 1 - الأشكال مشتركة في عدم الإنتاج عن سالبتين وعن جزئيتين وصغرى سالبة كبراها جزئية إلا في الرابع وفي أن النتيجة تتبع أخس المقدمتين كمًا وكيفًا عرف جميعها باستقراء الجزئيات فلو أثبت شيء من الجزئيات بها لزم الدور وهكذا شأن كل حكم كلي ثبت بالاستقراء. 2 - الأول يشارك الثاني في الصغرى فقط والثالث في الكبرى فقط لا الرابع في كلتيهما فيرتد الثاني إليه أو هو إلى الثاني بعكس الكبرى والارتداد بينه وبين الثالث بعكس الصغرى والرابع بعكسهما أو عكس الترتيب لأن ارتداد كل شكل إلى الآخر بعكس ما تخالفا فيه. 3 - الثاني يخالف الثالث فيهما فالارتداد بينهما بعكس المقدمتين ويشارك الرابع في الكبرى فقط فالارتداد بينهما بعكس الصغرى. 4 - الثالث يشارك الرابع في الصغرى فقط فالارتداد بينهما بعكس الكبرى ثم الضروب الممكنة الانعقاد في كل شكل ستة عشر حاصلة من ضرب المحصورات الأربع صغرى في مثلها كبرى لأن المهملة في قوة الجزئية والشخصية في قوة الكلية والطبيعية غير مستعملة فما يكون منتجًا منها يكون قياسًا بالحقيقة وما لا فلا إذ لا يلزم منه قول آخر فيسقط بحسب الشروط بيان إسقاطه طريقان طريق الحذف وهو بيان ما لا يوجد فيه الشروط وطريق التحصيل وهو بيان ما يوجد فيه فلنعقد أربعة أجزاء الجزء الأول في الشكل الأول: قيل إنتاج باقي الأشكال موقوف على الشكل ومستفاد منه ثم اختلف فقيل ذلك لوجوب انتهاء الطرق كلها من الخلف وغيره إليه إذ لا بد من انتهاء المواد والصور إلى الضروري قطعا للتسلسل لا لوجوب ارتداد كل ضرب وشكل إلى الأول ألا يرى أن

رابع الثاني نحو بعض (ج) ليس (ب) وكل (أ) (ب) لا يمكن رده إليه وقيل: بل لأن حكم العقل بالإنتاج موقوف على ملاحظة رجوعه إليه لأمرين تقدما: 1 - أن حقيقة البرهان وسط مستلزم للمطلوب ثابت للمحكوم عليه. 2 - أن جهة الدلالة خصوص الصغرى وعموم الكبرى. وكلاهما صورة الشكل الأول فلا بد أن يلاحظ في كل دليل ذلك أما الاستدلال بغير الرجوع من الطريق فيمكن أن يكون لعدم تمكن الناس من تلخيص العبارة وليس من شرط ما يلاحظ العقل التمكن من تفسيره كالاستحسان فإنه معنى يقع في نفس المجتهد وإن لم يمكن التعبير عنه ولا يكون ذلك قادحًا في الاستدلال بالرجوع في كل منتج وبعدمه في غيره لتقوية اللمية بالآنية في الموارد الجزئية إذ لا يبعد أن يفطن ذكي لحكمة هي مناط الأمر كوجود هيئة الشكل الأول للإنتاج فيؤيدها باستقراء الجزئيات وعدم إمكان الرجوع فيما ذكروه ممنوع لرجوعه تارة بعكس نقيض كبراه إلى كل ما ليس (ب) ليس (أ) وأخرى باستلزامها إلى لا شيء من (أ) ليس (ب) لأن الموجبة المحصلة أخص من السالبة المعدولة والسالبة المحمول ثم بانعكاسه المستوى إلى لا شيء مما ليس (ب) (أ) فالحكم بتوقف العلم بالإنتاج على ملاحظة الرجوع بالأمرين المذكورين ليس قولًا بأن انتفاء الدليل يوجب انتفاء المدلول بل بأن المدلول لا يوجد بدونه وفرق ما بينهما بين ثم قيل هذا الخلاف مبني على أن الرد بواسطة عكس النقيض معتبرًا ولا بل ذلك مقدمة غريبة قيل لا لأن القياس استدلال بالكلي على الجزئي والشيء لا يكون مندرجًا تحت النقيضين وقيل: نعم كثيرًا ما يستدل بحكم الكلي على أن حكم جزئي نقيضه خلاف ذلك كما استدل بحديث الطوف أن غير الطواف من السباع نجس ثم لإنتاجه شرطان: 1 - بحسب الكيف إيجاب الصغرى حقيقة سواء كانت محصلة أو معدولة أو سالبة المحمول أو حكمًا كالسالبة المحضة التي في قوة سالبة المحمول فإن جمعها ينتج بشرط أن يوافقه موضوع الكبرى ليحصل أمر مكرر جامع إذ لو كان الصغرى سالبة محضة ولم يوافقه موضوع الكبرى تعدد الأوسط فلم يتعد الحكم بالأكبر على ما هو أوسط بالوجه المعتبر في موضوع الكبرى إلى الأصغر نحو لا شيء من (ج) (ب) وكل (ب) أو (لا ب) (أ) بخلاف وكل ما هو ليس (ب) (أ) فإنه يوافق كل (ج) هو ليس (ب) والصغرى في حكمه لأن السالبة والسالبة المحمول متساويتان في عدم اقتضاء وجود الموضوع وحكم أحد المتساويين حكم الآخر وهذا قول الخونجي والأرموي أولًا ثم رجع الأرموي وقال

كما على ذلك برهة فتبين لنا خطأه وذلك لأن المساواة لو كفت في تكرار الوسط لكان زيد ناطق وكل إنسان حيوان قياسًا منتجًا لزيد حيوان وليس كذلك بالاتفاق لعدم تكرر الوسط والجواب لنا بالفرق أن الوسط فيما نحن فيه مفهوم واحد تعلق به السلب في الصغرى والكبرى غير أنه اعتبر في الكبرى ثبوت ذلك السلب أيضًا بخلاف صورة النقض فإن الناطق الإنسان مفهومان متغايران والتحقيق أن الأوسط كما تكرر باعتبار ما ذكرناه فقد تعدد بسبب اعتبار ثبوت السلب في الكبرى دون الصغرى وإن لزمه فمن اعتبر في القياس الاستلزام الذاتي المفسر بما لا يكون بواسطة مقدمة يخالف حدودها حدود القياس لم يقل بتكرره ها هنا ومن لم يعتبره أو فسره بعدم التخلف كما مر قال بتكرره وهو الحق ومن ها هنا يعلم إن تكرر الأوسط شرط للإنتاج في كل شكل لرجوع جميعه إلى الشكل الأول لا كما ظنه بعض الأفاضل من أنه شرط للعلم بالإنتاج كشروط الاقتران الشرطية أما قياس المساواة فالحق أن الأوسط متكرر فيه بالحقيقة لأن قولنا (أ) مساو لـ (ب) و (ب) مساو لـ (ج) ومساوي المساوي مساو في قوة قولنا (أ) مساو لمساوي (ج) وكل مساوي (ج) (فا) مساو لـ (ج) وكون تعقل النتيجة عند تعقل القول الأول حاصلًا بدون تكرر الوسط لا ينافيه بناء على ما مر من أن ملاحظة الشيء لا تستدعي التعبير عنه، الشرط الثاني بحسب الكم كلية الكبرى حقيقة أو حكمًا كما في الشخصية ليعلم اندراج الأصغر فيه إذ لو كانت جزئية جاز أن يكون البعض المحكوم عليه بالأكبر من أفراد الأوسط غير الأصغر لا يقال اشتراط كلية الكبرى يقتضي كون الاستدلال بهذا الشكل دوريًا لأن العلم بكلية الكبرى موقوف على العلم بثبوت الأكبر لكل من أفراد الأوسط أو سلبه عنه التي منها الأصغر فلو توقف العلم بثبوته للأصغر أو سلبه عنه عليه دار لأنا نقول لا نم توقف العلم بكلية الكبرى على ذلك فإن من شأن الحكم أن يختلف العلم به باختلاف أوصاف الموضوع فيجوز أن يكون ثبوت الأكبر أو سلبه معلومًا لمن يتصف بالأوسط كان من كان دون من يتصف بالأصغر بخصوصه كالحدوث للمتغير والعالم فيستفاد هذا من ذاك لا بالعكس وأما الاعتراض على كلا الشرطين بأن الإنتاج متحقق بدونهما لا شيء من (ج) (ب) وبعض (ب) (أ) بالنسبة إلى بعض (أ) ليس (ج) لأن نقيضه منضمًا إلى الصغرى ينتج مناقض الكبرى ففي غاية السقوط لأن تعين الأشكال يتعين موضوع المطلوب ومحموله والشكل بالنسبة إلى المطلوب المذكور ليس أول بل أربع وبحسب هذين الشرطين حذف السالبتان صغرى

الجزء الثاني في الشكل الثاني

مع الأربع كبرى والموجبتان صغرى مع الجزئيتين كبرى أو حصل الموجبتان صغرى مع الكليتين كبرى فضروبه المنتجة أربعة هي الاستدلال بثبوت الأوسط لكل الأصغر أو بعضه وكل منهما مع ثبوت الأكبر لكل الأوسط أو سلبه عن كله على ثبوت الأكبر لكل الأصغر أو سلبه عن كله أو ثبوته لبعض الأصغر أو سلبه عن بعضه وترتيب الضروب باعتبار شرف النتائج أو شرف أنفسها. الجزء الثاني في الشكل الثاني وحاصله حمل محمول واحد على متغايرين ليحمل أحدهما على الآخر ولإنتاجه شرطان: الشرط الأول: بحسب الكيف اختلاف مقدمتيه بالإيجاب والسلب ولذا لا ينتج إلا سالبة ولبيانه مقدمة هي أن مخالفته للأول لما كانت في الكبرى وجب أن يعكس إحدى مقدمتيه وتجعل كبرى الشكل الأول وتلك صغرى هذا الشكل في الضرب الثاني والكبرى في البواقي لكن في الرابع عكس النقيض على أحد الطريقين وعكس لازمها مستقيمًا على الطريق الآخر وكل منهما أولى من الآخر بوجه فالأول لقصر المسافة والثاني لمراعاته كحدود القياس فيكون طريقًا متفقًا عليه قيل الثاني أيضًا عكس النقيض للملزوم على مذهب المتأخرين فالأول أولى مطلقًا وليس بصحيح لأن المعتبر عكس اللازم لا الملزوم وقيل: أيضًا كل من الطريقين مبني على جعل الصغرى السالبة في حكم الإيجاب أما قبل صيرورتها صغرى الشكل الأول أو بعدها وفيه أيضًا بحث لأن حكم الإيجاب أن أعطى قبل الصيرورة صار الضرب الرابع يحسب الطريق الثاني موجبتين مع الملزوم وضربًا ثالثًا مع اللازم وبحسب الطريق الأول موجبتين وإن أعطى بعد الصيرورة حصل النتيجة بحسب الطريق الثاني موجبة سالبة المحمول فيحتاج إلى أخذها في قوة السالبة المحصلة إلا أن يؤخذ عكس النقيض على مذهب المتأخرين وليس بمناسب وينقدح منه طريقة أخرى هي أن يوضع لازم الكبرى موضعها فيكون الصغرى موجبة سالبة المحمول والكبرى سالبة كلية ويحصل الثالث من هذا الشكل ومن الجائز رد الضرب إلى أجلى منه قد علم إنتاجه إذا تقررت فنقول إن لم تختلفا فإن كانتا موجبتين فعكس ما يعكس منهما جزئية لا يصلح لكبروية الشكل الأول وبتعين الموضوع يصير الجزئية كلية لكن الأوسط لا يتكرر وإن كانتا سالبتين يصير صغرى الأول سالبة وعند جعلها موجبة سالبة المحمول لا يتكرر الأوسط لأن الأكبر مسلوب عما يثبت له عين الأوسط لا سالبة.

الشرط الثاني: بحسب الكمية كلية إذ لو كانت جزئية لا تصلح لكبروية الأول وقلب الجزئية بعد عكسها يجعل القياس شكلًا رابعًا ومع هذا لا بد من كليتهما في رده إلى الأول وعكس الصغرى لا بد من جعله كبرى ليرجع إلى الأول فلا بد من عكس النتيجة ليحصل المطلوب لكن النتيجة حينئذ سالبة جزئية لا تنعكس ولما كان كبرى الشكل الأول الذي يرتد إليه عكسًا كليًا لم يكن إلا عكس السالبة الكلية لأن السالبة الجزئية لا تنعكس الموجبة جزئية فلم يكن نتيجة إلا سالبة هذا في العكس المستوى وأما عكس النقيض فربما يكون عكس الموجبة، ولكن سالبة أو في حكمها كما في الطريق الأول للرابع وبحسب هذين الشرطين سقط الموجبة الكلية صغرى مع الموجبتين والجزئية السالبة كبرى والكلية السالبة صغرى مع السالبتين والموجبة الجزئية كبرى وكذا الجزئية الموجبة مع الموجبتين والجزئية السالبة مع السالبتين والموجبة الجزئية أو حصل الموجبتان صغرى مع السالبة الكلية الكبرى والسالبتان مع الموجبة الكلية فضروبه المنتجة أربعة وهي الاستدلال الأوسط لكل الأصغر وسلبه عن كل الأكبر أو بسلبه عن كل الأصغر وثبوته لكل الأكبر على سلب الأكبر عن كل الأصغر أو بثبوت الأوسط لبعض الأصغر وسلبه عن كل الأكبر أو بسلبه عن بعض الأصغر وثبوته لكل الأكبر على سلب الأكبر عن بعض الأصغر وقد مرت الإشارة إلى أن بيانه في الأول والثالث بعكس الكبرى وفي الثاني عكس الصغرى وجعلها كبرى ثم عكس النتيجة وفي الرابع بعكس النقيض للكبرى أو بعكس الاستقامة للازمها. تتمتان الأولى: أن بيان الإنتاج ربما يكون بالخلف ففي هذا الشكل يجعل نقيض النتيجة لإيجابه صغرى والكبرى لكليتها كبرى لينتج من الأول مناقض الصغرى ولتقريبه وجوه: 1 - أن نقيض النتيجة مع الكبرى يستلزم نقيض الصغرى واللازم منتف فينتفي المجموع وانتفاؤه ليس بانتفاء الكبرى لأنها حقة بل يكذب نقيض النتيجة فالنتيجة حقة. 2 - صدق القياس مع نقيض النتيجة يستلزم اجتماع النقيضين وهما صدق الصغرى لأنها جزء القياس وكذبها لأن نقيض النتيجة مع الكبرى يستلزمه واللازم منتف فيتبقى المجموع لكن القياس صادق فكذب نقيض النتيجة. 3 - بين صدق المقدمتين ونقيض النتيجة منع الجمع إذ لو اجتمعنا يلزم نقيض الصغرى ومنع الجمع بين شيئين يستلزم ملازمة صدق أحدهما كذب الآخر فصدق

الجزء الثالث في الشكل الثالث

المقدمتين يستلزم كذب نقيض النتيجة، وإذا لزم كذبه لزم صدقها والثالث أوفى لأنه يفيد لزوم صدق النتيجة الذي هو المدعي لأصدقها في الجملة كالأولين كذا قيل، والحق أن اللازم في الكل لزوم النتيجة لأن بين كذب النقيض والعين منع الجمع أيضًا وزيادة أما الاعتراض بأن انتفاء المجموع لا يقتضي انتفاء شيء من الآحاد لجواز أن يكون بانتفاء الاجتماع وبأن مقدمات القياس مفروضة الصدق لأنها صادقة في نفس الأمر فلمانع أن يمنع اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما على ذلك التقدير لجواز أن يكون محالًا ملزومًا لآخر فغير وارد أما الأول فلأن صدق الآحاد ملزوم صدق الاجتماع فإذا انتفى صدق الاجتماع انتفى صدق شيء من الآحاد قطعًا وأما الثاني فلأن كل مفروض الصدق لا يستلزم كل محال بل ما كان بينه وبينه علاقة تقتضي الاستلزام، والتحقيق أن المفروضات التي يطبعها العقل لا تستلزم المحال لولا ما فيها من المحال وإلا لارتفع الثقة عن أحكام العقل وأما في الشكل الثالث فطرق الخلف فيه أن يجعل نقيض النتيجة لكليته وجزئيتها كبرى والصغرى لإيجابها صغرى فينتج من الأول نقيض الكبرى وأما في الرابع فإن كان منتجًا للسلب كالضروب الثلاثة الأخيرة فكالشكل الثاني وإن كان منتجًا للإيجاب كالأولين فكالشكل الثالث لكن الحاصل في القسم الأول ما ينافي عكسه الصغرى وفي القسم الثاني ما ينافي عكسه الكبرى فلا بد فيهما من عكس النتيجة وذلك لبعد الرابع عن النظم الكامل، الثانية قال ابن سينا لا حاجة إلى هذه البيانات؛ لأن ثبوت الأوسط لأحد الطرفين وسلبه عن الآخر تقتضي المباينة بينهما وزيف بأنه إن كان حجة فإعادة للدعوى وإن كان ادعاء لأنه بين فلاشتباه البين بالقريب منه والرازي يستعمل مثله على أنه لمى الإنتاج والحق أنه صحيح وبيانه أنه غير محتاج إلى تكلف لأن حاصلة استدلال يتنافى اللوازم على تنافي الملزومات لا يقال ذلك فيما كان مقدمتاه ضروريتين فيمس الحاجة في غيره لأنا نقول يرجع جميعه إليه إذا أخذ الجهة جزءًا من المحمول وذلك كاف وترتيب الضروب لأن الأولين أشرف ذاتًا ونتيجة لكليتهما والأول والثالث أشرف لاشتمالهما على صغرى الأول دون الثاني والرابع. الجزء الثالث في الشكل الثالث وحاصله وضع موضوع لشيئين متغايرين ليوضع أحدهما للآخر ولإنتاجه شرطان: 1 - يحسب الكيف إيجاب الصغرى وإلا فبين الأوسط والأصغر مباينة، والحكم بالأكبر على أحد المتباينين لا يقتضي الحكم على الآخر ولأن مخالفته الأول في الصغرى

فرده إليه بعكس ما يجعل صغرى فعكس الصغرى السالبة سالبة لا يصلح لصغرورية الأول وكذا عكس الكبرى سالبة سالبة ولأنه لا إنتاج من سالبتين وموجبة موجبة جزئية لو جعلت صغرى للصغرى السالبة ينتج من الأول سالبة جزئية لا بد من عكسها ليحصل المطلوب ولا تنعكس وعند اعتبارها موجبة سالبة المحمول تنعكس إلى موجبة سالبة الموضوع ومعناه إثبات الأكبر لما سلب عنه الأصغر والمطلوب سلب الأكبر عما ثبت له الأصغر. الشرط الثاني: بحسب الكم كلية إحدى المقدمتين لأن الجزئيتين لا يصلح شيء منهما لكبروية الأول لا بنفسها ولا بعكسها ولما كان صغرى الأول الحاصلة ها هنا عكسًا موجبًا كان عكس موجب فيكون جزئيًا فلا ينتج الأجزئية فبحسب هذين الشرطين سقط السالبتان صغرى مع الأربع كبرى والموجبة الجزئية مع الجزئيتين أو حصل الموجبة الكلية صغرى مع الأربع كبرى والجزئية مع الكليتين فضرورية المنتجة ستة وهي الاستدلال بثبوت الأصغر والأكبر لكل الأوسط أو الأصغر لبعضه والأكبر لكله أو بالعكس على ثبوت الأكبر لبعض الأصغر أو بثبوت الأصغر لكل الأوسط أو بعضه وسلب الأكبر عن كله أو بثبوته لكل الأوسط وسلب الأكبر عن بعضه على سلب الأكبر عن بعض الأصغر والبيان في الأولين والرابع والخامس بعكس الصغرى وفي الثالث بعكس الكبرى وجعلها صغرى ثم عكس النتيجة لأن عكس الصغرى يخرجه إلى جزئيتين وكذا في السادس غير أن الكبرى السالبة تجعل موجبة سالبة المحمول فتعكس وتجعل صغرى ثم تعكس النتيجة وبيان هذا الشكل بالخلف قد تقدم وترتيب الضروب أن المنتجة للإيجاب أقدم وجعل المنطقيون الرابع ثانيًا لأنه في نفسه من كليتين واعتبار النتيجة المقصودة فيما يمكن أولى وقدم الأول على قرينيه والرابع على جنسيه لكونهما أخص لتركبهما من كليتين ثم الثاني على الثالث والخامس على السادس لاشتمالها على كبرى الشكل الأول. تتمتان ذكرهما ابن سينا 1 - إن الثاني والثالث وإن كانا يرجعان إلى الأول فلهما خاصية ليست فيه وهي جواز انتظامهما في بعض المواضع على وجه يراعى فيه الحمل الطبيعي والسابق إلى الذهن ولو أورد نظام الأول خرج عن طبيعته، فإن بعض الأشياء يقتضي الوضع لبعض والآخر يقتضي الحمل عليه بالطبع وسابقًا في الذهن نحو الإنسان حيوان ولا شيء من النار بارد ويقبل هذا بعينه يعرفنا فائدة الشكل الرابع لإمكان انتظام مقدماته على وجه يراعى فيه الطبيعي والسابق إلى الذهن وقيل: وبعض فوائد الأشكال الثلاثة مساس الحاجة عند

الجزء الرابع في الشكل الرابع

تحصيل بعض المجهولات عن بعض ضرورتها التي لا يرتد إلى الأول وقد سمعت أنه لا يصح عندنا وأن مرجع هذا الخلاف ما هو. 2 - كما أن الأول فاضل من حيث أنه ضروري الإنتاج بينها فالرابع بعيد عن الطبع وسبق الذهن محتاج في إبانة قياسيته إلى كلفة متضاعفة والمتوسطان متوسطان بينهما لأنهما لقربهما من أن يكونا بيني القياسية يكاد الطبع الصحيح يفطن لقياسيتهما قبل بيان الرجوع إذ سبق بيانه من نفسه بملاحظة يسيرة ولهذا صار لهما قبول ولعكس الأول إطراح. الجزء الرابع في الشكل الرابع نقل الرازي عن أرسطو أن الأوسط إذا كان محمولًا في أحديهما موضوعًا في الأخرى فهو الشكل الأول فقال ناصروه إن الرابع هو الأول قدم فيه الأهم وهي الكبرى وسمعت منا فيما سلف أن تعين الأشكال بتعين موضوع النتيجة ومحمولها وذلك ناقضة ثم لإنتاجه شروط: 1 - أن لا يستعمل السالبة الجزئية. 2 - أن لا ينتظم الصغرى السالبة الكلية إلا مع الموجبة الكلية. 3 - أن لا ينتظم الصغرى الموجبة الجزئية إلا مع السالبة الكلية أما الأول فلأن ارتداده إلى الأول أما بعكس المقدمتين أو بقلبهما ولا عكس حينئذ والقلب إما يجعل صغرى الأول سالبة أو كبراها جزئية، وأما الثاني فإذ لولاه لانتظم الصغرى السالبة الكلية أما مع الموجبة الجزئية ويمتنع فيه الطريقان أما قلبهما فلوجوب عكس نتيجة وهي سالبة جزئية وأما عكسهما فلصيرورة كبرى الأول جزئية وأما مع السالبة الكلية ولا إنتاج عن سالبتين وأما الثالث فإذ لولاه لانتظم الصغرى الموجبة الجزئية أما مع الموجبة الكلية أو الجزئية وأيا كان يمتنع الطريقان لصيرورة كبرى الأول جزئية فيهما أو عكس الموجبة جزئية هذا وأما الصغرى الموجبة الكلية فينتظم مع الثلاث غير السالبة الجزئية فالطريق مع السالبة الكلية الصغرى ليرجع إلى الثاني ثم إلى الأول بما عرف أو عكس المقدمتين من الابتداء ومع الموجبة الكلية والجزئية قلب المقدمتين أما عكس الصغرى فخطأ وعكس الكبرى مستدرك وبحسب اعنبار هذا الشرط سقط السالبة الجزئية الصغرى مع الأربع والكبرى مع الثلاث سبعة وكل من السالبة الكلية الموجبة الجزئية مع الاثنتين أربعة أو حصل الموجبة الكلية مع الثلاث وكل من السالبة الكلية والموجبة الجزئية مع الاثنتين فضرورية

الفصل الثاني في القياس الاستثنائي

المنتجة خمسة هي الاستدلال بثبوت الأصغر لكل الأوسط والأوسط لكل الأكبر أو بعضه على ثبوت الأكبر لبعض الأصغر أو بسلب الأصغر عن كل الأوسط لكل الأكبر على سلب الأكبر عن كل الأصغر أو بثبوت الأصغر لكل الأوسط أو بعضه وسلب الأوسط عن كل الأكبر على سلب الأكبر عن بعض الأصغر قلة نتائج ثلاث غير الموجبة الكلية لأن العكس لا بد منه إما في النتيجة أو في المقدمة لأن البيان في الأول والثاني والثالث بقلب المقدمتين ثم عكس المنتجة وفي الرابع والخامس بعكس المقدمتين. الفصل الثاني في القياس الاستثنائي وهو ضربان الأول ما يكون بالشرط ويسمى المتصل ومقدمته المشتملة على شرطية والأخرى استثنائية وشرط إنتاجه أمور: 1 - كون الشرطية أي النسبة بين التالى والمقدم كلية أي ثابتة على جميع الأوضاع والتقادير الممكنة الاجتماع مع المقدم إذ لو كان جزئية جاز أن يكون وضع اللزوم غير وضع الاستثناء اللهم إلا أن يكون وضع الاستثناء كليًا أو يكون وضع الاستثناء بعينه وضع اللزوم فينتج. 2 - أن يكون دائمة أي يكون حصول التالي دائمًا بدوام حصول المقدم لا دوام صدقه بصدقه ولا دوام النسبة بين المقدم والتالي فإنهما لا يكفيان لأن صدق المطلقة أيضًا دائمي بل صدق كل قضية بالجهة المعتبرة فيها نحو كلما كانت الشمس طالعة بالغة نصف النهار. 3 - أن تكون تلك الكلية والدوام في ضمن اللزوم إذ لو كان في ضمن الاتفاق لم ينتج لا استثناء عين المقدم لأن صدق الاتفاقية مستفاد من صدق التالي فلو استفيد هذا من ذلك لدار ولا استثناء نقيض التالي إذ لا اتفاق لكذبهما ولا لزوم لعدم العلاقة والاقتصار على الدوام اكتفاء بدلالة أدوات الشرط على اللزوم ليس بجيد لأن الدال على اللزوم قال على الدوام أيضًا بل بعضها قال على الكلية أيضًا. 4 - أن يكون موجبة لأن الأمرين اللذين ليس بينهما اتصال لا يلزم من وضع أحدهما أو رفع وضع الآخر أو رفعه. 5 - أن يكون الاستثناء لعين المقدم فالنتيجة عين التالي أو لنقيض التالي فالنتيجة نقيض المقدم إذ لو انتفى أحدهما جاز وجود الملزوم مع عدم اللازم وأنه بهدم اللزوم ومنه يعلم إنتاجهما بالذات لا يتوسط عكس النقيض للشرطية في إنتاج الثاني ولا ينتج استثناء

نقيض المقدم أو عين التالي لجواز كون اللازم أعم وفي صورة التساوي بملاحظة لزوم المقدم للتالي وهو متصل آخر وأكثر استعمال الشرط في الأول بأن لأنه وضع لتعليق حصول التالي بحصول المقدم مثبتين أو منفيين أو مختلفين لا لتعليق صدقه بصدقه كما مر وفي الثاني لأنها وضعت لغرض أن يعلق به عدم المقدم لعدم التالي وإن كان الوجودان مقدرين لا محققين ولذا كان الغرض ذلك وهو المناسب لمقام الاستدلال كما في قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: من الآية 22] وعلى هذا لو لانتفاء الأول لانتفاء الثاني لكن في العلم لا الوجود وعند جمهور النحاة بالعكس فالآية الكريمة عندهم الانتفاء الفساد الناشيء عن التعدد الانتفاء التعدد هذا وكون لو موضوعًا لذلك كثرى فقد يستعمل لمجرد اللزوم من غير غرض التعليق بين العدمين نحو قوله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: من الآية 221] وقوله عليه السلام "لو لم يخف الله لم يعصه". بحث شريف الاستثنائي المتصل الذي استثنى فيه نقيض التالي إذا استعمل فيه لو بعد وضع المطلوب يسمى قياس الخلف وحقيقته عن المنطقيين إثبات المطلوب بإبطال لازم نقيضه وعندنا بإبطال نفس نقيضه وعند البعض بإلزام المحال من نقيضه ومرجع النزاع أن المنطقيين يستعملون لبيان الملازمة بين نقيض المطلوب ونقيض مقدمة صادقة من مقدمات القياس قياسًا اقترانيًا شرطيًا قائلين لو لم يثبت المدعي لثبت نقيضه مع الكبرى مثلًا ولو ثبتا ثبت نقيض الصغرى الصادقة لكنه بط ونحن نستعمله لبيان بطلان التالي الذي هو نقيض المدعي ونقول لو لم يثبت المدعي لثبت نقيضه لكنه بطل لأنه لو ثبت مع الكبرى ولو ثبتا ثبت نقيض الصغرى والبعض لم يتعرضوا لذلك القياس أصلًا قائلين لو لم يثبت المدعي لثبت نقيضه لكنه مما ينافي المقدمة المسلمة وهي الكبرى مثلًا لأن اجتماعهما يستلزم نقيض الصغرى الصادقة والمقصود وأيًّا كان فهو قياس استثنائي يستثنى فيه نقيض التالي ومقدم شرطيته عدم صدق المطلوب لكن المناسب لمغزى من لم يذكر الاقتراني الشرطي هو الثالث، الضرب الثاني ما يكون بغير شرط ويسمى استثنائيًا منفصلًا ويسمى المشتملة على الانفصال شرطية مفصلة والأخرى استثنائية وشرط إنتاجه بعد كلية

الشرطية وإيجابها التنافي بين أمرين أو أكثر بأحد الوجوه الثلاثة أي كون المنفصلة عنادية إذ لولاه لم يكن بين وجود أحدهما وعدم الآخر لزوم فلا استدلال ثم التنافي إن كان إثباتًا ونفيًا يلزمه لأربع لزومات بين عين كل منهما ونقيض الآخر ونقيض كل منهما وعين الآخر فأربع نتائج اثنان باعتبار التنافي إثباتًا فقط فالأولان وإن كان نفيًا فالآخران. تنبيهان 1 - يجب رعاية جهة المقدم والتالي في أخذ النقيض فسقط اعتراض الرازي بأن التالي إذا كان مطلقة لا يلزم من نفيه نفي المقدم. 2 - علم من هذا البحث عدة من الملازمات الشرطية فمن المنفصلات الثلاث ثماني متصلات وبالعكس لأن كل لزوم يلزمه التنافي بين عين الملزوم ونقيض اللازم، ففي صورة التساوي بين عين كل ونقيض الآخر إثباتًا ونفيًا لتركيب اللزومين ومن المنفصلة الحقيقية موجبة كانت أو سالبة منع الجمع والخلو الموافقة كيفًا ومن المانعة منع الخلو إثباتًا من نقيضي جزئيتهما موافقًا كيفًا ومن عينيها كخالفًا كيفًا وبالعكس فبين الشيء ونقيضه أو مساوي نقيضه انفصال حقيقي وبينه وبين الأخص من نقيضه منع الجمع وبينه وبين الأعم من نقيضه منع الخلو. خاتمتان لكلا القياسين الأولى في ارتداد كل منهما إلى الآخر يرد الاستثنائي المتصل إلى الشكل الأول يجعل المستثنى وهو المراد بالملزوم سواء كان عين المقدم أو نقيض التالي حدًا أوسط وثبوته عينًا أو نقيضًا صغرى واستلزامه لعين التالي أو نقيض المقدم كبرى هذا فيما كان المحكوم عليه في المقدم والتالي واحدًا أما إذا لم يكن كما في قولهم كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا فيكون الجامع بينهما هو الوقت فيقدر الوقت محكومًا عليه مشتركًا ويجري هذا وقت فيه الشمس طالعة وكل وقت فيه ذا ففيه النهار موجود فهذا وقت فيه النهار موجود وهذا مع وضوحه خفي على الجمهور وقد مر جواز أن يكون للزمان زمان وهمي كالأفعال المتعلقة بالأزمنة والممتنع هو الزمان المحقق والاستثنائي المنفصل يرد أولًا إلى المتصل على ما سلف ثم إليه ويردُّ الاقتراني إلى الاستثنائي المتصل بعكسه أي يجعل الوسط ملزومًا أي مستثنى والصغرى استثنائيًأ والكبرى استلزامًا وإلى المنفصل بأن يردد بين الوسط وبين منافيه وهو نقيض الأكبر وثبوت الوسط استثناء لعينه لينتج عين الأكبر الذي هو نقيض نقيضه والأمثلة غير خافية.

المقصد الثاني في المبادئ اللغوية

الثانية في خطأ البرهان وذلك إما للغلط في مادته على منع الخلو فهو قسمان: 1 - غلط المادة لفظًا إما للاشتراك اللفظي نحو عين وكل عين جار أو المعنوي كالعطف في العشرة خمسة وخمسة يحتمل ثلاثة معان أنها كل منها منفردًا أو مجتمعًا أو المركب والصادق هو الأخير ومثله حلو حامض وعكسه طيب ماهر للماهر في غير الطب لأن صدقه عند الانفراد نظرًا إلى ظاهر المبادر وعند تعيين المراد لا يختلف وإما للالتباس بين المتباينة والمترادفة كالسيف والصارم أو معنى كالحكم على الجنس المطلق بحكم نوعه أي بحكم المقيد بالذاتي فصلًا كان نحو اللون سوادًا وجنسًا نحو السيال الأصفر مرة فصحة الأول عند تقيده للبصر والثاني عند تقيده بالخلط وعلى المطلق بحكم المقيد بقيد عارض نحو الرقبة مومنة ويسمى كل منهما إبهام العكس إذ فيه إبهام عكس الموجبة الكلية كنفسها فلا يحتمل الغلط من حيث الصورة يجعل اللام للجنس ولا يتوقف أيضًا الغلط المادي على جعل اللام للاستغراق كما ظن كل منهما وكالقياس الصادق بالكاذب من جهة عدم رعاية شرائط التناقض وجعل ما ليس بقطعي كالقطعي وجعل الحمل العرضي الذي بواسطة كالذاتي الذي لا بها وجعل النتيجة مقدمة ويسمى مصادرة على المطلوب إذ ليس بمستلزم للمطلوب لأنه عينه والقول بأنه صوري إذ لا يستلزم قولًا آخر ليس بتحقيق لأنه يستلزمه صورة ومنه جعل الوسط أحد المتضايفين وكل قياس دوري صريح أو مضمر. 2 - غلط الصورة لخروج القياس من تأليف الأشكال فعلًا وقوة لا كما في قياس المساواة أو عن شيء من شرائط الإنتاج المتقدمة ولنا رسالة لطيفة جامعة لجزئيات قسمي الغلط مع أمثلتها المستعملة في العلوم. المقصد الثاني في المبادئ اللغوية لما علم الله تعالى الخبير ... الاحتياج إلى التعبير عما في الضمير إعلامًا لما بين العباد ... من مصالح المعاش والمعاد قادة الإلهام الإلهي إلى اختلاف الألسنة والعبارات وأقدرهم على تنويع الحروف بتقطيع الأصوات تفهيما للمعاني المفردة والمركبات

الكلام في تحديد الموضوعات اللغوية

وقد سبق الجواب عن إيراد الدور في المفردات بحيث يشتمل لي خفة المؤنة بخلاف الكتابة وعموم الفائدة لا كما بالتمثيل والإشارة لكونه كيفية للنفس الضروري الذي ليس له ثبات وشموله للمحسوس والمعقول من الممكنات المعدومة والممتنعات. ومع أن ذلك لكف قد تم فوائده ... وعم عوائده دلنا بالموضوعات اللغوية في كتابه الناطق ... وعلى لسان رسوله الصادق إلى ما يتضمن جميع المصالح الإنسانية ... من الأمور الدينية والدنيوية التي حصروها في خمسة من الأبواب وهي الاعتقادات والعبادات والمعاملات والمزاجر والآداب فوجب لذينك الأمرين التكلم فيها تحديدًا وترديدًا وأقسامًا وأحكامًا. الكلام في تحديد الموضوعات اللغوية كل لفظ وضع لمعنى خرج ما ليس بلفظ من الدوال الموضوعة وما ليس بموضوع من المنحرفات والمهملات والطبيعيات والتنوين في معنى للتنكير الشامل للمفرد والمركبات الستة الإسنادي والتوصيفي والإضافي والتعدادي والمزجي والصوتي وغيرها وإيراد لفظة الكل التي لشمول الأفراد مع أن التحديد للماهية من حيث هي التي لا يدخل فيها عموم كيف ولا يصدق مع صفة العموم على كل فرد له وجهان إجماليان: 1 - أن ذلك في تحديد الماهية الحقيقية لا الاعتبارية لجواز أن يكون صفة العموم داخلة فلا الاعتبار. 2 - أنه عند تبيين الماهية من حيث هي أما مع ملاحظة ما صدقت عليها فلا ولتفصيلهما ها هنا وجوه: أ- أن تعميمه إشعار بأنه لا يختص بقوم دون قوم. ب- أنه إشعار بأن الملاحظ التعميم لكل فرد لا الكل المجموعي كما يتبادر من قولهم فلان يعرف لغة الغرب. ج -وهو المعول عليه أن اللام في الموضوعات للاستغراق الشامل لكل فرد كما في نحو قوله تعالى {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: من الآية 134] فوجب اعتبار

الكلام في ترديدها إلى المفرد والمركب

العموم الإفرادي في التحديد تطبيقًا بينهما كما وجب التكرار في حد الأنف الأفطس لاعتباره في المحدود وإن كان باعتبار أن استغراق الجمع حقيقة في شمول المجموع على المختار واستغراق المفرد أشمل لشمول المفاريد كما بين في أن الكتاب أكثر من الكتب بين ظاهريهما فرق غير أن المراد ها هنا شمول المفاريد مجازًا كما في مسألة لا يتزوج النساء فانطبق التحديد على الماهية الاعتبارية المأخوذة مع العموم أما القول بأن عموم الجمع لشمول الأجزاء لا الجزئيات أوان الكل مجموعي فبط لما سيجيء من أبطال شمول الأجزاء وأن الكل المجموعي في المضاف إلى المعرفة. الكلام في ترديدها إلى المفرد والمركب المفرد عندنا الذي لفظ كلمة واحدة عرفًا فالذي لفظ جنس لا مستدرك فالكلمة المفيدة لأفراد المعنى كالفضل عن غير الموضوع لمعنى مركب فيه نسبة أو ضم وقيد الوحدة المفيد لأفراد اللفظ عن مثل بعلبك مما يعد كلمة لا واحدة عرفًا ولهذين الاعتبارين اندرج تحت قولهم المركبات كل اسم ركب من كلمتين فالواحدة عرفًا ما لا يكون جزؤه كلمة لا حال الجزئية ولا قبلها. وها هنا تنبيهات أ- قيل الملفوظ مطلق ما تعلق به اللفظ فيتناول أجزاء الكلام النفسي كما يتناولها المقروء والمحفوظ والمكتوب لتعلقها به بخلاف الذي لفظ لأنه عين اللفظ فلا يتناولها وفيه أن الصفة المعرفة لا تكون بمعنى الفعل لا سيما وهي للحدوث والحق أن الملفوظ قد يطلق على ما يقابل المعقول فإما هو المراد هنا وإنما اختير الفعل توضيحًا لتعلق الوارد بعده به أو خرج أجزاء الكلام النفسي بقيد الكلمة فإن النحوية لا يتناولها. ب- المراد بالكلمة ها هنا النحوية المفسرة بإفراد المعنى لا بإفراد اللفظ فلا دور ولذا يتناول نحو بعلبك وغلام زيد وتأبط شرًا أعلامًا ما إذ المعنى المفرد ما تعلق وضع اللفظ لمجموعة سواء له أجزاء كالإنسان أو لا كما ذكر من مطلق العلم بخلاف معنى المركب الإسنادي والتوصيفي والإضافي والتعدادي مما فيه نسبة أو ضم إن قيل فيصدق الكلمة النحوية على الأعلام المذكورة قلنا نعم إلا أن يقيد اللفظ بالوحدة كاللفظة أو يراد ذلك أو يؤخذ أفراد اللفظ في أفراد المعنى وكل منها بمعزل عما أريد ها هنا. ج- أن الأعلام المذكورة أسماء وحين لم يكن كلمة واحدة أي مفردًا كان القسم أعم من المقسم كالممكن من العالم والأعم من الأعم إنما يكون أعم إذا كانا مطلقين وعند

الكلام في تقسيم المفرد من وجهين

المنطقيين لفظ موضوع لم يقصد دلالة جزئه على شيء حسن هو جزؤه المراد سواء لم يكن له جزء كهمزة الاستفهام أوله جزء غير دال كزاء زيد أو قال لم يقصد دلالته على جزء المراد أصلًا كعبد الله وتأبط شرًا علمين أو حين هو جزؤه كالحيوان الناطق علمًا فإن شيئًا من الجزئين لا يدل على جزء المراد حين هو جزؤه وإن دل في وضع آخر وإلا لم يكن في العلم دلالة على التشخص وقيل: القسمان الأخيران مثل زيد لا يدل الجزء فيها على شيء زعمًا أن الدلالة فهم المراد بل هو فهم المعنى ولذا كان المجمل كلمة فما دل على جزء في وضع آخر مركب على الأول لكونه أكثر من كلمة واحدة مفرد على الثاني ونحو يضرب غيبة أو خطابًا أو تكلمًا وضارب ومخرج وسكران وبصري وقائمة بل كل فعل واسم متمكن لاشتمالهما على الدلالة المادية والصيغية مفرد على الأول مركب على الثاني لدلالة جزء اللفظ على جزء المعنى المراد حين أريد اللهم إلا أن يراد دلالة الجزء المرتب في السمع وحين انفرازه، قيل: لا دلالة للفظ على القيدين، قلنا: شهرة الاصطلاح تفيد الدلالة العرفية. وفرق ابن سينا بين المضارع الغائب وغيره إنما هو بحسب عدم دلالة الغائب على الزائد من مفهوم الفعل الذي هو نسبة الحدث إلى موضوع ما ودلالة غيره على تعيين الموضوع لأن كل سامع يفهمه في الخطاب والتكلم إما بحسب دلالة الياء على الغيبة فمثلهما والطعن في أن مفهوم الفعل نسبة الحدث إلى موضوع ما بأنه ينافي صدقة على المعين غلط كما في ضرب رجل إذ عدم اعتبار التعيين ليس اعتبارًا لعدم التعيين والمأخوذ في المركب الدلالة في الجملة وبعدم الدلالة في المفرد انتفاؤها أصلًا فلا يرد النقض بالمركب بالنسبة إلى معناه البسيط التضمني أو الالتزامي جمعًا ومنعًا على حدي المركب والمفرد أما تقييد المورد بالمطابقة فيورد النقض بالمركبات المجازية جمعًا ومنعًا ويرادف المركب القول والمؤلف. الكلام في تقسيم المفرد من وجهين الأول: أنه عندنا إن لم يستقل بالمفهومية بأن يشترط في الدلالة على معناه الإفرادي ذكر متعلقة فحرف وإن استقل فإن دل بهيئة وضعا على زمان معين من الثلاثة ففعل وإلا فاسم وقد علم بذلك حدودها إن قيل المميزات ليست بظاهرة الثبوت وإلا لما وقع الخلاف الآتي في الأقسام قلنا اشتراط ذلك الظهور في الماهيات الحقيقة أما الاعتبارية فتبع الاعتبار وكون دلالة الفعل على الزمان بالهيئة مبني على أن المراد بالمادة الحروف الأصول وبالهيئة هيئة جميع الحروف فلا نقض بنحو تكلم يتكلم والمؤثر في اختلاف الزمان

اختلاف الهيئة النوعية التي للماضي النوعية التي للماضي والمضارع وغيرهما من أنواع الفعل لا الصيغية التي للمعلوم أو المجهول والثلاثي أو غيره والأصلي أو المزيد لأن كلًا من الأزمنة الثلاثة المأخوذة في حد مأثر واحد بالنوع والواحد بالنوع يجوز حصوله بمؤثرات مختلفة مندرجة تحت نوع المؤثر لا خارجة عنه إن اعتبر خصوصية نوع الأثر له كما ها هنا فلا يرد نحو ضرب وضرب مما اختلف فيه الهيئة الصيغية مع اتحاد الزمان وعند المنطقيين إن لم يستقل بمعنى أن لا يكون وحده مخبرًا عنه ولا مخبرًا به فهو الحرف وإن استقل فإن صلح للإخبار عنه فهو الاسم وإلا فهو الفعل فما لا يصلح أن يخبر بها أو عنها أصلًا كبعض المضمرات والموصلات والأفعال الناقصة حرف على الثاني ليس بحرف على الأول وعند اختلاف النظرين لا يلزم تطابق الاصطلاحين والمراد بقولهم الحرف لا يصلح للأخبار به وعنه والفعل للأخبار عنه أنه لا يخبر بمعناه بمجرد لفظه فقط أو عن معناه لا بلفظه أو بلفظه مع ضميمة. التقسيم الثاني المفرد إما واحد أو متعدد وكذا معناه فهذا أربعة الواحد للواحد لم يشترك في مفهومه كثيرون لا محققًا ولا مقدرًا فمعرفة لتعينه إما مطلقًا أي وضعًا واستعمالًا فعلم شخص وجزئي حقيقي إن كان فردًا وإلا فعلم جنس أو استعمالًا فقط فأما بالآلة العاهدة فمعرف بالنداء أو باللام أو مضاف بوضعه الأصلي سواء كان العهد أي اعتبار الحضور لنفس الحقيقة أو لحصة منها مطلقًا مذكورة أو في حكمها أو مبهمة من حيث الوجود معينة من حيث التخصص أو لكل من الحصص وأما الإشارة الحسية فاسمها وأما بالعقلية فلا بد من دليلها سابقًا كضمير الغائب أو معًا كضميري المخاطب والمتكلم أو لاحقًا كالموصوف وإن اشترك كثيرون محققًا أو مقدرًا فكلي نكرة جنس أن تناول الكثير على أنه واحد وإلا قاسم جنس وأيا كان فتناوله لجزئياته إما بالتفاوت بأحد الوجوه الثلاثة كالوجود للخالق أو الأشدية كالنور للقمر من السهى أو الأولوية كعكسه أو الأولوية للشمس من القمر وهو المشكك وأما بالسوية كالإنسانية للأب والابن فإن المتقدم في الوجود لا فيها وهو المتواطيء الأول من هذه الأقسام إن لم يتناول وضعًا إلا الأفراد معينًا فخاص خصوص الشخص مطلقًا وإن تناول فإما وضعًا واستعمالًا فإن تناول الآحاد واستغراقها فعام بالإجماع سواء استغرقها مجتمعة كالكل المجموعي المضاف إلى المعرفة ولفظ الجميع والجملة والرهط والقوم إلا مجازًا أو فرادى على سبيل الشمول كمن وما مطلقين والكل

إلا فرادى المضاف إلى النكرة أو على سبيل البدل كمن وما مقيدين بالأول بخلاف الكل إلا فرادى المقيد به ففي احتمالهما الخصوص كما ظن استدلالًا بتقييدهما به إلا مجازًا كلام وإن لم يستغرقها فإن تناول مجموعًا غير محصور يسمى عامًا عند من لم يشترط الاستغراق كالجمع المنكر وعند من شرطه واسطة والحق أنه خاص حينئذ لأنه قطعي الدلالة على أقل الجمع كالمفرد على الواحد بخلاف العام المخصوص ما سيجيء وإن لم يتناول مجموعًا بل واحدًا واثنين أو تناول محصورًا فخاص خصوص الجنس أو النوع لتناولهما ها هنا جميع الكليات اصطلاحًا فالدال على الماهية التي ليست من حيث هى هي واحدة ولا كثيرة ولا مقيدة بقيد لا أنها من حيث هي ليست إياها ففرق بين سلب الثبوت وثبوت السلب مطلق وعلى الماهية مع قيد مقيد وقيده إن كان كثرة معينة عدد وغير معينة عام ووحدة معينة معرفة وغير معينة نكرة وأما وضعًا فقط لا استعمالًا كغير العلم من المعارف فالمستغرق جمعًا كان أو غيره عام إجماعًا والجمع الغير المستغرق مختلف فيه وغيرهما خاص خصوص الشخص استعمالًا وغير خصوص الشخص وضعًا ومن الألفاظ ما هو خاص من وجه كالنكرة الموصوفة بصفة عامة في الإثبات وسيجيء توضيح الكلام إن شاء الله تعالى. تنبيه: كما يسمى اللفظ بالكلي والجزئي بالعرض كذلك يسمى بالذاتي والعرضي والمعنى هو الذاتي في الكل والكثير للكثير متباينة متفاصلة كالإنسان والفرس أو متواصلة كالسيف والصارم والواحد لكثير كالاثنين مثلًا بالنسبة إلى واحد منهما كالأول وإلى كل منهما فإن لم يعتبر تخلل النقل بينهما سواء لم يكن نقل بأن وضع لهما أولًا أو كان فاستويا في الاستغناء عن القرينة المحصلة فمشترك بالنسبة إليهما ومجمل بالنسبة إلى كل منهما ما دار بينهما إذ لو تعين أحدهما بقطعي يكون مفسرًا وبظني مأولًا وكون قسم الشيء باعتبار قسيمًا باعتبار آخر غير محذور وإن استويا في الاحتياج إلى القرينة المحصلة فمجاز إن استلزم المجاز الحقيقة أولًا وإن اعتبر تخلل النقل فأما لمناسبة فباعتبار هجر الوضع الأول أو غلبة استعماله في الثاني يسمى منقولًا شرعيًا أو عرفيًا أو اصطلاحيًا باعتبار أن ناقله شرع أو عرف عام أو خاص وباعتبار أن الأول موضوع أصلي والثاني جائز عنه يسمى اللفظ منسوبًا إلى الأول حقيقة لغوية أو شرعية أو عرفية أو اصطلاحية باعتبار واضعها وإلى الثاني مجازًا لغويًا أو شرعيًا أو عرفيًا أو اصطلاحيًا والشرعي خص من الاصطلاحي لشرفه والعناية به مستعارًا إن كانت مشابهة وإلا فمجازًا مرسلًا وعند البعض كلاهما استعارة وإما لمناسبة وبذلك الاعتبار يسمى مرتجلًا شاذًا إن لم يكن طبق

نظيره من اسم الجنس وقياسًا إن كان. تنبيهات: 1 - لما جاز كون القسم أعم فلا بعد في وجود المجمل والمفسر والمأول في غير المشترك كآية الربا وسورة الملائكة. 2 - لما كان تمايز الأقسام بحيثيات مخصوصة فلا محذور في اجتماعها كالحقيقة مع غير المجاز مطلقًا ومعه من وجه وكالعام أو الخاص أو المطلق مع غيرها. 3 - المنقول غالبًا كان نفسه أو مهجورًا أصله حقيقة في الأول مجاز في الثاني لغة وبالعكس عرفًا للناقل والمرتجل حقيقة فمن الحقيقة مهجورة ومستعملة ومن المجاز متعارف وغير متعارف. 4 - الوضع الأول معتبر في الحقيقة لصحة الإطلاق وفي المجاز لصحة الانتقال وفي المنقول لترجيح الاسم على غيره في تخصيصه بالمعنى الثاني فيطرد الحقيقة إلا لمانع كالأسد لكل هيكل بخلاف السخي والفاضل لله تعالى وكذا بعض المجاز لكل ما فيه علاقة ككل شجاع بخلاف النخلة لغير الإنسان الطويل كما سيجيء لا المنقول فلا يسمى الدن قارورة ولا كل مسكر خمرًا. 5 - الحقيقة إذا بلغت في قلة الاستعمال حدًا لا يستغني فهم معناها عن القرينة المحصلة صارت مجازًا والمجاز بالعكس والكثير للواحد مترادفة لا كالإنسان والناطق قال الشافعية وكل من غير الثالث أن اتحد معناها نصوص وإلا فكالثالث متساوي الدلالة مجمل والراجح ظاهر والمرجوح مأول والمشترك بين النص والظاهر محكم وبين المجمل والمأول متشابه والتقسيم الوافي ما سيأتي من اصطلاحنا ثم كل من الأقسام الأربعة لا أقسام إما مشتق بالمعنى الخاص إن كان صيغته مأخودة من أخرى بشروط أربعة توافقهما معنى ولفظًا تركيبًا وترتيبًا وتغايرهما صيغة حقيقة أو تقديرًا أو زيادة المأخوذة في المعنى أو بالمعنى العام إن اشترط تناسب الأولين فقط ولا نجري ها هنا إلا على الأول وإما غير مشتق إن لم يكن والمشتق صفة إن دل على ذات غير معينة باعتبار معنى معين وإلا فغير صفة سواء دل على معنى فقط وإن سمى صفة عند المتكلمين أو على ذات معينة ومعنى معين كالقارورة وأسمى الزمان والمكان لعدم دلالتهما إلا عليهما أو على ذات غير معينة ومعنى غير معين كالرجل وكالأفعى والأجدل والأخيل على المختار. وها هنا لواحق الأول: في النسب الأربع بين العينين كل مفهومين جزئيين متباينان وجزئي وكلي

متباينان إن لم يصدق الكلي عليه وإلا فالكلي أعم وغيره هذه فيهما توهم ناش من الغفلة عن هذية الجزئي وكل كليين إن لم يصدق شيء منهما على شيء من الآخر فمتباينان ومرجعه إلى السالبة الكلية من الطرفين وإلا فإن صدق كل منهما على كل من الآخر فمتساويان ومرجعه إلى الموجبة الكلية من الطرفين وإلا فإن صدق أحدهما على كل من الآخر فالصادق عام مطلق والآخر خاص مطلق ومرجعه إلى الموجبة الكلية على الخاص والسالبة الجزئية عن العام وإلا فكل منهما عام وخاص من جهتين ومرجعه الموجبة الجزئية والسالبة الجزئية من الطرفين فلا بد فيه من صورة الاجتماع وصورتي الافتراق ولا ينقص الحصر بنقيضي الإمكان العام والشيئية من حيث هما عينان لأن المعتبر في صدق الكليات إمكان فرض صدقها كما في الكليات الفرضية وقد يعتبر النسب الأربع بحسب الوجود. الثاني: فيها بين النقيضين بين نقيضي المتباينين تباين جزئي وهو صدق أحدهما بدون الآخر في الجملة لصدق كل من النقيضين مع عين الآخر ومرجعه إلى السالبة الجزئية من الطرفين فهو أعم من التباين الكلي كما بين نقيضي الوجود والعدم والعموم من وجه كما بين نقيض اللاحيوان والإنسان لأن السلب عن البعض أعم من السلب عن الكل أو السلب عن البعض مع الإيجاب للبعض وبين نقيضي المتساويين تساو والأصدق أحدهما بدون الآخر ولا نقض بالأمر الشامل كما مر لأن نقيض الشيء سلبه والسالبة السالبة المحمول تستلزم الموجبة المحصلة فإن سلب السلب إيجاب ونقيض الأعم المطلق أخص مطلق وإلا لتساوى النقيضان فالعينان ولا نقيض بنقيضي الممكن الخاص والعام لأن كل ما ليس بممكن خاص معناه كل ما ليس مسلوب الضرورة عن الطرفين وسلب السلب إيجاب فمعناه كل ما هو ضروري الطرفين فلا يصدق عليه لا الواجب ولا الممتنع لاشتمال كل منهما على ضرورة من طرف ولئن كابر أحد بصدق الممتنع قلنا فلا يصدق كل ممتنع ممكن عام لأن ضروري الطرفين ممتنع حينئذ وليس بممكن عام وبين نقيضي الأعمين من وجه مباينة جزئية لصدق كل من الطرفين مع عين الآخر ولا بد في أخذ النقيضين من رعاية شرائط التناقض. الثالث: في تحقيق الفرق بين العموم المعنوي المعبر عنه بالكلية التصورية والصناع المعبر عنه بالكلية التصديقية لما لم يكن المفهوم الكلي من حيث هو واحدًا ولا كثيرًا بل ولا كليًا علم أن العموم أي الاشتراك عارض له من حيث نسبته إلى أفراده فأمكن أخذه من حيث هو ويسمى بلا شرط ومن حيث هو عام وكلي أي معروض لهما وهو الكلي الطبيعي عند

التحقيق ويسمى بشرط العموم ومن حيث هو خاص بما يصدق عليه من الأفراد من حيث إنه جنسها أو نوعها أو فصلها أو خاصتها أو عرضها وقد أدرجت الثلاثة الأخيرة في الأولين ها هنا اصطلاحًا اعتبار الفحش التفاوت كمنزلة التفاوت في الحقيقة ويسمى بشرط الخصوص ومن حيث عرائه عن الجميع ويسمى بشرط لا فالمأخوذ من حيث هو هو موجود خارجًا في المشهور ولأنه جزء الموجود فيه وقيل: لا ولا لتقدم على الكل في الوجود فلا يحمل عليه وللزم من قيام الوجود الواحد به وبما ينضم إليه قيام الواحد بمحلين إن قام بكل منهما وإن يكون الموجود هو المجموع إن قام بالمجموع وإن يمتنع حمله على المجموع إن تعدد وجودهما فالحق أن الموجود ما صدق عليه لا هو. وفيه بحث أما أولًا فلأن الطبيعية إن لم يكن محمول ما موجودًا لأن المراد بكل محمول مفهومه الكلي تحقيقًا أو تأويلًا ولا قائل به بل يقولون معنى الحمل بالاتحاد فيه وأما ثانيًا فلأن ما سوى الطبائع الكلية التشخيص وهو أمر اعتباري عندنا وموجود زائد عند الحكيم فماذا هو الموجود المعروض. وأما ثالثًا: فلأن معروض التشخيص إن كان كليًا فذاك وإن كان جزئيًا كان متشخصًا قبله والكلام فيه كما هو فيلزم وجود التشخيصات الغير متناهية أو وجود الطبيعة الكلية وفي الأول محالان عندنا فتعين الثاني والجواب عن دليله: أولًا: بالنقض بالوجود الذي حكموا باتحاده بين الموضوع والمحمول. وثانيًا: بالحل باختيار أن الوجود واحد قائم بكل منهما وقيام الواحد في محلين إنما يكون محالًا لو أريد بالقيام التبعية في التحيز فلا ثم إن الوجود متحيز فضلًا عن التبعية وإلا كان معقولًا أول وعرضًا ويستدعى وجود محله قبله إلى غير ذلك من مفاسد لا تحصى إما لو أريد به الاختصاص الناعت فلا لجواز أن يكون الواحد ناعتًا لأمور كثيرة كسواد الحبشي ناعت للإنسان وما فوقه وما يساويه ولبدنه ولحمه ووجهه وبشرته وغيرها ولئن علم فتلك الاستحالة في الواحد بالشخص والوجود لا يتشخص بل المتشخص هو الموجود فلو حدته صح الحمل ولقيامه بأمور متعددة صح الحكم على كل بأنه موجود فالحق أن من الجزء الخارجي ما له وجود متميز لتميز تحيزه المعلوم حسًا كجدران البيت أو عقلًا كالأجزاء الفردة فلا يحمل، ومنه ما ليس كذلك فيحمل، وأما المأخوذ من حيث هو عام فقيل بوجوده أيضًا بمعنى وجود كل حصة منه في شيء وهو معنى وجود الواحد الجنسي أو النوعي لا بمعنى وجود ذاته الوحدانية في متعدد ليلزم اتصاف الواحد بصفات

الكلام في تقسيم المركب

متضادة وقيل: بعدمه لأن الوجود الخارجي يلزمه الخصوص المنافي للعموم وقد مر جوابه لكن هذا العموم غير العموم الاستغراقي أو التناولي على المذهبين لأن هذا في الحقيقة عموم صحة الصدق فهو بالذات للمعنى وللفظ بواسطته وتحققه بفرد كاف وعن دلالة التناول بمعزل وذلك العموم عموم نفس الصدق ومستفاد من وضع اللفظ ولا يتحقق بفرد ويتفهم منه التناول فلذا كان التحقيق تسميته مطلقًا سواء أخذ من حيث هو أو عامًا ومقيدًا إن أخذ من حيث هو خاص فتعين الآخر للعموم الصناعي وأما المأخوذ من حيث عرائه عن القيود فغير موجود في الخارج قطعًا لأن كل ما فيه مكتنف بها وقد يقال وغير معقول أيضًا وإلا لاكتنف بالعوارض العقلية والحق أنه معقول إذ لا حجر في التعقل كتعقل المعدوم المطلق والعوارض العقلية ما جعله العقل قيدًا فيه لا ما لحقه عند التعقل مطلقًا. الكلام في تقسيم المركب هو إما تام ويسمى كلامًا وجملة إن وضع لإفادة ما يطلب في النسبة من ثبوتها بين طرفيها أو انتفائها وهذا لا يحتاج إلى تقييد الإفادة بصحة السكوت مع أنها مجهوله وتفسيرها بعدم انتظار المخاطب أو عدم افتقار المتكلم إلى انضمام لفظ آخر افتقار المحكوم به أو بالعكس رد للمجهول إلى المجهول لأنه يجب اصطلاح حاصل في كل من طرفي الشرطية وهذه الإفادة أعم من الإفادة الجديدة فيتناول نحو السماء فوقنا ولأنها تشعر بالقصد يخرج عنه كلام الطيور ويعم الثبوت والانتفاء الإنشاءات لأنهما أعم من الإيجادي والإخباري فأخرج ما وضع ما يدل على النسبة بالعقل كدلاله اضرب على أني طالب للضرب، وأنت مطلوب ولإفادة ما وضع للإشارة لا لإفادة ما يطلب فيها نحو الإضافي والتوصيفي وما وضع لذات لها نسبة كالصفات إذا لم تكن قائمة مقام الفعل كما بعد الاستفهام والنفي وإنما توصف بالإسناد لأنه مشترك بين التام وغيره ولا يتأتى إلا من اسمين أو فعل واسم والباقية أربعة أو سبعة وحرف النداء بمنزلة ادعو والعدول تنصيص على الإنشاء والجملة الشرطية جزاء مقيد بالشرط في الحقيقة والاعتبار لها كما في الظرفية وإما ناقص وقد يسمى مفردًا بالاشتراك كمقابل المثنى والمجموع ومقابل النسبة ثم التام إن احتمل الصدق والكذب من حيث اللغة أو بالنظر إلى مجرد أنه إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه فخبر وقضية كما مر وتعين أحدهما بحسب الخارج عن ذلك لا ينافيه والأول هو الصحيح لما سيجيء في مباحث السنة وجعل الواو الواصلة بمعنى أو الفاصلة إنما يصح لو فسر الاحتمال بالإمكان العام إذ لا يبقى للخاص معنى وقد يعرف الصدق والكذب بدون

خاتمة في تقسيم اختاره أصحابنا لعموم نظره وجموم ثمره

الخبر ولو سلم فلماهية الخبر اعتبارها من حيث هي وبه يعرف الصدق والكذب به واعتبار أنها مدلول الخبر وبه يعرف بهما لوضوح نفس ماهيته عند الفعل وإلا فإنشاء فإن دل بالذات لا بواسطة التمني والترجي والهيئة لا كنحو اطلب الفعل على طلب ذكر ماهية فاستفهام أو فعل فمع الاستعلاء أمر إن كان غير كف ونهي إن كان كفاف أمر لأن طلب الطف بالمادة ومع التساوي التماس ومع الخضوع دعاء فيهما وإلا فتنبيه طلبي نحو التمني والترجي والتعجب والنداء والقسم أولًا كألفاظ العقود والناقص إن كان أحدهما قيدًا ناعتًا يسمى تقييديًا وتوصيفيًا ولا يتركب إلا من اسمين أو اسم وفعل لأن الموصوف اسم والصفة إما فعل أو اسم ولأنه إشارة إلى الخبر وإلا فغير تقييدي والنافع في المطالب التصورية هو التقييدي كما أن النافع في التصديقية هو الخبر. تتمة: مدلول اللفظ قد يكون لفطًا مفردًا أو مركبًا مستعملًا كالكلمة والخبر أو مهملًا كأسماء حروف التهجي والهذيان. خاتمة في تقسيم اختاره أصحابنا لعموم نظره وجموم ثمره أما الأول فلشموله المفرد والمركب الإسنادي وغيره وأما الثاني فلاستغراقه الاعتبارات من أول وضع الواضع إلى آخر فهم السامع وهو تقسيم اللفظ الغير الكثير بالنسبة إلى معناه كثيرا كان أولًا والقسمان الآخران متدرجان تحته بالنظر إلى كل لفظ قالوا معرفة أحكام الشرع والفتوى بمعرفة أقسام النظم والمعنى من حيث يرجع الثانية إلى الأولى وإلا ففيه تبيان لكل شيء، جميع العلم في القرآن لكن، تقاصر عنه أفهام الرجال، واستفادتها من البعض غير تعلقها بالكل ومعناها أقسام النظم من حيث يفهم المعنى واختاروا العبارة الأولى لفوائد: 1 - أن الثانية مشعرة بأن اعتبار المعنى قيد في المدلول مع أن ثبوت الأحكام به والنظم وسيلة. 2 - أن المعنى غاية النظم فهو متقدم في الباطن متأخر في الظاهر فاستويا. 3 - أن المعنى مقدم في الإفادة مؤخر في الاستفادة والإفادة مقدمة قلنا اعتبر القرآن اسمًا للمعنى في العلم الأعلى لا ها هنا كما توهموا من جواز الصلاة خاصة بالفارسية عندنا حالة العجز وفاقا والقدرة خلافا وإن كان الاعتماد على رجوعه إلى قولهما واستدلوا عليه بأن الإعجاز في معنى القرآن تام في الأصح لأنه حجة على العجم أيضًا واعتبار العجز في

حقه من حيث المعنى لعجزه لفظًا عن شعر مثل امرئ القيس أيضًا لأن الاستنباط من النظم وإن كان للمعنى والمسألة مبنية على إقامة التنظيم الفارسي مقام العربي لما لاح من أن مبني النظم على التوسعة لأنه وسيلة غير مقصودة ومبنى القراءة على التيسير بالآية ولأنها تسقط عن الأمي ويتحمل عن المقتدي مطلقًا عندنا ولفوت الركعة عند الكل لا على اطراحه حتى يكفر منكر نزول النظم ويحرم كتابته فارسية وبزندق المداوم على القرائة بها إما الذبيحة فلحقة لأن المقصود فيها الذكر والنظم وسيلة كحالة المناجاة بل أولى باعتبار المعنى ولذا اتفق الثلاثة في أجزائها بالفارسية، واختلفوا في التشهد والخطة وأما وجوب سجدة التلاوة بها وحرمتها على الجنب والحائض وحرمة مس المكتوب بها فمع أنه جواب المتأخرين ثبت احتياطيًا به الفرق بين القبيلين والإعجاز بالمجموع أقوى وأشمل ولا ينافي تحققه بالبعض واختاروا النظم لأن في حقيقة اللفظ سوء أدب ولاشتماله على الاستعارة اللطيفة والنظم في الشعر ليس حقيقة لغوية ورجحان العرف المشهر يعارضه ما في الاستعارة من اللطف المستتر، فنقول: أداء المعنى باللفظ الجاري على قانون الوضع يستدعي وضع الواضع ثم دلالته أي كونه بحيث ينفهم منه المعنى ثم استعماله ثم فهم المعنى فلفظ بتلك الاعتبارات الأربع وتقسيمات أربع مربعة إلا الثاني فإنه ممن يسمى أقسامها وجوه النظم صيغة ولغة أي صورة ومادة ووجوه البيان أي إظهار المراد بحسب الدلالة الواضحة أو الخفية بحكمة الابتلاء يأخذ الوجهين فذكر وجوه الخفاء إلا لبيان وجوه الوضوح كما ظن جريًا على سنن قوله وبضدها تتبين الأشياء بل لأحكامها الخاصة بها ووجوه الاستعمال ووجوه الوقوف أي اطلاع السامع على مراد المتكلم ومعاني الكلام وبعضهم فسر البيان بظهور المراد للسامع فأخره عن الاستعمال ولما ورد أنه عين الوقوف فسر الرابع بكيفية الدلالة وليس بتحقيق: فأولًا: لأن الدلالة كون اللفظ بحيث يفهم معناه وهو بكيفية مقدم على الاستعمال المقدم على الوقوف فكيف يفسر بها. وثانيا: أن الظهور والخفاء في وجوه البيان بحسب الدلالة إذا الذي بحسب الاستعمال في الصريح والكناية فلا بد أن تقدم أقسامها على الاستعمال تقدم الدلالة بل هما في الحقيقة أقسام الدلالة وتسميتها أقسام البيان لكونه مسببا عنها وثالثا أن المتكلم لا بد أن يلاحظ وجوه البيان قبل الاستعمال إصابة الخطاب الذكي والغبي محزهما وبعد الكل فظهور المراد غاية الاستعمال فيجوز اعتبار تقدمه في التصور الأولى وصنع اللفظ إما

لواحد وذلك عند وحدة الوضع فإن كان على سبيل الانفراد أي انقطاع التناول أو الاستغراق فخاص وإلا فعام وأما لمتعدد فإن تعين بعض معاينة بالقطعي انقطع اعتبار تعدده فدخل فيما مر وإلا فإن ترجح بغالب الظن وأيًّا كان أو غيره فأول وإلا فمشترك وبعضهم ثلث القسمة لأن المأول ليس باعتبار الوضع بل بتصرف المجتهد والحق فعل الجمهور لبقاء تناوله الوضعي وإضافة الحكم إلى الصيغة الموضوعية بخلاف المفسر والثابت بالقياس ولا يغفل من جواز اجتماع الأقسام بالحيثيات. الثانية: دلالة اللفظ على مراد المتكلم إما ظاهرة بمجرد الصيغة أي لا يضم القرينة كالسياقية أو السياقية الدالة على أن سوق الكلام له أي أنه المقصود الأصلي فظاهر أو وبه فقط فنص أو ومع شيء ينسد به باب التأويل والتخصيص فقط فمفسر أو مع ما ينسد به باب النسخ فمحكم وإما خفية يعارض غير الصيغة فخفي أو بها فإن أمكن دركه عقلًا لغموض أو استعارة فمشكل أو نقلا لازدحام معانيه فيحمل وإلا فتشابه فهو ساقط الطلب وطريق درك الجمل متوهم والمشكل قائم وتسمية الشافعية أقسام البيان محكما بمعنى المتضح المعنى وأقسام الخفاء متشابها بمعنى غير المتضح المعنى لإجمال أو تشبيه أو غيرهما اصطلاح مأخوذ من ظاهر قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: من الآية 7] ومنهم من فسر الحكم بما استقام نظمه للإفادة والمتشابه بما استقام لا للإفادة بل للابتلاء لا بما اختل لعدم الإفادة كما توهم فإنه جزأة عظيمة وهؤلاء كأمتنا يقفون على {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: من الآية 7] الأعلى في العلم فالراسخون لا يعلمون تأويله وهو مذهب عامة الصحابة والتابعين وأهل السنة من أكثر الحنفية والشافعية خلافًا لأكثر المتأخرين والمعتزلة، قيل والظاهر خلافه لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد، وإن لم يمتنع على الله تعالى والقول بحذف المبتدأ أو تخصيص الحال بالمعطوف وإن كان خلاف الظاهر أهون من الخطاب ما لا يفهم مع وقوعه حيث لا الباس قطعا نحو {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: من الآية 72] والتصريح به مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ولأنه إذ جاز أن يعرفه الرسول مع الحصر جاز أن يعرفه الربانيون قلنا للابتلاء وجهان الإمعان في الطلب والوقف عنه، والثاني أعظمهما بلوى لمنع العقل عن صفته الجليلة وأعمهما نفعًا في الدنيا بالأمن عن الزيغ وجدوى في العقبى بكثرة مطلب الحسنى فحكمه إنزال المتشابه ابتلاء الراسخين في العلم بكبح عنان ذهنهم عن التأمل المطلوب وتسليم الأمر إلى المحبوب

وإلقاء النفس في مدرجة العجز والهوان، وتلاشي الاسم والرسم بالفناء في عظمة بقاء الرحمان، وهذا منتهى إقدام الكمل بالسير الأكمل، في الطريق الأقوم الأعدل، وقبل الثاني ابتلاء نفس العقل ولولاه لاستمر العالم في أبهة العلم على المرودة وما استأنس إلى التذلل لعز العبودية والدليل نقلي وعقلي فمن الأول قراءة ابن مسعود (إن تأويله إلا عند الله) (¬1) وقراءة أبي وابن عباس في رواية طاووس (ويقول الراسخون) (¬2)، ومن الثاني: أنه جعل تباعه بالتأويل حظ الرائعين كما بالفتنة بإجرائه على ظاهرة وتخصيص التأويل بما يشتهونه خلاف الظاهر والإقرار بحقيقته مع العجز عن دركه حظ الراسخين قبل أو قصد ذلك لكان الأليق وأما الراسخون قلنا الأليق تقديره لتناسب (إما الذين في قلوبهم زيغ) إذ لم يعهد أما في القرآن بدون أختها وليتم التفريق بعد الجمع والتقسيم وعلم الرسول عليه السلام بإعلام الله تعالى لا ينافي الحصر كالغيب ولا محذور في اقتضاء الوقف الحصر وعدمه إذ لم يتوافر قبيل الأداء وقيل: النزاع لفظي فالمثبت ظاهر العلم أو ما يمكن رده إلى الحكم والمنفي حقيقة العلم أو ما لا يمكن كالعلم بالساعة ولا بد من القول به تحقيقا للقلة في قوله تعالى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعلْمِ إِلا قَليلًا} [الإسراء: من الآية 85] وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا ولقوله عليه السلام (أو استأَثرت به في علم الغيب عندك) (¬3)، وهذا أولى في الاعتقاد احترازًا عن إزراء أحد الفريقين والتفضيل أولى في الاصطلاح لاختصاص كل بحكم غايته الاشتراك في لفظي الحكم والمتشابه أو عدم إرادة الحصر. الثالثة: استعماله إما بحسب وضع أول فحقيقة أولًا فمجاوز أيًّا كان فإن الاستعمال ظهور المراد فصريح وإلا فكتابة ولا نقفل عن النكتة. الرابعة: أقسام الاستثمار: أي الاستنباط فهم المعنى إما من نفس اللفظ مسوقًا له أي ¬

_ (¬1) انظر/ تفسير الطبري (3/ 184)، تفسير ابن كثير (1/ 348). (¬2) انظر/ تفسير الطبري (3/ 184)، تفسير ابن كثير (1/ 348)، فتح الباري (8/ 210). (¬3) أخرجه ابن حبان في صحيحه (3/ 253) ح (972)، والحاكم في مستدركه (1/ 690) ح (1877) وقال: صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه عن أبيه. وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 40) ح (29318)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 391) ح (3712)، والحارث في مسنده (2/ 957) ح (1057 / البغية)، وأبو يعلى في مسنده (9/ 198 - 199) ح (5217)، والطبراني في الكبير (10/ 169) ح (10352)، وفي الدعاء (1/ 163) ح (6).

الكلام في الأقسام تفسيرا واشتقاقا

مقصودا في الجملة عبارة كان بطريق المطابقة أو التضمن أو الالتزام وغير مسوق له ويجب كونه لازما فإن لم يتوقف عليه تصحيح الحكم المطلوب فإشارة، وإن توقف فاقتضاء، وإما من مفهومه فإما بواسطة القلة المفهومة لغة أي غير الموقوفة على مقدمة شرعية فدلالة أو الموقوفة عليها وهو القياس وذلك خارج عما نحن فيه لعدم انضياف حكمه إلى اللفظ وكل من هذه العشرين أقسام النظم لأن المراد النظم الذي يفهم معناه من عبارته أو إشارته. ومن عادتهم البحث عنها تفسيرًا واشتقاقًا وإحكامًا وترتيبًا فوجوه المعرفة ثمانون وهو مراد من جعلها عدد الأقسام فلنجر في ترتيب كتابنا على سوق أصحابنا ولنعد تفسيرها لمزيد تنويرها، وإن علم بالالتزام من وجوه ضبط الأقسام. الكلام في الأقسام تفسيرًا واشتقاقًا إما خاص فكل لفظ وضع لمعنًى واحد على الانفراد وعلم احترازاته والمعنى بالمعنى المدلول لا مقابل العين فيتناول قسمي الخاص الحقيقي وهو خصوص العين كزيد والاعتباري وهو خصوص الجنس منطقيًا كان كالحيوان أو لا كالإنسان وخصوص النوع منطقيًا كالفرس أو لا كالرجل ومر تحقيقه قبل ويتناول المطلق إذ هو من أقسامه على الأصح من مشايخنا لأنه بمعنى واحد في نفس الأمر أما عند من يجعله واسطة بين العام والخاص فيخرج بأن المراد بالواحد المعتبر وحدته فإن المطلق غير متعرض للصفات كما يخرج المجمل بذلك إذ معناه غير معلوم ليعتبر وحدته وأقول إرادة قيد الحيثية على ما هي واجبة في الأقسام المتباينة بالاعتبار كافية في ذلك والخصوص الانفراد واختصصت بكذا انفردت به ولم يوجد في غيري، ومنه الخصاصة وأما العام فكل لفظ يتعلم جمعًا أن المسميات لو يستغرق جميعه المسميات على المذهبين فخرج باللفظ المثبت إذ لا عموم له يحبب الأقسام والجهات والأزمان والمكلفين والمعاني الكلية ومنه عموم المفهوم والعلة إذ لا عموم لها عندنا كأني الحسين خلافًا للأشاعرة وسيجيء ومن أراد شمولها قال ما ينتظم لو يستغرق وتعريفه بكل لزومًا ليس من حيث هما من جزئياته فيصبح كالكلمة والاسم والاستغراق لغيري وهو أن لا يخرج شيء من المسمى فليس تعريف الاصطلاحي به تعريفًا أو بما يساويه والمسميات ما يصبح إطلاق اللفظ غلبه دفعة من جزئياته حقيقة أو مجازًا فيخرج الأعداد والجمل والمشترك باعتبار معاينة المختلفة والحقيقة مع المجاز عند من لم يقل بعمومها وعند من قال به لا محذور في دخولهما لاختلاف اعتباري القسيمة

والقسيمة ويدخل المشترك المراد به أفراد معنى واحد وإن لم يقيد بالوضع الواحد وعموم إيجاز الشامل لاذراء الحقيقة نحو لا يتزوج النساء وعبيدي أحرار ولأفراد المعاني المختلفة المشترك نحو يصلون والفرق بين التعريفين أن الأول يتناول الجمع المعهود والمنكر والذي خص عنه وهو اختيار أكثر مشايخ ما وراء النهر والجبائي دون الثاني لأن الاستغراق وهو الشرط عند العراقين من مشايخنا وأكثر الشافعية منتف فيهما والثمرة صحة التمسك الأصح هو الأول لأن الاستغراق عند مشترطية لا يفهم في المعرف أيضًا إلا في المقام الخطابي دفعًا للتحكم كما عرف وبذائفهم في المنكر والذي خص عنه أيضًا ولذا إذا امتنع حمله على الكل يحمل على أقرب مجاز منه بخلاف الواحد والمثنى المنكرين إذ ليس تناولهما تناول انتظام ودلالة بل تناول احتمال واشتراط الأمر المشترك في العام إنما يصح عند من لا يقول بالعموم في المشترك والحقيقة والمجاز والمراد بالتناول أو الاستغراق أعم من جهة اللفظ كما في العام بصيغته مثل الجمع أو من جهة المعنى كما في العام معناه تناول المجموع أو كل واحد على الشمول أو على البدل وليس المسمى مقابل المعنى إلا إذا قيل من المسميات أو المعاني كالجواهر والأعراض وهو مراد الجصاص لا أن المعنى أو للمشترك بين المعاني المختلفة عمومًا إذ مختاره خلافه وإن أطلق مجازًا لعموم محله نحو مطر عام وحصب عام وشيء أي في قوله تعالى {خَالِقُ كُلِّ شَيْء} [الرعد: من الآية 16] لفظ عام بالمعنى يتناول كل موجود لا ومعدوم ممكن خلافا للمعتزلة لا بالصيغة كما ظنه القاضي ولا مشترك كما ذهب إليه ليندفع كونه في الآية عامًا مخصوصًا عنه ذات الله وصفاته فلا يسقط عن الاحتجاج بها على خلق الأفعال ولا وجه لمنع التخصيص بالعقل لثبوته بل الوجه في الجواب أن التخصيص بالعقل لما لم يقبل التعليل لم يقدح في القطعية والعموم الشمول نحو نخلة عميمة طويلة شاملة للهواء الكثير. تتمة: حصر الغزالي ألفاظ العموم في خمسة: 1 - المجموع صيغة أو معنى مطلقا أو معرفا باللام أو الإضافة. 2 - أسماء الشرط والاستفهام والموصول. 3 - النكرة في سياق النفط وما يشبهه كالشرط والاستفهام والنهي اسما كانت أو فعلًا. 4 - الاسم المفرد المعرف بلام الاستغراق أو المصدر المضاف.

5 - الألفاظ المؤكدة نحو كل وجمع غيرها (¬1) وزاد أصحابنا النكرة الموصوفة في الإثبات وهذه أقسام العموم اللغوي إما العرفي فكعموم تحريم الأمهات لوجوه الاستماع وأما العقلي فكعموم الحكم مذكورًا بعد سؤال عام أو مقرون به علته، وكدليل الخطاب عند من يقول بعمومه، وأما المشترك فكل لفظ يحتمل بالوضع معاني مختلفة على أن لا يراد إلا واحد وقبل أو أسماء مختلفة المعاني وذلك لأن المراد بالأسماء الأعيان كالصريم وبالمعاني المعاني الذهنية كالإخفاء والنهل وإن ليندرج قول من ذهب إلى أن المشترك وضع بإزاء الألفاظ كالعين للفظ الباصرة وغيرها ولكون المفهومات مشتركة في اللفظ سمي متركا بحذف الجار، وإما المأول فكل لفظ ترجح بعض محتملاته بدليل فيه شبهة وقيل مشترك ترجح لأن الذي من أقسام النظم صيغة ولغة مأول المشترك والأول أصح لأن الاشتراك في المأول بين المعنين اصطلاحًا غير معبود والأصل عدمه ويجوز كون القسم أعم فيتناول ما فيه احتمال مما فيه ظهور وخفاء وخرج المجمل سواء كان إجماله لغرابة البلوغ أو لمعنى زائد شرعي كالربا أو لانسداد باب الترجيح كالوصية للموالي ممن أعلى وأسفل لاختلاف مقاصد الناس شكرًا للأنعام أو قصدًا إلى الإتمام والمفسر لأن دليله قاطع وقبل التأويل حل الظاهر على المحتمل المرجوح فبدليل يصيره راجحًا صحيح وبدونه بأقسامه الثلاثة فاسد، فإن أريد بالراجح غير القطعي كان مناسبًا لاصطلاحنا وإن أريد ما يتناوله فلاصطلاح الشافعية لأنهم يجعلون هذا المفسر قسمًا من المؤول نظيره القرء رجحنا الحيض لدلالة القرء على الانتقال والجمع بين الانتقال والجمع بمعنى الاجتماع للدم وبمعنى الجامعية لا له ولا للطهر لأن الطهر عدم الدم والعدم لا يؤثر فلا يلتفت إلى القول بأن الجامع هو الطهر والتأويل الرجع والصرف كما يصرف اللفظ إلى بعض محتملاته وربما يطلق على المصروف إليه كما قال تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأوِيلَهُ} [الأعراف: من الآية 53] أي عاقبته، وإما الظاهر فكل ما ظهر المراد به بنفس سماع صيغته سيق الكلام له نحو {يَا أيُّهَا النُّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: من الآية 1] الآية أولًا نحو {وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ} [البقرة: من الآية 275] فعدم السوق ليس بشرط في الصحيح بل منهم من جوز اجتماع جمع هذه الأقسام الأربعة ويناسبه تفسير الشافعية بما دل دلالة واضحة والنص والمفسر والمحكم قسم منه وقال بعضهم دلالة ظنية إما ظنا بالوضع كالأسد المفترس أو بالعرف العام كالغائط للخارج المستقذر أو الخاص الشرعي كالصلاة ¬

_ (¬1) نعم، هكذا ذكره حجة الدين الغزالي. انظر / المستصفى للغزالي (1/ 225 - 226).

أو غيره كانقبض فيخرج ما دلالته قطعية أو مساوية أو مرجوحة كالمجاور والطهور لغوي وهو الانكشاف. وأما النص: فهو ما ازداد المراد به وضوحًا على الظاهر يتصرف المتكلم قيل هو سوق الكلام له لأن السوق له احلى من غيره ولهذا رجحت العبارة على الإشارة وفي الكشف أنه ليس بشيء لعدم الفرق في الظهور بين {وَأَنكِحُوا الأيَامَى} [النور: من الآية 32] و {فَانكحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النساءِ} [النساء: من الآية 3]، نعم يفيد قوة السوق له هي علة الترجيح بل هو ضم قرينة نطقية سياقية نحو مثنى وثلاث ورباع أو سياقية نحو قالوا إنما البيع مثل الربا ابدل على معنى زائد على مفهوم الظاهر هو المقصود الأصلي بالسوق كبيان العدد أي بأن عدم جواز الازدياد على إلا ربع في الأول إذ القاعدة أن المقصود بالأمر بشيء غير واجب مقيد بشيء قيد نحو بيعوا سواء بسواء إما إذا وجب فنفسه نحو ادوا عن كل حر وعبد من المسلمين وبالتفرقة في الثانية لكونها جواب قول الكفار. وفيه بحث: فأولًا: لأن قرينة السوق تمنع احتمال غير المسوق له فيزداد به المسوق له وضوحًا. وثانيًا: أن مختاره يقتضي بشرط أن يكون معنى النص غير مفهوم الظاهر وما فيه ما نقله عن شمس الأئمة وصدر الإِسلام بل عن أبي زيد من تجويز أن يكون مفهوم الظاهر مسوقًا له الكلام أو أن لا يكون نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة نصًا مع سوقهما لما هو المقصود الأعلى المفهوم من العبارتين. وثالثًا: أن القرينة لا تختص بالنطقية ولعلها حالية. ورابعًا: أن ما ازداد وضوحًا بانفهام معنى آخر هو تمام المراد لا مفهوم الظاهر كما هو الظاهر من تعريف النص والتنصيص الإيضاح بالتكليف ومنه نصصت الدابة ومنصة العروس وقد يطلق النص على مطلق اللفظ لاشتمال المقال على تكليف في الإيضاح بالنسبة إلى الحال وعلى لفظ القرآن والحديث لأن أكثرهما نصوص. وأما المفسر: فما ازداد وضوحًا على النص بأحد أمرين ببيان التفسير إذا كان مجملًا لحقه بيان قطعي الدلالة والثبوت فانسد به باب التأويل إذ لو لم يكن قطعيًا لانفتح به فإن المجمل لا يقبل التأويل ما لم يبين بغير القاطع والمراد بالانسداد دوامه كالقعود في قوله تعالى لا تقعد بعد الذكرى أو انسداد باب التأويل المتوهم على اعتبار كون البيان غير

قاطع أو بيان التقرير حين كان عامًا لحقه ما انسد به باب التخصيص. وقيل: أحد الأمرين كون البيان متصلًا والآخر كونه منقطعا فالهلوع من الأول قطعا ولا نظير له من الثاني قطعًا؟ لأن التخصيص لا يتراخى والصلاة والزكاة من الأول ومن الثاني على الثاني وقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافةً} [التوبة: من الآية 36] بالعكس وهو محكم لغيره فغيره محكم في نفسه فيصبح التمثيل له تمثيله بقوله تعالى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] فدخل فيه بوجهين إنه يقبل التأويل ولهذا استثنى منه ولئن سلم فإنه خبر محكم وجواب الأول بأنه تمثيل بعد انقطاع الكلام وحينئذ لا يحتمل الاستثناء بخلاف النسخ أو بأن التمثيل بغير الفعل فاسد إذ لا انقطاع في الآية ولا يحتمل النسخ غير الحكم والصحيح بأن الاستثناء ليس بتخصيص وجواب الثاني بأنه يحتمل نسخ لفظه في الجملة فلا يتعلق به جواز الصلاة وحرمة المرأة لمثل الجنب ورد بأن ذلك الاحتمال قائم في {إِن الله بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: من الآية 115] مع تمثيل المحكم به ليس بشيء؛ لأن المحكم ما أحكم مراده عن احتماله كما سيجيء لا ولفظه ولأن اعتبارًا ما كاف في التمثيل ولا يلزم من اعتبار شيء في تمثيل اعتباره في غيره بل الجواب يمنع أن كل خبر لله محكم وإلا فكان مجرد فسجد الملائكة محكمًا بل لا بد في الأحكام من أمر غير خبرية يقتضي عدم النسخ عقلا كالبرهان في علم الله وكالتأييد في قوله عليه السلام "الجهاد ماض إلى يوم القيامة (¬1) "، نعم يرد أن اللام في الملائكة يحتمل العهد وتعميم هؤلاء المعهودين الذين منهم إبليس كما قال طائفة إنهم غير الكروبيين فمع هذا الاحتمال لا يصبح مفسرًا، أو عدم قرينة العهد مع أنه الأصل عند الأصولين ممنوع والقول بأن الكل يمنع التبعيض وأجمعوا التفرق نقل ثقة فلا مدخل في حكايته والقول بأن آية السجود ونصح نظيرًا للأربع مبنى على عدم المباينة بينهما ومدار تركيب المفسر على الكشف كتفسرة الطيب والسفر والسفير، فالتفسير الكشف بلا شبهة، وقيل: السفر للظاهر والمفسر للباطن فالتفسير كشف المعاني بلا شبهة فمعنى من فسر القرآن قضي بتأويله على أنه مرادًا لله تعالى فنصب نفسه صاحب وحي فلا يكون كل مجتهد مصيب إلا في جواز عمله باجتهاده وفي مقدمات سعيه، وفي تقلد القضاء تعريضًا بالقاضي الغير المجتهد أو للثواب وهذا قول أبي منصور وقبل معنى برأيه من غير استنباط عن قواعد العربية إذ معه عرف مشهور، وقيل إن يفتري على الرواة والأول هو هو لاستفادته من ¬

_ (¬1) أخرجه أبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (ح / 370).

اشتقاق اللفظ، وأما المحكم فهو: ما ازداد قوة على المفسر بأن أحكم مراده عن احتمال النسخ من أحكام البناء وقبل ما ازداد وضوحًا عليه وعليك بالأول لأن منع النسخ لا يفيد الوضوح وهو محكم لعينه إن انقطع احتمال نسخه في ذاته عقلًا كالآيات الدالة على صفات الصانع ومحكم لغيره إن انقطع بقضي زمان الوحي، وأما الخفي فكل ما اشتبه مراده بعارض غير الصيغة كالسارق في الطرار والنباش لاختصاصهما باسميهما والخفاء من العارض أدنى مراتبه عكس الظهور، وقيل: يعارض في الصيغة ففي الصيغة ظرف الخفاء لا سببه أو المراد صيغة الطراز والنباش مثلًا من اختفى أي استتر عارضه كفى مكان مظلم لا بتبديل هيئة. وأما المشكل: فما اشتبه مراده بحيث لا يدرك إلا بالتأمل، سمي به لدخوله في إشكاله وأمثاله كأحرم وأشاء وهو قسمان: 1 - لغموض في المعنى نحو {أنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: من الآية 223] أي كيف للحرث و {خير مِنْ أَلْفِ شَهْر} [القدر: من الآية 3] أي: ليس فيها ذلة القدر ويكن قرأ القرآن عشر مرات أي بدون يس وبدون ما فضلت عليها من السورة والآيات، وإلا لزم تفضيل الشيء على نفسه، و {فَاطْهَّرُوا} [المائدة: من الآية 6] أي: جميع البدن للمبالغة فيشمل الفم والأنف بخلاف فاغسلوا وامسحوا. 2 - لاستعارة بديعة نحو {قَوَارِيرَ مِنْ فضَّة} [الإنسان: من الآية 16] و {لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف} [النحل: من الآية 112] وَ {سَوْطَ عَذَاب} [الفجر: من الآية 13] ويسمى المشكل غريبًا كمن اغترب فاختلط بإشكاله. وأما المجمل: فما اشتبه مراده بحيث لا يدرك إلا باستفسار وله أنواع ثلاثة: 1 - لا يفهم معناه لغةً وسببه غرابة اللفظ كالهلوع. 2 - المفهوم لغةً ليس بمراد وسببه إبهام المتكلم كالربا والصلاة والزكاة. 3 - معناه متعدد ولا ترجيح كما في المشترك وسببه تعدد الوضع أو الغفلة وبيانه قسمان: 1 - شاف فيكون مفسرًا كالصلاة والزكاة. 2 - غير شاف فيحتاج إلى التأمل بعد الطلب فيكون متكملا وبعد التأمل مأولا كالربا فإنه محلى بلام الاستغراق وقد بين في الأشياء الستة من غير حصر لا لإجماع فبقي مشكلا والإجمال الإبهام كمن اغترب بحيث انقطع أثره. وأما المتشابه: فما لا طريق لدركه للأمة أما النبي عليه السلام فربما يعلمه بإعلام الله

تعالى وهو نوعان: 1 - أن لا يفهم شيء ويسمى متشابه اللفظ كمقطعات أوائل السور ويسمى حروفا باعتبار مدلولاتها، وإن قيل: إنها ليست من المتشابه بل تلكم بالرمز لتأويل بعض السلف إياها من غير إنكار من الباقين والأكثر على الأول. 2 - المفهوم منه يستحيل إرادته كالاستواء واليد والوجه وكيفية الرؤيا فلم يؤوله السلف وحكموا بأن السوال عنه بدعة لأنه معلوم بأصله متشابه بوصفه ولن يجوز إبطال الأصل للعجز عن إدراج الوصف كما ضلت المعتزلة ولذا صاروا أيضًا معطلة الصفات لله تعالى لجهلهم بكيفية ثبوتها وإنما أوّله الخلف اضطرارًا لا لزام أهل البدع المتمسكين به فلذا قيل طريقة السلف أسلم والخلف أحكم والتشابه ينبيء عن كمال الخفاء لكون الاشتباه من الأطراف. وأما الحقيقة: فاللفظ المستعمل ملاحظة وضع من حيث هو أول فاللفظ جنس وتنبيه على أنها حقيقة فيه وإطلاقها على الإطلاق أو الاستعمال أو الإرادة أو المعنى مجازي أن لوحظ العلاقة وإلا فخطأ العوام. والمستعمل أي استعمالا صحيحًا جاريًا على قانون الوضع لما تقدم في مورد القسمة احتراز عن المهمل وعما قيل الاستعمال لما يجيء والباقي عن الغلط والمتحرف والطبيعي، وعن المجازات الأربعة لأن الملاحظ في كل مجاز وضع ثان شخصي أو لوجب نقل أفراده ونوعي إن كفى العلاقة ملحوظ فيه الوضع الأول فيودي معنى قيد اصطلاح التخاطب، وسقط الاعتراض بأن المراد الوضع الشامل للنوعي بدليل كون الدوال بالهيئة حقيقة وفي المجاز ذلك ويمكن الجواب أيضًا أن الكلام في وضع اللفظ نوعيا كان أو شخصيًا والوضع في المجاز للعلاقة لا للفظ على ما هو مختارهم، ولئن سلم المطلق من وضع اللفظ ما لا يستند فهم المعنى إلا إليه لا كما وإلى القرائن قبل لو قيل بأنه اللفظ المستعمل في الموضوع له، وأريد من حيث أنه موضوع له لأن قيد الحيثية يراد في مثله ولأنه مرتب على المشتق لا غنى عن القيد ولو لم يقيد بالأولية لأن استعمال المجاز من حيث إنه مرتب على وضع آخر، وفيه بحث مبني على أن القيد إنما يخرج ما ينافيه لا ما يغايره، فإن كون المجاز مرتبًا على وضع آخر لا ينافي كونه مستعملًا في الموضوع له من حيث إنه موضوع له وضعًا نوعيًا، نعم لو قيد بالأولية أصح ولكن إشعار العبارة أولى ومرادنا بالأولية أن لا يكون استعماله مرتبًا على وضع آخر فيتناول الأعلام المنقولة

والألفاظ الموضوعة ثانيًا ولو لواضع الأول وغير المستعمل في المعنى الأول أصلًا وربما يقال الثاني بالفرض كاف ويقال الأعلام المنقولة ليست بحقيقة ولا مجاز إذ ليس فيها شيء من الأوضاع الأربعة والمراد شيء منها وهي في اللغة بمعنى الثابتة اللازمة من حق مقابل بطل ومنه حقيقة الشيء لمفهومه والحق للعقد باعتبار كونه مطقًا للواقع بفتح الباء ثم للقول كذلك لدلالة عليه ففي معناها الاصطلاحي مجازٌ لغوي، قيل: في المرتبة الثالثة لأخذه من الحق بمعنى اللفظ المطابق والحق أنه في المرتبة الثانية من الحقيقة المفهوم أو في الأولى، وقد يقال في اللغة بمعنى المثبتة من حققته والتاء لنقل اللفظ إلى الاسمية كالأكيلة فإن المنقولية فرعية كالتأنيث لا للتأنيث كما في الأول لأن الفعيل بمعنى المفعول مشترك، وقيل: للنقل مطلقًا لأن الموصوف مذكر وتقدر صفة مؤنث غير مجراة على الموصوف، والحق ما في الأساس أنه أطلق على ما ثبته غيره يكون من حقق بالضم كما قال سيبويه في الفقير والشديد. وأما المجاز: فهو اللفظ المستعمل لا ملاحظة وضع من حيث هو أول على وجه يصح (¬1) والقيد الأخير احتراز عن التغلط وعن الانتقال المخل، وأولى من قيد لعلاقته لتناوله المذهبين وعموم العلاقة المعتبرة وغيرها إلا بالعناية ويتناول العقلي الحكمي على المذاهب الأربعة تمثيلية أو تبعية أو مكنية كالتبعية أو هيئة جملة مستعملة في غير ملابسة وضعت لها وضعًا نوعيًا فليس مشتركًا بين المعنيين كما وهم. والمجاز لغة: الانتقال أو موضعه من الجواز بمعنى العبور لا بمعنى الإمكان نقل منهما إلى الجائز كالمولى للوالي ثم إلى اللفظ المذكور فهو مجازٌ في المرتبة الثانية والحق أنه مأخوذ من الموضع في الأولى وإما التصريح فباعتبار استعماله ظهر المراد به في نفسه كالحقيقة الغير المهجورة، والمجاز الغالب فخرج منه أقسام الظهور من وجوه البيان لأنها باعتبار الدلالة ومن الكناية بالبيان والصراحة كالفصاحة الخلوص ومنه الصرح لارتفاعه، وأما الكناية فما باعتبار استعماله استتر المراد به في نفسه لا كما الذهول عن القرينة في المجاز الطلب كالحقيقة المهجورة، والمجاز غير الغالب والضمائر مطلقًا موضوعة لاستعمالها كناية ¬

_ (¬1) هكذا عرفه الشيخ ابن اللحام، انظر / المختصر في أصول الفقه (ص / 31) بتحقيقنا. وقال فخر الدين الرازي: أحسن ما قيل فيه: ما أفيد به معنى مصطلح عليه غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب بها لعلاقة بينه وبين الأول. انظر / المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 112)، المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 11)، إحكام الأحكام للآمدي (1/ 38)، حاشية التلويح على التوضيح (1/ 69)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 203).

فلذا كانت كنايات في نفسها وإن تعينت معانيها بالقرائن الحالية أو التالية وعند أئمة العربية لفظ يقصد بمعناها ما هو مردوف له كنومة الضحى في المرفهة فمعها قرينة لا مانعة عن إرادة الموضوع له بخلاف المجاز والانتقال فيها من اللازم وفيه من الملزوم فهي عندهم واسطة وعندنا لا بل كتابتهم مجاز والضمائر عندهم حقائق إما كنايات الطلاق فليست بكنايات عنه إلا مجازًا بالاتفاق خلافًا للشافعي فعندنا لعدم استتار المراد والإبهام في متعلقاته أن البينونة أعم إذًا وعندهم: لعدم الانتقال وإلا كانت رجعية كما عنده لا كما ظن أنها عندهم كنايات حقيقة إرادة للمعنيين وإيقاعا للطلاق بصفة البينونة، وذلك لأن إرادة الموضوع له عندهم للانتقال لا لكونه مقصودًا ومرجعًا للصدق والكذب، وإلا لم يصح طويل النجاد إلا لمن له نجاد ولأنه حينئذ لا يكون قصدًا بمعناه إلى معنى آخر بل التحقيق مذهبنا أنه لا واسطة لأن الحقيقة حقيقة بالإرادة ما لم يصرف صارف وإلا ارتفع الوثوق عن اللغات ففي الكناية إن لم يكن قرينة أو كانت غير مانعة لا يراد إلا الحقيقة غير أن القرينة ربما نافت في الخارج وربما نافت في النية والتردد للتردد في القرينة كما يقع مثله في المجاز ثم جواز إرادة الموضوع له أن أريد للانتقال ففي المجاز كذلك وإن أريد على أنه المقصود فممنوع لأنه متعين حينئذ وإلا فلا وثوق ولا انتقال من اللازم ما لم بجعل ملزوما فلما كانت بواين كانت حقائق إلا في اعتدى واستبرئي رحمك لأن عد غير الاقراء وطلب البراءة لا لتزوج زوجًا آخر للوطيء وإن كان محتملًا لكن عند نيتهما يكونان كنايتين من كوني طالقًا حقيقة لأنهما من روادفه في الجملة وإن لم يردفاه في غير المدخول بها كما يتسنى بنوم الضحى عن الترفه وإن لم يكن نوم وبكثرة الرماد عن الضيافية وإن لم يكفي رماد كما في الضياف بالشرى فلذا يتبع الرجعي مويدًا بل السنة لا للانتقال عن المسبب له ليرد أنه غير مقصود، وقيل: هما في المدخول بها حقيقتان لهما شبه المجاور ووقوع الرجعي للاقتضاء وفي غيرها مجازان محضان لسببهما وجاز إما لأن المراد بالسبب العلة أو لأن اختصاص المسبب كاف في صحة استعارته للسبب ولا يلزم كونه مقصودا كالخمر في العنب، والموت على المرض المهلك وهما مختصان بالطلاق من حيث الأصل لا يوجد أن في غيره إلا من حيث الشبه والتبع كالموت وإعتاق أم الولد وحدوث حرمة المصاهرة وارتد إذ الزوج وغيرها وإما أنت واحدة فإنما يتبع رجعيا أيضًا لأنه وإن احتمل مدخلها ينتقل بالمنية إلى أنت طالق واحدة إذ فيه غنية عن تقدير البينونة، وقال الشافعي: لا يقع به شيء لأنها صفة المرأة قلنا ويحتمل صفة التطليق فيكون عند نيتها كقوله أنت

تطليقة واحدة والكناية منها كثبوت عكس جبيت من الجباوة وهي في اللغة أيضًا التكلم بشيء وإرادة غيره كقوله، وأني لا كنو عن قذور بغيرها، واعرف أحيانًا بها فا صارح. بقي أقسام الاستثمار ولتقدم لتحقيقها على سوقنا مقدمات وسيجيء سوق الشافعية في المفاسد إن شاء الله تعالى: 1 - أن المفهوم من اللفظ إما عين الموضوع له أو جزؤه أو لازمه واللازم أما متأخر كالمعلول أو متقدم كالعلة والشرط ومع كأحد معلولي العلة الموجبة لهما للآخر على ما هو المشهور ومنه المتضايفان. 2 - أن اللازم المتأخر لا يتوقف عليه صحة الحكم المطلوب وإلا لم يكن متأخرا إما المتقدم فقد يتوقف عليه صحته كالأهل لصحة تعلق السؤال في واسأل القرية والحكم لصحة تعلق الرفع في "رفع عن أمتي الخطأ" والتمليك لصحة وقوع الإعتاق عن الأمر في أعتق عبدك عني بألف، وقد يتوقف عليه صحة طلاق بعض المفردات على معناه كالبنيان لصحة الطلاق القرية والإرسال إلينا لصحة إطلاق الأمة والمملوكية لصحة إطلاق القيد. 3 - أن اللازم المتأخر للحكم قد لا يكون بواسطة مناطة ولقسمة ذاتيا وقد يكون بها فمناطه إما مفهوم لغةً، أي: موقوف فهمه على مقدمة شرعية أولًا بل موقوف عليها كالثابت بالقياس. 4 - المحتاج إليه لصحة الحكم المطلوب إما لصحته عقلًا كالمنال الأول أو شرعًا كالثالث أو لصحة صدقه كالثاني فالشرعي مقتضى بالاتفاق وكذا الآخران عند جمهور المتقدمين وعند بعض المتأخرين يسميان محذوفا أو مضمرًا ولذا قالوا بعمومهما إلا أبا اليسر. 5 - أن المفهوم إما مقصود أصلى إما مقصود كالتفرقة في {أحل الله البيع} الآية وهو مسوق له من كل وجه أو غير أصلي كإحلال البيع فيها وهو مسوق له من وجه لأنه مقصود للتوسل أو ليس لمقصود أصلا كانعقاد ببيع الكلب من قوله عليه السلام "إن من السحت ثمن الكلب" إذا تقررت فنقول إما ما يستدل بعبارته فالدال على تمام الموضوع له أو جزئه أو لازمه مسوقًا له أي مقصودا في الجملة فيعم الأولين ولا يجب كونه مقصودًا أصليًا كما في النص وإلا لم يندرج الظاهر في العبارة فهو ثلاثة أقسام: 1 - نحو {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: من الآية 8] في إنجاب سهم من الغنيمة. 2 - نحو كل امرأة لي طالق جواب إرضاء لقولها نكحت على امرأة فطلقها فإنه في

طلاق تلك المرأة عبارة وهي جزء مدلول كل امرأة وإن طلقت كلهن قضاء. 3 - نحو {وَأَحَل الله الْبيعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: من الآية 275] في التفرقة اللازمة المسوق لها والعبارة تفسير الرؤيا والتغيير والتكلم سميت بها الألفاظ الدالة لكونها مفسرة وإما يستدل بإشارته فالدال على اللازم الذاتي الغير المسوق له أصلًا ولا المحتاج إليه لصحة الحكم سواء كان متقدمًا محتاجًا إليه لكن لصحة إطلاق بعض المفردات لا لصحة الحكم نحر للفقراء المهاجرين في زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب لأن الظفر به لا يبعد إليه أو متأخرًا نحوه وعلى المولود له في أن النسب إلى الآباء ليعتبر في الإمامة الكبرى والكفاءة وغيرهما، وقيل: قد يدل بالإشارة على الموضوع له وجزؤه كآية التفرقة في الإحلال والتحريم، وفي حل بيع الحيوان وحرمة بيع النقدين وكدلالة المسألة المذكورة على طلاق الكل وطلاق المرأة القائلة كل ذلك لعدم السوق له وهو يوهم بخلاف ما صرح السلف به ناش من عدم الفرق بين المسوق له في النص وبينه هنا فالقيد الأول لإخراج الدلالة والقياس والثاني لإخراج العبارة والثالث لإخراج الاقتضاء والإشارة منها ظاهرة كما مر ومنها غامضة كقوله تعالى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاُثونَ شَهْرًا} [الأحقاف: من الآية 15] عبارة في منه الوالدة على الولد إشارة في أن أقل مدة الحمل ستة أشهر (¬1) لأنها الباقية بعد رفع مدة الرضاع وهي حولان وهذا أولى من جعل المدة لكل منهما كأجل الدينين إما رواية فلانة تخريج ابن عباس وعلى وإما دراية فلان المضروب لهما المدة متتاليان نحو ذهابي وإيابي شهر أن بخلاف الدينين ولا منافاة بين بيان الضرورة والإشارة ونزلت فيمن وضعته أمه بستة أشهر فلذا لم يذكر التسعة الغالب وإن كانت أنسب لمقام الامتنان وللإشارة خفاء بالنسبة إلى العبارة. وإما ما يستدل بدلالته فالدال على اللازم بواسطة مناط حكمه المفهوم لغة وبه يخرج الثابت بالقياس ويسمى فحوى الخطاب ومفهوم الموافقة والقول بأن قياس جلي فاسد لأن المنصوص قد يكون جزءًا نحو لا تعطه ذرة خلاف القياس ولأنه كان ثابتًا قبل شرع القياس فبينهما وجهًا فرق: 1 - أن مناطه مفهوم لغة أي لا يتوقف فهمه على مقدمة شرعية لا أن ينساق إليه ذهن كل لغوي كما ظن فاعترض بتعذية الكفارة من الوقاع إلى الأكل والقياس يتوقف عليها وقريب منه ما يقال النظر في المناط شرط العلم بالتناول اللغوي هنا وسبب ثبوت ¬

_ (¬1) انظر بدائع الصنائع للكاساني (3/ 211).

ففي المشترك مباحث

الحكم في القياس. 2 - أن الملحق فيه مساو للملحق به أو أعلى وفي القياس أدنى ولهذين الوجهين عدت دلالته قطعية وعمل عمل النص في إثبات العقوبات وهو الثمرة من الخلاف في قياسته والحق أن القائل بقياسيته من الشافعية يجوز إثباتها بهذا القياس فالنزاع لفظي إما الأعلى فكالضرب والشتم الملحقين بالتأفيف في الحرمة بمعنى الأذى للعلم بأن المقصود من الحكم المنصوص كف الأذى بخلاف قول الأمر بقتل عدوه لا تقل له أف واقتله فدار الأمر العلم بمقصود المنصوص وفهمه في الضرب والشتم أقوى حتى لا يجنب من ضرب بعد الموت في لا يضر به ولا يبر في ليضربنه ويحنث بمد الشعر والخنق في العض من خلف لا بضربه كما في لا يؤدي وإنما لا يحرم التأفيف لهما على من لا يعرف معناه أو يظنه إكراما مع أن العبرة في محل النص للمنصوص ولذا لا يجوز نصف صاع تمر قيمته كالبر لأن ذلك في المعنى الثابت اجتهادًا إما الثابت قطعًا فيدور الحكم عليه ولذا سؤر الهرة الوحشية نجس لعدم الطوف مع قيام النص. وأما المساوي فكالوطء ناسيًا الملحق بالأكل بمعنى كون النسيان مدفوعًا إليه طبعًا من جانب صاحب الحق وسيجيء تحقيق مساواته قبل مقصود المنصوص الذي هو مدار الأمر إن كان معلومًا قطعًا فالدلالة قطعية كآية التأفيف وإلا فظنية كإيجاب الكفارة على المفطر بالكل، وفيه بحث لأن عدم القطعية يخرجها إلى القياس ويحوجها إلى الاجتهاد وينافيه إثبات كفارة الفطر الغالب فيها معنى العقوبة ولكون معنى النص مرشدًا يسمى الإشعار بسببه دلالة أي إرشادًا. وأما يستدل باقتضائه فالدال على اللازم نحتاج إليه لصحة الحكم المطلوب أو صدقه مطلقًا أو شرعيًا على المذهبين فلا بد أن يكون متقدمًا لكونه شرطًا نحو فتحرير رقبة أي مملوكة والاقتضاء الطلب. الكلام في أحكامها اللغوية التي يبحث عنها من حيث هي مباديء كوقوعها وشرط وقوعها وأمارته ووضعها وتعيين واضعها إما من حيث دلالتها على الأحكام الشرعية فقاصد العلم فلنتعرض منها لما له مثل هذه الأحكام وللبحث عن كونها أصلًا أو خلافه جهتان اخترنا ذكره ها هنا بجهة لغويته لكونه إلى الضبط أقرب ففي المشترك مباحث. الأول: أنه واقع في اللغة ويتضمن جواز وقوعه وقيل: يجب وقيل: يمتنع لنا أن القرء مشترك وواقع فالصغرى لأنه موضوع يستعمل للطهر والحيض معًا على البدل من غير

ترجيح وهذا بإطباق أهل اللغة وكل ما كان كذلك مشترك لأنه المبحث المحرر فأخرج لمعنيين المنفرد معناه ومعنًا أي يستعمل لكل على تقدير استعماله للآخر المنفرد المشكوك في تعين ما وضع له من المعنيين كافعل في الوجوب والندب ولا يخرج بنفي الترجيح لأنه بعد تعين الموضوع له فالمعية في الاستعمال لا في زمانه وعلى البدل شيئين. 1 - المتواطيء والمشكك فإن الرجل يستعمل في القدر المشترك إما من حيث هو أو من حيث حصوله في فرد معين عهدًا أو في جميع الأفراد التي كل منها معنى عهدي لكن على الاجتماع. 2 - الموضوع المعنيين كالإمكان الخاص لسلبي الضرورة من الطرفين فإنه ليس مشتركًا بالنسبة إلى أحدهما بل بالنسبة إليه وإلى سلب ضرورة أحد الطرفين ومن غير مرجح الحقيقة والمجاز وارد يمنع كون القرء حقيقة فيهما لجواز مجازيه أحدهما وجفاء موضع الحقيقة وأجيب بأن المجاز أن استغنى عن القرينة التحق بالحقيقة وحصل الاشتراك وإلا فلا تساوي إما كونه مجازا فيهما فيدفعه عدم احتياجه إلى القرينة المانعة عن الحقيقة وإن احتاج إلى القرينة المعنية والغرض من هذه الإشارة إلى الحقيقة المختارة للمشترك وإلا فالاستدلال بأن القرء حقيقة في كل منهما لعدم احتياجه إلى القرينة المانعة كاف للموجب وجهان الأول منهما يستدعي مقدمات. 1 - أن المسميات غير متناهية أولًا يرى أن بعضها وهو الأعداد غير متناهية. 2 - أن الألفاظ متناهية لتركبها من الحروف المتناهية بالانضمامات المتناهية إذ الألفاظ الموضوعة لا ترتقي عن السباعي مع أن بعض تقاليبها مهمل. 3 - أن ما عدا أي قدر متناه من غير المتناهي يكون أكثر فنقول لو لم يجب لجاز أن لا يقع ويمتنع لأنه لو كانت المسميات غير متناهية والألفاظ متناهية فلو لم يقع الاشتراك لخلت أكثر المسميات أي ما عدا أي قدر متناه منها عن الاسم والمقدم بجزئية حق والملازمة لامتناع وفاء المتناهي بغير المتناهي فرادى وبطلان التالي لأن قصور الألفاظ يخل بغرض الوضع الذي هو تفهيم المعاني وربما يوجه بأن توزيع المتناهي على غير المتناهي يوجب الاشتراك وإنما يتم لو بين عدم قصور الألفاظ عن المسميات والجمل التي يوضع المشترك بإزائها أنفسها متناهية وأفرادها غير متناهية وجوابه من وجوه أربعة: 1 - منع عدم تناهي المعاني إن أريد بها المختلفة والمتضادة وتسليمه مع منع عدم وفاء الألفاظ بها إن أريد المتماثلة المتحدة في الحقيقة أو المطلقة فإن الوضع للحقيقة

المشتركة كاف في التفهيم. 2 - على تقدير تسليم عدم تناهي كل منها فمنع عدم تناهي ما يحتاج إلى التعبير والتفهيم وذلك ما يدخل لخت تعقلنا وتوجهنا ولوكان الواضع هو الله تعالى فلما كان وضعه لتفاهم العباد جاز أن يعتبر حالهم في التناهي. 3 - منع تناهي الألفاظ لتركبها من المتناهي كأسماء العدد الغير المتناهية مع تركبها من اثنى عشر وإنما يتوجه لو أريد مطلق الألفاظ بناء على يكون مرات الانضمام غير متناهية والوضع نوعيا شاملا لها أما لو أريد الألفاظ المفردة الموضوعة بالفعل فقد مر إنها متناهية. 4 - منع بطلان التالي وإنما يختل غرض الوضع لو لم يعبر عن الباقي بالمجازات أو بالاضافة والوصف وغيرهما كأنواع الروائح وكثير من الصفات كحمرة الورد والحمرة الشديدة بخلاف الفطوسة وربما يستدل على تناهي المعاني ببرهان التطيق بغرض سلسلة واحدة من مبدأ وتطيق الباقي بعد إفراز جملة متناهية منها على الكل وجوابه أن المراد بالتطيق إما توافي الحدين فيختار عدمه وذا لفرض زيادة في مبدأ أحديهما فلا يلزم وإما أن يوجد في أحديهما ما يقابل كلا من الآخرة فيختار وجوده وذلك لعدم تناهيهما فلا يلزم تساوي السلسلتين للثاني أنه لو لم يقع لكان الموجود في القديم والحادث متواطئاً أو مشككاً وهو باطل فالملازمة لأنه حقيقة فيهما وإلا لصح نفيه عن أحدهما فلو لم يكن لخصوصهما لكان لمشترك بينهما تفاوت في أفراده أم لا والمشترك المعنوى حقيقة في الأفراد إذا اعتبر حصصها التي كل منها لقام حقيقته ومن ثمه امتنع سلبه عنها وبطلان اللازم لأنه واجب في القديم ممكن في الحادث فالشيء الواحد بالحقيقة يكون واجباً ثبوته لذاته وممكناً وأنه مح أو لأن الوجود عين الموجود كما هو مذهب الأشعري وأبي الحسين فلا يكون مشتركاً بينهما قلنا على الأول لا نم إن الواحد بالحقيقة لا يكون واجب الثبوت لذات الثبوت لأخر إذا كان مشككاً كالعلم والكلام في القديم والحادث وإنما لا يكون لو كان الاختلاف من نفسه لا مما صدق عليه وهذا ما يقال المتواطئ لا يكون له مقتضيات مختلفة بخلاف المشكك والتحقيق أن المشكك من حيث هو مشترك كذلك والاختلاف مما صدق عليه كالنور للشمس يقتضي إبصار الأعشى دون نور السراج لكن في الاستناد بنحو العلم والكلام كلام هو أن صفات الله تعالى عند مشايخ الأشاعرة مغايرة بالحقيقة لصفات الممكنات مغايرة الذات ولا إلزام بالمختلف فيه ما لم يقم عليه برهان ومن اقتصر على المتواطئ أراد المشترك المعنوي التناول للمشكك أو اكتفى بذكره عن المشكك

المبحث الثاني

لاتحاد التوجيه أو لا يرى التشكيك بأن ما به التفاوت إن كان في الماهية فلا اشتراك وإلا فلا تفاوت وليس بشيء لأن التفاوت من ماهية ما صدق عليه كان يكون وجود الصانع مخالفاً بالحقيقة لوجود المصنوع والوجود المشترك زائداً عليهما كالماهية والشخص وغيرهما وعن هذا أن كل مشكك زائد على ما يقال عليه وعلى الثاني منع أن وجود كل موجود عينه وتقول بعد الجوابين هو دليل الوقوع لا وجوبه للمخيل إن وضعه يخل بغرض الوضع إذ لا يحصل معه فهم المعاني على التفصيل لخفاء القرائن فيكون مفسدة وهذا أولى مما يقال إن نفسه يخل بغرض المتكلم لتساوي نسبته إلى المعاني ففهم السامع واحدا منها ترجيح بلا مرجح لأنه ينفي استعماله لا وقوعه وإمكانه مع أن القرينة مرجحة قبل هذا مظنه عدم الوقوع ولا اعتبار بالمظنة مع تحقق المئنة فأجابوا بأن ما يظن مشتركاً فأما متواطئا ومجاز خفى الحقيقة لخفاء القرينة كالعين من حيث هو مستدير أو شفيف وقلنا لا نم إن اللهم الفصلي لا يحصل مع القرائن المعتبرة للتفصيل وإن المقصود التفاهم التفضلى دائماً بل والإجمالي طوراً كما في أسماء الأجناس وإن بما يقدم منع المقدمة الخيرة لقربها في الذهن أو قوتها في الاهتمام أو قلة احتياجها إلى تطويل السند. المبحث الثاني أنه واقع في القرآن أسماء نحو {ثَلاثَةَ قُرُوء} (البقرة: من الآية 228) وفعلاً نحو {وَاللْيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} (التكوير:17) فقد ذكر الجوهري أنه موضوع لأقبل وأدبر (¬1) وقيل: لا للزوم ما لا حاجة إليه أو ما لا يفيد وكلاهما نقص لأن وقوعه مبينا تطويل بلا طائل وغير مبين وغير مفيد قلنا لا نم أن البيان بعد الإجمال لا طائل فيه فعلم المعاني متكفل لفوائده ولا ثم عدم الفائدة في وقوعه غير مبين فربما يفيد فائدة إجمالية كما مر أو فائدة الابتلاء باستنباط مقصوده أو بالعزم على الامتثال من الثواب أو العقاب. المبحث الثالث أنه خلاف الأصل وإلا لساوى المنفرد في الدائر بينهما فاحتاج كل لفظ إلى الاستفسار ولم يفد التمسك بالنصوص ظناً فضلاً عن العلم وفيه بحث وإلا وضح أنه لعروض الاشتراك ولأنه أقل بالاستقراء فيكون مرجوحاً قيل الأفعال مشتركة فالماضي بين الخبر والإنشاء والمضارع بين الحال والاستقبال والأمر بين الوجوب والندب وكذا ¬

_ (¬1) انظرا لسان العرب (13916).

ّالحروف بشهادة النحاة فإذا أضيف بعض الأسماء إليها كان المشترك غلب وجوابه منعه في الماضي إلا في قلائل وفي المضارع والأمر لخلاف فيهما بل لإجماع غير الواقفية على خلافه في الأمر وهم شرذمة قليلون وفي الحروف بشهادة النحاة على أن أحد المعاني أصل وبعد هذا فغالب الألفاظ الأسماء والاشتراك فيها نادر. 3 - أن فيه مفسدة للسامع لاحتمال أن لا يفهم ويهاب الاستفسار أو يستنكف أو يظن أنه فهم فيقع الجهل وللمتكلم لا مكان فهم السامع خلافاً لمراده ضاراً له. وفي الترادف مباحث: الأول: أنه توالى الألفاظ المفردة على موضوع له واحد بالاستقلال فتوالي الألفاظ جنس والمراد ما فوق الواحد واحترز بالمفردة عن الحد والمحدود وإن ذهب البعض إلى ترادفهما فإن الحق أنهما مختلفان إجمالاً وتفصيلاً كما مر ولأن دلالة الحد بأوضاع متعددة وعن التواكيد المركبة وبه موضوع واحد عن المهملات والمتباينة تفاضلت أو تواصلت كالإنسان والناطق والحقيقة والمجاز وبالباقي عن التوابع الباقية. الثاني: أن سببه إما تعدد الواضع أو تكثير وسائل التعبير المسمى عند علماء البيان بالاقتنان فان تكثير الذرايع أفضى إلى المقصود أو تيسير مجال النظم والنثر وأنواع البديع أما النظم فقد يصلح أحدهما للقافية أو الوزن دون الآخر نحو ذاهبة بخلاف صاحب العطة وأما النثر فقد يصلح أحدهما للسجع أو وزن الترصيع نحو حمدت آلاؤه وشكرت نعماؤه بخلاف نعمه وأما أنواع البديع فكالتجنس كما مر وكإبهام التقابل المراد به المطابقة وكالمشاكلة الرماد بها مراعاة النظير نحو حسناً خيرا من خياركم في جواب حسناً خير من حسنكم والترادف باعتبار أحد المعنين كاف في التمثيل وإن كان حصول الفائدة باعتبار معنى آخر وبهذا يندفع ما قال المانعون لوقوعه أنه لو وقع لعرى الوضع عن الفائدة لكفاية أحدهما واللازم بطلان الواضع أو الملهم حكيم وقالوا لزم التعريف بالثاني للمعرف بالأول وأنه لخصيل الحاصل قلنا نصب علامة أخرى للمعرفة بهما بدلا وإذا قيل لهم لا نفيد المظنة مع المئنة قالوا ما يظن منه من اختلاف الذات والصفة كالإنسان والبشر باعتبار ظهوره أو الصفات كالخمر لتغطية العقل والعقار لعقره أو لمعاقرته البدن وملازمته أو الصفة وصفه الصفة كالعقار والحندريس لعدم معاقرته أو اختلاف الذكر والأنثى كالأسد والليث أو الحالة السابقة كالقعود من القيام والجلوس من الاضطجاع والكل مم حتى يثبت بالعقل الصحيح لا سيما في الكل.

وفي الحقيقة والمجاز مباحث

الثالث: أنه خلاف الأصل لتوقف استعماله على حفظ المتخاطبين جميع المترادفة وإلا جازان يعبر أحدهما بغير اللفظ المعلوم لصاحبه فلا يفهم مراده وفيه مشقة والأصل عدمها. الرابع: في صحة وقوع كل من المترادفين موقع الآخر وربما يقال في وجوب صحته والمراد واحد لأن الإمكان إذا جعل جزعًا من المحمول كانت النسبة ضرورية وإلا صح صحته إذ لا مانع في المعنى لوجدته والتركيب لعدم الحجر فيه عند صحته بالنقل المتواتر قالوا لصح خذاي أكبر مكان الله أكبر واللازم منتف قلنا ملتزم صحته ولئن سلم فاختلط اللغتين فارق لأن كل لغة مهمل بالنسبة إلى الأخرى إلا عند اعتبار النقل والإقامة كما فعلنا بدلالة التعريب، وفي التأكيد المناسب للترادف بحث واحد أنه تقوية مدلول المذكور بلفظ آخر أي مغاير شخصاً أو نوعاً سواء كان مقدما كان على الجملة المؤكدة أو مؤخراً فإما بنفسه ويجري في الألفاظ كلها ويسمى باللفظي وإما بغيره ويسمى المعنوي كالألفاظ المحفوظة ومنه المقدم كان وأنكره الملاحدة طعناً في القرآن متمسكين بأن الأصل التأسيس لأن الإفادة خير من الإعادة قلنا إنه لا يمنع الجواز لفائدة دفع توهم التجوز أو السهو أو عدم الشمول أو رفع التردد أو ورد الإنكار أو التنبيه على الاهتمام بشأن الكلام أو المخاطب أو إظهار التحسر والتحزن أو غير ذلك وكلها إما صريحًا وجزيا على مقتضى الظاهر أو كناية وجريًا على خلافه كما فضل في مقاه ومع ذلك فالمظنة لا تعارض المئنة الثابتة باستقراء اللغات. وفي الحقيقة والمجاز مباحث والأول: في أماراتهما يعرفان نار ضرورة أي بدون الانتقالين وكنص أهل اللغة باسمها أو حدهما أو خاصتهما وليس في الأخيرين إلا الانتقال ليتنافى مع أنهما كالبيان للتصور لا للتصديق بالحقيقة أو المجازية وأخرى نظراً أي بالانتقالين من وجوه: أ- عدم صحة النفي في نفس الأمر وإن صح لغة إذ لصحة لغة لا يقتضي الصدق للحقيقة وصحته قيد للمجاز لا يقال المستعمل في الجزء أو اللازم المحمولين مجاز مع عدم صحة نفيه عنهما حيث يصح الحمل بينهما لأنا نقول يصح نفي مفهومه المطابقي عن المراد منهما وهو مفهوما هما وهو المراد واعتراض على الأول بأن العلم بعدم صحة النفي موقوف على العلم بكونه حقيقة إذ المجاز يصح نفيه فإثبات كونه حقيقة به دور ظاهر وعلى الثاني بأن المراد صحة نفي كل معنى حقيقي وإلا لانتقض بالمشترك فالعلم بها

موقوف على العلم بأن ذلك المعنى ليس شيئاً من المعاني الحقيقية وذلك موقوف على العلم بكونه مجازياً فإثبات كونه مجازاً به دور مضمر ورد بمنع التوقف الثاني لا مكان القطع بأن زيداً ليس من المعاني الحقيقية للأسد مع أن لا يعلم استعماله فيه فضلاً عن المجازية فلا دور واجب يحمل التوقف على المعية فإن المعنى أن بين معرفة صحة السلب والمجازية معية زمانية لأن العلم يكون المسلوب عنه ليس شيئاً من الحقائق مقارن لهما زماناً فلو كانت سبباً لها لتقدمت على مقارن نفسها والمتقدم على المع متقدم فيتقدم على نفسها وهو الدور وليس بشيء لأن المعية أيضاً ممنوعة بما مر من السند وعندي أن كلا التوقفين مم لأن مراد القوم صحة نفي جميع المعاني الحقيقية عن محل الكلام وإن لم يعلم المراد نحو طلع الشمس في عشيتنا يعلم فيه صحة سلب الجرم والضوء مع عدم خطور ما هو المراد بالبال فضلاً عن أنه ليس شيئاً من المعاني الحقيقة لجواز أن يكون حضر الحقائق معلوماً سابقاً ولئن سلم فلا يلزم خطور مجازيته لاحتمام الكذب أو الغلط إلى أن ينتظر فط العلاقة والعلامة وجوابه المشهور وجهان: 1 - منع أن سلب بعض المعاني غير كاف إذ سلبه يوجب الاشتراك لولا المجازية والمجاز أولى. 2 - إن ورود الدور فيما لا يدري المعنى الحقيقي أي مجازي إما إذا علما ولم يعلم المراد يعلم بصحة سلب الحقيقي أن المراد المجازي قيل إذا لم يعلم المراد كيف يمكن سلب الحقيقي عنه أو إثباته وأجيب بان المراد سلبه عن محل الكلام لا عن المراد ولا منافاة بين قرينة المجاز وأمارة المجازية. ب- قيل: للحقيقة أن يتبادر هو إلى اللهم لولا القرينة وللمجاز أن لا يتبادر ثم أورد المشترك المستعمل في معاينة الحقيقة على طرد علامة المجاز إذ لا يتبادر أحدهما لولا القرينة مع أنه حقيقة وعلى عكس الحقيقة وهو وإن كان غير ملتزم دني العلامة ملتزم ها هنا اتفاقا لخصوص المحل. فأجيب: بأن عنه القائلين بعمومه يتبادر كلها لولاها وعند الآخرين حقيقة في أحدها لا بعينه وهو يتبادر وسيظهر ضعفه فعدل إلى أن للحقيقة أن لا يتبادر غيره لولا القرينة وللمجاز أن يتبادر غيره لولاها فورد على طرد علامة الحقيقة وعكس علامة المجاز المشترك المستعمل في معنى مجازي إذ لا يتبادر غيره للتردد وليس بحقيقة فإن أجيب بأنه يتبادر أحد المعاني لا يعنيه وهو غيره رد بأن إمارة المجاز تصدق حينئذ على المشترك

المستعمل في العين إذ يتبادر غيره لأن غير المعين غير المعين مع أنه حقيقة وإلا لكان متواطئاً والتزام مجازيته في المعين خلاف إجماع الأصولين وهذا إلزامي ورده التحقيقي أن منافي الحقيقة تبادر الغير على أنه المراد والموضوع له وهاهنا تبادر أحد المعاني لا يعنيه ليس كذلك وإلا كان متواطأ بل على أنه لازم المراد والموضوع له لأن المراد والموضوع له معين منها لكنا لا نعلمه والأحد الدائر لازم للمراد ولمكن أن يجعل هذا رد الرد ويوجه بأن إمارة المجاز تبادر غيره على أنه المراد فلا يصدق على المستعمل في المعين لأن تبادر غيره وهو غير المعين على أنه لازم المراد وهذا وإن كان رد الرد لكنه رد للجواب أيضاً كما مر فالاعتراض وارد بما يقال بأنه تصحيح الجواب إذ يصدق على المعنى المجازي للمشترك أنه يتبادر غيره على أنه المراد وهو المعين من معانيه لولا قرينة المجاز وإن لم يعلم ذاته بالتعيين ولا ينافيه تبادر إلا حد لا يعنيه على أنه لازم المراد هذا كلام القوم. وفيه بحث إذ الفرق بين معين من الشيئين غير معلوم وبين أحدهما غير معين غير واضح لأن الضمير للمعنيين وعندي أن القرينة إما معينة وهى التي للمشترك أو محصلة وهي للمجاز والفرق أن الفهم لو سوى نسبة المعنين إلى الإرادة لولا القرينة فهي معينة وإن رجح أحدهما فهي محصلة فمراد المشايخ بالقرينة في الأمارتين المحصلة بقرينة السياق فلا يرد المشترك على شيء من العبارتين في كل من الإمارتين إذ يصدق على المشترك أنه يتبادر أحد معانيه لولا القرينة المحصلة إذ معناه عدم توقفه على القرينة المحصلة وتوقفه على القرينة المعينة لا ينافيه كتوقفه على العلم بالوضع وهذا تحقيق ما حام أحد حوله ولا بد منه لأنها أشهر الإمارات في عبارات المشايخ. ج- مع كل مما يعده للمجاز خاصة إذ لا ينعكس شىء منها وهو عدم اطراده بأن لا يجوز استعماله في محل مع وجود سبب الاستعمال وهو في المجاز مجوزه نحو أسال القرية دون اسأل النشاط وكالنخلة للإنسان الطويل دون غيره ولا ينعكس لأن المجاز قد يطرد كما مر واعترض بانها غير مطردة لوجودها في الحقيقة كالسخي والفاضل لا يطلق على الله مع جوده ومزيد علمه والقارورة لا يطلق على غير الزجاجة كالدن مع تقرر الشيء فيه فأجيب بأن الإمارة عدم الاطراد من غير مانع مطلقاً وهاهنا مانع شرعي في الأولين ولغوي في الثالث فرد بان عدم الاطراد لا لمانع ممكن له سبب وسببه إما المانع أو عدم المقتض والمفروض أن لا مانع فهو عدم المقتضي ومقتضي الاستعمال إما الوضع أو العلاقة لكن العلاقة لو اقتضت ولا مانع لكان مطرداً فهو الوضع فعدم الاطراد سببه عدم

الوضع فالعلم به يتوقف على العلم بعدم الوضع لا لأن ذا السبب إنما يعلم بسببه كما ظن أن الحكيم يقول به بل ما قاله إن العلم التام بما له السبب بالعلم يسببه بل لأن العلم بعدم المانع من ترتب الأثر على المقتضى يقتضي العلم بخصوصية المقتضي لاحتمال أن يكون مفسدة المانع مرجوحة عن مصلحة المقتضي فلا يمنع وإذا توقف العلم بعدم الاطراد لا لمانع على العلم بعدم الوضع وقد جعل إمارة للمجاز باعتبار عدم الوضع فيتوقف العلم بعدم الوضع عليه فيدور. توجيه أخصر أن العلم بعدم الاطراد لا المانع موقوف على العلم بعدم المانع الموقوف على العلم بخصوصية المقتضى وهو الوضع حتى يحكم بعدمه فلو توقف المجاز باعتبار عدم الوضع عليه دار فلا يرد أن المجاز أخص من عدم الوضع وجودًا ولا يلزم من توقف الخاص توقف العام فالجواب الحق أن المراد يكون عدم الاطراد إمارة المجاز أن الدائر بين المطلق والمقيد إذا لم يطرد في المطلق يعلم أنه مجاز فيما عدا المقيد فيعلم أن الجواد لمن من شأنه البخل والفاضل لمن من شأنه الجهل أو النسبة إلى فرد من بني نوعه بالزيادة والقارورة لما به خصوصية الزجاجة فلا دور لأن منشأه تقييد عدم الاطراد بعدم المانع ولم يقيد فأمكن العلم به بنحو النقل والاستقراء وإلا بالعلم بسببه ولا نقض أيضاً لأنها حقائق في المقيد. د- إمارة المجاز دي مقام التردد بينه وبين المشترك وهي مخالفة صيغة جمعه لصيغة جمع مسمى هو فيه حقيقة كالأمور مع الأوامر فانهال لما أشعرت بعدم التواطئ فالمجاز أولى فلا يرد جواز مخالفة صيغتط جمعي المشترك المذكور والذكران والذكارة خلاف الأنثى والمذاكير للعضو وكذا العيدان لعود الخشبة والأعواد لعود اللهو ولا ينعكس لجواز اتحاد جمعي المجاز والحقيقة كالحمر والأسد. هـ - التزام تقييده فلا يراد عند الإطلاق نحو نار الحرب فيمن يقول بمجاز به المضاف كالسكاكي على خلاف الجمهور للشهور في نحو أظفار المنية وتوقفه على صحبة الغير لخقيقاً أو تقديراً التي هي دليل المجاورة في الخيال {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله} (آل عمران: من الآية 54) مثلها {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله} (الأعراف: من الآية 99) ولا ينعكسان لأن عدم التقييد والتوقف فقد يوجد في المجاز. ز- عدم جواز اشتقاق المنصرفات منه كالأمر للفعل. ح- التعلق إلى غير قابل نحو اسأل القرية.

المبحث الثاني في مجوز المجاز

ط- إطلاق الحقيقة متعلق على ما ليس له ذلك نحو انظر إلى قدرة الله أي مقدوره. المبحث الثاني في مجوز المجاز العلاقة اتصال للمعنى المستعمل فيه بالموضوع له صورة كما في المرسل أو معنى كما في الاستعارة وعلاقتها المشابهة وهي الاشتراط في معنى مطلقا لكن يجب أن يكون ظاهر الثبوت لمحله والانتفاء عن غيره وإلا لم يفهم مع صرف القرينة عن الحقيقة وكان تعمية وألغازا كالأسد على الشجاع لا الأبخر والموجود والتعين من القرينة غير ملتزم وليس المراد بها الاشتراك في الكيف فيندرج لختها المشاكلة الكلامية كالإنسان على الصورة المنقوفة والمطابقة والمناسبة والموازاة وغيرها وتضاد نزل يمنزلة التناسب لتهكم أو لقليح نحو فبشرهم بعذاب أليم والاتصال الصوري إما في اللفظ وهو في المجاز بالزيادة والنقصان على مذهب المتقدمين قبل وفي المشاكلة البدعية وهو الصحبة الحقيقية أو التقديرية والحق أن عدها علاقة باعتبار أنها دليل المجاورة في الحيال فهي العلاقة في الحقيقة وإلا فالمصاحبة في الذكر بعد الاستعمال والعلاقة تصحح الاستعمال فيكون قبله أو في المعنى فأما أن يكون المجازي عين الحقيقي بالقوة كالمسكر لخمر أريقت أو بالفعل فيما مضى فالكون عليه كاليتيم للبالغ أو فيما يستقبل فالأول إليه كالخمر للعصير ممن كانت مقصودة منه عنده أما الحال ففيه حقيقة وإما بأن يكون لازما له وتسمى المجاوزة لزوماً ذهنياً كالعدم على الملكة أو خيالياً عادة كأحد الضدين على الآخر حيث لا تنزيل كالسليم على اللديع والمشاكلة البديعية مثله من وجه ومثل المشاكلة الكرمية من أخراً وإن كان الانتقال عادياً ويندرج فيه صور كلية: 1 - الكلية والجزئية كالركوع في الصلاة واليد فيما وراء الرسغ ويدخل فيهما المطلق في المقيد كما سيجيء وعكسه كالنصف في البعض والخاص في العام وعكسه إذا كان العام جزءًا والحقيقة المراد بها العموم نحو علمت نفس لأنها جزء الأفراد. 2 - الحالية والمحلية كاليد في القدرة نحو يد الله وعكسه نحو قدرة طولي. 3 - حلولهما في محل كالحياة في الأيمان والعلم والموت في ضدهما. 4 - حلولهما في محلين متقاربين كرضي الله في رضي رسوله. 5 - حلولهما في خيرين متقاربين كالبيت في حرمة بدليل فيه مقام إبراهيم. 6 - السببية والمسببة فالقابلية كالظرف على مظروفه نحو سأل الوادي وعكسه نحو البريد لي مكان ربطه والفاعلية كالنبات والغيث من الطرفين ومن السببية الدم في الدية وأكل

المبحث الثالث

الدية في أكل الدم والاكاف في ثمنه والمسببة الموت على المرض والحرج والضرب والمهلكة والغائية نحو الخمر في العنب والعهد في الوفاء في قوله تعالى إنهم لا إيمان لهم ومن الجائز اجتماع العلاقات بالاعتبارات فالصور به كالمتصل على الهيولى والقابل على الصورة عند من يقول بهما وهذان متدرجان تحت الحالية والمحلية أيضاً فلا تغفل عن النكتة. 7 - الشرطية والمشروطية نحو الأيمان في الصلاة والمصدر على الفاعل والمفعول كالعلم أو المعلوم فالمجموع أكثر من ثلاثين. المبحث الثالث في أن النقل لا يشترط في أحاد المجازات بل العلاقة كافية إذ لو كان نقليا لتوقف أهل العربية في التجوز على النقل والخطأ واستعمل غير المسموع وليس كذلك بالاستقراء ولذلك لم يدونوا المجازات كالحقائق وقيل: أيضاً لو كان نقلياً لاستغني عن النظر في العلاقة لكفاية النقل وقد أطبق أهل العربية على الافتقار إليه وفيه نظر لأن المراد بالاستغناء إن كان استغناء كما هو المناسب فاللزوم ممنوع والإطباق ليس على افتقاره وإن كان استغناء الواضع في وضعه فاللزوم ممنوع ولئن سلمنا الإطباق على افتقار المتجوز لكن لا يلزم منه الافتقار في تجوزه لجواز أن يكون في الاطلاع على الحكمة الباعثة للمجاز وتعرف جهة حسنة وقيل: يشترط لوجهين: أ- أنه لو كفي العلاقة لجاز نحو نخلة لطويل غير إنسان للمشابهة وسبكة للصيد للمجاورة والسمار للأرض للتضاد والأب للابن وعكسه للسببية والمسببية لا للأول إليه في الأب والكون عليه في الابن كما ظن أما إذا لم يختلف المضاف إليه كان يقال أبو زيد ويراد ابنه أو بالعكس فظاهر وأما إذا اختلف فلان الابن علي الأب لكونه ابنا حقيقة وجوٍابه أن العلاقة مقتضية للصحة وتخلفها لمانع مخصوص لا يقدح ولئن كان عدم المانع جزءًا من المقتضي فمعنى كفاية العلاقة عدم اشتراط وجود النقل وإن كان المانع معتبراً معه هذا كلام القوم ولم يحم أحد حول تحقيق المانع عن التجوز في أمثاله والذي نحدسه من تصفح الأقوال وتفحص الأمثال أن كل حقيقة جرت عادة البلغاء في التجوز على الانتقال منها إلى معنى معين دائماً كما عن الجمود إلى بخلها بالدموع أو أن البكاء فالانتقال إلى غيره وإن كان مع علاقة مصححة كما عنه إلى عدم البكاء مطلقاً وعنه إلى السرور محتل ليس بمقبول لأنه غير منقول حتى يلزم تحجر الواسع وإلحاق بالمقلد بل لأن تعارفهم على أخلافه يمنع الأذهان عن الالتفات لفت هذا الانتقال فيما بينهم فاعتبر المانع

المبحث الرابع

في حقهم مانعاً مطلقاً إما لم يعلم تعارفهم فيه يجوز الانتقال عنه إلى مجاز فيه المجوز المعتبر في المختارة ويشترط النقل عند المخالف. ب- أن التجوز بلا نقل إثبات ما لم يصرح به فيجامع قياس وبدونه اختراع وكلاهما باطل جوابه أن عدم الوضع الشخصي لا يقتضي عدم الوضع مطلقاً ليلزم أحدهما لجواز أن يوضع نوعياً أن العلاقة مصححة ويعلم بذلك كليا بالاستقراء كما في قواعد العربية من رفع الفاعل باسمه ونصب لمفعول واسمه. المبحث الرابع في أن اللفظ المستعمل جنسهما فليس قبل الاستعمال شيئاً منهما فمعنى أن المجاز يستلزم الحقيقة أولاً أن استعماله مجازاً يستلزم استعماله حقيقة الحق لا للعلم الضروري بإمكان استعماله في غير ما وضع له بدون استعماله فيه كإمكان عكسه الاتفاقي للمخالف لو لم يستلزم لخلا الوضع عن الفائدة وكان عبثاً وأنه محال إما الملازمة فلان ما لم يستعمل لم يفد المعاني المركبة فانتفت فائدة الوضع قلنا لا نم إن فائدته إفادة المعاني المركبة فقد مر جواب شبهة من قال به لكن هذا غيركاف لأن غير المستعمل لم يفد المعاني المفردة أيضاً فالجواب الحق منع انحصار الفائدة فربما كانت صحة التجوز أو منع بطلان اللازم إذ البعث مراداً به ما لا يقصد به فائدة غير لازم وما لا يترتب عليه غير محال وربما استدل على الحق بأنه لو استلزمها لكان لنحو شابت لمة الليل أي ابيض الغسق وقامت الحرب على ساق أي اشتدت من المركبات حقيقة وليست وأجِيب جدلياً بأنه مشترك الالتزام لأن نفس الوضع لازم للمجاز فيكون لنحوها موضوع له وليس وتحقيقاً باختبار أن لا مجاز في المركب بل في المفردات ولها وضع واستعمال قيل هذا يصح في المثال الأول فاللمة عن الغسق والشيب عن البياض لا في الثاني وأجيب بأن القيام عن الثبات على أرفع الأوضاع من قام النائم كما قال الزمخشري في يوم يقوم الحساب ونحوه ترجلت الشمس إذا أشرقت أو عن عدم غلبة إحدى الفئتين من قامت لعبة الشطرنج والساق عن أسباب الحرب التي بها ثباته ومن أَتبع عبد القهر في أن المجاز مفرد ومركب ويسمى عقلياً وحقيقة عقلية لكونهما في الإسناد كان طرفاه حقيقتين نحو سرتني رؤيتك أو مجازين نحو أحياني اكتحالي بطلعتك أو مختلفين فإن اتبعه في عدم الاستلزام أيضاً فذاك وإلا فيجيب بأن مجازات الأطراف لا مدخل لها فيه ولها حقائق ومجاز الإسناد ليس لفظاً حتى يطلب لعينه حقيقة ووضع بل معنى له حقيقة يعبر هذا اللفظ واجتماع المجازات لا يستلزم اجتماع

حقائقها ومن قال بأن المجاز المركب في الاستعارة التمثيلية نحو طارت به العنفاء وأراك تقدم رجلاً وتؤخره أخرى فلا بد أن يقول بعدم الاستلزام وإلا ففط مذهبه إشكال ومن نفى المجاز المركب كما أجاب عن التمثيلية بأن المجاز في المفردات إن أمكن تحمله في كل موضع أجاب عن المجاز العقلى بأنه من الاستعارة التبعية وذلك لأن عرف العرب على أن يعتبر القابل فاعلاً نحو مات زيد وطلعت الشمس ودعوى أن الإسناد فيهما مجاز عند الشيخ افتراء عليه ولم يلتزموا الإسناد إلى الفاعل الحقيقي كما في أثبت الله وخلق الله ومنه ضرب زيد لأنه محل أحداث الدق ولم يضرب محذو حذو إثباته فكذا سرتني رؤيتك وما في معناه لأنها قابلة لأحداث الفرح فاتحدت جهة الإسناد على متعارف العرب ولم يعتبر في ذلك تدقيق الأشاعرة في قاعدة خلق الأعمال كما اعتبره عبد القاهر ولكون المتعارف ذلك صار إسناد الطاعة والمعصية والعبث إلى العباد مع أن الموجد هو الله تعالى وشددنا النكير على المعتزلة في إسناد الكلام إلى الله لا يجاده في محله بأن الاستقراء دليل عدم صحته وإذا ثبت أن القابل يعتبر فاعلاً فإذا أسند الفعل إلى قابله كما في سرتني رؤيتك فلا مجاز وإذا أسند إلى غير قابله يجعل مجازا عن فعل يكون الفاعل مسبباً قابلياً له وهذا معنى قولهم يجعل مجازا في التسبب العادي لا ما فهموا أن يكون الفعل مجازاً عن تسبب له كما ظن فورد نحو جد جده وشعر شاعر لأن تسبب القابل عادي كما مر أن عادة العرب على الإسناد إليه والحقيقي هو تسبب الفاعل بمعنى أثبت الربيع صار زمان إثباته وبني الأمير أمر ببناءه وجد جده اشتد أو وقع كما ذكره الزمخشري في تقطع بينكم بالنصب وحاصله أن يجعل استعارة تبعية ويستغنى بها عن المجاز العقلي كما عن الاستعارة بالكناية تقليلا للانتشار وربما يستدل أيضاً بأنه لو استلزمها لكان اللفظ الرحمن حقيقة وهو ذو الرحمة مطلقًا وليس ورحمان اليمامة تعنت في الكفر. وفيه بحثّ لما مر أن الدائر بين المطلق والمقيد ليس حقيقة في المطلق بل في المقيد، وقيل: ذو رقة القلب أو بقيد المذكورة وفيهما أيضاً شيء إذ لا يفهم في العرف الجاري إلا إرداة الخبر وإذ وضع الصفات للذات بلا قيد الذكورة وإلا اجتمع المتنافيان عند دخول التاء ولكان نحو عسى وحبذا حقيقة لأن الكلام مع القائل بفعليته وكل فعل له زمان وقد استقرئ ولم يوجد قيل وهو المعنى بعدم الاستعمال وفيه شىء بل التعويل على أن اللغة جوزت استعمالها على من لم يثبت عنده حقيقتها والمراد العدم في الجملة. تتمة: ففط أنبت الربيع البقل أربعة مذاهب إذ لا بد له من التأويل لئلا يكون كذباً

ومعتقد لا اعتبار له والنصرف في مطلق المجاز إما في اللفظ أو في المعنى وكل بزيادة أو نقصان أو نقل والنقل لمفرد أو لتركيب فأقسامه سعة لكن التأويل المذهوب إليه ها هنا إما في المعنى أو اللفظ ففي الإثبات أو الربيع أو التركيب: 1 - مذهب الرازي وتصرفه في أمر عقلي فقط وحاصله أن يتعقل معناه لا للقصد إليه بل لأن ينتقل منه إلى تعقل جملة أخرى بطلب التصديق بها وهي أنبت الله بتشبيه حال إنبات الله بحال إنبات بقدر للربيع في دورانه معه فهي استعارة تمثيلية مستعار منه فيها مقدر نحو طارت به العنقاء وفي هزم الأمير الجند محقق أو يطلب تصورها نحو يا هامان ابن لي صرحاً لا كناية كما ظن ولكان كون الفعل للفاعل الحقيقي ذاتياً له كان إسناده إلى غيره بواسطة تشبيه حاله إلى حاله وجعله فردا منه تصرفاً في حكم عقلي لا لغوي. 2 - مذهب ابن الحاجب وهو أن يجعل المسند مجازا عن فعل يكون الفاعل سبباً قابلياً له عادة وإن كان وضع أنبت لا كل فعل كما ظن لأن يسند إلى السبب الحقيقي الفاعلي لكن لا بعينه لأن دعوى أن أنبت موضوع للصدور عن الفاعل المعين يكذبنا غير وجه وأقله جواز عدم ذكره وكون ذكره تكرر ولكونه لا بعينه ولا بد من تعيينه لم يجز حذف الفاعل فس استعارة تبعية وقد جرى على هذا الصنيع في كل مجاز عقلي واستعارة بالكناية فالمجاز عنده ليس إلا لغوياً. 3 - مذهب السكاكي وهو أن الربيع استعارة بالكناية وتفسيره أن فيه تصورين: 1 - أن يتصور الربيع بصورة الفاعل الحقيقي ويجعل فرداً منه وإن كان عنه متعارف مبالغة في التشبيه ومن لوازمه أن يكون الفاعل الحقيقي اسم جنس يتناوله. 2 - أن ينقل اسم جنسه إلى المشبه ويستعار له ويجعل لفظ الربيع كأنه ذلك فهذه استعارة قرينتها استعارة أخرى هي عند القوم ثبوت الإثبات للربيع من حيث إنه فرد ادعائي لا حقيقى ولما كان استعارة ثبوته له لازمة لاستعارة جنس الفاعل الحقيقى له وقد انتقل من الأولي إلى الثانية لكونها قرينتها جعلت الثانية استعارة ملتبسة بالكناية ومكنية والأولى تخيلية لتخيل إثبات لازم المشبه به للمشبه كما هو بعينه كذلك في أظفار المنية ولما لم يثبت المتقدمون في المنية استعارة وجعلوا إثبات الإظفار تخيلية وإثبات الإنبات لي أنبت الربيع مجازا عقلياً كان ما هو المجاز العقلي عندهم استعارة تخييلية سواء كان المثبت أمرا محققاً كالإنبات أو مخيلاً كالإظفار واستلزم المكنية للتخييلية وإن كان التخييلية عند السكاكي نوعاً من الكلام إذا كان المثبت مخيلاً لا نفس الإنبات فلم يكن لازمه للمكنية

المبحث الخامس في وقوع الحقائق

عنده ولما اختار أيضاً نظم التبعية في سلك المكنية بالتصرفين وقرينة التخييلية انتظم الثلاث في سلك واحد عنده وتصرفهما في أمر عقلي أولاً وهو جعل المشبه به ولغوي ثانياًوهو نقل اسمه إليه. 4 - مذهب عبد القاهر وهو أن الهيئة اللفطة موضوعة وضعاً نوعياً للمعنوية فالموضوعة لملابسة الفاعلية أي لإسناد الحدث إلى ما يقوم به عادة إذا استعملت في ملابسة الظرفية لمناسبة بينهما بلا دعوى الجنسية والمبالغة في التشبيه كان مجازا عقلياً وتصرفه في أمر لغوي فقط فاعتبار التشبيه بين الإسنادين بدون اعتبار وضع الهيئة التركيبية ولذا نسب التصرف إلى العقل وجعل المجاز مجموع الكلام مذهب الرازي واعتباره معه بدون دعوى الجنسية والمبالغة وجعل المجاز في الهيئة الاسنادية ونسبة التصرف إلى اللغة مذهب عبد القاهر، واعتباره معه ومع دعواهما أمر ثالث غيرهما ليس مذهبا لأحد والحق أن المذاهب الأربع اعتبارات لا حجر فيها بعد كفاية العلاقة في المجاز وقد اعتبرها صاحب الكشاف في ختم الله وطبع الله وإثبات الغشاوة على الأبصار والأكنة على القلوب حيث جعل الختم والطبع والتغطية تارة أنفسها استعارة مصرحة تبعية لعدم نفاذ الحق في القلوب ونبو السمع عن الإصغاء إليه وعدم اجتلاء الأبصار بالأيات الإلهية بجامع عدم الانتفاع وأخرى محالها تمثيلية أو استعارة بالكناية على الخلاف في توجيهه عن أشياء ضرب حجاز بينها وبين الاستنفاع بها بتشبيه بين الحالين أو في الطرف وطورا جعل المجموع منهما ومن الفاعل استعارة تمثيلية مستعار منه قلوب ختم الله عليها محقق كقلوب الأغنام أو البهائم نحو سأل به الوادي أو مقدر كذلك نحو طارت به العنقاء وآخر عد الإسناد مجازياً من قبيل إذا ردعا في القدر من يستعيرها، وزاد الكناية التلويحية عن ترك القسر والإلجاء المتعينين طريقاً إلى إيمانهم فإنه ملزوم مختومية القلوب من الله بالواسطين أو لازمها تمهيدا لقاعدة التكليف وإن يكون حكايته كلام الكفرة تهكما بهم وظني أن استعارة تمثيلية من تشبيه حال غير محقق بحال محقق ومن باب فبشرهم من وجه وإن يكون مجازاً عن تمكن صفة القلوب والأسماع والأبصار فقيل كناية إيمائية وليس يمرضى لأن الانتقال من المردوف والظاهر أنه استعارة بالكناية أو تمثيلية لكن باعتبار نسبته إلى مجرد الفاعل. المبحث الخامس في وقوع الحقائق لا ريب في اللغوية والعرفية العامة كالدابة والملك لبعض ما يدب ومن يرسل والخاصة كالقلب والنقض إما في الشرعية وهي المستعملة في وضع أول للشارع لا لأهل الشرع

كما ظن فمذهبان نفيها للقاضي أبي بكر قائلا تارة بأنها مقررة في اللغوية والزيادات شروط وأخرى بأن ركنية الزيادات للمعاني المجازية الغالية عند أئمة الشرع لا للمرادة للشارع وإثباتها بوضع الشارع لها لمناسبة فمنقولات أولاً لها فموضوعات مبتدأة لبعض الفقهاء والمعتزلة وهو المختار والدينية التي أثبتوها نوع منها وهي ما لم يعرف أهل اللغة معناه والاقتصار عليه لأنه الواقع كأسماء الذوات أي التي لم يعتبر في مفهومها المباشرة كالمؤمن والإيمان دون أسماء الأفعال التي اعتبرت كالمصلي والصلاة وتخصيصها بالفاعل لا يصح طردًا وعكسًا وفرقوا بأن المناسبة ملاحظة في وضع الشرعى دون الدينية لعدم المعرفة فلا عمية الأولى قيل الاقتصار عليها أولى ومن ادعى مذهباً ثالثاً لم يحرر مذهب القاضي والثمرة حملها في كلام الشارع مجردة عن القرينة على اللغوي له والشرعى لهم إما في كلام المتشرعة فعلى الشرعى إجماعاً لأنها حقائق عرفية بينهم للمثبت أن مثل الصلاة اسم لمثل الأقوال والهيئات المفتتحة بالتكبير المحتتمة بالتسليم وإنها السابقة إلى الفهم منها وليس إلا بتصرف الشرع. وفيه بحثٌ إذ لو أريد بالشرع الشارع منع أو المتشرعة فلا يجدي ولئن سلم فلو أريد بالتصرف وضعه منع أو استعماله فلا يجدي ثم قول الخصم بأنها باقية في اللغوية والزيادات شروط باطلة بأنه حينئذ لا يكون مصلياً من لم يكن داعياً ومتبعًا كالأخرس المنفرد لا يقاتل من قبيل ترك الركن الزائد كما في المريض المومي لأنا نقول هذا إقامة هيئة مقام أخرى ولم يقم مقام الدعاء أو الاتباع شىء ومع تسليمه يثبت أصل الدعوى ولا اشتراك لأن المسني الهيئة المشروعة وكذا قوله بأنها مجازات لاشتهارها في استعمال الشارع وذلك معنى الحقيقة الشرعية وللنافي أولاً إنها لو نقلها الشارع لفهمها المكلف ونقل إلينا وإلا لزم تكليف الغافل ولم ينقل إذ لا تواتر مع أنه المعتاد في أركان الدين والأحاد لا نفيد العلم وهي معلومة وجوابه منع حصر التفهيم في الطريقين فإن له ثالثاً هو الترديد بالقرائن كما في تعليم اللغات للأطفال وهذا منع بطلان اللازم أن أريد بالتفهيم ما يتناوله وإلا فمنع الملازمة وثانياً إنها لوكانت شرعية لكانت غير عربية إذ لم يضعها العرب واللازم بطلان القرآن مشتمل عليها وكل مشتمل على غير العربي غير العربي وقد قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (يوسف: من الآية 2) وجوابه من وجوه: 1 - منع أن العرب لم يضعها لجواز أن يكون وضع الشارع إياها لمناسبة فيكون مجازات لغوية وهي موضوعة بنوعها. 2 - منع أن المشتمل على غير العربي غير عربي بل العربي ما غالبه هو قصيدة فيها

لفظة فارسة قيل بدليل صحة الاستثناء نحو القرآن عربي إلا تلك الألفاظ وليس بشيء لأن القرآن يراد به المجموع باعتبار غالبه وكل من كلماته وصحة الاستثناء بالاعتبار الأول ممنوع أولاً يرى أن القرآن العربي مشتمل على مثل إبراهيم مما أجمع على عجمته وإن سلم احتمال كون مثل الاستبرق مثل الصابون وعلى أسماء السور وإنها موضوعات مبتدأة شرعية أما الاستناد بأن العربي ما يستعمله العرب في الجملة من دون تعيين المعنى قبط لأن تعيين اللغة ناظر إلى معناها. 3 - منع أن كل القرآن عربي لجواز كون الضمير للسورة وهي بعض القرآن ولوضع القرآن للمفهوم الكلي المشترك بين الكل والجزء كالماء ولذا يحنث بقراءة آية من حلف لا يقرأ القرآن إن صح الحكم على السورة بأنها القرآن وبعضه بالاعتبارين بخلاف المائية أو لأنه مشترك لفظي بين الكل والجزء وللمعتزلة في إثبات الحقائق الدينية التي هي الموضوعات المبتدأة وجوه: 1 - أن هذه المعاني المخترعة الشرعية لا بد لها من ألفاظ تعرفها للمكلف وجوابه أن التجوز كاف في التعريف. 2 - أنها واقعة لأن الأيمان لغة التصديق وشرعاً العبادات المخصوصة أي الواجبات ولا مناسبة بينهما تصحح النقل قيل هو سببها وأجيب بأنه ليس سبب حصولها بل قبولها وهذه السببية لا تصحح إطلاق المؤمن على مودي الواجبات أما أن الأيمان العبادات الواجبة فلأن العبادات هي الدين المعتبر لقوله تعالى إن الدين عند الله الإِسلام والإِسلام هو الأيمان والألم يقبل مبتغية لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران: من الآية85) ولأن المسلمين من المومنين في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فيهَا مِنَ المؤمِنِينَ} (الذاريات: 35) الآيتين، ولولا الاتحاد لم يستقم الاستثناء، وإذا ثبت أَن العبادات هي الإيمان ثبت عكسه لأن الحمل الحقيقي بين الصفات يقتضي اتحاد المفهومين وجوابه المعارضة والحل أما الأولى فبقوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (الحجرات: من الآية 14) قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا فإن المثبت غير المنفى فهذا على أن يراد بهما المعنيان الشرعيان لا التصديق والانقياد بظاهرهم معارضة لدليل أن الإِسلام هو الإيمان وإن ضم إليه وقد ثبت أن العبادات هو الإِسلام فمعارضة الدليل أن العبادات هو الإيمان وأما الحل فيمنع أنه لولا اتحاد المفهومين لم يقبل الأيمان من مبتغية لجواز أن لا يكون ديناً غيره بل من شرائطه الأعمة وبه يمنع قوله لولا الاتحاد لم يستقم

فروع ثلاثة على النقل

الاستثناء لجواز أعمية المؤمن واستقامة استثناء المسلم فإن قلت أعميته وإن صحت لجواز كون المصدق فاسقا لكن قوله تعالى لم تؤمنوا الآية ينافيها قلت نعم لولا إرادة المعنيين اللغويين وهو مم وربما يجاب بأن السياقة لا تدل على الاستثناء لجوازان يقال أخرجت النصارى فما وجدت غير بيت من اليهود وبأن المسثنى منه بيت وبأنه لا يلزم من كون المؤمن مسلماً كون الإيمان إسلاماً ويضمحل الجميع بأنه إن أريد بالبيت المستثنى أهله لبيانه بالمسلمين فكذا بالبيت المقدر والمستثنى منه أهله للمجانسة وهم المومنون لسياقه فالمعنى ما وجدنا فيها أهل بيت هم المؤمنون إلا أهل بيت هم المسلمون فيكونان متحدين وإلا يوجد في المؤمنين غير المسلمين وهو خلاف النص وإذا سلم اتحاد المفهوم بينهما يلزم الخاه بين الإيمان والإِسلام وأجاب الإِمام أيضاً بأن ذلك للواحد المذكر البعيد فلا يصرف إلى الأمور كالواجبات ولا إلى المؤنث كإقامة الصلاة ولا إلى القريب كأبناء الزكاة فإن صرفتم إلى المأمور به لقوله تعالى وما أمر وأصرفنا إلى الدين المخلص لقوله تعالى مخلصين له الدين ويرد عليه أنه إن لم يصرف إلى المجموع باعتبار أجزائه المتعددة فيجوز من حيث هو غير انه من حيث هو يعد قريباً فلا يشار إليه بذلك بل يصرف إلى أن يعبدوا فإن لفظه مذكر ومعناه مصدر مضاف للعموم في معنى عباداتهم فعطف يقيموا ويؤتوا كعطف الروح على الملائكة فالمعنى جميع العبادات الواجبات دين الملة المستقيمة فبذلك يسقط الطعن أيضاً بأن مذهبكم أن الدين فعل الواجبات بأسرها والمذكور ها هنا بعضها. 3 - لوكان الإيمان التصديق لكان قاطع الطريق المصدق مؤمناً وليس لأنه يخزي حيث يدخل النار بقوله ولهم عذاب عظيم وهو دخول النار بالإجماع ومن يدخلها فقد يخزي لقوله تعالى ومن تدخل النار فقد أخزيته لا يقال هو حكايته كلام الأبرار ولا يمتنع الكذب عليهم لأنه في معرض التصديق عرفا والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (التحريم: من الآية 8)، وجوابه أن المراد الصحابة بدليل معه وهم بُرءاء من قطع الطريق لأنهم عدول، ولذا يقبل مراسيلهم إجماعًا وبعد تسليم العموم استيناف لا عطف قيل فلا فائدة في الإخبار بعدم إخزاء النبي ومن معه فإن لمثله فوائد مع أن عند الأشاعرة لا علم إلا من السمع. فروع ثلاثة على النقل 1 - أن النقل خلاف الأصل للاستصحاب ولتوقفه على وضع ثان وهجر الأول. 2 - من الأسماء الشرعية متواطئة كالصوم والزكاة ومشتركة كالصلاة بين ذات الأركان

المبحث السادس في وقوع المجاز في اللغة والقرآن

وصلاة المصلوب وصلاة الجنازة ولا معنى مشترك بينهما يدعى بالصلاة والحروف الشرعية لم توجد والأفعال توجد تبعاً ففسر التبعية بالاشتقاق من الاسم الموجود ومنعت والحق أن التبعية لاعتبار النقل أولاً في المصادر وإن استعملها الشارع وهذا كالاستعارة فإنها تنقسم إلى أصلية وهي الواقعة في الحقائق أي ما ليس في مفهومها ما يصدق عليه النسبة كأسماء الأجناس غير الصفة لأنها الصالحة للموصوفية أعني بالتشبيه ها هنا وإلى تبعية وهو الواقعة في الأفعال والمشتقات لاعتبار التشبيه في المصدركالدلالة بالنطق في نحو تطلقت في الحال وهي ناطقة وفي الحروف لاعتباره في متعلق معناها أي ما يؤول إليه عند التعبير أو مدخولها على المذهبين كما في لام العاقبة حيث شبه تعقيب مدخوله بالتعليل لأن العلة الغائبة لكونها معلولة في الخارج تتعقب الفعل أو نفس مدخوله بها نحو فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا ولدوا للموت وابنوا للخراب. 3 - صيغ العقود والفسوخ منقولة إلى الإنشاء في المختار وإلا لم يمكن تعليقه أي في الماضي والحال أو لم يكن المعلق منجزاً عند وجوب الشرط بل عُدَ للإيقاع أي في المستقبل ولأنها لو كانت أخباراً فإن كذبت لم يترتب عليها الأحكام وإن صدقت فبوقوع النسبة الخارجية فصدقها يتوقف على وقوع مدلولتها في أحد الأزمنة ووقوعها أن توقف عليه دار أو على غيره وهو خلاف الإجماع ولما وقع بقوله طلقتك للرجعية شيء كما لو نوى الإخبار. المبحث السادس في وقوع المجاز في اللغة والقرآن أما في اللغة (¬1) خلافاً للأستاذ (¬2) فلان مثل الأسد للشجاع وشابت لمة الليل مما لا يحصي يسبق عند الإطلاق منه غير ما أريد به ويفهم هو بقرينة والفهم بالقرينة أمارة المجاز وقرينة المشترك لتعيين أحد المفهومين لا للفهم له أنه مخل بالفهم عند خفاء القرينة ¬

_ (¬1) أي واقع، وقال الشيخ سيف الدين الآمدي إنه الحق، وقال الشيخ عبد الشكور: واقع بالضرورة، أي الاستقرائية. انظر/ إحكام الأحكام للأمدي (1/ 61)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (31111). (¬2) قال: لأنه يخلّ بالتفاهم فإن اللهم إنما يتوجه إلى الحقيقة. وهو ممنوعٌ: لأنه لا يجوز استعماله من غير قرينه حيئذٍ ومنقوض لأنه ينفي الإجمال لأنه أيضًا يخل بالفهم مع أنه واقع اتفاقًا. انظر / فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 311).

وجوابه أن ذلك يفيد الاستبعاد وكونه على خلاف الأصل لا الامتناع فهو مظنة عدم الوقوع ولا معتبر لها مع القطع بالوقوع وأما في القرآن خلافاً للظاهرية فلا مثله فيه منها قوله تعالى {لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْء} (الشورى: من الآية 11) مجاز بالزيادة {وَاسْأَلِ الْقَريةَ} (يوسف: من الآية 82) مجاز بالنقصان فعند المتقدمين راجعان إلى حكم الكلمة لا معناها ويطلق المجاز عليهما بالاشتراك ثم منهم من يجعل المجاز نفس كلمة تغير إعرابها لزيادة أو نقصان ومنهم من يجعله إعرابها ويلزمها ما من شىء كمثله وسوال القرية حيث لم يتغير الإعراب فيهما وعند المتأخرين راجعان إلى المعنى فقد أطلق مثل المثل على المثل وسؤال القرية على سؤال أهلها فهما لفظان مستعملان في غير وضع أول قالوا لي الأول حقيقة في نفي الشبيه فقيل مرادهم نفى من يشبه ذاته ومعناه ليس كذاته شىء نحو بمثل ما آمنتم به أي بنفسه وهو سهو لأنه وقوع فيما مر منه من حيث المثل في النفس مجازًا وإن إحدى أداتي التشبيه زائداً والحق أن مرادهم نفي شبيه المثل لأن التنزيه يقتضيه كما يقتضي نفى المثل وأجيبوا بوجهين: الأول: أن نفي مثل المثل يناقض غرضه وهو إثبات ذاته بلا مثل؟ لأن مثل مثله ذاته ضرورة أن المماثلة من الطرفين وهو المراد من التناقض لا أن في عين النفي إثباتا بالظهور إثبات المثل وإلا كان مبنياً على الثاني فيستدعي تأخيره وكان جوابه جواباً لهما. الثاني: أنه ظاهر في إثبات مثله ونفى ذاته تعالى عن ذلك علوا كبيراً لأن وضع ليس لسلب النسبة بين اسمه وخبره ولا تعرض له لسلبها بين اسمه وما أضيف إليه خبره فالظاهر أنها مسلمة وإلا لتعرض لسلبها وإن كان محتملا عقلاً وإذا ثبت مثله ظاهراً كان ذاته مثل مثله وقد نفاه وربما يرد الأول لجواز أن يكون نفي مثل المثل لنفي المثل بطريق الكناية دفعاً للتناقض ولي في ذلك وجه آخر أن يراد نفى مشابهته لمن يفرض مثلاً له فإن نفى الموصوف بالمثلية ربما يكون بنفيها كما تقول لا جاهل عندي نريد به نفى جهل من عندك ولا يقال إنه مجاز لأن نفي الكل عند انتفاء الجزء حقيقة والثاني بأن الظاهر لا حكم له حين عارضه القاطع المذكور في نفيه من أنه لنفي المثل دفعاً للتناقض وزيد وجه آخر أن يراد نفى شبيه المثل القاصر في المماثلة على ما يقتضيه قانون التشبيه فضلاً عن المثل ولا قصد إلى ذات بعينه كما في مثلك لا يبخل وفي الثانية أن القرية مجتمع الناس من قرأت الناقة ومنه القرآن وهو غلط إما معنى فلأن المجتمع بفتح الميم غير الناس فلا يقيده وبكسره ممنوع وإما لفظاً فلفا وتهماناً فصاص ومهموزاً وإن القرية تجيبك لخلق الجواب

فيها كما قالوا بخلق الإرادة في الجدار في {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (الكهف: من الآية 77) وهو بعيد لأنه وإن أمكن لا سيما زمن النبوة إلا أنه إنما يقع معجزة أو كرامة وهو بالنسبة إلى التجوز قليل والعدول عن الشائع إلى القليل إلا عندما يقوم عليه دليل عليك مع أن وصف القرية بالتي كنافيها دليل إرادة أهلها وإلا فدلالة الصدق في كلام جميع الجمادات حاصلة ومنها قوله تعالى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: من الآية 194) {وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلُهَا} (الشورى: من الآية40) عبر عن جزاء الاعتداء وعن الحسنة الواقعتين علىً وفق الشرع حيث لم ينه عنهما باسم الخارج عنه القبيح ففيه استعارة أحد الضدين للآخر كالسليم الديغ أو أحد المتشابهين صورة للآخر كالفرس المنفوس وذكر المثل لا ينافيها لأن مبنى الاستعارة تناسي تشبيه وقعت لأجله لا كل تشبيه فتشبيه الاستعارة في الجنس والآلة والمحل قال الفقهاء القصاص لمثل عقوبة الجاني فإن لم يحصل يزاد من جنسه وإيراد المثل لتشبيه الجزاء في المقدار الذي يختلف فيه الأفراد فهذا مثل قولك رأيت أسداً في الحمام مثل أسد رأينا أمس في الطول وأما توهم أنه مثل زيد أسد مثله ففاسد فإن المشبهين وهما جزاء الاعتداء والحسنة ليسا بمذكورين في الآيتين وقيل: لا تجوز فيهما لأن الاعتداء هتك حرمة شيء والمعنى كما هتك حرمة لكم من الحرم أو الشهر الحرام أو المال أو النفس أو العرض فاهتكوا حرمته والسيئة مال يسوء من نزل به وهو مختار الكشاف وكونهما من المشاكله لا يخرجهما عن المجاز كما ظن ومنها مكر الله والله يستهزئ بهم فالمكر مجاز عن جزائه والاستهزاء عن إنزال الهوان. وقال الرازي المكر إيصال المكروه على وجه تخفي والاستهزاء إظهار الإكرام وإخفاء الإهانة فيجوز من الله حقيقة لحكمه، ومنها: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: من الآية 35) الله نور السموات والأرض مجاز عن المنور وقيل: هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره لا العرض فهو حقيقة والحق أن أمثلة المجاز من نحو {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} (مريم: من الآية 4) و {جَنَاحَ الذُّلِّ} (الإسراء: من الآية 24) و {نَارًا لِلْحَرْبِ} (المائدة: من الآية 64) بلغت في الكثرة حداً يفيد الجزم بوجوده فلا يمنعه التمحل في صور معدودة إن أمكن. تمسكوا بأن المجاز كذبٌ لصدق نفيد فلا يقع في القرآن وإذ لو وقع لكان البارى متجوزاً والجواب عن: 1 - أن الصادق نفي الحقيقة فلا ينافي صدق إثبات المجاز. وعن: 2 - أن عدم إطلاق المتجوز لعدم الأذن وإن صح لغة أو لأن المتجوز أبوهم

المبحث السابع

المتسمح والتوسع فيما لا ينبغي من القول والفعل من الجواز بمعنى التعدي أو توهم المتجاوز من مكان إلى آخر من الجواز كمعنى العبور أما حمله على إبهام جواز إطلاق نحو لمكار لورود مكر فبعيد ويؤنسه البحث عن وقوع المعرب فيه فإنه مروي عن ابن عباس وعكرمة خلافا للأكثرين لنا أن المشكاة حبشية والسجيل والاستبرق فارسيتان والقسطاس رومية وقولهم بجواز كونه مثل الصابون بعيد لأنه نادر فلا يصرف إليه الظاهر وربما يتمسك بالأعلام العجمية وجعلها من المعرب المفسر بما تصرف فيه العرب وأجروا أحكامهم لو مما فيه النزاع مع ظهور وقوعها مما فيه النزاع لهم ما مر من لزوم أن لا يكون القرآن عربياً وقوله تعالى {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (فصلت: من الآية 44) أفنفي التنويع اللازم نفي للمعرب الملزوم وجواب الأول ما مر والثاني أن المراد كلام أعجمي ومخاطب عربي فلا يفهمه فيبطل غرض إنزاله بدليل سياق قوله تعالى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنا أَعْجَمِيّاً} (فصلت: من الآية 44) ولئن سلم فلتفي التنويع المخصوص أي على وجه لا يفهمه العرب بدليل قوله تعالى {لَوْلا فُصًلَتْ إياتُهُ} (فصلت: من الآية 44) أي بينت وبالمعرب لا يحصل ذلك الوجه. المبحث السابع في ترجيح الدائر بين المجاز والمشترك كالنكاح في أصل اللغة للضم ثم نقل إلى الوطء والعقد المشتملين عليه فقيل في الوطء حقيقة بالنسبة إلى العقد المفضي إليه فاستدل بقوله {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} (النساء: من الآية 22) على عدم جواز تزوج الابن مزنية الأب وقيل: بالعكس لأن الوطء مقصود منه وهو الأصح قال الزمخشري: أينما ورد النكاح في القرآن بمعنى العقد فهو كما بينا حقيقةٌ في أحدهما مجاز في الآخر أو مشترك بينهما والحق أن المجاز أولى لفوائده ومفاسد الاشتراك والترجيح بين النوعين لا بين كل فردين فلا محذور في عدم اطراد بعض الوجوه وهذا البحث وإن كان اللائق ذكره في المقاصد لكنه يتضمن أمراً كانه الداعي إلي ذكره ها هنا وهو الداعي إليها من فوائدهما وفوائد المحاز قسمان بالنسبة إلى الحقيقة وبالنسبة إلى المشترك والثاني أمران: 1 - أغلبيته استقراء حتى قال ابن جني أكثر اللغة مجاز ويلحق المظنون بالأغلب. 2 - إن المجاز معمول به مطلقاً قبله قرينة حقيقة ومعها مجاز والمشترك بلا قرينة مهمل والأعمال أولى من الاهمال أما الأول فوجوه: 1 - الأبلغية من البلاغة لا المبالغة كما ظن نحو اشتعل الرأس شيبا أبلغ مراتب من

شبت. 2 - الأوجزية كما في الاستعارة، 3 - الأوفقية إما في لفظة للطبع لننقل في الحقيقة كالحنفقيق للداهية أو عذوبة في المجاز كالروضة للمقبرة أو تنافر في الحقيقة كالعوسج لطويل العنق من النوق أو في معناه المقام لزيادة كان لاستمالة على الدعوى بينه أو تعطم كالشمس للشريف أو تحقيركالكلب للحقير أو ترغيب كماء الحياة لبعض المشروب أو ترهيب كالسم لبعض المطعوم وليس هذا تكراراً بل بلاغة لأن مطابق المقام أعم من البليغ إما لأنه جنسه وإما لأن المقام قد يقتضي تأدية المعنى بألفاظ كيف كانت بنظم يخرجها عن حكم النعيق. 4 - تلطف الكلام بإفادة اللغة التخيلية الموجبة لمزيد التلقي وسرعة التفهم نحو رأيت بحراً من المسك موجه الذهب. 5 - التخلص من قذارة الحقيقة كالغائط وكنايات النيك في القرآن. 6 - مطابقة تمام الرماد ولها موارد كاستعارة المحسوس للمعقول فإن الوهم يساعد العقل في قبوله حينئذ وهو الحكمة في ضرب الأمثال كما حصلت بالتشبيه في قوله وطول مقام المرء في الحي مخلق البيتين فيفيد فهم تحقق المعنى الجامع في المشبه على حقه وكما عند بيان مقدار الجامع المتحقق في المشبه كاستعارة سواد الغراب للمداد وكذا سائر أغراض التشبيه فإنها ربما يكون أغراضاً للاستعارة وكما في الاستعارة مطلقاً المقيدة للمبالغة في التشبيه. 7 - أنواع الصنائع البديعة كالسجع عند وقوع حمار ثرثار فاصلتين ونحو نزلت بواد غير ممطور وفناء غير معمور ورجل غير مسدور وكالمقابلة المراد بها الطباق نحو (ضحك المشيب برأسه فبكى) بخلاف ظهر وليس ضحك حقيقة فيه والإلزم الاشتراك وكالمطابقة المراد بها المشاكلة نحو (كلما لج قلبي دي هواها لجت في مقتي) وكالمجانسة نحو سبع أرانب وستة سباع وكصحة الوزن والقافية والنووي نحو: عارضتنا أصلاً فقلنا الربرب ... حتى تبدي الأقحوان الأشنب فإن الربرب ليس كالسنن الأبيض ومفاسد الاشتراك وجوه: 1 - إخلالة بالفهم إذا خفي القرينة عند من لا يجوز عمومه والمجاز حينئذ يحمل على الحقيقة. 2 - تأدية إلى مستبعد من ضد أو نقيض، قيل: هو لزوم مناسبة الواحد للنقيضين أو

الضدين لما ذهب إليه عباد من أن بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية وهو بناء على مذهب مرجوح، وقيل: هو حمل المشترك بين الضدين كالقرء على ما ليس بمراد من ضده أو المشترك بين النقيضين على نقيض المراد كلفظ النقيض بين الإيجاب والسلب وفيه شىء إذ لم يثبت الاشتراك بين النقيضين والحق لزوم ما هو بعيد عن المراد من ضد أو نقيض إذا حمل على خلافه كما إذا حمل القرء في لا تطلق في القرء على الطهر فعلى أن النهي عن الشيء أمر إيجاب لضده بفهم وجوب انطلاق في الحيض وهو ضد المراد وطى أنه أمر يعم الإيجاب والندب يفهم ضده أيضاً ويلزم كلا منهما عدم حرمة التطليق في الحيض وهو نقيض المراد. 3 - احتياجه إلى قرينتين المعنين والمجاز إلى واحدة وعروض بفوائد الاشتراك ومفاسد المجاز ففوائده وجوه: 1 - اطراده فلا يضطرب. 2 - الاشتقاق منه لا نحو المئني والمجموع بالمعنين نحو أقرأت يمعنى حاضت وطهرت فيتسع الكلام والمجاز قد لا يشتق منه وإن صلح له حين كونه حقيقة كما مر في الأمر بمعنى الفعل وقد يشتق كالاستعارة التبعية. 3 - صحة التجوز المعنين فيتكثر فوائد المجاز ومفاسد المجاز وجوه: 1 - احتياجه إلى الوضعين الشخصي أو النوعي للحقيقة والنوعي للعلاقة. 2 - أن فيه مخالفة ظاهر والمشترك ليس ظاهراً في شىء من معانيه ليلزم بإرادة أحدهما مخالفته. 3 - تأديته إلى الغلط عند عدم القرينة لحمله على الحقيقة قطعاً بخلاف المشترك فقيل الترجيح معنا لأن المذكور من فوائد المجاز متحقق في المشترك أيضاً كالأبلغية إذا اقتضى المقام الإجمال وإلا لم يرد في القرآن والأوجزية كالعين والجاسوس في الباصرة فإنها جاسوس الحس المشترك وإلا وفقية للطع لعذوبة فيه كالعين أو ثقل في المجاز كالخنفقيق المستعار لغير الملايم وهذا أنواع البديع فالسجع كالمين والعين دون الجاسوس والمقابلة كما مر من حسناً خير من خياركم ونحو (حديث على مر الزمان قديما)، وفمثل كثير في الرجال قليل، والمطابقة نحو كلما ضربت فرسي سوطاً ضرب عدواً أي طار كما أن التوجيه وهو ذكر ذي وجهين، والإيهام وهو ذكر لفظ له معنيان وإرادة البعيد جاريان في المشترك جريانهما في المجاز نحو أدام الله مثمل فلان أي جمعه أو تفرقه ونحو حملناهم طرا

وفي الاشتقاق مباحث

على الدهم بعد ما أي على القيود والجواب أن الأغلبية المخصوصة بالمجاز راجحة على الكل لأن اعتبار الكل لكونها مظنة الغلبة ولا عبرة بالمظنة مع لخقق انتفاء المئنة ولخقق المئنة لا يضره عدم المظنة وهذا كما أن قبلة الصائم مظنه الوطء المفسدة فهي مع انتفاء الوطء لا يفسد الوطء بدونها يفسد والمئنة تقلب عن موضع التحقق إلى العلة الموثرة بالذات ويسمى حكمة والمظنة عن موضعه الظن إلى ما يقض إليها. وفي الاشتقاق مباحث المبحث الأول في شرائطه يحتسب المعنين السابقين فللعام المناسبة بين الأصل والفرع في الحروف والمعنى وهو المذكور في الكشاف فالمقتل من المقتل وضرب الأمير بمعنى المضروب من الضرب داخلان فيه وكذا الوجه من المواجهة وعكسه فلا يتعين الأصل والفرع بل يتبادلان وينقسم إلى الصغير والكبير وإلا كبر لأن المناسبة أعم من الموافقة في الحروف والترتيب صغير ويدون الترتيب كبير نحو كنى وناك وبدون الموافقة أكبر لمناسبة ما كالمخرج في ثلم وثلب والصفة كالشدة في الرجم والرقم فالمعتبر لفظًا في الأولين الموافقة وفي الأخير المناسبة ومعنى في الأخيرين المناسبة وفي الأول الموافقة وللخاص الموافقة في الحروف وترتيبها لاتبع الزوائد كالاستعجال من العجلة ولا فيها فقط كالتفخيم والتعظيم وفي المعنى بخلاف الذهب من ذهب لكن مع زيادة في المعنى وإلا لكان مترادفين كالمقتل مع المقتل ومع التغاير في الصيغة لا كضرب الأمير من الضرب وان كان تقديريًا كما في ذلك وهجان وطلب من الطلب لفظي لفتح الحرف الأخير ولا يندرج تحته إلا الأصغر وعلى مذهب البصرية فعموم الأول من وجوه ستقوم يتميز الخاص عن العدل بالزيادة في المعنى والعام بكفاية اعتبار التناسب وقد يفرق مطلقًا بان المراد بالمعدول لفظ المعدول عنه ولذا يحكم بالتكرر في ثلاث وبالمشتق منه والتغيير اللفظي يرتقى إلى خمسة عشر نوعًا لأنه إما بحرف أو حركة بزيادة أو نقصان فهذه مفاريد أربعة والتركيب بينها ثنائيًا ستة وثلاثيًا أربعة ورباعيًا واحد والأمثلة للمفاريد كاذب من مكسور الذال ونصر وخف الضرب عند الكوفية وللثنائية ضارب وعدل من العدالة ومسلمات وحذر وعاد من العدد وثبت من الثبات، وللثلانية أضرب: لزيادتهما ونقصانها وخاف لزيادتهما ونقصانه وعد من الوعد لنقصانهما وزيادتها وكال من الكال لنقصانهما وزيادته وللرباعية ارم أمرا من الرمي والنقص لعارض لا ينافي المشاركة في الأصول لأنه في حكم الثبوت هذا والمشتق قد يطرد أي يطلق على كل فرد

المبحث الثاني

يوجد فيه معنى أصله لكون تسمية الشيء به لوجوده فيه أي كونه معتبرا من حيث إنه داخل في التسمية مصحح لها ولو اتفق عدم الاطراد فلمانع أو من قبيل الثاني على المذهبين، وقد لا يطرد لكون التسمية بوجود معنى الأصل فيه أي كونه معتبرًا من حيث إنه معه ومرجح لها من بين الأسماء من غير اعتبار دخوله فيها فالأول كاسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل وأسماء الزمان والمكان والآلة والثاني كالقارورة وضعًا والصعق استعمالا وفي الديوان والغيوق والسماك خلاف بين الزمخشري وابن الحاجب إنها كالصعق والقارورة. المبحث الثاني انه للمباشر حقيقة وفي الاستقبال مجاز وفي الماضي وقد انقطع مختلف فيه فللحنفية مجاز وللشافعية حقيقة واختاره عبد القاهر وأبو هاشم وقليل إن كان معناه ممكن البقاء اشترط بقاؤه للحقيقة والثمرة تظهر في قوله عليه السلام المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فلم يثبت أبو حنيفة رحمه الله خيار المجلس بعد انقضاء البيع وحمله على التفرق بالأقوال وأثبته الشافعى وحمله على ما بالأبدان ومنه قوله علم إذا أفلس الرجل أو مات فصاحب المتاع أحق يمتاعه فبعد انقضاء الملكية بالبيع لا يكون أحق عند أبي حنيفة خلافًا له. لنا: لو كان حقيقة لما صح وصفه بالانتفاء وقد صح بيان اللزوم أن صحة الوصف بالانتفاء وهو المعنى بصحة النفط أمارة قطعيةٌ للمجاز وبيان بطلان اللازم أن وصفه بالانتفاء في الحال يصح فيصح بالانتفاء مطلقًا لأن الوقتية تستلزم المطلقة وبهذا التوجيه سقط وجوه من الاعتراض: 1 - منع بطلان اللازم للقاضين وهو أن الثبوت في الحال أخص من الثبوت فظنه أعم والعام لا يستلزم الخاص لأن خلل فيه قيد للانتفاء. 2 - القول بموجب العلة أن الاستلزام مسلم ولكن صحة الوصف بالانتفاء مطلقا لا ينافي صحة الوصف بالثبوت مطلقا لأن المطلقتين لا يتناقضان قبل تنافيها لغة للتكاذب بينهما عرفا قلنا ذلك لأجل التوافق العرفي على ارادة الوقتية بالمطلقة تجوزًا من إطلاق العام على الخاص ألا ترى أن من قال للعنب الحلو إنه حامض يعد سخفًا من الكلام فنقول المراد بالانتفاء المطلق اللازم ان كان الانتفاء في جميع الأزمان فاللزوم ممنوع لأن الوقتية لا تستلزم الدائمة وإن كان الانتفاء في الجملة فإن أريد به المفهوم العرفي اللغوي وهو الانتفاء في الحال فهو عين الملزوم فلو كفي في الغرض اكتفى بالملزوم وان أريد الانتفاء في وقت ما فلزومه مسلم لكنه لا ينافي الثبوت في وقت ما لأن المنتشرتين

كالمطلقتين وإنما سقط لن صحة النفى مطلقًا أمارة المجاز سواء صح الوصف بالثبوت أو لا، نعم يرد على من قال وإذا صح النفى مطلقًا لم يصح الإثبات. 3 - المعارضة بأنه لو لم يكن حقيقة لما صح وصفه بالثبوت لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة وقد صح لأنه يصح وصفه بالثبوت في الماضي فيصح مطلقًا لأن الوقتية تستلزم المطلقة وإنما سقط لما أشرنا إليه أن صحة النفى أمارة قطعية للمجاز فلا يعارضها طاهر الأصل في إلاطلاق قبل، والجواب الصحيح: أن لزوم صحة الوصف بالانتفاء المطلق لغة ممنوع إذ قد يصح إطلاق المقيد بدون المطلق لغة كالأسد على الشجاع مقيدًا بقرينة لا مطلقًا ولأن من يدعى كونه حقيقة في الماضي كيف يسلم صحة نفيه لغة وأما لزومها عقلا فمسلم لكن لا تنافي كونه حقيقة في الماضي وإنما ينافيه لو صح لغة أيضًا لا يقال قد مرَّ أن أمارة المجاز صحة النفى في نفس الأمر لا لغة لأن معنى ذلك أن الصحة اللغوية لا يكفى بل لا بد أن ينضم إليه الصحة في نفس الأمر. وفيه بحث: لأن صحة الوصف بالانتفاء في الحال لما كانت لغة كانت صحة الوصف بالانتفاء مطلقًا لغةً أيضًا لأن استلزام الخاص للعام ليس أمرا يختص بقوم دون قوم لأنه لما ثبت أن عرف اللغة على إرادة الوقتية بالمطلقة ثبت اللزوم لغة بل العينية وإنما لم يكتف بالملزوم لأن أمارة المجاز في عرفهم كما مر بالنفى المطلق بأي معنى تعارفوه ودعوى أنه يجوز مخالفة للدليل بلا دليل فإن الأصل في الإطلاق الحقيقة وأما الاستناد بالمجاز المقيد بالقرينة فأسقط لأن الكلام في أن معنى ما إذا صدق مقيدا بصدق فطلقًا وما يتغير معناه بالقيد والإطلاق ليس مثله وتوضيحه أن القرينة ليست قيدًا للمعنى المجازي بل صارفًا عن الحقيقة ولنا أيضًا أن وجود المفهوم إما أن يكون قيدًا لكونه حقيقة أو لا والثاني يقتضي كونه حقيقة في المستقبل، فيكون قيدًا ومجازًا في الماضي فإن قيل القيد هو الثبوت المشترك بين الماضي والحال قلنا إن اعتبر دخول الزمانين كان مشتركًا لفظيًا والمجاز أوَّلي ينافيه وينافيه إجماع أهل اللغة على خروج الزمان من مفهوم الصفات وإن اعتبر عروضها فلا طريق إلى معرفته إلا النقل وما ثبت من أربابه نقل وإلا فلا وجه للنزاع وليس الحمق في عدم الاعتراف بعد الدليل أدلى منه في الاعتراف بلا دليل. للقائلين بالحقيقة أولًا: إجماع اللغة على صحة ضارب أمس والأصل الحقيقة. وثانيًا: صحة الحكم بالإيمان على النائم والغافل وإجراء أحكام المؤمنين وجوابهم بعد المعرضة به على صحة ضارب غدًا وعدم صحة الحكم على المؤمن بالكفر لكفره المتقدم أن

المبحث الثالث

يقول التمسك بالأصل إذا لم يعارضه قاطع وهو أنه لو كان حقيقة لكان المؤمن المذكور كافرًا ومؤمنًا حقيقة والمعتق عبدًا وحرًا حقيقة فيرث ولا يرث ويقبل شهادته ولا يقبل إلى غير ذلك من الفساد ولكان أكابر الصحابة كفارًا حقيقة فلم يصح (ليسوا بكافرين) لغة وقد صح بدليل تخطئة اللغوي قائله ولا تغفل عن النكتة وبهذا لا يرد أن عدم صحته شرعي لتعظيمهم فعلم أن الكل مجازًا إما المؤمن في مثل النائم فأما مجازًا وباعتبار أن العقيدة تكون ملكة أو أعطاه الشرع حكم البقاء ما لم يعارضه قاطع لحكم لا تحصى. وثالثًا: ويصلح للمفصلين أن بقاء المعنى لو اشترط لم يكن مثل مخبر ومتكلم حقيقة لأن أجزائه حروفٌ تنقضى شيئًا فشيئًا، ولا يجتمع في حين فكيف يبقى معناه. وجوابه: أن الأجزاء المتعاقبة من أواخر الماضي وأوائل المستقبل عدت حالًا لا الآن المختلف في وجوده فكل مباشرة لم يتخلل بينهما ما يعد عرفًا تركا لها واقعة في الحال إذ لو اعتبر الآن لم يكن أكثر أفعال الحال مثل يضرب ويمشي من مكة إلى مدينة ويكتب القرآن أو فعل الحال مما ذكروه نحو يخير ويتكلم حالا والإجماع يبطله ولئن سلمنا فلا نم اشتراط بقاء المعنى بتمامه بل بقاء جزء منه كما في المصادر السيالة كاف. وللقائلين بالتفصيل معنى آخر وهو أن المشروط البقاء فيما أمكن وهاهنا متعذر بخلاف ما مر فإن الكافر في الصحابة مجاز بعدم بقائه ممكنًا والمؤمن في النائم حقيقة لبقائه شرعا. تتمة: هذا النزاع في نحو الضارب أما تسميته بنحو اسم الفاعل حقيقة في أي زمان تحقق معناه لأنه اسم من مصدر عنه الضرب مطلقًا والحكم بالأعمال وعدمه مبني عليه وما قال المنطقيون من أن صدق عنوان الموضوع في أحد الأزمنة بالفعل الحقيقي أو الفرضي أو بالإمكان كاف أمر تعارفوه لتحقيق الكلية لا تعلق له بوضع اللغة فإسناد القول بالحقيقة في الماضي إلى ابن سينا مستدلًا بما ذكر في تحقيق المحصورات سهوٌ وإلا لكان حقيقة في المستقبل أيضًا وهو خلاف الإجماع. المبحث الثالث في أن اسم الفاعل لا يشتق لشيء باعتبار فعل يقوم بغيره (¬1) خلافًا للمعتزلة (¬2) ولهم ¬

_ (¬1) بل يجب بمقتضى اللغة إطلاق ذلك المشتق على الذي قام به، لأنا استقرأنا اللغة فوجدنا الأمر كذلك. انظرا المحصول للرازي (1/ 91)، نهاية السول للإسنوي (1/ 91). (¬2) اعلم أن المعتزلة لم يصرحوا بهذا الخلاف وإنما لما نفوا عن الله تعالى صفاته الذاتية كالعلم والقدرة ووافقوا على أنه عالم قادر مثلًا لكن بذاته لا بصفات زائدة عليها ألزمهم أهل السنة بأنهم قائلون =

قولان يشتق من فعل يقوم بنفسه فالله مريد بإرادة قائمة بنفسها ويشتق باعتبار ما يقوم بثالث فإنه متكلم بكلام بجسم يخلقه فيه كجبريل وهو محل النزاع ها هنا وإنما يذهبون إليه إذا ثبت الإنصاف به وامتنع القيام فلا يرد أنه لو صح لزم أن يكون الله تعالى أسود ومتحركا وغيره لخلقها، لنا الاستقراء ولهم دليلان: 1 - صحة قاتل وضارب منع أن القتل والشرب أثر حاصل في المفعول أي عند الأشاعرة فهو الرامي. وجوابه منع أن التائير عين الأثر فإن العينية في الوجوه لا تنافي الغيرية في المفهوم المعتبرة في وضع اللغة كما يسمى إضاءة واستضاءة بالاعتبارين والموجود الضوء ليس إلا وليس هذا اختيارا لمذهبهم كما ظن. 2 - إطلاق الخالق باعتبار الخلق الذي هو عين المخلوق لأن التكوين عين المكون عند الأشاعرة إذ لو كان غيره لكان التأثير فلو قدم كما قالت الحنفية قدم العالم لوجوب وجود المعلول عند وجود الموجد وقدرته وتعلقها والتخلف عن الموجب بط وهذا لا ينافي كون الموجد في نفسه فاعلًا بالاختبار وإن حدث كما قالت الأشاعرة احتاج إلى تأثير آخر ولزم التسلسل فهذا أيضًا الرامى إذ المعتزلة يجوزون تأخر الأثر عن التأثير قولًا بأن مقتضى التأثير بالاختيار جواز تراخي الأثر عنه لا لعلة كما أن مقتضاه بالايجاب عدم جوازه لا لعلة وجوابه من وجهين: 1 - أن الخلق يقوم بنفسه لأنه إما جواهر تقوم بنفسها وإما أعراض تقوم بها فالكل يعد قائما بنفسه لعدم قيامه من حيث هو يغير المجموع فهو غير محل النزاع لأنه ما يقوم بثالث وتمثيله بالجسم الذي يعد قائما بنفسه مع أن بعض أجزائه وهو الصورة قائم بغيره وهو المهبولي عند من يقول بهما إنما يناسبه أو أريد بالخلق المجموع المنقسم إلى أجزائه الجواهر والأعراض انقسام الجسم إليهما لا كل من جزئياته وهو الحق لأن المشتق له هو الخلق مطلقًا لا قتل زيد وضرب عمرو ومعناه أن إسنادهما إليه خلقًا باعتبار اندراجهما تحت خلق المجموع لا من حيث هما ولكون الدليل الزاميًا خرج الجواب على مذهب الأشاعرة لأن المعتزلة قائلون بأزلية القنوات وإن المخلوق الوجودات الزائدة أو انصافها بها وهما قائمان بالغير والمنبع لا يجب كونه على وفق مذهب المستدل. ¬

_ = بجواز اشتقاق اسم لمن لا يقوم به للوصف. انظر/ حاشية الشيخ بخيت على نهاية السول (2/ 98 - 99).

المبحث الرابع

2 - أن للقدرة تعلقًا جديدًا به الحدوث مسمى باعتبار الحادث صدورًا وباعتبار المحدث خلقًا وباعتبار القدرة إيجابًا فالخلق وهو كون الذات تعلقت قدرته أمر نسبي متجدد تجدد سائر النسب والإعدام غير حادث ليحتاج إلى تأثير آخر فيلزم التناسل فإن الحادث قسم الموجود قائم بالله تعالى وباعتباره اشتق له فذلك كاف فيه وإن لم يكن في الخارج عين حادث سوى العالم فكونه في الخارج عينه وفي الاعتبار غيره هو الجامع بين دليلنا ودليلكم هذا على مذهب بعض الأشاعرة أن الإرادة قديمة والمتجدد تعلقها عند حدوث المراد ولا يلزم منه القول بالحال كما ظن لجواز كون التعلق نسبة عدمية متجددة بين الخالق وماهية المخلوق يتوقف وجودها عليها بالذات ويكون معها بالزمان أما أن قالوا بقدم الإرادة وتعلقها أو بقدم التكوين وتعلقه كالحنفية فالتكوين في الأزل متعلق بحدوث كل حادث في وقته المعين بجميع خصوصياته أو بقدمه وحدوث تعلقه كما عند بعضهم فالتكوين مع سائر خصوصياته فكما يقتضي حدوث الموجود يقتض حدوث تعلقه على وجه لا يحتاج إلى تكوين آخر وكونه كذلك وإن أوجب الجزئية أو لا يتغير فلا ينافي الأزلية ووصُف الباري تعالى به لأن الجزئية في الحادث المعلوم لا في العلم والتكوين المتعلقين به من حيث هو جزئي ولا يذهبن عن صحيفة خاطرك أحسن نقش ثبت فيه أن جميع القضايا ضرورية بل أزلية إذا جعلت الجهات جزء المحمول. تتمة: القول بأنه لا تنافي بين المذهبين إذ التكلم يمعنى إيجاد الكلام هو المسند إلى الله عندهم وهو قائم به من ضيق لتعطن فإن المعتزلة مصرحون بأن فعله قائم بغيره والتكلم يمعنى إيجاد الكلام غير معهود في اللغة يعدان الأصل عدم الاشتراك. المبحث الرابع في أن شرط المشتق صدق أصله خلافا للجبائين فإنهما قالا بعالمية الله تعالى من دون علم زائد مع كونها معللة به مطلقًا، لنا أن أصله وهو معنى المصدر جزؤه فلا يوجد حقيقة دونه وإن أطلق الكل على الجزء مجازًا ونحو العالم ليس مجازًا في الله تعالى وإلا لصح سلبه وهو خلاف ما عليه الإجماع نعم لو قالوا العالم من له العلم لا من له العلم بالزائد ولئن سلم فمن له الزائد ولو في الاعتبار والفهم ولا يجب الزيادة في الوجود لكان شيئًا لا يقال صح سلب كل صفة عن نفسها نحو السواد ليس بأسود حتى قيل كل صفة فرد من أفراد نقيض ما ثبت كالكتابة للكاتب فلئن كان العلم عين الذات كان سلب العالمية عنه ولا سيما من حيث أنه علتها سلبًا لها من الذات لأنا لا نم ذلك فإن كل صفة ثابتة لنفسها

المبحث الخامس

بالذات وللغير بواسطتها فالسواد للسواد ذاتي وللأسود بواسطه وكذا الوجود والحدة وغيرها والثبوت يكفي فيه المغايرة الاعتبارية لصدق كل جزء، وإن كان غير مفيد والقول بان الكتابة لا كاتب لتوهم أن الكاتب من صدر عنه الكتابة وليس كذا بل المعنى الكلي للمشتق ما له المصدر كالمائت والحسن وغيرهما فإن نسبة أكثر المصادر إلى القوابل كما مر ثم ولئن فذلك في الصفة الزائد والحق أن الخلاف مبني على أن صفات الله تعالى عينه أو غيره أو ليست عينه لا منافاة في شىء من المذاهب للغة وهو مستوفي في الكلام. المبحث الخامس في تعيين مفهوم الصفة نحو الأسود مما لم يعتبر خصوصية ذاته كالأحمر العلم والقارورة إنما تدل مبهمة باعتبار صفة معينة جسماً كان أو غيره وإلا فالأسود جسم مثل الجسم ذو السواد جسم والإنسان حيوان لمن يعمله بحقيقة فلا يفيد وليس كذلك قيل وفيه احتراز عن أسماء الزمان والمكان والألة لدلالتها على خصوصيات الأشياء الثلاثة فإن المقتل زمان أو مكان وقع فيه القتل لا شىء وقع فيه ولذا لم يجز مكان مقتل بخلاف المقتول فيه وقيل: هي كسائر المشتقات إذ لا دلالة على خصوصية ما وقع فيه الفعل زماناً أنه خلاء أو مقدار حركة الفلك الأعظم ومكاناً أنه خلاء أو السطح الباطن للحاوي والحق هو الأول لتعين مدلولها من حيث أنه زمان أو مكان أو آلة فإن هذه الأمور معتبرة أجزاء بدلالة تفسير أئمة اللغة بخلاف الفاعل والمفعول في اسميهما وغير ذلك ولا يلزم من اعتبار هذا التعين اعتبار تعين عنه حقيقة المدلول ولا من عدم اعتبار الثاني عدم اعتبار الأول كما لم يعتبر في القارورة إلا الزجاجية لا عنه حقيقتها. المبحث السادس في عدم جواز القياس في اللغة (¬1) خلافاً للقاضى أبي بكر وابن سريج بالجيم وبعف الشافعية (¬2) ومحل النزاع ليس ما ثبت تعميمه نقلاً جزئياً كالنكرة أو كلياً كما فيه القواعد الصرفية أو النحوية أو غيرهما ولا معيناً يلحق بمعين آخر في حكم شرعي كالنبيذ للخمر في الحرمة عند من يلحقه بل ما يسمى باسم إلحاقاً بمعين سماه من حيث تعيينه لمعنى يؤثر بدور التسمية معه وجوداً وعدماً في ذلك المعين كتسمية النبيذ بالخمر لتخمير العقل حيث ¬

_ (¬1) واختاره حجة الدين الغزالي، وسيف الدين الآمدي. انظرا المستصفى للغزالي (1/ 322 - 324)، أحكام الأحكام للآمدي (1/ 78). (¬2) وصححه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي. انظر/ اللمع (ص 6).

ومن المبادئ اللغوية مباحث حروف المعاني

حيث لا يسمى ماء الغيب خمرًا قبله وبعده ومثله تسمية النباش سارقًا للأخذ بالخفية واللائط زانيًا للإيلاج المحرم ولو ثبت التعميم بالنقل في شيء منها لم يكن مثالًا كما إذا صح ما روي عن ابن عمر أنه عليه السلام قال "كل مسكر خمر" (¬1). لنا: أنه إثبات اللغة بالاحتمال لأن ذلك المؤثر أو المدار يحتمل تصريح الواضع يمنع دخوله في المسمية كالأدهم والقارورة واعتباره والإثبات بالاحتمال تحكم وإذ لو جاز صدر الحكم بالوضع بغير قياس قبل احتمال الوضع وعدمه مرادًا به التسوية ممنوع فيما نحن فيه وإلا فلا نم بطلانه لجواز رجحان احتمال الوضع فلا تحكم قلنا المراد لتسوية عند عدم تعرض الوضع للمنع والاعتبار ويكفي ذلك مع قولنا الأصل عدم الرجحان تمسكوا ولا بدوران الاسم مع ذلك المعنى وجودًا وعدمًا فإنه يفيد ظن العلية وجوابه بالقلب بأن دورانه مع المحل أيضًا حين كونه محلًا له كماء العنب ومال الحي ووطؤه في القبل يفيد ظن علية المجموع وعدم علية مجرد المعنى مع أن فيه جمعًا بين الدليلين وهو أولى من إهدار أحدهما، وثانيا: بقياس القياس في اللغة على القياس في الشرع بجامع الاشتراك في الموثر أو المدار وليس إثباتا للشيء بنفسه بل اللغوي بالشرعي الزاما على القائلين به وجوابه أن لا جامع إذ مجوز الشرعي الإجماع أو الاشتراك المذكور معه. ومن المبادئ اللغوية مباحث حروف المعاني وتسميتها بالحروف مع وجود نحو الظروف مجازية باعتبار الغالب أو بمعنى الكلمات أما حروف المباني فلسنا بصددها ففيها مقدمة وأقسام. المقدمة في تحقيق معنى الحرف وما به يتمايز الكلمات قولهم الحرف لا يستقل بالمفهومية أي بمفهومية المعنى منه هو معنى قولهم يدل على معنى في غيره والضمير للفظ كمعنى احتياجه إلى انضمام لفظ آخر لا للمعنى إذ لا معنى لحصول المعنى في غير نفسه وربما يصحح بأنه مثل الدار حسنة في نفسها أو غيرها أي بالنظر إلى ذاتها أو غيرها فحاصل معناه أن الحرف ماكان مشروطًا وضعًا في دلالتها على معناها الأفرادي ذكر متعلقها فلا يرد مثل الابتداء وذو وكل وقيد وإمام لأن ذكر المتعلق فيها شرط الاستعمال لا الدلالة أما التركيبي فالكلمات الثلاث مشتركة في أن ذكر المتعلق ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (3/ 1587) ح (2003).

شرط في دلالتها عليه قيل وفي الفرق بين الاسم والحرف بذلك في مثل على وعن والكاف تمحل وهو لزوم أن لا يفهم المعنى الواحد من اللفظ الواحد بعد العلم بالوضع أحيانًا مع أنه يفهم بأخرى ولخكم وهوكونهما مع تساوي الحالين. والتحقيق يستدعي مقدمتين الأولى أن وضع اللفظ إما خاص بأن يوضع واحد لواحد فالموضوع له إما خاص وجزئي حقيقي كالإعلام أو عام كلي كرجل لإنسان ذكر بالغ أو غير بالغ فهو حين استعماله في الجزئي بخصوصه مجاز وإما عام بأن يوضع دفعة متعدد لمتعدد أو واحد لمتعدد فالأول بأن تعيين أمر مشترك بين الألفاظ وآخر بين المعاني فيقال المندرجة تحت الأمر الأول موضوعة للمندرجة لخت الثاني فتعقل الأمرين المشتركين آلة الوضع ليس شيء منهما موضوعًا ولا موضوعًا له كما في صيغ المشتقات والثاني قد يكون الموضوع له فيه كالموضوع خاصًا وجزئيًا حقيقيًا بأن يكون كل واحد من المشخصات باعتبار أمر مشترك بينهما هو آلة الوضع كاسم الإشارة فإن ما وضع له جزئي حقيقي لكن آلة وضعه أمر كلي هو كونه مشارًا إليها فلذا جاز إطلاقه على كثيرين ومثله ضمير المتكلم باعتبار قيام الكلام به والمخاطب باعتبار توجه الكلام إليه ولذا كان استعماله في غير المعين مجازاًَ وفي ضمير الغائب كذلك باعتبار ولفظ ما جرى ذكره وباعتبار معناه يكون جزئيًا وكليًا فلذا كان أنزل في التعريف بل اختلف في جواز تنكيره وقد يكون كليًا كالموصول موضوع لكل مشار إليه بجملة معلومة الانتساب فآلة الوضع ها هنا الإشارة العقلية وهي كلية وتقييدًا لكليّ لا يفيد الجزئية بخلاف الإشارة الحسية الثانية أن الحرف وضع باعتبار معنى كلي هو نوع من النسبة لمشخصاته ومن شأن النسبة أن لا تتشخص في الخارج والعقل إلا بالمنتسبين فلذا اشترط في فهم معناه ذكر فالمعنى آلة ثمة موضوع له ها هنا عينا أو جزءًا ولكون التعلق عارضًا للنسبة الكلية تستقل بالمفهومية إذاكانت موضوعًا لها ولا ينافيه عدم استقلالها في الوجود الخارجي بخلاف ما إذا كانت آلة الوضع والموضوع له شخص منها وإما الفعل فعند ابن الحاجب ليست النسبة المعينة داخله في مفهومه والحق إنها داخله ولذا احتاج إلى ذكر الفاعل لكنه يدل على ما يستقل بالمفهومية كالحدث والزمان فبذلك فارق الحرف كذا قيل والذي هو حقيق بأن ينبع أن الداخل فيه النسبة إلى موضوع ما لأن دعوى أنه موضوع لأن يسند إلى معين يكذبه غير وجد كما مر فهو كلية لا جزئية إذا تمهيد هذا فنقول مثل على وعن الكاف حروفًا لنفس النسبة المعينة وأسماء قبل للنسبة الكلية والحق إنها للذوات باعتبار نسبة كلية كفوق

القسم الأول في حروف العطف

والجانب والشيئية ويوضحه الترجمة الفارسية زيد ما نند أسد است وهجموا أسد است. القسم الأول في حروف العطف فأصلها معنى وأكثرها استعمالا الواو لأنها لمطلق الجمع (¬1) ومعنى الإطلاق عدم التعرض للترتيب وهو تأخر مدخوله زمانًا كما قال به بعض الشافعية ونقل قوله بنفسه في أحكام القرآن حيث يستحيل لجمه ولو هم على أصل أبي حنيفة رحمه الله وللمقارنة وهي الاجتماع زمان كما روي عن الشافعي في الجديد ومالك في اشتراطهما الولاء في الوضوء وتوهم على أصل الصاحبين لا التعرض لعدمهما ومعنى الجمع أعم منه في الثبوت كما بين جملتين لا محل لهما من الإعراب إذ عدم العطف يخيل الإضراب وقيل: لتحسين النظم كما سيجىء وفي حكم الإعراب كما في العطف بين الاسمين وما في حكمهما مما له محل من الإعراب أو في ذات المعمول ما كما بين فعلين مجردين أو مع متعلقاتهما ولا عطف بين الحرفين إلا في أما على قول وثم محذوفًا مدخولها، لنا النقل عن أئمة اللغة والاستقراء والتأمل في قوانين الوضع فمن الأول قول أبي علي الفارسي إنه مجمع عليه وذكر سيبويه في حفسة عشر موضعًا من كتابه ومن الثاني أنه المفهوم بينهم من جاءني زيد وعمر وصدقه حين معيتهما وتعاقبهما فيه وأنه ليس مثل الفاء في أن دخلت الدار وأنت طالق حيث تطلق في الحال وأنه للجمع في الزيدون ولا سيما قد حكم بالتشابه بينهما وتشرب اللبن وتأتي مثله ولا يصلح الفاء فيها مثل {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (طه: من الآية81)، إذ لا يراد التعليق وأنه لو كان للترتيب للزم التناقض في آيتي البقرة والأعراف لاتحاد القصة آمرًا ومأمورًا وزمانًا فليس مثله إيتاء الركوعين وعدم صحة تقابل زيد وعمرو بالمنقوطة من تحت لأن إضافة مفهوم الفعل يقتضي المعية ولذا امتنع فعمرو وإن يكون وعمر بعدة تكريرًا وقبله تناقضًا وللمعية معه تكريرًا وكلاهما تناقضًا ولما حسن الاستفسار عن المتقدم والمتأخر كسؤالهم عن مبدأ سعى الصفا والمروة ولا يعارض بمثله لأن السؤال إذا ¬

_ (¬1) هو قول جمهور النحاة والأصولين والفقهاء. قال أبو عليّ الفارسي: أجمع نحاة البصرة والكوفة على أنها للجمع المطلق. وذكر سيبويه في سبعة عشر موضعًا من كناية أنها للجمع المطلق. انظر/ المحصول للرازي (1/ 160 - 161)، إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 88 - 96)، حاشية التلويح على التوضيح (1/ 99 - 103)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 229)، نهاية السول للإسنوي (2/ 185 - 187)، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 144) بتحقيقنا (محمَّد فارس).

كان للجمع لتعدد محتملاته بخلاف إذا كان للترتيب وقلنا لما حسن دون لامتنع لجواز أن يكون الباعث على السؤال ح احتمال التجوز للجمع المطلق فإنه غالب والتوالي باطلة ويضاف إلى الكل أن الأصل فط الإطلاق الحقيقة قيل يجب المصير إلى خلاف الأصل لدلالتنا الآتية قلنا هي معارضة وهي مقررة لا مفسدة مع ما سيجيء من فساد تلك الأدله ومن الثابت أن الأصل في الكلمات عدم الترادف كالاشتراك وعدم قصور المعاني من الألفاظ فلو كان للترتيب المطلق كبعد أو بلا مهلة كإلغاء كما يفهم من شرط الولاء أو معها كثم أو للمقارنة كمع الترادف وإن لا يكون للجمع المطلق لفظ إذ ليس غير الواو وإجماعا فهو كالجنس وهذه الأنواع وإن العام أعم فائدة إذ الاحتياج إلى الخاص يستلزم الاحتياج إليه من غير عكس فيجعل اللفظ له إذا دار بينه وبين الخاص. فروعنا: زعم البعض أنها للمقارنة وفاقًا بين أصحابه لتعلق الكل ونزول الجملة فيما قال لغير المدخول بها أنت طالق ومطالق وطالق إن دخلت الدار (¬1) والبعض أنها لها عند الصالحين وللترتيب عند أبي حنيفة رضي الله عنه لنزولها جملة فيه مع تقدم الشرط عندهما وواحدة عنده فاسدان بل ذلك بناء على الأصول فموجب ذكر الطلقات المعلقة المتعاقبة عنده الافتراق رعاية لعدم الواسطة ووجودها وتعددها الحاصلة فط التعليق وقت الوقوع كسلك الجواهر بخلاف لكرر الشرط إذ الكل بلا واسطة وتأخر الشرط لأن الكل يتوقف على الآخر المغبر ويتعلق دفعه وعندهما الاجتماع لأن مشاركة الناقصة للتامة يجعل الكلام بلا واسطة واستشكل القاضي أبو زيد قوله من وجهين: 1 - أن التعاقب في التكلم وأزمنة التعليق لا يقتضي تعاقب أزمنة الوقوع كما عند تكرر الشرط بل ذلك بتم أو بثلاثًا واحدة بعد واحدة. 2 - أنه ليس بطلاق في الحال حتى يقبل وصف الترتيب والوصف لا يسبق الموصوف فلا بد لذلك الوصف من ثم أو بعد وأجاب مثمس الأئمة بأن المعلق كالمنجز عند وجود الشرط ومن ضرورته تفرق الوقوع كما لو نجز أنت طالق وطالق وطالق فقول أبي حنيفة - رضي الله عنه - أقرب إلى مراعاة حقيقة اللفظ وكذا كل ما يوهم الترتيب أو المقارنة من مسائلنا بناء على الأصول فمن الأول هذا المنجز في غير المدخول بها لأنها إذا بانت بالأولى من غير ¬

_ (¬1) قال الشيخ الكسانيّ: يقع الثلاث إن وجد الشرط؛ لأن أهل اللغة وضعوا هذا الكلام على تأخير الشرط لإيقاع الثلاث جملة في زمان ما بعد الشرط لحاجتهم إلى تدارك الغلط. انظرلم بدائع الصنائع للكاساني (3/ 140).

عدة فات محل التصرف فلو يقع الباقيان خلافًا لمالك وأحمد والشافعي في القديم لا للترتيب وثبوت الحرمة الغليظة بالثالث ليس تغير ليوجب توقف الأول بل تقرير لموجبه وهو رفع القيد بخلاف أنت طالق ثلثًا لأن العدد مفسر يتم المراد به فلا يقع إلا به والطلاق الثاني فما بعده ليس بمفسر غير إنها تبين عند أبي يوسف إذ لو توقف على الثاني لم يفت المحل فوقعا جميعًا وما روى عن مالك أن الواو مثل ثم ففي المدخول بها في وقوع الثلاث حتى أو قال أردت التأكيد لا يعتبر عنده لأنه نية خلاف الظاهر إذ التأكيد بغير الواو هو الغالب وعند الشافعية يعتبر لأنه محتمل حتى قالوا في له علي ألف وألف يلزم ألفان بنية التأكيد نظيره أنت علي حرام صريح في اليمين فينصرف إليها عند عدم نية الطلاق والظهار لا عندها إذ ليس في الصراحة بحيث لا يقل الصرف عنه ومنه تزويج الأمتين برضاهما من غير إذن المولى بعقد أو بعقدين من رجل فأعتقهما معًا لا يبطل شيئًا وفي كلمتين منفصلتين يبطل الثابتة وهذا في هذه حرة وهذه أمة متصلًا لأن عتق الأولى يبطل محلية الوقف في الثانية إذ لا حل للأمة على الحرة ومن الثاني تزويج الحنين في عقدتين بغير إذن الزواج قال أجازهما معًا بطلا ومتفرقًا فالثاني وقوله أجزت نكاح هذه وهذه كأخوتهما لا لأن الواو للمقارنة بل لأن آخر الكلام بغير صدره من الجواز إلى الفساد فيتوقف بشرط الموصل بخلاف المسألتين السابقتين إذ لا مغير فيهما ومنه من مات عن أعبُد قيمتهم سواء وابن لا وارث غيره فبقوله أعتق في مرض موته هذا وهذا متصلًا عتق من كل ثلثه كأعتقهم لا للقران بل لأن الآخر بشرط الوصل بغير الصدر من عتق إلى رق عنده أو براءة إلى شغل ذمة عندهما لسعاية البعض إذ لو قاله ساكنًا بينها عتق الأول إذ لا مزاحم ونصف الثاني لأن نصف الثلث استوفي في حقه وثلث الثالث لأن ثلثي الثلث استوفيا في زعمه والمسألة من ثمانية عشر، وفي الحصيري فرق مسألتي الأمتين والأختين من اختلاف وضعهما فإن المعطوفة في الأولى تامة حيث وضعهما مع خبرها لا تشارك المعطوف عليها فلا يتوقف الأول على الآخر نحو عمرة طالق ثلاثًا وزينب طالق حيث تطلق الثانية واحدة وفي الثانية ناقصة تشاركها فلا فرق إذ كانتا تامتين أو ناقصتين والحق هو الأول الفارق وإن كالتا تامتين للمرتبتين أو لا قوله تعالى {ارْكعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج: من الآية 77) ففهم وجوب الترتيب قلنا لعله مستفاد من قوله عليه السلام "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬1) أو الإجماع أو فعله بيانًا لمجمل الصلاة فلا يرد البحث بأن فعله ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1/ 226) ح (506)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 206) ح (397)، وابن =

غير موجب بعد ما كان التقديم في الذكر لإفادته نوع قوة ظاهرة مرجحًا في الجملة كما في الوصية بالقرب النوافل وثانيًا قوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية 158). ففهم عليه السلام وجوب الترتيب وقال ابدؤوا بما بدأ الله أو نص على مقتضاه إذ لو كانت للجمع لما سألوه ولا تعارض لأنهم يجوزون الجمع تجوزًا غالبًا أما الترتيب فمطلوب نعم لو قيل لما حسن كما مر لحسن المعارضة قلنا المحل في حكم أنهما من المشاعر لا يحتمل الترتيب فكيف يفهم أما وجوب السعي فثبت بقوله تعالى {لا جناح عليه أن يطوف بهما} وهذا وإن احتمل الإباحة فقوله عليه السلام «إن الله كتب السعي فاسعوا» (¬1) بين وجوبه واختيار عبارة دفع الجناح له كونهما مكان (أساق) و (نائلة) ولئن سلم فالسعي في حق الترتيب محمل إذ لا بد له منه بينه فعله أو مواطنه بلا ترك وقوله ابدءوا بعد ترجيح التقديم في الذكر وثالثًا ما روي في خطة الأعرابي حيث قال ومن عصاهما فقد غوى من قوله عليه السلام بئس خطب القوم أنت قل ومن عصي الله ورسوله والفارق الترتيب قلنا لا نم إذ لا ترتيب في معصيتهما بل هو ترك العظيم بالإفراد لو تقدم لفظ أو بذكر لفظ الله ورابعًا إنكارهم على ابن عباس عامره بتقديم العمرة مع قوله وأتموا الحج والعمرة لله لا يقال العلة لا دعاء لتجوز في الترتيب لأنه مغلوب لا يصلح داعيًا في الإنكار قلنا ذلك لكون الأمر بالتقديم منافيًا للجمع المطلق لأن مقتضاه جواز التأخير، وربما يجاب بأنه معارض بأمره فإنه يقتضي عدم الترتيب، وفيه بحث أن لعله لدعوى التجوز الغالب في الجمع. وخامسًا: أن للترتيب في اللفظ سببًا والوجود صالح له فيتعين ظاهرًا. قلنا: ينتقض بصورة تكرر العامل حيث لا يترتب فيه إجماعا فسببه ما يتكفل بتعداده علم المعاني وإذا ثبت أنه ليس للترتيب لا يوجه في آية الوضوء ولا في قول محمَّد ينوي من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة أما الجمع فأتم من الجنسية فالافتراق بين علي مائة ودرهم ومائة ¬

_ = حبان في صحيحه (4/ 541) ح (1658)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 2871) ح (1508)، والدارمي (1/ 318) ح (1253)، والبيهقي في الكبرى (2/ 345) ح (3672)، والدارقطني في سننه (1/ 272)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 55). (¬1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4/ 233) ح (2765)، والبيهقي في الكبرى (5/ 98) ح (9150)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 195) ح (3)، والطبراني في الكبير (5/ 188) ح (5032)، والامام أحمد في مسنده (6/ 4371) ح (27503).

ثوب مبني على أصل ستلقاه. ذنابتان الأولى: أن الواو بين جملتين لا محل لهما من الإعراب يسمى واو الابتداء أو واو تحسين النظم والأصح أنه للعطف يونسه ما في المعاني من اشتراط أحد الجوامع مع الثلاث في أحد القسمين من الأقسام الستة وحكم الثانية لا تشارك الأولى لكونها تامة كما مر فإن دليل المشاركة الافتقار أما إن كانت ناقصة فشاركها فيما تم به الأولى بعينه لا بتقدير مثله إلا عند استحالة الاشتراك في الخارج فإن دخلت الدار فأنت طالق وطالق بعد قوله كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق يمين واحدة ولذا يقع واحدة اتفاقًا لا كالتكراركما مر وكذا أنت طالق إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه يقع به واحدة وإن دخلتهما وكذا لفلان على ألف ولفلان كذا إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة بدخولها لا كل بدخول نفسها وفي هذا نظر لصاحب الكشف رحمه الله وكان وجهه أن ما تم به الأولى ليس الشرط فقط بل المجموع منه ومن الطلاق وليس هذا المجموع في الثانية عينه في الأولى لاستحالة اشتراك المرأتين في طلاق واحد والجواب أن التمسك ببعض الاعتبارات كاف في صحته وبتقدير مثله عندها نحو جائنى زيد وعمرو وكونه من عطف المفرد لفظًا لا ينافي تقدير المثل لرعاية المعنى إذ التقدير نوعان أحدهما صحيح اللفظ لو المعنى وثانيهما لتوضيح المعنى كما قال عبد القاهر في تقدير اللام بين المضاف والمضاف إليه وكما قدر الزمخشري متبركًا في بسم الله اقرأ وهذا من الثاني وكذا أنت طالق وفلانة لاستحالة الاشتراك في مجيء وطلقة لا يقال ففط هذه طالق ثلاثًا وهذه يمكن مشاركتها في الثلاث فينقسم عليهما فنكمل ثلاث لأن ذكر بعض ما لا يجزي كذكر الكل لا ثلاث كما انقسم الأف في مسألة الإقرار، ولأنا نقول نعم لولا ما في تنصيص الثلاث من الٍاشارة إلى أن مقصود الزوج إثبات الحرمة الغليظة وبالانقسام لا يحصل إذ فاستحال الاشتراك حكمًا ومن الناس من أوجب الشركة فيما بين الشامتين أيضًا فقال القرآن في النظم يوجب القرآن في الحكم فاستدلوا من قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكاةَ} (البقرة: من الآية 43) على عدم وجوب الزكاة على الصبي ولعلهم بنوا على اتحاد المخاطب وقلنا لا نعلم لعدم افتقار الثانية الذي هو دليل الشركة بل ذلك لكون الزكاة عبادة محضة كالصلاة لو ليس فيها معنى المؤنة كصدقة الفطر والعشر والخراج والصبي ليس من أهلها وأهل الإنابة فيها لعدم كمال الاختبار ويكفي في الأيمان والنوافل اختبار ما توسيعا لمحالها فبذلك

يسقط قول الشافعية إن الخطاب بهما يتناوله والعقل خص الصلاة البدنية لا الزكاة المالية لا مكان أداء الولي لا يقال لو كان دليل الشركة هو الافتقار لم يتعلق الثانية في أن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر لكونها تامة لانا نقول غير تامة في حق التعليق فإن مناسبتها للجزاء في الاسمية مع عدم مرجح الصرف عنه يقتضي ظاهرًا عطفها عليه والجزاء بعض الجملة حكمًا بخلاف وزينب طالق فإن إعادة الخبر مع كفاية المبتدأ ترجح الصرف عن الجزاء والعطف على الكل وعلى هذا والأصل العطف على الأقرب بينا قوله تعالى {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا} حيث عطفناه على فاجلد ولمناسبتها إنشاء وخطابًا للأئمة وزجرا لأن الزجر في رد الكلام فوق الضرب فيفتقر إلى الشرط من تلك الحيثية لا على الجملة كقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسقُونَ} (النور: من الآية 4)، لعدمها فإن حكايه الحال القائمة لا تصلح جزاء وزجرًا من الحكام والثمرة أن الرد من لضام الجد والاستثناء المترتب عليه لا يترتب على ما قبله فلا يقبل شهادة المحدود في القذف بعد الحد وإن تاب لا قبله لأن أوان تمام الجد بعده وذكر البرغري وقبله لكن بالفسق لا حدًا فلو تاب قبله يقبل وفيه خلاف الشافعى فيقبلها إن تاب بعده لا قبله وقولنا لصح لكون القذف سببًا للفسق فلو كان الرد به لجاز قبل الحد وكان العجز عنهم شرطًا للحد متراخيًا لعطفه يتم وبينهما لا ردكما لا حد فيقتض عدم الرد حدًا كما يقتضيه العطف بالواو وقيل: موجب النهي وهو حرمة القبول لا يصلح حدًا لأن الحد فعل بقيمة الإِمام قلنا الحد لازمه وهو ترك القبول كما أن الحد فيما قبله ليس الوجوب بل لازمة وهو الجلد. قيل: المنهي عنه لا بد من تصوره وقد أبطلتموه. قلنا: منصور حيث ينعقد النكاح بحضورهم لا كالعبد قيل معناه لا تقبلوا بعد الحد شهادة لأجل صدق مقالتهم فإنه معنى اللام ولا نزاع فيه. قلنا: تقبل شهادة الغير لهم على سائر حقوقهم وعلى إثبات زنا المقذوف فأريد شهادتهم للإجماع ولأن عموم النكرة في سياق النفي يوافق شهادتهم لا شهادتهم ومن المعطوف على الجملة، قوله تعالى {وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ} (الشورى: من الآية 24) ولذا أعيد لفظ الله وحذف الواو لفظًا لا لالتقاء الساكنين وحظا لاتباعه وقوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} (آل عمران: من الآية 7) عندنا. الثانية: أن الواو قد تمستعمل للحال لأنها تجامع ذاتها نحو وفتحت أبوابها أي مفتوحة قبل لقوله مفتحة بخلاف أبواب جهنم حيث لا تفتح إلا عند الدخول وكلاهما مقتضي

الكرم فلا يحمل عليها لا بامتناع العطف أو بالنية أما الأول فنحو أدّ إليّ ألفا وأنت حر وأنزل وأنت آمن لامتناع عطف الإخبار على الإنشاء ولما تعين الحال ومن شأنها أن لا تسبق عاملها أو لأنها حال مقدرة نحو {فَادْخُلُوهَا خَالِدينَ} (الزمر: من الآية 73) أي مقدرًا لحرية بعد الأداء استعملت في معنى جواب الأمر الَمتأخر عنه المقدر حصوله بعده وقصد تعليقها بمفهومه لا بالعكس إذ لا يعلق المتكلم إلا ما يمكنه تنجيزه فلم يعتق إلا بحد الأداء ولم يأمن إلا بعد النزول وأما الثانية فنحو أنت طالق وأنت حريضة أو مصلية فإنه ظاهر في العطف لمناسبة الجملتين اسمية ويحتمل الحال لعدمها خبرية أو إنشائية ولأن إنشائية الأولى غير وضعية رجح الأول فيقع الطلاق في الحال إلا إذا نوى واو الحال يصدق ديانة لا قضاء فيتعلق بالمرض والصلاة بخلاف خذه مضاربة واعمل به في البزّ فإن العطف متعين لأن الانشاء لا يقع حالًا فيصير شورة ويبقى المضاربة عامة واختلف في طلقني ولك ألف فقالا للحال فله الألف إذا طلقها (¬1) إما قياسًا على أدّ إليّ ألفا وأنت حر بدلالة حال المعارضة في الخلع الشارطة للبذل والحال شرط وإما استعارة للباء كما في القسم بتلك الدلالة كما في احمل ولك درهم بخلاف أنت طالق وأنت مريضة ومسألة المضاربة إذ لا معارضة فيهما فإن المضارب أول الأمر أمين ثم وكيل ثم شريك وإذ لو كان العمل عوض الأخذ لاستحق لحجرد الأخذ وليس كذا إجماعا وقال رحمه الله الأصل الحقيقة ولا يصلح معنى المعاوضة معير إلا أنه في الطلاق زائدًا إذ يغلب بدونه وإذ قد يكون يمينًا من جانبه إذا دخله فيلزم ولا ينصح رجوعه قبل قبولها ويحنث به في أن خلفت بطلاقك ولا يمين في المعاوضة كالنكاح والعوارض لا تعارض الأصول بخلاف الإجارة المشروعة معاوضة كالتبع ثم أن العدول إلى مجاز التعليق لم يتعارف فيما ليس أصله المعارض المعاوضة إلا إذا أمكن المتكلم لتنجيزه كمسألتي التحرير والتأمين خلاف التطليق من المرأة الطالبة وهو المعلق بالالتزام الألف عندهما لا عكسه حتى قوله بألف مثله وهذا بيان أن لبس فيهما مانع تعليق على أن فيهما مقتضيًا له وهو أن المتكلم لا يرضي بالحرية قبل الأداء وإلا لغا الصدر إذ لا يصح المضرب ولا بالأمان قبل النزول لعدم المقصود وهو معاينة محاسن الإِسلام المقضية إلى إسلامه بخلاف التطليق قبل الأداء للمرأة الطالبة وبهذا يندفع أن ذكرها الألف دليل إرادة المعاوضة إما أن العطف يبقي بلا جامع لو أرسلوك ألف في بيتك فمع أن العطف على مقدر مناسب لأن المذكور إنشاء مثل طلقتنى ¬

_ (¬1) انظر بدائع الصنائع للكاساني (3/ 152).

مستغن عني ولك ما تحصل به غيري لا يربو على ما سبق من الوجوه اللفظي والمعنويين، والفاء للتعقيب من غير تراخ إلا بزمان لطيف وهو ما لا يعد فاصلًا ومهلة عرفًا (¬1) والاستدلال بدخولها على إجراء المتعقب للشرط صحيح لأنه أثر الوصل والتعقيب ولو عقليًا فبوجوده يعلم المؤثر ولا دور فيه كما في كل برهان إنيّ ففي إن دخلت هذه الدار فهذه لا يحنث بترك أحديهما وتقديم الثانية وتأخيرها مع مهلة وفي إن دخلت فأنت طالق فطالق تبين المدخولة بالأولى فقط وقيل: عندهما بهما لأن أجزية شرط واحد لا يترتب فيجعل للواو مجازًا والحق اتفاقهم عليّ الواحدة كبعد وصرف الترتيب إلى الوقوع أقرب إلى الحقيقة من إلغائه كما وجب في على درهم فدرهم درهمان (¬2) صرفا للترتيب إلى الوجوب إذ لا يتصور إلا في زماني وهو الفعل لا العين أو استعارة كمعنى الواو والأول أقرب إلى الحقيقة ثم الثاني مما قال الشافعي - رضي الله عنه - يلزمه درهم (¬3) لأن الثاني لتحقيق الأول أي فهو درهم لامتناع الترتيب كقول رؤبة (يريد أن يعربه فيعجمه) أي إعرابه إعجام قلنا إضمار فيه ترك الحقيقة من كل وجه وفيما قلنا العمل بها من وجه والإعجام عطف على الإرادة وواقع بعدها وفيضل الله مفسر لا به ولذا دخل على ازدياد الثمن المرتفع في أخذت بعشرة فصاعدًا أى فازداد الثمن لترتبه على السعر الأول وعلى الجزء لترتبه على الشرط فقوله فاقطعه بعدا يكفيني قميصا فقال نعم فقطعه فلم يكفه مضمن لأن الإذن المرتب على الكفاية لكونها شرط مقدرًا معدوم قبل وجودها كما لو كان ملفوظًا بخلاف اقطعه فإنه إذن مطلق والغرور إذا لم يكن في ضمن عقد لا يضمن الغار كالخبر يا من الطريق فإذا فيه لصوص وقوله فهو حر بعد بعث منك العبد بكذا قبول لأن الإعتاق المرتب على مجرد الإيجاب يقتضيه بخلاف هو حر أو هو إذ لاحتماله الإخبار حيث لم يرتبه لا يثبت القبول بالشك وعلى الحكم المعلول لترتبه على العلة حيث تعقبها بلا فصل إما رتبة أو زمانًا نحو جاء الشتاء فتأهب واعتبار الحكمية لا ينافي الجزائية ونحو أطعمه ¬

_ (¬1) انظرا نهاية السول للإسنوي (2/ 187)، المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 164)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 234). (¬2) انظرا المبسوط لشيخ الإِسلام السرخسي (81/ 8). (¬3) ونصه في الأم: قيل له: إن أردت درهمًا ودرهمًا فدرهمان، وإن أردت فدرهم لازم في أو درهم جيد فليس عليك إلا درهم. انظر/ الأم (6/ 221)، المهذب للشيرازي (2/ 348)، الإقناع للماوردي (1/ 200)، التنبيه للشيرازي (1/ 275)، الوسيط للغزالي (3/ 342)، روضة الطالبين للنووي (4/ 387).

فأشبعه وسقاه فرواه أي يعين الإطعام والسقى لأن المراد بهما ليس مطلقهما كما ظن بل مقدارًا يكفى للإشباع والإرواء حتى أو فيما به لم يفسد العبارة وككتب فقرمط وضرب فأوجع والترتيب عقبي والقدم الواجب العلة ذاتي كحركت الإصبع فالخاتم فيندفع في قوله عليه السلام لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه رأي الظاهرية كدواء الأصفهاني أنه لا يعتق قبل أن يعتقه فلا تمسك لهم بصريحه حيث كان إلا عتق حكمه ولا بان بقربة لو منعت البقاء منعت الابتداء كالنكاح لأن عدم منع فابتداء الفائدة هي ترتب العتق بخلاف النكاح وبجواز أن يترتب على موثر متنافيان أحدهما بواسطة كالملك والاعتاق بواسطته على الشراء وقريب منه أن شريتك فأنت حر فيقع عن الكفارة بالشراء بنيتها خلافًا لزفر والشافعي وجعل الاعتاق يمنزلة الإحياء بناء على أن الرق إثر الكفر الذي هو موت حكمي. ذنابة: وقد يدخل على العلة إذا دامت نحو تأهب فقد جاء الشتاء وابشر فقد أتاك الغوث وتزود فإن خير الزاد التقوى وفدعه فدولته ذاهبة تنبيها على دوامها فإنها إذا دامت ترتبت على المعلول وقيل: إذا كان المعلول مقصودا منها وعلة غائية لها فيدخل على الحكم من وجه كما في الأمثلة فإن ما قبل الفاء مقصود من الإخبارات التي بعدها ومثاله حقيقي صلّ فقد أمر الله بها ولا تزن فقد نهى عنه واحضر فقد دعاك الأمير والعلل في الكل دائمة حكمًا ونظيره أدّ ألفًا فأنت حر وأنزل فأنت آمن يعتق ويأمن قبلهما ولا يضمر الشرط لأنه ضروري ولا ضرورة إما لعلة فلكونها مستدامة أو معلولة على الأصل من وجه فكانت أولى من الإضمار ولأن تقدير الشرط الناقل إلى المستقبل عند التلفظ به لم يعهد مع الماضي نحو ائتني أكرمتك فمع الاسمية وهي أبعد أولى. تتمة: يعرف الأولى بفاء التعقيب والثانية بالجزائية والثالثة بفاء التفريع والسببية والرابعة بفاء التعليل، وثم للتراخي ويظهر أثره عنده في التكلم والحكم كأنه سكت بينهما قولًا بكمال التراخي فالمطلق ينصرف إلى الكمال ولأن بينهما تلازمًا في الانشاآت فتراخي الحكم يقتضيه تكلمًا نظيره جعل التعليق تطليقًا عند وجود الشرط لتراخي حكمه لا إلغاء والأول أعم وعندهما في الحكم ووجود المدلول فقط لأنه المعتبر عند الوضع واللفظ متصل كيف والعطف ينافي عدمه قلنا ليس المراد أنه لتراخي اللفظ بل لتراخي الحكم الحاصل عند تراخي اللفظ والاتصال ضرورة معتبر لجمعه حتى تم بما تم به الأول وإن لم يعتبر لتراخيه حتى لم يتعلق بما تعلق به الأول ففي تعليق أنت طالق ثم طالق ثم طالق

بالشرط يتعلق الكل عندهما وينزل مرتبًا وعنده في الدخول بها ينزل الاثنان ويتعلق ما يلي الشرط قدمه أو آخره وفي غيرها أن آخره وقع الأول ولغي غيره وإن قدمه تعلق الأول فهان ملكها ثانيا ووجد وقع ووقع الثاني ولغط الثالث لا الثاني لما مر أن الاتصال صورة يعتبر في حق الشركة فيما تم به الأول وصورة ومعنى هو المعتبر في حق التعليق كما في أن دخلت الدار فأنت طالق طالق طالق فأحكام الصور الأربع متفق عليها ها هنا فيصلح مقيسًا عليها. ذنابة: قد يستعار للواو للمجاورة من إطلاق المقيد على المطلق نحو قوله تعالى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَذِينَ آمَنُوا} (البلد: من الآية 17) فالإيمان هو السابق في الاعتبار على جميع الأعمال فضلًا عن فك الرقبة أو الإطعام ويقال للتراخي في الرتبة تنزيلًا لتباين المنزلتين منزلة تباين الوقتين وفيه أن المقتضى ح تأخير الإيمان عن التواصي بالأمرين ويقال لترتيب الإخبار بأنه لمن كان من المؤمنين وفيه إضمار بلا ضرورة والمضمر مستدرك وفي الحمل على الواو عمل بالحقيقة من وجه واختار البعض أن المعنى ثم دام على الإيمان إذ الأمور بخواتمها كقوله تعالى {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدىَ} (طه: من الآية 82) أو ينافيه عطف التواصي بالأمرين إذ اعتبار الدوام فيه لا فيما بعده تفكك النظم ونحو قوله تعالى {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} (يونس: من الآية 46) فشهادته لا تختص بما بعد مرجعهم فهي بمعنى الواو كمم ساد أبوه ويقال أريد بالشهادة نتيجتها وهي العقاب وفيه أنه يستلزم تاويلا آخر وهو عدم حمل ما على عمومه والأصل في خلاف الأصل التقليل مع ما مر أن العطف عملًا بالحقيقة القاصرة ويقال معناه مؤد شهادته بإنطاق أعضائهم فالشهيد بمعنى ناصب أشهادة أو خالفها وفيه بعض ما مر ولأن لا استعارة عند إمكان العمل بالحقيقة حملناه في رواية: "فليكفر عن يمينه ثم ليأت بالذي هو خير (¬1) "على الواو لا على الفاء مع قربه لتعذر العمل بحقيقة الأمر فإن التكفير قبل الحنث واجب إجماعا ولم يرجح حقيقة ثم لأن الأمر مقصود الحديث والكفارة خلف البر المقصود عن اليمين ولتقدمه لفظًا وليتوافق الروايتان فإن المراد في رواية التأخير الوجوب قطعًا وهي الأشهر فحمل الأخرى عليها أولى ولأن في هذه الرواية ترك العمل بالإطلاق أيضًا لعدم جواز التكفير بالصوم قبل الحنث اتفاقًا غير أن الاستعارة للواو إذا وجبت فاستعارة الفاء أولى لمزيد جوارها لخلوها عن قيد المهلة، وبل للإضراب عما قبلها على تدارك غلطه فلا يقع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (3/ 1272) ح (1650).

في القرآن إلا حكامة نحو: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} (الأنبياء: من الآية 5) أو على أن الثاني أهم فيقع نحو {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ في الاَخِرَة} (النمل: من الآية 66) الآية فقيل معناه إبطاله ذكر مع لا تأكيدًا أولًا، وقيل: جعله مسكوتًا عنه بلا، لا والتصريح بحبه معه وهو المختار فنحو بل عمر وبعد الإثبات للإضراب عنه وبعد النفي عنه أو عن منفيه وكلاهما مذكور، فإن أجزاء الموجبة بعض أجزاء السالبة فلا إشكال. فروع: قال زفر رحمه الله في عليّ ألف بل ألفان لا يملك إبطال الأول فلزما (¬1) وكألف درهم بل ألف دينار وأنت طالق واحدة من اثنين أو الإبل ثنيتين في المدخول بها (¬2) خلاف غيرها إذ لا محل لما بعد الوحدة بخلاف المعلق نحو إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة بل ثنيتين أولا، لأن مقتضى إقامة الثاني مقام الأول الذي أبطله اتصاله بالشرط بلا واسطة ولما لم يكن في وسعه إبطال الأول وجب تقدير شرط آخر ليعمل بقصده، إذ لو لم يقدر لاتصل بواسطة وليس لمقصود له فصار كالحلف بيمين عكس العطف بالواو على قول أبي حنيفة فإنه لتقرير الأول فيقتضي الاتصال بذلك الشرط بواسطه، واستحسنا بأن الإخبار يحتمل التدارك وذا في العرف ينفي انفراد الأول وإكماله بالثاني نحو سني ستون بل سبعون وحججت حجة لا بل حجتين لا نفى أصله لكونه داخلًا في الثاني فيجتمع النفي والإثبات بخلاف اختلاف الجنس إذ لا تدخل نحو حجة بل عمرتين أما الإنشاء فلا يحتمل التدارك لأن التدارك للكذب ولا كذب في الإنشاء كما ظن فإن الغلط أعم بل لأنه كما يتلفظ يوجد فلا يمكن إعدامه حين هو موجود فلذا يقع الثلاث في مسألة الطلاق حتى لو قال كنت طلقت أمس فثنيتان استحسانًا وكذا على ألفان بل ألف أو ألف جياد بل زيوف يلزم أكثر المالين وأفضلهما استحسانًا (¬3) والقياس ثلاثة والمالان (¬4) كما قال. ذنابة: إذا تعارض سبها العطف رجح بالقوة ثم بالقوة ثم بالقرب كالضمير يصرف إلى المقصود ثم إلى الأقرب لأن القرب اللفظى ضعيف بخلاف العصبات فإن القرب ثمة يستلزم القوة المعنوية مثال الأول أنت طالق إن دخلت الدار لا بل هذه لامرأة فيحتمل ¬

_ (¬1) فيلزمه ثلاثة. انظر/ حاشية ابن عابدين (8/ 141). (¬2) فتطلق ثلاثًا. انظر/ المبسوط للسرخسى (6/ 125). (¬3) انظر/ المبسوط للسرخسى (18/ 9). (¬4) لأن الجنس واحد، والتفاوت في الجنس بمنزلة التفاوت في العدد. انظر/ المبسوط للسرخسى (18/ 9).

العطف على الجزاء أىِ بل هذه طالق إن دخلت أنت وعلى الشرط أي بل إن دخلت هذه فأنت طالق أو عليهما أي بل إن دخلت هذه فهي طالق ولا حمل على الثالث لبعده كثرة تقديره من غير ضرورة وعدم الشركة في كلا الجزئين مع أن إقامة الثاني مقام الأول بإبطاله يقتضي الشركة فيما تم به الأول بعينه وإفراده بالشرط والجزاء يبطلها فيتحمل على الثاني بشرط النية وعلى الأول مطلقًا للغرض والصيغة أما الغرض فلأن الظاهر أن يقصد تدارك أعظم الأمرين وهو الغلط في الجزاء لأنه المقصود في مثله وأما الصيغة فلأن العطف على المرفوع المتصل بلا مؤكد لشبهه المؤكد بالمعدوم قبيح لا يقال ذاك فيما لا فصل وهاهنا فصل فيرجح العطف على الشرط بالقرب نحو أنت طالق أن ضربتك لا بل هذا يجعل عطفًا على المنصوب لقربه لأنا نقول اعتبار الفصل صحيح إذا لم يوجد في الكلام ما العطف عليه أقوى أما إذا وجد لعدم احتياجه إلى التأكيد والفصل وهو أنت فلا إلا إذا تعذر العطف عليه نحو أنت طالق إن دخلت الدار لا بل فلان فيعطف على الشرط لتعذره على الجزاء. فرع: إذا نوى الثاني فإن دخلتها الأولى والثانية أو كلتاهما طلقت الأولى ديانة وقضاء وفي دخول الأولى تطلق الثانية أيضًا قضاء ولا يصدق في صرف الطلاق عنهما بنية التخفيف ومثال الثاني أن لفلان علي ألف درهم للا عشرة دراهم ودينارًا فيحتمل العطف على المستثنى كالمستثني منه لصحة استثناء الدينار باعتبار قيمته من الدراهم استحسانًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف فيرجح بالقرب، وبأن الأصل براءة الذمة أما عند محمَّد وزفر فعلى المستثنى منه لا على المستثنى لعدم صحة استثنائه قياسًا لا يقال ولا على المستثني منه لذلك فيبطل لأن العطف نحو ألف درهم إلا عشرة وثوبًا لأنا نقول لا ثم فإنه مثل ألف درهم ومائة دينار إلا درهما فقد صححه في الأصل وصرفه إلى الدراهم لصحته صورة ومعنى لا معنى فقط كالدينار بخلاف الثوب إذ لا مجانسة له مع شيء منهما، لكن للاستدراك وهو رفع التوهم الناشئ من الكلام السابق ويقتضي اختلاف ما بعدها لما قبلها نفيًا وإثباتًا معنى فإذا كان مفردًا لثبوته لا يقع إلا بعد النفي وح يفارق بل من وجهين: 1 - أن بل قد يقع بعد الإثبات. 2 - أنه لنفي الأول أو السكوت عنه على القولين وهاهنا نفي الأول لا به بل بدليله مثاله ما جائني زيد لكن عمرو لمن زعم عدم مجيء عمرو وأيضًا لنسبة بينهما وفي المفتاح لمن زعم أن زيدًا جاءك دون عمرو وإن كان جملة فيقع بعد

الإثبات نفيًا وبعد النفي إثباتًا ومنه غاب زيد لكن عمرو حاضر قالوا إذ اتسق الكلام تعلق النفي بالإثبات وإلا كان مستأنفًا واتساقه بأن يصلح ما بعدها تداركًا لما قبلها وذلك بأمرين: 1 - الوصل لأنه ربما كان مغيرًا موجبًا لتوقف الصدر عليه فلا يعتبر إلا معه. 2 - أن لا يتخذ محل النفي والإثبات وإلا لتناقضا فإن احتمل اللفظ ما كان لي قط ولكن لعمرو فالنفي يحتمل تكذيب المقر لعمومه وردًا قراره ويحتمل تحويل القربة إلى عمرو وح لا يكون ردًا لا يقال الأمر الثاني للاتساق ليس فيه فإن التحويل مبني على القبول النافي للنفي العام فيتناقض السلب الكلي والايجاب في الجملة لأنا نقول لعم إذا لم يتوقف الصدر على الآخر أما إذا توقف يعمل بهما فتوجه النفي العام إلى حقيقة الملك والقبول يبتني على ظاهر اليد فيقبل صرف الملك إلى آخر، وقد يقال النفي في مثله لتأكيد الإثبات فيكون له حكم المؤكد لا حكم نفسه بل ويكون متأخرًا عنه حكمه، آخر قول المقضي له بدار بالبينة ما كانت في قط لكان لزيد باعني أو وهبني بعد القصاء فيعمل إذا وصل بالنفي والإثبات معًا للتغيير والتوقف ما بالإثبات فيكون الدار لزيد وإما بالنفي فلأن تكذيب الشهود يستلزم كون الملك للمقضي عليه فيكون متأخرًا عن النفي المقارن للإثبات لزيد فتكذيبه يتضمن قيمتها للمقضي عليه لأنه إقرار على نفسه ولتأخره عن الإثبات لا يبطل ملك زيد لأنه شهادة عليه فلا يسمع من واحد أما إذا فصل كان ردًا إلى المقضي عليه ثم شهادة عليه فلا تسمع كماذا صدق المقر له المقر في جميع ما قاله لأنه إذا صدق النفي العام اعترف ببطلان القضاء كالثاني والأول يدعيه فيكون له بخلاف المسألة الولي فإن الأولين متفقان على نفي الملك عن نفسهما فيكون للثالث. تتمة: ضمان هذه الدار قبل مبني على ضمان العقار بالغصب فكذا يقصر اليد وقيل: اتفاقي لأنه ضمان بالقول كسوم البيع والرهن والبيع الفاسد والرجوع وقيل: أتلفها بالإقرار لغيره والضمان به اتفاقي كبالشهادة الباطلة. مثال الثاني: لك علي ألف قرض فقال لا لكن غصب يحمل النفي المجمل على السبب أي ليس قرضًا ليتسق فإن إنفاقهما على وجوب الألف يقتضي تصحيحه ما أمكن وتكذيب المقر في البعض غير مبطل لإقراره مطلقًا بخلاف شهادة واحد بالغصب والآخر بالقرض فإن المدعي يكذب أحدهما في بعض الشهادة وذلك مبطل لها مطلقًا ومثله بعينه لك علي ألف ثمن هذه الجارية فقال هى لك ما بعتها لكن في عليك ألف أما إذ تزوجت الأمة بغير الأذن بمائة فقال المولى لا

أجيز النكاح ولكن أجيزه بمائتين أو إن زدتني خمسين يجعل فسخا لأن النفي ها هنا ليس مجملا بل معلقًا بأصله ومع نفيه لا يمكن إثباته بمائتين بخلاف قوله لا أجيزه مائة لكن بمائتين فإنه تدارك قدر المهر لا أصله وهذا لأن الظاهر من المولى الملتقى بالإنكار الفعل المتمرد عدم إجازة أصله كما هو ظاهر لفظه فلا يكون قوله ولكن أجيزه بمائتين دلالة من جهة المتكلم أن مراده نفيه مقيدًا بماله كما ظن لا سيما في مثل النكاح الذي لا يلتقي بنفي المهر ولا يكون كلامه لغوا أيضًا بل يكون جزاء بالأضرار بزيادة المهر وتوقيف غرضه إلى أن يقبلها. تتمة: لكن المشددة كالعاطفة في جميع هذه الأحكام، وأو لأحد ما زاد عليه أي لأحد الشيئين أو الأشياء بغير عينه فيقضي في الخبر إلى الشك أو التشكيك وفي الإنشاء ويسمى الابتداء، وقيل: نوع منه ليس فيستلزم إلى التخيير أو الإباحة أو التسوية أو نحو ذلك مما يقتضيه المقام أما الأول فلأن الشك ليس بمقصود في وضع الكلام الذي للإفهام لا أنه ليس بمقصود لمتكلم ما وفي وضع ما فجعله مقصودًا خلاف الأصل بل حاصل بسبب أن المتناول غير عين أما عند المتكلم وهو الشك أولًا عنده وهو التشكيك ولأن هذا مطرد غير مفض إلى الاشتراك بخلاف الشك وأما الثاني فلأن الإنشاء لا خارج له فلا يحتمل الشك ولعدم تصور الامتثال في غير العين ثبت التخيير وغيره ضرورة التمكن منه لكن فعلًا لا قولًا لعدم الضرورة فيه فقوله هذا حر وهذا يمنزلة أحدهما إخبار لغة حتى لو أشار بهما إلى عبد وحر كان إخبارًا قطعًا فينبغي أن لا يحتمل التخيير بل يجب بيان من اعتقه كما واعتق معينا ثم نسيه وإنشاء عرفا لخعل الحرية ثابتة سابقًا اقتضاء صحيحًا للمعنى اللغوي فأوجب التخير فلذا كان بيانه إنشاء من حيث أن الإنشاء الأول تناول نكرة فلم ينزل فشرط أهلية وصلاحية المحل حتى لو بين في الميت بعد موت أحدهما لم يصح وإظهار لما أخبر به من حيث خبرته أو كونه معرفة من حيث أنه لا يعدوهما فأجبر عليه فعمل بجهة الإنشاء في موضع التهمة وبجهة الإظهار في غيره رعاية مسائل الجامع والزيادات فيما طلق إحدى الأربع غير مدخول بهن فتزوج الخامسة أو أخت أحديهن بيانه في أخت المتزوجة معتبر لتمكنه من إنشاء الطلاق فيها ومدخولًا بهن لا لتهمة من جهة العدة وفيما قال لامرأتيه أحديكما طالق فخرجت أحديهما قبل البيان عن محليته بالموت تعينت الباقية فلو كنت عنيت الميتة صدق في بطلان ميراثه عنها لا في صرف الطلاق عن الباقية وفيمن تحته حرة وأمة مدخول بهما قال أحديكما طالق ثنتين فأعتقت

فمرض وبين في المعتقة لخرم غليظة لجهة الإظهار ويصيره فارًّا فترث هي لجهة الإنشاء وفيمن قال لعبديه المتفاوتين قيمة أحدكما حر فمرض فبيانه في كثير القيمة معتبر بجهة الإظهار ويعتق من جميع المال لأن كليهما لتردده بين العتق وعدمه صار كالمكاتب فلم يتعلق به حق الورثة فلا تهمة بخلاف مسألة الفرار. فروع: 1 - وكلت فلانا وفلانًا في البيع أو أحد هذين لا يصح قياسًا لجهالة المأمور ويصح استحسانًا لأن الوكالة متوسع فيها والجهالة مستدركة غير مفضية إلى النزاع فإن هما باعا صح فلم يشترط اجتماعهما بخلاف وهذا وليس بعد بيع أحدهما أن يبغ الآخر وإن عاد إلى ملك موكله أما بيع هذا وهذا فقيل لا قياس مق جهالة الموكل به دون جهالة الوكيل كجهالة المقرّ به والمقر له، والأصح أن هاهتا أيضًا قياسًا لأن التوكيل بالبيع كالبيع فلا تصح مع جهالة المبيع واستحسانا لأن الجهالة مستدركة والموكل قد يحتاج إلى هذا والتحيز لا يمنع الامتثال كما في الكفارة. 2 - دخول أو في الثمن أو الأجرة مفسد وكذا في المبيع أو المستأجر إلا أن يكون من له الخيار معلومًا في اثنين أو ثلاثة فيصح استحسانا عندنا خلافًا لزفر والشافعيّ وهو القياس للجهالة التي تعود على موضوع المعاملات بالنقض كما في الثمن وجهالة من له الخيار وما فوق الثلاثة، وجه الاستحسان: استبداد من له الخيار بالتعين فلا يقضي إلى المنازعة غير أنه لخطره يشبه القمار فتحمل في الثلاثة المشتملة على أوصاف الجودة والرداءة والتوسط كما تحمل في خيار الشرط إلى ثلاثة أيام إلحاقًا للمحل بالزمان والجامع الحاجة إلى التردي واندفاع الحاجة لما دونها وهذا الخيار في المبيع لا الثمن وهذا الخطر وإن كان في العقد فحكمه ثابت في النكرة وخطر خيار الشرط وإن لم يدخل العقد فحكمه ليس بثابت أصلًا فاستويا فجاز الإلحاق وعدم جوازه فيما فوق الثلاثة عندهما مع جواز خيار الشرط لأنه ثابت بالأثر على خلاف القياس فلم يمكن الإلحاق فيه ثم خيار التعين فيها يتناول العاقدين عند الكرخي كما في خيار الشرط وفي المجرد لا يجوز للبائع لأن الجواز لضرورة التردي في اختيار ما هو إلا رفق وهي مفقودة فيه لأنه كان له والإجارة كالبيع فيه كما في الخيارات الآخر. 3 - دخول أو في المهر يوجب تحكيم مهر المثل عند أبي حنيفة لجهالة التسمية وله موجب أصلى لا يجوز العدول عنه بالشك كالقيمة في البيع وأجر المثل في الإجارة مع أن

التسمية زيادة فيه لجواز النكاح قبلها فهي كأجر المثل في الإجارة الفاسدة وعندهما يوجب تخيير الزوج إذا كان مفيدًا بأن كان المالان مختلفين صفة أو جنسًا وإذ لم يفد مثل ألف أو ألفين حالة أو مؤجلة لزمه الأقل المتيقن إلا أن يتسامح أن النكاح لما لم يفتقر إلى التسمية اعتبرت التسمية فيه بالإقرار المفرد عن العوض وبالوصية وبدل الخلع والعتق والصلح عن القود كل منها بألف أو ألفين يلزم الأقل وبيان الإجمالي من المجمل قلنا ليس فيها موجب متعين لجوازها بغير عوض ولخيير المستحق أقطع للنزاع وأوفق للرضاء لا سيما عند شهادة الطاهر له. تتمة: فالأصل أن الموجب الأصلي عنده مهر المثل فلا يعتبر التسمية إلا إذا صحت من كل وجه وعندهما المسمى فلا يعدل عند إلا إذا فسد من كل وجه. 4 - أن الواجب في كدرة اليمبن والحلق وجزاء الصيد واحد منها يتعين باختياره فعلًا لا قولًا وإلا عاد على موضوعه بالنقض لكن على طريق الإباحة حتى إذا فعل الكل جاز وكان الواجب أعلاها ولو ترك الكل عوقب بأدناها ويسمى واجبًا مخيرًا (¬1) لا كما زعم المعتزلة وبعض العرقيين أن الكل واجبٌ بدلًا ويسقط بفعل أحدهما وجوبُ الباقي (¬2) فإن أرادوا الثواب والعقاب لواحد فالنزاع لفظى أو للجميع فالنزاع معنوي، وفي الميزان أنه مبني على أن التكليف يبتني على حقيقة العلم عندهم فبواحد لا بعينه تكليف العاجز وعندنا على سبب العلم كما على سبب القدرة وطريق العلم وهو الاختيار قائم. 5 - أوجب الحسن ومالك التحييز في كل نوع من أنواع قطع الطريق بين القتل والصلب والقطع (¬3) وحملوا {أَوْ يُنْفَوْا} (المائدة: من الآية 33) على معنى وينفوا بالقتل عملًا بحقيقة وكما في كفارة اليمين قلنا ذكر الأجزية الأربعة المتفاوتة خفة وغلظًا في مقابلة المحاربة المتنوعة عادة إلى الأربعة المتفاوتة كذلك أمارة العدول عنها إلى معنى التقسيم والتفصيل إما القضية مقابلة الجملة بالجملة وإما لأن أغلظ الجزاء عند أخف الجنايات وأخفه عند أغلظها لا يليق بالحكمة وإما لحديث جبريل حين نزل بالحد على أصحاب أبي بردة لفظهم على أناس يريدون الإِسلام "أن من قتل وأخذ المال صلب ومن ¬

_ (¬1) انظر/ إحكام الأحكام للأمدى (1/ 142)، المحصول لفخر الدين الرازى (1/ 273 - 274)،فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 66 - 69). (¬2) انظر/ إحكام الأحكام للأمدي (1/ 142)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 66 - 69). (¬3) انظر/ القوانين الفقهية لابن جوزي (1/ 238).

قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله كون خلاف ومن جاء مسلمًا هدم الإِسلام ما كان منه في الشرك (¬1) وفي رواية ومن (أخاف الطريق ولم يأخذ المال ولم يقتل نفي) (¬2) أي بالحبس الدائم ووجوب الصلب على كل من جماعة قتل بعضهم لا ينافيه لأن المراد بالحديث صرف كل حد إلى نوع من قطع الطريق لا إلى أشخاص أبي بردة لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب والمراد بإرادة تعلم أحكامه أو الحربي إذا هاجر لإرادة الإِسلام يصير كالرمي ولا جنايات في كفارة اليمين وغيره حتى قال أبو حنيفة رحمه الله إذا احتمل الجناية الوحدة أي صورة لما سيجيء والتعدد أي معنى خير الجزاء في الجزاء قولًا بكمال المقابلة من حيث الصورة والمعنى كما في قاطع اليد ثم القاتل عمدًا فمن أخذ المال وقتل خير الإِمام بين الأجزية الأربعة عنده (¬3) وعندهما بين القتل والصلب فقط (¬4) لأن الأدني يتدرج تحت الأعلى ولذا اندرج إلا خافه وجزاء أخذ المال ولقوله عليه السلام "ومن قتل وأخذ المال صلب" (¬5) قلنا بعد ما مر لم يتدرج بل قطع الرجل جزاؤها ولئن سلم أنه لغلظ الجناية بالمهاجرة فالإخافة لازمة لها وإلا لازم بين أخذ المال والقتل وفي الحديث روايات متعارضة فالتمسك يما فعله بالعرنيين حيث جمع بين القتل والقطع أو المقصود به بيان اختصاص هذه الحاله بالصلب فقط لا عكسه ولا ينافيه جواز لقطع معه فيها. 6 - هذا حر أو هذا لعبده ودابته باطل عندهما فلا حكم له أصلًا لأن غير المعين غير محل للعتق وقيل: يتعين بنيته كما في عبده مع عبد الغير لأنهما كقوله أنت حر أو لا وعنده يكون مجازًا عن المعين لأن خلفية المجاز في العبارة لا الحكم وهما تحتمل التعين حتى لزمه في العبدين ويعين يموت أحدهما أو بيعه والعمل بالمحتمل أولى من الإهدار فيلغو ذكر ضميمته كالوصية لحي وميت ما عبد الغير فمحمل العتق موقوفًا ولذا لا يتجزأ المضموم إليه. ¬

_ (¬1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (4/ 1455) ح (729)، والبيهقي في الكبرى (8/ 283)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 4) ح (29018)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 108). (¬2) أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 212). (¬3) فإن شاء قطع يده ورجله ثم قتله أو صلبه وإن شاء لم يقطعه وقتله أو صلبه انظر/ بدائع الصنائع للكاساني (7/ 93). (¬4) انظرا بدائع الصنائع للكاساني (7/ 93). (¬5) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (729)، والبيهقي في الكبرى (8/ 283)، والدارقطني في سننه (3/ 38)،وعبد الرزاق في مصنفه (16/ 117) ح (10172).

7 - خير الفراء في هذا حر وهذا وفي الطلاق بن الأول والأخرين ولا يعتق أحد حالًا لأنه بمنزلة هذا حر وهذان كما في قوله والله لا أكلم هذا أو هذا، وهذا حيث يحنث بكلام الأول وكلام الآخرين لا بكلام الثاني أو الثالث. قلنا: الواو للشركة فيما سيق له الكلام وذلك إيجاب العتق في أحدهما فيعطف الثالث على المعتق منهما فيعتق لا على المعين إذ لا حظ له في العتق فصار كأحدكما حر وهذا، وهذا قياس مسألة اليمين كقول زفر غير أن الإفادة نكارة أو في سياق النفي قدرنا نفيًا آخر فيما دخله أولًا الواو، فاقتضى العطف على المنفي بالنفي الثاني بمنزلة لا أكلم هذا ولا هذا، وهذا الذي هو في قوة ولا هذين والجمع في النفي يوجب الاتحاد في الحنث نحو لا أكلم هذا ولا هذا أي هذين كما يوجب التفريق الاختلاف نحو لا أكلم هذا ولا هذا أي كلا، وقيل: لأن خير الآخرين مثني، والواجب تقدير المفرد لأنه مثل المذكور بخلاف مسألة اليمين لجواز تعلق الفعل بالمفرد والمثني ولأن الثاني مغاير للأول فيتوقف عليه لا الثالث لأن الواو للتشريك المقرر فلا يتوقف التحيز عليه. ورد الأول: بجواز تقدير مفرد لكل من الأخيرين والثاني بأن التشريك لا ينافي التعبير كما في لا أكلم هذا وهذا إذ يجب جمع الأخيرين في الاختيارح ولا يكفي أحدهما فالاعتماد على الأول ولكن الجواب عن الأول بأن الظاهر عند تقدير الخبر لكل أن لا يجتمعا في أحد شقط التحيز وعن الثاني بأن مغير به الثالث يتوقف على عطفه على الثاني معينًا وفيه النزاع ففيه مصادرة بخلاف الثاني فإنه معطوف على الأول ومغير له قطعًا وإن ترجح التخريج الأول بما قالوا لو قال لفلان وفلان كان النصف الأخير وكان كمسألة التحرير إذ لا نكرة في سياق النفي ليعتبر في الثاني حكم بعطف الثالث عليه باعتباره، مع أن علي ألف يصح تعلقه بالمفرد والمتعدد كما في لفلان علي ألف ولفلانين. ذنابتان: الأولى أنها تستعمل في النفي وما في معناه لعمومه ما قبلها وما بعدها شبهة بالواو ولا عينه وقبل يستعار والأول أعم ولخقيقه إنها في النفي بمعنى الأحد مهموز الموضوع مبهمًا لا المعتل الذي هو لمبدأ العدد فإنه خاص ولذا صح إرداف نفيه بإثبات الاثنين كرجل دون الأول فلازم نفيه عمومًا ففط الملزوم حقيقة وفي اللازم مستعار مثاله في الخبر ما جاءني زيدًا وعمر وأي أحدهما ولا واحد منهما وفي الإنشاء {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كفُورًا} (الإنسان: من الآية 24) أي لا هذا ولا ذاك فيتمثل بأن لا يطعهما لا واحدًا منهما فقط وسره أن الأحد المبهم نكرة فتعم في سياق النفي لأن انتفاء غير العين

والانتهاء عنه بهما عن الجميع وقلنا لا عينه لأن أصلها لما كان عموم النفى كما في قوله تعالى {مَا لَمْ تَمَسوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (البقرة: من الآية 236) أي ما انتفى المجامعة وتقدير المهر فلا حاجة إلى أن يجعل يمعنى إلا كما فعله في الكشاف لم يعدل عنه إلى نفي العموم إلا لدليل كما ذهب إليه في الكشاف في قوله تعالى {يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آياتِ رَئكَ لا يَنْفَعُ نفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (الأنعام: من الآية 158) أن عدم النفع لمن لم يجمع بين الإيمان قبل أشراط الساعة وبين كسب الخير في الإيمان، ولم يحمل على عموم النفى أنه لمن لم يعمل لا الإيمان قبلها ولا كسب الخير فيه لأن نفي الإيمان يستلزم نفي كسب الخير فيه وجوابه من وجوه: 1 - أن المراد لا ينفع فيه الإيمان لمن لم يقدم ولا كسب الخير في إيمان ذلك اليوم لمن لم يقدمه ففيه لف استغنى عن ذكره بذكر النشر. 2 - أن المراد بكسب الخير الإخلاص أي لا ينفع الكافر إيمانه ولا المنافق اخلاصه. 3 - ولئن سلم فيكون كقوله {لا تَأخُذُهُ سنَةٌ وَلا نوْمٌ} (البقرة: من الآية 255) ويراد بنحوه المبالغة في نفي الشيء بنفيه ونفط ملَزومه ويسمى تدليا من وجه وترقيًا من آخر يقال الأمير لم يحضر البلد ولا أقام فيه وفيه إشارة إلى فائدة أخرى والله أعلم أنه لو كان قدم أحد الأمرين وهو الإيمان المجرد أو هو مع كسب الخبر لنفعه اما أصل الواو فتفى الجمع وهو نفي العموم فلا يعدل إلى عموم النفى إلا لدليل حالي كما حلف لا يرتكب الربا أو أكل مال اليتيم إذ اليمين للمنع وليس للاجتماع تأثير فيه أو مقالي كلا الزائدة نحو ما جاء في زيد ولا عمرو فلو حلف لا يكلم هذا ولا هذا كان لعموم النفى فلو كلم أحدهما يحنث إلا مرة لأن هناك الحرمة واحد وفي هذا وهذا العموم فلو كلم أحدهما لم يحنث فيجعل المؤثر في المنع الاحتمال رعاية لأصل الواو إلا أن يعلم خلافه كما في ولا هذا فأو هنا بمعنى الواو مع لا، ثم مما في معنى النفى الإباحة لأنها رفع الخطر نحو أجالس الفقهاء أو المحدثين ويتميز عن التخيير بوجوه: 1 - جواز الجمع فيها دونه ولذا أصله أن يقع في الإثبات نحو والله لأدخلن هذه الدار أو هذه فأيهما دخل بر وإن لم يدخلهما حنث بخلاف لا أدخل هذه أو هذه فالبر بأن لا يدخلهما والحنث بدخول أيهما كان والأ في بجميع خصال الكفارة كداخل الدارين بعد ما حلف ليدخلن هذه أو هذه فيتمثل بأحديهما وجواز غيرها بالاباحة الأصلية حتى لم يجز الجمع أصلًا في نحو بيع هذا العبد أو ذاك وطلق هذه المرأة أو تلك.

2 - أن يتقدم عليها القرائن المجوزة للجمع كرفع الحظر في لا أكلم إلا فلانًا أو فلانًا وكذا برئ فلان من كل حق في قبله إلا دراهم أو دنانير له أن يدعي المالين جميعًا لأنه بعد رفع حظر الدعوى وكذا لا أقربكن إلا فلانة أو فلانة فليس بمول منهما فلا تبيان بمضي المدة بخلاف لا أقرب هذه أو هذه أربعة أشهر فبمضي المدة بانتا جميعًا وإنما كان في لا أقرب أحديكما موليًا من أحديهما فقط فبمضي المدة تبين أحديهما والخيار إليه مع أنه معنى أو كما في هذه طالق أو هذه لأن إحدى لا كاحد المهموز بل كالمعتل خاصة صيغة ومعنى ولذا لا يدخلها كل ولا يوصل بمن التبعيضية فصار كالمعرفة فلم يشمل على إبهام التعميم بالنفى وكوجود الصفة المرغوبة في كل كمثال المجالسة بخلاف جالس الصلحاء أو الصلحاء وكأظهر السماحة في خذ من مالي هذا أو هذا فالتخيير حيث لم يكن شيء من هذه. 3 - جواز وقوع الواو موقع أو معها دونه نحو جالس الفقهاء والمحدثين ومنه بكل قليل أو كثير في البيع أو الوقف أو الشفعة أو كتاب الشروط فإنه لإباحة التصرف إذ لولاه لم يدخل مثل الشرب والطريق فيوجب العموم ولأن الإباحة في ضمن عقد لازم تلزم ولأنه للمبالغة في إسقاط حق البايع حتى قيل يدخل الثمر والزرع بل وأمتعة الدار إن قال فيها وهذا داخل فيها أو خارج وهذا الواو فيهما وفرق الطحاوي بوجوب كل في كل من لفظي الثانية وإلا كان المبيع منعوتًا ولا يتصور بخلاف الأولى فإن القليل داخل في الكثير وأجيب بأن امتناع اجتماع الوصفين اقتضى تقدير منعوت آخر كما في جاء زيد وعمرو والثاني أن تستعمل كمعنى حتى أو إلى أو إلا وذلك إذا امتنع العطف معنى أو لفظًا أما معنى فنحو لألزمنك ولا أفارقك أو تعطني حقي فإن المقصود وهو أن اللزوم لأجل الإعطاء لا يحصل مع العطف فسقطت حقيقته واستعير لما يحتمله وهو الغاية أو الاستثناء لأن تناول أحد المذكورين يقتضى تناهي احتمال كل منهما وارتفاعه لوجود صاحبه ويحتمله الكلام لاحتمال صدره الامتداد وشمول الأوقات فوجب إضمار أن للجار أو ليكون المستثنى مصدرًا منزلًا منزلة الوقت المخرج عن الأوقات المشمولة لصدره ومنه (تحاول ملكًا وتموت فنعذرا) وأما لفظًا فكقوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (آل عمران: من الآية 128) شىء أو ينوب عليهم على أحد الأقاويل فقد قيل بالعطف على ليقطع أو على الأمر أو شىء بتقدير أن فإن تحريم أن يدعو عليهم بالهلاك يحتمل الامتداد.

فرع: لو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الأخرى بالنصب فإن دخل أولًا الأولى حنث أو الثانية (¬1) بر لتعذر عطف المنصوب على المرفوع والمصدر على الفعل حتى إن رفع فإن عطف على المنفى وجب شمول العدم وحنث بدخول أيهما كما في والله لا أدخل هذه أو لا أدخل هذه قال أبو بكر البلخي: وذا واجب حتى لو قال والله أفعل لم يحنث بالترك إذ المثبت من جواب القسم يجب تأكيده بتصدير اللام وتعجيز النون وإن عف على النفي، قال محمَّد رحمه الله ونوى التخيير فذهب الزعفراني وعامة المشايخ أنه يريد التخيير بين النفي والإثبات وأبو بكر البلخي على أنه بين النفين كما مر لوجوب إضمار لا فعلي الأول وجب عدم دخول الأولى أو دخول الثانية وحنث بدخول الأولى دون الثانية ليس إلا وإلما جاز النصب لاحتمال الكلام ضرب الغاية بخلاف ما قال والله لا أدخل هذه أبدًا ولأدخلن هذه الأخرى اليوم قال المؤبد لا يغني بالموقت فموجبه تخيير نفسه في التزام الكفارة بإحدى اليميني فالحنث في الأولى بالدخول مطلقًا وفي الثانية بتركه اليوم فإذا حنث في الأولى بالدخول بطلت الثانية كما في قوله أنت طالق إن دخلت هذه أو لم أدخل هذه اليوم وإن لم يدخل الدار الأولى فإن دخل الأخرى اليوم برَّ في الثانية وبطلت الأولى لاختياره يمين الإثبات، وإن لم يدخلها في اليوم حنث في الثانية وبطلت الأولى (وحتى) بين الأسماء للغاية والأصل كما لها كسائر الحقائق وهو بعدم العطف والدخول كإلى (¬2) سواءكان جزءًا ينتس المذكور به كمسالة السمكة أولا وينتس عنده كمسألة البارحة ومنه قوله تعالى {حَتَّى مَطْلَع الْفَجْرِ} (القدر: من الآية هـ) وهو قول ابن جنى ومختار الصفار وفخر الإِسلام وقال عبد القاهر وتبعه جار الله بالدخول مطلقًا والمبرد والفراء والسيرافي بالدخول إن كان جزءًا وإلا فلا، ثم قد تستعار للعطف والدخول معها بجامع الاتصال والترتيب فيجب أمران: 1 - أن يكون الحكم السابق مما ينقضي شيئًا فشيئا حتى ينتهي إلى المعطوف الذي هو الطرف الأفضل أو الأرذل لكن بحسب اعتبار الترقي أو التدلى لا بحسب الوجود فقد يتقدم فيه نحو مات كل أب في حتى آدم وقد يتوسط نحو مات الناس حتى الأنبياء وقد يتأخر نحو قدم الحاج حتى المشاة وقد يحتملها نحو استنّت الفصال حتى القرعى. 2 - أن يكون ما بعدها جزءًا مما قبلها وهذا مقتضى الأمر الأول لا كونها عاطفة ¬

_ (¬1) انظر/ البحر الرائق (4/ 332). (¬2) انظر/ مغني اللبيب (1/ 111).

فالأصل في العطف المباينة كما في سائر العواطف نحو جاءني زيد وعمرو ولذا ذكر ابن يعيمق ويمتنع حتى عمرو فبقوله اعتقت غلماني أو إمائي حتى سالمًا أو سالمًا حتى مباركًا لم يعتق مدخولها وكذا الجر في الثالث إذ لا يصلح غاية بخلاف إلى في الكل لمجيئه بمعنى نحو {وَلا تَاكلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النساء: من الآية 2) ثم قد تكون استئنافية معها فيدخل على مبتدأ مذكور الخبر نحو (وحتى الجياد ما يقدن بأرسان) أو مقدرة من جنسه كرفع السمكة، وإما بين الأفعال صورة فإن احتمل الصدر الامتداد بنفسه أو بتجدد أمثاله والآخر منهيًا له وعلامة لانتهائه فللغاية بمعنى إلى بإضمار أن أو الاستئنافية نحو {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزيةَ} (التوبة: من الآية 29) و {حَتَّى تَسْتَأنِسُوا} (النور: من الآية 27) و {حَتَّى تَغْتَسلُوا} (النساء: من الآية 43) وخرجت النساء حتى خرجت هند وإلا فإن صلح الصدر سبب للآخر فللسببية بمعنى كى نحو {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فتْنَة} (الأنفال: من الآية 39) إن فسر الفتنة بالقتال إذ ليس عدم الفتنة منهيًا فإن القتالَ واجب وإن لم يبدؤنا به أما إن فسرت بالشرك على ما يؤيده قوله تعالى {وَيَكُونَ الدَّينُ كُفهُ لِلَّهِ} (الأنفال: من الآية 39) فغائية وقوله تعالى {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (البقرة: من الآية 214) بالنصب يحتمل الغاية أي بلغ بهم الضمير إلى أن يقولوا ذلك تمنيا له واستطالة للشدة وسرد الغاية كونها علم الانتهاء لا التأثير ويحتمل السببية وبالرفع استيفائية غائية أي هو يقول وإن تعذر السببية أيضًا فللعطف المحض الخالص عن الغاية والمجازاة. ذنابة: شرط البرّ في الغاية وجودها إذ لا انتهاء بدونها، وفي السببية وجود ما يصلح سببًا إذ وجود الغرض مقصود ثانيًا في الظاهر وفي العطف وجود المعطوفين. فروع: مثال الغاية عبدي حر إن لم أضربك أو تشكي يدي أو يشفع فلان أو تدخل الليلة وكذا إن ضربتك حمى توذيني فإن مدخولاتها دلالات الإقلاع عن الضرب الممتد بتجدد الأمثال وعدمه الممتد بحقيقة فإذا أقلع قبلها حنث ولم يعتبر العود إليه لأن الحامل غيظ لحقه حالًا فيتقيد بأول الوهلة عرفًا ولذا إذا غلب عرف يترك به الحقيقة فإن لم أضربك حتى أقتلك أو حتى لقوت على الضرب الشديد وإلا لا يذكر الضرب عادة بخلاف حتى يغشى عليك فإن الضرب إلى تلك الغاية معتاد، مثال السببية أن لم يخبر فلانًا بما صنعت حتى يضربك فلا امتداد للصدر ولذا لا يصح ضرب المدة وإن لم أضربك حتى تضربني أو تشتمني فلا يصح الآخر منهيًا بل داع إلى زيادته، وإن لم آتك حتى تعذبني لعدمها والسببية قائمة في الكل فيفعل السبب بر أو مثال العطف المحض إن لم

القسم الثاني في حروف الجر (الباء)

آتك حتى أتغذى عندك أي إن لم يكن مني إتيان فتغذَّ لأن التغذي بغذاء القبر عند الإباحة إحسان بالحديث فلا يصلح منهيًا وهذا إن لم تأتني حتى تغذيني وإن آتك حتى أغذيك ولا سببًا لأن فعله لا يصلح جزاء لفعل نفسه، قيل: أي على سبيل الشكر لا على سبيل الزجر والخبر ككفارة قتل الصيد وضمان المتلفات وسجدة السهو ورد بأن اعتبار الشكر غير لازم كما في أسلمت حتى أدخل الجنة ببناء الفاعل ولو أريد بالمجازاة المكافأة بالمواساة لم يرد هذا أيضًا ولكن ينافيه المثالان الأولان للسببية وقد ذكروهما، فالمثال القائل أن لم تخبر فلانًا بإحسانك إليه حتى تشكر له أو حتى يكفر لك فإنه لا غاية لعدم الامتداد ولا سببية إذ لا يصلح خبر الإحسان سببًا لشكر نفسه ولا لكفران الغير فحكمه أن وقت بنحو اليوم فشرط البر وجود الفعلين فيه كانا مقارنين أو مع التراخي إلا إذا عني الفور وشرط الحنث عدم أحدهما فيه وإن لم يوقت ففط العمر بالاتصال أو التراخي إذ لم ينو الفور وقيل: شرط البر وجود الثاني غير متراخ عن مجلس الأول وعليه يحمل قول من قال إذا أتاه فلم يتغذ ثم تغذي غير متراخ فقد برّ ولا ثبت له بل محمله عندي التنبيه على عدم وجوب الوصل الحسي وجواز التأخير بقدر لا يعد تراخيًا عرفًا وحمله على طغيان القلم بسقوط لفظ اليوم بعيد وعلى عدم التراخي عن الاتيان وقتًا آخر أبعد وهذه استعارة بديعة اقترحها محمَّد وهو مما يحتج أئمة اللغة بقوله مع أن نقل العلاقة كاف في الصحيح ولا تحجير للواسع فالقول ما قالت حذام لا ما قاله ابن يعيش فيجوز جاءني زيد حتى عمرو وإن لم يسمع فإذا جازت الاستعارة للعطف فقيل للواو وعليه العتابي وإلا صح للفاء لأن مجانسة الغاية للتعقيب أكثر. القسم الثاني في حروف الجر (الباء) للإلصاق وهو إيصال الشيء بالشيء بدلالة التنصيص والاستعمال حتى قالوا لا يخدم معنى ما له كالاستعانة عنه وهو يقتضي الملصق أولًا لأنه المقصود والملصق به ثانيًا لأنه كالألة تبع وخصوصًا في باء الاستعانة وصحبت الأثمان التي هي وسائل المقاصد المنتفع بها ولذا جاز البيع بلا ملك ممن لا يبيع فشراء العبد بكر من حنطة موصوفة منعقد يوجب الكر حالًا ويصح استبدالها وشرائها بهذا العبد سلم فيعتبر شرائطه من القبض والتأجيل ولا يصح استبداله. فر وع: 1 - إن أخبر تني بقدوم فلان يقع على الصدق لأن القدوم فعل لا يصح مفعولا للتكلم

الثاني بنفسه ولا سيما إذا صحبته الباء فالأصل أن لا يزاد بلا ضرورة كما في أخبرني بهذا الخبر زيد فاقتضى حذف الملصق كبسم الله أي بدأت شيئًا ملصقا به فمعناه إن أخبرتنى الخبر ملصقا بذلك الفعل الموجود بخلاف إن أخبرتنى أن فلانا قدم لأنه يصح مفعولًا بلا إضمار الباء المحوج إلى إضمار آخر وإن شاع فإنه خلاف الأصل كالتعدية بالحرف مع صحة التعدية بدونه فالمعنى إن أخبرتنى هذا الخبر فهو من حيث أنه خبر تكلم بالقدوم لا عينه والتكلم دليل الوجود لا موجبة فيحتمل الصدق والكذب إما مساواة إن أعلمتنى بقدومه وأنه قدم في افتضاء الصدق فبناء على أن العلم اسم الحق والخبر وإن كان علمًا في اللغة ومنه الاختبار للامتحان لكن الخبر جعل عرفا لما يصلح دليلًا على المعرفة ولذا يوصف بالكذب لا العلم ولا يرد إن كنت تحبيني بقلبك فقالت كاذبة أحبك حيث تطلق إلا عند محمَّد وإن لم يلتصق بقلبها لأن اللسان جعل خلف القلب لخفاء المحبة بخلاف القدوم. 2 - أنت طالق في بمشيئة الله أو بإرادته أو برضاه أو بمحبته جعل بمعنى الشرط لأن الإلصاق لعدم لخققه بدون الملصق به يفضي إلى معناه فلا يقع بها (¬1) وإن أضيفت إلى العبد كان تمليكا فيقتصر على مجلس العلم ولم يجعل للسببية حتى يقع كانت طالق بمشيئة الله أو لمشيئة فلان إذ التعليل محقق لأن الإلصاق يستدعي ترتب الملصق على الملصق به في الزمان وهو موجود بين الشرط والمشروط دون العلة والمعروف لتقارنهما زمانًا إما بأمره وحكمه وإذنه وقضائه وقدرته وعلمه فيراد به عرفًا تحقيق الإيقاع لا معنى الشرط لأن الإلصاق به لا يفيد التخيير كالأربعة السابقة بل التخيير عرفًا فيقع حالًا أضيفت إلى الله تعالى أو إلى العبد بخلاف الاشتمال فيها لما سيجيء، قيل مشيئة العبد أمارة مشيئة الله تعالى لقوله تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ} (الإنسان: من الآية 30) الآية فتوقف عليها بها فيقع وليس بشيء وإلا لوقع في قوله إن شاء الله والحل إن معناه إلى أن يشاء الله مشيتكم لا مشئكم والشرط هو الثانية. 3 - قال في المحصول: الباء إذا دخل على متعد بنفسه نحو {وَامْسَحًوا بِرُؤُوسِكُمْ} (المائدة: من الآية 6) صار التبعيض للفرق الضروري بين مسحت المنديل وبالمنديل في إفادة الأول الشمول والثاني التبعيض فيجب أدلق ما يتناوله الرأس وهو شعرة أو شعرتان، وقال مالك الباء زائدة نحو (تنبت بالدهن) على وجه كما في {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} ¬

_ (¬1) فلا تطلق. انظر/ الدر المختار (3/ 373).

(البقرة: من الآية 195) فوجب مسح الكل، قلنا الأول لا نقل له لغة وفيه الترادف مع من والاشتراك مع الإلصاق وكلاهما خلاف الأصل. والثاني إلغاء الحقيقة بلا دليل بل الأصل أن باقط الإلصاق إذا دخل الآلة اقتضى استيعاب محله نحو مسحت الحائط بيدي لإضافته إلى جملة ما وقع مقصودًا والآلة يكفى منها ما يحصل به المقصود وإن دخل المحل تشبيهًا له بالآلة إذ هي حرفها لا لأنه جعل وسيلة فاكتفى فيه بقدر ما يحصل به المقصود نحو مسحت يدي بالحائط يريد وضع الآلة عليه فقط فالتقى قول مالك رحمه الله ثم لو اقتضى الاستيعاب لاقتضاه في الآلة ولما لم يقتض وضع الآلة استيعابها عادة إذ لا عادة في إيصال ظهر اليد وفرج الأصابع اكتفى بالأكثر الحاكي للكل حكمًا ففرض عن هذا التبعيض لا مطلقا بل مقدرًا فصار مجملا وهذا أولى من أن يثبت إجماله بالقياس على سائر الأعضاء المفروض فيها بعض مقدر إذ لو فرض مطلق البعض لكان الزائد على مقدار المقدر فرضا كالزائد على الآيات الثلاث في القراءة ولتأدي الفرض في ضمن غسل الوجه لحصوله وليس كذا إجماعًا، وجه الأولوية ضعف إثبات الإجمال بالقياس وكون عدم التادي بغسل الوجه لفرضية الترتيب عنده وإذ لا يلزم من التقييد من وجه التقييد من كل وجه فلعله مطلق في الزائد على الحاصل مع غسل الوجه وربما يقال المسح إمرار اليد وإصابة شعرة أو شعرتين لا تسمى إمرارًا وكان مجملا بينه الحديث بقدر الناصية وهو الربع فانتقى قول الشافعية والاستيعاب في التيمم إن صح فقد قيل لا يجب مسح منابت الشعور الخفيفة بالتراب في الوجه كاللحية الخفيفة اتفاقا فثابت بالسنة المشهورة أو بدلالة الكتاب لأنه خلف عن المستوعب ولأن المسح بالصعيد في العضوين قائم وقام الوظائف الأربع تصنفت تخفيفا وكل تنصيق يقتضي بقاء الباقي على ما كان كصلاة المسافر وعدة الإماء وحدود العبيد والصلح أو الإبراء عن عشرة على خمسة على أن مسح الأكثر يكتفي به في رواية الحسن قياسا على مسح الخف والرأس. 4 - يشترط في أن خرجت إلا بإذني الإذن لكل خرجه لأن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفى كان خرجت إلا بقناع إذ اليمين فيه للمنع فالمعنى لا تخرجي خروجا إلا ملصقا بإذني فعما المستثني حسب عموم صفته بخلاف إلا أن آذن لك فإذ لم يصح مستثني بنفسه عن الخروج بل إما بتقدير الباء المحوج إلا تقدير المتعلق وتقدير الموصوف المستثني وتقدير المستثني منه العام مع أن إلا خروجا أن آذن كلام محتل لا يعرف له استعمال بخلاف إلا خروجًا بإذني أو بتنزبل المصدر منزلة الوقت المحوج إلى

تقدير المستثنى منه العام وفي كل منهما كما ترى خلاف الأصل متضاعف فاكتفى بواحد وجعل مجازًا عن الغاية فإن الاستثناء يناسبها في انتهاء الحكم السابق على أن خروجها مرة أخرى بلا إذن إذا لزم منه الحنث على بعض التقادير دون بعض لا يحنث بالشك واحتج الفراء في جعله مستثني بتقدير الباء بقوله تعالى {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (الأحزاب: من الآية 53) وقد كان تكرار الإذن شرطًا وفيه عمل بحقيقة الاستثناء قلنا معارض بقوله تعالى {إِلا أَنْ تُغْمضُوا فِيه} (البقرة: من الآية 267) و {إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} (يوسف: من الآية 66) الاَ أن يحاطَ بكم فمعناهما الغاية ثم التكرار ثمة ليس من إلا أن كيف ولو كان مكانه حتى لكان كذا نحو {حَتَّى تَستَأنِسُوا} (النور: من الآية 27) بل بقوله {إِن ذَلِكُمْ كَانَ يُوذِي النَّبِيَّ} (الأحزاب: من الآية 53) وبالعقل ومر ترجيح المجاز. تتمة: أن نوى في إلا أن إلا بأذني صحت ديانة وقضاء لأنه محتمل فيه التشديد وفي عكسه ديانة فقط إذ فيه التخفيف. وعلى للاستعلاء صورة ومعنى نحو تأمر علينا ولأن الواجب مستغل عن من عليه كما يقال ركبه دين يستعمل للوجوب وضعًا شرعيًا حتى لفلان على ألف دين قطعًا إلا أن تصل إليه وديعة فتحمل على وجوب الحفظ ترجيحًا للمحتمل على الموجب بالمحكم ثم لأن الجزاء لازم للشرط لزوم الواجب لمن عليه يستعمل في الشرط نحو {يبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا} (الممتحنة: من الآية 12) وكون على صلة المبايعة لا ينافي شرطية مدخوله للمبَايعة لتوقفها عليه ثم لما بين العوض والمعوض من اللزوم في الوجوب يستعمل في العوض أيضًا كالباء غيو أن المشروط لتوقفه على الشرط يتعقبه تعقب اللازم للملزوم بخلاف العوضين فبينهما مقابلة ومقارنة فكان للشرط بمنزلة الحقيقة عنده فلم يحمل على معنى الباء إلا إذا تعذر كما في المعاوضات المحضة أي الخالية عن الإسقاط كالبيع والإجارة والنكاح فإنها لا تحتمل التعليق بالخطر لئلا يلزم مغني القمار فيحمل على العوض تصحيحًا بقدر الإمكان أما إذا لم يتعذر كما في الطلاق فللشرط عنده فمن قالت له طلقني ثلاثًا على ألف إذا طلقها واحدة لا يجب شيء وكان رجعيًا عنده لأن أجزاء الشرط لا تتوزع على أجزاء المشروط ففي قوله إن دخلت هذه وهذه فأنت طالق ثنتين تعلقتا بدخولهما ولا يقع واحدة بدخول أحديهما إذ بينهما معاقبة فلو انقسم تقدم جزء من المشروط على الشرط بخلاف العوضين إذ بينهما مقارنة فلا محذور في الانقسام، وتنويره أن لزوم الكل للكل كمجموع مستوى القامة الضحاك للإنسان لا يقتض لزوم

جزئه لجزئه كمجرد مستوى القامة أو الضحاك للحيوان أو الجسم وعندهما يجب ثلث الألف وكان باينًا كما لو قالت بألف درهم لأن الطلاق على مال معاوضة منها إذ لها الرجوع قبل كلامه وقد صدر منها فيحمل عليها بدلالة الحال كما في احمل الطعام على ألف وقولها طلقنى وضرتي على ألف وطلقها وحدها لزمها قدر ما يخصها منه كألف. قلنا: الأصل في نحو الطلاق جانبه بتمامه منه وهو من جانبه يمين قابل للتعليق حتى ليس له الرجوع قبل كلامها إذا ابتدأ ولا يقتصر على مجلسه فيحمل عليه ولا يعدل عنه بلا موجب ودخول المال وإن حصل معنى المعاوضة لم يمنع عن صحة التعليق نحو إن قدم فلان فأنت طالق على ألف فالصادر منها إما طلب تعليق الثلاث بالمال أو تعليق التزام المال وأيا كان إذا خالف لم يجب شيء بخلاف المعاوضات الغير القابلة للتعليق ومسألة الضرة إذا الغرض من ضمها نقض البدل على نفسها لو طلقها وحدها إذ لا مائدة لها في طلاق الضرة بعد طلاقها فحمل على المقابلة بدلالة حالها، وينصر قوله مسألة الموادعة من السير وهي أن مسلمًا إذا وادع أهل الحرب سنة على ألف فإن رأى الإِمام أبطالها رد الألف وقاتل وإن مضى نصف السنة ثم رأى يرد نصفه قياسًا على الإجارة بعوض معلوم وكله استحسانًا لأن على الشرط أن يسلم لهم الموادعة في جميع المدة فلا يتوزع المشروط على أجزائه وليست الموادعة في الأصل من المعاوضات بخلاف الإجارة وإن وادعهم ثلاث سنين كل سنة بألف وقبض كل ثم رأى الأبطال بعد سنة يرد الألفين لأن الباء للعوض المنقسم باعتبار الأجزاء. (ومن) للتبعيض مع ابتداء الغاية (¬1) أي في العرف الغالب الفقهي وسيجيء تحقيقه في بحث العام مع بعض أمثلته فلا ينافيه مجيئه لابتداء الغاية أي المسافة في خرجت من الكوفة ولا أصالته في العرف اللغوي والبيان في لفلان عشرة من فضة وبمعنى الباء في {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} (الرعد: من الآية 11) وصلة في {لِيَغْفرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ} (إبراهيم: من الآية 10) فينا بقوله {إِن الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (الزمر: من الَآية 53) إن الله يغفر الذنوب جميعًا لا في أمة نوح وفي المغفرة معنى عدم المؤاخذة وفي جاءني من أحد وديار لا من رجل على ما سيجيء قال في المحصول أصلها التمييز لوجوده في الكل وقيل: التبين لذلك وفيهما بحث إذ لو أريد تمييزها أو تبيين ما فحاصل في كل كلمة ولو أريد مصطلح النحو فشمولهما ممنوع، وإنما يحمل على الصلة إذا تعذر حقيقة ومجازاة إذ الأعمال أولى من الإهمال قيل وإذا احتاج الكلام ليفيد فائدة ما ¬

_ (¬1) انظر/ أصول السرخسى (1/ 222)، التقرير والتحبير (2/ 5)، الفصل في الفصول للجصاص (1/ 94).

كقولنا اخلعنى على باقي يدي من الدراهم أو من دراهم وفي يدها درهم أو درهمان ولزمها ثلاثة (¬1) لأن من صلة أي ليست تبعيضية وإلا لما اختل الكلام بدونها بخلاف قوله إن كان ما في يدي من الدراهم إلا ثلاثة أو غيرها أو سواها فجميعها صدقة فإذا هي أربعة أو خمسة بصدق بكلها لأن الواحد والاثنين بعضها بخلاف إن كان ما في يدي دراهم إلا ثلاثة والمسألة بحالها فلا شيء عليه لأن ما دون الثلاثة ليست دراهم، وأورد بأن عدم اختلال الكلام أمارة الصلة وغمارتها إخلاله وبأن من في الأولى نيابة لأصله لأنها الزائدة بل وفي المسألتين، وجوابه أن الصلة قد يراد بها البيانية المحضة لأنها زائدة من حيث المعنى وهي المرادة هنا وإمارتها الاختلال وعدمه أمارة الصلة اللفظية نعم لو أورد بأن الدراهم يتناول الواحد فلا يجب ثلاثة لأجيب بأن ذلك في لام الجنس وهذا للعهد وما في المسألة الأولى فليست بيانية محطة لإفادتها التبعيض والألم يكن لذكرها فائدة بخلاف الثانية، وإلى الانتهاء الغاية أي المسافة ولذا يدخل في النهايات وأنه إذا دخل الأزمنة قد يكون للتوقيت، أي لانتهاء الثبوت المنجز إليها ولولاها لثبت بعدها أَن قبله المنيا كآجال الأيمان نحو لا أكلم فلانًا إلى شهر والإجارة نحو آجرت داري إِلى شهر بكذا ومنه أجل الخيار وقد يكون للتأخير والتأجيل وهو لا يثبت مع موجبه إلا بعادها ولولاها لثبت حالًا كالبيع إلى شهر فإنه لتأخير المطالبة والبيع موجبها وإخراجه من غاية التأخير ليس بشيء إذ التأخير للمطالبة ولا ينفع في ذلك تعليقه بمحذوف هذا إذا لم يحتمل الصدر إلا أحدهما فإن احتملها نحو أنت طالق إلى شهر فإن نوى التأقيت أو التأخير فذاك غير أن التأقيت لغو والتأخير تقبله الطلاق نحو أنت طالق غدًا وإلا فللتأقيت عند زفر وأبي يوسف رحمه الله في رواية لأن التأجيل صفة موجود كتأجيل الديون قلنا بل للتأخير فيما يقبله ولا يقبل التوقيت بعد الثبوت ويؤدي إلى الإلغاء كوقوع الطلاق فيصرف الأجل إلى الإيقاع احترازًا عن الإلغاء بخلاف الديون فإن ثبوتها لا يقبل التأجيل فانصرف إلى المطالبة وتحقيقه أن تأجيل الديون إما لثبوتها فليس وإما لمطالبتها فتأخير فلا قياس إما آجال الأيمان والإجارة فلقبولها التأقيت (أصل آخر) في دخول الغاية تحت المغيا وعدمه إن تناول صدر الكلام لها دخلت وأفادت إسقاط ما وراءها إن كان لا إنها غاية الإسقاط الغير المذكور كما ظن وذلك لأن الشك في الخروج ح فلا ينبت سواءكانت قائمة بنفسها أي غاية بحسب الوجود قبل التكلم كرأس السمكة أولًا أي غاية بحسب التكلم وفي الوجود اتصال ¬

_ (¬1) انظر الجامع الصغير (1/ 216)، البحر الرائق (2/ 261).

كالغابات الزمانية لما يصلح وقوعه نحو {إِلَى الْمَرَافِقِ} (المائدة: من الآية 6) فإن اليد مما يتناول إلى الإبط كما فهم الصحابة رضي الله عنهم في التيمم وإن لم يتناولها لم تدخل وأفادت مد الحكم للشك في الدخول قائمة بنفسها كانت كحائط البستان أولًا نحو {أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى الليلِ} (البقرة: من الآية 187) فلا يصح الوصال لأن المراد الصوم الشرعي فرضًا كان وهو ظاهر أو نفلًا لعدم القائل بالفضل ومسألة الصباح للبارحة فإخراج القائمة بنفسها عن التفصيل لا تحصيل له إما نفل فمن أصول فخر الإِسلام وغيره وإما عقلًا فلأن كون الشك في الدخول أو الخروج يشملهما لعدم الفصل كمسألة السمك والقول بخروج رأسها مخالفة للجمهور ولا ينتقض الثالثة بقوله {إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} (الإسراء: من الآية 1) فإن مطلق الإسراء لا يتناوله لأن دخوله عليه السلام ثبت الأحاديث لا بموجب إلى وقولنا قرأت الكتاب إلى آخره كمسالة السمك وإلى باب القياس إن أريد عدم قراءته فمعدول به عن الأولى بقرينة التحسر في ذكر الغاية أو الافتخار بذكر المُغَيَّا لأن مقامه يقتضي عده من المغيا لو قرئ وهذا تحقيق لما وضع له مجموع القيد والمقيد وضعًا نوعيا باعتبار معاني مفردية وذا جار في كل مركب لأنه اعتبار كل منهما منفردًا فلا وجه لبحث القاضي الإِمام ومناسب لمذهب أكثر النحاة في تجويز الدخول والخروج بالقرائن وهو مراد من عبر عنه بالدخول عند تناول الصدور بالخروج عند عدمه فإنهما من القرائن الكلية المحتاج مخالفتهما إلى دليل بل ومن عبر عنه الاشتراك إذ المراد الاشتراك العرفي في الاستعمال وهو الحق لا الدخول فقط ولا الخروج فقط. فروع: لا تدخل آجال الديون والإجارة لأن الترفيه وتمليك المنفعة يوجب أدنى ما يتناوله فهي لمد الحكم ولذا وجب تعيينها لرفع النزاع وكذا أجل البيع اتفاقًا في الثلاثة بخلاف غاية الخيار عنده لأن مقتضى الخيار التأييد ولذا يفسد العقد ويعود صحيحا بإسقاط في الثلاث عنده ولي أي مدة عندهما فهي لإسقاط ما وراءها وكذا آجال الأمان نحو لا يكلمه إلى رجب في رواية الحسن إما في ظاهر الرواية لأن الأصل عدم جرمة الكلام وعدم وجوب الكفارة فلا يجبان بالشك فاعتبرت غايات للمنفي كما مر نظائره في إن لم أضربك حتى تصيح أو تشتكي فكانت لمد الحكم لا لإسقاط ما وراءها وعندهما يجب خروجها فيها إذ هو الأصل لأن شأن الغاية أن ينتهى الحكم عندها إلا لدليل كدخول المرافق بحديث تعليم الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به وكدخولهما في لفلان من دراهم إلى عشرة وأنت طالق من واحدة إلى ثلاث للعرف ودلالة الحال ولذا

تحير زفر في جواب إيراد الأصمعي قول رجل حين سئل عن سنه ما بين ستين إلى سبعبن هل يكون ابن تسع حيث أخرجهما زفر عملا بأصل الغاية إلى أبي حنيفة يدخل الأولى فقط ضرورة أنه تحقيق لما يترتب تحققه على تحقق المبدأ سواء وجد المرتب عليه أولًا كما في من واحد إلى اثنين فإن عدم ترتب الحصول على التحصيل للخطأ في طريقه ولما ذكر المبدأ له بخلاف ما إذا لم يذكره نحو أنت طالق ثانية حيث يقع واحدة فإن لم يخطأ في طريقه فمعه وإلا فالمبدأ فقط سواء كان المبدأ واحدا أو ما فوقه نحو من عشرة إلى عشرين بخلاف الغاية الأخيرة إذ لا يتوقف تحقق المغيا عليها وصدر الكلام لم يتناولها وهكذا حكم ما بين الواحد إلى العشرة ويؤيد مذهب أبي حنيفة قوله عليه السلام "أكثر أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" (¬1) ومنه أخذ الأصمعي إلزام زفر فلا يرد أن التضايف بين مفهوم الأولى والثانوية لا ذاتياتهما وإن عد الواحد جزاء مغلظة من باب اشتباه المعروض بالمعارض فإنه جزء موجب اللفظ حاصل وإنها لم يخرج الأخيرة في كل إلى عشرة لقمات واشتر كذا إلى عشرة وفيما تكفل إليها لدلالة الحال فإن المبيح أو الموكل أو المتكفل إلى كذا لا يباشرها أو وهو راض بتمامها بخلاف الطلاق إذ لاحتراز عن الثالثة بل عن تكثيره غالب والإقرار فإنه يقتضي تحقق المخبر عنه تعينًا. (وفي) للظرفية فالزمانية للمعاني والمكانية لها (¬2) وللذوات حقيقيين كانتا نحو صمت في يوم الاثنين وزيدًا وجلوسه في الدار ومجازين نحو طيب الحال في دولة فلان إذا لم يقدر مضاف والنظر في الكتاب أو زيد في نعمة وحقيقة كانت نفس الظرفية كالقدر المختص بالمظروف في الأمثلة المذكورة أو اعتبارية كالأشمل منه فالأقسام اثنا عشر وفيها أصول: 1 - أن تقارن المظروف إلا لدليل كالإقرار بغصب ثوب في منديل وتمر في قوصرة لزما بخلاف دابة في اصطبل. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (7/ 246) ح (2980)، والحاكم في مستدركه (2/ 463) ح (3598)، وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه والترمذي (5/ 553) ح (3550) وقال: حسن غريب، والبيهقي في الكبرى (3/ 370) ح (6314)، وابن ماجه (2/ 1415) ح (4236)، والطبراني في الأوسط (6/ 85) ح (5872)، والإسماعيلي في معجم الشيوخ (1/ 503) ح (151)، وأبو يعلى في مسنده (10/ 390) ح (5990)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 174 - 175) ح (252). (¬2) انظر التقرير والتحبير (2/ 93)، المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 528)، الإبهاج لابن السبكى (1/ 347).

2 - أن الصاحبين لا يفرقان بين إثباته وحذفه لأن المختصر من الشيء في حكمه وفرق الإِمام بأن الاتصال بلا واسطة يقتضي استيعابه لانطباقه على اسم الكل فيفيد الظرفية الحقيقية إما بالواسطة فكالآلة وقد مر مثله في الباء ولأنه بمنزلة المفعول به ح والأصل فيه الاستيعاب إلا لدليل ويؤيده قول أهل العربية في مالك يوم الدين بالفرق بين مالك الدهر ومالك في الدهر أن الأول لمالكية جميع الأمور عرفًا لا لحذف المفعول وصمت الدهر يقع على الأبد وفي الدهر على ساعة بنية صوم يوم فالأول في الثاني يصدق ديانة فقط وكذا أنت طالق غدًا ليقع في كله فلا يصدق في نية آخر النهار إلا ديانة وفي غد أي في جزء منه يصدق قضاء أيضًا وإذا لم ينو يقع في أوله للسبق وعدم المزاحمة وما روى إبراهيم عن محمَّد أن أمرك بيدك رمضان وفي رمضان سواء وكذا غدًا وفي غد الاستيعاب بناء على ما يراد به ضرب المدة دون مطلق الحصول بخلاف الطلاق ولذا يستوعب مع في. 3 - أن إضافة الطلاق إلى المكان لا تقيده فيقع في الحال لأن نسبته إلى الأمكنة بالسوية ولأنه موجود فالتعليق به ينجز بخلاف الزمان نحو أنت طالق في مكة إلا إذا أضمر الفعل كالدخول أو أريد بالمحل حاله أو بالسبب سببه فإن الدخول سبب الكائنية فيصير كالشرط فلا يقع إلا إذا دخل وقبل يصير شرطا حقيقة لأن كلا منهما ليس بمؤثر ويتعلق الفعل به والأصح أنه للمقارنة ح فمن قضية الظرف الاحتواء على المظروف بجوانبه ولذا يتقيد به أما الشرط فبمعنى العاقبة والثمرة فيما قال لأجنبية أنت طالق في نكاحك فتزوجها لا تطلق نحو مع نكاحك ولو كان مستعارًا للشرط طلقت نحو إن تزوجتك فلذا يستعار بمعنى مع إذا ذكر الفعل فلو قال في أنت طالق في الدار نويت إضمار الدخول صدق ديانة (¬1) وإذا كان بمنزلة الشرط في عدم الوقوع قبله لم يقع في أنت طالق في مشيئة الله وغيرها من عشرة الزيادات لأن التعليق بها متعارف وهي مما يصح وصف الله بوجوده وعدمه فلم يعلم وقوعه قطعًا كما عند الإضافة إلى العباد بخلافها بباء الإلصاق فإن التعارف في إرادة التعليق كان مختصا بالأربعة الأول ثم كذا الرواية وهاهنا شامل إلا في علم الله إما لأن المشتهر استعماله في المعلوم، وأنت طالق في معلوم الله لتجير لأن معلومة واقع بخلاف القدرة على إحدى الروايتين فإن استعمالها في المقدور نادر غير مشتهر مثله وقولهم هذا قدرة الله محمول على حذف المضاف بمعنى ¬

_ (¬1) أي فلا يقع. انظر أصول السرخسي (1/ 224)، أصول الشاشي (1/ 233).

أثر قدرته لا بمعنى المقدور لأن الأول أقرب إلى الحقيقة وأشيع ولا يصح مثله في العلم لأنه ليس بمؤثر كالقدرة وإما لأن العلم ليس مما يصح وصف الله بعدمه فإنه شامل فلا خطر فيه ليصح شرطًا إما القدرة فبمعنى التقدير وقد قرئ قوله فقدرنا مشددًا وهو مما يصح وصفه بعدمه كالإرادة إما على ما روي في الكافي إنها كالعلم حيث يراد بهما التنجيز عرفًا فلا حاجة إلى الفرق. أصل متفرع عليه إنما لا يقع المقيد بمشيئة الله لكونه تعليقًا عند أبي يوسف وإبطالا للكلام عند محمَّد وأثره في أنه يمين فوقوعه في إن شاء الله أنت طالق مع التقديم لعدم حرف الجزاء الرابط ومثله إن لم يشأ الله وإن شاء الجن لا يقال لا بد أن يقع في إن لم يشأ الله لأن مشيئة الله إن وقعت وقع مراده وإن لم يقع وجد المعلق عليه، لأنا نقول وإن سلم كونه للتعليق فلا نعلم اقتضاء الوقوع فإن تعليق الطلاق بعدم مشيئة الله تعليق بما يستحيل معه وقوعه فيكون لغوًا وهذا إذا علق بعدم مشيئة مطلقًا أما إذا علق بعدمها مقيدًا باليوم مثلًا لما في النوازل أنه إذا قال أنت طالق لليوم واحدة إن شاء الله وإن لم يشاء الله أي تلك الواحدة فثنتين فإن طلقها قبل مضي اليوم وقعت تلك الواحدة وإن لم يطلق فيه يقع ثنتان لوقوع عدم مشيئة الله الواحدة إذ لو شاءها لطلق ولو لم يقيد باليوم فقال أنت طالق واحدة إن شاء الله وثنتين إن لم يشاء الله لا يقع شيء فالواحدة للاستثناء والثنتان لأنها لو وقعت لبطل الكلام مق حيث صح فإن الوقوع مع عدم مشيئة الله محال (¬1) وهذا إذا عاق وقوع الثنتين بعدم مشيئة الله إياهما لا بعدم مشيئة الله الواحدة والسابقة إذ لو علقه بهذا في صورة الإطلاق ففي المستثنى أن وقوعه يتأخر إلى الموت حتى لو لم أطلقها طلقت قبل الموت بلا فصل. 4 - لفلان عشرة في عشرة لا يصلح لطرفيه الشيء بمثله فيلزم عشرة (¬2) إلا أن ينوي مع أو الواو فعشرون (¬3) وفرق ما بينهما في أنت طالق واحدة في واحدة لغير الممسوسة (¬4) وعند زفر عشرون في كل حال إذ عند تعذر الحقيقة تصرف إلى مع نحو {فادخلى في ¬

_ (¬1) انظرا حاشية ابن عابدين (3/ 370). (¬2) انظرا البحر الرائق (3/ 285). (¬3) لمناسبة الظرف كليهما. انظرا البحر الرائق (3/ 285). (¬4) فتقع واحدة. انظر / فتاوى السعدي (1/ 339)، أصول السرخسي (1/ 225)، التقرير والتحبير (2/ 95).

عبادي} أي معهم وعند الحسن مائة حملًا على متعارف الحساب قلنا في المجازات كثرة فكما يجيء بعني مع أو الواو يجيء بعني على نحو {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وبمعنى من نحو {وارزقوهم فيها} وليس أحد الوجوه أولى فيعتبر أول كلامه ولا نعلم عدم صحة تلك المجازات على أنه لا يثبت الزيادة بالشك لأن الأصل براءة الذمة إلا أن يعترف بنيته وفيه تغليظ فيصدق وإما متعارف في الحساب فلا معتبر به لأن أثره تكثير الأجزاء إلا الأعداد الثابتة والتقريب في الثاني. فروع شتى مصيرية: قال رأس الحصين آمنونى على عشرة ففعلنا وقع عليه قطعًا حيث ذكره بعينه نصًا وعلى عشرة غيره حيث جعلها شرطًا والشرط غير المشروط أي عشرة كانت حيث نكرها والخيار في تعيينها إليه حيث استعلى نفسه عليهم وجعله ذا حظَّ منهم وليس بدخوله في أمانهم للتنصيص به (¬1) ولا يصح مباشرًا فتعين بالتعيين لأن تعيين المجهول كالإيجاب المبتدأ بوجه ولو قال وعشرة فكذا لاقتضاء العطف المغايرة إلا أن الخيار إلى الإِمام أو من مقامه إذ لم يجعل نفسه مستعلمًا وذا حظ بل عطفهم فشأن الإِمام معهم كشأنه معه فلو عينهم نساء أو صبيانًا أو من شاء جاز ولو قال بعشرة فهو مثل وعشرة سواء لأن الإلصاق كالجمع وغلطه شمس الأئمة وصحح بعشرة لأن الباء تصحب الأعواض فمعناه بعشرة أعطكم عوضًا عن أماني وليس بمقصود مثله هنا وأجيب بالمنع بل معناه آمنوني بأمان عشرة على حذف المضاف اكتفاء بذكر الأول والباء للملابسة وليس التغليظ لتخيل الباء بين حروف العطف لأن المذكور بعدة حروف الجر ولو قال في عشرة دخل فيهم حيث أدخل نفسه وغير به الظرف إذا تحقق بذاته لا في العدد إذ يكون فيه بمعنى أحدهم لا يقال فإذا انتفى حقيقة الظرفية فليجعل بعني مع نحو ادخلي في عبادي واهدني فيمن هديت أو بمعني على نحو في جذوع النخل وعلى التقديرين يثبت الأمان لعشرة سواء لأنا نقول كونه أحدهم لكونه طرفية اعتبارية حقيقة من وجه فهو أولى ولذا صار متعارفًا في العدد ثم الخيار في التسعة إلى الإِمام حيث جعل نفسه كأحدهم فبعينهم من آمنه ولو قال آمنوا في عشرة فقد استأمن عشرة منكرة ما شرط معايرتهم له وجعل نفسه ذا حظ من أمانهم وذلك بالتعين وما استأمن نفسه نصًا فيقع على عشرة بعينهم رأس الحصين فله أن يدخل نفسه فيهم ولو لم يدخل صارفيًا. ¬

_ (¬1) انظر/ أصول السرخسي (1/ 222)، أصول الشاشى (1/ 229).

وصنف من كلمات الجر كلمات القسم

وصنف من كلمات الجر كلمات القسم وهو جملة إنشائية يؤكده بها جملة خبرية هي المقسم عليه وقوام اليمين بها وتعدد الثانية فقط لا يوجب تعددها اتفاقًا وكذا تعدد الأولى عند أبي يوسف وزفر فاللازم في وإله والرحمن كفارة واحدة قلنا الكفارة جزاء آلهتك فتعددها بتعدده وهو بتعدد الاستشهاد الذي يقتضيه العطف إلا أن ينوي بالواو الثاني أيضًا القسم فيصير قطعا واستيفانًا فيكون يمينا واحدة ولا يحمل عليه بلا نية عند مغايرة الاسمين لظهور العطف بخلاف والله والله حيث يحمل على واو القسم بلا نية فيلزمه كفارة واحدة في ظاهر الرواية لقبح عطف الشيء على نفسه وحروفه مستعمل له لا موضوعة: فالباء: هي الإلصاقية لإلصاق فعل القسم بالمقسم به محققًا كاحلف بالله ومقدرًا كبالله ويدخل على سائر الأسماء كبالرحمن والصفات كبعزة الله والضمائر كتبه. والواو: هي الجمعية استعيرت لهذه الباء لمناسبتها صورة بالشفوية ومعنى بالجامعية لكن لا بمجردها بل قائمة مقام فعل القسم فلذا لم يحسن أي لم يجز أظهر الفعل معها فامتنع أقسمت والله لأن الغرض من استعارتها توسعة القسم التي دعت الحاجة فيه لكثرة دوره على الألسنة إليها لا الاستعارة المطلقة للإلصاق وإلا لسمعت في غيره ولذا يشبه قسمين لو ذكرت معه ولبديلها عن الباء انحطت عنه استعمالا فلم يدخل الضمائر. والتاء: أبدلت عن الواو كما في تراث وتوراة وتجاه وتخمة وتهمة فانحطت عنها أيضًا فلم يدخل إلا على لفظ الله خبرًا لضيق تصرفه بما القسم به أكثر وإذ له من الخواص ما ليس لغيره كدخول يا ومنها ما سمع الله لا فعلن بالجر بعد حذف الجار مع أن البصر به لا يجوزون بعده إلا بعوض كهمزة الاستفهام في الله وهاء التنبيه في لاها الله وهو المذهب رواية عن الثقة فلا يصبح قياس الكوفية عليه كشهادة خزيمة ولا تمسكهم بما حكى يونس مررت برجل صاع إلا صالح فطالح وما روي عن رؤية في جواب كيف أصبحت خير عافاك الله فذلك ونظائره من الشواذ فقوله والله الله نصبًا وجرًا أن جعل الثاني مشتقًا فصفة كونية الرحمن الرحيم أو علمًا فبدل والمبدل كالمسكوت عنه وأبا كان فيمين واحدة والموضوع له إيم الله أصله أكون وهو جمع يمين عند الكوفية لأن الصيغة مطلقة ومختصة باليمين عهدت جمعا ووصل همزتها لكثرة الاستعمال ولذا لم يكسر وعند البصرية اسم مفرد ولذا وصلت همزته بدليل لعمر الله فمثله من الحذف لم يعهد في الجمع والصيغة مشتركة مثل آتك وأشد وإما لعمر الله يمعنى لبقاء الله ما أقسم به فتصريح يمعنى القسم أن يؤدي معناه

القسم الثالث أسهاء الظروف فمع

من غير وضعه له كجعلت ملكا لك بألف لمعنى البيع وهو بالضم والقبح مصدر في الأصل يمعنى البقاء من خدعا فلا يستعمل في القسم إلا بالفتح واللام للابتداء فإن حذف نصب قسما نحو عمرك أو عمرك الله ما فعلت كذا أي بتعميرك الله وإقرارك له بالبقاء. القسم الثالث أسهاء الظروف فمع للمقارنة وصف به ما قبله أو ما بعده فيقع ثنتان في طالق واحدة مع واحدة أو معها دخل بها أولًا ويلزم درهمان في مثله وعشرون في لفلان عشرة مع كل درهم درهم و (قبل) للتقديم و (بعد) للتأخير فيهما أصول: 1 - أن وصف الطلاق بمطلقهما يقع حالًا لأن الوقوع بعد به وقبل ملزوم له ولا يملك الإسناد فلذا كان الإيقاع في الماضي إيقاعا في الحال. 2 - أن القبل لا يقتضي وجود البعد فصحة التفكير في قوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (القصص: من الآية 3) لا يتوقف على المسيس ولا صحة الإيمان فيَ قوله {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا فصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ} (النساء: من الآية 47) آمنوا بما نزلنا مصدقًا لما معهم من قبل أن نطمس على الطمس ففي طالق قبل دخولك أو قبل قدوم فلان يقع في الحال وجد البعد أولًا بخلاف البعد المقيد. 3 - أنهما كسائر الظروف عند التقييد بالكناية صفتان لما بعدهما لكونه فاعلًا لهما وعند عدمه لما قبلهما لنضمنها ضميره عكس لولاه في أنه فرض نفي لما قبله مع الضمير ولما بعده مع غيره ففي طالق لغير المدخول بها واحدة بعد واحدة أو قبلها واحدة ثنتان للأصلين الأول والثالث، وفي بعدها واحدة وقيل: واحدة واحدة لهذين الأصلين ولها ثنتان للمحلية ولهذه لزم في له على درهم قبله درهم أو بعد درهم أو بعده درهم درهمان لا في قبل درهم كما ظن لأنه لا يقتضى وجود البعد والمراد مما قبلهما وما بعدهما الأول والثاني بحسب المعنى لئلا ينتقض بقوله طالق واحدة وأخرى بعدها أو بعد أخرى وقوعها. وعند: للحضرة الحقيقية وموجبها الحفظ دون اللزوم فلفلان عندي كذا وديعة كوضعته عندك إلا أن يصل دينا لأنه محتملة أو الحكمية نحو {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: من الآية 19) أي في حكم الله.

من فروع الظروف

من فروع الظروف يقع في أنت طالق كل يوم بلا نية واحدة (¬1) وعند زفر في ثلاثة أيام كما في عند كل يوم ومع كل يوم وفي كل يوم (¬2)، وكذا أنت على كظهر أمي كل يوم ظهار واحد ويدخل فيه الليل (¬3) وينبغي أن يكون ثلاثة متجددا في ثلاثة أيام كما في عند ومع وفي ولا تدخل الليالي فله أن يفرقها فيها فعندنا بناء على ما مر في مسألة الغد إن حذف في يقتضي كون الكل ظرفًا واحدًا على أن المراد بنحوه وصفه بالمطلقية وذا يحصل بالواحدة وإن جعل كلامه إيقاعًا بضرورة تحقيق الوصف فيندفع بالواحدة كما في أبدا أما إثباته فيقتضي كون كل فرد ظرفًا على أن المزاد عند ذكر في الظرفية من حيث الوقوع وذلك بتجدده في كل يوم والفرق بين مسألة الغد عندهما حيث فرقا ها هنا أن الغد ظرف واحد لا تعدد فيه بخلاف كل يوم ففيه جهة الوحدة للكل وجهة الكثرة لليوم فإذا وقع الفعل على نفس الكل اعتبر الأولى لظهور الاستيعاب عند عدو الواسطة فعند وجودها اعتبر الثانية عملًا بالشبيهين، القسم الرابع كلمات الاستثناء وهي مشهورة وربما يعد منها لا سيما وبيد وبعضهم بله وأصلها إلا وسيجيء بيانها في البيان إن شاء الله تعالى وقد يستعمل غير فيه ووضعه على الصفة في نحو قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} (الأنبياء: من الآية 22) لعدم خاصية الاستثناء وهو كونه بحيث لولاه لوجب دخوله ولأن نفي الألهة المستثنى عنهم الله لا يقتضي نفي مطلقها بخلاف غير إذ كل متعدد غير الواحد ولا يجب التبعية لجمع منكور غير محصور عندنا ففي له على مائة إلا درهمان يلزم مائة لأنه مثل إلا الفرقدان إلا عند العوام الغير المميزة بينها وبين الاستثناء وحمل غير على إلا كما في لفلان عليّ درهم غير دانق بالرفع أي لا درهم هو قيراطان بل درهم تام من وزن سبعة وبالنصب لزمه درهم إلا دانقًا وفي لفلان على دينار غير عشرة بالرفع دينار وكذا بالنصب عند محمَّد لأنه استثناء منقطع لعدم الجنسية وهو بطريق المعارضة كاستثناء الثوب وعندهما متصل بطريق البيان فيلزم دينار إلا قدر قيمة عشرة دراهم منه فالفرق بين المعنيين معنى يتوجه نقيض الحكم السابق إلى ما ¬

_ (¬1) انظرا المبسوط للسرخسى (6/ 142). (¬2) انظرا المبسوط للسرخسى (6/ 142). (¬3) انظرا البحر الرائق (3/ 289).

القسم الخامس كلمات الشرط

بعدهما في الاستثناء دون الصفة وصورة اختصاص الوصف بالنكرة كذا الرواية وسوى وسواء مثل غير إلا في الظرفية ومسائله مرت في من. القسم الخامس كلمات الشرط أصلها أن لأنه للشرط المحض أي لتعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون أخرى من غير طرفية ونحوها وتدخل على معدوم على خطر وتردد لا على متحقق إذ المنع أو الحمل لا يتحقق فيه ولا على قطعي العدم كالمستحيل وقطعي التحقق كمجيء الغد إلا عند تنزيلهما منزلة المشكوك لكنه ككل مستعمل منه في كلام الله تعالى مثالهما {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} (الزخرف: من الآية 81) {وإن كنْتُمْ فِي رَيْب} (البقرة: من الأَية 23) وسيجيء إن شاء الله تعالى أثره منع العلة عن الانعقاد إلى أن يوجد الشرط عندنا وعند الشافعي منع ترتيب الحكم على العلة المنعقدة. فرع: في إن لم أطلقك فأنت طالق ثلاثًا تطلق قبيل موت الزوج للتيقن ثمة (¬1) كما في إن لم آت البصرة وليس له حد معين بل حين عجز عن الإيقاع فللمدخول بها الميراث للفرار ولغيرها لا وكون التعليق كالتنجيز عند وجود الشرط أمر حكمي فلا يشترط فيه ما يشترط لحقيقة التنجيز من القدرة كما إذا وجد حال الجنون بعد ما علق عاقلا وكذا قبيل موتها في أصح الروايتين للعجز بفوات المحل كما في أنت طالق مع موتك ولا ميراث له لأن الفرقة من قبله. وقيل: لا يقع لقدرته على الإيقاع ما لم لقت وبعده لا وقوع بخلاف موته فهان بين عجزه وموته زمانا للوقوع، وجوابه أن المعتبر قدر من آخر حياتها لا يسع لصيغة التطليق ويسع للوقوع، ومتى للوقت اللازم المبهم فللزومه لا يسقط حين المجازاة ولإبهامه لم يدخل الأعلى خطر وجزم بها كان نحو (متى تأته تعشو البيت). فرع: في أنت طالق متى لم أطلقك لظرفيته يقع عقيبه لوجود شرطه وهو وقت خال عن الايقاع (¬2) ومتى شئت لم يقتصر على المجلس لإبهامه وكذا متيمًا بل لكونه أدخل في الإبهام لم يصلح للاستفهام، وإذا عند الكوفية بين الوقت والشرط على انفرادهما بحيث لا مجازاة ولا جزم حين الظرفية ومدخوله قطعى التحقق نحو، وإذا يكون كريهة، البيت، ومنه {وَالليْلِ إِذَا يَغشَى} (الليل: 1) أي وقت غشيانه بدل من الليل لا متعلق بالفعل ولا حال إذ لا يصلح مقيدًا للقسم ولا ظرفية حين المجازاة ويجزم ومدخوله خطر نحو ما احتج ¬

_ (¬1) انظرا الهداية للمرغيناني (1/ 235). (¬2) انظرا المبسوط للسرخسى (6/ 111).

به الفراء (وإذا تصبك خصاصة فتجمل) والحاصل حرف كان، والجواب عنه بأن المشكوك منزل منزلة المقطوع للتنبيه على أن شيمة الزمان رد المواهب وحط المراتب حتى كأنه لا يشك في إصابة المكاره ليوطن النفس عليها ليس بشيء لأن القول بالتنزيل عند عدم الحقيقة والأصل تحققها وطريقة النقل كذا والنقلة ثقات المقام والقول به لوجود النكتة من إبهام العكس، ولا تعجب في جعل إذا لاستعماله في بيت شاذ جازمًا، وفي خطر للشرطية المحضة دون متى مع دوام ذلك فيه لأن دوامه مع دوام إبهام الوقت المعتبر في متى مما يصحح الشرطية فلا يدل على تمحضها بخلاف استعمال إذا فيه مع دوام تعين الوقت المستعمل هو فيه فهان الشرطية لمنافاتها تعنيه اللازم تنافيه نعم لو ثبت استعماله في الوقت المبهم بدون الشرطية كمتى لورد لكن لا قائل به على أن دليل الشرطية المحضة ليس مجرد الاستعمال فيه بل نقل الثقات المؤيد به وإليه ميل الإِمام وعند البصرية للوقت اللازم وإن استعمل في الشرط كمعنى بل المجازاة مع غير الاستفهام لازمه لمتى دون إذا فإذا لم يسقط معنى الوقت عن ذلك لم يسقط عن هذا بالأولى غير أن إذ للوقت الواقع نحو إذا يغشى ومنه إذا المفاجاة أو متحقق الوقوع نحو {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (التكوير:1) فكان لكونه مفسرًا من هذا الوجه منافيًا للشرطية الكاملة ومع ذلك قد استعمل فيه مجازًا من غير سقوط الوقت ولذا لم يجزم به غالبًا وبسقوطه والجزم به نادرًا وفي ضرورة الشعر قيل أولًا جمع في ذلك بين الحقيقة والمجاز لأن الشرطية مضمنة لازمة كتضمن المبتدأ إياه في الأقسام الستة أو امتناع الجمع حين المنافاة ولا منافاة هنا أو مستعمل في مطلق الوقت لعموم المجاز هو في الكل بحث ففي الأول لأن جواز تضمنها عند الإبهام كما صرح به النجاة فعند انتفاء لازمه ينتفي لا يقال تعين الوقت في إذا غير مناف غايته أن يكون إذا أكرمتني أكرمتك بمنزلة إن أكرمتني وقت الصباح أكرمتك لأنا نقول ذاك تعيين للشرط وهذا لوقته وكم بينهما وفي الثاني لأن مختارهم أن الامتناع عام وفي الثالث لأن مطلق الوقت لايقتضي معنى الشرط والكل ليس خاصا للجزء لغير المحمول ها هنا وإليه ذهب الصاحبان ففي إذا لم أطلقك فأنت طالق لا يقع إلا قبيل موتهما عنده كان ويقع كما فرغ عندهما ولذا لم يقيد أنت طالق إذا شئت بالمجلس كمتى بخلاف إن قك إذا تعارض معنى الشرط الخالص والوقت وقع الشك في مسألتنا في وقوع الطلاق فلم يقع وهنًا في انقطاع المشيئة الثابتة بعد المجلس فلم يبطل إما في طلقي نفسك إذا شئت فإنما جعل يمعنى متى مع أن الشك في أن التفويضي المقتصر الثابت هل يبقى بعد المجلس فلأنه لو جعل يمعنى أن

لم يفد التقييد شيئًا فحمل على متى احترازا عن الإلغاء بخلاف المسألتين لا لأنهم اعتبروا أن الأصل أن لا يقتصر التفويض على المجلس ليقع الشك في الاقتصار كما ظن. تتمة: وكذلك إذا ما إلا في تمحضه للمجازاة بالاتفاق وما يسمى مسلطة لإفادتها إلعمل لما لم يعمل، ولو للمضي لغة ففي لو دخلت الدار لعتقت ولم يدخل فيما مضى يخبغي أن لا يعتق غير أن الفقهاء استعاروها بمعنى أن كما في {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (البقرة: من الآية 221) {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: من الآية 32) كعكسه في {إِنْ كنْتُ قُلْتُهُ فقَدْ عَلِمْتَهُ} (المائدة: من الآية 116) هو المروي في نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف ولا نص عن الآخرين ثم اللام قد تدخل في جوابه نحو لفسدنا وقد لا نحو جعلناه أجاجا لا الفاء فقالوا في لو دخلت الدار فأنت طالق يقع في الحال كما في أن دخلت الدار فأنت طالق وهو مذهب أبي الحسن الاهواري رحمه الله قال لو جزم بها الفعل لم يضر شوطًا إلا بالنية كما لو رفع بأن وعن أبي عاصم لا تطلق ما لم تدخل لأنه بمعنى أن ولأن وجوه لإعراب لا تعتبر لعدم ضبط العامة، ولذا لو قال لرجل زنيب بالكسر أو لامرأة بالفتح بحدا ما لولا فلما دل على امتناع الشيء لوجود غيره جعل مانعًا عن وقوع ما يترتب عليه كالاستثناء ولذا قال محمَّد لو قال أنت طالق لولا دخولك الدار لم يقع أصلًا. تتمة: سيجيءكلما ومن وما إن شاء الله تعالى. خاتمة: كيف للسؤال عن الحال بمعنى أي حال حاله دخل الاسم نحو كيف زيد أو الفعل نحو كيف تسير وربما تستعمل استفهامية للإنكار نحو {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكنْتُمْ أَمْوَاتًا} (البقرة: من الآية 28) أي على أي حال وقصتكم هذه بمعنى لا ينبغي وللتقرير نحو أنى شئتم حيث فسروه بكيف أي على أي حال شئتم بعد أن يكون المأتي موضع الحرف وحكى فطرب مجيئه بمعنى الحال مطلقًا نحو النظر إليه كيف يصنع أي إلى حال صنعه وكان حقيقة انظر إلى حاله التي هي جواب كيف يصنع كما يقال في علمت أزيد عندك أم عمرو أي جوابه فيوضع الجواب موضعه. فرع: قال الإِمام أنت حر كيف شئت إيقاع لأنه تفويض لحالها بعد وقوع أصلها ولا مساغ لذلك فيلغو (¬1) وكذا أنت طالق كيف شئت في غير المدخول بها (¬2)، أما فيها فيقع الأصل وتفويض الوصف كالبينونة والغلظة والتعدد إلى مشيتها في المجلس إن لم ينو ¬

_ (¬1) انظر/ المبسوط للسرخسي (6/ 207). (¬2) فهي طالق تطليقة. انظر/ المبسوط للسرخسى (6/ 206).

وفي الوضع مباحث

الزوج وإن نوى فإن اتفقتا فذاك وإلا فرجعية وقالا لا يقع شيء فيهما ما لم يشأ فإذا شأت فكما قال لأن تفويض الوصف يوجب تفويض الأصل إما لأن ما لا يكون محسوسًا من التصرفات الشرعية فمعرفة أصله يتوقف على وجود أثره كالنكاح يعرف بملك المتعة والبيع يملك الرقبة كما أن وجود أثره يتوقف على وجود أثره يتوقف على وجود أصله فالأصل تبع من هذا الوجه وبناؤه على امتناع قيام العرض بالعرض بعيد إذ لا عرض فيما ليس بمحسوس وإما لأن الأصل لا يوجد بدون وصف فتفويض كل الأوصاف تفويض له وإلا لوجد بدونها يوضحه أن الرجعية وصف لا يوجد أصل الطلاق بدونه وإذا فوض أصله أيضًا لم يقع بدون مشعيتها في المجلس كما في إن شئت أو كم شئت أو حيث شئت قلنا ثبوت الرجعية كالوحدة لكونها لازمة الأصل والتفويض في الحقيقة لما وراءها وفي أن شئت لأصله وهذا في كم شئت لأن الواقع هو العدد مقتضى أو مذكورا ولذا يلغو بموتها قبل ذكره حين الذكر فتفويض العدد تفويض لأصله مطلقًا عند عدم نيته ومشروطا باتفاقهما عندها وهذا في حيث شئت وهذا أين شئت لأن ذكر المكان لغو فيه إذ لا تقيد له به فينفي أصله بمعنى إن شئت ولم يلغ حيث بالكلية ليقع في الحال كانت طالق إن دخلت الدار لأن الاستعارة لأن لإبهامها أولى منه ولم يستعر لمتى أو إذا وفيها رعاية الظرفية حتى لا يتقيد بالمجلس لأن أن أصل الباب. وفي الوضع مباحث 1 - أن الدلالة الوضعية لمجرد الوضع أو لمناسبة ذاتية بين اللفظ والمعنى ذهب عباد بن سليمان وأهل التكسير الزاعمون أن للصيغ المجتمعة من الحروف البسيطة آثار أو خواص وبعض المعتزلة إلى الثاني والحق خلافه، فالصحة وضع كل لفظ لكل معنى حتى لنقيضه كالقرء فإن كلا من الحيض والطهر باعتبار ثبوتهما لازم سلب الآخر في المحل القابل ولازم النقيض يسمى نقيضًا أو لضده كالجون للأسود والأبيض لو وضع له الدال عليه وتخلف أولهما فعليهما واختلف ومقتضى الطبعة الواحدة لا يتخلف أو الألم يلزم ولا يختلف وإلا لزم الواحد من حيث هو واحد لا زمان فكيف النقيضان أو الضدان والدليل منزل في الحروف البسيطة فلا يرد أن مقتضى المركبة كالشجر يختلف تحريكه لينًا في أغصانه علوًا وعروقه سفلًا وكما في جذعه، وفيه بحث من وجهين: 1 - لم لا يجوز أن يستلزم المناسبة الدلالة بشرط العلم بها كالوضعية بشرط العلم بالوضع فيكون التخلف والاختلاف لعدم العلم بها.

2 - ولئن سلم فلم لا يجوز أن يعرض على المناسبة الذاتية مناسبة أخرى بالوضع يكون التخلف والاختلاف بناء عليها فما بالذات لا يختلف وما يختلف ليس بالذات وجوابهما أن محل النزاع الدلالات المتعارفة ولما أمكن التخلف في كل منها بغرض الوضع خلافه لم يكن شىء منها بالذات وهو المطلوب قالوا تساوي النسبة يؤدي إلى الاختصاص بدون التخصيص إن لم يكن وضع إلى التخصيص بلا مخصص إن كان وكلاهما مح وجوابه منع استحالة الثاني فإرادة الواضع المختار مخصصه من غير لزوم داعية فمن الله كالحدوث بوقته ومن العبد كالإعلام بالأشخاص. ب- في أن الواضع هو الله تعالى (¬1) أو الخلق (¬2) أو بالتوزيع (¬3) أو يتوقف بين الثلاثة (¬4) قال الشيخ ومتابعوه هو الله تعالى فعلم العباد بالوحي أو بخلق أصوات في جسم دالة المعنى بالطبع كانت معروضة للكيفية الحرفية أم لا وإسماعها للناس أو بخلق علم ضروري والبهشمية البشر والتعريف بالإشارة والقرينة كنغايم الأطفال والأستاذ القدر المحتاج إليه التعريف بالتوقيف والباقي يحتمل الأمرين والقاضي الجميع ممكن عقلًا فالوقف وهو الحق إن كان النزاع في القطع وإن كان في الظهور فيقول الشيخ لقوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلهَا} (البقرة: من الآية 31) مرادًا بها الألفاظ مجوزًا أو اللغوية والتخصيص اصطلاح طار وعلى أن لا قائل بالفصل والمخالف تارة بأول التعليم اما بإلهام مصلحة الوضع فبعضها نحو {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} (الأنبياء: من الآية 80) وإلا فالالهام يستعمل في كسبي يحصل لا بالفيض وتخصيص الألفاظ بالمعاني لا يحتاج إلى الكسب وإما بتعليم ما سبق وضعه من خلق آخر وأخرى الأسماء بالمسميات إما لأن الاسم عين المسمى أو تجوزا وعلى حذف المضاف بدليل غرضهم لأن الضميرية يقتضي بالمسميات بتغليب العقلاء ولأن وظايف الصبيان لا يليق بمطارحة الملكوت، وأجيب عن الأول بأنه خلاف الظاهر والأصل عدم وضع سابق وبهذا يندفع أيضًا أن المراد الأسماء الموجودة في ذهن آدم عليه السلام وبعد تسليم العموم يجوز أن ينساها آدم أو من بعده ثم اصطلح ¬

_ (¬1) وهو قول الأشعري، واتباعه، وابن فورك، وهو قول أهل الظاهر وجماعة من الفقهاء. انظر/ إحكام الأحكام للآمدي (1/ 105)، نهاية السول للإسنوي (1/ 23). (¬2) أي أن اللغات كلها اصطلاحية. وإليه ذهب أبو هاشم ومن تابعه من المعتزلة. انظر/نهاية السول للإسنوي (1/ 6). (¬3) ذكره الشيخ الشوكاني دون نسبة. انظر/ إرشاد الفحول (1/ 85) بتحقيقنا. (¬4) وبه قال الجمهور كما حكاه فخر الدين الرازي. انظر/ إحكام الأحكام للامدي (1/ 106 - 107).

على اللغات المسموعة لأن كلا منهما خلاف الظاهر، وعن الثاني بأن التعميم لنفس الأسماء بدليل {انبئوني بأسماء هؤلاء} ونحوه وفيهما بحث إما في القول فلأن القرآن يفسر بعضه بعضًا فالحمل على المعنى الوارد فيه أولى وإما في الثاني فلأن الإضافة إلى الذوات المعينة لأنها في إرادة حقائقها من حيث أن لها خواص ومنافع دينية ودنيوية كما أشار إليه في الكشاف مع اختياره إرادة الأسماء جريًا على مذهبه أن الاسم غير المسمى إذ فيها إشارة إلى فائدة التعليم وتمايز الحقائق لازم التمايز الأسماء وتفص عن أن يقع المطارحة في بعض اللغات ثم الظاهر أن الحق تعليم الأسماء والتجوز في محل لا يقتضيه في غيره والإلزام بوظيفة الصبيان ادخل في القوة ولا خفاء أن تعليم الأسماء يستدعي تمايز المسميات بالخواص وإليه الإشارة في الكشاف فيشتمل على تعليم الحقائق ضمنًا تتميمًا للإلزام لا صريحًا تصريحًا بالإدخال في قوته وأما احتجاجه بقوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} (الروم: من الآية 22) أي لغاتكم هي المرادة اتفاقا ولأن بدايع الصنع في نفس العضو في غيره أكثر فغير تام لجواز أن يراد قدرة السنة كل طائفة على نوع ألفاظهم التي وضعوها فإن رجح المجاز الأول عورض بأن هذا أقرب من المعنى الحقيقي وفي صلوحه للمعارضة منع احتج البهشمية بأن قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: من الآية 4) أي بلغتهم يقتضى تقدم اللغات على الإرسال لاستدعاء إضافة اللغة وقوفهم فلو كانت بالتوقيف ليقدم عليها ودار لأن طريقة الوحي لا خلق الأصوات وأسماعها واحدًا أو جماعة ولا خلق العلم الضروري لأن علم واحد من الأمة ما هو أساس الشرع غير مقتبس من مشكاة النبوة بعيد عادة، وأجيب أن التوقف لذلك القوم هو المقتضى لتقدم الإرسال وليس بلازم لجواز أن يكون لأدم حيث علمه الأسماء وهو لأبنائه وذلك إما بالوحي والمراد رسول له قوم قبله، وإما بخلق أصوات سمعها أو خلق علم ضروري فيه وذلك في آدم ليس ببعيد لا يقال علمه بالوضع لكونه نسبة يقتضي العلم بواضعه فلا يكون مكلفًا بمعرفة الله وكل عاقل مكلف لأنه يقتضي العلم بواضع ما ولو سلم فآدم حالتئذ في الجنة وليست دار التكليف وهذان الطريقان خلاف المعتاد في إثباته فيخالف الظاهر مخالفة قوية فلا بدفع الظهور. احتج الأستاذ بأن معرفة القدر الواجب في تعريف الوضع والاصطلاح لو لم يكن بالتوقيف لتوقفت على تعريفهما وهو موقوف عليها فيدور وتنزيله في أول الوضع والاصطلاح سواء كان بالنسبة إلى واضع واحدًا ومتعدد وإلا فتعريف كل من ذلك القدر يتوقف على تعريف

وأما المبادئ الأحكامية فأربعة أقسام

سابق فاللازم التسلسل إلى أن ينتهي إلى الوضع الأول فيدور. وأجيب: بمنع توقف المعرفة على تعريفهما أو التعريف عليها فربما يعرف بالترديد وقرينة الإشارة كما في الأطفال. (ج) في طريق معرفة الوضع قد مر أن النقل متواترًا فيما يفيد القطع وآحادًا فيما يطلب فيه الظن سواء كان في معاني المفردات المادية والصيغية أو المركبات من حيث أصل المعنى أو معنى المعنى أو الخصوصيات الزائدة عليهما العارضة للهيئات الشخصية لتشخص المقام فليس معناه النقل مستقل فيه من غير مدخل للعقل كيف وصدق المخبر عقلي ولا بد منه كما مر بل وقد يحتاج إلى ضميمة عقلية يستنبطها من النقل كمعرفة أن الجمع المحلا باللام موضوع للعموم بطريق أنه يدخله الاستثناء وكل ما يدخله عام فالكبرى ضميمة استفادها العقل من قولهم الاستثناء لإخراج ما لولاه لوجب دخوله. وأما المبادئ الأحكامية فأربعة أقسام لأن الحاكم يحكم على المكلف بالجواز ونحوه أو التعلق الشرعي بشيء في فعله ففيه بحث عن الحاكم والحكم أي المحكوم به والمحكوم عليه وآخر بحثه لاستدعائه مجالا أكثر. القسم الأول في الحاكم الحاكم في حسن الفعل وقبحه في حكم الله تعالى أعنى كونه مناطًا للمدح عاجلًا والثواب آلًا أو للذم والعقاب هو الشرع عند الأشاعرة لا بمعنى أن لا فائدة للعقل فإنه آلة فهم الخطاب ومعرفة صدق الناقل بمعنى أنه قبل ورود الشرع لا يعرف ما ينبغي أن يكون مأمورًا به أو منهيًا عنه شرعًا فالشرع هو المثبت والمبين ولو عكس القضية فحسن ما قبحه وبالعكس لم يكن ممتنعًا (¬1) والعقل عند المعتزلة والكرامية لا بمعنى أن لا فائدة للشرع فإنه ربما يظهر أنه مقتضى العقل الحاكم عند خفاء الاقتضاء وإن لم يظهر وجه اقتضائه كما في وظائف العبادات بل بمعنى أنه يقتضي المأمورية والممنوعة شرعًا وإن لم يرد كما أنه يحكم على الله بوجوب الأصلح وحرمة تركه عندهم وليس له أن يعكس القضية فالعقل مثبت في الكل والشرع مبين في البعض والمختار أن الحاكم والموجب هو الله تعالى عن أن تحكم عليه غيره والعقل المتعارف حسن بعض ما حكم الله به وقبحه بتوفيق الله تعالى وإيقافه وإن لم يرد الشرع إما بلاكسب كحسن الصدق النافع أو معه لكن لا بطريق للتوليد أو الإيجاب بل يخلق الله تعالى عادة عقيب النظر الصحيح كما مر ¬

_ (¬1) انظر/ إحكام الأحكام للامدي (1/ 113) نهاية السول للإسنوي (1/ 258)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 25).

كحسن الكذب النافع وكثير منهما ليس للعقل مدخل في معرفته فالشرع مثبت في الكل والعقل مبين في البعض وإنما يضاف الأحكام إلى العدل في الشرعيات والعقليات بالعقل تيسيرًا على العباد لأن إيجاب الله غيب، لا لأن العقل موجب بل فاهم ويصدق على حكم المسألة الاجتهادية أنه لله تعالى باعتبار أنه له عند المجتهد والصدق باعتبار كاف في أصل الصدق ولا ينافيه الخطأ لأنه في زعم المجتهد لا في حكم الله تعالى. ولتحرير المبحث مقدمات 1 - أن النزاع لا في مطلق الجن والقبح فإنهما في الصفات عقليان اتفاقًا فكل صفة توجب ارتفاع شأن المتصف بها حسنة وكل صفة توجب انحطاطه قبيحة وهما المعبر عنهما بصفة الكمال والنقصان فذكر الفعل احتراز عنهما. 2 - أن حسن الفعل وقبحه يستعملان في ثلاث معان ليس شيء منها محلًا للنزاع إضافية كالقبلية لا ذاتية كالسواد ففي حكم الله احتراز عن هذه المعافي الثلاث أحدهما موافقة غرض الفاعل ومخالفته كقتل زيد لعدوه ووليه فما ليس موافقاً ولا مخالفًا من أفعال العباد يسمى عبثًا وفعل الله لا يوصف بهما لتنزهه عن الغرض عندنا ويرادفه الاشتمال على المصلحة التي هي اللذة أو وسيلتها والمفسدة التي هي الألم أو وسيلته وملائمة الطبع ومنافرته أخص منه من وجه والأول أولى لشمول الثاني الصفات وثانيها أمر الشارع بالثناء على فاعله كالواجب والمندوب أو بالذم كالحرام ويختلف بالأشخاص كصلاة الجمعة للرجل والمرأة الشابة وبالأحوال كأكل الميتة للمضطر وغيره وبالأزمان كالصوم في آخر رمضان وأول شوال لا يقال هذا شرعي قطعًا لأن من المحتمل حكم العقل قبل ورود الشرع أن هذا مما يستحق فاعله المدح أو الثناء في نظر الشرع فالمباح والمكروه ليس بحسن ولا قبيح وكذا فعل غير المكلف من الأناسي وثالثهما أن لا يكون في فعله حرج أي إثم أو يكون وقد يقال أن لا يكون منهيًا عنه شرعًا أو يكون، ويختلف كالثاني فالواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف وكذا المكروه حسن وكذا فعل الله حسن بالمعنين الأخيرين لكن بالثالث مطلقًا وبالثاني بعد ورود الشرع لا قبله كما تخيله بعض إلاَّ صحاب من تعلق الأمر بالمعدوم بتقدير وجوه وإن كان وجود الفعل قبله فإنا مأمورون بعد ورود الشرع بالبناء على جميع أفعاله وقد وقع في المرصاد أن النزاع في الأخيرين ولعله أراد استلزامهما للمعنى المتنازع فيه المار وإلا ففيه بحث فإنه بعض محل النزاع لأن بعض ما لم يرد الشرع بالبناء والذم أو بالإثم وعدمه يتصف بهما عندهم لو أراد أنهما أيضًا

فيه الخلاف وقيل: هذه الثلاثة عقلية اتفاقًا غايته أن العقلية عند الأشاعرة لا يكون ذاتية وذلك بمعنى أن موجهما العقل ممنوع. 3 - أن الفرق بين مذهبنا ومذهب المعتزلة من وجوه: أن الموجب والحاكم هو الله تعالى وأن العقل ونظره آلة للبيان وسبب عادي لا مولد وأن مدخله ليس مطلقًا وبينه وبين مذهب الأشاعرة من وجهين: أنه قد يعرفهما العقل بخلق القول بذلك فيما يتوقف الشرع عليه كوجوب تصديق النبي عليه السلام وإن كان في أول أقواله مثلا وحرمة تكذيبه وإلا لزم الدور والتسلسل وأنه بعد ورود الشرع آلة لمعرفة حسن ما ورد به الشرع وقبحه لا لفهم الخطاب وصدق الناقل فقط فالعقل ليس بمعتبر كل الاعتبار في موجب التكليف لأن الأفعال مستندة إلى الله خلقًا ولأن الوهم بعارضه كثيرا فلا يكلف بالإيمان العاقل قبل البلوغ وشاهق الجبل قبل إدراك الدعوة وزمان التجربة فلا يعذبان إن لم يعتقدا كفرا ولا إيمانًا خلافًا للمعتزلة وكذا لا ترتد المراهقة الغافلة تحت مسلم بين مسلمين إذا عقلت بخلاف الشاهق بعد إدراك أحدهما وإقامة مدة التجربة مقام الدعوة كإقامة أبي حنيفة رحمه الله خمسًا وعشرين مقام الرشد في السفه وليس بمهمل كل الإهمال حتى في الجائزات إذ لا يمكن إبطال العقل لا بالعقل ولا بالشرع المبني عليه كما مر في المسائل السبعة ولأن الأفعال مستندة إلى العباد كسبًا فيعتبر إيمان الصبي العاقل وكفره إذا اعتقده وصف أو لم يصف وترتد المراهقة الواصفة لأن التوجه إليه دليل إدراك زمان التجربة فنيين من زوجها بلا مهر قبل الدخول بخلاف الغافلة ولعظم خطر الأحكام الأصلية لا سيما الأيمان لم يعتبر وجود السبب الظاهر عند العلم بعدم السبب الحقيقي فلم يعذر كفر المراهقة بخلاف رخص السفر مع العلم بعدم المشقة واعتبار الردة مع السبي استحسان منهما لا من أبي يوسف وكذا كفر شاهق الجبل فلا يضمن قاتله خلافًا للأشاعرة والشافعي وإما أنه لا يضمن معذورهم كالصبي والمجنون بل وبالفهم العاقل قبل الكفر فلعدم العصمة بدون الإحراز بدارنا كالصبي والمجنون في دار الحرب فالمذهب أن العقل معتبر شرطًا لا سببًا للصحة مطلقًا وللوجوب عند إنضمام أمر آخر كإرشاد وتنبيه ليتوجه إلى الاستدلال وإدراك مدة التجربة المعينة عليه سواء جعلها الشارع علمًا لذلك كالبلوغ الغالب كما له عنده لتمام التجارب وتكامل القوي أولًا كما في شاهق الجبل وليس في تقديرها في حقه دلالة بل في علم الله تعالى إن لخققت يعذبه وإلا فلا وعلى هذا يحمل قول أبي حنيفة رحمه الله لا عذر لأحد في الجهل بالخالق لقيام الآفاق وإلا نفس

ويعذر في الشرائع إلى قيام الحجة ومن المشايخ حتى أبي منصور من حمله على ظاهره فقال بوجوب معرفة الله تعالى على الصبي العاقل دون عمل الجوارح لضعف البنية والأول هو الموافق لظاهر النص والرواية. 3 - أن للمعتزلة وتوافقهم الكرامية والبراهمة القائلين بالعقلين الذاتيين للأفعال ضروريًا أو نظريًا لو بحيث يظهرهما الشرع لا يوجبهما مذاهب فقد ماؤهم على أنها لذواتهما كغالية الله عندهم وبعضهم لصفة موجبة حقيقية وعدم استقلال الصفة بدون الذات في التحقيق لا ينافي كونها علة تامة في الاقتضاء كالعلم لعالميتنا عند منبتي الأحوال منهم فإن بين استقلالها في التحقق واستقلالها في الاقتضاء فرقا كما في المشروطة لأجل الوصف أو بشرطه وبعضهم لصفة موجبة في القبح فقط ويكفى في الحسن عدم موجبية القبح والجبائية لصفة موجبة اعتبارية يختلف اختلاف الاعتبار لازمة كل بذاتها لا باعتبارها ويتوقف تعينهما على اعتبارها لا ذاتها كلطم اليتيم للتأديب أو التعذيب بخلاف الإضافية كصلاة الشابة وصوم أول شوال فإن قبحهما لا لأمر في ذات الصلاة والصوم بل من الإضافة، إذا تمهدت. قلنا: في رد غير الجيائية من المعتزلة وجهان: الأول: أنهما لو كانا ذاتيين في كل من الأفعال المنصفة بهما لم يختلف شيء منهما بأن يجيء الحسن ويذهب القبح أو بالعكس من اختلف إليه القوم لأن ذاتي الشيء لا يختلف ولا يتخيف واللازم باطل لحسن الغنائم لنا بعد قبحها فيما سلف وعكسه تزويج البنات من البنين ومقصودنا إبطال الموجبة الكلية المستلزم لإثبات السالبة الجزئية لا إثبات السالبة الكلية كمقصود الأشاعرة فإبطال اللازم في الأمثلة الجزئية يكفينا ولا يكفيهم والتمثيل يسحن الكذب الذي فيه عصمة نبي من ظالم أو إنقاذ بريء من قاتل إذا تعين طريقًا لهما ولم يمكنه تعريض يتخلص به عن الكذب صحيح على غير الجبائية كما هو المراد لأن التقدير عندهم أن الحسن لكل حسن ذاتي حقيقي تابع للوجود بنصف الفعل به عند وجوده وجوبًا كالتحيز للجوهر ومثله لا يتخلف ولا يختلف بالاعتبار وبهذا يسقطان المراد بالاختلاف إن كان تعدد اللوازم تمنع الملازمة لجواز وجود جهتين يلزم الحسن بأحديهما والقبح بأخرى وإن كان حصول أحدهما وزوال الآخر فزوال القبح في الكذب المذكور ممنوع واستحقاق المدح والثواب ليس لحسن الفعل بل لصفة في فاعله وهو عدول المضطر إلى ارتكاب أحد القبيحي إلى أهونهما كما قال عليه. "امن ابتلى ببليتين

فليتخير أيسرهما" (¬1) كما يجوز للخائف عن النار إيقاع نفسه في الماء وكما يجوز أن يحلف كاذبًا لمصلحة حفظ الوديعة فقد ظهر من توجيهنا الجواب عن نفيه أما الاعتراض بأن الحسن لازم الكذب وهو تخليص النبي لا هو وكذا بأن التخلف لمانع لا يقدح في الاقتضاء فقد رد بأن الذاتية تمنعهما، وفيه بحث لأن المراد بالذاتية ليس الجزئية أو العينية بل كونهما مقتضى الذات فلا يرتدان بذلك والتحقيق الحاسم للشبه أن المراد بالاختلاف التنافي في الصفات الحقيقية فإن لوازم الأمر الواحد لا يتنافى لأن تنافي اللوازم ملزوم تنافي الملزومات والتقدير أن الحسن لكل حسن والقبح لكل قبيح لازم. الثاني: أنهما لوكانا تبيين لكل من موصوفاتهما لاجتمع النقيضان في قوله لأكذبن غدًا فقيل لأنه إذا لم يتكلم غدًا إلا كلامًا واحدًا فالكلام الغدى إن صدق استلزم الكذب اليومي وإن كذب استلزم صدقه فاجتمع الصدق والكذب أحدهما من نفسه والآخر من استلزمه فإن مستلزم الحسن أو القبيح حسن وقبيح ويمكن تنزله في الكلام اليومي أيضًا لكنه موقوف على فرض الوحدة في الكلام الغدى وعلى أن المستلزم متصف بصفة لازمة فالصحيح أن ينزل في الأخبار بجواب القسم فإنه خبر لا يخ عن الصدق والكذب والإنشاء تعلق القسم به ويقال صدق أخباره وقوع الذي هو الكذب غدًا في الجملة وكل ما هو وقوع الكذب فقبيح وكذا كذبه انتفاء الكذب وكل منه حسن فكل من صدقه وكذبه حسن وقبيح ولا تغفل عن نكتتنا مع الأشاعرة، وللأشاعرة الوجهان، وثالث وهو أنهما لوكانا ذاتين لزم قيام المعنى بالمعنى بخلاف ما لو كانا شرعيين فإنه أمراض في إما الملازمة فلأن الفعل معنى والحسن معنى فالأول ظاهر والثاني لأنه موجود زائد على مفهومه تابع في تحيزه وذلك معنى المعنى أما وجوده فلأن نقيضه وهو الأحسن سلب لصدقه بالاشتقاق على المعدوم إما بالضرورة وإما بأنه لو لم يصدق لصدق الحسن عليه فلم يكن وصفًا ذاتيًا لأن المعدوم لا ذات له فكيف لصفته والحسن من صفات التابعة للوجود عندهم وحاصله أن صدق اللاحسن على المعدوم ثبت المدعي وإن لم يصدق بطل مدعاكم وكل ماكان نقيضه سلبًا كان هو وجودًا وإلا لارتفع النقيضان وإما زيادته فلتعقل الفعل بدونه وإما تبعيته في لخيزه فلأنه حيث الفعل ولذلك يوسف به ها هنا وإن ¬

_ (¬1) لا يعرف: لكن يستأنس له بقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: ما خيّر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا. انظر/كشف الخفاء لعجلوني (2/ 304).

كان الاختصاص الناعت أعم من التبعية في التحيز كما في نفس التحيز وصفات الله تعالى والصفات العقلية والنفسية عند القائلين بتجردهما وإما بطلان اللازم فلأن التحيز المتبوع لمحل الفعل وهو الفاعل لا له لتبعيته أيضًا إذ هما معًا حيث الجوهر كما في الحركة التبعية مع الذاتية في السفينة والأفلاك وقيام الأعراض في المتحيزة التبعية فيه كما للهيولى مع الصورة عند الفلاسفة وفي غيرها التبعية في الوجود كما في صفات الله تعالى وهذا لو كان حقًا لكان مساعدا للأشاعرة لكن فيه نظر من وجوه: 1 - منع أن الفعل عرض عند المتكلمين فإن أجناس الموجودات عندهم اثنان وعشرون وليس الفعل معدودا منها لا يقال المراد الهيئة التي يكون الفاعل عليها عند الفعل وهو الحاصل بالمصدر لأنا نقول وتلك الهيئة لو وجدت لكانت كفا وليست معدودة في أنواع الكيفيات عندهم. 2 - أن الأحسن إنما يصدق على المعدوم لو كان سلبًا إذ لو كان عدولا لم يصدق فالاستدلال به على السلبية دور لا يقال نقيض الشيء هو سلبه لا عدوله؛ لأنا نقول ح يكفي ذلك فأي حاجة إلى الاستدلال وجوابه أن صورة السلب لا يلزم أن يكون سلبًا في نفس الأمر والاستدلال لإثبات ذلك. 3 - أن صحة تفسير قيام الأعراض بالتبعية في التحيز موقوفة على عدم المجردات في الممكنات وذلك ليس بضروري ولذا يذهب إلى وجودها حجة الإِسلام والراغب الأصفهاني وغيرهما والاستدلال عليه بأنها لو وجدت لشاركها الباري ولزم التركيب في ذاته أو بأنه أخص صفات الباري فيلزم إما قدم الحادث أو حدوث القديم ضعيفٌ لأن الاشتراك في العارض لا سيما السلبي لا يوجب التركيب وكونه أخص صفات الباري موقوفٌ على عدمها ففيه مصادرة غير أن الدليل يجب لمثبتها ويكفى لنافيه أن الاعتراف بغير الدليل كعدم الاعتراف بعد الدليل. 4 - نقض الدليل بالإمكان الثابت للفعل فإنه يقتضي أن لا يكون ذاتيًا وأنه ذاتي لكل ممكن وإلا لزم انقلاب الحقائق. 5 - أن السلب كما يرد على الوجود نحو ليس كل إنسان بحجر يرد على الثبوت أي الرابطة نحو كل إنسان ليس هو بحجر ويرد على ما ينقسم إلى الموجود والمعدوم كاللامعلوم ولكون الثبوت أعم من الوجود كما في كل ممتنع معدوم لا يقتضي عدم صدق سلبه عليه إلا صدق الثبوت الذي هو أعم من الوجود وصدق الأعم لا يستلزم

صدق الأخص فكون صورة السلب سلب وجود موقوف على كون المسلوب وجود إلا ثبوتًا ولا عدمًا فلو ثبت ذلك بهذا كان دورًا. 6 - عبارة أخرى للخامس أن أزيد بارتفاع النقيضين ارتفاعهما بحسب الوجود فبطلان اللازم ممنوع وإن أريد كما في الامتناع واللاامتناع بحسب الصدق فالملازمة، ورابع لهم وهو أن فعل العبد غير مختار وكل غير مختار لا يحكم العقل فيه بحسن ولا قبح بيان الصغرى أنه إن لم يتمكن من تركه فضروري وإن تمكن فإن لم يتوقف على مرجح لزم رجحان أحد المتساوين من غير مرجح ومع ذلك يكون اتفاقيًا فلا يوصف بهما عقلًا اتفاقًا وإن توقف فأما على مرجح من العبد فينقل الكلام إلى الفعل مع ذلك المرجح ويلزم التسلسل وأيضًا يجب عه وإلا لزم رجحان المرجوح وهو أشد استحالة من رجحان أحد المتساوين وإذ لو لم يجب لجاز تركه معه فاحتاج إلى مرجح آخر ولزم التسلسل فتعين توقفه على مرجح لا من العبد فيكون ضروريًا لذلك وللوجهين المذكورين وبيان الكبرى بالإجماع المركب فعند الأشاعرة لعدم الحسن والقبائح عقليين وعند المعتزلة لأن كل حسن أو قبيح عقلًا فعل المتمكن منه ومن العلم بحاله عندهم وكل فعل كذلك نحتار وينعكس القبحة عكس النقيض إليها، قيل: رجحان أحد المتساوين كوجود الممكن إن استحال وجب عدمه لما عرف في الطبقات فلا مساواة فيه، وجوابه: أن المستحيل رجحان الأحد المطلق فهو الواجب عدمه والنكرة في سياق النفي تعم فينعدم كلاهما ويبقي المساواة وبهذا الدليل اختاروا الجبر ونفي تأثير قدرة العبد أصلًا كما اختار جمهور المعتزلة القدر وفسروه بأن العبد موجد لأفعاله لا ايجابيًا بل اختياريًا وأبو الحسين منهم على أن الله يوجد للعبد القدرة والإرادة ثم هما يوجبان وجود المقدور وهو مذهب الحكماء وإما الحرمين، ومذهبنا خير من الأمرين ومنزلة بين المنزلتين وهو أن الأفعال الاختيارية لله تعالى خلقًا وإيجادًا وللعبد كسبًا واختيارًا وفسرناهما تارةً بما يقع به المقدور مع صحة انفراد القادرية أولًا معها وأخرى بما وقع لا في محل قدرته أو فيه، وهذا من أهم مهمات الدين وأعظم مقاصد ارباب اليقين فلنبتهل إلى جانب الله تعالى وحسن توفيقه لتحقيق هذا المطلب الجليل والهداية إلى سواء طريقه فلنتعرض أولًا لمقدمات يتوقف عليها التوسط وبطلان طرفي الإفراط والتفريط ثم لبيان أن ثبوت الجبر بهذا الدليل نتيجة الرأي العليل. أما المقدمات الأولى: أن المشهور بين الجمهور إلى المفهوم إن كان له تحقق في الوجود فموجود

وإلا فمعدوم وبعضهم وجدوا المفهومات على قسمين منها ما يتصور عروض الوجود لها فسموا تحققها وجودًا وارتفاعها عدمًا ومنها ما ليس من شأنها ذلك كالأمور الاعتبارية التي يسميها الفلاسفة معقولات ثانية فجعلوها لا موجودةً ولا معدومةً وسموها أحوالًا فالجمهور يجعل العدم للوجود سلب إيجاب وهم عدم ملكة فلا نزاع في الحقيقة. الثانية: أن التسلسل في الأمور والمحققة من طرف المبدأ مجال لأن سلسلة مجموع الممكنات اللا متناهية لها علة وليست نفسها ولا بعضا منها فضلًا عن كل منها لأنه لولم يكن على الشيء منها أو لبعضها لم يكن علة لجميع السلسلة هف وإن كان علة لكل منها كان علة لنفسه وعلته وأنه دور فعلتها خارج عن جميع الممكنات وهي الواجب ولا علة له فلزم التناهي على تقدير عدمه أما الأمور العقنية فينقطع بانقطاع الاعتبار وأما من جانب المعلول فلا برهان عليه وبرهان التطيق ليس بشيء لأن التطبيق يمعنى تواني الحدين لا يوجب عدمه الانقطاع ويمعنى أن لا يفقد في أحديهما كما يمكن جعله مقابلًا لشىء من الأخرى لا يوجب نفسه تساوى الزائد والناقص فكذا غيره. الثالثة: الفعل قد يراد به معنى المصدر الحركة لقطع المسافة وقد يراد به المعنى الحاصل بالمصدر كهي للحالة التي تكون المتحرك غليها في كل جزء من المسافة وهي أثر الأول ولا شك أن الثاني موجود، واختلف في الأول وهو إيقاع تلك الحالة فقيل ليس موجود وإلا لكان موقعا فينقل الكلام إلى إيقاع الإيقاع يلزم التسلسل من طرف المبدأ في الأمور المحققة ويلزم عند إيقاع شىء إيقاعات محققة لأشياء محققة غير متناهية فيكون الإيقاع معدوما على مذهب الجمهور حالًا عند القائلين بها، فإن قلت لزوم المحذورين موقوف على أن لا يكون إيقاع الإيقاع عينه وهو ممنوع، قلت الإيقاع مع الموقع أمان ليس بينهما حمل المواطاة وكل أمرين كذلك يمتنع وحدة هويتهما الخارجية فعدم التعدد في الخارج آية كون أحدهما وكليهما اعتباريًا، وقيل: موجود لحدوثه بعد العدم ويجوز استناد الإيقاع الحادث إلى القديم الدي هو التكوين الأزلي استناد سائر الحوادث إليه فلا يلزم شىء من المحذورين، وفيه بحث لأن أثر الايقاع حاصل مستند إلى الايقاع المستند إلى التكوين القديم فيلزم الجبر من العبد وإن لم يلزم الإيجاب من الله تعالى كما سيجىء بيانه إن شاء الله تعالى ولأن الحدوث بمعنى التجدد مسلم ولا يقتضي الوجود كحدوث العمى وبمعنى الوجود بعد العدم ممنوع ومعنى تجدد مثله وحصوله بدون الوجود كونه بحيث يمكن للعقل أن يعتبره فيه مطلقًا أو منسوبًا إلى شىء كما في الإضافيات.

الرابعة: أن لا بد لوجود كل ممكن من موجد وإلا كان واجبًا ومن وجود جملة ما يتوقف وجوده على وجوده وإلا لما كان وجود البعض المعدوم موقوفًا عليه لوجوده، قال الفلاسفة ويجب وجوده عند وجود تلك الجملة وإلا أمكن عدمه عنده فوجوده من غير مرجح لاستواء نسبة وجوده إلى جميع الأوقات حاصل ولذا كان وجود الممكن محفوفا بوجوبين سابق ولاحق، وفيه بحث من وجوه: 1 - أن وجود جملة ما يتوقف وجود الممكن على وجوده رما لا يكون كافيًا في وجود الممكن لتوقفه على عدم توقف الحوادث عندهم على عدم المعدات المغير القارة كالحركات ومنه توقف كل جزء منها على عدم الأجزاء السابقة وسنزداد وضوحا اللهم إلا بأن يعنوا بوجود الجملة وجود ما يتصور منها وجوده ونجدد الباقي ولا دلالة للفظهم عليها. 2 - أن الرجحان من غير مرجح بمعنى وجود الممكن بلا موجد مسلم استحالته ممنوع لزومه لوجود الفاعل وليعنى رجحان أحد المستويين من غير مرجح داع ممنوع الاستحالة كرجحان أحد الطريقين المستوين من كل وجه كسلوك الهارب وغيره من الأمثلة المشهورة ومن غير مرجح أصلًا ممنوع اللزوم أيضًا لجواز أن يترجح بنفس الترجح العدمي وتحقيقه أن رجحان المساوي أو المرجوح أن أريد مساواته أو مرجوحيته قبل الترجيح فذلك واقع فإن الممكن المعدوم عدمه راجح بالنظر إلى عدم علته ومساو بالنظر إلى ذاته وقد رجح وجوده عند الإيجاد وإن أريد حال الترجيح فليس إلا ترجيحًا للراجح لأن الترجيح يلاقي الرجحان الحاصل منه كما أن الإيجاد يلاقي الوجود الحاصل منه وإلا لاجتمع الوجود والعدم وتحصيل الحاصل بهذا التحصيل غير ممتنع. قالوا: المراد وجود الممكن بلا موجد وهو لازم فيما نحن فيه لأنه إذ أمكن عدمه مع وجود الجملة الموقوف عليها ففي زمان وجوده أن تعلق به إيجاد كان من جملة الموقوف عليها فلا يكون المفروض جملة جملة، وإن لم يتعلق فقد وجد من غير إيجاد بلا موجد وأيضًا كون الرجحان بلا مرجح باطلًا قضية بديهية لولاها انسد العلم بالصانع فلا يبطل بإيراد أمثلة عدم العلم بالمرجح لا عدم نفسه وأيضًا أن قدم الايجاد قدم الحادث وإلا فله إيجاد آخر فتسلسل من طرف المبدأ، قلنا جواب الكل حرف واحد وهو أن لمشايخنا في إيجاد الله تعالى للحوادث طريقين: أحدهما: القول بعدم الإرادة وتجدد تعلقها وقت الحدوث. وثانيهما: قدم الإرادة وتعلقها بحسب الأوقات المعينة فعلى الأول المتجدد في زمان

الوجود تعلق التكوين الأزلي المعبر عنه بالاختبار وهو إما نسبة عقلية معدومة متجددة لا حادثة لمحاذاة الشمس أو انحلال الغيم عن وجهها لوجود الضوء في الجدار أو حال وتجدده حالتئذ لا ينافي الجملة الموقوف عليها سابقًا ولا يلزم له اختيار آخر ولا اعتبارية داع إذ من شأن المختار أن يتعلق إرادته متى كان من غير تعليل بالداعي كما أمر من الأمثلة ولئن لزم فالتسلسل في الأمور الاعتبارية غير محال وعلى الثاني لا متجدد في زمان الوجود بل الإرادة والاختيار قديمان ومن شأن طبيعة الاختيار المقارن للتكوين الأولى أن يقتضي جواز صدوره من غير تعليل بالداعي كما أن طبيعة الإيجاب يقتضي فجأة الوجود من غير تعليل به وإما تعين الوقت فأما اتفاقي لأن طبيعة الاختيار يستدعي جواز تعينه من غير تعليل وإما لأن التعلق الأزلي عينه فعلى الأول ليس موقوفًا عليه وعلى الثاني ليس أمرا موجودًا حتى ينافي وجود الجملة السالفة بل هو عندنا خلاء متوهم كما في خلق الله الزمان أو العالم أو الفلك الأعظم أو حركته وفي قوله عليه السلام "كان الله ولم يكن معه شىء" (¬1)، لا يقال التعلق ونحوه نسب لا يتحقق إلا مع المنتسبين فكيف يكون النسب أزلية والمنتسبات فيما لا يزال؛ لأنا نقول الاختلاف بالأزلية والأبدية أو الماضوية والمستقبلية للمقيدين بالأمور الاعتبارية مثلنا وإلا فالجميع حاضر عنده تعالى، وكذا الكلام في تعلق سائر الصفات على أنا نمنع اقتضاء النسبة تحقق المنتسب مطلقًا بل فيما يكون تعلقها من حيث وجود المنتسب معه كالمعية ذهنًا أو خارجًا بخلاف قبلية الله من العالم فإنها نسبة تقتضي عدم العالم معه ومثله الإيجاد الاختياري وتعلقه بخلاف الإيجاب ولئن ثبت وجودية الزمان تختار إما الطريق الأول أو كون الوقت من جملة الوجوديات الموقوف عليها الغير الكافية في وجود الممكن لتوقفه على الاختيار أيضا وهو عدمي هذا كله في فعل الله وسيجيء إثبات اختيار العباد بما يناسبه فعلم مما مر أن في كلا شقي السؤال الأول منعًا وإما القضية البديهية المذكورة فبطلان وجود الممكن بلا موجد لا رجحان أحد المتساويين والقول بالشيء مع عدم العلم به أزلا وأبدًا كعدم القول مع قيام البرهان وبهذا يعلم أن وجوب وجود الممكن عند وجود تلك الجملة ليس متفقًا عليه كما ظن. 3 - ولئن سلم وجودية الاختيار أيضًا فإنما يلزم وجوب المعلول أن لو لم يكن من جملة الوجوديات الموقوف عليها الاختيار على ما علم من طبيعته. 4 - أن الوجوب السابق للمكن غير متصور إذ لا سبق بالزمان وإلا لا في العدم ولا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3/ 1166) ح (3019).

بالذات وإلا كان من جملة العلة التامة لا معلولها بل الوجود والوجوب مقارنان معلولا علة واحدة ومنشأ الغلط اعتبار أحد المتلازمين المتقارنين محتاجًا في الوجود إلى الآخر وليسا يمتضائفين إذ لا توقف في العقل من طرف الوجود. الخامسة: قيل: لا بد في العلة التامة للحادث من دخول أمر لا موجود ولا معدوم مسمى بالحال كالإضافيات إذ لولاه فاما موجودات محضة أو معدومات محضة أو مركبة لا سبيل إلى الأول لأنها إن قدمت قدم الحادث وإن حدث شىء منها فينقل الكلام إلى عليه يلزم التسلسل أو الانتهاء إلى القديم فيلزم إما قدم الحادث أو انتفاء الواجب بناء على امتناع التخلف ولا إلى الثاني لأن الكلام في مثل زيد فلا بد من وجود أجزائه ولا إلى الثالث إذ لو توقف وجود الحادث بعد وجوه جميع الموجودات الموقوف عليها على عدم شيء فأما على العدم السابق القديم فيقدم الحادث لأن العلة التامة تركبت منه أو من الموجودات المستندة إلى الواجب أو على عدمه اللاحق وذلك إما بزوال وجود جزء علة وجوده أو بقائه، وينقل الكلام إليه بتسلسل أو ينتهي بلى الواجب ويلزم انتفاؤه أو لزوال عدم له مدخل فيه وللزوال في زواله وزوال العدم هو الوجود فيتوقف وجود الحادث على عدم موقوف على هذا الوجود فيبقى شيء من الموجودات الموقوف عليها فلم يكن المفروض جملة جملة هف أما إذا دخل في العلة أمور لا موجودة ولا معدومة كالإيقاع والاختيار كما قيل فهي لا تستند إلى الواجب بطريق وجوب لعدم وجودها حتى يلزم قدم الحادث أو انتفاء الواجب بل يقع منه أي وقت كان من غير تعليل كما مر ولا يلزم الوجود بلا موجود بل ترجيح أحد المتساوين وأقول جمهور مشايخ أهل السنة وأكثر مشايخ المعتزلة غير قائلين بالحال وهذا يستدعي ركاكة مطلبهم وسخافة مذهبهم وحاشاهم عن ذلك ففيما ذكره بحث من وجوه: 1 - امتناع التخلف ممنوع على تخلل الاختيار أزليًا كان ولا وعدميا كان أو وجوديًا كما مر .. 2 - منع أن العدم السابق لو كان جزءًا من العلة لزم قدم المعلول لجواز أن ينضم إلى بعض الموجودات الحادثة ويصير المجموع علة تامة وكذا علة هذا المجموع لا إلى أول كما أن عدم الجسم المزاحم وإن كان أزليًا جزءًا من علة كون هذا الجسم في هذا الحيز ويصلح عدم الدجن للقصار نظيرًا. 3 - منع أن عدمه إما لزوال شيء من علة وجوده أو لزوال العدم المؤثر في وجوده

لجواز أن يكون مقتضى طبيعته لكونه غير قادر كما تتوقف الحركة الجزئية على عدم الحركة السابقة فإن الحركة وإن اقتضاها طبيعة المتحرك وفرض دوامه يقتضي لكونها غير قارة أن يعقب وجود كل جزء عدمه ولذا تعد معدة لما يتوقف وجوده عليها من الحوادث وشرطا لا سببًا إذ شأنها أن لا يجتمع معه وكل ما يتوقف وجود الشيء على وجوده فعدمه يعد معدًا. 4 - منع بقاء شىء من الموجودات الموقوف عليها إذا كان لزوال العدم وهو الوجود مدخل في زواله لجواز أن لا يكون هذا الموجود غير الموجودات الأول وإن يكون العدم لازمًا لها لكن لا بجهة استنادها إلى الواجب فيصح تركيب علة الموجود من عدم الشيء اللاحق اللازم لوجوده وهو معدود من الموجودات الأول ككل جزء من الوقت والحركة على تقدير وجودهما يتوقفان على عدم الجزئين السابقين وعدمهما يستندان إلى طبيعة الحركة الغير القارة المستندة إلى الواجب لا بهذه الجهة بل بجهة دوام موضوعها المقتضي لها بتشابه طبيعته، فإن لازم اللازم ليس لازمًا إذا لم يتخذ جهة اللزوم كالانتصاب اللازم للجدار اللازم للسقف مثله الانقضاء اللازم للحركة اللازمة للمتحرك فإن قيل انتصاب الجدار لازم للسقف قيل فانقضاء الحركة لازم للمتحرك فلا يدوم الأثر بدوام المؤثر بل ويقتض الحركة وانقضاءها. 5 - أن المسمى بالحال معدوم عندنا فلا يسلم أن كل معدوم زواله بوجود شىء بل منه ما يكون جزعًا من العلة التامة وينقطع بلا وجود شيء فينعدم المعلول كمقابلة الشمس لضوء العالم فإنها عدمية وليس زوالها بوجود شىء وكذا انقطاع الإرادة وتعلقها فلا اضطرار في القول بالحال مخالفًا للجمهور وقد مر أن النزاع لفظي. السادسة: أن المبين مجمعون على إن الله خلق القدرة والإرادة في العبد لكنا نفسر القدرة يما عليه الفاعل عند الفعل والإرادة بصفة مخصصة لأحد المقدارين بالوقوع ونقول يجعل العبد إرادته متوجهة نحو الفعل فيوجد الله الفعل عنده إجراء لسنته عليه فتعلقها هو الاختبار والقصد والكسب والإيقاع والفعل والمعتزلة يفسرون القدرة بصفة تؤثر وفق الإرادة والإرادة تارة باعتقاد النفع أو ظنه وأخرى يميل تعقبهما ويسمونها بالدراعية وحزمه بإيجاد الفعل بالاختيار والفعل الذي يوجده العبد من غير داعية اتفافيا وإن تخلل تعلق الإرادة بتفسيرنا الذي هو الاختيار عندنا. السابعة: إنا نفرق بالوجدان الضروري بين الفعل الاختياري والضروري كما بين ما

نقدر على فعله ومالا نقدر كالصعود إلى الجبل وإلى السماء وبين ما نقدر على تركه ومالا نقدر كالهبوط والسقوط فلا سيما بين السقوط والصعود وليست تلك التفرقة كمجرد موافقة إرادتنا في الاختيارية لأن إرادتنا إن كانت مرجحة كان الترجيح منا بخلاف الضرورية وإلا كانت مجرد شوق فربما لا يكون الاختياري مرادًا بهذا المعنى كالمشي إلى مكروه والاضطراري مرادًا كحركة النبض على نسق نشمتهيه ولا بمجرد وجود القدرة بدون تأثيرها إذ لو لم يكن الأثر للقدرة فإن كان للداعي لم يوجد الفعل إلا عند وجوده وقد مر إبطاله في صورة عدم الداعي وإما في صورة الداعي إلى التوك فكالمشي إلى مكروه ولما أمكننا الانقلاع عن القعل الموجود مع بقاء الداعي عنادًا وإنكاره عنادًا وإن كان لقدرة الله تعالى فقط كان موجباُُُُُ والفعل مجبورًا عليه ولم يمكننا الانقلاع عنه والواجدان بكذبه. الثامنة: إن الفعل بمعنى الحالة الحاصلة من المصدر الذي لا شك في وجودها ربما لا يترتب على الإرادة مع وجود سلامة الآلات والأسباب وتوفر الدواعي وتوجه الإرادة المسمى بالقصد والاختبار كما قصدوا أذى الأنبياء ولم يتيسر لهم ورما يترتب حاله لم يعهد ترتبها على مثل فعله كخوارق العادات من قطع مسافة سنة في طرفة عين وغيره فدل أن القدرة العبدية العادية غير مستقلة بالتأثير. التاسعة: أن وجود تلك الحالة موقوف على موجودات كوجود الله تعالى ووجود قدرته وإرادته وغيرها وعلى معدوم أو حال هو نفس إيقاعها إن كان معدومًا وتعلقه بها إن لم يكن إذ لا بد من تعلق أو نسبه ببين وجوديهما المستقلين فإن كان كل تعلق موجودًا كان هناك أمورًا موجودة غير متناهية وقد مر أن دعوى العينية في الأمور المحققة غير صحيحة فتلك الحالة يتوقفها على الموجودات يستند إيجادها إلى موجد تلك الموجودات ولتوقفها على غير الموجود الموقوف تجدده على العبد استند كسبها إليه مثاله ملك عم العباد وهبًا ونصحًا نادى إن كل من وجدته محاذيًا لمنظرتي أعطته ألف دينار فرأى شخصًا محاذيًا لنظرته ووهبها ولا شك أن الإعطاء من الملك لا من الشخص كالخلق والمحاذاة منه لا من الملك كالكسب وذلك لأن الاختياري الذي لم يسبقه اختياري آخر من العبد مثلًا لما لم يكن وجود شيء من الموجودات التي يتوقف وجوده عليها من العبد كان إسناد لوجوده إلى العبد دون من صدر عنه الوجودات الموقوف عليه في غاية الركاكة ولما لم يكن مطروحًا في سلسلة التوقف كان إسناد كسبه إليه مستقيمًا فإن الكسب السعى في مقدمات الوجود ليس إلا وليس معنى استناده إلى الله تعالى خلقًا استناد

الوجودات التي يتوقف عليها حتى يقال لا نزاع في ذلك بل استناده لاستنادها. العاشرة: أن ذلك الأمر العدمي المسمى بالقصد والاختيار وغيرهما هو الكسب وهو مناط كون الفعل طاعة ومعصية والثواب والعقاب والحسن والقبيح والخير والشر وغيرها إذ لا قبح في خلقها فإن خلق المعصية وإرادتها ليس بقبيح لجواز اشتمالها على حكمه بل القبيح كسبها كما لو كان إعطاء الملك ألف دينار في المثال المذكور مع علمه بأن تلك الألف يصرفها هذا الشخص إلى ما يفضي إلى إتلاف نفسًا لكنه يعطيها ليتعظ به غيرها فلا يسألها أولًا يصرفها إلى مثله إذا تقررت تقرر حال التوسط وبطلان طرفي القدر بالإفراط والجبر بالتفريط وتصوير أن لله تعالى الاختيار وأن العالم حادث وإن لله الاختيار الكلى وللعبد اختيارًا جزئيًا وغير ذلك من عدم التكليف يما لا يطاق ونحوه من مهمات الدين. بقى البحث في دليل الأشاعرة وذلك من وجوه: 1 - أنه استدلال في مقابلة التفرقة الضرورية بين الاختبارية والضرورية لما أن الجبر على فعل يقتضى عدم القدرة عليه فلا يندفع بما قيل إن الفارق وجود القدرة لا تأثيرها مع ما مر أنه لا يصح فارقًا. 2 - أن المرجح سواء كان اختيارًا أو داعيًا موجبًا أو غير موجب لا يقتض الجبر أما إذا كان اختياريًا فلأن تخلله موجبًا يدفع الاضطرار لأن الاضطراري ما لا يوجبه الاختيار وغير موجب يدفع توجه الاتفاق لأن الاتفاقي ما لا يرجحه الاختيار وأما إذا كان داعيًا فلأن الداعي إلى الاختيار لا ينافيه كما أن العلم والقدرة والإرادة الأزليات التي تعين أحد الطرفين باختبار العبد لا ينافيه بل يحققه نعم يتوجه إلى المعتزلة فإنهم يوجبون الداعي لا نحن كما في مسألة الهارب فالترجيح بمجرد الاختيار الحادث مع غير الداعي لا يدفع الاتفاق عندهم وكل اتفاقي لا يتصف بالحسن والقبح العقليين ولذا قيل إنها مقدمة إلزامية ولذا لا ينتقض الدليل بفعل الرب فإن اختياره قديم ولأن التكليف بما لا يطاق لا يحتاج إلى مرجح لأن على الاحتياج الحدوث باتفاق بيننا وبينهم. 3 - النقض بالحسن والقبح الشرعيين لأنهما مع الجبر غير واقعين بالاتفاق وإن جاز بما لا يطاق عند الأشاعرة والجواب بأن الاختيار كاف في التكليف والاستقلال بالفعل غير واجب إلفا يصح منا لقولنا بالاختيار معنى لا صورة فقط ومتوجه إلى المعتزلة القائلين لولا الاستقلال لقبح التكليف عقلًا لا لينا، واعترض بعضهم على الكبرى أيضًا يمنع أن

الاضطراري والاتفاقي لا يوصف بالحسن والقبح العقليين واسند بأن الضرورة والاتفاق لا ينافيان كون الفعل حسنًا لذاته أو لصفته كما أن الاتصاف الضروري كاتصاف الله تعالى بصفات جماله وجلاله لا ينافي كون الصفة حسنة بمعنى كونها صفات الكمال فلم لا يجوز الاتصاف بهما بالمعنى المتنازع فيه أيضًا على أنه إن عني بنفيهما بالمعنى المتنازع فيه أنه لا يجب الإثابة أو العقاب لأجله فنحن نساعده وإن عني أنه لا يكون في معرض ذلك فبعيد عن العقول لأن مرتكب أنواع القبائح كنسبة ما لا يليق بجلال الله تعالى مع العلم به إليه أن لم يرفع له يستحقق مذمة وعقابًا فقد سجل على غباوته. ورد بأن المقدمة اتفاقية فلا يمنع وبأن السند بصفات الله تعالى لا يوافق محل النزاع وبأن عدم استحقاق المذمة والعقاب بارتكاب القبائح قبل ورود الشرع غير مستبعد إذا كان مجبورًا على ذلك كما مر. والجواب عن الأول: أن جميع الفلاسفة منكرون لها وإن أريد اتفاق أهل السنة فينكره المشايخ وبتقدير تسليمه يكون جدلية فيتوجه طلب الدليل التحقيقي عليها. وعن الثاني: بان الصفات ذكرت تشبيها بمحل النزاع بها لا على أنها عينة. وعن الثالث: بأنه لا منافاة بين المجبور به والانصاف بالحسن والقبح العقليين لأن مجبورية العبد مبنية على استعداده الغير المجعول في الحسن وعدم استعداده في القبح وهذا مبني على أن الماهيات غير مجعولة وأن فيض الواجب موقوف على ما يليه الحل غير أن هذين الأصلين من أصول الفلاسفة والصوفية وهو اختيار بعض أهل السنة فجمهورهم وإن لم يقولوا بهما لكن لما ذهب إليهما كثير من أهل العقل علم أن العقل لا يجزم تلك المنافاة وهذا مما يكفي سند المانع. ثم الأدلة المذكورة لا تنتهض على الجبائية: فالأول: لجواز لزومي المتنافين بإختلاف الجهتين، والثاني: لجواز اجتماع الكذب والصدق بالاعتبارين والثالث لجواز لا يكون موجودًا كالقول فلا يكون عرضًا أما عند غيرهم فهما تابعان للوجود كما مر والرابع لأن الضروري والاتفاقي قد لا يكون كذلك باعتبار ما كالتحيز الضرورى باعتبار تنافيه فالذي ينتهض على الكل قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا فإن نفي التعذيب قبل البعثة يستلزم نفي ملزومه وهو الوجوب والحرمة العقليان عندهم على تقدير تركهما لمنعهم العفو فهذا إلزامي وإلا فلا يمتنع القول بالوجوب العقلي مع نفي التعذيب قبل البعثة كالقبايح الصادرة عن الصبي العاقل هذا.

والأوجه عندي أن يؤخذ الإلزام من قولهم بتأثيم من لم يبلغه الدعوة فإن المراد بالبعثة إيصال حكم الله تعالى وإلا لم يحصل إلزام الحجة إما أنه لا يكون تعلق الطلب ذاتيًا حاصل أو لم يكن الباري مختارًا لأن الحكم بالمرجوح قبيح أو أن قبح الخبر الكاذب أو حسن الصادق مثلًا أن قام بكل حرف كان خبرًا وإن قام بالمجموع فلا وجود له أو أن علة الحسن والقبح حاصلة قبل الفعل فيلزم قيام الصفة الحقيقية بالمعدوم فليس بشيء لأن ذاتي الطلب تعلقه إلى مطلوب ما لا إلى المعين وأن امتناع الفعل لصارف القبح لا ينفي الاختيار وإنهما قائمان بكل حرف بشرط الانضمام أو بالمجموع ككونه صدقًا أو كذبًا فجوابهم ثمة جوابنا هنا وإنهما من الصفات التابعة للوجود والحدوث عندهم كما مر وبتقدير تسليمه يحكم العقل بإنصافهما إذا حصل، وللمعتزلة طريقان حقيقيان وطريقان إلزاميان أما الحقيقيان فاحدهما أن الحكم بالحسن أو القبح مشترك بين جميع العقلاء في مثل الصدق النافع والإيمان أو الكذب الضار والكفران وعلة المشترك مشتركة فلا يكون شرعيًا لعدم اختصاصه بالمتشرعة دون غيرهم كالبراهمة والدهرية ولا عرفيًا وعاديًا لعدم اختصاصه بأهل عرف أو عادة ولا لغرض من مصلحة أو مفسدة لذلك فيكون ضروريا ذاتيًا، وجوابه مع اشتراكه بالمعنى المتنازع فيه بل بأخذ التفسيرات الثلاث ولئن سلم فمنع أن علة المشترك مشتركة لجواز اشتراك المختلفات في لازم كفصول الأنواع المندرجة بحث جنس واحد ولئن سلم فمنع أن العلة المشتركة غير ما ذكر من عرف ومصلحة وغيرهما في حقه تعالى وإن وقع الاختلاف في حق ما عناه ولا يلزم أن يكون ذلك المشترك هو العلم الضروري. 2 - أن اختيار العقل الصدق عند استوائهما في تحصيل الغرض من كل وجه دليل أن حسنه وقبح الكذب ذاتيان وهذا القادر على إنقاذ شخص أشرف على الهلاك انقاذه من غير أن يتصور غرضًا. وجوابه: أن ذلك لأنه تقر في النفوس كون الصدق ملائمًا لمصلحة العالم دون الكذب ولا استواء في نفس الأمر ولا يلزم من فرض التساوي وقوعه فمنع الاختيار على تقدير التساوي وجزم الذهن بإيثارالصدق لعدم تمييزه التقدير عن وقوع المقدر وله ولو سلم فلا نعلم دلالته على المعنى المتنازع فيه وإما الانقاذ فارقة الجنسية المحبولة إلا في الطبيعة، وسببه أن استحسان أن يفعله غيره في حقه يجره إلى استحسان أن يفعله غيره في حق غيره، وأما الإلزاميان فأحدهما لو كانا الشرعيين كان التكليف شرعيًا فلزم إفحام الرسل فلا يفيد البعثة، وذلك لأن المكلف لو قال في جواب انظر في معجزتي

كي تعلم صدقي لا أنظر حتى يجب أو حتى يثبت الشرع والحال أنه لا يجب ولا يثبت حتى ينطرح لم يكن للرسول الزامه النظر وهو المعنى بالافحام فلا يندفع لما قيل إن النظر لا يتوقف على وجوبه وجوابه جدلي وحل فالجدلي أنه مشترك الإلزام لأنه إذا كان عقليًا لم يكن ضروريًا بالتوقفة على خمس مقدمات نظرية كوجوب معرفة صدق الرسول بمعرفة المعجزة وتوقفها على النظر ووجوب مقدمة الواجب وإفادة النظر العلم في الجملة والعلم في الإلهيات، إذ يرد على الأولى: أن معرفة المعجزة لدفع خوف ضرر الأجل الذي ذلك الخوف ضرر عاجل فانما يلزم لو كان دفع الضرر واجبًا عقلًا، وعلى الثانية: جواز حصولها بالإلهام وغيره، وعلى الثالثة: منع وجوب مقدمة الواجب في حكم الله بأن يثاب فاعلها ويعاقب تاركها، وعلى الرابعة: أن إفادته موقوفة على العلم المعارض العقلي وعدمه ليس ضروريًا فيحتاج إلى نظر آخر ويتسلسل وعلى الخامسة أنه لا يتصور الحقائق الإلهية والتصديق فرع التصور فلا بد من انظار يندفع بها هما فللمكلف أن يقول ما مر بقلب الدليل والحل أن قوله لا يجب حتى انظر إنما يسمع أن لو توقف الوجوب على العلم به وليس كذلك لوجهين: 1 - أن الوجوب حكم شرعي وخطاب قديم لا يتوقف على الحادث من نظر أو علم به. 2 - أن العلم بالوجوب موقوف عليه فلو توقف الوجوب على العلم به كان دورًا ولا يلزم تكليف الغافل لأن الغافل من لا يتضرر الخطاب لا من لا يصدق به والألم يكن الكفار مكلفين هذا غاية ملجأ الأشاعرة، وفيه بحث لأن المكلف لو قال لا نظر ولا صدق حتى اعلم لوجوبهما ولا أعلم حتى يثبت الشرع عندي ولا يثبت حتى انظر لا يندفع بذلك وهو مبني مذهبنا وثانيهما لو كان شرعيًا لزم محالات: 1 - في الله أن لا يقبح منه شىء قبل السمع فجاز كذبه وخلق المعجزة على يد الكاذب وفي كل منهما إبطال البعثة والشرايع والتباس النبي بالتنبي فلا يقبح شىء منهما بعد السمع أيضا لأن حجبه السمع موقوفة على صدقه فيلزم الدور ولا يقال الصدق والكذب ليسا من الأفعال لأن كلام الله من الصفات الفعلية في زعم المعتزلة ولأن المراد بهما ها هنا خلق أمر قال على ما يطابق الواقع وما لايطابقه ولو تجوزا مثل قوله عليه السلام "وكذب ما بطن أخيك (¬1) "إذ قد يتصف بهما وبالدلالة غير الألفاظ كدلالة الحال. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5/ 2152) ح (5360)، ومسلم (4/ 1736) ح (2217).

2 - في العبد أن لا قبح التثليث وأنواع الكفر من المتمكن منها ومن العلم بحالها قبل السمع. 3 - خرق الإجماع على تعليل الأحكام بالمصالح والمفاسد وفيه سد القياس ونعطل أكثر الوقايع عن الأحكام، والجواب عن الأول: أن صفات الله تعالى غير محل النزاع قبل المراد أن لا يقبح نسبتها إلى الله تعالى قلنا فيكون كالثاني، وإنا لا نعلم الامتناع العقلي في الكذب وخلق المعجزة وإن جزمنا بعد مهما فإنهما من الممكنات وقدرته شاملة ولو سلم امتناعهما فلا نعلم أنهما لو لم يقبحا عقلًا لم يمتنعا لجواز أن يمتنعا لأمر آخر كاستلزامهما لالتباس النبي بالتنبي وكانتفاء لازم الدليل الذي هو المعجز لأن وجه الدلالة لازم كل دليل وهو منتف في المعجز في يد الكاذب وإلا لكان الكاذب صادقًا وانتفاء اللازم ملزوم انتفاء الملزوم، وعن الثاني: أن المعنى المتنازع وهو التحريم الشرعي قبل الشرع ممنوع وبالمعنى الآخر لا يضرنا، وعن الثالث: أن القياس مظهر لا مثبت فالابتناء عليها للكشف عن الإيجاب لا لإيجاب، ثم نقول للمعتزلة غاية أدلتكم أن حسن بعض الأفعال وقبحه معلوم بالعقل ورد الشرع أم لا فلئن سلمنا لا يثبت أن العقل هو الموجب ولا سيما في الكل. ذنابة: النصوص من الطرفين مأولة وموفق بينهما بما قلنا. مسألتان: على تقدير التنزل إلى إيجاب الفعل، الأولى أن لا يجب شكر عند الأشاعرة (¬1) ويجب عند المعتزلة عقلًا (¬2) والمراد به عرف الحبد جميع ما أنعم الله إليه إلى ما خلق لأجله كالنظر إلى مطالعة المصنوعات والسمع إلى نلقى ما ينبئ عن المرضاة والقلب إلى فهم معاني كلامه ببذل الطاقات والثمرة تأثيم من لم يبلغه دعوة نبي بتركه والمختار وجوبه عند إدراك زمان البحرية لما مر، للأشاعرة لو وجب لوجب الفائدة إذ لولاها لكان الوجوب عبثًا أو الإيجاب عبثًا وهو قبيح لا يجب عقلًا ولا يجوز على الله ولا فائدة لأنهما إما لله وهو متعال عنها وإلا كان مستكملًا بالغير وإما للعبد في الدنيا وفي الشكر فعل الواجب وترك المحرم عقلًا وأنه مشقة ناجزة لا حظ للنفس فيه أو في الآخرة ولا مجال للعقل فيه، قال المعتزلة فائدته دنيوية هي الأمن من ضرر خوف العقاب لتركه فإن المتقلب في نعم لا تحصى لا يمتنع أن يفهم لزوم الشكر والعقاب عند عدمه ورد مظنه الخوف فلا يعارض منه عدمه في أكثر الناس ولو سلم فمعارض بخوف العقاب على ¬

_ (¬1) انظر/ إحكام الأحكام للامدي (1/ 125). (¬2) انظ/ نهاية السول للإسنوي (1/ 266).

الشكر إما لأنه تصرف في ملك الغير بدون إذنه وإما لأية كالاستهزاء من حيث أن ليس للنعمة قدر يعتد به بالنسبة إلى مملكة منعمها فوجود العبد وبقاؤه وسائر كما لأنه من الله تعالى كإعطاء من ملك الخافقين فقيرًا لقمة خبز بل أدنى بكثير ومن حيث أن شكرها لا يليق بمصب منعمها فطاعة العبد مدة عمره كشكر الفقير بتحريك الأنملة والحيثية الأولى غيركافية لأن شكر نعمة لها قدر بالنسبة إلى حاجة المنعم عليه لا يعد استهزاء ولا نقض بوجوبه الشرعي لأن الإيجاب الشرعي لا يستدعي فائدةً ولأن فائدته أخروية ويستقل الشرع ببيانها وفيه بحث من وجوه: 1 - أنه إن أريد بالفائدة ثبوتها فلا نعلم أنه يستلزم الاستكمال في الله تعالى إنما الاستكمال بقصدها لا بثبوتها، وإن أريد قصدها حين الإيجاب فلا نعلم أن عدمه يستلزم العبث فإن الوجوب إنما يكون عبثًا لو لم يترتب عليه ثواب أو لم يتعلق بتركه ذم لا سيما عند من يرى عدم صفة موجبة للقبح كافيًا في حسن الفعل. 2 - أن الفائدة مرادًا بها أمر زائد على حصوله فالأفعال قد تكون حسنة لذواتها عند متقدمي المعتزلة ومرادًا بها الأعم ممنوع بطلان التالي لجواز وجوبه لفائدة دنيوية هي نفس الشكر الذي يربو على التعب الناجز كحفظ النفس على تعب الجهاد لا يقال الفائدة الدنيوية حظ النفس في اللذة أو وسيلتها ودفع الألم أو وسيلته لأنا نقول على تقدير تسليمه يتضمن الشكر المفسر بالصرف المذكور التلذذ بالمشتهيات الجائزة الفاخرة والتعيش الناعم مدة العمر بالأموال الوافرة ليتوسل به إلى تحصيل الكمالات النفسية التي يلتذ بها فوق التذاذها بالملذات الوهمية والحسية. 3 - أن التصرف في ملك الغير إنما يقبح فيما فيه احتمال التضرر لما سيجيء ما قد قيل إن الأصل الإباحة. 4 - أن الاستهزاء بالنسبة إلى المنعم لا ينافي عدمه بالنسبة إلى المنعم عليه وإن كان من مجموع الحيثيتين والمعتبر هو الثاني ولأنه يحتمل التنبيه بقلبه على العجز عن استيفاء حقه كما قال أعلم الخلق بالله تعالى "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" (¬1) وقد قيل الخوض في طلب الإدراك إشراك والعجز عن درك الادراك إدراك وربما يستدلون بأنه لو وجب لعذب بتركه قبل البعثة إما الزاميًا لعدم تجويزهم العفو أو تحقيقيًا كمعنى لاستحق العذاب بتركه ولم يأمن من وقوعه والتالى باطل لقوله تعالى {وَمَا كنَّا مُعَذَّبينَ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1/ 352) ح (486).

حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: من الآية 15) الآية فيه يحصل إلا من قيل التعذيب تبل البعثة محال لأن أول المكلفين آدم عليه السلام فلا فائدة في نفيه. وأجيب: بان قبل آدم قومًا يسمى الجان بن الجان وبأن في صحة نفيه يكفي الإمكان والصحيح أن المراد في حق كل قوم نبيهم وفيه أيضًا بحث لأن المراد ما في الآية العذاب الدنيوي والواجب هو الذي يلزم بتركه العقاب الأخروي وأيضًا هذا الدليل الرامي لهم فيتجوز العفو عندنا. الثانية: أن لا حكم للأفعال الاختيارية التي لا يقضي العقل فيها بالحسن والقبح قبل الشرع بخلاف الاضطرارية كالتنفس فإنها غير ممنوعة تبل البعثة إلا عند مجوزي التكليف بالمحال وقالت المعتزلة ما يدرك جهته إن اشتمل تركه على مفسدة فواجب لو فعله لحرام وإلا فان أشتمل فعله على مصلحة راجحة فمندوب أو تركه فمكروه والاقباح ومالا يدرك جهته فلا يحكم فيه تفصيلًا في فعل فعل وإما إجمالا فمباحة عند البصرية ومحرمة عند البغدادية وبعض الإمامية يمعنى أن العقل يقتض حرمته أو إباحته شرعًا وإن لم يرد الشرع وتوقف الشيخ الأشعري وأبو بكر الصيرفي، فقيل: معنى التوقف عدم العلم وقيل: عدم الحكم. ورد الثاني: بأن الحكم قديم عند الشيخ فكيف ينعدم وبأن عدم الحكم جزم لا توقف لأنه حكم بعدم الحكم وبأن هذه التصرفات إن كانت ممنوعًا فحظر وإلا فإباحة ولا واسطة بين النفي والإثبات ولذا قيل مرجعه الإباحة إذ ما لا منع فيه مباحٌ لا يقال شرط الإباحة الاذن لأنا نقول ذلك في الإباحة الشرعية والجواب عن الأول بأن كلام الشيخ ها هنا على أصول المعتزلة أو المراد عدم تعلقه وعن الثاني بان المراد عدم الحكم بالحظر والإباحة لا أصلًا فلا ينافيه الحكم بعدم الحكم وبأن تسميته توقفًا باعتبار العمل فان عدم الحكم يقضتي التوقف في العمل لا يقال تجويزه التكليف بالمح يقتضي أن لا يتوقف تعلق الحكم بالفعل على البعثة عنده لأنا نقول بل يقتضي أن يتوقف فلعل التوقف لمدرك آخر كالآية وامتناع حكم العقل وعن الثالث أن عدم الحكم ليس بكاف في الإباحة كما في فعل البهيمة بل لا بد من الحكم بعدم الحرج في الطرفين دليل الحظر أنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه كما في الشاهد قلنا عقلية حرمته ممنوعة ولئن سلمت فبينهما فرق لتضرر الشاهد ودليلنا لإبطاله أن الحظر يستلزم التكليف بالمحال لا سيما في أمرين لا ثالث لهي كالحركة والسكون إلا أن يقال يحكم العقل بأحدهما دفعًا للتكليف بما لا يطاق كفعل الواحد اللازم للمكلف نحو التنفس والمكره عليه، دليل الإباحة وجهان: 1 - أنه تصرف لا يضر بالمالك فيباح كالاستظلال بجدار الغير والاصطلاء بناره

القسم الثاني في الحكم تعريفا وتقسيم وأحكاما

والنظر في مرآته لا سيما تصرف مملوك يأخذ قطرة من بحر لا ينزف لمالكه النصف بغاية الجود فالعقل يقتضي إباحته لا حرمته ولو سلم الضرر فعارض بتضرر الناجز والناجز والواجب دفعة عقلا ولا أولوية. 2 - أنه خلق العبد وما ينتفع به فالحكمة تقتضى بإباحته وكيف ترى العقل يحكم يمنع أكرم الأكرمين من اغتراف غرفة من بحر لا ينزف لدفع العطش المهلك وتكليفه التعرض للهلاك كلا، والجواب بأنه ربما خلقه ليشتهيه فيصبر عنه فيثاب معارض بأنه خلقه أو ينفع به غيره فيبقى فيكون عرضة لاكتساب الثواب الكثير ودليل إبطالها بأنه إن أريد أن لا حكم بالحرج فسلم ولا يستلزم الحكم بعدم الحرج وإن أريد خطاب الشارع بعدم الحرج فلا شرع وإن أريد حكم العقل بالتنجيز يناقض ويجيء مثله في الحظر يجاب يمنع التناقض فإن المنفي حكم العقل فيه بخصوصه ولا ينافيه الحكم العام بالإباحة ودليل إبطال التوقف أن التوقف عن السمع مسلم ولتعارض الأدلة فاسد لبطلانها والجواب أنه لعدم الدليل على تعيين الحظر والإباحة في الفعل المعين وقد مر ما في فساد الأدلة وليعلم أن حكم بعض الفقهاء في مباح الأصل بالإباحة ليس إلا لأن عدم المدرك الشرعي مدرك شرعي في التحيز عندهم لقوله تعالى {قل لا أجد} الآية كما سيجيء فلا يلزم منه البناء على حكم العقل. القسم الثاني في الحكم تعريفًا وتقسيم وأحكامًا الأول في تعريفه: قال الغزالي رحمه الله هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين (¬1) والخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام إذا ظهر ويطلق على نفس الكلام كما أن الكلام في الأزل يسمى خطابًا والمعنيان محتملان ها هنا والأول أولى لأنه الأصل وقيد إذا ظهر لادخال خطاب المعدوم على قول الشيخ والتعريف في أفعال المكلفين للجنس مجازًا فيتناول حكم كل مكلف بخصوصه كخواص النبي عليه السلام ولو لم يكن مجازًا لتناوله أيضًا لأن المتعلق بالجميع لا يجب تعلقه بكل فرد كما لا يجب بكل جزء لكن لا بانفراده ولو قال بفعل المكلف لتناوله بانفراده وظهوره لعدم التجوز فهو أولى وإما دفعه بان مقابلة الجمعين يقتض توزيع الآحاد فذلك لأن ذلك بين الأفعال والمكلفين ¬

_ (¬1) انظر/ المستصفى للغزالي (1/ 55)، إحكام الأحكام للامدي (1/ 136)، المحصول للرازي (1/ 15)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 54)، حاشية التلويح على التوضيع (1/ 13 - 16)، نهاية السول للإسنوي (1/ 47).

لا بينهما وبين الخطاب والكلام فيه إلا أن يفسر الخطاب بالخطابات لأن الإضافة قد تفيد العموم وليس مقتضاه تعلق كل خطاب بجمع من الأفعال كما ظن لما قلنا أن التعريف للجنس مجازًا لا للاستغراق وبذلك يندفع أيضًا ما قيل لا يندرج تحته حكم إذ لا حكم يتعلق بكل فعل لكل مكلف فالخطاب جنس وخرج باضافته خطاب غير الله تعالى وبوصفه خطابه المتعلق بذاته وصفاته وأفعاله قيل لكن بقي تحته مثل {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات: 96)، والقصص فلا يطرد فزيد بالاقتضاء أو التخيير والمعنى توجيه الكلام النفسي نحو المكلف باقتضاء الفعل أو تركه أو تخييره بينهما ليخرج ذلك ثم أورد الأحكام الوضعية على إنكاسه والوضع حكم الشارع يتعلق شىء بالحكم التكليفي وحصول صفة له باعتباره ككونه دليلًا أو سببًا وقتيًا أو معنويًا أو مانعًا للحكم أو السبب أو شرطًا لأحدهما أو غيرها فريد أو الوضع لتعميمه وربما يجاب عن الأول بأن قيد حيثية التكليف مرادًا أما إن تناول غير الوجوب والحرمة فظاهر وأما إن لم يتناوله فلان حيثية التكليف أعم من ثبوته كما فيهما أو سلبه كما في غيرهما وعن الثاني تارة يمنع خروج الأحكام الوضعية لأن المقصود منها الأحكام التكليفية وأخرى يمنع كونها من المحدود وأقول لو قيل بكفاية التكليف الضمني صح التعريف بلا احتياج إلى زيادة وإضمار فإن جميع خطابات الله تعالى يطلب بها شىء وأقله الاعتبار كما في القصص وفي {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات:96)، يراد فاعبدوني بدليل ما قبله على أن قيد الحيثية إنما يزاد عرفا في تعريفات الإضافيات لا مطلقًا وقد مر سائر أبحاثه في صدر الكتاب وقال الآمدي خطاب الشارع بفائدة شرعية فخرج الأخبار بالمحسوسات والمعقولات ولا يفسر الفائدة الشرعية بمتعلق الحكم فإنه دور ولا يعمم وإلا لاندراج الأخبار بما لا يحصى من المغيبات بل بما حصوله بالشرع فخرج الإخبارات لأن مفهومها حاصل ورد الشرع له أم لا لكنه يعلم بالشرع وتوقف حصوله على حكم الشرع لا يقتضى توقف فهمه على فهمه حتى يدور والتحقيقان تصور الحكم يتوقف على تصورها وتصورها على تصور الخطاب لا الحكم بل حصول ذات الفائدة على حصول ذات الحكم وهكذا حكم كل كلام إنشائي فإن الخبر كما أن له نسبة ذهنية فله نسبة خارجية يراد به إعلامها تطابقًا أولا ويمكن العلم بتلك الخارجية من غير الخبر والإنشاء لا يراد به الإعلام الذهنية كالطلب وذلك لا يحصل إلا منه فمثل كتب عليكم الصيام مما يصلح خيرًا وإنشاء تارة يكون حكمًا وأخرى لا قيل فيندرج في التعريف من الانشاء آت ما ليس حكمًا نحو فنعم

الثاني تقسيمه

الماهدون وأجيب بان قيد الحيثية أمر إداري من حيث كونه شارعًا له فيخرج والأولى أن الإضافة في خطاب الشارع للعهد أي المتعلق بفعل المكلف، واعلم أن الآمدي فسّر الخطاب باللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيء لفهمه فتفسير الحكم باللفظ لكونه طريقًا إلى حصوله وإلا فحقيقته هي الفائدة المستفادة من اللفظ. الثاني تقسيمه: وهو إما يحسب ذاته أو متعلقه وهو الفعل لكن من حيث هو متعلق لا من حيث ذاته وإلا لا. ورد في قسم المحكوم فيه، والثاني إما يحسب زمانه أو غايته أو تعلق الحكم به أو نسبة بعضه إلى بعض أو عروض العذر عن أصله فهذه ستة وسابعها التقسيم الجامع الذي سلكه أصحابنا جزاهم الله عنا أحسن الجزاء مع ما يتعلق به رأينا أن توخره عن أحكام الأحكام. التقسيم الأول له مقدمات: 1 - أن الخطاب قوله والقول ليس لمتعلقه منه صفة حقيقية ولذا جاز تعلقه بالمعدوم فهو تعلق واحد بين الحاكم والمحكوم به يسمى بنسبته إلى الحاكم إيجابا وتحريما وبنسبته إلى المحكوم به وجوبًا وحرمة فلذا جاز تقسميمه إلى الأولين والأخيرين والمختلفين وسقط الاعتراض بان الوجوب ما ثبت بالخطاب لا عينه أو بان تقسيم الخطاب إليه فاسد. 2 - أن الترك بمعنى عدم الفعل لا يصح طلبه في الصحيح إما لأنه غير مقدور وإما لأنه لو كان مطلوبًا لترتب عليه الثواب فكون كل مكلف مثابًا باعتبار عدم فعل المنهبات التي لا تحصى ولا قائل به والمطلوب هو الفعل كفا كان أو غيره. 3 - أن يكون ترك الواجب سببا للعقاب على وجوه تركه في جزء كما في الواجب المضيق وتركه في جميع وقته كما في الموسع وتركه مع قطع النظر عن الغير كما في العين وتركه إذا تركه غيره أيضًا كما في الكفاية وتركه مطلقًا كالتصديق وتركه بلا عذر كالإقرار بلا إكراه ومنه ترك الصلاة نائمًا وساهيًا أو مسافرًا للركعتين الساقطين. 4 - أن معنى سببية الفعل للثواب والعقاب ليس الإيجاب على تقدير عدم التوبة كما عند المعتزلة بل الإفضاء إليه بمقتضى الوعد أو الوعيد لولا العفو وقيل: الترتيب الملايم للعقل والعادة فالأسباب إمارات في الحقيقة وعلل تمثيلية. 5 - أن الخطاب أن كان ما من شأنه الإفهام فالكلام في الأزل خطاب وإن كان ما فيه الإفهام فليس خطابا وإذا تقررت فالحكم أن كان طلبا فلا بد أن يتسبب الإتيان به للثواب

فأما لفعل غير كف فإن تسبب تركه للعقاب أيضًا فواجب، وإلا فندوب وإما لفعل هو كف فإن تسبب المكفوف عنه للعقاب أيضًا فحرام وإلا فمكروه وإن لم يكن طلبًا فإن كان تخييرًا بين الفعل والكف فإباحة وإلا فوضعي وقد علم به حد كل واحد منها كما أن الوجوب خطاب هو طلب فعل غير كف يتسبب تركه للعقاب والواجب هو ذلك الفعل وتقييد الترك بجميع الوقت غير لازم لأن تسبب الترك في الجملة للعقاب متحقق في الموسع بل مفسد لأن ترك المضيق في جزء سبب للعقاب إلا أن يقال المترك في الجزء عين المتروك في الكل وهو تأويل وكون المراد بالفعل مأخذ صيغة الطلب أو بالكف مدلول صيغته قرينة الشهرة لا يرد ورود كف نفسك عن الزنا طردًا على الحرمة وعكسًا على الوجوب وعكسه لا تكفف عن الصلاة إذ ليس لهما صيغة مخصوصة فحدهما حينئذ لا يتناولان نحو كتب عليكم الصيام وحرم عليكم الميتة اللهم إلا بعد تأويلهم بالأمر والنهي إما كونه وجوبًا وحرمه بالاعتبارين فيقتضى إرادة قيد الحيثية في تعريفهما وتداخل هذه الأقسام وإن يكون غير كف في تعريف الوجوب زائد بل نحلا إذ لا يكون كف نفسك عن الزنا حينئذ وجوبًا بالنسبة إلى الكف وإن يكون لا تكفف عن الصلاة وجوبًا وحرمة بالاعتبارين ولم يقل بواحد أحد وقيل: الواجب ما يعاقب تاركه أي بحسب إمارته ويجوز التخلف عن الإمارة بالعفو فلا طعن بجواز العفو، وقيل: ما أوعد بالعقاب على تركه أي ذكر أمارة عقابه فلا طعن بأن الإيعاد صدق فيرد ما مر مع أن معارضة صدق الوعد بالعفو لمن يشاء بصدق الإيعاد يقدح في الاستلزام، وقيل: ما فيه خوف العقاب على تركه وأورد على طرده بغير الواجب في نفس الأمر الذي يشك وجوبه وعلى عكسه بالواجب في نفس الأمر الذي يشك في وجوبه وأجيب بأنا في صدد تعريف الأحكام التي يجب على المكلف العمل بها وهو تابع لظن المجتهد فكما إذا اعتقده يكون بالنسبة إليه واجبًا وإن لم يكنه في نفس الأمر كذلك عكسمه فكذا إذا شك لم يتعلق به الحكم وقال القاضي ما يذم تاركه شرعًا بوجه ما أي بنص الشارع على ذمة نحو {فويل للمشركين} الآية أو على دليل ذمه نحو من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر ومنه التسوية بينه وبين ما علم وجوبه ومواظبة الرسول بدون الترك أحيانا عندنا ولا يرد عليه النفل المتروك مع واجب لأن المفهوم من ترتيب الذم على المشتق عليه الترك وترك النفل ليس بعلة للذم في تلك الصورة ولا ما أوجبه الله ولم ينص بالذم ودليله لأن ما استوى عندنا لا يوصف بالوجوب كما ذكره الغزالي وإنما قال بوجه ما لئلا يبطل عكسه بالموسع فإن

التقسيم الثاني الحكم بحسب زمانه

المكلف إنما يذم بتركه في جميع الوقت لا بتركه في جزء منه مع صدق التارك عليه لأن المطلقة الوقتية تستلزم المطلقة وبغرض الكفاية فإن المكلف إنما يذم بتركه إذا ظن أنه لم يأت به غيره سواء وجب على الجميع أو على واحد إما إذا ظن إتيان غيره به فلا وكذابًا لمخير على القول بأن كلًا واجب ويسقط بفعل أحدها البواقي وإما على القول بأن الواجب واحد منهم فتركه بترك الكل، ولذا عمت النكرة في سياق النفي فيذم تاركه بأي وجه كان قيل لكنه أبطل طرده فإن صلاة النائم والناسي وركعتي المسافر لا صومه فإنه واجب مخيرًا وموسع غير واجبه ويذم المكلف بتركها على تقدير انتفاع الأعذار وأجيب بأن سقوط الوجوب بالعذر لا ينافيه مع أن نفس الوجوب عندنا باق والمتراخي وجوب الأداء لكنه لا يتمشى في ركعتي المسافر ورد بأن سقوط وجوب الفعل في الكفاية بفعل البعض الآخر وفي الموسع بالفعل في وقت آخر كسقوط وجوب الفعل بالعذر فلو اعتبر السقوط بالعارض ولم يعد واجبًا لم يعد الكفاية والموسع أيضًا واجبين في هاتين الحالتين فلا يحتاج إلى إدراجهما بل يختل طرده بهما أيضًا وإن عد الساقط وجوبه لعارض واجبًا فليعد الساقط ذم تاركه مذمومًا تاركه فيذم تارك الكل مطلقًا فلا حاجة إلى ذلك القيد أصلًا وأجيب بأن ترك الكفاية والموسع لا يتغير بفعل الغير وفي وقت آخر وترك النائم ليس ترك النائم حين لا نوم فالمتغير ها هنا نفس الترك وثمه خارجي وبينهما بنون ورد بأنه لا يتمشى لو اعتبر السبب ترك المكلف لا ترك النائم وجوابه أن اعتبار المكلف مطلقًا يدخلها في الواجب فلا محذور في صدق حده عليها. التقسيم الثاني الحكم بحسب زمانه وهو إما أداء أو إعادة أو قضاء لأن الفعل قبل وقته لا وجوب له وفيما جاز فيه يسمى تعجيلًا كالزكاة قبل الحول وفي وقته أن فعل أولًا فأداء أو ثانيًا لخلل فيه كنقص الواجب أوله ولعذر في الثاني كإحراز فضيلة الجماعة فأعاده وقيل: في وقته أداء مطلقًا فالاعادة قسمه لا قسيمة والحج المأتي به بعد فاسد إعادة وتسميته قضاء مجاز لأن وقته العمر وربما يذهب إلى العكس لنعين السنة بعد حضور الميقات وبعد وقته قضاء أن كان لاستدراك ما يسبق له وجوب كالظهر المتروكة عمدًا أو سبب وجوب لكن مع إمكانه كصوم المسافر والمريض أو امتناعه عقلا كصلاة النائم والناسي أو شرعًا كصوم الحائض والنفساء لا كالصبي لأنه يمنع التكليف، وقيل: حقيقة القضاء في الأول ولا نزاع في التسمية المجازية ونية القضاء في البواقي والصحيح ما ذهب إليه مشايخنا من تحقق نفس

الوجوب في الجميع المنوط بإمكان الأداء كما في فاقد الطهورين والمحدث حال ضيق الوقت والسكران والمتراخي في البواقي وجوب الأداء وسنفسرهما إذ لا قضاء بل ولا الوقت لما لم يجب ولولا اعتبار الإمكان لكان النوم كالصبي مانعًا لعدم الفهم ولا فرق بالتقصير لأنه ضروري وتمسكهم بأن نفس الوجوب يمنع جواز الترك وهو مجمع عليه مبني على عدم الفرق بين جواز الترك والتأخير فالاستدراك في الكل لنفس الوجوب. فالأداء ما فعل أولًا في وقته المقدر له شرعًا (¬1). فأوّلًا: أن قيد به احتراز عن الإعادة وفي وقته عما قبله وبعده والمقدر عن النوافل المطلقة إذ لا أداء لها ولا قضاء إما الموقتة ففى وقتها أداء وبعده ليست قضاء فالأداء أعم من الواجب من وجه لا القضاء، وقيل: وهذا القضاء لأن الرواتب وصلاة العبد بعد وقتهما قضاء حقيقة لا مجازًا أو الأصح هو الأول لأن القضاء يعتمد وجوب الأداء وقضاؤها بعد الإفساد عندنا للوجوب بالشروع وشرعًا عن المقدر لا شرعًا كالشهر الذي عينه الإِمام للزكاة والجزء من الوقت الذي عينه المكلف للصلاة فليستا أداء من حيث هما فيهما ولا قضاء من حيث هما بعدهما وقيل أولًا قيد للتقدير ليتناول قسيمة الإعادة واحتراز عن الوقت المقدر شرعًا ثانيًا كوقت الذكر بعد الوقت وفيه بحث من وجوه: 1 - وقت الذكر ليس مقدرًا فإنه تعيين الأول والآخر يؤيده قولهم القضاء فرض العمر ونسبة الشارع إلى وقت الذكر لأنه الصالح لقضائه لا وقت النسيان. 2 - أن تقييد التقدير بأولًا يخرج شهر الإِمام ووقت المكلف لأنهما مقدران ثانيًا فلا يبقي إلي شرعًا حاجة. 3 - أن أولًا ها هنا مقابل ثانيًا في الإعادة وذلك قيد الفعل باعترافه فلهذه قرار بفعل، والإعادة ما فعل في وقته ثانيًا لخلل أو لأحد الأمرين على المذهبين (¬2)، والقضاء ما فعل بعد وقته المقدر شرعًا استدراكًا لما سبق (¬3) نفس وجوبه سواء سبق وجوب أدائه أولًا وكأنه المراد بما سبق له وجوب مطلقًا وإلا فالوجوب على غير المستدرك لا يفيد في حقه وقيل: لسبق وجوب أدائه وكأنه المراد بما سبق وجوبه على المستدرك والثمرة في الأمثلة البواقي المذكورة وقيد الاستدراك لإخراج إعادة المؤداة خارج الوقت وإعادة القضاء، ¬

_ (¬1) انظر/ المحصول للرازي (1/ 27)، نهاية السول للإسنوي (1/ 109). (¬2) انظرلم المحصول للرازي (1/ 27)، نهاية السول للإسنوي (1/ 109). (¬3) بأن آخره عمدًا، انظر/ المحصول للرازي (1/ 271)، نهاية السول للإسنوي (1/ 109).

وقال أصحابنا رحمهم الله الإعادة لبطلان الأول أداء ولفساده ليست واجبة والأول هو الموقع عن الواجب والثاني جائز لأن الإتيان بالمأمور به على الكراهة يخرج عن العهدة كالطواف محدثًا خلافًا لهم والواجبات المطلقة كالزكاة والكفارات والنذور المطلقة أداء بالنص ولا توقيت فيها شرعًا فالأداء تسليم نفس الواجب بالأمر صريحة نحو أقيموا أو معناه نحو {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (آل عمران: من الآية 97) إلى من يستحقه كأداء الأمانات فإن أريد به وجوب الأداء وهو طلب إيجاد الواجب بالسبب بالخطاب وذلك بالأمر صح في الكل لأن للواجب به فعل خارجي وإن أريد نفس الوجوب وهو أن يتعلق بالمكلف الواجب بالسبب كالوقت وكانت إضافته إلى الأمر وسعًا لأنه سبب تعيين السبب فتصحيحه في العبادات والديون المطلقة بان أقرب طرق تفريغ الذمة أخذ حكم عينه وربما يفسر بتسليم عين المطلوب فيتناول المندوب وربما بتسليم عين الثابت بالأمر فيتناول المباح أيضًا وذلك مبني على جعل الأمر أي لفظ (أم ر) لا صيغته حقيقة في الندب أو الإباحة ولا بينهما ولهما القضاء كما مر والقضاء تسليم مثل الواجب من عنده بخلاف صرف دراهم الغير إلى قضاء دينه أو ظهر الأمس وإن كانت المماثلة أقوى فيه من النقل والمراد المماثلة في رفع لا نعلم لا في إحراز الفضيلة كما بين أداء المعذورين وغيرهم وهو في الموقتة بعد أوقاتها ولق غيرها مطلقًا كالأداء فيها أو مطلقًا ويستعمل أحدهما في الآخر لكن لأن القضاء لغة الإسقاط والإتمام صار استعماله في الأداء نحو {فَإذَا قَضيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (البقرة: من الآية. 200) حقيقة لغوية وإن كان مجازًا شرعيًا والأَداء ينبئ عن الاستقصاء وشدة الرعاية نحو الذئب يأدو للغزال يأكله لم يكن في القضاء ولا مجازًا محتاجًا إلى قرينه لغة أيضًا لا يقال فلا يصح القضاء بنية الأداء بعد الوقت على ظن بقائه ومنه نية الأسير صوم رمضان بالتحري وقد وقع بعده وإن صح عكسه كالأداء في الوقت بنية القضاء على ظن خروجه لأنا نقول ليست هذه مما نحن فيه لأن الجميع حقائق بل صحتها مبنية على وجود أصل النية والخطأ في الظن ومثله معفو. تقسيمها: الأداء المحض بجميع الأوصاف المشروعة كامل وبعضها قاصر زائد قصوره أو ناقص وغير المحض شبيه بالقضاء وكذا القضاء المحض مع إدراك المماثلة فبمثل معقول كامل أو قاصر ومع عدمه فبمثل غير معقول وغير المحض قضاء يشبه الأداء وعدم اعتبار قسمي المعقول وغيره فيه ليس اعتبارا لعدمهما وكل من الستة يدخل في حقوق الله وحقوق العباد فالأقسام اثنا عشر ففي حقوق الله تعالى الأداء الكامل الصلاة بجماعة أن

سنت فيها كالتراويح والوتر في رمضان وإلا فصفة قصور كالإصبع الزائدة والقاصر الزائد قصوره كصلاة المنفرد لقصورها بسبع وعشرين درجة عنها بالجماعة ومن إمارته سقوط وجوب الجهر فإنه في الجهر به صفة كمال لوجوب السجدة بتركه سهوا ولئن جهر لا يحرز به ثواب الواجب لعدم وجوبه والناقص قصوره كصلاة المسبوق منفردًا فإنها أداء ولذا يقرأ ويسجد للسهو ويتغير قصرها إلى إلاكمال بالمغير كنية الإقامة أو دخول العصر للتوضيء قبل فراغ أمامه أو بعده وفائقة على صلاة المنفرد لأداء بعضها بالجماعة وبناء كلها على تحريمة الإمام ولذا لا يقتدي به بخلاف المنفرد وقوله عليه السلام "وما فاتكم فاقضوا (¬1) " مجاز ويروي فأتموه والشبيه بالقضاء صلاة اللاحق وهو الشارع مع الإِمام المتمم لا معه لعذر كالنوم أو الحدث والبناء وقتًا وهو الأصل بل وتحريمة وقضاء لما أنعقده له إحرام الإِمام لا يعنيه لفوت ملتزمة معه بل بمثله لعارض وهو التبع ويجوز إنصاف مجموع بمتضادين بل وواحد باعتبارين فالمسافر الذي اقتدى يمثله في الوقت فسبقه الحدث أو نام فانتبه فأقام أو دخل مصر لوضوء قبل فراغ الإمام يتم أربعًا باعتبار الأداء كما لو تكلم قبله أو بعده فإنه لابطاله يوجب الاستيناف موديًا وإن أقام بعد فراغه فركعتين يشبه القضاء الحاكي للأداء وعمل به بعده لفوت ملتزمه بآخره بخلاف المسبوق، وقد تأيد بالأصل وهو عدم التغير على أن التغير لم يثبت بالشك يؤيده مسألة الجامع من حلف أن صليت الجمعة مع الإِمام يحنث أن صلى لاحقًا إنما بعد سلامة لا مسبوقًا تركعه وعند زفر أربعًا لأنه كالمسبوق في انفراده حقيقة أو كالمعتدي حكمًا قلنا بل كالمقتدي والقاضي فيوفر خط الشبهين والقضاء يمثل معقول كامل كقضاء الفائتة بالجماعة والصوم بالصوم أو قاصركقضائها منفردًا، وفيه بحث لأن وصف الجماعة لا يثبت في الذمة لأنه سنة مؤكدة لها شبه الوجوب فلذا يثبت القصور في الأداء لفوته لأنبائه عن شدة الرعاية ولا يثبت في الذمة لسنته ولذاكره قضاء الصلوات علانية وحمل قضاؤه عليه السلام غداة ليلة التعريس بجماعة على أنه أداء من وجه ثان قبل الزوال حكم الصبح كما في قضاء سنة الفجر وتدارك ورد الليل فكان أن يكره الجماعة على القضاء لولا بناؤه على الفائت فالحق أنهما كاملان وبالجماعة أكمل ويمثل غير معقول ونعني به عدم تعقل المماثلة لا تفعل ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتفى (1/ 84) ح (305)، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 3) ح (1505)، وابن حبان في صحيحه (5/ 517) ح (2145)، والبيهقي في الكبرى (2/ 297) ح (321)، والنسائي كما الكبرى (1/ 30) ح (934)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 238) ح (7249).

عدمها وإلا لتناقض حجج الله تعالى فإن العقل منها وذا أمارة العجز كالفدية للصوم إذ لا نعقلها بينهما لا صورة لأنهما إمساك وإعطاء ولا معنى فإنهما إتعاب النفس بالكف عن الشهوة ودفع حاجة الفقير لا لأن أحدهما مفض إلى الإيجاع والآخر إلى الاشباع فيضادان إذ لا تضاد لاختلاف المتعلق بل رما قيل يتناسبهما من حيث أن إعطاء الشيء منع للنفس عن الارتفاق به وإذ اللازم منه تعقل عدم المماثلة وهو غير مراد فجوازها بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذينَ يُطقُونَهُ} (البقرة: من الآية 184) على أنه مختصر بحذف لا بإجماع القائلين بأنه ثابت وإن جواز احتمال يصومونه جهدهم ومبلغ وسعتهم وهم الشيخ الفاني ومن بمعناه في العجز المستدام فلا ينافيه الحمل على التخيير الثابت في بدء الإِسلام أن قيل بنسخه وكالإنفاق للحج لا صورة لأنهما تنقيص وقصد ولا معنى لأنهما إشباع الغير وتعظيم المكان فجوازه بحديث الخثعمية ولوروده في عجز الشيخوخة وإنها دائمة اشترط في فرضه العجز الدائم كما عن الميت وعن المريض مرض الموت لا في تطوعه لأن مبناه على التوسع ثم عن محمَّد رحمه الله تعالى وقوعه عن المأمور لأن النيابة لا يجرى في العبادة البدنية وللآمر ثواب النفقة ويسقط حجة لإقامة السبب وهو الإنفاق مقامه للعجز أو لأن الواجب حينئذ ما قدر عليه لا ما عجز عنه ولذا اشترط أهلية النائب فنجز إنابة الذمي له وأتما لم يسقط به فرض المأمور لأن شرطه الشبه لنفسه أو مطلقًا ولم يوجد قلنا بل للآمر بالنص المذكور وغيره ولذلك يضمن النفقة بالنبة لنفسه ويسقط لو حج عنه بلا إنفاق ما له لا يعكسه وليست بذنبه مخضة لعد الاستطاعة المالية من الممكنة فالتمثيل بالانفاق على الأول إذ على الثاني قام فعل غيره مقام فمثل نفسه فيقال لا مماثلة بين الفعلين أيضًا لأن معنى المباشرة أتعاب النفس وهو لا يحصل بفعل الغير. وهاهنا أصل كلي: كل ما لا يعقل له مثل في معناه لا يقض إلا بنص فعند فواته يسقط كتعديل الأركان إذ لا مثل له منفردًا عنها لعرضته وأطالها لفواته قلب المعقول فلم يبق إلا الإثم ولرمي الجمار ووجوب السجود والذم بتركهما لجبر نقصان العبادة لا للبدلية وكجودة الدراهم إذ أديت الزكاة بزيوف تسقط إذ لا مثل لها صورة لعرضيتها ولا قيمة لأنها غير متقومة ع المقابلة بجنسها ولذا لا يصح أداء أربعة جياد عن خمسة زيوف لا عند زفر ولا يجب الزكاة بالحولان على ما قيمته مائتان ووزنه أقل واحتياط محمَّد لفي إيجاب قيمة الجودة لتقومها في الجملة كما إذا غصب جيادًا أو حابى قلبًا ووزنه عشرة

وقيمته عشرون بعشرة لا تسلم الزيادة أو باع لوصى درهما جيدًا بردى لا يجوز ولأن عدم اعتبارها للربا ولا ربا بين المولى وعبده ولأن فيه ربا نظرا إلى أن الواجب حق الفقير ولذا يضمن بالاستهلاك والحق كالحقيقة ولا الربا فيه نظرًا إلى أنه ليس ملكًا له حتى يصير مملكا إياه بما أخذ في اعتبارنا جهة الربا أن نفع للفقير إلا فلا كما في مسألتنا قلنا لما استفرضنا الله وملكنا جعلنا بمنزلة المكاتب أو الحر فيجري الربا والتفصيل منقوض بمسألة الحولان وكوقوف عرفة والأضحية وتكبيرًا التشريق بصفة الجهر لم يعرف شىء منها قربة إلا في زمانه وبفوته يتقرر حكم السقوط فلا يعود بعود مثل زمانه ولا يفتقض بإيجاب الفدية لصلاة الشيخ الفاني بلا نص حيث جعل كل صلاة يمنزلة صوم يوم في الصحيح قياسًا عليه والتصدق بعد أيام النحر بعين الشاة المعينة للتضحية بالنذر أو بشراء الفقير لها أو القيمة فيما إذا استهلكت تلك الشاة أو لم يضح الغني لأن وجوب الفدية عمل بأحوط الاحتمالين وهو تعليلها بالعجز في الصوم والصلاة مثله بل أهم بحسنها الذاتي فإن وجب به فيها وإلا فقداني بالمندوب ولذا لم يجزم محمَّد رحمه الله تعالى ورجي القبول كما إذا تطوع بها الوارث عمن لم يوص وأهمية الصلاة لم توجب الجزم بالوجوب فيها بدلالة النص وإن لم يعقل كوجوب الكفارة بالأكل والشرب لأن شرط الدلالة علم المعنى الموثر عقل تأثيره كالإبداء بالتأفيف أولًا كالجناية على الصوم في إيجاب الكفارة المكيفة ولا علم به هنا، قيل وفيها يجب إذ لا نعلم أن الجناية على الصوم هي المؤثرة بإطلاقها في إيجاب الكفارة وسيظهر جوابه إن شاء الله تعالى، وكذا التصدق بعد أيام النحر لأنها عبادة مالية ولذا شرط الغنى فيها فكما أن التضحية أصل بظاهر النص يحتمل أن يكون التصدق أصلًا كما في سائرها لكن لتطيب طعام الضيافة بنقل الخبث الثابت في مال الصدقة لإزالته الآثام ولذا حرم على النبي وانسابه والغنى إلى الدماء نقله الشارع إلى التضحية وهي بمجرد الإراقة عند محمَّد لأن المذبوح باق على ملكه يأكله ويضمن له مستهلكه ويورث عنه ويجوز بيعه والتصدق بثمنه لأنه سبيل الملك الخبث وبها وبإزالة حق التمول عند أبي يوسف، قيل: وعند الإِمام لأن القربة كما يتأدى بالدم يتأدى بأجزائها ولذا يشترط سلامتها ويجب التصدق بثمن ما باع منها وإبطال حق التمول لا يوجب بطلان أصل الملك؛ لأن القربة كما تتأدى بالدم تتأدى بأجزائها ولذا يشترط سلامتها ويجب التصدق بثمن ما باع منها وإبطال حق التمول لا يوجب بطلان أصل الملك فالتوفيق بين الأحكام فيما قالا والثمرة جواز الرجوع في هبة الشاة المضحاة عنده لا عندهما وإلا بطل القربة

بالعين غير أنا لم نعلم بالاحتمال المطون في معرضة المنصوص لمتيقن ما بقي الوقت وعملنا بعده احتياطًا لا على أنه مثل لها ولذا لم ينتقل الحكم إلى الأضحية في العام القابل خلاف الفدية لأن الحكم بالشيء إذا وقع بجهة الأصالة ولو من وجه لا يبطل بالشك فلا يرد الإيراد بأنه كما لا يصح اعتبار خلفية التصدق وإلا لوجب التضحية في العام القابل لا يصح اعتبار الأصالة وإلا لجاز التصدق في أيامها كصلاة الظهر في منزله وقت الجمعة لأن المعمول به احتمال اعتبار الاصالة لا نفسه والذي يشبه الأداء كان يأتي من أدرك الإمام في ركوع العيد بتكبيراته فيه إذا خاف فوته لو أتي بها قائمًا فيكبر فرضًا للافتتاح قائمًا وواجبًا للركوع هاويًا وللعيدية فيه بلا رفع يد إذ لا يترك سنة لسنة فهذا قضاء بأصله لفوت وقتها ولا مثل لها قربة فيه ليصرفه إلى ما عليه فينبغي أن تسقط كما روي عن أبي يوسف رحمه الله كما إذا ترك لقنوت من أدرك الإِمام في الركوع من وتر رمضان أو تركها الإمام أولًا يجوز قضاؤها فيه كما إذا ترك القراءة أو تكبير الافتتاح فجوز لشبه الأداء إذا لعبادة مما يثبت لشبهة الوجوب احتياطيًا لأن الركوع يشبه القيام لبقاء الانتصاف في النصف الأسفل وهو الفارق إذ قيام البعض به وحكمًا لأن إدراكه إدراك الركعة بل ولأن تكبير الركوع هنا واجب مثلها ولذا يجب بسهوه سجوده وهو عند الهوى فكان لها مثلًا فالحقت به بخلاف القنوت والقراءة والتحريمة وبخلاف الإِمام لقدرته على العود إلى القيام وكقضاء السورة الفائتة عن الأولين في الآخرين لشبه الأداء من حيث أن موضع القراءة جملة الصلاة ولذا يفسدها استخلاف الأمي في الآخرين إلا عند أبي يوسف رحمه الله وتعين الشفع الأول بخبر الواحد لا يرفع شبهة المحلية عن الثاني فوجب لشبه الأداء احتياطيًا إما الفاتحة الفائتة فتسقط لتعذر الاتيان بها في الثاني قضاء لعدم مشروعيتها فيه نفلًا مطلقًا بل مع جهة وجوب احتياطي لقوله عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومثله لا يصرف إلى ما عليه ولا شبه أداء إذ لو لم تتكرر وقعت عن مستوى فيه جهة الوجوب ولو تكررت في ركعة خرجت عن المشروع ولا يدفعه اعتبار النقل لأنه من جهة القضاء على أن صورة التكرار فيها كافية بدعة وعكس عيسى ابن أبان الوجوب الفاتحة وإنها مشروعة في الجملة وسببه السورة السنة في غير موضعها بدعة وبهذا طعن يحيى في الجامع وظهر جوابه وروي الحسن قضائهما وعن أبي يوسف سقوطهما تركيبا فيهما من النكتتين. وفي حقوق العباد الأداء الكامل كرد المغصوب كما غصب وتسليم المبيع كما بيع

وأداء الدين والمسلم فيه ورأس ماله وبدل الصرف كما ثبت وليس قضاء لأنه أقرب طرقه فجعل عينه حكمًا لتعذره حقيقة ولذا لم يكن قبضه في الصرف والسلم استبدالًا ويجبر على قبوله في غيرهما أيضًا ولا قاصرًا لأنه أداء أصلًا ووصفًا ومنه إطعام المغصوب مالكه بلا تغيير قاطع حقه ولا علم منه خلافًا للشافعي -رحمه الله- في القديم لوصول ملكه إليه صورة ومعنى لنفوذ كل تصرف له فيه غاية الأمر جهله يملكه أو بنفوذ تصرفه وذلك لا يبطل الأداء كأكله بنفسه وكذا إعتاقه بأمر الغاصب كإعتاقه بنفسه ظنًا أنه ملك الغير ونحوه قبول البايع للمشترى أعتق عبدي هذا فأعتقه من غير علم له الأداء بالرد المأمور به وهذا غرور إذ لا تحامي عن إتلاف ما يباح من مال الغير عادة ولئن كان أداء فقاصر لأنه ما أعاد إلا يد الإباحة قلنا المضمن غرر العقد كولد المغرور لا غيره كما مر والعادة لا على الديانة الصحيحة المفهومة من الحديث لغو وجهة الإباحة في هذه اليد ساقطة بالإجماع إذ لا يتصور مع الملك ولئن قصر الأداء فقد تم بالأكل وغيره. والقاصر كرد المغصوب مشغولا بالجناية على النفس أو الطرف أو بالدين للإذن أو لاستهلاك المال فلو هلك قبل الدفع أو البيع فيه بريء الغاصب لكونه أداء وإذا دفع أو قتل أو بيع فيه رجع المالك عليه بالقيمة وفاقًا قاصرًا وكتسليم مشغولًا بالدين والمبيعة حاملًا فلو بيع يرجع بكل الثمن أو هلكت بالولادة فينقصان العيب وفاقًا فيهما أو المبيع مشغولًا بالجناية وكذا رد المغصوبة حاملًا فلو هلك هو يرجع لكل ثمنه أو هي فقيمتها يوم علقت عند الإمام وعندهما تسليمه وردها أداء كامل أي تام فيرجع بنقصان العيب لهما في مباح الدم إنها كالعيب لا يمتنع تمام التسليم وإن مكن كمال الأداء لتعلق جزاء الجنابة بالآدمية ولذا صح شراؤه وإن أبى ولي القتيل، ولو تعلق بالمالية لقدر على منعه كالرهن فمورد البيع المالية وتلفها بالاستيفاء الاختياري وقع بعد ما دخل في ضمان المشتري فلا يستند إلى الجناية السابقة فلا ينتقض التسليم كما لو سلم للمبيع الزاني فمات بالجلد عند المشتري بخلاف الاستحقاق بملك أو دين أو رهن حيث لقي المالية وبخلاف الغصب فإن فسخ فعله ورده كما غريب وأجيب وفي الحامل أن الأصل في الحمل السلامة والهلاك مضاف إلى الطلق لا إلى الانفلاق كما لو حملت عند الغاضب فهلكت بها بعد الرد ضمن النقصان لأن هلاكها لضعف الطبعة عن دفعها لا بأول الحمى فإنه غير موجب لما بعده وقلنا بل كالاستحقاق لمنع لقامه لأنه لما زال يده بسبب عند البايع أضيف زواله المتلف لماليته اليد لأنه في معنى علة العلة والجلد ليس بمتلف بل التلف به لحرق الجلاد أو

لضعف المجلود غاية ما ذكراه صحة الشراء وهي لايمنع رجوع الثمن كما إذا اشترى عالمًا بحل دمه يرجع بالثمن في أصح الروايتين كالاستحقاق ولئن سلم فعلمه جعل مانعًا عملًا بشبهتي الاستحقاق والعيب حال الجهل والعلم إذ مع العلم التزام الضرر إما في الحامل فلئن سلم عدم رجوع الثمن في بيعها فلأن الأصل السلامة كما سلف وفي غصبها لا بد من فسخه وردها كما غصبت ومنه أداء الزيوف عن الجياد في الدين أداء للجنسية حتى لو تجوز بها في الصرف والسلم لا يكون استبدالا قبل القبض وقاصر لعدم الوصف فيردها قائمة إذا لم يعلم به حين الأخذ وإذا لم يتبدل المجلس في الصرف والسلم وإذا هلكت عند القابض يبطل حقه في الجودة عند الإِمام ومحمد قياسًا إذ لم يجز إبطال الأصل لوصفه كما مر كيف وإبطاله بتضمين القابض حقًا لنفسه إذ لا طالب والإنسان لا يضمن لنفسه واستحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى رد مثل المقبوض لأن مثل الشىء كنفسه لا قيمة للربا إحياء لحقه في الوصف كالقدر ولو اعتبر جنسية المقبوض أسقط الرد حالة القيام أيضًا ولا نعلم بطلان التضمين لنفسه عند الفائدة كشري مال المضاربة أو كسب ما دونه المديون أو ماله مع مال غيره قلنا قياس عليهما مع الفارق وهو معنى التضمين فوجب على كل من الصاحبين الفرق بينه وبين مسألة الزكاة على التعاكس ففرق أبو يوسف رحمه الله تعالى بعدم إمكان تضمين الفقير ثمة لما قبضه إذ هي له كفاية من الله لا من المعطي ولذا لا يتمكن من ردها قائمة وطلب الجياد ولا من مطالبتها من الغني وبدون التضمين يتعذر اعتبارا الجودة ورب الدين يتمكن من مطالبته جبرًا أصلا ووصفًا ومحمد بأن تضمين القيمة ثمه لعدم مانع الربا بين المولى وعبده وهنا بين العباد. والشبيه بانقضاءكالتسليم فيما تزوج امرأة على أبيها عبده فعتق إذ نفس العقد بقيد ملك العوضين فاستحق الأب بقضاء فوجب قيمته للعجز عن تسليمه وبطل ملكها وعتقه كما على عبد الغير ابتداء ثم أن ملكه المتزوج قبل القضاء بالقيمة وجب تسليمه إليها لأنه أداء لعين الملتزم حتى لو امتنع عنه بعد طلبها أو أبت عن القبول بعد دفعة يجبر بخلاف ما إذا استحق المبيع قبل التسليم فاشتري من المستحق لا يجبر عليه لانفساخ البيع الموقوف عنا وقيام النكاح ثمه لكنه يشبه القضاء لما علم من حديث بريرة رضي الله عنها أن تبدل الملك بمنزلة تبدل العين ولأن تعلق الحكم الشرعي بالشىء المملوك لا من حيث هو والألم يتغير كلحم الخنزير بل باعتبار مملوكيته فيتبدل مجموع بتبدله وهو المراد بالعين سواءٌ اعتبر مجرد الذات جزءًا أو مقيدًا فلذا لا يعنق عليها قبل تسليمه إليها لو القضاء لها

وينفذ فيه تصرفاته قبلهما قبلت الفسخ كالبيع والهبة أولًا كالكتابة والإعتاق ولم ينقض قابله كما ينقض تصرف المشتري في الدار المشفوعة لئلا يفوت حقه في التصرف بلا خلف كما فيها بالثمن إما إذا قضي بالقيمة وتعين حقها فيها فلا يعود كما في مثلي غصب فقضي بقيمته لانقطاع المثل ثم جاء ألوانه بخلاف القيمي الظاهر بعد القضاء بالقيمة بقول الغاصب مع يمينه والقضاء بمثل معقول ينقسم صحيحًا ها هنا إلى كامل المغصوب بمثله صورة ومعنى في المثليات قبل انقطاعها ومنه مثل القرض لا من الأداء كالدين لامكان أدائه باقرب وهو رد عين المقبوض وشبهه بالأداء لأن لبدل المقبوض حكم عينه كيلا يكون مبادلة الأجناس نسيئة ولذا لم يلزم فيه التأجيل كالإعارة عندنا خلاف الديون لا يقتضي عده أداء لأن ذلك لضرورة الاحتراز عن الربا فلا يتعداه نعم يقتضي عده شبيها به وكأنه فائدة الفصل فتذكر ما سلف أن عدم الاعتبار ليس اعتبارا للعدم وإلى قاصر وهو القضاء بالمثل معنى وهو القيمة فيما لا مثل له كالحيوان والنبات والعدديات المتفاوتة أوله مثل كالمقدر والمعدود المتقارب لكن انقطع فلم يوجد في الأسواق والأصل هو الأول ولا يصار إلى الثاني إلا عند تعذره لأنه المثل المطلق الثابت بنحو قوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: من الآية 194) وفقهه تحقيق الجبر بكلا الوجهين، وعند العجز عن أحدهما يبقي الآخر المقدور ويؤيده الخبر المشهور وهو قوله عليه السلام: "من اعتق شقصًا له في عبد قوم عليه نصيب شريكه (¬1) " أن كان موشرًا وذهب المدنيون إلى تضمين القسم الثاني بمثله من جنسه معدلًا بالقيمة لأنه المثل صورة ومعنى ولضمان عائشة - رضي الله عنه - القصعة التي كسرتها لصفية واستحسنه النبي عليه السلام وعثمان أبال الأعرابي وفصلانه بمثلها لتعدي بني عنه بمشورة ابن مسعود - رضي الله عنه - قلنا الأول على سبيل المروة وإلا فالقصعتان للرسول عليه السلام أو لعلهما من العنديات المتقاربة والثاني علي سبيل الصلح شرعًا إذن مؤاخذة بجناية بني العم. فرعان: 1 - قال الإِمام لولي الرجل أن يقطع فيقتل من قطع يده قبل البرء عمدًا لأنه مثل كامل فيه المساواة في الفعل ومقصوده إلا أن يكتفي بالمقصود وقالا بقتله فقط لأن القتل بعد القطع قبل البرء من واحد على اتفاق صفتهما عمدًا وخطًا تحقيق لموجبه عند السراية فكانا جناية واحدة بخلاف لخلل البرء لأنه ينهى حكم أحدهما ومن اثنين لامتناع إضافة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2/ 882) ح (2359)، ومسلم (2/ 1140) ح (1503).

فعل أحد إلى غيره وعند اختلاف الصفة إذ به يختلف الأثر كما يتعدد المحل فالصور اثنا عشر، عشر منها جنايتان والخطآن بشروط الاتحاد واحدة وفاقا فيهما قلنا القصاص جزء الفعل ولذا يقتل نفوس بواحدة لا كضمان المحل إذ يجب في مثله خطأ دية وفي قطع قوائم دابة ثم إئلافها قيمة فيجوز فيه اعتبار صورة الفعل لا سيما ولمعنى القتل شبهان لأنه كما يصلح محققًا لأثر القطح يصلح ما حياله بتفويت محله لتفوقه باستقلاله علة ويعضده جعل الذكاة قاطعة للسراية في قوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (المائدة: من الآية 3) وفيما رمي صيدًا تاركًا للتسمية عمدًا وجرحه ثم ذكاء حل فموجبهما التخيير إذ اعتبار كونه ما حيا يقتضي التعدد كتخلل البرء. 2 - قال الواجب عند ضمان المثلي المنقطع قيمته يوم القضاء بها لعدم تعذر المثل الكامل يقينًا إلا حينئذ لاحتمال أن يوجد أو يصبر عن المطالبة إلى أوانه بخلاف غير المثلي لأن المطالب بأصل السبب ثمة هو القيمة فيعتبر وقته. وقال أبو يوسف: رحمه الله تعالى الخلف يجب بموجب الأصل فالمثلي عند الانقطاع كغيره فيعتبر وقت السبب وقال محمَّد رحمه الله تعالى السبب أوجب المثل بدلًا عن رد العين لا القيمة وإلا لوجب بالسبب الواحد بدل وبدل فالمصير إليها للعجز عن المثل وذلك بالانقطاع فيعتبر آخر يوم له قلنا تعين الخلف بحسب وقت الانتقال كالتيمم أو المسح ولا ينافي كون وجوبه بسبب الأصل ثم لا بد لوجوب القيمة من سبب وليس نفس العجز لأن سبب القضاء سبب الأداء ولئن سلم فتعين العجز عند القضاء. تذنيب: موضعه هنا لا يعد كما ظن المنافع ليست مثلًا معنى للأعيان خلافًا للشافعيٍ - رضي الله عنه - والثمرة إنها لا تضمن بالاتلاف ظلمًا وهو تصرفها وإتلاف الزوائد مضمن اتفاقًا والخلاف في غصبها كإمساك العين بلا استعمال ليس مبنيًا على هذا بل على أن زوائد الغصب لا تضمن عندنا لعدم إزالة اليد المحققة وتضمن عنده لاثبات اليد المبطلة فبالإتلاف احتراز عنه وظلمًا عن الإتلاف بالعقد كالإجارة فإنه مضمن له إنها أموال مثقومة إما حقيقة فلحقها لمصالح الأدمي بل قيام كل مصلحة بها ى بالذوات ولذا ما لا منفعة له ليس بمال وإما عرفا فلان الأسواق تقوم بها كما بالأعيان فيجري المؤجرات كالمبايعات وإما شرعا فلصلوحها مهرًا كما لو تزوج امرأة على رعي غنمها سنة لقوله تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} والأغنام كانت للبنت وأريد بأحدى ابنتي معينة منهما أو من اختلاف الشرائع وتضمينها بالعقود الصحيحة والفاسدة وليس ذلك بورود

العقد عليها إذ لا يصير به مالا متقومًا ليس به كالعقد على الميتة ولا لاحتياج العقد إلى تقومها والألم تقابل المال في عقد لم يتقوم فيه كالخلع فإن منافع البضع غير منقومة حال الخروج فدل إنها في نفسها أموال منقومة قلنا: أولًا: ليست مالًا لأن المال ما ينتفع به لا بالإتلاف فإن الأكل ليس تمولا ولا شيء من المنافع كذلك لأنها أعراض لا تبقي زمانين ولا ينفع منع عدم البقاء في الأعراض بانها سفسطة لأنها ها هنا غير قارة فلا تبقي فلا يتصور فيها الإتلاف أيضًا. وثانيًا: ليست متقومة والتقوم شرط الضمان لأن كل متقوم محرزًا إذ ما لا احراز له لا تقوم له كالصيد والحشيش والماء وكل محرز باق والمنفعة ليست كذلك أما إحرازها بإحراز ما قامت هي به فللمتلف لا للمالك فلا تضمن كزوائد الغصب عندنا على أنه ضمني لا يضمن كالحشيش النابت في الملك. وثالثًا: إنها وان كانت أموالًا متقومة كما زعم بعض أصحابه أن التقوم عنده بالملكية لا بالإحراز فليست مثلًا للأعيان لأن التفاوت بين العرض والمعروض فاحش كما بين الدين والعين لأنه بالبقاء وعدمه لا بكثرة البقاء وقلته كما بين الحمد والبطيخ والدراهم ثم لا نعلم مالية كل ما يقوم به المصلحة والأسواق وتقومه لجواز أن يكون مما ينتفع به بالإتلاف أو مما يعتني ويدخر ولو زمانين إما قياس مقابلتها بالمال المنقوم ها هنا على مقابلتها في العقود صحت بدون التقوم بل بمجرد الاستبدال كالخلع والصلح عن دم العمد أولًا كالنكاح والإجارة لإثبات أصل المدعي أو قياس تقومها ها هنا على تقومها في العقد لإثبات مقدمة الدليل ففاسدان إما لأن لزوم المال في مقابلة غير المال وكذا تقومها ثمة بالنص لضرورة حاجة الناس على خلاف القياس فغيرها عليها لا يقاس مع أن العين في نحو الإجارة أقيمت مقام المنفعة إقامة السفر مقام المشقة قضاء لحوايج الناس فيما يكثر وجوده بخلاف العدوان فإن سبيله أن لا يوجد وهذا أصح من جعل المنفعة معقودًا عليها إذ لا يصح آجرتك منافع هذه الدار شهرًا على أن جعل المعدوم موجودا قلب الحقيقة ليس له في الشرع استمرار واما لأن فيها صحيحة كانت أو فاسدة إذ في التمييز خرج للعوام رضا يوثر في إيجاب الأصول كإيجاب المال في مقابلة غير المالك في نحو الخلع والفضول كبيع عبد قيمته ألف بألوف ولا رضا في العدوان وكل قياس لا يقوم إلا بوصف يقع به المفارقة باطل والذرق بين النكتتين أن الثانية أعم لدفعها القياس على العقود الفاسدة والتي أحد عوضيها غير مال متقوم شرعًا أيضًا كالخلع إذ لا ينظمهما التجويز

والتقويم الشرعيان وقيل: كل منهما لإبطال أحد القياسين إذ خلاف القياس لا يوجد في لزوم المال لما ليس بمال بعد تحقق الانتفاع فيهما والرضاء لا يؤثر إلى تقويم ما ليس لمتقوم والذي يساعده عبارة المشايخ هو الأول وكل من وجهي الخصوصية ممنوع قالوا التقوم يثبت في غير العقد أيضًا كما يجب على واطيء الجارية المشتركة نصف العقر لصاحبه وأيضًا إبطال حق المتعدى وصفًا وهو ظالم أولى من إبطال حق المالك أصلًا وهو مظلوم قلنا منافع البضع ملحقة بالأعيان عند الدخول في الملك كما سيجيء أو شبهة ملك اليمين أقوى من شبهة العقد والضمان عند الشبهة وإلا لوجب الحد لا العقر وحق الظالم فيما وراء ظلمه معصوم وإهداره يوجب ضرر لا وما له في الدنيا والآخرة للحوق حكم الشرع بيع إما حق المالك فما هدرناه بل أخرناه إلى دار الجزاء لعجزنا عن إقامته كحق الشتم والتأخير أهون من الأبطال ثم أوجبنا الحبس والتعزيز للزجر فلا يلزم فتح باب العدوان وبمثل غير معقول ضمان غير المال المتقوم به كضمان الآدمي به فلا مماثلة بين المالك المتبدل والمملوك المتبدل صورة ومعنى ولذا لم يشرع المال مثلًا وإن شرع صلحًا مع احتمال القود كما خير الشافعى الولي بينهما في الأخير لأن القود مصل صورة بحز الرقبة ومعنى بإفاتة الحإة واقرب إلى مقصود شرعية القصاص وهو "الإحياء فلا يزاحمه المال ويشرعه في الخطأ صيانة للدم عن الهدر لكونه عظيم الخطر منة على القاتل بسلامة نفسه له وقد قتل نفسًا مغصومة وعلى القتيل بأن لم يهدر ذمة وقاتله معذور لا للبدلية مخالفًا للقياس كالفدية لا يقال فينبغي أن لا يلحق به غيره وقد ألحق به كل عمد تعذر فيه القصاص لمعنى في المحل مع بقائه كما إذا قتل الأب ابنه أو عفي أحد ولييه أو صولح على شىء فالصلح نوع عفو بخلاف موت من عليه القصاص لفوت محله فليس في معنى الخطأ لأنا نقول المخصوص من القياس النص يلحق به ما في معناه من كل وجه وها هنا كذلك بل أولى لأن العمد بعد سقوط القصاص بالشبهة أحق بعدم الإهدار وإنما جاز الاقتصار على القتل المجرد فيما مر إجماعا مع القدرة على الأصل وهو القطع مع القتل لكونهما جنابة واحدة من جهة ومتعددة من أخرى خير بينهما ابتداء أو يقال كان لولي القتل إسقاطهما فإسقاط أحدهما أولى بالجواز أو خبر التنجيز الذي تمسك به يعارضه القطع وهو أن النفس بالنفس أصل سلف وفرعان له: 1 - لا يضمن القود شاهد الزور بالعفو إذا رجع بعد القضاء ولا قاتل من عليه الفرد وأوجب الشافعى الدية فيهما لأن القصاص ملك متقوم وإن لم يكن مالا وإذا اعتبر صلح

القاتل عنه في المرض من جميع المال كما تضمن النفس في الخطأ بالدية قلنا ليس بمتقوم لأنه ملك استبقاء الحياة للأحياء فليس مالا ولا مما ثلاله وكون صلحه في المرض من الجميع لأن ما يحتاج إليه في بقائه لا يتعلق به حق وارثه لا لكونه متقومًا للولي والدية للصيانة عن الهدر وليس العفو إهدارًا بل حسنًا شرعًا نصًا. 2 - لا يضمن للزوج من قتل زوجته الممسوسة ولا هي إذا ارتدت ولا من شهد بطلاقها بعد المس ثلاثًا وبيانيا ويضمن عنده مهر المثل لأن ملك النكاح متقوم ثبوتًا فيتقوم زوالا لأنه ينه كملك اليمين بل أولى لعدم حصوله مجانًا قلنا ليس يقال فضلًا عن التقوم والتقوم عند الثبوت لنفس البضع ضرورة بقاء العالم وجلالة لخطره لا الملك الوارد عليه ولذا يبطل بلا شهود وولي وعوض ويبطل خلع الصغيرة بمالها لا تزويج الصغير بماله فإن أثر الخطر ظهر عند الاستيلاء لا عند زواله وهذه أدلة أن التقوم عند الثبوت للخطر لا للذات وإلا لتقوم عند الزوال أيضًا كالمتقوم بالذات فعدم إمارات الخطر دليل عدم التقوم للخطر لا مطلقًا فلا يرد عدمها عند بطلان المتقوم بالذات وإنما يضمن شهود طلاق غير الممسوسة نصف المهر إذا رجع لا لأنه قيمته بل في طريق متقدمي أصحابنا لكون مهرها على شرف السقوط بارتدادها أو مطاوعة أهل الزوج فأكده وكأنه الزمه وهو غير مرضي لأنه مؤكد قبل الوطئ إذ النكاح لا يتعلق تمامه بالقبض ولا نعلم أن التأكيد مضمن ولذا لا يضمن من شهد بأخذ العوض على الواهب ثم رجع فالطريق لمتأخريهم أن عود البضع إليها بالفرقة لا من جهته ولا بانتهاء النكاح يسقط جميع المهر فالشهود بإضافة الفرقة إليه الزموا الزوج ذلك النصف أو قصروا يده عنه فأشبه الغصب كمن زنى بامرأة أبيه مكرها قبل المسيس فعزم الأب نصفه يرجع به على الابن كأنه ألزمه إياه لو قصر يده عنه والإكراه منع صيرورة الفرقة مضافة إليها والذي يشبه الأداء قضاؤه قيمة عبد بغير عينه تزوج عليه امراة لوجب الوسط عندنا وعنده مهر المثل لفساده بالجهالة كما في البيع قلنا قد يثبت الحيوان دينًا في الذمة كمائة من الإبل في الدية وكعبد أو أمة في غرقًا لجنين فينبت هنا لأن مبناه على المسامحة بخلاف البيع والجهالة يسير يتحمل في مثله للعلم بجنسه بخلاف الدابة والثوب غير أن الوسط لجهالة وصفه يعجز عن تسليمه إلا بتعينه وذلك بالتقوم فصار القيمة من وجه أصلًا ومزاحمة للمسمي فتسليمها لخلفيته بتسمية قضاء ولأصالته تعيينًا يشبه الأداء فيجبر على قبول أيهما أتى به بخلاف العبد المعين أو المكيل أي الموزون فإن القيمة فيها قضاء محض لا يجيز على قبولها إلا عند تعذر الأصل

كالغصب ثم هذه المزاحمة لكونها انتهائية مترتبة على العجز عن المسمي بنوع من الجهالة تضرب بعرق إلى الخلفية كما على عبد معين فاستحق أو هلك أو أبق ولزم قيمته ولم تفسد كما على عبد معين أو قيمته لجهالة المسمي ابتداء بجهالة القيمة لأنها دراهم مبهمة والتردد في نفس المسمي. التقسيم المختص بالأداء: هو بحسب وقته إما مطلق كالزكاة والعشر وغيرهما من فرض العمر، وإما موقت والمراد به ماله وقت محدود الأول والآخر وهوإن فضل وقته من كل وجه فظرف وإن ساواه فقدر به زيادة ونقصانًا فمعيار، وإن فضل من وجه دون آخر فمشكل إما فضل المؤدي عن الوقت فغير واقع لأنه تكليف بما لا يطاق إلا لغرض القضاء وكل من الظرف والمعيار إما سبب للوجوب أو ليس بسبب على زعم القوم وقسم من المعيار الذي ليس بسبب ليس بشرط للأداء والباقية شروط له ولذا عده الجمهور من المطلق كالنذر المطلق بالصوم ومنه يعلم أن المعيارية والظرفية لا يقتضي الشرطية للأداء وكون المحال شروطًا مسلم لكن للوجود ومن حيث هو محل مالًا للأداء ومن حيث هو معين فالمجموع ستة أقسام: الأول: أداء الصلاة المكتوبة ويسمى الموسع وقته ظرف للمؤدي لفضله من أقل القدر المفروض منه وشرط للأداء لفوته بفوته وسبب للوجوب لأمور: 1 - اختلاف الواجب الموجب لاختلاف الأداء باختلاف صفة الوقت صحة وفسادا فإن الأصل أن يختلف الحكم باختلاف سببه كالملك بالبيع صحة وفسادًا ليظهر في حل الوطئ وثبوت الشفعة وغيرهما. 2 - دخول لام التعليل في قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} فإنه الأصل فيها دون الوقتية. 3 - إضافتها إليه كصلاة الظهر إذ هي للاختصاص فمطلقها ينصرف إلى كماله وذا بالسببية للوجود ولئلا يلزم الجبر نقلت إلى سببية الوجوب. 4 - تجدد الوجوب بتجدده فإن الدوران أمارة السببية. 5 - بطلان التقديم عليه وأورد بالشرط ورد بجواز التقديم عليه كالزكاة قبل الحول ونظر بأن امتناع تقديم المشروط على الشرط ضروري والجواب لأن شرط وجوب الأداء فتقدم الجواز لا ينافيه وجوابه أن المراد أن الوقت لو كان شرط الوجوب لما نافى جواز

الأداء قبله كالحول ولما لم يجزأ إجماعًا علم أنه سببي. وها هنا تحصيلات: أ - أن معنى سببته أن الموجب وهو الله تعالى رتب الحكم الاصطلاحي وهو تعلق الإيجاب لا الحقيقي وهو نفسه فإنه قد تم عليه لظهور تيسيرا كما رتب الملك على الشراء والاحراق على النار عندنا ونسبته أن حضور الوقت الشريف والبقاء إليه يصلح داعيًا إلي تعطم الله بهيئة وضعت له أو دافعه لطغيان النفس بمنع سؤلها أو بذل شقيقها أو بالجمع بينهما. ب - أنه سبب لنفس الوجوب لأن سببه الحقيقي الإيجاب القديم الذي رتبه على الوقت والأمر لطلب إيقاع ذلك المرتب الذي هو وجوب الأداء فهو به والفرق بين اشتغال الذمة بشيء ولزوم تفريغها عنه أو بين لزوم وجود الهيئة ولزوم إيقاعها أو بين لزوم الفعل ولزوم إيقاعه ظاهر إما مفهومًا فلأن الفعل سواء أريد به نفس المصدر أو الحاصل به نسبة إلى الفاعل هي باعتبار تعلقها بالفعل يسمى وقوعًا وبالفاعل إيقاعًا وأداء فالوجوب معتبرًا في الأول يسمى نفس الوجوب واشتغال الذمة وفي الثاني وجوب الأداء ولزوم تفريغها وأما وجودًا فلأن الشرع على الأول بالسبب ضبطًا للتكليف على العباد بدليل تمييز الأداء عن القضاء ووجوب القضاء والإثم بفوتهما في نحو من أغمي عليه من قبل الفجر إلى طلوع أول الشمس ومات قبل آخره والثاني بالمطالبة فالبدنية فيهما كالمالية فالمراد بنفس الوجوب لزوم الوقوع عن ذلك الشخص وهو لازم الايقاع في ذلك الوقت لكن وجوب اللازم لا يقتضي وجوب الملزوم كما في آخر جزء من الوقت ومبناه أن شرط التكليف ليس الاستطاعة بل القدرة بمعنى سلامة الأسباب والألات بل توهمها ففي المغمى عليه والنائم في جميع الوقت نفس الوجوب متحقق والألم يلزمهما القضاء ولا الاثم بفوتهما والوجوب في الجملة لا على هذا الشخص لا يقتضي تأثيمه بالترك فكيف بالفوت وليس ذا بالخطاب لأنه لمن لم يفهم لغو فبالوقت إذ غيرهما مع أنه لا يصلح سببًا بالإجماع وحصول العلم بسببية الوقت من الخطاب لا يقتضي كون نفس الوجوب بالخطاب ولا ينافي تقرر السببية في حق من لا يفهمه كما أن حصول العلم بأن الإتلاف سبب الضمان والنكاح سبب الحل لا يقتضي كون سببهما الخطاب ولا ينافي تقرر سببيتهما في حق الصبيان والمجانين أما وجوب الأداء فذكر فخر الإِسلام هنا أنه متراخ إلى زوال الغفلة وفي شرح مبسوطه أنه متحقق على وجه يكون وسيلة إلى وجوب القضاء

بتوهم حدوث الانتباه على نحو توهم القدرة في الجزء الأخير في نفس الوجوب لإيجاب القضاء ومبني الطريقين أن القضاء مبني على نفس الوجوب أو وجوب الأداء وجه الأولى أن وجوب الأداء بالخطاب وخطاب من لا يفهم لغو ولو يفعل بعد زوال الغفلة إن أريد الإقدام الآن على الفعل بعد وإن أريد الإلزام الجبري بعده فذا نفس الوجوب أو الإلزام الآن وطلب الفعل فذا تعجيل نفس الوجوب وتأخير وجوب الأداء الذي هو المدعى، وخطاب المعدوم أيضًا على هذه الاعتبارات وبذا صح بعث النبي عليه السلام إلى قيام القيامة وجه الثانية إن وجوب الأداء عليهما بعد فوت وقت الأداء غير معقول وإن القدرة الممكنة تشرط له لا لنفس الوجوب ولا للقضاء كما ستعلم فيلزم أن لا يشترط فيهما وإن القضاء وإن سلم ترتبه على نفس الوجوب فيتوسط وجوب الأداء أو فوت الأداء الواجب فيتحقق فيهما متراخيًا عن نفس الوجوب إلى أن يتضيق بحيث يسع للأداء بتوهم الانتباه ليجب القضاء وكذا في المريض والمسافر لأن الخطاب لهما بالتاخير إلى العدة لكن على وجه الجواز بدونه بالحديث ووجوب الأداء فيها لا ينافي جوازه قبلها به وبدلالة الترخص ولا نفس الوجوب قبلها لما مر أن وجوب الوقوع لا يستلزم وجوب الإيقاع كما في النائم ويكون إتيانًا بالمأمورية لكفاية الجواز في ذلك كما في الموسع والمخير وكذا في البيع بثمن غير معين فنفس وجوب الثمن في الحال وإلا اجتمع البدلان في ملك المشتري ووجوب الأداء عند المطالبة لا سيما مع الأجل وكما إذا أتلف الصبي المال فنفس الوجوب عليه ووجوب الأداء على وليه لأنه المطالب ومثله وجوب المهر في النكاح ووجوب التسليم في ثوب ألقته الريح في حجر إنسان وهذا أوفق لأن الوجوب جبري ووجوب الأداء متراخ إلى الطلب. ج- أن السبب ليس كل الوقت وإلا فلو وقع الأداء فيه لتقدم على سببه أو بعده فتأخر عن وقته وكلاهما لا يجوز ولا مطلق الوقت يمعنى صحة سببية، أي وقت كان وإلا لصح سببية كل الوقت وقد بين امتناعه ولما فسد المؤدي بفساده إذ لا فساد في المطلق من حيث هو فبعد الكل لا يتخطى عن القليل وهو الجزء الذي لا يتجزى بلا دليل إذ لم يرد شرع بمقدار مخصوص ولا يقتضيه عقل فيكون أول جزء منه إذ لا يزاحمه ما بعده المعدوم لكن لا على وجه تقرر السببية إذا لم يتصل به الأداء وفيه خلاف الشافعي في قول وإلا لا نعلم بتأخيره ولم يجب على من صار أهلًا بعده ولم يتغير أحكامه بعده بنحو السفر والحيض وضدهما فأفاد نفس الوجوب وصحة الأداء خلافًا لأكثر العراقين من

أصحابنا فإن الوجوب عندهم بآخر الوقت لكونه المعتبر في تغير الأحكام قلنا ذلك لتقرر المسببة لا لأصلها ثم قال بعضهم المؤدى في أوله نقل يمنع لزوم الفرض كالتوضؤ قبل الوقت. قلنا: قياس المقصود على الوسيلة وبعضهم موقوف إن بقي إلى الآخر مكلفًا كان فرضًا وإلا فنفلا كالزكاة العجلة حيث يستردها المالك قائمة من الساعي لو لم يحصل عند الحول ما بها بلغ قضايا وإن تصدق بها كانت نفلًا ولو بقي كانت فرضًا قلنا بنافيه الأحكام كالنية وغيرها وإنما لم يفد وجوب الأداء فلو مات في أوله لا شىء عليه لأنه متراخ إلى وقت الطلب وهو أن يتضيق بحيث لا يسع فيه إلا فرض الوقت فحينئذ ينتهي التخير ويتحقق المطالبة ويأثم بالتأخير إجماعًا وإن لم يتقرر السببية فاستحقاق الأداء قبل الجزء الأخير لاحتمال تقرر السببية على اعتبار الأداء فالتأثيم بتركه للزوم التفويت بخلاف ما قبل التضيق إلا عند زفر ونظيره الزكاة بعد الحول لا يطالب على الفور ولكن بشرط أن لا يفوته عن العمر وفي آخره يتعين ويأثم حاصل وقال الشافعي رحمه الله في رواية وجوب الأداء أيضًا فيه إذ هما معنى واحد في العبادات البدنية وقد مر فساده والثمرة في تغير الأحكام فمن حاضت بعد قدر يسع فيه فرضه لا يسقط قضاؤه عنده ثم أن اتصل الأداء به تقررت السببية عليه وإلا انتقلت جزعًا فجزعًا إلى ما يلي الأداء لكونه أولى بدلًا عما فات ولا يزاحمه ما هو آت لا على جميع ما سبق لأنه عن القليل بلا دليل والمنتفى عن الأول تقرر السببية والمنتقل أصلها فلا منافاة وهذا الموقوف على الأداء تقرر السببية لا أصلها فلا دور يتوقف الأداء على الوجوب الموقوف على السببية ثم إذ انتهت السببية إلى الجزء الأخير استقرت فيه إن وليه قدر الشروع وإن كان تأخير التخيير إلى أن يتضيق الوقت بالإجماع وهذا السببية عند زفر رحمه الله، وإلا كان تكليفًا بما لا يطاق وسيجيء جوابه إن شاء الله تعالى، فيعتبر حال المكلف عنده في الحيض والطهر والصبا والبلوغ والكفر والإِسلام وغيرها ويعتبر صفته في حق الصلاة كمالًا كما في الفجر فبطلوعها يبطل فرضيته عندهما، وأصله عند محمَّد رحمه الله ونقصانًا كما في العصر فبغروبها لا تبطل وقاس الشافعي رحمه الله تعالى الفجر على العصر ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفرقنا من وجوه: 1 - أن نقصان الأوقات الثلاثة لوقوع عبادة الشيطان فيها بعبادة الشمس وكانوا يعبدونها بعد الطلوع وقبل الغروب فقيل الطلوع كامل فيفسد ما التزم فيه باعتراض الفساد عليه وقبيل الغروب ناقص لا يفسد ما استؤنف فيه بذلك.

2 - أن في الطلوع دخولًا في الكراهة وفي الغروب خروجًا عنها إذا الطلوع بظهورها حاجبها والغروب بخفاء آخرها. 3 - إن العصر يخرج إلى وقت الصلاة لا الفجر والحديث مؤول بأنه لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت وإن قل وباؤه رواية فيتم صلوته فالصحيح تأويل الطحاوي أنه كان قبل نهيه عن الصلاة في الأوقات الثلاثة وليس ذلك نهيًا عن التطوع كما بعد الفجر والعصر إذ قضاء الفوائت فيها لا يجوز ولذا انتظر عليه السلام غداة ليلة التعريس إلى ارتفاع الشمس ولا يرد مد العصر من أول وقته إلى أن تغرب قبل الفراغ حيث لا يفسد لأن شغل كل الوقت بالعبادة عزيمة فاتصال الفساد بالبناء جعل عفوًا للمقبل عليها لحصوله حكمًا قصدًا كمن قام إلى الخامسة في العصر يستحب له الالقام بخلاف الابتداء وعدم مقصوديته هو معنى تعذر الاحتراز عنه إذ لو أريد تعذر ترصد الموافقة بين آخر الصلاة والوقت كما ظن لم يكن إلى حديث البناء والاستشهاد بالقيام إلى الخامسة حاجة فالمراد اتصال الفساد البنائي بمجموع وقتى الاحمرار والغروب لا بالثاني فقط وبه تحقق أن بناء الفساد لازم الأخذ بالعزيمة لأن ابتداء الفساد من الوقت والباقط مبني على مثله فلا يشكل بالفجر إذ لا فساد في شيء من وقته، وقيل: كل جزء من الوقت سبب لكل جزء من الصلاة يلاقيه وهذا يشكل بالفجر ثم لو لم يؤد في آخره أيضًا انتقلت إلى كل الوقت في حق تكامل اللازم وعدمه لا في حق لزوم أصله أو وسفه لأن الضرورة الصارفة اندفعت ولا فساد فيه فوجب القضاء كاملًا فلا يقضي عصر الأمس لا في محض الوقت الناقص ولا بالشروع في الكامل وختمه فيه لأن ذات الوقت لا نقصان فيه وإنما يعتبر ناقصًا بوقوع الأداء فيه تشبيهًا بعبادة عبدة الشمس فإذا مضى خاليًا عنه كان كسائر الأوقات وبه يندفع الإشكال بأن الكل ينقص بنقصان البعض وبنحو إسلام الكافر وقت الإحمرار تم قضاء العصر في اليوم الثاني فيه لو ثبت أنه لا يجوز ويقرب منه الجواب بأن الفوات عن الوقت وصيرورته دينًا في الذمة توجب القضاء مطلقًا عن الوقت ولذا لا يجوز قضاء الاعتكاف في الرمضان الثاني وإنما ورد المنع فيها عما هو قربة مقصودة من شأنها شدة الرعاية واللزوم المطلق فلا يرد جواز سجدة التلاوة والنفل في أحدها بعد وجوبها في الآخر لأنها ليست قربة مقصودة وإن وصفوها بها بمعنى آخر ولذا لا يجب بالنذر والركوع ينوب عنها إنما المقصود منها ما يصلح تواضعًا وباب النفل واسع ولذا تجوز قاعدًا وراكبًا موميا مع القدرة وسره ما سيجيء أن منعته جبرت خرج عمومه لزومه

بالشروع لضرره صون المؤدي عن البطلان فلا يظهر في تكامل اللازم لا حالًا ولا مالًا. ثم لا مدخل السببية كل الوقت في القصر ونحوه ولذا لو سافر في آخره وفاتت يقصر مع أن السبب كل الوقت، وله أحكام: أ - أن جزأ من الوقت إما يتعين للسببية ضمنًا بالأداء لا تصدا بالقلب ولا تصدا بالفعل كخصال الكفارة لأن تعيين شرط أو سبب لم يعينه الشارع بنزع إلى الشركة في وضع المشروعات ولأن الإبهام لارتفاق العبد وتعيينه ينافيه إذ ربما لم يقدر على ما يعنيه. ب - أن تأخير الواجب عنه بفوته لأنه شرط الأداء. ج - جواز غير ذلك الواجب فيه لظرفيته معلومة في ذمة من عليه ومنافعه ملكه فيجوز صرفها إلى غيره كالمديون لا ينفى وجوب دين آخر أو قضاء وكان هو المشترك. د - اشترط النية لأن الأداء به بصرف ماله إلى ما عليه في الوقت كما أن القضاء ذلك بعددها. هـ - تعيين النية بفرض الوقت ليمتاز من سائر المحتملات وذلك بالقصد القلبي وندب الذكر والاعتبار للقلب والأصح أن ذكر فرض الوقت شرط. و- عدم سقوط التعيين بضيق الوقت لثبوته أصلًا سابقًا حين توسعه فلا يزول بعرض كالاغماء والجنون أن لم يوخذ قصدًا لأن العوارض لا تعارض الأصول كما لا تعارض الدخول في دار الحرب إذ قتل أحد المسلمين الآخر فيها العصمة الثابتة بدار الإِسلام ولا بالتقصير أن آخر قصد الآن سقوطه ترفيه لا يستحق بالتقصير ولأن سبب وجوب التعين باق عند ضيفه إذ لو قضى فرضًا أو أدى نقلًا عنده جاز. الثاني: أداء صوم رمضان ويسمى المضيق وقته معيار لأنه مقدر به فلا يزيد ولا ينقص ومعرف به إذ النهار جزء مفهومه فلا ينقص عنه أو معروف مقداره به كالكيل أي مقدر به عندنا كما في نفس الأمر بخلاف الظرف وسبب لوجوبه لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: من الآية 185) والترتيب على المشتق آية عليه المأخذ ولصحة الأداء للمسافر ولا خطاب في حقه فبالوقت إذ لا ثالث بالإجماع، ولسائر الطرق الأربعة السالفة فعند الأكثر الجزء الأول من كل يوم سبب لصومه لأن كل عبادة منفردة يتحلل بينها المنافي وذهب السرخسي إلى أن السبب مطلق شهود الشهر لظاهر النص والإضافة فأول جزء منه لئلا يتأخر ولذا يجب على أهل جن في أول ليلة قبل الصبح وأفاق بعد الشهر القضاء وسببية الليل لا يقتضي جواز الأداء فيه كمن أسلم في آخر

الوقت ولظاهر قوله عليه السلام «صوموا لرؤيته» (¬1) فإن المرد شهود الشهر لا حقيقتها إجماعا وشرط لأدائه لما مر. وله أحكام: أ - أن لا يشرع غيره فيه لأن الشرع لما وجب شغله به ومعايرته ينفي التعدد انتفى غيره فقالا لو نوى المسافر واجبًا آخرًا والنقل أو أطلق وقع عنه لأن نفس وجوبه ثابت عليه لعموم سببه بعموم نصه ولذا صح بلا توقف كالحج من الفقير لكمال سببه وهو البيت بخلاف الظهر المقيم يوم الجمعة في منزله والصلاة في أول الوقت على قول والزكاة قبل الحول لوجود سببها ذاتًا وهو النصاب لا وصفًا وهو النماء وفيه خلاف الظاهرية وحديثهم معارض بحديث أنس - رضي الله عنه - فيؤول بأنه عند خوف الهلاك كما هو مورده غير أن الشرع خص الترخص له بالفطر فالصوم الآخر نصب المشروع لانقياد الشرع فانعدم تعيينه كتبة الوصال وكذا المريض وقال بل عما نوى من واجب آخر إذ لا نعلم التخصيص فإنه إذا رخص تخفيف لإصلاح بدنه فلا صلاح دينه وهو قضاء دينه أولى ومشروعيته في حقه لا مطلقًا بل أن أتى بالعزيمة ولأن وجوب الأداء ساقط عنه فصار في حقه كشعبان ففى النفل روايتان بالنظر إليهما والأصح رواية بن سماعة وقوعه عن الفرض لا رواية الحسن قيل وكذا إطلاق النية والأصح فيه وقوعه عن رمضان رواية واحدة لأن الترخيص بتركه أو صيرورته كشعبان لا يتحقق بلا تصريح بغيره إما المريض فروى الكرخي أنه كالمسافر وهو المختار في الهداية، وأوله السرخسي بأنه فيما يضره الصوم كالحميات المطبقة ووجع العين والرأس وغيرها فتعلق ترخصه بخوف ازدياده إما فيما لم يضره كفساد الهضم والمبطلون فيتعلق ترخصه بحقيقة العجز لدفع الهلاك فإذا صام ظهر عدم عجزه وفات شرط الرخصة فيما لم يضره أصلًا وفيما يضره فبازدياد المرض كالمسافر وبخوف الهلاك كالصحيح وهذا أوضح من تأويل السرخسي وأقرب إلى التحقيق من قول شمس الأئمة أن الصحيح عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن المريض مطلقا كالصحيح. ب- أن تعيينه لا يغني عن تعيين العبد باختياره لكونه قربه وقال زفر رحمه الله تعالى التعين أوجب كون منافع العبد مستحقة لله تعالى لأن الأمر بالفعل متى تعلق بمحله بعينه فعلى أي وجه وجد الفعل وقع عن الجهة المستحقة كالأمر برد المغصوب والودايع وكهبة النصاب من الفقير المديون أو متفرقًا أو متعددًا أو على قوة مذهبهم وعمل أجير الموحد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (67412) ح (1810)، ومسلم (76212) ح (1081).

مطلقا والأجير المشترك في عين تعلق العقد به قلنا المراعي في العبادة ليس صورتها فقط بل ومعنى القربة ولا يحصل ذا بالجبر بل بصرف ماله على ما عليه وليس إلا بالنية فاندفع الكل إلا هبة النصاب وهي بجعل مجازًا عن الصدفة استحسانا لأنها عبادة تصلح له ولذا لا يتمكن من رجوعها أو نقول معنى تعيين الشرع نفي مشروعية المصرف إلى غيره أو عدم الصرف إلى شيء لاستحقاق منافعه وإلا كان جبرًا بخلاف غير العبادة والاختيار في نفس الفعل غير كاف بل في الصرف على الجهة المطلوبة وموضع الخلاف المقيم الصحيح إذا لم يحضره النية بشيء إما في المسافر والمريض وعند نية التهتك لا صوم بالاتفاق والكرخي ينكر أن هذا مذهبه ويحمله على كفاية النية الواحدة للشهر كقول مالك رحمه الله تعالى. ج- أن تعيين أصله بالنية كاف والخطأ في وصفته كنية النفل أو واجب آخر غير مضر وقال الشافعي وصفه متنوع فرضا ونفلا وعبادة توثر في زيادة الثواب والعقاب كأصله فيشترط النية له نفيا كالتحيز كما فيه كالصلاة ولا يرد حج الفرض حيث يتأدى بمطلقها إجماعًا وبنية النفل عندي لأنه ثبت بدلالة حديث شبرمة مخالفا للقياس وأمر الحج عظيم الخطر لا يمكن إلحاق الصوم به قلنا بموجب العلة مسلم لكن التعيين الشرعي جعل الإطلاق تعيينا لا أن التعيين موضوع كالمتعين في مكانه ينال باسم جنسه والشرع اعتبر الصوم موجودًا وإلا يصب باسم نوعه أو معقوليته كافية ولذلك جعل نية الوصف المخالف لغوا مع ما يتضمنه من الأعراض إذ إبطال الأصل لبطلانه قلب المعقول فيبقى الإطلاق المعتبر موافقًا كما في الحج والمسألة مصورة فيما شك في اليوم الأول من رمضان فنوى نفلا أو واجبا آخر ثم تبين أنه منه وإلا فالإعراض لتضمنه أن لا أمر من الله تعالى بالصوم يخشى عليه الكفر كذا الرواية. أن تثبيت النية ليس بشرط بل اقترنها بأكثر النهار كاف وقال الشافعى رحمه الله تعالى وجب شمولها كصوم القضاء بل أولى لإيجابه الكفارة دونه لأن أجزائه أيضًا قربة فيفسد لخلوه عن النية وسرى إلى الباقي لعدم التجزي لدخول إمساكات الأجزاء تحت خطاب واحد وإن تعدد وهو {أَتِمُّوا الصِّيَامَ} (البقرة: من الآية 187) ومثله يأخذ حكم الوحدة نحو فاطهروا في جواز نقل البله بخلاف أعضاء الوضوء ووجب ترجيح الفساد احتياطيا والنية المتقدمة تتعلق بالكل والمعترضة لا تتقدم كما في الصلاة وفيما بعد نصف النهار إلا في النفل لأنه منجز عندي قلنا لما ينجز صحة وفساد أو سقط قرن النية أوله وكله للعجز

إجماعًا صار ابتداؤه كبقاء الصلاة في التعذر وبقاؤه كابتدائها في عدمه فالعجز إذا جوز فصل النية عن الركن بالتقديم ولهما فضل الاستيعاب تقديرا ونقصان موجب الإخلاص حقيقة وهو الاقتران بالأداء فلان يجوز العجز الموجود في حق البعض بالإقامة بعد الصبح وفي حق الكل بعدم النية من الليل لا سيما ناسيا وفي يوم الشك لأن النية الفرض حزام والنفل لغو عنده فضل النية مع وصله بالركن أولى إما لأن نقصانه نية بقليل ورجحانه حقيقة في الإخلاص بكثير قائم مقام الكل فبذا يجب الكفارة للفطر كما روى عنهما ولا ضرورة داعية على ترك هذا الكل التقديري ولئن وجدي فليس له خلف فلم يجوزه بعد الزوال وترجيحنا بالكثرة في الوجود فهو أولى من ترجيحه بحال الفساد كما سيجيء وفضل تقديمها للمسارعة وإما لأن صيانة فضيلة لا درك لها ولا خلف ولا تفض إلى ترك أخرى أخرى واجبة وإن كان بنوع من الخلل كفضيلة الوقت ولذا قالوا التجويز مع الخلل أولى من التفويت كالعصر وقت الاحمرار والأداء مع النقصان أفضل من القضاء كالاعتكاف المنذور في رمضان وإن لم يكن مع الصوم القصدي ويدل عليه قوله عليه السلام "من فاته صوم يوم من رمضان لم يقضه صيام الدهر كله (¬1) " وليس هذا قولًا بإسقاط الشرط لإدراك الفضيلة بل بمشروعية النية على وجه لا يفضى إلى تركها كما كان بالتقديم على وجه لا يودي إلى فساد الصوم وقلنا لإدراك لهما ليخرج صوم القضاء ويفسد القياس عليه إذ لا ضرورة إلى صيانة وقته لاستوائها في حقه قلنا شرط التثبيت فيه ولا خلف لها ليخرج فضيلة غسل الرجل لأن المسح خلفه بدون شرط التعذر وتعجيل الصلاة أول الوقت ونحوهما ولا تفض على ترك أخرى ليخرج فضيلة الوقت أو الجمعة أو الجماعة في عدم جواز التيمم لخوف فوتها إذ يقضى إلى ترك الأداء بالتوضي ورعايته أخرى لما علم أن الطهارة أهم الشروط ولذا لا تترك بلا خلف بخلاف فضيلة الوقت ولا مع خلف إلا عند تعذرها بخلاف الجمعة أو الجماعة لا يقال فلها خلف وفضيلة الوقت لا خلف لها فهي بالرعاية أخرى والقضاء خلف للأداء لا لفضيلة الوقت لأنا نقول عند وجدان الماء لا خلف لها أيضًا فلا يعتبر الماء الموجود معدوما بفوت فضيلة العبادة وإن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري معلقًا (2/ 683)، والترمذي (3/ 101) ح (723)، والدارمي (2/ 19) ح (1715)، والبيهقي في الكبرى (22814) ح (7854)، وأبو داود (2/ 314) ح (2396)، والنسائي في الكبرى (2/ 244) ح (3278)، وابن ماجه (1/ 535) ح (1672)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 110) ح (12569)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 386) ح (9002).

اعتبر لفوت أصلها كما في صلاة الجنازة والعبد وإنما قيدنا الأخري بالأخرى ليخرج جواز ترك الترتيب عند تضيق الوقت؛ لأن فضيلة الوقت لثبوتها بالقطعي أخري بالرعاية من فضيلة الترتيب الثابتة بالظني ولذا اتفق ثمة واختلف هنا ولذا لا نعمل بالواجب على وجه يقضي إلى ترك الفرض وإنما لا نترك فضيلة الترتيب للجمعة أو الجماعة لأنها أقوى إذ مجرد تركها يبطل الصلاة دون مجرد تركهما أو لأن وقتهما بعد قضاء الفائتة إلا مع الضيق ونحوه، ثم هذا الترجيح كترجيح الخصم بالحال فيضعف تعارضنا به ويوجب عدم الكفارة كما روى عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - بخلاف الترجيح الأول بالذات والأصح أن يقال التمسك في صحة نية صوم رمضان في النهار بضرورة صيانة فضيلة الوقت يوجب عدم لزوم الكفارة لئلا يتعدى عن موضع الضرورة وما قلنا بتقديم النية المتأخرة بل يتوقف الامساك على وجود النية في الأكثر وذا طريق مسلوك كتصرفات الفضولي ولتعليقات والوقتية المؤداه مع تذكر الفائتة عند الإِمام ولا بالإسناد وإن قيل به اعتبارا بالخيار في البيع لأن أثره إنما يظهر في الموجود لا المعدوم حتى لو هلك ما زاد بعد خيار المشتري في يد البايع ثم أجاز لا يسقط بمقابلته شيء من الثمن بل لإقامة الأكثر مقام الكل فإن النية يجب فيما قبل نصف النهار الصومي المعتبر من طلوع الفجر وهو الضحوة الكبرى فالأصح أن لا تصح أو نوى بعدها وقبيل الزوال ولا بفساد الجزء الأول لاحتمال صحته بالنية التقديرية لكون الامساك فيه أيضًا قربة تقديرية ولحقيقه أن الصوم قهر النفس بترك غذائه وتأخير عشائه إلى الغروب فكان ابتداء الركن من الضحوة معنى وما قبلها إمساك معتاد لا مشقة فيه لكن لا بد منه لتحقق الركن فكان تبعًا لا مشقة فيه لكن لا بد منه لتحقق الركن فكان تبعًا فيستتبعه نية تقديرًا كما يستتبع الأمير العكر والمولى العبيد في نبذ الإقامة. هـ - أن يقدر الصوم بكل اليوم لمعياريته ولذا لا يقدر النفل ببعضه حتى لو أسلم أو ظهرت بعد الفجر لا ينتقل بصوم ذلك اليوم فلا يتأدى بالنية بعد الزوال بل قبله وقال الشافعى - رضي الله عنه - يصير صائمًا من حين نوى فيجوز بنية بعده في قول ومع المناني في أوله في قول لكن بشرط عدم الأكل ليحصل مخالفة بنية بعده في قول ومع المنافي في أوله في قول لكن بشرط عدم الأكل ليحصل مخالفة هوى النفس إلا عند القاشاني وذلك لأن مبنى النفل على النشاط ولذا لم يقدر الصدفة النافلة بخلاف الواجبة وقد وجد في الشرع إمساك بعض اليوم كما في الأضحى قلنا لتعظيم الضيافة بأن يقع أول المتناول من طعامها

ولذا لم يثبت في القرى لجواز التضحية بعد الصبح. الثالث: كأداء الصلاة والصدقة المنذورتين في يوم بعينه وقته ظرف للمؤدي وشرط للأداء بمعنى فوته بفوته وسبب لوجوب الأداء وليس سببا للوجوب فإن سببه النذر وقيل: سبب لأن البقاء على كل وقت نعمة يستدعي الخدمة شكرًا غير أن الشرع رخص بتخصيص الإيجاب ببعض الأزمنة فإذا نذر أو شرع فقد أخذ بالعزيمة فإن النذر كالخطاب والوقت كالوقت وهذا يناسب قول محمَّد في العبادات البدنية حيث لا يجوز تقديمها على أوقاتها المعينة لا في المالية خلافا لزفر وكذا الخلاف في تعيين المكان والفقير والدرهم له أن أفعال العباد قد تخلو عن الحكم لعدم علمهم فلا يعتبر معانيها بل ألفاظها فيعتبر كل تعيين في النذر ببدنية أو مالية كما في النذر المعلق والمشروط والوصية التصدق على معنين إلا في رواية المحيط والأمر بتطليق امرأته هذه السنة بخلاف أوامر الله تعالى لاستحالة خلوها عن الحكم فيعتبر معاينها والأصل لنا أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى فله أن إيجاب الله تعالى يوجب امتناع تقديم النية على أوقاتها المعينة بخلاف المالية كالزكاة وصدقة الفطر فكذا هذا يؤيد أن النذر جعل ما هو مشروع الوقت نفلا واجبًا والتعين بغير الوقت لم يشرع نفلًا إما يتبدل الوقت فيتبدل المشروع قلنا كون النذر معتبرا بإيجاب الله تعالى من جهة ما هو قربة فإيجاب الله يستلزمها مطلقا وإن عجزنا عن درك كيفيته لأن الامتثال يستلزم التعطم إيجاب العبد يعمل فيما اشتمل عليها ولذا لا يجب به ما ليس من جنس القربة المقصودة فضلًا عما ليس من جنس القربة كالنذر بالمعصية وبما ليس شيئًا منهما كصوم الوصال ولا جهة لها في تعيين الوقت والمكان والفقير والدرهم حتى فرق أبو حنيفة - رضي الله عنه - في أن من نذر صوم رجب فاستوعبه الجنون قضى بخلاف ومضان بأن لا قربة في تعيين العبد بخلاف تعيين الله تعالى فلا يكون للوقت المعين مدخل في سببية نفس الوجوب بل في سببية وجوب الأداء كما في الزكاة تيسيرا على العباد ولذا لو قال في الصحة ما ذاب لك على فلان فعلى فوجد الشرط في مرضه يلزمه من جميع المال فإذا عجله كان بعد نفس الوجوب فجاز وأيضًا لا يعتبر تعيين ما إلا من حيث يتعلق به ما هو المقصود وهو التيسير فلو هلك لدرهم المعين سقط ولو مات قبل الوقت المعين لا يلزمه أن يوصى إلا فيما يروي في الخلاصة وعلى ذلك جوازًا لصوم بمطلق النية وبها قبل الزوال وإن جاز لمن نذر صوم يوم النحر أداؤه فيه إما إذا تعلق التيسير بعدم اعتباره فلا كما في جواز التعجيل لاحتمال العجز في الوقت أو الموت قبله وجواز التصدق بمثله

أو الاعتكاف في مسجد آخر، ولو كان الوقت سببا لما صح نذر صوم يوم العيد لأنه التزام الحرام كما لا يصح نذر صوم يوم الحيض أو يوم الأكل إجماعًا وصوم يوم الخميس أو غدًا فوافق حيضها إلا عند زفر رحمه الله تعالى بخلاف صوم يوم يقدم فلان فأكل أو حاضت فيه فقدم فعندهما يقضي لأنه التزام منكر ذاتا لا عند محمَّد وزفر رحمه الله تعالى لأنه معروف وصفا كما قبله وإنما لا يقدم في المعلق والمشروط لوقوعه قبل الشرط والسبب والمضاف سبب في الحال ولا في الوصية والتوكيل لأن صحتهما لا بمعنى القربة بل بمعنى التمليك فعلم أن هذه المباحث آتية في الرابع أيضًا بل إلا ظهر في الصوم قول محمَّد إذا الوقت جزء مفهومه فلو لم يعتبر ذلك الوقت لم يكن الصوم عين الملتزم ولذا لم يلزم الصوم في الوقت المكروه بالشروع لفساد ذاته ولزمت الصلاة به فيه لأن الفساد في وصفها الخارج وهو يكون وقتها منسوبًا إلى الشيطان أيضًا إذا نذر به فيه وإن خرج عن العهدة بالأداء يحكم عليه بلزوم الإفطار وقضائه بل بعده اللزوم في روايه ابن المبارك عنه كمذهب زفر والشافعى أما إذا نذر بها فيه حكم بأدائها لأنه كما التزم لكن لم يفضل على القضاء لأن الفساد وإن لم يكن في المقوم ففط السبب فينقص بخلاف الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها كاملة يؤدي بها ما وجب كاملا لأن الفساد لا في المقوم ولا في السبب. فرع: عين درهما لفقير غدا فصرف اليوم غيره لأخر حتى لفقراء مكة فصرف إلى فقراء بلخ أو أن يتصدق به خبزًا فتصدق به لحما صار أداء خلافا لزفر رحمه الله تعالى وكذا لو نذر صلاة أو صدقة أو غيرهما في مكان فادة، في أفل من شرفه أو أن يعتق نسمة فاعتق خيرًا منها إلا فيما روى هشام في النسمة أو نذر أن يصلى بغير قراءة أو ركعة أو نصفها أو ثلاثًا يلزمه بها وثنتان وأربع إذا لتعيين لغو لعروضه والتزام بعض ما لا يتجزى التزام لكله وعنده ليس بلغو فلا يصح نذر غير المشروع فالأول هدر وفي الرابع يلزم شفع وإنما أهدر محمَّد رحمه الله تعالى نذر ركعتين بغير ظهر بخلافهما لأن الصلاة بغير طهارة لم يشرع أصلًا بخلافها بغير قراءة وذكر في القنية نذران يصلي سنة الفجر أربعًا لا يلزمه ولزمه أن يصلى أربعًا في وقت آخر كصوم يوم النحر. وأقول: كان فساده أقوى مما في الأوقات الثلاثة ولذا شبهها بالصوم لأن الشرع اعتبر التنفل فيه إعراضا عن تكميل التوجه إلى الفرض كما اعتبر الصوم فيه إعراضًا عن الضيافة التي له بل أقوى ولذا حكم بعدم اللزوم فما فعله في وقت آخر أداء لا قضاء كأداء الصدقة المنذروة قبل ما عين من وقتها.

الرابع: أداء الصوم أو الاعتكاف المنذورين في وقت بعينه ويلحق به الحج المنذور في سنة بعينها وقته معيار لا سبب إذ سببه النذر واستوصوب إلحاقه بالخامس وفيه ما عرفته أن المناسب لمذهب محمَّد رحمه الله تعالى كون النذر سبب وجوب الأداء والوقت سبب نفس الوجوب معتبرًا بإيجاب الله تعالى كيف وبين القسمين فروق في الأحكام إذ هو شرط للأداء بمعنى فوته واذ من حكمه أن لا يبقى صوم الوقت نفلا لمعياريته فيصاب بمطلق الاسم ومع الخطأ في الوصف ويصح نيته قبل الزوال لكن إذا نوى عن واجب آخر نوى عن واجب آخر وقع عما نوى لأن التعيين بولاية الناذر يؤثر في حقه ولا يعدوا إلى حق صاحب الشرع كمن سلم مريدا لقطع الصلاة وعليه سجدة السهو لا يعمل إرادته. الخامس: أداء صوم الكفارة والنذر المطلق ونحوه من القضاء قضاء الصوم عد من الموقت باعتبار تحد ذوقته بطرفي النهار بخلاف المطلق وقت معيار فقط لا شرط للأداء إذ لا قضاء له ولا سبب بل اعتبر السبب وقت النذر لم يبعد ومن حكمه وجوب النية لكونه قربة وتبيينها لأن الموضوع الأصلي في غير المعين النفل فماذا لم يبينها وقع المساك منه فلا ينتقل وبه أيضًا يعلم فساد قياس الخصم صوم رمضان عليه وان لا يفوت حتى بموت إذ ليس وقته معينا بل محددا فقط وإن لا ينطبق عليه الوقت ذكره فخر الإِسلام في شرح التقويم وهو الصحيح لا ما روى عن الكرخي أنه يتضيق عند أبي يوسف كالحج. السادس: أداء وقته مشكل لاشتباهه بوجوه: 1 - إذا فات عن العام الأول أشكل أداؤه لأن إدراك العام الثاني من عدمه غيره معلوم فلو مات فات فهو ظرف في نفسه وهو المذكور في التقويم. 2 - أنه مع ظرفيته لأنها أفعال عرفت بأسمائها وصفاتها وهيئاتها وترتيبها وكل عبادة كذلك فوقتها ظرف يشبه المعيار إذ لم يشرع في سنة إلا فرد منه. 3 - أنه مع ظرفيته عندهم كما سيجيء انه متردد بينها لتوسيع محمَّد وبين المعيارية لتضييق أبي يوسف ذاك مع التاثيم بالموت بعد التأخير لا كالصلاة ولتضييق هذا مع القول بالأداء متى فعل لا كالصوم فالثالث ثلاثة قال أبو يوسف وهو رواية بشر والمعلى وابن شجاع عن الإمام - رضي الله عنه - يتعين العام الأول كوقت الصلاة في تعين أوله وعدم مزاحمة الثاني المعدوم له مع قيامه مقام الأول حين وجوده وكونه أداء فيه غير أنه يأثم التأخير عنه بخلاف للفرق إلآتي وإن ارتفع بأدائه بعد وقال محمَّد بسعة التأخير بشرط أو لا يفوته عن

العمر كقضاء رمضان فإذا فوته أثم فالثمرة التأثيم بالتأخير وفرق بين ارتفاع الإثم بعد حصوله وبين عدم حصوله وإلا فالوجوب ثابت حتى وجب الإيصاء بالاحجاج كما وجب بالفدية لصوم القضاء والكفارة وقال الشافعى لا يأثم بالتأخير وإن مات. وفي مستصفي الغزالي أن جواز التأخير عنده في الشاب الصحيح دون الشيخ والمريض ثم تعيين أبي يوسف احتياطي من بعد وجود ما يصلح مزاحمًا فلا ينافيه كونه في العام الثاني أداء لوجود المزاحم واجتهادي يظهر في المأثم الأصلي من الشارع كالصوم ليظهر في ابطال جهة التقصير أو اختيار النفل بنبته وتوسيع محمَّد ظاهري من استصحاب الحياة فلا ينافيه تأثيمه إذا مات قبل الأداء وليس كتأخير الصلاة من أول الوقت كما ظنه الخصم للبون البين فإن الكرخي هذا مبني على الخلاف في أن الأمر المطلق يقتض الفور أم عدمه المعبر عنه بالتراخي وأكثر المشايخ على وفاقهما في التراخي فهذه مبتدأة بحمد أنه فرض العمر وفاقًا ويتكرر وقته فيه وهو في كله أداء ويرتفع الإثم بكل أداء فإليه تعيينه في ضمنه كصوم القضاء ووقته النهار المتكررة وإلى العبد تعيينه بالفعل ولذا اصح نية النفل بخلاف صوم رمضان وحرفه اعتبار الحياة المحققة مستصحبة لإبقاء القدرة وعدم إبطالها بالموت الموهوم يؤيده أنه عليه السلام حج سنة عشر من الهجرة ونزلت فرضيته في ست منها قلنا لعام الأول وقت لحوق الخطاب فيتعين إذ الثاني لا يزاحمه للشك في إدراكه بتعارض الحياة والممات لاستوائهما في تلك المدة المديدة والساقط تعارضًا كالساقط حقيقة بخلاف تأخير صوم القضاء إلى اليوم الثاني قال الحياة إليه غالبة والفجأة نادرة لا يقال الظاهر بقاء الحياة كأصلها بالاستصحاب لأنا نقول وكذا الظاهر بعد ذوات العام الأول بقاء فواته وربما يقال أيضًا الظاهر بقاء الانفصال عن الثاني والأول أولى ومبناهما امتداد مدة العود فحرفه اعتبار الموهوم الحصول معدومًا في أن لا يرتفع الثابت به كما في المقصود. وإما أن كله أداء فلأن الاحتياط الداعي إلى تعيينه يرتفع بإدراك الثاني فيقوم مقامه ولذا يرتفع الاثم أيضًا لحصول المقصود وإما تأخيره عليه السلام فلاشتغاله بأمر الحروب وتقوية الإِسلام وربما يعلم بإعلام الله تعالى أنه يعيش إلى أن يعلم الناس مناسكه وإما شرعية نية النفل ممن عليه حجة الإِسلام لأن وقته ظرف في ذاته وشبه المعيار عارض للاحتياط والعوارض لا نعارض الأصول كما صح عند آخر وقت الصلاة نية نفل بفوتها واستحسن الشافعى الحجر عن التطوع اشفاقًا عليه وجريا على دأبه في حجر السفيه فجوزه بنية النفل كما جاز بإطلاقها وقابل وجاز أصله بلا نية في إحرام الرفقاء عن المغمي عليه والابن عن

التقسيم الثالث متعلق الحكم بحسب غايته

أبويه قلنا الحجر يفوت الاختيار اللازم للعبادة وتصحيحها بحيث يفض إلى إبطالها عود إلى الموضوع بالنقض غير أن الاختيار في كل باب بما يناسبه فلا طلاق ها هنا ظاهرًا بدلالة معنى في المؤدي وهو أن المسلم لا يتحمل أعباء تلك المشقة للنفل وعليه حجة الإِسلام فلا يعدل إلا عند التصريح بخلافه كتعين نقد للبلد عن الإطلاق بدلالة تيسر إصابته لا عند التصريح بخلافه وكتعيين صوم رمضان لمعنى في المؤدي كما مر وكذا صحة إحرام الرفقة بدلالة عقدها على الأمر بالمعاونة إما فيه فلجريان النيابة في الشروط كغسل عنده أعضاء وضوءه وإما في أفعاله ففط رواية لا يجوز النيابة وفي أخرى يجوز إن شاء الله تعالى فاستثني لكونه ظنيًا ثانيًا بخير الواحد والأصح الحكم بالجواز لأن المتقول ثوابه كما عن الأبوين ولا يشترط لنقله نية المنقول إليه ولذا كان له أن يجعله عن أحدهما بعد ما أحرم عنهما لأن نقل الثواب بعد الأداء وحديث شبرمة مؤول لأنه كان للتأديب ولذا أمره أن تستأنفه عن نفسه ولم تقل أنت حاج وكان ذلك حين جازا الجروح عن الإحرام بالعمرة وقد انتسج. التقسيم الثالث متعلق الحكم بحسب غايته وهو أنه أن كان مستتبعا للمقصود منه فصحيح وإلا ففاسد وباطل والمقصود في العبادات موافقة الأمر عند المتكلمين وسقوط القضاء عند الفقهاء فصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة على الأول لا الثاني لا يقال لا موافقة فيها وإلا لم يجب القضاء إما لأن وجوبه بسبب جديدًا ولأن المراد الموافقة حين الفعل وعدم وجوب القضاء يستدعي دوامها هذا عند الشافعية وعندنا المستتبع للمقصود من كل وجه ويسمى المشروع بأصله ووصفه صحيح كبيع المكيل بالموزون وغير المستتبع أصلًا ويسمى غير المشروع بهما باطل كبيع الملاقيح والتضامين لعدم اليقين بوجود المبيع وعدم القدرة على تسليمه والمستتبع من وجه دون آخر ويسمى المشروع بأصله دون وصفه فاسد كالربا مشروع من حيث مقابلة المال بالمال لا من حيث المفاضلة في النقدين وما يجري مجراها ضبطًا، وسره أن العدل في مثله ينفى الفضل والمراد بالأصل ماهية الفعل حقيقة كانت كالفعل الحسن أو اعتبارية كالمجموع من الأركان والشرائط الذي اعتبره الشرع فعلًا كالعقود فعدم شيء كبيع الملاقيح والنكاح بلا شرط يبطل والوصف هو الخارج عن ذلك وعدمه يفسد وقريب من الصحة الأجزاء قيل هو سقوط القضاء ورد بأنه يستدعي سبق وجوبه فلا يوصف الموداة في وقتها به وبأن سقوط القضاء معلل به فالأولى أنه الأداء الكافي لسقوط

التقسيم الرابع بحسب تعلق الحكم به

التعبد به. ويمكن أن يجاب بأن المراد بسقوطه عدم وجوبه وإلا لود على تفسير الصحة أيضًا ولما صح تعليلها بالأجزاء وبهذا يندفع أيضًا أن الأجزاء كان ثابتًا قبل حديث القضاء لأن العدم لا يقتضي الثبوت وبأن السقوط المعلل عدم فعل القضاء لا عدم وجوبه ولئن سلم فتفسير باللازم لا ينافي التعليل كما في الصحة وقيد الأداء في المستصوب يقتضي أن لا يوصف الإعادة والقضاء به وهو خلاف ما هم عليه إلا أن يحمل على اللغوي قالوا إنما يوصف به ما يحتمل ترتب المقصود وعدم ترتبه عليه لا كمعرفة الله تعالى فإنها إذا لم يطابق الواقع لا تسمي معرفة ولا كرد الوديعة والصحيح أن الموصوف به هو العبادات وقوعًا هذا وستسمع منا أنه قد يطلق على حصول الأمثال مطلقًا. التقسيم الرابع بحسب تعلق الحكم به وهو إما حسن أو قبيح وقد مر التحقيق في تفسيرهما عندنا وعند المعتزلة تفسير أن: 1 - ما ليس للقادر العالم بحاله أن بفعله قبيح كالحرام وماله أن يفعل حسن كالباقية. 2 - ما يوجب الذم كالحمام والمدح كالواجب والمندوب فقبيحا هما متساويان والحسن بثانيهم أخص إذ لا يتناول المباح والمكروه شيء منهما وقبل القبيح الثاني أخص لأن الأول يتناول المكروه دونه وإنما ينم لو لم يكن معناه يجب أن لا يفعله. تقسيم الحسن والقبيح ويستدعي تصويرا لما أسلفنا أن الحق مذهبنا في أن العقل يعرف الحسن والقبيح في بعض الأفعال بنفسه وإن لم يرد الشرع أي كونه كذلك في نظر الشرع أن ورد مع أن الموجب هو الله تعالى وإن لا بد من القول به في نحو وجوب النظر والإيمان وتصديق النبي في دعوى النبوة إذ لو لم تعرف إلا بالشرع لم يمكن إلزام الشرع حينئذ ولا أعلم بثبوته حتى انظر وهو دورًا وقال لا أصدق النبي في دعوى النبوة حتى أعلم بوجوبه ولا أعلم به حتى اصدقه في قول آخر ولا أصدقه في ذلك أيضًا حتى أعلم بوجوبه ولا أعلم به إلا بنص إما هو الأول فدار والثالث فسار مسلسلًا، ولو أقام حرمة عدم النظر في الأول وحرمة التكذيب في الثاني مقام الوجوب لثبت القبح العقلي أيضًا ولا سيما إذا فسدت المعارضة المشهورة الموردة على تقدير عقليته إما يمنع قوله لا انظر حتى أعلم بوجوبه لأنه على تقدير الشرعية لدفع إلزام الشرع من ملزمه وهو معنى الإفحام فلا يتجه على تقدير العقلية لأن الحكم العقلي كثيرًا ما لا يتوقف على التوجه الاختياري فضلًا عن المدافعة وإما يمنع قوله لا اعلم بالوجوب العقلي حتى أعلم بثبوت تلك المقدمات النظرية إذ لا يلزم من انتفاء العلم

بالطريق المخصوص انتفاء العلم بالمدلول كيف ومن المحتمل أن يثبت بطريق لا يحتاج إلى النظر كخلق الله تعالى العلم الضروري به دفعة لو بعد توجه اختياري أو عادي ثم تعرفهما في الكل بواسطة ورود الشرع لأن الشارع حكيم فلا يأمر بالفحشاء ولا ينهى عن العدل والإحسان كما نص عليهما ولأن كلا من امتثال المأمور واجتناب المنهي طاعة وكل طاعة حسنة وكل معصية قبيحة ظهر أن الأمر والنهى دليل وجوديهما بإيجاد الشرع وهما متقاضهما لا أن الأمر والنهى بوجباتهما وهما أثرهما كالأشاعرة ولا أن العقل يقتضيهما في الكل ضرورة أو توليدًا كالمعتزلة لكن قد يظهر الأمر والنهى اقتضاء ولا شك أن معرفة العقل إياهما في الأفعال يستدعى ما به المعرفة فيها ولا أقل من كونه طاعة أو معصية فباعتباره قسم مشايخنا الحسن إلى ستة والقبيح إلى أربعة وقد أجيب عن تلك الأدله بأنه إن أريد بوجوب التصديق وحرمة التصديق وحرمة التكذيب ضرورة جزم العقل بثبوت الصدق وانتفاء الكذب بالدليل العقلي فذلك مسلم لكنه غير المبحث وإن أريد استحقاق الثواب والعقاب بهما في الأجل فيجوز ثبوت ذلك بثبوت النبوة وصدق دعواها وبحكم الله تعالى بوجوب إطاعته لا ينص آخر ناطق به حتى يتسلسل وكون العقل آلة لهذه الأشياء لا خلاف لأحد فيه وجوابه أن ثبوت النبوة وصدق دعواها عند المكلف يتوقف على العلم به والنظر فيه والمفروض توقف تصديق النبوة والنظر فيه على استحقاق الثواب به والعقاب بعدمه في زعم المكلف المعاند وهما حين شرعيتهما يتوقفان على ثبوتها فالمحذور عائد ولو في نص وجوب لا طاعة ثم المتفق عليه كون العقل آلة لفهم الخطاب ومعرفة صدق الناقل لا لوجوب التصديق والنظر فيه ثم الحسن إما حسن لمعنى في نفسه حقيقة وهو إما أن لا يقبل سقوط التكليف به التصديق أو يقبل كالاقرار والصلاة أو حكمًا كالصوم والزكاة والحج والمعنى في غيره وعلامته سقوطه بسقوط الغير بخلاف الحسن لنفسه بأقسامه فإنه لا يسقط إلا بالإتيان أو باعتراض ما يسقط ما يحتمله منها فأما أن لا يتأدى المقصود به كالسعي للجمعة والوضوء للصلاة أو يتأدى فيشبه الحسن لنفسه كالجهاد وصلاة الميت أو لحسن في شرطه وهو القدرة ويشمل الكل لكنه يختص بالأداء فهذه ستة أقسام: الأول: مالا يقبل سقوط التكليف مما حسن لنفسه حقيقة كالتصديق في الأيمان وهو أحد قسمي العلم المعبر عنه بالإذعان لقبول النسبة وتسميته تسليما للتوضيح وحصوله للكافر وهم ولو سلم فكفره لجحوده باللسان أو استكباره عن الإذعان ولذا يكفر بصدور

أمارة الإنكار والاستكبار فالأمر به وزنان كان كيفا لا فعلًا لاشتماله على الإقرار أو لتحصيل مقدماته من صرف القوة واستعمال الفكر وغيرهما كالأمر بالعلم وعلى ذا ورد وصفه بالاختياري فتبدله وإن كان بالإكراه كفر إذ وجوده كعدمه في الخفى القلبي فإقرار المنافق ليس إيمانًا، أي: في نفس الأمر وعندنا إذا علمناه وإجراء أحكام الإِسلام دار على الإقرار لخفائه. الثاني: ما يقبله منه كالإقرار تبدله عند الإكراه لم يعد كفرًا لأن الأصل التصديق وهو قلبي ليس اللسان معدته وقيام السيف دليل على عدم تبدله ولكن ترك متمكنه من غير عذر دليل فواته فلا يكون مؤمنًا ولو عند الله تعالى لا المصدق الغير المتمكن منه وإن ندر ولا للتمكن عند الإجبار على الإقرار والإنكار بخلاف التصديق عند ظهور ملائكة العذاب وعند المتكلم وبعض أئمة الحديث مجرد التصديق إيمان لا في إجراء أحكام الدنيا لأن شرطه الإقرار وعكسه المنافق إذ لا عثور للعباد على ما في الفواد والحق مذهب الفقهاء لظواهر النصوص الشارطة في الإِسلام الشهادة وهي لا تكون إلا باللسان وكذا الصلاة لأنها أجمع عبادة للتعظيم القولي والقتلي والوقتي والحالي ولذا كانت رأس العبادة وعماد الدين وقرة عين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوسط استحقاق المعبود لا ينافي حسنها العين ككفرنا بالجبت والطاغوت لأن ذلك يكون المقصود الأصلي نفس الفعل وإن اعتبر الإضافة لا الواسطة كما في الوضوء والجهاد ويسقط بعذر الجنون والإغماء والحيض والنفاس لكنها دون الإقرار إذ ليست ركنًا مثله لا حقيقة ولا إلحاقًا إذ لا يدل عليه عدمًا ولا وجودًا الأعلى هيئة مخصوصة وسره أن كمال الأيمان في الإنسان بالجمع بين باطنه وظهره كما هو مجموع من روحه وجده فعين لذلك فعل اللسان لأنه الموضوع للبيان ولذا جعل رأس الشكر الحمد لا عمل سائر الأركان. الثالث: ما حسن لعينه حكمًا كالصوم لقهر النفس الأمارة للفرار عن بوار دار القرار وهو في نفسه تجويع ومنع عن النعم المباحة والزكاة لدفع حاجة الفقير وفي نفسها تنقيص المال وإضاعته وهي حرام شرعًا وممنوع عقلًا والحج لقضاء شرف البيت وفي نفسه قطع المسافة غير أن الوسائط وهي النفس والفقير والبيت لا تستحق العبادة بنفسها بل يجعل الله تعالى فكانت في الحقيقة تعبدًا محضًا لله تعالى حتى شرط لها أهلية كاملة فلم يجب على المجنون والصبي بخلاف حقوق العباد إلا عند الشافعى رحمه الله. في الزكاة، ولو جعلت الوسائط قهرها ودفع حاجته وزيارته فليقل سقطت حسنها لعدم الاستحقاق المذكور

فصارت حسنة لذاتها وسيجيء ما بينهما وتفارق الصلاة الحج بأن المنوط بالبيت ليس حسنها ولذا كانت حسنة حين كانت القبلة بيت المقدس وجهة المشرق وجهة التحري. الرابع: ما حسن لغيره ويتأدى الغير به فإن السعى والوضوء حسنان للتمكن بهما من الجمعة والصلاة ولذا يتبعاتهما وجوبًا وسقوطًا ولا يتأدى إقامتهما بل ويستغنى عن صفة قربتهما لحصول التمكن بدونها ولذا يسقط عن المعتكف في الجامع والمحمول مكرهًا إليه لحصول المقصود لا عن المحمول مكرهًا منه بعد سعيه إليه لعدمه وليس حسن السعى لكونه مشيًا بسرعة للخبر وهو فلا تأتوها تسعون والأثر وهو تفسير فاسعوا بأقبلوا على العمل والاجماع على أنه يمشي على هيئته ولا حسن الوضوء لكونه تبردًا وتطهرًا. الخامس: ما حسن لغيره ويشبه ما لعبته للتأدي به كالجهاد وصلاة الجنازة لكفر المحارب إعلاء للإسلام وإسلام الميت قضاء لحق المسلم ولذا لو لم يبق الكفر لم يبق لكنه خلاف الخبر وإن سقط حق الميت بعارض كالبغي وقطع الطريق والكفر سقط أصلًا وإن قضى حقهما بالبعض سقط عن الباقين وليس حسنهما لتعذيب العباد وغريب البلاد ولا لذات الصلاة ولذا نهيت عن الكافر والمنافق فصارت عبثًا بدون الميت، ولبعض الأفاضل في تحقيقها فوائد زيد ترتيبها وتهذيبها وهي أن جهة الحسن والقبح إما عين الفعل أو غيره المنتهي بالآخرة إلى العين دفعًا للتسلسل وذلك الغير إما جزاؤه أو خارج عنه وكل منهما إما محمول متحد معه في الخارج أو لا فالحسن لعينه كالتصديق وأدرج في الحسن لمعنى في عينه مع أنه لعينه اصطلاحًا ولا تشاح فيه أو لأن الموصوف بالحسن جزء ثباته المشتملة عليه ولجزئه المحمول كالصلاة لكونها عبادة وهي مركبة عنها وعن الخصوصية وغير المحمول فهي لأركانها المشتملة على التعطم وللخارج المحمول كالصوم لكونه قهرًا للنفس ومثله الزكاة والحج لكونها دفع الحاجة وزيارة البيت وأدرج هذه في الحسن لعينه إما لأن ورود الأمر المطلق فيها يقتضي حسنها العيني كما سيجيء لكنا لا نعلم المعنى الداعي إليه وإما لأن الحسن العيني ما يؤدي به لكونه مأمورًا فإن طاعة الله تعالى مما يحكم العقل بحسنه عندنا فحصل للحسن بمعنى في نفسه مفهومان أن يكون حسنًا لعينه كالتصديق أو لجزئه كالإيمان والصلاة وإن يكون حسنًا لكونه إتيانًا بالمأمور به ويجوز اجتماعهما كالإيمان وافتراقهما في غير المأمور به والصوم وأخويه والفارق في أن العبادة جزء الصلاة دونها مفهومتها ويجوز أن يوصف بالحسن المأمور به الذي هو الحاصل بالمصدر وإيقاعه وكذا بالمأمور به لأن كلا منهما أثر الأمر ولا يلزم أن كل المأمورات حسنة بمعنى في

نفسها بهذا المعنى لأن ذلك إذا أتى بها لكونها مأمور بها كالوضوء المنوي حسن لعينه ولغيره وغير المنوي لغيره فقط ومما للخارج المحمول الجهاد لكونه إعلاء وكذا صلاة الجنازة وللخارج الغير المحمول كالسعي للجمعة والوضوء للصلاة وأفاد أيضًا قاعدتين: 1 - أن المركب إنما يكون حسنًا لمعنى في نفسه إذا لم يكن جزء منه قبيحا وإلا فيكون قبيحًا وسره أن القبح لعدم الجواز وعدم الجزء كاف في عدم المجموع وحاصله أن المركب إما حسن بجميع أجزائه أو ببعضها فالبعض الآخر إما واسطة أو قبيح بجميع أجزائه أو ببعضها والبعض الآخر واسطة أو واسطة بجميع أجزائه فالأولان حسنان والسادس واسطة والثلاثة قبيحة. 2 - أن الفعل من الأعراض النسبية فالنسب مقومات له فاتصافه الحسن أو القبيح من حيث هو ومع النسبة لا من حيث هو فلا يرد لو كانا ذاتيين لما اتصف فعل واحد بهما بالاعتبارين، وأقول من هذه الفائدة إن صحت يظهر وجه منع لأول دليل الأشاعرة في نفى العقلين ووجه تحقيق لمذهب الجبائين لكن فيما يذكره بحث من وجه: 1 - أن الحسن لمعنى في نفسه بمعنى أن يكون لعينه أو لجزئه لما لم يشمل القسم الثالث مع أنه من أقسامه باعترافه فلا وجه لذكره وتمسكه باقتضاء الأمر المطلق فاسد لأن مقتضاه أول الأقسام وهذا ثالثها. 2 - أن نحو الجهاد لما تأدى المقصود في ضمنه فكيفما يؤدي به يؤدي لكونه مأمورا به وإلا لم يتأد المقصود أو يتأدى ولم يكن عبادة وهما منتفيان فيتناولهما الحسن لمعنى في نفسه بالمعنى الثاني. 3 - أن عد واسطة نحو الصوم خارجًا محمولا كقهر النفس لا النفس ونحو الوضوء خارجا غير محمول كالصلاة لا كونه ممكنا منها ونحو الجهاد خارجا محمولا أيضًا كإعلاء الدين لا كفر الكافر مع مخالفته لكلمات المشايخ تحكم ظاهر. 4 - أن المقوم للفعل نسبة ما لا المعينة وليس أنصافه بأحدهما باعتبار نسبة ما بل لتعينها نعم لو لم يتمسك بكونه عرضًا نسبيًا بل أدعي كون ماهيته اعتبارية في الشرع هي المجموع لكأن شيئًا. 5 - أن تقسيمه مشعر بأن قبح المركب لعينه قد يكون لقبح جميع أجزائه وفيه منع إذ لا موجود كذلك كيف وكل قبح فالشىء من العدم كسلب الأمور الخمسة في أسباب المزاجر الخمس وترك الامتثال ولو بنوع في العبادات والمعاملات والحق في تحقيق اعتبار

المشايخ لإفراز الأقسام الثلاثة الأخيرة إنها مشتملة على المفاسد والدواعي فالمقاصد معاني العبادة التي هي محمولات عليها والدواعي متعلقاتها التي هي غير محمولات وهي المسمى عندهم بالوسطاء ثم أن كان كونها دواعي إلى الأفعال من حيث كونها عبادة لا بذواتها بل لمجرد جعل الله تعالى عدت مما حسن لعينه لسقوط الوسائل عن الاعتبار وبقائها تعبدًا محضًا لله تعالى وجعلت من لواحقه لوجود الوسائط في الجملة وإن كان كونها دواعي لا من حيث أن تلك الأفعال عبادة بالنظر إلى نفسها أصلًا جعلت مما حسن لغيره فإن لم يحصل المقصود في ضمنه فقسم أول منه ومحض لأنه أبعد عن العينية وإن حصل فقسم ثان وسببه فإن الواسطة فيه وهي كفر الكافر وإسلام الميت داعيان إلى الجماد والصلاة لا من حيث هما عبادتان إذ هما لا يستحقان عبادة أصلًا فإن الدعاء إليهم إليس من حيث هما عبادتان وإلا لكانا مقصودتين أصليين بل من حيث هما قمع ورعاية لحق الشركة في الدين مع أنهما أمران اختياريان للعباد أي ليس توسطهما بمجرد جعل الله تعالى حتى يجعل كالعدم بخلاف النفس والفقير والبيت ومقصودهما وهو إعلاء الدين وقضاء حق الميت يحصل بهما ومن هنا يعلم أن المراد بالنفسية والذاتية عدم توسط المباين في جهة الحسن أعني كونه مناطا للمدح ولثواب حقيقة كما في الأولين أو حكمًا كما في الثالث. القسم السادس: ما حسن لحسن في شرطه الذي هو القدرة التي يمكن بها العبد من أداء ما لزمه بدنيًا كان أو ماليا وحسنًا لعينه كان أو لغيره وهي المفسرة بصحة الأسباب وسلامة الألات لأنها التي تصح شرطًا سابقًا للتكليف إذ الاستطاعة مقارنة ويسمى جامعًا لذلك الشمول ولا يمتنع اجتماع الحسنين بل أكثر في واحد كالجملة المتزينة حسنًا والظهر المخلوف عليها شرعًا ففيها ثلاثة بل أربعة وفي نوع الوضوء المنوي حسنان عندنا وعلى ما نقلناه أربعة وسيجيء أقسامها وأحكامها إن شاء الله تعالى. وأقسام القبيح على ما ذكروه أربعة: لأنه إما العينة وضعًا لأنه إما لعينه وضعًا أي عقلًا كالكفر والكذب والعبث والمراد به كون اللفظ موضوعًا لما هو قبيح عقلًا أو ملحقًا به شرعًا كبيع الحر والمائن لأن المقصود من البيع المنفعة فلعدمها فيه التحق شرعًا بالقبيح وضعًا وفي اللوط قولان أن قبحه وضعي أو شرعي أو لغيره وصفًا كصوم يوم العيد والتشريق والبيع الفاسد أو مجاورًا كالبيع وقت النداء والصلاة في المكان المغصوب وربما يقسم إلى الخمسة كالحسن تحقيقًا للمقابلة فالقبيح لعينه إما وضعا فمنه ما لا يسقط بحال كالكفر ومنه ما يتحمله كالكذب يسقط قبحه في إصلاح ذات البين والحرب

وإرضاء المتناكحين به ورد الأثر وإما ملحق به كما الحق البيوع الباطلة إذ لم يتعلق مصالح البيع بما ليس مال فصار عينًا كضرب الميت وأكل ما لا يتغذى به ومنه الصلاة بلا طهارة لأن الفعل من غير أهله عبث ككلام الطير والمجنون فلذا اعتبر الأهلية والمحلية ركنًا للتصرفات شرعًا كذا في التقويم والقبيح لغيره إما مجاور يقبل الانفكاك أو ملحق به وصفًا وتمام ضبطها أن جهة القبح لا يكون تمام الماهية لما مر فهي إما جزء أو خارج والخارج إما وصف أو مجاور وكل إما محمول أو غير محمول وكل من الستة إما وضعي عقلي أو شرعي اعتباري فهي اثنا عشر. والفرق بين الجزء وغيره بالقومية الحقيقية في الوضعى والاعتبارية في الشرعي أعني بذلك أن عشر الجزء المعتبر للصحة شرعًا سبب للبطلان لا أن تحقق الجزء سبب للقبح كما في الوضعى ومن الواجب ها هنا أن يعلم أن عدم الشرط والمحل لاستلزامها عدم اعتبار الجزء بمنزلة عدم الجزء أو أن المجموع هو الماهية المعتبرة وإن سمي البعض شرطًا والبعض ركنًا بالتناسب الذي بين الأبعاض وبين الوصف والمجاور باللزوم العقلي في الوضعي والشرطي أو الشرعي في الشرعي للوصف دون المجاور وبين المحمول وغيره بصدق جهة القبح في غير الجزء الشرعي وصدق ما لعدمه حصل القبح فيه. الأمثلة: الجزء الوضعي المحمول كقبح الكفر لإنكار الحق وغير المحمول كالكذب لعدم مطابقة الواقع والشرعي المحمول كعدم أحد الركنين المحمولين وغير المحمول كعدم المحل في ْبيع المائن والحر وبيع الخمر بالدراهم ونكاح المحارم وصوم الوصال وعدم الشرط في النكاح بلا شهود ثم الوصف الوضعي المحمول كقبح العبث لنصح العمر وغير المحمول كالسفه لتضرر صاحبه والظلم لتضرر غيره والشرعي المحمول كصوم الأيام الخمسة لكونه أعراضا عن ضيافة الله تعالى والصلاة في الأوقات المكروهة لكونها تشبها بعبدة الشيطان وغير المحمول كالبيع بالخمر فإن الثمن اعتبر وصفا لأنه وسيلة ولذا يجوز البيع بدون وجوده بخلاف المبيع ولا ينافيه كون الفساد فيه في صلب العقد لكونه في أحد البدلين كالربا لأن وصفيته اعتبارية والكل لازم وضعًا أو شرعًا أو شرطًا في العقد كالخمر ومثله كل الربا لأن الفضل تبع زائد عند مقابلة الأجناس وقادح في العدل ولازم لكونه مشروطا وكذا كل بيع بشرط ثم المجاور الوضعى المحمول كقبح البخل لدفع المستحق وغير المحمول كالظلم لفساد العالم والشرعي المحمول كالبيع وقت النداء لكونه اشغالا عن السعي الواجب والسفر لكونه إباقًا والصلاة في الأرض المغصوبة لكونها تصرفا في ملك الغير بغير إذنه وغير المحمول كالسفر لقطع الطريق والكل مما يمكن الإنفكاك عما قارنه من حيث

التقسيم الخامس لمتعلق الحكم بنسبة بعضه إلى بعض

هما وذا كاف لتحقق الفرق بين الآخرين به. التقسيم الخامس لمتعلق الحكم بنسبة بعضه إلى بعض وهو أن الفعل سواء كان وجوده حسبا ونعنى به ما ليس لاعتبار الشرع مدخل في وجود ذاته وقد يسمى وضعيًا فيتناول العقلي كالتصديق والنية والحسي الذي في نسبة الحكم إليه اعتبار زائد شرعي كالزنا فإن الحسنى منه الوطيء وكشرب الخمر وقتل المعصوم أو لم يكن حسيًا بل يكون الشرع اعتبر له وجودا من عدة أمور اعتبرها مقومات أركانا وشروطا عدم شيء منها يبطل وأمور أعتبرها أوصافا عدم شيء منها يفسدو بوجود الجميع يكون صحيحا مطلقا كالتصرفات الشرعية والعبادات قد يكون مع كونه متعلق حكم شرعى سببًا من حيث هو لحكم آخر كالزنا الحرام لوجوب الحد والبيع المباح للملك أو لإباحة التصرف وقد لا يكون كالكل ليس سببيته لبطلان الصوم من حيث هو بل لاستلزامه فوت الإمساك والصلاة واعترض بأن المراد بالسببية إما كونه علامة فذلك حق لكن في تسمية العلامة به بحيث للفرق بينهما بالإفضاء وعدمه أو تأثيره وذا باطل إما لأن الفعل الحادث لا يؤثر في الحكم القديم وجوابه أن التأثير في تعلق الحكم به وهو حادث لا يقال التعلق نسبة فلا يكون مقولا لغير المنتسبين لأن النسبة قد يكون أثر الغير هما كالأبوة والبنوة للتولد، وإما لأن تأثيره لكونه فعلا ما ترجيح بلا مرجح ولخصوصيته قول بالحسن والقبح العقليين. لا يقال بل بجعل الشرع لأن الترديد عائد في أن جعله لماذا وجوابه أن جعله بلا داع فقد مر جوازه، والحق أن السبب الموجب هو الله تعالى وإيجابه بأن عينه الشارع أمارة للوجوب تيسيرات لكون إيجابا غيبا عنه وسببيته كون تلك الإمارة بحيث أو علل الحكم به للاءم العقل وإن لم يعلم اقتضاؤه لولا ورود الشرع فبعد وروده حصل الاقتضاء الشرعي وهذا هو المعنى في أسباب الشرائع مطلقا. التقسيم السادس لمتعلق الحكم باعتبار العذر المخرج عن أصله فإن الفعل الجائز ان ثبت على وفق الدليل فعزيمة وإن ثبت على خلاف العذر فرخصة سواء وجب كأكل المتية للمضطر والقصر عندنا، أو ندب كالإفطار عند الشافعية في قول

أو أبيح كالإفطار في السفر عند من لم يفصل منهم ومن فصل قال أن تضرر المسافر ندب الإفطار وإن لم يتضرر ندب الصوم فلإباحته ويفسر المباح ما يتناول المندوب نحو ما أذن في فعله وتركه له ما لا مدح ولا ذم في طرفية قال أصحابنا العزيمة ما هو أصل أي غير متعلق بالعوارض من العزم وهو القصد المؤكد حتى قوله أعزم بينة يمين كاقسم خلافًا للشافعي رحمه الله لعدم اسم الله وصفته، ومنه أولو العزم أي الجد والصبر على شدائد الرسالة وقيل: من بيانه وأصول الشريعة في نهاية الأقسام السبعة أو التسعة والرخصة: ما ليس بأصل أي متعلق بها فلا واسطة بينهما وهي اليسر من رخص السعر عند تيسر الإصابة وحقيقة ما أطلق بعذر طرئ على دليل ثابت لولاه لثبت الأصل فبعذر خرج المباح عزيمته كما إذا تملك ملك ليغير وطرئ نحو التيمم عند فقد الماء والصيام عند فقد الرقية وعلى دليل ثابت أخرج المنسوخ ولولاه لثبت الأجمل المخصوص وعموم الأصل ليتناول العزائم الأربع، وقيل: بعد قيام المحرم وأورد بأنه تخصيص العلة وأجيب بأن المراد بالطلاق أن يعامل معاملة المباح لا الإباحة بالفعل ولذا وجبت عليه المغفرة وعدم المواخذة لا يقتضى الإباحة كما عند العفو، وقيل: المباح بعد قيام المحرم في حق من لا عذر له أو من حيث المعنى وهو الصحيح لأن كمال اليسر في صورة سقوط الخطر والعقوبة معا فالعزدمة سبعة إقسام إن كان التسمية بها باعتبار أصالتها فقط وح لا واسطة وأربعة إن كانت مع اعتبار نوعها في مقابلة الرخصة أما السبعة فلأن الفعل إما أولى من الترك أو لا والأول إن كان مع منع الترك فبدليل قطعي فرض وظني واجب وإلا فإن كان طريقة سلوكه في الدين فسنة وإلا فمندوب ونفل والثاني إما الترك أولى من الفعل فمع منع الفعل حرام وبدونه مكروه، وإما مستويان أي ثوابًا وعقابًا كما أريد الأولوية نوابا فلا يرد فعل البهائم والمجانين ونحوهما فمباح وإما الأربعة منها ففرض وواجب وسنة ونفل بأن الحرام والمكروه وكذا المباح على الأصح لا ينقلب رخصة حتى يسمى بالعزيمة في مقابلتها ويعنى به أن الرخصة أن كانت فعلا يجب كون تركه أحد هذه الأربعة وبالعكس لأن العزيمة في الأصل راجحة والرجحان فيها، فالمراد قبل ورود الرخصة إما بعده فقد يكون حراما كصوم المريض عند خوف الهلاك ولذا يأثم به فالفرض ما ثبت بدليل قطعي متنه وسنده يستحق العقاب تاركه بلا عذر الإكراه مطلقًا استخف فكفر أولًا فعصى كالإيمان والأركان الأربعة ومعناه لغة القطع والتقدير لانقطاعه عن الشبهة وعدم احتماله الزيادة والنقصان حتى من قال ومن جاء من عند الله وما جاء من عند غيره لا نومن وفي

التقدير نوع تيسير ذا التناهي يسر ونوع شدة محافظة ولذا سمى مكتوبة وحكمه اللزوم علمًا وعملًا فيكفر جاحده ويفسق تاركه عمدا بلا عذر ولا يكفر إلا إذا استخف والفاسق ربما يشمل الكافر، والواجب ما ثبت بدليل فيه متنا أو سندا كالفطرة والأضحية وتعديل الأركان وتعين الفاتحة والطهارة في الطواف والوتر من الوجوب وهو السقوط عملا أو لعدم العلم أو من الوجبة وهي الاضطراب إذ فيه شبهة وحكمه اللزوم عملا لا علمًا فلا يكفر جاحده ويضلل تاركه مستخفا غير راء للعمل به لا متأولا ويفسق بدونها فالفرق بينهما بين اسما وحكما بلا تحكم فالواجب إذا تفاوت الدليلان رعاية التفاوت بين مدلوليهما فيعمل فيما ثبت بالقطعى كقراءة ما تيسر من القرآن والركوع والسجود والطواف بالخبر الوارد فيها بوجه لا يتغير حكم القطعي وذلك بوجوب مدلول الخبر فمشونها كالشافعي رحمه الله ساه في حط رتبة ورفع درجته وهذا السعى والعمرة وعنده ركن وفريضة لقوله عليه السلام أن الله كتب عليكم السعى فاسعوا وقوله عليه السلام العمرة فريضة كفريضة الحج قلنا خبر الواحد فلا يثبت إلا الوجوب ولا يلزم القعدة إلا خبرة لأن خبرها مبين لمجمل الكلام ويعمل بالخبر الوارد في تأخير المغرب إلى العشاء بالمزدلفة وفي ترتيب الفوائت وفي الحطيم يوجه لا يعارض الكتاب فمصلي المغرب في الطريق بعيدها بالمزدلفة عند الإِمام ومحمد عملا به، فإذا لم يعد حتى طلع الفجر سقطت الإعادة وإلا لعارض الكتاب المقتضي جواز المغرب الموداة في وقتها وهذا يسقط الترتيب عند ضيق الوقت أو كثرة الفوائت والعارض الكتاب بتأخير الوقتية عن وقتها الثابت به وهذا يوجب الطواف من وراء الحطيم ليعمل بهما حتى لو تركه يؤمر بالإعادة مطلقا أو على الحطيم ما دام بمكة ولو رجع بجبر بالدم إما لو توجه في الصلاة على الحطيم لم يجز إذ لا يتأدى به ما ثبت فرضا بالكتاب وقد يطلق الواجب على الفرض كما يقال الزكاة واجبة وبالعكس نحو الوتر فرض أي عملا وهو ما يفوت بفوته الصحة كفساد الفجر بتذكر فائتة وقراءة الفاتحة فرض أي قريب منه ومسح ربع الرأس فرض أي أصله. والسنة: الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب سواء سلكه الرسول أو غيره ممن هو علم في الدين من السنن وهو الطريق وحكمها أن يطالب بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب فيستحق الأئمة بتركها وفيما صار من أعلام الدين كصلاة العيد والأذان والإقامة والصلاة بالجماعة شبه الوجوب ويشمل مطلقها سنة النبي عليه السلام

وغيره عندنا وعنده تختص بها ولذا حكم متمسكًا بقول سعيد كذا السنة بأن أرش ما دون النفس من النساء لا ينصف إلى الثلث بل فيما فوقه فارش ثلاث أصابع ثلاثون وأربع عشرون عنده وكذا في أنه لا يقتل الحر بالعبد لقول ابن عمر وابن الزبير - رضي الله عنهم - كذا السنة قلنا: مع الاحتمال لا يتم الاستدلال إذ يقال سنة العمرين، وقال عليه السلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (¬1) " والأصل في الإطلاق الحقيقة فلا يرد إنها مقيدة والنزاع في المطلقة وكذا في قوله عليه السلام من سن سنة حسنة الحديث والتعميم ليس قرينه صارفه إذ هو فرع الاختصاص وهي ضربان: 1 - سنة الهدى أي مكمل للدين تاركها يستوجب إساءه كالأربعة المذكورة والسنن الرواتب (¬2) ولذا لو تركها قوم عوتبوا أو أهل بلدة قوتلوا. 2 - سنة الزوائد تاركها لا يستوجبها كتطويل أركان الصلاة وسيره عليه السلام في لباسه كالبيض وقيامه وقعوده كالاحتباء بيديه في المجلس وعلى ذا، قال محمَّد في كتاب الأذان تارة يكره ومرة أساء وهما لسنة الهدي وطورًا لا بأس وهو حكم سنة الزوائد ودفعة يعيد وهو حكم الوجوب. والنفل: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه وهو الزيادة ومنه النفل للغنيمة والنافلة لولد الولد لزيادتهما على مقصود الجهاد والنكاح وهو دون سنن الزوائد فالزائد على الركعتين للمسافر نفل فلا يصح خلطها بالفرض كما في الفجر ولا ينتقض بصومه لأن المراد الترك دائما ولا بالزيادة على الآية أو الثلاث في القراءة مع أنها يقع فرضا لأنها كانت نفلا اتفلت بعد وجودها فرضا لدخولها تحت فاقرؤا ما تيسر كانقلاب اليمين سببًا للكفارة بعد ذوات البر وكما ينقلب بالشروع فرضا ولكونه مشروعا دائما لازم العجز فلازمه اليسر وصح راكبًا وقاعدًا فلم ينفل عن نوع رخصة، قال الشافعي رحمه الله تعالى فيجب أن يصدق حد النفل على بقائه بعد ابتدائه ويبطل المؤدى حكمًا لحقيقة فلا يكون أبطالا لعدم القصد كمن سقى زرعه ففسد زرع جاره بالترشيح ليس إتلافا فلا يجب قضاؤه كالمظنون ولا يعاقب على تركه قلنا يلزم بالشروع لقوله {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (محمَّد: من الآية 33) وذا إبطالٌ، وإن حصل بمباح كشق زق مملوك فيه دهن لغيره إما الترشيح فيضاف إلى رخاوة الأرض لا إلى فعله ولأن المودي صار مسلماُّ حقا ¬

_ (¬1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 80)، والمروزي في السنة (1/ 257) ح (72). (¬2) انظر / التقرير والتحبير (2/ 199).

لله تعالى فوجب صونه ولا يمكن إلا بلزوم الباقي إذ لا صحة له بدون صحته ولا دور لأن الموقوف على صحة الباقي بقاء صحته، وهي على نفس صحة الأصل أو دور معية وإما أن الموت في أثناء العبادة لا يبطل بل يثاب بها لأنه منه فعارض غير المؤدي ورجح للإحتياط لأنه أصل الباب وإلا يرى أن النذر لما صار لله قولًا وجب لصيانته ابتداء الفعل فبالأولى أن يجب لصيانة ما صار له بابتداء الفعل بانتمائه للوجهين، والحرام ما يعاقب على فعله من الحرم والحريم لكونه ممنوعا وهو حرام لعينه أن كان منشأ الحرمة عينه كشرب الخمر وأكل الميتة وإلا فلغيره كأكل مال الغير والفرق أن النص تعلق في الأول بعينه فأخرج المحل عن قبول الفعل فعدمه لعدم محله كصب الماء لا من إطلاق المحل على الحال أو حذف المضاف وفي الثاني يلاقي الحرمة نفس الفعل والمحل قابل له كالمنع عن الشرب ففيه فرق بين الحكمين لفرق بين العبارتين والمكروه نوعان كراهة تنزيه وهو إلى الحل أقرب وكراهة تحريم وهو إلى الحرمة أقرب والفرق بينهما بوجهين: 1 - أنهما بعد أن لا يعاقب فاعلهما يعاقب بالثاني أكثر. 2 - أن يتعلق بالثاني محذور دون العقوبة بالنار كحرمان الشفاعة لقوله عليه السلام "من ترك سنتي لم تنله شفاعتي" (¬1)، وعند محمَّد رحمه الله تعالى الثاني حرام لكن بدليل ظني فيقابل الواجب، والمباح ما لا يثاب ولا يعاقب به فعلًا وتركًا وليس فيه لف ونشر كما ظن فالأقسام في الحقيقة تسعة وإما الرخصة فإن كانت مع قيام سبب العزيمة فحقيقة وإلا فجاز والحقيقة إن كانت مع عدم تراخي حكمه فأحق أي أثبت في حقيقة الرخصة أو أخلق إذ إنما يكتمل الرخصة بكمال العزيمة وإلا فعبرة والمجاز إن لم يكن له شبه حقيقة الرخصة بالنظر إلى غير محلها بل كان نسخًا فأتم في المجازية وإلا فغيره فهي أربعة أقسام: الأول: ما لقطعت المؤاخذة به مع قيام المحرم والحرمة إذ لمؤاخذة غير لازمة للحرمة كما مع العفو والأولى أن يقال المراد قيامها معنى وعدم المؤاخذة لذهابها صورة تيسيرًا وليذكر أن ما أعم من الفعل والترك وإن الرخصة في الفعل يستدعى العزيمة في الترك كما في نحو الإجراء وبالعكس كما في ترك الأمر بالمعروف فالمراد بالحرمة ترك العزيمة وذلك بالوجوب وتأويلها بالراجح ليتناول نحو ترك السنة حالة الخوف فإنها غير مندوبة سهوًا هنا لأن حكم هذا القسم لا يتناوله كما في المكره على إجراء كلمة الكفر على اللسان وإفطاره في رمضان وجنايته على إحرامه وعلى إتلاف مال الغير وسائر الحقوق المحترمة ¬

_ (¬1) لم أجده.

كالدلالة على ماله ومال غيره وكما في ترك الخائف على نفسه الأمر بالمعروف وكما في تناول مال الغير مضطرًا فإن محمدا رحمه الله ألحقه بالعبادات المنصوصة وقال أن مات بالصبر كان مأجورًا إن شاء الله تعالى وحكمه أن يؤجر أن قتل بأخذ العزيمة إما الترخيص فلأن حق الغير لا يفوت إلا صورة لبقاء التصديق والقضاء والجزاء والضمان والإنكار بالقلب وحق لا نفسه يفوت صورة بخراب البنية ومعنى بزهوق الروح فله أن يقدم حقه وإما الأجران قتل فلأنة بذل نفسه حسبة في دينه لإقامة حقه وهذا مشروع كالجهاد على طمع الظفر أو النكاية أو إغراء المسلمين عليهم وقد فعله غير واحد من الصحابة ولم ينكره الرسول بل بشر بعضهم بالشهادة إما إذا علم بقتله من غير شيء من ذلك لا يسعه الإقدام ولو قتل لا يكون مثابًا لأنه ألقى نفسه في المهلكة من غير إعزاز للدين وفي بذل النفس إقامة للمعروف تفريق جمع الفسقة ظاهرًا فإن إسلامهم يدعو إلى أن ينكأ في قلوبهم وإن لم يظهروه. الثاني: ما استبيح مع قيام سبب تراخي حكمه وليتذكر أن الاستباحة بمعنى مطلق الأذن لا بمعنى تساوي الطرفين لتنافي حكمه ولقربه من التساوي ما غيرت فيه لفظة الاستباحة وهذا إحدى فوائد تغيرها إلى سقوط المؤاخذة في الأول كفطر المسافر إذ سببه وهو شهود الشهر وتوجه الخطاب العام واثم لعموم قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه أي حضر ولذا الوادي كان فرضًا خلافًا للظاهرية فعندهم وجوبه متعلق بإدراك العدة فيلزمه عند إدراكها صام في السفر أو لا وهو منقول عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - لأن العدة للمسافر كرمضان المقيم ما كبر لصحابة - رضي الله عنهم - على الأول لعموم الآية فقوله {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} لبيان الترخيص لا التخصيص والترخيص بتأخير وجوب الأداء الثابت بالخطاب يقتض تأخير حرمة الفطر وقيل: شهد بمعنى أقام والشهر ظرف لا مفعول به فلم يخصص منه إلا المريض والأصل في التخصيص الذي هو خلاف الأصل التقليل والأول أولى لوجوه الشهود بمعنى الحضور أكثر فإلى الحقيقة أقرب وإن حمل المنصوب المتردد على المفعول به أولى وإن في الثاني إضمار في والأصل عدمه وإن ما بعده للتخصيص حاصل بدلالة ذكر المريض والتخصيص يستدعي سبق التعميم وإلا فلا يناسب ذكر المسافر معه وحكم أن الأحد بالعزيمة أولى لكمال سببه وتردد في الرخصة لتأدية العزيمة معناها وهو اليسر من جهة موفقة المسلمين فإن البلية إذا عمت طابت فكيف إقامة العبادة بخلاف قصر الصلاة إلا أن يضعفه الصوم فيفضل الفطر حتى لو صبر

فمات كان آثمًا إما لفوت نفسه بمباشرته من غير حصول المقصود وهو إقامة حق الله بخلاف المقيم المكره على الفطر حتى قتل فإن فوته ثمه بمباشرة الظالم وهو مستديم للطاعة كالمجاهد أو لأن فيه تغير المشروع وهو إما التأخير أو جواز التعجيل على وجه يضمن يسرًا أو معناه أن مشروعية الصوم للارتياض ولم يحصل إما المسافر والمريض المكره على الإفطار فيجب عليهما ويأثمان بالصبر حتى الموت كالمضطر على أكل الميتة. الثالث: المجاز الأتم كما وضع عنا بأصله من الأبصر والأغلال فالإصر وهو الثقل مثل لثقل تكليفهم والأغلال لأعمالهم الشاقة كالنوبة بقتل النفس وبت القضاء بالقصاص وغيرهما النسخ تخفيفًا بالرخصة مجازًا. الرابع: ما سقط عنا مع مشروعيته لنا في محل آخر لأنه تأخر ومنه الصوم على التمريض الخائف للتلف لأنه صار غير مشروع في حقه كالسلم فأصل البيع في الأعيان لنهيه عليه السلام عن بيع مال ليس عند الإنسان وعن بيع الكالي بالكالي لكن سقط التعيين فيه تخفيفًا بحيث لم يبق مشروعًا بل العينية تفسده مع مشروعيته في غيره وكسقوط حرمة الخمر والميتة في حق المكره والمضر إلا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله واحد قول الشافعي رحمه الله قاسا على الإكراه على الكفر وأكل مال الغير قلنا قوله تعالى {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} بعد قوله قد {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} استثناء من الحرمة فالمحرم غير قائم بخلاف الثاني وقوله الأمر اكره وقلبه يطمئن بالإيمان مستثني من الغضب لامتها وذكر المغفرة في آخر آية فمن اضطر باعتبار زيادة التناول على قدر به إبقاء المهجة فإن رعايته واجبة ولأن حرمة الخمر لصيانة عقله ودينه والميتة لصيانة بدنه عن سراية الخبث ولا صيانة للبعض عند فوت الكل والثمرة في التأثيم إذا صبر فقتل عندنا والحنث إذا حلف لا يأكل حرامًا عندهما وحرمتهما باقية في غير حالة الضرورة وكسقوط غسل الرجلين في مدة المبيح لأنه غير مشروع حالة التخفف بل حالة التعري لأن الخف مانع لسرابه الحدث إلى القدم حكمًا فكيف يشرع غسله وليس معنى الرخصة تأدى الغسل بالمسح ليكون رافعًا وإلا لما اختلف بالمسح على الطهارة وغيرها كما في مسح الجبيرة وعلى الطهارة الكاملة عند الحدث وعدمها وكقصر السفر عندنا رخصة إسقاط فإتمام المسافر بنية الظهر لا يجوز كإتمام الفجر وبنية الظهر والنفل إساءة وترك القعدة الأولى مفسد وقال الشافعي رحمه الله رخصة ترفيه حقيقة حتى لو فأتت يقضي أربعًا في

قول مطلقًا وفي قول إذا قضي في الحضر لأن النبي عليه السلام سماه صدقة في حديث عمر - رضي الله عنهما - (¬1) والصدقة لا يتم إلا بالقبول ولذا قال فاقبلوا فقبل القبول على ما كان. لنا وجوه: 1 - أن التصدق بما لا يحتمل التمليك أصلًا وإن كان ممن لا يلزم طاعته إسقاط محض لا يرتد بالرد كعفو القصاص أو هبته أو تصدقه أو تمليكه من الولى وكهبة الزوج الطلاق أو النكاح أو تصدقهما أو تمليكهما من المرأة وقد سمي الإسقاط تصدقًا في قوله تعالى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (البقرة: من الآية 280) فمن يفترض طاعته أولى بأن لا يتوقف على القبول لأن تمليك الله في محل يقبله لا يرتد مطلقًا كالإرث بخلاف تمليكنا في الأعيان ففى لا يقبله إذا لم يكن من العبد فمن الله تعالى أولى فمعنى اقبلوا صدقته اعملوا بها وإما ما يحتمل التمليك من وجه دون آخر كقوله لمديونه تصدقت بالدين عليك أو ملكتك إياه فإن قبل أو سكت سقط وإن رد ارتد لأنه مال من وجه دون آخر فكذا تصدقه ابراء من وجه وتمليك من آخر حتى لم يصح تعليقه بالخطر كتمليك العين فعمل بالشبهين، وفي حديث عمر بحث شريف استرادي هو أن قوله أنقصر الصلاة ونحن آمنون مبني على أن القصر معلق بالخوف في القرآن فقال بعض أصحابنا كل من الحديث وسؤال عمر - رضي الله عنه - يدل على أن عدم الشرط لا يقتض عدم المشروط لأن عمر - رضي الله عنه - كان من أهل اللسان وأرباب البيان فلو دل على ذلك لفهم وما سأل ورد بالمنع إما الحديث فلان القول بمفهوم الشرط إذا لم يظهر فائدة أخرى كالخرم مخرج الغالب ها هنا إذا كان الخوف هو الغالب حينئذ وإما السوال فلجواز أن يكون مبنيًا على وقوع العمل على خلاف ما فهمه كما يدل عليه سياق القصة. والجواب عن الأول: أن عدم القول بمفهوم الشرط مع أنه أصل عندهم لخروجه مخرج الغالب كلام لا طعم له فإن تعليق رفع الجناح عن القصر بأمر غالب لا سيما الخوف يويد عدم رفعه عند عدمه لأن النادر كالمعدوم ولأن للضرورة المؤثرة في رفعه ربما يكون ناشئة من الغلبة. وعن الثاني: بأنه لم نرض رأسا برأس حتى جعل سياق القصة دليلًا على فهمه خلاف ما عملوا به وهو ممنوع إذا لو كان سواله مبنيًا على هذه الدلالة لما صح الجواب بأنه صدقة فاقبلوها لأن المستدل بشيء لإيجاب يمنع مداوله من غير التحرض لدليله بل الجواب حاصل أن التقييد بالخوف لغلبته لا لاقتضاء عدمه عدم القصر إما إذا جعل ساكنًا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1/ 478) ح (686).

عن حالة الأمن فسأل المعرفة حكمها صح الجواب بقبوله مطلقًا على أن عدم القول بمفهوم الشرط لخروجه مخرج الغالب مع تجويز فهم عمر - رضي الله عنه - مفهومه متنافيان أو اعتراف بأنه ليس من أهل اللسان والثاني ظاهر البطلان فتعين عدم القول به وهو المذهب المشيد الأركان. 2 - أن معنى الرخصة وهو اليسر عين القصر إذ ليس الإكمال إلا مؤنة محضة وثواب أداء الفرض واحد لأنه بتسليم ما عليه لا بتكبير الأعداد كظهر العبد مع جمعة الحر وفجر المقيم قال عليه السلام "أفضل الصدقة جهد المقل (¬1) " فتصدق درهم ممن لا يملك غيره أفضل من آلاف ممن يملك أضعافها. 3 - أن التخيير إنما يثبت للعبد إذ تضمن رفقًا وإلا فربوبية فإن اختيار العبد ضروري يثبت ضرورة الارتفاق والاختيار المطلق آلهي ولا رفق في التخيير لتعين القصر له بخلاف التخيير في أنواع الكفارة وجزاء الصيد والحلق لاختلافها وبخلاف رخصة الصوم فإن اليسر متعارض إذ مشقة السفر معارضة بخفة الشركة مع المسلمين ورفق الإقامة بمشقة الانفراد فصار الصوم أولى لأصالته وتمسك الشافعي رحمه الله تعالى في أن الفطر أولى في قول بظاهر الرخصة والعزيمة فيهما كما هو دأبه وإن قيل بأن الحق أن الصوم أفضل عنده قولًا واحدًا عند عدم التضرر والإفطار أن تضرر فعلى هذا الخلاف فقال لما تراخي وجوب الأداء إلى العدة ونفس الوجوب لا ينفك عنه عنده تأخرت العزيمة فينبغي أن لا يجوز قبلها كقول الظاهرية غير أنا تركناه في عدم الجواز للأحاديث الواردة فبقي في أفضلية الفطر ولا تراض في الصلاة فعزيمتها أولى قلنا الاعتبار للمعاني لا سيما في درك حدود القياس. أصل مناسب: اختلاف الأجناس بحسب المعنى هو المعتبر لإفادة التخيير لا بحسب الصورة فلذا خير العبد بين الظهر والجمعة إذا أذن مولاه لها لأنهما مختلفان اسمًا وشرطًا ولذا لا يصح اقتداء ناوي إحديهما بناوي الأخرى بخلاف ظهر المقيم والمسافر مع أن لكل منهما رفقًا ليس للأخرى بل الجمعة هي الأصل له عند الأذن يكره لخلفه عنها وكذا التخيير من دخل الدار به بقوله إن دخلتها فعلي صيام سنة بين صيام سنة وتكفير بصوم ¬

_ (¬1) ابن خزيمة (4/ 99) ح (2444)، ابن حبان في صحيحه (2/ 77) ح (361)، الحاكم في مستدركه (1/ 574) ح (1509)، البيهقي في الكبرى (4/ 180) ح (7561)، أبو داود (2/ 69) ح (1449)، النسائي في الكبرى (2/ 31) ح (8687) ح (2304)، أحمد في مسنده (2/ 358).

المبحث الثالث في أحكام الحكم

ثلاثة عند محمَّد رحمه الله ومروي في النوادر أن الإِمام رجع إليه قبل موته بأيام لاختلافهما معنى فإن أحدهما قربة مقصودة خالية معنى الزجر والعقوبة والآخر كافر إما في ظاهر الرواية فيجب الوفاء بالمنذور كما هو الصحيح في نحو أن شفي الله مريضى مما يراد وقوعه ولا يرد تخيير موسى عليه السلام بين أن يرعى ثماني حجج أو عشرًا لأن الفضل كان برًا منه بدليل من عندك ولا تخييرنا في نافلة العصر بين الأربع والركعتين لأن في الكثير مزيد الثواب وفي القليل يسرًا ونظير التخيير عند اختلاف الجنس ولزوم الأقل عند اتحاده تخيير المولى عند جناية العبد بين الدفع والفداء كانت القيمة أقل أو أكثر لاختلافهما ولزوم الأقل من الأرش والقيمة عند جناية المدير لأن المقصود المالية. المبحث الثالث في أحكام الحكم فللوجوب أحكام: أحدها: في الواجب على الكفاية وهو: ما يحصل المقصود من شرعيته بمجرد حصوله فلذا يسقط بفعل البعض كالجهاد المقصود منه إعلاء كلمة الله بإذلال أعدائه إما العين فما لا يحصل المقصود من شرعيته لكل أحد لا بصدوره منه كتحصيل ملكة الخضوع للخالق بقهر النفس الإمارة بتكرار الأعراض عما عداه والتوجه إليه في الصلاة وحكمه الوجوب على الجميع أي على كل واحد وسقوطه بفعل البعض وليس رفع الحكم نسخًا مطلقًا بدليل شرعي متراخ وهذا ارتفاع بطريق عقلى لارتفاع شرطه وهو فقد المقصود وقيل: يجب على البعض فافترقوا فقيل أي بعض كان وقيل: بعض معين عند الله تعالى لنا: إثم الجميع بتركه ولهم أولا لو وجب على الجميع لما سقط بفعل البعض قلنا لا ثم اللزوم كما يسقط ما في ذمة الأصل بأداء الكفيل والاختلاف في طرق الاسقاط لا ينافي وحدة الساقط في الحقيقة كما في الكفاله ونحو قتل من ارتد فقتل نفسًا عمدًا عدوانًا إذ ليس متعددًا في الحقيقة بل في الاعتبار ويسقط من حيث الرد تارة بالنوبة وأخرى باستيفائه، ومن حيث القصاص تارة بالعفو مطلقًا أو على مال وأخرى باستيفائه. وثانيًا: لو لم يجز الإيجاب على البعض لكان لاتهامه وهو ملغي كما في المخير على المختار. قلنا: تأثيم المعين بترك منهم من أمور تعينه أي يترك الكل معقول وتأثيم المبهم بترك واجب معين غير معقول فلا يلزم من إلغائه ثمة الغاؤه ها هنا وليس القصد إلى تأثيم كل

واحد ابتداء كما في العين. وثاكً: قوله تعالى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (التوبة: من الآية 122) ففيه إيجاب على طائفة غير معينة قلنا مؤول بأن فعَل الطائفة مسقط للوجوب جمعًا بين الدليلين. وثانيها: في الواجب المخير وهو الواجب بالأمر بواحد منهم من أمور معينة كخصال كفارة اليمين والخلق وجزاء الصد وسائر الكفارات مرتبة فالواجب عنده أحدها منهما وتحقيقه أن الواحد من تلك الأمور من حيث مفهومه الذي لا يتعداها معلوم ومن حيث تعدد ما صدق عليه منهم ومخبر فيه فمعنى وجوبه وجوب تحصيله في ضمن معين ما وإن كان نفسه واحدًا جنسيًا ومعنى تخييره التخير في إيقاعه بين المعينات وكان الواجب معلومًا كلف بإيقاعه معينًا والتوقف إيقاعه كذلك على خصوصيات خير بينها وقال بعض المعتزلة الواجب الجمع ويسقط بالواحد وجوب الباقي فأبو هاشم واضرابه على أن الثواب والعقاب لو أحد هو الأعلى الأول والأدنى في الآخر فالنزاع لفظي وغيرهم على أنهما لكل واحد فمعنوي وبعضهم الواجب معين عند الله تعالى وهو ما يفعله المكلف فيختلف وبعضم معين لا يختلف لكنه يسقط به وبالأخر سقوط الواجب بالنفل. لنا: إمكان الإيجاب على الوجه المذكور ودلالة النص عليه وفي تمسك المعتزل بالنص قولًا بأن المعطوف على المأمور الواجب واجب مصادرة إما أن التخيير لو اقتضى وجوب الجميع لوجب الترويج من جميع الأكفاء الخاطبة عند أمرها به والإجماع على بطلانه وكذا في وجوب اعتاق واحد من جنس الرقبة للكفارة فطعن فيه الإِمام الرازي بأن وجوب الجميع جمعًا غير لازم وبدلًا غير مجمع على بطلانه وليس بشيء لأن وجوب الجميع بدلًا عين وجوب الواحد المبهم فالملازمة إنما هي على تقدير نقيض المدعي. للمعتزلة الأولى: أولًا أن التكليف بغير المعين تكليف بالمجهول وعلم المكلف والمكلف بالمكلف به ضروري وبالمحال لأن غير المعين يستحيل وقوعه فكل واقع معين ولا قائل بأنه هو. قلنا: مفهومه معلوم والإبهام في ذاته كما مر. وثانيًا: بأن الواحد الدائر واجب ومخير فإن تعدد ألزم التخيير بين الواجب وغيره فيرتفع الوجوب لجواز اختيار الغير وعدم فعله وان اتحد ألزم اجتماع جواز الترك وعدم جوازه في شيء واحد قلنا نختار التعدد لأن الأحد الدائر إذا تعلق به الوجوب والتخيير

يأبى كون متعلقيهما واحدًا كتعلق الوجوب والحرمة في كافر أسلم على أختين تحته فتصرف الحرمة إلى معين والوجوب إلى تعيين آخر بمعنى أيهما عين حرم الآخر وها هنا الوجوب إلى الواحد الدائر والتخيير إلى المعينات وإنما يرتع الوجوب لو أمكن إيقاع الواجب لا في ضمن أفراده الكائنة من حيث التعين خيرًا له. وثالثًا: بقياسه على الكفاية وإن وردت بلفظة التخيير نحو ليفعل سالم أو غانم بجامع حصول المصلحة بمبهم من فاعلين أو فعلين لاستوائها فيهما قلنا أولًا بأن بينهما فرقا ففى الكفاية إجماع على تأثيم الجميع ولا إجماع هنا على التأثيم بترك الكل أو بأنا لا نعلم صحة القياس وإنما يصح لو لم يكن فرق مؤثرًا ولا تم وجود العلة في الفرع وكيف ولازمها وهو التأثيم بالجميع منتف والسند لا يمنع. وثانيًا: الفرق من جهة أخرى أن الجامع وإن اقتضى ظاهرًا جواز التعلق بالمبهم فيهما لكن ضرورة انتفاء لازمه وهو تأثيم المبهم لكونه غير معقول تضمنت إليه قصار المجموع علة مخالفة الظاهر والوجوب على الجميع ولا ضرورة هنا وإن التأثيم يترك مبهم من أمور معينة معقول وهذه الأدلة مختصة بالأولى لأن الأولى يقتضي علم المأمور بالمكلف به. والثاني: عدم جواز التخيير بين الواجب وغيره وليسا في المذهبين الأخيرين والثالث ظاهر فللثانية وجوب علم الله بما يفعل لشموله وما يفعله كل هو الواجب عليه اتفاقًا فيختلف. وللثالثة: وجوب علم الأمر بالمأمور به قلنا عنهما العلم بأنه أحد الأمور كاف بل لو لم يكن علم الأمر بالمبهم على أنه مبهم كان جهلًا ولا تفاوت بين المكلفين بالتكليف بل بالاختيار. وثالثًا: في الموسع أي وقته وهو الذي يزيد وقته على الفعل فالجمهور على أن كل جزء منه وقت لأدائه وقال القاضي الواجب في كل جزء الفعل فيه أو العزم عليه فيما بعده إلى أن يبقي قدر ما يسعه فبتعيين الفعل وبعض الشافعية على أنه أول جزء فالتأخير قضاء وبعض الحنفية آخر جزء فالتقديم نفل يسقط الفرض كالزكاة المعجلة والكرخي على أنه نفل سقط أن لم يبق مكلفًا إلى آخر الوقت بأن يجن أو يموت وإن بقى علم أنه كان واجبًا وهذا الخلاف غير ما مر أن السبب عند الشافعية أول جزء في رواية وأخره في أخرى وعند أوله أن اتصل به الأداء وإلا فما اتصل به متنقلًا جزعًا فجزعًا إلى أن يتضيق فيتقرر عند زفر رحمه الله تعالى لاعتباره القدرة بالفعل وإلى آخر جزء فيتقرر فيه عند

غيره لأن إمكان القدرة كاف فيعتبر العوارض وبغير الفعل كمالًا ونقصانًا عنده وعند فواته ينتقل السببية إلى الكل كما هو أصله وذلك لاتفاق أصحاب ذلك الخلاف على أن الواقع في كل جزء أداء فهو في تقرر السبب لا أصله. لنا: لولا تيقننا إيجاب الفعل معينًا بجميع الوقت من غير تخيير وتخصيص فهما تحكم وثانيًا لزوم التقديم على الوقت أو القضاء وكلاهما خلاف الإجماع. للقاض أن للفعل أو العزم حكم خصال الكفارة. قلنا: نقطع بالامتثال بخط وصية الفعل والإثم بترك العزم لكون وجوب العزم على فعل كل واجب عند تذكره إجمالًا وتفصيلًا من أحكام الأيمان لا لتخيير ولا تعلق له بالوقت إذ مجوز ترك واجب بعد عشرين سنة آثم وللتعضين دليلان مقلوبان بعضًا مفهومان من ثاني دليلي الجهور قلنا فيهما خلاف الإجماع إنما يلزم لو لم يكن التأخير والتعجيل كخصال الكفارة وهذا إنما يناسب التخيير بين الأداء والقضاء في الوقت وبين الأداء والتقديم في الوقت وللكرخي أن يقرر الوجوب بآخر الوقت مع التكليف عنده واجب ومع عدمه نفل وتنافيه الأحكام كوجوب نية الفرض وغيره. تذنيبان: 1 - قيل: إن فرضنا تقارن أول الصلاة بأول الوقت صحت عند الشافعية وعند الحنفية لا بد أن يتقدم جزء عليها لوجوب تقدم السبب. ورد بأن تقدمه ذاتي كتقدمة حركة الإصبع على حركة الخاتم ولا ينافيه التقارن، وأقول بعد تسليم الرواية وإمكان ألا يتقدم جزء لا يتجزأ أن معنى سببية الوقت كون العبادة شكر النعمة الوجود فيه ومن لوازم الشكر سبق النعمة ولأن المكنة بمعنى سلامة الأسباب هى الشرط للفعل لا الاستطاعة الحقيقة كما سيظهر وهي مقدمة والزمان المتوهم كاف للتقدم الزماني كما في خلق الله الزمان. 2 - أن مؤخر الفعل عن جزء ظن الموت فيه عاص اتفاقًا ومؤد عند الجمهور وقاض عند القاض فإن أراد القضاء اللغوي الشامل كالأداء فلفظي وإلا فمعنوي فهو جعل الوقت المتعين بظنه ناسخًا والحق أنه أداء كجلس في بيت مظلم اعتقد قبل الوقت أنه لم يبق منه إلا قدر ما يسع الفرض فأخر عصى ثم خرج وعلم خطأ اعتقاده واوقعه في الوقت كان أداء فالأصل أن العصيان لا ينافي الأداء والعوارض لا تعارض الأصول وهذا بخلاف من أخر مع ظن السلامة ومات فجأة حيث لا يأثم إذ لا تأثيم بالجائز وشرط سلامة

العاقبة تكليف بالمحال عكس ما وقته العمر فإنه يأثم بالموت بعد تأخيره والألم يتحقق الوجوب ورابعها في مقدمة الواجب، وقبل التحرير تمهيدات: أ- أن مقدمة الواجب ما يتوقف عليها فإن كان التوقف وجوبه فهو مقيد إما تحقيقًا بقيد وجوب السعي بنداء الصلاة والصلاة بدلوك الشمس أو تقديرا كالزكاة بحصول النصاب النامي وككل واجب بحصول محله والقدرة الممكنة وغيرها وإن كان صحته فهو المطلق أي بالنسبة إلى ما ليس قيدًا لوجوبه كتوقف الصلاة على الوضوء والزكاة على إفرازه والنكاح على الشهود وقيل: المطلق ما يجب في كل وقت وعلى كل حال فنوقض بالصلاة حيث لا تَجِب قبل الوقت وحال الحيض فزيد في كل وقت ما قدر الشارع إلا لمانع ولا يشمل غير الوقتيات ولا مثل الحج والزكاة في إيجاب ما يتوقف عليه صحتها من المقدمات. ب- أن المقدورية قد تفسر بإمكان التحصيل فيخرج عنها تحصيل البدو الرحل والقدرة ونحوها وقد تعرف بإمكان الإتيان بها وتركها عند الإتيان بالواجب عقلًا وعرفًا كالوضوء للصلاة والأول أعم لتناوله مالًا يتناوله الثاني من الشرط العقلي كترك جميع الأضداد للواجب الغير الكف وفعل ضد واحد للكف والعرفي كغسل شيء من الرأس لغسل الوجه وستر شيء من الركبة لستر الفخذ والسبب العقلي كالذهاب إلى مكة للحج. ج- أن التوقف إما عقلي أو عرفي كما مر أو شرعي بأن جعله الشارع شرطًا ففسر المقدورية بالأعم يجعله متناولًا للثلاث ومفسرها بالأخص يخصه بالثالث فنقول مقدمة الواجب المقيد لا يجب اتفاقًا كالاستطاعة للحج والنداء للجمعة ومقدمة المطلق وأخذ إذا كانت مغدورة بالتفسير الأعم فيها وفق التوقف عند الجمهور فيحترز بها عن محو الوضوء لمن لا يجد الماء أو لم يقدر على استعماله بل يجب بدله وهو التيمم وعلى فاقد الطهورين التشبه كالمربوط على سارية وبالأخص فيهما عند ابن الحاجب فيحترز عنه وعن الشروط العقلية والعرفية والأسباب فالثمرة في تناول حكم المسألة هذه الثلاثة عندهم وعنده الشرط الشرعي فقط، ورجح الأخير بأن ما لا يمكن تحصيله يخرج بقيد الإطلاق لكون الواجب بالنسبة إليه مقيدًا فلا يحتاج إلى قيد المقدورية احترازًا عنه وذلك مسلم في نحو تحصيل المحل والقدرة أم إلى نحو الوضوء والتيمم فلا لأن الموقوف عليهما الصحة لا الوجوب وقال بعض الجمهور وهم الواقفية إن كان سببًا يجب وشرطًا لا وقيل: لا مطلقًا فدعوى الاتفاق في وجوب السبب باطلة للجمهور أن الشرط لو لم يجب لجاز تركه مع وجوب المشروط وهو تكليف بالمحال، فكذا يجب السبب إذ لا قائل بوجوب

الشرط دون السبب ورد بأن المحال وجود المشروط مع عدم الشرط لا مع عدم إيجابه لجواز الإيجاب عند وجود الشرط كإيجاب الزكاة عند وجود النصاب وجوابه بأنه خلاف الظاهر لأن الواجب المطلق يقتض ظاهرًا وجوبه كل وقت فنفي عدم وجوبه عند عدم الشرط بخلاف إيجاب المقدمة فإن الأمر لا ينفيه ليس بشىء لما مر أن الواجب المطلق أعم من ذلك بوجوه نعم يمكن أن يقال أن مثله شرط الوجوب والكلام في شرط الصحة فكل مقدمة أن يقيد الوجوب بها فلا نزاع فيها وإلا ثبت الوجوب على كلا تقديري وجودها وعدمها والتكليف بهذه الحيثية لتضمنه الوجوب على تقدر عدم المقدمة مع توقف الوجود عليها تكليف بالمخ إما في المقدمة العقلية فظاهر وإما في العادية فلأن التكليف بالمخ يتناول المحال العادي في الامتناع بل هو في الحقيقة محل النزاع كما سيظهر وقالوا أيضًا كل ما يتوقف عليه الصحة شيء لا يحصل الامتثال وتفريغ الذمة بدونه وكل ما كان كذلك فهو واجب وقريب منه قولهم لو لم يجب لصح الأصل دونه ولما كان التوصل إلى الواجب واجبًا والجواب للصحيح عن الكل أن الثابت بها أن لا بد منه لا أنه مأمور به شرعًا بل ذلك منتف قطعيًا وإلا كان الشرط الفعلي أو العادي عبادة وليس كذلك اتفاقًا لا يقال الإجماع منعقد على وجوب تحصيل أسباب الواجب شرعًا كحز الرقبة لأنا تمتع بالإجماع وإن سلم ففي الأسباب فقط لا مطلقًا ولا لكونها وسيلة بل بدليل خارجي وليس هو الإجماع لأنا في طلب الداعي إليه ولا ضرورة الجبلة لأن ما لا بد منه كذلك ولا أن ليس في وسع لمكلف إلا مباشرة الأسباب لأنه ممنوع بل لأن المسببات قد لا تكون مقدورة فيصرف الأمر بها إلى أسبابها كجزء لرقبة ومنه إثبات وجوب النظر يتوقف معرفة الله تعالى عليه فإنه سبب لا شرط وبه علم دليل الواقفية ودليل ابن الحاجب إما على أن الشرط الشرعي واجب فإذ لولاه لوجد بدونه إتيان المأمور به بهذا وهو الصحة والصحة بدونه تنفي شرطيته هف ويرد منع أن الصحة موافقة هذا الأمر فقد بل جميع الأوامر الواردة في شأنه فيجوز أن يكون وجوب الشرط بأمر أخر بل لا بد منه للعلم بشرطيته إذا إيجابه بهذا الأمر يتوقف عليها ولئن سلم فيجوز التقييد التقديري لهذا الأمر بأمر آخر فلا يوجد بدونه موافقة هذا الأمر أيضًا، والثاني هو السلف على دليل الجمهور في الحقيقة مع جوابه لكن يرد الأول إذ ليس النزاع في وجوب الشرط عند المشروط في نفس الأمر كما مر بل في أن إيجاب المشروط إيجاب له، وجوابه أن الأوامر الواردة في شأن الواجب المطلق شروطًا وأسبابًا لبيان الشرطية والسببية لا للإيجاب مطلقًا

فإيجابها بأمر الواجب وهي لبيان تفاصيل الموجب يوضحه أن الأمر لو لم يرد بالمشروط وطالما يجب الإتيان بالشرط أصلًا فتاركهما يعطى الأمر بالمشروط من وجهين وإما على أن الشروط العقلية والعادية والأسباب لا تجب فلستة أوجه: 1 - لو وجبت للزم تعقلها لأن تعلق الخطاب ملزوم شعور المخاطب ونحن نقطع بإيجاب الفعل مع عدم الالتفات إلى لوازمه عقلًا أو عرفًا وعبارة الذهول غنما تصح في الشاهد دون الغائب بخلاف الشرط الشرعي فإن الأمر طلب إيقاع الواجب مشروعًا وذلك بملاحظه ماله من الأركان والشرائط الشرعية. 2 - لتعلق به طلب فعل ينتهض تركه سببًا للعقاب ولا يتعلق إذ لا موأخذة بتركه من حيث هو كما لا ثواب بفعله اتفاقًا وكل ما لم يتعلق به ليس بواجب لأن الحد والمحدود يتلازمان إما الشرع فقد تعلق به ذلك. 3 - لامتنع التصريح بعدم إيجابه وليس هذا كأوجبت غسل الوجه لا شيء من الرأس ولا يرد منع اللزوم أن قدر على الواجب بدونه ومنع بطلان اللازم إن عجز إما الأول فلان الشرط العرفي كالعقلي عندهم وإما الثاني فلأن التصريح بعدم إيجابه إنما يمتنع لو قطعنا بملاحطه عند الإيجاب كما في الشرعي. 4 - لعصي بتركه كالشرعي ونحن نقطع أن العصيان بترك غسل الوجه لا غسل شيء من الرأس وبرد الإيراد مع جوابه. 5 - لصح قول الكعبي أن لا مباح لأن فعل الواجب الذي هو ترك الحرام لا يتم إلا بفعل المباح وفيه كلام سيجيء إن شاء الله تعالى. 6 - لوجبت نية المقدمة إجمالًا كما في الشرعية ولا يجب لأن النية لتمييز العادة من العبادة وغير الشرعية ليست بعبادة اتفاقًا إما نفس النية فلتميزها بذاتها لم يحتج إلى النية كما في الوجود ونحوه وهذا يختص بمذهب المشترطين للنية بالشروط لا عند القائلين بأن الشروط يعتبر وجودها كيفما كان لا قصدًا قبل يندفع الكل بأن تعلق الخطاب بالإيقاع على الوجه الممكن عقلًا وعادة وشرعًا وأجيب بأنه إنما يسلم لو أثبت ملاحظة الأمر في كل والثواب بفعله والعقاب بتركه ورد بأنه مشترك الإلزام للنزاع فيها في الشرعية أيضًا ولفساد قياس الغائب على الشاهد في عدم الملاحظة. والحق: أن الفرق الإجماع على كون الشرعية عبادة عند النية دون العقلية والعرفية وسائر الفروق تبتني عليه وللواقفية في إيجاب الأسباب دون الشروط أوّلًا ما مر وثانيًا أن

الأسباب مقتضية أو مقضية فيشتد تعلقها بخلاف الشروط. قلنا: عن الأول انتفاء دليل من الشروط لا يقتضى انتفاء المدلول وعن الثاني أن مقتض الواجبية توقف الأصل عليه لا شدة التعلق ولا فرق في ذلك وللمانعين مطلقًا عدم ظهور التناول أو الانفهام ويظهر خلله عند تعقل أن تعقل الطلب بالايقاع على الوجه المشروع أو على الوجه الممكن. تتمه: قيل كما أن من مقدمة الواجب ما يتوقف عليه وجوده بأحد التوقفات الثلاثة فمنها ما يتوقف عليه العلم به إما للالتباس كالإتيان بالصلوات الخمس عند ترك واحدة ونسيانها أو للتقارب كستر شيء من الركبة لستر الفخذ، وفيه بحث لأن العلم به أن كان واجبًا كان ما يتوقف عليه من سائر الصلوات واجبة وأنها نفل كيف وقد قيل لو قضى واحدة وصادف المتروكة سقط وإن الإتيان بسائرها وبستر المركبة مقدمة عادية لنفس القضاء وستر الفخذ كما مر والمختار فيها عدم الجواب ومما يونسها أمور: 1 - اشتباه المنكوحة بغيرها يجب الكف عنهما إلى أوان رفعه. 2 - قوله لزوجيته إحديكما طالق يكف عنهما إلى أوان البيان والطلاق يستدعى محلًا معينًا في الجملة لا معينًا شخصيًا ومحل الحرمة متعين في الأول في نفس الأمر لا ها هنا وعلم الله تعالى تابع للمعلوم. 3 - الواجب غير المقدر كالطمأنينة في الركوع إذا زيد على قدر الواجب لا يوصف الزائد بالوجوب لجواز تركه ومنه الزائد على مطلق المسح في الرأس والخف عند الشافعية والحق خلافه لأن المسح إمرار اليد لغة فيستدعى لغة فيستدعي مقدارا فيكون محملا بينه حديث المغيرة أو آلته ولذا ذهب مالك إلى استيعاب الرأس ومحل الفرض في الخف واحد إلى أكثر الرأس والخف إما الحكم عليه بأنه الإصابة فليندفع الامالة. وللحرمة حكمان الأول: في الحرام المخبر وهو جواز أن يحرم واحد مبهم من أشياء معينة والتخيير في الترك كما كان في الواجب بالفعل فله أيها شاء جمعًا وبدلًا لا أن يفعل الكل خلافًا للمعتزلة. الثاني: في اجتماع الوجوب والحرمة في الفعل الواحد إما الواحد بالجنس كالسجود لله تعالى وللشمس فمنعه المعتزلة فمن قال بأن الحسن والقبح لذات الفعل تمسك بلزوم اقتضاء الحقيقة الواحدة متنافيتين فإذا لورد قوله تعالى {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ}

(فصلت: من الآية 37) الآية. أجابوا: بأن الوجوب والحرمة لقصد التعطم لا للسجود وهذا تخصيص لدعواهم بأفعال الجوارح وجوابه بعد تسليم حكم العقل بوجهين: 1 - منع اللزوم لجواز أن يكون الفعل مشككًا في أفراده والاقتضاءات المختلفة يكون منها. 2 - أن الإجماع قبل ظهور المخالف منعقدٌ على أن الساجد للشمس عاص بالسجود والقصد معًا ومن قال منهم بأنهما للأوصاف والإضافات تثبث بلزوم اجتماع الضدين وليس بشيء لأن اختلافهما بوجوب المغايرة بين المتعلقين وإما الواحد بالشخص فعند اتحاد الجهة مستحيل قطعًا إلا عند بعض من جوز التكليف بالمخ وبعضهم منعه قولًا بأنه تكليف محال لاجتماع تجويز الفعل الذي يتضمنه الإيجاب وعدم التجويز وعند ما يكون له جهتان فإن كان بينهما لزوم فكذا لتعذر الامتثال بهما وإن لم يكن بل جمعهما المكلف باختياره كالصلاة في الدار المغصوبة فإن للأكوان التي يتضمنها جهتين كونها من هيئات الصلاة المأمور بها وكونها استيلاء على مال الغير ظلمًا ولا ملازمة بينهما وكذا رمي المكلف سهمًا إلى حربي فطرق مسلمًا أو بالعكس فقال الجمهور لا تصح الصلاة والقاضي على إنها لا تصح أي ليست طاعة لكن يسقط الطلب عندها لا بها أي طريق إلى سقوطه من غير تأثير قال الإِمام هذا حيدٌ عن التحصيل لأن الأعذار القاطعة للخطاب محصورة وسقوط التكليف عند المعصية لا أصل له في الشريعة، ورد بأن الفرض قد يسقط عند المعصية كشرب المجنون حتى جن وجوابه أن ذلك لرفع الأهلية لا لفعل ما كلف به مع بقائها وأحمد الجبائي وأكثر المتكلمين على إنها لا تصلح ولا تسقط. لنا: أولًا: أن خياطة العبد المأمور بها في مكان نهي عن السكون فيه طاعة ومعصية من جهتين. وثانيًا: أن المانع اتحاد المتعلقين ولا اتحاد بين الصلاة والغصب ولا تلازم في الحقيقة وجمع المكلف لا يخرجهما عن الحقيقة، وقد يستدل ثالثًا: بلزوم أن لا يثبت بلزوم أن لا يثبت صلاة مكروهة وصوم مكروه وقد ثبتا كالصلاة في المواطن السبعة والصوم يوم الجمعة مفردًا وإنها ضد على غير أحمد لخلافه في صحتهما، وبيان للزوم أن الأحكام كلها متضادة فلو لم يجتمع مع الحرمة لم يجتمع مع الكراهة ورد الكون في الخير الذي هو شخص واحد في الخارج جزء للصلاة في الدار المغصوبة وعين الغصب وبالجملة ذاتي للجهتين فيتحد متعلق الوجوب والحرمة بحسب الوقوع وإن لم يكن بين الصلاة والغصب اتحاد في المفهوم ولا بين الجهتين تلازم بحسب الاعتبار كما مر فإن كان

الصلاة والصوم المكروهان كذلك منعنا صحتهما وإلا منعنا اللزوم والأولى الاكتفاء يمنع اللزوم وبيان أنهما ليسا كذلك كما في الكون الشخصي الذي في صلاة الحمام فمرجع الوجوب جزئيته ومرجع الكراهة وصف منفك عنه وهو خوف إصابة الرشاش أو لوسوسة الشياطين لكونه مأوىً لهم من حيث أنه محل انكشاف العورة وكما في الإمساك الشخصي يوم الجمعة فمرجع الوجوب جزئيته ومرجع الكراهية كونه مظنة الضعف المخل بعبادات ذلك اليوم وهذا لأن صحتهما متفق عليها عند غير أحمد فلا يتوجه منعها. ورابعًا: إنها لو لم تكن صحيحة لم يسقط معها أي عندها التكليف لأن سقوط القضاء عين الصحة أو ملزومها على المذهبين ونص القاضي على الإجماع على سقوط القضاء قبل الملزومية ممنوعة لأن سقوط القضاء عنده بجامع عدم الصحة في مذهب القاضي قلنا ذلك فيما يرفع الأهلية كما مر أن المجامع سقوط التكليف لا سقوط القضاء قال الإِمام كما نفل عنهم سقوط الطلب نقل إنها صلاة مأمور بها فكيف نخرقه في عين ما ينقله، ورد هذا أيضا بمنع الإجماع لمخالفة أحمد لا تعني أنها لقنع انعقاده حتى يرد قول الغزالي إنها حجة على أحمد لجوازه قبله أو بعده بل لأنه أقعد بمعرفة ما انعقد قبله من القاضي قال المقتول نسبة أمام للمسلمين التي الميتة الجاهلية إفك وتبديع كمجرد وهم وتواتر الإجماع في خراسان على قرب خمسمائة سنة إلى متوسط أو ضعيف في التقلبات مع عدم وصوله على قرب المائتين إلى المخالط لحملة الأنباء الأشد بحثًا فيها بعيد، وللقاضي والمتكلمين أعني البهشمية في نفى صحتها أولًا: اتحاد متعلقى الأمر والنهي فإن الكون لكونه جزأ الحركة والسكون الجزئين للصلاة مأمور به ولكونه عين الغصب منتهي عنه والضاد وعن المكلف هو الكون لا جهتاه فيلزم اجتماع المتقابلة في واحد بالشخص في زمان واحد، قلنا: امتناعه عند اتحاد الجهة لجواز كون شخص أبكم وابنًا من جهتين ولا اتحاد هنا كما في مثال الخياطة. وثانيًا: إنها لو صحت لصح صوم يوم النحر المنذور لوجود المقتضي وارتفاع المانع فيهما حينئذ إما الأول ففيها الأمر بها من حيث إنها معلول لدلوك الشمس مثلًا وفيه اندراجه تحت قوله تعالى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (الحج: من الآية 29) عند القائلين بانعقاده كالحنفية لكون التزامه قربة واقترانه بيوم العيد باختيار المكلف كنذر الصلاة في المساجد الثلاثة التي هي أفضل تنعقد ولا تجب فيه. وإما عند الشافعية فلا مقتضى لعدم انعقاده فإن النذر التزام القربة وصوم يوم العيد

ليس قربة ولقوله عليه السلام لا نذر في معصية الله تعالى وظهر جوابه وإما الثاني فلعدم الاتحاد ها هنا كما ثمة كالصومية والوقوع يوم النحر. قلنا أولًا لا نسلم الملازمة كيف وبينهما لزوم من أحد الطرفين لأن صوم يوم النحر مضاف لا ينفك عن مطلقة ولا يلزم من دفع الأقوى الملازم من جهة الصحة دفع الأضعف الجائز الانفكاك من الطرفين إياها. وثانيًا: يمنع اللزوم على مذهب الشافعية مستندًا بالفرق فإن نهى التحريم وإن اقتضى بطلان الذات فيهما فقد وجد في الصلاة دليل مخالفة الظاهر وهو لزوم التكليف المح فوجب صرف النهي إلى فساد الوصف كالنهي عن الطلاق في الحيض صرفه أمره عليه السلام بالرجعة له إلى وصف تطويل العدة والحق به كل طلاق يقضي إليه في الحرمة بخلاف الصوم المذكور المنذور فإنه لم ينعقد فلم يتناوله قوله تعالى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (الحج: من الآية 29) ويمنع بطلان اللازم على مذهب الحنفية لأن النهي في كراهة فيرجع إلى صفة الإعراض عن ضيافة الله تعالى فيصح ذاته هذا كله فيما لا لزوم إما فيما هو فيه كمتوسط أرض مغصوبة على علم ببذل مجهوده في الخروج منها فحظ الأصول فيه بأن جواز تعلق الأمر والنهي معها بالخروج لو عدم جوازه فقال البهشمية تعلقان مغابة إذ لم يسقط الطلب عنه يوم القيمة وإن أتى بما وجب عليه كمن غصب مالًا غاب صاحبه ثم ندم وتاب لم يسقط حق الأدمي قلنا فيه التجويز وعدمه وهو تكليف هو محال فلا معصية إذا حرج بماهية شرطه من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضرًا وقال الإِمام باستصحاب حكم المعصية لتسبب فعله الاختياري إلى ما تورط فيه لا للنهي عنه حتى لو وقع بالإجبار سقط عنه المعصية وبه ظهر جواب مسألة أبي هاشم تحير فيه الفقهاء وهي توسط فتخص جمعًا من الجرحي جثم على واحد بحيث أن بقي هلك من تحبه وإن ذهب فآخرًا أن حكمه سقوط التكليف مع استمرار حكم العصيان. قلنا: بعيد إذ لا معصية إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور به والحصر عنده ممنوع لجواز أن تكون بتسبب منهي عنه بالاختيار وهو أقرب من التعصية بفعل الغير. وللندب حكمان: 1 - أن الأمر فيه أيضًا حقيقة عند القاضي وجماعة فيكون بينهما مشتركًا لفظيًا أو معنويًا ويكون حكمه التوقف خلافا للكرخي والجصاص ولا خلاف في استعمال الصيغة مجازًا، ولا لزوم أن يكون ترك المندوب معصية إذ لا معنى لها إلا مخالفة الأمر الظاهر أو

وللكراهة أحكام

للازم. وثانيًا: أن السواك مندوب إليه وليس بمأمور به لقوله عليه السلام "لولا أن أشق على أمتي" الحديث ولأن المندوب لا مشقة له والمأمور به فيه مشقة بالحديث لا يقال المعصية مخالفة أمر الإيجاب والمعنى أمرتهم أمر إيجاب لأن كلا منهما خلاف الظاهر قالوا أولًا المندوب طاعة إجماعًا وكل طاعة مأمور بها إذ ليست هي ما هو مرادًا لله فقد يريد العصيان بل ما أمر به قلنا الحصر ممنوع بل هي فعل المطلوب الأعم من الجازم والراجح وثانيًا ينقسم إلى أمر إيجاب وندب لغة اتفاقًا ومورد القسمة مشترك، قلنا انقسامه مرادًا به (أم ر) لا نعلم الاتفاق فيه ومرادًا به استعمال مدلوله وهو الصيغة لا يفيد فإن الانقسام قد يكون إلى الأقسام المجازية كما إلى خمسة عشر أو أكثر. 2 - أنه ليس تكليفًا إذ لا يوجب مشقة والتكليف إلزام ما فيه كلفة خلافًا للأستاذ فإن التكليف طلب ما فيه كلفة وفعله لتحصيل الثواب سياق لأنه ربما يخالف المشتهى فالنزاع لفظي إما وجوب اعتقاد ندبيته فأمر آخر. وللكراهة أحكام الأول: أن النهي حقيقة فيها لأن ترك المكروه طاعة بناء على أن النهى عن الشيء أمر بضده أو مستلزم له عندهم ولأنه ينقسم إلى نهى تحريم ونهي كراهة والحق خلافه كما مر. الثالث: إنها ليست تكليفًا إذ لا إلزام فيها أو تكليف لأن في تركه لتحصيل الثواب كله كما مر. الثالث: أن المكروه قد يطلق على الحرام نحو نكره في الأوقات المكروهة صلاة أو كما قال الشافعي صلاة لا سبب لها وعلى ترك الأولى نحو ترك صلاة الضحى مكروه. وللإباحة أحكام الأول: المباح يراد فيه الجائز ويطلق أيضًا على معان أربعة: أ- مالًا يمتنع شرعًا أي لا يحرم فيتناول غير الحرام نحو يجوز الصلاة في الدار المغصوبة فهو أعم من الأول. ب- إلا يمتنع عقلًا وهو الممكن العام الموجب فيتناول غير الممتنع فهو أعم من الأول مطلقًا ومن الثاني من وجه لافتراقهما في جمع النقيضين وشرب قطرة من الخمر كقولهم المخلوف عليه أن امتنع عادة نحو ليتصعدن السماء انعقدت وحنت في الحال وإن حاز فإن وجب تجولًا بصعده لا ينعقد وإلا انعقدت وأمكن بره وحنثه.

ج- ما استوى الفعل والترك في عدم حرمته سواء سؤاهما الشارع بتعلق خطاب التخيير كالمباح أو العقل أو لم يتعلق به خطاب أصلًا كفعل الصبي وكل غير مكلف وهو أعم من الأول وأخص من الثاني مطلقًا ومن الثالث من وجه. د- المشكوك فيه لاستواء الطرفين شرعًا أو عقلًا في نفس المجتهد لا في حكم الشارع ونفس الأمر أو لعدم الامتناع شرعًا أو عقلًا كذلك ويشتمل على أربعة أوجه: 1 - ما تعارض فيه دليلان شرعيان ولا ترجيح فيخبر المفتي والمنفي كما أن للشافعى في عبد غاب أثره وانقطع خبره أعتق عن كفارة قولين الأجزاء باستصحاب وجود العبد وعدم الأجزاء باستصحاب شغل الذمة والمباح ما دل دليل واحد على إباحته لا دليلان متقابلان. 2 - ما تعارض فيه ذلك عقلًا عنده. 3 - ما دل عليه دليل شرعي ولم يظهر امتناع عدمه الذي في نفس الأمر عند المجتهد كما فتى الإِمام بوقوع الطلاق إذا قال لجماعة فيهم زوجته طلقتكم لمصادفة الصريح محله وقال الغزالي في النفس منه شيء أي لا أجزم بوقوعه وعدمه لا يمتنع وبينه النووي رحمه الله بأن ما يقع ما يقصد به رفع عقد النكاح. 4 - ما لم يظهر عقلًا امتناع عدمه عنده. الثاني: أن الإباحة حكم شرعي كسائر الأحكام فلا إباحة قبل البعثة وفيما لا دلالة شرعية عليها نعم عدم المدرك الشرعي مدرك شرعي في مباح الأصل عند البعض كما مر وهذا يشتمل على مقامين: أ- أن الاختياريات التي يدرك العقل عدم المصلحة والمفسدة فيها ولم يتعلق خطاب فمباحة عند جميع المعتزلة لحكم العقل بعدم الحرج في الطرفين. ب- التي لم يدرك العقل اشتمالها عليهما وعدمه فمباحة عند بعضهم لعدم الحرج في طرفيها لا عند معتزلة بغداد لعدم حكم العقل وتوقف الصبر في منهم كما مر في ثانية مسألتى التنزل وعندنا ليس شيء منها مباحًا والنزاع مبني على أن الإباحة ما عدم الحرج في طرفيه مطلقًا كمذهب البصرية أو ما حكم بعدمه عقاد فقط كالبغدادية أو شرعًا كمذهبنا.

الثالث: أن المباح ليس بمأمور به (¬1) خلافًا للكعبي (¬2) وربما يعبر عنها بأن الواجب لا يجوز تركه خلافًا له وفيه بعض تفضيل ربما يعقل عنه فلا يتحرر المبحث ولذا يسند الخلاف إلى بعض الخلاف إلى بعض الفقهاء أيضًا لا يجوز ترك مثل الحائض والمريض والمسافر الصوم مع وجوبه عليهم لتحقق السبب ولذا يجب القضاء فيحتاج إلى الجواب بأن الشيء قد لا يترتب على موجبه لمانع وبأن وجوب القضاء لتسند إلى سبب الوجوب لا وجوب الأداء كمن نام في جميع الوقت والحق أن الواجب لا يجوز تركه عندهم لكن على حسب الوجوب فبمعنى ماله نفس الوجوب أو سبب الوجوب على المذهبين لا يجوز ترك قضائه فيأثم به وقد يجوز ترك أدائه فلا يأثم به وبمعنى ما له وجوب الأداء لا يجوز ترك أدائه وقضائه فيأثم بهما فلهذا اخترنا العبارة الأولى. لنا أن الأمر طلب فيستلزم ترجيح متعلقة وله أن كل مباح ترك حرام أو هو موقوف عليه فالسكوت ترك للقذف والسكون ترك للقتل وكل ترك حرام فهو واجب أو مقدمة له. وقيل: الدعوى والليل في مصادمة الإجماع على أن الفعل ينقسم إلى الواجب والمباح فلا يسمعان. وأجيب بأن الإجماع يؤول بذات الفعل جمعًا بينهما ولامتناع في كونه مباحًا لذاته واجبًا لما يستلزمه ككونه واجبًا وحرامًا باعتبارين ثم أورد على الدليل بوجهين: 1 - أنه منع مقدمة الواجب فالسكوت مثلًا غير متعين لترك القذف لإمكان تركه بكلام آخر وأجيب بأن غايته أنه واجب غير فثبت أصل الوجوب ورد بأن المخير يكون بين أمور معينة وهذا بظاهره كلام على السند لكن لإمكان إلحاقه بأصل الدليل بالترديد، أجيب عنه بأن التعين مرادًا به الشخصي خلاف الإجماع كما في خصال الكفارة والنوعي حاصل لأنه اختياريًا إما واجب أو مندوب أو غيرهما واضطراريًا إما حركة أو سكون. ورد بأن المعتبر تعيين الشارع حقائقها وتمييز كل منها بما يخصه كالصوم والإعتاق مثلًا لا بالأعراض العامة وأجيب بأنه حاصل لأن الشارع عين كل نوع من الفعل والفقهاء دونهما والتعبير بالأعراض العامة للاغناء عن التفصيل المعلوم لا للجهل. ¬

_ (¬1) ونقل الشيخ سيف الدين الآمدي اتفاق الفقهاء قاطبة على ذلك. انظر / إحكام الأحكام للامدي (1/ 177). (¬2) وأتباعه من المعتزلة. انظر / إحكام الأحكام للامدي (1/ 177).

التقسيم السابع الجامع المحكم الشرعي على سوق أصحابنا

2 - أنه لو صح لكان كل واجب حرامًا إذا ترك به واجب آخر وكل حرام واجبًا لاستلزامه ترك حرام آخر وكذا كل حرام وواجب واحد واجبات متعددة تعدد الحرمات إلى غير ذلك، وأجيب بالتزامها باعتبار الجهات ورد بلزوم أن يكون فاعل واجب بل مباح بل مكروه بل حرام مثابًا من وجوه كثيرة لا تحصى وأنه خلاف الإجماع وأجيب بأن الإثابة والعقاب بذات الفعل لا للوازمه وليس يسيء لأن بعض المأمور به لإثبات به وبعض المنهي عند لا يعاقب عليه حاصل ولم يقل به أحد ولئن قال هو فلا يظهر لمذهبه فائدة لأن المبحث ما يتعلق به الثواب ولذا قبل الجواب الذي لا مخلص إلا به منع كون المقدمات العقلية والعارية واجبة فإن مال الجوابين واحد. الرابع: أن الإباحة تكليف عند الأستاذ يعني إنها يتضمنه وهو وجوب اعتقاد حقيته وإلا فبعيد. الخامس: أن المباح ليس بنسب للواجب كما ظن وإلا فسيلزم الوجوب التخيير لأنه الحقيقة جنسه والمأذون في الفعل ليس تمام حقيقة المباح بالمعنى المتنازع بل مع الترك نعم تمام حقيقة بمعنى ما لا يمتنع شرعا. التقسيم السابع الجامع المحكم الشرعي على سوق أصحابنا الحكم الشرعي: وهو الموقوف على توقيف فهو بمعنى خطاب الله لا بمعنى الاسناد كما ظن ولا خفاء في اشتراك المورد فلا حاجة إلى جعله ما يطلق عليه لفظ الحكم أن كان المعتبر فيه تعلق الاقتضاء بأحد طرفي فعل المكلف بوجه أو التخيير أي الزام ما فيه كلفة ولو بوجه وفي مذهب أو عدمه فتكليفي ومقصوده المفاصد الأخروية من الثواب أو العقاب أو عدمها وينحصر في خمسة أو سبعة أو تسعة فاندراج الإباحة مثلًا تحت التكليفي وعدم صواب تحت المقصود كإندراج المحجوب حجب الحرمان تحت الورثة وهو أولى من التخريب بالحمل على الاصطلاح الغير الثابت أو التغليب وإلا كان المعتبر تعلق شيء به بالوضع الشرعي من حيث التعلق الأول وإلا فلا نسبة له إلى التكليف ولا بد أن يحصل من تعلقه صفة لذلك فوضعي فإن دخل ذلك الشيء فيه فالمادة تسمى ركنًا والصورة في المعاملات انعقادًا وهو ارتباط أجزاء التصرف وإن خرج فإن تقدم عليه فإن كان موثرًا في العلم بثبوته فدليل وهو مدلوله وإن كان مؤثرًا في نفس ثبوته بمعنى اعتبار الشارع إياه في مشروعيته لا بمعنى الاقتضاء العقلي كما في العقلية فعلة ومعلولها باعتبار أنه

حكم أصلي بالمعنى السالف عزيمة وباعتباراته مسبب عن عذر طارئٍ يناسب التخفيف مع قيام المحرم رخصة وتقسيمهما إلى الأحكام التكليفية باعتبار ذاتها لا باعتبار كونها عزيمة وكل منهما إذا اعتبر الشارع له وقتًا أن أوقع فيه فأداء وإلا فقضاء والمراد الشرعيان وإلا فإن كان موصلًا إليه في الجملة فسبب وقتيًا كان كزوال الشمس لوجوب الصلاة أو معنويا كاسباب الملك والضمان والعقوبات ونفسها وإلا فإن توقف وجود الفعل على وجوده فشرط أو على عدمه فمانع ولا فلا أقل من أن يكون معرفا لوجوده فعلامة وإن تأخر عنه فأثرٌ له ويسمى حكمة، سواء كان مقصودا منه كفك الرقبة من شراء الجارية ويعد معلولا أو لم يكن كملك المتعة منه ويعد مسببًا ثم إذا كان الأثر مقصودًا فكونه بحيث يوصل إلى المقصود الدنيوي صحة والمتصف بها مشروع بأصله ووصفه وهو في العبادة موافقة أمر الشارع عند المتكلم وسقوط القضاء عند الفقيه أي تفريجِ الذمة وإن كان إسقاطا لها بالشروع فلا يستدعي سبق الثبوت وفي المعاملة الاختصاص الشرعي أعني الغرض المترتب على العقود والفسوخ وغيرهما ترتبًا لا يستنكره شرعًا ومنه البينونة على الطلاق ولزوم القضاء على الشهادة وثبوت الحق على القضاء لا حصول الانتفاع أو التوالد مثلًا حتى يرد أنه قد يترتب على الفاسد وقد يتخلف عن الصحيح كما سمي ترتب الأثر فيها نفاذًا فبيع الفضولي منعقد صحيح لكونه موصلًا ليس بنافذ للتوقف وكون الترتيب بحيث لا يمكن رفعه لزوما وثباتا فالبيع بالخيار صحيح نافذ ليس بلازم وكونه بحيث لا يوصل إليه أصلًا بطلان، والمتصف به غير مشروع بأصله ووصفه وقد يسمى فأنت المعنى من كل وجد مع وجود الصورة إما لعدم معنى التصرف كبيع الميتة أو لعدم أهلية المتصرف كبيع الصبي والمجنون وبحيث يوصل إليه أركانه وشرائطه لا أوصافه فساد والمتصف به مشروع بأصله دون وصفه فإن كان الوصف المفسد في الركن ففى صلب العقد كالربا وإلا فمن خارج كما بجهالة الأجل وبين البطلان والفساد وإن تناوبا مجازًا فرق في المعاملات عندنا فالفاسد منعقد كالربا ولذا يفيد الملك وإن لم نقلب بطرح الزيادة صحيحًا لأنه في الصلب بخلافه لجمالة الأجل لكن ليس صحيحًا ولا نافذًا لعدم ترتب إباحة الانتفاع والباطل ليس بمنعقد كبيع المائن لا في العبادات إذ ليس سقوط القضاء بحيث يحصل من وجه وصوم يوم العيد لو نذره ليس واسطة بل صحيح لأنه يسقط وإن القضاء وإن كان الأولى الإفطار والقضاء ولكن قد يسمى فاسدًا باعتبار الإعراض عن ضيافة الله تعالى وتحقيقه إن سقوط القضاء بما يسمى فاسدا صومًا كان أو

صلاة ليس بجهة فساده بل لانعقاد سببه فهو بالنسبة إلى ذلك السبب ليس فاسدًا وإن كان بالنسبة إلى صحيح السبب كذلك فمن حيث هو مسقط صحيح، وعند الشافعية لا فرق بينهما أصلًا لأنهما اسم غير الصحيح وإن صح إن لا مناقشة في التسمية لكن التفصيل لتمييز الأحكام فهذا مجزه والصحة وعدمها على اصطلاح الفقيه موقوف على التوقيف لأن بعض الأفعال لا يسقط القضاء كصلاة فاقد الطهورين والمربوط وكذا الأعمى الذي تحرى له بصيران في إنائين فاختلفا والبصير المتغير تجريه فيهما عند الشافعي فهما من أحكام الوضع وقس عليهما غيرهما من كون الملكين وثبوت الدين في الذمة أثرًا أو معلولا ومسببا ونحوها فليس أمثالها خارجة عن التكليفى والوضع كما ظنه بعض الأفاضل ثم كونه مناطا للمقصود الأخروي من الثواب والعقاب حسن وقبح فلكونهما شرعيين عند الأشاعرة من الوضعية هذا أو لا بد من الكلام فيما يتضح له أحكام من هذه الأقسام وهو: سنة، الركن، والسبب، والعلة، والشرط، والعلامة، والمانع: أما الركن: فهو ما يتقوم به الشيء وهو جزؤه لا ما تقوم به لصدقة على المحل فإن لم يعتبر الشارع حكمه باقيا عند إنتفائه لضعفه فركن أصيل كالتصديق للإيمان وإن اعتبره باقيا لعذر فركن زائد كالإقرار له سمي به لشبهة بالخارج إما الركن المكمل وهو ما يتقوم به كمال الشيء لا نفسه فلم يذكر في القسمة لعدم اعتبار الدراجة تحت المورد لا يقال تحقق الكل عند إنتفاء جزئه محال لأنا نقول الباقي حكم الكل لا عينه وذلك غير محال كما يعطي للأكثر حكم الكل وجعل التجوز في الركنية لقوة الزائد لا يوافق كلامهم. وأما السبب: فهو لغة إما الطريق نحو فاتبع سببًا أو الحبل نحو فليمدد بسبب أو الباب نحو أسباب السموات والكل مشترك في الاتصال فاصطلح لمعنيين: 1 - ما يفضى إلى حكم مطلوب يدرك فيه لا به وهذا يتناول ما ليس تعلق الفعل به بصنع المكلف كالوقت وما هو بصنعه لكن لا يكون الغرض من وضعه ذلك كالشرعي لملك المتعة لأن المراد بالباء السببية أعني العلية وضعًا شرعيًا ويخرج ما يدرك تأثيره فيما هو الغرض من وضعه كالشاري لملك الرقبة فإنه علة. 2 - كل وصف ظاهر منضبط دل السمع على كونه معرفا لحكم شرعي (¬1) وهذا أعم لتناوله كل ما يدل على الحكم من الحلل وغيرها فما سنذكر من أسباب الشرائع حقيقة ¬

_ (¬1) وقال شيخ الإِسلام السرخسي: ما يكون طريقًا للوصول إلى الحكم المطلوب. انظر / أصول السرخسي (2/ 301).

بالثاني مجاز بالأول لأن كلها أو بعضها علة كما للعقوبات ثم قسموه إلى أربعة أقسام لأن إفضاءه إما في الحال فإن لم يضف العلة المتخللة إليه فسبب حقيقي وإن أضيفت فأما ثبوتًا به ولكن لم يوضع له وإلا كان علة أو ثبوتًا عنده بلا تراخ وهو السبب الذي في حكم العلة أو ثبوتًا عنده مع التراخي أو به غير موضوع لمتخلل لم يوضع له وهو السبب الذي له شبهة العلة وأمل في المأل فسبب مجازي فقيل مورد القسمة المعنى الأول وليس إذ لا يتناول غير الأول وقيل: المعنى الثاني وليس أيضًا لتناوله العلل والإمارات والصحيح أن المورد ما يطلق عليه اسم السبب كتقسيم المشترك اللفظي فلا يلتزم معنى مشترك بينها وكذا في العلة والشرط ولذا جاز عد المجازي منها واشتراك بعض الأقسام بين الثلاثة أو الاثنين لاشتراك الإطلاق. الأول: الحقيقي وهو طريق الحكم بلا انضياف وجوب ووجود إليه أي وضعا وبلا تعقل التأثير فلا بد من تخلل علة لا نضاف إليه خرج بالأول العلة لثبوت الحكم بها وضعًا وبالثاني الشرط لثبوته عنده وضعا وقيد الوضع ليدخل فيه مثل إنضياف ملك المتعة إلى الشري فيه ويخرج بالقيد الأخير كمطلق الأقسام الباقية من المسبب لتعقل حقيقة التأثير أو شبهته فيها وحكمه أن لا يضاف أثر الفعل إليه وله فروع. 1 - الدال على السرقة أو القتل أو قطع الطريق لا يضمن أو على حصن حربي بوصف طريقة لا يشترك في الغنيمة إلا إِذا ذهب معهم فصار صاحب علة لأن الدلالة طريق الموصول وقد لخلل بينها وبين الحصول فعل مختار لم يضف إليها وإنما يضمن محرم دل على الصيد لأن إزالة إلا من جناية في حقه لالتزامه إياه فدلالته مباشرة لا تسبب كمودع دل سارقا على الوديعة لكن لأن الدلالة تعرض الانتفاض لم يضمن بها حتى يستقر باتصال القتل وإلا يصير كما أخذه فأرسله أو رماه فلم يصب نظيرها الجراحة نستأني لمعرفة مآلها فإن اندملت بلا أثر فلا شيء والمضارب إذا جاوز البلد المشروط فإن عاد إليه قبل التصرف فلا ضمان وإنما لا يضمن الحلال الدال على صيد الحرم لأنه كالدال على الأموال المملوكة ومتاع المسجد والأموال المحترمة لله تعالى كالموقوفة يوضحه أنه ضمان المحل فلا يتعدد بتعدد الجاني بخلاف ضمان المحرم وإنما أوجبوا الضمان على الساعي استحسانا على خلاف القياس لغلبة السعاة. 2 - فإن النكح هذه فهما حرة فنكحها فولدت فظهرت أمه لم يرجع بقيمة الولد عليه لأن الاستيلاد فعل مختار غير مبني على الأمر بالنكاح بل على نفس النكاح لوضعه له ولذا

يرجع إذا زوجها على هذا الشرط فإنه علة مشروطة بالحرية للإستيلاد ففى حكم العلة لحكمه. 3 - الموهوب له الجارية المستولدة المستحقة لا يرجع بقيمته على الواهب والمستعير المتلف للعين باستعماله فاستحق فضمن لا يرجع بقيمته على المعير لأن العلة الاستيلاد واستهلاك المستعار غير مضافة إلى الهبة والإعارة ويرجع المشترى بقيمته على البايع لالتزامه السلامة ولا عيب فوق الاستحقاق وفي عقد التبرع لا إلتزام لها لا بالعقد لوصول عوضه وقيل: لتضمن عقد المعاوضة الكفاله لشرطه البدل عليه بخلاف المتبرع واستضعفه شمس الأئمة رحمه الله تعالى لأن من استأجر من المأذون دابة فتلفت فاستحقت برجع بما ضمن من قيمتها على العبد في الحال مع أن العبد لا يؤاخذ بضمان الكفاله مالم يعتق بخلاف ضمان العيب وأقول غاية الكفاله الضمنية أن نكون كالمصرحة فلا يلزم من عدم اعتبارها في العبد عدمه مطلقًا. 4 - من دفع لصبي سلاحًا ليمسكه له فوجأ به نفسه لم يضمن لأن ضربه نفسه صادر باختياره غير مضاف إليه بخلاف سقوطه من يده إذ هو غير مختار فيضاف إلى الدفع لكونه تعديًا وصار في حكم العلة أما من حمل صبيًا حرًا أو مكاتبًا لا يعبر عن نفسه بلا ولاية إلى حرًا أو برد أو شاهق جبل أو سبعة أو محياه أو نحوها فعطب بذلك الوجه يضمن عاقلته استحسانًا حلا فالزفر والشافعي قياسًا إذ لا يضمن الحر بالغصب لعدم كونه مالًا متقومًا كماذا نقلة بإذن وليه أو حصل في يده بغير صنعه أو مات حتف أنفه أو بمرض أو كان يعبر عن نفسه قلنا الصبي الغير المعبر محفوظ بيد وليه وغير قادر على المعارضة بلسانه كما بيده وقد أزال يده فاستولى يده حقيقة وحكمًا متعديًا فتسبب لإتلافه كحافر البئر ولذا يضاف التلف إليه ويقال لولا تقربه إلى المهلكة لم يهلك فكان في معنى العلة بخلاف الصور المذكورة لأنه إذا مات حتف أنفه أو بمرض لا يضاف إليه بل إلى سبب حادث من نفسه ولذا إذا قتل الصبي رجلًا لا يرجع عاقلته على عاقلة الغاصب إذ فعله غير مضاف إليه ومثله من حَمَلَ صبيًا بلا ولاية على دابة فسقط منها وهي واقفة أو سارت بنفسها تضمن إعاقته مستمسكا كان أي قادرًا على الجلوس عليها بلا إمساك أولًا لأنه مسبب متعد يضاف التلف إليه وإن ساقها الصبي وهو يقدر على صرفها انقطع التسبب. 5 - من قال لصبي أصعد الشجرة وانقض ثمرتها لتأكل أنت أو لنأكل نحن ففعل

فعطب لا يضمن لأن صعوده حاصل باختياره لمنفعة نفسه من كل وجه أو من وجه فلا ينقطع الحكم عن علته بالشك لأن الأصل الإضافة إلى العلة دون السبب بخلاف ما إذا لدغته حية وجرحه إنسان حيث يسقط نصف الضمان لأن كلا علة فتعذر الترجيح ويضمن عاقلته في لأكل أنا لأنه صار مستعملًا له بمنزلة الألة فتلفه يضاف إليه ومسائلة كثيرة كحل قيد العبد وفتح باب القفص والاصطبل وغيرهما من الأسباب والشروط المعدودة من هذا. الثاني: سبب في حكم العلة وهو سبب يضاف العلة المتخللة إليه لكن لا يكون موضوعًا لحكمها فيكون كعلة العلة أو إيجاد شرط لا يتراخي عنه العلة وحكمها وحكمه أن يضاف أثر الفعل وقد مر من فروعه أكثر من خمسة ومنها سوق الدابة وقودها لأنها تمسّي على طبعهما لكنهما لم يوضعا للتلف فيضاف ما تلف إليهما في بدل المحل لا في جزاء المباشرة كالقصاص والكفارة وحرمان الميراث وكذا قطع حبل القنديل وشق الزق وفيه مانع وإشراع الجناح إلى الطريق ووضع الحجر فيه وترك الحائط المائل بعد المتقدم إليه وإدخال الدابة في زرع الغير حتى أكلته ومنها الشهادة بالقود فلإضافته إليها صارت في حكم العلة ولأنها لم توضع له لم يكن علة فلم يلزم القصاص وغيره من أجزية الأفعال والشافعى رضي الله عنه بما سببته لكنه جعل السبب المؤكد بالعمد المعين إذ الشهود عينوه مباشرة فاوجب القصاص للزجر لأدائه إلى الهلاك غالبًا قلنا القتل مع أن الشهادة لم توضع له ليس في يد الشاهد بل يتخلل حكم القاضي ومباشرة الولي قتله باختياره الصحيح بخلاف اختيار المكره حيث لا ينافي الاقتصاص وإذا لم يجب به كفارة لعدم المباشرة مع قصورها جزاء فالقصاص أولى كيف والقصاص يقتضي المماثلة وهي بين المباشرة والتسبب وإن أكد مفقودة. الثالث: سبب له شبهة العلة وهو سبب إيجاد شرط العلة فيضاف الحكم إليه ثبوتًا عنده على صحة التراخي أو يثبت به غيره موضوع لمتخلل لم يوضع للحكم وحكمه أن يضاف أثر الفعل إليه بالتعدي لا مطلقًا كحفر البئر إيجاد شرط الوقوع فيضمن بالتعدي وكذا إرضاع الكبيرة ضرتها الصغيرة فتعزم نصف صداقها للزوج أن تعمدت إفساد بخلاف محرم نصب قسطاطًا أو حفر بئر الإستقاء فتعلق به صيدًا ووقع فيها لم يضمن لعدم التعدي كذا ذكره الإِمام الحصري، ورد بأنه من أقسام الشروط التي في حكم العلة وليس بشيء لما مر أن الامتناع في كون الواحد شرطًا وسببًا باعتبار رفع المانع والإفضاء

كما في كونه سببًا وعلة بالاعتبارين أو شرطًا وعلامة أو سببًا وعلة وشرطًا بالاعتبارات بل الغرض من ذكر المثالين التنبيه على أنه قد يكون في نفسه شرطًا كالحفر لكونه رفع المانع وقد لا كالإرضاع نعم الفرق بينه وبين الثاني غير متضح فإنه وإن أمكن في الحفر أن لا يكون كشق الزق تخلل فية سبب آخر اختياري مباح هو المشي دونه هنا وإن لم يضف الحكم إليه لعدم التعدي فيه ولذا لو حفر في ملكه كان الحكم بالعكس وتراخي الوقوع والتلف به لكن إرضاع الكبيرة كشهادة القتل في أن الحكم مضاف إليه ولم يوضع له بل أولى لأن ارتضاع الصغيرة غير معتبر فهو كالطبيعي ولذا إذ قتل مورثه لا يحرم عن الميراث اللهم إلا أن يفرق باعتبار أن التسبب هنا في موضعين إذ لا الارضاع موضوع للإفساد بل للتربية ولا إفساد النكاح لا لزوم المهر لما عرف أن البضع حين خروجه غير متقوم ولزومه بطريق المتعة وضمانه لشبه الغصب كما في الشهادة بالطلاق قبل الدخول ولذا لم يعينه فخر الإِسلام رحمه الله تعالى بل المفهوم من عبارته وعبارة شراح كتابه أنه عين المسبب المجازي سمي باسمين باعتبارين. الرابع: السبب المجازي وهو ما ليس مقضيًا في الحال بل في الآل وخص به وإن كان السبب مع التأثير مجازًا أيضًا لأن التجوز ينقصان الحقيقة أولى منه بالزيادة المكلمة عليها وهو كاليمين بالله للكفارة وكتعليق الطلاق والعتاق والنذر بشرط لا يراد أو يراد للجزاء فإنه إليست أسبابًا حقيقة إذ لا أقضاء لليمين إليها إلا على تقدير الحنث ولا للتعليقات إلى الأجزية إلا عند وجود الشرط فعند الحنث ووجود الشرط يكون اليمين والتعلقات أسبابًا مفضية بالفعل وإن نفس الحنث والمعلق يكون عللًا وكان تجوزًا من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه مع أن قولهم يثبت الكفارة أمر دائر بين الحظر والإباحة كاليمن المنعقدة بخلاف الغموس ظاهر في أن السبب نفس اليمين لكن بشرط ذوات البر وعلى هذا يحمل عبارة المشايخ فلا يرد إنها في المأل لا تصير أسبابًا بل عللًا حقيقية للإضافة والتأثير والاتصال فإن العلل حاصل هي المعلقات التي صارت منجزة ولا محتاج إلى ما هم برءاء عنه من حمل السبب على اللغوي وكذا لا يردان سبب الكفارة الهتك بالخنث لا اليمين وإنها يعقد للبر الذي هو ضده ولا يحتاج إلى الجواب بأن الإفضاء نوعان وهاهنا انقلابي كافضاء الصوم على تقدير الهتك إلى الكفارة ونظائره لورود منعهم فيه أيضًا بأن سببها الجناية عليه فلا حاجة إلى مستصوبه في العلاقة إنها مشابهة السبب في الإفضاء ولو بعد حين إذ لا مخلص فيه لورود أن الحاصل بعد حين التأثير لا هو وقال الشافعي هى أسباب

بمعى العلل لأنها الموجبات على النفاد ولا علل لتأخر الحكم إليها فاستدعت المحل قد يجز تعليق الطلاق والعتاق بالملك لعدمه وجاز التكفير بالمال قبل الحنث عنده لوجوده وسيجىء تمام البحث إن شاء الله تعالى ثم إن لهذا السبب المجازي شبهة الحقيقة عندنا لوجهين: 1 - أن اليمين بالله وبغير شرعت لتأكيد البر وذلك بأن يكون مضمونًا بلزوم الكفارة في الأول والجزاء في الثاني وكل ما كان الثابت بسبب مضمونًا به عند فواته كان له شبهة الثبوت قبله فكذا لسببه كما أن الغصب يوجب ردّ عين المغصوب مضمونًا بالقيمة عند فوته ولها شبهة الثبوت قبله حتى يصح الأبراء عن القيمة والعين والكفاله والرهن حال قيام العين ولم يجب على الغاصب زكاة قدر قيمته ولذا يتملكه بالضمان من وقت الغصب. 2 - أن وجوب البر لخوف لزوم الكفارة أو الجزاء وكل واجب لغيره يكون ثابتًا من وجه دون آخر وإذا كان له عرضية الفوات كان لهما عرضية الثبوت فكذا لسببه يكون المسبب ثابتًا على قدر السبب وشبهة السيء معتبرة بحقيقته فلا تستغني عن المحل كهى إذ كل حكم عائد إلى المحل فشبهته كالحقيقة وبقاؤه كالابتداء في استدعائه ولذا لا يثبت شبهة النكاح في المحارم وشبهة البيع في الحر لأن معنى الشبهة قيام الدليل مع لخلف المدلول لمانع فيمتنع في غير المحل فماذا فات المحل بزوال الحل بطل اليمين فتنجيز الثلاث يبطل تعليقها وتعليق ما دونها ولمحمد رحمه الله تعالى. طريق آخر: هو أن المعلق طلقات هذا الملك إذ صحة اليمين باعتبار الملك القائم فتبطل بتنجيزها لبطلان اليمين بفوات الجزاء بطلانه بالشرط فيما جعل الدار بستانًا أو حمامًا مثلًا بل أولى لإنهاء يعرف به وقد فات باستيفائها بخلاف ما دون الثلاث إذ يبقى به الملك وعدم القدرة على تنفيذ الملك لا يمنعه لعدم شرطه كاستيفاء القصاص من الحامل ومنافع البضع حالة الحيض وكتصرفت الضني الملك فتبقي اليمين بقائه وهو مردود بأنه لو صح فإذ تجزئتين بعد تعليق للثلاث وعادت إليه بعد التحليل ووجد الشرط فعند من هدم ما دون الثلاث ينبغي أن يطلق واحدة لأنها الباقية عن طلقات الملك السابق وليس كذلك وسره أن التعليق ليس يتصرف في الطلاق لنصبح باعتبار هذا الملك دون غيره ولا إيقاع ولا سببية فلذا لم يختره وقال زفر رحمه الله تعالى جاز محض لا يستدعي محلًا ولا حلا فلا يبطل ولذا أصبح تعليق طلاق المطلقة الثلاث بتزوجها فيقع لو تزوجها بعد التحليل فلم يستدع ابتداؤه المحل فبقاؤه وهو أسهل أولى واشتراط الملك عند ابتداء التعليق بغيره ليكون الجزاء الموقوف على الملك

وهاهنا نقوض وأجوبة

غالب الوجود بالاستصحاب فيحصل تأكيدًا البر المقصود من اليمين ولا حاجة للتعليق بالملك إلى ذلك لتيقن وجوده عند ذوات البر ومع هذا لا يشترط عند بقائه فلا يبطل بزوال الملك اتفاقًا فكذا بزوال الحل قلنا بعد ما مر من أن شبهة العلية تستدعي المحل كل من قياس التعليق بغير التزوج على التعليق به ليلزم من عدم اقتضاء الثاني المحل عدم اقتضاء الأول إياه وقياس الحل على الملك في أن لا يشترط عند البقاء فاسدًا ما الأول فأولًا لما قال من الفرق بينهما وثانيًا لأن شبهة الثبوت للمعلق بالنكاح ممتنعة لأن ملك النكاح علة ملك الطلاق وصحته وليس للشيء قبل علة صحته حقيقة الثبوت فكذا شبهته فلم يشترط له قيام المعلق بغيره وثالثًا لأن ملك النكاح علة صحة إيقاع الطلاق وهي علة صحة وقوعه وعلة العلة علة وتعليق الوقوع بما هو علة صحته لغو نحو أن أعتقتك فأنت حر فإذا لم يكن تطليقًا لا يشترط له قيام المحل ولا يرد أن طلقتك فأنت طالق حيث لا يلغو بل يقع طلقتان عنده لأن الطلاق متعدد بخلاف العتق لو نوى بالشرط عين ما في الجزاء لفي وملك النكاح علة لصحة جميع الطلقات وعارضت هذه الشبهة الشبهة السابقة المستدعية لقيام المحل فتساقطا فلم يشترط المحل واكتفى بذمة الحالف محلًا لعدم في ليله لا لدليل عدمه بخلاف التعليق بغيره إذ جواز اليمين ثمة بحل حالي فلا بد من محله وهو المرأة وهنا لمآلى لأن صحة اليمين للمحل فمع الاضافة إليه للمآل وبدونها للحالي فاستدعي بقاؤ المحل استدعى ابتداؤه أيضًا وما لم يستدع ابتداؤه لم يستدع بقاؤه أيضًا، وأما الثاني فاولًا: لأن ملك الطلاق مستفاد من ملك النكاح ولما استدعى صحة ملك النكاح الحل لا الملك فكذا صحة ملك الطلاق فالمافي لها زوال الحل لا الملك. وثانيًا: لأن الدليل قام على أن الحل لا بد منه دائمًا لا الملك إلا عند وجود الشرط وقد أمكن بالعود وتحقيق هذا للطرح العطم بهذا الوجه القويم. وأثر الفضل الفخيم. من الله الكريم. وهاهنا نقوض وأجوبة ففي أن التنجيز يبطل تعليق ما يستدعى المحل أمران: 1 - تعليق الظهار بدخول الدار لا يبطل بتنجيز الثلاث مع أنه كالطلاق في الاستدعاء قلنا: شرعية إظهار لتحريم الوطئ والمنع عنه إلى وقت التكفير لا لإبطال حل المحلية دفعة وتدريجًا كالطلاق فالحل باق ولذا يظهر بعد التكفير فانتفاء الحل بالثلاث لأنها في تحريم لنفعل بل نؤيده ولا يلزم من اشتراط النكاح في ابتدائه لتحقق تشبيه المحللة بالمحرمة اشترطه في نفائه كالشهود في النكاح إما اليمين بالطلاق الذي هو لابطال الحل فيفوت بفوت محله

بتنجيز الثلاث. لا يقال لو لم يشترط النكاح لبقائه لما ارتفع الظهار بالرضاع لأن ذلك للمنافاة بين موجبيهما وهو التحريم المويد والموقف لا لاشتراطه وليس تنجيز الثلاث تحريمًا مؤبدًا لرجوع الحل بالتحليل. 2 - الإيلاء المعلق مثله لأنه يقتضي الملك ولا يبطل بتنجيزها. قلنا لا نعلم اقتضاؤه فإنه يمين تنعقد معلقة في غير الملك ومنجزة على الخلاف فبالأولى أن لا يبطل بعدمه. وفي أن المعلق يبطل ببطلان المحل آخران: 1 - ارتداد المعلق طلاقها بالشرط لا يبطله وقد بطل حلها قلنا الردة لا تبطل حل المحلية ولذا إذا بانت بها صم طلقها في العدة وقع ولو ارتدا معًا لا يزول النكاح بل الفرقة لانقطاع العصمة. 2 - الأمة المستولدة معلق عتقها موت المولى فلو أعتقها منجزًا فارتدت وسببت وعادت إليه عاد العتق المعلق بالموت قلنا قد بطل التعليق الأول بالعتق المنجز والتعليق العائد ثانيًا غير ذلك بسبب جديد هو قيام نسب الولد كالأمة المنكوحة اشتراها الزوج صارت أم ولد لذلك. وأما العلة: فهي لغة المغير كالمرض والمولود مريضًا متغير من أصله النوعي أو من العلل وهو الشربة الثانية. وشرعًا: ما يضاف إليه وجوب الحكم ابتداء أي بلا واسطة سمي بها لتغييره الحكم من العدم إلى الثبوت أو من الخصوص إلى العموم بحيث لو تكررت لتكرر الحكم خرج ما يضاف إليه وجوده كالشرط أو وجوبه لكن بواسطة كالسبب وعلة العلة وغيرهما ويتناول العلل الوضعية شرعًا والمستنبطة اجتهادًا وإيجابها كما مر مرارًا يجعل الشرع لا بذواتها ففي نفسها أمارات وعلى ذلك إضافة الجزاء من الثواب والعقاب إلى العمل بالنصوص والعقلية موجبة بذواتها بمعنى استلزامها عقلًا لكن بإيجاد الله تعالى فإن المتولدات مستندة إليه تعالى بلا واسطة قال فخر الإِسلام وكذا العقاب يضاف إلى الكفر أي لا بذاته بل يجعل الشرع ونظر فيه بأنه ينزع إلى جواز العفو عن الكفر عقلًا إلا أن السمع ورد أنه لا يعفي وهو مذهب الأشعري - رحمه الله -، والحق أن الكفر يقتض العقوبة لذاته عدلًا وحكمه وأول بأن مراد وأن سببيته للعقوبات المخصوصة بالشرع ولذا جاز التغليظ لبعض والتخفيف لآخرين وهي سبعة أقسام والمورد ما يطلق عليه اسمها اشتراكًا أو تجوزًا كما في السبب لأنهم اعتبروا لها صفات ثلاثة:

1 - أن يكون وضعها له فلازمه أن يضاف إليها وهي العلية الاسمية وقيل: هي الإضافة لا الوضع لاطرادها دونه كما في هلك بالجرح وقتله بالرمي وفيه بحث فإن كل ما يضاف إليه الحكم وضعًا أو شرعًا فهو موضوع له كذلك تحقق الواسطة وتراخي كما فيهما أو بدونه كما في علة العلة أو لم يكن شيء منهما كما في العلة الحقيقة. 2 - أن تؤثر فيه وسيجيء أن المعنى به اعتبار الشارع إياها بحسب نوعها أو جنسها القريب فيه وهي المعنوية. 3 - أن لا يتراخى عنها وهي الحكمية ثم الجمهور يوجب المقارنة أن كانا كما اتفقوا عليها في العلل العقلية كحركة الإصبع والخانم وكالاستطاعة مع الفعل وإلا لوجد المعلول بلا علته فالحقوا الشرعية بها لأنها معتبرة فالأصل توافقهما وإذا ولاها لما صح الاستدلال بوجود العلة بعد وجودها وإل اكان المعدوم ومنهم من فرق كأبي بكر محمَّد بن الفضل بأن إيجاب العلة بعد وجودها وإلا كان المعدوم موثرًا فإذا جاز تقدمها بزمان جاز بأكثر لأن الشرعية منزّلة منزلة الأعيان بدليل قبولها الفسخ بعد أزمنة متطاولة فجاز بقاؤها بخلاف الاستطاعة مع الفعل فإنها عرض لا يبقى قلنا أولًا بعدية الإيجاب رتبة مسلمة وليس محل النزاع فإن كل علة كذلك اتفاقا وزمانا ممنوع ومع المقارنة كما بين حركتي الإصبع والخاتم لا يكون المؤثر معدومًا. وثانيًا: منقوض بالعلل العقلية إذا كانت أعيانا لا أعراضا وثالثًا قبول الفسخ يستدعي وجود الحكم لأنه المورد دله لا وجود العلة حتى تبقى كيف وهي حروف وأصوات ولئن سلم فكونها بمنزلة الأعيان لضرورة جواز الفسخ فلا يثبت فيما وراءها فهذه الصفات الثلاث مفردة ثلاثة ومثناة ثلاثة ومثلثة واحدة، غير أن فخر الإِسلام لم يذكر العلة معنى فقط واقام مقامها العلة التي تشبه الأسباب والوصف الذي يشبه العلل والحق تحققها الأول علة إسما ومعنى وحكما وهي الحقيقة التي مر تفسيرها كالبيع المطلق للملك موضوع ومؤثر وغير متراخ عنه. الثاني: اسما فقط كالتعليق واليمين فإن الكفارة والجزاء يضاف إليها لكن لا تأثير قبل الشرط والخبث ولا حكم قبل الشرط والخبث ولا حكم قبل ومنه بيع الحر. قال فخر الإِسلام ومنه السفر الطاري على الصوم للرخصة ليس بعلة حكمًا لوجوب أن لا يفطر ولا معنى لأن الموثر المشقة لكن لما صار شبهةً في سقوط الكفارة صار علةً اسما. الثالث: اسما ومعنى للوضع والتأثير لا حكمًا لتراخي المعلول أعنى أن لا يترتب ابتداء بل واسطة أعم من أن يكون حقيقيًا زمانيًا أو رتيبًا بالتوسيط وهذا جلس تحته أنواع أربعة لأن التراخي أن كان حقيقيا فإن

يسند إلى أوله فأما أن بتراخي إلى ما ليس بحادث به ويسمى باسم الجنس علة اسما ومعنى لا حكمًا أو إلى ما يحدث به ويسمى علة في حيز السبب وبمنزلة علة العلة وإن اقتصر على وقت الإضافة التحقيقة أو التقديرية يسمى علة تشبه السبب وإن كان التراخي رتبا يسمى علة العلة ويعلم منه أن العلة التي تشبه السبب ليست أحد الأقسام السبعة العقلية وان عدها فخر الإِسلام أحد السبعة فالأول كالبيع المرقوق علة اسما ومعنى للوضع والتأثير ولذا يعتق بإعتاقه موقوفًا لا كما قبل البيع ويحنث به من خلف لا يبيع لا حكمًا لتراخيه لمانع حق المالك إلى أجازته وعندها يثبت الملك من وقت البيع مستندا فيملك زوائده المتصلة والمنفصلة لا مقتصرا فيظهر كونه علة لا سببًا وهذا ممن قال بتخصيص العلة مستقيم ومن غيره مأول بأنه لا يكون علة ممتنعة التخصيص الا إذا ارتفع المانع وقد يقال ذلك الخلاف في العلل المستنبطة لا لوضعية شرعا وكالبيع بشرط الخيار لأنه يدخل الحكم دون السبب لاستلزامه ودلالة العلية كما سبق غير أنه لا ينفذ اعتاقه بإسقاطه لعدم الملك مع التعليق بخلاف الموقوف. والثاني: العلة التي تشبه السبب كالإيجاب المضاف إلى وقت نحو أنت طالق غدا موضوع وموثر ومتراخ ومقتصر وللأولين جوز أبو يوسف رحمه الله تعالى في النذر بالصلاة والصوم في وقت بعينه التعجيل قبله والمتراخي وجوب الأداء كصوم المسافر وللأخيرين لم يجوزه محمَّد رحمه الله اعتبار الإيجاب العبد بإيجاب الله تعالى وشبيه السبب للإضافة التحقيقية وكعقد الأجازة لوضعه وتأثيره في ملك المنفعة ولذا صح تعجيل الأجرة وتراخي حكمه إذا المنفعة معدومة ولذا لا يملك الأجرة إلا عند تسليم المنفعة حقيقة أو تقديرا كالوصية المضافة إلى ما يثمر نخيله العام ولذا يقال الإجارة عقود متفرقة وشبيه السبب للإضافة التقديرية وكالنصاب للوضع له ولذا يضاف إليه وتاثيره فيه لأن الغنى يوجب المواساة ومتراخ حكمه إلى وصف النماء بالحولان وشبيه السبب لاضافة حكمه وهو الوجوب إلى حصول الوصف ولما اقتصر الوجوب على حصوله وإنه مؤثر كأصله ومحصل لليسر أشبه العلة والنصاب السبب ولو كان النماء علة حقيقة لكان النصاب سببًا حقيقيًا ففارق بذلك القسم الأول ولما لم يكن الوصف مستقلا في الوجود أشبه النصاب العلة أيضًا ولأصالته غلب شبهه بالعلة فرجح لها فكان الوجوب ثابت به فصيح التعجيل ليصير زكاة بعد الحلول لكن مع اعتبار حال الأداء في أهلية للتصرف فلو غنى أو ارتد قبل الحول وقع المؤدي عنها إذ يعتبر شروط الأداء عند بخلاف شرط الوجوب ككمال

النصاب ولما تراخي إلى ما ليس بحادث فإن النماء إما بالسوم والرعي أو بزيادة الرغبة فارق القسمين الأخيرين. والثالث: العلة التي في حيز السبب كمرض الموت موضوع لتغير الأحكام عن تعلق حق الورثة بالمال وحجر المريض عن التبرع فيما تعلق به حقهم كالهبة والصدقة والوصية والمحاباة ومؤثر فيه شرعا ومتراخ إلى اتصال الموت به وإلا فيملكه الموهوب له وينفذ تصرفاته أولًا بالموت ولما كان علة الترادف الآلام المفض إلى الموت فارق القسمان الأولين وصار بمنزلة على العلة لأعينها لكون التأثير تدريجيًا وكذا الجرح المفضي الهلاك بواسطة المضي في الهواء والنفوذ في المرمي والسراية ولكونها يمنزلة علة العلة لم يورث شبهة في وجوب القصاص وكذا التزكية عند الإِمام لأنها موجبة لإيجاب الشهادة الحكم بالرجم فيضمن المزكي عند الرجوع غير انها لكونها صفة للشهادة كانت متابعة لها من هذا الوجه فيضمن الشهود أيضًا إذا رجعوا أو عدم لزوم القصاص لشبهة تخلل قضاء القاضي كما مر وقالا التزكية ثناء ليس بتعد ولا ضمان إلا بالتعدي ولذا لا ضمان إلا على الشهود عند رجوع الفريقين كنا عند الرجوع ظهر أنه تعد معنى والاعتبار للمعافي. والرابع: علة العلة كشرى القريب للعتق بواسطة الملك علم اسما لأن المضاف إلى الشيء مضاف إليه كحكم المقتضى إلى المقتضي لكن للوسطة لم يكن حقيقية لا يقال إضافته إليها غير كافية بل لا بد من وضعها له كما ذكره الإِمام السرخسى رحمه الله تعالى وغيره ولا وضع هنا لا بين الشري والعتق ولا بين الملك والعتق كما لا يوضع بين الشري وملك المنعة لا، لأنا نقول مسلم أن يطلق الشراء أو الملك لم يوضع للعتق لكن لا نعلم ان شري القريب أو ملكه لم يوضع له شرعا والمقصود هو الثاني كما يقال القدح الأخير علة الحد والمن الأخير علة الهلاك في إثقال السفينة أي عند اعتبار الأمور السابقة لا من حيث هو فعلي هذا الإضافة والوضع في الجملة متلازمان ومعنى لأن الموثر في المؤثر مؤثر لا حكم كما ظن وإلا كانت علة حقيقية وليس إذا لتوسط ينفي الإضافة الابتدائية، الرابع علة معنى لا اسما ولا حكمًا ويسمى وصفا له شبهة العلة لأخذ وصفي العلة المركبة منهما تركب علة لرجوا من المقدر والجنس عندنا والعقود من الإيجاب والقبول فكل علة معنى لأن له مدخلا في عين التأثير لكونه مقوما للمؤثر السام ولاشك أن الجزء عندهم حقيقة قاصرة فيتولهم لا تأثير لا جزاء العلة في أجزاء المعلول لا ينافيه من وجهين وجعله السرخسى سببًا لكونه طريقا على المقصود لا موجبا والحق مع فجر

الإِسلام إذ كل سبب يتخيل بينه وبين المعلول علة ولا يتخيل هنا لأنه بعض العلة لا أسماء لعدم الإضافة فإنها إلى المجموع ولا حكمًا لأن المراد غير الجزء الأخير ولأن له شبهة العلة حرم شبهة الفضل في النسيئة فمجرد الجنس كالقهوة بالقهوة أو أيقدر كالحنطة بالشعير أو الصغر بالحديد حرمها. الخامس: علة معنى وحكما لا اسما كآخر وصفيها وجودا فالقرابة والملك للعتق فإنهما بأجر أضيف إليه لترجحه بوجود الحكم معه وأثر فيه لأن ملك الرقبة يستفاد منه ملك العتق والقرابة موثرة في الصلة وفي الرق قطعها ولهذا وإن الله تعالى هذه القرابة عن القطع بأدنى الركبان وهو النكاح فبأعلاهما أولًا لكون قدرة العتق من أحدهما ونفسه من الآخر صار العلة الكل لا كلا فلم يكن علة اسما. ألا ترى أن الموضوع للعتق شرعًا ملك القريب لا مطلق الملك عما عند تأخر الملك كشري الثابت قرابته فالمشتري معتق حتى يصح نية الكفارة عند الشري إلا بعده إذ لم يتراخ الحكم عنه ومثله من علة العلة بمنزلة نفس العلة فلا ينافيه تخلل الملك ويضمن أحد المشتريين نصيب الأجنبي عندهما لا عند الإِمام إذا شريا معا وإذا شرى بعد الأجنبي فبالاتفاق والفرق للإمام أن الرضاء بالشركة في الأول رضاء بحكمهما ولا عبرة بجهله لأنه نقص وكفا به عارا ولا رضاء في الثاني. لا يقال وكذا في الأول للجهل لأن الرضاء مبطن فأدير الحكم مع الظاهر وهو مباشرة الشراء والشركة، ولأن جهله كالمعدوم بما يعتبر وإما تأخر القرابة فكدعوى أحد الشخصين بنوبة عبد مجهول النسب ورثاه أو اشترياه فالمدعي معتق وغارم نصيب الآخر لأن القرابة حصلت بصنعه بخلاف ما إذا كانت معلومة فلم يحصل بصنعه فهي على الخلاف السابق وفيما ورثاه يضمن مدعيها إذا لم تكن معاومة للصنع إذا كانت لا بالاتفاق لعدمه فإن الارث ضروري بخلاف آخر الشاهدين شهادة لأن العمل بالقضاء وهو بالجملة بلا اعتبار الترتيب. السادس: علة اسما وحكما لا معنى كالسبب الداعي القائم مقام المسبب المدعو من السفر المطلق والمرض المشق لا المطلق لرخصهما والنوم الموجب لاسترخاء المفاصل للحديث ودواعي الوطئ لحرمة المصاهرة وفساد الإحرام والاعتكاف والنكاح بثبوت النسب والتقاء الختانين لوجوب الاغتسال والمباشرة الفاحشة مع الانتشار وعدم الفاصل للحديث إلا عند محمَّد رحمه الله تعالى وكالدليل أي سبب العلم القائم مقام المدلول من الخبر عن المحبة والبغض في إن أحييتني أو أبغضتني فأنت كذا لوقوع الجزاء لإخبارها

وها هنا تحصيل وتقسيم

ويقتصر على المجنس لأنه بمنزلة تخييرها والطهر الخالي عن الوقاع لإباحة الطلاق، أما حدوث الملك في مسائل الاستبراء من حرمة الوطئ ودواعيه إلى انقضاء حيضه أو بدلها فعده فخر الإِسلام رحمه الله تعالى من الثاني لأن حدوثه دليل سابق الملك الدال على شغل الرحمة أو دليل التمكن من الوطئ الدال على سقط زرع الغير وصاحب التقويم من الأول لأنه سبب مؤد إلى اختلاط المائن ثم كل منها علة اسمًا للوضع والإضافة الشرعيين وحكمًا لعدم التراخي لا معنى لأن المؤثر هو المشقة وخروج النجس الوطيء وخروج المنى والحدث وكله المحبة والبغض والحاجة إلى الطلاق لمريده فيه وشغل الرحم أو اختلاط المائن، والفقه المجوز للاقامتين أحد الأمور الثلاثة: 1 - دفع الضرورة لتعذر الوقوف على حقيقة العلة كما في النوم والخبر عما في القلب وفي الاستبراء والنكاح والالتقاء والطهر الخالي. 2 - دفع الحرج لتعسره مع إمكانه كما في السفر والمرض والمباشرة. 3 - الاحتياط كما في دواعي الوطيء في الحرمات والعبادات. وإما الباقي من السبعة العقلية فعله حكمًا فقط والإحكام أيضًا تقتضى ثبوته كالجزء الأخير من السبب الداعي القائم مقام المدعو فإن الحكم لا يضاف إليه بل إلى المجموع ولا يؤثر لأن المؤثر المدعو إليه ولكنه لا يتراخى عنه وذلك كاسترخاء المفاصل المستفاد من الهيئات المخصوصة ومنه الشرط الذي علق به فعند وجوده لا يتراخى عنه الحكم مع أنه ليس علة اسمًا ولا معنى. وفيه بحث فإن العلية الحكمية تستدعي الترتيب الشرعي ولا يكفي الوجود الاتفاقي معه والشرط التعليقى لا يترتب الحكم عليه بل على التعليق ولذا كان الضمان على شهوده الشرط إذا رجع الكل وكذا إذا رجع شهود الشرط وحدهم عند الأكثر والحق أنه الشرط الذي في حكم العلة كما سيجيء أمثلته لأن الحكم مترتب عليه من غير وضع وتأثير. وإما الشرط فلغة العلامة اللازمة ومنه أشراط الساعة والشروط للصكوك وشرعًا ما بتعلق به الوجود دون الوجوب أي يتوقف الثبوت عليه بلا تأثير ووضع (¬1). وها هنا تحصيل وتقسيم إما التحصيل فهو أن الشرط إما تعليقي ويسمى جعليًا وحصوله إما بأداة الشرط أو دلالته وإما حقيقى يتوقف عليه وجود المشروط وضعًا أو شرعًا. ¬

_ (¬1) انظر /الإبهاج لابن السبكي (1/ 205).

فالأول: عدمه مانع عن انعقاد العلة علة فضلًا عن وجود الحكم عندنا وعن وجود الحكم عند الشافعي رحمه الله تعالى وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى ولا خلاف في أن عدم الثاني مانع عن وجود المشروط فتحقق أن الشرط مطلقًا رفع المانع كما أن عدمه نفس المانع وبذلك ينفصل عن العلة والسبب والركن فإن عدم الأولين ليس مانعًا وإن ثبوت الحكم بعلل وأسباب شتى. تنويره أن عدم الطهارة والشهود مانع شرعي عن جواز الصلاة والنكاح لا عدم المصلي والخطاب إما عدم الركن عين عدم الحكم وكذا مثل عدم حفر البئر وشق الزق مانع من السقوط والسيلان فعدمهما وهو عبثهما رفع له بخلاف النقل والميعان ووضع الحجر وإشراع الجناح فليس شيء منه رفع المانع. وإما التقسيم فهو أنه خمسة أقسام: لأن ما هو رفع المانع في الحقيقة سواء كان جعليًا أو وضعيًا أن لم يلاحظ صحة إضافة الحكم إليه بل مجرد توقفه أو توقف انعقاد علته عليه فشرط محض كطهارة الصلاة وشهود النكاح والدخول المعلق به الطلاق وإن لو حظت فإن لم يعارضه علة تصلح لإضافة الحكم إليها كحفر البئر فشرط في حكم العلة وإن عارضته فإن كان التوقف عليه بتبعية التوقف على أمر بعده فشرط مجازي ويسمى شرطًا اسمًا للتوقف لا حكمًا لعدم إضافة الحكم إليه ثبوتًا كاحد المعلق بهما وإلا فيكون فعل المختار الغير المنسوب إليه متخللًا بينهما إذ لو لم يكن مختارًا كما في شق الزق أو كان منسوبًا إليه كفتح باب القفص بحيث أزعج الطير كان مما في حكم العلة وحين تخلله إن كان السابق مستقلًا بحاله فشرط في حكم السبب كفتح بابه لا بتلك الحيثية وإن كان رافعًا لخفاء العلة فشرط هو علامة كالاحصان الأول الشرط المحض فجعليه ككل ما علق به بأداته ويسمى الشرط صيغة أو بمعناه ويسمى الشرط دلالة والفرق أن الأول يجرى في المعين وغيره. والثالث: يختص بغير المعين نحو المرأة التي أتزوجها أو التي تدخل منكن الدار طالق لنا فإن ترتيب الحكم على الوصف المعرف تعليق بخلاف هذه المرأة فيلغو في الأجنبية ويتنجز في المنكوحة لأن الوصف في المعين لغو إذ الإشارة أبلغ في التعريف وحقيقيه كشروط العبادات والمعاملات فإنها تتعلق بأسبابها ثم بشروطها كما يتوقف لزوم الشرائع على العلم بها أو ما يقوم مقامه من شيوع الخطاب في دارنا وإلا فلا قدرة فلا تلزم على من أسلم في دار الحرب فلا يجب قضاء ما مضي حين علم بها بخلاف من أسلم في دارنا فمضى بلا

علم بها قضى، ثم معناه لازم لصيغته في الأصح وقيل: إذا لم يكن الفائدة أخرى كإخراجه مخرج العادة الغالية، في {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (النور: من الآية 33) لأن الغالب أن الكتابة عند علم الخَير وإلا فجائز بدونه إجماعا وفي {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} (النساء: من الآية 101) إذ كان الغالب هو الخوف حينئذ وإلا فالقصر في السفر غير موقوف عليه قلنا هذا إلغاء للشرط وكلام الله تعالى منزه عنه ويكفي بأنه خلاف الأصل الشائع بل الأمر بالكتابة للاستحباب وذا لا يوجد الآية وقرينته عطف على قوله وتوهم إما على القول بأن المراد إلا شاء من بدل الكتابة فظنوا ما على أنه الإيتاء من مال الصدقة فلأن الصرف إليه على التعين غير واجب عندنا، وهذا المراد بالقصر قصر الأحوال كالإيماء على الدابة وتخفيف القراءة والتسبيح والتعديل، وهو مقيد بالخوف لا قصر الذات بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا} (البقرة: من الآية 239) الآية، وقوله تعالى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (النساء: من الآية 103) أي أدوها كما يليق بالحضر والقرآن يفسر بعضه بعضًا لا أن القرآن يوجب الشركة وأبعد من هذا فهم دلالة الشرط من قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (النساء: من الآية 23) ثم الاعتذار بما مر فإنه ليس بشرط ولا دلالة لأنه معرفة بالإضافة وإذا وكان شرط كالدخول بالأم لوجب تعليق الطلاق بعدم أحدهما إلا بعدم الثاني فقط كما وقع في قوله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (النساء: من الآية 23) بهن فاة الشرط اسما أي صيغة وحكما أي معنى لأن المشروط بالأمرين يرتفع عند ارتفاع أحدهما. والثاني الشرط الذي له حكم العلة فإن العلة أن صلحت لإضافة الحكم فيها وإلا أضيف إليه تشبيها له بها في تعلق الحكم ولكون علية العلل جعلية وفي الحقيقة إمارات وهذا أصل كبير له تفريع كثير: أ- شهود الشرط واليمين إذا رجعوا فالضمان على الثاني لأن اليمين علة أي في صدد ذلك أو لقضاء بوجود الشرط كما نترجح على السبب أيضًا عند رجوع شهود التخيير والاختيار في الطلاق والعتاق فيضمن شهود إلاختيار ولو رجع شهود الشرط وحدهم فإن قال فخر الإِسلام يجب أن يضمنه الخلفية الشرط عن العلة ونفاه شمس الأئمة وصدر الإِسلام مطلقًا إلا عند زفر ووجهه أن العلة وإن لم تصلح لاضافة الحكم لعدم التعدي تصلح لقطعها عن الشرط لكونها فعلا مختارًا كفتح باب القفص خلاف حفر البئر لعلة هناك طبع لا اختيار فيه وعلى هذا إنما يضمن شهود الشرط في المسألة الآتية على قول الإمام مع أن اليمين علة إختيارية لأنهم في المعنى شهود التخيير إذا التعليق بالشرط

الموجود تنجيز لا شهود الشرط وإنما ضمن المهر شهود الدخول بها وهو شرط لا شهود النكاح وهو علة عند رجوعهم لأنهم بإدخال عوض المهر في ملك الزوج ابتدؤا شهودًا لنكاح عن الضمان. ب- حلف إن كان قيد عبده رطلًا أو إن حله أحد فهو حر فشهد رجلان أنه رطل فقضى بعتقه فحل المولى فوجد أنقص ضمنًا فيمته عند الإِمام لنفاذ القضاء ظاهرًا وباطانًا عنده لأنه واجب عليه شرعًا بدليله فيجب تصحيحه بقدر الامكان وذلك بإثبات المشهود به سابقًا اقتضاء بخلاف ما إذا بأنا عبيدًا أو كفارًا لبطلان القضاء عند أبي حنيفة لا عندهما لعدم نفاذه باطنًا إذا لحجة باطلة حقيقة وصادقة بظاهر العدالة فيعتبر في وجوب العمل دون تنفيذ القضاء عملا بالشبهين فعتقه عند كما بحل القيد، فعنده وجب الضمان على شهود الشرط لعدم صلوح إضافته إلى العلة وهي اليمين إذ لا تعدي فيها لأنه تصرف المالك في ملكه. ج- حفر البئر وشق الزق وقطع حبل القنديل كل منها شرط لأنه رفع المانع وليست فيها علة صالحة لحكم لأن السقوط والسيلان والثقل طبع لا اختيار فيها بخلاف إيقاعه نفسه والمشي سبب أقرب من الشرط لكنه مباح لا يصح ترتب ضمان العدوان عليه مع أنه غير واجب إما وضع الحجر وإشراع الجانح وترك هدم الحائط الماثل بعد المتقدم إلى صاحبه وذلك كاف والإشهاد لاحتياط الإثبات إن أنكر كما في الشفعة فمن الأسباب ألحقه بالعلل كما ذكرنا وإن كانت مثلما في ضمان المحال من النفس والمال لا في أجزائه الأفعال لأن شيئًا منه إليس برفع المانع بل أمور وجودية مقضية فإن عدم الحجر ليس يمانع عن الهلاك بالسقوط في ذلك الموضع لجوازه بسبب آخر بخلاف عدم البئر فإنه مانع عن السقوط في قعرها وكذا غيره. بقية تفصيل حفر البئر من التهذيب: وإن حفر في ملكه فسقط غيره بالمشى إليه لا يضمن إذن أولا وأعلم به أولًا لعدم التعدي أو في دار غيره بغير إذنه فهلك الصاحب الدار شيء يضمن الحافر إلا إذا كان بإذنه وإذا هلك ثالث فإن دخل بغير إذن المالك يضمنه الحافر في قوله التعدية لا في قول لتعدي الساقط في دخوله وأنه مسبب وإن دخل بإذنه فإن أعلمه فلا ضمان وإلا يضمن الحافر وكذا وضع الحجر. د- بذر بر غيره في أرض كان له لأن العلة طبع العناصر بتسخير الله تعالى بدون اختيار فلا يصلح للإضاة والبذر شرط اختياري يصلح لها. وقال الشافعى رحمه الله تعالى

لصاحب البذر لأنه نماء ملكه كولد الجارية وثمر الشجر وكما إذا ألقت الريح به في أرض فثبت والزرع كإصلاح الأشجار قلنا البر ليس علة لبقائه فكيف لهلاكه وانقلابه شيئا آخر إذ عند هلاكه لا يبقى برا بخلاف الجارية والشجر ومهلكه ضامن له ولضمانه يملكه ولذا كان له إذا زرع في أرض صاحب البذر أيضًا بإطلاق المبسوط وفيما ألقت الريح لا اختيار يغالبه فيغلبه. الثالث: شرط له حكم السبب سابق اعترض بينه وبين الحكم فعل المختار غير منسوب إليه فخرج بالسابق الشرط التعليقي وبفعل المختار نحو سيلان المانع وبغير منسوب إليه نحو سير الدابة بعد سوقها والطيران بعد فتح باب القفص عند محمَّد رحمه الله تعالى وله فروع: 1 - حل قيد عبد فأبق لم يضمن لأن إباقه اختياري تخلل ولم يحدث به فقطع الإضافة عن صاحب الشرط لا كما أمر عبد الغير فإنه استعمال كالاستخدام انقطاعها عن صاحب السبب فيمن أرسل دابة فجالت يمنه ويسره أو وقفت ثم سارت فاتلفت لم يضمن لانقطاع الإضافة وصيرورته كالمنفلتة فإنها بالنهار جبار وكذا بالميل عندنا إذ لا سبب كالإرسال ولا شرط كفتح باب الإصطبل ولا علة كالإتلاف من صاحبها خلافًا الشافعي رحمه الله تعالى لحديث البراء قلنا ذهاب الدابة اختياري لم يتولد من فعله كدلالة السارق ويويده "العجماء جبار" وحديث البراء مؤول بأن ناقته انفلتت بقصده إياها للأخذ ومسلم أن حفظ الدابة على أربابها ليلًا لكن من حيث الإثم بتركه ولا يلزم منه الضمان. 2 - فتح باب القفص فطار على فوره أو باب الإصطبل فخرجت على فوره إذ لو مكثا ساعة لا ضمان إجماعا لم يضمن إلا عند محمَّد رحمه الله لتخلل فعل المختار (¬1) لا كالسقوط في مسألة حفر البئر بل كاسقاطه نفسه كمن مشى على جسر واه وضع بلا ولاية أو على موضع رش الماء فيه عالمًا بوهاء الجسر ووضعه بغير حق منه وبالرش هنا لا يضمن لأن العطب مضاف إلى اختياره أما غير عالم بهما فيضمن لأنه متعد وإذا وضع في ملكه لا ضمان مطلقا لعدم التعدي. وقال محمَّد رحمه الله تعالى طيرانه وخروجها على فوره هدر شرعا إذ النفار طبع فيجعل اختياره كعدمه لفساده كما إذا صاح بها فصار كسيلان ما في الزق إما لأعلى الفور فدليل ترك عادتهما وبذا بقطع الإضافة إلى الشرط ¬

_ (¬1) انظر / المبسوط للسرخسي (11/ 14).

وليس شرعية الإهدار وطبعية النفار علنين صالحتين للاستدلال بالاستقلال كما ظن فأولا لأن الحكم وهو تلفهما يصلح إضافته إلى فعلهما في الجملة كنفارهما لأعلى الفور وثانيا أن الفرق بين الفور وعدمه بترك العادة لا يكفي حاصل لعموم النكتة الأولى فالأولى أن الثانية علة الأولى وتتم النكتة بهما فينطق الجواب بأنا قلنا هدر في الإيجاب على الغير إما لقطع الحكم عند فلا كالكلب يميل عن سنن الإرسال فيأخذ ما لا يحل، وكالدابة تجول بعد الإرسال كما وكصيد الحرم يخرج منه فينقطع إضافته إليه فيحل. أصل متفرع: شارط ادعى الإضافة إلى العلة فالقول استحسانًا بخلاف صاحب العلة كالحافر إذا ادعى أن الهالك أسقط نفسه كان القول له لا للولي في دعوى السقوط لتمسكه بالأصل وهو الإضافة إلى العلة بخلاف الجارح إذا ادعى الموت بسبب آخر والقياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول أنه للولي لتمسكه بظاهر أن الإنسان لا يهلك نفسه. قلنا: الظاهر يصلح دافعا لا موجبا لاستحقاق الدية على عاقلة الحافر. 3 - أشلى كلبا على صيد ومملوك أو إنسان فقتله أو مزق ثيابه ولم يسق لا يضمن لاعتراض فعل المختار غير منسوب إليه لعدم السوق بخلاف سوق الدابة فإنه كسوقه وإما الإشلاء على صيد غير مملوك فجعل قتله كالذبح نقيا للحرج عن باب الصيد بقدر الإمكان إذا لذبح بالوجه المسنون متعذر في باب الصيد وضمان العد وإن شرع جبرا فيعتمد الفوات فلا يجب مع الشك ونظيره ألقى نارا في الطريق فهبت به الريح واحرقت شيئًا أو هوام فانتقلت ولدغت إنسانا فهلك لم يضمن لانقطاع نسبتها بالتحول كالدابة الجائلة في رباطها. وفروع الثالث: نظير إرسال الدابة من قبيل السبب الحقيقي كدلالة السارق ذكرت تلفيقا بينه وبين الشرط في هذا التفصيل. الرابع: شرط اسما أي صورة للتوقف عليه في الجملة لا حكمًا أي لا معنى لعدم إضافة الحكم إليه ثبوتا عنده كأول شرطين تعلق بهما ملاحظة ترتيبهما لا كأحد الشروط المتعددة مطلقا كما ظن فآخرهما شرط اسما وحكما كشروط سائر الأقسام وإما حكمًا لا اسما فلا وجود له إذ لا شرط بدون التوقف اللهم إلا أن يفسر الاسم بصورة أداة الشرط كما مر فيوجد كما في أن خفتم إذا حمل على قصر الذات. قلنا الحاصل: أن نعتبر الاسم وهو الصيغة والمعنى وهو التوقف والحكم وهو الثبوت عنده ونسبع الأقسام العقلية كما في العلة فاسما فقط غلو لم يخف الله {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي

الْأَرْضِ} الآية ومعنى فقط كالنية للعبادة والقدرة للتكليف وحكما فقط نحو بتحر على صغر سنة ولا حكمًا فقط كأول المعلق بهما بأن ولا معنى فقط نحو أن خفتم مرادًا به قصر الذات ولا اسما فقط نحو المرأة التي أتزوجها طالق والجامع للثلاثة كآخر المعلق بهما بأن. (فرع) إذا قال لامرأته إن دخلت هذه الدار وهذه فأنت كذا فدخلت إحديهما في غير ملكه فنكحها فالأخرى في ملكه تطلق خلافًا لزفر قياسًا لأحد الشرطين على الآخر إذ صيرهما شيئًا وأحدا والشرط يمنزلة العلة عنده ولذا لا يثبت الإحصان عنده إلا بشهادة رجلين ولا يقطع بخصومه المودع لأنها شرط ظهور السرقة فلا يجري النيابة كالشهادة فيها قلنا الملك شرط الإيجاب أو شرط الوقوع وحان الشرط الأول خالية عنهما وإلا كان شرط نفس الشرط وليس إذ لو دخلهما في غير ملكه انحلت اليمين أو لبقاء اليمين وليس وإلا لبطل بالإبانة قبلهما أما عند تمام الثاني فحال الوقوع ولذا يقال تعدد المقدم لا يقتضى تعدد الشرطية بخلاف تعدد التالي فيشترط الملك حالتئذ. الخامس: شرط هو علامة وتحقيقه أن علامة الشيء معرفة وإنما يحتاج إلى المعرف ما فيه نوع خفاء كما جعل التكبير علامة لقصد الانتقال في الأركان فشرط الحكم إذا كان مظهرا لتحقق نفس العلة مع الخفاء في ذاكا أو لتحقق صفتها للخفاء فيها سمي شرطا هو علامة أما كونه شرطا فلتوقف تحقق الحكم على تحقق العلة الموصوفة الموقوف عليه والوقوف على الموقوف موقوف وإما كونه علامة فلأنه في الحقيقة شرط تحقق العلة لا الحكم مع أنه مظهره مثال ما كان مظهر النفس العلة الولادة المظهرة للعلوق الذي هو علة النسب بعد قيام الفراش أي النكاح الثابت أو حبل طاهر في العدة أو اقرار به من الزوج عند الإمام ومطلقا عندهما إذ لو أمكن الإطلاع على العلوق بسبب آخر لما كان إلى ادعاء الولادة والشهادة بها حاجة في إثبات النسب فلم تكن شرطه بل شرط طهور عليه فكانت أمارة لإيضاف النسب إليها ثبوتا بها ولا عندها ولذا قبلا شهادة القابلة عليها من غير الأمور الثلاثة إذ المقصود تعيين الولد حاصل وشهادتها تكفى له كما مع أحدهما قلنا الأمر كذا في حق صاحب الشرع لكونه علام الغيوب وفي حقنا لقامت الولادة الظاهرة مقام العلوق الباطن وجعلت علة للنسب فاشترط لها كمال الحجة كدعوى النسب ابتداء والأمر المبطن قبل ظهور كالعدم بالنسبة إلي كالخطاب النازل في حق من أسلم في دار الحرب إما مع أحدهما أسند إلى دليل ظاهر يثبت النسب شرعًا فالولادة علامة للنسب الثابت حاصل فتثبت بشهادة القابلة لتعيين الولد ثم لما جعلاها علامة مطلقة وأثناها بشهادة لقابلة

بشهادة القابلة ثبتا بها ما كان تبعًا لها استحسانا كالطلاق والعتاق المعلقين بها وكاستهلال الصبى حتى تثبت الإرث وإن لم يثبت شىء منها بشهادة امرأة ابتداء كما يثبت بشهادة القابلة أمومية الولد بعد ما قال إن كان يجارينى حمل فهو مني واللعان إذا نفى الزوج الولد والحد إذا كان النافي عبدا أو محدودا في قذف فإذا ثبت بها مثل الحد واللعان للتبعية فصل النزاع أولى قلنا قياسا الولادة المعلق بها شرط محضن فلا يثبت إلا بحجة كاملة كالمعلق وثبوتها بشهادة القابلة ليس مطلقا بل لضرورة عدم اطلاع الرجال عليها فلا يتعدى إلى ما تنفك الولادة عنه كالنسب وأمومية الولد واللعان عند النفي مع أنهما تتعلق بالفراش القائم والإقرار بحال الطلاق والعتاق والاستهلاك كشهادة المرأة على ثيابة الأمة المشتراه على أنهما بكر لا ترد بها بل يستحلف البائع بعد القبض رواية واحدة في الأصح وقالا أيضًا الاستهلاك علامة الحياة الخفية التي هي علة الإرث لا علتها ولا شرطها لتقدمها عليه فيقبل فيه شهادة القابلة كما في حق الصلاة على الموؤدة ويؤيده قبول علي رضي الله عنه شهادتها عليه قلنا نعم لو لاقامته مقام الحياة كما مر في الولادة والخبر محمول على حق الصلاة لأنه من أمور الدين وخبر الواحد فيها حجة بخلاف الميراث. ومثال ما كان مظهرًا لصفة العلة الإحصان في الزنا وهو أمور سبعة أو أمران: الإِسلام والدخول بنكاح صحيح لمن هي مثله، والعقل والبلوغ لأهلية العقوبة والحرية شرط تكميلها فإنه مظهر لصفة الزنا التي هو بها علة وهي كونه بين مسلمين مستوفين للذة المتاع الحلال إذ هي الداعية إلى استحقاق مثل هذه العقوبة الفخيمة بعد أهليتها والإحصان ملزومها فيستدل به على ثبوتا فلأن العلم بوجوب الرجم يتوقف على العلم بالإحصان جعل شرطًا ولأنه معرف طبقه العلة وسابق عليها وعلى الحكم بالوسائط فضلا عن إضافة الحكم إليه ثبوتا عنده جعل علامة وهذا معنى قولهم إذا وجد الزنا لم يتوقف حكمه على إحصان يحدث بعده لا أن شرط الغير التعليقي يجب تأخيره عن صورة العلة وجهًا علم أن شروط الصلاة والنكاح ليست علامة وهذا الحفز والشق وغيرهما إذ ليس في شيء منها إزالة خفاء فهذا مطمح نظر الشيخين والقاضي أبي زيد فإن كلام المشايخ رموز ولا طعن علي الرمز والحمل على تسمية الشرط المتقدم علامة مطلقا في غاية البعد لو وجوب ظهور أثره إلي الأحكام وكون الاحصان شرطا في معنى العلة لوجود علة معارضة صالحة للإضافة كالزنا مع أنه عبارة عن خصال حميدة واجبة أو مندوبة فكيف يوجب العقوبة المحصنة ولكونه علامة لم يضمن شهود الإحصان إذا رجعوا بخلاف شهود

العلة والسرط الخالص فيما تقدم وعند زفر كشهود الزنا سواء لأن أصله أن للشرط حكم العلة لتعلق الحكم بهما نفع أن الأحضان بخصوصه ملحق بالزنا ولذا يقبل الشهادة عليه بدون الدعوى هنا لأعلى النكاح في سائر المواضع وصح الرجوع عن الإقرار به ووجب أن يسال القاضى الشهود عن ماهيته وكيفيته كالزنا في جميع ذلك. قلنا: إضافة الحكم إلى شهود الشرط فضلا عن العلامة مع صلاح العلة لها غير معقولة وشرط الحق وسببه من حقوق صاحبه فكما أن الحد حق الله تعالى صار الإحصان كذلك لجهة شرطيته فصح الرجوع عنه والسؤال للإجمال لوقوعه على معان ولذا أيضًا لم يشترط الذكورة في شهوده مع اشتراطها في شهود الزنا. وقال زفر: هو مكمل للعقوب فيعتبر موجب أصلها وقياسا على شهادة ذميين علي عبد مسلم زنى أو قذف بالزنا بأن مولاه الكافر أعتقه قبلهما وأنكره هو والمولى حيث لا يقبل في إقامة الحد مع أن شهادة الكافر على مثله مقبولة ولا شهادة على العبد بل له العتق والإحصان فحين لم يقبل هذه لا يقبل تلك فكان الإحصان في معنى العلة والمسألة مصورة في الأمة مطلقا وفي العبد على قولهما قلنا المكمل هو العلة أو صفتها لا أمارة صفتها وإلا أضيف الحكم إليها وخصوصه شهادة الكفار غير خصوصية شهادة النساء لأن الأولى في المشهود عليه فلا تقبل في المسلم والثانية في المشهود به فلا تقبل العقوبة وعلنها وشرط له حكم العلة فلا يلزم من رد الأولى فيما يتضرر المسلم تكثير محل الجناية لإثبات الحرية وإيجاب نفله من الجلد إلى الرجم والكافر لا يصلح لذلك رد الثانية فيما لا يضاف العقوبة إليه ثبوتا به أو عنده وإن لزم ضرر المسلم ضمنا والنساء تصلح للأضرار في الجملة. وأما العلامة فلغة الأمارة كالميل والمنارة وشرعا ما يعرف الحكم به من غير تعلق وجوب ووجود به (¬1)، وهي إما محض أي خالص شوب الباقية قال على وجود خفي سابق كالتكبير للانتقال وكرمضان في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر وأما ما فيه معنى الشرط كالاحصان كما مر، وإما بمعني العلة كالعلن الشرعية التي هي امارات وإما علامة مجازا كالعلة الحقيقية والشرط الحقيقى ومن فروع العلامة المحضنة لا هو علامة فموضعه هنا لاثمة كما ظن جعل رحمه الله تعالى العجز عن إقامة البينة على زنا المقذوف علامة معرفة لسقوط الشهادة سابقًا بالقذف فبطل شهادته من حين القذف لأن سقوطها أمر حكمي خفي جاز أن يحكم بسبق وجوده عند العجز بخلاف الجلد فإنه فعل حسى لا ¬

_ (¬1) انظر / أصول السرخسي (2/ 304).

يمكن الحكم بسبق وجوده على حين نفسه فضلا عن حسن العجز فيكون شرطًا له لا أمارة وذلك بناء على أن علة السقوط نفس القذف لأنه كبيرة وهتك العرض من الأصل عفته لمانع الدين والعقل فكان كسائر الكبائر في كونه سمة الفسق وكفايته في سقوط الشهادة بخلاف الجلد فدل هذا على أن العجز أمارة في حق السقوط شرط في حق الجلد وإن قلنا بتعليقها بالرمي والعجز معا قلنا الجزاء الثابت بالنص من الأمرين فعل كله مفوض إلى الإمام وهما الجلد ورد الشهادة لا سقوطها وقد اعترف أن العجز لا يصلح معرفا للفعل فيكون شرط له وبناؤه على أن القذف كبيرة فاسد لاحتمال أن يكون حسبه لم يمكن إثباته بالبينة ولم يكن مسموعا منهم لأنه إشاعة الفاحشة وبعد العجز يحتمل الحسبة وأصالة العفة لا تصلح علة لإيجاب العفة حتى تصلح علة لاستحقاق رد الشهادة كمجرد القذف وإلا لما قبلت بنية القاذف أصلًا لكن إطلاق الإقدام على دعوى الزنا لما كان بشرط الحسبة وذا بشهود حضور في البلد لا عن ضغينة وبشهود غيب وجب تأخيره إلى آخر المجلس أو ما يراه الإِمام كالمجلس الثاني في رواية عرابي يوسف رحمه الله تعالى ليتمكن من إحضارهم ثم لا يوخر الحكم الظاهر بالعجز لما يحتمل الوجود والأصح أن رعاية جهة الحسبة تقتض أن تقبل بنية القاذف بعد حده على الزنا فيحد له ويبطل رد شهادته قبل التقادم ويقتصر على الثاني بعده كشهادة رجل وامرأتين بسرقة يقبل في المال لا الحد وان قيل أيضًا بأنها لا يقبل بعد الإقامة لأنها حكم بكذب الشهود وكل شهادة حكم بكذبها لا يقبل أصلًا كما إذا رد شهادة الفاسق فأعاذها بعد التوبة. وأما المانع فلظهور معنى المنع لغة وشرعا لم يحتج إلى تعريفه بل قسم إلى مانع للسبب والمانع للحكم ومورد القسمة ما يوجب عدم الحكم أعني مانع الحكم مطلقا لا ما يمنعه بعد تحقق السبب ليتناول الأولين من الخمسة فالمانع للسبب ما يستلزم حكمه تخل تحكمه السبب كالدين في الزكاة فإن حكمه سببه وهو الغني مواساة الفقراء من فضل المال وحكمة الدين وهو وجوب تفريجِ الذمة عن المطالبتين تخل بها إذ لم يدع فضلا يواسي به ثم هو قسمان: 1 - ما يمنع انعقاده سببًا أي علة كانقطاع وتر الرامي أو انكسار فوق سهمه حسا وبيع الحر وبيع الحر شرعا فحكمه الحرية وهي القدرة الحكمية تخل بحكمة البيع وهي إباحة الابتذال بالتصرف. 2 - ما يمنع تمامه كالحائط الحائل بين الرامي والمرمي وكون الملك للغير في البيع

الفضولي العقد أصله ولذا لزم بإجازته ولم يتم في حق المالك ولذا بطل بموته ولم يتوقف على إجازة الورثة وإن ثم في حق العاقد حتى لم يقدر على إبطاله فإن حكمه ملك الغير وهي نفاذ تصرفه تخل بحكمة البيع وهي نفاذ تصرف المشتري من غير رضاه والمانع للحكم ما يستلزم حكمة تقتضى نقيض الحكم كالأبوة في القصاص يستلزم حكمه هي كون الأب سببًا لوجوده الآن يقتض أن لا يصير الابن سببا لعدمه ثم هو على ثلاثة أقسام: 1 - ما يمنع ابتداء الحكم كالترس المانع للجرح وليس كالحائط لاتصاله بالمرمي دونه وخيار الشرط حتى لا يخرج بدل من له الخيار عن مليكه إذ حكمة الخيار وهي إمكان امتناعه تقتضي عدم خروجه وإنما جعل مانعا عن ابتدائه لا عن السبب ولا عن تمام الحكم أو لزومه لما عرف أن ضرورة الاحتزاز عن معنى القمار أوجبت نقله إلى الحكم فاندفعت بابتدائه. 2 - ما يمنع تمامه كاندمال الجرح لأن تمامه بعدم المقاومة وقد قاوم بالاندمال وخيار الرؤية حتى يمكن الفسخ بلا قضاء ورضاء فحكمته وهي التيقن بالرضاء تقتضى تمكنه منه. 3 - ما يمنع لزومه كصيرورة الجرح طبعا خامسا لم لمنع ابتداؤه وهو الجرح ولإتمامه لأنه بعدم المقاومة وذا بعدم الاندمال وقد حصل ومنع لزومه لأنه بالسراية فإن الرمي علة للمضي وهو للإصابة وهي للجراحة وهي لسيلان الدم وهو لزهوق الروح ولم يوجد وخيار العيب إذ لا يمنع تمامه فله أن يتصرف فيه كيف ما شاء ولا يرد وأو قبل القبض لا بقضاء أو رضاء ومنع لزومه لأن له أن يرد بأحدهما ولو بعض المبيع وبعد القبض فحمكته وهي الامتناع عن التضرر اقتضته والقاضى أبو زيد رحمه الله تعالى جعل أقسام الموانع أربعة بجعل خيار الرؤية والعيب مما يمنع لزوم الحكم لتمكن المشتري من الفسخ فيهما بعد ثبوت الملك في البدلين. تنبيهات: 1 - أن الشرط لما عرف أن عدمه مانع فأما مانع للسبب كالقدرة على التسلم عدمها ينافي حكمه البيع وهي إباحة الانتفاع أو مانع للحكم كالطهارة للصلاة ينافي عدمها حكمه الصلاة وهي تعظيم الباري تعالى. 2 - الحكم وحكمته متلازمان فكذا منافاته مع منافاتها لأن تفيض الملزوم من الطرفين فلذا يعتبر المنافاة مرة بين الحكمين ونارة بين الحكمتين وأخرى بين القسمين المختلفين.

القسم الثالث في المحكوم فيه

3 - أن المانع للسبب بقسيمة ليس من تخصيص العلة في شيء فوجود متفق عليه في العلل المنصوصة والمستنبطة إما المانع للحكم فالمختار عدمه فيهما وفيه خمسة مذاهب أخرى سنفصلها إن شاء الله تعالى. القسم الثالث في المحكوم فيه وهو فعل المكلف وفيه مباحث: الأول: شرط المطلوب الإمكان فلا يجوز تكليف ما لا يطاق عند المحققين وهو مذهب الغزالي رحمه الله تعالى، والمعتزلة خلافا للشيخ الأشعري وجماعة فمنهم من جوز وقوعه أيضًا وتحريره أن المحال يطلق على ثلاثة: 1 - الممتنع بالذات كإعدام القديم وقلب الحقائق والحق أنه لا تكليف به اتفاقا. 2 - الممتنع بالغير كالمفقود لازمه أو شرطه العقلي ويكلف به اتفاقا. 3 - الممتنع العادي وهو ما لا يتعلق به القدرة الكاسبة للعبدة عادة وهو المبحث. وقيل: القسم الثاني أيضًا من محل النزاع وهو المناسب لأدلة الخصم وقبل الأول هو المناسب لأدلتنا وأجوبتنا. لنا: العقل والنقل: أما الأول: فلأن استدعاء حصول المستحيل لا يليق من الحكيم وإن جاز فليس مبنيًا على وجوب رعاية الأصلح على الله تعالى وامتناع إسناد ما هو قبيح في علمنا كما عند المعتزلة بل لأنه لا يناسب حكمته وهذا يمنع الوقوع فقط كذا ظن. وأقول: بل والجواز لأن الوجوب بمقتضى الحكمة والوعد والفضل لا يمنعه كما أن الإيجاب يتخلل الاختيار لا يمنعه. وقيل: ولا يجوز مطلقًا لتوقفه على تصور حصوله مثبتًا في الخارج فإذا انتفى والفرق بينهما تجويز الحسن والقبيح العقلين في الجملة عندنا وإن لم يكن موجبًا فإنه إما مدرك أو عاجز لا مناف مقنض لنقيض حكم الله تعالى لأن العقل من حججه التي لا تتناقض والممتنع في المستحيل ليس مطلق تصوره بل تصوره مثبتًا ولا مطلقًا بل في الخارج لأنه المستحيل إذ هو تصور الأمر على خلاف حقيقة كأربعة ليست بزوج. وأما النقل فقوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: من الآية 286) {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: من الآية 78) ونحوهما وكل ما أخبر الله تعالى بعدم وقوعه يستحيل وقوعه وإلا أمكن كذبه وإمكان المحال محال فهذ إليس دليلًا على عدم الوقوع فقط كما ظن، نعم كل دليل على عدم الجواز دليل عليه كما أن دليل الوقوع دليل الجواز قالوا في الجواز فقط أفعاله غير معللة بالأغراض حتى يمتنع عند عدمها

قلنا معللة بالمصالح كمنافع العباد لاقتضاء حكمته وليس ذا غرضا ولهم في الوقوع وجوه: 1 - تكليف العصاة كإيمان أبي جهل وقد علم الله كذلك وخلاف معلومه ملزوم جهله المحال. 2 - أنه أخبر بعدم وقوعه في قوله تعالى {لَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة: من الآية 6) وخلافه ملزوم كذبه المحال. 3 - تكليف من علم بموته قبل التمكن الحقيقي كمن مات وسط وقت الموسع وكذا من نسخ عنه قبل التمكن في الجملة كما قبل الموت فإن الامتثال يمتنع منهما. 4 - أن الاستطاعة تقارن الفعل والتكليف الذي هو طلبه قبله فلا قدرة حال التكليف. 5 - أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فهم مجبرون عليها بلا قدرة ولذهاب الشيخ إلى هذين الأصلين نسب تكليف المحال إليه وإلا فهو لم يصرح به والنسبة بهما إلى هذا العظيم ضعيفة إذ لا تقتضينها فإن مناط التكليف الإمكان بمعنى صحة تعلق قدرته الكاسبة بإيقاعه عادة وهي بالقدرة المفسرة بصحة الآلات والأسباب إجماعًا لا الاستطاعة الحقيقية وإلا لكان كل تكليف تكليفًا بالمح لأن الفعل معها واجب فطلبه طلب إيجاد الموجود وهو تكليف محال لأن الطلب يقتض مطلوبًا غير حاصل لأنه تكليف بالمح كما ظن وبدونها ممتنع والتعميم باطل إجماعًا لأن من جوزه لم يعمم ولزم أن لا يعصى أحد لأنه إذا لم يأت بالمأمور لم يكلف به حاصل وبذا يندفع أيضًا أن الفعل بدون علته التامة ممتنع ومعها واجب فلا تكليف إلا بالمحال ولأن قوله بأن الأفعال مخلوقة لله تعالى مبنى على أن ترجيح الاختيار من جانبه لا كما قال الجهمية من أن أفعال الحيوانات كحركات الجمادات فيكون امتناع أحد الطرفين بالغير ونحن مساعدون على التكليف بمثله والجواب عن باقي الأدلة أن الأول منقوض بما اتفقوا على إمكانه لاقتضائه أن لا يكون مكلف به ممكنًا لتعلق علم الله بأحد طرفي كل ممكن ومناقض كالثاني بأن علمه تعالى وإخباره مرادا بهما تعلقهما بفعل العبد اختياريًا وبعدمه مع اختياره في الإيقاع مسلم ولا ينافي قدرته بل يحققها واجبًا ممنوع لأنهما تابعان المعلوم والمخبرية بمعنى أنهما حاكيان لهما ولكيفيتهما ولذا يحققان الاختيار لا بمعنى وقوعهما بعدهما حتى ينافيه القدم ويصح الحكاية لأن الكل مشهود له كالمحسوس. لنا: كيف ولو لم يتبعهما لزم الجبر وقد مر نفيه ولئن سلم فالممتنع بالغير ليس محل النزاع وإلا لزم تعميم الامتناع والثالث يندفع بما مر أن الشرط الامكان

تتمة في تقسيم القدرة وأحكام قسمتها

بالنسبة إلى مرضحة كسب المكلف ولهم سادس منه يفهم تجويزهم التكليف الممتنع لذاته وهو أبا جهل مكلف بالإيمان أي بتصديق جميع ما جاء به الرسول فيكون مكلفًا بالتصديق في عدم التصديق بشيء لقوله تعالى: {لَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة: من الآية 6) وهو محال لأنه ملزوم الجمع بين النقيضين وهما التصديق في الجملة وعدمه أصلًا ولأن ذلك التصديق ملزوم لعدم التصديق أصلًا وهذا معنى أن التصديق يستلزم التكذيب في عدم التصديق أصلًا لأن وقوعه يقتضي كذب الخبر وإلا كان الوجه الثاني وإنما استلزم التكذيب لأنه إذا صدق فقد علم بتصديقه وجزم بكذب الخبر بعدم التصديق أصلًا والجزم بالكذب تكذيب والجواب أن الإيمان في حق كل مكلف التصديق في الجميع إجمالا وفي كل معلوم له تفصيلًا وذلك ممكن في نفسه متصور وقوعه من أبي جهل لجواز أن لا يكون مجيء الأخبار بعدم التصديق معلومًا له على التفصيل وعلم الله تعالى وإخباره للرسول لا ينافي ذلك كما مر فهو كقوله تعالى لنوح عليه السلام {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} (هود: من الآية 36) ولئن كان معلومًا لا يخرج أيضًا عن الإمكان بل كان من قبيل ما علم المكلف امتناعه منه بالغير ومثله جائز غير واقع لانتفاء فائدة التكليف وهي الابتلاء بالعزم على الفعل أو الترك ولا عزم لأنه الجزم بعد التردد ولقائل أن يقول إن الإيمان أن كان التصديق في الجملة لم يلزم من التكليف بالإيمان التصديق بكل وبهذا النص وإن كان التصديق بكل كان نفيه في لا يؤمنون رفع الإيجاب الكلي لا السلب الكلي فلا ينافيه التصديق بشيء وهو هذا النص فليس هذا الدليل هائلًا كما ظن. تتمة في تقسيم القدرة وأحكام قسمتها القدرة التي هي شرط سابق للتكليف وهي سلامة الآلات والأسباب كما مر مفسرة ما يتمكن به العبد من أداء ما لزمه من غير حرج غالبًا قيد به ليخرج الحج بلا زاد وراحلة فإنه نادر وبلا راحلة فقط كثير أما بهما فغالب كالجذام والمرض والصحة وهي شرط لوجوب الأداء لا لنفس الأداء لوجوب تقدم الشرط. أما القدرة الحقيقية فعلة تامة لا شرط ولذا يقارنه ولا لنفس الوجوب بل شرطه السبب والأهلية لأن المقصود الأداء فلما أمكن انفكاك وجوبه عن نفس الوجوب لم يكن إلى اشتراطها له حاجة ولأنه جبري ولذا يتحقق في النائم والمغمي عليه إذا لم يؤد إلى الحرج ولا قدرة لا يقال نفس الوجوب لا ينفك عن التكليف المستلزم للقدرة فكيف

تقسيمها: أنها نوعان

ينفك عن لازمه لأنا نقول معنى اشتراط التكليف بها أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يستطعه عند إرادة أحداثه فهذه القدرة لا تلزم التكليف مطلقا بل حالتئذ ولئن سلم فعدم انفكاك نفس الوجوب عن القدرة لا يقتض اشتراطها فيه فلا يشترط للقضاء حتى إذا قدر في الوقت ثم زالت بعد خروجه بحث القضاء إما إذا فات بتقصيره فلأن القضاء مرتب على نفس الوجوب ولأن بقاءهما لا يشترط لبقاء الواجب كالشهود في النكاح ولذا يجب تدارك الفوائت في النفس الأخير بالإيصاء وينفى إثمها بعد الموت وليس تكليفًا بما لا يطاق لأنه ليس تكليفًا ابتدائيًا بل بقاؤه وهو أسهل إلا عند من أوجب القضاء بسبب جديد فيجعله تكليفًا ابتدائيًا فلا بد أن يشترطها وهذه ثمرة ذلك الخلاف قيل وفي تفريغ وجوب التدارك في النفس الأخير وبقاء الإثم على عدم اشتراط بقائها لبقاء الواجب ليشترط في القضاء بحث لأن اللازم من اشتراطه عدم بقاء الفعل ولم يبق بعد الموت لا بقاء الإثم ولذا يبقى فيما ثبت بالميسرة كماذا فرط في أداء الزكاة بعد التمكن فهلك يبقى الإثم ولأنه كما يشترط عند كون المطلوب نفس الأداء حقيقتها وعند كونه خلفه توهمها فليشترط في القضاء كذلك فليكلف توهم القدرة في النفس الأخير بناء على توهم الامتداد ليظهر في المؤاخذة. وأقول عن الأول: بقاء الإثم أثر بقاء الوجوب وإن لم يبق القدرة والاستدلال بالأثر على المؤثر طريق صحيح ولا نعلم عدم بقاء الفعل في حق الإثم ولذا وجب الايصاء والباقي في الميسرة إثم التقصير لا إثم الوجوب ولذا لا إثم عند عدم التقصير كما في المنقطع عن ماله. وعن الثاني: أن حكمنا بكفاية توهم القدرة عند طلب الخلف لايجابه مقام الأصل وبإقامة صحة أسباب الخلف مقام صحة أسباب الأصل للاحتياط في الامتثال بقدر الامكان والإثم في الآخرة لا يتعلق به لا الطلب ولا الإيجاب ولا رعاية صحة الأسباب. تقسيمها: أنها نوعان مطلق وتسمى الممكنة وهي أدني ذلك فهي الأصل الذي شرط لوجوب أداء كل واجب بدنيا كان أو ماليًا وحسنًا لنفسه أو لغيره من غير اشتراط بقائه لبقاء الواجب ولذا لم يسقط الفطر بهلاك المال بعد وجوبهما وذلك عدل وحكمة من الله تعالى في التقويم ومنه في أصول فخر الإِسلام وليس ميلًا إلى جواز التكليف بدونها بل التوفيق أن اشتراطها عدل وإعطاءها فضل. فروع: 1 - من يعجز عن الوضوء كالمفلوج وليس له معين وقيل: إعانة الحر والمرأة كعدمها

وفي العبد روايتان أحديهما لأنه كيده أو يتضرر بزيادة مرضه أو ينقص ماله فاحشًا كضعف القيمة أو عدم دخوله تحت التقويم يتمم. 2 - يعتبر حال المصلي عند أدائها قائمًا أو قاعدًا أو موميا ولاعتبار حاله عند الأداء لم يتعين أحد الحالات عند فواته في حق القضاء فاعتبر حال القضاء قائمًا أو قاعدًا أو موميًا وحكم بالخروج عن العهدة اعتبارًا لحكايته في مطلق القدرة لا في القدرة المكيفة لا لأن القدرة بشرط للقضاء أيضًا فلا إشكال. 3 - أعتبر الزاد والراحلة في الحج من الممكنة لأن غالب التمكن بهما فبدون الزاد بادر وبدون الراحلة كثير لا غالب وإنما لم يعتبر توهم القدرة بالمشي فيه مع صحة النذر به بخلاف الصلاة لأنه فيه مفض إلى التلف ولا خلف له ينفي بما أشرفه الحرج وفيها مفيد ليظهر أثره في خلفه ولذا لم يعتبر في الزاد والراحلة الإباحة مثل القدرة المالية بخلاف الوضوء لأن صفة العبادة فيه غير مقصودة والمقصود الطهارة كيفما حصلت. 4 - يسقط الزكاة بهلاك النصاب بعد الحول قبل التمكن من الأداء إجماعا كالمنقطع عن ماله ومن لم يجد المصرف إما سقوطه بعد التمكن فبناء على التيسير. 5 - يلزم الأداء على من صار أهلًا للصلاة في آخر جزء الوقت كمن أسلم أو بلغ حث لم يبق من الوقت إلا ما يسع فيه كلمة الله عندهما وعند أبي يوسف الله أكبر أو طهرت لتمام العشرة وقد بقي ما يسع التحريمة أو قبله ببقاء وقت يسع الغسل والتحريمة حتى يقوم لزوم حكم من أحكام الطاهرة مقام الطاهرة وعند زفر رحمه الله تعالى أن أدرك وقتًا صالحًا للأداء وإلا فلا إذ لا قدرة بالعنين جميعًا واحتمال امتداد الوقت كما كان لسليمان عليه السلام لا يكفى لصحة التكليف لبعده وقدرته بل هو أبعد من الحج بدون الزاد والراحلة والصوم للشيخ الفاني والقدرة على الأركان للمدنف والمقعد وعلى الإبصار للأعمى. قلنا: أولًا اعتبار توهم القدرة ليس فيما يكون المطلوب أداؤه كما في تلك المسائل بل ليثبت وجوب الأداء ثم العجز عنه يخلفه خلفه كالوضوء التيمم وكمن حلف على مس السماء أو تحويل الحجر ذهبًا بخلاف الغموس فإن الزمان إن أعاده الله تعالى لم يبق ماضيًا. وثانيًا: اشتراط القدرة لوجوب الأداء فلئن سلم عدمها فالقضاء ليس مبنيًا عليه بل على نفس الوجوب كما في صوم المريض المسافر بل النائم والمغمي عليه.

النوع الثاني الكامل

وثالثا: القدرة المشروطة سلامة الأسباب وهي حاصلة في حق الأداء وفي الأخيرين بحث ففي الثاني أن وجوب القضاء للتكليف فلو بني على مجرد نفس الوجوب وليس القدرة شرطًا له لوقع التكليف بدون شرطه وإن وجوب الأداء أن تراخى عن نحو صوم المغمى عليه لكان الواقع بعد الوقت فيها أداء والإجماع على خلافه وكيف يقال بأن الخطاب المقيد بوقت يطلب به الأداء بعده وها هنا يظهر سر قول من قال بتلازم الوجوبين في حقوق الله تعالى بخلاف حقوق العباد فإن المؤدي بعد الأجل ليس قضاء. وفيه بحث: إذ لا يلزم من عدم صحة تراخي وجوب الأداء إلى ما بعد الوقت عدم صحته أصلًا لجواز تراتخيه إلى تضيق الوقت كما مر مع سائر أمثلته وفي الثالث أن الوقت الصالح من جملة أسباب الأداء فلا نعلم سلامتها وكان الحق أن وجوب الأداء لا يتوقف بعد نفس الوجوب حين يتضيق الوقت إلا على توهم فهم الخطاب باعتبار إمكان الانتباه ليترتب عليه وجوب القضاء لا على فهمه بالفعل وذلك يتحقق في نحو المريض والمغمي عليه كالناسي وفي مسألتنا غير متحقق إلا في الجزء الأخير لعدم الأهلية قبله وإن المعتبر في حق القضاء سلامة له بأنه لأسباب الأداء فالجواب هو الأول. النوع الثاني الكامل ويسمى الميسرة لتحصيلها اليسر بعد الإمكان فهي زائدة على الشرط المحض اشترطت لوجوب بعض الواجبات كرامة من الله تعالى لتصيره سهلًا، مع جوازه بدونها ولذا اشترطت في أكثر الواجبات المالية لكون أدائها أشق على النفس عند العامة ولتوقف وجوبه على تغيرها صفته صارت بمعنى علة لا يمكن بقاء المعلول بدونها إذ لولاها لم يبق اليسر وانقلب عسرًا فلا يبقى الوجوب بخلاف الرمل في الحج والشروط كالشهود في النكاح. فروع: 1 - يسقط الزكاة بهلاك النصاب بعد التمكن من الأداء عندنا خلافًا للشافعي (¬1) له أن الواجب بعد التقرر لا يسقط بالعجز كما في حقوق العباد وصدقة الفطر والحج، قلنا وجوب الزكاة بقدرة ميسرة ولذا خصصه بنصاب فاضل نام حقيقة أو تقديرًا وبربع العشر من نمائه مع بقاء أصله فلو قلنا ببقائها بعد هلاكه انقلب غرامة على أصله ولا يضر منعه ¬

_ (¬1) انظر / بدائع الصنائع للكاساني (2/ 22).

بل استهلاكه كمنع المولى العبد الجاني عن الدفع أو المديون عن البيع أو المشتري الدار المشفوعة عن الشفع حتى هلكت لا يضمن بخلاف منع الوديعة والرهن إذ لا بد غصب هنا بإبطال حق المالك كما في منع الوديعة أو اليد المتقومة كما في منع الرهن أما المستهلك فمتعد على الفقير لتعين حقه فيه ولذا يبرأ بهبة ذلك النصاب منه دون مال آخر وبهلاكه قبل التمكن فيعد باقيًا تقديرًا زجرًا على تعديه وردًا لما قصده من ابطال حق الفقير نظرًا له كما عد أصله ناميًا تقديرًا وإلا لأدى إلى عدم الزكاة أصلًا كالمستهلك عبده الجاني والصائم إذا سافر بخلافه إذا مرض وشرط انتصاب ليس للتيسير نظرًا إلي أن المكنة يثبت بدونه لأن نسبة ربع العشر إلى كل المقادير على السوية أو في الأقل أيسر بل هو شرط الأهلية كالعقل والبلوغ أو شرط وجوب الأداء لأن حسن الإغناء لا يتحقق غالبًا إلا بالغنى الشرعي كما أن أصله لا يتحقق من غير الغني كالتمليك من غير المالك وإلا لم يكن لدفع الحاجة بل لإحواج المؤدي وليس لكثرة حد معين فقدرة الشرع بملك النصاب والإيثار ممدوح لكنه نادر والغالب عدم الصبر عليه فالمراد بقوله عليه السلام "أفضل الصدقة جهد المقل" (¬1) تفضيل الموبد من عند الله بالصبر على الحاجة وايثار مراد العبر ولو كان به خصاصة وبقوله خير الصدقة ما يكون عن ظهر غنى تفضله لمن لا بصير على ذلك وقبل مراده غنى القلب حتى لا يتبعه بالمن والاستكثار فلا تمسك قائما لم يشترط بقاء النصاب لبقاء الواجب بل يبقى الباقي بعد هلاك بعضه يقسطه إما سقوطه بعد هلاك كله فلفوت اليسر يفوت النماء لا لعدمه. 2 - إذا اعتبر المؤشر بعد الحنث يكفر بالصوم لأن وجوب الكفارات بالميسر إذا للأيسر وإذ لم يعتبر للانتقال إلى الصوم أو الإطعام عدم القدرة في العمر وإلا لبطل أداؤهما إذ لا يتحقق العجز إلا في آخه كما في إن لم آت البصرة أو لم أتكلم، إما تخيير صدقة الفطر فصوري لا معنوي لتساويها معنى ومثله يراد لتأكيد الواجب لا للتيسير غير إن مال التكفير غير معين فأي مال إصابة بعد الحنث دامت به القدرة ولذا ساوى الهلاك الاستهلاك فيها إذ لم يكن اعتبار التعدي في غير المعين فصارت القدرة فيها كالاستطاعة في كونها معتبرة حال التكفير وحكمها كالزكاة في أن المال مع الدين كعدمه في الأصح ولذا يحل له الصدقة كماء المسافر المعد للعطش وفي آخر لا يجزيه التكفير بالصوم بخلاف الزكاة والفرق اشتراط كمال الغنى فيها للأمر بالاغناء كصدقة الفطر شكرًا ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

والكريم لا يوجب الشكر إلا لنعمة كاملة إذ القاصر له حكم العدم من وجه ولذا لا يتأدى إلا بتمليك عين متقومة لا بالإباحة ولا بتمليك المنافع والدين يسقط الكمال ولا يعدم الأصل والكفارات لم تشرع للإغناء بل إما سافرة لترقيع تمزيق لباس التقوى وذلك بالثواب الحاصل من معنى العبادة أو زاجرة لما فيها من معنى العقوبة ولذا تأدى بالتحرير والصوم والإباحة فالمعتبر فيها أدني ما يصلح لكسب ثواب تقابل به موجب اجداية لقوله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: من الآية 114) ولمعنى الإغناء في صدقة الفطر أيضًا لا يجب مع الدين وإلا فوجوبها لا بالميسرة فإنها تجب برأس الحر ولا غنى به وبالغنى بثياب البذلة والمعنى وبالحملة بنصاب ليس بتام ولو تقديرًا ولا يسر به وإنما لم يعتبر دين العبد الذي يؤدي عنه حيث وجبت لاحتمال الغنى بمال آخر والمعتبر فيها مطلق الغنى بأي مال كان بخلاف زكاة عبد التجارة فإن شرطها كمال الغنى يعين ذلك المال ولذا يسقط بهلاكه وإن كان له مال آخر. 3 - يسقط العشر بهلاك الخارج لوجوبه بالميسرة فإن قدرة آدائه تستغنى عن بقاء تسعة الأعشار ولم يجب إلا بأرض تامة بعين الخارج وكذا الخراج تسقط إذا اصطلم الزرع آفة فامتنع استغلال السنة لوجوبه بالميسرة ولذا إذا قل الخارج خط الخراج إلى نصفه فإن التنصيف عين التنصيف ويجب بأرض نامية لا سبخة ونحوها غير أن النماء التقديري بالتمكن من الزراعة كاف فيه لكون الواجب غير جنس الخارج وغير جزء منه مضاف إليه كالعشر فلا تحمل تقصيره عذرا في إبطال حق الغزاة، واعترض بعض الأفاضل على قولهم بقاء الميسرة شرط اتقاء الواجب وإلا انقلب اليسر عسرا بأن الكرامة تيسر لا يقتضيها تيسير آخر كالنصاب النامي وبقائه وإلا لأدى إلى إبطال الزكاة حتى لو هلك النصاب بعد خمسين سنة لسقطت زكاة الكل وبأن اليسر الحاصل بالحولان لا ينقلب عسرا بل غايته أن لا يترتب عليه يسر آخر، وجوابه أن المقصود وطول مكث الملك عند المالك ليس تعديا كما مر من أمثلته فما لم يؤد لا يحصل يسر واحد هو المقصود وهو الفائت بالهلاك ومعنى الانقلاب تحول الأداء من اليسر إلى العسر كانقلاب الوجود عدمًا ومن العجب عد البقاء يسرًا فلو صح ذلك لكان الحولان على أي مال كان نماء وليس كذلك والله الميسر لكل عسير، الثاني: حصول الشرط العقلي للمكلف به إن لم يمكن تحصيله للمكلف شرط للتكليف فينتفي التكليف بانتفائه وإن أمكن ليس شرطًا واللغوي سبب غالبًا إما الشرط الشرعي فحصوله ليس بشرط عند أكثر الشافعية

والعراقين من أصحابنا وشرط عند مشايخ ما وراء النهر كأبي زيد والسرخسي وفخر الإِسلام ومتابعيه وعند أبي حامد الاسفراييني والمسألة ليست على عمومها إذ لا خلاف في أن مثل الجنب والمحدث مأمور بالصلاة بل منزلة في جزئى منها وهو أن الكفار مخاطبون بالشرائع أي بفروع العبادات عملًا عند الأولين وليس كذا عند الآخرين وقال قوم من الآخرين مكلفون بالنواهي لأنهم أليق بالعقوبات الزاجرة دون الأوامر والأول هو الصحيح من أصحابنا وأصحاب الشافعي (¬1) ولا خلاف في إنهم مخاطبون بأمر الأيمان لأنه مبعوث إلى الكافة وبالمعاملات لأنهم أليق بمصالح الدنيا حيث آثروها على العقبى وبالفروع في المؤاخذة الأخروية بترك الاعتقاد وفي عدم جواز الأداء حال الكفر وفي عدم وجوب القضاء بعد الإِسلام وإنما الثمرة زيادة العقوبة بتركها عليها بترك الاعتقاد لقوله تعالى {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} (الفرقان: من الآية 68 - 69) الآية وما قبل من فرض المسألة الكلية في الجزئية لا بد أن ديدن مألوف تسهيلا للمناظرة كما يقرض أن وجود الممكن زائد على ماهيته في وجود المثبت فلا يردان القاعدة لا تثبت بمثال جزئى لأنه لغرض يسهل مع اتحاد المأخذ ولا سيما فيما نصح فيه التمسك بعدم القائل بالفصل مشعر كليتها باقية على الخلاف وليس كذلك بالإجماع ومنه يعلم عدم إفادة تمسك الأولين بأنه لو كان شرطًا لم يجب صلاة على محدث وجب ولا هي ولا الله أكبر قبل النية ولا اللام قبل الهمزة مع وجوبها بكل جزء وجزء جزء بل الأوجه تمسكهم بوجوه: 1 - عموم النصوص الموجبة للأعمال والعقاب على تركها مع أن الكفر لا يصح مانعًا لإمكان إزالته إذ النسبة كالحدث ولا داعيًا إلى التخفيف ويتحقق المقتضى وانتفاء المانع يتم الأمر. 2 - الآيات الموعدة بتركها نحو قوله تعالى عن الكفار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (المدثر:42 - 43) لا يقال قولهم ليس بحجة بلو أن كذبهم لأنهم لو كذبوا لكذبوا فإن قيل غير واجب كم إلي نحو قوله تعالى {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} (النحل: من الآية 28) قلنا: يستبد العقل بدرك كذبهم ثمه دونه هنا وللاجماع على أن ¬

_ (¬1) انظر / المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 316 - 332)، المستصفى لحجة الدين الغزالي (1/ 91 - 93)، إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 206 - 211)، نهاية السكل للإسنوي (1/ 369 - 383)، حاشية التلويح على التوضيح (1/ 213 - 215)، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 67 - 71).

المراد تصديقهم فيما قالوا وتحذير غيرهم لأن العذاب بمجرد التكذيب بيوم الدين لأنه سبب مستقل فلا يحال على غيره إذ لا توارد لأن العذاب لو لم يترتب على الكل للغي سائر القيود وكلام الله منزه عنه ولا توارد لأن المرتب عليها زيادة لا يفسد إذا لتوارد جائز في العلل الشرعية لكونها إمارات لأن المصلين بمعنى المؤمنين كما في قوله عليه السلام "نهيت عن قتل المصلين" (¬1) كيف ومنهم من يصلى ويتصدق ويومن بالغيب لأن الأصل الحقيقة ولأن قوله تعالى {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} يلغو حينئذ ولا تماثل بين الصلاتين فكيف يتناولهما لفظ مع أنه يعم العموم المتيقن لخروجه جوابًا عن المجرمين وكقوله تعالى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت: من الآية 6 - 7) على ما علم من مقتضي ترتيب الحكمَ على المشتق وعلى المقيد وحملهما على نفى الاعتقاد لوجوب الصلاة والزكاة كما قاله الزجاج أو القول بأن معنى لا يؤتون الزكاة لا يز كون أنفسهم بالإيمان كما قاله الحسن خلاف الظاهر ولتخصيهم من العمومات لا يصار إليهما إلا لدليل صحيح. 3 - أن الكفار مكلفون بالنواهي لوجوب حد الزنا عليهم فكذا بالأوامر بجامع حصول مصلحة التكليف ورد تارة يمنع إنهم مكلفون بالنواهي ووجوب حد الزنا لالتزامهم الأحكام لا لحرمته ولذا لا يحد الحربي مطلقًا ولا إلزامي بذميته إلا عند الترافع ولا رحم مع الكفر ويجوز أن يحد أحد على المباح عنده كإقامة الشافعي على الحنفي الشاري للتقيد وأخرى بالفرق بأن اجتناب الكافر عن المناهي ممكن الامتثال بالواجبات لأنها عبادة وذلك لأن النية لا تعتبر مع الترك كإزالة الخبث وبه يتحقق دليل المذهب الثالث. والجواب عن الأول: أن عموم الخطابات يقتض اندراجهم تحت القسمين وإذا خص الواجبات لعدم أهليتهم للعبادة بخلاف العقوبة بقي المناهي على الأصل وعدم حد الحربي لتقسيماته ووجوب الترافع للثبوت وذلك لأن جواز العقوبة على المباح عند الفاعل غير مسلم. وعن الثاني: بأن الانتهاء على قصد إلامتثال بدون النية بل وبدون الأيمان متعذر والممكن صورته ولا عبرتهما مع إنها مشتركة بين القسمين وإلا أنيط بها الثواب، ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 224)، والدارقطني قى سننه (2/ 54)، وأبو داود (4/ 282) ح (4928)، والطبراني في الأوسط (5/ 194) ح (5058)، وأبو يعلى في مسنده (9011) ح (90)، والطبراني في الكبير (18/ 26) ح (44)، والبيهقي في الشعب (3/ 35) ح (2798)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 917) ح (963).

وليس أهلًا له بخلاف الترك الحسي من نحو إزالة الخبث، وللطائفة الثانية أن المترتب على كل من الفعل والكف أولا وبالذات هو الثواب والكافر ليس أهلًا له والشيء يفوت بفوات مقصوده وإذا انتفى العقاب بمخالفتهما المترتب ثانيًا وبالعرض وهذا إسقاط لهم عنه غير الخطاب وتغليظ بأخراجهم عن الأهلية لا تخيف كان لا يأمر الطيب العليل بشرب الدواء وهذا هو المقتض للعدول عن الظاهر بالوجهين السابقين فإن الجمع بين الأدلة أولى بقدر الإمكان على أنه مؤيد بقوله عليه السلام "فإن أجابوك فأعلمهم بأن الله تعالى فرض عليهم خمس صلوات (¬1) " الحديث فإن المعلق بالشرط عدم قبل وجوده وأقول في الجواب أن اندراجهم تحت الخطابات من حيث الثواب بالموافقة وإن امتنع فلم يمتنع من حيث العقاب بالمخالفة والكلام فيه فوجب العمل بالعموم والحقيقة في ذلك المقدار ولذا عوقبوا بترك اعتقاد الفروع اتفاقًا مع أن الأمر به لنيل الثواب وحديث الإسقاط عن غير الخطاب منقوض بخطاب الإيمان الذي هو أصل السعادات فكيف بتوابعه وبخطاب المعاملات كيف والنص مملوء بخطابهم والمعلق بالشرط في الحديث هو الأمر بالاعلام لنس الفرضية إما الاستدلال بأنهم لو كلفوا لصحت لأن الصحة موافقة الأمر أو لأمكن الامتثال لأن الإمكان شرطه حالة الكفر لا يمكن منه وبعده أي حاله الموت لا يمكن أيضًا لسقوط الخطاب أو لوجب القضاء ولا يجب فاسدًا ما الأول فلأن حالة الكفر ليست قيد للفعل في مرادهم بل للتكليف به مسبوقًا بالإدمان كالجنب والمحدث قبل أساس العبادات لا يثبت تبعًا لوجوب الفروع فإن قوله لعبده تزوج أربعًا لا يثبت الحرية قلنا مع أنه مما يحتاط في إثباته ويجتهد في إعلائه بخلاف المستشهد بها لا نثبته في صمته بل بأوامر المستقلة فيه واشتراطه لا لإثباته بل لترتيب العقاب الملايم لعدمه وإما الثاني فلإمكانه حالة الكفر يسبق الإيمان لا يقال هو كافر حينئذ فلو كان ممكنا اجتمع المتنافيان لأن نفيه ضرورة بشرط المحمول فلا يتنافي الامكان الذاتي وإما الثالث فلجواز سقوط القضاء في حقهم لقوله تعالى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (الأنفال: من الآية 38) وإما أن القضاء بأمر جديد إن سلم فلا يجدي لأن القائلين بمخاطبتهم بالفروع لا يفضلون بين أمر الأداء والقضاء قال شمس الأئمة لا نص من علمائنا ينافي هذه المسألة بل استدلوا على الخلاف بين الشافعي وبين علماء ما وراء النهر من أصحابنا بهذه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2/ 505) ح (1331)، ومسلم (1/ 50) ح (19).

المسائل: 1 - أسلم المرتد لا يلزمه قضاء صلاة الردة خلافًا له. 2 - صلى في أول الوقت فارتد فأسلم والوقت باق الأداء خلافًا له. 3 - أن الشرائع ليست من الإيمان عندنا خلافًا له والكل ضعيف وأن سقوط القضاء بقوله تعالى {إِنْ يَنْتَهُوا} (الأنفال: من الآية 38) الآية وبطلان المؤدي بقوله {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: من الآية 5) والشافعي رحمه الله شرط في الإحباط الموت على الكفر حملًا للمطلق على المقيد في قوله تعالى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} البقرة: من الآية 217) وأنهم مخاطبون بالعقوبات والمعاملات مع أنها ليست من الإيمان إجماعًا فلا يكون تفريعنا منتظمًا ثم قال فالاستدلال الصحيح على أن الردة تبطلِ وجوب الأداء أن من نذر بصوم شهر ثم ارتد ثم أسلم لا يجب عليه وقوله تعالى {يُغْفَرْ لَهُمْ} (الأنفال: من الآية 38) في حق السيئات ونذر الصوم من الحسنات قبل النذر من الأعمال ولذا يترتب عليه الثواب والعقاب فبطلانه بقوله {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: من الآية 5) قلنا احاط الردة النذر من حيث إنه عمل مقرر لمنافاتها العمل فكيف يتوجه الخطاب به معها، توضيحه أن الآية لما دلت على إنهم غير مخاطبين بقوله تعالى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (الحج: من الآية 29) دلت على عدم الخطاب بسائر الشرائع إذ لا قائل بالفصل وبذلك يجاب عن انه لا يلزم من عدم الخطاب بالردة عدمه بالكفر الأصلي والجواب منع أن دلالة الآية على عدم المخاطبة بإيجاب النذر بل على المخاطبة بإحباطه، الثالث: كل مكلف به فعل ففي النهي كف النفس خلافًا لأبي هاشم وكثير، لنا: أن القدرة مع الفعل لأنها عرض لا تبقي زمانين فلو تقدمت لعدمت عنده فهي مفسرة بالحالة التي يكون الفاعل عليها عنده فلا يكون عدم الفعل مقدورًا أو على هذا لا يردان استمرار العدم يصلح أثرًا وأنه يكفى في كونه أثرًا أن الفاعل لم يشاء فعله فلم يفعل ووجوب أن يفعل شيئًا مصادرة فلا حاجة إلى الجواب عن الثاني بأن عدم المشبه متحقق في الموجب بالذات مع أن عدم الفعل ليس أثرًا للقدرة فيه اتفاقًا مع أنه غير تام لأن المراد عدم المشبه عمن من شأنه. للمخالف أن القدرة سابقة وتعلق الحادث بها لأنها كالباقي المستمر الوجود فهي مفسرة بمبدأ الآثار المختلفة أو بصفة تؤثر وفق الإرادة فنسبتها إلى الطرفين على التسوية فالعدم مقدور وعندي أن مذهبنا مبني على أن المكلف به في النهي لو لم يكن كف النفس عند الباعث بل عدم الفعل لكان مكلف مثابًا كل لمحة بعدم المناهي اللامتناهي وهو خلاف

تقسيم المحكوم فيه على سوق أصحابنا

الإجماع وذلك لأن منا من قال ببقاء بعض الأعراض، الرابع أن التكليف بالفعل ويعني به أثر القدرة التي هي الأكوان لا التأثير الذي هو أحد الأعراض النسبية ثابت قبل حدوثه اتفاقًا في الأصح وينقطع بعده إلا عند البهشمية وهو واضح وأورد لو انقطح انعدم الطلب القائم بذات الله تعالى وصفاته أبدية وورد بأن كلامه واحد والتعدد في العوارض الحادثة من التعلق ككونه أمرًا أو نهيًا وانتفاؤها لا يوبا انتفاء وباق حال حدوثه عند الأشعري خلافًا للمعتزلة والإمام وليس نزاع الشيخ أن تعلق التكليف بالفعل لنفسه إذ لا انقطاع له أصلًا ولا أن تنجيز التكليفى باق لأن التكليف بإيجاد الموجود محال لأنه طلب يستدعي مطلوبًا غير حاصل لأنه تكليف بالمحال كما ظن وليس أيضًا لا تنجيز التكليف إلا حال الحدوث كما نقض المتأخرون بأنه المذهب للشيخ لما ذكر ولانتفاء فائدة التكليف وإن كانت لابتدائه وهو الابتلاء لأنه عند التردد في الفعل والترك وليس هذا النزاع أيضًا مبنيًا على أن القدرة مع الفعل عنده لا عندهم كما زعم والألم يثبت التكليف قبله عنده وهذا لا يرتضيه عاقل للإجماع على أن القاعد مكلف بالقيام إلى الصلاة ولأنه طلب وإن فائدته عند التردد وأن لا معصية حاصلة وليس من لوازم كون القدرة الحقيقية مع الفعل كون التكليف معه بل بجب كون المطلوب بعد الطلب فالحق أنه مبنى على أن التكليف باق عند التأثير اتفاق لكن التأثير عين الأثر عنده سابق عليه مولد له عندهم إما سن الإله بأن الفعل الذي هو أحد الأكوان أثر القدرة اتفاقًا فعندهم لأن القدرة الحادثة مؤثرة وعنده كاسبة وإن لم يكن مؤثرة والأثر يستند إلى الكاسبة وتأثيرها كسبها فيوجد معها لأن الضرورة قاضية بأن كون الشىء أثر الأخران يوجد بوجوده ويرتفع بارتفاعه وما يتوهم من الآثار بخلاف ذلك كأكوان الحركة فالسوابق معدات لقبول اللواحق وإذا كان مقدورًا كان مكلفًا به لعدم مانعه وهو عدم القدرة فليس تامًا إذ لا نعلم حصر المانع ولعله طلب إيجاد لموجود أو انتفاء الابتلاء أو غيرهما. تقسيم المحكوم فيه على سوق أصحابنا هو من وجوه: 1 - أن تكليف الله تعالى إيجاب الامتثال لإحكامه فكل عمل من هذه الحيثية عبادة مطلقًا أما إذا اعتبرت خصوصياته فإن كان المقصود الأولى منه الإقدام على ما ينبغي تعظيمًا للجناب الإلهي شكرًا على نعمه وتحصيلًا للثواب الأخروى استجلابًا لمزية كرمه سمي عبادة وإن كان الإحجام عما لا ينبغي عبرة خاصة له أولًا وعامة لبني نوعه ثانيًا سمى

مزجرة وعقوبة وإن كان غيرهما فمعاملة سواء كان للغير مدخل في انعقاده كنحو البيع والنكاح أو في وجوده كنحو الطلاق والقضاء وعلامتها كونها مناطًا للنفع الخاص ببعض العباد لا مشتركًا بين النفعين كالقصاص وحد القذف ولا نفعًا عامًا كغيرهما فشرعية المعاملات لإصلاح ما بين الناس وشرعية العبادات لإصلاح ما بينهم وبين الله تعالى وكذا شرعية المزاجر إل في تينك المزجرتين ففيهما كلتا المصلحتين. 2 - أن معنى التعبد الترغيب في التوجه إلى الله تعالى والإعراض عما سواه وذلك إما بالقلب وهو في الاعتقادات الخمس وقسيمتها لاعتبار المباشرة في العمل وإما بالبدن وأجزائه إذا أطاعت النفس وارتفع المانع وهو الطالق غير أن إطاعتها وهي أمارة بقهرها ببذل شقيقها الكلي كالمال وهي الزكاة أو ترك شقيقها الجزئي وهي المشتبهات الحالية إما دفعة وهو الصوم أو التدريج التعويد له وهو الحج ودفع المانع بالجهاد. 3 - معنى العقوبة التنفير عن التوجه عن الله والإقبال إلى ما سواه وذلك لا يظهر إلا بالتعدي وإلا فنعم المال الصالح للرجل الصالح لإعانته على التوجه إلى الله فهو كالأفعى يصلح ترياقًا وسمًا عند القدرة على استعماله والتعدي إما على الدين وله مزجرة خلع البيضة كالقتل مع الردة وهو في مقابلة الاعتقاد وإما على النفس وأجرائه ومزجرته القصاص وهو في مقابلة الصلاة وإما على شقيقها الكلي ومزجرته حد السرقة الصغرى أو الكبرى وهو في مقابلة الزكاة أو على شقيقها الجزئي الحالى ومزجرته حد الزنا وهو في مقابلة الصوم أو التدريجي بسلب العقل ومزجرته حد الشرب ولذا كان أم الخبائث وهو في مقابلة الحج أو على العرض المفضى إلى التقاتل بين المسلمين ومزجرته حد القذف وهو في مقابلة الجهاد والله أعلم بسرائر شرائعه. 4 - أن الله غني عن العالمين لكنه حكيم لا يخلو فعله عن مصلحة وإن قلنا بأن فعله غير معلل بالغرض فإن الغرض من الشيء ما لا يمكن تحصيله إلا به والمصلحة أعم منه فمصلحة التكليف ليست عائدة إليه لغناه بل إلى العباد فإن كان نفع الشرعية عائدًا إلى كلهم يسمى حق الله تعطمًا له كجميع العبادات وإلا فحق العبد كجميع المعاملات وإما المزاجر فمن الأول خاصة إلا المذكورتين المشتركتين. 5 - المشروعات إما حقوق الله تعالى خاصة أو حقوق العباد خاصة وإما اجتمعا وحق الله غالب أو بالعكس إذ لا وجود لما تساويا فيه. 6 - أن حق الله تعالى لا يخلو عن أحد معان ثلاث الشكر على نعمه والزجر عن

نقمه والتسبب لبقاء كرمه فالثالث معنى المؤونة والثاني معنى العقوبة والأول معنى العبادة إن ثبت في ذمة وإلا فحق قائم بنفسه والمعاني الثلاث إما أن يعتبر فرادى أو مركبًا والمؤونة المنفردة من حق العباد بقي العبادة والعقوبة منفردتين وتسميان خالصتين والمركب ثلاثيًا مطلقًا وثنائيًا على التساوي غير موجود وعلى التفاوت بالغلبة يكون ستة واحد منها وهو الغالب عقوبته على المؤونة غير موجود يبقي ثمانية واحد منها وهو العقوبة الخالصة جعلت قسمين كاملة وقاصرة لتميز حكميهما حصل بالاستقراء تسعة: 1 - عبادة خالصة كالجهاد. 2 - عقوبة خالصة كالحدود. 3 - قاصرة كحرمان الميراث. 4 - عقوبة يتضمن العبادة ككفارة الطهارة والفطر. 5 - عكسه كسائر الكفارات. 6 - عبادة يتضمن الموونة كصدقة الفطر. 7 - عكسه كالعشر. 8 - موونة تتضمن العقوبة كالخراج. 9 - حق قائم بنفسه كالخمس. أما العبادات فأما الإيمان أو فرعه ولكل منهما أصل وملحق به وزوائد في التصديق في الإيمان أصلٌ محكم لا يحتمل التبدل والإقرار ملحق به وكانت دالة إلى تقلب ركنًا في أحكام الدنيا والآخرة حتى جعل مدار الحكم الظاهر وقد مر ولذا اعتبر إيمان الحربي أو الذمي المنكرة فيه لإرادته إذ لم يجعل الإقرار ركنا فيها وإلا كان سعيا في إثبات الكفر والإِسلام يعلو ولا يعلى عليه بل ركنها تبديل الاعتقاد ولذا بكفر المرتد بقلبه وتبين أمر أنه فيما بينه وبين الله تعالى فالإقرار دليل مجرد فيها فعارضه قيام السيف وزوائده قبل تكرار الشهادة وقيل: الأعمال والأصل في الفروع الصلاة لأنها شرعت شكرا لنعمة ظاهر البدن فق تقلباته بأركانها التي هي روحها وبالجملة هى أجمع عبادة لدلائل التعظيم ولذا كانت عماد الدين وتالية الأيمان وقرة عين الرسول لكنها دونه لتوسط الكعبة ولذا صارت من الفروع، ثم الزكاة إما الفرعية نعمة المال وإما لأن لواسطتها ضرب استحقاق فكانت دون الصلاة في الخلوص لاستحقاق الكامل كما ظنه الشافعى رضي الله عنه حيث جوز للفقير أن يأخذ مقدار الزكاة من المال إذا ظفر به والملحق بها لأنه وسيلة إليها إذ بها يتم

روحها ولأن واسطه النفس وهي دون الأولين في المنزلة لاستحقاقها القهر لا الإعزاز وفوقهما في كونها مقصودة لأنها أعدى العدى حتى صار من الجهاد، ثم الحج لأنه عباده هجرة عن المرافق والأوطان وانقطاع عن اللذات والإخوان لزيارة بيت الرحمن لا تقوم إلا ببقاع معظمه وأوقات مشرفة بها تنقاد جموح النفس وينطاع للصوم فكأنه وسيلة إليه والعمرة سنة متابعة له، ثم الجماد كان فرض عين لإعلاء الدين ثم صار لانكسار شوكة المشركين كفاية تحصل ببعض المسلمين ولأن الواسطة كفر الكافر لم يكن عبادة أصلية فكانت دونها والزوائد هي السنن والآداب ومن جملتها الاعتكاف المشروع لإدامة الصلاة بحقيقة الأداء أو حكمه بالانتظار ولذا اختص بالمساجد وصح النذر به وإن لم يكن قربة من جنسه لأنه نذر بالصلاة معنى، وإما العقوبة الكاملة فكحد الزنا والسرقة وشرب الخمر شرعت لصيانة الإنساب والأموال والعقول ولكمال الجنابة والقاصرة كحرمان الميراث بالقتل إذ لا يتصل ببدنه ألم ولا بماله نقص بل مجرد منع عن التمول ويسمي اجزية لقصورها فإن الجزاء كما يطلق على العقوبة يطلق على المثوبة والبالغ الخاطئ يلزمه هذا الجزاء القاصر لتقصيره في التثبث لا الكامل وهو والقصاص لخطأه ولا الصبي إذ لا يوصف بالتقصير السبب عندنا كصاحب الشرط والسبب فإن التسبب وهو اتصال أثر الفعل يتناولهما كحافر البئر وواضع الحجر والقائد والسالق تلف بها المورث والشاهد على مورثه بالقتل فقتل ثم رجع خلافًا للشافعي لأنه قتل بغير حق بالخطأ ولذا وجبت الدية قلنا قوله عليه السلام: "إلا ميراث لقاتل" بعد صاحب البقرة ترتيب على القتل وهو المباشرة أي اتصال نفس الفعل فلا يصح قياس ما دونها لإثبات العقوبة والدية بدل المحل وتلفه بأمرين علي لفط واحد، وإما العبادة المتضمنة للعقوبة فككفارة القتل واليمين وقتل الصيد عبادة أداء لتأديتها بالصوم والتحرير وإطعام المساكين ولذا يشترط فيها النية ويجب بطريق الفتوى ويومر بالأداء ولا تستوفى كرها وجزاعًا وجوبًا ولذا سميت سائرة للذنب ولا مبتدأة بل بأسباب فيها معنى الحظر فجهة العبادة كما ترى غالبة ولدور إنها بينهما لم تجب على الكفار والصبي واشترط في سببها الدواران بين الحظر والإباحة كالقتل الخطأ والمنعقدة بخلاف العمد والغموس إذ لا إباحة ولم تجب على المسبب إذ لا مباشرة وغلط الشافعي في جعلها ضمان المتلف لتجب على الصبي والمجنون والمسبب لأنها من حقوق الله تعالى وهو منزه عن أن يلحقه خسران يحتاج إلى جبره بل الضمان فيها جزاء الفعل ولذا يتعدد الكفارة يتعدد الفعل مع اتحاد المحل كالجنابة على الصيد في الإحرام وبدل المحل للجبر

فيتخذ عند وحدة المحل ولذا تعددت الجنابة كصيد الحرام وقولهم مراده بالمتلف حق الله كالاستبعاد الفائت بالقتل لا المحل لا يجدي في الإيجاب على الصبي والمجنون كما في العمد، وأما العقوبة المتضمنة للعبادة فككفارة الفطر عقوبة وجوبًا وعبادة أداء ولذا يسقط بالشبهة كالحد كمن جامع ظانًا أنه قبل الصبح أو بعد الغروب إما جماع زوجته وأكل ماله فلا يورث شبهة في إباحة الإفطار كمن قتل بسيفه أو شرب خمرة وباعتراض الحيض والمرض وحين كسافر بعد الشروع فافطر وحين رأي الهلال وحده فرد القاضي شهادته فأفطر وإن لم يتح لهما فرده وقوله عليه السلام صومكم يوم تصومون شبهتان فيه وألحقها الشافعي بسائر الكفارات فلم يسقطها بالشبهة ورد بوجوه: 1 - قوله عليه السلام "من أفطر في رمضان متعمدًا فعليه ما على المظاهر" (¬1) لأن قيد التعمد يشير إلى كمال الجناية فجزاؤها عقوبة غالبة ولأنه ألحقها بالمظاهر وكفارته عقوبة غالبة وسببها حرام إجماعا لأنه منكر من القول وزورا التوجيه هو الأول وإن نقل الثاني من صاحب الكافي واختاره في التقيد ومبناه أن سببها النفس الظهار لا هو مع العود كما قيل بدليل جواز التكفير قبل العود لكن فيه بحوث: 1 - ما اتفقوا من أن سبب جميع الكفارات دائر بين الخطر والإباحة فلو كان للعود مدخل في السببية كما هو ظاهر النص وتجويز التقديم ليقع الفعل حلالًا فذا وإلا فلكون الظهار في الحقيقة طلاقًا وهو مباح وكونه منكرًا وزورًا جهة حرمته لا دليل خلوص حرمته. 2 - قول فخر الإِسلام رحمه الله أن العبادة غالبة في الكفارات ما خلا كفارة الفطر وفرقوا بأن الجنابة على الصوم لكون شهوة البطن والفرج أمرًا معودًا وغالبًا على صاحبه أقوى فأدعى للزجر وبأن شُرعت الكفارة في الظهار فيما يندب تحصيل ما تعلقت به تعلق العلل وهو العود وفي اليمين فيما يجب تحصيله تعلق الشروط ككلام الأب فيمن حلف لا يكلم أباه وشرع الزاجر فيما يندب أو يجب تحصيله خال عن الحكمة بخلاف كفارة الفطر. 3 - ما ذكر صاحب الكافي أنه لو ظاهر امرأته مرارًا لزمه بكل ظهار كفارة فلو غلبت العقوبة لقد أخلت لأنه درء. ¬

_ (¬1) لم أجده.

2 - عدم وجوب الكفارة على من أخطأ في الصبح والغروب إجماعا فالاعتبار كمال الجناية في سببها خلاف كفارة قتل الخطأ وفي كمالها غلبة العقوبة إما من أخطأ يسبق الماء والطعام حلقه فلا يفسد عنده. 3 - أن الجناية فيه على خالص حق الله تعالى والطبع يدعو إليها فيستدعي زاجرًا يكون عقوبة محضة غير أن المجني عليه لما لم يكن عند الجناية مسلما تامًا إلى صاحبه صار قاصرًا فاتصف الزاجر بالعقوبة وجوبًا أي وجب للزجر بخلاف غيرها إذ لا معنى للزجر عن القتل الخطأ والعبادة أداء حتى تأدى بنحو الصوم وبطريق الفتوى كالعبادة لا الاستيناء كالعقوبة لوجود نظيره كإقامة الحد ولم يعكس لعدمه ولذا قلنا يتداخلها من رمضان أو أكثر إذا لم يتخلل التكفير فالتداخل من الدرء كما في الحدود، وأما العبادة المتضمنة للمؤونة فكصدقة الفطر قربة لكونها صدقة وطهرة للصائم واعتبار الغني فيمن يجب عليه واشتراط النية وعدم صحة أدائها من غير المالك كالمكاتب عن نفسه وتعلق وجوبها بالوقت ومصرف الصدقة كالزكاة في الكل وفيها معنى الموونة وهو الوجوب بسبب الغير ولكون الرأس سببًا كما قال عليه السلام "أدوا عمن تمونون" (¬1) كالنفقة فلم يشترط كمال الأهلية ووجبت على الصبي والمجنون كنفقة ذوى الأرحام، وأما الموونة المتضمنة للعبادة فكالعشرة موونة لأنها سبب بقاء الأرض وسببها الأرض النامية وباعتبار تعلقه بالنماء وصرفه إلى الفقراء كالزكاة فيه معناها والأرض أصل ومحل والنماء صنف وشرط تبع ولتضمنه المعنيين لابتدائه على أرض الكافر وأجاز محمَّد رحمه الله تعالى إبقائه إذ لا إثبات ولا إسقاط بالشك، وأما المؤونة المتضمنة للعقوبة فالخراج مؤونة كما مر فيها عقوبة للانقطاع عن الجهاد إلى سبب الذل الذي هو الحرث وعمارة فلا يبتدأ به المسلم وجاز إبقاؤه إذا أسلم لمثل ما مر فقاس محمَّد إبقاء العشر على إبقائه غير أنه يضع في الخراج على رواية ابن سماعة كمأخوذ العاشر من أهل الذمة ودق الصدقة على رواية السير وإفساده بأن في العشر عبادة تنافي الكفر ولو بقاء وفي الخراج عقوبة لا تنافى الإِسلام فأوجب أبو يوسف تضعيفه لإخراج لأن تغيير الوصف أسهل وقد وجد نظيره في بني تغلب والذمي المار على العاشر وبعد التضعيف صار في حكم الخراج الذي هو من خواص الكفر قلنا الانتقال من الوظيفتين إلى التضعيف ثبت في قوم بأعيانهم ضرورة ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (4/ 161) ح (7474)، والدارقطني في سننه (2/ 140)، والإمام الشافعى في مسنده (1/ 93).

الخوف من الفتنة إجماعًا على خلاف القياس فلا يصار إليه عند عدمها بل إذا عجزنا عن أحديهما أثبتنا الأخرى ونعني بالمؤونة فيهما أنهما سبب لحفظ انزال الأراض فإنه ببأس الغزاة المجاهدين ودعاء الفقراء المجتهدين وغلب الشرع في العشر معنى العبادة إكراما للمسلمين وفي الخراج معنى العقوبة إهانة للكافرين، وإما الحق القائم بنفسه أي من غير تعلقه بذمة فكخمس الغنائم والمعادن لأن الجهاد حق الله تعالى {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ} (الأنفال: من الآية 1) لكونه إعلاء كلمته لكنه استبقى الخمس لنفسه وأعطى باقيه للغانمين منة ولذا يقسمه الإمام وجوز صرفه من الغنيمة إلى الغالفين وأولادهم وآبائهم ومن المعدن إلى الواجد وقرابة أولاده عند الحاجة بخلاف افتقار المزكي بعد الحول لا يرد الساعي ما أعطاه وان بقى ولا يصرف حانث وجد ما يكفر به إلى نفسه لحاجته ولذا أيضًا حل لبني هاشم خمس الخمس إذ لم يكن آلة أداء الواجب على أحد ليصير بانتقال آثامه إليه وسخا ولذا جعلنا النصرة علة استحقاقه لا لقرابة كما قال الشافعي والثمرة سقوطه بوفاة النبي عليه السلام لانتهاء النصرة كما سقط سهم المولفة لانتهاء ضعف الإِسلام فعند الكرخي وهو مختار أبي زيد في الإسرار في حق أغنيائهم خاصة وعند الطحاوي مطلقا وعند الشافعي ثابت لبقاء القرابة له لأن قوله تعالى {وَلِذِي الْقُرْبَى} (الأنفال: من الآية 41) ترتيب على المشتق فالعلة مأخذة ولئن ثبت عليه اَلنصرة بالحديث يكون وصفا يتم بها القرابة علة كالعدالة في الشاهد والنماء في النصاب والتأثير في الوصف الملايم ولذا أعطنا بني هاشم وبني المطلب دون غيرهم من بني نوفل وبني عبد شمس قلنا أولًا تعليق الكرامة بالنصرة لكونها من الطاعات أولى منه بالقرابة لكونها خلقية إما لأن الأول هو الغالب وإما اعتبارًا بأربعة الأخماس حتى لا يملكها من دخل تاجرا ويملكها من دخلها بقصد النصرة وان لم يقاتل وثانيا الأصل صوت قرابتها عن إعراض الدنيا بالنص وهو قوله تعالى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} (الأنعام: من الآية 90) الآية ولأنها أعلى من أن يجعل علة لاستحقاقها وإن صارت مانعة عن الزكاة وغير مقتضية للإرث عن الرسول وليست النصرة منضمة لها علة لصلاحها علة بنفسها كما في أربعة لأخماس ومثله لا يصلح مرجحًا ولكن سلم فلما عدمت بعد وفاته لم يبق القرابة علة كنصاب لم يبق نماؤه وشاهد، ثم من فروعه بنفسه أن الغنيمة لا تملك عندنا إلا بعد الإحراز بدارنا خلافًا له إذ لو كانت لنا لتملكنا بمجرد الاستيلاء كالصيد وغيره وهو أصل يتفرع عليه مسألتنا كعدم جواز القسمة في دار الحرب وإن لاحق لمن مات فيها ويورث نصيب من مات بعد الإحراز قبل القسمة

آخر التقاسيم

وإن المدد اللاحق يشارك ولا يحل للمنفل له الجارية أن يطأها ما لم يحرزها، وها هنا تمت الأقسام التسعة بقي ثلاثة من أقسام مطلق الحقوق: 1 - حقوق العباد وهي كثيرة كالديات وبدل المتلفات. 2 - ما اجتمعا وحق الله غالب كحد القذف فيه حق العبد لأنه شرع لصون عرضه ولذا شرط دعواه ووجب على المستأمن وإقامة الإِمام بعمله ولم يبطل بالتقادم ولم يصح الرجوع وحق الله تعالى لأنه شرع للزجر ولذا يستوفيه الإِمام وينصف بالرق ولا يحلق القاذف إذا أنكر وهو الغالب خلافًا للشافعي رحمه الله لولايته على حقوقهم أيضًا لأنه مولى الموالي ولذا يجري فيه عندنا التداخل فيما قذف جماعة بكلمة أو كلمات ولا يجري الإرث ولا يسقط بعفو المقذوف. 3 - ما اجتمعا وحق العبد غال كالقود فإن الله تعالى في نفس العبد حق الاستبعاد وللعبد حق الاستمتاع وفي القود إبقاء لهما ففيه حق الله لسقوطه بالشبهة وكونه جزاء الفعل لا ضمان المحل وحق العبد لوجوبه مماثلة ففيها أنباء عن الحبر ومقابلة بالمحل فكان غالبًا ولذا يورث ويعفي ويعتاض عنه صلحًا ويواخذ الإِمام به لا بحدي القذف والزنا وإما حد قطاع الطريق قطعًا كان أو قتلًا فحق الله تعالى على الخلوص عندنا لتسميته جزاء مطلقًا وهو يقتضي الكمال كما سيجيء أن شاء الله تعالى ولأنه جعل محاربة لله تعالى ورسوله عليه السلام وسماه خزيا ولذا يستوفيه الإِمام ولا يسقط بالعفو ولا يجب على المستأمن إذا ارتكب سبب فينا كحدي الزنا والسرقة وعند الشافعي إذا كان قتلًا يجتمع الحقان إذ فيه معنى القصاص وقد ظهر الفرق. آخر التقاسيم هذه الحقوق تنقسم إلى أصل وخلف ففى الأيمان الإقرار خلف التصديق مستبدأ في أحكام الدنيا كما مر ثم يخلف أداء أحد أبوي الصغير والمعتوه والمجنون عن أدائهم لكن لا يعتبر لداؤء مع أدائهم إلا في المجنون فلا يرتد الصغير المسلم نفسه بارتداد أحد أبويه ويصح إسلامه بنفسه مع كفرهما ثم أداء السابي إذا قسم أو بيع من مسلم في دارهم والكل خلف عن أداء الصغير مرتبًا كخلفية المورث على الترتيب فلا يلزم خلف الخلف وفي الصلاة يخلف القعود ثم الاضطجاع عن القيام الإيماء عن الركوع والسجود والقضاء عن الأداء وغيرها وفي الزكاة يخلف القيم عن الأعيان كما في العشر وسائر الصدقات الواجبة وفي الصوم يخلف الفدية كالصلاة وفي الحج يخلف الإنفاق عن الأداء بنفسه وفي اليمين

يخلف الكفارة عن البر وفي العقوبات يخلف المال عن القصاص صلحًا أو عفوًا وفي حقوق العباد يخلف قيم المتلفات عنها وغير ذلك مما يطول. تتمات: 1 - يخلف التيمم عن الوضوء مطلقًا عندنا فيرتفع به الحدث إلى غاية وجود الماء كالطهارة والأصل قوله عليه السلام "التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء" (¬1) فإنه الظاهر من الاختيار ولأنه لو لم يكن حكمه حكم الأصل بل الإباحة الضرورية كان أصلًا لا خلفًا فجاز للفرائض الكثيرة وقيل الوقت وطلب الماء ولا يتحرى في إنائين نجس وطاهرًا وثلاثة والغلبة للنجس لعين الخلف المطلق عند العجز بالتعارض إما في ثلاثة والغلبة للظاهر يتحرى اتفاقًا وقال الشافعى رحمه الله تعالى خلف ضروري ضرورة إسقاط الفرض مع قيام الحدث كالمستحاضة فعكس المسائل لأن الثابت يتقدر بقدرها ولا ضرورة قبل الوقت والطلب وعند وجود الماء الطاهر مع إمكان الوصول بالتحري قيل تفريع التحري على ضرورة الخلفية منتظم إذ لو أريد بها ضرورة العجز عن الماء فلا خلاف ولو أريد العمل به بقدر ما يندفع به ضرورة إسقاط الفرض فلا معنى لها في مسألة التحري بل على أن لا عجز مع أمكان التحري سواء كان خلفًا ضروريًا أو مطلقًا وليس بشيء لأن العجز حاصل قطعًا بالتعارض والتحري فبما يثبت من توابعه كالتيمم فالخلاف في أن الخلف مطلق يرجح على التحري لكونه ضروريًا أو ضروري بمعنى أن لا يضار إليه مما أمكن فلا يرجح عليه وسيتضح تحقيقه في بحث التعارض إن شاء الله تعالى. 2 - أن الخلفية بين الفعلين عند محمَّد وكذا عند زفر في رواية وفي أخرى لا بل يجوز اقتداء المتوضي بالتيمم وإن وجد المتوضى ماء بين الأنيتين عندهما قالا المأمور به أصلًا وخلفًا الفعلان قلنا رتب القصد إلى الصعد على عدم الماء لا على عدم التوضى كما رتب إلا عند إذ بالأشهر على اليأس من المحيض فكما أن الخلفية ثمة بين الأشهر والحيض كذا ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (4/ 138 - 139) ح (1312)، والحاكم في مستدركه (9913) ح (4518)، والبيهقي في الكبرى (811) ح (23)، والدارقطنى في سننه (1/ 187) برقم (2)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 144) ح 1661)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 146) ح (21342)، وابن الجوزي في التحقيق (1 - 226 - 227) ح (263)، وانظر/ التلخيص الحبير (1/ 154)، نصب الراية للزيلعى (1/ 148).

هنا بين الآيتين ويؤيده الحديث والصعيد طهور حكمي وإن كان ملوثًا في الحقيقة فيصلح مزيلًا للنجاسة الحكمية وعدم اشتراط إصابة التراب كالتيمم على الحجر الملساء ليس زيادة للخلف على الأصل في حق الحكم كاستغناعه من مسح الرأس والرجل والثمرة جواز إمامة المتيمم للمتوضئ عندنا إلا إذا وجد المتوضي إمام فزعم أن صلاة أمامه فاسدة كزعمه خطأه في جهة القبلة لأن لكل منهما طهارة مطلقة وشرط الصلاة موجود في حق كل بكماله لا عندهما لأن الإِمام صاحب الخلف قلنا الباقي عند الصلاة هو التيمم وليس بخلف لا التراب وهو الخلف. 3 - أن الخلف مع إطلاقه قد يكون ضروريًا مع القدرة على الماء لخوف فوت صلاة لا خلف لها كالجنازة والعيد خلافًا للشافعي وصحه قياسًا على سائر الصلوات قلنا إذا فأتت بالتوضي لا إلى خلف صار عادمًا في حق هذه الصلاة كالخائف من العطش بخلافها وبخلاف الولي إذ ينتظر له وحق الإعادة. فرع: إذا جىء بجنازة أخرى ولا تمكن من الوضوء بينهما لم يعد عندنا لأن التيمم باق ما لم يتمكن من التوضى بحيث لا تفوته الصلاة إذ الخلفية في الألة وعندهما يعيد لعدم بقاء الفعل الذي هو الخلف عندنا الفراغ من الأولى لانتهاء الضرورة. 4 - أن الخلافة لا تثبت إلا بعبارة النص كالتيمم والفدية في الصوم أو دلالته حقيقة كقضاء المنذورات المتعينة أو احتمالا كالفدية في الصلاة أو إشارة كأداء القيم في الزكوات أو اقتضائية. 5 - شرط العدول إلى الخلف عدم الأصل في الخال مع احتمال وجوده لينعقد السبب له فيخلف بالعجز كما في التيمم لاحتمال وجود الماء بطريق الكرامة وفي مسألة مس السماء والإِسلام في آخر وقت الصلاة وهذا في الجميع بخلاف الغموس ولذا قال الصاحبان فيمن شهد بقتله وجاء حيا بعد قتل من شهد عليه فلوليه أن يضمن الشهود وولى الجاني وعلى الثاني لا يرجع على الشهود إجماعًا إما أن اختيار تضمين الشهود فهم يرجعون على الولي لأن التعدي والضمان سب ملك المضمون كما في الغضب ومملوكية الدم غير مستحيلة كمس السماء والحرمة لا ينافيها كالعصير المتخمر والدهن النجس لكن السبب لم يؤثر في الأصل وهو القصاص إجماعًا فيؤثر في بدله وهو الدية كمدبر فات عند غصب الغاصب فضمن الأول يرجع على الثاني لاحتمال ملك المدبر ولذا ينفذ القضاء بجواز بيعه وهذا شهود الكتابة إذا رجعوا بعد الحكم بعتقه فضمنوا قيمته رجعوا على

القسم الرابع في المحكوم عليه

المكاتب بدل الكتابة لاحتماله المملوكية وقت التعدي وإنما لم يرجعوا بالقيمة لأن العبد استحق العتق على المولى بالبدل وهم بضمان القيمة قاموا مقام المولى وقال الإِمام الإتلاف حكمًا بالتسبب من الشهود وحقيقة بالمباشرة من الولى سواء في ضمان الدية فكما لا يرجع الولي لأنه ضمن بجناية نفسه لا يرجع الولي لأنه ضمن بجنابة نفسه لا يرجع الشهود لذلك بخلاف ما إذا شهدوا بالقتل خطأ لأنهم ما أتلفوا نفسًا بل مالًا محتملًا للملك فملكوه بالضمان فيأخذونه من الولى قائمًا ومثله أو بدله تالفًا ثم الدم لا يحتمل الملك أصلًا لا في الخال بالإجماع ولا في المال لانقطاع الوحي بخلاف المدبر كما مر والمكاتب لجواز بيعه برضاه ورده إلى الرق بالعجز وأنه عبد ما بقى عليه درهم ولأن الخلف يعمل عمل الأصل وملك القصاص وهو الأصل غير مضمون ولذا لا يضمن قاتل من هو عليه فكذا خلفه. القسم الرابع في المحكوم عليه وهو المكلف وفيه مباحث. الأول: اشترط في صحة التكليف فهم المكلف له بمعنى تصوره لا تصديقه (¬1) وإلا لزم الدور وعدم تكليف الكفار فلا حاجة إلى استثناء التكليف بالمعرفة أو النظر أو قصده وأمثالها كيف والدليل العقلي غير فارق وهذا مذهب كل من منع تكليف المحال وبعض من جوزه إذ لا ابتلاء، لنا أولًا أن التكليف استدعاء حصول الفعل على قصد الامتثال وهو محال عادة وشرعًا لاشتراط النية ممن لا شعور له وإن كان ممتنعًا بالغير فالاتفاق لا يكفي في سقوط التكليف وثانيًا لزوم تكليف البهائم إذ لا مانع يقدر إلا عدم الفهم ولا فساد في أنهما لا ينتهضان على من جوز تكليف المحال إلا بالتمسك بانتفاء فائدة التكليف وهو الابتلاء لأن تجويزه مبني هذا الخلاف وإما حديث رفع القلم عن ثلاث بتمامه فلا يدل على عدم الجواز بل على عدم الوقوع، ولهم أولًا أنه واقع حيث اعتبر طلاق السكران وقتله وإتلافه قلنا هو من ربط الأحكام باسبابها أي حكم وضعي لا تكليفي كقتل الطفل وإتلافه وضعي له وتكليفي على وليه. وثانيًا: قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: من الآية 43) ومن لا يعلم ما يقول لا يفهم ما يقال له. قلنا: الظاهر في مقابلة القاطع واجب التأويل فأما نهي عن السكر عندها نحو ¬

_ (¬1) انظر / إحكام الأحكام للآمدي (1/ 215)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص / 68). بتحقيقنا.

الثاني: المعدوم مكلف عند الأشاعرة

لا تمت وأنت ظالم وقوله تعالى {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية 102) فإن القيد مناط النفي غالبًا وإما نهي للنهى لأن النهي تمنع التثبت كالغضب أي حتى تعلموا علمًا كاملًا. الثاني: المعدوم مكلف عند الأشاعرة خلافًا لغيرهم لا بمعنى كون الفهم أو الفعل حال العدم مطلوبًا بل بمعنى المطلوبية حال العدم أعني توجه الحكم في الأزل إلى من علم الله وجوده بالفهم والفعل فيما لا يزال فيندفع قولهم إذا امتنع في النائم والغافل ففى المعدوم أجدر لأن الممتنع هو المعني الأول، لنا لو توقف تعليق التكليف على الوجود الحادث لكان حادثًا فكان للتكليف الذي يتحقق حقيقة إلا بالتعلق حادثًا وأنه أولى لأنه أمر ونهي وهما كلام الله تعالى وهو أزلي، أولًا لزوم الأمر والنهي والخبر والنداء والاستخبار من غير متعلق موجود وأنه سفه محال ولا قياس على خبر الرسول، لنا لأن عه مبلغًا وفي الأزل لا مخاطب أصلًا قلنا فيه تحقيق وتدقيق إما التحقيق فهو أن الكلام عند الشيخ نوع واحد هو الخبر المفسر بالنسبة بين المفردين القائمة بالنفس المحتمة للتصدق أو التكذيب وسائر الأقسام أصنافه ينقسم إليها بعارض اختلاف المسند فالخبر باستحقاق الثواب على الفعل والعقاب على الترك أمر وعكسه نهي وبإرادة الإستعلام استخبار والإجابة نداء وبغير هذه الأربعة خص باسم الخبر ومنه الوعد والوعيد كما ينقسم إلى أصناف الماضي والحال والمستقبل باختلاف أحوال المسند من تقدمه على زمان ظهور الخبر ومعيته وتأخره والكلام يتصف بهذه الأقسام في الأزل ويختلف عنها العبارات ولا إشكال على الخبرية بامتناع تطرق الصدق والكذب لأن امتناعه عقلي لخصوصية المحل لا لغوي فلا ينافيه جواز العفو مع تجويزهم الخلف في الوعيد وعن ابن سعيد رحمه الله هو الخبر المشترك الحالي عن التعلق والأقسام عوارض حادثة بحسب حدوث التعلق لا أنواع حتى يرد عليه أن الجنس لا يوجد إلا في نوع والفرق بين المذهبين اعتبار التعلق قديمًا وعدمه وإما التدقيق فهو أنه كسائر الصفات لا يتغير بتغير التعلقات كما لا يتغير علمه بإرسال نوح عليه السلام بتغير الأزمنة وهذا قريب مما يقال علمه ليس زمانيًا فلا يكون له ماض وحال ومستقبل وأنكره أبو الحسين رحمه الله بوجوه أقوالها أن إمكان انفكاك أحد هذه العلوم عن غيره يستلزم مغايرتها وجوابه أن ذلك في علمنا وعلم الله تعالى بجميع الكائنات على ما هي عليه واجب فتنزيل الجواب أن تعلق هذه الأقسام في الأزل بالمعدوم المعلوم وجوده لله عين تعلقها فيما لا يزال حين وجد فإن يختلفان بالامتناع والامكان وقريب

منه القول بأن المخاطبة في الأزل بالماهيات والهويات الثابتة في علم الله تعالى ويضطر إليه في أمر التكوين ويونسه تمثليهم بطلب الأب في نفسه التعلم من ابن سيولد وأقول هذا التنزيل مما لا يستدعى ذلك التحقيق والتدقيق لصحة تحقق جميع هذه الأقسام في الأزل بذلك الاعتبار بحقائقها من غير ردها إلى الخبر ولا اعتبار العروض في تعلقها فإن كان تعلق شخصي كما هو هو أزلا وأبدًا حينئذ إما مذهب ابن سعيد من أن التعلق حادث فلا يستدعي وجود المتعلق في الأزل والقديم هو الخالي عن التعلق إذ التعلق ليس من حقيقته فلا يكفى جوابًا لأن أحد التعلقات لازمة فلا يوجد بدونه وثانيًا أن الكلام لو قدم بأقسامه كما يقول الشيخ ليتحقق الأمر بالمعدوم لزم تعدد أنواعه وأشخاصه في الأزل وهو غير قائم به وإن قال به شرذمة قلنا لتعدد اعتباري لتعدد المتعلقات كما في الأبصار بالمبصرات وما نفاه هو الوجودي على أن عدم امتناع ذلك أيضًا قد علم، الثالث أن جهل الأمر انتفاء شرط وقوع الفعل صح تكليفه اتفاقًا وإن لم يقع إلا في الشاهد وكذا أن علمه دون المأمور لتحقيق فائدته إذ يمكنه الفعل لو وجد الشرط فيصبر قطعًا عاصبًا بالعزم على الفعل والترك وبالبشر به والكراهة له ولذا يعلم التكليف قبل الوقت وإن لم يعلم وجود الشرائط كالتمكن وغيره في الوقت والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط وقال الإِمام والمعتزلة لا يصح كما لو علم المأمور إذ مانع الصحة وهو كونه غير منصور الحصول مشترك ولأن ما عدم شرطه غير ممكن فالتكليف به مع العلم بعدمه تكليف بما علم استحالته وجواب الأول الفرق بتحقق الفائدة والثاني بوجهين: 1 - أن شرط التكليف الإمكان العادي والمنتفي ها هنا الإمكان الوقوعي وهو استجماع شرائطه بالفعل. 2 - أنه يقتضي عدم صحته مع جهل الأمر كما في الشاهد فإن عدم الإمكان بالنسبة إلى المأمور مشترك لنا أنه لو لم يصح فأولا لم يقع معصية إذ كل ما لم يفعل فقد إنتفى شرط له من إرادة حادثة كما عند المعتزلة أو قديمة وحادثة كما عندنا فلا تكليف به فلا معصية وثانيًا لم يعلم أحداثه مكلف في الحال واللازم بطل بالضرورة إما الملزوم فلأن التكليف ينقطع في كل جزء بغرض وقوع الفعل فيه لوجوبه قطعًا أو امتناعه عاصيًا وبعده بالأولى وقبله لا يعلم لتجويزه انتفاء شرط فيه وهذا متأت في المضيق والموسع وهذا إلزامي للمعتزلة وإلا فمع الفعل تكليف عند الشيخ لما مر وثالثا لم يعلم إبراهيم عليه السلام وجوب ذبح ولده لانتفاء شرطه في وقته وهو عدم النسخ وإما إنكار قوم العلم

فصل بيان المحكوم عليه بالبحث عن الأهلية والأمور المعترضة عليها

بالتكلِف قبل دخول وقت الامتثال فمعاندة. وقال القاضي مخالفًا للإجماع على تحقق الوجوب والحرمة قبل التمكن من الفعل ولذا يجب الشروع بنية الفرض إجماعا ومنه يعلم أن التكليف يتوجه قبل المباشرة إجماعا. فصل بيان المحكوم عليه بالبحث عن الأهلية والأمور المعترضة عليها ففيه جزءان: الجزء الأول في الأهلية: هي لغة الصلاحية واصطلاحًا الصلاحية للوجوب له وعليه شرعًا أو لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا ويسمى الأولى أهلية نفس الوجوب والثانية أهلية الأداء والأولى بالذمة والثانية نوعان كاملها بكمال العقل والبدن كالعاقل البالغ وقاصرها بقصورهما كالصبي العاقل أو المعتوه أو بقصور أحدهما كالبالغ المعتوه فوجوب الأداء مع الكاملة وصحة الأداء القاصرة ولتحقيقه مقدمات: 1 - تذكير ما مر أن نفس الوجوب شغل الذمة ولزوم الوقوع ووجوب الأداء طلب تسليم ما اشتغلت به ولزوم الإيقاع ونفس الأداء التسليم والإيقاع فهذه ثلاثة مفهومات لكل منها أهلية عبر القوم عن أهلية الأول بأهلية الوجوب وعن أهلية الثاني بأهلية الأداء الكاملة وعن أهلية الثالث بصحة الأداء وأهلية الأداء القاصرة وحصل ستة مفهومات فنفس الوجوب بالسبب وأهليته بالذمة ووجوب الأداء بالخطاب وأهليته بالعقل والبدن الكاملين ونفس الأداء بوجود الأركان والشرائط وأهليته أعني صحته بالقاصرين. 2 - أن الذمة لغة العهد لأنه سبب نوع الذم إذا نقض واصطلاحًا عند الجمهور حقيقة عهد جرى بين الرب والعباد كما يدل عليه قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} (الأعراف: من الآية 172) الآية حيث فسروه بأن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام أخرج ذريته من ظهره مثل الذر وأخذ ذلك الميثاق وأعادهم إلى ظهره واستدلوا عليه بما روى مالك وأحمد بن حنبل والترمذي عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي عليه السلام قال في تفسيره "إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون" (¬1) ووفق صاحب الكشف بأن المراد إخراج ذرية آدم ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 80) ح (74)، والضياء في المختارة (1/ 406 - 407) ح (289)، والترمذي (5/ 266) ح (3075)، وأبو داود (4/ 226) ح (4703)، والإمام مالك في الموطأ (2/ 898) ح (1593)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 44) ح (311)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (3/ 558 - 559) ح (990)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 87) ح (196).

من ظهره وظهر أولاده حسب ما يتوالدون في أدني مدة كموت الكل بالنفخة الأولى وحياتهم بالنفخة الثانية فقيل صاروا حينئذ أصنافًا ثلاثة سابقون هم المقربون سبق لهم نور يحبهم فانجذبوا بشر أشرهم إليه بتجريد يحبونه ثم أصحاب الميمنة هم الأبرار الممتثلون بقوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود: من الآية 112) ثم أصحاب المشئمة الذين جوابهم بلى لا عن رغبة واختيار بل عن هيبة ووقار وعند المؤولين عهد استعير به تمثيلًا عن نصب أدلة المعرفة والوحدانية لهم وتركهم بحيث يصلح للاستدلال عليهما والاقرار بهما ورئيسهم صاحب الكشاف ليناسب مذهبه في أن التكليف بالعقل قال الرازي فاتفقت المعتزلة أن الحديث لا يصلح مفسرًا للآية ووفق البيضاوي بأن المراد من بني آدم هو وأولاده جعله اسمًا للنوع كالبشر ومن الإخراج توليد بعضهم عن بعض على مر الزمان واقتصر في الحديث على ذكر الأصل وذكر الشيرازي رحمه الله بينه وبينهم ميثاقين أحدهما لما يهتدي إليه العقول بنصب الأدلة وذا في الآية وثانيهما لما لا يهتدي إليه من الواردات الشرعية التي تتوقف على توقيف الأنبياء عليه فأخبر في الحديث بذلك في جواب سؤال الصحابة عن الميثاق الحالي جريًا على الأسلوب الحكيم وأيًا ما كان ففط الآية دلالة أن فهيم وصفًا به أهلية الإجابة والاستجاب قيل فهو العقل وإليه يشير ظاهر كلام أبي زيد رحمه الله أن يشمل العقل الهيولاني وإلا صح أن للعقل مدخلًا فيه وليس عينه بل هو خصوصية الإنسان المعتبر فيها تركيب العقل وسائر القوي والمشاعر لا كالملك وسائر الحيوانات وبذا اختص بقبول الأمانة المعروضة فإن استعير بالعهد عن تلك الخصوصية فالذمة في قولهم وجب في ذمته حقيقة العهد كما ذهب إليه فخر الإِسلام فأريد بها فيه نفس ورقبة لها عهد أي باعتباره كما فسره بها تسمية لها باسم أكل وهو المطابق لما عبر عنها بالعنق في قوله تعالى {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء: من الآية 13) أي جعلنا القضاء والقدر المسببين للخيًر والشر أو عمله الذي هو وسيلة الخير والشر لا زمالة لزوم القلادة للعنق فإن الطائر لتيمن العرب بسنوحه وتشأمهم بتروحه يستعار به لسبب الخير والشر ففيه تمثيل مبني على الاستعارة المصرحة أو حقيقة في الخارج من العمل من طار السهم أي خرج وأياما كان ففيها دلالة أن في الإنسان وصفًا وخصوصية بها التزمه إذ ليس المراد إلزامًا بدون التزامه لما يفهم من سياق الآيتين كما ظن فاعترض بجواز الاستدلال حاصل بمثل أقيموا الصلاة مع أنا بصدد إثبات وجود ما به التكليف العام وهو المراد يحمله الأمانة أي الطاعة أو التكليف في آية العرض سواء فسر بحقيقته

حيث قيل خلق الله في هذه الأجرام فهما فقال فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني ونارًا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات لا نحتملها وحين خلق آدم وعرض عليه حمله فهو ظلوم بتحمل ما شق جهول بوخامة عاقبته أو أوّل بأنها لو عرضت عليها وكانت ذات شعور لا بين حملها وحملها هو مع ضعف بنيته وخاسها فهو ظلوم لعدم الوفاء بها جهول بعاقبتها وصف الجنس بوصف الأغلب أو بأن استعير عن التكليف بالأمانة وعن نسبته إلى الاستعداد بالعرض وعن عدم اللياقة الآباء وعن الاستعداد بالحمل وعن غلبة القوة الغضبية والشهوية بالظلم أو الجهل فهما علة الحمل إذ التكليف لتعديلهما المؤدي كماله إلى مرتبة بها يتحقق كون خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وهنا يعلم أن تركيب العقل غير كاف في قصد ترتيب الكمال الإنساني على وجوده وإن فيه أمرا به التزامه فالثابت بهذه الأدلة ما به الوجوب عليه ولم يتعرض لدليل الوجوب له لظهوره وكثرته ولأنه لا يتوقف على تحقق الذمة بدليل ثبوته للحمل ولكل دابة بالآية. 3 - أن العقل نور يضىء به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس فيتبدى المطلوب للقلب أي أمر طاهر في نفسه مظهر لغيره أو منور به طريق الفكر للبصيرة كما يظهر بنور الشمس طريق الإحساس للبصر وهو طريق الاستدلال بالشاهد على الغائب وانتزاع التمليك من الجزئيات وبالجملة ما مر من ترتيب المعلوم لتحصيل المجهول فمبدأ الترتيب العقلي من حيث ينتهي إليه الدرك الحسين لأن مبدأ، ارتسام المحسوس في أحدى الحواس الظاهرة ونهايته ارتسامه في الباطنة فمن الصور التي أدركها الحسن المشترك وخزنها في الخيال والمعاني الجزئية التي أدركها الوهم وخزنها في الحافظة ثم تصرف فيها المنصرفة بالتحليل والتركيب المسماة مفكرة ومتخيلة باعتبار استخدام العقل أو الوهم إياها شرع النفس في انتزاع المعاني الكلية وترتيبها والانتقال إلى ما يطلبه فإذا رتبها بشروطه السالفة يتبدى المطلوب للنفس المسمى بالقلب لتقلبه بين العلم والعمل فإنه بين إصبعي الرحمن فيمكن حمل النور على الجوهر المسمى بالعقل الأول والقلم كما قال عليه السلام: "أول ما خلق الله تعالى العقل والقلم ونوري" في روايات وهو السبب الأول كالشمس وتوسط العقل الفعال أو العقول الآخر لا ينافيه وعلى إشراقه الحاصل بحسب القابلية المقدرة من الله تعالى فطرية كانت أو كسبية كإشراقها وعلى الصفة المعنوية الحاصلة للنفس من إشراقه كالضوء الحاصل من إشراقها وهي الإنسب يما جعل صفة للراوي وهي البصيرة المفسرة بالقوة المعدة لاكتساب لعلوم فأما قابلية النفس لإشراقه

فهي الذهن ثم للحاصل للنفس بإشراقه وللنفس باعتباره مراتب أربع يسمى العقل الهيولاني في مبدأ الفطرة فالعقل بالملكة عند إدراك البديهيات وحصول ملكة الانتقال إلى النظريات فالعقل بالفعل عند القدرة على إحضار النظريات بلا تجشم كسب جديد ثم العقل المستفاد عند مشاهدتها المسمى علم اليقين ولا رتبة بعد المشاهدة فالمسماتان عين اليقين وحق اليقين الحاصلتان عند الإنس به والاستغراق فيه من مراتب العمل ومناط التكليف هي العقل بالملكة التي عندها قوة تحصيل النظريات. 4 - تذكير ما مر أن العقل معتبر في الأهلية لكونه آلة إدراك الحسن والقبح الثابتين بإيجاب الله تعالى ولو لم يرد الشرع لدرك بالعقل أو لم يدرك لكدورته باتباع الهوى ومعارضة الوهم لا مهدر إلا في فهم الخطاب كما قالت الأشاعرة ولا مهدر مطلقًا بدون المعلم كما قالت الإسماعيلية ولا موجب منيع مطلقا وإن خفى إيجابه في نحو وجوب الصوم في آخر رمضان وحرمته في أول شوال كما قالت المعتزلة فليس كما ظن أن لا نزاع فيه بل في توجه أحكام الشرع إلى من لم يبلغه الدعوة ولعدم ورودها أو وصولها حين يترتب الثواب والعقاب عليه بل هذا فزعة. 5 - أن للنفس المسماة بالقلب قوة عاقلة بها يستضيء من ذلك الجوهر وقوة عاملة بها تحرك البدن ولذا انقسمت علومها إلى نظرية لا تتعلق بالمباشرة كالإيمان وإلى عملية تتعلق بها كالعبادات فإذا حركت البدن حسما تستضيء منه بلا شوب ومعارضة الوهم أي إلى الخير الملائم للروح لا للبدن وعن الشر المعكوس المنحوس استدل به على وجود تلك الصفة المسماة بالعقل ناقصًا أو كاملًا والأعلم عدمها ولما تفاوت أفراد البشر في كمال العقل المسمى شرعا بالاعتدال لتفاوت القابليات الخلقية والكسبية فإن البدن كلما كان أعدل وبالواحد الحقيقي أشبه كان نفسه الفائضة بكمال كرم الفياض أكمل وإلى الخير أميل وللكمال أقبل تفاوتًا تعذر الوقوف عليه أقام الشرع البلوغ الظاهر إذ عنده يحصل العقل بالملكة غالبًا حيث يتم التجارب ويتكامل القوى الجسمانية المسخرة للعقل بإذن الله تعالى الخالق للقوى والقدر مقام اعتداله الخفي تيسيرا كالسفر، إذا تحققت فنقول إما أهلية نفس الوجوب فالبذمة الحاصلة عند الولادة فلكل من ولد ذمة صالحة للإيجاب والإستيجاب يثبت له ملك الرقبة والمتعة وعلية الثمن والمهر بتصرف الولي، فأما الحمل فجزء من وجه حسًّا، ولذا لا ينفصل إلا بالقرض وحكما ولذا يعتق ويرق ويبتاع تبعًا لها دون وجه لانفراده بالحياة فلم يكن له ذمة مطلقة فصلح لأن يجب له كالعتق والإرث

والوصية والنسب لا عليه كالثمن ونفقة الأقارب ونحوهما من الضمانات والمؤن لكن الوجوب على المولود لا يقصد إلا لحكمه عن الاختيار وغرضه كالابتلاء والاختبار في العبادات والإنزجار في العقوبات فيبطل لعدمهما كما لعدم المحل في بيع الحر وإعتاق البهيمة ولانعدام الوجوب حكمه لم يجب القصاص على الأب لانعدام الاستيفاء ولم يجب الشرائع في الدنيا على الكفار عند مشايخ ما وراء النهر كالشيخين وأبي زيد زيادة للعقوبة بتركها عليها بترك الاعتقاد والكفر وجوب المعاملات والعقوبات وأصل الإيمان واعتقاد الشرائع إجماعًا لأهليتهم للمصالح الدنيوية والانزجار وأداء التصديق والإقرار والاعتقاد وذلك لانعدام صحة آدابهم كافرين لا يقال فليجب على تقدير الأيمان لأنه لو كان كذلك لوجب القضاء بعد الإيمان كصلاة النائم وصوم المريض إذ في مثله يتحقق نفس الوجوب ويتراخى وجوب الأداء خلافا للعراقية من مشايخنا والشافعية والمعتزلة وأئمة الحديث تمسكًا بعموم الخطابات كما قيل في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا} (البقرة: من الآية 21) أنه خطاب لجميع الفرق الثلاث أو لمشركي مكة كيف وقد ترتب عليه {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} (البقرة: من الآية 24) الآية وذا خطاب بشرط تقديم الإيمان كخطاب المحدث والجنب يصلوا وهذا غير الوجوب حال الكفر وعلى تقدير الإيمان قالوا الإيمان رأس نعيم الآخرة فلا يصلح للتبعية فلا يثبت اقتضاء كما لا يثبت الحرية في قوله لعبده أعتق عن نفسك عبدا أو تزوج أربعًا بخلاف خطاب المحدث والجنب قلنا قد مر مستوفي أن الخطاب بشرط الشيء لا يقتضي أن يكون ثبوت الشيء به فالإيمان ثبوته بخطأ بأنه لا بخطابات الشرائع على أن المقدمة الشرعية للواجب موجبة اتفاقًا من غير فصل كما مر كيف وعقوبتهم بترك اعتقادها لتوجه الخطاب فكيف يمنع في حقها بترك العمل ومثل هذا الخطاب للإذلال وعدم ثبوت الحرية في المسألتين لعدم أهلية المخاطب للتحرير المقتضي ومن مقتضي المقتضى ذلك وللكفار أهلية نفس الإيمان ولذا أيضًا لا يقتضى ما مضى من بلغ فني أثناء رمضان إذ لا أداء له حالتئذ للحرج بخلاف ما بقى وعليه يخرج الصوم والصلاة في الحائض إذ ليست أهلًا لأدائها للنجاسة ولا لقضائها للحرج بخلافه فإنها أهل لأدائه كالجنب والمحدث لكن منعها الشرع أمر حكميا فانتقل إلى القضاء لعدم الحرج وفي المجنون فإنه مع الاستيعاب ليس أهلًا لأدائها ولا لقضائهما للحرج كما في استيعاب الإغماء في الصلاة دون الصوم لندرته شهرا ومع عدمه أهل لأدائه حتى لو حسن بعد النية ليلًا فقد أدى ولأدائها باحتمال الإفاقة ولقضائهما لعدم الحرج.

تفريع: فالصبي الغير العاقل لإحكامه أقسام حقوق الله تعالى منها ما لا يجب كالعبادات الخالصة بالبدن أو المال أو بهما لا إذ لاختيار لا في الأداء ولا في الإنابة وليس المقصود المال ليعمل النيابة الجبرية وكالعقوبات مطلقًا مثل الحدود والكفارات إذ لا انزجار والصبا مظنة المرحمة بالحديث وللأمرين حجر عن الأقوال نحو الأقارير والعقود بنفسه ولا سيما المضرة نحو الطلاق والهبة ونحوهما وكعبادة فيها المؤونة كصدقة الفطر عند محمَّد رحمه الله لأن الحكم للراجح وقالا الإختيار القاصر بالولي يكفى للعبادة القاصرة بخلاف الزكاة وهذا لأن الكل يحتمل السقوط عن البالغ فعنه أولى ثم القول بعدم الوجوب لعدم حكمه أسلم من قول بعض مشايخنا بوجوب كالهائم السقوط بعذر الصبا لدفع الحرج بناء على صحة الأسباب وقيام الذمة وذلك صورة لقصر المسافة ومعنى لأن ما لا فائدة فيه فاسد وتقليدًا لأن الصحابة لم يقولوا بالوجوب عليه أصلًا وحجة إما نقلًا فلحديث "يرفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحلم" (¬1) ورفع القلم عدم الوجوب وإما عقلًا فإذ لو وجبت ثم سقط لوقع عن الفرض إذا أدى ومنها ما يجب لصحة القول بحكمه كمؤونة فيها عبادة نحو العسر حتى لم يجب على الكافر أو عقوبة كالخراج حتى لم يبتدأ على المسلم وذا الغلبة وحقوق العباد منها ما لا يجب كما خلص عقوبة نحو القصاص أو جزاء نحو حرمان الإرث بالقتل خلافًا للشافعي، وإما حرمانه بالرق لعدم أهلية الملك وبالكفر لعدم الولاية فليس جزاء لأنه انتفاء بانتفاء الشرط أو جزء العلة ومنها ما يجب كالغرم إذ العذر لا ينافي عصمة المحل نحو ضمان ما أتلفه بالانقلاب عليه وكالبدل نحو الثمن والأجرة وكالصلة المشابهة بالمؤن نحو نفقات الزوجات مطلقًا مؤنة من حيث إنها عوض الاحتباس صلة من حيث عدم تسميتها في العقد فوجبت عند مضي المدة بالإلتزام ولو مع الفقر وسقطت عند عدمه للشبهين ونحو نفقة الأقارب عند اليسار لأنها مؤونته وليس فيها معنى العوضية فلذا يسقط عند عدمه وبمضي المدة مطلقًا وذلك ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 46) ح (148)، واين خزيمة في صحيحه (2/ 102) ح (1003)، وابن حبان في صحيحه (1/ 355) ح (142)، والحاكم في مستدركه (1/ 389) ح (949)، والضياء فط المختارة (2/ 41) ح (415)، والترمذي (4/ 32) ح (1423)، وقال: حسن غريب. والدارس (2/ 225) ح (2296)، والبيهقي في الكبرى (3/ 83) ح (4868)، والدارقطني في سننه (3/ 138)، وأبو داود (4/ 139) ح (4398)، والنسائي في الكبرى (3/ 360) ح (5625)، وابن ماجة (1/ 658) ح (2041)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 118) ح (956).

لأن ما مقصوده المال يحتمل الأداء بالنيابة الجبرية إما الصلة المشابهة بالجزاء كتحمل العقل يشبه جزاء ترك حفظ السفيه والأخذ على يد الظالم ولذا اختص برجال العشيرة دون نسائهم إذ لسن من أهل الحفظ والمعونة فلا تلزمه. تنبيه: وهذا الصبي العاقل إلى هنا لاشتراك العلة، ومن أحكامه أنه يرث ويملك بمباشرة وليه إيمانه تبعًا لأبويه أو الدار وهذا كفره وارتداده تبعًا إذا ارتد أبواه ولحقا معه لا قصد إلا للحجر بل عدم ركنه وهو عقد القلب فإذا أسلمت زوجته لم يعرض على وليه بل أخر إلى أن يعقل لأن الصبا محدود بخلاف الجنون ولم يترك العرض لأن فيه حق العبد وإما أهلية وجوب الأداء فبالعقل والبدن الكاملين كالبالغ العاقل لأنه بالخطاب فلا بد من فهمه وقدرة المباشرة لمفهومه فمن خلا عنهما كما مر لا أداء له حكمة فلا وجوب أصلًا ومن قصرا فيه لا تكليف عليه رحمة كالصبي العاقل والمعتوه البالغ وإما أهلية الأداء أعني صحته فبالعقل أو البدن القاصرين كإيمان الصبي العاقل بلا وجوب أداء خلافًا للمعتزلة لما مر، لنا قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاث الحديث لكن مع نفس الوجوب لأنه بأسبابه المتحققة كأدلة الربوبية والذمة ولتحقق حكمه وهو الأداء عن اختيار ولذا يقع فرضًا ولا يلزم تجديده إذا بلغ، أما إذا صلى أول الوقت فبلغ في آخره أو أحرم فبلغ قبل الوقوف فقيل تجب عليه الإعادة وفي التقويم أنه يقع عن الفرضين لأن إسقاط الوجوب عنه كان نظرًا له ودفعًا للحرج والنظر هنا في أن لا يسقط ولذا أيضًا يفرق امرأته إذا أسلمت وأبى بعد العرض بخلاف الشرائع فإن فيها حرجًا بينًا في مظنه المرحمة. وقيل: لئلا يتضاعف القضاء ولا يتأتي في الحج على أنه لو حج لا يقع فرضًا كالعبد هذا مذهب الجمهور وقال السرخسي رحمه الله تعالى لما يثبت وجوب الأداء في حقه لم يثبت نفس الوجوب لأنه حكمها الأداء فإن ما يقتضيه شغل الذمة تفريقها إلا طالب تفريقها فذا حكم الخطاب. تفريع: فالصبي العاقل وهذا المعتوه البالغ لأحكامه في حق الأهليتين أقسام ستة لحقوق الله تعالى حسن لا يحتمل القبح وعكسه ومحتمل لهما وحقوق العباد نفع محض وضرر مخض ومتردد بينهما: 1 - كالإيمان بالله وصفاته يصح منه خلافا للأشاعرة والشافعي وقد مر لوجوده حقيقة ولا حجر منه شرعا ولثبوت أهليته للأداء قال الله تعالى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: من الآية 12) وفسر بالنبوة فلان يكون مهتديا من يصح هاديا أولى لكن بلا عهدة

وتبعة وهي في لزومه لا فيه لأنه سبب نيل فوز الدارين إما حرمان أرثه من أقاربه الكفار وفرقته من امرأته الكافرة فمع إمكان معارضتهما إذ يرث من أقاربه المسلمين ولا يفرق من امرأته التي أسلمت قبله يضافان إلى كفر الباقي لا إلى إسلامه ولو أسلم فمن ثمراته التابعة المفارقة لأمن حكمه الأصلي المعتبر فيه ولذا لم يعد إيمانه تبعًا لأبويه عهدة. 2 - كالكفر لا يعفي في أحكام الآخرة اتفاقا إذ لا احتمال للعفو عن الشرك بالنص وفي أحكام الدنيا كفرقة المرأة المسلمة وحرمان الميراث عن المسلم خلاف فيصبح ارتداده عند الإِمام ومحمد رحمه الله تعالى لوجود حقيقته وعدم احتماله العفو وقال أبو يوسف والشافعي الردة ضرر محض فلا يصح كالطلاق ولذا لا يقتل وإن بلغ مرتدا قلنا إفسادها الإيمان لا يحتمل العفو كما يفسد صلاته كلامه وصومه إفطاره وحجة جماعة ولذا لا يسقط بعد البلوغ فكذا بالصبي وعدم قتله قبل البلوغ لأنه ليس من أهل المحاربة كالنساء وبعده لشبهة الخلاف فيجبر على الإِسلام لا لعدم الأهلية إذ لو قتله أحد قبله أو بعده لا يضمن كالمرتدة قيل مذهب الإِمام مما يؤيد قول المعتزلة أن الصبي العاقل غير معذور في الجهل بالله وترك الإيمان به قلنا قول المعتزلة وجوب الإيمان عليه وقوله صحة الردة وكم بينهما. 3 - كالصلاة ونحوها من البدنية التي تشرع وقتا دون وقت يصبح بلا عهدة فيكون نفلا بلا لزوم قضاء ومضى بخلاف نحو الزكاة لتضرره بنقصان ملكه. 4 - وهو حق عبد فيه نفع محض مباشرته كقبول الهبة والصدقة لكفاية الأهلية القاصرة إذ صح منه مباشرة النفل بحديث "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا" (¬1) أي ضرب تأديب وكالإصطياد والاحتطاب نظيره قبول يدل الخلع من العبد المحجور بلا إذن المولى وكوجوب الأجر للصبي المحجور مطلقًا وللعبد بشرط السلامة إذا آجرا نفسهما وإنما العمل والقياس عدم وجوبه لعدم صحة العقد واستحسانًا فيهما لأن العقد يتمحض منفعة بعد إقامة العمل غير أن العبد ما دام في العمل مغضوب للمستأجر بصدد أن يملك بالضمان إن هلك فلذا شرط السلامة فيه بخلاف الحر وكوجوب الرضخ في مقابلتهما بلا إذن الولي والمولي استحسانا لأنه بعدها يتمحض ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 228) ح (3050)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 304) ح (3482)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 180) ح (6689)، وانظر/ الدراية في تخريج الهداية للمرغيناني (1/ 122)، نصب الراية للزيلعي (1/ 296).

منفعة لا في القياس لأنهما ليسا من أهل القتال كالحربي المنسأ من أن قاتل بإذن الإِمام استحق الرضخ وإلا فلا قيل ويحتمل تفرد محمَّد بهذا فيكون الخلاف فيه مبنيا عليه في صحة أمان الصبي والعبد المحجوزين عنده لا عندهما والأصح أنه جواب الكل بناء على تمحضه نفعا بعد القتال وكصحة عبارته وكيلا في البيع والطلاق ونحوهما لما فيها من نفاذ القول والاهتداء في التجارة وإذ بالبيان بأن فضل الإنسان على سائر الحيوان قال تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3، 4] وعدم قبول شهادته لعدم الولاية وإن صحت عبارته كالعبد لكن إذا لم يأذن وليه لم يلزمه العهدة برجوع حقوق العقد إليه من تسليم الثمن والمبيع والخصومة ونحوها كما يلزمه بالإذن إلا في المضاربة. 5 - وهو حق عبد فيه ضرر محض كالطلاق والعتاق والتبرعات من الهبة والصدقة والفرض وغيرها لا يملكه لأنه مظنة المرحمة عرفًا وشرعًا ولا يملكه عليه غيره لأن ولا يتهم نظرية ولانظر في الضرر المحض إلا عند الحاجة كما إذا أسلمت الزوجة وأبى الزوج فراق بينهما وكذا ارتد الزوج وحده وإلا القرض للقاضي للأمن بولايته عن النوى فالحق بالنفع المحض بخلاف الولي والوصي وغير القرض وإلا الأب في رواية يملك عليه القرض لعموم ولايته النفس والمال ولا الكتابة للأب والوصي استحسانًا بخلاف الإعتاق على المال وبيع الرقيق من نفسه لأنه يخرج عن الملك بنفس القبول والبذل في ذمة المفلس كالتاوي. 6 - حق عبد متردد كالبيع والإجارة والنكاح ففي الربح أو الخسران والأقل من أجر المثل ومهر المثيل أو الأكثر منفعة لأحد المتعاقدين مضرة للآخر ونحو الشركة وأخذ الرهن والشفعة وغيرها يملكه الصبي برأي الولي لأنه أهل الحكمة لمباشرة الولي والسبب يقصد للحكم وفيه فضل نفع البيان وتوسعة طريق توفير المنفعة وزوال احتمال الضرر بانضمام رأيه حتى صار كالبالغ فصح ببيعه من الأجانب بغبن فاحش لا بيع ومن نفس الولي وفي رواية عن الإِمام لزوال احتمال الضرر وفي رواية لا يصح لشبهة إنه كالنائب عن الولي من حيث احتياج رأيه إلى جابر وفي النائب من كل وجه كالوكيل لا يصح مع الأقارب أصلًا فكذا هنا في موضوع التهمة كما مع الولي بغبن فاحش وصح في غيره كما يمتثل القيمة أو مع الاجانب وقالا رأي الولي شرط الجواز فالجواز المتعدي إلى الصبي بإذنه كالجواز الخاص له بمباشرته وهو لا يملكه بالغين الفاحش فكذا الصبي والحق للإمام كاقرار الصبي بعد الإذن يصلح لا إقرار الولي ويبطل وصيته عندنا وإن مات بعد البلوغ خلافًا

الجزء الثاني في الأمور المعترضة عليها

للشافعي لأن فيه تحصيل الثواب بمال اتسغنى عنه قلنا تبرع محض كالهبة والنفع اتفاقي لا يعتبر كبيعة شاة مشرفة على الهلاك وطلاقه معسرة شوهاء ليتزوج أختها الموسرة الحسناء ولو سلم فانتقال ماله إلى الوارث انفع له بالحديث لوصلة الرحم وفي الإيصاء ترك هذا الأفضل وهو ضرر وإذ لا اعتبار للنفع المرجوح كثواب الصدقة فاندفع الانظار وشرع في حق البالغ كسائر المضار وإنما ثبت الرق إذا قربه على نفسه وهو مجهول الحال مع أنه ضرر لا باقراره بل لدعوى ذي اليد لخلوها عن المعارضة كالصبي الغير العاقل في يده ولأن المقر بالرق لا يمكن أن يجعل مدعيًا للحرية بوجه كما لم يجعل المرتد مع جهله بالله عالمًا به ولذا لا يخير الصبي بين الأبوين افتراقهما وقال الشافعي الحضانة للأم إلى سبع سنين ثم يخير الولد ذكرًا أو أنثى لأنه عليه السلام خيره وعندنا الذكر للأم إلى أن يستغنى والأنثى إلى أن تحيض ثم للأب ولا تخيير لاحتمال الضرر بل هو الغالب لأن الظاهر اختياره من يتركه خليع العذار ولا اعتبار لرأي الولي لأنه عامل لنفسه وتخيير النبي عليه السلام كان ببركة دعائه بقوله عليه السلام "اللهم سدد" وغيره ليس مثله قال الشافعي كل منفعة يمكن تحصيلها للصبي بمباشرة الولي لا تعتبر عبارته فيه وإلا تعتبر جرفة أن المولى عليه لا يكون وليًا لتضاد سمتي العجز والقدرة فلذا اعتبر عبارته في اختيار أحد الأبوين والإيصاء والتدبير وقال بصحة صلاته وأبطل إيمانه وردته لثبوتهما بتبعية الأبوين وصحح قبوله الهبة لسبع سنين دون وليه في قول وعكس في آخر ولا فقه هنا إذ لا منافاة بين تحصيل النفع مرة كإسلام نفسه وبالولي أخرى كتبعية الأبوين فلو اقتضي قصور عقله كونه موليًا عليه اقتضى أصل عقله كونه واليًا وقيد توسعة طرق المنفعة كالعبد والجندي تابعان في السفر والإقامة للمولى والأمير عند معيتهما أصيلان عند انفرادهما. الجزء الثاني في الأمور المعترضة عليها وهي عوارض الأهلية من عرض له ظهر فصد عن مضيه فإنها تمنع إما أهلية نفس الوجوب كالموت أو أهلية وجوب الأداء كالنوم والإغماء أو تغير بعض أحكامها كالسفر ولا يراد بها الحوادث في الإنسان ولا العوارض على ماهيته كما ظن فأشكل بنحو الصغر والجهل عكسًا والبلوغ طردًا وهي إما مكتسبة للعبد مكانة وإرادة في تحصيل نفسها لا شرعًا كالسكر والهزل والسفر أو إبقائها كالجهل والخطأ والسفه إما من محلها كهذه أو من غيره كالإكراه بنوعيه بخلاف الرق إذ حصوله شرعي لا إرادي وبقاؤه حكمى خلاف

بقاء نحو الجهل وإما سماوية (¬1) بخلافها كالصغر عارض على أهلية وجوب الأداء لأنها شأن العقل والبلوغ بخلافهما وكالجنون والعته والنسيان والإغماء فإنها أمراض لخصوصياتها أثر في سلب الأهلية أو تغيير كثير من الأحكام فلا يتكرر مع مطلق المرض بخلاف نحو الشيخوخة الفانية والحمل والإرضاع إذ لها تغيير يسير لم يعتبروا كالنوم فإن مكنة تحصيله أو إزالته في بعض الأحيان في بعض مقدماته لا في نفسه ولذا قد يغلب بدون إرادته بحيث لا يدفع بخلاف السكر فإن المكنة في سببه وهو الشرب ولا إرادته إما الرق فالمكنة في بعض سببه الذي هو الكفر مع الاستيلاء وبلا إرادته وكالموت فإن المكنة من الغير في القتل لا فيه وكالرق والمرض كما مر وكالحيض والنفاس فالسماوية أحد عشر قدمت على المكتسبة السبعة لأنها أشد تغييرًا، فمن السماوية الصغرى (¬2) حال ما بين الولادة والبلوغ علم أحكام مطلقة وقسمية ولا بأس بإعادتها إجمالا إما مطلقة فللذمة لا تنافي نفس الوجوب ولحكمه وهو الثواب بل وجوب الأداء إذ لا أداء بدون العقل حكمة ولا تكليف بدون كماله رحمة فلا عهدة يحتمل السقوط من المكلف فلا تبعة بوجوب الإيمان أو العبادات أو العقوبات أو الأجزئة والكفارات ولا بتنفيذ المضار المحضة والغالبة والتبرعات ولا بإلزام المعاملات أو حقوقها متوكلين بدون رأي الولي أو حقوق المضار ولو به ولا يقتل بالردة ولا يجب القضاء والمضي والجزاء في عبادات أفسدها بخلاف المنافع ومالا يحتمل السقوط كضمان المستهلك ونفقة الأقارب والزوجات فإن العذر لا ينافي عصمة المحل وكفاية المؤن وإما قبل العقل فلا صحة لأدائه أيضًا لعدم العقد الصريح والقصد الصحيح فلا يحكم بإيمانه وردته قصدًا بل بتبعية أبويه فيهما والدار أيضًا في الأول وإما بعد العقل فلإيمانه صحة ويقع فرضًا فيثبت ما بني على فرضيته من الأحكام ويكفيه إذا بلغ وفي ردته خلاف استوفى فجملة الأمر فيه أن يصح منه بمباشرته وله بمباشرة غيره ما لا عهدة فيه، والجنون مرض يمنع جريان الأقوال والأفعال على نهج كمال العقل إلا نادرًا لنقصان جبلة أو سبب عارض من سوء مزاج دماغ أو استيلاء تخيل فاسد (¬3) فمنه أصلي قارن البلوغ وعارضي حصل بعده وكل إما ¬

_ (¬1) وهو ما ثبت من قبل صاحب الشرع بلا اختيار العبد فيه، ولهذا نسب إلى السماء، لأنه خارج عن قدرة العبد. انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 338). (¬2) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 338). (¬3) انظر/ شرح النار لابن ملك (ص / 340).

ممتد لو غيره وهو بأقسامه كالصغر قبل العقل ففي الممتدة اتفاقًا قياسًا كحجر الأقوال وضمان الأموال على الكمال وكاعتبار إيمانه وكفره وردته تبعًا لأبويه فيما بلغ مجنونًا فارتد أبواه ولحقا معه بخلاف ما إذ تركاه هنا أو بلغ مسلمًا فجن أو أسلم عاقلًا فجن قبل البلوغ فلا بيعهما إلا في عرض الإِسلام على أبويه استحسانًا وتأخيره إلى أن يعقل في الصبا حين ارتدت زوجتهما لأنه غير محدود وإلا في عارضي غير الممتد فيجب عليه قضاء العبادات استحسانًا (¬1) خلافًا لزفر والشافعي قياسًا، وجه الاستحسان أنه مع عدم الحرج كالعدم كالنوم والإغماء وفي أصليه روايتان متعاكستان في الخلاف بين الإمامين المبني على أن الحرج للامتداد فقط أو له وللأصالة وحد الامتداد في الصلاة عند محمَّد رحمه الله بمضى أوقات ستة لأن الحرج بكثرة وظائفه وذا بالدخول في حد التكرار وعندهما بالزيادة على أربع وعشرين ساعة مستوية لأن المعتبر أدني الكثرة وذا باستيعاب وظيفة الوقت بخلاف كثرة الصلوات المسقطة للترتيب عند الفريقين إذ هي عندهما بخروج وقت السادسة وعنده بدخول وقته والفرق أن المعتبر ثمة أولًا وبالذات كثرة الصلوات وهنا كثرة الأوقات أعنى امتدادها واعتبار كثرة الوظائف لتحقيقها وكثرة الشيء بتكرره فيما أمكن فكثرة الوقت هنا بتكرار الوقت لكن بالنظر إلى نفسه عندهما تيسيرًا على العباد وإلى وظيفته المتحقق لزومها عنده تحقيقًا للامتداد إما كثرة الصلوات ثمه فبتكررها فائتة عندهما تغليظًا على المقصر وواجبة عنده توسيطًا بين الاعتبارات وتوسيعًا لمجال الوقتية والحق اعتبارهما لأن المجنون غير مقصر وإن الأصل فيه عدم اللزوم أصلًا وإن سقوط القضاء هو القياس واعتبار الامتداد له استحساني فالواجب إسقاطه بأسرع الاعتبارات بخلاف سقوط الترتيب في الأمور الثلاثة فاعتبر إبطاؤها وفي الصوم باستغراق شهره لا بتكراره لئلا يلزم الحرج المتضاعف بتعسر القضاء أو تعذره فيما يجن كل سنة ويفيق شهرًا أو يومًا ولئلا يزيد التبع مشروطًا على الأصل وفي أن افاقة الليل يمنع الاستغراق روايتان وفي الزكاة باستغراق الحول عند محمَّد رحمه الله وأكثره عند أبى يوسف رحمه الله وقد مر أن الأصل التيسير، والعته اختلال العقل آناءً (¬2) فآنا لا بمتناول فخرج الإغماء والجنون والسكر والتبنج وهو كالصبا مع العقل في صحة قوله وفعله بلا عهدة يحتمل السقوط وفي وضع الخطاب بالعبادات إلا عند القاضي أبى زيد احتياطًا فرقا بأنه في ¬

_ (¬1) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 340). (¬2) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 341).

وقت الخطاب بخلاف الصبا ومنعه أبى اليسر رحمه الله تعالى بأنه نوع جنون إذ لا وقوف له على العواقب وفي أنه يولى عليه واليًا وفي فرض الإِسلام على نفسه إلا عند مولانا الضرير رحمه الله فعنده كالجنون فيه إذ لا حد له مثله والحق للجمهور لصحة أدائه كالصبي العاقل وأراد محمَّد في الجامع بالمعتوه الذي فرض عرض الإِسلام على أبيه المجنون مجازًا فلا افتراق لهذا الإلحاق عند الجمهور افتراق إلحاق الجنون بغير العاقل من وجوه، والنسيان الغفلة عن بعض المعلومات فقط لا بآفة (¬1) فخرج النوم والإغماء والجنون وهو أعم من أن يتمكن من ملاحظته بأي وقت ولا إلا بعد تجشم كسب جديد وهو النسيان عند الفلاسفة والأول هي ذهولًا وتسميته سهوًا بل إذا اعتبر النسيان في طرف الحق فإظهار خلافه مع التنبه بأدني تنبيه سهو وبدونه خطأ. تقسيمه: أنه غالب له مظنة الغلبة وغير غالب ليست له حكمة أنه لا ينافي الوجوبين إذ لا يعدم الذمة والعقل لكن غالبه يعفى في حقوق الله تعالى لأنه من جهته كانت الغلبة لدعوة الطبع كما في إفطار الصوم أو لتغير الحال طبعا كما في ترك تسميته الذبيحة أو لاعتياد مثله كسلام القعدة الأولى بخلاف حقوق العباد لحاجتهم والكلام في الصلاة والأكل فيها والسلام على الغير لقيام الهيئة المذكرة ومن الثاني كل لسان يقع بالتقصير كما في حق آدم عليه السلام ونسيان المرء محفوظة مع قدرته على عدمه بالتكرار، والنوم فترة طبيعية غير اختيارية مانعة للعقل والحواس الظاهرة السليمة عن العمل (¬2) فخرج الإغماء والسكر والجنون والمرض حكمه أنه لا ينافي الوجوب لاحتمال الأداء حقيقة أو خلفا بالحديث فإن الأمر ولفظ عن فيه دليل قيام نفس الوجوب ثم لا حرج إذ لا يمتد عادة لكنه ينافي الاختيار للعجز عن استعمال العقل والحس الظاهر والحركة الإرادية فأوجب تأخير الخطاب بالعبادات وبطلان العبارات من الطلاق والإعتاق والإِسلام والردة والإقرارات وكذا القراءة والكلام في الصلاة فلا يفسد بالكلام نائما واختير في الفتاوى إفساده وفي القهقهة نائما أربعة أقوال أصحها أن لا يفسد الصلاة كالكلام ولا الوضوء لأن كونها حدثا لقبح قصدها حالة المناجاة ولا قصد مع النوم وقيل: يفسدهما لاستواء الحالين فيما اعتبر حدثا كالبول والاحتلام وقيل: الأولى فقط للقول بأنها كالكلام وأنه مفسد لها دونه لقصور معنى الجنابة كقهقهة الصبي. وقيل: الثاني فقط فله أن يتوضأ ولا ¬

_ (¬1) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 342). (¬2) انظر/ شرح المنار لابن ملك (ص / 343).

يبنى لأنها بالنسبة إليها كالكلام وإليه كالاحتلام، والإغماء فتور غير طبيعي لا بمتناول يعطل القوى ولا يزيل الحجة حتى لم يعصم عنه النبي عليه السلام بخلاف الجنون فخرج النوم والتبنج والعته والجنون حكمه أنه كالنوم في فوت الاختيار وبطلان ما بني عليه بل أقوى وفارقه في منعه بناء الصلاة وكونه حدثا مطلقا قليلًا أو كثيرًا مضطجعًا أو غيره إذ هو لكونه نادرًا وعارضًا فوق الحدث والنوم فلم يلحق بهما ولكونه مرضا ثقيل السبب لا يزول بالتنبيه اشتد منا فإنه لتماسك اليقظة والنوم خلقي وغالب وسببه وهو ارتقاء البخار إلى الدماغ سريع الزوال بالتنبيه فلذا نوم المضطجع إذا لم يتعمده حدث لا يمنع البناء كالزعاف ولأنه يزيل الحجة كالنوم لا يسقط عبادة ما قياسا لكن اعتبر امتداده استحسانا في إسقاط الصلاة بأثر ابن عمر - رضي الله عنه - لوقوع امتداده المعتبر فيها كثيرًا لا في الصوم والزكاة لندرته فيهما فجعل العقل موجودًا في ممتده معدومًا لتخرج كما جعل معدوما في غير ممتد الجنون موجودا لعدمه استحسانا فيهما. والرق لغة: الضعف، وشرعا: عجز حكمى بقاء شرع في الأصل جزاء أي عجز عن طور تصرف الأحرار شرع في الابتداء جزاء على استنكاف الكفار عن عبادة الواحد الجبار فحينئذ كان حق الملك القهار ثم حكم في البقاء من غير مراعاة معنى الجزاء أن يكون البشر به عرضة للتملك كالجماد وصار حقا للعباد وإن كان أتقى العباد وحكمه أنه لا ينافي الوجوبين والأداء غير أنه يختص بأشياء: 1 - أنه لا يتجزا لأنه أثر الكفر ونتيجة القهر وهما لا يتجزآن ولما في الجامع من أن مجهول النسب المقر برق نصفه رقيق كله في الحدود والارث والنكاح وتوابعه ولم ينقسم فيه باعتبار تنصفه وكذا في الشهادة حيث لم يجعلا كحرّ وولايتهما تامة كالمرأتين وتكلمها كتكلمه وذا مما يمكن حاصل لأنه أمر اعتباري ولا حجر في الاعتبار فلا طعن بأن التكلم لا يتصور من النصف ولا بأن رد الشهادة يجوز أن يكون لاشتراطها بحرية الكل إذ ذلك أيضًا لا يناسب التجزي بل الاستدلال في الحقيقة بذلك على أن الكل الاعتباري متحقق وأيضًا الشرع لم يعتب انقسامه إجماعا والدلالتان اللمية والآنية ناهضتان على ذلك فأي توجيه في الطعن بأن الشرع يمكنه أن يقسمه بقاء بأن يجعل خدمته يوما لمولاه ويوما لنفسه ولأنه معنى حكمي حل بالمحل كالعلم وضده فكذا ضده وهو العتق فإنه قوة حكمية يصير به أهلا للمالكية والولايات وإذ في تجزئته فكذا الإعتاق عندهما فمعتق البعض حر مديون لأنه إثبات العتق فلو لخزي بدونه وجد بدون مطاوعة ولازمة كالكسر بدون الانكسار وعند الإِمام رحمه الله يتجزى فمعتق البعض مكاتب إلا في الرد

إلى الرق لأنه إزالة الملك المتجزي زوالا وثبوتا بيعا وشراء فمطاوعه زواله لا ثبوت العتق ولا زوال الرق بل ذلك حكم لا يتجزى تعلق بزوال كل الملك فزوال كل الملك فزوال بعضه بعض عليه كغسل أعضاء الوضوء لإباحة الصلاة وإعداد الطلاق للحرمة الغليظة إما أن الإعتاق إزالة الملك لأن العتق والرق حق الله تعالى ثبوتا وحق العبد هو الملك وهو لازم الرق متابعة ثبوتا وابتداء فيكون ملزومة ومتبوعه زوالا كما أنه متبوعه بقاء ليلًا في التصرف حق المتصرف ويكون زوال حق الله تعالى ضمنيا وكم مما يثبت ضمنا ولم يثبت قصدا ويكون أثر إعتاق البعض إفساد الباقي لإزالته حيث لا يملك المولى بيعه ولا لبقاءه في ملكه ويكون العبد أحق بمكاسبه وذلك معنى كونه مكاتبا. 2 - أنه للملوكية مالا ينافي مالكيته لتضاد سمتي العجزة والقدرة من جهة واحدة خلاف المملوك متعة المالك كما قال الله تعالى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] فلا يملك العبد والمكاتب النسري وإن أذن خلافاًَ لمالك رحمه الله ولا يقع حجة الإِسلام منهما لكون منافعهما للمولى كذاتهما إلا ما استثنى من القرب البدنية المحضة فلا قدرة له مالًا وبدنا بخلاف الفقير إن منافعه له فاصل القدرة حاصل له واشتراط الزاد والراحلة لوجوبه لا لصحة أدائه إذ هو لدفع الحرج تيسيرا فلو لم يعتبر لعدمهما لكان تعسيرًا ولا ينافي مالكية غير المال إذ ليس مملوكًا من جهته كالنكاح والدم والحياة ولذا ينعقد نكاحه وتوقفه على إذن المولى لدفع ضرو تعلق المهر بماليته وصحة جبره عليه لتحصينه من الزنا فإنه هلاك معنى لا لأنه المالك ولا يملك المولى قتله ويصح إقراره بالحدود والقصاص وبالسرقة المستهلكة مأذونا ومحجورًا إذ ليس فيها إلا القطع وبالقائمة مأذونًا لأن إقراره يعمل في النفس والمال إما محجورا فكذا عند الإِمام مطلقا لأن المال تبع لا عند محمَّد رحمه الله مطلقا لأن المال الذي في يده للمولى ولذا لا يصح إقراره بالغصب ولا قطح بماله ولأن المال فيها أصل في الأصل والإقرار فيه على الغير فيفسد في التبع أيضًا وعند أبي يوسف رحمه الله يصح في القطع لأنه على نفسه دون المال لأنه على مولاه وفي التبعية جهتان متعارضتان والحكمان قد ينفصلان فالمال بلا قطع في ما يثبت بشهادة رجل وامرأتين وعكسه في الهالكة قلنا إذا ثبت القطع تبين نفل العصمة وتبعية المال والخلاف فيما إذا قال المولى المال والخلاف فيما إفا قال المولى المال مالى فإن صدقة يقطع إجماعًا. وقال زفر رحمه الله: لا قطح بإقراره بل يضمن المال في الحال مأذونا وبعد العتق محجورا فاصله عدم صحة إقراره بالحدود والقصاص لكونه على المولى لكن

يضمن المال عند الاذن تسليط المولى قلنا وجوب الجزاء تكليفي وهو مكلف والتكليف من حيث أنه آدمي فيصح إقراره به من تلك الحيثية وبالمال تبعا وكم مما يثبت تبعًا لا قصدا ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يلحقه من الإضرار. 3 - أنه ينافي كمال أهلية الكرامات البشرية كالذمة وحل الاستمتاع والنقمة إما ذمته فتضعف عن تحمل الدين بلا انضمام مالية الرقبة والكسب لا بمعنى أن يستسعي بل أن يصرف كسب المأذون الموجود أولًا إلى الدين فإن لم يعرف تباع رقبته إن أمكن لكن في دين لا تهمة في ثبوته كدين الاستهلاك وكذا دين التجارة خلافا للشافعي لأن رقبته كإكساب المولى وآذنه مختص بكسب العبد قلنا تعليق الدين بالرقبة ليس باعتبار الاذن والرضاء كدين الاستهلاك بل باعتبار ثبوته في حق المولى ومالية الرقبة أقرب الأموال إليه ولم يقدم الاستيفاء منه لرعاية ملكه في عينه ولأن تعيين طريق التضمين ليس دأب المحاكمة ولا يباع فيما أقربه المحجور لا المأذون وكذبه المولى أو تزوج بلا إذنه ودخل بها إذ الوطيء لا يخلو من الضمان الجابر أو الحد الزاجر والشبهة تمنع الثاني فيؤخران إلى عتقه وإما الحل فيتنصف بتنصف محله في حق الرجال فلا ينكح الاثنتين خلافا لمالك رحمه الله وباعتبار الأحوال في حق النساء فيجوز نكاح الأمة متقدما على الحرة لا متأخرا أو لما تعذر التنصف في المقارنة غلب الحرمة وبتنصف توابعه أيضًا من العدة والطلاق لكن الواحدة لا تتجزى فيتكامل ومن القسم ولكون عدد الطلاق اتساع المملوكية وعدد إلا الطلاق اتساع المالكية اعتبر الطلاق بالنساء اعتبار النكاح بالرجال إجماعا خلافا للشافعي (¬1) وذلك لأن النكاح لهم عليهن فاعتبر بهم وكان الطلاق الذي يرفعه لهن معتبرًا بهن تحقيقًا للمقابلة وإما النقمة فلأن نحو الذمة والحل وغيرهما من الكرامات نعمة فلما تنصفت، تنصفت النقمة بالجناية على موليها لأن الغم بالغرم كالرجم فينصف الحدود فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وهذا إذا أمكن وإلا كالقطع يتكامل إما انتقاص ضمان قيمته عبدا عن دية الحر بعشرة دراهم وأمة عن دية الحرة بعشرة دراهم أيضًا في ظاهر الرواية وعن الحسن بخمسة دراهم ولم تلزم بالغة ما بلغت فذا عندنا خلافا لأبي يوسف والشافعي لأن الضمان بدل المالية لا الآدمية ولذا يجب للمولى المال لا الإبل ولا للورثة ولو قتل العبد المبيع قيل القبض يبقى العقد ببقاء المالية أصلًا أو تبعًا ويختلف باختلاف صفته من الحسن والخلق ولا يعتبر الصفات في بدل النفوس بل الأموال فصار كالغصب ¬

_ (¬1) انظر/ المبسوط لشيخ الإِسلام السرخسي (6/ 39).

قلنا بل بدل الآدمية لأن الله تعالى سماه دية بقوله {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: من الآية 92] وهي اسم الواجب بمقابلة الآدمية ولأنها أصل والمالية تبع إذ تفوت بفوات النفس كما في الموت ولا عكس كما في العتق وأعلى أمري الشيء هو المعتبر عند تعذر الجمع ولا لقسك ببقاء العقد لأنه لفائد تخيير المشتري لا لأنها بدل المالية حتى تبقى بعد القتل عمدا وليس القصاص بدل المالية، ثم تقول لما كان ضمان النفس باعتبار خطرها وذا بالمالكية لا بالمالية المملوكة وللمالكية نوعان للرقبة والمتعة وهما من حيث نوعيتهما مما يتحققان في الرقيق لكن ناقصا بقدر مرجوح مبهم إما مرجوحيته فلأن مقصودهما التصرف والتملك وسيلته إذ عند امتناعه بالبعد أو مانع آخر فالتملك كعدمه وجل الشيء بمنزلة كله فالرقيق يحيطه التصرف فيهما والتملك في المتعة كان كالمستكمل لهما وليس مستكملا حقيقة وإما مهمته وإذ لولا رواية فيه بالتنصيف أو التربيع وهذا بخلاف المرأة فإن قولنا دية المرأة علة النصف من دية الرجل روي موقوفًا على عليّ - رضي الله عنه -ومرفوعًا إلى النبي عليه السلام وسره إنها مالكة للمال كملا دون النكاح أصلًا نقصنا دينه عن دية الحل إظهار الانحطاط رتبته لما ذكر بأثر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - لأنه قدر له خطر شرعًا فإنه بدا العضو المحترم ثم على رواية الحسن نصف ذلك النقص في الأمة تنصيف دية الحرة فملحوظ النظر في هذا الأثر نوعية التمليكين في صنف الرقيق وجعل مقصود التصرف راجحًا على وسيلة التملك وسقط بذلك وجوه من الطعن: 1 - أن كلا من الملكين ثابت من وجده دون آخر فالمال يدًا لا رقبة والنكاح عقدًا لا بتاتًا واثنتين لا أربعًا فينبغي أن تنصف وذلك برجحان التصرف وإن توقف النكاح لدفع ضرر المولي بالمهر وإن انتقاص المنكوحة وتوابعه الانتقاص الحل انتقاص في الأفراد لا النوع وذا الغير مضبوط فلم يعتبر. 2 - أن ملك النكاح وإن سلم أنه تام فملك المال نصف فينبغي أن يتربع وذلك بتنزيل جل الشيء منزلة كله. 3 - أن ملك اليد إنما هو في المأذون والكثير هو المحجور فينبغى أن يكون حاله هو المعتبر أولا يكون حكمه كذلك وذلك لأن العبرة لنصف الرقيق دون أفراده ولقدرته الإمكانية لا الفعلية. 4 - أن انتقاض مالكيته بقدر يسير بوجوب كون الانتفاض في جميع أحكامه كذلك وإن لا يتنصف شيء منها وذلك لأن التنصيف منصوص فيها ومبنى على الكرامات الآخر

كالنعمة والحل لا على المالكية وسره أن الرقيق موجود من وجه دون وجه ولذا كان الإعتاق إحياء ومكلف ببعض العبادات فكذا ببعض المزاجر والمعاملات. 5 - أن ملكة النكاح لما تم وسيلة ومقصودًا ينبغى أن لا ينتصف شيء مما يتعلق بهما يتكمل كالحر كعدد الزوجات والقسم والطلاق والعدة وذلك لأنه من انتقاص الأفراد لا النوع إذ ماهية النوع كاملة في كل فرد ولأن عدم التنقيص من جهة وعلة لا ينافيه بأسباب اخر كنقصان الكرامات الآخر من الحل وغيره فيما ذكر كيف وكثير منه كالثلاثة الأخيرة إنما هو باعتبار الزوجة المملوكة فإني يتنصف باعتبار مالكية الزوج والتمسك الجديد للبعض بأن المعتبر ماليته والنقص لدفع شبهة المساواة مما يخالف أصلنا المقرر في المبسوط والهداية والأصول. 6 - انه لا ينافي كمال أهلية اليد والتصرف للمأذون لأن الاذن عندنا فك الحجر وإسقاط الحق ولذا لم يقبل التأقيت فيظهر مالكية العبد بدا وأنه أصيل فيه كالمكاتب ابتداء وليس وكيلًا لأنه يتصرف في ملك غيره إذ الملك أولًا للمأذون ولذا يصرفه إلى قضاء دينه ونفقته وما استغنى عنه يخلفه المولى فيه كالوارث مع المورث ولذا بقي الإذن بمرضه مع تعلق حق الوارث والغريم ولم يبطل وكالوكيل في بقاء الإذن ولذا كان له حجره بدون رضائه بخلاف المكاتب وذلك في مسائل مرض المولى وعامة مسائل المأذون فمن الأول أن بيعه وشرائه ما في يده في مرض الولي بغبن يسير أو فاحش يعتبر من الثلث وينزل منزلة تصرف المولى بنفسه وإما لن المحاباة بغبن فاحش باطلة عندهما فلأن المأذون لا يملكها عندهما في الصحة أيضًا ومن الثاني أن مأذون المأذون لا يتحجر بحجر الأول كوكيل الوكيل ويتحجر أن يموت المولى وجنونه مطقًا وارتداده وقتله ولحاقه كما ينعزلان بها في الموكل ويشترط علمه بالحجركعلمه بالعزل، وقال الشافعي - رضي الله عنه - هو كالوكيل مطلقًا ليس تصرفه لنفسه وبأهليته بل بالاستفادة من المولى ويده يد نيابة كالمودع ويظهر الخلاف في إذن العبد في نوع من التجارة يعم عندنا ويختص عنده كالوكالة لأنه لما لم يكن أهلًا للملك لم يكن أهلًا لسببه وهو التصرف، لأن السبب لا يشرع إلا لحكمه قلنا أصل مقصود التصرف ملك اليد وهو حاصل فلا يبالي بانتفاء وسيلة له هى ملك الرقبة ولا سيما هو أهل التكلم يقبل رواياته في الأخبار والديانات وشهاداته بهلال رمضان ويجوز توكله وأهل الذمة لأنه عاقل يخاطب بحقوق الله تعالى ويصح إقراره بالحدود والقصاص والدين ولو محجورًا حتى يؤاخذ به بعد العتق ولو كفل إنسان به صح وطُلِب في الحال ولا

يتصرف مولاه في ذمته بأن يشتري شيئًا على أن الثمن في ذمته إما صحة إقراره عليه فلملكيته ولذا يصح بقدرها لا زائدًا عليها كما لو أقر على نفسه فإذا احتاج إلى قضاء الدين يؤهل له دفعًا للحرج وأقل طرقه البديل هو الأصل كما مر والملك ضرب قدرة شرع لضرورة التوسل إلى قضاء الحاجة ودفع طمع الغير عن العين على أن ملك اليد غير مال فالرق لا ينافيه ألا يرى إلى ثبوت الحيوان في الذمة في الكتابة بمقابلته والحيوان لا يثبت في الذمة بمقابلة المال كالبيع بخلاف النكاح والطلاق. 7 - أنه لا يوثر في عصمة الدم تنقيصًا واعدا إما لأنها مؤثمة بالإيمان ومقومة بداره والعبد فيهما كالحر فيقاد له خلافًا للشافعي - رضي الله عنه - لأن القصاص ينبي عن المساواة في المكاملات البشرية والمالية دخل بها قلنا في العصمتين وإلا لم ينضبط. 8 - أنه يوجب نقصًا في الحج والجماد لما أن منافعة تبعًا لذاته للمولى إلا فيما استثنى من عبادة لا يلحق بها ضرر للمولى وهما لم يستثنيا للحوقه بهما فلا يستوجب منهما كاملًا بل إن لم تقاتل فلا شيء له وإن قاتل بإذن أو بدونه يرضخ له وإما ملك النقل فليس من الكرامة ولا الجماد ولذا سوى بين الفارس والراجل بل بإيجاب الإمام. 9 - أنه ينافي الولايات المتعدية كلها نحو الشهادة والقضاء وتزويج الصغير والصغيرة لأنها من القدرة وإذ لا قاصرة فلا متعدية ويقال المراد كمال الولايات أعني القصدية وإلا فقد بلى على نفسه بالإقرار بالقصاص والحدود وفيه إتلاف مال المولى ضمنًا فلا يصح أمان المحجور أما أمان المأذون فلشركته في الغنيمة يلزمه ثم يتعدى لعدم تجزيته كشهادته بهلال رمضان فليس ولاية بل التزامًا يوجب تعديًا لا يقال كيف يشرك من لا يملك فالرضخ لمولاه بدلالة مسألة السير أنه بعد حصول الغنيمة لو أعتق بأخذ الرضخ مولاه وأيضًا يستحقه المحجور فيصح أمانه كمذهب محمَّد والشافعى لأنا نقول يستحقه باعتبار السبب ويخلفه المولى فيه كما مر وهذا في المأذون يتصور فالرضخ في المحجور استحساني لأنه بعد إصابة الغنيمة نفع محض فيه إذن دلالة أو استحقاقه بعدها لا في وقت الأمان قبل الحرب أو الإيمان من القتال فالمحجور لا يملكه لو الإيمان اضرار للمولى فلا يجوز بلا إذنه. 10 - أنه ينافي ضمان ما ليس بمال هو صلة بخلاف المهر ولذا لا يجب عليه نفقة الزوجات والمحارم لأن الصلة كالهبة فلا يجب الدية في جناية العبد خطأ لأنها صلة في حق الجاني إذ ليس في مقابلة المال أو المنافع ولذا لم يملك إلا بالقبض ولا يجب فيها الزكاة إلا بحول بعده ولا يصح الكفالة بها خلاف بدل المال المتلف وعوض في حق المجني عليه لأن

والحيض والنفاس

الدم لا يهدر ولا عاقلة له أو لما لم يجب عليه لم يتحمله العاقلة فأقام الشرع رقبته مقام الأرش فصارت جزاء لجنايته فإذا مات العبد لا يجب على المولى شيء لا أن يشأ المولى الفداء فيعود إلى الأصل ويكون كالأرش عند الإِمام فإنه الأصل كما في الحر والنقل كان لعارض أبطله اختيارًا لفداء فلا يعود بإفلاس المولى إلى رقبة العبد لا سيما وأنه يحتمل الزوال وعندهما بمعنى الحوالة كأن العبد أحال الأرش على المولى فبإفلاسه يعود إلى الرقبة كما في الحوالة وقيل: فرع اختلافهم في التفليس. والحيض والنفاس الحيض لغة الدم الخارج من القبل وشريعة دم ينقضه رحم بالغة لأداء فخرج الاستحاضة وما تراه بنت ما دون تسع سنين، والنفاس هي الدم الخارج من الرحم عقب الولادة فخرج الاستحاضة والحيض ودم ما بين ولادتي بطن واحد على مذهب بعض، حكمهما أنهما لا تحلان بالذمة والعقل والبدن فلا تعدمان الأهلية وكان ينبغي أن لا يسقطا الصلاة كالصوم لكن نص اشتراط الطهارة عنهما في جواز أداء الصلاة قياسًا لنجاستها والصوم على خلافه لتأدية بدونها فبفواتها فات أداؤها ونفس الوجوب مما يؤدي قضاؤه إلى الحرج كالصلاة التي شرعت على نوع يسر ولذا وجبت حسب القدرة من القيام وغيره واقتصرت من خمسين الكائنة في الأمم السالفة على خمسة إذ يدخل في حد التكرار في الحيض كليًا لأن أقله ثلاثة أيام وفي النفاس غالبًا لا مما يؤدي إليه كالصوم والنفاس اعتبر بالحيض فلم يعتبر استغراقه رمضان لأن وقوعه فيه نادر كاستيعاب الإغماء وكذا في الجنون لكن لكونه مسقط الأهلية بخلافهما رجح فيه جانب الإسقاط على أن الامتداد فيه غالب حتى قبل من جن ساعة لم يفق أبدًا، والمرض هيئة غير طبيعية يحدث عنها بالذات آفة في الفعل من تغير كتخيل صور لا وجود لها أو نقصان كضعف البصر أو بطلان كالعمى، حكمه أنه لا ينفي أهلية الحكم أي نفس الوجوب ووجوب الأداء في جميع الأقسام ولا أهلية العبادة حتى لا يعتبر بها فلم تنحجر أقواله لكنه بترادف الآلام يتسبب للموت الذي هو عجز خالص فشرعت العبادات فيه بطريق المكنة وعلة لخلافه الورثة والغرماء في المال وكان سبب تعلق حقوقهما به فإذا اتصل بالموت إذ لا يظهر سببية الخلافة إلا به يوجب الحجر مستندًا إلى أوله في قدر ما يصان به حقهما وهو بعد ما تحتاج إليه نفسه مالية الكل في الدين المستغرق ومالية قدره في غيره للغرماء وعين ما فضل من التجهيز والدين والوصية للورثة فما يحتاج إليه النفقة وأجرة الطيب لبقائه

ونكاحه بمهر المثل لبقاء نسله فإنه كبقائه ووصية الثلث جعلها الشرع من حاجاته استحسانًا لتدارك تقصيرات حياته وإنما استخلصه واستورثه على الورثة بالقليل وهو الثلث ليعلم أن الحجر والتهمة أصل فيه حتى ندب النقص من الثلث فقيل كل تصرف يحتمل الفسخ يصح حالًا وينقض أن احتج إليه كالهبة والصدقة والمحاباة وغيرها ومالا يتحمله جعل كالمعلق بالموت كالإعتاق فينفذ إن لم يقع على حقهما بأن يخرج من ثلث ما فضل من الدين بعد التجهيز وإن وقع جعل كالمكاتب وكان عبدًا في شهادته وأحكامه إلى أن يؤدي كل القيمة مع الدين المستغرق ويقدره مع غيره وثلثي ما فضل منه للارث فلذا حجر عن الصلاة والتبرعات وعن أداء حق مالي والإيصاء به إلا من الثلاث، وعند الشافعي رحمه الله معتبر بحقوق العباد أوصي أم لا ولما تولى الشرع الايصاء للورثة وأبطل إيصائه بطل صورة فلا يصح بيعه من الوارث عند الإِمام رحمه الله أصلًا إذ فيه إيثاره بالعين وعندهما يصح يمثل القيمة نظرًا إلى المالية قلنا واجب اعتبار عينة أيضًا فإن فيها من منافسة الناس ما ليس في معناه ومعنى فلا يصح إقراره له ولو باستيفاء دين الصحة الذي له على الوارث وحقيقة بأن يوصي له وشبهة بأن باع الجودة في حقه لأن في العدول إلى الجنس تهمة الوصية بالجودة وشبهة الحرام حرام بل وفي حق الأجنبي حيث اعتبرت الجودة من الثلث كما تقومت في حق الصغار فيما باع الأب والوصي ما لهم من نفسه لو من غيره فلم يجز بيع الجيد بالرديء من جنسه ولما تعلق حق الوارث بالمال صورة ومعنى في حق أنفسهم حتى لم يجز البيع منهم كما مر وأخذ بعض الورثة عين التركة وإعطاء قيمته للآخر إلا برضاه ومعنى في حق غيرهم حتى جاز بيع المريض من الأجانب بمثل قيمته لا أقل وكذا حق الغريم صورة ومعنى في حق أنفسهم حتى لو قضي المريض دين البعض بالعين شاركه الباقي ومعنى في حق غيرهم حتى جاز للوارث استخلاصه العين بأداء القيمة لم ينفذ عتاق المريض في الحال بل وجب السعاية لشغل المحل فهو تفريغ التعلق معنى ونفذ إعتاق الراهن لأن حق المرتهن في ملك اليد لا الرقبة وزواله ضمني فإن كان غنيًا فلا سعاية أو فقيرًا فيسعى العبد في أقل من الدين وقيمته ويرجع على المولى حين غنائه فمعتق الراهن حر مديون ومعتقه كالمكاتب وفي أن تولى الله تعالى الإيصاء للورثة يبطل وصية الثلث، لهم بحث فإن التولى في الثلثين وجوابه أنه في الكل إذ فيما لا وصية ولا دين يقتسمونه لا يقال ففيما أوصي لهم بالثلث لا تولي إلا في الثلثين لأنا نقول

نعم لو جاز إلا أنه لا يجوز لعموم قوله عليه السلام "ألا لا وصية لوارث" (¬1) وبدلالة تخصيص الوارث إذ فيما وراء الثلث غيره كهو، والموت فساد بنية الحيوان أو عدم الحياة عما من شأنه وقيل: عرض يضاد الحياة لقوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ} [الملك: من الآية 2] وربما يفسر الخلق بالتقدير، حكمه أنه عجز كله فخرج الكل ويتعلق به أحكام الدنيا والآخرة وكل منهما أربعة أقسام فالدنيوية ما كلف به وما شرع عليه لحاجة غيره وما شرع له وما لا يصلح لحاجته: 1 - كل ما كلف فيه وضع عنه إذ لا اختيار فلا اختيار إما ثمة فمن الآخروية بالباقية. 2 - ما شرع عليه لحاجة غيره أقسام ثلاثة: أ- ما تعلق به حق الغير بعينه كالمرهون والمستأجر والمغصوب والوديعة والمشتري قبل القبض والعبد الجاني يبقى ببقائها لأن المقصود العين لا فعله فيها. ب- ما تعلق حقه بذمته لا يبقى حتى يضم إلى الذمة المقدرة مال أو كفيل يؤكدها فتصير كالمحققة فلا يصح الكفالة عن الميت المفلس عنده صحتها مع المال أو الكفيل بخلاف الرقيق المحجور حيث يصح الكفالة بما أقربه فيؤخذ بها في الحال لأن ذمته في نفسه كاملة لحياته ومكلفيته إلى ذمته المولى ليمكن الاستيفاء منها وقالا يصح لأن الدين مطالب به في نفس الأمر ولذا يؤاخذ به في الآخرة وفي الدنيا إذا ظهر مال وجاز التبرع بقضائه ولو برئ لما حل أخذه وإنما لا يطالبه لعجزنا لإفلاسه كدرة أسقطها في البحر غير مالكها والعجز عن المطالبة لا يمنع صحة الكفالة كما لو كفل عن حي مفلس وبدين مؤجل يؤيده أنه عليه السلام امتنع الصلاة على المديون فقال علي - رضي الله عنه - أو أبو قتادة على فصلى عليه قلنا بل تترك مطالبته لمعنى في محله وهو خراب الذمة بخلاف الحي والمؤجل فإن المطالبة في الحي صحيحة لا سيما عند الإِمام النافي للإفلاس وفي المؤجل موخرة التزامًا بالعقد لمعنى فينا كعجزنا في الدرة الساقطة والمؤاخذة أخروية باقية وظهور المال مؤكدة وصحة التبرع لبقاء الدين بالنظر إلى ربه إذ سقوطه عن المديون للضرورة فيتقدر بقدرها فلا يظهر في حق من له والحديث يحتمل العدة إذ لا كفالة للغائب المجهول وأيضًا ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود فما المنتقى (1/ 238) ح (949)، والشياء في المختارة (6/ 149) ح (2144)، والترمذي (4/ 434) ح (2121)، والدارمى (2/ 511) ح (3260)، والبيهقي في الكبرى (6/ 212) ح (11982)، والدارقطني في سننه (3/ 40)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 234)، وأبو داود (3/ 114) ح (2870)، والنسائي في الكبرى (4/ 107) ح (6468)، وابن ماجة (2/ 905) ح (2712)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 186).

لا دلالة فيه على أن لا مال له ولأن سقوط الدين لخراب الذمة لزمه مضافًا إلي سبب وجد في حيويته كمن حفر بئرًا فتلف بها إنسان أو مال بعد موته لزم ضمان النفس على عاقلته وضمان المال في ماله. ج- ما شرع عليه صلة للغير كالزكاة وصدقة الفطر ونفقة المحارم يبطل لأنه فوق الرق المبطل للصلة ويصح وصية الصلة من الثلث. 3 - ما شرع له يبقى ما يقتض به حاجته فيقدم بعد حق تعلق يعين جهازه لأنه كلباسه ثم ديونه لأنه حائله بينه وبين الرب ثم وصاياه من ثلث ما بقي منها لما مر يورث خلافه عنه نظرًا له من وجه فيصرف إلى من ينتمي إليه نسبًا ودينًا أو سببًا ودينًا كالولاء والزوجية. أو دينًا بدونهما كعامة المسلمين ولذا بقيت الكتابة بعد موت المولى لحاجته إلى ثواب فك الرقبة وبعد موت المكاتب عن وفاء لحاجة المكاتب أن ينال الحرية ويعتق أولاده ويسلم إكسابه بالأولى ولذا ندب فيه حط بعض البدل عندنا ووجب حط ربعه عند الشافعي - رضي الله عنه - وها هنا أبحاث من طرف الشافعي القائل ببطلان الكتابة عند موت المكاتب وما ترك لمولاه: 1 - أن بقاء الكتابة بعد المولي بقاء للمالكية الصالحة لحاجته لأنها له إما بعد المكاتب فبقاء للملوكية إذ المكاتب عبد وهي لا تصلح لحاجته لأنها عليه لا له. 2 - أن المكاتب معقود عليه فالعقد يبطل بهلاكه بخلاف العاقد. 3 - أن الميت يصح أن يكون في البقاء معتقًا لصحة قوله أنت حر بعد موتى لا بعد موتك وإيصائه بأن يعتق عبده بعد موته فيجعل هو المعتق حكمًا إذ الولاء له. 4 - لو بقيت الكتابة فعتقه إما أن يثبت بعد الممات مقصورًا أو قبله أو بعده مستند لا وجه إلا الإذن لعدم المحلية ولا إلى الثاني لفقد الشرط ولا إلى الثالث لتعذر ثبوته في الحال والشىء يثبت ثم يستند والجواب عن: 1 - أن بقاء المملوكية هنا يصلح لحاجته إذ به يتحقق شرف حريته وحرية أولاده وسلامة إكسابه ولولاه لم يبق نسله إذ المرقوق هالك حكمًا وفي بقاء نسله بقاؤه بل حقه إلى الابقاء أولى لأنه أكد من حق المولى حتى لزم العقد في جانبه فقط ولأن الموت أنفى للمالكية منه للملوكية لأن العجز يلائمه العجز لا القدرة فينزل حيًا تقديرًا ولئن سلم فربما يبقى ضمنا وتبعا لبقاء مالكية اليد. 2 - أن المعقود عليه في الحقيقة مالكية اليد إذ هي السالمة بمطلق العقد لا رقبته

وإضافة العقد إليها كإضافة الإجارة إلى الدار والمعقود عليه المنفعة وإلضا يرجع عند الفساد إلى قيمة الرقبة لأن القاعدة أن المعقود عليه إذا لم يتقوم بنفسه يصار إلى قيمة أقرب الأشياء إليه كالخلع يصار فيه إلى رد المقبوض عند فساد التسمية وعن. 3 - أن التدبير استخلاف كما عرف فيقتضي وجود الخليفة حال الخليفة ووجود المستخلف حال الاستخلاف بخلاف الكتابة فإنها معاوضة لا تبطل بموت أحد المتعاقدين لا كالوكالة والنكاح والإجارة فلا يبطل بموت الأخر إذا صح الميت معتقا حكما بقاء صح معتقا كذلك والجامع الحاجة إلى إبقاء العقد لإحياء الحق بل أولى لما مر من الوجهين وعن. 4 - أولا بمنع عدم المحلية حكما بقاء كما مر وثانيا بمنع فقد الشرط حكما فإن قيام المال قبيل الموت أقيم مقام الأداء ضرورة إحياء حقه وإتمام حاجته وما ثبت بها لا يعد وموضعها فلا يظهر في حق الإحصان فلذا لا يجد قاذفه بعد أداء الورثة يدل كتابته وهذا ما يقال يستند الحرية بإسناد سبب الأداء وهو الكسب إلى ما قبل الموت ويكون أداء ورثته كأدائه لأن الدين يحول بالموت إلى الذمة الخربة إلى التركة ولذا حل الأجل ففراغ ذمة المكاتب موجب إلا أنه لا يحكم بها ما لم يصل البدل إلى المولى وإذا وصل حكم جزء من أجزاء حياته كما إذا أدى بدل المغصوب حكم بثبوت الملك مستند إلى وقت الغصب مع هلاكه فالمراد ببقاء الكتابة والمملوكية على هذا بقاء الحكم بحريته تنزيلا لتأخر الحكم بها منزلة تأخرها ولا معنى لما ظن إن معنى بقائها حرية الأولاد وسلامة الإكساب عند تسليم البدل لأنها أثر الحرية فكيف يصح تفسير البقاء المملوكية ولذا غسلت المرأة زوجها في عدتها لبقاء المالكية بأثرها لا الزوج عندنا بالبطلان المملوكية لعدم العدة عليه إذا لو بقيت لم تزل بدونها فإن ملك النكاح لخطره مؤكد لخطره مؤكد ثبوتا وزوالا خلافا للشافعي لاشتراك الملك بينهما ولقوله عليه السلام لعائشة - رضي الله عنها - لو مت غسلت ولغسل علي فاطمة رضي الله عنها، قلنا بأن الفرق ولأن المالكية له فيفى لحاجته والمملوكية عليها فلا يبقى ومعنى غسلت قصت بأسباب غسلك والغاسل لفاطمة امرأة ولئن سلم فلعله لا دعاء الخصوصية حيث قال لابن مسعود - رضي الله عنه - حين أنكر عليه إما علمت أن النبي عليه السلام قال فاطمة زوجتك في الدنيا والأخرة. تتمة: ولكون الموت سبب الخلافه خالف التعليق به سائر التعليقات في أنه سبب في الحال وهي مانعة من انعقاد السبب عندنا وأنه يصح به التمليك ومع أن لا مال ولا

يتوقف على القبول وأنه قد يمنع الرجوع والإبطال وقد لا، تحقيقه أن الإيصاء تعليق بالموت صورة ومعنى أو معنى فقط وهو أمر كائن لا محالة وسبب للخلافة فالتعليق به يكون استخلافا منصوصًا فيوجب حقا للموصي له يصير به الموصي محجورًا لأن الاستخلاف الضروري الضمني الحاصل للورثة أو الغرماء إذا صح بثبوت سببه الذي هو مرض الموت حتى ثبت به حق صار المريض به محجورًا فلأن يصح بالتنصيص أولى ومن هذا صار سببًا في الحال وتنجيزًا في حق الحق وإنْ كان تعليقًا في حق الحقيقة وصح تمليكًا لأن المال تابع للاستخلاف المقصود فصح أن يثبت ضمنًا وإن لم يصح قصدًا ولم يشترط وجوده إلا عند الموت ولم يتوقف على القبول وامتنع عند استغراق الدين كالوراثة وأيضًا لا سبب للحرية الثابتة بعد الموت إجماعا إلا التعليق ولا يصير سببًا حين الموت لأنه زمان بطلان الأهلية فيصير سببًا في الحال بخلاف سائر التعليقات وبخلاف ما إذا حسن عند الشرط بعد تعليق العتق به حيث يعتق لأن الجنون لا ينافي أهلية العتق إذ يعتق عليه قريبه بالإرث ولأن ملكه باق بخلاف ما نحن فيه وإذا كان سببًا في الحال ولازمًا لكونه يمينًا وتعليقًا بأمر كائن واستخلافًا فقد أثبت الحق وحق الشيء معتبر بحقيقته وأصله فقيل إن كان الحق لازمًا بأصله أيضًا كحق العتق بالتدبير منع الاعتراض من المولى وحجر عن إبطال الخلافة للزومية الأصلي والسببي فبطل بيع المدبر كأم الولد غير أن فيها سوى معنى تعلق عتقها بالموت احترازًا للمتعة لأنها في الأصل تحرز لماليتها والمتعة متابعة وبعد الاستفراش صارت محصنة للمتعة والمالية متابعة وحين صار الإحراز عدمًا في حق المالية ذهب التقوم وهو عزة المالية بعزة المتعة حتى لا تضمن بالغصب وبإعتاق أحد الشريكين نصيبه منها بخلاف المدير فلم يتعد المعنى الثاني وهو عدم التقوم منها إليه وإن لم يكن لازما بأصله كالوصية بالمال جاز للموصي الرجوع والإبطال للخلافة بالبيع وغيره قال الإِمام القاضي لأن الخلافة في المال خلافة تبرع ولو نجز لم يلزم ما يسلم فهذا أولى وقال الشافعي - رضي الله عنه - يصح بيع المدير المطلق لأنه تعليق كان دخلت فأنت حر ووصية وكالمقيد قلنا الفروق الثلاثة ظهرت. 4 - ما لا يصلح لحاجته القود لأنه لتشفى الصدر ودرك الثأر وإن يسلم أولياء القتيل ولا يكون القاتل حربًا عليهم بعد الموت وهذه عائدة إلى أوليائه ولا يصلح لقضاء حوايجه وقد وقعت الجناية عليهم من وجه لانتفاعهم بحياته فأوجبناه أولًا لهم لكن بسبب العقد للميت لأن المتلف حياته فيصح أيهما عفى قبل موت المجروح استحسانًا في عفو وقياسًا في عفو

الولي لأن القود إنما يثبت بعد الموت مستندًا وليس للميت أهلية حاصل فيثبت ابتداء للولي القائم مقامه خلافه كما قال تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: من الآية 33] ثبوت الملك للمولى خلافة عن العبد المأذون أو المتهب لا وراثة إذ المعتبر في الوراثة ثبوت الملك ابتداء للمورث وفي الخلافة لمن يخلف كذا قالوا ولأنه بطريق الخلافة مستندًا لا الوراثة صح عفو الولي قبل موت المجروح ولا يصح عفو الوارث أو إبراؤه غريم المورث قبل موته ولذا قال الإِمام لم يورث أي لم يجر فيه سهام الورثة ويملك كبيرهم استيفاؤه بلا توقف على كبر الصغار لأن ما لا يتجزأ إذا أضيف إلى جماعة فالسبب في حق كل يثبت كلأ كان ليس معه غيره كولاية الانكاح بخلاف غيبة من يعتد بعفوه كالكبير الغائب واحد الموليين في رواية لشبهته أنه قد عفي لأن العفو مندوب إليه فيصحح ما أمكن لرجحان وجوده بخلاف احتمال رجوع شهود السرقة وإقرار المالك إنها للسارق وهبتها منه حيث يقطع بحضور المودع مع غيبتها خلافًا للشافعي لأن شيئًا منها غير مأمور به أمر ندب فبقي شبهة موهومة الاعتراض فلا معتبر بها كما إذا حضر المالك وغاب المودع حيث يقطع بخصومته في ظاهر الرواية وإن كانت شبهة الإذن بالدخول في الحرز ثابتة ولأن التأخير قد يبطل الحد للتقادم بخلاف القود وقال أيضًا ويعيد الغائب البينة أن حضر مع أن أحد الورثة ينتصب خصمًا عن الباقين وقالا وهو قول الشافعي وابن أبي ليلى بطريق الوراثة لأن خلفه وهو المال موروث إجماعا يثبت للميت ابتداء فكذا هو ولذا يصح عفو المجروح فتجزى سهام الورثة ويكون مشتركًا بينهم فالكبير لا يستوفي حقه لعدم التجزي ولا الكل لبطلان حق الصغير كالكبيرين ولا يعيد البينة كما في الدين والدية قلنا المال يصلح لقضاء حوائج الميت ويثبت مع الشبيهة والميت من أهل الملك في الأموال كما إذا نصب شبكة وتعقل بها الصيد قبل موته بخلاف القود فإذا انقلب مالًا بالأصح أو عفو البعض أو الشبهة صار كأنه الواجب في الأصل لاستناده إلى سبب الأصل بدليل تعلق سهم الموصي له به وذا في المال غايته أن تفارق الخلف الأصل وهو جائز عند اختلاف حالهم كالتيمم والوضوء في اشتراط النية والبينونات بانت بنيانهم ولأن استيفائه بطريق الخلافة يقول كل من الزوجين قاتل الآخر خلافًا لابن ليلى لأن العقد قد بطل بالموت قلنا الزوجية تصلح للخلافة كالقرابة ولدرك الثأر لأن محبتها كمحبة القرابة بل فوقها، والأحكام الأخروية ما له من الحقوق والمظالم وما عليه منهما وما يلقاه من ثواب وكرامة بفضله ومن عقاب وملامة بعد له فله في حقها حكم الأحياء لأن القبر له كالرحم

للماء وقالمهد للطفل فالحياة المنتظرة الأخروية لذاك كالدنيوية لهذا روضة دارًا وحفرة نار إذ فيه ابتداء الابتلاء تنويها لشأنه بالإيمان ومباهاة على إقرانه بفنون الإحسان وضبطها أن أحكام الموت إما دنيوية وهي إما تكليف فيسقط إلا في حق الإثم أو غيره فأما مشروع لحاجة غيره أولا والأول إما أن يتعلق بالعين فيبقي ببقائها أو بالذمة فوجوبه إما بطريق الصلة فيسقط إلا بالوصية أولًا به فيبقي بشرط انضمام المال أو الكفيل بالذمة والثاني إما أن يصلح لحاجة نفسه فيبقي ما ينقض به الحاجة أولًا فيثبت للورثة وإما أخروية وحكمها البقاء سواء يجب له أو عليه من الحقوق أو يستحقه من ثواب أو عقاب، والمكتسبة منها الجهل والمراد أعم مما هو بسيط هو عدم العلم عما من شأنه وهو بحسب الأصل فطري ليس بعيب وبحسب التفريط في إزالته عيب ومركب وهو اعتقاد جازم غير مطابق وهو عيب وهو المراد باعتقاد الشيء على خلاف ما هو به والشيء لغوي وتخصيص الثاني ها هنا سهوًا وذكر له هنا أربعة أنواع جهل لا يصلح عذرًا أصلًا وجهل لا يصلح عذرًا لكن دونه وجهل هو شبهة وجهل هو عذر فإنه إما في نفس الدين وهو الغاية أو في أصوله وهو دونه أو أصول المذهب أو فروعه وذا مخالفًا للكتاب والسنة المتواترة والمشهورة والإجماع الثابت كما قبله ومخالفًا للقياس وخبر الواحد وما في حكمهما من الثلاثة يصلح عذرًا أو شبهة فالأول كالكفر بالله تعالى أو النبي عليه السلام لا يعذر لأنه مكابرة والمراد بها ترك النظر في الأدلة الواضحة فيما لا يعرفه الكافر وترك الإقرار به فيما يعرفه ويجحده كما قال تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: من الآية 14] إذ هو جهل ظاهرًا لا عدم الإذعان هناكما ظن إذ فيه الإذعان لأنه قلبي، حكمه أن دينه أي اعتقاده كما أنه ليس حجة متعدية اتفاقًا دافع للتعرض اتفاقًا لقوله عليه السلام "اتركوهم وما يدينون" ولدليل الشرع في حكم يحتمل التبدل عند الإِمام - رضي الله عنه - في حق الدنيا استدراجًا ومكرًا زيادة لعذلهم كان الخطاب لم يتناولهم فيها أعراض الطباب عن مداواة العليل لا تخفيفًا وإعزازًا فيتقوم الخمر والخنزير ويضمن بإتلافهما وجاز البيع والهبة والوصية فيهما وأخذ العشر من قيمتها من الحربي ونصفه من الذمي خلافًا للشافعى رحمه الله دون قيمته لأن أخذه باعتبار الحماية ويحمى الخمر لنفسه للتخليل فكذا لغيره دون الخنزير ويصح نكاح المحارم فيقتضي بالنفقة بطلبها فإن أسلما بعد الوطء أحصنا للقذف فيحد قاذفه ولا يفسخ ما داما كافرين إلا أن يترافع كلاهما وذلك لأن تقوم الخمر وإحصان النفس من باب دفع التعرض لما ثبت عندهم لا من

التعدي والأحكام الآخر من ضروراتهما ولا يرد التعرض لرباهم لعلنا بأنهم نهوا عنه فلا يعتبر معتقد البعض فاسدًا لأن استحلاله كاستحلال الزنا والسرقة والخيانة فيما ائتمنوا في صحفهم فسق حرام في كل الأديان فالمواد معتقدهم الوارد في شريعة به صرح شمس الإِسلام رحمه الله في المبسوط ومنه نكاح المحارم لثبوته في شريعة آدم عليه السلام لا التوريث به إذ لم يثبت أو الربا مستثني من عقد الذمة بالحديث لا يقال حدا يقاذف وتضمين الخمر والقضاء بالنفقة تعد ولا تعدي بديانتهم كما لا يجوز إرث بنت نكحها مجوسي له بنتان فمات عنهما بالزوجية بل الثلثان لهما بالنسب لا غير إذ لا تعدى بديانتها على الأخرى لأنا نقول ديانتهم دافعة لسقوط ما ثبت عندهم من تقوم الخمر والإحصان اللذين هما شرطا التضمين والحد لا علتاهما ليضافا إلى اعتقادهما بل العلتان الإتلاف والقذف وصورة دعوى الضمان لا تنافيه كما أن ديانة الزوج والزوجة دافعة للهلاك عن المنفق عليه والنفقة تجب باعتبار دفعه ولذا يحبس الأب بنفقة ولده الصغير كما يدفعه الولد بالقتل لو قصد الأب قتلة وإن لم يحبس عند المماطلة كما لو قد يقتله لأنهما ابتداء جزاء ظلمه لدفع ضرر الابن أو نقول وهو الأصح ديانة الزوج حجة عليه في وجوب النفقة لأن الإقدام على النكاح دليل الالتزام فإنما كانت مثبتة بالتزامه بخلاف ديانة البنت الغير المنكوحة فإن خصومتها تتقي تدينها فضلًا عن الالتزام فلا يصح ديانة المنكوحة موجبة زيادة الإرث إلا في طريقة البرغري بل ديانة الأخرى دافعة إياها إما وجوب القضاء في هذه المسائل فيتقلد القاضي لا بالخصومة حتى يكون متعدية شرطه وقالا دافعة للتعرض ودليل الشرع لكن في حكم أصلي لو لم يرد الخطاب لقي مشروعًا في حقنا كتقوم الخمر والخنزير فالأحكام المتعلقة به كما قال إما نكاح المحارم فليس بأصلي بل كان في شريعة آدم عليه السلام لضرورة حصول النسل ولذا لم يكن يحل اخته إلا من يطق آخر لا بدفاعها بالبعدي دل أن الأصل فيه الحرمة فيحرم عليهم لكن لا يتعرض لهم كعبادتهم الأوثان إلا عند رفع أحدهما فلا يحد قاذفه ولا نفقة به أو قالا ولئن صح النكاح فلا أقل من شبهة الفساد وهي دارئة فلا يحد وعدم وجوب النفقة على هذا لأنها صلة يستحق ابتداء كالميراث لا لدفع هلاكها لوجوبها لفائقة الغنى قلنا بعد ما مر أن ثبوت ما اعتقدوه على العموم في شريعة ما يوجب اعتباره لأن الظاهر مشروعية حاصل وأنه بالاقدام على النكاح إلتزمها وإن كانت صلة المال المقدر إذا قل وإن كثر قاصر عن استيفاء حاجتها الدائمة بدوام حبسها وعند الشافعي - رضي الله عنه - دافعة للتعرض فقط والخطاب

شملهم ووصل إليهم بالشيوع في الدار فما يرجع إلى التعرض لا يثبت وما لا يرجع إليه يثبث فلا يحد بشرب الخمر لأنه تعرض ولا يثبت ما سواه من الأحكام كصحة بيعها والإيجابات لأن ديانتهم ليست ملزمة قلنا الكل من ترك التعرض كما سبق لأن معنى ترك التعرض بالشيء أن لا يمنع لوازمه كان لا يحد بشرب الخمر بعينه، الثاني جهل لا يصلح عذرا لكنه دون الأول وله أمثلة: 1 - جهل صاحب الهوى كالمعتزلة بصفات الله تعالى أي بصحة إطلاقها على الله تعالى أو بزيادتها والخلاف في زيادة الصفات الحقيقية القائمة بذاته كالعلم بمعنى الحاصل بالمصدر هو بالفارسية دانش إما بمعنى التعلقات كالعلم بمعنى المصدر هو بالفرس دانستين فمتفق عليها وعلى ذا ينبغي أن ينزل الأدلة من الطرفين وكالمشبهة بعدم جواز حدوث الصفات وجهله بأحكام الآخرة نحو عذاب القبر إن ثبت إنكار المعتزلة على ما هو المشهور فقد صرح الزهدي باتفاقهم فيه ونحو الرؤية والشفاعة لأهل الكبائر وعفو ما دون الكفر وعدم خلود الفساق لهم لا تعذر لأنه مخالف للدليل الواضح وموضع استيفائها الكلام لكنهم لتأويلهم الأداة كان دون الأول فلزمنا لإسلامهم مناظرتهم وألزمهم ويلزمهم أحكام الشرع. 2 - جهل الباغي هو الخارج عن طاعة الإِمام الحق بشبهة طارئة كإمامة على - رضي الله عنه - ثابتة بالإجماع والنصوص لا يعذر للعناد والتأويل فيضمن بالإتلاف مال العادل ونفسه لبقاء ولاية الإلزام للإسلام إلا أن يكون له متعة فيسقط الإلزام ويجب محاربتهم لقوله تعالى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: من الآية 9] وقيل: إذا تجمعوا لها وقَتل أسيرهم والتذفيف على جريحهم دفعًا لشرهم بلا حرمان عن الإرث ولا ضمان خلافًا للشافعي - رضي الله عنه - عنه لأن الإِسلام جامع والقتل حق وعن هذا لم يحرم الباغي إذا قتل مورثه العادل أيضًا عند الطرفين إذا قال كنت على الحق وأنا الآن عليه لأنه حق في زعمه وإلا فيحرم اتفاقًا. وقال يوسف رحمه الله لا يرثه بحال لأن اعتقاده وتأويله ليس حجة على العادل ولما كان الدار متحدة حقيقة لا حكمًا إذ الديانة مختلفة تثبت العصمة من وجه فلا يملك أموالهم بل تحبس زجرًا ولا يضمن بالإتلاف بالشبهين كغصب مال غير متقوم إذ إثباتهما في غاية التناقض وإثبات أحدهما جعل الاختلاف الناقص أو العصمة الناقصة كالكامل نحو اختلاف دار الحرب ومنفعتهم. 3 - جهل من خالف في اجتهاده الكتاب الغير القطعي الدلالة وإلا فكفر ومثله السنة

المتواترة بقسيمتها كاستباحة متروك التسمية عمدًا إذ ليس تأويل ما لم يذكر اسم الله عليه بأنه كناية عمن لم يذبحه موحد أو المراد الذكر القلبي كما زعم مبنيًا على ظاهر دليل آخر فلا يعدل به عن هذا الظاهر كيف وإن ذبح من قال المسيح ابن الله وعزير ابن الله داخل وليس موحدًا وإن الذكر القلبي حقيقة ليس بشرط عند الشافعي - رضي الله عنه - والعمل بما روي أن المؤمن على ذكر الله أو لم يذكر جمع بين الحقيقة والمجاز وإلحاق الناسي بالدلالة فليس جمعًا بينهما كما ظن وليس العامد المقصر في معناه وكالقضاء بشاهد ويمين الخصم أو السنة المشهورة كالتحليل بدون الوطيء وكالقصاص في مسألة القسامة يستحلف الأولى خمسين يمينًا في العمد والخطأ إن وجد لوث عند الشافعي - رضي الله عنه - أن معينًا منهم قتله ويقضى بالدية على عاقلة القاتل في الخطأ وعلى نفسه في العمد في الجديد وبالقود في العمد عند مالك وأحمد قوله القديم وبلا لوث كمذهبنا تمسكًا بحديث قتيل خير حيث قال عليه السلام "أتخلفون ويستحقون دم صاحبكم" (¬1) أي دم قاتل صاحبكم وفيه مخالفة الحديث المشهور في القسامة وقوله "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" وهو وحديث العسيلة من المشاهير أو الإجماع كبيع أم الولد اجمعت الصحابة على عدم جوازه كما قال البردعي أجمعنا على عدم جواز بيعها بعد العلوق إذ في بطنها ولد حر فلا نتركه حتى ينعقد إجماع لأن اليقين لا يزول إلا بمثله وعلى هذا يبتني نفاذ القضاء وعدمه، الثالث جهل يصلح شبهة كالجهل في موضع الاجتهاد الغير المخالف للثلاثة أو في موضع الشبهة فالأولى كمن صلى الظهر بغير وضوء سهوًا ثم صلى العصر به ثم تذكر فلم يقض الظهر على ظن جوازها لعدم العلم فهذه فاسدة عند علمائنا في ظاهر الرواية لأنه مخالف للإجماع خلافًا لحسن بن زياد إذ وجوب الترتيب عنده على من يعلم وعند زفر رحمه الله ظن أجزاء الظهر كنسيانه فيجزيه القصر وعند الشافعي - رضي الله عنه - لا يجب قضاء العصر لعدم فرضية الترتيب وإن تذكر بعد العصر فقضي الظهر ثم صلى المغرب على ظن جواز العصر لجهله بفرضية الترتيب صح المغرب لأنه موضع الاجتهاد الصحيح إما عند العلم بفساد العصر فلا يصح بخلاف الجهل بجواز الصلاة بلا وضوء والثاني كوطئ جارية والديه لو زوجته ظانًا حله لشبهة أن الأملاك متصلة والمنافع دائرة تعتبر في درء الحد خلافًا لزفر قياسًا على جارية الأخ لا في ثبوت النسب ووجوب العدة لأنها شبهة الاشتباه وهي ظن غير الدليل دليلًا لأن الشبهة من الظن فالفعل بدونه تمحض زنا إما شبهة الدليل وهي أن يوجد الدليل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6/ 2630) ح (6769)، ومسلم (3/ 1294) ح (1669).

النافي للحرمة لكن لخلف عنه حكمه لمانع كالإجماع في وطيء الأب جارية ابنه فهي قائمة لأنها ناشئة من الدليل القائم فلم يتمحض زنا وإن ظن الحرمة فيثبت النسب ويجب العدة أيضا وعلى هذا قال الإمام رحمه الله لا يجب التفكير بالإفطار إذا نوى الصوم من النهار ولا بأكل العمد بعد إذ طعم. في حالة النسيان والحكم علم. بخلاف جارية أخته وأخيه وإن ظن الحل إذ لا بسوطة في المال فلا شبهة أصلا وكحربي أسلم في دار الحرب فدخل دارنا وشرب الخمر جاهلًا بالحرمة لم يحد لأنه في موضع الاشتباه بخلاف الذمي لاختلاطه وبخلاف الزنا فيهما لحرمته في كل الأديان والمحتمل لهما كعفو أحد ولي القود وقتل الآخر ظانا بقاء القصاص وأنه لكل كامل لم يقتض منه للشبهة فكنها دارئة له أو لأن له القصاص عند أهل المدينة وكإفطار المحتجم ظانا أن الحجامة فطرته لم يلزمه الكفارة لأنه مجتهد فيه إذ يفسد صومه عند الأوزاعي لقوله عليه السلام أفطر الحاجم والمحجوم بخلاف الغيبة فإن حديث الإفطار بها مؤول إجماعا فليس موضع الاجتهاد الصحيح أو الحديث شبهة دارئة لها غلبة معنى العقوبة فيها وهذا إذا استفتى فأفتي بالفساد أو بلغه الحديث ولم يعرف نسخه وتأويله وإلا فعليه الكفارة اتفاقًا وعند أبي يوسف يجب مطلقًا إذ ليس للعامى الأخذ بظواهر الأخبار، الرابع جهل يصلح عذرًا لجهل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر بالشرائع بعذر لخفاء الدليل إذ لم يبلغه الخطاب وعدم التفريط إذ ليست بمحل استفاضته خلافًا لزفر رحمه الله وكجهل من لم يبلغه الخطاب في أول نزوله لقصة فباء حيث كانوا في الصلاة حين علموا بتحويل القبلة فاستداروا كهيئتهم وأنزل فيهم {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم إلى بيت المقدس ونزل قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: من الآية 93] فيمن شربوا الخمر بعد نزول آية التحريم قبل بلوغ الخطاب فعذروا وهذا قبل شياع الخطاب في دارنا إما بعده فلا كمن لم يطلب الماء في العمران وتيمم وهو موجود مقصر بخلافه في المفازة، ومنه كل جهل مبنى على خفاء الدليل وفيه لزوم ضرر سواء توقف لزومه على قبوله إذ كان قبله مخيرًا كجهل الوكيل والمأذون بالإطلاق حيث يقع كل من الشري للموكل وبيع ماله فضوليًا أولا كجهلهما بضده وهو العزل والحجر فيصح تصرفهما وجهل الشفيع بالبيع فلا يكون بيع الدار المشفوع بها قبل العلم بالبيع تسليمًا للشفعة والمولى بجناية العبد فلا يكون بيعه وأعتاقه اختيار للفداء بل عليه الأقل من الارش والقيمة والأمة بالاعتاق أو خيار العتق فلا يكون سكوتها جاهلة رضا بل لها الخيار في

المجلس لحديث بريرة - رضي الله عنه - إذ تخيير المولى كتخيير الزوج بخلاف تخيير الشرع البكر البالغة لتوهم الخلل والبكر بإنكاح ولي غير الأب والجد ولها الفسخ إذا علمت بالغة وتفصيلها أن إنكاحهما من الكفؤ بلا غبن فاحش لازم وبدون أحد القيدين لها فسخه حين بلغت عالمة أو علمت بالغة وسكوتها في الحالتين رضا دون سكوت الصغير والثيب وإنكاح غيرهما بالقيدين لها فسخه كذلك وبدون أحدهما لا يصح وفي شرح صدر الشريعة أنه يصح ويصح فسخه لها ولا يساعده رواية إما أن الجهل يعذر في هذه الأمور لأنها لاستبداد واحد بها أحقية وفيها لزوم ضرر توجه الحقوق ولزوم الدين لا في الكسب والرقبة بل في مال نفسه بعد العتق وضرر سوء الجوار وزيادة الفداء وزيادة الملك ولزوم أحكام النكاح بخلاف جهل البكر بخيار البلوغ فلا يعذر لأن حكم الشرع في دارنا مشهور ففي حقها غير مستور ولا مانع من التعلم بخلاف الآية وهذا الفرق ليس مبنيًا على لزوم تعلم العلم عليها فكون البكر غير مكلفة قبل البلوغ غير قادح فيه وقيل: فسخ النكاح بخيار البلوغ إلزام ضرر الفسخ وبخيار العتق دفع ضرر زيادة الملك والجهل عدم أصلى يصلح للدفع لا للإلزام ولذا شرط القضاء في الفسخ الأول دون الثاني والأول أولى ظنًا في كل من الخيارين إلزام الفسخ ودفع ضرر أحكام المملوكية واشتراك حقوق النكاح لا ينافي زيادة ضرر المملوكية وإما التفاوت في شرط فلأن ولاية الولى نظرية ففسخ البكر باحتمال عدم النظر وذا غير قطعي إما ولاية المولى فعامة وفسخ الأمة لدفع زيادة الملك وهي قطعية فلا يحتاج إلى القضاء ثم في جميع ما لا يعذر هذا الجهل أو يكون السكوت رضا إنما هو فيما أخبر به صاحب الحق أو رسوله بوجه يقع به المعرفة إما إذا أخبر الفضولي فيشترط فيه العدد أو العدالة عند الإمام رحمه الله خلافًا لهما إلا في نحو المثال الأول الذي ليس فيه إلزام قبل القبول بل مخير فلم يشترط في مخبره العدالة وإن كان فضوليًا بل التمييز فقبل خبر المميز وإن لكان صبيًا أو كافرًا إذا وقع في القلب صدقهما بخلاف الأمثلة الباقية إذ في كل منها إلزام لا يتوقف على القبول وعلى الأصل الممهد قال الطرفان لا يفسخ ذو خيار الشرط بغير محضر من صاحبه إذ يلزمه حكمًا جديدًا وقال أبو يوسف رحمه الله بفسخه لأن الخيار خالص حقه ثم قال الإمام وتبليغ رسوله كتبليغه صح في ثلاثة أيام مطلقًا عدلًا أو غيره وفي غير الرسول العدد أو العدالة شرط الوجود معنى الإلزام لا بعد الثلاثة وإن وجدا للزوم العقد بمضي المدة وقال محمد رحمه الله غيره كهو لا يشترط شيء منهما ويعتبر المدة ثلاثة أو أزيد، والسكر غفلة سرور سببها امتلاء الدماغ من الأبخرة

المتصاعدة تعطل العقل ولا تزيله فلذا لا يزيل أهلية الخطاب وقد مرت الإشارة إلى أن عده مكتسبًا لكون سببه وهو الشرب اختياريًا ونفسه مرادًا بخلاف الرق فإنه غير مراد والاختيار في بعض سببه الذي هو مجموع الكفر والاستيلاء ثم إن السكر حرام إجماعا لكنه إما بطريق مباح أو محظور فالأول كالسكر من الدواء ولأن الرماك في الأصح وشرب الخمر ملجأ أو مضطرًا وما يتخذ من الحبوب والعسل كالإغماء الغير الممتد يمنع صحة طلاق السكران وعتاقه إلا عالمًا يفعله في رواية وكل تصرف له لأنه كالصداع وإن امتد ليس من جنس ما يتلهى به في الأصل فلا يحد بالسكر مما يجتمع عليه الفساق من الاشربة والثاني كما من الخمر وكذا من الباذق والمنصف إلا عند الأوزاعي لا ينافي الخطاب بالإجماع لأن قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: من الآية 43] معناه إذا سكرتم فلا تقربوها لأن الحال قيد للمطلوب لا الطلب كقوله تعالى {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: من الآية 1] فإنه حالًا قيد الإيفاء لا إيجابه لوجوبه على محلي الصَيد فلولا أَهلية الخطاب لما جاز كما لا يجوز إذا جننت فلا تفعل كذا فيلزمه أحكام لشرع لأن البلوغ مع العقل سبب ظاهرًا أقيم مقام اعتداله الخفي فإذا فاتت قدرة فهم الخطاب بسبب من العبد هو معصية عدت قائمة زجرا له ولما أهل للخطاب وجب عليه العبادات وإن امتد إذ الأصل إثباتها بخلاف الإغماء لأنه سماوي ولم يعمل به العبارات لاختلالها كالنوم إلا فيما طريقه محظور زجرا له لأنه مكتسب بخلافه فيصح طلاقه وعتاقه والبيع والشرى والإقرار وتزويج الصغير والصغيرة والإقراض والاستقراض والهبة والصدقة لا ردته فلا تبين امراته استحسانًا لعدم الركن وهو تبدل الاعتقاد كما إذا أراد أن يقول اللهم أنت ربي وأنا عبدك فجرى على لسانه عكسه لا يرتد وعمل أبو يوسف رحمه الله بالقياس ولو أسلم صح كالمكره ولم يعتبر السكر دليل الرجوع عنه مع أن السكران لا يكاد يثبت على شيء لأنه يعلو ولا يعلى عليه ولأن الرجوع عنه رده وصريحها إذا لم يعتبر معه فدليلها أولى ولذا صح الإقرار بالقود والقذف وغيرهما مما لايعمل فيه الرجوع لا بالحدود الخالصة كالشرب فسكره ربما يكون لا طريق مباح فيقر بأنه من محظور وكالزنا والسرقتين لقيام دليل الرجوع بخلاف مباشرة الكل حيث يحد إذا صحا فإن الرجوع لا يعمل في المباشرة المعاينة وكذا السكر من المثلث ومن نبيذ الزبيب أو التمر المطوخ العتيق وشربهما لاستمراء الطعام والتقوى على الصيام والقيام لا على قصد السكر حلال عند الأولين إلا عند السكر فإن القدح المسكر حرام لأنهما من جنس ما

يتلهى به ويجب الحد به بناء على أن الطبع داع إلى شربه فيحتاج إلى الزاجر بخلاف ما يتخذ من الحبوب في المشهور وإما نقيع الزبيب أو التمر وهو ما ألقى فيه ليخرج حلاوته فإن اشتد وقذف بالزبد قبل الطبخ حرام إلا عند الأوزاعي وبعد أدنى طبخه يحل قليله في ظاهر الرواية ولكون حرمة هذه الأشياء اجتهادية لا يكفر مستحلها بخلاف الخمر وحد السكر اختلال الكلام وزاد الإِمام في حق الحد أن لا يعرف السماء من الأرض لأن ما دونه ناقص ونقصانه دارء وفي غيره من الأحكام كرد الردة والإقرار بالحدود الخالصة كما قالا، والهزل فسره علم الهدى رحمه الله كما لا يراد به معنى لا حقيقي ولا مجازي وضده فيتناولهما وفخر الإِسلام رحمه الله بأن يراد باللفظ ما لم يوضع له يريد الأعم من الوضع الشخصي والنوعي الموجود في المجاز ويرادفه التلجئة وقيل: أعم منها لاشتراطها بسبق الاشتراط والأصح الأول إذ مقصود، وهو إيهام الجد إنما يحصل بسبقه. حكمه أنه لا ينافي الأهليتين ولا اختيار المباشرة والرضا بها بل اختيار الحكم والرضا به كخيار الشرط بعدمهما في حق الحكم لا السبب غير أن شأنه أن يفسد البيع ولا يفيد الملك بالقبض بخلاف الخيار إذا لم يؤيد وإن التصريح به شرط لا في العقد بل قبله وفي الخيار فيه لا بد من تقسيم التصرفات بالنظر إلى الاختيار والرضا وتخريج الأحكام بحسب أثره فإن كل حكم يتعلق بالسبب ولا يتوقف عليهما يثبت به وإن توقف لا فهي إما إنشاء أو إخبار أو اعتقاد لأنه إما أحداث شيء أو بيان للواقع أو ربط القلب كما في الواقع، إما لإنشاء فلأنه إما أن يحتمل النقض كالبيع أولًا فاما أن لا يكون فيه مال كالطلاق أو يكون لكن تبعًا كالنكاح أو مقصودا كالخلع والهزل في كل من الأربعة إما بأصله أو بقدره أو بجنسه وعلى كل من التقادير الاثني عشر فأما أن يتفقا على الأعراض أو البناء أو السكوت عنهما أي إن لم يحضرهما شيء أو اختلفا في البناء مع الأعراض أو مع السكوت أو في الإعراض مع السكوت اثنان وسبعون قسما بحسب العقل وإن لم يوجد بحسب الوجود بعضها فإن دخل على ما يحتمل النقض كالبيع والإجارة فإن هو لا بأصله واتفقا على الأعراض بطل الهزل وصح العقد أو على البناء فسد العقد ولا يوجب الملك وإن قبض فلا ينفذ اعتاق المشتري كالخيار المؤبد من المتعاقدين فإن نقضها أحدهما انتقض أو أجازاه جاز أو أجاز أحدهما وسكت الآخر توقف على منعه أو اجازته فهو غير أن وقت الأجازة مقدر عند الإمام بالثلاث لا عندهما كما في خيار الأبد أو على السكوت أو اختلفا في البناء والأعراض صح العقد عنده ورجح صحة الإيجاب لأنه

متمسك بأصل لزوم العقود فالقول قوله كمنكر الخيار وأبطلاه ورجحا الواضعة بالسبق والعادة ولا معارض له بخلاف ما إذا اعرضا فإن الدلالة يبطلها الصراحة قلنا بعارضه بعد أن ترك التقييد في العرف دليل الإطلاق وهو دليل الكمال وأنه مرجح بالإيصال إذ المواضعة منفصلة منه وإن حمل أمر المسلم على السداد أن عدم اتفاقهما على البناء يوجب فسخ المواضعة إذ لا بد فيها من الملاحظة من الطرفين أو اختلفا في البناء والسكوت أو الأعراض والسكوت ينبغي أن يكون السكوت فيهما كالإعراض على أصل الإِمام فيعمل بالعقد وكالبناء على أصلهما فيعمل بالمواضعة وإن هزلا بقدره بأن سميا ألفين والثمن ألف فإن اتفقا على الأعراض صح بهما وكذا أن سكتا أو اختلفا بوجه منها أو بنيا عند الإمام فإنه يعمل بظاهر العقد في الكل وهما بالمواضعة إلا عند إعراضهما وفرق بين البنائين بأن العمل كواضعة الوصف يجعل قبول أحد الألفين شرط وقوع البيع فيفسد العقد وقد وجدا فيه ولا يمكن اتباع الأصل الوصف لرجحانه ولا سيما للإفساد أما البناء السابق فلا مانع للعمل بالمواضعة فيه وإن هزلا بجنسه بأن سميا مائة دينار والثمن ألف درهم يعمل بالعقد اتفاقًا استحسانًا والقياس فساده لأن الهزل بجنس الثمن يبقى البيع بلا ثمن ولكن الوجه ترجيح الجد في أصله بتصحيحه بما ذكر ففرقا بين المواضعة هنا وبينها في القدر بأن العمل بها مع صحة العقد ممكن ثمة لذكر الثمن الذي فيه الجد والزائد شرط لا طالب له كشرط أن لا يبيع الدابة أو لا يعلقها لا ها هنا إذ لا يصح شيء من المذكور ثمنًا قلنا الشرط المفسد مفسد ولو بالرضا كالربا لا سيما اشتراط ما ليس بمبيع لقبول المبيع كالجمع بين حر وعبد في صفقة وإن دخل فيما لا يحتمل النقض ولم يكن فيه مال كالطلاق والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر يواضع في كل منها مع الغير أو نوى في نفسه أنه هازل وسواءكان في أصله أو قدره أو جنسه صح كله وبطل الهزل بالخبر وهو قوله عليه السلام "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين" (¬1) وفي رواية "والعتاق" (¬2) فهي منطوقه والبواقي مدلوله فإن العفو عن القصاص إحياء كالاعتاق وإسقاطه على السراية واللزوم كالطلاق والنذر إلزام شىء ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتفى (1/ 178) ح (712)، والحاكم في مستدركه (2/ 216) ح (2800) وقال صحيح الإسناد. والترمذي (3/ 490) ح (1184) وقال: حسن غريب. والبيهقي في الكبرى (7/ 340) ح (14770)، وأبو داود (2/ 259) ح (2194)، وابن ماجة (1/ 658) ح (2039) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 98). (¬2) البيهقي في الكبرى (7/ 341) ح (14771).

وتحريم ضده كاليمين كما قال عليه السلام "النذر يمين وكفارته كفارة اليمين" (¬1) ولأن الهازل راض بالسبب دون الحكم وأحكام هذه الأسباب لا يحتمل الرد بالإقالة والفسخ ولا التراخي بشرط الخيار ولا يرد التعليق بالشرط لأن تأثيره في تأخير السببية ولا المضاف نحو أنتِ طالق غدًا لأنه ليس علة ولذا لا يستند ومرادنا بالسبب العلة بخلاف البيع بالخيار فإنه علا في الحال ولذا يستند ثم قدره وجنسه كأصله في ذلك وإن كان قيد المال تبعًا في العرض لا في الثبوت كالنكاح ولذا صح بدون ذكره وتحمل فيه جهالة لا يتحمل في غيره فإن هزلا بأصله لزم قضاء ودبابة في الوجوه للزومه ولذا لا يرد بالعيب وخيار الرؤية وبقدره فإن اعرضنا فالمسمي وإن بنيا فالمواضعة وفرق الإِمام بأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد بخلاف البيع وإن سكنا أو اختلفا في البناء والأغراض فهي رواية أبي يوسف رحمه الله كالبيع وهي في رواية محمَّد لتبعية المهر والثمن مقصود بالإيجاب وهكذا ينبغي أن يكون الاختلافان الآخران وبجنسه وإعراضا فهو وإن بنت فمهر المثل اتفاقًا لأنه موجب النكاح بلا مسمى ولم يذكر شيء مما وجدا فيه بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا بتسمية الثمن وإن سكتا أو اختلفا فمهر المثل على رواية محمَّد والمسمى على رواية أبي يوسف كالبيع فالجنس كالقدر لكن عند بطلان المسمى يصرف إلى مهر المثل وعندهما مهر المثل لأن أصلهما ترجيح المواضعة بالسبق والعادة وإن كان المال فيه مقصودا كالخلع والعتق على مال والصلح عن دم العمد إذ لا يجب فيها بدون الذكر بخلاف النكاح فاشتراطه آية مقصوديته فعندهما يقع ويجب المسمى كله لتبعيته ثبوتا وكم مما يثبت ضمنًا لا قصدًا كلزوم الوكالة أي ضمن عقد الرهن والهزل لا يؤثر فيه أصلًا سواء هزلا بأصله أو قدره أو جنسه واتفقا على شيء أو اختلفا بوجه لأن الخلع لا يحتمل شرط الخيار فإنه من جانب الزوج يمين إما عنده فلما جرى خيار الشرط فيه من جانبها لأنه معاوضة منها لكن بدون التقدير بالثلاث وتحويز مدة أكثر لكونه ملائما له من حيث إنه إسقاط بخلاف البيع وتوقف وقوع الطلاق ووجوب المال على مشيئتها كان الهزل كذلك فسواء هزلا بأصله أو قدره أو جنسه إن بنيا توقف الأمران على مشيئتها وإن أعرضا أو سكتا تنجزًا باختلاف التخريج فعنده لرجحان الجد كما عندهما لبطلان الهزل وإن اختلفا بوجه فالقول لمدعي الأعراض أو السكوت ترجيحًا للجد وكذا حكم الإبراء ¬

_ (¬1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (4/ 148)، وأبو يعلى في مسنده (3/ 283) ح (1744)، والطبراني في الكبير (17/ 313) ح (866).

من الطلاق والعتاق على مال والصلح عن دم العمد ولأن الهزل بالشيء ينافي الرضا بحكمه ويكون كخيار الشرط صار تسليم الشفعة بالهزل قبل طلب الموثبة مبطلًا للشفعة لأنه كالسكوت عن طلبها وبعد الإشهاد مبطلًا للتسليم كما يبطل التسليم بخيار الشرط إذ لو سلمها بعد الطلبين على أنه بالخيار ثلاثة أيام تبطل وتبقي الشفعة وذلك لأن التسليم لكونه استيفاء أحد العوضين ولذا يملك الأب والوصي تسليم شفعة الصبي بتوقف على الرضا بالحكم وإذا يبطل الإبراء كما يبطله خيار الشرط لأنه في معنى التمليك ولذا نريد الرد. وأما الإخبار كالإقرار يقتسمان ويبطله الهزل احتمل المقربة الفسخ أولًا لأنه يعتمد صحة المخبر به أي تحققه والهزل دليل عدمه فصار الكل مما يحتمله كما يبطل الإقرار بنحو الطلاق بالكره وأما الاعتقاد فقسمان لأنه بالقبيح أو الحسن فالهزل بالردة كفر لا بما هزل به ليردان مبنى الردة تبدل الاعتقاد ولم يوجد لأن الهزل ينافي الرضا بالحكم بل بنفس الهزل بالردة لأنه استخفاف بالدين وهو كفر لقوله تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: من الآية 65 - 66] وَذلك لوجود الرضا بنفس الهزل فصار كالإشراك هازلًا وسب النبي عليه السلام هازلا بخلاف المكره لأنه غير راض بالسبب والحكم جميعًا قيل ولأنه معتقد الكفر إذ مما يجب اعتقاده حرمة الاستخفاف بالدين وفيه بحث إذ غايته اعتقاد الحرمة فيكون مباشرته فسقا لا كفرًا إذ المباشرة ليست استحلالا بل الحق أن مباشرة الاستخفاف بالدين الذي هو كفر بالنص والإجماع رضا بالكفر وهو كفر أو نقول هو أمارة الكفر الذي هو في نفسه خفي فيقوم مقامه كإلقاء المصحف في القاذورة وشهد الزنا وغيرهما والهزل بالاسلام متبرئًا عن دينه يوجب الحكم بالاسلام كالمكره عليه بالرضا بأحد الركنين وهو الإقرار لأنه يعلو ولا يعلى عليه ولأنه لا يحتمل الرد بخيار أو غيره كالطلاق، والسفه لغة للخفة والتحرك وقد يتعدى وشرعًا لمعنيين أعم وهو خفة تعترى فرحًا أو غضبًا فتحمل على عمل غير موجب الشرع والعقل مع ثباته بخلاف العته فيتناول ارتكاب كل محظور وأخص هو المصطلح هنا وذا بتخصيص العمل بما يخالفهما من وجه لوخامة عاقبته وإن شرع وحمد بأصله وهو السرف.

حكمه لا ينافي الأهليتين لكمال العقل والبدن فيخاطب ولا الرضا بالأحكام فتؤهل حقوق العباد بالأولى لكنه يكابر عقله بترك الواجب عن علم فلا يستحق النظر بالحجر وهو منع نفاذ التصرف القولى فلا يحجر عند الإمام - رضي الله عنه - إذا لمكابرة لا تصلح مانعًا عن نفاذ التصرف من أهله مضافًا إلى محله والمعصية ليست سببًا للنظر ولذا يحبس في الدين ويؤاخذ بعبادة الضرر المحض وبالعقوبات وبالإقرار بها وهي مما يدرء وضررها بالنفس فبالمال التابع أولى وقالا كالشافعي رحمه الله يحجر إلا فيما لا يبطله الهزل فالشافعي رحمه الله عقوبة لسفهه وهما لا له بل حقًا لدينه وللمسلمين إما الأول فلأن غايته ارتكاب الكبيرة كقتل العمد وعفو المؤمن عنها في الأخرة من الله تعالى وفي الدنيا من الولي حسن وإن أصر عليها وقياسا على منع ماله أول البلوغ إجماعًا بجامع أن لا يتلف فعنده إلى مدة إيناس رشد ما لا ينفك سن الجدية عن مثله إلا نادرًا وهى خمس وعشرون سنة إذا قل مدة البلوغ والحمل اثنتا عشرة ونصف سنة وعندهما إلى نفس إيناس الرشد ولأن صحة العبارة للنفع والرفق فإذا أضرت ردت وإما الثاني فلئلا يضيع أموال المسلمين في ذمته كما في قصد شراء واحد من الطلبة جارية ببخارى فأعتاقها فنكاحها حتى عرف البايع بالأخرة فنونه وأخذ يخفف عنه ولئلا يصير كلا عليهم بالإنفاق من بيت المال ودفع الضرر العام بارتكاب الخاص مشروع كما في الفتى الماجن ونظائره قلنا النضر له لدينه وللمسلمين كالعفو عن الكبيرة جائز لا واجب وإنما يجوز لو لم يتضمن ضررا فوقه من إلحاقه بالصبي والمجنون بإبطال عبارته فبالبيان بأن فضل الإنسان على سائر الحيوان ومن إبطال النعمة إلا على الأصلية هي الأهلية للأدنى الزائدة هي بقاء اليد فبطل قياسه أيضا على منع المال على الورد النص به عقوبة تعزيز وتأديب ولذا خوطب به الولي على جناية السفه غير معقول المعنى ولا قياس على العقوبة ثم الحجر لهما نظير ما روى عن أبي يوسف رحمه الله فيمن تصرف في ملكه كما يضر جيرانه بمنع كدق الذهب والندف واتخاذ الطاحونة للأجرة ونصب المنوال لاستخراج الإبريسم من الفيلق إذا تضرروا بالدخان أو رائحة الديدان وذا لأنه إذا شرع لدفع ضرر الخاص فلدفع العام أولى وليس معنى الإلحاق أن الضرر هنا خاص كما ظن، ثم الحجر عندهما أنواع: 1 - حجر بالسفه بقضاء القاضي عند أبي يوسف لأنه متردد بين النظر بإبقاء الملك والضرر بإهدار القول فلا يترجح جهة النظر إلا به وبنفس السفه عند محمد رحمه الله كالجنون والصغر والرق فإذا الحجر يلحق عندهما في كل حكم إلا من النظر في إلحاقه إليه

من المريض والمكره والصبي فيثبت أمومية مستولدته وحرية ولدها بالدعوة لا حتياجه إلى بقاء نسله كدعوة المريض المديون حتى تعتق هما وولدها من جميع المال ويفسد شراء ابنه المعروف كالمكره فيملكه بالقبض فيعتق لكن لا يصح التزامه الثمن أو القيمة للضرر كالصبي فلا يسلم له شيء من سعايته الواجبة بل للبايع. 2 - حجر بالدين عند خوف أن يلجي أمواله ببيع أو إقرار عن التصرف إلا مع الغرماء لكن بالقضاء اتفاقًا. 3 - حجر بالامتناع عن بيع المال عرضًا كان أو عقارًا لقضاء للديون فبيعه القاضي كما فعل النبي عليه السلام مع معاذ - رضي الله عنه - إذ له أن ينوب كل من امتنع عن إيفاء حق مستحق يجري فيه النيابة كالذمي الممتنع عن بيع عبده الذي أسلم والعنين الأبي عن التفريق بعد المدة وبيعه هذا ابطال لعبارات منعه وامتناعه فيكون حجرًا، والسفر لغة قطع المسافة وشرعًا خروج مديد أغنى امتداد الحاصل بالمصدر أدناه ثلاثة أيام ولياليها بإشارة حديث تعميم رخصته جنس المسافر فمن ضرورته عموم التقدير ولذا زعمت سفر المعصية كما ترتب على مطلقه في قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: من الآية 184] الآية خلافًا للشافعي لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: من الآية 173] أي بالخروج والقطع لاقى النعمة لا تنال بالمحظور بل هو سبب الزجر كالسكر قلنا بعد ما مر السفر والعصيان يفترقان والنهي لغيره لا يعدم الشروعية والسكر معصية لعينه فمعناها والله تعالى أعلم غير باغ ولا عاد في الأكل أي غير طالب للميتة قصدا وتلذذًا وشهوة بل دافعًا للضرورة ولا متجاوزا أحد سد الجوعة أو غير باغ بتجاوز حد الجوعة وغير عاد بحفظها لجوعة أخرى والتأويل مروي عن الحسن وقتادة وأولى بسياق بيان تحريم الميتة حكمه أنه لا ينافي الأهليتين والأحكام لكن مطلقة من أسباب الترخيص إقامة له مقام المشقة إذ جنسه لا يخلو عن مشقة ما أقلها من التحرك وامتداده بخلاف المرض فإن منه ما ينفعه الصوم كالتخمة ومنه ما لا يضره أي لا يوجب ازدياده كالبرص الأبيض فلم يتعلق رخصته بنفسه كما ظنه بعض الحديث ففي الصلاة القصر عزيمة أو رخصة إسقاط لشطر ذوات الأربع وعند الشافعي ترفيه فلا يبطل العزيمة كما في الصوم، لنا أصالة القصر بأثر عائشة - رضي الله عنه - وخبر مقاتل - رضي الله عنه - وصدق حد النافلة على الأخرتين حيث يثاب فاعلهما ولا يعاقب تاركهما والمراد صدقة قبل النية والشروع إذ هو المعتبر من حد النافلة فإن بعدهما كل نافلة فرض كما بعد النذر فسقط ما

قيل فرضية الإتمام عند نيته وح لا ثم أنه لا يعاقب وقلنا أيضًا النية عند الشافعي - رضي الله عنه - شرط القصر ففيما إذا لم ينو شيئًا منهما وأتم كان الكل فرضًا ولانية لإتمام وحديث الصدقة وتسميته صدقة فإن التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض ففيها الوضع والنسخ وفيه التأخير ومنافاة العبودية المشية المطلقة فلا يختار إلا الأرفق فلا يخير بينه وبين غيره في الجنس الواحد إذ لا فائدة ولذا لم يخير مولى المدبر الجاني بين قيمته والأرش إذا كانت دونه ولا المعتق عبده الجاني جاهلًا كذلك ولا المكاتب الجاني بل يلزم الأقل بخلاف العبد الجاني حيث خير بين دفعة وقيمته ألف وبين فدائه بعشرة آلاف لاختلاف الجنس لا يقال كثرة الثواب فائدة لأنها في حسن الطاعة والتوجه لا في الطول والعدد كظهر المقيم مع فجره وظهر العبد مع جمعة الحر مع أن الحكم الدنيوي وهو الصحة لا يبنى على الثواب الأخروي كصلاة المرائي والمتوض بماء نخس في عالم ولكون السفر اختياريًا لم يوجب ضرورة الازمة قبل إذا أصبح مسافرًا صائمًا أو مقيمًا فسافر لا يباح إفطاره وإذا أفطر لا كفارة عليه لشبهة اقتران المبيح صورة وإذا أفطر المقيم ثم سافر لم يسقط الكفارة بخلاف المرض في الكل حيث يحل فطره في الأولين ويسقط الكفارة في الثالثة لأنه سماوي تنزيل الاستحقاق من أوله إذ زاوله لا يتجزى وبين بعروضه أن صوم اليوم لم يجب عليه من جناب الموجب كالحيض بعد الصوم. تتمة: أحكامه تثبت بنفس الخروج وإن لم يتم علة لخبر أنس وابن عمر - رضي الله عنه - تعميمًا للرخصة من ليس مقصده فوق مسيرة ثلاثة لكن بنية رفضه أي دفعه لنية الإقامة قبل الثلاثة يصير مقيمًا ولو في غير موضع الإقامة وبنية رفعه لنيتها بعد الثلاثة لا إلا في موضعيها لأن الدفع أسهل من الرفع والامتناع عن السفر الأيسر من التزام الحضر، والخطأ قد يراد به العدول عن الصواب كقوله تعالى {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: من الآية 31] ويراد ما ليس بعمد نحو {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: من الآية 92] و "رفع عن أمتي الخطأ" (¬1) وهو المعنى هنا وعرف بالفعل عن قصد صحيح غير تام ومنه رمي صيد أصاب إنسانًا إذ من تمام القصد قصد محله ولوجود قصد ما أقله ترك التثبيت ولذا عد في المكتسبة جاز أن يؤاخذ به بدليل دعاء النبي عليه السلام خلافًا للمعتزلة، حكمه لا ينافي الأهليتين لكن يصلح عذرا في سقوط حق الله تعالى إذا وقع عن اجتهاد فلا يأثم به كما في القبلة والفتوى وشبهة دارئة في العقوبة فلا يأثم إثم القتل ولا يؤاخذ بحد ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

وقود لأنه جزاء كامل فلا يجب على المعذور لقوله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: من الآية 5] لا في حقوق العباد فيضمن الأموال لعصمة المحال ووجبت الدية من حيث إنها بدل المحل ولذا تتعدده لا يتدد الفاعل لكن على وجه التخفيف حيث وجبت على العاقلة في ثلاث سنين من حيث إنه عذر فيما هو صلة لم تقابل مالًا ومبناها على التخفيف والكفارة من حيث إنها تشبه جزاء الفعل إذ لا ينفك عن ضرب تقصير بترك التثبيت فيصلح سبب للجزاء القاصر الدائرين العبادة والعقوبة ويقع طلاقه خلافًا للشافعي لعدم القصد كالنائم قلنا أقيم البلوغ عن عقل مقام العمل بالعقل بلا سهو وغفلة لكونه خفيًا لا يوقف عليه بلا حرج لا مقام القصد في نحو النائم لأنه معلوم عدمه ولا مقام الرضا فيما يبنى عليهما كالبيع والإجارة إذ لا يتعذر الوقوف عليه لأنه امتلاء الإختيار حتى يقضي إلى الظاهر فيري في الوجه البشاشة كالغضب غليان القلب حتى يظهر أثره في حماليق العين ولذا كانا في صفات الله تعالى من المتشابه إما الطلاق فيبنى على القصد فقط وقد وجد بدليله وينبغى أن ينعقد البيع خطأ بلا نفوذ إذا صدق خطأته خصمه لوجود القصد بدليله لا الرضا كبيع المكره ينعقد فاسدًا، والإكراه حمل القادر إلا بي على قول أو فعل مهددًا إما كاملًا ويسمى ملجئا بتلف أو عضو وإما قاصرا غير ملجئ بحبس أو قيد مديدًا أو ضرب شديد قياسًا ويقصد جنس الأب أو الابن أو كل ذي رحم محرم استحسانًا لأن البار يختار حبسه على حبس أبيه بخلافه بإذهاب الجاه وإتلاف المال ونحوه. حكمه عند الشافعي رحمه الله أن قسمته سيان لأن عصمة المحل تقتضي دفع الضرر وعمن لا يرضي وكل منهما إضرار وأصله أنه إما على حق كالإكراه على إسلام الحربي دون الذمي وعلى المولى بعد المدة وعلى بيع المديون ماله لقضاء دينه فيقتصر على الفاعل إذ يجعل مختارًا شرعًا وما على غير حق فإن كان عذر شرعًا يقطع الحكم عن الفاعل لعدم اختياره ورضاه فإن قوله وفعله لدفع الشر لا يعتبر عن مراده وتحصيل مرتاده فإن لم يمكن نسبته إلى الحاصل كالأقوال إذ لا تكلم بلسان الغير يبطل وإن أمكن بنسب إليه فيضمن الحامل الأموال وجزاء صيد الحرم والإحرام وإن لم يكن عذرا بأن لا يحل به للفاعل الإقدام يقتصر عليه فيجلد الزاني ويقتص القاتل مكرهين كما يقتص الحامل أيضًا بالتسبيب كما في رجوع شهود القود وعندنا أن شيئًا منهما لا تنافى الأهليتين لكمال العقل والبدن ولا التكليف لترتب الأجر تارة والإثم أخرى على فعل المكره عليه وإذا آيته

ولا يعدم الاختيار لا في السبب ولا في الحكم إذ لا إكراه فيما لا اختيار كالطول والقصر ولأن المطلوب أن يعرف الشرين فيختار أهون الأمرين عليه وإن عدم الرضا فيهما بنوعيه فكان دون الهزل وشرط الخيار بالنظر إلى الحكم المقصود بل دون الخطا أيضًا لكن يفسد الملجئ منه الاختيار لأن مجبولية الإنسان على حب صحته وحياته توجب الإقدام فلا يتغير معه قول أو فعل إلا بمغير تغير قول الطائع بالشرط والاستثناء وأفعاله المنهية بوقوعها في دار الحرب وبالشبهة فأثركماله في تبديل النسبة وقاصره في إعدام الرضا فقط وذلك لأن المكره عليه إما فرض يوجر بالإقدام عليه كشرب الخمر وأكل الميتة والخزير فإن الملجئ يسقط حرمتها لأن الاستئناء من الحرمة حل فالإضرار المنصوص أن تناول الإكراه فبعبارته وإلا فبدلالته فلو صبر حتى قتل عالما بسقوطها إثم وإلا فيرجى أن لا ياثم وغير الملجئ لا يسقطها لكن يورث شبهة دارئه بخلاف القتل بغير الملجئ فإنه لا يحل ولا ينتقل وإما مباح يستوى طرفاه من حيث هو كالإفطار في نهار رمضان وذكره قسمًا برأسه لأنه يحتمل أن يؤجر بالصبركما في المقيم أو بالإقدام كما في المسافر وفي الإثم بالعكس فمطلقه بين بيّن لا إنه لا يأثم ولا يؤجر كما ظن ولا أنه يأثم بالصبر لكن لا للإباحة بل لبذل نفسه بترك المباح كما قتل فإن كلا منهما ممنوع ولأن بينه وبين إجراء كلمة الكفر فرقا قبل الإكراه حيث يحتمل الصوم السقوط لأن الصلاة مثله فيه وهي من قسم الرخصة وإما مرخص مع بقاء الحرمة يوجر فيه لو صبر سواء كان حقًا لله تعالى لا يحتمل السقوط كإجراء كلمة الكفر فإنه ظلم في أصله وخص بالنص في قصة عمار - رضي الله عنه - وبقي الكف عزيمة بخبر خبيب - رضي الله عنه - ومع هذا فالاجراء نوع جناية دون القتل إذ هذا هتك حرمة الشرع صورة ومعنى وذلك صورة فقط والقلب مطمئن أو يحتمله كالعبادات ومنه قتل صيد الحرم والإحرام أو للعبد كإتلاف مال المسلم حيث يسقط بإسقاط صاحبه لا بالإكراه لكن لما عارضه أمر فوقه هو تلف النفس أو العضو رخص فيه وبقي العمل بالعزيمة واجبًا وهذا كتناول طعام الغير أو المحرم محظور إحرامه مخمصة فإذا استوفاهما يضمن القيمة والجزاء فالإقدام فيها بالمجيء رخصة والإحجام حتى قتل شهادة ومنه زنا المرأة بالمجيء فبغيره شبهة دارئه وإما حرام كقتل المسلم بغير حق والجرح إذ لا يحل قتل غيره ولو كان عبده ولا قطع عضوه لتخليص نفسه بخلاف جرح نفسه وقطع عضوه على ما استثنى محمد رحمه الله لذلك والملحق بالمال عضو نفسه في أنه لوقايته لا عضو غيره بدليل حالة الإضرار يصح فيها أكل مال الغير لا أكل عضوه ويصح أكل عضو نفسه

وكذا زنا الرجل ففى غير المنكوحة لضياع النسل وفيها لفساد الفراش فإنه قتل معنى لا نم انقطاع النسب ممن منه في نفس الأمر هلاك معنى أو حكمة تراعى في الجنس لا في كل فرد أو ربما يرده صاحب الفراش لتوهم الزنا باللعان بخلاف زناها إذ النسب إليه وإلحاقه بها ضروري ولما حرم زناه ولو بالمجيء لم يصر شبهة دارئة بغيره بخلافه به فنقول لما أفسد الملجئ اختيار الفاعل فإن عارضة اختيار الحامل يرجح لصحته وجعل الفاعل آلة له وإن لم يحتمل كونه آلة كالأقوال مطلقًا لما مر يقتصر على الفاعل من حيث أنه قول ففيما ينفسخ ينفذ كالطلاق وغيره من نحو الأمور العشرة التي يجمعها. (قوله) طلاق عتاق والنكاح ورجعة، وعفو قصاص واليمين كذا النذرة. ظهار وإيلاء وفيء فهذه تصح مع الإكراه عدتها عشر: لأنها تنفذ مع الهزل وخيار الشرط ولا اختيار فيهما للحكم الذي هو المقصود وفي الإكراه اختيار له فاسد والفاسد ثابت من وجه فلان ينفذ معه أولى إما إذا أكرهت على قبول مال الطلاق فيقع بلا مال كما في خلع الصغيرة لأن عدم الرضا جعل قبولها كأن لم يكن والتوقف على الرضا شأن المال لا الطلاق كالثمن بخلاف إكراهه دونها حيث يقع ويلزم المال لطوعها وبخلاف الهزل حيث لا ينفصل المال عن الطلاق فيه اتفاقًا إذ فيه الرضا بالسبب وعنده يصبح التزامها ويتوقف الطلاق على أن يثبت حكمه وهو اللزوم بتمام الرضا فصحة التزام المال للرضا بالسبب وتوقف الطلاق لعدمه بالحكم كما في خيار الشرط من جانبها وعندهما يقع ويجب لأن الرضا بالسبب رضا بالحكم من وجه فكفي في إيجاد الطلاق فكذا في بدله لأنه تبعه وفيما ينفسخ ويتوقف على الرضا كالبيع والإجارة تفسد وكبعض الأفعال نحو الأكل والشرب والزنا يقتصر أيضًا من حيث هو فيبطل صوم الفاعل لا الحامل وفي أكل مال الغير اختلفت الرواية في ضمانه للفاعل كما في عقر الزنا لأن منفعة الأكل كالوضئ له كما على أكل طعام الآكل وللحامل لأنه كغضبه ثم إطعامه بخلافه للأتلاف لا الغضب لكن أو تلفت الجارية بالزنا ينبغي أن يضمنها الحامل وإلى هنا غير الملتجئ فهو لاشتراكهما في عدم الرضا وكذا في فساد التقارير لقيام الدليل على عدم المخبر به بخلاف إقرار السكران بنحو الطلاق لأن السكر ليس دليل عدم المخبر له إما عدم اعتبار ردته فلاعتمادها على محض لاعتقاد وقد شك في تبدله وإن احتمل كونه آلة في بعضها فإن لزم من جعله آلة تبدل محل الجناية يقتصر كإكراه المحرم على قتل الصيد فحل الجناية إحرام الفاعل أو على البيع والتسليم فيملكه المشترى بالقبض فاسدًا وينفذ إعتاقه ونحوه خلافًا لزفر رحمه الله

جمع وتفريق

فحل التسليم المبيع لا المغصوب وكذا المكره عليه إتمام البيع لا الغصب المحض نعم يعتبر إتلافًا من حيث جواز تضمين الحامل لو تلف في يد المشتري كجواز تضمين المشتري ومن حيث التمكن من فسخه حال قيامه أما الإعتاق فمن حيث إنه قول مقتصر فالولاء للفاعل ومن حيث انه إتلاف منتقل فيضمن الحامل وإن لم يلزم التبدل يضاف موجبه بالملجئ إلى الحامل كقصاص العمد لا إثم الفعل لأن محل الجناية دين الفاعل فلو أضيف لتبدل فيأثم كل بصفته ولذا وجب فيمن أكره على رمي صيد فأصاب إنسانا على عاقلة الحامل الدية لأنها ضمان المحل وعلي نفسه الكفارة لا على الفاعل وإن كانت جزاء الفعل لأن وجوبها لحرمة في المحل. جمع وتفريق كالإكراه الأمر متى صح بصدوره ممن له ولاية شرعًا صح نقل الفعل كمن أقر عبده بحفر بئر في موضع إشكال لم يعلمه إنه ليس له كغنائه فحفر فمات فيها أحد يضاف إلى الأمر يحل الايتمار وكمن استأجر حرًا أو استعان به للحفر كذلك استحسانًا لغروره بأمره في موضع الاشتباه بخلاف العبادة في المسألتين إذ لا حل ولا غرور فيضمن الفاعل ويدفع العبد أو يفدي وكذا لا يضمن قاتل عبد غيره بأمر مولاه لأنه موضع اشتباه حل التصرف بل يأثم فقط بخلاف قاتل حر بأمر حر آخر يضمن المباشر إلا إذا كان الأمر سلطانًا فأمره بمنزلة التهديد بالقتل والإكراه ناقل في هذه المواضع كلها والله تعالى أعلم بسرائر شرائعه. تم المجلد الأول ويليه المجلد الثاني

فصول البدائع في أصول الشرائع تأليف العلامة المحقق شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد الفناري الرومي المتوفي 834 هـ تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل الجزء الثاني دار الكتب العلمية أسسها محمد علي بيضون سنة 1971 بيروت - لبنان

منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان جميع الحقوق محفوظة جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملًا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيًّا. الطبعة الأولى 2006 م - 1427 هـ منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان الكتاب: فصول البدائع في أصول الشرائع المؤلف: محمد بن حمزة الفناري المحقق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت عدد الصفحات: 864 (جزءان) سنة الطباعة: 2006 م بلد الطباعة: لبنان الطبعة: الأولى

المقصد الأول ففي الأدلة الأربعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأما المقصد الأول ففي الأدلة الأربعة، وفيه أربعة أركان؛ الركن الأول من الكتاب، وفيه مقدمة وعشرون فصل في أحكام عشرين قسمًا فالمقدمة فيها مباحث: الأول: فيما يتعلق بتعريفه، هو لغةً للكتابة ثم للمكتوب ثم غلب عرفًا للشرع على القرآن كالقرآن لكنه أشهر، وهو الكلام المنزل المعجز سورة منه (¬1)، فخرج غير المنزل وغير المعجز كسائر الكتب السماوية والسنة المتواترة؛ لأن المراد بالمنزل المحقق منزليته لفظًا لا ما ادعى أو ثبت منزليته معنى فقط فيخرج ثابت بالآحاد من القرآن والسنن أيضًا، وكذا المنسوخ تلاوته؛ لأن منزليته لم تتواتر، والسورة البعض المبين أوله بالتسمية وآخره بالانتهاء إليها وإلى آخر الكل توقيفًا، فسورة منه إن كان للبيان أو للتبعيض الحقيقط فلإخراج البعض؛ لأن سورة نكرة أريد بها الجنس المبهم أو واقعة من سياق النفي المستفاد من الإعجاز والذي يعجز كل سورة من السور المبهمة منه هو كل القرآن وإن كان للتبعيض المجازي أو على حذف المضاف من جنسه في البلاغة العالية فليتناول الكل والبعض وهو أقرب. قيل: كونه للإعجاز ليس لازمًا بينًا ومعرفة السورة تتوقف على معرفته، لأنها في عرف المتشرعة البعض المذكور من القرآن وإلا فإنه للاحتراز عن نحو سور الإنجيل، فهذا التعريف ليس للتمييز أي لإحداث تصور لم يكن بل لتصوير مفهوم لفظ القرآن أي للالتفات إلى تصور حاصل للعلم بالمراد، والجواب عن الأول: إن المعتبر البينية وقت التعريف وذلك حاصل لسبق العلم بإعجازه في الكلام. وعن الثاني: بأن تميز القرآن غير تصور ماهيته الاصطلاحية، فيجوز أن يتوقف معرفة السورة على تميزه، ويكون الموقوف عليها تصور ماهيته. وقال الغزالي رحمه الله: هو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواترًا. وأورد عليه الدور، فإن الصحيفة الكتاب والمصحف غلب عرفًا على ما كتب فيه القرآن، فقيل: يراد به ليعلم أنه المراد به ليعلم أنه الدليل، وعليه يبنى الأحكام من منع ولمس، والتنبيه على أن ضابط معرفته التواتر دون التعريف لا لكلام الأولى ولا المنسوخ تلاوته ولا ما لم يتواتر كمتتابعات في قضاء الصوم وإلا فهو اسم علم شخصي والتعريف للحقائق الكلية ويمكن الجواب بمثل ¬

_ (¬1) المتعبد بتلاوته، وتعريفه بما نقل بين دفتى المصحف نقلًا متواترًا دوري. انظر أحكام الأحكام للآمدي (1/ 288)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص 70) بتحقيقنا، حاشية التلويح على التوضيح (1/ 26 - 29).

الثاني: أن المنقول آحادا ليس بقرآن

ما مر، وبأن تصور المصحف ليس تصور كنهه بل ما يعلم عرفًا أن هذا مصحفٌ وذاك والموقوف تصور كنهه على أنا لا نعلم شخصيته فإن له أفرادًا في صدور الحفاظ ومتون الصحف، ولئن سلم أن المراد به أنه كالشخصي أو شخصي بالاصطلاح الخاص فلا نعلم أن مثله لا يقبل التعريف الرسمي بحسب الوجود الخارجي، ولا سيما في المركبات الاعتبارية، نعم لا يقبل التحديد، لكن ليس التعريف بالمنزل والمنقول كن ذلك في شيء. وقال مشايخنا: هو القرآن المنزل على رسولنا المكتوب في المصاحف المنقول تواترًا بلا شبهة، فالقرآن تعريف لفظي والباقي رسمي وصفًا كاشفًا، فالمنزل جنس المنزلة وخرج بقيده الكتب السماوية وبالمجموع الأحاديث المنزل معناها فقط إذْ المراد نظمه ومعناه، وبالمكتوب المنسوخ تلاوته بقي حكمه أولًا، وبالتواتر الآحاد كالشاذة، ومنها متتابعات في قضاء رمضان وبالأخير المشهوركمتتابعات في كفارة اليمين، فلا يجوز صلاة المتفرد به هذا إن أريد بالتواتر تواتر الفرع أو الأعم كما فعله الجصاص، وإن أريد به المتعارف فالقيد الأخير تأكيد، وهذا محزه لقوة شبه المشهور به وتصور النقل يتوقف على تصور مطلق المنقول فلا دور ولفظ النبي عليه السلام داخل؛ لأن المراد ما تعلق به الكتب والنقل لغةً، وكذا كل حرف أو كلمة من حيث انتظامها مع طرفيها، وقكد الحيثية لا بد من إرادته فيما يختلف بالاعتبار حتى لا يحرم الحمد لله رب العالمين شكرا على الجنب. وفي التسمية روايتان عن أبي حنيفة آية فذة أنزلت للفصل والتبرك وليست من القرآن إلا في النمل، فعلى الأول يخرج كل واحدة أو عدة بعينهما بقيد المنزلية إذ لم ينزل شيء منها على تعينه أو التواتر إذ لم يتواتر قرآنية شيء منها على تعينه بخلاف نحو {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13]، فإن المنزل والمتواتر قرآنيته صادقٌ على كل منها ولم يكن تكرارها في أول كل سورة زندقة لكون إنزالها للفصل والتبرك، وعلى الثاني: بالتواتر إذْ لم يتواتركونها من القرآن ولذا يخالف مالك - رحمه الله -. الثاني: أن المنقول آحادًا ليس بقرآن بل واجب تواتر تفاصليه لأنه متضمن للإعجاز والتحدي وأصل للأحكام وكل ما هو كذلك فالعادة تقضى بتواتر تفاصليه بخلاف سائر المعجزات إذْ ليست أصل الأحكام وبذا علم أن القرآن لم يعارض وإلا لتواتر، فما لم يتواتر تفصيله ليس بقرآن بعكس النقيض، وهذا متفق عليه بين الأئمة الأربعة فالخلاف في بسم الله في أوائل السور مبني على أن الواجب تواتر نقله في كل محل عند الشافعي لتوصيتهم بتجريد القرآن عما ليس منه حتى من النقط، وقضاء العادة قطعًا بعدم الاتفاق على مثله جمع أن أحاديث ابن عباس وأبي هريرة وأم سلمة رضي الله عنهم تناسب قوله أنه آية من

كل سورة أو من غير الفاتحة بعض آية منها وتواتر كونه قرآنا في كل محل عند غيره كما في سائر المكررات فإذا لم يتواتر ذلك في محل ما لم يكن قرآنًا عند مالك وأبي حذيفة في رواية ولأن التوصية بالتجريد إنما يقتضي عادة قرآنيته في الجملة لا قرآنيته في كل محل كما ظنه الشافعي لجواز كونه آية فذة أنزلت للفصل والتبرك أختاره أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله على رواية أبي بكر الرازي وبها أخذ المتأخرون ولذا كتبت بقلم الوحي، أي حين نزلت وإنما كتبت بخط آخر ليعلم أنها ليست أول سورة وآخر أخرى والرواية حيث قالوا ثم يتعوذ ثم يقرأ ويخفي البسملة حيث أدخلوها في القراءة شاهدة له والأحاديث آحاد ومؤولة لتعارضها فحديث ابن عباس رضي الله عنه من حيث كونه آية فذة أو مائة وأربع عشرة آية عن التأويلات ومع أنها من كتاب الله لا من كل سورة وحديثا أبي هريرة وأم سلمة أو بعض آية من الفاتحة فخطأ مالك - رحمه الله - في عدم اختيار التوصية بالتجريد أصلا وخطأ الشافعى في اعتبارها في كل سورة مع الجواز المذكور. ثم تفريع عدم الجهر على مذهب مالك - رحمه الله - منتظم كالجهر على مذهب الشافعي أما على الرواية الأخيرة لأبي حنيفة فلأنه غير معلوم قرآنيته من حيث ذلك المحل والأصل في الأذكار الإخفاء، وليعلم بالإخفاء أنه ليس من ذلك المحل والجهر ليس من لوازمه كالشفع الأخير ولأن اختلاف العلماء من حيث إن دليل كل شبهة قوية من حجة غيره أوْرث شبهةً في قرآنيته أو في كونها آية تامة لم يجز الصلاة به إذْ المقطوع لا يؤدي بالمظنون وحرمت على نحو الجنب عند نيته القراءة لا الثناء للاحتياط ولم يكفر إحدى الطائفتين الأخرى إجماعًا مع أن كلا من نفي الضروري كونه من القرآن وإثبات الضروري عدم كونه منه مظنة للتكفير، لا يقال دليل كل طائفة قطعيٌ عنده وإلا لم يتضح التمسك به في نفي القرآنية أو إثباتها، فلا معتبر لتعارض الشبهة وألا تجري في الاعتقاديات المختلف فيها كالوحدة وغيرها لأنا نقول قد تبين عدم قطعية دليلي الشافعي ومالك أما دليلنا وإن كان قطعيًا بالنظر إلى نفسه فالقطع به من قضاء العادة التي لا معتبر بها عند معارضة النص، فالنصوص المعارضة لها لو كانت قطعية كان الأخذ بها وترك العادة واجبًا وعند ظنيتها أورثت قدرًا من الشبهة صالحًا لدفع ما يندفع بالشبهات وهذا معنى قوتها بخلاف أدلة سائر الاعتقاديات ولا نعلم عدم صحة التمسك بمثل هذا القطعي في نفي القرآنية وإثباتها. بقى بحث هو منع أن العادة تقتضي بتواتر تفاصيل مثله لما لا يكفى تواتره في محل ما سواء كان في النمل أو في كونه قرآنًا لإثباته في محالٍ، وجوابه أنه لو لم يجب التواتر في كل

الثالث: يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت

محل وكفي ذلك لزم محالان جواز وقوع سقوط بعض القرآن وثبوت بعض ما ليس فيما مضى، أما الأول فلاحتمال كون الآيات الغير المكررة مكررة أسقط عما لم يتواتر فيه اكتفاء بمحل التواتر. وأما الثاني: فلاحتمال كون الآيات المكررة غير متواترة بل غير نازلة إلا في محل فأثبت لذلك في غيره مع عدم قرآنيتها. واعترض بأنا لا نعلم لزوم المحالين لأن جواز عدم التواتر في كل محل إنما يستلزمها فيما مضي لو منع وقوع التواتر فيه في كل محل والممكنة السالبة لا تناقض المطلقة الموجبة وكيف يمنعه والوقوع لا يوجب الوجوب إذ المطلقة لا تستلزم الضرورية فلم لا يجوز أن يكون الواقع تواتر المكرر في كل محل وإن لم يجب فلم يقع السقوط والثبوت المذكوران فيما مضي وأجيب بوجوه: 1 - أن المحال الأول لازم وذلك كاف، فإن التواتر لو لم يجب لجاز سقوط بعض المكرر قبل اتفاق تواتره ولا ينافيه وقوع التواتر في سائر المكررات وبذا لم يحصل الجزم بعدم السقوط مع أنا جازمون به، ولا يقال تواتر عدم سقوط بعض المكرر كما تواتر ثبوت بعضه؛ لأن التواتر في العدم لا يتصور إما لأنه لا يستند إلى الحسن، وإما لأنه قبل حصول حد التواتر. 2 - أن وقوع حد التواتر وإن قدح في لزومها فيما مضى فلا يقدح في الجوازين المحذورين فيما يستقبل لولا وجوب التواتر في كل محل مع أن فاعلها مجنون أو زنديق. 3 - أن لنا وجوب التواتر في كل محل دليلًا آخر وهو كونه ما يتوفر الدواعي على نقله كما سيجىء وهذا على مذهب مجوز الانتقال. تتمة: اختلاف القراءات السبع إن كان فيما لا يختلف خطوط المصاحف به وهو المنتهى بنفس الأداة والهيئة لا بحسب دائرة كالمد واللين أعني تطويل صوت حرف العلة إلى مقدار وعدمه والإمالة والتفخيم وتخفيف الهمزة وغيرها، وإن كان فيما يختلف وهو المسمى بقبيل جوهر اللفظ نحو ملك ومالك يجب تواتر كل منهما ليكون قرآنا. الثالث: يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت كالخبر المشهور عند الحنفية مثل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات بخلاف قراءة أبي رضي الله عنه في قضاء رمضان خلافًا لغيرهم في أنه قرآن أو خبر ورد بيانًا فظن قرآنًا، وأيًّا كان يجب العمل به، قيل يجوز أن يكون مذهبًا لجواز أن يجتهد الصحابي في خبر فرواه بالمعني على زعمه ولئن سلم فالخبر خطأ قطعًا لأنه نقل قرآنًا وليس بقرآن لعدم تواتره فارتفع الثقة. والجواب عن الأول: أن إلحاق ما اجتهد فيه بالقرآن بحيث يظن

الفصل الأول في الخاص

كونه قرآنًا من عدل مثله بعيد. وعن الثاني أن خطأيته بالنسبة إليه ممنوعة لجواز أن يتواتر عنده أو يشافه بقرآنيته وبالنسبة إلينا لا يرفع الثقة ولئن سلم فالخطأ في قرآنينه، ويجوز أن يكون مقصوده خبريته لهم أنه ليس بقرآن وشرط صحة العمل بالخبر نقله خبرًا ولا عبرة بغيرهما قلنا لا نعلم الثاني والإجماع فيه كيف والاعتماد على نقل الثقة في إلحاقه بالقرآن أقوى. الفصل الأول في الخاص وفيه مقامات: الأول: في حكم مطلقه وضعًا هو تناول مدلوله يقينًا، أي: في ذاته وقطعا أي للمحتمل وهو إرادة الغير أو لاحتمال البيان كما في المجمل أو المجمل أو لمطلق الاحتمال الناشئ عن الدليل وأيًّا كان لا ينافيه احتمال المجاز حيث لا قرينة لعدم دليله خلافًا لمشايخ سمرقند ومذهبهم مردودٌ باتفاق العرف فبيانه وحقيقته إثبات الظهور ولازمته ازالة الخفاء أما إثبات الثابت وإزالة الزائل وعليه أصول وفروع ونقصان لهما منوع فالأصول منها أن اسم العدد لا يحتمل الأقل والأكثركالواحد لا يحتمل العدد فثلاثة قروء حيض لا أطهار كما عند الشافعي وإلا فعدة الطلاق الشرعي الواقع في الطهر إن احتسب كما هو مذهبه قرآن وبعض الثالث وإن لم يحتسب فثلاثة وبعفى الرابع وبعض الطهر ليس به إذ لا يراد المسمي وإلا لانقضى بثلاث ساعات وإن شرط تحلل الدم بين أفراده فبساعة من الثالث وأشهر عام أو واسطة تجوز فيه بإرادة البعض كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ} [آل عمران: 42]، وإتمام الحيضة الرابعة في عدة المطلقة أثناء الحيض لضرورة تكميل ما لا يجزئ ولذا صارت عدة الأمة قرءين وقطح يد العبد السارق مع إن الرق منصف، ولا يطلق في أنت طالق إذا حضت نصف حيضة حتى يطهر كما في حيضة بخلاف إذا حضت، وتاء الثلاثة للفظ القرء، ومذهبنا مؤيد بقوله عليه السلام "دعي الصلاة أيام أقرائك" (¬1) مع قوله وعدتها حيضتان وبالاستبراء فإنه بحيضة وبالاشتقاق كما مر. ومنها: أن إلحاق الشيء به فرضًا لأنه يوجب رفعًا لحكم شرعي كزيادة جزء للتخيير أو ركن أو شرط حيث يرفع حرمة ترك الأصل وإجزائه نسخ خلافًا للشافعي وسيجيء بخلاف زيادة عبادة مستقلة فلا يجوز إلا بما يجوز النسخ به فلا يلحق فرضا في أن لا يجوز الصلاة بدونه لا في أن يكفر جاحده. ¬

_ (¬1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 59).

تعديل الأركان وهو الطمأنينة في الركوع والسجود بأمرهما بقوله عليه السلام للأعرابي قم فصلي فإنك لم تصلي" (¬1) ثلاثًا لأن الركوع ميل عن الاستواء بما يقطعه حتى لو كان إلى القيام أقرب من الركوع لم يجزه والسجود وضع الجبهة على الأرض ولا فاتحة بأمر القراءة بقوله عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ووقوعها فرضًا حين الاقتصار ليس بذلك كسائر السور لأن ذا من حيث قرآنيتها فلا ينافي وجوبها من حيث الخصوصية ولا الطهارة بأمر طواف الزيارة لقوله عليه السلام "ألا لا يطوفن بهذا البيت محدث ولا عريان" (¬2) وقوله الطواف صلاة فإنه الدوران حولها وهو في نفسه معلوم وإن كان مجملا في حق المبالغة المنصوصة حيث يحتمل العدد والإسراع وفي حق الابتداء إذْ لا بد لتحقق الحركة وتعينها الواجب شرعًا منه وتعينه فالتحقيق خبر العدد والابتداء من الحجر بيانًا ولذا لا يعتبر ما قبله في رواية الرقيات والطهارة أمر زائد، كأمر المسح مجمل في حق المقدار لأنه إمرار وتفسيره بالإصابة لدفع الإسالة خاص في حق التثليث وتعين الناصية أو لأن خبر الأشواط السبعة متواترٌ غير أن التقدير يحتمل أن يكون للاعتداد والإكمال فأخذنا الثاني لتيقنه وجوزنا بأكثرها لقيامه مكان الكل لترجح جانب الوجود كالاقتداء في الركوع ونية التطوع بالصوم قبل الزوال وقد روي إن الابتداء من غير الحجر مكروه لأنه ترك سنة لا باطل. أما وجوب إعادة طواف الجنب والعريان والمعكوس فليس لعدم جوازه عندنا حتى يكون مجملا لمعنى زائد ثبت شرعًا كالربا بل لنقصانه الفاحش وجوب إعادة الصلاة المنقوص واجبها سهوًا ولذا ينجبر بالدم إنجبارها بالسجدة فهذه الثلاثة عندنا واجبة ورواية ابن شجاع في الطهارة محجوجة بوجوب الدم، وعند الشافعي فرضٌ ولا الولاء بما روي إنه عليه السلام كان يوالي في وضوئه كما شرط مالك - رحمه الله - والترتيب بقوله عليه السلام: "ابدأوا بما بدأ الله به" (¬3)، والنية بقوله عليه السلام: "الأعمال بالنيات" (¬4)، كما شرطهما الشافعي - رحمه الله - والتسمية بقوله عليه السلام: "لا وضوء لمن لم يسم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1/ 263) ح (724)، ومسلم (1/ 298) ح (397). (¬2) لم أجده هكذا، وقوله: "لا يطوف بالبيت عريان" أخرجه: البخاري (1/ 144) ح (362)، ومسلم (2/ 982) ح (1347). (¬3) أخرجه مسلم (2/ 886) ح (1218). (¬4) أخرجه البخاري (1/ 30) ح (54)، ومسلم (3/ 1515) ح (1907).

الله" (¬1) كما شرطها الطاهر به بأنه الوضوء لأنه غسل ومسح واشتراط النية في التيمم لإشارته، والمفهوم من ترتب الحكم على المشتق عليه مأخذ؛ لا وجوب نية العلية لا سيما في الشرط الذي شأنه أن يعتبر وجوده كيفما كان لا قصدًا كستر العورة واستقبال القبلة فوجوب النية في كفارة القتل لدفع المزاحمة فهذه تعنيه، ولا التغريب بقوله عليه السلام "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" (¬2) بأمر الجلد فإنه لكونه جزاء كاف أو كل المذكور بل ذلك على تقدير ثبوته بطريق التعزيز منسوخٌ كالرجم بالحجارة دليله قول على رضي الله عنه كفي بالنفي فتنة، وحلف عمران لا يقيم النفط حين ارتد من نفاه، ولذا لم يجعل التغريب واجبًا أو سنةً أو لأن خبره غريب مع عموم البلوى وفي ما بين القبيلين فرق ما بين تبع لأصل وتبعه رعاية لمنازل المشروعات وربما يقرر بأن الإلحاق بالفرضية إذا بطل يصار إلى أقرب المنازل منها هي الوجوب إن أمكن بأن كان الملحق به مقصودًا لذاته كالصلاة والحج؛ لأن الظن يوجب العمل وإلا كأن كان مقصودًا لغيره كالوضوء فإلى السنية إذ لا يمكن جعله واجبًا لعينه بمعنى إثم تاركه لأنه مما يسقط كله بلا إثم بسقوط الغير، ولا واجبا لأجل الصلاة بمعنى عدم جوازها إلا به وإلا لترجح على واجب الصلاة وساوى فرض الوضوء على تقدير عدمها ولا بمعنى أثم المصلي لتركه مع جواز صلاته وإلا لساوى واجب الصلاة واقتضى سهوه جائزا، وإن أريد إثم ما فذا بالسنية كما جاز الوعيد على النقيض عن الثلاث وهذا سر أن أبا حنيفة - رحمه الله - لم يجعل في الوضوء واجبا وقيل لتفاوت درجات الأدلة فإنها أربعة قطعى الثبوت والأدلة وقطعي أحدهما وظنهما: فالأول: كالنصوص المتواترة تثبت الفرضية والمتوسطان كالآيات المؤولة وأخبار الآحاد القطعية الوجوب والرابع كالأخبار المؤولة السنية، ومن سوى فقد سهى من وجهين كمن سوي بين شريف وخسيس فخبر التعديل للتكرار والفاتحة لشهرته والطهارة للمبالغة من الثالث وهكذا كان غسل اليد ابتداءً للمبالغة في حديث المتيقظ ولكونه مقدمة لولا تعليل آخر الحديث وطهارة العضو حقيقة وحكما ووروده فيما ليس مقصودا لذاته وغيرها من الرابع فخبر الولاء؛ لأن المواظبة ليست دليل الوجوب مطلقًا فإنه عليه السلام واظب على المضمضة والاستنشاق بل هو المواظبة بلا ترك فيما هو مقصودا لذاته وخبر النية مشترك الدلالة لإضمار فيه وخبر الترتيب والتسمية معارض ومستعمل في نفى الفضيلة. ¬

_ (¬1) قال اللفظ ابن حجر: لم أجده بهذا اللفظ. انظر / الدراية (1/ 14). (¬2) أخرجه مسلم (3/ 1316) ح (1690).

ويرد على الثالث والرابع طردًا وعكسًا وجوب الفاتحة وضم السورة فإن استعمال مثل حديثهما في نفي الفضيلة شائع والمجاز الشائع قادحٌ في القطع باعترافه كما في التسمية، وسنية تخليل اللحية والأصابع الثانية بالأمر القطعي الدلالة لا سيما مع اقترانه بالوعيد وفي أمثلته سعة، ويمكن الجواب بأن القواعد الأربع أصول يجوز العدول عنها لدليل كضعف قرنية المجاز في حديثهما وكشهرته فيهما وتكرر وروده في الفاتحة بخلاف حديث التسمية، وكورود حديثي التخليلين فيما ليس مقصودًا لذاته وهذا كحديث السعي فإنه من حيث كونها مصدرًا بالكتب ومعجزًا بالأمر يصح دالا على ركنيته بيانا لمجمل الحج كما قال الشافعي، لكن صيغة الإباحة في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، أوجب العدول عنه فقلنا بالوجوب إما لأنه أقرب المَنازل أو فيه الإجماع أو الجمع بين دليلي الركنية والإباحة ومنها أن الخلع طلاق فيزيد به عدده لأنه تعالى بدأ بفعل الزوج وهو الطلاق ثم جمعهما في أن لا يقيما ثم أفرد فعل المرأة وهو الاقتداء بالذكر ففيه بيان بطريق الضرورة أن فعله ما سبق كما في قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. وسبب نزول الآية يفصح عن أنه الخلع لا الطلاق على المال ولا الرجعي ولا يلزم منه زيادة الطلاق على الثلاث مع سبق الطلقتين إذ ليس كل ذكر لبيان الوقوع والإلزام قطعا بل لبيان الشرعية ويحتمل أيضًا أن يكون تنويعًا للثاني إلى الخلع وغيره ويصدق عليه الطلاق بعوض أو للثالث المستفاد من التسريح على ما روي أو زرين عنه عليه السلام ويكون فإن طلقها بيان حكم الثالث، وفيه بعد الخروج الفاء عن التعقيب. وقال الشافعي رضي الله عنه أولًا فسخ لأنه يحتمله كما بخيار عدم الكفاءة والعتق والبلوغ عندكم كالبيع قلنا تمامه لا نقبله وهذه الصور امتناع قبله والفروع منها أن الصريح يلحق البائن خلافًا للشافعى رضي الله عنه ويتحقق في المختلفة رواية واحدة وفي المطلقة على مال إحدى الروايتين عنه ولا يري البينونة في غيرهما له زوال النكاح كما بعد العدة. قلنا فاء التعقيب في فإن طلقها المرتبة له على الخلع الذي هو أحد نوعي فعل الزوج المذكور في صدر الآية وذلك عين وصله يصدر الآية كما ذكره المفسرين؛ لأن وجود النوع والجنس واحد ذهابا إلى أن المراد به التطليق الشرعي مرة بعد مرة لا الرجعي وإلا لم يكن هذا أحد نوعية تفيد شرعيته عقيب الخلع؛ لأن بيان حكمه الخاص يستدعيها وحديث أبي سعيد الخدري يويدها فن وصله بصدر الآية بحيث فصله عن الاقتداء فقد

أبطل التركيب، وهذا لا ينافي كون الطلقة الثالثة مستفادة من التسريح ولا تقتضى عدم مشروعيتها إلا بعد الخلع كما ظن فقبله أما بالتسريح أو لكونه مرتبا على صدر الآية، وهو أعم أو بالإجماع، أو بحديث العسيلة ومنها أن المفوضة تستحق مهر المثل بنفس العقد لا بالوطء فلو مات قبله أو طلق بعده يجب كلا وقبله متعة لا يزيد على نصفه وعند أكثر الشافعية به فلو مات أو طلق قبله فلا شيء وبعده يجب كلا واتفقا أنه إذا فرض فات أو طلق بعده يجب كمال المفروض وقبله نصفه لهم إنه خالص حقها، فيتمكن من نفيه ابتداء كما من إسقاطه انتهاء، قلنا: الماء في أن تبتغوا بأموالكم حقيقته الإلصاق بنص العربية، ففى غيره مجاز ترجيحًا له على الاشتراك فلا ينفك الطلب، أي: بالعقد الصحيح لا بالإجارة والمتعة لقوله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]، ولا بالنكاح الفاسد لتراخي وجوب المهر فيه إلى الوطء إجماعا عن المال وسائر النصوص المطلقة، وإن كانت مطلقة محمولة على المقيد لاتحاد الحكم والحادثة ككفارة اليمين. وكما في اشتراط الشهود وحرمة جمع غير الأختين كلاهما بالخبر المشهور والمهر وجوبا حق الشرع إبانة لشرف المحل؛ ولقوله تعالى: {فَرَضْنَا} على وجه، وإنما يصير حقها حالة الملك فتملك الإبراء دون النفي، ومنها: أن المهر مقدر شرعًا بمقدار بعينه معلوم عند الله يظهر باصطلاح الزوجين أو المماثلة كالقيم الظاهرة بالتقويم وكخصال كفارة اليمين فلا يجوز أقل من عشرة دراهم (¬1). وعند الشافعي رضي الله عنه كل ما يصلح ثمنًا يصلح مهرًا (¬2)؛ لأنه حقها فالتقدير إليها، قلنا قوله تعالى: {مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50]، أي قدرنا من مهور النساء وأعواض الإماء كما فسر به البعض يفيد أن المتولي لتقديره صاحب الشرع لكن لكونه مجملا في تعيين المقدار بالنسبة إلينا بينه حديث جابر رضي الله عنه من حيث نفي نقصانه أو قياسه على نصاب السرقة بجامع بدليه العضو وتقدير العبد امتثال به ظاهرًا به من حيث كونه فوق ما دون العشرة وباطنا بإظهار ما عينه في عمله فلا يلزم جواز الاصطلاح على ما دونها ولكون التقدير نافيا للنقصان كمقادير الزكاة لا الركعات جاز الزيادة، وقد مر أن المهر وجوبا حق الشرع إبانة للشرف بالتقدير بماله خطر قبل حقيقة الفرض القطع كما في سورة النور من الكشاف ففي التقدير مجاز كالبيان والإيجاب ولئن سلم فمشترك بينهما مع أن حمله على الإيجاب أولى هنا لوصله بولي، وإذ لم يقدر على المولي للإماء ¬

_ (¬1) انظر المبسوط لشيخ الإِسلام السرخسي (5/ 66). (¬2) انظر الأم للإمام الشافعى (5/ 160).

شيء وجوابه أن في التقدير حقيقة شرعية وإن كان مجازا لغويا لاشتهار استعماله إلى أن استغنى عنه القرنية لقوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، والفرائض وفرض القاضي، ففي سائر المعاني مجاز ترجيحًا له على الاشتراك فوصله بولي لتضمين معنى الإيجاب والمقدر في الإماء الأعواض كما مر لا النفقة والكسوة غير إن تقدير العوض لم يبين أصلًا فافترقا في جواز القلة ولئن سلم كونه حقيقة في الإيجاب إذ لم يشتهر في غيرهما شرعا لكنه يستلزم تقديرًا فلا محيص عن الإجمال في جعل التقدير كالشافعي أو اختيار الترك والإيجاب في المهر كمالك القائل، بأن نفي المهر يفسده كنفي الثمن إلى العبد فقط أبطله. ونقصان أحدهما قول محمَّد والشافعى لأن قولهما بمحلية الزوج الثاني وهدمه دون الثلاث إبطال لقوله حتى ينكح؛ لأن غاية الحرمة منهية لها ولا إنهاء قبل الثبوت إذ نهاية الشيء لتوقفها من حيث هي غاية عليه توقف البعض من حيث هو بعض على الكل تلغو قبله في حكم الإنهاء كما لو حلف لا يكلمه في رجب حتى يستشير أباه فاستشاره قبل رجب لغت حتى لو كلمه في رجب قبلها حنث، ولأن الثبات ضد المغيا لا أثر للغاية فيه فالثابت بعدها الحل السابق كحل الأكل بعد الليل ولئن سلم فالحل فيما دونها ثابت وإثبات الثابت محال وجوابه أن محليته لم تثبت بالأية بل بإشارة حديثي العسيلة واللعن فحديث العسيلة لشهرته يزاد به على الكتاب فزيد الدخول بعبارته وفهم التحليل من إشارته فإن العود فيه وهو الرجوع إلى الحالة الأولى التي هي الحل أمر حادث بعد الدخول لأن عدمه غيابه فيضاف إليه والمستند إلى السبب الأصلي هو الحل الأصلي لا الحاصل بالعود إليه بل هو إلى سبب العود وهذا إذا كان النكاح في الآية لمعنى العقد لا الوطء كما اختاره المتأخرون وإلا فالدخول بالآية وهو مختار متقدمي أصحابنا لأنه وإن سلم اشتماله على مجازين لغوين في النكاح، والزوج أولى من ارتكاب المجاز العقلي في إسناد الوطء إليها ولو لمعنى التمكين إذ لا يكاد يستعمل كالراكب في المركوب، بخلاف الزنا فإنه اسم للتمكين الحرام ومع نساء لا يفيد لأن التمكين لا ينهي ولا يستلزم الوطء، وحديث اللعن وإن كان من الآحاد أثبت التحليل لأنه ليس زيادةً تكون نسخًا لأن التحليل محقق للإنهاء لا رافع له يوجه، ورفع الشيء قد يكون بإثبات ضده، فلا ينفي كونه غاية كـ {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] و {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] وكالليل مع النهار واللعن غير قادح؛ لأن سببه للمحل شرط التحليل أو قصد تغير المشروع حيث لم يتزوج للتناسل، وللمحلل له تسببه والمسبب شريك المباشر، والأليق أن الغرض من إثبات خساستهما،

لأنه عليه السلام ما بعث لعانا ولما ثبت العود إلى الحالة الأولى لم يزل الحل إلا بثلاث طلقات كالأول فبعد الثلاث أثبت الحل الكامل وبعدما دونها كله ولم يكن إثبات الثابت بل زيادة حل كزيادة الحرمة في انعقاد ظهار ويمين بعده أو لم يزد على الثلاث، إذْ لا زيادة شرعًا فاقتضى ثبوت الحل الثاني انتفاء الأول كتجديد البيع بثمن أقل، أو تداخل العدتين ثم قولهما لأن فيه إعمال الكتاب والسنة جميعًا أولى بما فيه إهمال إحداهما. وثانيهما: قول الشافعي رضي الله عنه إن مذهب في نقل عصمته المسروق إلى الله وهو المعنى ببطلانها على العبد حيث قلنا حكم السرقة قطع بنفي الضمان، فلو هلك عند السارق أو استهلكه قبل القطع أو بعده لا يضمن إلا في رواية الحسن، فيما استهلك بعده كإتلاف خير المسلم لقوله عليه السلام لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه إبطال لخاص الكتاب به حيث جعل القطع جميع الموجب، ومع نقل العصمة يكون بعضه ولولا هذا الاعتبار لما ورد الإيراد؛ لأن إثبات حكم سكت عنه النص بخبر الواحد غير محذور ونحوه ما مر في زيادة التغريب على الجلد، فللشافعي رضي الله عنه: أن القطع لا ينفي الضمان صريحًا ولا دلالة لاختلافهما اسمًا ومقصودًا ومحلا وسببًا واستحقاقًا فلا يقتضي ثبوت أحدهما انتفاء الآخر فيثبت لعمومات الضمان. قلنا: نقلها بإشارة جزاء إما لفظا فلأن مطلقه عن جبر النقصان في معرض العقوبة يراد به خالص حقه تعالى، وهذا كذلك ولذا لم يكون كون الغصب القصاص مقيدا بالمثل ولم يملك الصنروق منه إثبات الحد وعفوه بعده ولم يورث وأشترط دعواه ليظهر السرقة ويسترد إن أمكن حتى لو وجد المظهر بلا ملك كفي كالمكاتب والمستعير والمستأجر والمستبضع والقابض على سوم الشراء والمستودع والمضارب والمرتهن ومتولي الوقف وسدنه الكعبة وكل جزاء يخلص بهتك حرمة خالصة له ليكون طبقها ومن ضرورته لخويل العصمة إليه، وإما معنى فلأنه مأخوذ من جزى أي قضي وأحكم أو جزءا، أي: كفي فيشير لإطلاقه إلى كماله المستدعي لكمال الجناية بكونها حرامًا لعينهاكشرب الخمر والزنا لا لغيره وإلا كانت مباحة في نفسهاكشرب عصير العنب لأحد والوطء حالة الحيض فيتحول العصمة إليه، وقد يجاب بإن كمال الجزاء يقتضي كون القطع جميع الموجب فلا يجب الضمان معه وهذا لا يحتاج إلى توسط كمال الجناية، وتحول العصمة فلا تناسب فأوجه منه أن القطع إن لم يكن جميع الموجب جاز زيادة نقل العصمةكزيادة التغريب عنده، وإن كان لم يجز زيادة الضمان بالعمومات إذْ لا تصح ناسخة لعدم قوتها أو تراخيها ولا مخصصة للخاص وههنا فوائد:

المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر

1 - أن عصمة المال واحدة كانت للعبد إذْ لا يجب القطع إلا بسرقة مال يختص به خلاف صيد الحرم وحشيشه فإذا نقلها الله إلى نفسه تحقيقا لصيانته على العبد لم يبق للعبد حرمة يجب الضمان بهتكها خلاف قتل الصيد المملوك في الحرم والإحرام، وشرب حفر الذمي والقتل الخطأ، واختير هذا النوع من الصيانة وإن اشتمل على إبطال حقه في الضمان لأن نفع القطع يعمه، وغيره كالقود. 2 - أن ملك العبد لا يستلزم عصمته كعصير المسلم إذا تخمر ينتقل عصمتها إلى الله تعالى فلا يلزم من انتقالها بدونه، حيث يثبت له ولاية الاسترداد إن كان قائمًا بقاء اللزوم، بلا لازم فلا ينتقل المالك وإن توقف انعقاد السرقة موجبه للقطع عليه توقفه على العصمة وإذ لا يقطع النباش وذا لوجوه: أ- كون انتقال العصمة للضرورة فيتقدر بقدرها، ولذا لو وهبه المالك للسارق أو باعه منه أو من غيره صح أو أتلفه غيره يضمن. ب- كن نقل الملك مبطلا للعصمة أصلًا لأن خالص ملكه تعالى يوصف بالإباحة لأنها كالاحتطاب ونحوه. ج- كون الملك صفة المالك مقصودا لا لمحل الجناية كالعصمة. 3 - نقل العصمة إليه تعالى لا يوجب الإباحة وإلا لتسبب الجناية للتخفيف وصار القطع مناقضًا لنفسه فاشترط العصمة السابقة التي يحدث انتقالها مع الأخذ تحقيقًا للحفظ في تلك الحالة ويتم بالاستيفاء كما في كل ما يحب الله فعنده يتبين أنها كانت لله فلا يجب الضمان وإن تعذر الاستيفاء تبين أنها للعبد فيجب وبهذا يندفع كثير من الأسئلة. 4 - إن سقوط الضمان لتعذر الحكم به على القاضي حيث اعتبر عصمته في القطع فلا ينافيه الإفتاء بالضمان كما رواه هشام عن محمد - رحمه الله - لدفع الخسران اللاحق بجهة هو متعد فيها. المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر: إذْ الخاص كمطلق اللفظ فيما مر إما خبرًا أو إنشاءً ولكون السند عين الإخبار أخرنا مباحثه إلى أوانه فالإنشاء المعتبر هنا الأمر والنهى المنوط بهما طرفا التكليف، ولذا عد مباحثهما معظم المفاسد ونعني بهما أياهما معنى وإن استعير عنهما بالخبر في {لَا تَعْبُدُونَ} [البقرة: 83] وتحسنون المقدر كعكسه فيما يجيء من اصنع ما شئت، واستعارة النهى والمستعار في نحو {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] {يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233]، مجرد خبر المبتدأ فقد يقع إنشاء في مثل كيف زيد، لا أين زيد ونحوه لأنه في الحقيقة مقدرة وتنافي الإنشاء لا معه، وعندي أن الخبر جزء

مدلولاتها، والجزء الإنشائي معتبر في الجملة، وهذا أصح، لأن الدليل على إمتناعه صحيح ومنه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، من وجه والمستعار أوْكد لكونه خبرا عن وقوع المطلوب صورة. ففي الأمر مباحث: الأول: في تعريفه ولكونه من المبادي، قد مر فيها وتكراره هنا لاستيفاء حقه مطابقة وبيان حال تعاريف الطوائف صحة وفسادًا ومثله الخبر وغيره فمن قال بالكلام النفسي كالأشاعرة عرفه تارة بحقيقته الكلامية كاقتضاء فعل غير كف صيغي استعلاء فدخل كف دون لا تكف من غير عناية، وخرج النهي، وما فيه التسفل ولو من الأعلى وهو الدعاء أو التساوي كذا وهو الالتماس إذْ هما لا يسميان أمرًا اتفاقًا، بخلاف ما مع الاستعلاء، ولو من الأدنى وإلا لم يذم بأمر الأعلى ولذا لم يشترط العلو كالمعتزلة ولم يهمل الشرط كالأشعري، وحمل قول فرعون {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110]، وقد كان معبودًا لهم على معنى تشيرون أو تومرون أي تشاورون أو إظهار التواضع لملائه لغاية دهشته من أمر موسى عليه السلام وارتكاب خلاف الظاهر للدليل ليس أول قارورة كسرت في الإِسلام. وأخرى باللفظ الدالة عليه وهو المناسب لغرضنا فصار حقيقة الأصولية ومنه قول القاضي هو القول المقتضي طاعة المأمور، بفعل المأمور به ورد الدور الوارد من جهة أخذ المشتق، والطاعة التي هي موافقة الأمر بأن الأمر يمكن أن يعرف سابقًا من حيث هو كلام فذلك كاف في معرفة الأشياء الثلاثة، أو يتميز عما عداه ويطلب تصور حقيقته. وقيل: خبر عن الثواب على الفعل أو عن استحقاقه لئلا يلزم الخلف في خبره عند عفو العمل أي محوه بالردة ولا يقدح استلزام الخبر إما الصدق أو الكذب دونه إذ عدمهما لازم المأمور به فعلا أو تاركًا ووجود لازم للثواب عليه واستحقاقه لغةً ولا تنافي بينهما. ومن أنكر الكلام النفسي كالمعتزلة لم يمكنهم تعريفه بالطلب فتارة عرفوه بذلك اللفظ، أو بالطلب به ومنه قول القائل لمن دونه فيزعمه أفعل مرادًا به الطلب المطلق وهو المراد بما يتبادر عند الإطلاق لا الاستعلائي، فلا يتكرر قيد الاستعلاء كما ظن فخرج الفعل والإرادة الإشارة، وما من الحاكى والنائم ونحوهما إذْ لا يسمي قوله ومن غير المستعلي ونحو التهديد ولا وجه لمنع كون الصادر من الأدنى المستعلي أمرًا لغةً، أو كونه موجب الامتثال؛ لأن ذمه شامل ودليل عليهما بل كل افعل أمر لغةً وافعل قيل كناية عن كل ما يدل على الطلب من صيغ أي لغة كانت. والحق ما في إيضاح المفصل أنه علم جنس لذلك من لغة العرب، كفعل ويفعل لكل

مبني للمفعول من الفعلين فيخرج به الإخبار القول عن الطلب، ومنه صيغة افعل مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر أي عما وضعت الصيغة له وهو الطلب الاستعلائي فالمعروف غير المعرف غير أنه تعريف بالمبهم، وأخري باعتبار الإرادة المقترنة بالصيغة كصيغة افعل بإرادات ثلاث إرادة وجود اللفظ ودلالته على الطلب والامتثال ليخرج نحو النائم ومثل التهديد وشبه المبلغ واشتراط مجموع الثلاث لتحقيق ماهية الأمر وإلا فالقيد الأخير كاف في الاحتراز كالفصل القريب والبعيد وأخرى بنفس الإرادة كإرادة الفعل واعتراض عليهما بأن قول السيد لعبده افعل كذا بحضرة سلطان توعد له بالإهلاك على ضربه ليعصيه فيتخلص أمر والألم يظهر عذره وهو مخالفة الأمر ولا يريد ما يفضي إلى هلاكه لكن قد يطلب إذا علم أن طلبه لا يفضي إلى وقوعه فهذا يبطل كون الإرداة عينه وشرطه وقد مر تمامه وإبطالهما بلزوم وقوع المأمورات لا يلزمهم لأن الإرادة عندهم ميل يتبع اعتقاد النفع أو دفع الضرر فيجوز تخلف مراد الله تعالى عندهم بسوء اختيار العبد، لا الصفة المخصصة بالوقوع ومنه يعلم فساد الاستدلال، بنحو إيمان أبي لهب بأنه مأمور به إجماعًا وليس بمراد الله تعالى؛ لأن قوله {لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] يدل على علمه بأنه مستحيل فكيف يريده لأن الإرادة بما فسروه لا تنافي العلم، باللاوقوع والفرق بين الإدارة من العبد وبينها من غيره في التفسير أفسد لأنه مع عدم ثبوته لا يجدي، فإن تقيد الوقوع بالاختيار لا يجوز عدم وقوع المراد نعم، ينفي الجبر ونحوها التقدير والعلم متبوعًا أما تابعًا فأبعد. الثاني: في أن مراده يختص بصيغة لازمة ولكل من الاختصاص واللزوم معنى لغوي هو اتخاذها خاصة، كما اختص به أبو حنيفة من المسائل، والتبعية أي أن لا يوجد إلا حيث يوجد الملزوم كلزوم أم المتصلة لهمزة الاستفهام. ومعنى عرفي وهو صيرورته خاصة لها وعدم انفكاكها منه فإن اتفق مرادهما لغةً وعرفًا كان أحدهما مؤكدًا للآخر، وإلا فهم الاختصاص من الطرفين وحمل على كل منهما، والمقصود ها هنا أن الوجوب مثلا لا يستفاد من الفعل أي أن الفعل ليس أمرًا حقيقة ليفيده إذْ لا خلاف في أن كل أمر موجب ولا يخفي توقف هذه الكلية على القول بعموم المشترك، وقد ذهب إليه مالك في رواية والإصطخري وابن أبي هريرة وغيرهما من الشافعية، ولا ريب في أن أصله مجاز فالأمر في المأمور به وهو الفعل مصدرًا كان أو حاصلا به كالشأن في المشؤون من شأنت أي قصدت فالخلاف المذكور ها هنا في كونه أمرًا لا في إيجابه ابتداء وسنستوفيهما في السنة إن شاء الله تعالى.

الثالث: في موجب الأمر وهو مدلول مسماه والتعبير عنه بأن الأمر هل له صيغة تخصه لا يختص بالقول بالكلام النفسي وليس بخطأ، أما الأول فلأن المعنى مراد الأمر، وأما الثاني فلأن المعنى إنها خاصة به حقيقة فيه من حيث هي صيغة لا في غيره عن الندب كأبي هاشم (¬1) والإباحة (¬2) كالبعض ولا مشتركة بين الأولين معنويا للطلب، أو لفظيا ولا بين الثلاثة معنويا للإذن، أو لفظيا ولا بينها وبين التهديد لفظيا، ولا للوقف كالاشعري والقاضي ابن سريج بالجيم، فهذه تسعة مذاهب لنا في الوجوب الكتاب والإجماع ودلالته والمعقول فالكتاب من وجوه: 1 - أن قوله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، أي إذا أردنا وجوده نقول أحدث فيحدث على كل من التوجيهات الثلاث المبنية على أن يكون الشيء بالإيجاد، أو بكلمة كن نفسيا في الأزل يفيد كون الوجود مع المنع عن النقيض مقصودا بأمر كن فكذا بجميع الأوامر لأنها كن كذا وهو الوجوب والفرق بالتامية والناقصية، غير موثر في حقيقة المقصود غير أن ترتب الوجود في أمر الله تعالى اعتبارا لجانب الأمر يقتضي الجبر ورفع التكليف وقد تفضل الله تعالى له بنوع اختيار وإن كان ضروريا أي تابعا لمشيئته، أو مخلوقا بلا شعوره كالعقل فالعمل يشبه جانب المأمور أيضًا أن بتأكد وجوه الطلب وهو الوجوب المفضى إلى الوجود للعقل والديانة ولا يحتاج هذا في الأوامر الجارية بين العباد لجواز التخلف في طلبهم عن أفراده وفي مرادهم ومطلوب الله مراد لولا نفى الجبر بنقل الإرادة من الوجود المطلق إلى الوجود بالاختيار ولا تخلف في مراده وبهذا يتضح أن أوامر الشرع حقائق والتأويل ليس في دلالة اللفظ بل في ثبوت مؤداه والعمل فيندفع الأوهام المضربة إما بيان الإفادة فلأن التكون إذاكان بالإيجاد وعليه أكثر المفسرين واختاره علم الهدي وأبو زيد كان مجازا عن سرعة الإيجاد وتمثيلا لغائب كمال قدرته يشاهد مفروض قدرته على الإيجاد بأوجز الكلمات بلا صنع آخر ولا يوجد جامع هذا التمثيل إذا لم يكن الوجود قطعًا مقصودًا بالأمر وإذا كان بهذه الكلمة إجراء لسنته على التكوين بها وإن لم يمتنع بدونها كمذهب الأشعري كان حقيقة، لكن المراد الأزلي القائم بذاته أعني بلا تعطل في الأزل لكن بحسب أوقاته المخصوصة ولذا ترتب في الآية على الإرادة فلا يلزم قدم الحادث كما ظن لا المركب من الحروف والأصوات أعنى وبلا تشييد لاستحالة والتسلسل لاحتياج حدوثه إلى أمر آخر وعندهم ¬

_ (¬1) انظر المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 50 - 51). (¬2) انظر المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 50 - 51).

يتدرج التكوين في الكلام ونفسه عين المكون والأمر التكويني لا يقتضي الفهم لإفادته بدونه بل عدمه فعلى هذا كون الوجود مقصودا به أظهروا كذا إذا كان بهما وكانت كلمة مقرونة بالإيجاد تعظيما واظهارا لقدرته كنفخ الصور، وإن أمكنه بدونها والبحث في هذا بأن الوجود حينئذ أما إن تعلق بكليهما فافتقار الإيجاد دلالة النقصان أو بكل منهما فيتوارد العلتان أو بالإيجاد فقط فلا يستقيم التمسك ساقط إذْ لا نسلم أن افتقار صفة للذات إلى أخرى له دلالة النقصان كافتقار الإيجاد إلى الإرادة وافتقارها إلى القدرة خلاف المستحيل وافتقار الكل إلى الحياة، ولا فرق في اقتضاء الافتقار النقصان بينه إلى الشرط وبينه إلى جزء المؤثر مع تعلقه بالايجاد فقط قسم لا يحتمله المورد. 2 - نسبة قيام السماء والأرض بمعنى وجودهما بأمره قال الفراء: قال لهما كونا قائمتين أي ثابتتين تماما لمنافع الخلق وأن سلم أنه كنى بالأمر عن إيجادهما ففي شرح التقويم أن طريقها السببية وذا يجعل الأمر للأيجاب المفضى إلى الإيجاد. 3 - انتفاء الخبرة عن المأمور في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36]، الآية لأن القضاء هنا إتمام الشيء قولًا كما في {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا} [الإسراء: 23]، أي حكمًا لا فعلا كما في {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]، بدلالة عطف الرسول وكذا الأمر هو القول مصدرا، أو مميزًا أو حالًا لا الفعل إذْ لو أريد فعله لم يبق لتقى المومنين معنى ولو أريد فعل العبد أو الشيء كما في {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: 47]، لزم تقدير الباء وهو خلاف الأصل ولأنه لا يقتضي نفي الخيرة مطلقا لجواز أن يحكم بفعل بالإباحة. 4 - استحقاق الوعيد لتاركه في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، الآية إذ لا وعيد إلا بترك الواجب وهنا بمخالفة الأمر قضية لتركيب الحكم عليها وظاهرها ترك الإمتثال به لأنه المتبادر لا عدم اعتقاد حقيقته ولا حمله على ما يخالفة من الندب وغيره وهذا لا يتوقف على وجوب الحذر حتى يلزم المصادرة بل على نفسه والدليل عام لأن أضافة المصدر للعموم. 5 - الذم والتوبيخ والإنكار على ترك السجود في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، على زيادة لا أو بمعنى ما دعاك إلى أن لا تسجد إذ المانع من الشيء داع إلى تركه والمراد بإذ أمرتك قوله تعالى: {اسْجُدُوا} [الأعراف: 11]، فلولا أنه وقد ذكر مطلقا للوجوب لأمكنه أن يقول ما ألزمتني فعلام الإنكار. 6 - الذم على المخالفة في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}

[المرسلات: 48]. 7 - عصيان التارك بقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]، أي تركت مقتضاه إجماعا وتوعد العاصي بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 14]، الآية. 8 - ذمه عليه السلام أبا سعيد بن المعلى على ترك استجابته وهو يصلي حين دعاء فلم يجب مستدلا بقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]، فأوجب ترك المأمور الذم ولا سيما مع عذر ولا يستفاد الوجوب منقوله تعالى: {إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]، لولا إفادة الأمر وهذا على أن الظن يكفي فيما مقصوده العمل. وأما الإجماع فتدلال الأئمة بصيغة الأمر مجردة عن القرآن على الوجوب حتى شاع ولم ينكر وسيجىء تمامه في العمل بالخبر وهذا ليس ظنا في الأصول بل قطعًا ويقينًا بالمعنى الأعم أو على كفاية الظهوركما سيجيء، وأما دلالته أي تثبت من الإجماع في صورة أخرى فإذًا كل من أراد طلب فعل جزما لا يطلبه إلا بلفظ الأمر ونحو أوجبت فعل كذا يدل على الأخبار عنه لا عليه واستعماله إنشاء عارض فالأصل عدم الالتفات إليه ولأنه بواسطة اقتضائه أمرًا. وأما المعقول ونعني به الاستفادة من موارد اللغة لا إثباتها بالقياس أو الترجيح فمن وجوه: 1 - أن المولى يعد العبد الغير الممتثل عاصيًا ولا ذلك إلا بالوجوب. 2 - أن الإشتراك خلاف الأصل كما في سائر الأفعال والمضارع أيضًا حقيقةً في أكل كما في كل ما أملكه حر وليس حقيقة في الإباحة والتهديد لأنه يقتضي ترجيح الفعل ولا في الندب لاقتضائه الذم على الترك عرفًا. 3 - إن الائتمار لازم الأمر أي مطاوعة فإنه وإن تعدى إلى واحد لازم بالنسبة إلى ما يتعدى إلى اثنين وكل مطاوع لازم لما يطاوعه كالانكسار للكسر فالامتثال لازم للأمر غير أن قاعدة رفع الجبر جوزت التراخي إلى أوان الاختيار وإن كان المأمور به مطلوبا ومردا لمن لا يتخلف إرادته ولولا نقل إرادته من مطلق الوجود إلى الوجود باختيار العبد تمهيدًا لقاعدة التكليف لما كان فرق بينه وبين الجماد والفرق ضروري وإذا جوز الاختيار تخلف المراد عن المطلوب بأوامر الله تعالى فلأن يجوز بين العبد أولى فلذا جاز أمرته فلم يمتثل بخلاف كسرته فلم ينكسر إذْ ذلك أمر لا يتخلل في حصوله الاختيار فبهذا يسقط أن المطاوع هو الائتمار بمعنى المأمورية لا بمعنى الامتثال بل هو مسببه لأن الأثر المطلوب بالأمر ليس المأمورية بل وجود الفعل وحين منع الاختيار اللزوم عادة وشرعا

استعمل الأمر للوجوب المفضي إليه لغة وشريعة فهو حقيقة فيه من الحيثتين وبذا صار المطاوع قسمين وهذا حل لما رمزه المشايخ وشدوه ولما يحم أحد حول فهمه ردوه {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 73]. للمبيح أنها طريق أدنى وجود الفعل وللنادب أنه أدنى الفعل الراجح الذي يقتضيه الطلب وإن لا فارق اجماعًا بين الأمر والسؤال إلا الرتبة فيكون للندب مثله ويردهما أن الأصل فيما ثبت ان اللفظ وضع له وهو الطلب ها هنا الكمال لأن الناقص ثابت من وجه لا سيما إذا لم يمنع مانع كالقصور في الصيغة باقترانها بالصارف عن الإيجاب نحو {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، أو في ولاية المتكلم كما في الدعاء والالتماس فإنه معترض الطاعة وهما صرفهما قصور ولاية المتكلم عنه. قالوا: قال عليه السلام: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (¬1) رده إلى مشيئتنا قلنا بل إلى استطاعة وهو معنى الوجوب للقائلين لمطلق الطلب أن الثابت في مقتضاه رجحان الفعل فيكون للقدر المشترك دفعا للاشتراك والمجاز. قلنا: بل مع خصوصية الوجوب لأدلتنا وإما أنه إثبات اللغة بلوازم لماهيات فلا بل عدم القول بالخصوصية بلا دليلها وكذا القول لمطلق الإذن تقريرا وجوابا وللمشرك إطلاقه عليهما والأصل الحقيقة. قلنا: المجاز أولى من الإشتراك وللواقفية أولا لو تعين ما وضع له فبدليل. وليس إذْ لا مدخل للعقل والنقل آحادًا لا يفيد العلم وتواترًا يوجب استواء طبقات الباحثين، والاختلاف ينافيه قلنا لأتم الحصر بل بالأدلة الاستقرائية المتقدمة ومرجعها تتبع مظان استعماله والأمارات الدالة على مقصوده عند الإطلاق وهنا فائدتان: 1 - أن الاستنباط من النقل قد لا يسمى نقلا وإن كان عائد إليه، كقولنا الجمع المحلي باللام عام إذ يدخله الاستثناء فيراد بالنقل ما مقدماته القريبة نقلية. 2 - إن الظن كاف في مداولات الالفاظ. وثانيا: أنه مستعمل في معان فلا يتعين شيء منها للإرادة إلا بدليل: 1 - الوجوب أقيموا. 2 - الندب فكاتبوهم. 3 - لإباحة فاصطادوا لأكلوا وأشربوا فأنهما واجبان بخلاف {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (265816) ح (6858).

4 - التهديد ويسمى التوبيخ {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، ويشترط قدرة المخاطب عليه. 5 - التأديب كقوله عليه السلام: "كل مما يليك" (¬1) وهو لمحاسن الأخلاق. 6 - الإرشاد {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، وهو للمنافع الدنيوية والندب للأخروية. 7 - الإنذار {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} [الزمر: 8]، وهو إبلاغ مع تخويف والتهديد تخويف. 8 - التقريع وهو التعجيز {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ} [البقرة: 23]، ولكون المخاطب قادرا فقدله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ} [الإسراء: 64]، من التهديد. 9 - الإفحام هو الإسكات {فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258] ويختص بموضع المناظرة بخلاف التعجيز. 10 - التكوين {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]. 11 - الدعاء والسوال {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127]. 12 - الإهانة {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]. 13 - التسوية {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: 16]. 14 - الإجلال وهو الإكرام {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]. 15 - التعجب {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38]. 16 - الاحتقار {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: 80]، فالإهانه للمخاطب والاحتقار لفعله. 17 - الإخبار {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82]، ومنه فاصنع ما شئت، أي صنعت عكس {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233]. 18 - الامتنان {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 142]، ففيه إظهار منه بخلاف الإباحة. 19 - التسخير {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، ويقصد فيه الانتقال إلى حالة مهينة وسرعة الوجود في التكوين. 20 - التمني ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي، وليس ترجيا لأنه في زعم المحب الساهر ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5/ 2056) ح (5062)، ومسلم (3/ 1599) ح (2022).

المتكلم مع النجوم من برجاء الشوق الباهر مستحيل الانجلاء وبلا آخر. 21 - الالتماس وهو ظاهر (¬1) قلنا الأصل ترجيح التجوز وعد الاشتراك واستعمال مطلقه في غير الوجوب ممنوع ومع أن غيره مشترك في استدعاء القرينة الصارفة وذا المارة المجاز لو اعتبر في التوقف مثله من الاحتمال يبطل حقائق الألفاظ إذْ ما من لفظ إلا وفيه احتمال تجوز، أو خصوص أو غيرهما أو حقائق الأشياء لاحتمال تبدلها لحظة فلحظة في جنب قدرة الله تعالى بل يعتبر في أن لا يكون محكما ومن ادعاه والفرق بأن لهذا الاحتمال بخلافهما دليل كالوضع ممنوع وإلا فلا كلام وكالشيوع وكثرة الاستعمال غير مفيد لأنهما في المعاني المعلومة مجازيتها أكثر من أن يحصى وأوفر منهما في أكثر هذه المعاني ولأن الأشياء كما يحتمل كثرة تبدلها أيضًا فمن أين علم الشيوع والكثرة ها هنا دونها ثم نقول لو وجب لتوقف في الأمر لذلك لوجب في النهي لاستعماله في معان: 1 - التحريم {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130]. 2 - الكراهة النهي عن الصلاة في أرض مغصوبة وعنها في ثوب واحد. 3 - التنزيه {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]. 4 - التحقير {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88]. 5 - بيان العاقبة {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} [إبراهيم: 42]. 6 - اليأس {لَا تَعْتَذِرُوا} [التوبة: 66]. 7 - الإرشاد {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101]. 8 - الشفقة "لا تأخذوا دوابكم كراسي ولا تمشوا في نعل واحد". 9 - الدعاء كقوله عليه السلام: "لا تكلني إلى نفسي" (¬2). 10 - التسلية {لَا تَحْزَنْ} [التوبة: 40]. ولأن النهي أمر بالانتهاء وكان موجبهما واحد وذا باطل لا لضديتهما مطلقا كما ظن، بل للقطع ببديهية اللغة والشرع بالفرق بينهما حتى من الصبيان والمجانين، ومن ¬

_ (¬1) انظر إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 346 - 345)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص 112). (¬2) أخرجه ابن حبان في صحيحه (3/ 250) ح (970)، والحاكم في مستدركه (1/ 730) ح (2000)، والضياء في المختارة (6/ 300) ح (2319)، وأبو داود (4/ 324) ح (5090)، والنسائي في الكبرى (6/ 147) ح (10405)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 20) ح (29154)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 42)، والطبراني في الصغير (1/ 270) ح (444).

أجاب بإن بين التوقف بين معاني الأمر وبينه بين معاني النهي بونًا بينا لم يفهم معنى التوقف ها هنا فإنه بمعنى لا ادري ولا يتصور التفاوت فيه، لا بمعنى التردد بين المعاني وإلا لم يبق بينه وبين القول بالاشتراك اللفظي فرق ولم يكن لذكر المعاني التي لم يقل أحد بكونه حقيقة فيها وجه وهو غير المعاني الأربعة لا الخمسة فإنه خطأ وتفسيرها بالأحكام الخمسة أفسد وزمام الفهم بيد الله تعالى ثمت ثلاثة: 1 - كذا بعد الحظر لعدم فصل الأدلة ولأن الثابت لا يتغير بلا مغير والورود بعده ليس به، وقيل بالإباحة وهو اختيار الشافعي وعلم الهدى - رحمه الله - أو بانتدب حتى قيل يستحب العقد، وتوقف أمام الحرمين وقيل أن علق بزوال علة عروض النهي كان كما قبل النهى ذكران هذا ليس ببعيد ونقص بقوله تعالى: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} [الأحزاب: 53]، فإن الدعوة تزيل علة حرمة الدخول وهي عدم الإذن وقد وجب عندها، وجوابه أنها مستلزمة لإزالتها لنفس الإزالة والكلام فيها، قالوا: غلبت في الإباحة بعده في كلام الشارع فتقدم على مقتضي اللغة نحو فاصطادوا فانتشروا فادخروها فزروها فانتبذوها قلنا لا ثم الغلبة كما في {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5] وكالأمر بالصلاة بعد السكر وبها وبالصومَ بعد زوال الحيض والنفاس، وبالقتل لمسلم أو ذمي لقطع أوردة أو حرب وبالحدود للجنايات وأمر المولى بالسقى مثلا بعد النهي وفهم الإباحة فيما ذكروا بالنصوص المبيحة، أو بالقرائن كشرعية الإصطياد والبيع والإدخار وغيرها لنا فلوكان علينا وذا بالوجوب لعاد على موضوع بالنقض ولذا فهمت في الكتابة به عند المدانية والإشهاد عن المبايعة مع عدم قدم الخطر. 2 - إذا أريد به الإباحة والندب قيل حقيقة وعليه فخر الإِسلام لأن معناهما بعض معنى الوجوب والشيء في بعضه حقيقة قاصرة كالإنسان، والرقبة في الأعمى والاشل وكالجمع في بعض الأفراد وفيها منع إذ جواز الترك مأخوذ فيهما وبه تباينهما وإذ إطلاق الكل على الجزء من مشاهير طرق التجوز وقيل مجاز إذ لو كان حقيقة لكان المندوب والمباح مأمورا بهما حقيقة فلا تنفيه عنهما وقد صح أني غير مأمور بصلاة الضحي وصوم أيام البيض بخلافه بالصلوات الخمس، وصوم رمضان ولتعدي أصله وهو مختار الكرخي والجصاص ورد بأن الجزء ليس غير الامتناع انفكاكه. وجوابه: أن الغير في حد المجاز لغوي لا ما اصطلح في الكلام وإلا لم يوجد مجاز إذ لا بد فيه من إطلاق الملزوم على اللازم الغير المنفك فليس غيرا أو تخصيصه بما ليس جزأ غير متعارف أصلًا على أنه ليس إطلاق الكل على الجزء لما مر من المباينة بل استعارة بجامع جواز الفعل قيل الأمر غير

مستعمل في تمام الندب والإباحة بل في جواز الفعل الذي هو حزؤهما وجواز الترك إنما يثبت بعدم دلالة هذا الأمر على حرمة الترك لا بالأمر وجوابه أن معنى الأمر لا يكون ندبا وإباحة بل أمرًا ثالثا ليس معدودا في معانيه ولو سلم ثبوته فليس الكلام فيه فليس كل مامه الخاطر صحيحًا ثم الشيء في بعضه بمعنى الفائت بعض أجزائه الغير المحمولة مع تمام مسماه حقيقة قاصرة كما في الأمثلة المذكورة إذ لا ينتقص مسمى الإنسان بنحو العمى وكذا ما وراء الاثنين تمام حقيقة الجمع العام عند شارطي الانتقال، وإن كانت قاصرة عند شارطي الاستغراق. وقيل: هذا الخلاف في "أم ر" لا في الصيغة فهو عين ما مر في المبادي أن المندوب مأمور به وليس بصحيح إذ لا يساعد الأدلة من الطرفين وللتسوية بين الندب والإباحة هنا لأنه وإن قيل بأنه في الإباحة مجاز بالاجماع وإذ هذا تتمه موجب الصيغة. 3 - إذا استعمل في الوجوب ثم نسخ فبقي الندب أو الإباحة على مذهب الشافعي كما مر فالصيغة حقيقة فيهما لا مجاز ليجتمع الحقيقة والمجاز في الإرادة لأن مرادها الوجوب وإن بقى بالآخر بعض مدلولاته كماذا قلت لشبح تراى هذا إنسان وبعد ما دنا منك ليس بناطق أو ذهب إلى كذا وبعدما نصف الطريق لا نذهب. الرابع: في أن مطلقه عن قيد العموم وعدمه لا يقتضي العموم أي شمول الأفراد والتكرار أي تعدده في الأوقات وعند الاقتصار على الثاني كالشافعية لم يتدرج فيه الأثنين أو الثلاث معا في طلقي تحته ومعناه اقتضاء الواحدة كمذهب أبي الحسين ومالك وكثير منهم لعدم اقتضائهما كمختار أمام الحرمين، وقال الأستاذ للتكرار مدة العمر دائمًا في المطلق وبحسب الوقت إن أمكن في المؤقت إلا لدليل فلا يلزم تكليف ما لا يطاق وقيل بالوقف يمعنى التردد الاشتراكي وكما لا يوجبه لا يحتمله أيضًا ليثبت بالنية لا مطلقًا خلافًا للشافعي في رواية والصحيح منه كمذهبنا ولا معلقًا بشرط نحو {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]، الآية أو مخصوصا بوصف نحو {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]، الآية لأن دليلنا مشترك ولذا لم يتكرر الطلاق في إن دخلت الدار فأنت طالق، أما إلحاق الشرط بالعلة ففاسد لأنها موجبة دونه خلافا لبعض منا ومن الشافعية وقولهم لا يحتمله غلا حينئذ كقول النحاة لا يجوز صرف غير المنصرف إلا لضرورة. لموجبه أولا أنه مختصر من طلب الفعل بمصدرة المعرف كاضرب من اطلب منك الضرب فيكون في معنى المطول العام لجنسيته والأصل في الجنس عند عدم العهد العموم قلنا لا دليل على التعريف. وثانيًا: فهم الأقرع بن حابس حين قال النبي عليه السلام: "فحجوا" التكرار الذي فيه

العموم حيث قال: أكل عام يا رسول الله، فسكت الرسول حتى قالها ثلاثًا، فقال: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، أو سراقة حيث قال في حجة الوداع: ألعامنا هذا أم للأبد، والأمر غير مصرح به، قيل: لو فهما لما سألا وأجيب بأنه لعله لمكان الحرج المنفي عنه، قلنا بل مورث الشبهة قياسه على سائر العبادات المتكررة زعمًا منه تكرر سببه مثلها مع معارضة احتمال سببية البيت. وثالثا: قياسه على النهي قلنا قياس في اللغة ومع الفارق، إما لأن انتفاء الحقيقة مستغرق دون إثباتها، أو لأن دوام فعل بعطل سائر المأمورات والمصالح لا دوام ترك إذ التروك تجتمع وتجامع الأفعال، قيل: الأمر بالشيء نهى عن ضده وإذا وجب التكرر في انتفاء الضد وجب في ثبوته، قلنا لا ولو سلم فإنما يراد النهي عن الضد دائما إن لو أريد الأمر الشيء دائما وإلا ففى ذلك الوقت فاقتضاء النهي الضمني عينا كان أو لازمًا للأمر التكرر موقوف عليه فلو استفيد منه لدار. ورابعًا: تكرر العبادات قلنا لا بالأمر بل بغيره من السنة والإجماع وربط الحكم بالسبب. وخامسا: تمسك الصديق - رضي الله عنه - في التكرار بقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، من غير نكير حين امتنع بنو حنيفة عن أدائها بعد وفاته عليه السلام، قلنا لعل قوله أو فعله عليه السلام كإرساله الجباة كل حول إلى الملاك أفاد تكراره. وسادسا: أنه لو لم يتكرر لم يزد النسخ ولا سيما إذا اقتضى الإمرة ولا الاستثناء وإلا كان الواحد حسنا وقبيحا ومستثنى عن نفيه، قلنا لا اللزوم فإن النسخ قبل الفعل جائز ولئن سافلا نسخ إلا بعد دليل التكرار وكذا الاستثناء عين دليله لا النسخ كما ظن وإلا لم يفهم التكليف قبله، ولمجوزه مع إيجاب الوحدة كالشافعي أنه لما اختصر من طلب الفعل كمصدره المنكر الواقع على الأعلى والمحتمل للكل كان كذلك، قلنا: لكنه مفرد ومن الواجب في ألفاظ الوحدان رعاية الوحدة حقيقة إن أمكنت وإلا فاعتبارية ومحض العدد بمعزل منهما ويجيء الحديثان تقريرا وجوابا، ولمجوزهما كالإمام إن شأن الحقيقة احتمالهما إذ كل منهما قيد خارج والامتثال بالمرة لوجود الحقيقة لا لدلالة الأمر، قلنا: لا إن اسم الجنس للحقيقة لا شرط بل مع قيد الوحدة بخلاف علم الجنس ذكره أئمة العربية، ولئن سلم فغايته أن لا يفهم الوحدة من المادة لا من الصيغة، قيل: حسن الاستفسار دليل الاشتراك ولا أقل من المعنوي، قلنا: قد يستفسر عن خلاف الظاهر لشبهة، ولموجبه عند التعليق والوصف تكرر الأحكام عندهما قلنا لفهم السببية لا للأمر، فالتكرر ثمة عقلي لا

صيغي ولذا إذا لم يعتبر التعليل لم نتكرر كمسألة الطلاق، إذ ليس للعبد نصب العلة؛ لأنه شركة في الشرع ولا إذن له فيه، بل في مجرد التعليق. ولذا لا يقع بقوله جعلت الدخول علة للطلاق ولا يعتق جميع غلمانه السود بقوله أعتقت فإنما لسواده والتكرر في كلما للصيغة لا للعلية. قيل: هذا الخلاف فيما لم يثبت عليه الشرط أو الوصف نحو إذا دخل الشهر فأعتق عبدًا من عبيدي مستدلًا من يثبته بنحو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]، مما ليس بعلة، وقد تكرر فأجيب بأنه بدليل آخر ولذا لم يتكرر الحج وقد علق بالاستطاعة. وأيضًا يعد العبد بالاشتراء مرة بعد أن دخلت السوق فاشترى كذا ممتثلا وليس بشيء؛ لأن التكرر ثمة بالعلية الثابتة بدليلها لا للصيغة والكلام فيه وللواقفية ما مر أنه لو ثبت فبدليل ولا مدخل للعقل والنقل آحاد إلا يفيد وتواترا يمنعه الخلاف قلنا كما مر أن دليله الاستقراء وأن الظن كاف في معرفة اللغة فالحق مذهب أصحابنا أنه للوحدة إلا لدليل؛ لأن الوحدة مراعي في ألفاظ الوحدان بإجماع أئمة العربية، ولا يلزم من جواز تقيده بالمرة والكثرة التكرار والتناقض لجواز كون التقييد لتأكيد الحقيقة أو لتعيين المجاز، فالمفرد المقترن بأدوات العموم عام بدليله فلا يرد نقضا كما زعم وكذا اقتران دليل العدد والعموم في نحو طلقي ثنتين أو ضم عشرة أو كل يوم فإنه مغير كالشرط والاستثناء والغاية وكالطليقة في اختاري تطليقة فقالت: اخترت فهي رجعية لا مفسر كما في اختاري نفسك فقالت اخترت أو بائنة، ولذا كان الوقوع به فلم يقع حين ماتت قبله وتلك الوحدة إما حقيقية موجبة تثبت ولو بلا نية أو اعتبارية كالجنس الواحد الذي هو جميع الأفراد محتملة لا يثبت إلا بنية والوحدان كما في جميع أسماء الأجناس إما وحدان صيغة نحو: لا أشرب ماء أو الماء وإما دلالة نحو لا أتزوج النساء، ولا أكلم العبيد وبني آدم حيث لا عهد تحقيقًا كما في خالعني على ما في يدي من الدراهم أو تقديرا نحو لا أكلمه الأيام والشهور أو معنى نحو لا أكلم عبيد زيد هذه لأنه جمع صار مجازًا عن الجنس لئلا يلغو آلة العهد ويعمل بالجمعية من وجه، وذلك مؤيد بالنص والعرف فإن كل ذلك يقع على الأقل ويحتمل الكل والثمرة في طلقي نفسك أو امرأتي تطلق واحدة بلا نية ومعها ثلاثًا لاثنتين إلا في الأمة خلافا للشافعى، ولا بالعكس خلافا للواجب ولا مع النية مطلقا خلافا للواقفين وإنما لا يحتاج الواحدة إلى النية عند الإمام لأنه أدنى ما يتحقق به الحقيقة لا لدلالة اللفظ وكذا ينبغى في إن دخلت الدار فطلقي نفسك أن لا يقع ثلاث بلا نية خلافا للطائفة الأخيرة وإنما لم يعمل نية الثلاث في طلقتك وأنت طالق؛ لأنه حين

أنشأ نية لا يحدث إلا ما يقتضيه إخبار به وهو الواحدة إذْ الخبر لا يقتض وجود المخبر به إلا ضرورة الصدق فيتقدر بقدرها بخلاف الإنشاء الأصلي. وبخلاف أنت بائن الثلاث أحد نوعي البينونة المدلولة ولغلظتها لا تثبت إلا بدليل "تعميم" كذا كل مصدر دل عليه اسم فاعل فرد كالسارق فيراد به السرقة في حق كل سارق يد واحدة إذ لامتناع إرادة كل السرقات وإلا فلا قطع براد سرقة واحدة وبها لا يقطع يدان إجماعًا وإن اقتضاه ظاهرها ولا ليسري أو لا إجماعا وسنة قولًا وفعلا وبقراءة ابن مسعود إذ يحمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم والحادثة كمتتابعات وكقوله عنيت سالما بعد ما قال أعتق عبدا في فلا تقطع أصلا. وقال الشافعى: تقطع في الثالثة اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى وإلا لتعدد القطع، ولا يحتمله النص ولا يقال ليس لكل سارق إيمان لأن أيديهما كقلوبكما وإذا تحقق إرادة اليد الواحدة بل واليمين فليس أيديكما مثل عبيدكما عاما لكل يد ولا يرد تكرر الجلد بتكرر الزنا والأيتان متماثلتان؛ لأن محل الجلد باق دون محل القطع كما بعد الرابعة. الخامس: في أن مطلقه عن الوقت كالزكاة وصدقة الفطر والعشر والنذر بالصدقة المطلقة وهو قسيم المؤقت الذي له وقت محدد إن أخر عنه يكون قضاء أو غير مشروع كالصوم في الليل إن قيل بإيجابه العموم فللفور وإلا فللتراخي بمعنى عدم وجوب التعجيل وهو مذهب الشافعى أيضًا لا وجوب التأخير فإنه مذهب الجبائيين وأبي الحسين البصري وبعض الأشاعرة، وقيل للفور فلو أخر عصي وينسب إلى بعض الحنفية. وقال القاضي: يقتضي الفور إما الفعل في الحال وإما العزم عليه في ثانيها، وقال الإِمام بالوقف في مدلوله لغه أهو الفور أو القدر المشترك وبالامتثال بالفور؛ لأن وجوب التراخي غير محتمل بخلاف العكس والصحيح من مذهبه ما في البرهان من تجويز الامتثال بهما والتوقف في الإثم بالتأخير لكن لا كالقضاء فإن الصيغة مسترسلة، وقيل بالوقف فيه وفي امتثال المبادر لاحتمال وجوب التراخي فهذه خمسة، لنا: أن المطلوب مطلق الفعل وكل من الفور ووجوب التأخير صفة خارجية لا دلالة عليهما وأنه لو حمل على أحدهما عاد على موضوع إطلاقه بالنقض وأنه جاء لهما فلا يثبت الفور إلا بقرينة ولا يقلب لأن ما قلنا به من التراخي أعم وقريب من قولهم ورد لهما، والأصل عدم الاشتراك والتجوز لا كون أحد التقييدين تكرارا والآخر تناقضا كما مر. للقائل بالفور أولًا أن العبد المأمور بالسقي يعد عرفا بالتأخير من غير عذر عاصيا، قلنا بقرينة إن طلب السقي عند الحاجة لا لمطلق الصيغة.

وثانيًا: أن كل خبر وإنشاء للمحال فيلحق بالأغلب، قلنا قياس في اللغة وأنه للاستقبال بخلافهما. وثالثًا: أن النهي للفور فهكذا هو لأنه مثله أو لأنه نهي عن الضد، قلنا قد مر جوابهما ولأن النس يفيد التكرار دونه. ورابعا: ذم إبليس في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75]، الآية على ترك المبادرة والألم بتوجه، قلنا: أمر مقيد بقوله فإذا سويته والكلام في المطلق وبمثله يراد الفور عرفا، أما أن فاء التعقيب قرينة الفور فلا؛ لأنها جزائية ليس من موجبها التعقيب ولذا قال أبو حنيفة: يكبر القوم مع الإِمام مع قوله عليه السلام: "إذا كبر الإِمام فكبروا" (¬1). وخامسا: أنه لو جاز التأخير شرعا لوجب أن يعرف وقته وإلا كان تكليفا بألح سواء كان آخر أزمنة الإمكان أولا، ولا دلالة عليه ولا يجاب بالنقض بالتصريح كافعل متى شئت لأن فيه دلالة على التعميم فليس مثله بل بأن المعرفة إنما يجب لو وجب التأخير ولم يكن وقته مسترسلا بل معينا وليس فإن عدم التعيين إطلاق عرفا. وسادسا: أن النصوص نحو: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران: 133]، والمراد سببها اتفاقا وهو فعل المأمور به واستبقوا الخيرات وفعله منها أوجبت الفور، قلنا دلالتها على أفضلية الفور لا الوجوب وإلا فلا مسارعة ولا استباق إذْ لا يتصوران في المضيق ولئن سلم فليس في جميع أسباب المغفرة إذ لا عموم للمقتضي وإن سلم فبدليل منفصل وهو هذه الأوامر ولا نزاف فيه. وسابعًا: أنه لو جاز التأخير فإلى أمد إذْ لوكان إلى أبد جاز تركه فلا يكون واجبا فلابد من تعيينه وإلا لكان التكليف بامتناع تأخيره عن ذلك الأمد لا بالأداء إليه كما ظن تكليفا بالمح ولا ذم إلا بذلك وغايته النوعي كحد يغلب على الظن فيه إن عدم يفوته وذلك بأمارة كالمرض فلا يجب على من ليست فيه كمن كموت فجأة فلا يكون الواجب شاملا والكلام فيه. قلنا: منقوض بقوله افعل متى شئت وبالموسعات العمرية وليس التمسك ها هنا بعدم ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 34) ح (1576)، وابن حبان في صحيحه (2/ 128) ح (402)، وابن عوانة في مسنده (1/ 454) ح (1681)، والبيهقي في الكبرى (2/ 141) ح (2652)، والدارقطني في سننه (1/ 330)، والنسائي في الكبرى (1/ 222) ح (651)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 238)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 438) ح (9650).

الدلالة حتى يندفع بالفرق كما ظن وحله أنه إلى الأبد بشرط عدم التفويت، وتقييد المباح بشرط فيه خطر مستقيم شرعا كالمشي في الطريق العام بشرط السلامة والرمي إلى الصيد بشرط ألا يصيب معصوما. وثامنًا: أنه لو جاز الترك في أول الوقت فأما مع البدل فيجب أن يسقط عند الإتيان به، وليس إنفاقا ولا يختص البدلية بأول الأوقات وإلا فلا وجوب في غيره، إذ ليس الأمر للتكرار وأما لا معه فلا واجب إذ ما يجوز تركه بلا بدل ليس بواجب. قلنا بعد النقض ما مر لا يلزم من عدم البدل في أول الوقت عدمه مطلقا فلعله الإثم بالتفويت، وإن أريد البدل من الأعمال فغير ما ملتزم في الواجب كالموسعات العمرية. للقاضي ما تقدم من أن الفعل والعزم حكم خصال الكفارة وكذا جوابه بإن الإمتثال ليس إلا بالفعل والعزم من أحكام الأيمن. للإمام أن وجوب الفوز محتمل دون التراخي فيجب البدار، ليخرج عن العهدة بيقين وهذا على ظاهر المنقول عنه لا على الصحيح "قلنا لأنما لجواز التأخير بالأدلة السالفة". السادس: في أن للأمر بالشىء حكما في ضده أولا ويذكر النهى معه استطرادا "ولتحرير المبحث مقدمات ينكشف بها سره". 1 - أن لكل منهما لفظا مركبا من مادة هي "ام رن هـ ي" وصورة ومفهوما، هو نحو أفعل كذا ولا تفعل ضده، ومعنى مفهوم هو إيجاب الفعل أو ندبه وتحريمه، أو كراهته فليس الخلاف في اللفظين لتباينهما ولا في المفهومين له ولا اختلافهما بالإضافة بل في معنيهما أي الإيجاب والتحريم وغيرهما ذكره أبو الحسين في المعتمد. 2 - أنه بين الأمر والنهى المعينين وإنما يتعينان بتعين متعلقيهما فالتعين معتبر في أربعة مواضع في نفس الأمر، وأن اعتبره بعضهم في الأمر مثلا، وبعضهم في المأمور به. 3 - ليس المراد بالضد الذي تعلق به النهى أو الأمر الضمنيان ترك المأمور به كما ظن أو ترك لمنهي عنه كما ينسب إلى علم الهدي - رحمه الله - وإلا صار النزاع لفظيا، ويلزم كون النهى نوعا من الأمر وقيل لأن النهى عن تركه طلب الكف عن الكف وانتهي طلب الكف عن الفعل وكذا الأمر وهو منقوض بلا تكفف عن الصلاة وكف عن الزنا ولا مطلق الضد لأنه غير معين والضد من حيث هو ضد مضأيف ومن حواص الإضافة تكافؤ المتضائفين تحصيلا وإطلاقا وإن عين بالكف أو الترك المذكورين فقد بان فساده ولأنه لا معنى لاختلافهم في مطلق الضد أن الثابت حرمته أو كراهته ولا للتفصيل بإنه هل يفوت المأمور به أو لا بل أضداده الجزئية المعينة كان يكون الأمر بالصلاة نهيا عن الأكل

والشرب وكلام البشر وغيرها مما هو أضداد الشرائط والأركان المعتبرة شرعا أو وعقلا وعرفا، ولذا سيقول الجصاص بأن النهي عن فعل له أضاد ليس أمرا بشيء منها. 4 - قيل: مبني القول بالعينية أعتبار مجموع الاضداد المعينة وبالاستلزام اعتبار كل منها فالأمر بالشي عين النهي عن مجموع الأضداد ومستلزم للنهي عن كل منها وهذا لا يتأتي من جانب النهي وظني أن مبني القول بالعينية النظر إلى نفس التكليف، لتفاصيل لوازمه وسيجيء توضيحه. 5 - ذكر كثير من المشايخ كأبي اليسر وشمس الأئمة وغيرهما أن تصوير العينية يختص بأمر الفور كالواجب المضيق ليدوم فيكون كل ضد منه مفوتا والحق خلافه لجواز كون الموسع نهيا عن مجموع الأضداد الجزئية الشاملة للوقت إذ لولا شمولها لم يتحقق التضاد بحسب الوقت المعتبر أو الكائنة وقت الاشتغال كما مر من المثال فليس هذا النزاع مبنيا على أن الأمر إيجابا بنفس النهي عن ضده متحدًّا وجميع أضداده متعددًا تحريمًا، وهو قول الجصاص وقيل عن غير عين متعددا ليناسب النهي وإنه يستلزم النهي عن الكل لوقوع النكره في سياق النفي وآخرا يتضمنه أي يستلزمه والنهي كذلك في الوجهين، عند القاضي أي أمر بضد بعينه واحدًا ولا بعينه متعددا ولا يستلزمه آخرا وعند الجصاص أمر بضد واحد لا بشيء من الأضداد المتعددة وقيل لا انتهي في الوجهين فقال بعضهم وندبا نهى ندب للترك أي تنزيه عن الفعل وبعضهم لا، وقال علم الهدي الأمر نهي بضد واحد وهو تركه والنهي أمر بضد المنهي عنه، وهو تركه وإن تعدد طرق الترك وفيه ما مر "وممن قال يستلزم حرمة ضده من قال يوجبها أي بالإشارة، ومن قال يدل عليها أي بالدلالة ومن قال يقتضيها أي بالاقتضاء، ويعني بالمقتضي الثابت بالضرورة غير مقصود لا ما يتوقف عليه غير متطوق تصحيح المنطوق واختار الإمام والغزالي أن لا عينية ولا استلزام وهو مذهب المعتزلة ومبناه وجوب ملاحظة الحكم للحاكم، وليس تحريم الضد للإمر وايجاب الضد للناهي ملاحظا فففي كل منهما ثلاثة عشر قولا ومبنى الخلاف أن إيجاب الشيء إيجاب لمقدماته العقلية والعرفية كالشرعية أولًا، فإن قال إيجاب ومن قضيته أن لا يشترط الملاحظة جعل عينه أن اعتبر نفس التكليف والحكم فإنه واحد ولازمه أن اعتبر تفاصيل لوازمه على الكيفيات الثلاث للزوم في الأوال الثلاثة ثم من جعل الكف عن فعل مستلزما لفعل ضد له وأقله السكون طرد الحكم في النهي بأحد الاعتبارين ومن فر من الإلزام الفظيع وهو إلزام وجوب كل من الزنا واللواطة لكونه ضد الآخر أوكن مذهب الكعبي في ابطال المباح وجعله واجبا لكونه ضد منهي عنه اقتصر

عليه، وأما الآخران فلا يصلحان سببا للاقتصار كما ظنوا إذ لا ينافيان الاستلزام كما خصص بأمر الوجوب دون الندب للزوم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا ويندب فيه فعل فإن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب فلو كان ضده مكروهًا لم يكن مباح بخلاف استغراقها بالواجبات. وأما فقدان الذم على الترك فليس داعيا؛ لأن التنزيه على الترك ها هنا كاف، ومن لم يقل بأنه إيجاب إلا للشرعية؛ لأن الملاحظة أعني للشارع تختص بها فقد نفي، إما في غير الشرعي فلأن السكوت لا يصلح دليلا إلا يرى أن الأمر لا يصلح للإيجاب في غير مدلوله وقد وضع له فلان لا يصلح للتحريم ولم يوضع له أولى وأما في الأمر الشرعي فلأن البحث لغوي ويكفي في الشرعي الاتفاق على الإيجاب في بحه المقدمة فاعلم أن الحق الذي ذهب إليه أصحابنا ثبوت الاستلزام من الطرفين في الجملة ولا يرو الالزام الفظيع وإبطال المباح لعدمة فيهما ولما مر في تلك المسأله أن الفعل الواحد يجوز اتصافه بالحرمة والوجوب أو به وبالإباحة وعارضا والاعتبار في نوط الثواب والعقاب لجهة في ذاته لكونه أقوى وأن الملاحظة غير واجبة للأحكام اللزومية سيما الاقتضائية. ولذا لم يثبت المقتضي لكونه غير مقصود إلا بقدر ما يندفع به الضرورة ولذا اختاروا وجوب جميع مقدمات الواجب كما مر ويقرر الأصل ها هنا عند المتأخرين المحققين على أن تحريم ضد المأمور به أن قصد كما في قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222]، فلا كلام فيه وإلا فلم يعتبر تحريمه إلا حال تفويته الَمأمور به كالإفطار للكف المستدام المستفاد من قوله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فإذا لم يفوته اقتضى كراهته؛ لأن الضرورة تندفع به كالأمر بالقيام في قوله عليه السلام: "ثم ارفع رأسك حتى تستوي قائما" (¬1) ليس ينهى عن القعود قصدًا فيكره الصلاة لو قعد فقام ولم يفسد به. وكذا النهى قيل يقتضي كون الضد في معنى سنة واجبة أي موكدة فإنها قريبة منها والمختار أنه يحتمل اقتضائه فقال الجصاص هذا منقوض بقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ} [البقرة: 228]، الآية حيث أوجب ضده وهو الإظهار لكونه ضدًا واحدًا بخلاف نهي المحرم عن لبس المخيط فلم يوجب لبس شيء متعين غيره، ولذا وجب قبول قولها فيما تخبر به من حيض أو حبل أو غيرهما، قلنا: إذا لم يفوت عدم الضد ترك المنهي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5/ 2307) ح (5897).

عنه وهنا له ضد واحد فيفوت فدمه تركه أو لبس بنهي بل نسخ لجواز الكتمان كقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]، نسخ لقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ} [الأحزاب: 50]، الآية أو للإباحة المطلقة في حقه عليه السلام فلم يبق مشروعا كخبر "لا نكاح إلا بشهود". فروعنا: 1 - النهي عن الخروج والتزوج في قوله تعالى {وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1]، {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235]، لما أفاد وجوب التربص والكف عنهما بالاقتضاء لا قصدا لم يعتبر فعلا بل إثما وحرمة، ومن الجائز اجتماع الحرمات كصيد الحرم للمحرم بوجهين وخمر الذمى على الصائم الذي حلف لا يشرب خمرًا بوجوه جرى التداخل في العدة للزوج، والواطيء يشبه مقصودهما ولذا سميت أجلا فيجتمع اجتماع الآجال كما في الديون وكمن حلف مرات لا يكلم يوما ينقضي إيمانه بيوم وكمرأة تحرم على أزواج بثلاث تطليقات تنقضي بإصابة زوج واحد بخلاف الصوم الذي قاس عليه الشافعي فإن الكف وجب ثمة مقصودًا فاعتبر فعلا ولا تداخل فيه، وحين لم يثبت حرمة الوقاع فيه قصدا لم تتعد إلى دواعيه عكس الاعتكاف تأثيما لا افسادا وعكس الإحرام إلا في وجوب الدم للتمتع بالمرأة، ولذا تساوى الإنزال وعدمه فيه إذ منهية الرفث ولا يتعلق عقوبة حقيقته كما دونه كالحد والكفارة في الصوم إما معنى بهيهما فقضاء الشهوة فيفسدهما بعد الإنزال لا قبله. 2 و 3 - جواز أبو يوسف - رحمه الله - صلاة من سجد على نجس فأعاد على طاهر لأنه لا يفوت المأمور به، فتكره ولا تفسد، وبقي تحريمة من ترك القراءة في ركعات النفل في جميع المسائل الثمانية لأن حرمة ترك القراءة اقتضائية من أمر اقرؤا فلا يحرم إلا قدر ما يفوت القراءة ويفسد الأداء لا التحريمة، وليس من ضرورة فساده، فسادها كما إذا فسد بتذكر الفائته ولأنها شرطه كالطهارة. وقال الساجد على النجس مستعمل له بحكم الفرضية كحامل النجاسة في وجهه، وهو أقوى من حملها في الثوب وبذا يفوت التطهير الواجب المستدام كالكف في الصوم ومحمد - رحمه الله - لم يبق التحريمة بتركها مطلقا لأنها فرض دائم حكمًا، ولذا تفسد باستخلاف الأمي بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة فتركها في ركعة تفسد الأفعال فكذا التحريمة كسائر منافيات الصلاة. وقال الإمام كما قال محمَّد غير أن تأثيره في فساد التحريمة أيضًا موقوف على أن يقوي لأنها على التيسير ومما يسقط ويتحمل وقوته بالترك في شفع لأنه في ركعة مجتهد في

جوازه وفيه إجماع، ولذا قال أيضا ترك مسافر قراعة فرض الظهر لا يقطعها فلو نوى الإقامة يتم أربعا ويقرأ في الأخريين لإن هذا الاحتمال يمنع تعدي الفساد إلى الإحرام خلاف فجر المقيم وهو قول أبي يوسف - رحمه الله - وعند محمد لما فسد بترك القراءة مطلقا لم يكن إصلاحه كفجر المقيم وهذا أصل أجدى من تفاريق العصا كبطلان الاعتكاف بالخروج من غير ضرورة والصلاة بالانحراف عن القبلة بالبن وكشف العورة ولو ساعة؛ لأن اللبس والاستقبال والستر فروض مستدامة فعمدتنا ما أشرنا إليه من أن فعل المأمورية لا يحصل إلا بالانتهاء عن أضداده وترك المنهي عنه الا بفعل ضده وأقله السكون فإنه كون عندنا وتصور الحاكم لوازم الحكم غير لازم فكان كل منهما مقدمة الواجب وإن كان عقليا لو عاديا فهذا فرع ذلك والاختلاف في النية والتضمن اعتباري ولا يلتفت إلى أنه لو لم يكن عينه لكان إما مثله أو ضده فلا يجتمعان أو خلافه فيجوزا اجتماع كل منهما مع ضد الآخر ولا يجوز اجتماع الأمر بالشيء مع ضد النهي عن ضده وهو الأمر بضده لأنهما يعدان أمرا متناقضا ولأنه تكليف بالمح وذلك لأنا لا نعلم جواز اجتماع كل من الخلافين مع ضد الآخر كليا فأنهما قد يكونان متلازمين إن سميا غيرين وإلا فالملازمة ممنوعة كما ها هنا فيمتنع ذلك وقد يكون كل منهما ضد الضد الآخر كالعلم للشك ولضده وهو الظن ولا إلى إن فعل السكون عين ترك الحركة فطلبه طلبه؛ لأن العينية ممنوعة تعقلا ومثال جزئي، أما رجوع النزاع منه لفظيا كما ظن فلا ولا إلى إن أمر الإيجاب يقتض الذم على تركه وهو فعل لأنه المقدور ولا ذم بما لم ينه عنه وذلك لأنه ريما يذم على إن لم يفعل ما أمر به والذم لا ينحصر في فعل المنهي عنه لتحققه في ترك الواجب ولو سمي الكف عن الترك فعلا وطلبه نهيا صار النزاع لفظيا كما مر. وللإمام ومن تبعه ما مر أنه لو استلزم النهي عن الضد لم يحصل بدون تعقله وتعقل الكف عنه؛ لأن الطلب يستدعي تصور المطلوب ومتعلقه والسكوت لا يصلح دليلا لكنا نقطع بصحة الأمر مع الذهول عنهما، أما عن الأضداد الجزئية فظ، وأما عن الضد العام فلما مر ولأن مشاهدة الكف عن الشيء أي عدم الكف لكن لا نزاع فيه، قلنا ذلك حكم الطلب القصدي لا الضمني والاقتضائي ومن له. السابع: في أن الامتثال أعني الإتيان بالمأمور به على وجهه وكما أمر به يوجب الإجزاء خلاف لأبي هاشم وأتباعه كالقاضي عبد الجبار. لنا أولا أنه إن بقي متعلقا بعين المأتي عنه كان طلب تحصيل الحاصل أو بغيره فلم يكن المأتي به كل المأثور به هف.

وثانيا: أنه يقتضي الحسن وما ذلك غلا بالصحة الشرعية. وثالثا: أنه لو لم ينفض عن عهدته بذلك لوجب عليه ثانيا وثالثا فلم يعلم امتثال مع أنه لا يفيد التكرار. ورابعا: أن قول المولى لعبده افعل ولا يجزئ عنك يعد تناقضا. وخامسا: أن القضاء استدراك ما قد فات من مصلحة الأداء والفرض أنه لم يفت شىء فاستدراكه تحصيل الحاصل لا يقال القضاء ليس عين الأول بل مثله فإما أن يوجب بالأمر الأول فلم يمتثل أولا بالكلية أو بأمر آخر فلا نزاع فيه، لهم أولا أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه حتى يجوز الصلاة في الدار المغصوبة والبيع وقت النداء فكذا الأمر. قلنا لا نعلم أنه لا يقتضيه فيما فيه القبح وفي المثالين في مجاوره لا في ذاته فلذا جاز ولا نسلم الجامع وتعلق الطلب الجامع يشير مؤثرا في الحكم ولأن بينهما فرقا وهو أن الانتهاء عن الشيء يكون بترك شيء منه فيمكن أن يكون المطلوب ترك وصفه أو مجاوره، أما الامتثال به فليس إلا بالإتيان بجميعه، أما أن القياس بين المتقابلين فاسد لقياس العكس، نعم في إثبات الأصل بالقياس نزاع. وثانيا أن كثيرا من العبادات الفاسدة يجب المضى فيهاكالحج والصوم الفاسدين، قلنا الإجزاء فيهما للأمر الوارد بإتمامهما لا بأصلهما إذ هو لفساده وجب قضاؤه والحج وإن كان فرض العمر يتضيق بالشروع ولا فرق فيه بين حج الفرض والنفل. وثالثا. أن مقتضى الأمر فعل المأمور به وسقوط التكليف زائد، قلنا مقتضى المقتضى لما مر. ورابعا: من صلى آخر الوقت متوضئا بنجس ظنه طهورا مأمور بها ولذا لا يأثم مع وجوب القضاء إذا ظهر نجاسته، قلنا ليس بمأمور بها إذا ظهرت ولا بالإعادة إذا لم تظهر لأن المأمور به صلاة بظن الطهارة لكن إذا تبين خلافه وجب مثله بأمر آخر والأول لا يقض وتسميته قضاء مجاز؛ لأنه مثل الأول بخلاف إعادة الحج الفاسد إذ لا استدراك للفائت هنا بل فعله في وقته على الوجه المأمور به كصلاة فاقد الطهورين، وكان المأتي به ثانيا واجبا مستأنفا بخلاف الفاسد ومما سلف يعلم أن المبحث هو الصحة بمعنى سقوط القضاء لا بمعنى حصول الامتثال به إذْ لا معنى لإنكاره عن مثل أبي هاشم؛ لأن حقيقة الامتثال ذلك. الثامن: في أن إرادة وجود المأمور به ليست بشرط لصحته فكل ما علم الله وجوده

مراد أمر به أم لا وعند المعتزلة شرط فكل مأمور به مراد، وكل منهى عنه مكروه لله تعالى وجد أم لا لنا نحو: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} [الأنعام: 125]، {ِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]، فالإضلال والإغواء وكذا الضلالة والغواية مرادة والمأمور به نقيضها ثم هي منهى عنها وليست مكروهة. وكذا ما روي عنه عليه السلام وعن جميع الأمة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. والإجماع المتواتر حجة قطعية لهم أولًا قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: 31]، نفي إرادة الظلم للعباد وعندكم كل ظلم واقع مراده، قلنا اللام كمعنى علَى كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، أي لا يظلم عليهم. وثانيا: قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فلم يخلق الكافر للكفر ولا العاصي للمعصية كما تقولونَ به، قلناَ عام خص عنه الصبيان والمجانين ليوافق قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179]، فمعناه إلا ليكونوا عبيد في أو المراد من الثقلين من علم الله أن يعبدوه منهما لا العموم. والأصح عندي والله أعلم: أن معناه ليطيعوني فيما هو المراد لا فيما هو المأمور به والمرضى أو لأن أمرتهم بالعبادة وغير لازم منه الفعل وهذا مروي محيي السنة عن علي رضي الله عنه وقيل في الدنيا أو في الآخرة ولكن لا على وجه التكليفك. وثالثا: أن إرادة غير المرضى والأمر بما لا يريد سفه في الشاهد فكذا في الغائب قلنا لا لجواز اشتمله على عاقبة حميدة كالأمر بذبح إسماعيل عليه السلام حين قال: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]، أقلها إلزام الحجة بالطاعة أو المعصية. التاسع: في أن جواز المأمور به يزول بزوال وجوبه بالنسخ خلافا للشافعي؛ لأن الوجوب يتضمنه أن يستلزمه وبطلان المتضمن بطلان للمتضمن أي من حيث هو متضمن، يونسه أن حصة الخاص من العام تستلزمه ولئن سلم فنسخ الوجوب بجميع أجزائه محتمل ولا ثبوت مع احتمال الانتفاء ولذا لما نسخ وجوب قطف الثوب عند إصابة النجاسة لم يبق جوازه، له أن الجواز هو رفع الحرج عن الفعل جزء عام للوجوب الذي هو رفع عنه مع إثباته في الترك وليس من ضرورة انتفائه انتفاء الجواز فلعله بانتفاء المنع من الترك فالناسخ لا يعارض اقتضاء الجواز كما في صوم عاشوراء. قلنا: رفع الحرج عن الفعل والترك ليس جزؤه بل مناف لجزئه على أن الكلام فيما ليس فيه دليلان ليبقى أحدهما بلا معارض ومجوز صوم عاشوراء فعل النبي عليه السلام أو الشرع العام للصوم لا لأمر الأول والثمرة أن وجوب الكفارة سابقا على الحنث كما في

رواية: "فليكفر ثم ليأت" (¬1) منسوخ إجماعا فبقي الجواز عنده. العاشر: أن القضاء بمثل معقول يجب بموجب الأداء لا بسبب جديد كما في غير المعقول خلافا للعراقين من أصحابه وصدر الإسلام وصاحب الميزان والشافعية، لنا أن النص الوارد في قضاء الصوم والصلاة معقول المعنى لأن واجبا ما إذا ثبت لا يسقط إلا بالأداء أو الإسقاط أو العجز ولم يوجد الأولان؛ لأن فوت الوقت مقرر للعهدة لا مسقط لها ولا الثالث في حق أصله الذي هو المعصود لقدرته على صرف ما له من النفل المشروع من جنسه إلى ما عليه ليفيد رفع الإثم وإن لم يفد إحراز الفضيلة كأداء ذي العذر وسقوط فضل الوقت للعجز لا إلى مثل من جنسه لعدمه ولا ضمان من غير جنسه غلا بالإثم عامدا غير مؤثر في سقوط أصله كضمان المتلف المثلي بالتتمة للعجز وأذل سني قضاء وكالديون المؤجلة بعد آجالها. وسره: أن الوقت وأن قيد الواجب به نصبا لأمارة وجوبه ليس مقصودا فعني العبادة تعظيم الله ومخالفة الهوى كالمأمور بالتصدق باليمنى فشلت بخالف الواجب القدرة الميسرة فإن وصف اليسر مقصود ثمة فلذا يفوت بفوته وإذا عقل الحق بهما المنذورات المتعينة من الصوم والصلاة والاعتكاف فوجب قضاؤها قياسا لا عندهم أصلًا في روياة وبالتفويت لا الفوات بمثل المرض والجنون والإغماء في أخرى وبالفوات أيضًا في ثالثة فلا ثمرة في الأحكام والنص والقياس ليس موجبا جديدا بل النص لإعلام أن ما وجب بالسبب السابق غير ساقط فجزاؤه الإتيان في وقت آخركالنص الناطق برد المغصوب وإن شرف الوقت ساقط والمأتي به بعده كهو فيه والقياس مظهر لسببية السبب، وهذا أشبه بمسائلنا كقضاء الصلوات نهارا مع الإِمام جهرا والسرية بالليل سرا، وكقضاء السفرية في الحضر ركعين وفي العكس أربعًا. أما اعتبار حال المصلي صحة ومرضًا في القضاء فلانعقاد أصل السبب في الفصلين موجبا للأعلى بتوهم القدرة ومجوزا الانتقال إلى الأدنى للعجز الحالي ولا تفاوت بين الأداء والقضاء في ذلك كالتيمم ابتداء أو بناء ولم يعتبر كمًّا النفل في قضاء المغرب ولا كيفية في قضاء الجهرية بالنهار جهرًا فإن الجهر والثلاث في النوافل بغير مشروع؛ لأن الشرع جوز مثل هذا الفعل في ضمن القضاء فعلا لا مطلقا كتعين أحد الواجب المخير وتملك الأب جارية الابن، وكذا قضاء الظهر بأربع ركعتاها بقراءة وركعتاها بدونها ولم يجز التسليم على رأس الأوليين ولا نفل كذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (3/ 1273) ح (1650).

وأما قضاء الفائتة عن أيام التكبير بدونه فلتبعية جهره في غيرها كفوت رمي الجمار والجمعة والأضحية عن وقتها، وإنما بطل التكبير ببطلان وصفه لكونه مقصودا كأصله لأنه من شعائر الشرائع، ولنا أيضًا ما أشرنا إليه من أن الزمان غير مقصود بالأمر فلا يؤثر اختلاله في سقوطه وأن الوقت كالأجل فلا يسقط الواجب يمضيه وأنه لو وجب بأمر جديد لكان مأتيا به في وقته وأداء. لا يقال: لو لم يقصد التقييد بالوقت لجاز التقديم عليه ولم يجز بخلاف أداء الدين وإنما لم يسم أداء لاشتماله على استدراك مصلحة فاتت، لأنا نقول عدم صحته قبل الوقت لوقوعه قبل السبب كأداء الشيء قبل الوجوب فإنه تبرع لا يقع عما سيجب أصلًا لا لأن للوقت مدخلا في مقصود العبادة والواقع في وقته لاستدراك المصلحة تكون إعادة لا قضاء فإن التميز بينهما بفوت الوقت مع أن المصلحة الفائتة إن أريد بها فضيلة الوقت فلا استدراك لها وإن أريد بها غيرها فتصديقه مسبوق بتصويرها. قالوا: أولًا لو وجب بالأمر لكان مقتضيا للقضاء لأن الاقتضاء وهو مطلق الطلب الشامل للندب أعم من الوجوب فيلزمه واللازم منتف للقطع بأن وجوب صوم الخميس لا يقتض وجوب صوم وقت آخر، قلنا: إن أريد عدم الاقتضاء أولًا أو مع وصف الكمال فيسلم وغير مضر أو مطلقًا فممنوعٌ، وإنما يصح لو كان وصف الإيقاع في الخميس مقصودا في أصل الإيجاب وهو ممنوع ولو سلم فلا على تقدير الفوات. وثانيا: لو اقتضاه لكان أداء ولكان بمثابة التخيير بين الوقتين قلنا إنما يلزم لو لم يكن اقتضاؤه على طريق جبر الفائت بتسليم ما بقي القدرة عليه. وثالثا: لو اقتضاه كانا سواء فلا يعصي بالتأخير قلنا بعد الجوابين إنما يستويان لو لم يشتمل أحد المقتضين على التقصير. ورابعا: إن مثل كل قربة عرفت قربة بوقتها لا يعرف إلا بنص وكيف يقاس وقد ذهب فضل الوقت قلنا مسلم ولكن الكلام في أن المشروع قربة في غيره حقا للعبد يجب إقامته مقام الفائت قياسًا على ما نص عليه الشارع معقول المعنى بخلاف ما لم يشرع مثله أصلًا كالجمعة والجهر بالتكبيركما مر. قيل: هذا النزاع مبني على أن المطلق وقيده شيئان في الخارج كما في العقل واللفظ أو واحد يعبر عنه بالمركب وهو ينظر إلى أن التركيب بين الجنس والفصل وتمايزهما في العقل فقط أو وفي الخارج وتمم بأن الحق أن لا تركيب في الخارج وإلا لم يصح الحمل لاستنادها إلى وحدة الهوية الخارجية فالموجب بالأمر المقيد بالوقت شيء واحد في الخارج لا شيئان

إن فات أحدهما يبقى الآخر فالمأتي بعد فواته شيء آخر فلا يقتضيه الأمر الأول. قلنا لا إن كل مطلق مع قيده كالجنس والفصل جعلهما واحد لاحتمال أن يكونا عارضا ومعروضا عروضا عرضيا كالحجر الأبيض فينفك أحدهما عن الآخر، ومنه المقيد كمعنى كالابن والواجب في صحة الحمل مطلق وحدة الهوية ولو اعتبارية لا الحقيقية فقط، ولذا صح على الإنسان حمل صفات النفس والبدن عند القائل بتباينهما ولو سلم فذا في الوجود المحقق والمعتبر في المشروعات الوجود الاعتباري، ولذا صح اتصاف أحدهما بالجواز والآخر بالفساد وحكم بالانفكاك بينهما ولهما إيجاب واحد كأنواع الصلاة وأصنافها وأشخاصها الواجبة بنص واحد على أنه إنما يعتبر القيد جزأ في المشروع إذا كان له مدخل في مقصوده كما مر. فرع: نذر اعتكاف رمضان فصامه ولم يعتكف وجب القضاء باعتكاف شهر بصوم مقصود لا في رمضان آخر في الأصح، فعند العراقين بسبب حديد وهو التفويت لأنه كالنذر ابتداء ورد بوجوبه بالفوات أيضًا كما بمرض يمنعه من الاعتكاف لا الصوم المبطون ولا يمكن جعله كالنذر لعدم الاختيار وعندنا بالنذر السابق لأن الاعتكاف الواجب لا النفل في الأصح يتبعه صوم مقصود شرطا فالتزامه إلتزام لصوم للاعتكاف أثر في إيجابه غير أنه سقط عند الأداء بعارض راجح معارض فضيلة الوقت، أو فضيلة اتصاله بالصوم الفرض؛ لأن الفضيلتين مع منعهما إيقاع صوم آخر من عند العبد تجبران بنقصانه فإذا مانع العجز عن مثله إذْ القدرة بعد الوقت تستوي في الحب؛ والممات كعدمها كما في تضيق الحج وضمان المغصوب المثلي بالقيمة لانقطاعه بقي مضمونا بإطلاق نذره وصار كالنذر في المطلق حالتئذ، بخلاف ما إذا فات الصوم أيضًا حيث جاز الاعتكاف في قضائه لأن فضيلة الاتصال بالفرض باقية وخلف الشيء كهو. وروى الحسن عن أبي يوسف - رحمه الله - سقوط الاعتكاف إذ لا يمكن قضاؤه إلا بصوم قصدي لم يلتزمه فيبطل كتكبير التشريق، وقال زفر: يصح قضاؤه في رمضان آخر؛ لأن الشرط يعتبر وجوده كيف ما كان لا قصدا كالطهارة وما اخترناه أحوط الوجوه الأربعة أي إيجاب القضاء بسبب الأداء بصوم قصدي أحوط من إيجابه بالتفويت لوجوبه بالفوات أيضًا ومن إيجابه في رمضان آخر وإبطاله أصلا؛ لأن الزيادة الحاصلة بشرف الاتصال بالوقت أو الفرض إذا احتملت السقوط الزوال فلأن تحتمل رخصتها نقصان الصوم والقصدي الثابتة به العود إلى الكمال أولى ووجوه الأولوية ثلاثة كون الانتقال من نقصان في الرخصة لازيادة واجتهادا في الإيجاب والإكمال لا الإجزاء بما ثبت وجوبه ولا

الإبطال، وإن السبب في سقوط الزيادة خوف الفوت بالموت فقط وفي زوال النقصان هو وموضوع النذر. الحادي عشر: الأمر للمكلف أن يأمر غيره بشيء سواء كان بلفظ "أم ر" وبالصيغة ليس أمرا لذلك الغير به (¬1) كقوله عليه السلام: "مروهم بالصلاة لسبع" إلا لدليل على أنه مبلغ وإلا لكان قولك مر عبدك أن يتجر في مالك تعديا ومناقضا لقولك للعبد لا يتجر وليس إذ ليس المراد أمرا على طريق التعدي والواسطة لا ترفع التناقض قالوا فهم ذلك من أمر الله رسوله أن يأمرنا وكذا من أمر الملك وزيره به قلنا ثمة دلالة على أنهما مبلغان. الثاني عشر: المطلوب بالأمر بالفعل المطلق الماهية بلا شرط لا يقيد الكلية اتفاقا لاستحالة وجوده، ولا بقيد الجزئية خلافا لبعض، لعدم التعرض لتشخصها وهذا معنى أن أصل المطلق أجراؤه على إطلاقه قالوا القاطع لا يعارضه الظاهر فإن الماهية يستحيل وجودها في الأعيان فلا تطلب، إذ لو وجدت وكل موجود فيها جزئي كانت كلية وجزئية قلنا إنما يقوم على استحالة وجود الماهية المطلقة أي الماهية بشرط الإطلاق والكلية لا مطلق الماهية وعدم التقييد بالجزئية ليس تقييد إعدامها، ومطلقا لا ينافي الجزئية سواء وجدت بذاتها لا بكليتها في ضمن الجزئيات، كمذهب الجمهور أو وجد ما يصدق عليه كما اختار بعض المتأخرين وقد مر. واعلم أن المختار ها هنا صحيح لا مطلقا بل باعتبار مدلول، مادة المصدر الذي يتضمنه الأمر فلا ينافيه ما مر من وجوب رعاية الوحدة الحقيقية والاعتبارية عند انضمام الصورة إلى المادة في الاعتبار فلا تخطيء فيخطأ ابن أخت خالتك. الثالث عشر: قيل: الأمر إن المتماثلان تأسيس إلا لمانع حالي مثل لام العهد في صل ركعتين صل الركعتين أو حالي في اسقني ماءً، اسقني ماء لدفع الحاجة بمرة غالبا وقيد الآمدي بقوله إن كان قابلا للتكرار احترازا عن مثل صم هذا اليوم مكررًا فإنه غير قابل للتعدى ويغني عنه العهد إما إذا كان الثاني معطوفا فاتفاقا لأن التأكيد بواو العطف لم يعهد أو يقل حتى لو اشتمل على قرينة التأكيد، كلام العهد وغيره يصار إلى الترجيح فإن أمتنع وجب التوقف وإما إذا لم يكن فلان وضع الكلام للإفادة لا للإعادة ولسان التأسيس أكثر والأكثر أظهر ولأن الظاهر في كل أمر الإيجاب والحق أنه تأكيد إلا لمانع كالعطف لأنه عند التكرير أغلب وأكثرية التأسيس حاصلة ممنوعة وفي غيره لا يفيد وكذا وضعه للإفادة ¬

_ (¬1) انظر إحكام الأحكام للامدي (2/ 267 - 268).

على إن الحقيقة العرفية متقدمة على اللغوية ولأن الأصل براءة الذمة عن الثانية إذ تقليل خلاف الأصل هو الأصل وظاهر الأمر مطلق الإيجاب لا الإيجاب المستأنف والاحتياط في الإيجاب معارض به في التأكيد عند التحريم كقوله للجلاد اجلد الزاني مائة مكررًا. الرابع عشر: في أن الأمر المطلق عن دليل عينية الحسن وغيريته يتناول الضرب الأول من القسم الأول وهو حسن لعينه لا يقبل السقوط لوجهين: 1 - أن الأمر لما اقتضى الحسن ضرورة حكمة الأمر فكماله الحاصل الإطلاق يقتضي كماله. 2 - أن لما أوجب كون المأمور به عبادة حسنة لذاتها لكونها تعظيم الله فكذا كماله فالحسن الأول سابق، والثاني لأحق فغير الضرب الأول محتمله لا يصرف إليه إلا لدليل على جواز سقوطه كالصلاة أو شبهه بها كالزكاة أو غيره كالوضوء والجهاد وغيرهما وذهب شرذمة إلا أنه يثبت الحسن لغيره لأنه مقتضى ضروري ولا يثبت به إلا الأدنى. قلنا: على الطريق الأخير موجب لا مقتضى ولئن سلم فالاقتضاء ينافي العموم لا الكمال وفيه الكلام. فرع: قال زفر والشافعى: فأمر الجمعة يوجب حسنها وإن لا يشرع لمن تناوله كغير المعذور إلا هي، لأن فرض الوقت واحد منهما إجماعا ولما تعينت لدفع الظهر فلا يجوز هو ما لم يفت الجمعة ولمن لم يتناوله كالمعذور إلا الظهر فإذا أداه لم ينتقض بالجمعة ويردان لا يجوز لو أداها قبله وذا خلاف الإجماع فالصحيح عنهما إن المعذور مخير بينهما فأيهما أدى لا ينتقض بالآخر كمكفر اليمين بإحدى خصالها وقلنا الأصل مسلم والنزاع في كيفية تناول الأمر فلا نعلم لنها بنسخ الظهر وألا يقضى هو بل هي بأدائه بها وإقامتها مقامه فأمر غير المعذور بنقصه بها بعد أدائه وقبلها كما أمر بإمقاطه قبله وكيف لا يبقى الظهر مشروعا في حقه وللجمعة شرائط لا يتمكن من تحصيلها بنفسه فيجوز الظهر الذي أداه قبلها لأن عدم الوجوب لا يمنع الصحة غير أنه آثم للنهى عنه وهو لمعنى في الجمعة فلا يقتضي فساده وهذا متحقق في حق المعذور أيضًا لعموم النص لكن رخص له في تركها ترفيها ورخصة الترفيه تقرر العزيمة لا تسقطها كيف ولو لم ينتفض ظهره بعد ما صلى الجمعة بل فسدت هي عاد الترخيص على موضوعه بالنقض إذ هو حرج ليس في غير المعذور فكيف فيه أما إبطال الظهر فلا كمال ولذا لو شرع المعذور فيها وخرج الوقت قبل التمام يلزمه قضاؤه عتدنا استحسانا لا عندهما.

المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله وفيه مباحث: الأول: إنه لغة المنع ومنه الناهية للعقل (¬1) واصطلاحًا اقتضاء كف صيغي عن فعل استعلاء (¬2) فلا يرد كف عن الزنا منعا كما مر أو لأنه تحريم للفعل وإن كان إيجابا للكف فهو أمر ونهى بالاعتبارين وهذا لا يصح جواب في الأمر إذ يبقى قوله غير كف زائدًا وألا نسب أنه اللفظ الدال عليه واعتبر به كلا من مقابلات المزيفات السبعة مع اعتراضاته والخلاف في أن لمراده صيغة تخصه ولا يستعمل في غيره وهو الخطر لا الكراهة وبالعكس أو مشتركة لفظا بينهما فقط إذ لا قائل به فيما وراءهما وللمشترك معنى بينهما فقط وهو طلب الكف استعلاء أو للوقف بمعنى لا أدري كما في الأمر. وفي التقويم لا وقف ها هنا وإلا لصار موجب الأمر واحدا ولا سبيل إليه وقد سلف تحقيقه ويخالفه في أنها للتكرار والدوام فينسحب حكمها على جميع الأزمان لأنه عدم ويلزمه الفور فيجب الانتهاء في الحال وفي أن تقدم الوجوب الكائن مثله قرينة على أنه للإباحة في الأمر عند البعض ليس كذا هنا فإن الأستاذ نقل إجماع القائلين بالحظر على أنه له بعده أيضًا وأن توقف الإِمام لقيام الاحتمال. الثاني: أنه يقتضي القبح ضرورة حكمة الناهي فهو مدلوله لا موجبة خلافا للأشعري كما مر ثم مطلقة عن دليل العينية أو الغيرية أن كان عن الحسيات وهي ما لا يتوقف تحققه على ورود الشرع كالقتل وشرب الخمر والزنا وعلامته صحة الإطلاق اللغوي عليه على أنه حقيقة يقتضي القبح لعينه إلا دليل نحو {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، فإن النهي للأذى ولذا يثبت به الحل للزوج الأول والنهيب وتكميل المهر وإحصان الرجم ولا يبطل به إحصان القذف وإن كان عن الشرعيات كالصلاة والبيع والنكاح والإجارة ونحوها مما زيد في حقيقته أشياء شرعا كانت غير معتبرة لغة، فالقبح لغيره عندنا فيفيد الشرعية أصلًا والقبح وصفا لكن مع رعاية إطلاقه في إفادة التحريم وحقيقته في بابه على اختيار العبد إلا لدليل يقتضي العينية كنكاح منكوحات الآباء وبيع الملاقيح هي ما في أرحام الأمهات والمضامين هي ما في أصلاب الآباء وعكسه للشافعي - رحمه الله - واجبا ومحتملا فجعله دالا على بطلان نفس المنهي عنه فقيل شرعًا وقيل ¬

_ (¬1) انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي (4/ 398). (¬2) انظر فواتح الرحموت شرح مسلم (1/ 395)، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 377).

لغةً، وقال أبو حسين البصري يدل عليه في العبادات دون المعاملات فتنافي الأجزاء وهو موافقة الأمر أو سقوط القضاء لا السببية وهي استتباع المعاملة أثرها فإن مقابله وهو الصحة يستعمل في الأمرين وقيل لا يدل إلا على فساد الوصف ولا على صحة الأصل فهذه خمسة مذاهب. لنا أولًا أن النهى للانتهاء بالاختيار فيعتمد إمكانه وتصور صدوره من العبد ليثاب بالإحجام ويعاقب بالإقدام ولما لا أصل له حسًّا وشرعًا فهو ممتنع كالمنسوخ فلا يتعلق النهي به كف وامتناع مثله بناءً على عدمه وعدم المنهي عنه بناء على الامتناع ولذا لا يثاب على الأول كمن لا يشرب الخمر لأنه لا يجده فهما في طرفي نقيض لأي مما يتنافيان فلو ثبت القبح الذاتي مقتضى له كان المقتضي مبطلا لمقتضيه ومخرجا له عن حقيقته إلى النسخ وفي أبطاله أبطال نفسه فيتناقض، ومحصله توجيهان: 1 - أن المنهي عنه إذا لم يكن صحيحا بأصله لم يكن شرعيا ومعتبرا شرعا لكن المنهي هو الصوم والصلاة الشرعيان لا الإمساك والدعاء أو نقول وكل ما لم يكن شرعيا كان ممتنعا ومنسوخا فلا يكون منهيا لاختلافهما حدا وحقيقة وخاصة وحكما، ورد بأنه أنما لا يتصور ويكون ممتنعا لا شرعيا لو أريد بالشرعي المعتبر شرعا أما أريد ما يسمد الشرع بذلك وهو الصورة المعينة أي المشتملة على الأركان صحت أم لا، أي اشتملت على الشرائط أيضًا أم لا وذلك هو الحق وإلا لزم دخول شرائط الشيء فيه إذ بها اعتباره فيتصور ولذا يقال صلاة صحيحة وفاسدة وقال عليه السلام، دعي الصلاة أيام أقرائك. 2 - أنه إذا لم يكن صحيحا لم يكن شرعيا بل كان ممتعا فلم يتعلق الابتلاء بالنهي عنه لعدم تصور الإقدام والإحجام بالاختيار وإلا كان النهي نسخًا وليس كذلك إجماعًا وربما يوضح الملازمة الثانية بأن منع الممتنع لا يفيد، ورد بأنه إن أريد بالشرعي المسمي بذلك فالملازمة الأولى ممنوعة لأنه ليس ممتنعا وإن أريد المعتبر شرعا فالثانية لأن امتناعه علم بهذا النهي ومنع الممتنع بهذا المنع مفيد كتحصيل الحاصل هذا التحصيل. والجواب عن الأول أن الكلام في النهي عن الشرعي فأن كان مجرد الصورة كان هو المعتبر في الثواب باجتنابه، والعقاب بارتكابه وليس الصورة بدون الشرائط كصورة الصلاة بدون النية والاستقبال وغيرهما والبيع بدون المال عبث وذلك لأن مفسدة النهي في الإتيان بالمجموع لا بمجرد الصورة وإلا لكان كل واحدكل لحظة مثابا بترك صور المناهي اللامتناهية وإن لم تنعقد أسبابها وشرائطها التي لم تخطر بالبال شيء منها وليس كذلك إجماعًا ولا يلزم الإثم بالسجدة بدون الطهارة لأنها حسية لا شرعية وتسمية الباطلة

بالصلاة مجازية، وكذا النهى عن النفط في دعي الصلاة {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، ومن هذا يعلم أن شرائط الشيء داخله في شرعيته لا وجوده. وتحقيقه كونه مقيدًا بها وكون المطلق مع قيوده حقيقة واحدة اعتبارية فليس هذا النزاع مبينا على أن الشرط داخل في حقيقة السبب ومانع عن انعقاده سببا عندنا وعن تأثيره لا تحققه عنده كما ظن إذ لا حاجة هنا إلى دخوله في حقيقة المشروط أو سببه بل في شرعيته مع أن الحق في تلك المسألة أيضًا مذهبنا كما سيتضح. وعن الثاني أنا لا نعلم أن امتناعه علم بهذا النهي وأنما يصح لو صح تعلق النهى به وكيف يصح، وتعلقه به يخرجه عن حقيقته. أما الجواب بأن تصور اللغوي أو الشرعي حاله النهي كاف لصحته ففاسد للقطع بأن النهى ليس عن الإمساك المطلق والدعاء وبأن التصور في وقت الانتهاء عن الفعل وهو المستقبل هو الواجب والمعتبر كما في الأمر له أن حقيقة النهى في اقتضاء القبح كالأمر في اقتضاء الحسن فكما كان المأمور به حسنًا لمعنى في عينه إلا لدليل يكون المنهي عنه قبحا لعينه إلا له بناء على أن المطلق يتناول الكامل إذا القاصر ثابت لا من وجه لا قياسا في اللغة فمن جعل مجازا في الأصل حقيقة في الوصف عكس الحقيقة وقلب الأصل هذا معتمدة أما التمسك باستبدال العلماء بالنهى على الفساد وبأنه بناء على تبعية الأحكام لمصالح العباد تفضلا أو لم يفسد، فإن ساوى حكمه النهى حكمه الثبوت تعارضنا وخلا النهى عنها أو كانت مرجوحة فأولى لفوات الزائد من مصلحة الصحة الخالص عن المعارض أو راجحة فامتناع الصحة لخلوها بل لفوات الزائد من مصلحة النهى الخالص عنه فإنما يفيد أن اقتضاء القبح في الجملة ولا نزاع فيه ولتفريعه طريقان: 1 - أن الرضا بالمشروع أدني درجاته لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]، والتوصية المبالغة في الأمر المقتضي للرضا ولأن المقصود من الشرع الهداية إلى السعادة العظمى وهي رضاء الله تعالى، ثم القبح ينافي الرضا وإن لم يناف المشبه والقضاء كالكفر والمعاصي ومنافي اللازم مناف للملزوم فالقبيح لا يكون مشروعا فالنهى عن التصرف الشرعي نسخ له بما اقتضاه من التحريم السابق. 2 - إن حكمه وجوب الانتهاء وكون الارتكاب معصية لا طاعة في العبادة ومشروعا في المعاملة لتضاد بين الأوليين، وتناف بين الآخرين فإن كل مشروع لا معصية فكل معصية حسيا كان أو شرعيا لا مشروع ولذا لم يفد الزنا حرمة المصاهرة وهي الحرمات الأربع فإن المصاهرة نعمة أمتن الله بها وكرامة كالنسب ولذا تعلق به الكرامات من

الحضانة والنفقة والإرث والولايات وكذا حرمتها صيانة للمحارم عن مذلة النكاح الذي فيه ضرب استرقاق، ولا لغضب واستيلاء الكفرة على مال المسلم بالإحراز الملك وسفر المعصية كالإباق وقطع الطريق والبغي الرخصة وهي نعمة لدفع الحرج، ثم النعمة لا تنال بالمحظور المحض بخلاف الوطء بشبهة النكاح الفاسد والجارية المشتركة ولا يرد لزوم الاغتسال وفساد الصوم والإحرام والاعتكاف بالزنا إذ ليست نعمة ولا لزوم المضي على المحرم مجامعا أو المجامع بعده مع فساد الإحرام لأنه منهي لغيره المجاور وهو الجماع مطلقا مقارنا أو معاقبا حلالًا أو حراما فينبغي أن لا يفسد به كالصلاة في المغصوب لكنه محظورة كالكلام والحدث للصلاة فيفسد وينبغي أن لا يبقي غير أنه لازم شرعا عقوبة بخلاف الصلاة فأثر في إيجاب القضاء لا في ترك الأداء والمقارن لم يعتبر مانعًا مع أن المنع أسهل من الرفع؛ لأن محظوريته فرع اعتبار الوجود للإحرام ولا الطلاق في الحيض أو في طهر الجماع مع ترتب الفرقة؛ لأن نهيهما للمجاور وهو تطويل العدة وتلبيس أمرها أهي بوضع الحمل أو بالأقراء أو تلبيس النفقة إذْ لو لم يكن حاملًا في البائن لا يجب النفقة عنده ولا لزوم كفارة الظهار لأنها جزاء حرام كالقود والرجم والكلام في حكم مطلوب تعلق بسبب مشروع له كالملك بالبيع ولترتب فروعه هذه على ماريتنا عليه اندفعت المناقشات الواهية. قلنا: على دليله نعم لولا التناقض ببطلان المقتضي ورفع الابتلاء بذلك فما ذكرنا عمل بمقتضى النهي وهو القبح والمنهي وهو الإمكان ورعاية لمنازل المشروعات وحدودها وعلى وجهي التفريع قبح التابع لا ينافي الرضا بالمتبوع بالاعتبارين أي يجوز كون الشيء مأمورا به ذاتا ومنهيا عنه عرضا فإن المشروعات تحتمل هذا الوصف كما مر من الإحرام والطلاق الفاسدين والصلاة في المغصوب والبيع وقت النداء، والحلف على محظور. أما الأقسام الثلاثة الباقية منها ممتنعان وقسم واقع لكن لا يتأدى به المأمور به أمرا مطلقا بخلاف الوضوء بماء مغصوب ولأثم إن كل مشروع وطاعة لا معصية من كل وجه ولا سيما في المعاملات الفاسدة المترتبة إحكامها ولئن سلم فالقبح ينافي الرضا والمشروعية في موضوعه لا مطلقا والكلام في إنه الذات أو الوصف وعلى فروعه أما ثبوت حرمة المصاهرة فلكون الزنا كالوطء الحلال سبب الماء وهو سبب الولد المعصوم وجودًا وهو سبب البعضية التي بها الحرمة فإن الاستمتاع بالجزء حرام إلا لضرورة النسل حكيما كان كما في الموطأة، أو حقيقيًّا كما في حواء رضي الله عنها وتسري إلى أبيه وأمه لأضافته

بكماله علي كل منهما وإلي أسبابه ودواعيه احتياطا ولم يسر إلى ما بين الأجداد والجدات إذ لضعفه لكونه حكيما لم يظهر في الأباعد وعمل مثله لا لوصف نفسه ككونه زنا بل لعله أصله وهو الولد كالتراب وهو لا يوسف بالحرمة وذمه بانخلاقه من امتزاج بين مائين غير مشروع لا معنى له. وقوله عليه السلام "ولد الزنا شر الثلاثة" (¬1) كان مراده عليه السلام به مولود معين والأقرب ولد الزنا أصلح من ولد الرشدة ولهذاكان مثله في استحقاق معظم الكرامات وأما ثبوت الملك بالغصب فشرط للضمان المحتمل وجوبه فيتبع مشروطة حسنًا لآن للفائت ولئلا يجتمع البدلان في ملك، وإن قبح لو كان مقصودا لكن يعتبر مقدما على الضمان لأنه شرط مقتضى وملك البدل مترتب عليه فلذا ينفذ بيع الغاصب ويتسلم الكسب؛ لأنه كالزوائد المتصلة تبع محض يثبت بثبوت الأصل بخلاف المنفصلة كالولد والثمر فلكون زوال الملك ضروريا لا يتحقق فيها وهذا وإن كان بدل خلافة كالتيمم لا بدل مقابلة كالثمن ومن شأنه أن لا يعتبر عند القدرة على الأصل كما إذا عاد العبد الآبق أعتبر ها هنا لاتصال القضاء بزوال الملك عند الحكم بالضمان احترازا عن اجتماع البدلين في ملك وعند حصول المقصود بالبدل لا عبرة بالقدرة على الأصل كمن صلى بالتيمم ثم وجد الماء ولا يرد ضمان المدير مع عدم الملك؛ لأنه يزيل ملك المولى تحقيقا لشرطه ولا يملكه الغاصب صونا لحقه كالموقف ولم يكتف بالإزالة في جميع الصور وبها يندفع ضرورة اجتماع البدلين لأن الأصل مملوكية المال وأن يكون الغرم بأن الغنم فلا يرتكب إلا لضرورة أو يجعل ضمانه مقابلا لفوت اليد وذا جائز حال العجز والضرورة بخلاف القن. وأما النهي عن استيلائهم فلغيره وهو عصمة المحل الثابتة لحقنا دونهم لانقطاع ولاية التبليغ والإلزام عنهم فصاركالاستيلاء على الصيد ولئي سلم ثبوتها في حق الكل لكن سببها وهو الإحراز باليد أو الدار قد يناهي بإحرازهم فسقطت في حكم الدنيا ولا يرد أنها متحققة في ابتداء لاستيلاء فلا يقيد زوالها بعده كمن أخذ صيد الحرم وأخرجه لا يملكه ويجب الضمان بالهلاك في يده وكمن اشترى خزا فصارت حلا لا ينعقد البيع؛ لأن ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 233) ح (2853) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى (10/ 57)، وأبو داود (2914) ح (3963)، والنسائي في الكبرى (3/ 178) ح (3930)، والطبراني في الأوسط (7/ 210) ح (7294)، والحارث في مسنده (514/ البغية)، الطبراني في الكبير (10/ 674).

الأصل أن الفعل الممتد كابتدائه حكم البقاء كلبس الخف في حق المسح ولبس الثوب في حق الحنث فكان بعد الإحراز كابتداء الاستيلاء على مال مباح، وكذا صيد الحرم فإنه يملك بعد لإخراج حتى ذكر في الجامع جواز بيعه ولو أكله بحل إلا أنه يجب الجزاء صيانة لحرمة الجرم بخلاف شري الخمر فإنه غير ممتد، وهذا بخلاف استيلائهم على رقاب المسلمين؛ لأن سبب عصمة الأنفس وهو الإِسلام لم ينه بالإحراز. وأما سفر المعصية فليس منهيا لعينه بل لمجاورة من قطع الطريق والتمرد على المولى ولذا يفترقان بتبديل القصد إلى الحج وإن أذن المولى وبالإغارة ونحوها بمسافة يوم. فروعنا: 1 - شرع أصل بيع العبد بالخمر؛ لأن الثمن وصف للزومه لا أصل ومحل لكونه وسيلة إلى ما ينتفع بذاته ولذا لا يشترط وجوده فضلا عن تعينه ولا قدرة تسليمه ولا بقاؤه في الإقالة وجاز استبداله بخلاف المبيع فالفساد فيه كالخمر فإنه مال؛ لأن فيه مصلحة الآدمي لا متقوم إذ ليس بواجب الإبقاء بعينه أو كمثله أو بقيمته يفسد ولا يبطل لعدم الخلل في ركنه، وهو الإيجاب والقبول من الأهل في المحل وكذا بيع الخمر بالعبد معينين؛ لأن كلا يصلح ثمنا فيصرف إلى الخمر فينعقد في العبد فاسدا ويثبت الملك بالقبض بالإذن لا في الخمر فلا يثبت به وكذا إذا لم يعين الخمر إذا يجعل ثمنا كبيع خل غير معين لعبد معين أو دراهم بثوب معين بخلاف بيع الخمر الدراهم أو الدنانير لتعينه مبيعا والميتة وجلدها في المسألتين إذ ليس بمال وإنما يحصل المالية بصنع مكتسب ولا متقوم فيبطل ولو قضي بجوازه لا ينفذ، قيل: هي الميتة حتف أنفها؛ أما المخنوقة والموقوذة والمجروحة ففاسد لحلها عند المجوس وإذا يصح فيما بينهم عند أبي يوسف خلافا لمحمد. 2 - نهى الربا مرادا به العقد وهو معاوضة مالين في أحدهما فضل والبيع بشرط لا يقتضيه العقد ولأحد المتعاقدين أو المبيع المستحق نفع فيه فالنهي للفضل أو الشرط وهو وصف للزومه شرطا ولا اختلال في أصله وهو الإيجاب والقبول من الأهل في المحل فيوثر فساد الوصف في دفع وصف الأصل وهو أنه حلال جائز فصار حراما فاسدا والملك يحتمله كمحك صيد الحرم والخمر وجلد الميتة مع حرمة الانتفاع بها واشترط التقوية بالقبض لضعفه كالتبرعات وللفرق بينهما بأن المفسد في صلب العقد في البيع لم يعد صحيحا بإسقاط الفضل بخلاف إسقاط الأجل المجهول. 3 - كذا فساد شهادة من حد قذفا فلا يصح وصف أولهما فلا يقبل ويخرج منهن

أهلية اللعان لكن لاتصال حتى ينعقد النكاح بها كما بشهادة الأعمى إذا لا يتوقف على الأداء. 4 - كذا صوم يومي العبد وأيام التشريق فالنهى لمعنى الإعراض عن ضيافة الله تعالى فيفسد لوصفه وهو كونه يوم عيد، وبيانه: أن المتناول مشتهى بأصله طيب بوصف الضيافة لتركه طاعة بأصله في وقته معصية بوصفه وهو الإعراض عن الضيافة كالجوهر الفاسد وكذا يصح لخلوه عن المعصية ذكرا حتى لو قال لله على صوم يوم النحر لم يصح نذره في رواية الحسن كقولها لله علي صوم أيام حيضي بخلاف قوله غدا وكان يوم النحر، وبخلاف ضرب أبيه أو شتم أمه إذ لا جهة لغير المعصية فلا يصح النذر به أصلًا لا لشروعه في ظاهر الرواية لاتصاله بها فعلا وصح صلاة وقت المنهي لعراء أركانها وشروطها عن القبح حتى الوقت بأصله والفساد في وصفه لنسبه إلى الشيطان كما في بطن عرنة ووادي محسر في المكان وحديث الرغم معرفة لا تسمع في مقابلة الحديث غير أن الوقت ظرفها لا معيارها، فصارت ناقصة لا فاسدة فتضمن بالشروع بخلاف الصوم لقيامه بالوقت فإنه معياره وجودا ويذكر في حده تعقلا وقد يفرق بأن جزء الصوم ككله اسما فلا ينعقد شروعه للنهي بخلاف الصلاة إذ أولها ليست صلاة إلى السجدة وتبين الحلف بهما ولنقصانها للسببية لا يتأدى بها الكامل بخلاف الصلاة في المغصوب إذ ليس المكان سببا ولا وصفا فلا يورث فسادا ولا نقصا بل كراهة لتعلق نهيه بالشغل المجاور لا كما قال أحمد والزيدية وبعض المتكلمين كأبي الحسين البصري والإمام الرازي أنها لا تصح؛ لأن الصلاة حركة وسكون والشغل جزء منهما وجزء الجزء جزء والنهي الجزئي مبطل؛ لأن مصداق الجوار الانفكاك وهو حاصل. ويويده إجماع السلف على أنهم ما أمروا الظلمة بقضاء الصلوات المؤدات في المغصوب ولا نهوا عنها إذ لو وقع لانتشر، وفيه بحث لأن الجزئية إذا صحت تنافي الانفكاك إذ لا كل بدون الجزء. وتحقيقه: أن المعتبر في جزئية الصلاة شغل ما ولا فساد فيه وإلا لفسد كل صلاة بل في تعينه المكاني بل من حيث اتصافه بالتعدي وذا مما ينفك عن ذلك الشغل المعين بتعين مكانه بأن يلحقه إذن مالكه أو ينتقل ملكه إلى المصلي أو إلى بيت المال ولا يجيء مثله في الصلاة في الوقت المكروه؛ لأن نقصانه للسببية ولا في الصوم لأن تعين الوقت معتبر فيه بالوجهين وبه يعرف أن الوقت سبب للنوافل أيضًا إذ الكلام فيها إذكل وقت داع إلى الشكر فيه.

5 - كره البيع وقت النداء؛ لأن ترك السعي مجاور قد يقترفان بخلاف بيع الحر والمائن ونكاح المحارم وأزواج الآباء وصوم الليل فإن النهي فيها مستعار للنفى لفقد المحل ونسخ صوم الليل؛ لأن الوصال غير ممكن فتعين النهي للابتلاء لأنها المعنية لشهوة البطن غالبا، والفرج يتبعه لأنه وجاء إلا أنه لو واصل بالنية في رمضان تأدي لأن القبح في المجاور وهو الإمساك في الليل بخلاف صوم يوم النحر والمنفي في قوله عليه السلام لا نكاح إلا بشهود نكاح الشرعي، فلا خلف ولا حمل على النهي وإنما يسقط الحد ويثبت النهيب والعدة لشبهة العقد، أو نقول أريد النهي لكن مع الدليل على بطلانه فإن النكاح ملك ثابت لضرورة النسل ولذا لا يظهر أثره فيما وراء ذلك فلو قطع طرفها أو آجرت نفسها أو وطئت بشبهة فالأرش والأجرة والعقر لها لكن لا ينفك عن الحل لأنه المقصود والنهي يقتضي تحريما يضاده فبطل بالمضادة بخلاف البيع الموضوع لملك العين والحل تبع حيث لا يضاده تحريم الاستمتاع لجواز اجتماعه مع الملك كما في المحرم كالأمة المجوسية وفيما لا يحتمل الحل أصلًا كالعبد والبهائم. للقائل بدلالته على البطلان لغة استدلال العلماء به عليه وإنه نقيض الأمر المقتضى للصحة فيقتضى نقيضها، ورد الأول بمنع دلالته استدلال لهم على البطلان اللغوي بل الشرعي. والثاني: بأن اقتضاء الأمر الصحة شرعي فكذا اقتضاء النهي سلمنا لكن المتقابلات جاز اشتراكها في لازم واحد فضلا عن التناقض سلمنا لكن نقيض اقتضاء الصحة عدم اقتضائها لا اقتضاء البطلان وفي الكل نظر، فإن استدلالهم لا بد من الانتهاء استقراء موارد اللغة ولا سيما قبل تدوين قواعد الشرع ومنه بعلم أن اقتضاء الأمر الصحة لغوي والاستدلال على تناقض مقتضاهما ليس بمجرد التناقض المراد به التقابل بل بالعرف المستمر على أن الأثر المطلوب بإحداهما نقيض المطلوب بالآخر وقد مر، وعدم الاقتضاء ليس أثرا والكلام في أثرهما والحق أن اقتضاءهما مطلق الصحة والبطلان لغوي، والشرعيين شرعي مستفاد من اللغوي، وللنافي للبطلان مطلقا أنه لو فعلت لكان مناقضا للتصريح بصحته لكن يصح نهيتك عن الربا العينة ولو فعلت لعاقبتك ولكن يثبت به الملك. قلنا: الظهور في الشيء لا يمنع التصريح بنقيضه الصارف عنه، ولأبي الحسين أن المنهي عنه في العبادة معصية فلا يكون مأمورًا به وإن نهي لمجاوره لا في العاملة فإن اللامشروعية لا تنافي المشروعية من وجهين قلنا كذا المأمور به ذاتا القبح صفة كما مر على أن المأمور به مطلق الفعل وأن لم يتحقق إلا في المعنيات، فالتعينات غيره مجاز القبح

الفصل الثاني في العام

فيها دونه. (تتمة) كذا المنهي عنه لوصفه كعقد الربا أمر إذا بنهيه نهي الفضل يكون مشروعا بأصله دون وصفه بالأولى خلافا لكثير منهم الشافعي رحمه الله تعالى قال نهي الوصف يضاد وجوب الأصل لأن نفى اللازم ملزوم نفى الملزوم قبل معناه أنه ظاهر في عدم وجوب أصله لأنه يضاده عقلا وإلا ورد نهي الكراهة لأنها كالحرمة ضد الوجوب وقد جامعته في الصلاة في المغصوب والصوم يوم الجمعة مفردا، وليس بوارد لأن الفارق اعتبار اللزوم في الوصف لا في المجاور قلنا لا ضرورة صارفة عن أصلنا إلا عند الدلالة على القبح العيني أو الجزئي فإن صحة الإجراء والشروط كافية في صحة الشىء وإن لم يصح أوصافهما وترجيح الصحة وهو الأصل باعتبار الأجزاء أولى من ترجيح البطلان باعتبار الوصف الخارجي لها ككون وقت صوم العيد يوم ضيافة الله تعالى فإنه وصف لمطلق النهار المعتبر لمعاينته جزءًا في الصوم فجعل وصف الجزء وصفا للكل بخلاف وصف وقت الصلاة في الأوقات المكروهة وهو كونه منسوبا إلى الشيطان إذا الوقت لظرفيته لم يعتبر جزأ فيها فجعل وصفه مجاورا لا مؤثرا في فساده بل نقصانه لسببيته، فهذا اتضح الفرق {حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51]، وقبح اللازم ليس عدمه وليعلم أن قبح الصلاة في الوقت المكروه جعله البعض للوصف ففرق بينها وبين صوم العيد بالظرفية والبعض للمجاور ففرق بينها وبين الصلاة في المغصوب بالسببية وعليك بالاختيار بعد الاختيار. الثالث: أنه يوجب دوام ترك المنهي عنه إلا لدليل ولذا لم يزل العلماء يستدلون به عليه في كل وقت قالوا قد انفك الدوام عنه في نحو نهي الحائض عن الصلاة والصوم قلنا نهي مقيد مع عمومة لأوقات الحيض والكلام في المطلق. الفصل الثاني في العام وفيه مقامات: الأول: في حكمه وفيه بحثان: أحدهما فيما قبل التخصيص: هو: أن يوجب الحكم وضعا فيما تناوله يقينا وقطعا الخاص هو المذهب عند العراقين من مشايخنا بدليل قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الخاص رضي الله عنه لا يقضي عليه بل ردما ينسخ الخاص به كحديث العرنيين في بول ما يؤكل لحمه بحديث استنزاه البول محلي باللام وقوله ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة أي عشر لأن الزكاة تجب فيه إن بلغ قيمته نصابا بقوله ما سقته السماء ففيه العشر فلا يشترط بلوغ الخمسة كما عندهما فإن علم تراخي العام فيهما فذاك وإلا حمل على المقارنة وثبت حكم التعارض فرجح المحرم أو لم ينسخ منه شيء والمتفق

على العمل به إذا وجب العشر فيما وراء الخمسة بالعام كما نصفه عند كرة المؤنه بالدالية أو يرجح العام مطلقا احتياطا وذكر محمَّد شبيهه في الوصفية بخاتم ثم بالفص لأخر أن الحلقية للأول والفص يستهمانه مفصولا. وإن كان للثاني موصولا والأشهر أنه قوله خلافًا لأبي يوسف وقيل قولهم، وقالوا القول لمدعي العموم في المضاربة للترجيح بدلالة عقد الاسترباح بعد قيام المعارضة، ولذا عم بالإطلاق ولم يفسد بعدم التنصيص على التخصيص كالوكالة وعند بعضهم صيغ العموم حقيقة في أخص الخصوص ومجاز في العموم، وقال الأشعري تارة بالاشتراك وأخري بالوقف حتى يقوم الدليل على المراد وقيل بالوقف في الأخبار دون الأمر والنهي وقال القاضي بالوقف بمعنى لا أدري لوضعت لشىء منهما أو بعد العلم بالوضع في الجملة أوضعت للعموم منفردا فيكون حقيقة فيه فقط أو وللخصوص فتكون مشتركة، أو للخصوص فقط فيكون مجازا وقال الشافعي يوجب العموم لا على اليقين وهو مذهب مشايخ سمرقند منهم علم الهدي والثمرة مع الأولين في نحو لفلان علي دراهم فيجب الاستفسار عند الواقفية كعلي شىء وثلاثة عند المخصصين لأنها الموجب وعندنا لأنها الأقل بعد استحالة إرادة الجميع ومع الشافعي رضي الله عنه وغيره أن غير المخصص من الكتاب والسنية المتواترة لا تخصص بغير الواحد كما بالقياس لأنهما ظنيان فلا يعارضانه والتخصيص بطريق التعارض فلا تخصص متروك التسمية عامدا بمثل حديث عائشة رضي الله عنها والبراء وأبي هريرة كما بالقياس على الناسي إذ الناسي لم يخص منه بل أقيم ملته مقام الذكر كالتيمم مقام الوضوء والعامد لكونه معرضا قصدا لا يستحق التخفيف فلا يصح قياسه ولأن النسيان لكونه من قبل صاحب الحق مرفوع حكمه بالحديث كما في الإفطار ناسيا فكأن الترك لم يوجد، وحديث عائشة لنا لأن سوألها عند الشك في التسمية دليل أنها من شرائط الحل عندهم وفتواه عليه السلام بالإباحة بناء على ظاهر أن المسلم لا يدعها كالمشتري في سوق المسلمين. وإن احتمل ذبح المجوسي وحديث البراء وأبي هريرة محمول على النهييان بدليل ما قد يروي وإن تعمد لم يحل وكون المراد بالآية ما ذبح لغير الله مطلقا اختيار الكلي أو للأوثان اختيار العطاء أو الميتة والمنخنقه اختيار ابن عباس رضي الله عنه بدليل {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وأنه يقبل شهادة آكل متروك التسمية محمدًا وليجادلوكم فإن مخاصمتهم كانت في أكل الميتة قائلين: تأكون مقتول ربكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون فإن الكفر باستحلال الميتة لا متروك التسمية غير قادح لما سيتحقق أن العبرة

لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لا سيما عند ترتب الحكم على الوصف الصالح للعلبة وأكل من اعتقد الحرمة متروك التسمية كالحنفي فسق يرد شهادته وإنما لا يرد شهادة غير معتقدها التأويله كما لا يحرم الباغي عن الميراث بقتل العادل لتأويله، ولا المرضعات في {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] بحديث ابن الزبير رضي الله عنه، مع أنه لا يثبت خمس رضعات إلا يعدم القائل بالفصل إذ العطف بولا لتأكيد النفى السابق ولا بما روته عائشة مع أنه لا يجوز العمل بالقراءة الشاذة ولا يجعلها خبرًا كما مر إلا على وجه الإلزام ولا المسافر للعصيان في الترخيص بالقياس بجامع أن النعمة لا تنال بالمعصية. ولا الأصواف والأوبار في الميتة بشيء مع أنا نمنع كونها أجزاء للميتة إذ لا موت فيها لعدم الحياة ولا الأيامى والصالحون من العباد، في الجبر فيجبر العبد كالجارية بقياسه على المكاتب مع أنه حر يدا وجبر الطالحين بالدلالة أو بعدم القائل بالفصل ولا مالك ذي الرجم المحرم في العتق بقياس غير الولاد على بني العم بجامع جواز الشهادة ووضع الزكاة. ولا داخل الحرم بنحو حديث أنس كما بالقياس على منشئ القتل فيه إذ لم يخص منه لأن كان بمعنى صار بدليل التعليق بالدخول فلو التجأ مباح الدم بردة أو زنا أو قصاص أو قطع لا يقتل ولا يؤدي بضرب بل لا يطعم ولا يسقي ليخرج ولا على الأطراف لأنها كالأموال إذ يجري فيها الإباحة دون النفس والضمير في كان لنفسه دون ماله وطرفه وقتل ابن خطل حين أحلت مكة للنبي عليه السلام كما ورد به الأثر ولئن ثبت زيادة ولا فارا بدم فمعناه لا تسقط عقوبته وتقييده بالأمن من الذنوب أولى منه العمل بالعموم ما أمكن وضمير من دخله أما للبيت فإذا حصل الأمن بدخوله حصل بدخول حرمه لعدم القائل بالفصل هذا إن لم يصر آمنا بدخوله كما عند بعض الشافعية بل يخرج لئلا يتلوث ثم يقتل وأن صار آمنا كما عن بعضهم فبطريق إلحاق حرمه به لا تصادفه بالأمن في حر ما آمنا والبلد آمنا والإجماع على أمن الصيد وإن لم يلزم كون التبع كالمتبوع كما في القبلية وأما لأنه للحرم وأن لم يذكر لذكر متبوعة لقول المفسرين واستدلالهم بقوله {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 97]، وهو في الحرم وكون المراد متعبدة مع أنه ليس قول من يعتد به ينافيه ظاهر كونه بيان الآيات لأن الظاهر أنها ظهور أثر قدمه في الصماء وغوصه إلى الكتب وبقاؤه إلى الآن. ولا الإهاب فيطهر جلد الميتة به خلافا لمالك مطلقًا والشافعي في جلد غير مأكول

اللحم بقوله "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب" (¬1)، أما لأن الأول نص في الطهارة وهذا يحتمل عدم الانتفاع ببيعه وأكله يؤيده حديث ميمونة إنما حرم من الميتة أكلها بعد ما قال عليه السلام هلا انتفعتم بإهابها فقيل أنها ميته، فليس نصا في النجاسة بعد الدباغ أو تعارض مع حديث ميمونة فعلمنا بحديثنا وأما لأن الإهاب اسم لغير المدبوغ، قاله الأصمعي والمدبوغ إذ تم فلا تعارض لعدم إيجاد المحل، نقضان وجوابان: 1 - خص عن قوله عليه السلام "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (¬2) مثل أم أخته بالرأي قلنا المراد ما سبب حرمته النسب بخصوصه وليس تحريم أم الأخت مثلا له بل لكونها أمة موطوءة أبيه ولذا يحرم موطوئته ولو لم يكن منها أخت. 2 - خص عن قوله كل طلاق واقع، إلا طلاق الصبي والمجنون طلاق النائم بالرأي. قك بل أما برواية زيادة النائم أو بدلالته إذ يفهم كل عارف باللغة أن منع طلاقهما لعدم تميزهما فكذا من تمثل بحالهما من النائم وكذا زائل العقل بشرب الدواء المباح أو الصداع أما بالسكر عن المحرم فلا زجرا له، لنا أولًا مبادرة الذهن إلى العموم في نحو قول المولى عبيدي أحرار ولا تضرب أحدا وغيره من العمومات. وثانيا: احتجاج أهل اللسان بالعمومات كالسارق والزانية واحتجاج عمر عند قتال أبي بكر مانعي الزكاة بقوله "أمرت أن أقاتل الناس" (¬3) الحديث عليه لمنعه فقرره أبو بكر رضي الله عنه واحتج عليه بقوله "إلا بحقه" فإن الزكاة من حقه وابن مسعود على عليّ رضي الله عنه في أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل لأبعد الأجلين بأن القصرى نزلت بعد الطولى فنسخت بعمومها خصوص الأولى وإن كان من وجه وعليّ رضي الله عنه عمل بالاحتياط لعدم عمله بالتاريخ وعلي رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه في تحريم الأختين وطئا بملك اليمين بقوله أحلهما أو ما ملكت إيمانهم وحرمهما وأن تجمعوا بين الأختين لأن معناه حرم الجمع محلي باللام فتناوله نكاحا ووطئا وإلا وجه أن معناه لا تفعلوا جمعا والمحرم مغلب وعثمان رضي الله عنه رجح المحلل باعتبار الأصل ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (4/ 93) ح (1271)، والترمذي (4/ 222) ح (1729)، والبيهقي في الكبرى (1/ 14) ح (42)، وأبو داود (4/ 67) ح (4127)، والنسائي في الكبرى (3/ 85) ح (4575)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 310). (¬2) أخرجه البخاري (2/ 935) ح (2502). (¬3) أخرجه البخاري (1/ 17) ح (25)، ومسلم (1/ 51) ح (20).

وأبي بكر رضي الله عنه بقوله عليه السلام "الأئمة من قريش" (¬1)، "ونحن معاشر الأنبياء لا نورث" (¬2) قيل فهم العموم فيها من ترتب الحكم على ما يصلح عليه أو من ذكره لتمهيد قاعدة شرعية أو من قوله عليه السلام "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" أو من تنقيح المناط وهو إلغاء الخصوصية. قلنا هذه الجهات لا تفرق بين الألفاظ التي ادعي فيها العموم وبين غيرها ومن عادتهم عند التمسك بغيرها التصريح بهذه الجهات فحين لم يتعرضوا الشيء منها في نحو هذه الاستدلالات أصلا مع التصريح بالعموم مطلقا علم عادة ظهورها في العموم. وثالثا: إن هذا شاع بينهما ولم ينكر فكان إجماعا ويقتضى عادة القطع بتحقق الإجماع أو يكفي الظن والحق لأن تجوز القرائن لا يمنع الظهور وإلا لم يظهر للفظ مفهوم ظاهر إذ مستند النقل تتبع الاستعمال لا نص الواضع. ورابعا: فهم العموم في وقايع لا تحصتي لمن تتيعها حتى كذب عثمان رض الله عنه قوله، وكل نعيم لا محالة زائل بدوام نعيم الجنة وفهم التوحيد من لا إله إلا الله عند الكل واعترض ابن الزبعرى جاهلا بلسان قومه على قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، بقوله أليس قد عبدت الملائكة والمسيح ورد قول اليهود ما أنزل الله من شيء بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي} [الأنعام: 91]، الآية والإيجاب الجزئي لا يناقض إلا السلب الكلي. وخامسا: أن العموم معنى مقصود تفهيمه على التعين عرفًا وشرعًا كما يقول من يريد عتق كافة عبيده عبيدي أحرار وطلاق جملة نسوانه كل امرأة في طالق غيبا كان الفاهم أو ذكيا فلابد من لفظ يوضع له والتعبير بالمجاز أو المشترك لا يفي بذلك مع أن الأصل عدمه. ثم قال الشافعي لكن إرادة الخصوص محتملة في كل عام إلا لدليل، على عدمها كما في قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231]، و {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 85) ح (6962)، الضياء في المختارة (2/ 72) ح (449)، والبيهقي في الكبرى (8/ 143)، النسائي في الكبرى (3/ 467) ح (5942)، والطبراني في الأوسط (2614) ح (3521)، الإِمام أحمد في مسنده (3/ 129) ح (12329)، والروياني في مسنده (2/ 25) ح (764)، والطبراني في الصغير (1/ 260) ح (425)، والطيالسي في مسنده (1/ 284) ح (2133)، وأبو يعلى في مسنده (6/ 321) ح (3644)، الطبراني في الكبير (1/ 252) ح (725). (¬2) أخرجه البخاري (3/ 1126) ح (2926)، ومسلم (3/ 1379) ح (1758).

وَالْأَرْضِ} [النساء: 170]، ومع الاحتمال لا يثبت اليقين فصار دليلا ظنيا كخبر الواحد والقياس وهذا احتمال زائد على ما في الخاص من احتمال المجاز والنسخ ولذا افترقا لا سيما إذا لم يكن العام المخصص مجازا فلم يخرج بذلك عن حقيقته واحتمال النسخ بعدم الوقوف على الناسخ بعد التفحص. قلنا الاحتمال الغير الناشئ عن دليل لا يقدح في القطع المراد ها هنا فلم يدل القرينة على خلاف الموضوع له كان ذلك لازمًا قطعًا عاديًا وإلا لارتفع الأمان عن اللغة والشرع وكلفنا درك الغيب وإرادة الخاص بخصوصه من العام أما بطريق المجاز أو خلاف الظاهر فزيادة هذا الاحتمال أما من كثرة احتمال المجازات ومثلها وهي مع القلة سيان عند عدم القرينة على أنا لا نعلم أن كل إخراج لبعض المحتملات يورث شبهة فإن التخصيص بالعقل والإخراج المتراخي نسخا لا يورثانها كما سيجىء والموصول قليل ما هو، للقائلين بأنها حقيقة في الخصوص أولا أنه متيقن لأنه مراد أو داخل فيه فيكون أحوط. قلنا: اللغة تثبت بالنقل لا الترجيح العقلي من أنه معارض بأن العموم أحوط في كثير من الواجب وقليل من المباح. وثانيا: أن قولهم المشتهر حتى صار مثلا ما من عام إلا وقد خص عنه البعض غالبي مبالغة كنفسه لا كلي لما مر من نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، فيكون في الأغلب حقيقة في الأغلب أيضًا يكون ظاهرا إذا لم يدل دَليل على أنه للأقل وقد مر دلائله للقائلين بالاشتراك إطلاقه فيهما مشتهرا والأصل الحقيقة. قلنا المجاز أولى منه فيحمل عليه وإلا فلا مجاز مشتهرا للواقفية مطلقا أنه مجمل فيما يصلح له كالجمع في إعداده ولذا يؤكد بما يفيد الاستغراق وقد يذكر ويراد الواحد نحو {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173]، أي نعيم ابن مسعود قلنا مجرد الاحتمال لا يقتضي الإجمال والتأكيد ليصير محكما كما في الخاص للواقف في الأخبار فقط انعقاد الإجماع على عموم التكليف وهو بالأمر والنهى ولا دليل عليه في غيرهما. قلنا معارض بالأخبار العامة من عمومات العقيدة والعمل والوعد والوعيد فجميع المكلفين مكلفون بمعرفتها (تحصيل) فالعام والخاص إذا تعارضنا أن علم التاريخ نضار الخاص المتأخر مع الوصل مخصصا ومع الفصل ناسخا في مقدار ما تناوله اتفاقا والعام المتأخر ناسخا وجهول التاريخ يحمل على المقارنة وترتب حكم المعارضة في متناولهما عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه يخصصه الخاص تقدم أو تأخر أو جهل لقطعيته دونه والعرف يكذبه كمن قال لعبده اضرب زيدا ثم قال لا تضرب أحدا.

البحث الثاني: فيما بعده

البحث الثاني: فيما بعده وفيه مسائل: الأولى: في تعريف التخصيص هو لغة: تمييز بعض الجملة بحكم واصطلاحا قصر العام على بعض جزيئاته مطلقا عند الشافعية وبدليل مستقل متصل عندنا لأنه إن كان بغير مستقل أي بكلام يتعلق بصدره وهو خمسة: الاستثناء والشرط والصفة والغاية والبدل فليس تخصيصا بل بيان تغيير أو تفسير أو تقرير لأن الحكم لا يتم إلا بآخر الكلام وما لم يتم لا يحكم باستيفاء مقتضياته عمومًا وخصوصا في حقه إن كان بالمستقبل فإن لم يتصل فهو نسخ وبيان تبديل لأن حكمه قد تقرر والرفع بعد التقرر نسخ قالوا لا قصر ثمة لإدارة المجموع قلنا لا يلزم من انتفاء القصر من حيث الذات وهو أن لا يراد بعض جزيئاته ابتداء انتفاؤه مطلقا لجواز تحققه من حيث الحكم وهو إخراج البعض بعد إرادة الكل فإن جزيئاته بعد النسخ جزيئاته ولا يتناولها الحكم فإن كان النسخ رفعا فكما في الاستثناء وإن كان بيانا لأمد الحكم فكما في الغاية غير أنه مستقل وإن اتصل فهو تخصيص ومخصصه أما العقل نحو {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]، خص منه ذاته تعالى ومنه تخصيص الصبي والمجنون من خطابات الشرع وأما الحس نحو {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} [الذاريات: 42]، الآية خص منه الجبال ومنه {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]، بيانًا كان أو تبعيضًا إذ لم يعط كل شيء وأما العادة كمن حلف لا يأكل رأسا وأما نقصان بعض الأفراد كالمكاتب في كل مملوك في حر وإما زيادته كنحو العنب من الفاكهة ولا يتصور أن إلا في المشكك وعلى تعريف الشافعية نقوض نحو على عشرة إلا ثلاثة وضربت زيدا رأسه وأكرم الرجال إلا الجهال والعالم واحد فإن التخصيص فيها على الأجزاء. وأجيب بأن لا تخصيص في الأوليين إذ لا عام وكذا في الثالث لأن الجمع معهود أو مجاز عن الجنس فالمراد جزيئات المفرد على أن في جوازه ترددا كما سيجيء وعرفه أبو الحسين بإخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه وفيه شبه: 1 - أنه يتناول النسخ إلا أن يريد تخصيصا يطلق على ما يتناوله. 2 - أن الإخراج وتناول الخطاب متنافيان المخرج غير متناول فكيف يجتمعان وفي الجواب عنه بأن المراد ما تناوله على تقدير عدم المخصص كقولهم عام مخصص أي لولا تخصيصه تعريف الشيء بنفسه والإضمار في الحدود ولا نعلم أن المخصص ليس بعام حيث جاز التمسك بعمومه في الأصح ووجه بأن المراد ما يتناوله في الجملة لا إضمار القيد وهو فاسد لأن المراد بالخطاب هو المشخص وإلا لفسد من وجوه شتى

الثانية: في جوازه في جميع العمومات

وللمخصص أثر في تعينه فلا يتناول المخرج أصلًا فجوابه الصحيح أمن المراد التناول وضعا والإخراج إرادة، أما ذاتا وحكما وهو المعنى بالعام المخصص ولو كان الباقي واحدا وذلك لجريان العرف على أن يراد بالدلالة في تفسير الألفاظ الوضعية وهي المرادة لتناول. 3 - انتفاضة بالنقوض المذكورة إلا إذا أريد تناول الجزئيات وفيه الإضمار وعرفه الآمدي بأنه تعريف أن العموم للخصوص وفيه تعريف بما يساويه إلا أن يريد بما في الحد اللغوي فلا دور فإن دون التأثير عين الأثر في الخارج والمعتبر في التعريف المفهوم العقلي. (تنبيه) قيل قد يطلق التخصيص على قصر اللفظ على بعض المسمى كما قد يطلق العام على ما يتناول الأجزاء وأن لم يكن عاما لعدم دلالته باعتبار أمر مشترك بين المتناولات كالعدد والمسلمين عهدا والعبد في على عشرة إلا ثلاثة وجاءني مسلمون فأكرمت المسلمين إلا زيدا واشتريت العبد إلا ثمة فيباينان الأولين مفهوما ويعمانهما من وجه وجودا وربما يحمل على بعض المسميات فيحكم بعمومهما مطلقا وفي إطلاق المسميات على الأجزاء بعد ولو قيل أريد بالكل في هذه الأمثلة كل واحد من أجزائه لكان العام وتخصيصه بالمعنيين الأولين وفيه ضبطٌ للأقسام وتقليل لانتشار الأحكام واحتراز عن القول بالاشتراك اللفظي الاصطلاحي مع إمكان دفعه كما هو الأسهل محذورا هو الإضمار. (تتمة) قيل: التخصيص بكل من التفسيرين لا يستقيم إلا فيما يؤكد بكل، وهو ذو أجزاء أو جزئيات يصح افتراقها حسا أو حكمًا ونقض بالنكرة في سياق النفي وأجيب بأن المراد بالتأكيد أعم من الاصطلاحي والملحق به من نحو كل رجل ولم يدفع النقض بالفعل المنفى إلا بتأويل بعيد ينخرم فيه الضيفة. الثانية: في جوازه في جميع العمومات وقيل يمتنع مطلقا وقال شذوذ لا يؤبه به يمتنع في الخير لنا عدم لزوم المحال لا لذاته ولا لغيره، ووقوعه كما في الأمر والنهي كما أمر في آيتي: {وَأُوتِيَتْ} [النمل: 23]، {مَا تَذَرُ} [الذاريات: 42]، ولهم أنه كذب في الخبر إذ ينفى، فيصدق، وبداء في الإنشاء وللمفصل القياس على النسخ. قلنا قيام الدلالة على التخصيص دافع للكذب والبداء وبين التخصيص والنسخ فروق ستعلم. الثالثة: في أنه في الباقي يعد التخصيص حقيقة أم مجاز والثمرة صحة الاستدلال بعمومه فقيل مبني على اشتراط الاستيعاب أيضًا على أنه حقيقة وهو المختار عندنا أما في

غير المستقل والمستقل المتراخي فمطلقا إذ لا تخصيص فيهما وإما في المقارن فمن حيث التناول ولذا أوجب العمل وأن كان من حيث قصوره عن سائر الأفراد مجازًا بطريق إطلاق اسم الكل على الجزء لأن كلا من الأفراد جزء للعام من حيث العموم وإن كان جزئيا من حيث ماهيته وهو كمذهب إمام الحرمين لولا شموله غير المستقل والمستقل المتراخي عنده، والحق أن غير المستقل دافع لأن تمام الحكم بقيوده والمستقل المتراخي دافع لتمام الحكم قبله لاستقلاله وتقرر تماميته للفصل والمستقل المتصل أعني التخصيص له شبههما، وفيه ثمانية مذاهب أخر: 1 - للحنابلة حقيقة في الكل مطلقًا. 2 - لأبي الحاجب وغيره مجاز مطلقًا. 3 - لأبي بكر الرازي حقيقة إن لم ينحصر الباقي بل له كثرة يعسر معرفة قدرها والإعجاز. 4 - لأبي الحسين حقيقة إن خصص بغير مستقل مطلقا كالأشياء الخمسة ومجاز بمستقل من سمع أو حس أو عقل هو الذي نقله البعض والحق أن المخصص بغير المستقل ليس حقيقة ولا مجازا عنده قاله في المعتمد. 5 - للقاضي حقيقة إن خص بشرط أو استثناء لا غيرهما. 6 - لعبد الجبار حقيقة إن خص بشرط أو صفة لا استثناء وغيره. 7 - أن خص بلفظي متصل أو منفصل. 8 - للإمام حقيقة في تناوله مجاز في الاقتصار عليه لنافي أنه حقيقة في التناول أو لا لو لم يكن حقيقة لما صح الاحتجاج بعمومه غذ لم يبق عاما ولا ظاهرا في العموم، وقد احتج الصحابة وغيرهم كما سيجيء. وثانيا التخصيص: لا يغير التناول للباقي على ما كان عليه وقد كان حقيقة بل الطارى عدم تناول الغير، قيل التناول وحده غير التناول مع الغير والموضوع له هو الثاني. قلنا إن أريد أنه الموضوع له من حيث مفهوم العام فممنوع، وإلا كان كلا مجموعيا لا إفراديا وكأن متناولته أجزاء لا جزئياته وليس ذلك محل النزاع وأن أريد من حيث عمومة فسلم لكنه يقتضي مجازيته من حيث الاقتصار لا من حيث التناول وقيل تحقيقه أن من صيغ العموم ما وضع لنفس الشمول ككل وما وضع للماهية مع الشمول كأسماء الشرط والاستفهام وما وضع للماهية التي يعرضها الشمول كاسم الجنس الجمع المعرفين تعريف الجنس، على ثلاثة تعريفات:

فالأول: كالكلي المنطقي. والثاني: كالعقلي. والثالث: كالطبيعي. وهذا الدليل منزل في الثالث والغرض إبطال المجازية في الكل والاعتراض ناظر إلى الأولين دون الثالث لأن تعريف الجنس للإشارة إلى الماهية من حيث هي ففي كل من جزئياتها حقيقة كما قبل التعريف والعموم من المقام كالخطابة وإنما أفاد التعريف الإشارة إلى الجنسية ليضح إطلاقها على القليل والكثير حقيقة. وفيه بحث: فأولا: لأن المقام آية كون اللام للعموم وإلا لما أسنده أهل العربية إلى اللام فالتخصيص يعتبر في مفهوم اللام. وثانيًا: لأن الجنسية إن أريد بها غير العموم والإشارة إلى المفهوم فلا قائل بأن اللام فيما لا عهد لها وإن أريد بها العموم فالجنسية غيركافية في العموم لا سيما عند مشترطي الاستغراق وإلا لكان مثل ماء وزيت منكرًا عاما ولا قائل به وتناول الجمع المحلي بلام الاستغراق المفرد لكون استغراق الجمع مجازا عن استغراق المفرد كما سيجىء. وثالثا: لأن العموم بعد ما حصل ولو من المقام، فالتخصيص قادح فيه ومغير لموضوعه غايته أن لا يعتبر التجوز في المنطوق من الكلام بل في المقدر المفهوم من المقام. ورابعًا: أن عند نفس العام من حيث هو حقيقة، ومن حيث عمومة مجازا ليس أمرا يختص بفهم العموم من الوضع الشخصي أو النوعي، أو الوضع المستقل أو الضمني إذ لا حجر في الاعتبار وسببه اعتبار الواضع ملاحظ تصدق المفهوم الكلي على الأفراد ففيه اعتبار كلية المفهوم وهو الأصل واعتبار تعدد الأفراد وهو التبع على أنه لو ورد فإنما يرد على الإمام أما علينا، حيث قك لا مخصص إلا المستقل المقارن فلا إذ لاستقلاله جعلنا العام حقيقة كالمنسوخ ولمقارنته جعلناه كلا مطلقا على البعض كالمستثنى منه فعبر عنهما بجهتي التناول والاقتصار لله در الحنفية في الفرق بين المستقل المقارن وغيره، وثالثا لا يتوقف سبقه إلى الفهم على القرينة إذ الموقوف عليها عدم إرادة المخرج وذلك إمارة الحقيقة. وفي أنه مجاز من حيث الاقتصار تغير الشمول الذي وضع له صيغ العموم منطوقة أو مفهومة، لابن الحاجب لو كان حقيقة في الباقي لكان مشتركا ولكان كل مجاز حقيقة لأن

ظهوره في الباقي بالنظر إلى القرينة وكل مجاز كذلك، قلنا: لا نعلم الملازمة إما لأن إرادة الاستغراق باقية والمخصص بمنزلة بدل البعض وإرادة الباقي من مجموعهما كما في الاستثناء كأنه يقول لا تقتلوا من جميع المشركين أهل الذمة فلا يلزم الاشتراك وأما لأن الاشتراك أو المجاز أنما يلزم لو لم يكن إطلاقه على الباقي بالوضع الأول وهو ممنوع أما شخصيا فظاهر وأما نوعيا فلان الباقي ليس جزءًا ولا جزئيا معتبرًا خصوصه من حيث تناول مفهوم العام وأما من حيث عمومة فسلم وملتزم ومنه يعلم عدم لزوم كون كل مجاز حقيقة بالنظر إلى مفهوم اللفظ وإن وجد الوضع النوعي العلاقي، للرازى أن معنى العموم فيما لم ينحصر قلنا لا نعلم إذ المعتبر فيه عدم التعرض للانحصار لا التعرض لعدمه وذلك صادق ولوكان الباقي واحدًا وهذا جار في الصيغ منشؤه توهم أن النزاع في لفظ العام كما توهم لأبي الحسين لوكان المقيد بما لا يستقل مجازًا لكان الدال المركب مع شىء الموضوع بمعنى آخر مجازًا فيه كمسلمين والمسلم ولفظ الاستثناء في نصوص الأعداد فإن مجموع المستثنى والمستثنى منه والأداة موضوع لمعناه عندهم بيان اللزوم أن كلا صار يقيده الذي كالجزء لمعنى آخر بخلاف المستقل وحين صار العام مع المخصص شيئًا واحدًا عنده لم يكن العام بانفراده حقيقة ولا مجازا قلنا لا نعلم اللزوم فإن الدال في هذه الأمثلة مجموع المركب وليس فيها مقيد وقيد ولا ريب أن الاستثناء أيضًا كذلك إذا كان مجموع الثلاثة موضوعا لمعناه وليس العام المخصص مثلها، للقاضي - رحمه الله - مثله إلا أن التخصيص في الصفة ليس بها لجواز شمولها لأفراد الموصوف نحو الجسم الحادث والصانع القديم بل من قرينة خارجية عقلية أو حسية أو لفظية ليست جزءًا من الدال وهذا شأن المجاز والغاية والبدل كالصفة قد يشملان المغيا والمبدل. ولعبد الجبار مثل ما اتفقا عليه لكنه يفرق بين الشرط والاستثناء بأن الاستثناء يخرج من آحاد العموم والغاية في معناه فمعنى أكرم القوم إلا أن خرجوا أكرمهم في جميع الأوقات غلا وقت خروجهم، أما الشرط فيخرج من الحالات والوصف مع الموصوف كشيء واحد لأن الاستثناء عنده ليس بتخصيص لبقاء المستثنى منه على عمومه كما توهم لتصريحه في عمد الأدلة بأنه تخصيص ولأنه إذا لم يكن تخصيصا كان المستثنى منه حقيقة عنده مع أنه مجاز، قلنا: إخراج الحالات يستلزم إخراج الآحاد كما في الأوقات على أنه قد يجيء لصريح إخراج الآحاد نحو أكرم بني تميم إن كانوا من بني سعد وتمسك القائل بأن المخصص باللفظية حقيقة بمثل ما قالوا ضعيف إذ لا يعم المنفصل لعدم كونه كالجزء.

للإمام في أنه مجاز في الاقتصار كما ذكر وحقيقة في التناول ما لنا وزاد أن العام كتعداد إفراده بألفاظها الخاصة لقول أهل العربية إن وضعه للاختصار عنه فيكون المخصص كتعداد بعضها، قلنا: لا كونه كذلك في كل حكم وغرضهم بيان حكمة وضعه إذ المعدد استعمل كل منه في واحد نصا ولا نتغير ذلك بطرح البعض. وفيه بحث لأن ما تقرر عندهم من أن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع تشبيه من الطرف الآخر والتشابه بين الشيئين يقتضي المساواة والظاهر من مطلقها المساواة في أداء المقصود وذلك هو الباقي فيما نحن فيه ولا تغير في أدائه بطرح البعض إلا من حيث الاقتصار. الرابعة: في أن العام المخصص حجة ظنية فيما بقي كغير المخصص عند الشافعي سواء كان المخصوص معلوما كالمستأمن من المشركين أو مجهولا كأن يقال هذا العام مخصوص وكالربا من البيع إذا لم ينحصر في الأشياء الستة اتفاقا وكسارق ما دون ثمن المجن من آية السرقة، ولذا اختلف فيه وكمواضع الشبهة من نصوص الحدود، وقد اختلف في الشبه المعتبرة وهو المذهب عندنا ولذا استدل أبو حنيفة - رحمه الله - على فساد البيع بالشرط بنهيه عليه السلام عن بيع وشرط، وقد خص منه شرط الخيار وعلى الشفعة بالجوار بقوله عليه السلام: "الجار أحق بصقبه"، وقد خص منه وجود الشريك ومحمد على عدم جواز بيع العقار قبل القبض بنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يقبض (¬1) وقد خص منه بيع المهر والميراث وبذل الصلح قبله وخصصه أبو حنيفة - رحمه الله - بالقياس وفيه سبعة مذاهب أخر: 1 - للكرخي وأبي ثور ليس حجة مطلقا. 2 - ليس حجة إن كان المخصوص مجهولا وإلا فكما قبل التخصيص. 3 - كما قبله مطلقا؛ لأن المجهول يسقط نفسه. 4 - للبلخي حجة إن خص بمعلوم متصل وإلا فلا. 5 - لأبي عبد الله البصري أن أنباء لفظ العام قبله عن الباقي بعده بأن كان الباقي في غير مقيد إنباء المشرك عن الحربي بخلاف السارق عن سارق النصاب عن الحرز فجمعه وإلا فلا. 6 - لعبد الجبار إن لم يحتج قبله إلى بيان بأن كان ظاهرا كالمشرك في الذمي لا مجملا ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (5/ 312) ح (10461)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (38/ 4)، الطبراني في الأوسط (2/ 154) ح (1554).

كالصلاة في الحائض ولذلك بينه بقوله عليه السلام: "صلوا" الحديث فحجة وإلا فلا. 7 - حجة في أقل الجمع من اثنين أو ثلاثة على الرأيين وهذه الأربعة كالباقي متفقة في أن جهالة المخصوص قادحة في الحجية. لنا في حجيته أولا احتجاج الصحابة وغيرهم به حتى شاع ولم ينكر فكان إجماعا احتجاج فاطمة رضي الله عنها في ميراثها من أبيها على أبي بكر بعموم آية الميراث وقد خص مد صور الموانع فقرره وعدل إلى قوله عليه السلام "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" واحتجاجهم في الربا ولا حدود وغيرها مما مر. وثانيا: أنه كان متناولًا للباقي والأصل بقاء تناوله وهذان ينتهضان على الكل. وثالثا: على غير البصري وعبد الجبار أنه إذا قال أكرم بني تميم وأما بني سعد منهم فلا تكرم فترك إكرام غيرهم عد عاصيا فدل على ظهوره فيه، أما الاستدلال بأنه لو كانت إفادته للباقي موقوفة على إفادته للآخر لزم أما الدور أو التحكم فوقوع بأنه دور معية كما بين أبوة زيد وبنوة ابنه وقيام اللبنتين المتساندتين وليس ذا بمحال وفي ظنيته الإجماع على جواز تخصيصه بالقياس والآحاد والتخصيص بطريق المعارضة فهو أدنى من الآحاد وسره كونه غير محمول على ظاهره الذي كان وسببه أن جهالة المخصوص أو احتمال تعليله إلا عند الجبائي قدح فيه وتحقيقه كما مر أنه يشبه الاستثناء بحكمه من حيث بيانه عدم الدخول تحت الجملة أي من حيث أنه دافع لا رافع لاتصاله والناسخ بصيغته من حيث استقلالها المقتضي لكونه رافعًا لا دافعًا فلابد من العمل بالشبهين في المخصص المعلوم والمجهول. فالمجهول يوجب جهالة العام كهى في المستثنى أو سقوط نفسه كهى في الناسخ فلا يسقط العام الثابت بالشك ويدخله الشبهة الأول والمعلوم يوجب قطعية العام كهو في المستثنى الغير المحتمل للتعليل لكونه عدما أو جهالة فيما بقى لاحتمال تعليله من حيث استقلاله الناسخ فلا يسقط حجيته بالشك لكن يدخله شبهه للأمر الثاني وليس المراد تشبيهه بالناسخ في احتمال التعليل فإنه لا يحتمل التعليل لإخراج شيء من الأفراد الباقية بالقياس لأن الناسخ رافع فلو علل لكانت علته أيضًا رافعة ولن يصح رفع حكم النص بالقياس بخلاف التخصيص فإنه دافع والدفع بيان أنه لم يثبت والقياس يصلح له وهذا معنى أن النسخ بطريق المعارضة لا التخصص وعن ذا لزم فرق آخر أن العام فيما بقى من التخصيص ظني ومن النسخ قطعي واندفع الطعن في تعليل دليل الخصوص بأنه يشبه الناسخ أو الاستثناء وكلاهما لا يعلل إذ المخصص ليس رافعا ولا عدما.

نظائر الثلاثة من الفروع

نظائر الثلاثة من الفروع للاستئناء بيع الحر والعبد أو الحي والميت أو النحل والخمر أو الذكية والميتة ونحوها بثمن فإنه كبيع عبدين بألف إلا هذا بحصته منه حيث لم يدخل الحر في البيع سببه وحكمه ابتداء وبقاء ففسد لأمرين: 1 - كون البيع بالحصة ابتداء كبيع عبد بحصته من ألف موزع عليه وعلى آخر وذلك لايجوز بخلافه بقاء كما في نظير النسخ. 2 - الشرط المخالف لمقتضى العقد وهو صيرورة ما ليس بمبيع شرطا لقبول المبيع كبيع الحر والعبد صفقة بثمنين فاسد عنده خلافا لهما وللنسخ بيع عبدين وبألف وموت أحدهما قبل التسليم حيث دخل البيت تحت البيع ثم ارتفع فلم يفسد بيع الآخر؛ لأن كونه بيعا بالحصة بقائي والجهالة الطارية لا تفسد وكذا لوكان أحدهما مدبرًا أو مكاتبًا أو أم ولد فإن الدخول في العقد باعتبار الرق والتقوم الموجودين فيهم. ولذا جاز بيعهم من أنفسهم ونفذ القضاء ببيع المدبر مطلقا وأم الولد إلا عند محمَّد - رحمه الله - وجاز بيع المكاتب من غيره أيضًا برضاه في أصح الروايتين فامتناع الحكم بقائي لاستحقاقهم أنفسهم كاستحقاق الغير وللتخصيص بيع عبدين بثمن مع الخيار في أحدهما فإنه لكون الخيار مؤثرا في الحكم دون السبب تيسيرًا لأمر الخطر يشبه النسخ من حيث دخوله في السبب وتصح الصور الأربع من هذه الجهة لأن البيع بالحصة بقائي ويشبه الاستثناء من حيث دخوله في الحكم ولا يصح شيء منها من تلك الجهة لكون غير المبيع شرطا لقبوله فيما علم محل الخيار وثمنه وله وللجهالة في الثلاثة الباقية ولابد من العمل بالشبهين فصح إن علمًا بشبه النسخ لعدم إفضائه إلى المنازعة ولم يعتبر اشتراط الفاسد بخلاف بيع الحر والعبد في صفقة بثمنين عنده؛ لأنه مبيع يشبه النسخ وهو اعتبار السبب وفسد إن جهل أحدهما أو كلاهما يشبه الاستثناء لإفضائه إليها. للكرخي أن دليل الخصوص مجهولًا يوجب الجهالة كالاستثناء ومعلوما يحتمل التعليل لاستقلاله فلا يدرى قدر الباقي بخلاف الاستثناء وفيه ترك لأحد الشبهين في كل من الشقين وإبطال لليقين بالشك فيهما ولا أن التعليل يوجب الجهالة إذ ما وجد فيه العلة يخص وما لا فلا وللثاني أنه كالاستثناء، وللثالث أنه كالنسخ في كل منهما ترك لأحد الشبهين على التكافؤ ولا يخفى وجوه الأقوال الآخر وأجوبتها مما مر، نعم لمنكري حجيته وجه كلي هو أن ليس بعد الحقيقة دليل على تعين أحد المجازات والمجمل ليس حجة بدون البيان ولمعين أقل الجمع أنه المتيقن.

المقام الثاني في ألفاظ العموم

قلنا: لعدم التعين الشك في الباقي لما مر من أدلة الظهور. المقام الثاني في ألفاظ العموم وفيه مباحث: الأول: في تقسيمها هي قسمان عام بصيغة ومعناه وهو مجموع اللفظ متناول المعنى تناول دلالة لا احتمال أو مستغرقه كان له واحد من لفظ كالرجال أو لا كالنساء وعام بمعناه فقط وهو مفرد اللفظ ومتناول المعنى أو مستغرقه، إما للمجموع من حيث هو بمنزلة الجمع كالرهط والقوم والجن الإنس والجميع أو لكل واحد على الشمول أو على البدل فقوله الرهط الذي يدخل الحصن كالرجال يوجب للجميع نفلا واحدا لا لواحد المنفرد ومن دخل لكل داخل منفرد ومجتمع ومن دخل أولا لكل منفرد سابق لا للآخرين ولا وجود للعام بصيغته فقط إذ لا عموم حين إذ. الثاني: أن الأوليين أعنى الجمع وما في معناه اسم للثلاثة فصاعدا للاعتبار الاجتماع أو الاستغراق ولا يطلق على ما دونهما إلا مجازا لأن أقل الجمع ثلاثة فلو حلف لا يتزوج نساء لا يحنث بامرأتين وعند البعض يصح لاثنين حقيقة وقال الإِمام يصح لاثنين وواحد بأن أراد مجازا فذلك وإلا ففاسد النزاع في نحو رجال ومسلمين وضربوا وأضربوا لا لفظ (ج م ع) ولا في نحو نحن فعلنا {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، لنا: في أنه ليس حقيقة فيما دون الثلاثة أو لا مبادرة الذهن عند سماعها إلى الزائد على الاثنين. وثانيا: إجماع أهل اللغة في اختلاف صيغِ الواحد والثلاثة والجمع وفي أنه يصح مجازا إطلاقه على الاثنين في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، وعلى الواحد في قوله تعالى {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173]، وفيه بحث سيجيء، وفيهما قول ابن عباس لعثمان رض الله عنهما ليس الإخوان إخوة في لسان قومك فقال: لا انقض أمرا قبلى وتوارثه الناس فقرره وعدل إلى الإجماع على خلاف الظاهر، أما أن للاثنين حكم الجمع في الإرث استحقاقا وحجيا والوصية إجماعا في الكل واستدلالا بالآية في استحقاق الإرث وإلحاقا للآخرين به فليس من إطلاق اللفظ في شيء. لمدعي الحقيقة في الاثنين أو فيه وفي واحد: أولًا: الإخوة والناس والأصل الحقيقة. وثانيا: مستمعون في {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15]، والمراد موسى وهارون. وثالثا: قوله عليه السلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" فيطلق ما وضع للجماعة عليهما ولا ينافيه أن ليس النزاع في (ج م ع) كما توهم.

ورابعا: أن في المثنى اجتماعا قلنا الأدلة السالفة اقتضت ارتكاب الحمل على الجماعة الشرعية المعتبرة في سنة تقدم الإمام أو حصول فضيلتها وتكمل بالإمام في غير الجمعة وبثلاثة سواء فيها والفرق أن كلا من الإِمام والجماعة شرط في أدائها فلم يعتبر مع الآخر بخلاف سائر الصلوات لا على اللغوية التي فيها النزاع؛ لأنه عليه السلام بعث لتعليم الشرع أو على اجتماع الرفقة بعد قوة الإِسلام كما في قوله عليه السلام: "الواحد شيطان والاثنان شيطانان والجماعة ركب" (¬1) وسره تحقق الاتفاق في اجتماع الثلاثة لاندفاع تعارض الفردين بالثالث، ولذا جعل الثلاثة في الشرع حدا في إبلاء الأعذار كما في الأسئلة الثلاثة لموسى علية السلام ومدة السفر ومسح المسافر وخيار الشر وغيرها وتسمية الدال على ما فوق الاثنين جمعا للاجتماع لا يقتضي تسمية كل ما فيه اجتماع به كالقارورة. لنا: في المجازية أيضًا قول ابن عباس - رضي الله عنه - ليس الأخوان إخوة وأنه لا يجوز رجلان عالمون ورجال عالمان. قلنا: الأول معارض بقول زيد الأخوان إخوة فالتحقيق نفي الحقيقة واثبات المجاز. والثاني: ممنوع لزومه إذْ ربما أوجبوا مراعاة صورة اللفظ والمعنى به أن يكون في كلا الصفة والموصوف أشعار بالاثنينية، أو ما فوقها فلا يعد فيه بناء على جواز زيد وبكر وعمر والعالمون كما توهم، ويؤيده ما يقرر أن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع أو ممنوع بطلان لازمه أن لم يجب تلك المراعاة. الثالث: أن الأولين إذا دخلهما لام الجنس وإضافته يطلق على الواحد مجازًا حيث يحنث في لا يتزوج النهياء ولا يكلم بني آدم بالواحد ولو أوصي بشيء لزيد وللفقراء نصف إذا لم يرد العهد أو الاستغراق المجموعي كالمفرد العرف بلام الجنس فيقع على الأدنى ويحتمل الكل مع النية وحينئذ يعم عموم المفرد كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: 76]، ويخص خصوصه وهذا لا ينافي ما قال أهل العربية أن متناول الجمع الغير المعهود مستغرقا جميع جمل الجنس لا وحدانة ولا مستغرقا جملة واحدة إذ أفراد الجمع الجمل وإذ فيه رعاية صيغة الجمع ومعناه فإن وضعها للحقيقة المتعددة لا لمطلق الحقيقة وفرعوا عليه أن استغراق المفرد أشمل في الإيجاب والسلب فالكتاب والملك أعم من الكتب والملائكة وأنه في المقام ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 112) ح (2496)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 536) ح (33643).

الخطابي يحمل على جميع الأفراد بجعل كل فرد درجا في جملة وفي الاستدلالي على الثلاثة وذلك لأن كلامهم بناء على حقيقة فيجوز العدول عنه عند التجوز، ويدل على صحته ووقوعه النص والعرف والدليل، أما النص والعرف فنحو {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]، والخيل والبغال والحمير ونحو فلان يحب النساء ويخالط النساء وقوله لمريده البروزا تتبرجين للرجال وأما الدليل فلأنا لو بقيناه جمعًا لغي تعريف الجنس أصلًا للمنافاة بين إرادة الحقيقة من حيث هي وإرادة أفراد المفرد الواجبة في الجمع ولو جعلناه لجنس الفرد مجازا عملنا بالجمعية من وجه لأن إرادة أفراد المفرد محتمله فيه وإن لم يكن واجبه وأعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إهمال أحدهما أو لأن الجمعية تقتضي التعدد ورفع الإبهام فبينهما منافاة أما الجنس فهو لمعرف من بين الأجناس الجامع لأفراده كما سيجيء، لا يقال في تبقية الجمع أعمال للحقيقتين معا من كل وجه، لأن جنسية الجمع في تناول الجمل تناول احتمال كما أن عهديته في اختصاصه بجملة واستغراقه في تناولها تناول دلالة، وأيضًا لو تم هذا لم يكن جمع ما عرف بلام الجنس مستعملا في حقيقته وهو باطل لغة لتنصيص أئمتها وشرعا بحمله على الثلاثة في خالعنى على ما في يدي من الدراهم والعشرة في لا أكلمه الأيام والشهور عند أبي حنيفة رضي الله عنه والجمعة والسنة عندهما لأنا نقول وضع الجمع للمتعدد من حيث أنه أفراد جنس المفرد لا من حيث هو إفراد الجمع ولذا لو أريد بمنكره المجموع أو الثلاثة فقط صح ولا من حيث هو متعدد مطلقا بخلاف ألفاظ العدد ولذا صح إرادة الواحد في إن تزوجت النهياء لا في ثلاث نسوة أو الثلاث منها، وإذا وجب بحسب وضعه ملاحظة الجنسية في مفهوم مرده والفردية في مفهوم نفسه لم يناسب اعتبار جنسية أخرى في تناول الجمل كيفا وصدقه على جميع الجمل إن علم هو من حيث هي جملة واحدة أما العهد والاستغراق فيلائمان وضعه لأن الملاحظ فيهما الفردية لا الجنسية فالله در علمائنا في تدقيق الأنظار وتحقيق الأسرار وهذا يقتضى أولوية الحمل على المجاز مع لام الجنس لا مطلقا كما يؤيد أشهرية استعماله في الكتاب والسنة وغيرهما ولا يقتضى نفي الحقيقة لجوازيتها فإنها شأن الحقيقة المكثورة واللام في المسائل المذكورة ليست للجنس بل للعهد الخارجي الحقيقى لما تقدمه من قال في مسألة الخلع والتقديري في الأخرين، وذلك أيام الجمعة وشهور السنة عندهما لثلاثة فصاعدا إلى العشرة عنده لأن مميز ما فوقها مفرد وقالت الشافعية قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، يقتضى أخذ الصدقة من كل نوع من أنواع أموالهم ولا يكفي أخذ واحدة من جملتها وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، الآية

يقتضي صرفها إلى ثلاثة من كل نوع ولا يكفي الصرف إلى واحد من الجملة. أما الأول: فلأن المال من اسم الجنس الذي يطلق على القليل والكثير كالماء والعلم وقد يسمى جنسا ومثله إذا جمع يراد به الأنواع لا الأفراد ولذا، قال في الكشاف في جمع العالمين ليتناول كل جنس ما سمي به ومعنى العموم تناول كل واحد من الجزئيات المرادة فعموم مثله تناول كل نوع. وأما الثاني: فلأن الفقير مما لا يطلق على الكثير كالرجل وجزئيات جمعه الجمل لا آحاد الفقير وحين لم يصح الاستغراق مرادا حمل على الجنس وإرادة جزئي من جزئيات الجنس هو أقل ما يطلق عليه لأن الأصل براءة الذمة وهو ثلاثة من كل صنف كما لو أوصي لهم. قلنا فيهما بحث من وجوه: 1 - أن عموم الجمع استغراق عندهم استغراق مراتب المجموع فإذا أريد بالأموال أنواعه يكون المراد حمل الأنواع التي أقلها ثلاثة فلا يجب الأخذ من كل نوع ولا من جميع الأنواع بل من كلا ثلاثة أنواع مثلا ولا قائل به وهو المراد بأن استغراق كل واحد أي نوعي أمر زائد على عموم الجمع، قيل: لما اشتمل كل نوع على الآحاد وجد استغراق الجمل قلنا لا بد من استغراق جمل وفرد الجمع وهو النوع حينئذ والحق أن مرادهم بقصد الأنواع المختلفة قصد أفراد تلك احترزا عن قصد أفراد نوع واحد فالاستغراق إن علم هو لجمل الأفراد وإن كان باعتبار الأنواع لا لجمل الأنواع فضلا عن كل نوع. 2 - أن تناول الجمع المعرف بلام الجنس للجمل حقيقة مكثورة علمًا وشرعًا كما مر، فيحمل على جني المفرد لأن بين الجمعية وجنسيتها تنافيًا لا على الجميع إذْ من الأموال ما لم تجب فيه الصدقة إجماعا غير أنه مجمل في مقدار الصدقة ومقدار ما فيه الصدقة فبينتها السنة وكذا في المصارف لامتناع الصرف إلى الجميع فيحمل على جنس المفرد فلا يجب أكثر من أقل ما ينطلق عليه الجنس وهو الواحد، ثم الزكاة حق الله تعالى والآية لبيان علة الصرف وهي الفقر وإن اختلف جهاته فعند تحققها يحصل المقصود ولو في صنف واحد لا للاستحقاق بخلاف الوصية. 3 - ما مر أن عموم الجمع استغراق الجميع ولذا فرق بين للرجال عندي درهم ولكل رجل فألزم في الأول واحد وفي الثاني دراهم بعدة الرجال، وكذا بين للرجال الداخلين الحصين ولكل رجل فلئن سلم أنه للاستغراق لا يقتضي الأخذ من كل نوع ولا من كل

فرد فيحتاج إلى تخصيص القليل أو بعض الأنواع بالإجماع. فروع مرتبة على أصول ممهدة: فالأصول أن حقيقة اللفظ لغوية كانت كالواحد في لا أشرب الماء، أو عرفيه وشرعية كهو في الجمع المعرف لما مر من أولويته عند عدم العهد والاستغراق أن ثبتت بلا نية فنيتها تصدق ديانة وفضاء، وأن كان حقيقة لا تثبت بلا نية فكذا خلافا لأبي قاسم الصفار فإنها عنده كالمجاز أي إن كان فيه تغليظ يصدق فيهما وإلا فديانة فقط أمانيه ما لا يحتمله ومجازا فلا تصدق أصلًا. والفروع أنه ينحث هذه المسائل عند تعريف الجنس بالواحد بلا نية إذ لا عهد ولا دليل على الاستغراق المجموعي بل على عدمه وهو أن هذا اليمين للمنع والظاهر أن لا يمنع إلا ما يكمن، وتزوج جميع النساء غير ممكن كما في {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، بخلاف {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، فإنه عندنا لسلب العموم لا لعموم السلب كما ظنت المعتزلة لامتناعه عندهم إذ لا تمدح به بل بتخصيصه بعد الإمكان بالخواص أو بنفي الإحاطة حملا للإدراك على الرؤية الخاصة فإن نوى الكل يصدق قضاء وديانة ذكره شمس الأئمة ولا قضاء عند أبي القاسم وقيل لا ينعقد عند إرادة الكل لعدم التصور كما في لا شربن الماء في الكوز ولا ماء فيه وهو فاسد لأن البر ها هنا عدم التزوج مثلا وهو متصور فينعقد في لا أتزوج وفي أن تزوجت بخلاف لأتزوجن وإن لم أتزوج والمنكر نحو لا يتزوج نساء على الثلاثة عند تعذر الكل لعدم الجنسية فإن نوي الزيادة ينوي فيهما لأنها موجبة وكذا إن نوي الواحدة يصدق فيهما اتفاقا لأنها محتمل فيه تغليظ، إلا عندنا في المجازية أيضًا إذ لا يحتملها عنده كما في ثلاث نسوة ولا يصدق نية المثني أصلًا لا في المعرف ولا في المنكر إذ شأن العام أن لا يتعرض للعد المحض بل للذات مع صفة العموم أو الخصوص فلا يحتملانه كما إذا حلف لا يشرب ماء البحر حنث بشرب قطرة وله نية الكل لا نية الرطل منه. الرابع: أن الجمع المنكر عام يصح التمسك بعمومه عند المتأخرين من مشايخنا المكتفين بالاجتماع وعند المشترطين للاستغراق ليس من صيغ العموم إلا عند الجبائي، لنا أنه مع جواز صدقه على جميع الأفراد ضر به حقيقة بخلاف المفرد المنكر لو حمل على بعض مراتب المجموع لكان تحكما كما قال أئمة العربية في الجمع العرف في المقام الخطابي وكلا منافيه إذ المقصود تحصيل الظن، قيل التحكم في الحمل على عدم الجميع لا في عدم الحمل على الجميع، فإن حكم بعدم صلوحه له جاء التخصيص وإن حكم

بصلوحه له حقيقة كان حمله عليه أولى لاندراج سائر الحقائق التي نسبة الحقيقة إليها على السوية تحته ولا يعارض ذلك بأن أقل ما ينطلق عليه متيقن لأن طلب التيقن في المقام الاستدلالي كالإقرار، وكلامنا في الخطابي مع أن تيقن الأقل يعارضه الاحتياط في الكل بل التحقيق إن وجب حمله على الكل ما لم يصرف صارف لأن كون نسبة مفهوم الجمع إلى جميع أفراده على السوية يقتضي أن يتعلق حكمه بجميع أفراده وليس ذلك إلا بالحمل على فرد يندرج سائر أفراده تحته وليس للمفرد ذلك لفرد إلا في الجنس، وسيجيء مثله فيه ومجرد كون الأصل براءة الذمة لا يعارض الظاهر إجماعا وإلا لم يثبت بالظاهر شيء، أما وقوعه على الثلاثة في نحو أن اشتريت عبيدا فلأن عدم الإمكان صارف عن الكل وبعد الكل لا يتخطى عن القليل بلا دليل والفرق بين جمع القلة والكثرة للنحاة فإن مرمى غرضنا المراد العرفي لا اللغوي يدل عليه مسائل الوصية والإقرار كاعتقوا عبيدًا ولفلان دراهم يحمل على ثلاثة مع أنهما جمع كثرة وما يقال من أن جميع الأفراد ليس عاما بالمعنى المتنازع فيه ممنوع لما مر أن المعتبر مسميات معروض العموم وهو مفهوم المفرد لا مسميات نفس العموم ولا المجموع وإلا لم يكن كل إنسان ونحو من ما عاما إذ لا يصدق باعتبار عمومها على فرد واحد قالوا رجال في صلوحه لكل عدد فوق الاثنين كرجل بين الوحدان وإذ لو فسر بالثلاثة صح اتفاقا قلنا قد وضح الفرق والتفسير قرينة العدول عن الظاهر. الخامس: في صيغ نفس العموم منها تعريفا اللام والإضافة في المفرد والجمع والأصل فيهما عند الأصوليين العهد إما خارجيا حقيقيا نحو جاءني رجل إن كلمت الرجل أو تقديريا نحو إن كلمت الأمير إذا لم يكن في البلد إلا أمير واحد وإما ذهنيا نحو إن كلمت اللئيم يسبني ثم الاستغراق عند جمهورهم حقيقيا كان نحو {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر: 2]، أو عرفيًّا نحو لئن جمع الأمير الصاغة، ثم تعريف الجنس لأن الإقدام في هذا الترتيب أفيد والإفادة أولى من الإعادة وعند أئمة العربية الأصل تعريف الجنس لأن وضعهما للإشارة إلى مفهوم ما دخلا عليه والعهد والاستغراق مجموعيا في الجمع وأفراديا في لمفرد إلا إذا تعذر الحمل وهو مذهب جمهورهم فيقع على الكل ويحتمل الأقل مجازا أو حقيقة على الخلاف وإذا تعذر يحمل على الجنس وعند أئمة اللغة وبعضهم على الجنس مطلقا إلا أن حكم الجنس أيضًا عند الأوليين أن يقع على الكل غلا عند تعذره فيقع على الأقل ويحمل الكل مع النية. وعلى المذهب الأخير حكم الجنس أن يقع على الأقل ويحتمل الكل وإن كان حقيقة

فيهما وهو مذهب فخر الإسلام وأبي زيد الدبوسي مع اتفاق الأصوليين في صحة العموم ولذا اتفقوا على أن شيئًا من أصناف الجنس نحو لا أشرب ماء أو الماء أو ماء البحر أو مياه البحر أو المياه، لا يحتمل ما بين القطرة والكل أصلا كالقطرتين الرطل لما مر أن شأن العام أن لا يتعرض للعدد المحض بل للذات والصفة والتحقيق أن لا خلاف في أن للمعرف لا للعهد صحة العموم كان مفردا أو جمعا مجازا عنه ولا في أن للمقام مدخلا في كونه للعموم أما الأول فلصحة الاستثناء نحو أن الإنسان الآية وضربي زيدا إلا في وقت قيامه، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ} [النور: 4، 5]، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ} [الحجر: 42]، الآية وقد استدل على عموم الجمع المعرف بأن تعريفه حين لا عهد لا يكون للماهية لأنه جمع ولا أولوية لبعض الأفراد وعليه نقض إجمالي بالجمع المنكر مع أنه قائل بعدم عمومه وتفصيلي في أنه لا يكون للماهية في نحو {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8]، ولئن كان مجازا فالمجاز المشتهر أفيد للظهور الذي له نجهد كل الجهد. وأما الثاني فلوجوب عدم قرنية العهد وصلاحيته للعموم بل الخلاف في أن الجمهور تجعل العموم أصلًا في الجنس الحقيقى والمجازي وعند تعذره يصرفه إلى الأدنى بلانية اتفاقا لا إلى الكل إلا بها أما عند فخر الإِسلام ومن تبعه فلأن الجنس أوالى ومن الجنس الواحد الحقيقي أعلى وأما عند الجمهور فلظاهر الصارف عن الكل وهو كون المنع باليمين عما هو ممكن وها هنا لا إمكان في الكل اللغوي، ولو في الطلاق ومن أمثلته المرأة التي أتزوجها طالق لأن تعليق الحكم بالمبهم المعين بالوصف العام يفيد تعليقه بذلك الوصف وذلك يصح عندنا بخلاف هذه المرأة فإن تعريفها بأبلغ جهته لا بالوصف فيتنجز إن كانت مملوكة وكذا نظائره. ومنها: كل وكلما والجميع وما في معناه فكل لإحاطة الأفراد على الأفراد فيما أضيف إليه المحقق أو المعذور بأن يعتبر كل فرد كان ليس معه غيره فالمحقق نحو {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، والمقدر نحو {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]، لكن بحسب المفهوم سواء لم يوجد في الوجود ما يصدق عليه نحو كل عنقاء طائر أو يوجد فرد واحد نحو كل من دخل هذا الحصن أولا وقد دخلوا فرادى أو متعدد كهو وقد دخلوا معًا حيث يستحق كل نفلًا موصولًا كان من أو موصوفًا كما سيظهر لأن الأول الحقيقي وهو الفرد السابق على غيره لما لم يوجد بخلاف المسألة السابقة حمل على الاعتباري وهو المعتبر كأن ليس معه غيره السابق على المتخلف الداخل بعد ولو قال ها هنا من دخل أو لا بطل النفل والفرق أمران:

1 - اقتضاء الكل أفراد الأفراد على المعنى المذكور وعدم اقتضاء من فلم يوجد الأول وبه يفارق جميع من دخل لولا فإن النفل للجميع لاقتضائه اجتماع الأفراد. 2 - اقتضاء لفظه الكل تعدد من دخل أولا وقد أمكن فلابد من حمل الأول على ذلك لو الجميع لإحاطة الأفراد على الاجتماع لكونه مثبتًا عنه فلذا قالوا أجمعون في قوله تعالى {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)} [الحجر: 30]، لمنع التفرق هذا حقيقتها وإن استعمل كل منهما لمعنَى الآخر مجازا فالكل له في المجموعى نحو كل الناس يحمل ألف من وليس الكل الواقع في حيز النفي المراد به نفى الشمول من هذا بل مستعمل في حقيقته غير أن صدق سلب الإيجاب على الكل تارة بالسلب الكلي وأخري بالسلب عن البعض مع الإيجاب للبعض الآخر وأيا كان فالسلب الجزئي لازم ولذا جعل سورة قالوا إذا دخل على النكرة أوجب عموم الأفراد وعلى المعرفة عموم الإجزاء فكل رمان مأكولٌ صادقٌ وكل الرمان كاذب فحمل الثاني على الكل المجموعي، وفيه بحث لانتفاضة بحديث ذي اليدين حيث رد كل مالك لم يكن بقوله بعض ذلك قد كان وبقوله عيه السلام "الناس كلهم هلكى إلا العالمون" وكذا كل ما يقع تأكيدا وبقوله نبا كله لم أصنع. ولأن المراد في كل الرمان مأكول لو كان الكل المجموعى لم يكن كاذبا كما يصدق بنو تيمم يقري الضيف ويحمي الحريم فإن الثابت للبعض ثابت للمجموع من حيث هو حقيقته كما في فرض الكفاية بخلاف كل إنسان يشبعه رغيف والتحقيق أن بين معنيي الكل عمومًا من وجه فيصدق الإفرادي فيما يحكم به من حيث الانفراد المجموعى فيما يحكم به بالاعتبارين فرادهم والله تعالى أعلم وهو استحقاق السابق النفل واحدا كان أو جمعا فبعمومه يتناول استحقاق الكل مجتمعين واستحقاق الأول متعقبين وذلك بدلالة التشجيع فإنه إذا تعلق بأولية الجمع فبأولية الواحد بالأولى ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لا في الوجود ولا في الإدارة أما عدم استحقاق كل واحد تمام النفل فلعدم دليله وليس يكفى فيه التمسك بدلالة النص كما ظن لأن المفهوم بها لا يبطن حقيقة المنطوق أبطال الانفراد بحقيقة الجميع وأما كلما فلعموم الأفعال نحو {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56]، فكل امرأة أتزوجها طالق يعم الأعيان فلا يحنث لو تزوجها بعينها ثانية وكلما تزوجت الأفعال فيحنث وإن تزوجها بعد الزوج الآخر بخلاف كلما دخلت الدار لأن التعليق بغير التزوج يقتض وجود الملك عند اليمين فلا يتجاوز طلقاته وكذا نظائره من كل عبد اشتريته، وكلما اشتريت عبدا والحكم على كل وجميع بأنهما محكمان في العموم ينافيه جواز تخصيصهما واستعارتهما مطلقا واستعمالهما للواحد مجازا كما مر

مثالهما ومنه ما في القضايا المنحرفة، ومنها وقوع النكرة في سياق النفي وما بمعناه من النهي والاستفهام والشرط المثبت من حيث هو ممنوع باليمين والمنفط بالعكس أما عمومها في سياق النفط فلانها لفرد مبهم وفي نفيه نفي جميع الأفراد ضرورة ولذا صار لا إله إلا الله كلمة توحيد بالإجماع لنفيه وجود كل معبود بحق غير الذات المعين المسمى بالله وصار قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وإنه إيجاب جزئي ردا لقولهم ما أنزل الله على بشر من شيء فلولا أنه سلب كلي لما رده لكن فيه تفصيل وهو أن عمومها إذا أريد نفي الجنس أما صيغة نحو لا رجل بالفتح أو دلالة نحو ما من رجل أو استعمالا نحو ما فيها أحد أو ديار أو إرادة نحو ما جاءني رجل إذْ لو أريد ما جاءني رجل واحدًا نصب النفي على قيد الوحدة كما في ما جاءني رجل كوفي فلا ينافيه مجيء رجلين أو أكثر ومبناه أن اسم الجنس حامل لمعنى الجنسية والوحدة أو العدد فربما يقصد بذكره الأول نحو {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]، وربما الثاني نحو {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51]، فالأوصاف مبنية للقصد فيعم فيَ الأول لأن انتفاء الجنس يستلزم انتفاء كل فرد ويخص في الثاني فالثلاثة الأول نصوص في العموم والرابع محتمل كما علم في الفرق بين قراءتي {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، بالفتح والرفع أن الأولى توجب الاستغراق والثانية تجوزه والمساوي للجنس الفرد المنتشر المطلق لا المقيد بالوحدة، ومثله النهى بعينه وأما في الاستفهام فإذا كان للإنكار نحو {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]، وأما في الشرط المثبت فخاص بصورته مطلقا وعام بمعناه أن قصد المنع عنه نحو أن ضربت رجلا فعبدي حر إذْ معناه لا أضرب رجلا أما أن قصد الحمل عليه نحو إن قتلت حريصا ذلك من النفل كذا فخاص والمنفي بالعكس نحو إن لم أضرب فاسقا وإن لم تقتل مسلما فقد نجوت من القصاص. ومنها وصفها بصفة عامة معممة نحوية كانت أو معنوية فالعامة أي بالعموم المنطقي احتراز عن نحو دخول هذه الدار اليوم متوحدا قبل كل أحد والمعممة احتراز عما لم يصلح أن يقصد عليتها لترتب الحكم على موصوفها أو صلح لكن وجد دليل الأعراض عن قصد الوصف بها وإن لزم فإن تعميم الوصف بقصد العلية والترتيب على الموصوف بالمشتق كالترتيب عليه وإلا فالنكرة الموصوفة مقيد، وهو من أقسام الخاص والمراد عمومها بالنسبة إليها قبل الوصف في ذلك المحل ولها أمثلة: 1 - ما يصلح وقوعها مبتدأً أو شيئًا في حكمه بسبب تعميم الصفة حيث جعلها في تأويل هذا الجنس نحو {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221]، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ

وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 263]، بخلاف رجل مجهول النسب مات فإنه لا يصلح بذلك للمبتدأ إليه ذكره محققوا النحاة لأن تلك الصفة لا تصلح علة للموت بخلاف الإيمان والمعروفية للخيرية وقد يكفي صلوح عليه الأخبار كالعلم في رجل عالم جاعني والنكارة في رجل بالباب. 2 - ما وقع في محل الإباحة لذلك الوصف نحو لا أكلم إلا رجلا كوفيا ولا أتزوج إلا امرأة حجازية ولا أقربكما إلا يومًا أقربكما فيه فلا إيلاء لعدم علامته وهو عدم إمكان القربان بدون لزوم شيء نعم لو قربهما في يومين متفرقين حنث ولو قال إلا يوما لم يصر موليا إلا بعد غروب الشمس من يوم قربهما فيه. 3 - أي إذا قصد وصفة بتلك الصفة فإنها الفرد منهم مما يضاف إليه يعينه الوصف المقصود عليته للحكم المترتب عليه فيتعمم بعمومه واحدا كان نحو أي عبدي ضربك أو متعددا نحو أي عبيدي ضربك وشتمك قصد انفراد كل بالاتصاف نحو ايتهم حمل هذه الخشية وهي يحملها واحد بدلالة إظهار الجلادة فلو اجتمعوا لم يعتقوا أو أطلق كما إذا لم يحملها واحد فيعتقون بالحمل جميعا وفرادى لأن المقصود محمولية هذه الخشبة هنا والوصف في الكل علة العتق وهذا معنى التعليل بوقوعه في موضع الشرط بخلاف أي عبيدي ضربته أو وطئته دابتك أو دابة زيد فهو حر حيث لا يعتق إلا واحد إذ صار قطع الإسناد عنه مع إمكانه إليه بلا واسطة بخلاف مسألة الايلاء دليل الأعراض عن قصد الوصف بذلك إذ الوصف للفاعل لأنه العلة لا المحل لأنه الشرط وأن لزم وصفه بالمضروبية مثلا فإنها يثبت ضرورة تعدي الفعل لا قصدا فيتقدر بقدرها ولا يظهر أثره في التعميم لا سيما عند قطعه إلى المخاطب إذ يقصد فيه لخير المخاطب عرفا كما في كل أي خبر تريد حيث لا يتمكن إلا من أكل خبز واحد بخلاف أيما أهاب دبغ فقد طهر فإن ضربهم المخاطب مرتبا عتق الأول لعد المزاحم وإلا فواجد منهم، وتعينه إلى المولي لأن العتق ملتقى من جهته وكذا نظائرها من نحو أي نسائي كلمتك أو كلمتها أو شاءت أو شئت طلاقها أو أي عبيدي. تذنيبان: الأول: النكرة عند عدم الدلائل المذكورة لا لفظا ولا تقديرا كما لني قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]، مطلقة خاصة لأنها فرد صيغة ومعنى لا عامة خلافا للشافعى -رحمه الله- له أولا تناولها للمقيدات كالصحيحة والزمنة وغيرهما. وثانيا: تخصيص الزمنة والعمياء والمجنونة والمدبرة وغير المملوكة بالإجماع.

وثالثا: بالإجماع الاستثناء نحو اعتق رقبة إلا كافرة وإذا كانت عامة صح تخصيص الكافرة منها بالقياس على كفارة القتل قلنا تناولها تناول احتمال لا دلالة إذ تعرضه للذات لا لصفات، لا بالنفى ولا بالإثبات وإخراج لمذكورات ليس تخصيصا بل لأن اللفظ لا يتناولها لأن التحرير يقتض الملك لقوله عليه السلام لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وأطلاقه كما له البينة إذا الكامل هو الموجود مطلقا والناقص هالك من وجه فلا يتناول الزمنة وغيرها والاستثناء منقطع فلا يدل على العموم أو مفرغ فالعام مقدر، الثاني أن الإعادة بالمعرفة تقتضي الاتحاد سواء كانت لنكره أو معرفة لأن ظاهرها العهد حينئذ وبالنكرة التغاير وإلا لعهدت فلا يعدل عن الأصول الأربعة إلا لمانع كما تغايرتا في قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنعام: 92]، إلى قوله {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ} [الأنعام: 156]، وفي {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48]، للتقدم والتأخر واتحدتا في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، وفي {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110]، لدليل الوحدانية قيل وذلك معنى قول ابن عباس وهو رواية ابن مسعود عن النبي عليه السلام "لن يغلب عسر يسرين" ونظم في قوله. إذا أصبحت مغموما ففكر في {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، فعسر بين يسرين إذا فكرته فافرح. ونظر فخر الإِسلام - رحمه الله - في القاعدة فإنه مذهب أهل البصرة والكوفة بل في المثال لأن الثانية تأكيد لا تأسيس والقاعدة فإنه مذهب أهل البصرة والكوفة بل في المثال لأن الثانية تأكيد لا تأسيس والقاعدة ممهدة فيه ومثله {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15]، {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34، 35]. ومن فروعها أن الإقرار بألف مقيد بصك حين أدار الصك على الشهود مرتين يوجب ألفا وكذا منكر في مجلس واحد على تخريج الكرخي لكونه جامعا للمتفرقات أما في مجلسين فالفين عند أبي حنيفة بشرط مغايرة الشاهدين الآخرين في رواية وبشرط عدم مغايرتهما في أخرى إذ هو كما كتب بكل ألف صكا وأشهد على كل صك شاهدين وألفا عندهما لدلالة العرف على أن يكون إلا قرار لتأكيد الحق بتكثير الشهود وأما إقراره مقيدا أو لا ومنكرا ثانيًا أو بالعكس وقد اختلف المجلس فلا رواية فيهما وينبغي أن يجب في الأول ألفان عنده وفي الثاني ألف اتفاقًا فالصور لفان ستة اتفاقية واثنتان خلافيتان. السادس: في صيغ العموم مع الماهية منها ما وهو شرطية واستفهامية عام قطعا

وموصولة وموصوفة يحتمل العموم والخصوص لاشتراكهما بين الواحد والتثنية والجمع نحو من يستمعون ومن ينظر وليس افرد الضمير مقتضيا للخصوص لجواز أن يكون للفظه ولا جمعه دليل العموم إلا عند من يكتفي بانتظام جمع من المسميات فعمومه من المسائل فيما قال من شاء من عبيدي عتقه فهو حر فشاؤا عتقوا فقالا وكذا من شئت من عبيدي عتقه فشاء الكل لأن من بعد المهم لبيانه كما في خالعني على ما في يدي من الدراهم وقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30]، والإسناد إلى الخاطب غير مانع من عمومه كما في فأذن لمن منهم وترجي من تشاء منهن وقال أبو حنيفة رضي الله عنه أصل من التبعيض لأن استعمالها فيه أكثر وكثرة الاستعمال تقتض مبادرة الفهم وهي أمارة الحقيقة فلا يكون غيره حقيقة دفعا للاشتراك وهذا لا ينافي قول أئمة العربية أن أصلها ابتداء الغاية أي دخولها على مبدأ المسافة لأن المبدأ في الحقيقة بعض المذكور فلا يخلو عن التبعيض أو معناه أصله التبعيض بعد ابتداء الغاية فلا يعدل عنه إلى البيان إلا لدليل كإسناد الوصف العام المقصود عليته المؤكد لعموم من في المسألة الأولى مع إمكان لأن يقال لم يعدل لكن المفهوم بعض منكر فعم بعموم تلك الصفة وكون كل وثن رجسا والرجس واجب الاجتناب وكقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} [النور: 62]، في {لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62]، وذلك أدني أن تقر أعينهن في ترجي من تشاء وعدم دلَيل لا يَنافي وجود آخر كاللام العاهدة لما في مسألة الخلع بخلاف مسألتنا قيل ولأن البعض متيقن لتحققه على تقدير البيان والتبعيض ورد بأن البعض المراد ها هنا قسيم الكل فلا يتحقق على تقدير البيان وجوابه منعه وإلا لما عم الكل بعموم الصفة فإذا كان للتبعيض يقصر عن الكل بواحد وهو الآخر إن أعتق مرتبا وإلا فالخيار إلى المولي وخصوصه فيما قال من دخل هذا الحصن أولا ودخلوا متعاقبين فالنفل للأول بخلافهم مجتمعين حيث يبطل كما مر وعده خاصا بعارض القيد لا ينافي عده عاما بأصله كما في كل من دخل هذا الحصين اليوم وحده قبل كل أحد، ومنها ما في ذوات ما لا يعقل وصفا من يعقل كما في الدار وما زيد وهو كمن في أنهما شرطية واستفهامية عام مطلقا وموصولة وموصوفة يحتمل العموم والخصوص والأصل هو العموم لكثرته نحو {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284]، فلو قال لامرأته طلقي نفسك من الثلاث ما شئت تطلَقها ثلاثا عندهما وما دونها عنده إذ لا صارف عن التبعيض بخلاف قوله كل من مالي ما شئت فإن وقوعه في موضوع إظهار السماحة صارف عنه، وإنما لم يرد في قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]، جميع ما تيسر لئلا يتعسر ما أطلق أن

يتيسر وعند بعض أئمة اللغة يعم العاقل وغيره كالذي معنى وعموما فإن قال إن كان ما في بطنك أو الذي فيه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية لم تعتق لأن الجميع لم يكنه وعند الأصولين مستعار لمن كما في قوله {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، على أحد الوجهين أو إرادة لصغته بمعنى والقادر الباني كقولَه: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ} [الزخرف: 13]، كن لنا كما يستعار لما في قوله {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: 17]، إخراجا لهم مخرج اعتقادهم الفاسد بإلهية الأصنام أو مشاكلة في قوله {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: 45]، ثم ما ذكر في السادس مع ما في معنى الجمع عمومه وضعط وما ذكر في الخامس عارض وكلاهما معنوي والصيغى هو الجمع. (تذنيب) في ما ينتهي إليه خصوصها هو أمران واحد فيما هو فرد بصيغته أو ملحق به من الجمع أو ما في معناه المعرفين وكذا الطائفة معرفا ومنكر لقول ابن عباس رضي الله عنه يقع على الواحد فصاعدا وعملا بصيغة الفردية وتاء الجمعية كالمعتزلة وثلاثة في الجمع المنكر عندهم والمعرف عند أئمة العربية نظرا إلى حقيقته. وقال أكثر الشافعية: لا بد من بقاء ما فوق النصف فيقرب من مفهوم العام وقيل إلى ثلاثة، وقيل: إلى اثنين، وقيل: إلى واحد، وقيل: التخصيص بالاستثناء والبدل إلى واحد وبمتصل غيرهما ومنفصل في محصور قليل إلى الاثنين وفي غير محصور وعد كثير إلى ما فوق النصف. لنا: أن دليل جوازه لا يفصل وكذا وقوعه أما إلى واحد فقيل كالناس في قوله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] والمراد نعيم بن مسعود باتفاق المفسرين ولا معتبر للقول بأنه هو مع من أذاع كلامه في المدينة قيل اللام فيه للعهد فليس عاما قلنا الناس جمع فلا يصح عهد الواحد به. وفيه بحث فإنه معرف بلام الجنس، فجاز إرادة الواحد به لأنه أدنى ما يصلح له على ما مر نحو (شربت الماء- وأكلت الخبز) لا للتخصيص إذ لا عموم نعم كل من دخل الحصين وحده أولا لا يتحقق إلا في واحد مع عمومه وكذا مثل {حَافِظُونَ} في {وإنا له لَحَافِظُونَ}. والمراد هو الله تعالى وحده وكونه من باب تنزيل الذات منزلته مع اتباعه تعظيمًا استعارة لا ينافيه لأن التخصيص تجوز وذا بيان لمجوزه وإذا صح مطلقا فيصح إلى أدنى ما ينطلق عليه في كل قسم لا إلى الواحد مطلقا أو الثلاثة أو الاثنين كذلك إلا في الجمع وعند من يجعله أقله.

المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

قالوا: لو قال قتلت كل من في المدينة أو أكلت كل رمانة في البستان أو كل من دخل داري فهو حر وفسرها بثلاثة عد القائل مخطئا ولاغية وقوله خطأ ولاغية. قلنا: لا نعلم كما لو قال كل من في المدينة من الأعداء وهم ثلاثة أو كل رمانة متشققة وهي ثلاثة أو كل من دخل قبل الطلوع وقد دخل ثلاثة ولئن سلم فذلك لإشعار إظهار جلادته أو سماحته بتتميم التعميم ومحل النزاع ما فيه قرينة عدم التعميم فأين هذا من ذا ومما يؤيده أن المفصل جوز تخصيص البدل والاستثناء لو عد المخصصين إلى واحد فأي فرق بين الأمثلة المذكورة وبين أكرم كلا من الناس اهدها أو إلا الجهال والعالم واحد حتى لا يعد لاغية دونهما. المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم الأول: أن العموم للفظ حقيقة وللمعنى إذا شمل أشياء من غير أن يدل على شموله لفظ قيل لا يصح وقيل يصح حقيقة والجمهور على صحته مجازا وهو المختار، لنا أن حقيقته أن يصدق موجود واحد على متعدد دفعه ولا يتصور في المعاني؛ لأن الموجود في كل محل معنى غير الموجود في غيره وردما يطلق عموم المعنى على أن يكون للفظ معان متعددة فيقال تعددها باختلافها فالنظام لا يكون إلا للمشترك فلا يتحقق إلا عند من يقول بعمومه نعم يقال المطر أوحصب البلاد تنزيلا للموجودات المتعددة منزلة واحد لاشتراكها في الماهية من حيث هي. ومن نفى التجوز يقول بعمومه نعم يقال عم المطر أو حصب البلاد تنزيلا للموجودات المتعددة منزلة واحد لاشتراكها في الماهية من حيث هي ومن نفى التجوز أيضًا جعل التجوز في الفاعل قولًا بأن المراد بالمطر الأمطار والحق للتجوز توسعا. قالوا الماهية الكلية واحدة صادقة على جزيئاتها والمرئي الواحد يتعلق به إبصارات متعددة والصوت أو المشموم الواحد يسمعه أو يشمه طائفة والأمر والنهي النفسيان يعمان خلقا كثيرا قلنا الماهية الكلية ماهية واحدة لا موجود واحد إذ الموجود في كل فرد غير الآخر. ولا وجود في الذهن عندنا ولئن سلم فصدقها على جزيئاتها تناول احتمال لا دلالة والمرئي لا يصدق على الإبصارات ولا الأمر والنهي على الخلق الكثير ومدرك سامعة كل أحد وشامتة هو الهواء التكيف المجاور لها. الثاني: أن العبرة لعموم اللفظ في جواب السؤال وحكم الحادثة إذا كان مستقلا زائدا على القدر الكافي لا لخصوص سبب الورود، وقال مالك والشافعي ومن تبعهما يختص

بسببه وقال أبو الفرج يختص جواب السؤال لا حكم الحادثة وأقسامها أربعة؛ لأن كلا إما مستقل أو غيره أما غير المستقل بقسميه فيتبع ما قبله في العموم والخصوص ولا يعرف فيهما خلاف. فالقسم الأول: ما يكون جزاء لما قبله ففي العموم كأن يقال ما بال من واقع في نهار رمضان عامدًا فقال فليكفر وفي الخصوص كقوله واقعت أهلي في نهار رمضان عامدا فقال فكفر إذن ومنه زنا ماعز فرجم وسهى فسجد وتعميمه بعد فهم علية الوصف بالدلالة لا بعموم القضاء مع أن المثال للتوضيح وإن ظن أن للشافعي خلافا في هذا فهما مما ذكر في البرهان من قوله ترك الاستقصاء في حكايته الأحوال مع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال والحق أنه محمول على صورة الاستقلال. القسم الثاني: ما لا يكون جزاء فعمومه كقوله عليه السلام نعم لمن قال أتتوضأ بماء البحر وخصوصه نحو قوله أليس في عليك ألف درهم فيقول بلى يكون إقرار لا نعم أو كان في عليك كذا فنعم إقرار لا بلى فعند أئمة اللغة نعم مقررة لما سبق مطلقا وبلى موجبة فيلزمها سبق النفي استفهاما أو خبرًا أو (أجل) مخصوصة بالخبر وقيل أولى فيه. وعند الأصولين يعتبر المتعارف فلا يفرقون بين هذه الكلمات في الجواب إلا بأن نعم وبلى لمحض الاستفهام مع سبق النفي أو بدونه أن يدرج أداة الاستفهام أو يستعار له الخالي عنه وأجل يجمعهما فقوله نعم أو بلى بعد أطلقت امرأتك تطليق وبعد أليس في عليك أو أكان إقرار وكذا أجل والمدرج أو المستعار نحو نعم بعد قوله في عليك كذا أي إلى نحو قوله تعالى {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} [الشعراء: 22] على قول ويحتمل التقدير والاستعارة. وذكر محمد - رحمه الله - نعم فيما لا يحتمل الاستفهام كما في اقض الألف التي عليك أو أخبر فلانا أن له عليك كذا أو أبشر أو قل فقال نعم يكون إقرارا والأمر لا يحتمله وأما قسما المستقل فغير الزائد على القدر الكافي كقوله بعد ما قيل له تعالى تغدى معي أن تغديت فكذا أو قيل تغتسل الليلة عن جنابة فقال إن اغتسلت اختص به فلا يحنث بالتغدي الآخر والاغتسال لا فيها أو فيها لا عنها إلا عند زفر - رحمه الله- فإنه عممه عملا بعموم اللفظ. قلنا: خصصه دلالة الحال عرفا كما ينصرف الشراء بالدراهم إلى نقد البلد وأما الزائد سواء كان جواب سؤال كقوله عليه السلام لما سئل عن بئر بضاعة خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه أو حكم حادثة كما روى أنه عليه السلام مر

بشاة ميمونة فقال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر" (¬1)، قلنا في عمومه. أولًا: تعميم الصحابة العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة كآية الظهار في خولة امرأة أوس بن الصامت أو سلمة بن صخر وآية اللعان في هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء أو في عويمر العجلاني وآية السرقة في سرقة المجن أو رداء صفوان وآية القذف في قذفة عائشة وغير ذلك وشاع ولم ينكر. ثانيا: أن خصوص السبب لا يصلح معارضة لعموم النفى إذ لا منافاة. ثالثا: أن العام ساكت عن الاقتصار والسكوت ليس حجة، قالوا أولًا لو عم لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد كغيره ولم يجز اتفاقا، قلنا: لا نعلم الملازمة للقطع بدخوله في الإرادة إذ لا يجوز الجواب عن غير المسئول عنه أو لا نسلمها إن أرى السبب الشخص لذلك والاتفاق في بطلان اللازم إن أريد السبب النوعي أقصي الأمر أن نحتاج إلى الفرق بين السبب الشخصي الذي ورد فيه وبين الأسباب الشخصية الآخر إن كان المخصص اجتهاد إلا إن كان نصًا فإن أبا حنيفة أخرج السبب النوعي في فرد آخر في موضعين حيث لم ينف الحمل باللعان بعد نفيه بقوله زنيت وهذا الحمل منه مع انتفائه في هلال ولم يرد غير قصته في باب اللعان. واعتبر عموم الفراش في قوله عليه السلام: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" والحق الولد الآتي في النكاح وأن يتقنا استحالة المعلوق من الزوج وأخرج ولد الأمة ولم يلحقه يمولاها وإن أقر بالوطئ والافتراش وروده في ولد أمة زمعة حين نساوق سعد بن أبي وقاص بعهد أخيه عتبة مع عبد بن زمعة إلى النبي عليه السلام فقال ذلك قيل يعرف عند تتقيح المناط أن سبب الانتفاء اللعان وإلحاق ولد الأمة بمولاها الاستفراش وليس الخصوصية وقال هلال وربيعة أثر فيه مع أنه لا يجوز أن ينسب إلى عاقل تجويز إخراج السبب فقول أبي حنيفة رضي الله عنه محمول على أن الحديثين لم يلغياه بكمالهما قلنا فيه وجوه: 1 - ما في الروايات أن عبد بن زمعة قال ولد على فراش أبي أقر به أبي ومن مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن الأمة تفسير فراشًا بالوطئ إذ أقر به المولى ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه (¬2). 2 - أن وليدة زمعة كانت أم ولد له ذكره أبو يوسف رضي الله عنه في الأمالي ويدل ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) انظر بدائع الصنائع (6/ 243).

عليه الوليدة لأنها اسم لأم الولد ونسب ولد أم الولد يثبت من غير دعوة. 3 - أن في رواية البخاري هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر قال شمس الأئمة -رحمه الله- فهذا قضاء بالملك لعبد لكونه ولد أمة أبيه ثم اعتقه عليه بإقراره بنسبه والدليل عليه قوله عليه السلام لبنت زمعة "أما أنت يا سودة فاحتجبي منه لأنه ليس بأخ لك" (¬1) وقوله عليه السلام "الولد للفراش" لتحقيق نفى النسب عن عتبة لا لإلحاقه بزمعة. 4 - أن من مذهب أبي حنيفة وقيل هو مذهب أبي يوسف أن إقرار الورثة ببنوة ولد الأمة لمنزلة الدعوة من ألب فهذه الأربعة ما يعزى إلى عبد العزيز البخاري -رحمه الله-. وأقول: بل وراء ذلك جواز أن يكون كل من الانتفاء مع أن أحكام الحمل لا يترتب عليه إلا بعد الوجود لقيام الاحتمال ومن إلحاق ولد الأمة مع أن المقصود بوطئها قضاء الشهوة لا الولد لوجود مانع إتلاف المالية عنده ونقصان القيمة عندهما ولذا جاز العزل عنها بلا رضاها بخلاف المنكوحة بناء على علمه عليه السلام بذلك بالوحي كما يؤيده آخر حديث هلال فلذا كان للخصوصية مدخل فبدأ عرف أن الطعن بالغلط على إمام المسلمين كان من غير تحقيق لمرامه. والحكم بعدم بلوغ الحديثين إياه استقراء على النفي مع أنهما مبحوث عنهما مستوفى في غير موضع من المبسوط وهو منقول عن الإمام رضي الله عنه. وثانيا: لو عم لم يكن لذكر السبب فائدة وقد بالغوا في بيانه وتدوينه قلنا يجوز أن يكون فائدته معرفة الأسباب والسير والقصص وفيها الثقة بصحتها ومنع تخصيصه بالاجتهاد واتساع الشرعية. وثالثا: لو عم لم يطابق الجواب السؤال قلنا إن أريد بالمطابقة المساواة فلا نعلم وجودها عادة إذ قد يزاد وشريعة كجواب موسى عليه السلام عن وما تلك بيمينك وعيسى عن أنت قلت ومحمد عليه السلام بقوله الطهور ماؤه والحل ميتته، وأن زيد بها الكشف عن السؤال فلا نعلم عدمها فيما زاد قيل فلا أقل من أن الأولى ترك الزيادة. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 108) ح (7038)، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه والضياء في المختارة (9/ 354) ح (321)، والبيهقي في الكبرى (6/ 87) ح (11246)، والدارقطنى في سننه (4/ 240)، وعبد الرازق في مصنفه (7/ 443) ح (13820)، والطبراني ق الأوسط (3/ 132) ح (2706)، والامام لحمد في مسنده (514)، وأبو يعلى في مسنده (2/ 187) ح (6813).

قلنا أفاده الأحكام الشرعية أولى من رعاية الأحكام اللفطة والأولى أولى ما لم يعارضة أولى منها كيف وإذا جاز عدم التعرض للمقصود في الأسلوب الحكيم وعد من كمال البلاغة فلأن يجوز الزيادة لمثل فوائده أولى. ورابعا: أن السبب مثير للحكم كالعلة مع المعلول فيختص به إذ لأصل عدم علة أخرى قلنا ليس الكلام في ذا فإن السبب المؤثر يختص الحكم به ما لم يظهر آخر. وخامسا: أن ورود العام في هذا السبب صارف له إلى هذا المجاز ولا صارف إلى الخصوصيات الآخر فالحكم بتلك المجازات لخكم قلنا لا مجاز لأن الخصوصية في التحقيق لا الإرادة. للفارق أن الظاهر في بيان حكم للحادثة إرادة مقتضى اللفظ إذ لا منافاة وفي جواب السوال قصد المطابقة والقصر عليه والتصريح بخلافه لا يمنع الظهور. قلنا ذلك الظهور مستفاد من دلالة الحال وظهور العموم من صريح الزيادة في المقال كيلا يلزم إلغاؤها والعمل بالناطق مع الصراحة أولى منه بالمبطن مع الدلالة فلو قال في المسألتين إن تغذيت اليوم اغتسلت الليلة أو في هذه الدار صار مبتدئا فإن عنى الجواب صدق ديانة لا قضاء لأن فيه مع كونه خلاف الظاهر تخفيفا بخلاف نية الابتداء بدون الزيادة ففيها تغليظ فيصدق ديانة وقضاء. الثالث: نفي المساواة في نحو قوله تعالى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] لا يقتض أن يعم الأحكام الدنيوية فلا ينافيه قتل المسلم بالذمي بحديث ينطق صدره بالحكم وآخره بالتعليل وكون ديته كدية المسلم وكون استيلائه على مال المسلم سبب الملك كعكسه. وقالت الشافعية: يقتضيه فينافيه الأحكام؛ لأن الفعل نكرة في سياق النفي فيعم في أقسامه ما أمكن كلا آكل العام فيها اتفاقا والخلاف في عمومه بحسب المفعولات أو الأسباب أو الأوقات أو غيرها مما هو مقتضى الوجود لا اللفظ فإذا العمل في بعض الأفراد لم يسقط فيما بقي كالعام المخصوص وهذا استدلال بالاستقراء لا قياس في اللغة لا يقال لو عم لما صدق إذْ بين كل شيئين مساواة من بعض الوجوه كالوجود وغيره وأقلها في نفي ما عداهما عنهما ولأن إثباته لو خص لما أفاد للعلم به فيعم فيخص نفيه؛ لأنه نقيضه للتكاذب عرفا لأنهما معارضان بأن نفيه لو خص لما أفاد للعلم بعدم مساواتهما من وجه ولو في التشخيص وإلا فلا اثنينية. وبأن إثباته لو عم صدق إذ لا مساواة في التشخيص فيخص فيعم النفي وهذه هي الشبه الأربع المتعارضة باعتبار عدم الصدق وعدم الافادة في طرفي النفي والإثبات وحلها

مأن الفعل نكرة إذا وقع في الإثبات لا يعم لكن ربما يفيد لتعينه بقرينة وإذا وقع في النفي يعم لكن ربما يصدق أمر بنية مخصصة بعض المتناولات أو لإدارة الاستغراق العرفي كنفي كل مساواة يصح انتفاؤها بتخصيص العقل كما في قوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] أي كل شيء يخلق. ولنا في ذلك طرق: لما لم يدل إثباته على المساواة من كل وجه أما لأنه نكرة في الإثبات، وإما لأنها بعض أفراد الاستواء ولا دلالة للأعم على الأخص إلا بقرينة، ولا قرينة عليها لكذبها وإلا فلا اثنينية تعين إرادة المساواة من الوجه المعين الذي يدل عليه القرينة كالفوز هنا بقرينة قوله {هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20] والإدراك في قوله {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] فرده أنه كان ينفي تلك المساواة كما هو ظاهر مقام رد الزعم الحقيقي أو الاعتباري فقد خص وإن كان ينفي الكل وذلك يحتاج إلى القرينة المعنية ليصدق فالظاهر أنها تلك القرينة والعقل لا يصلح مخصصا ها هنا إلا إذا قلنا له حكم في الحسن والقبح. 2 - ولئن سلمنا أن المراد نفي مساواة يصح انتفاؤها فليس المساواة التي يعتمد عليها القصاص بين المسلم والذمي كذلك فإنها المساواة في العصمة التي يعمل فيها الإتلاف وهي ثابتة بكلا العهد والدار مؤبدة بخلاف المستأمن من المؤقتة عصمته وهذا بالفروع أنسب. 3 - أن النكرة في سياق النفي لا تعم في كل محل بل عمومها في البعض بورودها في محل العموم كما مر في ما جاءني رجل وليست الآية في نحو ما نحن فيه واردة في محله بخلاف لا آكل والعام المخصوص فيجب الاقتصار على ما تيقن أنه مراد كمعدم المساواة في الفوز والادراك يويده أن المساواة غير منفية بين الأعمى والبصير في الأحكام المذكورة. 4 - الطريقة المسلوكة في "رفع عن أمتي الخطأ" (¬1) إذْ لا يراد نفي الاستواء في الذوات ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/ 202) ح (7219)، والحاكم في مستدركه (2/ 216) ح (2801)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى (6/ 84) ح (11236)، والدارقطني في سننه (4/ 170)، وابن ماجه (1/ 659) ح (2043)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 82)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (9513)، والطبراني في الأوسط (8/ 161) ح (8273)، والصيداوي في معجم الشيوخ (1/ 362361)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 152) ح (1090)، والصغير (5212) ح (765)، والكبير (9712) ح (1430)، وانظر التلخيص الحبير (1/ 281)، خلاصته البدر لمنير (1/ 54)، نصب الراية للزيلعي (2/ 64).

فإنه في الحقيقة كاذب وفي مشخصاتها غير مفيد فيراد بهما أحكامهما مجازا وحيث ارتدت الأخروية بالإجماع أو بسياق قوله {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] لا يراد الدنيوية وهما نوعان مختلفان لتعلق الأخروية بصحة العزيمة وفسادها، والدنيوية بوجود الركن والشرط وعدمهما كما يفترقان في الصلاة بالماء النجسة غير عالم وفيها مرائيًا مراعيًا، ومثلها صلاة المحدث على ظن الطهارة وصلاة المتطهر طى ظن الحدث تهتكًا فصار المجاز الموضوع وضعا نوعيا للمختلفين مشتركًا أيضًا فلا يعم أما عندنا فلعدم عموم المشترك. وأما عند الشافعي - رحمه الله - فلعدم عموم المجاز هذا سياقة المتأخرين وأما سياقة المتقدمين التي اختارها أبو زيد - رحمه الله - فعدم الفرق بين المقتضى والمحذوف كما سيجيء فإنه مقتضى ضرورة صدق النص فلا يضمر الجميع أوْ لا يراد لاندفاع الضرورة بإرادة ما اتفق عليه من الأخروية وسيجيء تحقيق السياقتين وسيأتي في موضعين آخرين إن شاء الله تعالى، وعن هذا قلنا كاف التشبيه لا يوجب العموم كما في قول عائشة رضي الله عنها "سارق أمواتنا كسارق أحيائنا" فحمل على الإثم في الآخرة لا القطع في الدنيا إلا أن يقبل محل العموم لارتفاع المانع كقول على رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية ليكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا حتى يقتل المسلم بالذس ويضمن إذا أتلف خمره أو خنزيره؛ لأن التشبيه بين العامين ولأن فيه حقن الدم وفي حديث عائشة رضي الله عنها إثبات الحد الذي يحتال لدرء. الرابع: أن الفعل المثبت أعني الاصطلاحي الدال على مقابل القول لا عموم له فحكايته لا يقتض العموم لا للأقسام كصلي داخل الكعبة للفرض والنفل ولا للجهات أي جهات الوضع كصلي بعد غيبوبة الشفق الأحمر والأبيض إلا عند من قال بعموم المشترك لوجهات وقوع الفعل نحو كان يجمع بين الظهر والعصر لجمعهما في وقت الأولى والثانية ولا للأزمان. أما دلالة كان يجمع ككان حاتم يقري الضيف على الاستمرار فللفظ الراوي وهو كان لا الفعل المضارع كما ظن فإن قصد الاستمرار فيه يستفاد من تقدم ما يدل على المضي إعطاء الدليلين حقهما هو المفهوم من كلام عبد القاهر ومثله لو يطيعكم كما يستفاد في {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] من وقوعه جزء الاسمية وللأمة إلا بدليل آخر للتأسي فيه خاصة كصلوَا وخذوا أو كوقوعه بيانا فيتبع المبين عمومًا وخصوصا أو عامة نحو {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} [الأحزاب: 21] الآية وكقياس الأمة عليه بجامع يعلم عليته

خلافا للبعض. لنا أنه نكرة في سياق الإثبات قالوا قد عمم نحو سهى فسجد وفعلت أنا ورسول الله فاغتسلنا وزنا ماعز فرجم ونحوها وشاع ولم ينكر قلنا تعميمه كان بدليل آخر مما مر. الخامس: الحكاية بلفظ ظاهره العموم نحو نهى عن بيع الغرر، وقضي بالشفعة للجار يحمل على كل غرر وكل جار خلافا للأكثرين فلا يدل على ثبوت الشفعة لجار لا يكون شريكا. لنا أن العدل العارف بوضع اللفظ وجهة دلالته لا ينقله ظاهرا إلا بعد ظهوره وقطعه قالوا يحتمل أنه كان خاصا وظن العمة والاحتجاج بالمحكي والعموم في الحكاية. قلنا الظاهر لا يترك باحتمال خلافه وإلا فلا استدلال به وهذه المسألة ليست عين ما عبر عنها في كتبنا بقولهم حكايته الفعل لا تعم كما ظن لأنها فيما ليس في ظاهر اللفظ دليل العموم كلام الاستغراق في الجار والغرر ولذا قالوا في دليله أن المحكي عنه واقع على صفة معينة وهو الدليل فيكون في معنى المشترك. فإن ترجح بعض الوجوه فذاك وإن ثبت التساوي فالبعض بفعله والباقي بالقياس عليه ونظيره صلى النبي عليه السلام في الكعبة، فقال الشافعى -رحمه الله- لا يعم فيحمل على النفل لا الفرض احتياطا إذ يلزم استدبار بعض الكعبة قلنا بينهما في أمر الاستقبال حالة الاختيار تساوٍ فيثبت في الآخر قياسا قيل لا يصح حمل لام الجار مثلا على الاستغراق لأن قضاءه عليه السلام إنعلما وقع لجار معين قلنا لا نعلم لجواز أن يكون حكمه عليه السلام بصيغة العموم نحو الشفعة ثابتة لكل جار قيل فيكون نقل الحديث بالمعنى لا حكايته الفعل لا منافاة. السادس: في عموم العلة المنصوصة بأن يتحقق الحكم إنعلما تحققت وأنه لا باللغة صيغة بل بالشرع قياسا وقال القاض لا يعم وقيل يعم بالصيغة مثاله قوله عليه السلام في قتلى أحد "زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دمًا" (¬1) حيث يعم كل شهيد. لنا في عمومه أدلة وجوب تتبع القياس والظاهر استقلال العلة بالعلية وفي أنه ليس بالصيغة لزوم عتق كل عبد أسود إذا قال أعتقت غلامًا لسواده، واللازم باطل ولا قائل به أي للإجماع السكوتي. ¬

_ (¬1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (5/ 431) ح (23708)، وانظر نصب الراية (2/ 307)، الدارية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 307).

للقاضي احتمال أن يكون خصوصية المحل جزأ العلة، قلنا الظاهر هو الاستقلال فلا يترك بمجرد الاحتمال وإلا لم يصح قياس للمعمم بالصيغة أن حرمت الخمر لإسكاره كحرمت المسكر لإسكاره عرفا قلنا المراد أن لا فرق أصلًا أو في الحكم الأول ممنوع والثاني غير مفيد إذ لا يلزم كونه بالصيغة. السابع: في عموم المفهوم عند الجمهور ونفاه الغزالي - رحمه الله - قيل النزاع لفظي، فمن فسره بما يستغرق في محل النطق لم يقل به ومن فسره بما يستغرق في الجملة قال به لا حقيقي لأنه إن أريد ثبوت الحكم في جميع ما سوي المنطوق من صور وجود العلة في الموافقة وعدمها في المخالفة. فلا يتصور النفي من القائل به كالغزالي وإن أريد ثبوته فيها بالمنطوق فلا يتصور إثباته والحق إنه حقيقي لما ثبت أن العموم من عوارض الألفاظ لا المعاني ولا لأفعال فمن قال بأن المفهوم ملحوظ يوجه إليه القصد عند التلفظ بالمنطوق قال به وبقبوله للتخصيص كما ذهب إلى مثله، في لا آكل من جعله محذوف المفعول المراد ومن قال بأنه سكوت وعدم تعرض وحصوله بتبعية ملزومة المنطوق نفاهما كما نفي لا آكل من جعله منزلا منزلة اللازم. واعلم أن الظاهر في الموافقة هو الأول فإن من قصد منع الأذى بان قصده باكر منه ظاهرا وفي المخالفة هو الثاني فإن إيجاب الزكاة في السائمة ليس قصدا إلى عدمه في المعلوفة ظاهرا فالقول بالعموم في الموافقة دون المخالفة لعدم القول بها كما هو مذهبنا هو الحق. ولذا قيل القول بالمفهوم مع القول بأن سكوت وعدم تعرض ليجتمعان، وإن أمكن توجيهه بأن القول للزومه وكونه سكوتا عن القصد بالنطق لا تنافيه. الثامن: قال أصحابنا عطف المخصص على العام يقتضي تخصيصه ظاهرا كما يقتضي سياق عطف ولا ذو عهد في عهده علي إلا يقتل مسلم بكافؤ تخصيص الحرق لآن المنذر مخصص بالحربي إجماعًا إذْ يقتل الذمي هو المشهور في تعبير الآمدي بأن الأول ليس عمومه وإلا لزم عموم الثاني فيفسد. ونقل الشافعية عنا عبارتين أخريين أن العطف على العام يوجب التعميم صيغة فالأول كعطف وبعولتهن على والمطلقات والثاني كعطف ولا ذو عهد على ما قبله خلافا لهم فيهما. فأولا: لأن المعطوف فيهما مخصص مع عموم المعطوف عليه حقيقة في الأول واتفاقا

وصيغة في الثاني عندكم قلنا تخصيصه بمنفصل كالإجماع فيهما. وثانيا: أنه مبني على وجوب تقدير قيد الأول في الثاني وليس كذلك وإلا لوجب في ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا تقدير الظرف في عمرو. قلنا: ملتزم من حيث الظهور أو قدر في الحديث ضرورة أن لا يمتنع قتل ذي العهد مطلقا ولا ضرورة هنا قيل معناه ولا ذو عهد ما دام في عهده فلا تقدير، قلنا فيكون عطف القتل لا قصاصًا عليه قصاصًا والظاهر خلافه. التاسع: في عموم خطاب الرسول عليه السلام نحو {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] للامة إلا لدليل نحصص ولا خلاف في عمومه بدليل شرعي مشترك مطلقا أو فيه خاصة كقياس لهم عليه أو نص أو إجماع ولا في عدم الوضع لغة بل في اللهم عرفا وأحمد معنا خلافا للشافعية. لنا أولًا أن الأمر لمقتدى طائفة بأمر ما مفهم للأمر له ولأتباعه عرفا ولو لم يكن المتخاطبان من المتشرعة. وتحقيقه أن أمر مثله إما أن يشتمل على قرينة العموم كالأمر بالأمور السرية ولا كلام في خصوصه وإما أن لا يشتمل عليهما كالأمر بمجاملة الصديق ومعاملة الشقيق وغيرهما ولا شك في فهم أمر الاتباع فيه. أيضًا قيل الواقع فيه عدم العلم بالخصوص وهو أعم من العلم بعدم الخصوص قلنا نقلة العرف ثقة لا يتهم في نقلهم ولئن سلم فالغالب من القسمين الأوليين في أمر المقتدي هو العموم والغالب كالمتحقق فيلحق به وإلحاق المشكوك بالغالب في الاستعمال ليس قياسا في اللغة بل عملا بالاستقرار على أن لا نعلم أن لا قرينة على العموم في خطاب الرسول مطلقا فإن كل خطاب توجه إليه تفصيل للهداية إلى جناب الحق والصراط المستقيم وإنما يقصد بمثله الكل لا هو وحده فالظاهر عمومه وبهذا علم أن منع فهم العموم مكابرة وأن الدعاء دليل العموم والشياع لا يعم كل مثال مما يفهم فيه أمر الاتباع. وثانيا: أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] نداء له وأمر للكل فكما جاز تخصيصه بالنداء عند أمر الكل جاز تخصيصه بالأمر كذلك وكون التخصيص بالنداء للتشريف لا ينافيه لجواز كون التخصيص بالأمر كذلك وافعل وأتباعك ليس مثله إذْ لا كلام في صحته بل نظيره يا فلان افعلوا فلولا أنهم أمروا دون النداء لكان في صحته ألف نزاع، وثالثا قوله تعالى {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] حيث أخبر أن الإباحة له ليشمل الأمة إباحة تزوج أزواج

الأدعياء لا تزوج زينب كما فهم فإما أن يعلم ذلك بطريق القياس أو مطلقا أي بدلالة العرف. والأول خلاف الظاهر لأن ظاهره جوازه مطلقا لا جوازه بالقياس ولذا يفهمه نفاته، ورابعا قوله تعالى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] قيل يجوز أن يكون لقطع احتمال العموم حتى لا يقاس الأمة عليه لا لقطع العموم المفهوم قلنا خلاف الظاهر لأن الظاهر التخصيص دفع العموم لا دفع احتماله لهم ولا أن مثله موضوع الخطاب المفرد، قلنا غير محل النزاع إذ لا نزاع في عدم وضعه لغة. ورابعا: لو عم لجاز إخراج غير المذكور تخصيصا لعمومه ولا قائل به قلنا قد يقع التخصيص في العام عرفا كإخراج غير الوطء من النظر وغيره من الاستمتاعات المرادة عرفا في {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وهذا على أنه محذوف لا مقتضى وأيا كان يصح سندا. العاشر: في عدم عموم خطاب واحد من الأمة لغيره بصيغته خلافا للحنابلة ولعلهم يدعون ذلك بالقياس أو بقوله عليه السلام "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" (¬1)، لنا أولا عدم الوضع لغة والفهم عرفا، وثانيا عدم فائدة قوله حكمي على الواحد الحديث إذا لفهم التعميم من صيغة الخطاب، لهم أو لا النصوص الدالة على أنه مبعوث إلى الكافة قلنا أي ليبين لكل من الحر والعبد والمسافر والمقيم مثلا حكمه الخاص به لا أن الكل للكل. وثانيا قوله عليه السلام "حكمي على الواحد، قلنا فالفهم بهذا لا بالصيغة أو معناه عمومه بالقياس وإن كان خلاف الظاهر للجمع بين الأدلة. وثالثا حكم الصحابة بما حكم النبي به على الواحد من غير نكير كضرب الجزية على كل مجوسى لضربه على مجوس هجر فكان إجماعا. قلنا إن كان ذلك بالقياس فلا نزاع في جوازه وإلا فهو ليس بمحل الإجماع فلا يسمع دعوى الإجماع. ورابعا: قوله عليه السلام لأبي بردة في التضحية بالجذعة "ولا تجزي عن أحد بعده" (¬2) بالتاء أي لا تقضي من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ¬

_ (¬1) لا أصل له: قاله العراقى وغيرما انظر المصنوع (1/ 95)، كشف الخفاء للعجلوني (1/ 436)، تحفة الطالب (1/ 286). (¬2) أخرجه البخاري (1/ 325) ح (912)، ومسلم (3/ 1552) ح (1961).

48] فلو عم الخطاب لم يكن له فائدة. أما في قصة أعرابي واقع أهله في نهار رمضان فلم تثبت فيه لا تجزي أحدا بعدك اللهم إلا أن يكون نقلا بالمعنى كما ذكر القرنوي في شرح الحاوي وكذا تخصيصه خزيمة بقبول شهادته وحده وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بجواز لبس الحرير لكلمة كانت بهما أو شكوا القمل وقيل لا تخصيص فيه بل يجوز لكل أحد لحاجة. قلنا فائدته قطع احتمال الشركة للإلحاق بالقياس الحادي عشر في أن الإناث المختلطة مع المذكور تندرج تحت نحو المسلمين وفعلوا وافعلوا بطريق التبعية خلافا للكثير لا الإناث المنفردات ولا المذكور تحت صيغة جمع المونث ولا النساء في نحو الرجال إجماعا. كما يندرج إذا عرف التغليب وفي نحو الناس ومن وما إجماعا ولذا قال في السير أمنوني على أبنائي وله بنون وبنات يشملهما أو بنات فقط لا يندرج وعلى بناتي لا يندرج البنون بخلاف أولادي مطلقا. لنا أولًا: غلبة الاستعمال عند الاختلاط كما دخل في {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف: 161] نساء بني إسرائيل وفي {اهْبِطُوا} [البقرة: 36] حواء مع آدم وإبليس قيل صحة الإطلاق لا يستدعي الظهور قلنا بل الظهور عرف بالعرف ولأن الأصل فيه الحقيقة لا يقال حقيقة للرجال وحدهم إجماعا والمجاز أولى من الاشتراك لانا نقول إما لغة أو مطلقا لكن عند الانفراد فسلم وأما عرفا عند الاختلاط فممنوع. وثانيا: مشاركتهن في نحو أحكام الصوم والصلاة وغيرهما وإن وردت بالصيغ المتنازع فيها قيل بدليل خارجي ولذا لم يدخلن في الجهاد والجمعة وغيرهما. قلنا الأصل عدمه بالاستئناء فيما لا يشاركنهم يحتاج إليه وذا أدل دليل على التناول لولاه. وثالثا: دخولهن في الثانية إجماعًا إذا قال أوصيت للرجال والنساء ثم لهم بكذا قيل المتقدمة قرينة. قلنا لا نعلم لجواز إرادة الخصوص في الثانية بل الإفراز ظاهر فيها قالوا أو لا عطف المسلمات على المسلمين دليل عدم الدخول إذ عطف الخاص على العام لا يحسن. قلنا: غير محل النزاع فإنه صورة الاقتصار على جمع المذكور على أن عدم حسنه ممنوع إذا قصد فائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد. قلنا لا تأكيد إذ هو ما فيه تقوية الأول وثانيا ما روي عن أم سلمة من سبب نزول قوله أن المسلمين والمسلمات، حيث نفت ذكرهن مطلقًا ولو كن داخلات في الجملة لما

منفيها التصريح بذكرهن وإلا كانت زاعمة أن الأحكام السابقة ليست متناولة لهن وذلك ربما يفضي إلى الكفر فضلا عن الكذب، وثالثا إجماع أهل العربية على أن حقيقتها جمع المذكر، قلنا لغة أو عند الانفراد كما مر. الثاني عشر: مثل من وما من العام المشترك بينهما لا يختص بالمذكر وان عاد إليه ضميره عند الأكثرين للإجماع في من دخل صيغة الخطاب المتناولة للعبد لغة مثل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] متناولة شرعا مطلقا خلافا للبعض وعند أبي بكر الرازي يتناولهم في حقوق الله دون حقوق الناس. لنا: تحقق المقتضي هو التناول اللغوي وعدم المانع إذْ الرق لا يصلح مانعا، ولهم أولا أن ذلك الظاهر يترك بالإجماع صرف منافع العبد إلى سيده، إذْ التكليف صرف لها إلى غيره. قلنا: وجوب الصرف عند الطلب فلا لناقض عدمه عند عدمه ولذا حاز صرفها إلى نفسه ولئن سلم فقد استثنى وقت تضايق العبادات حتى جاز عصيانه لو أدى طاعته إلى فواتها ولا مناقضة بين وجوب العبادة ووجوب الصرف إلى السيد عند عدم التضايق. وثانيًا: خروج العبد عن خطاب الجمعة والحج والعمرة والجهاد والتبرعات والتقارير ونحوها فلو عم الخطاب لزم التخصيص والأصل عدمه. قلنا: ارتكب لدليله كخروج المريض عن الصوم والأربعة المتقدمة والمسافر عن الصوم والجمعة والحائض عن الصلاة أيضًا. الرابع عشر: العمومات الواردة على لسان الرسول عليه السلام المتناولة له لغة نحو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]، {يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت: 56] يشمله مطلقًا (¬1) خلافا للبعض (¬2) بقرينة الورود على لسانه وعند الحليمي إن لم يكن مصدرا بقل. لنا أولا: تحقق المقتضى وعدم المانع. وثانيا: فهم الصحابة دخوله ولو مصدرا بقل ولذا إذا لم يفعل بمقتضاها سألوه عن موجب التخصيص ويذكره وهو تقرير لدخوله كما علل في صوم الوصال بعد نهيه عنه ¬

_ (¬1) أو كان معه "قل" أم لا، وهو قول حجة الدين الغزالي، وسيف الدين الآمدي، وأكثر أهل العلم، انظر المستصفى للغزالي، (2/ 80 - 81)، إحكام الأحكام للآمدي (2/ 397)، نهاية السول للإسنوي (2/ 371)، البرهان لإمام الحرمين (1/ 365 - 367). (¬2) حيث قال الصيرفي والحليمى: يدخل إلا أن يكون معه "قل"، انظر إحكام الأحكام للآمدي (2/ 397)، نهاية السول للإسنوي (2/ 372).

بأني أبيت عند ربي وفي عدم فسخ العمرة بعد أمره به بأني قلدت هديا ولهم أولا أنه أمر أو مبلغ فلا يكون مأمورا من جهة أخري. قلنا الآمر هو الله والمبلغ جبريل وهو حال لتبليغ ما هو داخل فيه وهو المراد ببلغ أو الحكاية تبليغ آخر، وثانيا خصوصه عليه لسلام بأحكام من وجوب وتحريم وإباحة دليل عدم مشاركته فالوجوب كركعتي الفجر ذكرها الآمدي وعند الحسن البصري رحمه الله على الكل نقله النواوي وصلاة الأضحى والضحى والوتر والتهجد والسواك وتخيير نسائه فيه والمشاورة وتغيير المنكر ومصابرة العدو الكثير وقضاء دين الميت المعسر. والتحريم كمصرفية الزكاة القرآنية وخائنة الأعين وهي الإيماء إلى مباح على خلاف ما يظهر وصدقة التطوع ونزع لامته حتى تقاتل والمن ليستكثر ونكاح الكتابية والأمة والإباحة كالنكاح بلا شهود وولي ومهر والزيادة على أربع نسوة وصوم الوصال وصفى المغنم وحمس الخمس وجعل إرثه صدقة وأن يشهد ويقبل ويحكم لنفسه وولده. قلنا خصوصه لدليل مانع خروج المريض وغيره من العمومات، للحليمي أن الأمر بالأمر ليس أمرا قلنا لا نعلم عند عدم المانع ولئن سلم فهذا الظاهر يترك بالدليل السابق أما الجواب بأن جميع الخطابات في تقدير قل فممنوع ولئن سلم فليس المقدر كالملفوظ من كل وجه. الخامس عشر: خطاب المشافهة ليس أمرًا لمن بعد الموجودين في زمن الرسول عليه السلام صيغة بل بدليل آخر من إجماع أو قياس أو نص أو كون الأمر في معنى الخبر وما مر من أن الأمر يتعلق بالمعدوم فمعناه تعلق الكلام النفسي كأن تقوم نفس الأب طلب العلم من ابن مولد لا توجه الكلام اللفظي، وقالت الحنابلة عام لمن بعدهم. لنا أولا: أنه لا يقال للمعدومين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] ونحوه لا وحدهم ولا منضمين إلى الموجودين إلا تغليبا وهو خلاف الظاهر فيحتاج إلى دليل مما ذكر ولذا يقال إذا تعلق أمر الرسول بالمعدوم كان في معنى الخبر لأن خطاب المشافهة موضوع للتفهيم وبهذا يعرف أن لا منافاة بين نداء الحاضر وتكليف الكل. وثانيًا: إذا لم يتوجه إلى الصبي والمجنون لعم فهمهما مع وجودهما فإلى المعدوم أولى وهذا استدلال على عدم العموم بعدم توجه الخطاب لا بعدم توجه التكليف حتى يقدح فيه احتمال الخصوص ولهم أولا أن من بعد الرسول لو لم يكن مخاطبا لم يكن مرسلا إليهم واللازم منتف بالإجماع، وإن منعوا تناول مثل {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً} [سبأ: 28] للمعدومين قلنا يحصل التبليغ بنصب الدليل على المشاركة.

وثالثًا: احتجاج العلماء في كل عصر بها وهو إجماع على العموم قلنا لعله لعلمهم بتناوله لهم بدليل آخر ككون خطاب التكليف في معنى الإخبار جمعا بين الأدلة وإن دل ظاهر سياق القصص على أن احتجاجهم بنفس العموم قيل على الجوابين أن الأدلة الأُخر أيضًا من الخطابات أو مما ثبت حجيته بها من الإجماع والقياس فلا يتناول المعدومين قلنا بإجماع أو تنصيص على ثبوت الحكم أو حجية الأدلة في حق المعدومين أيضًا نحو الجهاد ماض إلى يوم القيامة مثلا. السادس عشر: دخول المتكلم في عموم متعلق الخطاب خبرا كان نحو {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] أو إنشاء نحو من أكرمك فأكرمه ولا تهنه إذا أريد الخطَاب العام المَراد به كل أحد كما في إذا أنت أكرمت الكريم ملكته البيت يقتضي دخوله فيه وقيل لا لقرينة أن الخطاب منه مثاله قوله عليه السلام "بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة" (¬1). لنا: تحقق المقتضي وعدم المانع ولهم لزوم خلق الله تعالى نفسه في {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16]، قلنا خص عقلا. السابع عشر: أن الوارد للمدح أو الذم يبقى على عمومه، ويثبت الحكم به في جميع متناولاته خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فأحال التمسك بعموم الذهب والفضة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الآية في وجوب الزكاة بالحلي المباح الاستعمال كما هو مذهبنا أما في المحرم لعينه كما بينهما أو بالقصد كأن يقصد بحلي النساء أن يلبسه الغلمان، أو بحلي الرجال كالسيف والمنطقة، أن يلبسه الجواري فيوافقنا في وجوبهما. لنا تحقيق المقتضى وانتفاء المانع إذ لا ينافيه المدح والذم، له أن التوسع والعموم مبالغة وإغراقا معهود فيهما. قلنا فسياقهما دليل إرادته فعدمها ولئن سلم فلا منافاة بينه وبينهما حتى يدل ثبوت أحدهما على انتفاء الآخر، ومما يواجههما المطلق والمقيد فالمطلق ما دل على الذات دون الصفات؛ لا بالنفي ولا بالإثبات وقيل ما دل على شايع في جنسه أي حصة محتملة ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2/ 377) ح (1499)، والحاكم في مستدركه (1/ 331) ح (768)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والترمذي (1/ 435) ح (223)، والبيهقي في الكبرى (3/ 63) ح (4755)، وأبو داود (1/ 154) خ (561)، وابن ماجه (1/ 257) ح (781).

لحصص كثيرة لم يطرأ عليها تعيين فخرج ما فيه تعين إما شخصا في وضعه كالعلم، أو في استعماله كالمبهم والمضمر وإما حقيقة في وضعه كأسامة أو استعماله كالأسد وإما حصة فهذا نحو {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] وكل حصص كالرجال وخرج كل عام ولو نكرة كل رجل ولا رجل فيبطل تعريف الآمدي بالنكرة في سياق الإثبات فالمقيد ما دل لا على شايع في جنسه فيدخل المعارف والعمومات ورجح الثاني بأن الدال على الذات هو الدال على الحقيقة كما في المنهاج وذلك موضوع الطبيعة والمطلق موضوع المهملة لا ذلك وفيه بحث لأن حقيقة اسم الجنس فرد لا بعينه أي لم يعتبر تعيينه فاستعماله في موضوع المهملة حقيقة كما عرفت في الفرق بينه وبين علم الجنس ولئن سلم فالدال على الذات أعم من الدال عليه من حيث هو أو من حيث تحققه وأيضًا عدم إخراج المعهود الذهني تحكم وليس لأنه مطلق كما ظن لكونه مقيدا باعتبار حضوره الذهني وإلا لم يكن معرفة كيف وبه الفرق بين المصدر المعرف والمنكر وبن الرجال وكل رجل وأيضًا مثل رقبة مؤمنة وهو المقيد تعارفا لشيوعه داخل في المطلق دون المقيد مع تقييده والأصل بين القسمين التمايز الحقيقي لا الإضافي فالأولى ما ذكره أصحابنا. بحث شريف حكم المطلق أن يجري على إطلاقه والمقيد على تقييده فإذا وردا فإما في سبب الحكم كنصي صدقة الفطر أو لا فإما في حكم أي محكوم به واحد مع وحدة الحادثة نحو "إن ظاهرت فاعتق رقبة ورقبة مسلمة" أو تعددها نحو "إن ظاهرت فرقبة وإن قتلت فرقبة مؤمنة" وإما في حكمين كذلك نحو تقييد صوم الظهار بما قبل المسيس وإطلاق إطعامه وكتقييد صيام القتل بالتتابع وإطلاق إطعام الظهار فهذه خمسة، وذكر المنفي قسما آخر ليس بتحقيق لأن الحكم في النفي عام لا مطلق والمعرفة ليست لمطلق فحمل المطلق على المقيد أي إرادة معنى المقيد فيهما متفق على عدمه في القسمين الأخيرين لاختلاف الحكم إلا إذا استلزم حكم المطلق بالاقئضاء أمرا ينافيه حكم المقيد لا عند تقيده بضد قيده نحو: "أعتق عني رقبة ولا تملكني رقبة كافرة" ومتفق على ثبوته في الثاني تقدم أو تأخر نحو فصيام ثلاثة أيام مع قراءة ابن مسعود؛ لأنها مشهورة بخلاف قراءة أبي في قضاء رمضان غير أنه إذا تأخر المقيد كان نسخا عندنا دونه. لنا في الحمل أنه بعد امتناع العمل بكل منهما عمل بهما وهو أولى وفيه الخروج عن العهدة بيقين، وفي أن المقيد المتأخر ناسخ: أولا: أنه كتراخي المخصص بل أولى فإنه رافع لتمام ما به صحة استعمل اللفظ وبإثبات حكم شرعي لم يكن وهو لبعض الثابت أما إذا تأخر المطلق فإنه لا يدفع القيد

الثابت لسكوته بخلاف العام المتأخر. وثانيا: أن المطلق في المقيد مجاز فيكون المقيد عند تقدمه قرينة لا عند تأخره لتراخيه وجعل المتناول بدلا بوضعه عاما خروج عن الاصطلاح الممهد والأصل المشيد. قالوا أولا: لو كان التقييد المتأخر نسخا لكان التخصيص نسخا لأنه مجاز مثله وقد، سلف الفرق مع أنه ملتزم على أن الكلام في التقييد الموافق والتخصيص الموافق ليس تخصيصا فضلا عن النسخ كما مر أنه مبني على القول بمفهوم اللقب. وثانيا: لكان إطلاق المتأخر نسخا وقد سلف أنه ساكت بقي الأول والثالث ولا حمل فيهما عندنا خلافا له فلا يجوز إعتاق الكافرة عن الظهار لقيد المؤمنة في القتل ولا يجب صدقة الفطر إلا عن مسلم لتقيدها به في حديث فقال أكثرهم مراده الحمل بجامع وشذوذ منهم من غير جامع لأن بعض القرآن يفسر بعضا لأنه ككلمة واحدة وكذا الحديث. لنا أولا: الأصل المستفاد من قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] وهو وجوب العمل بالإطلاق ووجهه أن التقييد يوجب التغليظ والمساءلة كما في بقرة بني إسرائيل فإن السؤال عن القيود إذا أوجبهما فالتقييد بالأولى، وذلك لأن النهي ليس عن السؤال عن المجمل والمشكل لأنه واجب ولا عن المفسر والمحكم إذ ليس محلا له بل عن ممكن العمل من نوع إبهام يؤيده قوله عليه السلام: "اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسألتهم عن أنبيائهم" (¬1)، وقول ابن عباس رضي الله عنه: "أبهموا ما أبهم الله واتبعوا ما بين الله" (¬2)، ولذا لم يشترط عامة الصحابة في أمهات النساء الدخول حملا على الربائب المقيدة واشترط علي رضي الله عنه ليس للحمل بل لشركة العطف وقال أبو حنيفة ومحمد فيمن قرب التي ظاهر منها في خلال الاطعام يصح وفي خلال الصيام أو الإعتاق لا لتقيدهما بقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] دونه. وثانيا: أن الأصل العمل بكل دليل ما أمكن، قيل فأي فائدة في قيد المقيد، قلنا استحباب القيد وفضله وأنه عزيمة فلا يحمل على المقيد إلا إذا امتنع كما سلف ولا امتناع عند اختلاف الحادثة في السبب إذ لا مزاحمة في الأسباب واتحادهما في خبري التخالف بإشارة التراد فإنه لا يتصور إلا حال قيام السلعة لا للحمل نظيره التعليق بالشرط لما لم يوجب النفي صار معلقا ومرسلًا كما أن نكاح الأمة معلق بعدم طول الحرة ¬

_ (¬1) لم أجده. (¬2) ذكره الشيخ الزرقاني في شرحه، انظر شرح الزرقاني (3/ 182).

ومرسل لأن تنافي الشيئين ما في كل حكم في الموجود الشخصي لا فيما يحتمل الوجود بهما بدلا قالوا: أولا: المطلق ساكت والمقيد ناطق فكان أولى؛ لأن السكوت عدم ولأن المقيد كالمحكم، قلنا نعم لكن تعارضتا كما في اتحاد الحادثة. وثانيًا: أن القيد وصف يجري مجرى الشرط فينفي بمفهوم مخالفته الجواز في المنصوص وفي غيره من جنسه كالكفارات فإنها جنس واحد ولذا مطلق نص الشهادة وزكاة الإبل على المقيد بالعدالة في حادثتين والسوم في السبب إجماعا كيف وأنتم قيدتم الرقبة بالسلامة بالقياس بلا ورود تقييدها بها في موضع فمعه أولى وإنما لم يثبت طعام اليمين في القتل وصومه فيها وطعام غيرهما فيهما وزيادة بعض الصلوات والطهارات وأركانها ونحوها من الحدود لأن تفاوتها بالاسم العلم فلا يوجب النفي ليعدي. قلنا بعض النقض بأنه لم يشترط التتابع في صوم اليمين حملا على الظهار والقتل ولا يصح اعتذاره بأن الحمل إذا لم يعارض أصله أصل آخر مقيد كصوم التمتع المقيد بالتفريق ها هنا إذ ليس صوم المتعة مقيدا بالتفريق. ولذا لو صام بعد الرجوع جملة العشرة جاز وقبله بالتفريق لا بل ذلك لأن صوم المتعة صومان مطلقان موقتان بوقتين لا نعلم أن كل قيد بمعنى الشرط بل إذا كان المقيد منكرا لفظا أو معنى لتعرفه نحو المرأة التي أتزوجها بخلاف هذه المرأة ومثله النبيون الذين أسلموا {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} ولئن كان فلا نعلم نفي المشرط فإن الإثبات لا يوجب نفيا لا صيغة ولا دلالة ولا اقتضاء فعدم إجزاء تحرير الكافرة في القتل عدم أصلي كعدم إجزاء ما لا يكون تحريرا فلا يعدي ولا يقال يعدي القيد فيثبت العدم ضمنا ومثله جائز لأنا نقول تعدية القيد للوجود عند وجوده مستدرك وللعدم عند عدمه تعدية مقصودها إثبات ما ليس بحكم شرعي مع أن فيه إبطالا لشرعي آخر وهو أجزاء الكافرة التي يدل عليها المطلق أي يتناولها بإطلاقه ووجوب القيد ينافيه فلا يجوز وإلا كان القياس دليلا على زوال المكنة الثانية بالنص وناسخا. ومن ها هنا يعرف أن المراد باجتماع المطلق والمقيد في حكم وحادثة اجتماعهما صريحا لا تعدية على أن شرط التعدية عدم نص في المقيس قال على المعدي أو عدمه ولئن كان فلا نعلم المماثلة سببا وحكما أما سببا فلا صورة وذلك ولا معنى لأن القتل أعظم الكبائر أما العمد الذي يتعلق به الكفارة عنده فظ وأما الخطأ فلكون العمد أعظم من الغموس كان الخطأ أعظم المنعقدة.

الفصل الثالث في حكم المشترك

وأما حكما فلا صورة للفرق بين صور الكفارات ولا معنى إذ ليس في كفارة القتل تيسير غيرها بإدخال الإطعام والتخير وبعد الأكل إن صح القياس فهو لنا لا تحرير كفارة اليمين يجب أن يكون أخف من تحرير القتل قياسًا على سائر خصالها وجواب ما ذكره من صور النقض، أن نسخ إطلاق نصوص العدالة بآية التبين ونصوص الزكاة بقوله عليه السلام ليس من العوامل والحوامل والعلوفة صدقة وتقييد الرقبة بالسلامة لعدم تناول المطلق ما كان ناقصا في كونه رقبةً وهو فائت جنس المنفعة لأنه ثابت من وجه وهذا هو أن المطلق ينصرف إلى الكامل ومن البين أن الفهم يتبادر إليه. وأما الحمل بلا جامع فأفسد لجواز إرادة كل من الإطلاق والتقييد في موضعه من القرآن وكونه كلمة واحدة في أنه لا تناقض ولا اختلاف في الأصول فإما في اعتبارات دلالاته فلا وأيضًا إن أريد بالواحدة الكلام النفسي فليس الكلام فيه مع جواز توارد التعلقات المختلفة عليه وإن أريد العبارة فهي مختلفة. الفصل الثالث في حكم المشترك الذي وضع أولا لما زاد على حقيقته من حيث اختلافها فقد خرج المجاز والمنقول والمنفرد خاصا وعاما وهو الوقف متأملا ليدرك معناه برجحان بعض وجوهه فإنه يحتمله بخلاف المجمل إلا ببيان من المجمل فما انسد باب ترجيحه يكون منه ولا عموم له خلافا للشافعي رضي الله عنه والقاضي وأبي علي الجبائي وعبد الجبار، وتحريره أن يراد كل واحد من معنى به معا إذا أمكن اجتماعهما كأنعم على مولاك شكرا للإنعام أو إتماما للإكرام وإن كانا متضادين نحو رأيت الجون صحلاف: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. وافعل في الأمر والتهديد أو الندب والإباحة لا أن يراد بدلا أي كل في حال سواء كان مع عدم اعتبار الاجتماع أو مع اعتبار عدم الاجتماع ولا أن يراد المجموع لعلاقة مجاز أو لا أن يراد معنى ثالث يعمهما مجازًا كأحدهما لا بعينه لا حقيقة إلا عند السكاكي ومن أن يراد ما يسمى به إذ لا نزاع في جواز هذه الثلاثة أما الأول فعندهم يجوز مطلقا حقيقة وقيل في النفي دون الإثبات وهو ضعيف لأن النفي يرفع مقتضى الإثبات. فالعام قسمان متفق الحقيقة ومختلفها وعند ابن الحاجب مجازا والحق عدم جوازه وهو مذهب بعض الشافعية وجميع أهل اللغة وجمهور أصحابنا والخلاف في جوازه في جمعه مبني عليه في مفرده في الأصح بل مبني على اعتبار قيد من جنسه في مفهوم المع ثم متى تجرد عن القرينة المعينة وجب حمله على ذلك عند الشافعي وأبي بكر وهذا غير مذهب السكاكي لا عند باقيهم وقال أبو الحسين والغزالي يصح أن يراد عقلًا لكن اللغة منعت.

لنا في أنه لا يجوز، لا حقيقة لأن تعينها لتعيين الوضع فإن تحقق وضع واحد لكل منهما معا فلا نزاع فيه، وإن لم يتحقق إلا لأحدهما فإن لم يعتبر الواضع حين الوضع انفرد ذلك المعنى وعدم اجتماعهن حتى جاز اجتماعه لم يكن ذلك المعنى تمام الموضوع له من كل وجه وذا خلاف المفروض وإن اعتبره فالاجتماع مناف له فلزم لو جاز إرادتهما وضعا أن يكون كل منهما مرادًا وإن لا يكون لأن وضع الآخر مناف له. وهو مع ومنه يعلم أن الانفراد معتبر في المستعمل فيه وأن الملاحظ في الوضع اعتبار عدم الاجتماع لا عدم اعنبار الاجتماع كما ظن كثبوت يشترك بين شخصين ممكن بانتفاعهما المنفعة الخاصة لغوية لا عقلية كما ظن فمنع ومنه يعلم غلط السكاكي أيضًا في أن معنى المشترك الدائر بين الوضعين أحدهما لا بعينه غير مجموع بينهما إذ لا وضع يساعده ولا مجازا إذ لا علاقة تجوزه بين أحد المعنيين وكل منهما معا على ما هو المفروض وإلا فلا نزاع في مجازيته ولا حقيقة ومجازًا إذ فيه الجمع وهو مراد التنقيح بالشق الثاني. قالوا أولا: يتبادر ذلك عند عدم القرينة المعينة وذلك أمارة الحقيقة قلنا لا نعلم ولئن سلم فالمعتبر التبادر على أنه الموضوع له والمراد كما مر ومنه أيضًا يفهم فساد مذهب السكاكي. وثانيا: مستعمل فيهما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18] حيث أريد به وضع الجبهة في الناس وغيره في غيره وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] حيث أريد بالصلاة الرحمة والاستغفار. قلنا في الأولى: أريد بالسجود الانقياد قيل التسخيري عام وقد قال وكثير من الناس ولا يناسبه عطف وكثير حق عليه العذاب والتكليفي لا يتأتى في غير الناس وجوابه أن المراد الانقياد المعتبر في كل نوع والمعتبر في المكلف التكليفى وفي غيره التسخيري أو أضمر الفعل في وكثير بمعنى آخر فإذا جاز إضمار المغاير لفظا ومعنى في علفتها تبنا وماء باردا فلأن يجوز هذا أولى. وقد دل الدليل على حذفه وتعيينه وقيل المراد بالسجود وضع الجبهة فقدرة الله شاملة لإيجاده في الكل بإيجاد ما يتوقف عليه كما ذهب إليه في: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] فإن ما يناسبه ظاهر قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] إرادة حقيقته لا معنى لا تفهمون دلالته على قدسه كما ظن لأن المخاطبين كانوا عارفين بذلك لا يقال قوله ألم تر لا يناسب هذا المعنى الخفي لانا تقول

الفصل الرابع في حكم المؤول

هذا خطاب عارف باقي من أمثاله وإلا فالإلزام مشترك إذ المراد بالانقياد في الجمادات والحيوانات بل وفي السماويات أخفى وفي الثانية أريد بصلاة الكل معنى واحد إذ إيجاب الاقتداء يقتضي الوحدة في كل المراد أو في جزئه. والأول هو الظاهر حقيقي أو مجازي كالعناية بأمر الرسول إظهارا لشرفه ولأن تحقق ذلك بأسباب محتلفة بحسمب موصوفاتها فسرت بالمعاني المختلفة كما يقال في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] المحبة من الله تعالى إيصال الثواب ومنهم الطاعة ليس المراد الاشتراك اللفظي بل بيان لوازمها في كل موصوف أو العناية لازمة للمعاني الثلاثة. وقيل: أريد بها الدعاء ففط الله تعالى أنه يدعو ذاته إلى إيصال الخير فلكون لازمه الرحمة فسروه بها وقال الزمخشري عفى الله عنه حقيقتها الرحمة، واستغفار الملائكة ودعاء المؤمنين سينها فإسنادها إلى الطائفتين مجازي ومن الجائز إسناد الشيء إلى مجموع في بعضه حقيقي نحو بنو تميم يقري الضيف ويحمي الحريم. الفصل الرابع في حكم المؤوَّل هو العمل يما ظن منه على احتمال السهو الغلط إذ بيانه غير قاطع وإلا كان مفسرا كما في قوله أنت بائن بتة بتلة حال مذاكرة الطلاق المرجحة لجهة بينونته نكاحا لا خلقا ومكانا، حتى لو قال أردت البينونة الحسية لا يصدق قضاء لأنها خلاف الظاهر وفيها تخفيف. وإنما لم يرجح مفسره هذا على مؤوله ذلك كما هو الواجب لأن الترجيح بعد التعارض ولا تعارض لتقدم الوقوع بالمؤول الذي خلافه تخفيف منزلة الحكم به ولا يعتبر التفسير بعد الحكم بخلاف سائر المأولات. تتمة: التأويل إن كان بما لا يحتمله اللفظ يسمى متعذرًا وهو مردود وإلا فإن ترجح فقريبا وإن احتاج إلى المرجح الأقوى فبعيدا تذنيب قال الشافعية للحنفية تأويلات بعيدة: 1 - في قوله عليه السلام لغيلان بن سلمة بن شرحبيل الثقفي هو الصحيح لابن عبلان "وقد أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن" (¬1) تارة بأنه أراد بأمسك ابتداء ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (9/ 465)، ح (4157)، والحاكم في مستدركه (2/ 209) ح (779)، والترمذي (3/ 435) ح (1128)، والبيهقي في الكبرى (7/ 149) ح (93623)، والدارقطني في سننه (3/ 269)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 274)، وابن ماجه (1/ 628)، ح (1953)، والامام مالك في موطئه (2/ 586) ح (218)، والطحاوية في شرح معاني الآثار =

النكاح وبفارق لا تنكح وأخرى بأمسك الأوائل وفارق الأواخر فإنهم يرون الأول إن تزوجهن معا، والثاني مرتبا والشافعية إمساك أي أربع شاء بلا تجديد وجه البعد أنه متجدد الإسلام لا يعرف شيئًا من الأحكام فخطاب مثله بأي ظاهر مثله بعيد وإنه لم ينقل تجديد لا منه ولا من غيره مع كثرة إسلام الكفار المتزوجين. وكذا لنوفل بن معاوية "وقد أسلم على خمس اختر أربعًا وفارق واحدةً" فقال عمدت إلى أقدمهن عندي ففارقتها ففيه وجه ثالث وهذا لفيروز الديلمى وقد أسلم على أختين أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى وفيه أربعة أوجه تجدد الإِسلام وعدم النقل وتعميم الآية والتعرض لعدم الترتيب. قلنا: لا بعد فيها أما الإمساك فإذا أريد به إبقاء الحالة الأولى وإطلاق البقاء على ما يتجدد في الأمثال شائع عرفا والداعي الجمع بينه وبين الأصل الممهد أنهم غير مخاطبين بالشرائع فيبقى أنكحتهم الجائزة عندهم بعد الإِسلام إن لم يكن ما ينالق بقاءها كالنكاح بغير الشهود ولق العدة خلافا لزفر فيهما لأن الخطاب يعمهم عنده وللإمامين في الثاني لأن حرمته اتفاقية دون الأول. أما جمع الأختين والزيادة على الأربع وهذا الطلقات الثلاث فينافى البقاء كالمحرمة كما أن تعرضنا لهم لا يجب إلا بالإِسلام ولو من أحدهما أو بمرافعتها عنده لأنه كتحكيمهما فإن استحقاق إحداهما لا يبطل بمواقعة الأخرى وإسلام إحداهما يعلو وأما إرادة الأوائل فاعترف منصفهم بقرية بناء على جواز علمه بالوحي أنه يختار الأوائل. وهذا شأن الإفتاء يكتفي فيه بالإطلاق عند الإطباق ولا يجب التعرض لتفصيل فيه وقوله عمدت إلى أقدمهن مع أنه لا يتعرض لسماع النبي عليه السلام ذلك يحتمل الأقدم في النشوء على الكفر وهو المناسب لعرض الراغب في محاسن الإسلام وأما عدم النقل فلعله لكون أنكحتهم مرتبة ولا تجديد فيها وأما تعميم الآية فصحيح بشرط تقدمها في النكاح فظاهره عدم التعرض للترتيب لا التعرض لعدمه. 2 - أن المراد في قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] إطعام طعام ستين لأن المقصود وهو دفع الحاجة في واحد ستين يومًا كهو في ستين شخصا وجه بعده جعل المعدوم مذكورا والمذكور معدوما إرادة أو جعل المقصود من المفعولين غير مقصود ¬

_ = (3/ 253)، والطبراني في الأوسط (2/ 190) ح (1680)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 13) ح (4609).

وبالعكس مع الفرق لفضل الجماعة وقرب دعائهم للمحسن على الإجابة إذ لعل فيهم مستجابا. قلنا إلحاق بمعنى دفع الحاجة لا إضمار والفرق ليس بشيء إذْ مناط التكفير نفس الإحسان لا الدعاء للمحسن ولئن سلم فلا نعلم بعد كل إضمار وإن المقصود الحقيقي يجب أن يوافقه الظاهري وإلا فلا تأويل وليس فيه جعل المذكور معدوما لاندراجه تحت المراد. 3 - أن المراد في قوله عليه السلام: "في أربعين شاة" قيمته لأن المعنى دفع الحاجة وإنجاز وعد رزق الفقراء وهو كما قبله تقريرا وجوابا قيل هذا ابعد لأنه إذا وجب قيمتها فلا يجزي نفسها لعدم النص وفيه مخالفة الإجماع ولأن المؤدي إلى إبطال أصله يبطل نفسه. فلنا: في الاعتراف بالإلحاق دفع لهما إذ يفيد أحدهما عبارة والآخر استنباطا ولا يكون إبطالا بل تعميما. 4 - أن المراد بأيما في قوله عليه السلام: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل" (¬1) هي الصغيرة والأمة والمكاتبه والمجنونة وبالبطلان الأول إليه عند اعتراض الولي عليه مطلقا في المذكورات ولعدم الكفاءة أو الغبن الفاحش في المهر في المكلفة فبين التأويلين منع الخلو ولا الجمع ولا منه كما ظن لأن النكاح للرقيقة موقوف على إجازة المولى ولغير المكلفة لكونه مترددا بين النفع والضر كالبيع على إجازة الولي بخلاف نحو الطلاق وقبول الهدية وغيرهما مالكة بضعها فيعتبر رضاها كبيع السلعة واعتراض الولي لدفع نقصان الكفاءة أو المهر فإن الشهوة مع قصور النظر للحديث. ولأنهن سريعات الاغترار سيئات الاختيار مطتها بخلاف السلعة وجه بعده أنه على أن يحتمل منع المرأة عما لا يليق بمحاسن العادات من نهوضها بنفسها إبطال للتعميم المستفاد من مقام تمهيد القاعدة والتصريح بأداته المؤكدة ولتأكيد التكرير الدافع لاحتمال ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 175) ح (700)، وابن حبان في صحيحه (9/ 384) ح (4074)، والحاكم في مستدركه (2/ 182) ح (27060)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والترمذي (3/ 407)، ح (1102)، وقال حسن، والدرامي (2/ 185) ح (2184)، والبيهقي في الكبرى (7/ 105) ح (13376)، والدارقطني في سننه (3/ 221)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 220)، وأبو داود (2/ 229) ح (2083) وابن ماجه (1/ 605) ح (1879)، عبد الرزاق في مصنفه (6/ 195) ح (10472)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (713)، والإمام أحمد في مسنده (6/ 47) ح (24251).

السهو والتجوز مع أنهما بالحمل على صورة نادرة كقول السيد لعبد أيما امرأة لقيتها فانكحها فقال أردت المكاتبة، إن رضيت هي ومكاتبها. قلنا: منع الشخص عن التصرف في خالص حقه لا يكون إلا لمعنى في غيره كالتشبه إلى الوقاحة هنا والمبالاة ينعقد عنده بعبارتها وأن إذن وليها فمن ضرورته جوازه في نفسه فيصرف إلى ما فيه جمع بين الدليلين وتعميم القواعد بحسب الطاقة وليس التكرير لدفع كل تجوز بل لعله لدفع أن لا يراد بالبطلان عدم الانعقاد كما هو حقيقته بلا عدم ترتب الثمرات كبطلان البيع الفاسد وهو المتعارف العام في الفعل الواقع ولئن سلم فلا نعلم تأويله بالأول إليه بل بالإضمار أي باطل عند اعتراض الولي بدلالة أن إذنه كعبارته في المعنى أو عند عدم الكفاءة كما روى الحسن عن الإِمام واختاره المتأخرون احتياطًا عن عدم جوازه عنده أما قوله عليه السلام: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" (¬1) فقد عمل بحقيقته في الشاهد إذ زيد به لشهرته على خاص فأنكحوا لا في الولي جمعًا بين الأدلة ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وجوابه أن المنفي ها هنا نكاح نحو الأمة والصغيرة واشتراط الشهادة في كل نكاح رواية أخرى ساكتة عن الولي. 5 - أن المراد بقوده عليه السلام: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" كقضاء الصوم ونذره لما ثبت من صحة الصيام بنية من النهار وجه بعده حمله على نادر قلنا لا يعد جمعا بين الدليلين لا سيما وهو مخصص اتفاقا كالنفل عند الكل قالوا فليحمل على أقرب تأويل كنفي الفضلية. قلنا: فيما فعلنا إبقاء الحقيقة والعموم في بعض الأصناف وفي ذلك إبقاء العموم فقط فهذا أقرب المجازين. 6 - إن المراد من قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] الفقراء منهم لأن المقصود سد الخلة، وجه بعده تعطل لفظ العموم وظهور أن القرابة ولو مع الغني يناسب سببا للاستحقاق وإلا لساواهم سائر الفقراء مع أنه عليه السلام أعطى العباس من الخمس مع غناه. قلنا: التعميم باق فيما هو المراد بالقرابة فإنها عندنا مجملة بين قرابة النصرة والنسب، ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 256) ح (1687) بتحقيفنا، وأخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 111) ح (13423)، والدارقطني في سننه (3/ 221)، وعبد الرزاق دط مصنفه (6/ 196) ح (374)، والطبراني في الأوسط (6/ 264) ح (366)، والكبير (18/ 142) ح (299). وانظر/ التلخيص الحبير (3/ 156).

الفصل الخامس في حكم الظاهر

بين حديث التشبيك أنها قرابة النصرة وعام مخصص عنده ولذا يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب لا بني نوفل وبني عبد شمس اتفاقا وأيا كان خص بالفقراء بدلالة حديث: "أن خمس الخمس عوض لهم عن الزكاة" ولذا يحرمهم الطحاوية والحق للكرخي لإجماع الأربعة الراشدين على قسمته على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل وتقديمهم، يدفع المساواة ولعل إعطاء ابن العباس باعتبار كونه ابن السبيل. 7 - أن اللام في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية لبيان المصرف فيجوز الاقتصار على واحد منهم وهو قول مالك رحمه الله قال إمام الحرمين للشافعي رحمه الله في وجوب ثلاثة من كل صنف بعيد لأن اللام في التمسك، والواو في الشريك ظاهر إن ولذا لو أوصى بثلث ماله لهؤلاء لم يجز حرمان لبعضهم فهي للاستحقاق وقال الغزالي لا يعد فيه لأن سياق الآية قبلها من قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] يقتضي بيان المصرف لئلا يتوهم أن المعطى مختار في الإعطاء والمنع ويعلم أن المصارف هؤلاء وهم ليسوا منها ورده الآمدي - رحمه الله - بأن ذلك قد يحصل ببيان الاستحقاق إذ لا منافاة بين القصد إلى بيان المصرف والاستحقاق بصفة التشريك فلا يصح صارفا عن الظاهر. قلت يعني به أن معنى اللمز في الصدقات اللمز في صرفها لا في نفسها فسياقه يقتضي أن يراد إنما صرف الصدقات لهؤلاء والصرف لا يملك فاللام صلة ولا دلالة على التمليك وأيضًا المجهول لا يستحق فهي حق الله وحاجة الفقير لها كتعظيم الكعبة للصلاة وهذه الأسماء أسباب الحاجة كأجزاء الكعبة فالبعض يكفي وكذا الواحد من البعض كما روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنه بخلاف مسألة الوصية وهو مؤيد بنحو قوله تعالى: {وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ} [البقرة: 271] وقوله عليه السلام وردها في فقرائهم فلاستعارتها عن الجنس إذ لا معهود والكل متعذر يتناول الواحد. الفصل الخامس في حكم الظاهر وهو وجوب العمل بما ظهر منه خاصًا كان أو عامًا يقينًا حتى صح إثبات الحدود والكفارات به على احتمال التأويل والتخصيص والنسخ وعلى احتمال السقوط بالنص وما فوقه عند التعارض لمرجوحيته بيانًا وقوةً، والتساوي في القوة شرط التعارض الموجب للتساقط لا مطلقه ولا خلاف في إيجابه العمل فلذا صار يقينا بل الخلاف في أنه يوجب العلم أيضًا عند العراقين وأبي زيد ولو عامل وعند علم الهدى وعامة الأصولين لا يوجبه

الفصل السادس في حكم النص

مع وجوب اعتقاد أن مراد الله تعالى منه حق ومبناه اعتبار الاحتمال البعيد أعني غير الناشئ عن الدليل وعدمه وهو الحق كما في العلوم العادية مثال تعارضه مع النص من الكتاب كما قالا إن قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] نص في أن مدة الرضاع حولان وقوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ظاهر فيه لأنها سبقت لمنة الوالدة على الولد فتجرحت الأولى. وقال الإِمام: نعم لولا حمل الحولين على مدة استحقاق المطلقة أجرة الرضاع حيث لا يجبر الزوج على إعطائها بعدهما قيل وكقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ظاهر في إباحة غير المحرمات مطلقا وقوله تعالى: {مَثْنَى} [النساء: 3] نص في حرمة ما وراء الأربع فترجح وإنما يصح لوعد ما سبق له ظاهرا وإلا فمن تعارض النص مع المفسر ومن السنة قوله عليه السلام للعرنيين اشربوا من أبوالها وألبانها ظاهر في إطلاق شرب أبوال الإبل، لأن سوقه ألبان للشفاء وقوله عليه السلام: "استنزهوا من البول" (¬1) نص في وجوب الاحتراز فهذا مرجح ولذا لم يجوز الإمام شربه ولو للتداوي. ومن المسائل قولها أبنت نفسي بعد ما قال لها طلقي نفسك ظاهر في الإبانة نص في الطلاق إذْ سوقه له، لأن كلامها للجواب عن طلقي فرجح الرجعي وهذا معنى أنه لم يفوض إليها إلا الرجعي فيلغو الوصف الزائد لا يقال لا تعارض إلا بين كلامين وليس ها هنا كلامان لأنا نقول معنى التعارض أنه دار بين كونه نصا في ذلك وظاهرا في هذا فجحل نصا وكذا في نظائره الآتية من تزوج امرأة إلى شهر وغير كذا قيل الصحيح الكلي هو الجواب الآتي. ثم إنما يترجح النص عليه بعد تساويهما في الرتبة فلا يترجح نص خبر الجواب الآتي ثم إنما يترجح نص خبر الواحد على ظاهر الكتاب كما في قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فإنه ظاهر في أنها ناكحة نص في ثبوت الحرمة الغليظة وقوله عليه السلام: "لا نكاح إلا بولي" (¬2)، وإن كان نصا في اشتراط الولي لكن خبر الواحد لا يقوى على معارضته. الفصل السادس في حكم النص هو وجوب العمل بما وضح منه كذلك على احتمال التأويل والتخصيص والنسخ ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 128)، وانظر التلخيص الجيد (1/ 106)، الدارية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 59)، نصب الراية للزيلعي (1/ 128). (¬2) تقدم تخريجه.

الفصل السابع في حكم المفسر

والسقوط المفسر المساوي وما فوقه عند التعارض اتفاقا فيه واختلافا في إيجاب العلم. وهذه الأمور في حيز العدم عند العدم دليله كالمجاز مثال تعارضه مع المفسر قوله عليه السلام: "المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" نص يحتمل التأويل باستعارة اللام للتوقيت وقوله عليه السلام: "المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة" (¬1) مفسر فيه فرجح. وفيما إذا تزوج امرأة إلى شهر فالأول نص في النكاح يحتمل المتعة والآخر مفسر فيها فرجح، وفيما قال داري لك هبة أو سكني هبة فأول الكلام نص في لقليك الرقبة يحتمل تمليك المنفعة وآخره مفسر فيه فرجح وقيل آخره محكم في المثالين فهما من تعارض النص والمحكم كتعارض قوله عليه السلام: "من استنج منكم فليستنج بثلاثة أحجار"، مع قوله "من استجمر فليوتر فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج" فقد رجح محكم التخيير في الثاني من نص اشتراط الثلاثة ومداره على فرض احتمال النسخ وامتناعه بسبب فإن الفرض كاف في التمثيل وبه يعرف صحة تفريق المعنى في التمثيل بها بالاعتبارين. الفصل السابع في حكم المفسر هو وجوب العمل به والعلم بذلك اتفاقا على احتمال النسخ والسقوط بالمحكم عند التعارض قيل مثاله قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فإن ذوي العدل مسوق لمقبولية الشهادة لأنها فائدة العدالة ووجوب قبولها منهم بالإجماع فهو نص فيها ومفسر لا يحتمل غير قبول شهادة العدول؛ لأن الإشهاد إنما يكون للقبول عند الأداء وقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] المقتضي لعدم القبول من المحدود في القذف فإن تاب وعدل محكم في رده إذ لا يحتمل النسخ للتأييد فرجح فاعترض عليه يمنع أن الأول مفسر حيث يحتمل الأمر الإيجاب والندب ومخصص من الأعمى والعبد ومنع أن الإشهاد إنما يكون للقبول فلعله للتحمل فقط كشهادة العميان والمحدودين في القذف في النكاح ولقوله ليس شيء منهما بهائل فإن المستشهد به للمفسر ذوي عدل لا غير واحتمال المجاز الذي في الأمر والتخصيص الذي في مجرور منكم لا ينافيه. والعدالة تقصد للقبول لا للتحمل وهذا لأن كون مجموع الكلام مفسرًا لا يكاد يوجد لا سيما في كلام الله تعالى لأنه إن كان خبرا فمحكم وإن كان إنشاء فلكل نوع منه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1/ 220) ح (126)، والربيع في مسنده (1/ 222) ح (555)، وأبو طالب القاضي في العلل (1/ 57) ح (73)، وانظر نصب الراية للزيعلي (1/ 202).

الفصل الثامن في حكم المحكم

محتملات مجازية بل وهذا كونه محكما كالنهي في لا تقبلوا فالتحقيق يقتضي أن يكون التمثيل لهما بقيد من الكلام لا بمجموعه كالمفعول في: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وإلا فاحتمال أن يراد بالقتل الضرب الشديد مجازا واحتمال الأَمر المعاني المجازية قائمًا فكيف يكون مفسرًا لا يقال مقصود التفاوت بين هذه وإلا قام الترجيح لو تعارضت ولا تعارض إلا بين الحكمين لأنا نقول المراد تعارض الحكمي باعتبار تعلقهما بذينك القيدين والله أعلم. الفصل الثامن في حكم المحكم هو وجوب العمل به والعلم من غير احتمال وقد مر تحقيق الحق في أن الدليل اللفظي قد يفيد اليقين بمعنى عدم احتمال ما في الشرعيات لأنه منحصر مضبوط على ما هو المشهور، وفي العقليات أيضًا على ما اخترنا وقد رجح على ظاهر قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ} [النساء: 3] ونص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ومحكم قوله تعالى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] فحرم نكاح أزواج النبي عليه السلام. ومن مسائل الجامع أنه لو قال في عليك ألف درهم الحق أو الصدق أو اليقين منصوبا بمعنى ادعيت الحق أو مرفوعًا بمعنى قولك الحق صار تصديقا لأنها أوصاف الخبر تصلح لذلك ظواهر باعتبار أن المسوق له المقر به متضمن لا ملفوظ ونصوصا باعتبار أن المتضمن كالملفوظ. ولو قال الصلاح كان ردًّا لأنه لما لم يصلح وصفا للخبر إذ لا يقال خبر صلاح لم يصلح تصديقا فيكون محكما في ابتداء الكلام أي أَتبع الصلاح واترك الدعوة الباطلة أو الصلاح أولى بك منها فمتى دخل الصلاح جاء الفساد ولو قال البر كان مجملا محتملا لهما؛ لأنه موضوع لأنحاء الإحسان قولا وفعلا لا يختص بالجواب ولا ينافيه فهذا قرن بما يصلح تصديقا من الألفاظ الثلاثة يحمل عليه لأنها بيان لإجماله، وإذا قرن بالصلاح يكون ردا وابتداء لأن المحكم بينه وكذا لو قرن بالصلاح الألفاظ الثلاثة كان ردا حملا للظاهر وللنص على المحكم فأصلها أن كلام المدعى عليه إن صلح تصديقا أو ردا فذا أو احتمله وإلا فكالمسكوت. الفصل التاسع في حكم الخفي وهو الطلب أي النظر في أن اختفاءه في محله لمزيد فينتظمه أو لنقصان فلا ينتظمه كالسارق في الطرار والنباش فإن اختلاف الاسم دليل اختلاف المسمى ظاهرًا فنظر أن

الفصل العاشر في حكم المشكل

السرقة أخذ المال مسارقة عن عين الحافظ أو قاصد الحفظ بحرز المكان وقد انقطع حفظه بعارض وهذا في غاية الكمال في الطَّرِّ لأنه قطع الشيء عن اليقظان بضرب غفلة تعتريه فكان اختصاصه باسم آخر لحذق في فعله فصح تعدية الحدود إليه وفي غاية القصور وفي النبش إما لأنه الأخذ مسارقة عن عين من لعله يهجم عليه وهو لذلك غير حافظ ولا قاصد ولأنه ارذل الأفعال وأردأ الخصال وفي السرقة مع أنها قطعة من حرير دلالة على خطر المأخوذ حيث اشترط فيه النصاب فلم يصح تعدية الحدود إلى مثله فلذلك قال الإمام ومحمد رحمهما الله لا يقطع ولو كان القبر في بيت مقفل في الأصح وإن سرق مالا آخر من ذلك البيت لاختلال الحرز بإمكان التأويل في الدخول بزيارة القبر. وقال أبو يوسف والشافعية يقطع لأن الأخذ على الخفية يتناوله فعند الغزالي إذا سرق من بيت محرزًا وفي مقبرة متصلة بالعمران وعند القفال مطلقا. وكالزاني في اللائط فإن الزنا صفح ماء محترم في محل مشتهى بحيث يؤدي إلى استهلاك الفراش أو إهلاك الولد واللواط لا يؤدي إليهما فلا يعدي الإمام حده إليه. الفصل العاشر في حكم المشكل وهو الطلب ثم التأمل أي النظر في محامله صم التكليف في الفكر ليميز مراده الداخل في أشكاله أما الغموض في المعنى نحو: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] فطلب أنه يجيء بمعنى من أين نحو: {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37] وبمعنى كيف نحو: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} [مريم: 20]. ثم تأمل أن المراد ليس الأول ليباح الدبر لأنه موضع الفرث لا الحرث والفرث أذى أصلي فبالأولى أن يحرم ويؤيده سبب النزول فتعين الثاني المفيد في الإطلاق في الأوصاف أعني قاعدة ومضطجعة ومستدبرة وإما لاستعارة بديعة نحو: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 16] فطلب حقيقتها ومجازها وتأمل أن لا صحة لها فتعين هو وقد مرت أمثلته. الفصل الحادي عشر في حكم المجمل هو التوقف إلى الاستفسار عملا مع اعتقاد حقيقة ما هو المراد حالا ثم الطلب والتأمل إن احتيج إليهما كما في الربا فإن حديث الأشياء الستة الحاصل من الاستفسار معلل بالاجماع فيطلب معانيه الصالحة للعلية ويتأمل لتعيين ما هو العلة فيعدى بحسبه وإن لم يحتج إليهما يكتفي بالاستفسار فإن كان بيانه قطعيا صار مفسرا كما في الصلاة والزكاة وإن كان ظنيا صار مأولا كمقدار المسح.

الفصل الثاني عشر في حكم المتشابه

الفصل الثاني عشر في حكم المتشابه وهو التسليم واعتقاد حقيقة المراد علما والتوقف لبدا عمل وهو عبودية لأنها الرضا بفعل الرب والإمعان في الطلب عبادة لأنه فعل يرضي الرب والأولى أولى ولذا تسقط الثانية في العقبي دون الأولى والمراد بالأبد إلى آخر الدنيا لأن انقطاع رجاء بيانه للابتلاء فيختص بداره وينكشف في العقبي وإنما عد من أقسام النظم من حيث يعرف به حكم الشرع ولا يعرف به أصلا لأن حيثية المعرفة أعم من إيجابها وسلبها انجر إليه التقسيم أو يعرف به أن لنا منه اشتد الوجهين بلوى وأن لله شيئا استأثر بعلمه عبر عنه به والفرق بينه وبين المجمل الذي لم يبين بوروده في الاعتقادات وورود المجمل في العمليات غالبا. تحصيل ما يتعلق بهذه الفصول للخفاء والبيان من الأصول وفيه بابان: الباب الأول في المجمل وفيه بحثان: الأول: قد مرت الإشارة إلى أن الشافعية يسمون كل ما لم يتضح المراد منه أي بعد ما دل وأورد المهمل متشابها ومقابله محكما فكذلك يسمون قسمًا من المتشابه مجملا لا يعرف قبل البيان من المجمل وبعده مبينا فقيل في تعريفه ما له دلالة غير واضحة فيتناول القول والفعل والمشترك والمتواطئ إذا أريد به واحد من أفراده لا الحقيقة. وهذا يقتضي الترادف بينه وبين المتشابه مع أن المتشابه مشترك بينه وبين المؤول كما مر فهو قسم منه قسيم للمؤول فإن التشابه عندهم بالدلالة على شيئين أو أكثر فحين التساوي جمل وعند مرجوحية أحدهما مؤول كما أن الراجح لكن لا يرد الظاهر لأن دلالته واضحة ولذا عدوه كالنص قسما في المحكم. وقيل هو اللفظ الذي لا يفهم منه عند إطلاقه شيء ولام اللفظ للعهد وإلا فالنكرة كافية للتعريف والأصل عدم الزيادة فلا يرد على طرده المهمل ولا المستحيل إذا أريد بالشيء اللغوي ولا على عكسه المشترك الدائر بين المعنى بناء على أنه يفهم منه أحد محامله لا بعينه لأن المراد فهم الشىء على أنه مرادًا نعم يرد الفعل لوعد مجملا كالقيام من الركعة الثانية من غير تشهد يحتمل الجواز والسهو إذ ليس لفظا إلا أن يقال أريد تعريف المجمل الذي من أقسام المتن اللفظ. وقال أبو الحسين: ما لا يمكن معرفة المراد منه قيل الجار متعلق بالمعرفة لا بالمراد وإلا لم يصدق على مجمل لإمكان معرفة كل مجمل بالبيان لكن المعرفة من البيان منه فيرد

الثاني: فيما اختلف في إجماله

على طرده المشترك المقرون بالبيان إذْ ليس بمجمل وكذا المجازيين أولا فالمعرفة فيهما ليست منهما بل من البيان لو كان ويمكن أن يقال المشترك مجمل من حيث هو وذلك كاف في الصحة؛ لأن قيد الحيثية مراد في مثله ولا نعلم أن المتردد بين المعاني المجازية مع الصارف على الحقيقة ليس محملا فالأوضح ما مر لهم أما المجمل ما تساوى دلالته بين المعنين أو أكثر والأصح ما مر. لنا: أنه ما لا يدرك مراده مع رجائه إلا بالاستفسار إما لغرابة أو تغيير في مفهومه اللغوي أو تساو فالمبين ما يقابله ولا يختص بمقابلته. الثاني: فيما اختلف في إجماله: 1 - التحريم المضاف إلى العين نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] حقيقة وعند العراقيين مجاز من حذف المضاف أو التعبير بالمحل لأن تعلقه بالمقدور وهو الفعل ثم منهم من ذهب إلى إجماله كالكرخي منا وأبي عبد الله البصري والبهشمية إذْ لا يضمر الجميع لأن الضرورة تندفع بالبعض ولا أولوية بين الأبعاد. قلنا: لا نعلم التجوز إذْ المراد أحد نوعي الحرمة وهو حرمة المحل أعني خروجه من محلية الفعل أعني خروجه من الاعتبار شرعًا كالمنهي الفساد والمنع عن شرب الماء الموجود والحماية ويعبر عنهما بالحرمة العينية والغيرية فالمنع في الأول أوكد فإلحاقه بالثاني غلط ولئن كان مجازا فالعرف يعين المراد كالأكل من الميتة والشرب في الخمر والتمتع في النساء فلا إجمال. 2 - نحو: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" (¬1)، "وإنما الأعمال بالنيات" (¬2) مما يراد به لازم من لوازمه وإلا لزم الكذب وهو الحكم لأنه مبعوث لبيانه مجمل بعد التجوز لكونه مقولا شرعا على الدنيوي كالصحة والفساد والأخروي كالثواب والعقاب وهما مختلفان حقيقة ومحلا ومقصودًا ومناطًا فقط ببط الأول بتحقيق ما يتوقف عليه، والثاني بصحة العزيمة؛ ولذا يفترقان إجماعا في ظن تحققه وإلا فلا يرادان معا وإلا لتلازما فيتحققا معا في الأول وينتفيا معا في الثاني وحينئذ إن أريد بالأعمال مثلا ما صدق عليه الحكم على التعين مجازا من الثواب أو الصحة صار مشتركا وهو مراد فخر الإِسلام فلا بحث فيه. وإن أريد مطلق الأثر الثابت بها صار في حكم المشترك أو صار حكم العمل مشتركا بين حكم عزيمته وحكم تحقق ما يتوقف عليه فصار مجملا وحين أريد الأخروي اتفاقا ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) تقدم تخريجه.

إذ المؤاخذة بالخطأ ليست ممتنعة في الحكمة بدليل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] لم يرد الدنيوي لما مر عندنا ولعدم عموم المجاز عنه فلم يصح تمسك بالأول على عدم فساد الصلاة بالكلام ناسيا والصوم بالإفطار مخطئا وبطلان طلاق المخطئ وبالثاني على اشتراط نية الوضوء وقال البصري بأن لا إجمال في حديث الرفع لأن العرف عين إرادة رفع العقاب كقول السيد لعبده رفعت عنك الخطأ والضمان بإتلاف مال الغير جبر المتلف لا العقاب إذ لا يقصد به الزجر كما في الصبي. قلنا العرف مشترك إذْ لا نعلم إرادة رفع العقاب في كل موضع فإنه بعد ترتيب الوعد كللى أمر له شروط أو منافيات قد يراد برفع الخطأ الاعتداد في الشروط بما عدمت فيه وفي المنفيات بما وجدت فيه خطأ في ترتب الوعد من غير تعرض لترتب الوعيد أصلا. تنبيه: من لم يفرق بين المقتضي والمحذوف من أصحابنا كأبي زيد جعل الحكم مقتضى فبنى على أن لا عموم له عندنا لا عند الشافعي رضي الله عنه وفيه التقصي عن تكلف إثبات الاشتراك أو حكمه. 3 - المسح في حق المقدار مجمل خلافا لغيرنا كمالك والقاضي وابن جني لأن مسح الرأس لغة مسح الكل، والشافعي وعبد الجبار وأبو الحسين البصري للعرف الطارئ على أطرقة للبعض فالمشهور من أن مسح بعض الرأس واجب وكله سنة وبعضهم على أن الواجب مطلقه. قلنا: ما دخل عليه الباء لا يراد استيعابه عرفا كما مر أما الآلة فلأن المقصود منها مقدار ما يتوسل به وأما غيرها فلأن دخول الباء لتشبيهه بها نحو مسحت يدي بالمنديل والحائط ورأس اليتيم فلا فرق بينهما في ذلك كما ظن وحمله على الصلة خلاف الأصل وبعد انتفاء الكل فليس المراد مطلق البعض بما سلف من الوجوه. 4 - نحو قوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بطهور"، "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، "لا نكاح إلا بولي"، "لا صيام لمن لم يبيت"، مما ينفي الفعل والمراد صفته لا إجمال فيه بين نفي الصحة ونفي الكمال خلافا للقاضي. لنا أنه إن ثبت عرف شرعي في نفي الصحة أو عرف لغوي في نفي الفائدة نحو لا علم إلا ما نفع ولا كلام إلا ما أفاد ولا طاعة إلا لله فلا إجمال وإن انتفيا فالأولى حمله على نفي الصحة إلا لدليل كالإجماع في "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" ولزوم النسخ في لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب عندنا لأنه كالعدم في عدم الجدوى قكان أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة وظاهرا فيه فلا إجمال وهذا ترجيح له أن العرف الشرعي

مشترك قلنا لا نعلم بل ذلك للاختلاف في الظهور يعني أنه ظاهر عند كل في واحد ولا قائل بالتردد ولئن سلم التردد فنفي الصحة راجح بأنه أقرب إلى نفي الذات. 5 - قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مجمل في حق مقدار ما يجب قمه خلافا للأكثر، لنا أن إرادة كل اليد وبعضها المطلق منتفيان بالإجماع لا بالخبر إذ لا يزاد به على خاص الكتاب فلا بد من مقدار بينة خبر الواحد. قالوا أولا اليد حقيقة في جملة العضو إذْ الأصل خلاف الاشتراك والقطع في الإبانة فلا إجمال. قلنا: بل المعاني الثلاثة مشتركة في الاستعمال وغلبته وذلك آية الاشتراك ولئن سلم فالمراد إجماله بعد العلم بعدم إرادة الكل والبعض المطلق كما مر، وثانيا إنما يكون مجملا لوكان مشتربما بين الكل لا متواطئا فيها ولا حقيقة في أحدها ومجازا في الباقي ووقوعه واحد لا بعينه من اثنين أقرب من وقوع ثالث بعينه فيغلب ظن عدم الإجمال. قلنا: إثبات اللغة بالترجيح ونفي لمطلق الإجمال في محل النزاع أما ما يثبت إجماله بدليل آخر فلا. 6 - اللفظ المستعمل تارة في معنى وأخرى في معنيين إذا لم يثبت ظهوره في أحد الاستعمالين مجمل خلافا لشرذمة. قلنا: إثبات اللغة بالترجيح بكثرة الفائدة على أنه معارض بأن الموضوع لواحد أكثر ففيه أظهر فيتعارضان. وثانيًا: إجماله عند الاشتراك لا التواطؤ والتجوز ووقوع المبهم أقرب. قلنا: مر جوابه. 7 - قيل: اللفظ الذي له معنى لغوي ومحمل شرعي إذا صدر من الشارع ليس مجملا بل يتعين الشرعي محملا لأنه بعث لتعريف الأحكام الشرعية لا الموضوعات اللغوية فقوله عليه السلام "الطواف صلاة" (¬1) يراد به كهي في اشتراط الطهارة لا أنه يسمى صلاة لغة. قلنا: الكلام فيما لم يتضح دلالته على الشرع ولئن سلم فلا يراد ظاهره إذ ليس صلاة حقيقة وفي المجازات كثير لاحتمال إرادة أنه كهي في الفضلية واحراز الثواب وكونه إمارة الإيمان وشيء منها غير متعين على أن حمله على اشتراط الطهارة يؤدي إلى نسخ خاص الكتاب. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 120) ح (461)، والحاكم لما مستدركه (1/ 630) ح (1686) والدارمي (2/ 66) ح (1847)، والبيهقي في الكبرى (5/ 85) ح (9074)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 467) ح (2599).

الباب الثاني في المبين

8 - اللفظ الذي له مسمى لغوي وشرعي بناء على الحقائق الشرعية كالنكاح في الوطئ والعقد إذا صدر عن الشارع ظاهر في الشرعي مطلقا وقيل مجمل وقال الغزالي في النهي مجمل كما عن صوم يوم النحر وفي الإثبات ظاهر فيه كقوله عليه السلام: "إني إذا لصائم" (¬1) بعد سؤاله عن عائشة رضي الله عنها أعندك شيء فقالت لا وقيل في الإثبات بالشرعي وفي النهي باللغوي فلا إجمال. لنا: ظهور إطلاق المستعمل في متعارفه فلا يسمع تمسكهم بصلوحه لهما بعد وضوح اتضاحه وفرق الغزالي بأن النهي لو كان شرعيا لكان صحيحا والنهي لا يدل على الصحة ولا دليل عليهما غيره إجماعا فيكون مجملا بين المجاز الشرعى والحقيقة اللغوية والجواب بأن الشرع ليس الصحيح شرعا بل ما يسميه الشارع به من الهيآت قد استفيد فساده من باب النهي بل الحق منع أن النهي لا يدل على الصحة. ومن يعلم جواب الرابع فإنه لما لم يمكنه حمله في النهي على الشرعي حمله على اللغوي فالرد والتحقيق كما سلف. الباب الثاني في المبين وفيه مباحث مشتركة ومقاصد مختصة: المبحث الأول أن البيان يطلق على التبين وهو الإظهار كالسلام على التسليم من بان أي ظهر أو انفصل وهو الغالب كما قال تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 4] أي إظهار ما في الضمير بالمنطق المعرب عنه: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] وقال عليه السلام: "إن من البيان لسحرا" فاختاره أصحابنا ويناسبه تعريف الضمير في الإخراج من خبر الأشكال التي حيز التجلي والوضوح وما أورد عليه من البيان الابتدائي ومجازية لفظ الحيز في الموضعين والتكرار في الوضوح مناقشات واهية لأن مقتضي الإخراج عرفًا تجويز الإشكال لا وقوعه نحو ضيق فمم الركية. ويجوز التجوز في الحدود إذا اشتهر والترادف للتوضيح فإنه محل البيان وقد يطلق على ما به التبين ولذا عرف القاضي والأكثرون بأنه الدليل وعلى محل التبيين وهو المدلول ولذا عرفه عبد الله البصري بأنه العلم عن الدليل. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (2/ 329) ح (2455)، والنسائي في الكبري (2/ 116) ح (2638)، وعبد الرازق في مصنفه (4/ 277) ح (7764)، والطرني في الأوسط (7/ 233) ح (7364).

المبحث الثاني

قلنا البيان بيان علم به السامع فاقرا ولم يعلم قاصرا إذ لو كان علمًا لم يكن النبي مبينا للكل وقد قيل لتبيين للناس ما نزل إليهم. المبحث الثاني وجوه تقسيمه: 1 - انه إما مفرد أو مركب مع أقسامها ويتضح بتنويره فيما يقابله من المجمل فإن الإجمال اما مفردا كالمشترك المتردد أصالة كالعين أو إعلال كالمختار يحتمل الفاعل والمفعول وإما في مركب إما بجملته نحو: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] يحتمل الزوج والولي أو في مرجع الضمير منه كمَا يحكى عن ابن جريح أنه سئل عن أبي بكر وعلى رضي الله عنهما أيهما أفضل فقال أقربهما إليه فقيل من هو قال من بنته في بيته فأجمل فيهما أو مرجع الصفة تجوز طبيب ماهر لتردده بين مطلق المهارة والمهارة فيه أو في تعدد المجازات مع الصارف عن الحقيقة ومنه التخصيص أو الاستثناء أو الصفة أو البدل أو الغلبة المجهولات فلكل مبين يقابله. 2 - قد يسبقه إجمال وهو ظاهر وقد لا نحو: {اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231] ابتداء. 3 - قد يكون قولا وذا بالاتفاق وقد يكون فعلا عند الجمهور خلافا لشرذمة. لنا أولا: بيانه عليه السلام الصلاة والحج بالفعل لا يقال بل بقوله صلوا وخذوا إذ البيان بالفعل وهما دليلا بيانيته. وثانيًا: أن مشاهدة الفعل أدل كما قيل ليس الخبر كالمعاينة قالوا الفعل يطول فالبيان به يوجب تأخير البيان عن وقت الحاجة وأنه غير جائز. قلنا: يطول القول أكثر في مثل هيئات الركعتين ولئن سلم فلا تأخير لأنه لا يشرع فيه عقيب الإمكان لا امتداد الفعل كمن قال لغلامه ادخل البصرة فصار عشرة أيام حتى دخلها ولئن سلم فلأنما عدم جوازه مع غرض في التأخير كسلوك أقوى البيانين على أن جوازه مطلقا مما ذهب إليه وسيجىء ذنابة إذا ورد بعد الإجمال قول وفعل صالحان للبيان فإن اتفقا كطواف واحد والأمر به بعد آية الحج فإن عرف المتقدم فهو البيان وإلا فأحدهما لا بعينه وقيل إذا لم يرجح أحدهما وإلا فهو المتأخر لأن المرجوح لا يؤكد به. قلت ذلك في المفردات لا في المؤكد المستقل وإن اختلفا كطوافين والأمر بواحد وصورة اربع فالقول هو البيان تقدم أو لا والفعل ندب أو واجب مختص به لأن فيه جمعا بين الدليلين وقال أبو الحسين المقدم هو البيان ففي صور في تقدم القول اتفاق ويلزمه نسخ

المبحث الثالث

الفعل في طوافين ثم الأمر بواحد وهو باطل، أما عكسه فليس نسخا بل زيادة للتكليف. 4 - في أقسام القول أنه إن لم يكن بالمنطوق بل يتركه في محله فبيان ضرورة وإن كان فللازم المعنى كمدة بقاء المشروع بيان تبديل ولعينه بالتغيير بيان تغيير كالاستثناء والشرط والصفة والبدل والغاية ولخصيص العام القطعي والاستدراك فإنها بيان مدة نفس المشروع لإبقائه ولا بالتغيير فلتأكيد المعنى المعلوم برفع احتماله المرجوح بيان تقرير ولتبين المراد المجهول بأحد الوجوه الثلاثة بيان تفسير. 5 - في أقسام الفعل أن بيانه إما بنفسه وذا إما وضعي كالخطوط والعقود والنصب أو عرفي كالإشارة أو بضرورة معرفة أن فعله للبيان كإمامة جبريل أو بدليل عقلي كوقوعه وقت الحاجة إلى العمل بالمجمل نحو قطع يد السارق من الكوع وإما بتركه كترك التشهد الأول عمدا ليعلم عدم وجوبه وترك ما يتناول الخطاب به له ولأمته قبل الفعل ليعلم تخصيصه أو بعده ليعلم نسخه في حقه فإن علم أن أمته في ذلك كهو ثبت في حقهم أيضًا وإلا فلا. المبحث الثالث أن الأكثر على أن المبين يجب كونه أقوى، وقال الكرخي لا أقل من المساواة وجوز أبو الحسن الأدنى والصحيح من مشايخنا عدم جواز الأدنى في المغير والمبدل لا في المقرر والمفسر. لنا أن إلغاء الراجح بالمرجوح بافى فإن تخصيص العام إلغاء لدلالته والتحكم في المساوي ممنوع بل لكونه محمولا على المقارنة عند الجهل بالتاريخ يخص العام. لا يقال الصحابة رضي الله عنهم خصصوا الكتاب بخبر الواحد من غير نكير فكان إجماعًا لأنا نقول بعد ما ثبت تخصيصه بقطعي من إجماع وغيره ولئن سلم فخبر الواحد عندهم كان قطعيا مسموعا من النبي عليه السلام وأما تقييد المطلق متراخيا فنسخ عندنا إذ لا دلالة له على المقيد فضلا عن قوتها وضعفها كالعام المنطقى بخلاف العام الأصولي المخصص حيث يدل على بعض أفراده تضمنا فحين قيد متراخيا لم يبق مطلقًا وتبدل والعام المخصص عام مخصص ولو خصص. ثانيا: متراخيًا ولم يتبدل من القطع إلى الظن بخلاف غير المخصص أو خصص متراخيا أما تقييده متصلا فبيان لما هو المراد منه تغيير لما هو الظاهر لولاه فيكون بيان تغيير موجبا توقيف أول الكلام على الآخر المغير لئلا يلزم نفي شيء وإثباته معا واحتمال للتوقف مع الفصل وإلا لزم بطلان الأحكام هذا في الظاهر وأما المجمل ونحوه فيكفي في

المبحث الرابع

بيانه تفسيرا أدنى دلالة ولو مرجوحًا إذ لا تعارض فإنه لا يدفع دلالته بل يجمع بينهما وفي بيان التقرير بالأولى لأنه تأكيدٌ للظاهر لا إظهار لما ليس فيه. المبحث الرابع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز إلا على قول من جوز تكليف المحال أما خبر وضع العقالين في آية الخيطين قبل نزول: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فحمله على تقدير ثبوته نفل الصوم ووقت الأجل وقت فرض الصوم وعن وقت الخطاب قيل يجوز مطلقا وهو مختار ابن الحاجب، وقال الصيرفي والحنابلة يمتنع مطلقًا وقال الكرخي: يمتنع في الظاهر إذا أريد به غير ظاهره ويتناول تخصيص العام وتقييد المطلق وتفسير الأسماء الشرعية والنسخ لا في المجمل كالمشترك والمتواطئ المراد به معين، وقال أبو الحسين من المعتزلة والقفال والدقاق وأبو اسحق المروزي من الأشاعرة كما قال الكرخي لكنه في البيان الإجمالي أي بجواز التأخير في المجمل وامتناعه في غيره لكن الممتنع تأخيره هو البيان الإجمالي كان يقال هذا العام مخصوص أو سيخص أو سيقيد المطلق أو سينسخ الحكم وجوزوا تأخير التفصيل بعد قرآن البيان الإجمالي. وقال: الجبائيان وعبد الجبار لا يجوز التأخير أصلا إلا في النسخ وهو المفهوم من المعتمد ولا ينبئك مثل خبير والمختار عند مشايخنا جوازه إجمالا وتفصيلا في بيان التقرير والتفسير كتبين المجمل بل والمشكل والخفي ومنه تصير الأسماء الشرعية وفي بيان التبديل ومنه تقييد المطلق متراخيا كما مر وتعيين معين أريد بالنكرة من أقسامه عندنا وامتناعه في بيان التغيير باقسامه. قال فخر الإِسلام رحمه الله وكذا عند الشافعي - رحمه الله - إلا أن تجويزه التراخي في تخصيص العام دوننا بناء على أنه تفسير عنده لما كان محتملا له وللكل كالمجمل وبيان محض فشرطه محل موصوف بالإجمال والاشتراك أي بالخفاء والجهل محققا في البيان البنائي أو مقدرًا كما في البيان الابتدائي وأما شرط سبق الكلام له تعلق في الجملة كما ظن وليس مشهورا والتغيير عندنا من القطع إلى الاحتمال لما مر أن العام قبل التخصص قطعي عندنا دونه وإنما لم يجوز التراخي في الاستثناء والخمسة المتصلة الباقية مع أنها تخصيصات عنده لعدم استدلالها وليس الخلاف في جواز قصر العام على بعض متناولاته بمستقل متراخ بل في أن يكون تخصيص فيكون في الباقي ظنيا أو نسخ فيكون قطعيا بناء على أن دليل النسخ لا يحتمل التعليل.

فليس اشتراط المقارنة كاشتراط الاستقلال مجرد اصطلاح كما ظن بل ليفيد الظن والجري على هذا مستمر ومهول التاريخ محمول على المقارنة وذلك كثير لنا في جوازه في التقرير والتفسير كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]. حيث أريد التفسير لأنه فسر بيان ما اشكل عليك من معانيه ولأنه إيضاح لغة ولأنه مرادٌ إجماعًا فلا يراد غيره دفعا لعموم المشترك ولو سلم عمومه فبيان التعبئة أخص منه لما سيأتي وفي التقرير معنى التفسير بل أولى وأن الخطاب بالمجمل مفيد للابتلاء بعقد القلب على أحقية المراد به مع انتظار البيان كما بالمتشابه مع عدمه كما يبتلى بالفعل عنده وفي امتناعه في التفسير قوله عليه السلام: "فليكفر عن يمينه" (¬1). إذْ لو جاز تراخيه لما وجب التكفير أصلا لأن الإبطال بالاستثناء محتمل ولو استدل الإجماع على وجوب الكفارة ووقوع نحو الطلاق والعتاق ولزوم الأقارير ونحوها مما لا يحصى لكان أولى على ما لا يخفى هذا المعتمد لا أن التأخير إلى مدة معينة تحكم وإلى الأبد تكليف مع عدم الفهم لكفاية تعينها عند الله تعالى يعلمه من وقت التكليف به ولا أن الخطاب يستلزم التفهيم ولذا لا يصح خطاب الجماد ولا الزنجى بالعربي ولا تفهيم بظاهره لأنه غير مراد ولا بباطنه لأنه غير مبين متعذر والقصد إلى ما يمتنع حصوله سفه وذلك لأنه مع نقضه بالنسخ يجوز قصد تفهيم الظاهر مع لخويز التخصيص عند الحاجة فلا جهالة إذ لم يعتقد عدم التخصيص ولا أدلة إذ لم يقصد فهم التخصيص تفصيلا للمجوزين مطلقا. أولا: قوله تعالى في المغنم {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] إلى قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] ثم بين أن السلب للَقاَتل مطلقًا على ما رأي وإذا رأه الإِمام على آخر. قلنا ذلك بشرط التنفيل قبل الإحراز عندنا ولم يكن حينئذ غنيمة ومذهبنا أولى جمعا بين حديث التنفيل وحديث خبيب بن أبي سلمة رضي الله عنه. وثانيا: أنه بين ذوى القربى بأنهم بنو هاشم دون بني أمية وبنى نوفل متراخيا قلنا بيان مجمل القرابة فإنها تحتمل قرابة النصرة وقرابة النسب قيل ظاهرة في الثانية قلنا ولئن سلم فقرابات النسب أيضًا مختلفة فهو بيان المراد بالعام الذي تعذر العمل بعمومه. ثالثا: بيانه بقرة بني إسرائيل متراخيًا وجه تمسكهم قيل إن المطلق عندهم عام وقيل ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

من حيث أريد به خلاف الظاهر في الجملة إذ المذبوحة هى المأمور بها بعينها من أول الأمر لرجوع الضمائر إليها وإلا كان الأمر ثانيا وثالثا جديدا وليس كذا إجماعا ولا دلالة على التعين والأمر ليس للفور ليكون تأخيرًا عن وقت الحاجة. قلنا بل تقييد للمطلق وهو كإطلاق القيد نسخ أي لإطلاقه السابق فلا يرد أن قيود الجواب الأول لم تنسخ بالجواب الثاني إذ هى أيضًا مرادة فيجوز متراخيا إذ المراد بها أولا غير معينة بدليل قول ابن عباس رض الله عنهما لو ذبحوا أي بقرة لاجزأتهم لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم والاستدلال به من حيث إنه تفسير سلطان المفسرين لا من حيث إنه خبر واحد ولئن سلم فليس معاضا لظاهر الكتاب لأن ظاهره الإطلاق ورجوع الضمائر إليها لا يقتضى اتحاد التكليف وإن قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] دليل على قدرتهم وأن سؤالهم كان تعنتًا وفاء {فَذَبَحُوهَا} [البقرة: 71] يمنع كون الذم لتوانيهم في الذبح بعد البيان. ورابعا: بيان قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] بعد سؤال ابن الزبعري أليس قد بعدت الملاَئكةَ والمسيح بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} [الأنبياء: 101]. قلنا: لا يتناولهما لأن ما لما لا يعقل كما نقل عن الرسول قوله له: "ما أجهلك بلغة قومك" وذلك لأن تعذيب الشخص بعبادة الغير إياه معلوم الانتفاء عقلا وكذا عدم رضاء الملائكة والأنبياء بها وإذ لا دليل على رضاهم والأصل عدمه فالظاهر عدم إرادة التعميم لعدم الحاجة وأن الذين كالتقييد بقوله من دون الله لتوضيح خروجهم وبيان جهله ودفع وهو التجوز لمن أو للذي أو تجوز للتغليب لا للتخصيص من أنه خبر وذكر عدم جواز التأخير عن وقت الحاجة في محل النزاع دليل تخصيص الاختلاف بما فيه التكليف. وخامسا: بيان وأهلك وهو عام يتناول بنيه بقوله في كنعان: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46]، قلنا متصل لدخوله في قوله: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40] أي وعد إهلاك الكفار فهو منهم ولئن سلم فبيان أن المراد أهل ديَانة لا أهل نسبة فإن أهل الرسل من اتبعهم وذلك بيان المجمل وقوله: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} لحسن ظنه بإيمان ابنه حين شاهد الآية الكبرى. ولما وضح له أمره أعرض عنه وذا في الأنبياء بناء على العلم البشري إلى أن ينزل الوحى غير عزيز كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ} [التوبة: 114] فقد استغفر بناء على رجاء أن يؤمن وظن جوازه ما دام يرجى له الإيمان والعقل يجوزه إلى أن

يجىء الوحى فهو كقول نبينا عليه السلام لعمه "لأستغفرن لك ما لم أنه عنه". وسادسا: بيان قوله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت: 31] بقوله تعالى: {لَنُنَجِّيَنَّهُ} [العنكبوت: 32] بعد قول إبراهيم "إن فيها لوطا"، قلنا بل متصل لأن قوله: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31] استثناء معنى كقوله في آية أخري {إِلَّا آلَ لُوطٍ} [الحجر: 59] وقول إبراهيم عليه السلام بعد علمه بخروجه بالاستثناء طلب لمزيد الإكرام له بتخصيصه بوعده النجاة فإن التخصيص بعد التعميم من موجبات التفخيم كما أن قول: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] بعد علمه طلب للطمانينة الحاصلة بالمعاَينة المنضمة إلى الاستدلال أو خوف من عموم العذاب بشؤم المعصية. تنبيه: هذه الوجوه تصح تمسكًا للشافعى - رحمه الله - أيضًا في جواز تخصيص العموم لكن على الأول من وجهى مسئلة البقرة. وسابعا: أن التأخير ليس ممتنعًا لا لذاته ولا لغيره وإلا لعرف بالضرورة أو النظر ولا ضرورة بالضرورة في محل النزاع ولا نظر إذ لو كان لكان الامتناع لجهل مراد المتكلم ولا يصلح مانعا كما في النسخ قلنا معارض إذ لا ضرورة في جوازه ولانظر إذ لو جاز لجاز لعدم المانع ولا جزم به غايته عدم الوجدان، وحله أن ليس كل واقع معلوما بأحد الطريقين ولئن سلم فعدم الدليل لا يقتض العلم بعدم المدلول بل عدم العلم به. وثامنا: نحو قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] ثم بينه جبرائيل عليه السلام: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ثم بين تفاصيل الجنس والنصاب بتدريج وآية السرقة ثم بين اشتراط الحرز والنصاب وآية الزنا ثم بين أن المحصن يرجم ونهى عليه السلام عن بيع المزاينة وهو أن يبيع التمر على النخيل بمجذوذ مثله كيله حرصا وقيل على أنه إن زاد فله وأن نقص فعلى إنه مفض إلى المزاينة أي المدافعة بالنزاع ثم رخص في العرايا وهي هو ولكن فيما دون قدر الزكاة كخمسة أوسق. قلنا: أما بيان للمجمل كالصلاة والزكاة والربا ولا نزاع لنا فيه أو توضيح لتحقق الماهية فإن الخفية من مفهوم السرقة ولا يتحقق في التافه المبتذل كالقليل وفي غير المحرز عادة أو لعدم العذر الواجب بدلالة أنها خيانة أو نسخ بما يصلح ناسخًا كحديث الرجم إن علم تراخيه وإلا فتخصيص العام بمثله قوة كتخصيص عمومات الحدود المخرج عنها مواضع الشبهات والعرايا عندنا بيع مجازا بل بر مبتدا لأنه أن يبيع المعرى له ما على النخيل للمعرى بتمر مجذوذ لعذر طرأ بعد هبته كذا فسروه ولأن العرية العطية ولاتفاقه

فيما دون خمسة أوسق ظنه الراوي شرطا. وتاسعا: أن جبرائيل عليه السلام قال له عليه السلام: {اقْرَأْ} فقال ما أقرأ كرره ثلاث مرات فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فتبين المراد. لا يقال: إنما يصح الاستدلال بالظاهر فيما ليس كهذا متروك الظاهر فإن الأمر فيه إما للفور ففيه تأخير عن وقت الحاجة فيمتنع وإما للتراخي وهو للوجوب لا الجواز إذ لا قائل بوجوب التأخير والجواز حكم يمتنع تأخيره أيضًا لأنه عن وقت الحاجة لأنا لا نعلم أن الأمر قبل البيان للفور أو للتراخي إنما صحة ذلك الترديد بعد الفهم. قلنا كان المراد الأمر بقراءة معين لم يكن معهودا وإلا لم يسأل ما اقرأ والنسبة إلى المعينات سواسية فيكون مجملا وتأخير بيانه نجوزه للجبائي ومتابعيه في امتناع تأخيره أما في المجمل: فالأول: لأن الجهل بصفة الشيء يخل بفعله في وقتها ولا جهل بالصفة في النسخ قلنا لا يخل ولا يضر قبل وقت الفعل وهو وقت الحاجة. وثانيا: أن الخطاب به قبل البيان كالخطاب بالمهمل في عدم الإفهام فلو جاز ذاك لجاز هذا قيل له معنى مرجو بيانه بالآخرة بخلافه فأجيب بان المراد مهمل وضعه من لم يصطلح مع غيره لمعنى فخاطبه مريدًا إياه. قلنا فذاك ليس لمهمل بل مجمل بالغرابة وهو أحد أقسامه فلا نعلم امتناع الخطاب به إذ هو من محل النزاع فعينه مصادرة والجواب بان في المجمل طاعة ومعصية بالعزم على فعل أحد مدلولاته وتركه إذا بين بخلاف المهمل عائدٌ إلى ذلك مع أنه تخصيص ببعض أقسام المجمل كالمشترك لا كالهلوع والأسماء الشرعية وأما في الظاهر المراد خلافه كتخصيص العام مثلا أنه يوجب الشك في كل واحدة من متناولاته هل هو مراد أم لا فلا يعلم تكليف فينتفي غرض الخطاب والكل في النسخ داخلون إلى أوانه. قلنا المنتفي غرضه التفصيلي لا الإجمالي وهو الابتلاء بالعزم وتركه إذا فهم والجواب بأن الشك في متناولاته على البدل وفي النسخ على الاجتماع لأنه محتمل في كل زمان فكان أجدر بالامتناع فيه ما فيه للبون البين بين الشك في أصل الثبوت وبينه في الرفع بعد الثبوت مدة في حصول غرض الخطاب. ولأبى الحسين أن تأخير مطلق البيان يوهم وجوب الاستعمال في الجميع وأنه تجهيل وإغواء فيمتنع من الشارع بخلاف تأخير التفصيلى بعد الإجمالى قلنا لا يضر إذا بين قبل وقت الحاجة ولعل الغرض هو الفعل وقت الحاجة والعلم قبله مع الداعي إلى تقديم

التكليف والصارف عن تقديم التبين كالابتلاء بالعزم وإمعان النظر وقد وقع مثله فيما يوجب الظنون الكاذبة نحو يد الله فوق أيديهم ونحوه تذنيبات. 1 - إذا جوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة فتأخر تبليغ الرسول إليه أجوز لخلوه من كثير من مفاسده كعدم الإفهام والإفادة أما إذا منع فاختير جوازه إذ لا استحالة بالذات ولعل لتاخيره مصلحة. وقيل بامتناعه لأن {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] للفور والألم يفد فائدة جديدة لأن وجوب التبليغ يقضي به العقل ورد الثالى بأنه مع إمكان أن الأمر لا للوجوب تجوزا ولا للفور وفائدته تقوية ما يقتضيه العقل ظاهر في تبليغ لفظ القرآن لا في كل الأحكام. 2 - إذا جوز تأخير وجوده فتأخير إسماع المخصص السمعي للداخل تحت العام بعد إسماع العام أجوز وإذا منع فالمختار جوازه وهو مذهب النظام وأبى هاشم خلافا لأبي الهذيل والجبائي. لنا قياس الطرد أعني الدلالة الزاما على المانع فإنه إذا ثبت جواز التأخير في وجوده ثبت في إسماعه بالأولى وقياس العكس من المانع لأنه إنما منع في وجوده لبعد الاطلاع مع عدمه فيجوز في إسماعه لقربه مع وجوده ووقوعه فلأن فاطمة رضي الله عنها سمعت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] ولم تسمع مخصصه "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" (¬1) والصحابة سمعوا "اقتلوا المشركين كافة" مخصصه في المجوس عند من يقول به "سنوا به سنة أهل الكتاب" إلى زمان خلافة عمر رضي الله عنه. 3 - إذا منع تأخير المخصص مع ذكر بعض المخصصات دون بعض وإذا جوز فالمختار جوازه وقيل يجب ذكر الجميع لنا مع عدم الامتناع الذاتي ووقوعه كما أخرج عن "اقتلوا المشركين" أهل الذمة ثم العبد ثم المرأة على التدريج وكذا غيرها قالوا تخصيص البعض فقط يوهم وجوب الاستعمال في الباقي وأنه تجهيل، قلنا لا نعلم امتناعه كما مر في الكل. الخامس: أن الهجوم على الحكم بالعموم قبل التأمل فيما يعارضه من الخصوص إلى أن يجىء وقت العمل لا يجوز إجماعا كما في كل دليل مع معارضه أما العمل به قبل البحث في أن له مخصصا فممتنع خلافا للصيرفي كذا في المحصول ومختصر به ولا إجماع فيه إذ إما في عصره فلا ينعقد مع مخالفته أو قبله فهو انعقد بمعرفته أو بعده فلم يخالف فيه من بعده ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

المقصد الأول في بياني التقرير والتفسير

وبعد وجوب البحث فبلغه. قيل: بحيث يغلب معه ظن انتفاء المخصص وقال القاضي لا بد من القطع بانتفائه وكان الخلاف في أن النقلي هل يفيد اليقين وأن العام هل هو القطعي الدلالة على العموم مبني على هذا. لنا: لو اشترط القطع لبطل العمل بالعمومات المعمول بها اتفاقا إذ الغاية عدم الوجدان، قالوا إذا كانت المسألة مما كثر البحث فيها ولم يطلع يقضي العادة بعدمه وإن لم يكن منه فبحث المجتهد يوجب القطع بعدمه. قلنا: لا نعلم حكم القسمين فكثيرًا ما يبحث بين الأئمة أو يبحث المجتهد ثم يوجد ما نرجع به. هذا عند مشايخنا القائلين بأن الاحتمال وإن لم ينشأ عن دليل قادح في القطع، أما عند مشايخنا القائلين بعدم قدحه إلا إذا نشأ عن دليل وهو الحق كما مر فالمختار القطع بما ذكر من قضاء العادة وقضاؤها فيما لا يوجد ما يرجع به وإلا فلا اعتماد على الدليل العقلي أيضًا لاحتمال الرجوع بظهور خطأه كما يقع كثير والإجماع على الاعتماد وهذا كله بالنظر إلى مجرد العام ونحوه. أما بالنظر إلى القرائن الحاقة ومنها العادة العامة فقد يحصل القطع كما سلف. المقصد الأول في بيانيّ التقرير والتفسير فبيان التقرير توكيد الكلام بما يقطع احتمال المجاز أو الخصوص نحو: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] ينفي أن يراد المسرع وغيره {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] ينفي إرادة البعض ومثله قوله لها أنت طالق وله أنت حر وقال عنيت المعنى الشرعي وبيان التفسير بيان المجمل والمشترك وغيرهما مما فيه خفاء ففي المجمل كما مر من بيان الصلاة والزكاة والسرقة المجملة في مقدار ما يجب به القطع ومحله ومثله قوله لها أنت بائن وسائر الكنايات وقال عنيت الطلاق ولفلان طى ألف وفي البلد نقود مختلفة ففسر بإحدها وفي المشترك كما أن الإحالة في "أحلنا" كمعنى الإنزال بقرينة دان المقامة وفي: {أُحِلَّ لَكُمْ} [البقرة: 187]، بمعنى الإباحة بقرينة الرفث وكلاهما يصح موصولا ومفصولا في الأصح من أصحابنا وقد مر. المقصد الثاني في بيان التغيير وهو الاستثناء اتفاقا والشرط إلا عند السرخسي وأبي زيد إذْ عندهما الشرط تبديل والنسخ ليس ببيان لأن الشرط يبدل الكلام من انعقاده للإيجاب إلى التعليق أي إلى أن

ينعقد عند وجوده لا للحال فإنه رفع الحكم لا إظهار ابتداء وجوده. قلنا: الشرط فيه تغيير من ذلك الوجه واظهار إيجاب عند وجوده فكان بيان تغيير كالاستثناء إخراج صورة عما هو المقصود ذكره له حيث بعض المفهوم لا سيما في العدد الذي لا يحتمله حقيقة ولا مجازا ولذا يصح علمًا للجنس كأسامة وإظهار لعدم تعلق الحكم إلا بعد الإخراج كما لا يدخل شىء منه تحت قوله له على ألف لو صدر عن غير المكلف. أما النسخ فليس تغييرًا بل رفعا وإبطالا بالنسبة إلينا لكنه عند الله بيان نهاية مدة الحكم فسمي بيان تبديل للجهتين ها هنا يعلم أن تقييد المطلق كقيود الفعل ليس من بيان المغير مطلقا بل إذا اقتضى تغيير ما يوجبه الكلام لولاه إلى محتمله كما بهذين الوجهين أعني من القطع إلى الاحتمال ومن المقصود ذكره إلى نقضه وإن لم يقتضه فإن اتصل فبيان ما هو أول المقصود من المذكور وإن انفصل فتبديل القصد من المبهم إلى المعين إذ المبهم مما يصلح مرادا بدون التعيين وإن لم يلح متحققا بدونه ولا يلزم من عدم تحققه عدم إرادته إلا معه كما علم. وهو أقسام: منها: الاستثناء وفيه مقاصد: أحدها: أنه لغة من الثني وهو الصرف واصطلاحا إن كان للمشترك بين المتصل والمنقطع أي متواطئًا فالدلالة على المخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها والمستثنى مخالف سبق عليه أحد أدواته فبالإخراج ولو تقديرًا أي من حيث التناول لولا القرينة أو صورة أو ذاتًا على المذاهب ومنع الدخول تحقيقًا أي من حيث الإرادة أو معنى أو حكما متصل وبدونه منقطع ومنفصل. فلا بد فيه بعد التعلق من المخالفة بأحد وجهين لكونه بمعنى لكن إما بالنفي والإثبات نحو: ما جاءني القوم إلا حمارا أو زيدا وهو ليس منهم ونحوه في وجه: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: 62] وعليه {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77]، إلا على قول مقاتل، وإما بعدم الاجتماع نحو: ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر، بخلاف ما جاءني إلا أن الجوهر الفرد حق وإن كان مشتركا بينهما أي لفطا وهو الحق أو حقيقة في المتصل مجازا في المنقطع كما هو الحق في صيغ الاستثناء ولذا لم يحمله جمهور العلماء عللا عند تعذر المتصل وتكلفوا في ارتكاب مخالفة الظاهر للجنسية حملا لكلام العاقل على الاتصال بقدر الإمكان. فمن حيث القيمة مطلقًا عند الشافعى رحمه الله كما في على ألف إلا ثواني أي قيمته ومن حيث المعنى المقصود في المقدرات فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف واعتبر محمد

الصورة مطلقا وخير الأمور أوساطها فلا يمكن جمعها في حدٍّ واحد وإن تحقق معنى مشترك بينهما كما مر إذ لا يكون ذلك حقيقة الاستثناء لعدم وضعه له فيقسم أولا ثم يعرف كل بما مر أو بما قال بعض أصحابنا هو المنع عن دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلا وأخواتها فهو أولى من تعريفه بالإخراج بإلا وأخواتها لا لأن إلا للصفة داخل إذ لا إخراج حيث لا يتحقق التناول بل لأن الإخراج تقديري أو صوري أو ذاتي، والمنع عن الدخول تحقيقي أو معنوي أو حكمي ورعاية الثواني أولى ولو أريد به ففيه مجازان. وفي الثاني واحد وبما قال الغزالي رحمه الله هو قول ذو صيغ مخصوصة محصورة قال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول لأنه إن أراد بالصيغ ألفاظ أدوات الاستثناء كما ظن كان تعريفا لفطا لا حقيقيا ولا سيما والمطلوب في الأصول هما وعن هذا أنه قد يمتنع جمعهما في حد وإن قيل بالتواطؤ وإن أراد معانيها فلا بد من تفسير الدلالة بالوضعية كما هو المتعارف لئلا يرد نحوها جاءني القوم ولم يجيء زيد فإن لزوم عدم إرادته من الكلام الأول عقلي لا وضعي إذ لم يوضع نحو لم يجىء إلا للنفي. ولذا جاز لم يجىء القوم ولم يجىء زيد ومن القول بإنه تعريف جنس من الاستثناء من حيث عمومه لئلا يرد أن كل استثناء ذو صيغة لا ذو صيغ إذ المتعارف صدق التعريف على كل فرد مع أن في فيه نظرا هو أنه لا يمنعه من الصفة نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، لأن لا دلالة وضعية على ذلك بخلاف أكرم الناس إن لم يكونوا جهالا وإن ادعى عدم دلالته حين استعارته للوصفية وإلا خص انه إخراج بحرف وضعت له وأنه تعريف ليس بلفظي. ثانيها: في أنه لا تناقض فيه وان توهم أن في على عشرة إلا ثلاثة اثباتا للثلاثة في ضمن العشرة ونفيا لها صريحا كيف وأنه واقع في كلام الله نحو: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وإنما يحتاج إلى دفعه في الإخبار لجواز النفي بعد الإثباتَ وعكسه في الإنشاء. كما في دليل الخصوص والنسخ ففيه وجوه: 1 - أن المراد بالعشرة السبعة مجازًا والاستثناء قرينته ولا يرد عليه ما مر أن الأعداد أعلام أجناس ولا تجوز فيها إذ الممنوع الاستعارة ولئن سلم فالعلم عدد لا يراد به معدوده ولذا يتصرف اخذت عشرة من الدراهم ولأنها ليست جزءًا مختصا ليلزمها فيصح التجوز لأن كل عدد جزء لكل مما فوقه إذْ الاختصاص يطلب إطلاق الجزء على الكل

كعين الرئية وإلا فالجزء لازم ولا أنه يؤدي في نحو اشتريت الجارية إلا نصفها إلى استثناء الشيء من نفسه أو إلى التسلسل. فإن استثناء النصف من النصف يوجب إرادة الربع ومن الربع ارادة الثمن وهلم جرا هذا الاستثناء من حيث التناول لولا القرينة فالمفهوم قبلها هو الكل لا من حيث إرادة المعنى المجازي فإنها بعد الإخراج ولقام القرينة لا قبلهما فالذي أطلق مجازا على نصف الجارية هي الجارية المقيدة لا المطلقة كاشتريت جارية نصفها للغير فما لم يتم التقييد لقيام القرينة يكون الملاحظ المعاني الوضعية فلذا يرجع الضمير إلى كمال الجارية ويتحقق أن الاستثناء إخراج بعض من كل كما أجمع عليه وأن العشرة نص في مدلوله وأن فيه رعاية وضع الإخراج والمخرج والمخرج عنه وليس مثله جعلوا الأصابع في آذانهم إلا اصولها كذلك لأن الاستثناء وإرجاع الضمير بعد تمام القرينة. 2 - قول القاضي أن المجموع موضوعٌ بإزاء السبعة فلها مفرد ومركب يريد به أنه موضوع وضعًا نوعيًا والمعاني الإفرادية ليست مهجورة في الموضوعات النوعية فلا يراد أنه خارج عن قانون اللغة إذ الأمر مركب مزجي فيها عن ثلاثة ولا مركب اعرب جزؤه الأول وليس بمضاف ولا مشبه به نحو اثني عشر ولا انه لإخراج ولا نصوصية للعشرة في مدلولها حينئذ ويرجع الضمير إلى بعض الاسم ويقصد بجزء من المفرد الدلالة على جزء معناه لأن امتناع جميع ذلك في الأوضاع الشخصية أما النقض بنحو برق نحوه وأبي عبد الله فليس بشيء لأن الأول من باب الحكاية الغير المقصود التركيب فيه بل نثره نثر أسماء العدد وليس ما نحن فيه كذلك والثاني فيه مضاف وهذا في التحقيق عين ما يقال مراده التعبير عن السبعة بلازم مركب نحو أربعة ضمت إليها ثلاثة كالتعبير عن الإنسان لمجموع مستوى القامة الضاحك بالطبع أو بمجموع الحيوان الناطق عقلا والبدن النفس خارجًا فارتضاء أحدهما وازراء الآخر يفضي إلى خلاف الأطر الفارقة ولا ريب أن اعتبار المقيد في ذاته لكونه مقيدا في نفس الأمر غير اعتباره من حيث هو مقيد وغير اعتبار المجموع فيه يحقق التقابل بين المذاهب. 3 - أن المراد من كل حقيقته والإسناد إلى العشرة بعد إخراج الثلاثة منها والفرق بين المذاهب الثلاثة من وجوه: 1 - ما ذكر. 2 - أن المستثنى منه مجاز على الأول دون الأخيرين.

3 - ما قيل إن في الأول إيجابا وسلبا بالمنطوق لأن الاستثناء لا يصلح قرينة لارادة السبعة بالعشرة إلا إذا نفي الثلاثة منها ولا حكم في الأخيرين بالنفي أو الإثبات في المستثنى بل مجرد دلالة على مخالفته لحكم الصدر وهي أعم من الحكم عليه بنقيض حكمه فرق بينهما بأن تلك الدلالة في الثاني بمفهوم العلم في العددي لأن العدد كالعلم خاص بمفهومه وبفهوم الوصف في غيره؛ لأن معنى جاءني القوم إلا زيدا جاءني غير زيد منهم، وفي الثالث بإشارة الإخراج قبل الإسناد لكن لا نقتضي الحكم بالنقيض كما في الأول؛ لأن الإخراج هنا قبل الحكم وثمة بعده؛ لأن القرينة سياقية فالثالث أوكد في تلك الدلالة لأن الإشارة طريق اتفاقي واضح. ثم قيل ميل الشافعي إلى الأول ولذا جعله من النفي إثباتًا ومن الإثبات نفيا وتخصيصًا غير مستقل بطريق المعارضة ويعني بها إثبات حكم مخالف للسابق. ومشايخنا مالوا إلى الأخيرين ولذا جعلوه تكلما بالباقي بعد الثنيا أي المستثنى إما تعبيرًا عنه بالمجموع أو بالعشرة المقيدة بإخراج الثلاثة وبيانًا مغيرًا لا تخصيصًا فقالوا بالإثبات في المستثنى في كلمة التوحيد بالإشارة على الثالث إذْ لو لم يكن حكم المستثنى خلاف حكم الصدر لما خرج منه لا على الثاني؛ لأن التخصيص بالعلم أو الوصف لا يقتضي النفي عما عداهما عندهم بل بضرورة أن وجود الآلة كان ثابتا في عقولهم وقد نفي غيره. وبعضهم مالوا في غير العددي إلى الثالث فقالوا بإثبات حكم في المستثنى مخالف للصدر بطريق الإشارة بشهادة العرف وبنوا ذلك على أن المستثنى كالغاية، وفي العددي إلى الثاني حتى قالوا في إن كان في إلا مائة فكذا ولم يملك إلا خمسين لا يحنث لأن معناه إن كان في فوق المائة فلم يشترط وجود المائة وفي ليس له على عشرة إلا ثلاثة لا يلزمه شيء كأنه قال ليس له علي سبعة. وفيه نظر من وجوه: 1 - أن بيان عدم إرادة الثلاثة يكفي قرينة لإرادة السبعة ولا يلزم إرادة عدم الثلاثة. 2 - أن دلالة الاستثناء على مخالفة حكم الصدر في الخارج ممنوعة وفي العقل بمعنى أن ليس فيه حكم الصدر مسلمة لكن لا تقتضي حكمًا بخلافه من الإثبات أو النفي لا بالعبارة ولا بالإشارة فإن الأخص لا يلزم الأعم فلا يتم الإشارة المذكورة ولو في كلمة التوحيد، وقوله: إذْ لو لم يكن إلخ لا يفيد الحكم بالنقيض إذ يكفي للخروج عدم الحكم السابق.

3 - أن الإخراج لو أفاد بالإشارة الحكم بالنقيض لأفاد في كلا القولين الأخيرين لأن الإخراج بحسب الصورة والذات لا بحسب المعنى والحكم متحقق فيهما كما مر كيف والمدلول بالإشارة لازم المنطوق فلو كان حاصلا كان مطرد اللزومة، فكان مذهبنا مثل مذهب الشافعي ولم يكن أيضًا عنده منطوقًا مع ما عرفت أن بيان منطوقيته غير تام. 4 - أن فرق البعض بين العددي وغيره غير مسلم فإن كون المستثنى كالغاية لا يقتضي الإشارة المذكورة لأن شأن الغاية إنهاء الحكم بخلافه ومرادهم بما ذكروا في ذلك لزوم هذا الأخص من ذلك الأعم بحسب المقام كما تحقق ولئن سلم فكونه كالغاية لا يفرق بين العددي وغيره وكذا المسألتان. أما الأولى: فلما كان معناها إن كان في فوق المائة بدلالة العرف كان المستثنى ما دون ما فوقها وذلك موجود كالخمسين ولو سلم فعدم اشتراط وجود المائة من خطران حيث سرى من المستثنى منه في المستثنى حتى لو قال والله ما كان في إلا مائة وجب وجودها. وأما الثانية: فلا اختصاص فيها بالثاني؛ لأن إسناد ليس إلى العشرة بعد إخراج الثلاثة عنها كاف في ذلك ثم إذا لم يلزم ثبوت الثلاثة كان مؤيدا لما قلنا من عدم الإشارة بحسب اللفظ هذا. ولله الملك العلام، در التحقيق في هذا المقام، وذلك في فوائد سمح بها الألمعي من مهرة الفحول، ولعمري أنها تنسمت من مهب قبول القبول. 1 - أن مرجع القول الثالث إلى أحد الأولين إذ لا ريب أن العشرة مثلا أطلقت أو قيدت ليست حقيقة في السبعة مع لنها مرادة فإن أطلق فيها مجرد العشرة المقيدة كنحو: أربعة ضمت إليها ثلاثة كانت مجازًا وإن أطلق المجموع على أنه تعبير ببعض لوازمها كجذر التسعة والأربعين ونصف الأربعة عشر على طريق قوله: بنت سبع وأربع وثلاث، كانت حقيقة إذ التعبير عن الشيء بلازم حقيقته باعتبار أنه الذي يصدق عليه ليس مجازا فلا خروج عنهما. وأقول بعد أنه أقرب إلى الثاني لأن اعتبار المقيد من حيث هو مقيد أقرب إلى اعتبار المجموع من اعتباره في ذاته وهو مقيد ولذا حكموا عليهما بأنهما حقيقة فيهما واشتركا في ظهور كونهما تكلما بالباقي بعد الثنيا يفهم من هذه الفائدة أن الأخيرين بل الثلاثة مشتركة في الإفادة بالإشارة أو الضرورة أو كونه بمعنى الغاية وفي الإخراج الصوري والبيان المعنوي وفي عدم التعرض للحكم بنقيض حكم الصدر كما يجب.

نعم لو بنى على القول بمفهوم الصفة للمستثنى فإن الاستثناء في محل الصفة للمستثنى منه اعتبر قرينة أو جزءً أو قيدًا لكان شيئًا. 2 - أن الاستثناء كان من النفي أو الإثبات لا يدل على المخالفة في النسبة الخارجية بل النفسية فإن كان مدلول الجملة هي النفسية فالمخالفة في المستثنى عدم الحكم النفسي فيه لا الحكم بخلافه وإن كان مدلولها الخارجية فالاستثناء إعلام بعدم التعرض لها والسكوت لا بالتعرض لعدمها. أقول: وكل من الأوليين أعم فلا يلزمه الأخص إلا بحسب خصوصية المقام كما أن السكوت عن الإثبات يسئلزم نفي الحكم بالبراعة الأصلية وعن المسلب قد يستلزم إثباته كما إذا علم ثبوت حكم لعدة قلب عن غير المستثنى علم ثبوته في المستثنى بالاستصحاب نحو ما قام القاعدون لمقدم عمرو إلا زيد وعليه وضع الاستثناء المفرغ ومنه كلمة التوحيد أو يقال أفادتها الإثبات بالعرف الشرعي لا اللغوي. ولذا يندفع تشكيك الإمام الرازي رحمه الله أن المقدر فيها إن كان الموجود لم يلزم عدم إمكان إله غيره وإن كان الممكن لم يلزم منه وجود ذات الله تعالى بل إمكانه إذ يلزم عرفًا وإن لم يلزم لغة وهذه الوجوه هي مجمل الإشارة المقولة فيه وفي الغاية التي بها التوفيق بين الإجماعات الأربعة: 1 - إفادة القصر بما وإلا. 2 - أنه إخراج. 3 - أنه تكلم بالباقي بعد الثنيا. 4 - أنه من النفي إثبات وبالعكس. 5 - أن هذا في الخبر أما فيما هو عدة الأحكام وهو الطلب فلأنه يدل إما على طلب تحصيل النسبة النفسية كإكرام الناس في أكرمهم أو لا تكرمهم إلا زيدًا في الخارج كالأمر والنهي وبالعكس كالاستفهام فالاستثناء بعده دل على انتفاء النسبة النفسية التي بين المستثنى منه وما نسب إليه في المستثنى لا على طلب دخصيل خلافها خارجًا فلا دلالة على المخالفة في الخارجية أصلا لكن في النفسية فبعد الثبوت يفيد عدم الحكم النفسي فيه وبعد النفي ثبوته لكن عقلا لأن النفي العام إنما هو بعد تعقل الثبوت العام وحين نفي عقلا عن غير المستثنى بقى الثبوت له فيه. تنبيه: كفى كرامةً للحنفية اعتراف أفضل متأخريها بأن لا تعرض في الاستثناء للحكم بالنقيض ومنه يلزم عدم التعرض في الوصف أيضًا لأنه في معناه، ثالثها في أدلة المذهبين.

لنا: في أنه تكلم بالباقي بعد الثنيا أي استخراج صوري وبيان معنوي أن المستثنى لم يرد لا نحو قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] لأن سقوط الحكم بالمعارضة حالي انشائي فلا يتصور في الإخبار عن الخارج لا سيما عن الماضي وفي العدد بخلاف الإنشاء والأصل خلاف التجوز. وثانيا: اجماع أهل اللغة أنه استخراج أي صورة وتكلم بالباقى الثنيا أي معنى كما مر. وثالثا: أنه بخلاف النسخ لا يستغرق أي لا يجوز استثناء الكل عن الكل ولو فيما يصح الرجوع عنه كأوصيت بثلث مالي إلا ثلث مالي يثبت الوصية وطريق المعارضة يقتضي استواء البعض والكل كالنسخ ولا وجه للفرق بآدائه في الاستثناء إلى الناقض لا في النسخ وإلا لأدى إلى استثناء البعض أيضًا لأن اختلاف الزمان مشترك إذ تخلل العمل ليس بلازم للاختلاف. ورابعا: أنه بخلافه لا يستقل كصدره وشرط المعارضة التساوى في القوة كالنسخ أو فهو تبع له والتبع لا يعارض أصله إجماعا. وخامسا: أنه لوكان معارضًا كان التكلم بالصدر باقيا حكما بصيغته بقاء المشركين بعد تخصيص أهل الذمة ولذا كان منتهى تخصيص الجمع ثلاثة والمفرد واحدا والعشرة في السبعة غير باقية بحقيقتها. قيل: وليصر مجازا قلنا خلاف الأصل فلا يعدل إليه إلا لضرورة انتفت بجعله تكلما بالباقي، قيل عدم بقاء حكم الصيغة مشترك مع ذلك. قلنا: إنما يطلب بقاؤه لتقابله المعارض أما بالشيء بلا حكم ولا انعقاد له فسايغ شايع كطلاق الصبي وكل ممتنع بعد لمانع، قيل فليكن بعد المعارضة كذلك قلنا ما قلناه مرجح بأنه حقيقة بلا ضرورة صارفة. وسادسا: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] فمعناه ليس له ذلك عمدا لا أن له ذلك خطأ لحرمته بناء على ترك التروي ولذا وجبت الكفارة والخصم يحمله على المنقطع فرارًا عنه ولو صح في المفرغ فالأصل لمتصل. فرع: بعت هذا العبد بألف إلا نصفه بيع النصف بألف لدخوله في المبيع لا الثمن وعلى أن في نصفه بيع النصف بخمسمائة لأن على شرط معارض لاستقلاله ولأنه في المعنى ليس شرطا بل بيع شيء من شيئين فيعتبر الإيجاب السابق إلى أن يقع البيع من المشتري ومنه والبيع من النفس صحيح إذا أفاده فالتقسيم هنا فيدخل ليخرج بقسطه من الثمن كمن اشترى عبدين بألف أحدهما ملكه وكشرى رب المال مال المضاربة ليفيد

ولاية التصرف بخلاف الشرط الغير المعارض نحو إن كان في نصفه حيث يبطل العقد فالمسألة افادت أصولا. 1 - الفرق بين الاستثناء والشرط وإن شملهما بيان التغيير. 2 - الفرق بين الشرطين بالابطال وعدمه بالاعتبار لمعناه وهو بيع شىء من شيئين. 3 - صحة البيع من نفسه إذا أفاد وللشافعي رضي الله عنه في أنه إخراج لبعض ما حكم عليه في الصدر وتخصيص بالمعارضة. أولا: أن إعدام التكلم الموجود إنكار للحقيقة بخلاف التكلم مع عدمه في البعض قلنا ليس إعداما بل لكونه حقيقة أولى. وثانيا: إجماعهم على أنه من النفى إثبات وبالعكس فلنا مرادهم بالإثبات عدم النفى وبالعكس إطلاقا للخاص على العام ولئن سلم فتعارض الإجماعين يدفع بأنه استخراج صوريّ في الأفراد وتكلم بالباقي في الحكم لما مر أن المجموع عبارة يصلح لذلك ونفى وإثبات بإشارته بحسب خصوصية المقام أو العرف لعدم ذكرهما قصدًا بل لازمًا عن كونه كالغاية المنهية للوجود بالعلم وبالعكس لكن في ذلك المقام لا مطلقًا لما مر من قوله تعالى: {إِلَّا خَطَأً} ولما سيجيء من نحو "لا صلاة إلا بطهور". وثالثًا: دلالة الإجماع على أن لا إله إلا الله كلمة توحيد ولو من الدهري ولا يحصل إلا بالإثبات بعد النفي قلنا لإشارته بالوجهين ولأن الأصل في التوحيد التصديق القلبي لا الذكر اللساني اكتفى بعد النفي قصدًا إنكارًا لدعوى التعدد بالإشارة الغير المقصودة في الإثبات لأنه كلما يذهب إلى النفي بالكلية والحكم بإسلام قائله بناء على الأغلب عملا بظاهر الحديث ويمكن أن يجعل تكلما بالباقي ونفيا لا لمطلق الألوهية بل لها عن غير الله تعالى ويكون الاستثناء منقطعا فيكون كل من النفى والإثبات مقصودا لطيفة سلكها بعض أصحابنا لإبطال أن كل استثناء من النفي إثبات هي أنه لوكان إثباتًا لاستلزم قولنا "لا صلاة إلا بطهور" كل صلاة طهور ثابتة أي جائزة لوجهين: 1 - أن خبر لا محذوف أي لا صلاة ثابتة إلا صلاة بطهور فالمستثنى نكرة موصوفة في سياق الإثبات مقصود بها الجنس وقد عرفت في بحث العام لنها عامة لا سيما بعد النفي نحو لا أجالس إلا رجلا عالمًا حيث يشمل الإباحة رجل عالم فلا يحنث بمجالسة أي فرد واحد فصاعدا منه. ومنه علم أن مثل هذا العموم للاستغراق بخلاف لأكر من رجلا عالمًا أو ما كتبت إلا بالقلم وإذا عمت وقد حكم عليها بالثبوت حصل كل صلاة مقترنة بطهور ثابتة.

2 - أن النفي شامل لكل فرد فكذا إيجابه إلا فالبعض لا يكون مقترنة بطهور فالمعنى إلا كل صلاة مقترنة بطهور وقد حكم عليها بالثبوت وأما صلاة فاقد الطهورين فليست صلاة بل تشبها بها إذ الكلام فيما هو شرط ولو كان معناه لا صلاة بغير طهور لم يلزم شيء فلما ثبت العموم فلوجهين لم يرد أن رفع السلب الكلي إيجاب جزئي فلا يلزم إلا جواز شيء منها حال الاقتران بالطهور لأنه المراد به أما بعض المقترنة بالطهور فلا نعلم كفايتها في اللزوم أو بعض مطلق الصلاة فلا ينافي العموم الذي ادعيناه ولا أن اللازم أن كل صلاة بطهور صلاة لأن المسلوب في صدر الكلام الثبوت والجواز فكذا المثبت في عجزه وبأن المنفي الجواز علم إن انتفى على حقيقته فلا يحتاج إلى التأويل بالمبالغة أو بأن سائر صفاتها لم يعتبر بالنسبة إليه أو بأن المنفي ما زعم المخاطب ثبوته كصحة الصلاة بغير طهور وقولنا في لا أجالس إلا رجلا عالما له أن يجالس كل عالم ليس إثباتًا بعد النفى بل ذلك بالإباحة الأصلية وبإفادة المقام إياها. فروعه: جعل الشافعي معنى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] فلا تجلدوهم واقبلوا شهادتهم وأولئك هم الصالحون فقبل شهادته لأن ردها من حقوق الله تعالى فيكفي في سقوطه التربة كشرب الخمر بخلاف جلد القذف فإنه حق العبد خالصا عندنا وغالبا عنده. ولذا يجري فيه التوارث ولا عفو عنده فلا يسقط بمجرد التوبة إلى الله كالمظالم بل وإلى العبد بان يعتذر حتى يعفو فيسقط كالقصاص، وقوله عليه السلام: "لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء متساويين" (¬1). فعمم صدر الكلام في القليل والكثير؛ لأن المعارضة في المكيل خاصة كـ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فإن عفو المطلقة قبل المس وقد فرض لها تختص بالعاقلة الكبيرة فالمجنونة والصغيرة تحت حكم الصدر وأسقط في على ألف درهم إلا ثوبا قدر قيمته كما مر؛ لأن دليل المعارضة يجب العمل به في المذكور ما أمكن لكونه كلاما برأسه لا كما لو كان قيدًا مستخرجا. ولذا قال النسفي -رحمه الله- هذا من ثمرة ذلك الاختلاف يعني لاقتضائه الجنسية ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (3/ 1214) ح (1592)، وابن حبان في صحيحه (11/ 385) ح (5011)، وأبو عوانة في مسنده (3/ 396) ح (5458)، والبيهقي في الكبرى (5/ 283) ح (10287)، والدارقطني في سننه (3/ 24) ح (83)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 3)، والطبراني في الأوسط (1/ 105) ح (325)، والإمام أحمد في مسنده (6/ 400) ح (27290).

المصححة للحمل على الاتصال هذا ويمكن تخريجها عنده على أصول أخر، ومن الجائز توارد التخريجات على مسألة فلا بحث فيه. فالأولى على أن الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة يرجع إلى الجميع أو على أن أولئك الفاسقون في معنى التعليل لعدم القبول وسنبطلهما بأن الرد ثابت بضرورة عدم استقلاله وقد اندفعت بالأخيرة وأن الواو يمنع التعليل والثانية على أن القليل باق عن المستثنى فلئن جعل تكلمًا بالباقي اندرج تحت النهي أيضًا. قلنا: إلاسواء كـ ألا يعفون استثناء حال مفرغ من العام المقدر مجانسًا لعدم المجانسة ظاهرًا والأحوال المقدرة من المجازفة والمفاضلة والمساواة مختصة بالكثير الداخل تحت القدر ولا يقدر بحيث يندرج القلة والكثرة تحتها لأن ذا تعميم فوق الضرورة الداعية إلى التقدير فلا يجوز لما عرف في الجامع وكذا {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] تكلم بالباقي مثله غير أن حالة العفو تستدعي أهلية العافية له وقال أبو زيد منقطع لأن الوجوب الثابت بالصدر لا ينتفي بالعفو بل العفو بعده وعن هذا كما قال بعض مشايخنا بأن الاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] متصلٌ لكنه يرجع إلى الأخيرة كما مر أو مفرغ والتقدير إلا حال توبة الذين تابوا وفيه تكلف. قال بعضهم: منقطعٌ قال أبو زيد: لأنه لا إخراج عن الحكم المذكور وهو أن من قذف صار فاسقا إذْ معناه أن من تاب لا يبقى فاسقا وفخر الإِسلام -رحمه الله- لأن التائب ليس بفاسق؛ فلا تناول وهذا بناء على أن الصفة مجاز في الماضي فيصح نفيه. وقيل: لأن الفسق لازم القذف والتائب قاذف فيكون فاسقًا في الجملة وإن لم يمكنه في الحال فلا إخراج وهذا بناء على كونها حقيقة في الماضي وهو المذكور في العفو والفرق بين الأول والأخيرين أن المستثنى منه فيه هو أولئك وفيهما الفاسقون فاعترض عليه بأن الإخراج يتحقق لو أريد الفاسقون دائمًا وليس بشيء لأنه خلاف الظاهر بل بعيد لأن الشرط لا يستدعيه وعليهما بأن الاستثناء عن المحكوم عليهم وهم الرماة لا الحكم بالفسق والتائبون بعضهم نحو القوم منطلقون إلا زيدا. ورد بأن شرط المتصل تناول الحكم للمستثنى على تقدير السكوت عنه ولا يتناول التائب الفاسق أصلا إن أريد الفاسق دائما ويتناوله إن أريد الفاسق في الماضي أو في الجملة ولا يصح إخراجه. لا يقال المراد الفاسق حقيقة وهو الفاسق في الحال لأنه لا يتناول التائب كالفاسق دائما وهذا هو مراد فخر الإِسلام - رحمه الله - في الحقيقة لا كونه مستثنى من الفاسقين

ومن ذهب من أصحابنا إلى أنه متصل ينظر إلى تناول لفظ أولئك والحكم بالفسق باعتبار الدلالة اللغوية ولا ينافيه عم التناول شرعا بقوله عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (¬1) أو بالإجماع كقولنا خلق الله كل شيء إلا ذاته وصفاته أو نقول عدم التناول الشرعي مستفاد من دلالة هذا الاستثناء والحديث مبين له وربما يقال المرتفع بالتوبة عقاب الفسق لا نفسه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له لا عينه ونظيره إلا ما قد سلف فإن المرتفع ليس حرمة الجمع السالف بين الأختين بل عقابه بالعفو والثالثة على أن الأصل المتصل فلا يصار إلى المنقطع ما أمكن قليس من ضرورة إلزام القيمة كونه للمعارضةكما في المقدرات عند غير محمد وزفر. قلنا: منقطع لعدم المجانسة ولا معنى بخلاف المقدر كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب للمجانسة المعنوية من حيث الثبوت في الذمة ثمنا وحالا ومؤجلا وجواز الاستقراض وهذه الأحكام الشرعية أثر الجنسية الحلقية ولذا يقال النقدان مخلوقان للثمينة فهذه تبين حكم الشرع من حكم اللغة الناظرة على الخلقة لا عكسه كما وهم ولجنسيتهما من وجه لم يجز بيع أحدهما بالآخر نسيئة وإن جاز حالا لأن ربا النقد كمال الفضل فيترتب على كمال الجنسية. رابعها: أنه يشترط فيه كما مر في مطلق بيان التغيير الاتصال لفظًا أو حكمًا فلا يضر قطعه بتنفس وسعال ونحوهما مما لا يعد انفصالا عرفًا وروي عن ابن عباس رضي الله عنه صحة الانفصال إلى شهر وقيل مطلقًا بنية الوصل وعليه حمل مذهب ابن عباس رضي الله عنه وإلا فبعيد وقيل يصح في كتاب الله خاصة. لنا قوله عليه السلام وليكفر عن يمينه حيث لم يقل فليستثن أو يكفر مع كونه اسهل الطريقين والإجماع على لزوم إحكام الأقارير والطلاق ونحوها من غير أن يوقف على الاستثناء بعد. وأيضًا يؤدي تجويزه إلى أن أن لا يعلم كذب لجواز أن يصيره الاستثناء صدقا أو بالعكس. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (2/ 1419) ح (4250)، والبيهقي في الكبرى (10/ 1540)، والطبراني في الكبير (10/ 150) ح (10281)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 97) ح (108)، والبيهقي في الشعب (5/ 436) ح (7178).

قالوا أولا: قال عليه السلام: "لأغزون قريشا فسكت ثم قال إن شاء الله" (¬1). قلنا لعله سكوت ضرورة من تنفس أو سعال فيحمل عليه جمعا بين الأدلة. وثانيًا: قوله عليه السلام حين سأله اليهود عن مدة لبث أصحاب الكهف فقال غدا أجيبكم فتأخر الوحي بضعة عشر يوما ثم نزل {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] فقال إن شاء الله ولا كلام يعود إليه الاستثناء إلا قوله أجيبكم وهو استثناء عرفا ولأنه في معنى إلا أن يشاء الله. قلنا: بل يعود إلى مقدار متعارف مثله أي فعل تعليق ما أقول بأني فاعله غدا بالمشيئة إن شاء الله أو أذكر ربى إن شاء الله وأذكر هذه الكلمة وإذا قدر أذكر فالأول أولى لقوله تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]. وثالثا: أن قول ابن عباس رض الله عنه متبع لكونه ترجمان القرآن ومن المشهود له بالبلاغة. قلنا: محمول على ما مر من سماع دعوى نيته أو على أن الإتيان بعد شهر بالعبارة الصحيحة نحو بلى فاعل غدا إن شاء الله امتثال للأمر المستفاد من نهي الآية أو لقوله تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [آل عمران: 41] ولمن خصه بكتاب الله. أولا: أن غير أولى الضرر نزل بعد ما نزل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] بزمان قلنا بيان تبديل لأنه تقييد للمطلق متراخيا. ثانيا: أن القرآن اسم للمعنى فقط فلا يضر في وصله فصل اللفظ قلنا لا نسلمهما فإن كونه عربيا ومعجزًا ومخالفته للقراءة الفارسية في الأحكام آية أنه اسمهما مع أن الأدلة غير فاصلة. تعميم: ولشمول شرط الوصل كل بيان مغير لما يوجبه الكلام لولاه وكونه أعم مما مر لوجوده في الصفة والحال والاستدراك وغيرها. قلنا لو قال لزيد على ألف وديعة يصدق موصولا فقط لأنه تغيير لحقيقة وجوب الألف إلى مجاز لزوم حفظه على حذف المضاف أو إطلاق اسم المحل على الحال فإن الدراهم محل الحفظ، ولو قال أسلم إليّ في بُرّ أو أسلفنى أو أقرضنى أو أعطاني ولكن لم اقبض يصدق موصولا في الأصح لجواز استعارتها للعقد وليس برجوع لكن شرط الوصل ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (10/ 185) ح (4343)، والبيهقي في الكبرى (10/ 47) ح، وأبو داود (3/ 231) ح (3285)، وعبد الرزاق في مصنفه (6/ 385) ح (1306)، والطبراني في الأوسط (1/ 300) ح (6004)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 78) ح (2674)، والطبراني في الكبير (11/ 282) ح (11742).

استحساني نظرًا إلى حقائقها يقتضي القبض والقياس لا يفصل الفصل من الوصل لأنها عقود شرعا فكان نحو اشتريت منه فلم اقبض بيان تقرير وكذا دفع إلى أو نقد لكن لم اقبض عند محمد - رحمه الله - لشيوع الاستعارة له كالإعطاء إطلاقا لاسم المسبب خلافًا لأبي يوسف رضي الله عنه لاختصاصهما بالتسليم لغة وشرعا بخلاف الإعطاء المستعمل بمعنى الهبة فكان رجوعا فلا يقبل أصلا. وكذا عندهما لو أقر به قرضًا أو ثمن مبيع وقال هو أو وهو زيوف فلتنوع الدراهم لم يكن رجوعا ولغلبة الجياد حتى تنصرف عليها مطلقا صار الزيوف كالمجاز فكان تغييرا والإمام - رحمه الله - يجعله رجوعا لأن الزيافة عارضة وعيب لا يحتملها مطلق الاسم فلا يقبله مطلقا كدعوى الأجل في الدين والخيار في البيع؛ لأن مقتضى مطلقهما الحلول واللزوم. ولو قال على ألف من ثمن جارية باعينها لكنى لم أقبضها لم يصدق عنده أصلا سواء صدقه في البيع أم لا بل ادعى الالف مطلقا أو من جهة أخرى كالقرض والغصب لأنه رجوع فإن إنكار القبض في غير المعين ينافي الوجوب وقالا يصدق مع التصديق في البيع وإن فصل لثبوته حينئذ بتصادقهما وليس إقرارًا بالقبض ومع التكذيب فيه إن وصل لأنه تغيير من جهة أن الأصل في البيع وجوب المطالبة بالثمن وعدم قبض المبيع محتمل البيع لا من العوارض. قلنا: وجوب الثمن لمبيع لا يعرف أثره دلالة قبضه ولذا يقال غير المعين كالمستهلك والدلالة كالصريح. خامسها: أن الاستثناء يجرى في اللفظ لا في الفعل خلافًا لأبي يوسف فإذا أودع الصبي العاقل الحجور عليه شيئًا فاستهلكه يضمن عنده لتنوع التسليط إلى الاستحفاظ وغيره كالإباحة والتمليك والتوكيل والنص على الحفظ جعل غيره وعدم ولاية الصبى عليه لا يبطله؛ لأن الاستثناء تصرف للناطق على نفسه فيثبت الاستحفاظ لكن لا يتعدى إلى الصبى لعدم الولاية عليه فانعدم، وصار كالملقى على الطريق فيؤاخذ به؛ لأنه ضمان فعل كما قبل الإيداع، وفالا: الاستثناء كم اللفظ والتسليط فعل كيف وهو مطلق لا عام إذ لا عموم للفعل. ولئن سلم فالأمر بالحفظ قول ليس من جنس الدفع فيكون منقطعا معارضا له إن صح شرعا مثل قول الشافعي رضي الله عنه في المتصل لكن لا يصح إذ ليس المخاطب من أهل الالتزام بالعقد فيبقى تسليطا مطلقا فلا يضمن بالاستهلاك كما بتضييع الوديعة.

سادسها: من شرطه أن يكون مما أوجبه الصيغة قصدا لا مما يثبت ضمنا لأنه تصرف لفظي ففيمن وكل بالخصوصية غير جائز الإقرار عليه أو على أن لا يقر عليه يبطل عند أبي يوسف لكون الإقرار مملوكا له لقيامه مقام الموكل لا لأنه من الخصومة ولذا لا يختص بمجلسها فيثبت بالوكالة ضمنا لا قصدا فلا يصح استثناؤه ولا إبطاله ليعارضة الشرط بل بالعزل عن الوكالة وقال محمد يصح الاستثناء إما لتناولها اياه بعموم مجازها وهو الجواب وقد انقلب حقيقة شرعيته ديانة إذْ المهجور شرعًا كالمهجور عادة فالحق بها فكل من الاستثناء والتقييد تغيير فصح بشرط الوصل لا منفصلا إلا أن يعزله أصلا لا عن الإقرار فقط لكون ذكره حكمًا للوكالة بخلاف من وكل بيع عبدين حيث لا يصح استثناء أحدهما منفصلا ويصح العزل عن بيع أحدهما وإما للعمل بحقيقة الخصومة لغة فإن الإقرار مسألة لا يتناوله فصح بيان تقرير وصلا وفصلا وهو مختار الخصاف أما استثناء الإنكار فقيل لا يصح اتفاقا إذْ حقيقته عينه ومجازها إما عينه أو إقرار بتبعه ولا تبع مع عدم المتبوع والأصح أنه على الخلاف أيضًا لكن على الطريق الأول لمحمد - رحمه الله - لأن مجازها شامل لهما لا عين شيء منهما فيصح استثناء أحدهما لا على الثاني إذ ليس عملا بالحقيقة بوجه ولا يصح عند أبي يوسف - رحمه الله - لا لدليل الإقرار بل لأن الإنكار عين الخصومة قصدا والتبع لا ينفك عن المتبوع فيكون استثناء الكل من الكل. سابعها: أن استثناء الكل أو الأكثر منه باطل اتفاقا كان بلفظه أو بما يساويه مفهوما لا وجودا فيصح عبيدى احرار إلا هؤلاء لاحتمال الكلام بقاء ما يكون عبارة عنه لا إلا عبيدي أو مماليكي والأكثر على جواز المساوي والأكثر وقالت الحنابلة والقاضي أو لا يمنعها فيجب أن يبقي أكثر من النصف. وقال ثانيا بمنعه في الأكثر خاصة، وقيل: بمنعهما في العدد الصريح لا في نحو أكرم بني إلا الجهال وهم ألف والعالم واحد لكفاية الاحتمال. لنا أولأ وقوعه نحو: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وهم الأكثر لقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وكل غير مؤمن غاو فالمساوي أولى. وثانيا: صحة أن يقال: "كلكم جائع إلا من أطعمته" (¬1) وقد أطعم الأكثر كيف وهو ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (4/ 1994) ح (2577)، والحاكم في مستدركه (4/ 269) ح (7606)، والبيهقي في الكبرى (6/ 93) ح (12283)، والبزار في مسنده (9/ 441) ح (4053)، والبيهقي في الشعب (5/ 450) ح (7088)، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 172) ح (490).

وارد في الحديث القدسى أورده الترمذي ومسلم ولكونه آحادًا لم يتمسك بوقوعه. وثالثا: دلالة إجماع فقهاء الامصار على إلزام الواحد على من قال على عشرة إلا تسعة لمشترطي الأقل أن الاستثناء إنكار بعد الإقرار خالفناه في الأقل لأنه قد ينسى فبقي غيره. قلنا: لا نعلم بل تكلم بالباقي ولو سلم فليجز باتباع أدلتنا أما استقباح على عشرة إلا تسعة ونصفا وثلثا فلا يقتضي عدم صحته بل ذلك للتطويل بل مع إمكان الاختصار. ثامنها: الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة لا نزاع في إمكان رده إلى الجميع والأخير بل للظهور فعندنا إلى الأخيرة وعند الشافعي رضي الله عنه إلى الجميع كالشرط وقال القاضي والغزالي بالوقف بمعنى لا أدري وعليه ابن الحاجب رحمه الله والمرتضى بالاشتراك فهم كالحنفية في الحكم وهو عدم الرد إلى غير الأخيرة بلا قرينة لا في التخريج لأن عدم ظهور التناول غير ظهور عدم التناول وقال أبو الحسين البصري إن ظهر إضراب الثانية عن الأولى فللاخيرة وإلا فللجميع فظهوره إما بالاختلاف نوعا أي إنشاءً وخبرًا أو اسمًا للمستثنى منه أو محكوما به مع أن لا يكون الاسم الثاني ضمير الأول وأن لا يشترك الجملتان غرضا كالتعظيم والإهانة فأقسام الاختلاف أفرادًا وجمعًا سبعة أربعة منها وهي ما فيها الاختلاف اسمًا لا يتصور فيها كون الاسم الثاني ضمير الأول وإلا لم يختلفا اسما فالثلاثة الباقية باعتبار اشتمالها على هذا الشرط وعدمه معنة وهي مع الأربعة باعتبار الشرط الثاني عشرون فالأقسام السبعة للاختلاف المشتملة على شرطين صور ظهور الإضراب وهي الأربعة من الثمانية التي فيها الاختلاف اسما والثلاثة من الاثني عشر الباقية فالثلاثة عشر الباقية التي منها أربعة لا اختلاف فيها بوجه من الوجوه الثلاثة لأنه مع أحد الشرطين أو كليهما أو بدونهما صور ظهور عدم الإضراب والأمثلة غير خافية. تنبيه: صورة رجوع الاستثناء إلى الأخيرة عند الواقفية أعم من صور ظهور الإضراب لأن مطلق الإمارة أعم من الاختلافات السبعة وصورة رجوعه إلى الجملة عندهم أخص لأن ظهور الاتصال أخص من عدم ظهور الاضراب {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] ففي قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] عند غير الشافعي وأبي الحسين راجع إلى الأخيرة لما سيجيء مؤيدًا ذلك بأن الأخير اسمية لا تعلق لها بالحكام وبالحد وما قبلها فعلية إنشائية خوطب بها الحكام للحد إذ هذا الاختلاف مع الاشترك في الضمير والتسبب عن الشرط أمارة الإعراض عن الأسلوب السابق لغرض كالاستثناء عنه فقط لأن الامتناع مع الداعى اشتد فلا يصلح الاشتراك فيهما دليلا لعدم ظهور الإضراب كما توهموا.

قيل الغرض تعليل السابق قلنا لا يناسبه الواو وان أريد أنه في معرض التعليل وإن لم يسق له لا يتم التقريب وعندهما إلى الجملة للاشتراك المذكور غير أن لا يرجع إلى الجلد لكونه حق العبد. قيل يرجع باعتبار أن يدرج الاستحلال في واصلحوا وفيه أن يتوقف قبول شهادته عندهم على الاستحلال أيضًا وليس كذلك. لنا أولا: أن رجوع الاستثناء لضرورة عدم استقلاله ووضعه للرجوع لا ينافيه لأنه بواسطة وضعه غير مستقل مع اعتباره جزءًا للعبارة عن الباقي بعد الثنيا ومقدمًا على الحكم والأمور الاعتبارية كثيرًا ما يصار إليها للدواعي كاعتبار الوصف مع الموصوف شيئأ واحدًا والبدل مقصودًا من البدل والغاية جزءًا من المغيا أو منهيا لوجوده ومقررا والحال في معنى الصفة والاستدراك في معنى الاستثناء فيقدر بقدر ما تندفع به والثابت بهذه الضرورة المشتملة على وجوه من خلاف الظاهر الأصل عدم ارتكابه وتقليله ما أمكن بخلاف الشرط وسائر المتعلقات الغير مسمتقلة. وثانيا: أن الرجوع إلى الأخيرة متحققه على التقديرين وإلى غيرها مشكوك مع أن حكم الأولى بكمالها متيقن وارتفاع بعضه بالاستثناء أو توقفه على المغير مشكوك لجواز ترتبه على الأخيرة فقط والوقوف عندما تحقق وهذا يناسب الواقفية أيضًا من حيث الحكم ولا يقلب لجواز كونه للأولى لدليل لأن الاحتمال المحتاج إلى الدليل كعدمه قبله. وثالثا: أن في عليَّ عشرة إلا أربعة إلا اثنين يعود إلى الأخيرة حتى يلزم ثمانية. قيل: الكلام في المتعاطفة قلنا كذا في غيرها لاشتراك العلة بل أولى لأن ما يجوز على المقيد يجوز على المطلق ولذا لم يذكر أبو الحسين قيد العطف. قيل: الكلام في الجمل وهذه مفردات قلنا ففي المستقلة أولى قيل: لتعذر عوده إلى الجميع وإلا كان الاثنان مثبتا ومنفيا لاستثنائه منهما وكان لغوًا للزوم الستة على التقديرين وبعد تعذر الجميع جعل للأخيرة لقربها حتى لو تعذر للأخيرة جعل للأولى نحو عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة يلزم خمسة. قلنا يجوز ذلك بالاعتبارين عما في كل عدد يستثنى من عدد وفي كل عدد يتضمنه كلا المستثنى والمستثنى منه وحديث اللغو لغو لاحتمال أن يقال بعد الكل إلا واحد بل التمسك منزل فيه فلا تناقض لو رجع المنفى على إلى كل مثبت وبالعكس ولا لغو إذ يلزم الستة حينئذ وعند العود إلى الأخير فقط سبعة إذ القاعدة أن يجمع المثبتات على حدة والمنفيات كذلك ويرفع الثانية عن الأولى فيعرف الباقية.

للواقفية المشتركة

للشافعى - رحمه الله - أولا أن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ قلنا لا من كل وجه فقد يمنع الاستقلال. وثانيا: القياس على الشرط قلنا قياس في اللغة ومع الفارق السالف وأن الشرط مبدل للتنجيز إلى التعليق لا مبطل لا كلا ولا بعضا كالنسخ والاستثناء إلا فيما لا يقبل التعليق كالتمليك وأنه يجعل مقصود المقام المنع أو الحمل لجعله يمينًا والظاهر عدم اختلاف المقصود بين المتصلات أما أن الشرط مقدم تقديرًا فلا يفيد إذْ لا تقدم إلا على ما يرجع إليه إلا أن يقال الفصل بين المتصلات خلاف الظاهر فيجاب بأنه الفصل لفظًا لا تقديرًا فالظاهر أن التأخير لفظًا وهو خلاف الأصل للاحتراز عنه فيعارضه. وثالثًا: أنه في على خمسة وخمسة إلا ستة للجميع قلنا مفردات وليس المستقلة مثلها في الاشتراك ولأن رجوعه إلى الأخير متعذر ولأن مدعاكم الرجوع إلى كل واحد بل النزاع فيما يصلح له وللأخيرة. للواقفية المشتركة أولا: حسن الاستفهام أيهما المراد قلنا لعله لمعرفة الحقيقة أو لدفع احتمال خلاف الظاهر وثانيًا: صحة الإطلاق للأخيرة والجميع والأصل الحقيقة قلنا المجاز أولى ومنها الشرط. وفيه مباحث الأول في حده قد مر ما هو الصحيح عن مشايخنا وكيف يتميز عن السبب والعلة وجزئها والركن وعرفه الغزالي بما لا يوجد المشروط بدونه ورد بأنه دور وغير مطرد لصدقه على جزء العلة فاجيب عن الأول بأنه في قوة شرط الشيء ما لا يوجد بدونه أي المعرف ذات المشروط والموقوف مفهومه وعن الثاني أن المعلول قد يوجد بدون جزء العلة إذا وجد بعلة أخرى ولا يدفع الإيراد بالعلة المساوية وجزئها المساوي. وقيل: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر أي لا ذاته فيخرج جزء العلة ورد بأنه لا يتناول شرط القديم كالحياة للعلم القديم إذ لا تأثير لأن المحوج إلى المؤثر الحدوث واختار بعضهم ما يستلزم نفيه نفي أمر لا على جهة السببية فيخرج السبب أي العلة وجزؤه ولا خفاء أن الفرق بينهما موقوف على معرفة المميز بينهما فهو تعريف بمثله في الخفاء.

الثاني في تقسيمه

الثاني في تقسيمه قد مر أنه تعليقي جعلي أو حقيقي شرعي أو وضعي أي عقلي على منع الخلو والثاني كالطهارة للصلاة والحياة للعلم، والأول قد يسمى لغويا هو ما دخله أداة الشرط حقيقة أو دلالة سواء كان مما يتوقف عليه وجود الجزاء فقط نحو إن جاء غد فأنت طالق أو مقتضيا له جعلا نحو إن كلمت فلانا فأنت طالق حيث جعل التكلم مقتضيا له أو وضعا نحو: إن طلعت الشمس فالبيت مضيء وقد يدخل على شرط شبيه بالعلة من حيث استتباعه للوجود وهو ما لا يبقى للمعلول أمر يتوقف عليه سواه فمن شأنه أن يخرج ما لولاه لدخل إذ لو لم يدخل لولاه لتوقف على أمر آخر نحو أكرم بني تميم أو عبيدي أحرار إن دخلوا يخرج غير الداخلين عن وجوب الإكرام والعتق، وبهذا عد بيانا وتخصيصا كذا. قيل: والحق أنه يخرج أما ما لولاه لدخل كما في ذلك أو ما لولاه لاحتمل الدخول أي على تقدير تحقق غيره مما يتوقف عليه وإن لم يكن الآن إذ كل منهما إخراج الداخل على التقدير وهذا المقدار متفق عليه غير أن إخراجه في حق تأخير انعقاد الجزاء علة إلى وقت وجود الشرط عندنا لأن الإيجاب لا يثبت إلا في محله ولا يوجد إلا بركنه لا كبيع الحر وشطره والشرط حال بينه وبين المحل لأن أثره في المعلق بالذات وهو الاعتاق مثلا لا حكمه ونأخره أثر الأثر ولذا لا يحنث بالتعليق من حلف لا يعتق قبل وجود الشرط اتفاقا بخلاف الإضافة لأنها إيجاب في الحال والتقييد لتعيين زمان وقوعه واللازم يحقق إفضاءه ولذا جاز التعجيل في علي أن أتصدق بدرهم غدًا لا في إذا جاء غد فعلي ذلك وعند الشافعي رضي الله عنه في تأخير حكم العلة المنعقدة فبناه أن المعلق عندنا التطليق مثلا وعنده وقوع الطلاق والحق لنا لأن مجموع الجملة تطليق والوقوع أثره لأن المعتبر عنده مجرد المشروط الموجب للحكم على كل التقادير والتعليق خصصه بتقدير معين فاعدم غيره وعندنا مجموع الشرط والجزاء فهو إيجاب على تقدير ساكت عن غيره ومجرد المشروط كانت من أنت طالق فلا ينعقد عليه ففيه بحث من وجوه: 1 - أنا لا نعلم إيجاب المشروط على كل تقدير لأن الكلام يتم بآخره والإيجاب لولا عدم الشرط لا يكون إيجابا فلا يتم التقرير فلا يترتب الإعدام كيف وهل النزاع إلا في أن التقييد لا يكون إعدامًا. 2 - إن أريد بمجرد المشروط نفس الطلاق فليس جزاء بل بعضه وإن أريد التطليق له لا لجزئه. 3 - أن اعتبار المجموع خلاف اعتبار العربية ولا شك أن الأصول الفقهية مقتبسة منه

الثالث في أنه إما واحد أو متعدد على الجمع

فكيف يظن بمثل الإِمام - رحمه الله - مخالفته والثمرة بطلان تعليق نحو العتاق والطلاق بالملك عنده لاشتراط الملك عند وجود السبب وفاقا وتجويز تعجيل النذر المعلق وكفارة اليمين المالية قبل الحنث لأنه كتعجيل الزكاة بعد النصاب والمالي يحتمل الفصل بين نفس الوجوب ووجوب الداء كالثمن لا يجب أداؤه قبل المطالبة بخلاف البدني خلافا لنا في الكل كيف واليمين انعقدت للبر فلا يكون سببًا للكفارة بل سببها كما قيل الحنث فبينهما تناف والمال في حقوق الله تعالى غير مقصود لتنزهه عن الانتفاع والخسران بخلاف حقوق العباد وإنما المقصود هو الأداء حتى إنما جاز الإنابة في الزكاة لكونها فعله فالمالي فيه كالبدني فإذا احتمل المال احتمل البدني أيضًا وقياسه على الأجل وشرط الخيار فاسد لأنهما لم يدخلا على السبب بل الأجل على الثمن والخيار على الحكم لأن البيع لا يحتمل الخطر عكس الإسقاطات المحصنة فكان القياس عدم دخوله. وقد جوز لضرورة دفع الغبن فاندفعت بدخوله في الحكم لأنه أدنى الخطرين وفيه تصحيح تصرف العاقل ما أمكن ومن ثمراته أن الإخراج لإيجاب عدم الشرط عدم المشروط عنده لأن العلة منعقدة، فلولا إيجابه العدم لترتب الوجود على علته وعندنا لعدم الأولى لا الشرعي لعدم علته فلا يجوز تعدية ذلك العدم بالقياس وفي قوله: "إن كانت الإبل معلوفة فلا تؤد زكاتها" لا يجب الزكاة في السائمة وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] لا يوجب عدم حل نكاح الأمة عند طول الحرة فيحل نَكاحها بالأيات المطلقة ويجوز تعليق الحكم الواحد بكل من الأمرين فلا توقف لوجوده على أحدهما معينا وان كان أحدهما كلا والآخر جزعًا منه فلا يتوقف على الجزء الآخر وأن يكون الحكم الواحد معلقًا ومرسلا كالطلقات الثلاث المعلقة بشيء والمحتجزة قبل وجوده أما وجوده بالشخص فبأحد الوجهين معنيًّا خلافا له فيها وفي كون طول الحرة الكتابية مانعًا نكاح الأمة روايتان عنده فمنعه مع فهم عدم مانعيته لمعارضة إمكان صيانة الجزء عن الأرقاق الذي هو إهلاك حكمي بنكاحها. الثالث في أنه إما واحد أو متعدد على الجمع فينوقف المشروط على حصولهما معا أو على التفريق فعلى حصول أيهما كان وهو المراد بالبدل لا حصول احدهما مع عدم الآخر لأن أحد الأمرين واحد لا متعدد وكذا الجزاء فاللازم حصول واحد أو كليهما أو احدهما والحاصل من تداخل الاعتبارات الثلاث تسعة. فرع: في إن دخلتما فأنتما طالقان فدخلت احديهما قيل تطلق الداخلة إذ المراد عرفا

تعليق طلاق كل بدخولها، وقيل: لا واحدة منهما لأن الشرط دخولهما معا، وقيل: كلاهما لأنه دخول أيهما كان والذي ذكره أصحابنا أن مدخول كلمة الشرط بجميع أجزائه شرط واحد وكل من اجزاء الجزاء الصالح للجزائية جزاء وهو الموافق لما تقرر في العلوم العقلية أن تعدد المقدم لا يقتضي تعدد الشرطية بخلاف تعدد التالي وللأصل المقرر أن المشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط ففي قوله لأربع عنده إن حضتن فأنتن طوالق لا يقع شيء عند حيض البعض بل تطلق الكل عند حيض الكل. فإن قلنا حضنا فصدق الواحدة أو المثنى لا يقع شيء أو الثلاث تطليق المكذبة فقط لكمال الشرط في حقها فقط نعم لو قال إن حضتن حيضة يكفي في طلاقهن حيضة الواحدة لأن الحمل على نسبة الفرد إلى المتعدد مجازا نحو: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61] أولى من اللغو والمحال كما عرف فتطلق الكل بخبر الفرد إن صدقها وإلا تطلق المخبرة فحسب لأنها أمينة في حقها دون حق غيرها فيما لا يختص بحيضها بخلاف الحرمة والعدة وفي قوله إن دخلتن دارا لا يحنث لا بدخول الكل. أما إذا تقابل الجمل في نفس الشرط نحو إن دخلتما دارين فأنتما طالقان تطلقان بدخول كل في دار عندنا حكمت لتقابل الجمل وعند زفر - رحمه الله - بدخول كل في دارين كأن دخلتما هذه ودخلتما هذه أما إن دخلتما هذه وهذه فكدخلتما دارين وأما في مسألة إن شئتما فأنتما طالقان فالمعتبر شرطا عند زفر مشيئة كل منهما في حق نفسها إلا أن المتعارف في مخاطبة المرأة بالطلاق المعلق بالمشبه تعليق طلاقها بمشيئتها كقوله إن شئتما طلقتكما فصار كقوله لكل أنت طالق إن شئت وعندنا مشيئتهما معا لطلاقهما معا في المجلس فلا يقع لمشيئة إحديهما لهما أو لصاحبتها أو بموت إحديهما قبل المشبه لأنه بعض الشرط إذْ معناه إن شتئما الطلاق كما في إن دخلتما هذه الدار والحق لنا لما مر أن المشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط. لا يقال المشروط بالكل مشروط بكل جزء منه فيكون كل جزء شرطًا لأنا نسلمه لمعنى التوقف عليه لا لمعنى عدم التوقف إلا عليه والكفاية في ترتب التالي. ذنابة: قياس الشرط اقتضاء صدر الكلام ليعلم من أول الأمر نوعه كالاستفهام والقسم والنفي ففي أكرمك إن دخلت الدار ما تقدم خبر دليل للجزاء المحذوف لا جزاء أي لفظا وإلا لجاز ولكن معنى إذ لا تتجيز فلم يجز جزمه لاستقلاله لفظا وقدر مدلوله جزاء لكونه جزاء معنى رعاية للمسألتين ولذا اختلف فيه واتفق على إطلاق الجزاء عليه.

تخصيص العام

ومنها الصفة: نحو أكرم بني تميم الطوال فيخرج القصار والبدل نحو: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: 97] فيخرج غير المستطيع والغاية نحو أكرمهم إلى أن يدخلوا فيخرج الداخلون. تتمة: هذه الأربعة كالاستثناء في وجوب الاتصال وتعقيب المتعدد أنه للجميع أو الأخير والاختلاف والاختيار وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الشرط للجميع والفرق سلف من وجوه أربعة وكذا الأقسام التسعة بحسب اتحاد الغاية والمغيا وتعددهما. ومنها تخصيص العام: وفيه مباحث: المبحث الأول أن قصر العام على بعض أفراده بالمستقل المتصل حقيقة أو حكما للجهل بالتاريخ فخرج غير المستقل وهو ما مر والمفصل المتراخي فإنه نسخ وقد مر أن دونه بيانا مغيرا من القطع إلى الظن والصحيح أن ذلك في التخصيص باللفظ أما بالعقل فقطعي كما قبله ولذا يكفر من أنكر فرضية العبادات الثابتة بخطابات خص عنها غير المكلف بالعقل فهذا تعريف مطلقه وإن أريد ما هو الغير قيد باللفظين أيضًا. المبحث الثاني في جواز التخصيص بالعقل خلاف الشرذمة، لنا: خروج الواجب القديم من نحو {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 120] لاستحالة مخَلوقيته ومقدوريته وغير المكلف من نحو {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] لعدم فهمه كل ذلك بالعقل. قيل: التخصيص فرع صحة التعميم لغة وهو معلوم إذْ القائل بأني فاعل كل شىء لو أراد نفسه لحظي لغة قلنا التخصيص للمفرد وعمومه لغة من حيث هو الظاهر وبعد التركيب حكم العقل بتخصيصه بل وحين التركيب أيضًا غايته الكذب والخطأ لغة غيره وغير لازم منه. قالوا أولا: ليس العقل متأخر والبيان متأخر عن المبين قلنا الواجب تأخر صفة مبينيته لا ذاته. وثانيا: لو جاز التخصيص عقلا لجاز النسخ عقلا وليس إجماعا قلنا فرق بان النسخ سواء كان بيان لمد الحكم أو رفعه محجوب عن نظر العقل بخلاف خروج البعض عن الخطاب كما مر.

المبحث الثالث في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب

وثالثًا: أن ترجيح العقل على الشرع عند التعارض تحكم قلنا لا نعلم بل صرف للمحتمل القاطع. المبحث الثالث في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب خلافا للبعض لكنه عند القاضي وإمام الحرمين إذا علم تأخر الخاص إذْ لو علم تقدمه ينسخه العام مطلقا ومن وجه في قدر ما تناولاه ولو جهل التاريخ يحمل على المقارنة فيثبت حكم التعارض في ذلك القدر وكذا عندنا لكن إذا اتصل الخاص المتأخر إذ لو تراخى كان ناسخا ويبقى العام في الباقي قطعيا فلم يجز تخصيصه بالقياس وخبر الواحد وعند الشافعي ومالك يخصصه الخاص تقدم أو تأخر أو جهل. لنا: في الجواز ووقوعه ما مر من تخصيص الربا من البيع والمستأمن من المشركين وفي اشتراط تأخر الخاص: أولا: إن قوله لا تقتل احدا بعد قوله اقتل زيدا منع له عن قتل زيد أيضًا هو المفهوم بالدلالة العادية القطعية فيصير نسخا قيل تخصيصه ممكن فيصار إليه دون النسخ لأولويته لغلبيته وكونه دفعا لا رفعا كما إذا تأخر قلنا لا يعارضان ما ذكر من الدلالة العادية فضلا عن الترجيح. وثانيًا: قول ابن عباس رضي الله عنه "كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث" (¬1) وظاهره أخذ الجماعة فكان إجماعا قيل محمول على ما لا يقبل التخصيص جمعا بين الأدلة قلنا سنبطل دليلكم وفي اشتراط وصله التراخي يقتضي سبق الثبوت فلا يحتمل إلا الرفع للمخصصين مطلقا أنه لو لم يخصص لبطل القاطع وهو الخاص بالمحتمل وهو العام والعقل قاض ببطلانه أما كون العام محتملا فقيل لجواز أن يراد به الخاص وقد مر أنه من احتمال المجاز فلا ينافي القطع، وقيل: للاختلاف في أنه للعموم أو الخصوص أو يوقف قلنا قد أبطلنا الأخيرين فلا يؤبه بهما على أنه عند الخصوم للعموم قطعا وللمعنيين مطلقا أن المبين هو الرسول عليه السلام لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] لا الكتاب ولا يكذب قلنا معارض بقوله في صفة القرَآن {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] والحل أن الكل ورد على لسانه فهو المبين تارة بالقرآن وأخرى بالسنة. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (8/ 329) ح (3563)، والدارمى (2/ 16) ح (1708)، والبيهقي في الكبرى (4/ 240) ح (7930)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 157)، والإمام مالك في الموطأ (1/ 294) ح (650)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 64).

المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة

المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة خلافا لشرذمة وهذه كالسالفة. المبحث الخامس في جواز تخصيص السنة بالقرآن لقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] قالوا هي تبيين القرآن لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} فالمبين قلنا الرسول هو المبين بكل منهما. المبحث السادس في جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد كما بالمتواتر اتفاقا وينسب إلى الأئمة الأربعة لكنه عندنا بالمشهور مطلقا وبغيره بعد التخصيص لا بالعقل لا بعد النسخ، وقيل بعهد التخصيص بقطعي أو منفصل (وقال الكرخي بعد التخصيص بمنفصل قطعي أو ظني فالمنفصل ليس ناسخًا عندهما)، وتوقف القاضي بمعنى لا أدري. لنا وقوعه كتخصيص الصحابة من قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] نكاح المرأة على عمتها وخالتها بقوله عليه السلامَ: "لا تنكحوا المرَأة على عمتها ولا على خالتها" فإنه مشهور وكما خص قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] بقوله عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" بعد تخصيص صور الموانع منه قيل إن أجمعوا على ذلك فالمخصص هو الإجماع لا السنة وإلا فلا نعلم التخصيص إذ لا يتصور فيه دليل سوى الإجماع. وأجيب: بأن عدم إنكارهم للتخصيص بخبر الواحد إجماع دل على جوازه أما قبل التخصيص فالعام قطعط الدلالة كما مر والثبوت فلا يعارضه غير المشهور لكونه ظني الثبوت والتخصيص بطريق التعارض لا لرد عمر خبر فاطمة بنت قيس في عدم وجوب النفقة والسكنى المخصص لقوله تعالى وأسكنوهن إذْ ذلك للتردد في صدقها ولذا علل الرد به. قال ابن أبان ولذا لا يخصصه أول الأمر إلا قطعي وبعد ما خصصه صار ظنيا وقال الكرخي القطعي إذا ضعف بالتجوز لا يبقى قطعيا لأن نسبته إلى مراتب التجوز بالجواز سواء والمخصص بالمنفصل مجاز عنده دون المتصل فيعارضه الظن وفي تخصيصه الأول بالظني نظر إلا أن يريد ظنيا يكون سندا للإجماع للقاضي أن الكتاب قطعي ثبوتا وظني دلالة والخبر بالعكس فتعارضا فتوقف قلنا بل ودلالة كما مر. السابع: أن الإجماع يخصصهما كإيجاب نصف الثمانين على العبد بالإجماع المخصص لآية حد القذف ولا بد أن يتضمن نصًّا مخصصًا يكون سنده نفسه أو قياسا يظهر حكمه حتى لو أمكن الإجماع في عهد الرسول على خلاف المنصوص متراخيًا كان

يتضمن نصا ناسخا لكن لا إجماع فيه كما لا نسخ بعده والحق عندنا أن لا تخصيص مع التراخي بل ذلك بنص مجهول التاريخ محمول على المقارنة والمعارضة فإن أمكن العمل بهما وإلا يطلب الترجيح فإذا ترجح الخاص يكون مخصصا. الثامن: من قال بالمفهوم جوز تخصيص العام به سواء فيه الموافقة والمخالفة وذكروا في مثاله المخالفة ليعرف صحة تخصيص الموافقة بالأولى وهو تخصيص قوله عليه السلام "خلق الماء طهورا" الحديث بمفهوم قوله "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا" قلنا التخصيص بطريق المعارضة ولا يصلح المفهوم لضعفه معارضا المنطوق والجمع بين الدليلين من أحكام المعارضة على أن العام ورد في بئر بضاعة وكان ماؤه جاريا يسقى منه خمسة بساتين وإنما لا يخصص عموم اللفظ بخصوص السبب إذا لم يرد مخصص مثله في القوة وقد ورد هنا حديث المستيقظ والنهي عن البول والاغتسال في الماء الدائم من غير فصل ولئن سلم فحديث القلتين ضعفه أبو داود وقال لا يحضرني من ذكره ومثله دون المرسل فلا يكون حجة عندهم بالأولى ولئن سلم فيحتمل أن يراد إذا بلغ انتقاصا ضعف عن احتماله لا لمعنى يدفعه. التاسع: فعل الرسول عليه السلام بخلاف العموم كالوصال في الصوم بعد نهي الناس عنه يخصص العموم إن قيل بحجيته فإن لم يثبت وجوب اتباع الأمة ففي حقه فقط وإن ثبت فبدليل خاص لذلك الفعل نسخ لتحريمه وبدليل عام في جميع أفعاله مثل خذوا عني مناسككم أي عباداتكم لا إن كنتم تحبون الله فاتبعوني لأن الأمر لا يقتضى العموم قيل يصير مخصصا بالنهي الأول من حيث هو خاص من وجه وإن لم يكن قطعيا لعمومه من وجه وذلك لأنه مرادا وداخل تحت الإرادة فيلزم على الأمة موجبه لا الاقتداء بالفعل وقيل لا بل يجب العمل بدليل وجوب اتباع فعله وهو المختار وقيل بالتوقف. لنا أن العام المتأخر ناسخ قالوا تخصيص دليل الاتباع بالنهي الخاص المقدم جمع بين الدليلين قلنا الجمع من أحكام المعارضة ولا معارضة عند العلم بالتاريخ ولئن سلم فالدليل الثاني مجموع دليل التباع مع الفعل وهو أخص. العاشر: علم الرسول عليه السلام بما فعله المكلف مخالفا للعموم وعدم إنكاره مخصص للفاعل وهذا من جزئيات القسم الثالث من أقسام بيان الضرورة كما سيجيء فلو تبين علة لتقريره الحق به من يوافقه فيها إما قياسا أو بقوله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة إذ سكوته عن إنكار غير الجائز لا يجوز لقوله عليه السلام: "الساكت عن الحق شيطان أخرس" وإن لم يتبين فلا يتعدى لا قياسًا لتعذره ولا بالحديث لتخصيصه

إجماعًا بما علم فيه عدم الفارق للاختلاف في الأحكام قطعًا وها هنا لم يعلم. الحادي عشر: مذهب الصحابي على خلاف العام مخصص والصحيح إن كان هو الراوي، وقيل: لا والمسألة فرع التمسك بالأثر لكنه إذا لم يكن الراوي يحتمل أن لا يبلغه أو لا يعتمد عليه. الثاني عشر: أن العام قد يخصص بالعادة كما يعتمد عليها في كل يجوز ومعناه أن العادة إذا اختصت يتناول نوع من أنواع متناولات اللفظ العام تخصصه به استحسانا نحو أن يحلف أن لا يأكل رأسا يقع على المتعارف الذي يباع في السوق ويكبس في التنانير وهو عند أبي حنيفة رأس البقر والغنم وعندهما الثاني فقط أو بيضا يختص ببيض الإوز والدجاج ونحوها إلا سائر الطيور الغير المتعارفة وفي المبسوط ببيض الطور لا السمك أو طبيخا أو شواء فعلى اللحم المسلوق ومائه لا المقلي إذ لا يسمى مطبوخا ولا نحو البيض والباذنجان والجبن والسلق والجزر وهذا أحد أقسام ما يترك به الحقيقة ذكرناه تتبعا وسنستوفيها إن شاء الله تعالى وقيل لا يخصصه وهو القياس لأنه الحقيقة اللغوية. لنا: أن الكلام للإفهام فالمطلوب به ما يسبق على الأفهام وذا هو المتعارف قطعا فينصرف الفعل المتعلق به إليه انصراف اللفظ الغالب استعماله في أحد متناولاته عرفا إليه كالدابة إلى ذات القوائم والنقد إلى نقد البلد للتعامل لا سيما في الأيمان المبنية على العرف قالوا العادة في التناول لا تصلح دليلا على نقل اللفظ من العموم إلى الخصوص بخلافها في غلبة الاسم قلنا غلبة العادة تستلزم غلبة الاسم ولئن سلم فالتخصيص ككل صرف عن الظاهر ليس من لوازمه نقل اللفظ فمن الجائز صرفه بالسياق والسابق والمحل والحال كما سنذكر وليعلم أن هذا نظير الحقيقة المهجورة مع المجاز المتعارف وفي مثله يحمل على المجاز اتفاقا بخلاف المستعملة معه غير أن المتعارف ها هنا في الفعل لا في اللفظ كما في تلك المسألة كما في وضع القدم للدخول والتوكل بالخصومة للجواب. الثالث عشر: أن الخاص الذي يوافق العام في الحكم إن كان له مفهوم معتبر يدل به على نفي الحكم عن غيره يخصصه كما مر وإلا فلا خلافا لأبي ثور فإن قوله عليه السلام في شاة ميمونة "دباغها طهورها" (¬1) لا يخصص "أيما أهاب دبغ فقد طهر" (¬2) وهو فرع ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمى (2/ 117) ح (1986)، والبيهقي ق الكبرى (1/ 17) ح (57)، والدارقطني في سننه (1/ 44)، وأبو داود (4/ 66) ح (4125)، والنسائي في الكبرى (3/ 84) ح (4570)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 279) ح (2522). (¬2) أخرجه مسلم (1/ 277) ح (366)، وابن الجارود في المنتقى (1/ 27) ح (61)، وأبو نعيم في =

مفهوم اللقب وسيجىء أنه مردود. الرابع عشر: أن رجوع الضمير إلى بعض ما يتناوله العام كضمير {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] إلى الرجعيات من قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] لا يخصصه خلافا لإمام الحرمين وأبي الحسين وقيل بالتوقف. لنا: أن صرف أحد اللفظين عن الظاهر كمجازيته لا يقتضيه في الآخر، قالوا فيلزم المخالفة بين الضمير والمرجوع إليه قلنا لا يسمى مخالفة كإعادة الظاهر مقيدًا، للواقف لا بد من تخصيص الظاهر أو المضمر دفعا لتلك المخالفة ولا مرجح قلنا في تخصيص الظاهر تخصيص المضمر دون العكس فهو أولى ولو سلم فالظاهر أقوى دلالة ودفع الأضعف أسهل. الخامس عشر: في جواز تخصيص العام بالقياس إن كان مخصصا قيل وهو مختار كثير من مشايخنا كابن أبان وغيره كتخصيص المدبور من قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] قياسًا على الفقر لما خص منه كثير من الأموال بالإجماع وغيره كاللآلئ والجواهر والتخصيص في الجملة منقول من الأئمة الأربعة والأشعري وأبي هاشم وأبي الحسين وشرط الكرخي التخصيص بمنفصل وابن سريج جلاء القياس قيل هو قياس المعنى لا الشبه أو ما علته ظاهرة كما لا يقتضي القاضي وهو غضبان من دهش العقل المانع عن تمام الفكر أو الذي لو قضي بخلافه ينقض والحق أنه ما قطع ينفي تأثير الفارق منه والبعض خروج الأصل المقيس عليه بنص وتوقف الإِمام والقاضي وعمل حجة الإِسلام بالأرجح من الظن الحاصل بالعام والحاصل بالقياس إن كان تفاوت وإلا فتوقف واختار ابن الحاجب أن ثبت العلة بنص أو إجماع أو كان الأصل مخرجًا عن العام خص به وإلا فقرائن آحاد الوقائع إن رجحت خاص القياس عمل به وإلا فبعموم الخبر وقال الجبائي يقدم العام جليا أوْ لا ومخصوصًا أوْ لا فهذه ثمانية مذاهب. لنا ما مر أن التخصيص بطريق المعارضة والقياس لكونه ظنى الدلالة يعارض النص إلا إذا كان كذلك والعام قبل التخصيص قطعى الدلالة كما مر وهو المراد بقول الجبائي لزم تقديم الأضعف عن الأقوى إذ الاجتهاد في خبر الواحد في أمرين السند والدلالة وفي ¬

_ = مستخرجه على مسلم (1/ 410) ح (805) بتحقيقنا، والبيهفى في الكبرى (1/ 20) ح (68)، والدارقطنى في سننه (1/ 46)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 10)، وأبو داود (4/ 66) ح (4133).

القياس في ستة حكم الأصل وعلته ووجودها فيه وخلوها عن المعارض فيه ووجودها في الفرع وخلوها عنه فيه مع الأمرين إن كان الأصل الخبر. قال ابن الحاجب: ما ثبت عليته بنص أو إجماع أو كان أصله مخرجا بنص يتنزل منزلة نص خاص فيتخصص به جمعا بينهما ثم الإلزام بذلك إنما يراه عند الإبطال وها هنا إعمال لهما على أنه منقوض بتخصيص الكتاب بالسنة والمنطوق بالمفهوم. قلنا: إن علم المعارض المماثل قوة من النص وغيره فالتخصيص به وإذا كان الأصل مخرجًا كان العام مخصصًا وظنيا فيعارضه القياس ثم لا نعلم أن إعمال الدليلين جائز أينما كان بل عند تساويهما قوة وإلا تعين العمل بالأقوى وإليه ينظر مذهب الغزالي - رحمه الله - وبه يعرف عدم ورود النقض بالتخصيصين لعدم قولنا بهما غير أن الجبائي اعتبر تفاصيل الظن وإمكان كثرة تطرق الخلل ونحن اعتبرنا نفس الظن فبعد حصوله واجب العمل به على المجتهد إجماعًا قلت مقدماته أو كثرت قال قدم الخبر في حديث معاذ وصوبه الرسول عليه السلام قلنا منقوضٌ بتقديم الكتاب على السنة وأنها تخصصه مشهورًا أو متواترًا أن التخصيص ليس إبطالا بل بيانًا وإعمالا بهما عند صلوح التعارض وقال أيضًا صحة العمل بالقياس للإجماع ولا إجماع ها هنا للخلاف قلنا الإجماع على صحة مطلق العمل به لا على صحة كل قياس يعمل به فلا ينافيه العمل به في موضع مع الخلاف فيه ولأن الإجماع في الحقيقة على العمل بالظن وأنه حاصل وبعد حصوله صار وجوب العمل به قطعيا كما مر في صدر الكتاب، للكرخي ما مر أن المخصص بالمنفصل مجاز فيضعف فيخصص بالظني قلنا المنفصل دافع فهو ناسخ والباقي بعده قطعي ثم مناط أمر القياس حصول الظن وهو وجداني سواء فيه جلاؤه وخفاؤه والباقي إما غير مخالف أو ظاهر الاندفاع وربما يستدل على أن القياس لا يخصصه مطلقا بأن العلة المستنبطة إنما تخصص راجحة لا مرجوحة ولا مساوية فيثبت باحتمال بعينه وينتفي باحتمالين آخرين منهما وهو أقرب من وقوع واحد معين وارجح ظنا وجوابه بأنه يجري في كل تخصيص ليس بشيء لجواز العلم برجحان المخصص أو قصد العمل بكلا الدليلين عند التساوي لا عند المرجوجية لعدم قوة المعارضة بل بأن هذا النوع من الترجيح إنما هو إذا لم يعرف بينهما شيء من الأحوال الثلاثة فيلتزمه لولا الحكم بالمساواة وبأن نمنع عدم التخصيص عند المساواة فإنه عمل بهم لا إبطال للعام.

المقصد الثالث في بيان الضرورة

المقصد الثالث في بيان الضرورة وفيه إضافة الحكم على سببه فإنه بيان يقع للضرورة وأقسامه أربعة: 1 - ما هو في حكم المنطوق للزومه منه عرفا كالآية {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] لأن بيان نصيب أحد الشريكين بيان لنصيب الآخر. ومنه بيان نصيب المضارب فقط في المضاربة وهذا عكسه استحسانًا لهذا لا قياسا لأن المحتاج إلى البيان نصيب المضارب وإلا فكل الربح نماء ملك رب المال وغير لازم لاحتمال أن يشترط بعض الباقي لعامل آخر ومثله المزارعة قياسًا واستحسانًا وعليه من أوصى لزيد وسعد بألف أو بالثك فقال لزيد منه أربعمائة. 2 - ما بينه حال الساكت القادر كسكوت النبي عليه السلام عن تغيير ما يعاينه من قول أوفعل من مسلم حتى لو سكت عما سبق نهيه كان نسخا لا استغناء عنه بما سبق كما وهم لأن تقريره على منكر وإلا لما صدق مدحهم بقوله: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] إذ المراد عن كل منكر أما ما يعاينه من كافر كشرب الخمر والذهاب إلى كنيسة فسكوته لا يدل على جوازه وهذا سكوت الصحابة رضي الله عنهم عندنا كسكوتهم في خلافة عمر رضي الله عنه عن تقويم منفعة البدن في ولد المغرور بعد تقويم البدن فدل أن المنافع لا تضمن بالإتلاف المجرد عن العقد وشبهته بدلالة حالهم أن البيان كان واجبا عليهم يطلب صاحب الحادثة حكمها وهو رجل من بني عذرة تزوج أمة آبقة مغررا وولدت فاستحت وكانت أول حادثة لم يسمعوا فيها نصا بعده عليه السلام. ومنه سكوت البكر في النكاح بدلالة حال الحياء والناكل عن اليمين بيان لوجوب المنال عند الإمامين بدلالة حال امتناعه عن اليمين الواجبة والإمام الأعظم رضي الله عنه لم يجعله إقرار لاحتمال الاحتراز عن نفس اليمين والاقتداء عنها اقتداء بالصحابة إذْ صلاح حاله لليمين ونسبته إلى الكذب ومنه دعوة المولى أكبر أولاد أمة ولدتهم في بطون بيان لنفى نسب الأخيرين بدلالة حال لزوم الإقرار عليه لو كانوا منه والسكوت عن البيان بعد تحقق الوجوب بيان المنفى. 3 - ما بينه ضرورة دفع الغرور كسكوت من يرى عبده يعامل كان إذنا لأن الناس يستدلون به على إذنه فيعاملونه فكان إضرار وسكوت الشفيع عن طلبها كان إسقاطا لضرورة دفع الغرور والضر رضي الله عنه عن المشترى وليس مندرجا في القسم الثاني كما ظن لأنه سكوت مع امتناعه شرعا لولا الرضا أو مع وجوبه عرفًا عند الرضا وليس ما نحن فيه بشيء منهما كيف وربما يكون المولى لفرط الغيظ أو لأن يتأمل في صلاحيته

المقصد الرابع في بيان التبديل

للإذن فيأذن وكذا سكوت الشفيع. 4 - ما بينه ضرورة طول الكلام مثل له على مائة ودرهم أو دينار أو قفيزين جعل العطف بيانا لها عندنا وعند الشافعي مجمله وإليه بيانها لأن العطف لم يوضع للبيان بل للمغايرة وإلا فكذلك مائة وثوب أو شاة أو عبد وهو القياس. قلنا: استحسناه بالعرف والاستدلال فإن إرادة التفسير بالمعطوف فإن مميزه عينه متعارفة في نحو مائة وعشرة دراهم للإيجاز حتى يستهجن ذكره في العربية ويعد تكرارًا وكذا مائة ودرهم وعطف كل غير عدد إذا كان مقدار لأنه مما يثبت في الذمة في عامة المعاملة كالمكيل والموزون بخلاف له علي مائة وثوب فضلا عن نحو وعبد فإنه لا يثبت في الذمة إلا في السلم فلا يرتكب إلا فيما صرح به كالمعطوف ولأن المعطوفين كشيء واحد كالمضافين ولذا لم يجز الفصل بينهما إلا بالظرف فكما يعرف المضاف إليه مضافه يعرف المعطوف المعطوف عليه إذا صلح كما في المقدر. واتفقوا في له أحد وعشرون درهما أو شاة أنه بيان لكونه تفسيرا يعقب مبهمين متعاطفين والعطف للشركة فيما يتم به أحد المعطوفين كما على مائة وثلاثة دارهم أو ثلاثة أثواب أو شياه وأبو يوسف -رحمه الله- جعل على مائة وثوب أو شاة بيانا لأن احتمال قسمة الجميع قسمة واحدة جبرا دل على الاتحاد إذ الجبري ليس إلا في متحد الجنس بخلاف مائة وعبد قيل لا يصح الفرق لأن عدم التقسيم الجبرى في الرقيق مذهب الإمام وعند صاحبيه كغيره. فأجيب: بان جريانه بأنه عندنا عند اتفاق المتقاسمين وذا في الحقيقة بيع لا قسمة ورد بأن الرواية جريانه عندهما ولو بإرادة البعض ثم وجه بأن الفرق بالاتفاق في جريانه في غير الرقيق لا فيه والحق أن الحق قولهما في الرقيق على جريانه برأي القاضي لا بدونه كما في غيره. المقصد الرابع في بيان التبديل وهو النسخ ويستدعي الكلام في تعريفه وجوازه ومحله وشرطه الناسخ والمنسوخ ففيه مباحث: الأول: في تعريفه هو لغة التبديل وهو إخلاف شىء بغيره ولذا سماه به في قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101] وذا يعتبر تارة في نفس الشيء فيعبر عنه بالإزالة نحو نسخت الشمس الظل لأنها تخلفه شيئا فشيئا وأخرى في مكانه فيعبر بالنقل نحو نسخت الكتاب أي نقلت ما فيه إلى آخر ومنه مناسخات المواريث لانتقال المال في الورثة وتناسخ الأرواح لانتقالها في الأشباح والتعبير عنه في القرآن بالتبديل أدل دليل

على أنه حقيقته لا سيما وقد نقله الثقة من مشايخنا ففي كل من المعنين الآخرين مجازا باسم الملزوم فلا يلتفت إلى أنه حقيقة في الإزالة مجاز في النقل باسم اللازم أو بالعكس باسم الملزوم أو مشترك واصطلاحا أن يدل على خلاف حكم شرعي دليل شرعي متراخ فالدلالة أولى من الرفع كابن الحاجب والبيان كبعض الفقهاء لأن صدق كل منهما باعتبار دون آخر فإنه بيان محض في علم الله المتعلق بأمد حكمه ورفع وتبديل في علمنا بإطلاقه الظاهر في البقاء. ومن اللفظ والخطاب كإمام الحرمين والغزالي فأولا لأنه دليل النسخ لا عينه ولذا يقال نسخ به ويسمى ناسخًا ولا يلزم من كون شرط دوام الحكم عدم قول الله الدال على انتفائه أن يكون قطع الدوام ذلك القول لجواز أن يكون آلته كما أن عدم الآلة القتالة شرط بقاء المنقول وتفسير القول بالكلام النفسي ولقثيله بمدلول نسخت ينافي وقوعه موقع اللفظ ووصفه بالدال على الانتفاء فإنه عين النفي الخفي. وثانيا: أن لفظ العدل نسخ حكم كذا داخل ليس بنسخ وفعل الرسول خارج نسخ إلا عند تأويل الدلالة بالذاتية فالأولى عدمه على أن دلالة الفعل عند من يجعله موجبًا ذاتية ويخرج بقولنا على خلاف حكم شرعى أي ما ينافيه لا ما يغايره رفع المباح الأصلي ولا يرد نسخ التلاوة فقط جمعًا لأن المقصود تعريف النسخ المتعلق بالأحكام إلا أن يدرج الأحكام اللفطة كصحة التلاوة في الصلاة وحرمتها على نحو الجنب وبقولنا دليل شرعي دلالة عدم الأهلية كما بالموت والجنون على عدمه كما خرج عدمه بالإذهاب عن القلوب وبانتهاء وقت الموقت ويتناول الكتاب والسنة القولية والفعلية وغيرها وبمتراخ المخصص ونحو الاستثناء لأنه دافع والناسخ رافع لا يقال لا يصح كونه رافعًا فإنه إما للحكم وتعلقه وهما قديمان فلا يرتفعان لأن القدم ينافي العدم لأثرهما وهو الفعل فليس الفعل الماضي أو الحاضر إذْ لا يتصور نسخهما ولا المستقبل قيل: لأن ما في المستقبل إذا نسخ لم يكن وما لم يكن لا يرفع فما في المستقبل لم ينسخ وفيه أن رفع المرفوع بهذا الرفع غير ممتنع. والأولى: أن ما في المستقبل غير موجود فكيف يرفع لأنا نقول قد مر أن قدم المتعلق يختلف فيه بين المشايخ فيمكن أن يكون محل النسخ إياه لكن شبهة الأثر عائدة إن تمت امتنع النسخ والحق أن المنسوخ ليس نفس الفعل بما تعلق الحكم التكليفي لكن بالنسبة إلى إطلاقه في علمنا كما مر، أما بالنسبة إلى علم الله تعالى فالتعليق القديم مكيف بهذه الكيفية ومغيا بهذا الأمد فالمرتفع دوامه الظاهري الاستصحابي لا الحقيقي وهو المراد بالتعلق المظنون في المستقبل والقول بأن القديم الإيجاب والمرتفع الوجوب التنجيزي الذي هو

أثره ليس بتحقيق كما مر أن اختلافهما اعتباري وفي الحقيقة شيء واحد لأن ارتفاع الأثر اللازم يوجب ارتفاع الملزوم فإن أريد التعلق بالوجه الذي قررناه فذلك هو هو. الثالط في جوازه: أجمع أهل الشرائع على جوازه إلا غير العيسوية من اليهود ففرقة منهم عقلا وفرقة سمعا وكذا على وقوعه غلا أبا مسلم الأصفهاني لأن كلاهما يسمى نسخا تخصيص عنده والحكم الأول مقيد بالغاية حتى في الشرائع المتقدمة إلى ظهور خاتم الأنبياء عليه السلام وبذا يعلم أن ليس النزاع في إطلاق لفظ النسخ وكيف يتصور من المسلم وقد ورد في القرآن بل في ورود نص على خلاف حكم نص سابق غير موقت والحق أن بشارة موسى وعيسى عليهما السلام بشرع محمد عليه السلام يحتمل أن تكون لتفسيره أو تقريره أو نسخ البعض وغير لازم منه توقيت جميع أحكامهم المنسوخة. لنا في مجرد جوازه القطع به عقلا أما إذا لم يعتبر المصالح أي للعباد فالله غني عن العالمين فظاهر لأن الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وأما إذا اعتبرت تفضلا على ما عليه الفقهاء فلجواز اختلاف مصلحة الفعل أو الأمر باختلاف الأوقات وعلم الخبير القدير به وإن كان غيبًا عنا كشرب الدواء ففي ذلك حكمة بالغة لا بداء كما في الإماتة والإحياء وفيهما أمر آدم باستحلال الأخوات والجزء كحواء ونسخ في سائر الشرائع. قيل: بناؤه على حجية شرع من قبلنا ما لم يرد مخالفه فأولى منه أن يقال ثم حرم عليه إذا وجد أولاد أولاده لاندفاع ضرورة التناسل وليس بشيء لأن الكلام ها هنا في مطلق النسخ لا في النسخ بشريعتنا أما وجوب الختان يوم ولادة الطفل في شريعة موسى عليه السلام بعد جواز تركه في شريعة إبراهيم عليه السلام وحرمة جمع الأختين عندهم بعد جوازه في شريعة يعقوب عليه السلام والسبب بعد جوازه قبلهم فقيل لا يصلح للتمسك لأن كلا منهما رفع الإباحة الأصلية ولا ترد بأن الإباحة فيها بالشريعة فإن الناس لم يتركوا سدى في زمان لأن تقييد الحكم بالشرعي مستدرك حينئذ بل بأن سكوت الأنبياء عند مشاهدتها تشريع منهم فكانت أحكامًا شرعية. لليهود أولا قول موسى عليه السلام تمسكوا بالسبت ما دامت السماوات والأرض وهذه شريعة مؤبدة عليكم فإنه متواتر قلنا على أن التأبيد قد يستعمل في الزمان المديد لا نعلم أنه قوله ومتواتر كيف وكتابهم محرف لا يصلح حجة ولذا اختلف نسخها ولم يجز الإيمان بالتورية التي فيهم بل يجب بالتي أنزل على موسى عليه السلام وكيف يتواتر بعد بخت نصر وقد قتل علماء اليهود شرقا وغربا واحرق أسفار التوراة قيل اختلقه ابن الراونى ويؤيد كونه مختلقا أنهم لم يحتجوا به للنبي عليه السلام وإلا لاشتهر عادة ولو كان

لفعلوه عادة. وثانيا: أن النسخ لحكمة ظهرت بداء ولا لها عبث وكلاهما على الله تعالى محال قلنا لحكمة لكن المتجدد نفس المصلحة كما في شرب الدواء لا العلم بهذا فلا بداء. وسره كونه بيانًا بالنسبة إليه وإلا فإن وجد المصلحة الأولى وقت النسخ فلا تجدد وإلا فلا ثبوت فلا نسخ اولا لحكمة لكن المنفى قصدها والعلم المتجدد بها ولا عبث لأنه ما لا مصلحة فيه وإن سلم أن ما لا قصد إلى مصلحة فيه يمنع استحالته على الله تعالى. وتنويره إن أريد بظهور الحكمة تجددها اخترنا الإثبات ولا بداء أو تجدد العلم بها اخترنا النفي ولا عبث ولا إحالة فيه. وثالثا: أنه يوجب كون الشيء حسنًا وقبيحًا معا لا يجاب بأنه في زمانين كما فعل وإلا فلا رفع، قيل: ولأن اجتماعهما على مذهب من يجوز النسخ قبل التمكين من الفعل كما هو المختار إنما هو في زمان وليس بشيء لأن المجتمع فيه الفعلان المأمورية والمنهى عنه لا الحسن والقبح بل بان الحكم حال النسخ حسن ظاهرا قبيح حقيقة أما الأول فلبقائه بالاستصحاب لا يقال ليس بحجة عندنا فلا علم بحكمه إلا حال نزوله لأنه حجة إنما علم عدم تغيره فإن العلم بعدم نزول المغير في زمن الرسول عليه السلام علم بعدم المغير إذ لو كان لبين قطعا أو لأن النص هو المفيد بالإجماع أن الأحكام الشرعية لها حكم البقاء إلى زمان نزول الناسخ على احتماله وهذا كله في زمنه أما بعده فكونه خاتم النبين الثابت بالتواتر الموجب لانسداد باب الوحى بعده المقتض لامتناع النسخ بعده يفيد البقاء يقينا وأما الثاني فلأن الحكم الأول مغيا بهذه الغاية في الحقيقة. ورابعا: أن الحكم الأول إما مغيا بها فلا رفع بعد غايته أو موبد فلا نسخ لأربعة أوجه التناقض والتادية إلى أن لا يمكن التعبير عن التأييد وإلى نفي الوثوق بتأييد حكم وإلى جواز نسخ شريعتكم والثواني باطلة باعترافكم. قلنا: بعد ما مر مغيا عند الله ولا ينافي رفعه بالنظر إلينا لا نعلم الحصر بل مطلق عن القيدين قيل ولو سلم فالتأييد قيد الواجب والنسخ للوجوب أي الفعل أبدًا واجب في الجملة وإذا جاز نسخ وجوب المؤقت قبل وقته مع النصوصية فهذا أولى فلا تناقض ولا تأدية لأن المنسوخ غير ما عبر عن تأييده والوثوق لفة ونسخ الحكم المؤيد غير نسخ حكم المؤبد. وفيه بحث فأولا: لأن نسخ الوجوب يستلزم نسخ الجواز عندنا كما مر أنه الحق فإذا نسخ

وجوب المؤبد لم يبق جوازه فارتفع تأييده أيضًا. وثانيا: وفيه سر واضح حجابه. وثالثا: يكشفه لوقته كتابه. رابعا: لأن ترديدهم إما مغيا أو مؤبد إنما هو في محل النسخ وإذا كان محله الوجوب كان الترديد فيه فلا يتم ذلك مخلصا والتعويل على ما سلكه أصحابنا. وخامسا: أنه لو جاز فرفع الحكم إما قبل وجوده والشيء قبل وجوده لا يرتفع وإما بعده أي بعد ابتداء وجوده حالة بقائه لا حالة عدمه بعد الوجود لأن انعدام المعدوم ممتنع لكن الموجود لا ينعدم بعينه أي لا يكون المقصود بالنسخ ارتفاع عينه بل أن لا يوجد مثله ثانيا فيعود إلى الارتفاع قبل الوجود وأما معه فلمثله النسخ وإما في الحكم التكليفي فذلك يجوز ارتفاع تعلقه قبل وجود الفعل كما بالموت كذا قيل. وفيه بحث: لأن التردد إذا كان في الحكم كان معنى هذا القسم ارتفاع الحكم قبل وجود نفسه ولا شك في امتناعه. لا يقال فالأولى اختيار أنه بعد الحكم حالة بقائه قوله الموجود لا ينعدم بعينه قلنا فلا انعدام لأن جميع الموجودات المنعدمة كذلك بل ينعدم بارتفاع بقائه. لأنا نقول المرتفع وجودًا كان أو بقاء لا ينعدم حالة وجوده ولا بعده بعينه وإلا لكان موجودًا معدومًا معا فالحق شيدنا أركانه أن المرتفع لبقاء المطون الاستصحابي لا المتحقق قطعا وذلك كاف لإطلاق الارتفاع فلله در من أختار بيانه. سادسا: أن الحكم في علم الله إما مؤبد فليزم من النسخ جهله وإما موقت بلا ثبوت له بعد الوقت فلا رفع قلنا موقت بوقت معين عنده لعلمه بالارتفاع بالنسخ لكن ذلك التوقيت مما يقرر النسخ لا ينافيه ولا يخلو عن البحث انه لما لم يثبت وقت النسخ كيف ينسخ والأولى أن المرتفع بقاؤه المطون في نظرنا كما مر. ولنا على الأصفهاني أولا إجماع الأمة قبل ظهوره وان شريعتنا بخلاف كل الشرائع أي تنسخ أحكامها المخالفة. وثانيا: أن شريعتنا إن توقفت على النسخ وهي ثابتة ثبت والأحاد إثباته بالأدلة الشرعية بلا دور فهنا الإجماع قبل ظهور ومنها نحو قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] الآية. وثالث: أن التوجه إلى بيت المقدس نسخ بعد وجوبه إجماعا بالتوجه إلى القبلة وكذا الوصية للوالدين بآيات لمواريث وكذا ثبات الواحد للعشرة بثبات الواحد للاثنين وغيرها،

الثالث في محله وهو حكم يحتمل الوجود والعدم من حيث ذاته ولم يلحق منافيه من تأييد أو تأقيت ثبت نصا أو دلالة وإلا فلا نسخ. وتنويره أن الحكم إما أن لا يحتمل العدم لذاته كالأحكام العقلية من أسماء الله وصفاته وما يجري مجراها من الأمور الحسية أو لا يحتمل الوجود كالممتنع أو يحتملها كالشرعية الفرعية فإن لحقه تأييد أي دوام ما دامت دار التكليف نصا كآيتى ادخلوا خالدين ولا حمل على المكث الطويل بلا قرينة وفيه الكلام. قيل ومنه: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55] فهو تأييد في صورة التأقيت وذا باعتبار تضمنه الحكم بوجوب تقدم المؤمن على الكافر في الكرامات كالشهادة أو لأن مفهومه يحتملهما ذاتا كقوله عليه السلام: "الجهاد ماض إلى يوم القيامة" أو دلالة كالشرائع التي قبض عليها النبي عليه السلام كما مر أو توقيت كان يقول أحللت هذا إلى عشر سنين أو كان إخبارًا عن الأمور الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية لم يقبل النسخ والإلزام خلاف قضية العقل والبداء والتناقض والكذب وإن أطلق فهذا هو المحل لجواز النسخ إذ لا دليل على البقاء عقلا أو نصا بل ظاهرا بخلاف الأقسام الستة فهذا كالبشرى يثبت الملك دون البقاء فينسخ لانعدام الداعي إلى شرعه لا أن الناسخ بعينه أبطله بل أظهره فلم يلزم تنافض وبداء واجتماع حسن وقبح في آن واحد بل في آنين ولو في فعل واحد كإيجاب الصوم غدا ونسخه قبله ولا يرد ذبح إسماعيل عليه السلام أنه مأمور به بعد الفداء لأنه فداؤه ومنهي عنه - رحمه الله - لأنه حرام قيل لأنه ليس بمنسوخ بل ثابت نحول مما أضيف إليه بسبب الفداء على ذلك قد صدقت الرؤيا أي حققت مما أمرت به بالإتيان ببدله فإن الإبدال ليس نسخا كالتيمم فذبح الشاة بالأمر الأول. فأولا: لأنه لا أمر آخر والمأمور بلا أمر مح. وثانيا: لأن موجب الفداء هو موجب الأصل كالشيخ الفاني هو المعلوم من نص النقدية كما عرف وأبرز في صورة ذبح الولد تحقيقا للابتلاء فيه وفي والده. ورد بمنع أن الأمر بنفس الذبح بل بالاشتغال بمقدماته وإلا قال إني ذبحتك وقد اشتغل بها وبذا صدق الرؤيا، وأجيب أنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه بلا دليل بل ترويع الولد والإقدام على المذبح بالجد دليل الظاهر والعبارة عن المباشرة إنما هي أذبحك أما ذبحتك فعبارة الفراغ عنها وتصديقه الرؤيا في الذبح حاصل وهو إمرار السكين على محل الذبح إمرار بالمبالغة.

وأقول فيه بحث لأن هذا الجواب محقق لاجتماع المأمورية والحرمة بعد الفداء لدافع والصحيح أن ذبح الولد مقيدا بالإتيان ببدله على الكيفية الواقعة من الترويع وغيره هو المأمور به من أول الأمر فلم يكن ذبح الولد مطلقا حسنًا أصلا. فها هنا مسألتان الأولى لا يجوز نسخ الخبر عند الجمهور ماضيا ومستقبلا خلافا لبعض المعتزلة والأشعرية فإن أريد تكليف الشارع بالإخبار بشىء شرعي أو عقلي أو عادي فلا نزاع في جوازه لأنه للحكم في الحقيقة وكذا نسخ تلاوة الخبر لأنه لجوازها في الصلاة أو حرمتها لعلة الجنب أو نحوها وهل يجوز أن يكلفه الأخبار بنقيضه فعلى الرسول لا لأنه يرفع الثقة وعلى غيره نعم لجواز تكليفهم بالكتاب كما في المواضع الثلاثة خلافا للمعتزلة فهان أحدهما كذب والتكليف به قبيح فمبناه التقبيح العقلي وإن أيد نسخ الخارجي الذي يطابقه مفهوم الخبر فإن كان مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث العالم فلا اتفاقا للزوم الجهل والكذب كما في نسخ مدلوله النفسي وهو الجزم بالنسبة أو مما يتغير كإيمان زيد وكفره فالمختار لا لما مر خلافًا لهم ومنهم من أجازه في المستقبل فقط لأن الماضي قد تحقق قالوا إذا قال أنتم مأمورن بصوم رمضان ثم قال لا تصوموا رمضان جاز اتفاقا قلنا المنسوخ وجوب الصوم لا مدلول الخبر وهو وقوع الأمر. تنبيهات 1 - قوله أنا افعل كذا ألف سنة أو أبدا ثم قال أردت عشرين سنة جائز اتفاقا لكنه تخصيص إن وصل وإلا فغير مسموع لأنه بيان تغيير لا نسخ. 2 - {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] قيل أي ينسخ ما يستصوب نسخه ويثبت بدله أو يتركه غير منسوخ وقيل يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة فلا دلالة فيه على نسخ الخبر. 3 - قلة من الآخرين ليس ناسخا لقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 14] لأنه إن صحت الحكاية فزيادة ألحقت بتضرعهم أو بدعاء الرسول عليه السلام وإلا وهو الأولى سياقا فالأولى في السابقين والثانية في أصحاب اليمين. 4 - {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118] لم ينسخ بقوله فبدت لهما سوآتهما ولا آيات الوعيد بالخَلود في النار بقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] بل هي من باب تقييد المطلق بالقرائن لأن مجهول التاريخ مقارن. 5 - النزاع في خبر في غير الأحكام الشرعية أما فيها فكالآلام والنهي، الثانية في المقيد بالتأييد والتوقيت إن كانا قيدي الفعل نحو صوموا إلا الموالي كذا لأن الفعل يعمل بمادته

والوجود من الهيئة فالجمهور منا من السعة على جواز نسخه خلافا للجصاص وعلم الهدى والقاضي ابن زيد والشيخين ومن تبعهما أما إن كانا قيدي الوجوب نحو الصوم واجب مستمر أبدا لا يجوز اتفاقا أو ظاهرا محتملا نحو صوم رمضان يجب أبدا فإن الفعل أصل في العمل والمختار في التنازع أعمال الثاني ويحتمل ظرفا للصوم يجوز عند الجمهور ويحمل على خلاف الظاهر من أعمال إلا بعد وقيد على التجوز بالأبد عن المكث الطويل وفيه أن هذا التجوز يجوز في "يجب" أبدا أيضًا لا عندهم. للجمهور أن أبدية الفعل المكلف به لا ينافي عدم أبدية التكليف به كما أن تقيده بزمان يجامع عدم تقيد التكليف به نحو هم غدا فمات قبله ولذا جاز نسخه اليوم كما مر وذلك لجواز اختلاف زمانيهما وإذا جاز ذلك في صم غدا مع قوة النصوصية فيما تناوله فهذا مع احتمال التجوز في الأبد أولى لا يقال تقييد الفعل بالأبدية لا من حيث هو بل من حيث كلف به فيستلزم أبدية التكليف به فإذا انتفت أبدية التكليف بالنسخ انتفت أبديته لأنا نقول إن أريد بالحيثية تقييد التكليف بها فليس يلازم ولئن لزم فملتزم وإن أريد اعتبارها في الفعل وقت التكليف فسلم ولا يقتضي تقييد التكليف. وللمشايخ المتأخرين أولا أن ورود النسخ على الصوم الدائم والمؤقت يجعله غير دائم وموقت لأنه ينافيهما وعلى وجوبه يستلزمه لأنه إذا لم يجب جاز تركه فلم يدم فبين دوام الصوم ونسخ وجوبه منافاة نقيض كل لازم لملزومه فيكون مبطلا لنصوصية التأبيد كتأبيد الوجوب بعينه. وثانيا: أن التأبيد بمنزلة التنصيص على كل وقت من الأوقات بخصوصيته ولا نسخ فيه بمنزلة التنصيص على وقته فقط من نحو صم غدًا أولا يرى أن التأبيد في الخبر قطعي حتى نسب حمل قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: 57] في حق الجنة والنار وأهليهما على المبالغة إلى الزيغ والضلال فَكذا في الحكم إذْ لا فرق بينهما في دلالة اللفظ. وثالثا: أن عدم الجواز في نحو الصوم واجب مستمر أبدا إن كان لكونه خبرا مؤديا إلى الكذب فكذا الصوم المستمر المؤيد في رمضان واجب وإن كان باعتبار كونه حكمًا وإيجابًا فالإيجاب المويد للصوم كالايجاب للصوم المؤيد في أن نسخه بداء فالفرق تحكم. وأقول: هذا القول كان حقيقا بالقبول لو بني عدم جواز نسخ المؤيد على لزوم رفع نصوصية التأبيد كما هو المفهوم من الكتب حتى فرقوا بينه وبين نسخ بعض أفراد العام بأنه لا يوجب كون المراد ولا بعضها فلا يرفع نصوصية العموم وهذا يرفع نصوصية

التأبيد لكن سر المسألة عندي أن اجتماع الحسن والقبح في زمان واحد إن لزم امتنع لامتناع لازمه وإلا فلا فنسخ الوجوب المؤبد يستلزمه ولو في بعض أزمنة ما نسخ وجوب الفعل المؤبد فلا لاحتمال أن يكون زمان الوجوب غير زمان الفعل أو بعضا منه فيتصف بالقبح في غير زمانه كما في صم غدا ثم نسخه قبله. وها هنا يطلع على خلل نكتهم فإن الفعل المؤبد إذا لم يلاحظ معه الحكم الشرعي لا يتصور نسخه ولا قبحه فكيف يستلزم نسخ وجوبه نسخه ولا نعلم أن لا نسخ في التنصيص على كل وقت إذا قيد به الفعل بل إذ قيد به الوجوب فليس الإيجاب المؤيد كإيجاب المؤبد. وفي فرقهم أيضًا منع يستند بأن نسبة الأزمان إلى نصوصية التأبيد كنسبة الأفراد إلى نصوصية العموم عندهم فالرفع وعدمه مشتركان. تتمة: لا مثال للتأبيد والتأقيت في نصوص الأحكام الشرعية فليس في هذا الخلاف كثير فائدة أما نحو {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فللتحريم في الحيض و {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة: 187] لإباحتهما في الليل وهما مطلقان لا مؤقتان وكذا نظيرهما. الرابع: في شرطه هو التمكن من عقد القلب عندنا فإنه كاف وعند المعتزلة والصيرفي من الشافعية والجصاص وعلم الهدى والقاضي ابن زيد من الحنفية التمكن من الفعل أيضًا وهو أن يمضي بعد وصول الأمر إلى المكلف زمان يسع الفعل من وقته المقدر له شرعا ولا يكفي ما يسع جزعًا منه فكل من النسخ قبل دخول وقته أو بعده وقبل مضى ذلك القدر محل النزاع وبناؤه على أن الأصل عندنا عمل القلب فالنسخ بيان انتهاء مدته لكفايته مقصودا تارة كما في إنزال المتشابه وكونه أقوى المقصودين أخرى لتوقف كون العمل قربة عليه بدون العكس وعدم احتماله السقوط دونه وعندهم عمل البدن لأنه المقصود. بكل تكليف فصار النسخ لبيان انتهاء مدته فلو نسخ قبله كان بداء. لنا أولا: خبر المعراج حيث نسخ الزائد على الخمس من الخمسين قبل التمكن من الفعل لا من عقد النبي عليه السلام وهو أصل وعقد جميع المكلفين ليس بشرط وهم ينكرون المعراج بمعنى الإسراء إلى المسجد الأقصى لثبوته بالكتاب بل بمعنى الصعود إلى السماء والحديث مشهور متلقى بالقبول كالمتواتر لا يمكن إنكاره. وثانيا: أنه بعد وجود فرد من المأمور به أو زمان يسعه بدونه جائز اتفاقا وإن كان ظاهر الأمر يتناول كل ما في العمر فكما بين النسخ ثمة أن الأدنى هو المقصود ولم يؤد إلى

البداء فكذا هنا بل أولى. وثالثا: أن النسخ يقتضي تحقق المنسوخ ليكون بيانا لانتهاء حسنه وقبح ما يتصور من أمثاله ولما لم يتحقق قبل الفعل بعد التمكن إلا عقد القلب مع الاتفاق في جواز نسخه علم أن محكم المقصود من الأمر ذلك وعمل البدن الروائد كالتصديق والإقرار في الإيمان. أما التمسك بأن التكليف ثابت قبل وقت الفعل فيجوز رفعه بالنسخ كما بالموت من حيث يمكن مع ثبوت التكليف مع الموت لأن شرطه الحياة عقلا فلا رفع وبأن كل تكليف قبل وقت الفعل أو معه أو بعده لا نسخ لتعين الإطاعة والعصيان من حيث إن ليس كل نسخ كمحل النزاع لجواز أن يكون قبل وقت الفعل وبعد التمكن بوجود الوقت الذي يسعه وبقصة الذبح حيث أمر به لقوله تعالى: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] ولا قدامه وترويعه ونسخ قبل وقته لأنه لم يفعل فلو حضر وقته كان عاصيا من حيث إمكان أن يكون موسعا وقد انقضى منه ما يسعه ولا يعصي به ومثل هذا التعلق بالمستقبل لا يمنع النسخ عندهم ولا يرد لو كان موسعًا لآخر الإقدام والترويع رجاء أن ينسخ أو يموت فمثله من عظائم الأمور يؤخر عادة لأنا لا نعلم عدم التأخير فكونها في أول أوقات الإمكان غير معلوم أو من حيث أنه ليس بنسخ كما مر فإن الاستخلاف ليس نسخا. ويكون مقرر للأصل وفائدة الأصل ابتلاؤهما بالانقياد وحرمة الذبح بعد الفداء حرمة أصلية معتادة كاستخلاف عقد الذمة عن الحرب لا شرعية ليقال التحريم بعد الوجوب نسخ لا من حيث أنه لم يؤمر بل يوهمه من الرؤيا أو لم يؤمر إلا بمقدمات الذبح وقد فعلها أو أنه ذبح لكن كان كلما قطع شيئًا التحم عقيبه أو خلق صفيحة نحاس يمنعه إذ لولا الأمر لم يقدم على المحرم ولما سماه بلاء مبينا ولما احتاج إلى الفداء ولكان على أصلهم توريطا لإبراهيم عليه السلام في الجهل بما يظهر أنه أمر وليس نقله معتبرًا والأمر بالذبح مع الصحيفة تكليف بالمحال فلا يجوز عندهم فليس شيء منها بشيء. ولهم بعد ما مر من البداء أن الفعل لا بد من وجوبه وقت النسخ وإلا فلا رفع فلو عدم وجوبه به لكان مأمورا به وغير مأمور به حينئذ قلنا إن صح منع النسخ مطلقا وحله جواز كونه مأمورا به في وقت وجائزا تركه في وقت بعده هو وقت النسخ وكلاهما قبل وقت الفعل المقدر له شرعا فلا تناقض كذا قيل وحاصله أن زمان التكليف متعدد وإن اتحد زمان الفعل ولا يتم إلا مع حديث الاستصحاب المار إذ لا نسخ وقت الوجوب. وها هنا مسائل الأولى: شرط بعضهم في نسخ التكليف تكليفا يكون بدلا عنه أي خطابا لا وضعيا

سواء كان فيه كلفة كالوجوب والتحريم أو لا كالإباحة الشرعية والجمهور على جوازه بدونه. لنا أولا: أن لا مصلحة وإلا فلعلها فيه بلا بدل. وثانيا: وفوعه كنسخ وجوب تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول عليه السلام فالإباحة أصلية أما الإباحة بعد نسخ وجوب الإمساك عن المباشرة بعد الإفطار وتحريم لحوم الأضاحي فشرعية وإنما تصح مثالا لو أريد بالتكليفى إلزام ما فيه كلفة لهم أو لا: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الآية ولا يتصور الخير والمثل إلا في البدل والجواب عنه بأن الآية هو اللفظ فبدلها لفظ فالمراد نأت بلفظ خير لا بحكم خير والنزاع في الثاني لما سيجيء أن ليس المراد اللفظ بل بأن الحكم أعم من البدل والشرعي فلعل الخير في حكمة الله عدم الحكم الشرعي وهو حكم أصلى ولئن كان فربما كان مخصصا بما نسخ لا إلى بدل ولئن كان فدلالته على عدم الوقوع والكلام في عدم الجواز. الثانية: شرط بعض الشافعية كون البدل تكليفا أخف كنسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة بوجوب ثبات الواحد للعشرة بوجوب ثباته للاثنين وتحريم الأكل بعد النوم في رمضان بإباحته أو مساويا كنسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس بوجوبه إلى المسجد الحرام والجمهور على جوازه بدونه. لنا ما تقدم من حديث المصلحة والوقوع كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم وصوم عاشوراء وهي يوم بصوم شهر رمضان ووجوب الحبس في البيوت على الزاني بالجلد أو الرجم والصفح عن الكفرة بقتال مقاتليهم ثم يقتالهم كافة. لهم أولا: أن النقل إلى إلا نقل أبعد مصلحة قلنا بعد النقض بأصل التكليف لا نعلم وجوب رعاية المصلحة ولئن كان فلعلها في الأثقل بعد الأخف كمن القوة إلى الضعف والصحة إلى السقم والشباب إلى الهرم. وثانيا: بعد قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الآية والخير هو الأخف والمثل هو المساوي والأشق ليس بشيء منهما قلنا خير باعتبار الثواب قال تعالى: {ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} [التوبة: 120] الآية وقال عليه السلام: "أجرك بقدر نصبك" (¬1) ويقول للمريض الجوع خير لك. وثالثا: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ ¬

_ (¬1) لم أجده.

الْيُسْرَ} [البقرة: 185] الآية والنقل إلى الأثقل تعسير قلنا الآية مطلقة لا عامة والسلام للجنس لا للاستغراق ولئن كان فالسياق دليل إرادته في الآخرة كتخفيف الحساب وتكثير الثواب ولئن كان فحاز باعتبار ما يؤل إليه لأن عاقبة التكليف هذان ولئن كان دنيويا وحقيقة فخصوص بما مر من النسخ بالأثقل تخصيصه بأنواع التكاليف الشاقة والباليات في الأبدان والأموال. الثالثة: بلوغ الناسخ إلى المكلف بعد الرسول شرط لزوم حكمه فبين التبليغين لا يلزم كما قبل التبليغ إلى الرسول خلافا لقوم. لنا أولا: لزوم اجتماع التحريم والتحليل أن ترك العمل بالأول لحرمته للناسخ ووجوبه لعدم اعتقاد نسخه وكذا إن عمل بالثاني لعكسها. وثانيا: لو ثبت قبله لثبت قبل تبليغ جبرائيل أيضًا بعد وجوده لاستوائها في وجود الناسخ وعدم علم المكلف به والفرض أنه لا يمنع والتالي باطل اتفاقا لهم أنه حكم محدد لا يعتبر علم المكلف به كما عند بلوغه إلى مكلف واحد. قلنا الفارق بينهما وهو التمكن من العلم معتبر قطعا وإلا كان تكليف الغافل وهو من ليس له صلاحية اللهم لا من ليس عالما وإلا لم يكن الكفار مكلفين. الخامس في الناسخ والمنسوخ: وفيه مباحث: الأول الإجماع "لا يصلح ناسخا ولا منسوخا" (¬1) خلافا لبعض مشايخنا (¬2) لأن زمن الإجماع بعد عهد الرسول إذ لا إجماع فيه دون راية وهو منفرد ولا نسخ بغده عليه السلام وسقوط نصيب المؤلفة في زمن أبى بكر رضي الله عنه لسقوط سببه لا بالإجماع وهذا وإن عم صورة فالمراد به أن لا ينسخ الكتاب والسنة به وبالعكس لا الإجماع بالإجماع فذلك يجوز. والفرق أنه لا ينعقد مخالفا لهما ولو وجد فبنص هو المعارض بخلافه في مصلحة ثم في أخرى، وقيل: لا يجوز مطلقا أما ناسخيته فلأنه إما عن نص فهو الناسخ وإما لا عنه فالأول إما قطعي ولا إجماع على خلاف القاطع لكونه خطأ وإما ظني فقد انتفى بمعارضة الإجماع القاطع فلا ثبوت لحكمه فلا رفع. وفيه بحث: فإن للإجماع عبرة وإن لم يعرف نصه وأيضًا إذا عرف نصه ربما لم ¬

_ (¬1) وهو قول الجمهور، انظر المستصفى للغزالي (1/ 126)، المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 561)، اللمع لأبي إسحاق الشيرازي (ص/33)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 81). (¬2) وهو قول بعض المعتزلة، وعيسى بن أبان، انظر الحصول لفخر الدين الرازي (1/ 561) إحكام الأحكام للآمدي (3/ 229).

يعرف تاريخه فلم ينسخ بخلاف الإجماع المتراخي والإجماع على خلاف الظني لا يجب قاطعيته فلعله ظني راجح ولئن سلم فالثابت قبل انعقاده ولو بالظني إذا ارتفع به صار نسخا كارتفاع الثابت بالظني من الكتاب وخبر الواحد إذا نزل نص قطعي بخلافه وأما منسوخيته وهو رفع الحكم الثابت به فإما بقاطع من نص أو إجماع فيكون الإجماع الأول على خلاف القاطع وهو مح وإما لا به وكيف ينسخ القاطع بغيره ولا يقدم الأضعف بالإجماع. أما القياس القطعي الذي نص الشارع على عليته فالنسخ به نسخ بالنص القاطع وفيه أيضًا بحث إذ إنما يتم لو كان الإجماع الأول قطعيا وهو غير لازم وكان منشأ لنزاع ذلك. لهم في جواز ناسخيته مطلقا قول عثمان رضي الله عنه بعد ما قال ابن عباس رضي الله عنه كيف تحجب الأم بالأخوين وليس الأخوان إخوة حجبها قومك يا غلام فأبطل حكم القرآن بالإجماع قلنا الإبطال به يتوقف على القطع بعدم حجب ما ليس بإخوة وذا فرع المفهوم وعلى أن الأخوين ليسا إخوة وذا فرع أن الجمع لا يطلق على اثنين ثم هذا بالظاهر لجواز البخاري ولو سلم القطع فيهما فالإجماع الأول مشروط بعدم الثاني فحين انعقد لا إجماع غيره. الثاني أن القياس المظنون لا ينسخ به ولا ينسخ أعم من أن يكون جليا أو خفيا واستنباطًا أو قياس شبه خلافا لابن عباس وابن سريج من الشافعية مطلقا ولأبي القاسم الإنماطي في نسخ قياس الاستنباط القرآني للقرآن والسني للسنة لأنه بنوعه في الحقيقة دون قياس الشبه أو في القياس الجلي في رواية أما الأول فلأن شرطه التغذية إلى ما لا نص فيه والمنسوخ ثابت بالنص أو بما فيه نص ولما سيجيء في السنة من اتفاق الصحابة على ترك الرأي ولو بخبر الواحد وقيل لأن الحكم الأول إما قطعي فلا يرتفع به وإما ظني مرجوح وإلا فلا نسخ فعند ظهور الراجح بطل شرط العمل به وهو رجحانه فلا حكم له فلا رفع وبذا يعرف أنه لا ينسخ إذ لا حكم له عند ظهور الراجح. وفيه بحث لأن المرتفع بالناسخ لحكم المطون ثبوته في وقت ظهور لولاه لا المتحقق وإلا لتناقض كما مر ولا ريب أن الظني السابق ثابت حينئذ لولاه ورفع المرتفع المرتفع بهذا الرافع متحقق ها هنا كما مر من نسخ الظني من الكتاب السنة بقطعي أو راجح منهما. قيل بينهما فرق هو أن الناسخ المتراخي ليس بموجود حين العمل بهما والقياس

موجود لأنه مظهر لا مثبت قلنا على أنه لا يفيد في إبطال منسوخيته غير لازم لجواز أن يكون النص الذي يظهر حكمه متراخيا نعم لو قيل لما كان مظهرًا كان الناسخ والمنسوخ في الحقيقة نصه لا نفسه لكان شيئا ولا سيما لا نسخ بعده عليه السلام والعبرة في زمنه عليه السلام بالنص. قال الشافعي -رحمه الله-: القياس المقطوع وهو ما جميع مقدماته قطعية كأن كان حكم الفرع أقوى كحرمة الضرب على حرمة التأفف أو مساويا كحرمة صب البول في الماء الدائم على حرمة التبول فيه أو أدنى كحرمة النبيذ على حرمة الخمر ينسخ بالمقطوع في حياته عليه السلام سواء كان الناسخ نصا كالنص القطعي على خلاف حكم الفرع أو قياسا كالنص على خلاف حكم الفرع في محل يكون قياس الفرع عليه أقوى وهذا متفق على جوازه بينهم أما القياس على حكم الأصل المنسوخ فمختلف فيه كما سيجيء وأما بعد حياته عليه السلام فلا نسخ نعم قد يظهر أنه كان منسوخا. وفيه بحث فإن القسمين الأولين مفهوم الموافقة المسمى عندنا دلالة النص والثالث ممنوع قطعيته وأيضًا فاعتبار ولا قرار للرأي في عهده دون الرجوع إليه. للمجوزين مطلقا قياسه على التخصيص به ولا يصلح كون أحدهما في الأعيان والآخر في الأزمان فارقا إذ لا أثر له قلنا بعد النقض بالإجماع والعقل وخبر الواحد حيث يخصص بها ولا ينسخ الدفة أهون من الرفع وللأنماطي أنه نسخ بالنص في الحقيقة قلنا لا نعلم فإن الوصف المدعى علة غير مقطوع بأنه علة المنصوص حتى لو كان مقطوعا كالعلة المنصوصة جاز. الثالث: أن النسخ بعدهما إما للكتاب أو السنة وكل بنوعه أو بالأجر فالكتاب به كالعدتين والسنة بها كإخبار وخالف الشافعي رضي الله عنه في المختلفين على نسخها به في رواية. لنا فيه أولا: إمكانه في نفسه وعدم لزوم المحال كعكسه وبلا منع السمع فإن بيان أمد الحكم والله تعالى بعثه مبينا فمن الجائز أن يتولى بنفسه بيان ما أجرى على لسانه كعكسه. وثانيا: وقوعه كنسخ التوجه إلى بيت المقدس وقد فعله عليه السلام في المدينة ستة عشر شهرا وحرمة المباشرة بالليل وصوم يوم عاشوراء وليس في الآيات ما يدل عليها بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] والآن باشروهن وفمن شهد منكم قيل يجوز أن يكون نسخها بالسنة ويوافقها القرآن أو يثبت المنسوخ بشرائع من قبلنا أو بقرآن نسخ تلاوته قلنا لو قدح ذلك لما صح إجماع العلماء على صحة الحكم بناسخيه

نص علم تأخره كما يخالفه وحجية شرائع من قبلنا معتبرة بما قص فيه ولم يقص في الكتاب وما نسخ تلاوته لا يسمى قرآنا بل سنة لأنه وحي غير متلو ولذا لا يجوز به الصلاة ومنه مصالحة الرسول عليه السلام أهل مكة من الحديبية على رد نسائهم ثم نسخ بقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] الآية وربما يتمسك بنسخ الشرائع السالفة بشريعتنا فيحتمل حجة له لأنها ما ثبتت إلا بتبليغه عليه السلام فلها حكم السنة ولعكسه لأنها ثابتة بالوحي المتلو وقد نسخ كلها أو بعضها في حقنا بقول أو فعل منه عليه السلام. له أولا: لتبين للناس فلا يكون ما جاء به رافعا قلنا المعنى من البيان التبليغ ولو سلم فالنسخ بيان أمد الحكم ولو سلم فيدل على مبنيته في الجملة ولا ينافي كونه ناسخا لما ارتفع منها. وثانيا: أنه مطعنة للناس توجب نفرتهم قلنا إذا علم أنه مبلغ لا غير لم يوجبها كما في الأقسام الأُخر. ولنا في عكسه بعد ما تقدم من إمكانه ووقوعه ومنه ما سيجىء من أن أهل قباء استداروا في خلال الصلاة بقول ابن عمر رضي الله عنه إن القبلة قد حولت إلى الكعبة ولم ينكره الرسول عليه السلام أن المنسوخ بها حكم الكتاب لا نظمه وهي في حقه وحي مطلق مثله ولا لضحك بنسخ التوجه إلى الكعبة في الابتداء بالسنة الموجبة للتوجه إلى بيت المقدس لاحتمال كونهما بالسنة وهو الظاهر ولا بنسخ الوصية للوالدين والأقربين بقوله عليه السلام: "لا وصية لوارث" (¬1) لأنه لا يصلح ناسخا وليس متواتر الفرع حتى يجعل مشهورا وإن تلقته الأمة كيف ولم يذكره في الخلف البخاري ومسلم والنسائي وفي السلف مالك ولأن النسخ بآية المواريث لا لكونها مترتبة على وصية منكرة نسخت بإطلاقها المعهودة السابقة وإلا لوجب ذكرها أيضًا وإطلاق المقيد نسخ كتقييد المطلق وليست عينها لإعادتها نكرة ولر سلم لم يدل الآية على تقدم وصية إلا جانب ولم يستند الإجماع إلا إليها وذلك لجواز كونها شاملة لها وإن لم يكن عينها ولو سلم مباينتها لا ينفيها إلا بمفهوم اللقب لأن في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] إشارة إلى أنه تولى بنفسه بيان حق كل من الأقارب بعد ما فوضه إلينا لعجزنا عن معرفة مقاديره كما قال تعالى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ} [النساء: 11] وقد أوضحها قوله عليه السلام: "إن ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

الله أعطى كل ذي حق حقه" (¬1) ولا وصية لوارث. تحريره أن الوصية شاملة شرعا للأوامر والنواهي والمواعظ والتخصيص بالتبرع بعد الموت عرف فقهي طارئ وهي للأقارب كانت مفوضة إلينا هو المفهوم من قوله بالمعروف ثم أوجبها الشارع مقدرة في آية المواريث ولا شك أنها تنافي المفوضة فنسخها وحين لم ينسخ بها إلا وصية الأقارب لتلك المنافاة بقيت وصية الأجانب فتعينت مراده بقوله {بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} [النساء: 11] والحديث أوضح الأمرين نسخ الوصية المفوضة وإن المنسَوخة وصية الأَقارب. وهذا تحقيق لكلام المشايخ لم أسبق إليه وبه يندفع أن إيجاب حق بسبب لا ينافي إيجابا كان بسبب آخر ولا نسخ بدون المنافاة وقال شمس الأئمة المنتفي بآية المواريث وجوب الوصية لا جوازها فالجواز نسخ بالحديث. وفيه بحث لأن الجواز إباحة أصلية لا يكون رفعها نسخا ولا ينسخ الإمساك في البيوت أو الجلد لظاهر عمومه في حق الحصين بالرجم يفعله أو قوله عليه السلام إما لما روينا عن عمر رضي الله عنه أن الرجم كان مما يتلى في كتاب الله وهو قوله "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما" وإما لأن قوله تعالى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] بمعنى إلى أن فكان وجوب الإمساك مغيا به فبين عليه السلام إجماله بقوله أو فعله وذا جائز اتفاقا لأنه ليس نسخا وهذا أولى لما سبق أن المنسوخ تلاوته في حكم السنة فإن تواتر أو اشتهر فقد صح التمسك وإلا فلا يصح ناسخا على ما سيجيء ولا بنسخ لا يحل لك النساء من بعد بقول عائشة رضي الله عنها ما قبض رسول الله حتى أباح لله تعالى له من النساء ما شاء إن قوله من بعد محكم في التأييد ولو سلم فبقوله {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] الآية. وقولها أباح ظاهر في أنها في الكتاب ولا بنسخ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الآية بنهيه عن أكل ذي ناب إما لأنَ النهي رافع للإباحة الأصلية لا بحكم قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 29] لأن معناه كما قيل خلق الكل للكل لا كل واحد لكل واحد ولئن سلم فالحديث مخصص لا ناسخ أو لأن معناه لا أجد إلا أن والتحريم في المستقبل لا ينافيه ولا ينسخ قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ ¬

_ (¬1) هو ضمن حديث لا وصية لوارث، أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 238) ح (949)، وغيره، وتقدم تخريجه.

شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 11] الآية بالسنة إذ منسوخ ولأبتلى ناسخة لا يقال ولم يظهَر في السنة أيضًا لأن القرآن محصور دونها ولا نسخ للمتلو بأحدهما وذلك لأدْ في كونه منسوخا اضطرابا فقيل وردت في أن يعطي لمن ارتدت امرأته ولحقت من غرم الصداق على سبيل الندب. وقيل: على سبيل الوجوب لكن من مال الغنيمة لا من كل مال فعنى عاقبتم غنمتم أو غلبتم ثم لم ينسخ وقيل نسخ بآية القتال وقيل بقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] ومع هذه الاحتمالات لا تمسك ولا بتقرير النبي عليه السلام قول أبي رضي الله عنه حين نسي آية فقال لأبي هلا ذكرتنيها فقال ظننت أنها نسخت فقال عليه السلام: "لو نسخت لأخبرتكم ولم يكن له ناسخ في الكتاب لجواز أن يعتقد نسخها بآية لم تبلغه لضيق الوقت أو لعله ظن النسخ بالإنشاء كيف وقد مر أن السنة لا تصح ناسخة لنظم الكتاب لتقوم مقامه في الإعجاز وصحة الصلاة وغيرهما. له أولا قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الآية إما لأن السنة ليست خبرا ولا مثلا أو لأن ضمير نأت الله تعالى قلنا المراد خيرية الحكم أو مثليته في حق المكلف حكمة أو ثوابا كسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن إذ لا تفاضل في القرآن من حيث اللفظ وبلاغته لكون جميع مقتضيات الأحوال مرعيا في كل منه ولذا لم يتفاوت في صحة الصلاة به وكره فعل يوهم اعتقاده على أن حكم القرى كما مر مثل السنة، والسنة أيضًا من عنده لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: الآيات 3، 4] وبه يعلم الجواب عن تمسكه. ثانيا: بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] حيث يكون تبديله من الله تعالى كان بالسنة أو بالاجتهاد الذي يفعله بإذن الله لا من تلقاء نفسه أو المراد لا أضع لفظا لم ينزل مكان ما أنزل. وثالثا: قوله عليه السلام: "إذا روى لكم عني حديث فأعرضوه" (¬1) الحديث فقد دل على رده عند المخالفة قلنا خبر العرض إن سلم ثبوته ففيما أشكل تأريخه ليحمل على المقارنة فيرد لعدم قوته على المعارضة أو أشكل صحته فلم يصلح لنسخ الكتاب به. الرابع: لا ينسخ المتواتر كتابا كان أو سنة بآحاد لا يفيد القطع بالقرآن إلحاقه وينسخ بالمشهور وأما الأول فلأن المظنون لا يقابل القاطع قالوا التوجه إلى بيت المقدس كان ¬

_ (¬1) لم يثبت فيه شيء، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (2/ 569).

متواتر فاستداروا في قباء بخبر الواحد ولم ينكره الرسول عليه السلام قلنا للقطع بالقرآن فإن نداء مناديه عليه السلام بحضرته في مثلها قرينة صدقة عادة وبه يجاب عن تمسكهم ثانيا ببعثه الآحاد ليبلغ مطلق الأحكام حتى ما ينسخ متواتر لو كان وأما الثاني فلأن النسخ من حيث بيانه يجوز بالأحاد كبيان المجمل والتخصيص ومن حيث تبديله بشرط المتواتر فيجوز بالمتوسط بينهما عملا بشبهيه. تحصيل: لتعيين الناسخ من المنسوخ طرق صحيحة كالعلم بالتاريخ وتنصيص الرسول بناسخيته صريحا كهذا ناسخ أو دلالة كأحاديث كنت نهيتكم وكالإجماع وكذا تنصيص الصحابة خلافا لمن لا يرى التمسك بالأثر. ولهم إذا تعارض متواتران فعين الصحابي أحدَهما أنه ناسخ قولان من حيث أن الناسخ آحاد وربما قاله اجتهادا وإليه يميل أبو الحسين أو متواتر والأحاد دليل ناسخيته فقد يقبل مآلا ما لا يقبل ابتداء كالشاهدين في الإحصان دون الرجم المرتب عليه وشهادة النساء في الولادة دون النسب وهو مذهب القاضي عبد الجبار وقال الكرخى إن قال هذا نسخ ذاك لم يقبل وإن قال هذا منسوخ قبل لان الإطلاق دليل ظهوره عنده وفاسده كتأخره في المصحف إذ لم يرتب ترتيب النزول وكحداثة سن الصحابة أو تأخر إسلامه إذ لا يلزم منهما تأخر منقولهما إلا أن ينقطع صحبة الأول قبل الثاني فيرجع إلى العلم بالتاريخ وكموافقته للبراءة الأصلية فيجعل متأخرا ليفيد وذلك لأن تأخره يستلزم تغييرين والأصل قلته لا نسخين لأن رفع الحكم الأصلي ليس نسخا. تنبيه: إذا لم يعلم الناسخ وجب التوقف لا التخيير كما ظن لأن فيه رفع حكمهما أحدهما حق قطعا. الخامس: الثابت بدلالة النص يجوز نسخه مع نسخ الأصل دونه بلا عكس لأن حكم الأصل ملزومه كتحريم التأفيف والضرب فرفع اللازم ملزومه رفعه لأنه عكس نقيضه بلا عكس. للمجوز مطلقا أنهما دلالتان متغايرتان فجاز رفع كل بلا أخرى قلنا لا نعلم الكبرى عند الاستلزام. وللمانع مطلقا من طرف الأصل ما مر ومن طرف الفحوى أنه تابع لا يبقى بدونه قل ضد التبعية في الدلالة والفهم لا في ذات الحكم والمرتفع بالنسخ ذاته لا دلالة اللفظ فلا يتم التقريب. السادس: إذا نسخ حكم أصل القياس لا يبقى حكم فرعه خلافا للبعض ثم بينهم في

أنه يسمى نسخا لحكم الفرع نزاع لفظي. لنا أن نسخه يوجب إلغاء علية علته لأنها بترتب الحكم وبانتفائها ينتفي الفرع، لهم أنه تابع للدلالة لا الحكم كما في الفحوى. قلنا بل يلزم هنا انتفاء الحكمة المعتبرة في الفرع لاتحادها لا في الفحوى؛ لأن حكمه الأصل ثمة كالتعظيم المحرم للتأفيف أقوى فلا يلزم من ارتفاعه ارتفاع الأدنى كالتعظيم المحرم للضرب. قالوا أنتم قستم الفرع بالأصل في عدم الحكم بجامع عدم العلة ولا يصلح جامعا. قلنا لا بل حكمنا بانتفاء الحكم المعين لانتفاء علته المخصوصة وذا ليس قياسا إذ لا يحتاج إلى أصل وفرع وعلة. هذا جواب القائلين بالاستدلال وسنبين إن شاء الله تعالى أنه راجع إلى أحد الأربعة فهذا إما على إجماع القائلين بالحكم والمصالح أن الحكم لا يثبت بلا حكمة ما وإما إلى النصوص المفيدة له نحو: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الآية وإما إلى قياس بجامع صالح. السابع: أن المنسوخ أربعة عندنا لتلاوة مع الحكم المستفاد منها أو أحدهما. والرابع: وصف الحكم فالمورد منسوخ الكتاب إن اختص التلاوة به ونسخ بعض الحكم مندرج فيه اندراج نسخ الشرط تحت الوصف فالأول كصحف إبراهيم عليه السلام وما روت عائشة رضي الله عنها أنه كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات وذلك إما بدليل شرعي أو بموت العلماء أو بالإنسان وذا جائز في حياته للاستثناء في قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6، 7] ولقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] وروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن سورة الأَحزاب كانت تعدل سورة البقرة لا بعد وفاته عليه السلام صيانة للدين بقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: 12] خلافا لبعض الرافضة والملحدة ورواياتهم مردودة والثاني والثاكَ أنكرهما بعض المعتزلة. لنا أولا: جوازه من حيث إن اللفظ أحكاما مقصودة كالإعجاز وجواز الصلاة والثواب بقرائنه وحرمتها على نحو الجنب لا تلازم بينها وبين الحكم المستفاد منه فيجوز افتراقهما نسخا كسائر المتباينة. وثانيا: وقوعه فالتلاوة فقط كما روى عمر رضي الله عنه أنه كان فيما أنزل الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما نكالا من الله ويراد بهما عرفًا المحصن والمحصنة لأن الشيخوخة

تستلزم الدخول بالنكاح عادة وكمتتابعات في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لأنه لما الحق بالمصحف ولا تهمة في روايته حمل على نسخ نظمه وبقاء حكمه وللمنع فيه وهو أن التواتر في القرآنية شرط فيها ولم يتحقق فيما نسخت تلاوته فلم يكن الباقي حكم القرآن. جوابه: هو أن ذلك في حقنا أما في حق الرواة فيثبت بإخبار الرسول عليه السلام أنه من عند الله غايته كونه قرآنا فيما مضى بالظن ولا محذور فإن القطع شرط فيما بقى لا فيما نسخ والحكم فقط كنسخ إيذاء الزواني باللسان وإمساكهن في البيوت والاعتداد بالحول ووصية الوالدين وسورة الكافرين ونحوها. لهم أولا فيهما أن التلاوة والحكم متلازمان كالعلمية مع العلم والمنطوق مع المفهوم قلنا بعد أن لا عالمية فإنها عين قيام العلم بالذات إذ الحال لا نعلم لزوم المفهوم إن أريد به الموافقة كما هو اللائق ولذا صح قول الملك إذا استوجب شريف حدا اجلده ولا تقل له وإن أريد المخالفة فلا نعلم ثبوته فضلا عن لزومه ولئن سلمنا فالتلازم بين التلاوة والحكم لكونهما إمارته وذا في الابتداء لا البقاء ولذا يتكرر التلاوة دون الحكم والنسخ في البقاء. أما المثالان فالمتلازم بينهما لو ثبت ثبت في الحالين وبذا يسقط بأن لهم أن النص وسيلة حكمه فلا اعتبار لها عند فواته كوجوب الوضوء بعد سقوط الصلاة وأن الحكم لا يثبت إلا به فلا يبقى دونه كالملك الثابت بالبيع بعد انفساخه وذلك أن التوسل والنسب هنا في الابتداء وفي الصورتين مطلقا وثالثا ورابعا في بقاء التلاوة أنه يوهم بقاء الحكم وأنه تجهيل قبيح وأنه يبطل فائدته والقرآن منزه عنه قلنا بعد بطلان التقبيح العقلي إنما يكون تجهيلا لو لم ينصب عليه دليلا وهو للمجتهد دليله وللمقلد الرجوع إليه ولمجرد التلاوة فائدة كالأحكام اللفظية وأما الرابع وهو نسخ وصف الحكم كالأجزاء والاعتداد وحرمة ترك الواجب بزيادة جزء في الواجب المخير كالشاهد والمبين علي قسمي الاستشهاد أو المعين كركعة على ركعتي الفجر ومنه زيادة التغريب على الجلد وعشرين على أربعين سوطا وإن فارقاها بعدم وجوب الاستيناف لعدم وجوب الاتصال بين أجزائه أو شرط كالطهارة على الطواف ومنه زيادة قيد الإيمان على مطلق الرقبة. وذكر ابن الحاجب من صورها رفع مفهوم المخالفة كإيجاب الزكاة في المعلوفة بعد نص السائمة ورد بعدم صحته محلا لنزاع الحنفية لعدم قولهم به فوجه بأنه تفريع على تقدير القول به وأنكره الشافعية والحنابلة مطلقا وقوم غير مفهوم المخالفة وهو الجزاء والشرط وقال عبد الجبار - رحمه الله - إن غيرت تغييرا شرعيا وفسره أبو الحسين بأن

جعلت الأصل كالعدم ووجب أصنافه فنسخ كزيادة الركعة وإلا فلا كالتغريب والعشرين فأورد عليه أن زيادة شرط منفصل كالطهارة في الطواف ليس نسخا عنده ويجب الاستئناف بدونه وزيادة وظيفة في الخبر نسخ عنده ولا يجب الاستيناف فيها وليندفع ذلك فسره ابن الحاجب يكون الأصل كالعدم فقط فأخطأ بإدراج بعض الحد لأنه كالعدم في عدم الإجزاء. أما إدراج المخير مع أن الأصل فيه مجزي فوجه بأن تركه لما صار كوجوده في عدم الحرمة وإن كان تركه قبل الزيادة حراما لا وجوده صار وجوده كعدمه في عدم الحرمة ولو بدل الثالث بإمكان الإجزاء بدونه لكان أقرب ولم يندفع إشكال زيادة الشرط أصلا ويرد عليه أيضًا أن الزيادة في المخير إذا كانت نسخا فزيادة مثل التغريب والعشرين أولى إذ به اشتراكهما في عدم وجوب الاستئناف أصل المخير مجزئ دونهما. وقال الغزالي رحمه الله: إن صار الكل شيئا واحدا كركعة في الفجر فنسخ وإلا كعشرين في الحد والطهارة في الطواف فضل المخير واختار ابن الحاجب مذهب أبي الحسين أنه أن رفع الزيادة حكمًا شرعيا ثابتا بدليل شرعي فنسخ وإلا نحو أن يكون عدما أصليا فلا. وهذا أقرب لأنه مبني على حقيقة النسخ وهو مآل مذهبنا وان اختلف في بعض الأمثلة لأصل آخر فمن الوفاقية زيادة الركعة والتغريب والعشرين لحرمة هذه الثلاثة قبلها بالإجماع وإن كان سنده في الأخيرين لا ضرر ولا إضرار في الإسلام فليس تخصيصا والتخير بعد التعين كما بين غسل الرجل ومسح الخف بعد وجوب الغسل عينا وكل منهما حكم شرعي وإيجاب الزكاة في المعلوفة بعد نص السائمة على تقدير ثبوت المفهوم وتحقق شرائطه ومن الخلافية زيادة وظيفة على المخير كالحكم بهما. ولو جاز بثالث لذكر وزيادة غسل عضو في الوضوء وركن في الصلاة قالوا المرفوع فيها عدم جواز الحكم بشاهد ويمين وعدم وجوب ذلك لزائد فيهما قلنا يرفع الأول حرمة تركهما أو وجوب أحدهما في الحكم والآخر أن الأجزاء بدونهما وكل منها حكم شرعي. قالوا حرمة ترك الأمرين لا يعلم بمجرد التخيير بينهما ولو قيل بالمفهوم لأن مفهوم طلبهما أن غيرهما غير مطلوب لا أنه غير مجزي بل مع العلم بأن الأصل عدم ثالث والإجزاء امتثال به وعدم توقف على شيء آخر والأول لم يرتفع والثاني عدم أصلي قلنا جعل تعيين الأمر الواحد بشخصه شرعيا فرفعه غير نسخ تحكم يوضحه أن منكر وجوب أحدهما أو حرمة تركهما يكفر ولا يكفر منكر العدم الأصلي إن لم يعتبر شرعيا.

ولذا يقال المذكور في صدد الجزاء يكون كله وذا بإشارة العرف ولئن سلم فالحكم هو المجموع ولا يلزم من كون جزئه عدما أصليا كون المجموع كذلك على أن الإجزاء قد سلف أنه حكم شرعي وضعي وبهذا يعرف بطلان مذاهب الخصوم أجمع وقال أبو الحسين حرمة الترك مبنية على عدم اتخلف عنه وأنه عد أصلى وكل مبني عليه ليس حكما شرعيا فليس رفعه نسخا ولذا ثبت التخيير بين غسل الرجل ومسح الخف وبين الوضوء بالنبيذ والتيمم وبين القسمين والشاهد واليمين. قلنا: عدم الخلف ليس علة لحرمة الترك بل مثبتها النص عنده ولو ارتفع شرعية الحكم بذلك القدر لم يكن وجوب شىء ما شرعيا لأن حرمة تركه مبنية على عدم الخلف والتخيير بين الأمرين يجعل كل أصلا فليس هذا استخلافًا ولذا صار نسخا دونه ففي المسألتين الأوليين بالخبر المشهور الذي يزاد به وينسخ اتفاقا والثالثة ممنوعة فالثمرة عدم جواز الزيادة بخبر الواحد إذا لم يشتهر خلافا لهم وفي أن زيادة عبادة مستقلة ليست نسخا إذ لا تأثير لها في عدم إجزاء مسبب بعد سببه اتفاق لا إجماع إذ قال بعضهم إيجاب صلاة سادسة نسخ لأنه لا يبطل كون الوسطى وسطى فوجوب المحافظة عليها. قلنا لا يبطل وجوب ذلك الوسطى بل كونها وسطى وليس شرعيا وقال الغزالي إذا لم يتحد الأصل بالزيادة كانت ضما لا رفعا كزيادة عبادة مستقلة وإذا اتحد بها ركنين وصارا حقيقة أخرى التحق بالعلم حقيقة فصار نسخا لا يقال إن اعتبر اتحاد الماهية الاعتبارية الشرعية فزيادة الحد كذلك لأن المجموع هو الحد شرعًا والفرق بوجوب الاستئناف لشرط آخر هو وجوب الاتصال بين أجزاء الصلاة لا بين أجزاء الحد وإن اعتبر وجوب الاستئناف فالطواف بعد اشتراط الطهارة كذلك لأن له أن يقول المعتبر كلاهما أي وجوب الاستئناف لفقد ركن. قلنا رفع الكل لا يتوقف على رفع كل جزء فوجوب الاستئناف وعدمه في تحقق الرفع سواسية وعد اعتبار الشرط مبني على أن الشرعي هو المشتمل على الأركان فقط لا المعتبر شرعا وقد تقدم بطلانه وبه يعرف فساد مذهب عبد الجبار بعد ما مر في إدارة الفرق على كون وجوده كالعدم أو وجوب الاستئناف. وقال الشافعي أولا الزيادة ضم وتقرير للأصل والنسخ رفع وتبديل ففي في حقوق الله تعالى كزيادة عبادة مستقلة وفي حقوق العباد كمن ادعى ألفا وخمسمائة فشهد شاهد بألف وآخر به وبخمسمائة. يوضحه أن الناسخ متأخر لو تقارنا لتنافيا ومثبت الزيادة يوجب الجمع لا ينافيه ويزيد

توضيحه أن الزيادة مقيدة كتقييد الرقبة بالإيمان والمطلق في التناول البدلي كالعام في التناول الشمولي فكما أن تخصيصه ليس نسخا فكذا تقييده ومن البين الفرق بين الدفع والرفع قلنا إن أريد المنافاة في الوجود فلا يعتبر وإن أريد في الحكم الشرعي فالمنافاة ظاهرة إذْ ليس للبعض كالمطلق حكم وجود الكل كالمقيد لا في العبادة كبعض الركعات ولا في العقوبة كبعض الحد حتى لا يبطل شهادة القاذف ببعضه. أما بطلانها عندك فلترتبه على القذف لا الحد ولا في الكفارة كصوم المظاهر شهرًا ثم إطعام ثلاثين لا يكون مكفرا بشيء منهما وهذا بعض العلة لا يوجب حكمها ولذا قال الأولان بعض المثلث لا يحرم لأنه بعض المسكر والحرمة في غير الخمر للسكر بالحد وقالوا جميعًا بعض المطهر للحديث والجنب كالعدم وإن قال الشافعي - رحمه الله - في قول لا يجوز التيمم قبل استعماله لأن {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] عام، قلنا مخصوص فيخص غير الكافي. يوضحه أن المطلق يستلزم بدون القيد والمقيد عدمه وتنالني اللزوم ملزوم تنافي الملزومات إذ لا يشكل أن الجلد بعد إلحاق النفي لا يبقى حدا وإذا تنافيا كان أحدهما منهيا للآخر وبيان أمد الحكم الشرعي نسخ فنظيره اختلاف الشهود في قدر الثمن أي البيع بألف أو بألف وخمسمائة لأنه الموجب للتغيير لا ما قاله ومثله الطلاق المنجز والمعلق أما إلحاق التناول البدلي بالشمولي فإلحاق للمحتمل بالموجب وللساكت بالناطق. يوضحه أن العام بعد التحاقه عامل فيما هو المراد بنفسه والمطلق بعد التقييد عامل بالمقيد فيحقق أن التقييد إثبات ابتدائي والتخصيص إخراج بنائي. فروعنا: فلا يزاد التغريب على الجلد والنية والترتيب والولاء شرطا على الوضوء ولا هو على الطواف ولا الفاتحة والتعديل فرضا بخبر الواحد ولا الإيمان على الرقية بالقياس وقد مر تمامه. ذنابة: أما نقصان الجزء كركعتى الظهر أو الشرط كطهارته فنسخ لهما اتفاقا وهذا لما هما له وقيل ليس بنسخ مطلقا وعند عبد الجبار جزاءً لا شرطًا. لنا أن رفع الجزء أو الموقوف عليه رفع للكل والموقوف. قالوا: لو كان نسخا لافتقر الباقي إلى دليل جديد قلنا إنما يلزم لو كان بنسخ كل جزء أما بنسخ بعض الأجزاء فلا فالباقي من حيث خصوصيته ليس منسوخا لا يحتاج إلى حكم ودليل جديدين. الثامن: في أن نسخ جميع التكاليف غير جائز وإن جاز رفعه بإعدام العقل اتفاقا

الفصل الثالث عشر في حكم الحقيقة

كالاتفاق على امتناع نسخ وجوب معرفة الله تعالى لا مطلقا بل بالنهي عنها لا على تجويز تكليف المحال لأن الحلم بنهيه يستدعي معرفته فعندنا لا يجوز نسخ نحو وجوب المعرفة مطلقا وحرمة الكفر وكذا نحو الظلم والكذب وسائر القبائح العقلية الثابتة عند المعتزلة وعند الغزالي يجوز إلا في وجوب معرفة النسخ والناسخ وقالت الأشعرية بجواز نسخ الجميع لأن كل حسن وقبح شرعي عندهم فيجوز نسخها إذ التكليف غير واجب أصلا. وعند المعتزلة عقلي فلا يجوز أن ينسخ منها لا ما يختلف باختلاف المصالح قلنا ما يتوقف ثبوت الشرع عليه من وجوب المعرفة وحرمة الكفر وغيرهما مما لا يقبل السقوط عقلا لا شرعا لما مر من الدور فلا ينسخ بخلاف غيره على أن نحو الظلم والكذب مما قد لا يقبح. وللغزالي رحمه الله تعالى أن نسخ الجميع مستلزم لنقيضه فيكون مجالا إذ لا ينفك عن وجوب معرفة النسخ والناسخ أي الشارع ولعدم تمام ملازمته إذ وقوع الشىء لا يستلزم معرفته بل وإمكان معرفة غيره بعضهم إلى معرفة نسخ الجميع يستلزم معرفتهما فيجب على ذلك التقدير وذا خلاف المفروض لا يقال جواز الشىء لا يستلزم معرفته فضلا عن وجوب معرفته والمستلزم لوجوب معرفتهما وجوب معرفته لا عينها لأنا نقول كلامنا في الوجوب الشرعي لمعرفة النسخ وهو ثابت إذْ لا نسخ إلا بدليل شرعى يجب فهمه قلنا المراد بنسخ الجميع أن لا يبقى تكليف فمن أين الوجوب الشرعى ولئن سلم فلا نعلم وجوب فهم كل دليل شرعي وإنما يجب فهم ما يترتب عليه امتثال بنوع ما والناسخ للجميع ليس كذلك ولئن سلم وجوب معرفته لكن معرفته إنما تستلزم المعرفين في الابتداء لا في البقاء لإمكان أن تعرفه بالمعرفتين فيسقطا في البقاء لوقوعهما فإن الواجب المطلق يرتفع بالوقوع مرة ويسقط سائر التكاليف بالنسخ وإذا كان اللزوم في حال وبطلان اللازم في أخرى لم يتم الاستثنائي. الفصل الثالث عشر في حكم الحقيقة هو وجود ما وضع له أي ثبوته أمرًا أو نهيا خاصا أو عاما نحو: {ارْكَعُوا} [الحج: 77]، {وَلَا تَقْتُلُوا} [الإسراء: 31] مخاطبا به ومخاطبا ثم لزوم وجوده بحيث لا يسقط عن المسمى أي لا يصح نفيه عن الموضوع له وعن محل الكلام بخلاف المجاز كما مر فلا يخرج عن حكمه شيء مما يتناوله إلا أن يهجر تفاهمه عرفا لتعذر العمل به أو هجره

فيصير كالمستثنى خلافا لزفر رحمه الله كمن حلف لا يسكن فانتقل من ساعته لم يحنث بالسكون حال الانتقال استحسانًا والقياس قول زفر ولا تقتل وقد كان جرح فمات به أو لا يطلق وقد كان علقه فوجد الشرط أو لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من عينه عند بعض المشايخ. قال شمس الأئمة والأصح خلافه لذا قد يؤكل عينه عادة أو من هذه الشجرة التي لا يؤكل عينها فأكل من عينها لما حنث في الجميع ثم بقاؤه، فمتى أمكن العمل بالحقيقة لا يعدل عنها لأن المستعار خلف لا يزاحم الأصل ولذا حملنا الإقراء على الحيض لأنها حقيقة لا على الأطهار لأنها إن كانت مشتركة وهو الصحيح لتساوى الاستعمالين فبالترجيح كما مر. وإن لم يثبت اشتراكها كما ذهب إليه فالمجاز هو الثاني لأن المجتمع والمنتقل الحيض إن كان بما كما يعرفه الفقهاء وإن كان ضرورة فهو رديفهما ومسببهما أما الطهر فليس سببا مجتمعا ولا متنقلا ولا جامعا لأنه عدم والانتقال في الأحوال مع أنه معنوي لا حسي لذي الحال لا للحال وحملنا العقد في قوله تعالى: {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] على ربط اللفظيين لإيجاب حكم كاليمين بالجواب لإيجاب الصدق لا على القصد الذي هو سبب الربط كما فعله الشافعي رضي الله عنه فأوجب الكفارة في الغموس لأنه أقرب إلى الحقيقة التي هي عقد الحبل وهذا النكاح في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] على الوطئ ليثبت حرمة المصاهرة بالزنا لا العقد لأنه أقرب إلى حقيقته التي هي الجمع فإن إطلاقه على العقد لأنه سبب الوطئ. قيل استعارة اسم المسبب للسبب لا يصح وأجيب بأن مسبب مخصوص إذ لا عقد إلا بالقصد ولا وطئ يقصد شرعا إلا بالنكاح ووطئ الأمة استخدام ولو قيل بأن العقد لكونه جمع بين اللفظيين لا لسببيتهما لكان وجها ونحتاج في ترجيح مذهبنا فيهما إلى أصول أُخر كما يذكر. الاستثناء من القاعدة إلا إذا تعذر التعامل بها أو هجر وفرق ما بينهما أن الأول فيه مشقة وأنه كما ليس مرادا ليس داخلا في الإرادة بخلاف الثاني فإنه متروك العمل بلا مشقة عرفا شرعا. وقد يكون داخلا في الإدارة أما المتعذرة فنحو لا يأكل من هذه النخلة أو الكرمة أو القدر يقع على ما يؤخذ منه في الأصح فالأصل أن الشجرة إن كانت مما يؤكل كالريباس وقصب السكر فعلى عينها وإلا فعلى ثمرها إن كان وإلا كالخلاف فعلى دفنها هذا إذا لم

ينو وإلا فعلى ما نوى وذلك لأن الحقيقة وهي أكل العبن لأنه المقصود بالمنع الذي له اليمين متعذرة لا عدمه حتى يرد أنه غير متعذر. وكذا لا يأكل من هذا الدقيق ولا يشرب من هذا البئر إن كانت ملأى فكالنهر مختلف فيه وإلا فعلى الاعتراف اتفاقا لا الكرع لتعذره فإن تكلف في المسألتين فأكل من عينه وكرع فقيل يحنث وإلا شبه لا لقولهم في لا ينكح فلانة وهي أجنبية يقع على العقد فإن زنا لم يحنث لكونه متهذرا شرعا وعرفا وأما المهجورة عرفا فنحو لا يضع قدمه في دار فلان فمن حقيقته وضع القدم حافيا دخل أو لا ولم يقع عليه لهجره عرفا أريد مجازاة المتعارف وهو الدخول كيفما كان فوضع القدم حافيا مع الدخول داخل وبدونه لا فقد جاز دخول الحقيقة وشرعا فكالتوكيل بالخصومة ينصرف إلى مطلق الجواب مجازا فإنه مسبب الخصومة أو يقارنها فيكون مشاكلة ومطلقة يتناول الإقرار لأنه كلام يقطع كلام الغير ويطابقه من جلب الفلاة قطعها فله إقرار على موكله خلافا لزفر والشافعي - رحمه الله - لأن المسألة ضد المشاجرة قلنا المشاجرة بغير حق حرام لقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46]. ولأن الموكل لا يملك شرعا لا ما هو الحق من الجواب بخلاف الإنكار مع وجود الحق فلا يفوضه إلا ذلك لأن المهجور شرعا كالمهجور عادة ولذا من حلف لا يكلم هذا الصبي يحنث بالتكلم بعد ما كبر لأن المراد هذا الذات مجازا لهجران هجرانه بالحديث. تنويرها بمقدمة الحلف على موصوف إن صلح وصفه داعيا يتقيد به منكرا ومعرفا لئلا يلغو فمنكرا مقصودا كرطبا ومعرفا غير مقصود كالرطب لمن يضره فلا يحنث بأكله تمرا وإن لم يصلح يتقيد منكرا لأنه معرفة فيكون مقصودا بالحلف نحو لا يكلم شابا لا معرفا بالإشارة نحو هذا الشاب إذ لا يصلح الوصف داعيا لأنه مظنة السفاهة لكن حرمة هجرانه أوجبت المصير إلى إرادة مطلق الذات الذي هو جزؤه مجازا بخلاف صبيا إذ لا معرف فيه غير الصبا فيكون مقصودا بالحلف فيتقيد به وإن كان هجرانه حراما كمن حلف ليشربن اليوم خمرا وليسرقن ينعقد مع حرمتها المقصود بينهما أما بعد إرادة الذات لزوم ترك الترحم صبيا والتوقير كبيرا وفي الجملة هجر المؤمن الذي هو حرام فوق ثلاثة أيام فضمني غير مصرح به والضمنيات لا تعتبر، حتى لو قال للصبي: لا أكلم هذا الذات لا يكون مرتكبا للمنهي عنه، فكان مما يثبت ضمنا لا قصدا كتضحية الجنينن وبيع الشراب والطريق.

أما إذا استعملت الحقيقة فإن هجر المجاز أو غلبت فهي أولى اتفافا؛ لأن شأنها اليقين عند عدم القرينة الصارفة وإلا فلا ثقة للغات أصلا، والأصل عدم الحادة وإن غلب عليها تعارفا فكذا عند الإمام في الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف وبالعكس عندهما إذ المتبادر بحسب التعارف. فعند مشايخ بلخ أرادوا تعارف التعامل وعند مشايخ العراق تعارف التفاهم وقال مشايخ ما وراء النهر: الثاني قوله والأول قولهما ولذا يحنث من حلف لا يأكل لحما بأكل لحم الأدمي أو الخبز ببر عنده لوقوع التفاهم لا عندهما لعدم التعامل. وقوله: أولى لأن المقصود التفاهم هذا في المبسوط وفي التمر أنه لا يحنث اتفاقا إذ لا تفاهم فيما لا تعامل كأكل النخلة. بيانه: فيمن حلف لا يأكل الحنطة أو من هذه يقع عنده على عينها لأكلها عادة مقلية ومطبوخة وغيرهما عند الحاجة، وعندهما على مضمونها ولو في عينها ولا يشرب من الفرات فعنده على الكرع لاستعماله فيه كما في الحديث وعندهما على ما ينسب إليه بالمجاورة كالمأخوذ بالأواني لا النهر لانقطاع نسبة التبعية إلا في قوله من ماء الفرات لأنه حقيقة فلا عبرة للنسبة وإنما كان الكرع حقيقته؛ لأن ظاهر ممن يقتضي عدم الواسطة كما بين في: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] وللاستثناءين في قوله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: 249] الآية إذ معناه إلا قليلا لم يكرعوا، قيل هذه الخلافية ابتدائية فعنده لعَدم الضرورة الصارفة عن الحقيقة وعندهما الرجحان الغالب فإنه كالمتحقق لا لأن المجاز المتعارف حقيقة عرفيةكما ظن إذْ هي عند هجرانها وقيل بنائية على أخرى هي أن خلفية المجاز في التكلم عنده، وفي الحكم عندهما. تحريرها بعد أن لا خلاف في خلفية المجاز ووجوب تصور الأصل لثبوت اتخلف وأنهما من أوصاف اللفظ وأن التغيير فيه لا في مقصود المتكلم أن خلفيته عنها عنده بأن صار التكلم بلفظ مجازا خلفا عن التكلم به حقيقة ثم يثبت حكمه بالاستبداد لوضعيتهما للفظ وكون التغيمر فيه وعندهما بأن يكون حكم لازم الحقيقة خلفًا عن حكمها مع الصارف عنه لئلا يلغو لأن الحكم هو المقصود فاعتبار اتخلفية فيه أولى ولسان الانتقال عن الشيء يستدعي إمكانه قلنا التجوز لتوسيع الطرق لا لضرورة أداء المقصود والانتقال يستدعى فهمه لا مكانه وذا بأن يصح عمارته كما في أسدًا يرمي والحال ناطقة لغة في أنت طالق مائة إلا تسعمائة وتسعة وتسعين شرعا حيث يقع واحدة بعد أن المهجور شرعا كالمهجور عادة.

تنويره فيمن قال لعبده الأسن هذا ابني لم يعتق عندهما وهو قول الشافعي رضي الله عنه إذ لم ينعقد لإثبات البنوة لاستحالتها كقوله أعتقتك قبل أن أخلق أو يخلق أو للأصغر هذا جدي أو لعبده بنتي أو لأمته ابني فيلغو كقوله هذا أخي بخلافه للأصغر المعروف النسب حيث يعتق إجماعا لأنه حقيقة وإن لم ينقلب النسب ولذا يصير أمة أو ولد له لا كقوله أنت حر لصحته في مخرجه لولا عارض تعلق حق الغير لإمكان خلقه من مائة بوطء الشبهة فنظيرهما الغموس والحلف على مس السماء أما قوله لامرأته المعروفة النسب وهي أصغر هذه بنتي فإنما لا تحرم لأن موجب النسب في النكاح انتفاء حل المحلية من الأصل لإزالة الملك بعد ثبوته وذلك حقها لا حقه فلا يصدق على إبطاله. نكتة: تصور حكم الحقيقة أعني إمكانه الذاتي من حيث المتكلم وكلامه ومحل كلامه غير تصور الحقيقة أعني إمكانها من حيث أنه كلام وأخص منه لتحقق الثاني في هذا ابني للأسن دون الأول وإن انتفيا في أعتقتك قبل أن لخلق فالإمام لا يشترط لصحة الانتقال من الحقيقة على المجاز إلا الثاني وهما الأول أيضًا وهما غير تصور البر الذي لا يشترطه أبو يوسف لانعقاد اليمين المطلقة وبقاء المؤقتة والانتقال إلى الكفارة ويشترطه الطرفان لأنه الإمكان الحالي ولو تخرق العادة فهو أخص منهما ولا منافاة بين أن يشترطه الإمام للانتقال إلى الكفارة ولا يشترط الأعم منه للانتقال إليه كما وهم لأن الانتقالين منفصلان وأيضًا لا يرد نقضا على مطلق قولنا لا بد من تصور الأصل للنقل إلى اتخلف اتفاقا لأن المراد به الإمكان الذاتي لا الحالي وإلا لما وجد مجاز لامتناعه مع الإمكان الحالي للحقيقة. بيانه من حلف ليشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه أو اليوم فصب قبل مضيه أو لأقتلن زيدا وهو ميت ولم يعلم بموته يحنث عنده لا عند الطرفين غير أن الحالف في مسألة القتل إذا علم موته يحمل على أنه يعقد يمينه على حياته المستحدثة بقدرة الله تعالى المتعارفة هي عود عين روحه إلى بدنه يحنث بالعجز الحالي وإذا لم يعلم يعقدها على الحياة المعهودة الحاصلة ولا تفصيل في مسألة الكوز إذ لم يتعارف عود عين مائه إليه وإن كان مقدورا لله تعالى فلا يحمل على عقد يمينه إلا على المتعارف وهو أن كل ماء يحصل عد في الكوز يكون غير مائه وقد حلف على مائه. وقال الإمام يشترط صحة التكلم من حيث أن له حقيقة بخلاف أعتقتك قبل أن أخلق لخلق أو لعبده هذا ابني أو لأمته إذْ نسبة العتق كنسبته إلى الحمار وحين اعتبر الاختلاف بالذكورة والأنوثة فاحشًا في الإنسان لم يتعارف التجوز أيضًا كما لم يعتبر بين الأب والابن ولذا لا يعتق وإن كان أصغر هنا فإذا وجد وفهمت حقيقته وتعذر العمل بها

لا حد الأمور الخمسة يصار إلى لازمه المتعين وهو ها هنا عتقه من حين ملكه إقرار به قضاء وإن كان كاذبا وفيه إشارة إلى أنه لا يعتق ديانة كما يصار في وهبت ابنتي أو نفسي منك نكاحا أو بمهر كذا إلى النكاح قالا لاحتمال تمليك الحرة عقلا وشرعا في الجملة كما في شريعة يعقوب حتى قال بنوه جزاؤه من وجد في رحله قلنا لما انتسخ في شريعتنا لم يبق محلا كنكاح المحارم لم ينعقد أصلا ولم يصر شبهة في سقوط الحد عندهما مع بقاء المحلية في حق الأجنبي فانتفى الإمكان الحالي بخلاف مس السماء. أما في قوله هذا أخي فعلى رواية الحسن وهو قول الإمام يعتق لا في ظاهر الرواية لاشتراك الأخوة بين الشركة في الدين والقبيلة والنسب فلا يفيد بلا بيان فلو قال أخي لأبي وأمي يعتق أما لو علل بأنها مجاورة صلب أو رحم فيستدعي واسطة فلا يفيد بدون إلْباتها وكذا في هذا جدي مع البرغري نفى الرواية فيه فلا وأما يا ابني حيث لا يعتق به إلا في رواية شاذة فلأن النداء لاستحضار المنادى بصورة الاسم فلا يستدعى تحقيق معناه إلا إذا كان معروفا بذلك الاسم. ضابطة: النداء بوصف ثابت لاستحضاره به نحو يا طويل لمن له طول وبغير ثابت فإن صح ثبوته من جهة المنادى يثبت اقتضاء نحو يا عتيق وإلا فلاستحضاره بصورة الاسم نحو يا ابني لأكبر سنا منه أو أصغر معروف النسب. تنبيه: التجوز في مسألتنا من إطلاق السبب عن المسبب كما أنه في قوله عبدي أو حماري حر أو على هذا الجدار ألف حيث يعتق العبد ويجب الألف عند الإمام من إطلاق المطلق وهو إلا حد لا بعينه على المقيد وعندهما لما لم يصلح إلا حد المبهم محلا لغا. وقد ظن بعض الظن أنه استعارة تبعية في ابني لأنه بمعنى مولودي دفعا لتوهم أنه مبتدأ وخبر فيكون تثبيتها لا استعارة في الأصح لأن مبناها على دعوى الجنسية وفي المبتدأ والخبر قول بالمغايرة كما أن بناء الخلاف على أن هذا ابني تشبيه عندهما مثل هذا كابني بخلافه للأصغر سنا فإنه حقيقة فلا حاجة إلى إضمار التشبيه أما الإمام فجعل نية الحرية قرينة المجاز إيهام خيل إلهاما لتحقيق الخلاف في نحو ابني هذا فعل كذا. تقريب: فالحقيقة إذا استعملت صارت أولى تكلما والمجاز لغلبته صار أولى حكما لقربه فهما قلنا الترجيح بالغلبة ترجيح بالزيادة من جنس العلة وهو مردود بخلاف المهجورة وقال الإمام فخر الإِسلام لعمومه الحقيقة أيضًا والعموم إنما يصلح دليلا لو اعتبر الحكم لا التكلم فليس مستقلا كما ظن وهذا فيما يكون المجاز أعم والدليل الشامل

ما مر. تدقيق الفصل وتحقيق الأصل: قوله للأصغر المعروف النسب هذا ابني حقيقة في إثبات بنوته وإن لم ينقلب النسب لا تحرير مبتدأ لجواز ثبوت النسب من واحد ولو بوطء الشبهة واشتهاره من آخر ولذا يثبت أمومة الولد لأمة لا كانت حرة كما مر لأن إمكان العمل بالحقيقة بعينها يدل عليه مسائل الجامع. قال في صحته لجارية لها أولاد ببطون أحدهم ولدي ومات قبل البيان يعتق عند لصاحبين ثلث الأول ونصف الثاني لأن أحوال الإصابة واحدة فإن للأسباب تزاحمًا فبنوة أحدهما يمنع الباقين وأحوال الحرمان متعددة لإمكان اجتماعها وكذا الثالث. ولو كان تحريرا مبتدأ عتق الثلث من كل نحو أحدهم حر وهو قول الإِمام رضي الله عنه ولو قال في مرضه ولا مال غيرهم ولا أجازه وهو سواء يجعل كل رقبة ستة للنصف والثلث وسهام العتق من الثلاثة أحد عشر يضيق عنها الثلث فيجعل كل أحد عشر ويعتق سهما الأكبر وثلاثة الأوسط وستة الأصغر ويسعون في الباقي ولو قال في صحته عبد وابنه وابنى ابنه ببطنين وكلهم أصغر فمات مجهلا يعتق ربع الأول لأن أحوال حرمانه ثلاثة وثلث الثاني لأن لحرمانه حالتين وحالا أصابه بكونه مرادا أو حافدا أريد أبوه وثلاثة أرباع كل من الأخيرين لان أحدهما حر بيقين لوجوب أن يراد أحدهما أو أبوهما أحدهما والآخر حر لو أريد هو أو أبوه أو جده ليس حرا لو أريد أخوه فيعتق النصف منه لوحدة أحوال الإصابة فحرية الكل والنصف قسمت بينهما ولو كان ابن الابن واحد فثلث الأول ونصف الثاني وكل الثالث والكل بحكم الحقيقة وهي البنوة لاحتمال النسب لا لأنه تحرير مبتدأ وإلا لعتق من كل ثلثه. ثم قيل هذه أيضًا خلافية فيعتق عند الإمام من كل ربعه أو ثلثه كما في الأولى والأصح أنهما وفاقية والفرق له أن احتمال النسب في الأولى على السواء والتفاوت في العتق الحاصل بالسراية من الأم وذلك كالمجاز من الحقيقة فلا يجمع بينهما وها هنا لا عتق بطريق السراية إذ لا يلزم من حرية الأب حرية أولاده بل بجهة النسب بكونهم حفدة وهم في ملكه فلذا يعتبر الأحوال. أما لو قال في مرضه ولا مال ولا أجازه يجعل كل رقبة اثنى عشر للربع والثلث يبلغ ثمانية وأربعين يضيق سهام الوصية وهي خمسة وعشرون عن ثلثها وهو ستة عشر فجعل الخمسة والعشرون ثلثا لكن ثلث الرقبات الأربع رقبة وثلث فالرقبة ثلاثة أرباع الثلث وليس لخمسة وعشرين ربع صحيح فضربت الأربعة فيها بلغ الثلث كل رقبة خمسة

فصل

وسبعين فضرب كل من ثلاثة الجد وأربعة الأب وعتق مبلغيه ويسعى في الباقي أما فيه فعن الإِمام طريقان: 1 - أنه إقرار بالحرية من حين ملكه فيكون إقرار بأمومة الولد لأمة لاحتمالها الإقرار. 2 - أن الإقرار بالنسب تحرير مبتدأ كما قلنا في رجلين ورثا عبدا مجهولا فادعى أحدهما بنوته غرم لشريكه كأنه اعتقه ولو كان كأنه ورثه لم يغرم لعدم الفعل منه ولذلك لأن النسب لو ثبت لثبت بقوله والاستناد إلى القول شأن التحرير فيجعل مجازا عنه وإثبات أمومة الولد من حكم الفعل لا القول. قال شمس الأئمة والأول أصح إذ لو قال هذا ابني مكرها لا يعتق فليس تحريرا مبتدأ والغرم لشريكه لا يختص بالإنشاء فقد يثبت بالإقرار كقوله عتق على من حين ملكته. تفريغ آخر: يجوز الصلاة بآية قصيرة والجمعة بخطة قصيرة عنده لأن القراءة والذكر فيهما مستعملان وعندهما لا بد مما يسمى قراءة وخطة عرفا ولا نقض عليهما دون الآية لأنه خارج إجماعا والعام الذي خص عنه حقيقة في الباقي أو قريب منها ولا عليهما بما خلف لا يقرأ القرآن حيث يحنث بقراءة آية لأن القراءة في الآية الفذة متعارفة خارج الصلاة كالذكر مطلقا خارج الجمعة والتعارف في الثلاث للصلاة. فصل في الأمور الخمسة التي يترك بها الحقيقة أعني القرائن الصارفة عنها مقالية كانت أو حالية وواحدة كانت أو متعددة أو ممتلئة منها ودلالتها على الصرف عقلية أو عرفية. وحصرها المشايخ في خمسة إما بدلالة العرف قولا والعادة فعلا أو اللفظ في نفسه بحسب اشتقاقه أو إطلاقه أو السباق أو حال المتكلم أو محل الكلام لأن القرينة إن كانت مقالية فدلالتها إما من نفس ذلك اللفظ من حيث اشتقاقه أو إطلاقه المقتضي لكمال حقيقته القوية في القوة والضعيفة في الضعف وهو الثاني وإما من لفظ يقارنه ويندرج فيه كون القرينة في التبعية نسبة الحدث إلى فاعله أو إلى مفعوله الأول أو الثاني أو المجرور أو غيره أو المجموع وهو الشاك وإن كانت حالية فإما من حال المتكلم الحقيقة ككونه بحيث يستحيل صدور ذلك الكلام عنه عقلا ومنه كونه حكيما لا يأمر بالفحشاء أو عادة ومنه كونه موحدا غير دهري في أنبت الربيع البقل أو الإضافية ككونه مجيبا وهو الرابع وإما من حال الكلام كصدقه وهو الخامس وإما من حال أهل الكلام كتعارفهم الأقوال وتعودهم الأفعال وهو الأول قدم لأنه أغلب ثم دلالة القرينة عرفية أو عادية عامتان أو خاصتان بالشرع أو غيره في الأول ويندرج فيهما الحسية التي يعرف العرف فيها بالحس فالأول

قسمان ما بدلالته الاستعمال قول وله أمثلة: 1 - المنقولات الشرعية كالصلاة عن الدعاء إلى العبادة المخصوصة المشروعة للذكر وكل ذكر دعاء وكالحج من القصد إلى عبادة هو فيها وكالعمرة اسم من الاعتمار وهو الزيادة والزكاة عن النماء والتطهير إلى العبادتين فإنها فيها مجازات لغوية تعورفت إلى أن صارت حقائقها مهجورة حتى لا يلزم الحالف بها إلا العبادات والتعارف لإيجابه التفاهم دليل ترك الحقيقة كالدراهم في نقد البلد فمن نذرها يلزمه المجازات. 2 - المنقولات العرفية كمن نذر المشي إلى بيت الله تعالى يلزمه حجة أو عمرة ماشيا والخيار إليه وليس كناية لأن حقيقته مطلق المشي وليس بمراد على أن إرادتهما معا في الكناية أيضًا ممنوع كما مر أو أن يضرب بثوبه حطيم الكعبة إهداء ثوب استحسانا فيهما وفي القياس لا شيء عليه إذ ليس من جنسهما واجب شرعا والعرف مخصوص بالمشي المضاف إلى الكعبة أو بيت الله أو مكة فالمشي إلى الحرم والمسجد الحرام ليس كذلك عند الإمام لذلك منه لزوم ذبح الهدي بالحرم بقوله علي أن أذبح الهدي ولزوم ذبح الشاة بقوله علي أن أنحر ولدي أو أذبحه أو أضحية عند الطرفين. 3 - أمثلة الحقائق المعذرة السالفة التي بالحس عرف تركها من آكل النخلة والقدر والدقيق ورب ماء البئر الغير المملوءة. 4 - أمثلة الحقائق المهجورة التي عرف بالحس أو الشرع عرف هجرها من وضع القدم والتوكل بالخصومة وعدم كلام هذا الصبي. وما بدلالة العادة فعلا ومنه استحالة صدور الفعل عن الفاعل المذكور عادة في نحو هزم الأمير ونبى الوزير وكسا اتخلفية وذلك نحو وقوع لا يأكل رأسا على المتعارف كرأس البقر والغنم عنده والغنم فقط عندهما لا رأس الجراد والعصفور وهو فيهما حقيقة وبيضا على بيض الإوز والدجاج. وفي المبسوط بيض الطير مطلقا أي ما له قشر ويؤكل لا بيض السمك وطبخا أو شواء على اللحم المطوخ أو مائه لا المقلي ولا البيض والباذنجان والسلق والجزر استحسانا في الكل للتعود عليهم إذا نوى الكل والتمثيل بهذه لصرف اللفظ عن بعض الأفراد التي هي حقائق وعن هذا مر أن المخصص كالمجاز أو على مذهب الكرخي أن المخصص مجازا أو لغاية تقاربهما بفهم حال أحدهما من مثال الآخر. والثانى أيضًا قسمان: ما بدلالة اشتقاق اللفظ نحو لا يأكل لحما لا يقع على لحم السمك خلافا لمالك فإنه

حقيقة فيه لقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] ولذا لا يصح نفيه منه قلنا لما عنا الشدة بدلالَة التحامَ الحرب والجرح والملحمة وهي بالدم ولا دم فيه ولذا يعيش في الماء ويحل بلا زكاة لم يتناوله مطلقه ولذا لا يطلق على لحم السمك إلا مفيدا ومنه الآية فإنها دليل أنه فرد منه في الجملة لا إرادته من مطلقه وكذا على الجراد إذ لا دم له ولذا لا يذبح ولا يرد لحم الخنزير والأدمى على ما في المبسوط أنه يحنث بهما لأن الإضافة فيهما للتعرف كلحم الطير لا للتقييد ومدار الفرق وجود الشدة الدموية وعدمها. وما بدلالة إطلاقه فإن شأن المطلق أن ينصرف إلى الكامل في الحقيقة ككل مملوك لا يتناول المكاتب بنت مولاه بموت المولى أما الرقبة في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] فيتناوله لكمال رقه وأنه عبد ما بقى عليه درهم ولذا يقبل الفسخ لا يتناول لا الشلاء والعمياء لهلاكهما من جهة فوت المنفعة والمدبر وأم الولد عكسه في هذه الأحكام فيتناولهما المملوك لا الرقبة لأن في التحرير إزالة الرق عنده ونفسها عندهما فيستدعى كماله وكذا كل امرأة لا يتناول المبتوتة ولو في العدة إلا بالنية ومطلق الصلاة صلاة الجنازة وإدراجها في: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] بالإلحاق الإجماعي. ثم هذا يقتضى كمال حقيقته القوية في القوة ومنه ما يقتضي كمال حقيقته الضعيفة في الضعف نحو لا يأكل فاكهة لم يحنث عند الإِمام بأكل الرمان والعنب والرطب إلا إذا نوى وقالا وهو قول الشافعي - رحمه الله - يحنث كالتين لتناوله بل الكامل أولى كالطرار قلنا لما أنبأ عن التنعيم الزائد على التغذى وهو بالتبعية لا الغذائية والدوائية انصرف إلى الكامل فيها وهو القاصر فيها فإنهما تغيران التفكه والطر يقرر أمر السرقة والحق تخريجه من كماله لا من نقصانه كما زعم وإلا يلزم أن ينصرف بعض المطلق إلى الناقص. قال المتأخرون ينبغى أن يحنث في عرفنا اتفاقا ومثله لا يأكل إذا ما يقع على ما يصطبغ الخبز به كالملح والخل لا على اللحم والبيض والجبن خلافا لهما لأن الموآدمة الموافقة والتبعية وللحديث في الثمرة وخصص ما يؤكل وحده لا تابعا غالبا كالبطيخ والتمر والعنب بخلاف تلك. قلنا كمال الموافقة والتبعية فيما يختلط به ولا يحتاج إلى تجديد الحمل والمضغ والابتلاع فلا يتناول مطلقه القاصر فيها فإن كان كاملا من جهة أخرى والحديث مع أنه مقيد في دليل فرديته فقط وعن أبي يوسف روايتان والفرق على إحديهما شيوع إطلاق الفاكهة على تلك لا الإدام على هذه وقوله أشتري جارية لخدمني فاشترى الشلاء أو العمياء أو جارية أطأها فأشترى أخته من الرضاع لا يجوز.

والثالث: أيضًا قسمان ما بسياقه المتقدم وسياقه المتأخر وقد يطلق السياق عليهما نحو: [فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ] [الكهف: 29] ترك حقيقة الأمر بتعليقه بالشية وكذا من شاء فليكفر بذلك وهذا سياق وبقوله {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الكهف: 29] وهذا سياق وحمل الثاني على الإنكار والتوبيخ على فعله والأَولَ عَلى تركه. ومنه جمعهما في {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] للسياق. ومن المسائل قوله للمستأمن أنزل فأَنت آمن أمان وإن قارنه ستعلم ما تلقى أو إن كنت رجلًا ليس به فلو نزل صار فيئًا وكذا طلق امرأتى أو افعل كذا إن كنت رجلًا أو إن قدرت ليس توكيلا ونعم لك على ألف درهم ما بعدك ليس إقرارا والكل توبيخ بالسياق عرفا. والرابع: أيضًا قسمان ما بدلالة حال المتكلم الثابتة قبل الكلام عقلا نحو: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] أي حرك بوسوستك لما استحال صدور الأمر بالمعصية منه لكوَنه حَكيما لا يأمر بالفحشاء لا لكونها غير أصلح حمل على الأقدار الظاهري الذي هو منح الأسباب والألات السليمة فإنه لازم الإيجاب لا مسببه كما ظن أو عادة نحو انبت الربيع وشفى الطيب وسرتني رؤيتك من الموحد. وما بدلالة حاله الثابتة عند الكلام عادة ككونه مجيبا فيمن دعا إلى غذاء فحلف لا يتغذى وامرأة قامت للخروج فيقال لئن خرجت ينصرف إلى ذلك الغذاء والخروج مع أن الفعل نكرة في سياق النفى ولا خلاف في عمومه إلا بحسب المفعولات ونحوها مما هي شرط الوجود لا الفهم ويسمى يمين الفور سبق بإخراجه أبو حنيفة - رحمه الله - أخذًا من حديث جابر وابنه حيث دعيا إلى نصرة الإِسلام فحلفا أن لا ينصراه ثم نصراه بعد مدة ولم يحنثا وكان يقال قبله اليمين مؤبدة أو مؤقتة فأخرج قسما ثالثا هو مؤبدة لفظا مؤقتة معنى. ومنه ما وكل بشراء اللحم يتقيد بالني مقيما وبالمطبوخ والمسوى مسافرا أو بشراء فرس أو خادم يتقيد بحال الأمر أدلى أو أعلى. والخامس: قسم واحد هو كلام لولا ما فيه من التجوز لما صدق فيقيد تجوزا بما يقتضيه محله فالصارف صدقة والمعين للمجاز محله فلذا جاز أن يقال بدلالة حال الكلام أو محله وقد ظن أن نحو اليمين بأن لا يأكل النخلة منه لأنها لا تقبل إلاَّكل وهو بعض الظن وإلا لكان كل من الحقائق المتعذرة المهجورة عرفا أو شرعا ونحو أنبت الربيع البقل كذلك.

منه: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] أي في الإدراك البصري، {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] أي في الفوز بالسباق فلا ينافيه قصاص المسلم بالذمي ومساواة ديتهما وتملك الحربي بالاستيلاء كما ظنه الشافعي - رحمه الله- كما في الآية الأولى لأن الفعل وإن عم لكونه نكرة في سياق النفي فحقيقته عموم النفي لا نفي العموم كما وهم لكنه خص ضرورة صدقه بما يقتضيه محله وهذا أحد الوجوه السالفة في تحقيقه. ومنه: أن كاف التشبيه قد يفيد إطلاقه بعد أنه لا يوجب العموم إلا إذا دخل في العام واحتمله محله وقد مر. ومنه: الأعمال بالنيات ورفع عن أمتي الخطأ والنسيان، أي حكمها أي ما صدق عليه حكمها وقد مر مرتين. تنبيه: مر بحث تحريم الأعيان وما بينه وبين تحريم الأفعال تحصيل قد يعتذر الحقيقة والمجاز معا كقوله لأمر إنه المعروفة النسب تولد لمثله أو لا هذه بنتي لا تحرم وإن أصر إلا أن القاضي يفرق بينهما عند الإصرار لكونها كالمعلقة كما في الجب والعنة خلافا للشافعي فيما يولد لمثله لأن ملك النكاح أضعف من ملك اليمين والأولاد أنس له منه فينتفي بذلك بالأولى. قلنا: تعذر الطريقان فيه أما الحقيقة ففي الآسن ظاهر وكذا في غيره أما في حق ثبوت النسب فلأنه مطلقا وفي حق كل الناس إبطال حق من اشتهر منه وفي حق نفسه فقط لأن الشرع كذبه وتكذيبه ليس أدلى من تكذيب نفسه فقام مقام رجوعه والإقرار بالنسب مما يحتمل الرجوع. وأما في حق التحريم لكونه لازما وموجبا للبناة لا لكونه مرادا مجازا إذ الكلام في الحقيقة فلان الملزوم لو بطل كما قلنا يبطل اللازم ببطلانه كبطلان العتق لبطلان شراء الابن ولو صح ولم يتأت ما قلنا في بطلانه كما في مجهولة النسب فإن المذكور في المبسوط وإشارات الأسرار أنها أيضًا لا تحرم فلما لا تحرم أو كان مجازا عن التحريم في الآسن وغيره وهو أنه على تقدير ثبوته تحريم يتوقف على النكاح السابق فإن هذا القول للأجنبية المعروفة النسب أو المكذبة لغو وكل تحريم يتوقف عليه لا يكون منافيا ومبطلا لانعقاده وإلا لكان مبطلا لنفسه كالتطليق والتحريم اللازم من البنتية مرادا كان أو موجبا ينافيه فهذا مما لا حقيقة له فلا يصار إلى مجازه اتفاقا نحو أعتقتك قبل أن لخلق أو لعبدته هذه بنتي بخلاف قوله لعبده الاسن وغيره هذا ابني فإن العتق لا ينافي تلك اليمين بل قد

الفصل الرابع عشر في حكم المجاز

يتوقف عليه كما في شراء الابن هذا أقصى ما فهمته من كلام فخر الإِسلام عامله الله بكامل كرمه. بقى أنه إذا لم يتأت ما قلنا في معروفه النسب فأي دليل على عدم ثبوت النسب يشملها والمجهولة التي تولد لمثله والأجنبية المكذبة مطلقا وهو ما مر أن حل المحلية حقها الثابت شرعا كرامة لها ولذا يزداد بحريتها وينتقض برقها فلا يملك الزوج إبطاله إقرارًا عليها ومنه يعلم أن تكذيب الشرع ليس لثبوت النسب من غيره بل أعم منه وأن ذكر التحريم اللازم ليس قبيحا وأن دليله ليس بطلان الحقيقة مطلقا إذ لم يعلم ذلك بعد كما ظن كل منهما. الفصل الرابع عشر في حكم المجاز منه ثبوت ما استعير له خاصا كان كالغائط للحديث أو عاما نحو الصالح في حديث ابن عمر فإنه لما لم يحله إجماعا عاما عندنا مطعوما كان أو جصا ونوره فيقضي بعبارته حومة بينهما متفاضلا ولأن المراد ما يكال به فالكيل مأخذه يكون علة بإشارته فيجوز الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين فيعارض فيهما قوله عليه السلام: "لا تبيعوا الطعام إلا سواء بسواء" فإنه عكسه في العبارة والإشارة قال الشافعي - رحمه الله - لا يعارضه إذْ لا عموم للمجاز فلما أريد بالمكيل المطعوم ليوافقه أو بالإجماع لم يرد غيره وذلك لأن طريق ثبت ضرورة التوسعة على المتكلم وهي تندفع بلا عموم كما في المقتضى عندكم ولئن سلم المعارضة غلب المحرم على المبيح والخلاف نقل الثقة فالأوجه لمنعه قلنا ما كر في التنزيل متعلقا بالمتكلم لا يكون ضروريا. تنويره أنه إن أريد بضرورة التوسعة حصولها فالترادف كذلك فلا عموم لشىء من المترادفات وليس كذا وإن أريد أنه لا يصار إليه إلا عند العجز عن الحقيقة فلا نسلمه بل هو أحد نوعي الكلام كالحقيقة وإلا لما وقع في كلام الله تعالى المنزه عن العجز والضرورة ولئن سلم فربما يكون العجز عن الحقيقة لتحصيل العموم كيف ومن الواجب في صناعه البلاغة رعايته في خطاب الذكي وعند قصد شيء من فوائده السالفة وإن كانت الحقيقة حاضرة. والتحقيق أن العموم لدليله كالتثنية والجمع كان في الحقيقة أو في المجاز وتغليب المحرم معارض بالمثل أما وقوع المقتضي في كلام الله تعالى فلأن ضرورته عائدة إلى وقوف السامع وصحة الكلام ولذا عد في أقسامه وهذه عائدة إلى المتكلم إذ المجاز من أقسام الاستعمال.

ومنه استحالة اجتماعه مع الحقيقة في الإرادة بخلافه في الاحتمال والتناول الظاهري كما في استيمان الأبناء والموالي وقد يسمى عموم المجاز لمحما يطلق في المشهور على كون المعنى المجازي بحيث يعم معنى الحقيقة. ولخرير المذاهب وتقرير الأقوال كما سبق في عموم المشترك فلا خلاف في إرادة المجموع من حيث هو مجازا عند شروط إطلاق الجزء على الكل من كون الكل ماهية واحدة اعتبر لزومها للجزء كالرقبة على الإنسان بخلاف الأسد على المفترس والشجاع ولا في إرادة كل منهما بدلا ولا في إرادة معنى يعمهما مجازًا بل في إرادة كل منهما فأحدهما للوضع والآخر لمناسبته للأول قبل ولا في امتناع أن يستعمل فيما بحيث يكون اللفظ حقيقة ومجازا بحسبه فإنه موضوع للحقيقي وحده فهو في المجموع مجاز اتفاقًا ولا في رجحان الحقيقة إذا دار بينهما وخلا عن القرينة بل في أن إيراد المعينات معًا ويكون كل مناط الحكم أحدهما بالوضع والآخر بالقرينة نحو رأيت أسدين يرمي أحدهما ويفترس الآخر وإن كان اللفظ مجازًا في هذا الاستعمال. وفيه شيء أما رواية فلان المنصوص في كتب الشافعية أن مذهبه أن اللفظ ظاهر في المعنيين بل حقيقة فيهما كما في المشترك حيث الحق المعنى المجازي للوضع النوعي للعلاقة بالحقيقى وكونه مجازًا فيهما مختار ابن الحاجب رحمه الله فكيف ادعى الاتفاق في المجازية والأصح أن الخلاف في التثنية والجمع بناء على المفرد ولا صحة للمثال المذكور عند اشتراط الجنسية في مفهومها وأما دراية فلما كان اللفظ مجازًا لم يكن لا بد من القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي فإما عن نفسه فلا يكون مرادًا وإما عن وحدته كما وهم فدل أن وحدته معتبرة في الوضع ومعدودة إن لم ينافيها إرادة المجازى لم يتحقق الصرف وقد اعترف به وإن نافتها امتنع اجتماعهما وستزداد وضوحًا. لنا مسلكان: 1 - أن الجمع لم يرد لغة قيل هو الحق مع أنه استقراء النفى وعدم الوجدان لا يقتضى عدم الوجود. 2 - امتناعه لكن بحسب وضع اللغة لا عقلا وهو المختار كما في المشترك وبناؤه على أن الكلام في اللفظ الذي معناه تمام الموضوع له من كل وجه فلا بد للواضع من ملاحظة انفراده حين الوضع بمعنى اعتبار عدم الاجتماع لا بمعنى عدم اعتبار الاجتماع وإلا لم يكن تمامه فالجمع مخالفه فنقول كل ما ذكروه من أدلة امتناعه مبنى عليه فلنعدها تصحيحًا لها.

1 - أن المتبوع راجح أي عند الخلو عن القرينة وإلا فلا ثقة على أن المتبوع هو المعنى الحقيقط بصفة الانفراد لا مطلقًا لأن الكلام في تمام الموضوع له من كل وجه. 2 - أن الاستقرار في محله أي الموضوع له عند الخلو عنها قاعدة وطبيعية فلو استعمل فيهما لزم الاستقرار وعدمه أو مخالفة الوضع. 3 - لزوم إرادته منفردًا حتى لا يخالف الوضع وعدمها. 4 - لزوم الاستغناء عن القرينة الصارفة والاحتياج إليها قيل المشروط بتلك القرينة كون اللفظ مجازًا إلا إرادة المعنى المجازي متصلًا بالحقيقي بنوع علاقة والنزاع في الثاني وليس بشيء فإن اللفظ في هذا الاستعمال مجاز باعترافه كيف ولا وضع يوافقه فلو كان حقيقة فلا ثقة للغة وإذا كان مجازًا لم يكن بد من قران القرينة الصارفة كيف وكون اللفظ مجاز اللازم له وشرط اللازم شرط للملزوم. قال الموضوع له هو المعنى الحقيقي وحده والقرينة هنا صارفة عن وحدته وليس مخلص لأن الوحدة إذ لوحظت في الوضع يلزم من انتفائها هنا انتفاؤه وإلا فلا صرف ولأن الصرف إن وجد فلا موضوع له وإن لم يوجد فلا مجاز. 5 - أن المعنى الحقيقي بتمامه حق اللفظ ومحله المشغول به وضعًا كما أن الثوب المملوك بتمامه حق المالك شرعًا والملبوس بتمامه مكان اللابس عقلا فكما يمنع هذا كون ذلك الثوب حق المستعير شرعًا في آن واحد وشاغل لابس آخر عقلا يمنع ذلك أيضًا وضعًا وإن لم يمنع عقلا وشرعًا وهذا تمثيل للتوضيح وإلحاق لمقتضى الوضع بمقتضاهما أما استعارة الراهن ثوب الرهن من المرتهن فمجاز وتصرفه بالمالكية ولذا لا يضمن المرتهن ولا يسقط الدين بهلاكه. فروعها قسمان: ما أريدت به الحقيقة: 1 - ما أريدت به الحقيقة لم يرد به المجاز كالوصية لموالى زيد أو أبنائه وأولاده لا يتناول موالى مواليه وأحفاده لأنها مضافة حقيقة في الأوائل ومجاز فيما بالوسائط إذ ثمة مباشرة وهنا تسبيب لا لأن كون إضافة المشتق للاختصاص في معناه كما ظن فإنها للاختصاص في الإثبات لا في الثبوت. أما مطلقه فحقيقة في الكل فلو وجد من الأوائل اثنان فصاعدًا ولا أعلى له كان كلها لهم أو واحد فالنصف له والباقي للورثة. لا يقال الجمع في الواحد والاثنين مجاز ففيه الجمع.

لأنا نقول لا جمع في الإرادة والمتحقق وجود الواحد أو الاثنين لإرادتهما أو لم يوجد فالكل لما بالوسائط منزلا كذلك في كل مرتبة ولا يرد تكملة الثلثين ببنات الابن مع الصلبية لأنها بالسنة أو لأن الوارد فيها لفظ النساء لا البنات لكنه في الأبناء قول الإِمام آخرًا فإن قوله أولا وهو قولهما تناول الفريقين بعموم المجاز لأن إطلاق الأبناء عليهما متعارف فهو كالشرب من الفرات وأيضًا عند للذكرر خاصة وعندهما وللإناث حال الاختلاط لذلك لا حال انفرادهن اتفاقًا أما الأولاد التي للذكرر والإناث مختلطة ومنفردة اتفاقًا فأشار شمس الأئمة رحمه الله أن فيها الخلاف السابق، وقيل: عدم تناول الأحفاد وفاق فيها فالفرق لهم عدم تعارف أولاد فلان في أحفاده كتعارف بني فلان وهذا كما لم يعم المشترك لكانت الوصية للموالي وله أسافل وأعالي باطلة وإن رويت الأقسام الأُخر من ترجيح الأعالي شكرًا للأنعام أو الأسافل قصدًا للإتقام أو القسمة بينهما وهو قول الشافعي قولا بعموم المشترك أو عموم المجاز ولا يرد ما حلف لا يكلم مواليه يتناول الأعلى والأسفل لأنه بمعنى أحدهما فيعم في سياق النفي كهو وإنما يبطل الوصية لأحد هذين للجهالة فإنه في سياق الإثبات فإذ لم يجز عموم المشترك لاختلاف الحقيقتين مع أن دلالتهما وضعية وغير مشروطة بالقرينة فلأن لا يجوز عموم المجاز والحقيقة على اختلاف دلالتهما من وجهين أولى. وقالوا إذا جاز عموم المشترك عند بعضهم ولا مناسبة بين معنييه فلأن يجوز عموم المجاز، وفيه هي أولى. قلنا: لولا تنافي اللازمين وهما اشتراط القرينة وعدمها أما الاستئمان على الأبناء فإنما يدخل فيه الأحفاد استحسانًا لا لجمع بل لأن تناولها الظاهري للفروع الخلقية حيث يطلق بنو آدم وبنو هاشم وبنو لقيم على الكل صار شبهة وهو مما يثبت بها عكس الوصية حقنًا للدم وصونًا لبنيان الرب ولذا يثبت بقوله أنزل لأقتلك أو دعائه إلى نفسه للمقاتلة فظنه الكافر أما أنا فنزل بخلافه على الآباء والأمهات حيث لا يدخل الأجداد والجدات لأنها أصول خلقة فمع معارضته لم يظهر أثر تناول ظاهر الاسم لأنه طريق ضعيف فحرمة نكاح الجدات وبنات الأولاد على هذا بالإجماع لا بتناول لفظ الأمهات والبنات وكذا استحقاق الميراث ولا يلزم أن المكاتب إذا اشترى أباه بتكاتب عليه لأن كلامنا في تناول اللفظ لا في سراية الحكم بطريق شرعي. ثم هذه التخريجات على تقدير أن لا يثبت إرادة الفرع من الابن والبنت والأصل من الأب والأم بعموم المجاز لدلالة القرينة أو أنهما معناهما لغة أما لو ثبت كما قيل في آية تحريم النكاح والمواريث وهن أم الكتاب وإله آبائك فلا كلام في تناول الوصية

كالاستيمان وحرمة النكاح واستحقاق الميراث وإنما لم يتعرض المشايخ له هنا إما لعدم ثبوتها وإما لأنه لا يتأتى في الموالى. ومن نظيره أن لا يلحق غير الخمر بها حدًا بتناول اللفظ لأنها في الني من ماء العنب حقيقة وفي المسكرات الآخر مجاز باعتبار مخامرة العقل كما استدل بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه على وجوب الحد بقليله وإلحاقنا عند حصول السكر بالإجماع وبقوله عليه السلام والسكر من كل شراب لا لتناوله. 2 - ما أريد به المجاز لم يرد به الحقيقة كقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] لما أريد المجامعة مجازًا بإجماع الأئمة الأربعة حتى حل للجنب التيمم بطل إرادة المس باليد ليكون مس المرأة حدثًا خلافًا للشافعي رضي الله عنه وإرادة مطلق المس الشامل لا قرينة لها ولم يفسر به أحد ولو صحت ويثبت فلا نزاع كما لا نزاع في حمل القراءتين على المعنين كما في يطهرن مشددًا ومخففًا وأرجلكم منصوبًا ومجرورًا وقد يقال من حمله من الصحابة على المس باليد لم يجوز تيمم الجنب كابن مسعود رضي الله عنه ومن حمله على الوطئ لم يجعل المس حدثًا كعلي وابن عباس رضي الله عنهما ومن تبعهما. فالقول بهما بالقراءتين خرق لإجماعهم ورد بأن عدم القول بأحد الحكمين ليس قولا بعدمه بل سكون فلا خرق قلنا سيجيء أن مثله خرق عند الخلافيين جرًا على أن السكوت فيما عم به البلوى بيان لا سيما في الصحابة على أن عدم قولهم بالعلم ممنوع. رفع إبهامات لدفع إيهامات: قلنا بعموم المجاز لا بالجمع بينهما فيما يحنث بالدخول حافيًا ومنتعلا ماشيًا وراكبًا في لا يضع قدمه في دار فلان إذ المراد لا يدخل مطلقًا لأنه مسببه لهجر حقيقته وهو وضع القدم حافيًا ولو بدون دخول الجسد فلو نوى حقيقته يصدق ديانة ولو نوى المشي فديانة وقضاء لأنه حقيقة مستعملة. كذا في المبسوط أما في المحيط فينوي حقيقته ديانة وقضاء مطلقًا وبالملك والإجارة والعارية في لا يدخل دار فلان أو بيت فلان خلافًا للشافعي في غير الملك لأن المراد نسبة السكنى التي تعمهما فصار كمسكن فلا لأنها لا تهجر لذاتها بل لبغض ساكنها وهي أعم من الحقيقة والتقديرية بالتمكن منها للمالك غير أن شمس الأئمة رحمه الله ذكر أنه لا يحنث بدخول مملوكته المسكونة لغيره فتختص بالحقيقة وينوي حقيقته لأنها مستعملة وبما قدم ليلا أو نهارًا في امرأته طالق يوم يقدم زيد لأن ظرف الفعل بلا واسطة معيار له كما عرف فإذا قارن الممتد امتد المعيار فيراد النهار وإذا قارن غير الممتد كوقوع الطلاق

لم يمتد فيراد الوقت الذي يعمهما وينوي حقيقته ديانة وقضاء في ظاهر الرواية وفي رواية أبي يوسف ديانة فقط لأنه المتعارف في المجاز والحقيقة خلاف الظاهر. قال جواهر زاده والحق هو الظاهر لأنها حقيقة مستعملة كما في وضع القدم وبه يعرف أن المراد بالمقارن المظروف لا المضاف إليه وهو الحق لأنه الموثر والمقصود من الإضافة البيان لا النظر فيه فذكر المضاف إليه من بعض المشايخ فيما وافق المظروف امتدادًا وعده تسامح كيف والرواية الظهيرية المحفوظة فيمن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان فقدم نهارًا ولم تعلم حتى حسن الليل لا خيار لها دليل عدم اعتبار المضاف إليه إذ لو علمت قبل جنان الليل بعد مهلة من قدومه لها الخيار ومنه يعلم أن ما ذكر صاحب التنقيح في شرح الوقاية من حمله في قسمي اختلاف المظروف والمضاف إليه على النهار لكونه حقيقة مع مخالفته لما يفهم من المحيط أن اليوم مشترك بين المعنين ومتعارف فيهما بحسب الشرطين غير صحيح رواية ودراية والممتد ما صح فيه ضرب المدة كاللبس والركوب والمساكنة وغير الممتد ما لم يصح كالخروج والدخول والقدوم فالطلاق لا يمتد إذ لا يصح طلقت شهرًا وتفويضه يمتد لصحة فوضت يومًا وعد الكلام مما لا يمتد لأنه لا يمتد يومًا غالبًا والمراد ذلك. تنبيه: هذان أصلان فلا يتغيران إلا بالقرينة كما بالنية. ومنه قولهم اركب يوم يأتيك العدو واكتسب يوم لخاف الفقر في الممتد وأنت طالق يوم تنكشف الشمس وأنت حر يوم يصوم الناس في غيره على أننا نمنع التخيف ففي الأول لإخراجه مخرج الغالب وفي الثاني لأنه لا يلزم من عدم التحقق عدم الإرادة كما عمل الصاحبان به لا بالجمع كما وهم في لا يأكل من هذه الحنطة ولا نية له فعنده على القضم وعندهما يحنث بأكلها وأكل ما يتخذ منها رواية واحدة لأن المراد أكل ما فيها بالعادة كالخبز بخلاف السويق إلا عند محمَّد رحمه الله لأنه غير جنس الدقيق عرفًا ولذا صح مبايعتهما متفاضلا ولو نوى عينها صحت لأنه حقيقته كما في لا يأكل من الدقيق ونوى عينه وإن صرف بلا نية إلى نحو الخبز عندهم وكذا لو نوى ما يتخذ منها لأنه محتمل وفي لا يشرب من الفرات ولا نية له فعنده على الكرع ولو نوى الاغتراف لا يصدق قضاء لأنه مجاز فيه تخفيف وعندهما يحنث بالاغتراف باليد أو بالإناء وكذا بالكرع في الأصح عنهما لا لأن المراد ماء الفرات كما وهم وإلا يحنث بالشرب من نهر يأخذ منه كما هو الحكم فيه بل لأنه أريد الماء المنسوب إليه المجاور له وبالنهر ينقطع

النسبة لا بالأواني. قال الطرفان رحمهم الله فيمن قال على صوم رجب ونوى اليمين أو كليهما عليه بالحنث قضاء المنذور والكفارة كما اتفقوا على النذر فيما نواه أو منع نفى اليمين أو لم ينو شيئًا وعلى اليمين لو نواها ونفى النذر وقال أبو يوسف يمين في الأول ونذر في الثاني وإلا الجمع. قلنا إطلاق اللفظ على لازم مسماه مع نية الصرف عنه مجازى كما في الرابعة من الاتفاقيات لا إطلاقه على مسماه مقصودًا لازمه معه أو مسكوتًا عنه إذ كثيرًا ما يقصد لوازم الحقائق معها لا بطريق إطلاق عليها لو كان مع الصارف عن الحقائق فلا نزاع فيه ولو جاز بلا صارف ارتفع الثقة عن اللغة وهذا معنى قولهم اسم الذات مستجمع لجميع الصفات فيعمل في الأحكام بحسب الاعتبارين وذلك في الشرعيات كالهبة بشرط العوض والإقالة تسميان بيعًا لأنه من لوازمها وكشراء القريب يسمى إعتاقًا لأنه من لوازمه وموجباته فكذا ما نحن فيه مسماه نذر أطلق صيغته عليه وموجبه يمين قصدت معه أو بدونه لكن لا إطلاقًا للصيغة عليها بل للزومها وهذا معنى أنه نذر بصيغته أي بالنظر إليها يمين بموجبه أي بالنظر إلى موجبه ولازمه وهو تحريم المباح اللازم لمسمى النذر الذي هو إيجاب المباح وتحريم المباح يمين بالآية أو معناه دمين حكمًا بواسطة حكمه الذي هو وجوب المنذور إذ من لوازمه حرمة تركه وهو حكم اليمين قاله النسفي رحمه الله أو معناه يمين بواسطة معناه وهو الإيجاب فإن إيجاب المباح يوجب تحريم ضده وهو اليمين قاله فخر الإِسلام رحمه الله غير أن الموجب هنا تحريم المباح وهو ثابت نوى أولًا ثبوت موجبات التصرفات الثلاثة كذلك فلا مخالفة بينها وبينه في اللزوم لكن كون تحريم المباح يمينًا غير مسلم مطلقًا بل إذا قصد وصرح به كما في مورد الآية وإلا كان نحو البيع والتصديق والإبراء والإعتاق والتطليق يمينًا لكونه موجبًا لحرمة التصرف فيما كان مباحًا أو إذا لم يشتهر صرف اللفظ إلى ما يباينها حكمًا وهو النذر كما في ذكر النذر إذ لازمه ليس أقوى منه وما يقال من أن فراء القريب علة للعتق فلا يحتاج إلى النية وهذه الصيغة تصلح لليمين لا علة لها فإنما يتم بأحد هذين الوجهين فمن هنا افترقا في وجوب النية وقد علم هنا وفيما مر أن الكناية مع الصارف مجاز وبدونه حقيقة وإلا فلا ثقة فلا نفضي هنا بالتزام كونه كناية مخالفًا لتصريح الجمهور كما ظن وكذا في إرادة الحج ماشيًا بعلي المشي إلى بيت الله وإلا كان كل مطلق في مقيد كناية لا مجازًا فالكناية من الإِمام النسفي فيه مجاز.

تصحيح المجاز وتوضيح الجواز: من بعض الظن إنكار المجاز اللغوي في التصرف الشرعي زعمًا بأنه لكونه إنشاء من الأفعال وقيام فعل مقام آخر محال والحق بلا خلاف بين الفقهاء أولى الأبصار جريانه في الإنشاء كالإخبار وأن الاتصال معنويًا كان أو صوريًا كما يصلح طريقًا للاستعارة اللغوية يصلح للشرعية وأنها غير مختصة باللغة إذ المشروع كالمحسوس قائم بمعناه الذي شرع له ومتعلق صورة بسببه وعلته فوجود المناسبة معنى في الشرع كيف شرع والاتصال صورة من حيث السببية والعلية بين المشروعين يصحح انتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر كما بين المحسوسين. ولأن حكم الشرع متعلقًا بلفظ شرع سببًا له أو علة في تعلقه ذاك إذ الكلام فيه لا يكون إلا واللفظ قال عليه لغة كما في البيع وغيره فجريانه في الشرعيات عين جريانه في اللغويات فنقول الاتصال المعنوي فيها المشابهة في معنى المشروع كيف شرع والصوري هو السببية أي الإفضاء إلى ما ليس مقصودًا منه والتعليل، أي إيجاب ما هو المقصود منه أما المعنوي فكالوصية للإرث في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] لكون كل مثبتًا للملك بالخلافة بعد الفراغ عن حاجة الميت والكفالة للحوالة بشرط براءة الأصل والحوالة لها بشرط مطالبته وللوكالة في قول محمَّد رحمه الله يقال للمضارب المفترق بلا ربح وفي رأس المال دين أحل رب المال عليه أي وكله يقبض ديونهم. وأما الصوري فالسببية المحضة منه لا تتعاكس بل يستعار اسم السبب للمسبب لافتقاره إليه كالهبة لنكاح النبي عليه السلام أربعة من أزواجه لا كما ظن بعض الشافعية أنه بمنزلة التسري حتى صح بلا ولي وشاهد في حالة الإحرام وزائدًا على التسع وبلا قسم وبلا انحصار وطلاقه في عدد وبلا مهر قلنا حقيقة الهبة تمليك المال فلا يتصور في غير المال ولم يكن في نكاحه بذلك توقف على القبض ولا حق الرجوع وكان فيه وجوب العدل في القسم والطلاق والعدة وهذه تنافي التسري والأصح من الشافعي أنه نكاح لكنه يختص بحضرته عليه السلام لقوله تعالى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]. ولأنه عقد شرع لمصالح لا تحصى من أمور الدين والدنيا لا يفيدها غير ما وضع له من لفظي النكاح والتزويج عربيًا كان أو غيره في الأصح أو لا ينعقد بغيره مطلقًا أو إن كان يحسن العربية وهذا كلفظ الشهادة موجب للحكم بنفسه بالنص فلا يقوم الحلف بالله مقامه لأنه موجب بغيره وهو مخافة هتك حرمة اسم الله تعالى ولا أعلم ولا أتيقن لأنهما خبران وضعا وعرفا وكذا المفاوضة عندكم على ما حكى عن الكرخي وروى الحسن بن زياد والصحيح أنه فيمن لا يعرف أحكامها قلنا قوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ}

[الأحزاب: 50] أي في أحكامه المختصة كعدم المهر وغيره وإلا فوجوه الكلام لا تختص به عليه السلام والمصالح المذكورة ثمرات غير محصورة لا تصلح بناء صحة النكاح عليها فربما لا تترتب بل على حكم الملك له عليها. ولذا يلزمه المهر عوضًا والطلاق يكون بيده فإذا انعقد بما ليس للتمليك وضعًا كالنكاح لكونه علمًا له عالمًا بوضعه كالنص لا بمعناه كالقياس فلأن ينعقد بما وضع له أولى فينعقد نكاحنا أيضًا بها لكن مع القرينة من ذكر النكاح أو المهر أو الخطبة أو النية وإلا فيحتمل الهبة الخدمة والتمكين من الوطىء. وقال شمس الأئمة لا حاجة إلى النية في النكاح بألفاظ التمليك لتعين المحل للمجاز وثبوته عن قبول الحقيقة بخلاف التطليق بالإعتاق كما ينعقد بكل لفظ وضع لتمليك العين حالا بخلاف الإباحة والإجازة والإعارة والإقراض والوصية والأصح انعقاده بلفظ البيع لأنه كالهبة وضع لملك الرقبة وهو سبب ملك المتعة وإن لم يكن مقصودًا منه بخلاف ملك المنفعة إذ ليس سببًا لملك المتعة. وكذا الإباحة بل أولى لأن الإتلاف فيها على ملك المبيح والوصية لا توجب الملك بل الخلافة المضافة إلى ما بعد الموت وليست أعلى من النكاح المضاف إليه لا يقال ملك المتعة في النكاح غير هذا حيث يقبل الطلاق والايلاء والظهار بخلافه فلم يكن سببًا لأنا نقول متحدان ذاتا فيكون سببًا والاختلاف من حال المقصود به وعدمها فكم مما يثبت مقصودًا ولا يثبت تابعًا كالتخلص من الشفيع في شراء التمر مقصودًا لا تابعا للشجر فعند الاستعارة يكون ملك المتعة مقصودًا ويترتب أحكامه وكألفاظ العتق للطلاق مع النية لأن إزالة ملك الرقبة سبب إزالة ملك المنعة ولا يستعار اسم المسبب لسببه لعدم افتقار السبب إليه إلا إذا كان المسبب مختصًا به نحو أعصر خمرًا وأسنمة الآبال في سحابه إذ الافتقار حينئذ من الطرفين فلذا لم يجز استعارة النكاح للبيع لأن ملك المتعة ليس مقصودًا في البيع ليختص به كما في شراء المجوسية والأخت من الرضاع والعبد والبهيمة وكذا استعارة الطلاق للعتق لأن إزالة ملك المتعة ليس سببًا ولا مسببًا مختصًا لإزالة ملك الرقبة خلافًا للشافعي رحمه الله لا بالسببية بل بالمشابهة في المعنى فإن كلا منهما إسقاط بني على السراية واللزوم ولذا يصح معلقًا وفي المجهول ومن غير قبول المرأة والعبد وبغير شهود. ومعنى السراية عند الإِمام وجوب السعاية في الباقي على معتق البعض إذا كان مشتركًا وعندهم عتق الكل فيه كما إذا كان منفردًا ولزومه أنه لا يقبل الفسخ والرد والرجوع قلنا لا استعارة لكل مشابهة كما مر بل بها في المعاني المختصة البينة الثبوت للمستعار منه

والانتفاء عن غيره كشجاعة الأسد لا بخره كما لا يعلل النص بكل وصف من غير أثر خاص وإلا لبطل الابتلاء وكان كل الموجودات متناسبة ولا مشابهة بينهما كذلك لأن معناهما ما وضعا له لغة وذا للطلاق إزالة القيد لا الرق إذ لا رق في النكاح والحديث مجاز وللإعتاق إثبات القوة الشرعية من عتق الطير وعتقت البكر وليس بين إزالة القيد ليعمل القوة الثابتة عملها وبين إثبات القوة بعد العدم مشابهةكما ليست بين إطلاق الحي وإحياء الميت لا يقال الإعتاق أيضًا إزالة القيد لأنه إما إزالة الرق أو إزالة الملك وكل منهما كان مانعًا للملكية الثابتة بكونه آدميًا ولذا صح تعليقه والإثبات لا يعلق لأنا نقول الرق لما سلب الولايات فقد أهلكه حكمًا ولذا صار الإعتاق إحياء وإثباتًا للقوة. فالمالكية بالحرية لا بالآدمية وإنما يعلق إما لأنه إثبات للقوة لا للملك حتى ينافي التعليق لكن فيه معنى التمليك وذا لا ينافيه كالنذر وإما لأنه إثبات للقوة بواسطة إزالة الملك وهو معنى قول الإِمام رحمه الله أنه إزالة الملك على معنى أنها التصرف الصادر من المالك وبهذا يسند إليه ويترتب الولاء عليه وإن كان معناه في نفسه مسببها فإطلاقه عليها مجاز فاشتمل على جهتي الإثبات والإسقاط بخلاف الطلاق لا يقال فقد قالوا لا يصح للتعليق إلا الإسقاطات المحضة بخلاف الإبراء. لأنا نقول معنى ذلك أن لا يكون فيه جهة إثبات الملك كما في الإبراء لا أن لا يكون جهة الإثبات مطلقًا. أما استعارة الطلاق لنفس إزالة الملك لا للإعتاق فمع أنه غير المبحث لا تصح لأنها إما بالإعتاق فعادت إليه أو لا به فمتحققة في البيع وغيره فليس الجامع مع أمرا مختصًا ولا بينًا يفهم فليفهم فإن قلت فهلا تنعقد الإجارة بلفظ البيع وملك المنفعة مسبب ملك الرقبة كملك المتعة قلنا تنعقد في الحر إذا أضافه إلى نفسه لا إذا أضافه إلى المنفعة كنفس الإجارة لا لفساد الاستعارة بل لعدم صلاحية المحل لإضافة العقد لأن المنفعة معدومة ليس بمقدور للبشر إيجادها أما في العبد والدار فإن أضيف إلى المنفعة ففى التقويم أنه إجارة والأصح أنه لا يجوز أو إلى العين فبدون المدة بيع لصلاحية المحل ومعها لا رواية فيجوز أن يكون إجارة إذا سمى جنس العمل أيضًا لأن تسمية الإجارة بيعًا متعارف أهل المدينة وأن لا يكون بل بيعًا صحيحًا ويصرف المدة إلى تأجيل الثمن أو بيعًا فاسدًا لأن الحقيقة القاصرة أولى من المجاز. وأما التعليل فيتعاكس كما في إن شريت عبدًا فهو حر فشرا نصفه فأعتق ثم نصفه يعتق لأنه يعد مشتريًا ولو بالتفرق فمن الجائز أن يحيط معنى الصفة الحال والماضي تعارفا

الفصل الخامس عشر: في حكم الصريح

إلا أن ينوى شراء الكل فيصدق ديانة فقط وهذا إن كان شراء صحيحًا وإلا فلا يعتق ولو مجتمعًا إذ لا ملك به قبل القبض وقد تم شرط حنثه إلا إذا كان في يده ومضمونًا بنفسه حتى ينوب قبضه عن قبض الشراء، ولو قال إن ملكت عبدًا ففعل لا يعتق استحسانًا والقياس العتق لإطلاقه عن قيد الاجتماع كما في المعين وذلك لأنه لا يعد مالك عبد إلا عند ملك الكل يؤيده سبب تسمية المسألة استحقاقية أما المعين فيتعين في التفرق والاجتماع إما لأن صفة الاجتماع في المعين لغوًا ولعدم التعارف على نفي الملك عن المعين لمملوكيته متفرقًا والمقصود من هذه المسألة أنه لو نوى بالملك الشراء يصدق ولو قضاء لأن فيه تغليظًا ولق عكسه ديانة فقط لأن فيه لخفيفًا فإن الشراء علة الملك وهو مقصود أصلى منه فجرى الاستعارة من الطرفين وإن كان المعلول أعم لجواز ثبوته بالإرث وقبول الهبة والوصية لأن المعلول لكونه مقصودًا منه باعث على وجوده ومقتض لفعله ففيه مع معلوليته علية من وجه بخلاف المسبب المحض إذ ليس فيه هذا لا لعمومه كما ظن. الفصل الخامس عشر: في حكم الصريح وهو تعلق الحكم بعينه حتى استغنى عن النية إذ قام لفظه مقام معناه قيام السفر مقام المشقة فيقع الطلاق بينا طالق أو مطلقة أو طلقتك ولو غلطًا حين أراد أن يقول سبحان الله نعم لو نوى محتمله كرفع القيد الحسن ينوي ديانة فقط فقوله تعالى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] بعد قوله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] صريح في حصول الطهارة بالتراب بعد إعواز الماء وهي طهارة مطلقة من غير هذا القيد ومشروطة به ابتداء وبقاء فانتفى كلا قولي الشافعي أنه ليس بطهارة بل ساتر للحديث كطهارة المحدث ولذا لو رأى الماء مع القدرة عاد الحدث أو أنه طهارة ضرورية فلا يشرع لفرضين وقيل الوقت ولا بغير طلب وفوت ولا يجوز لمريض لم يخف ذهاب نفس في الوضوء أو طرف لتعذر ما ثبت بالضرورة بقدرها قلنا عود الحدث لانتفاء شرط بقاء رفعه فإنه لا يزال رافعًا بشرط إعواز الماءكما أن مسح الخف لا يزال مانعًا لحدث القدم مطلقًا بشرط استتاره به ومسح الجبيرة بشرط أن لا يسقط عن برؤ. وبه يسقط أنه إن رفع مطلقًا لا ينتقض برؤية الماء لأن المرتفع لا يعود وإلا فلا يكون طهارة مكلقة وذلك لأن حيثية الإطلاق غير حيثية التقييد. الفصل السادس عشر: في حكم الكناية منه أن لا يجب العمل بها إلا بالنية كما في حال الرضا في جميع الكنايات فإن أنكرها

الفصلين السابع عشر والثامن عشر في حكم الدال بعبارته وإشارته

فالقول له مع اليمين أو ما يقوم مقامها كحال مذاكرة الطلاق فيما يصلح جوابًا لا ردًا فلا يصدق في إنكار النية قضاء بل ديانة وفيما يصلح لهما قضاء أيضًا وكحالة الغضب لأنها دليل إرادة الطلاق فلو أنكر يصدق ولو قضاء إلا فيما لا يصلح إلا جوابًا وذلك لتعين المراد منها بأحديهما. وقال أئمة العربية قرينتها غير صارفة بخلاف قرينة المجاز فلذا لا يجتمع اجتماعها مع الحقيقة. وقال النسفي رحمه الله يجوز هى بلا اتصال كأبي البيضاء عن الحبشي وأبى العيناء عن الضرير وأيضًا لا انتقال فيها بخلافه فيهما. وفيه بحث لما مر أن الحقيقة عند عدم الصرف في متعينه وإلا فلا وثوق على اللغة ولا انتقال ويلزم مخالفة الوضع بلا ضرورة يؤيده اجتماعها مع المجاز في غير المتعارف وإن لا فهم لغير الموضوع له بلا اتصال وأن التضاد اتصال ولو تباينًا بوجود الانتقال وعدمه لما اجتمعا. ومنه أنها لما فيها من الإبهام قاصرة في الكلام عن إفهام المرام بالتمام فلا يثبت بها ما يندرئ بالشبهات فلا يحد بالتعريض نحو لست بزان خلافًا لمالك رحمه الله ولا بقوله لمست أو وطئت أو جامعت فلانة حتى يقول نكتها أو زنيت بها ولا يحد مصدق القاذف بقوله صدقت لاحتماله وجوهًا كصدقت في إنجاز وعدك بنسبته إلى الزنا والاستهزاء وكصدقت إلى الآن فلم كذبت الآن خلافًا لزفر لأنه ظاهر فيه كقوله هو كما قلت قلنا الظاهر لا يكفي لإيجاب الحد بخلاف هو كما قلت لأن كاف التشبيه يوجب العموم في محل يقبله أما أنت كالحر فلا مكان العمل بحقيقته. أي في حرمة الدم ووجوب العبادات لا يصار إلى مجاز الإنشاء ولا إلى العموم لئلا يجتمع الحقيقة والمجاز. الفصلين السابع عشر والثامن عشر في حكم الدال بعبارته وإشارته هو إيجاب الحكم قطعًا فيهما غير أن الأول أقوى لتقويه بالسوق وشبها برؤية المقابل المقصود بالنظر وغيره المدرك بأطرافه وقيل لأن القطع فيه متعين وفي الثاني محتمل والأول هو هو ولذا يرجح عند التعارض كما رجح عبارة مروي أبى أمامة الباهلي عنه عليه السلام

من قوله عليه السلام "أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام" (¬1) على إشارة قوله عليه السلام في بيان نقصان دينهن "تقعد في قعر بيتها شطر دهرها لا تصوم ولا تصلي" (¬2). وهي أن أكثر الحيض خمسة عشر يومًا على أن الشطر قد يجيء بمعنى البعض ولئن سلم أنه بمعنى النصف فبضم ما قبل البلوغ إلى ثلث ما بعده، إلى تمام العمر الغالب وهو الستون يكمل زمن القعود نصفًا. فمن أمثلة ح ما اجتمعا فيه قوله تعابي {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] عبارة في استحقاق سهم من الغنيمة إشارة إلى زوال ملكهم عن المخلف في دار الحرب لأن الفقر به لا يبعد اليد لوجوب الزكاة على المنقطع من ماله وإلى لقلك الحربي أموالنا بعد الإحراز بها خلافا للشافعي فيهما وجعل الفقراء مجازًا كان لا مال لهم ولا ضرورة تدعو إليه وقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] عبارة في إيجاب الإرضاع على المنكوحات من كل وجهَ أو من وجه كالمعتدة عن بائن أو ثلاث تدينا أو قضاء أو عجز عن الاستيجار أو لم يجد ظئرًا أو لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه إشارة إلى عدم جواز استيجار المنكوحة من كل وجه باتفاق الروايات ومن وجه في رواية خلافا للشافعى إذ قد وجب فلا يجب ثانيًا بالاستئجار أو لأن وجوب النفقة على الأب بمقابلة الإرضاع وقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] عبارة في إيجاب النفقة على الأب أعنى فضل نفقة تحتاج إليهَا حالة الإرضاع إن أريد بهن المنكوحات كما يدل عليه ذكر الرزاق والكسوة دون الأجر وفي إيجاب أجر الرضاع إن أريد للمطلقات كما يقتضيه وعلى الوارث فإن نفقة النكاح لا تنتقل إليه إشارة إلى أن النسب إلى الأب فيعتبر به في الإمامة الكبرى والكفاءة ومهر المثل لا بها وله حق التملك في ماله للأم الملك المفيد للاختصاص التام وإن لم يفد الملك إذ ليس له حق الملك في الحال بوجه ولذا يطأ الابن جاريته ويتصرف في ماله بلا رضاه كما للمكاتب حيث لا يطأ المكاتبة مولاها بل له أن يجعل ملكا في المال كالشفيع للمبيع. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 219) برقم (61)، والربيع في مسنده (1/ 218) ح (541)، والطبراني في الأوسط (1/ 189 - 190) ح (599) وفي مسند الشاميين (2/ 370) ح (1515)، وفي الكبير (12918) ح (7586)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 260 - 261) ح (304) بتحقيقنا، وانظر التلخيص الحبير (1/ 172)، الدراية في لخريج أحاديث الهداية (1/ 84). (¬2) لا أصل له بهذا اللفظ، وانظر التلخيص الحبير (1/ 162) كشف الخفاء للجلودى (1/ 379).

وعليه مسائل: 1 - لا يحد بوطء جارية ابنه وإن علم الحرمة (¬1) بل لا يعاقب به مطلقًا فلا يقتل بقتله ولا يحد بقذفه ولا يحبس بدينه. 2 - يفرض نفقته محتاجًا قدر على الكسب على الابن الموسر بخلاف الابن القادر. 3 - يجب نفقة خادمته عليه امرأة وجارية بخلاف نفقة خادمة الابن. 4 - له استيلاد جاريته. 5 - لا يجب العقر عليه بذلك لثبوت الملك قبيل الوطئ. 6 - يثبت نسب ولدها. 7 - لا يجب عليه رد قيمة الولد. 8 - إذا أنفق ماله على نفسه عند الضرورة لا يجب الضمان. 9 - ينفرد بتحمل نفقة الولد كالعبد. 10 - ينفرد بتحمل نفقته وله. وقوله: {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] عبارة في إيجاب أجر الرضاع أو فضل نفقته إشارةَ إلى استغناته عن التقدير كيلا ووزنًا كما قال به الإمام رضي الله عنه خلافًا لهما فإن بالمعروف يستعمل في مجهول الصفة والقدركما في الحديث ولأن الجهالة فيه غير مفضية إلى النزاع إذْ العادة جرت بالتوسعة على الأظآر شفقة على الصغار وقوله {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ} [البقرة: 233] أي: وعلى وارث المولود له وقيل على وارث الصبي الذي لوَ مات يرثه عبارة في بيجاب النفقة التي منها أجر الرضاع على الوارث إشارة أولا إلى أن علة استحقاقها الإرث فيستحق بغير الولادة لشمول اللفظ المحلي باللام وعموم المعنى بالإيماء فإن الترتيب على المشتق دليل عليه مأخذه فيجب نفقة كل ذي رحم محرم منه من الصغر والنساء والعاجزين من الرجال محتاجين. وعند ابن أبي ليلى رحمه الله نفقة كل وارث وإن لم يكن محرما للعموم قلنا قرأ ابن مسعود وعلى الوارث ذي الرحم المحرم خلافًا للشافعي في غير الولاد فإن أصله أن استحقاق الصلة بالجزئية ويحمل الآية على نفى المضارة لا يختص بوجوبه بالوارث ولو أريد ذلك لقيل ولا الوارث فإن على ظاهر في العطف على مثله وذلك ظاهر في الأبعد والأصل أن استحقاق الصلة لحرمة القطعة وهي بالمحرمية. وثانيًا: إلى أن من عدا الأب بتحملها على قدر الميراث فيجب على الأم والجد ثلاثًا. ¬

_ (¬1) انظر حاشية ابن عابدين (4/ 4).

وقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] عبارة في إباحة المفطرات الثلاث في الليالي ونسخ ما قبل الإحلال من تحريمها في ابتداء الإِسلام بعد ما صلى العشاء أو نام إشارة إلى استواء الكل في الحرمة لدخولها تحت خطاب واحد فلا يخص الإفطار بالوقاع بالكفارة كما قال الشافعي رحمه الله تمسكًا بأن النص ورد فيه وله مزية فلا يلحقان به إذ المزية ممنوعة حينئذ. أما مزية السجود من أركان الصلاة فمع أنها ليست في الوجوب والركنية إما لأنها بخطابات متعددة أو بدليل مستقل كحديث الأقرب وكونه نهاية في التذلل كإشارة أحل {لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} إلى هنا إلى صحة صوم المصبح جنبًا فإن حله إلى الانفجار يقتضي جواز الغسل بعده يؤيده حديث عائشة رضي الله عنها فما روى بعض أصحاب الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مؤول بأن المراد من أصبح بصفة توجب الجنابة أي مخالطًا لأهله وكإشارة ثم أتموا إلى جواز النية نهارًا لأنه لما أباح المفطرات إلى أول الفجر كان معنى قوله {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] ثم ابتدأوا به وألقوه فوجب ترتيب ابتدائه على آخر الليل ووقوعه في جزء من النهار وإن جعل التراخي من ابتداء الفعل كما في قوله تعالى {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] ولا شك أن الصوم المبتدأ به إمساك عنها لا مطلقًا بل مع النية فقد جازت النية من النهار ولم يجب مع ورود الأمر لأن وجوب الكل مؤخرًا لا يقتضي وجوب كل جزء كذلك. وهذا لا يحتاج إلى ذكر أن الليل لا ينقضي إلا بجزء من النهار مع أن مراد فخر الإِسلام منه بيان أنه لا فصل بينهما أصلًا فمن ضرورة التراخي وقوع العزيمة في النهار، وقيل: قصد الصوم قصد الفعل، فلا بد من تقدمه عليه فيتقدم النية على الصوم ضرورة، وليس بشيء لأن النية هنا قصد جعل الإمساك العادي عباديا، وذا يمكن أن يقارنه لا قصد إيجاده فإن وجوده لا يتوقف عليه، وأما جعل النية المتأخرة متقدمة فأمر حكمي عرفي لميته في موضعه، وإذا ثبتت الإشارة فقوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل" (¬1) محمول على نفي الفضيلة لا على حقيقته، وإلا لنسخ به الكتاب، ¬

_ (¬1) لم أجده هكذا بلفظ "يعزم"، لكن "يبيت"، أو"يجمع"، أخرجه: الدارمي (2/ 12) ح (1698)، والبيهقي في الكبرى (4/ 202) ح (7698)، والنسائي في الكبرى (2/ 117) ح (2643)، وانظر الدراية (1/ 275). وأخرجه الترمذي (3/ 108) ح (730)، والدارقطني في سننه (173/ 2)، وابن ماجه (1/ 542) ح (1700)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 292) ح (9112)، وبلفظ "يؤرضه من الليل" أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 45) ح (9094)، وابن أبي شيبة في مصنفه =

فجوز تقديمها تخفيفًا بخبر الواحد الذي لا ينسخ به الكتاب، وتفضيله لا لكمال الصوم بل للمسارعة على أدائه كالابتكار يوم الجمعة أو ليخرج عن الخلاف فلا بحث فيه، وقوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] عبارة في إيجاب إحدى الخصال على التخيير إشارة إلى أن اَلأصلَ في جهة الإطعام الإباحة لا التمليك، خلافًا للشافعى، لأن إطعام ما يؤكل عينه متعارف في التمليك كإطعام الحنطة بخلاف إطعام الأرض ولأنه أدفع لحاجة المسكين كما في الزكاة والكسوة والخلاف مطرد في كل ما شرع بلفظ الإطعام بخلاف ما شرع بلفظ الأداء أو الإيتاء. قلنا: الإطعام جعل الغير طاعم أي: آكلًا فحقيقته التمكين لا التمليك، يؤيده {تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، فان المتعارف الإباحة لهم، وإضافته إلى المساكين لحاجتهم إلى الاَّكل دون التملك، وأن التمكين أقرب إلى سد الجوعة من التمليك وإنما تعورف أطعمت هذا لما لم يؤكل بعد في التمليك، مجازًا لصارف عن حقيقته كما تجوز في أطعمت الأرض لصارف عن عينها إلى منفعتها وإنما الحق التمليك بها خلافًا لحمدان بن سعل ومن تبعه، لأنه أدفع لحاجة الفقير فإن فيه إباحة وزيادة من حيث المقصود لأنه سبب لقضاء كل حوائج المسكين التي منها الأكل، فلخفاء قضائها أقيم التمليك مقامه واستقام التعدية بطريق الدلالة إلى الكل المشتمل على النصوص لا بطريق أن التمليك لاشتماله على التمكين أحد أفراد الإباحة كما ظن لأن المنصوص الإطعام بطريق الإباحة لا هي أما الكسوة اسمًا كان بالكسر أو مصدرًا بالفتح أو وبالكسر فيتناول التمليك القاضي كل الحوائج. تقديرًا فلم يتعد إلى ما هو جزء منها وذلك لأن إضافة الوجوب إلى العين وإن قدر الفعل المناسب كالإيتاء يستدعي مبالغة في اختصاصها بالوجوب كإضافة التحريم إليها على ما مر وهي بالتمليك كما في الزكاة ولأن التكفير يقتضي زوال الملك المكفر ليتم الانزجار له واندفاع الحاجة للفقير به وذا بالتمليك هنا لا بالإعارة وفي الطعام بالإباحة فلا حاجة إلى الزيادة فلذا كان مصدرًا كهو اسمًا ولم يكن إلحاق الإعارة به هنا لنقصانها في ذلك وفي أنها بعض الحوائج ومنقضية قبل كمال المقصود على نقيض إعارة الإطعام بالكسوة فيهما ففي الأصل لأن التمليك فيه ليس لمنصوص بل فهم من ضرورة إضافة الوجوب إلى العين فلا يعلى، وفي الفرع لأنه قياس للمنصوص على خلاف مقتضى نصه، ثم في لفظي الإطعام والمساكين إشارة إلى أنهم صاروا مصارف لحوائجهم لا لإغنائهم، فإن الإطعام للجائع أما للطاعم فكإغناء الغنى ¬

_ = (2/ 292) ح (9111).

الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته

والمسكنة وهي الحاجة مأخذ المشتق فالمراد عشر حاجات فإطعام واحد في عشرة أيام كإطعام عشرة في يوم خلافًا للشافعي رحمه الله، لأن المنصوص مساكين، والواحد لا يتعدد بتكرار الزمان كما لا يتعدد الشاهد بتكرار الأداء، قلنا: المقصود وهو طمأنينة القلب وتقليل تهمة الكذب لا يحصل ثمة بالتكرار بخلاف دفع الحاجة هنا فصاركاعتبار رأس ونصاب متعددًا بتعدد المؤنة والنماء. ثم هنا أصلان: أولًا: لما اعتبر التمليك في الكسوة قاضيًا لجميع الحوائج اعتبر فيها الجميع لا حاجة اللبوس فقط فجوز صرف عشرة أثواب في عشرة أيام إلى مسكين واحد وإن لم يتجدد حاجة لبوسه إلا بعد ستة أشهر لكن لا بد من اعتبار تجدد الحاجات وهو بالزمان وأدناه يوم لا ساعة لن لخدد الحاجة فيه معلوم وفيما دونه موهوم، ولا يترك المعلوم بالموهوم مع قول بعض المشايخ للجواز صرفها في عشر ساعات والطعام كالثوب في التمليك على القولين لا في الإباحة إذْ لا يصح بالإجماع إلا في عشرة ليال إذْ لم يعتبر حينئذ قاضيًا للحوائج فلا بد من تجدد حاجة الأكل. ثانيًا: أن مسكينًا في حق مكلف غيره في حق آخر لأن تكليف الغير غير تكليفه فلا تكلف بالتفريق إلا بالنظر إلى أداء نفسه ويجعل أداء الغير كالعدم بالنسبة إليه لئلا يخرج فيصح أداء مكلفين إلى مسكين ولو في ساعة، وقوله عليه السلام "اغنوهم عن المسئلة في مثل هذا اليوم" من جوامع الكلم عبارة في إيجاب صدقة الفطر إشارة إلى مسائل: 1 - لابجب إلا على الغني لأن الإغناء منه. 2 - لا يصرف إلا إلى فقير إذْ لا غناء للغني. 3 - أن وجوب أدائها بالفجر لأنه مبدأ اليوم وإنما يغنيه في ذلك اليوم أداء يقع فيه. 4 - تأديها بمطلق المال لأن الإغناء به ورماكان بالنقد أهم للفقير منه بالحنطة والشعير. 5 - أن الأولى أداؤها قبل الخروج إلى المصلى ليحضره الفقير فارغ البال عن قوت العيال. 6 - أن الأولى أن يصرفها إلى مسكين واحد ليحصل الإغناء التام. الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته هو إيجاب الحكم قطعًا مثلهما حتى صح إثبات الحدود وكفارة الفطر به كإيجاب حد القطاع لحى الدرء ولا مجاز به له إذ لا يباشر القتال بجامع القهر ولتخويف قطاع للطريق وإيجاب الرجم على غير ماعز بجامع أنه زنا محض وذلك لأن مناطه مفهوم لغة فيضاف

إلى الشرع لما لم يبق فيه شبهة دارئة للحدود هي الواقعة في نفس المناط لا في طريق دليل ثبوته لاتفاق الفقهاء على صحة إثباتها بأخبار الآحاد وإثبات أسبابها بالبينات وإن صدرت عمن ليس بمعصوم عن الكذب والغلط والنسيان بخلاف القياس فإن مناطه مستنبط بالرأي نظرًا لا لغة حتى اختص بالفقهاء ولذا لا يضاف حكمه إلى النص. وقال الشافعي رضي الله عنه دلائل حجية القياس لا تفصل. قلنا أولًا كل منهما عقوبة مقدرة زاجرة وللذنوب ماحية ولا مدخل للعقل في معرفة ما يحصل به إزالة الأثام ومقادير الأجزية والأجرام. وثانيًا: أن في القياس الشبهة في نفس المناط والحدود مما يندرئ بها وإنما جمعنا بين النكتتين لأن من مشايخنا من رجح معنى العبادة في كفارة الفطر كسائر الكفارات لما تؤدى بما هي عبادة فتعلق بالأولى يناسبه أن الثبوت بالدلالة دون القياس يعم سائرها كما يفهم من عبارة فخر الإِسلام رحمه الله وغيره. إن قيل فلم يجب هذه على غير المتعمد من المخطئ والمعذور وجوب سائرها عليه أجيب ليقيد نصه الذي لا يحتمل التعليل بالتعمد فاقتصر عليه وشمول نصها ظاهرًا أو نصًا والمشهور منهم ترجيح معنى العقوبة فيها وجعلها كالحدود بخلاف سائرها لتعلقها بالإفطار العمدي الذي هو جناية أبدًا وغيرها ربما يشرع متعلقة بالمندوب كالعود في الظهار أو فيما يجب تحصيله ككلام الأب فيما حلف لا يكلم أباه فتعلقوا بالثانية مع تأتي الأولى لأنها أظهر وأوفق لعدم وجوب هذه على غير المتعمد بخلاف سائر الكفارات ولا ينافيه عموم الفرق إياها بالنكتة الأولى إلا أنه عند التعارض دونهما فإن الثلاثة بعد استوائها في لغوية المعنى يرجح الأولان بدلالة النظم أو الفهم بلا واسطة التعدية كما قال الشافعي رضي الله عنه لما وجب الكفارة بالقتل الخطأ مع قيام العذر فالعمد أولى. قلنا يشير إلى قوله تعالى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] إلى عدم وجوبها لأن جهنم كل المذكور في الجزاء أو الجزاء اسم للكَامل ولذا جمع في جزاء الخطأ بينهما والإشارة أقوى. وحاصله أمران التنبيه بالأدنى على الأعلى أو بالشيء على ما يساويه أما على الأعلى فنوعان قطعي جلي إن اتفق على طريق تعيين مناطه وظني خفي إن اختلف فيه أما القطعي فمن أمثلته ما فهم من حرمة التأفيف حرمة الضرب كما مر وهما معلومان لغة صورة ومعنى فصورة التأفيف التصويت بالشفتين عند الكراهية ومعناها المقصود الأذى المتحقق ق الضرب ومثله ما فهم من قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا

يَرَهُ} [الزلزلة: 7]. جزاء ما فوقها ومن {بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} [آل عمران: 75] تأدية ما دونه. وأما الظني فكما في إيجاب الكفارة على المفطر في رمضان بالأكل والشرب خلافًا للشافعي بدلالة سؤال الأعرابي بقوله واقعت امرأتي في نهار رمضان عامدًا مترتبًا على قوله هلكت وأهلكت عن الجناية على الصوم بتفويت ركنه التي هي معنى المواقعة لا عن الوقاع من حيث هو وذا مما يفهم لغة فكذا جوابه عليه السلام عن حكم الجناية لوجوب التطابق خصوصًا عن أفصح الناس والوقاع آلتها وهي متحققة فيهما بل أولى لكون حرص الصائم عليهما أشد وشوقه إليهما أحد لمصادفة شرع الصوم وقتهما الغالب وكونه وجاء فالظن من اختلافهم أن طريق فهم المناط يفضى إلى أنه الجناية المطلقة أو المقيدة. لا يقال بل قاصران عنه لإفساده صومين ولذا قال هلكت وأهلكت دونهما ولأن فيه داعين هما طبعًا الفاعلين بخلافهما لأنا نقول لا يعتبر في وجوب الكفارة على كل أحد إلا إفساد صومه واشتراطه بالداعيين ولا سيما من المسلم أو المسلمين يقتضي قلة وقوعه واستغناء عن الزاجر بخلافهما وأما على المساوى فكإيجاب الكفارة على المرأة لتحقق الجناية وكونها معنى فطره معقول لغة وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجب عليها في قول لأنه المباشر دونها بخلاف الزنا حيث سماها الله تعالى زانية ويتحمل عنها الزوج إذا كانت مالية في آخر كثمن ماء الاغتسال قلنا تمكينها فعل كامل كما في الزنا إذ لا يجب الحد مع النقصان ولا معنى للتحمل لأن الكفارة عبادة أو عقوبة وبالنكاح لا يتحمل شىء فيهما بخلاف مؤن الزوجية وكإثبات حكم النسيان الوارد في الأكل والشرب في الوقاع خلافًا لسفيان الثوري بمعنى كونه سماويًا محمولا عليه طبعًا وذا مفهوم لغة وميل الطبع إليها مساو فكان نظيرهما وشمول كل منهما قصورًا وكمالا فلهما مزية في أسباب الدعوة وقصور في حالة ما إذا يغلبان البشر وهو بالعكس يحقق المساواة. ومن هنا لم يكن الجماع ثانيًا في الصوم كالأكل ناسيًا في الصلاة إن قيل اشتبه الفهمٍ في هذه المسائل على فقيه مبرز في الفقه بعد أن بلغه الأدلة فكيف يكون مفهومًا لغويا ومناطًا قطعيًا صالحًا لاثبات ما يندرى بالشبهات أجيب بما سلف أن معنى لغويته عدم توقف فهم مناطه على مقدمة شرعية من تأثير نوع المعنى أو جنسه في نوع الحكم أو جنسه شرعًا بخلاف القياس لا فهم كل أحد ومعنى قطعيته قطعية مفهوميته لغة بالمعنى المذكور كالجناية من سؤال الأعرابي لا قطعية دليل مناطيته ولا قطعية تعدى الحكم إلى

الملحق ولا قطعية كونه أعلى أو مساويًا ومن طريق الدلالة إثبات حكم القود الوارد في قوله عليه السلام "لا قود إلا بالسيف" (¬1) إذا أريد لا قود يجب إلا بالقتل بالسيف عند الإِمام رضي الله عنه وهو قول زفر بجرح ينقض البنية ظاهرًا وباطنًا وما يشبهه فيعدى إلى الرمح والخنجر والسكين والسهم لا إلى المثقل إلا إذا جرح فيجب اتفاقًا وعندهما وهو قول الشافعي بما لا يطق البنية احتمال كحجر الرحى والاسطوانة العطمة لأن القود عقوبة انتهاك حرمة النفس وذا بما لا يطق احتماله إنما البدن وسيلة وما كان عاملا بنفسه لا بوسيلة كان أكمل ولما كان عدم احتمال البنية فيما بالجارح أتم ثبت فيه بالدلالة. يوضحه استواء الحجر والحديد في قود قطاع الطريق فكذا في غيرهم وإن مثل الغرز بالإبرة والضرب بالسنجات لما أوجب القود فالضرب بحجر الرحى والحياة معه لا يرجى أولى. قلنا الأصل أن المعتبر فيما يترتب عليه حكم كماله لأن للناقص شبهة العدم ثم إن كان الحكم مما يثبت بالشبهة كالمعاملات والحرمات يلحق الناقص به وإن كان مما لا يثبت بها كالعقوبات فلا كما يعلى حرمة الزنا إلى مواضع الشبهة لا حده وكما يعلى حرمة المصاهرة إلى التقبيل والمس ووجوب الكفارة والدية من القتل الكامل خطأ أي بما ينقض البنية ظاهرًا وباطنًا إلى سائر أنواع الحطأ لأنهما كالحرمة مما يثبت بالشبهة. إذا تقرر هذا فالكامل هو الجارح الناقض ظاهر التخريب البنية وباطنًا بإراقة الدم وإفساد الطبائع بمقابلة كمال الوجود لا ما لا يحتمله البنية بدليل اختصاص الزكاة به وذلك لأن المعتبر في القود بالنص الجناية على النفس التي هي معنى الإنسان خلقة وصورة وذا بدمه وطبائعه فتكامل الجناية بإفسادهما فاعتباره أولى خصوصًا في العقوبات لا على الجسم لأنه فرع وتبع ولا على الزوج لأنه لا يقبل الجناية أما القاضي أبو زيد فرجح حمل الحديث على الاستيفاء واختاره صاحب الهداية رحمه الله أي لا قتل قصاصًا إلا بالسيف لوجهين: 1 - أن القود اسم قتل المجازاة وجب أو لا فلا بد في تخصيصه بالواجب من مجازية ما ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 63)، والدارقطني في سننه (3/ 87) رئم (20)، وابن ماجه (2/ 889) ح (2667)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 432) ح (27722)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 183) والبزار في مسنده (9/ 115) ح (3663) والطبراني في الكبير (10/ 89) ح (10044).

ولأنه حينئذ يتعلق قوله بالسيف به بلا تجوز وتقديرًا وعلى الأول لا بد من أن يراد بالقود وجوبه أو يقدر مضافًا. 2 - أن القود يجب بغير السيف كالرمح وغيره. ومنه إثباتهما كالشافعي حكم الزنا في اللواطة لمزية الحرمة فيها لأنها لا تنكشف بحال وفي سفح الماء فوقه بعد تساويهما في قضاء الشهورة لسفح الماء في محل محرم مشتهى، وقال الإِمام رضي الله عنه يجب فيها أشد التعزير وللإمام أن يقتله إن اعتاد لا الحد لما مر أنه يتعلق بالكامل وهو سفح الماء بحيث يؤدي إلى فساد الفراش باشتباه النسب وإهلاك البشر بعد من يقوم بتربيته دينًا ودين لا تضيعه فقد يحل بالعزل في الحرة بإذنها وفي الأمة بدونه ولئن سلم فهو غالب الوجود بالشهوة الداعية من الطرفين بخلافها فلا يلزم من احتياجه إلى الزاجر احتياجها والحرمة المجردة عن هذه المعاني غير معتبرة في شرع الحد كشرب البول والدم فلا ترجح بها. ومنه إيجاب الشافعي رحمه الله الكفارة في القتل العمد والغموس بالوارد في الخطأ والمنعقدة لمزية الإثم فيهما لعدم العذر والكذب من الأصل قلنا لا يجب الكفارة بالعمد وجب القود أو لا كقتل ابنه وعبده ومسلم لم يهاجر في دار الحرب ولا بالغموس لأن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة فيدور سببها بين الخطر والإباحة وهما كبيرتان محضتان لا تصلحان سببًا لها كالمباح المحض ووجوب التوبة والاستغفار مع أن طاعة ليس بهما بل نقض لهما فلا يضاف إليهما وجوبهما بل إلى ديانته كوجوب الكفارة بالزنا أو شرب الخمر في رمضان لكونه مفطرًا ولذا لا تجب بهما ناسيًا لا لأنهما سبباها والفطر دائر بين الخطر لهتك العبادة والإباحة للتصرف في مملوكه على أن معنى العقوبة راجح في كفارة الفطر فجاز إيجابها بما يترجح فيه معنى الخطر وإنما وجبت بشبه العمد عند الإِمام لأن فيه شبهة الخطأ من حيث إن المثقل ليس بآلة للقتل خلقة بل للتأدب فلم يخل عن شبهة إباحة وهي مما يثبت بشبهة السبب كما يثبت بحقيقته ولم تجب في قتل المستأمن عمدًا مع شبهة حله لأنها شبهة المحل لا الفعل فاعتبرت في إسقاط القود المقابل بالمحل من وجه حيث لم يجب الدية معه ولولاها لوجبا كمحرم قتل صيدًا مملوكا وإن كان جزاء الفعل بالحقيقة إذ يثبت للمقتول حكم الشهادة ويقتل الجماعة بواحد فبقى الفعل كبيرة محضة والكفارة جزاء الفعل من كل وجه وكانت الشبهة في مسألة القتل بالمثقل فيه فأثرت في إسقاط القود وإيجاب الكفارة ولما أن المحظور المحض كترك الواجب عمدًا لا يصلح سببًا للعبادة الجائزة قلنا سجود السهو الثابت بالحديث لا يجب بالعمد خلافًا للشافعى رحمه

الفصل العشرون: في حكم الدال بالاقتضاء

الله بدلالة تمكن النقصان وزيادة. تتمة: قال بعض الأصولين ليس للدلالة عموم لأن معنى النص إذا ثبت علةً لا يحتمل أن لا يكون علةً والإشارة تصلح له، ومعناه أن العلة لا تخصص لأنها مدار الحكم وملزومه فلو وجد دليل يعترض عليها لكان نسخا لا تخصيصًا وكذا الإشارة عند بعض منهم أبو زيد لما لم يسق الكلام له والأصح أنها قد لخصص كما قال الشافعي بتخصيص إشارة قوله تعالى في حق الشهداء {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبهمْ} [آل عمران: 169] إلى أن لا يصلى عليهم في حق حمزة رضي الله عنه حيث صلى عليه السلام عليه حين استشهد سبعين صلاة والحق بناء الفرق على أن العموم للمنطوق لا للمفهوم كما مر ويفرع عليه قبول التخصيص. الفصل العشرون: في حكم الدال بالاقتضاء وهو أن يطلب شرطًا لصحة المنصوص عليه كائنًا مع حكمه حكمًا له ومضافًا إلى نفس النظم لا معناه كالعتق إلى شراء القريب فلا يعارضه القياس كما لا يعارضه الثلاثة السابقة فالثابت به كالثابت بها غير أنه لثبوته بناء على الحاجة والضرورة كان إنزال منها لو عارضها. قال فخر الإِسلام وعلامة المقتضى أن يصح به المذكور ولا يلغى عند ظهوره ويصلح لما أريد له فصحة المذكور به أن يتوقف صحته عليه بخلاف {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] على المختار وعدم الغاية عند الظهور أن لا يتغير به إعراب مفرداته فيتغير نسبة الحكم بتغيره بخلاف واسأل القرية والمقصود منه أن لا يتغير نسبة الحكم إذ لو حصل بدون تغير الإعراب أيضًا لم يكن مقتضى نحو أعجبنى سؤال القرية لكن قيد به إخراجًا له مخرجِ المشتهر أو الغالب فما عد العلامة النسفي نحو قوله تعالى {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفجَرَت} [البقرة: 60] و {فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى} [يوسف: 19] من المقتضى إنما يصح عند من لم يقيد الصحة بالشرعية وما يقال من أن النسبة بتغير عند ظهوره في المثال المشهور إذ بعد البيع يكون العبارة أعتق عبدي فذا من سوء الفهم إذ هذه ليست في معناه ولا تفيد فائدته بل صحتها بعد تمام العقد من الطرفين حتى لو قال المأمور في جوابه بعت عبدي وأعتقته لا يقع عن الأمر وصلوحه لما أريد له يحتمل معنييها. 1 - أن لا يتغير معناه بخلاف قوله لعبده المتزوج تمردًا طلقها لا يكون إجازة اقتضاء لأن غرضه الرد والمتاركة فيكون توكيلا بالطلاق وليس في وسعه بخلافه للمزوج

الفضولي إذ الطلاق يعد الإجازة في يده فيصح الأمر به قبلها. 2 - أن يصلح مستتبعًا للمقتضى بخلاف يدك طالق إذ لا يصلح مستتبعًا للنفس ولذا قالوا الكفار لا يخاطبون بالشرائع وإلا ثبت الإيمان مقتضى تبعًا لها وهو عكس المعقول فمذهبه وهو مختار شمس الأئمة وصدر الإِسلام وصاحب الميزان أن نحو واسأل القرية وإن أكلت وحرمت عليكم أمهاتكم وإنما الأعمال بالنيات من قبيل المحذوف أو المضمر الذي هو كالمنطوق به فلا يخرج دلالته من الأقسام الأربعة المذكورة فلا بد عندهم من تقييد الصحة بالشرعية. وعد شيء منها في أمثلة المقتضى كما فعله فخر الإِسلام إنما هو على سوق من يقول به. أما عامة أصحابنا منهم أبو زيد وهو مذهب الشافعي رحمه الله أنه ثلاثة أقسام كما مر ما أضمر ضرورة صدق الكلام نحو رفع عن أمتي أو ضرورة صحته عقلا نحو واسأل القرية أو شرعًا نحو فتحرير رقبة فعرفوه بجعل غير المنطوق منطوقًا لتصحيح المنطوق من غير تقييد بالشرعى كما قيده فخر الإِسلام رحمه الته بقوله فأمر شرعى ضروري ثم العموم في الكل وتجويز التخصيص مذهب الشافعي وعدمه في الكل مذهب أبي زيد والعموم في المحذوف دون المقتضى مذهب الفارقين إلا أبا اليسر حيث لم يقل بعموم المحذوف أيضًا. للشافعي رحمه الله أنه ثابت بالنص كالثلاثة قلنا العموم صفة النظم وإنما أنزلناه منظومًا شرطًا لغيره وضرورة تصحيحه فيتقدر بقدرها بخلاف الثلاثة فهما كتناول الميتة لا يتجاوز به سد الرمق وحل الذكية يظهر في الشبع والحمل والتمول والعموم الثابت بقولك أعتق عبيدك عني نفس المقتضى وفرق ما بين العموم المقتضى وعموم المقتضى بين. وللفارق أن الحذف للاختصار وهو أمر لغوي فالمختصر أحد طريقي اللغة قيقبل العموم كالمطول والاقتضاء أمر شرعي ضروري يندفع ضرورته بالخصوص فحقيقة الفرق بينهما يكون الاحتياج لغويا في الحذف وشرعيًا في الاقتضاء وقيل أو عقليًا ثم المضمر يرادف المحذوف أو كالمحذوف حكمًا وإن فرق بينهما بأنه ما له أثر نحو والقمر قدرناه وبلدة ليس بها أنيس والمحذوف ما لا أثر له نحو واسأل القرية. ومنه يعلم أن تغير الإعراب عند الظهور لا مدخل له في صحة العموم بل وليس قيدًا في المحذوف غلا غالبًا في الوقوع فعلى هذا اختصاص الحكم بالآخرة في حديثي الرفع والنية وعدم عمومه لاشتراك الحكم لا للاقتضاء كما مر مرات.

تفريعات: 1 - تبطل نية الثلاث في اعتدى بعد الدخول لأنه وقع مقتضى الأمر بالاعتداد ولذا كان رجعيًا إذ الضرورة تندفع به والمقتضى له اعتداد لهذا الأمر أثر في إيجابه فلذا يقع به ولو في عدة طلاق آخر وهذا تخريج غير ما مر من أنه مستعار لكوني طالقًا. 2 - تبطل نية الثلاث في أنت طالق وطلقتك خلافًا للشافعي رحمه الله فعنده يقع ما نوى كما في طلقي نفسك وأنت باين وإذا يقع الثلاث تفسيرًا لهما قلنا نية غير المحتمل لأن طالق نعت فرد للمرأة لا عموم فيه ومحتمله هو الطلاق بمعنى التطلمِق وهو المراد هنا لأن ما هو صفة المرأة يقتض ضرورة صدقه إيقاعًا سابقًا وهو الذي في يده فأثبتناه وهذا الشرعي واللغوي المصدر القائم بها لا به وكيف يراد هو وأنه غير واقع بعد وقد أخبر عن وقوعه فلا بد من إثبات الإيقاع والوفع قبيله ليصدق ويصح شرعًا وكذا المدلول اللغوي لطلقت المصدر الماضي وليس موجودًا فاقتضى سابقًا ليصبح والمقتضى لا عموم له وإنما صحت في أنت طالق طلاقًا وأنت الطلاق وإن كان المصدر المذكور صفة للمرأة لأن نية التعميم في المذكور المقتضى للتطليق يقتضى التعميم فيه فذلك هو التعميم المقتضى لا تعميم المقتضى كبيع العبيد في أعتق عبيدك عني بألف وللغفلة عن هذا ظن أن المراد بالطلاق التطليق والمراد أنت طالق لأني طلقتك تطليقات ثلاثًا. وفيه بعد من وجوه لا سيما في أنت الطلاق وهذا طريق جعله إنشاء فلا يقال هو إنشاء وضرورة الصدق في الإخبار فلا اقتضاء إذ لولا اعتبار الاقتضاء حال إنشائيته كلما عمل بإخباريته إذا أمكن كقوله للمطلقة والمنكوحة إحديكما طالق لا يقع شىء ولئن لم يلاحظ إخباريته فلأن مدلوله الحقيقي معدوم ولو لفظًا والمعدوم لا يحتمل العموم أو لأنه لما جعل إنشاء شرعًا صار فعلا لا قولا والفعل لا يتعدد بالنية لأنها تعمل في المراد من الأقوال ثم الباين كالطالق في كل ذلك لكن صحت نية الثلاث فيه لأمر آخر هو أن لاتصال البينونة بها وجهين انقطاع الملك وانقطاع الحل فالنية عينت أحد محتمليه فإذا لم ينو أو نوى مطلق البينونة تعين الأدنى المتيقن وإذا نوى انقطاع الحل يثبت العدد ضمنًا كالملك في المغصوب في ضمن الضمان أما الطلاق فغير متصل بالمحل في الحال اتفاقًا لبقاء جميع أحكام النكاح فضلا عن تنوعه إنما هو في نفسه انعقاد العلة فقط والأفعال قبل الحلول في المحال لا تنوع إلى النقصان والكمال كالرمي بل المتنوع أثره كالجرح والقتل ولئن سلم اتصاله فغير متنوع بل تنوعه بالعدد فهو الأصل في التنويع فلا يثبت مقتضى وإلاكان الأصل تبعًا أو نقول تنوعه إلى مزيل الملك بانقضاء العدة وإلى مزيل الحل بكمال

العدد فهما محتملا متعلقيه لا نفسه وأما طلقى فليس إخبارًا وضعًا ليقتضى إيقاعًا سابقًا ولا إيقاعًا للطلاق ليكون معدومًا ولا أن إنشائيته جعلية شرعًا ليكون فعلا بل قول موضوع لغة لطلب مصدره فله طالب أن يعين مطلوبه بالنية وعلى تنوع الفعل يصحح نية التخصيص صح نية السفر ديانة في إن خرجت خلافًا للقاضى أبى هيثم لتنوعه إلى المديد المرخص وغيره لا قضاء لأن فيه تخفيفًا ونية بيت واحد لا يعينه في لا نساكن فلانًا مع أنه بلا نية يقع على الدار والمكان يقتضى لتنوع المساكنة إلى كاملها في بيت وغيره في دار ويتعين الأدنى لعدم النية وأما من أقر ببنوة صغير صدقته أمه المعروفة بالحرية وبأموميته بعد موته فإنما يثبت نكاحها دلالة كما قل شمس الأئمة أو إشارة كما اختاره أبو زيد أن النكاح الصحيح هو المتعين للولادة في مثلها فالإقرار بالولد إقرار بالوالدة ولئن ثبت اقتضاء لثبوت النسب كما قال فخر الإِسلام فإنما ترث لأن الإرث لازم النكاح في أصله إذ لا يتنوع إلى موجب الإرث وغيره إلا بعارض لا يعتبر فالإرث هنا للنكاح كالملك للبيع الثابت مقتضى في أعتق عبدك عني بألف. 3 - يبطل نية مكان ومأكول ومشروب دون آخر في إن خرجت أو أكلت أو شربت عندنا قضاء اتفاقًا وديانة إلا عن أبي يوسف رحمه الله في رواية لا عند الشافعي رحمه الله في المفعول به رواية واحدة والشرط كالنفي هنا لأنها وإن دلت على المصدر لغة لم يدل على المكان والمفعول إلا شرطًا لأن المحال شروط وكذا نية تخصيص سبب وفاعل في إن اغتسلت أو اغتسل لأن اللغة لا تقتض ذكر السبب وفاعل المبني للمفعول ولا بد منهما بخلافها لو ذكر طلاقًا وموضعًا ومأكولا ومشروبًا وغسلا واحدًا حيث يصدق في نية التخصيص ديانة والفرق أن هذه الاقتضاءات إن كانت شرعية فقد علم وإن لم تكن بل كانت عقلية حيث يعرفها من لم يعرف الشرع أصلًا فللاقتضاء عند من يقول به أو لأن نية التخصيص في غير الملفوظ لغو مطلقًا إليه أشير في المبسوط فإنما ذكرها من شرط الشرعية هنا أخذًا بسوق القوم إما أنه يحنث فيها بكل مفعول ومكان وحال فلحصول المحلوف عليه لا للعموم وإنما لم يذكروا المصدر لأنه المدلول اللغوي إذا أريد مطلقه فيصح ديانة نية التخصيص في أنواعه إذاكان متنوعًا في نفسه كما سلف في مسألتى إن خرجت ولا أساكن لا إن أريد النوع ثم ينوي تخصيص ذلك النوع ففي إن اغتسلت يصح نية تخصيص الفرض أو النفل أو التبرد إن كانت أنواعه لا إن كانت أوصافه كما نص عليه وقيل إنما يصح نية التخصيص في اغتسلت اغتسالا لا في اغتسلت لأن المصدر المصرح يقوم مقام الاسم الذي له عموم بخلاف غير المصرح وكونه في حكم المصرح

في حق صحة الفعل لا في حق إقامته مقام الاسم. وتحقيق مذهبنا أن لا آكل أو إن أكلت لنفي نفس الحقيقة فلا يحتمل إثبات بعض أفرادها للمنافاة الظاهرة فلو نوى مأكولا دون مأكول فقد نوى ما لا يحتمله لفظه بخلاف لا آكل شيئًا ولا آكل أكلا إذ قد يقصد به عدم التعيين لما هو معين عند المتكلم إذا فسره ببيان نيته فقد عين أحد محتملاته. ونظيره الفرق بين قراءتي {لا رَيْبَ} [البقرة: 2] بالفتح والرفع على ما علم فيما مر من الفرق الواضح بين نفي الجنس المساوي للفرد المنتشر نصًا وبين الفرد المقيد بالإبهام المحتمل لهما، واستدق الإِمام فخر الدين الرازي هذا النص للإمام الأعظم رحمه الله والفضل ما شهدت به الأعداء فلا يرد أن التأكيد تقوية مدلول الأول من غير زيادة فلا تفاوت بينهما. للشافعي رحمه الله أن نفي الحقيقة إنما يتحقق بنفي كل مأكول ولذا يحنث بأيها أكل وذلك معنى العموم فوجب قبوله للتخصيص. قلنا منقوص بتخصيص بعض الأزمنة والأمكنة بالنية حيث لا يجوز اتفاقًا والحل ما مر على أن دليلهم يفيد عموم المعنى والمبحث العموم الذي هو من عوارض الألفاظ ومنهما يعلم أن التزام جواز التخصيص في الجميع فاسد كفساد فرقهم بأن المفعول به من معقولية الفعل فلا يخطر بالبال إلا به فيكون كالمذكور بخلاف غيره وذلك لأن المتعدي قد يراد تعلقه بالمفعول وقد لا بتنزيله منزلة اللازم كما لو عم كلا الاستعمالين في المعاني ونزل في أكثر الفواصل القرآنية فلم يكن من ضرورياته كما في غيره. ومن حكمه أن يثبت بشرط المقتضى لا شرط نفسه كالبيع الثابت في ضمن الأمر بالإعتاق بألف إلا عند زفر فإنه ينكر الاقتضاء ويشترط أهلية الإعتاق في الأمر لا القبول ولا يثبت فيه خيار العيب والرؤية ويصح في الأبق وذا شأن التابع كإقامة الجندي والغلام والمرأة بنية السلطان والمولى والزوج فليس كالمذكوركما ظنه الشافعى رحمه الله ولذا لو قال المأمور بعته منك بألف وأعتقته يقع عنه لأنه كان مأمورًا بالبيع الضمني وأتى به مقصودًا فكان ابتداء عقد توقف على قبول الأمر فإعتاقه قبله يقع منه وقال أبو يوسف رحمه الله في الأمر به بغير شيء يعتق عن الأمر ويملكه هبة ويسقط القبض كما في البيع الفاسد مثل أن يقول أعتق عبدك عني بألف ورطل خمر وقوله لغيره أطعم عني كفارة يميني لأنه القبول وأنه ركن لما سقط فالشرط أولى وقالا يقع عن المأمور لأن مالية العبد تلفت على ملك المولى في يده غير مقبوضة للطالب ولا محتملة لها لهلاكها بالإتلاف لا حقيقة

وهو ظاهر ولا حكمًا لأن القبض والتسليم في الهبة لا يسقط في صورة فلا يحتمله ودليل السقوط يعمل في محله بخلاف القبول في البيع حيث يحتمل كلا ركنيه السقوط بالتعاطي في النفيس والخسيس في الأصح وفي نحو كيف تبيع الحنطة فقال قفيزًا بدرهم فقال كلني خمسة أقفزة فكالها فالشرط أولى كما في نحو بعتك هذا الثوب فأقطعه فقطعه والبيع الفاسد كالصحيح مشروع بأصله فيعتبر به نظرًا إلى الأصل وفي مسألة التكفير جعل الفقير قابضًا عن الأمر ثم عن نفسه لكون الطعام قائمًا ولضة المالية تالفة. وهذه تحصيلات المنطوق والمفهوم على سوق الشافعية. الأول في تعريفها قسموا الدلالة إلى المنطوق والمفهوم وإن جعلهما قليل منهم فسمى المدلول فأدرجوا غير دلالة النص في المنطوق وإياها في المفهوم فالمنطوق دلالة اللفظ على الحاصل في محل النطق إما حكمًا له تكليفيًا شرعيًا في الشرع وإيجابًا وسلبًا مطلقًا وإما حالًا من أحواله أي حكمًا وضعيًا بأن يكون شرطًا له عقلا كتحصيل القوس في أرم أو شرعًا كالوضوء للصلاة والتمليك في أعتق عبدك عني أو سببًا له أو مانعًا كالحيض لترك الصلاة أو لنفسها وكما يستدل بقوله عليه السلام "تمكث إحداهن شطر دهرها" (¬1)، الحديث أن أكثر عشرة أو خمسة عشر قيل فنحو رفع عن أمتي واسأل القرية ليس من الاقتضاء إذْ ليس المقدر حكمًا أو حالًا للمنطوق. وأقول إلا أن يجعل الاقتضاء أعم من وجه أو يفسر الحال يما يتناول المقدر فيهما فأقسام المنطوق أربعة .. 1 - الدلالة على حكم مذكور لمذكور كأقم الصلاة الآية على وجوب صلاة الظهر. 2 - على غير مذكور لمذكور نحو {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} على جواز إصباح الصائم جنبًا. 3 - على حال مذكورة لمذكور نحو السارق والسارقة الآية على كون السرقة علة. 4 - على غير مذكورة لمذكور كحديث الحيض على أكثر مدته والمفهوم دلالته على حكم أو حال غير المذكور لغير ما نطق به فهو قسمان نحو ولا تقل لهما أف على حكم الضرب ونحو {وَمنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِدِينَار} [آل عمران: 75] الآية على علية الأمانة لتأدية ما دون القنطارَ كذا ذكر. وفيه بحث فإن الأمانة مذكورة إلا أن يراد كونه أمينًا والمذكور جعله أمينًا. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

الثاني: في تقسيم المنطوق هو صريح إن كانت مطابقة أو تضمنًا لما مر أن فهم الكل عين فهم الجزئين ذاتًا وغير صريح إن كانت التزامًا وهذه ثلاثة لأنه إن كان مقصودًا للمتكلم فقسمان استقراء. 1 - أن يتوقف الصدق والصحة العقلية أو الشرعية عليه نحو رفع الحديث واسأل القرية وأعتق عبدك عني بألف ويسمى اقتضاء. 2 - أن يقترن وصف مذكور في الجملة بحكم لو لم يكن ذلك الوصف أو نظيره علة له كان بعيدًا ويسمى إيماء وأقسامه خمسة. 1 - عين الوصف علة لحكم مذكور في كلام الشارع والوصف في كلام غيره كقوله عليه السلام أعتق لمن قال واقعت أهلي في نهار رمضان. 2 - نظير الوصف علة الحكم في كلامه والنظير في كلام غيره كما في حديث الخثعمية. 3 - أن يفرق بين حكمين بوصفين صفة أو استثناء أو غاية أو غيرها نحو للراجل سهم وللفارس سهمان. 4 - أن يذكر الشارع مع الحكم وصفًا مناسبًا نحو لا يقضى القاضي وهو غضبان. 5 - أن يذكر الوصف دون الحكم فيستنبط نحو أحل الله البيع فإنه حله وصف حكمه الصحة فالعلية في الكل مدلولة لا بالوضع للوصف المذكور وأما إذا ذكر الحكم دون الوصف كما في العلل المستنبطة فالمختار أنه ليس من الإيماء وإن لم يكن مقصودًا فإشارة. ولها أمثلة منها حديث الحيض إلى أن أكثر من خمسة عشر عندهم وهو ظاهر فإن المقصود وهو المبالغة في نقصان الدين يقتضي ذكر أكثر ما يتعلق به الغرض وعشرة عندنا وهذا أوجه كما مر أن العمر الغالب هو الستون بالحديث ولا حيض إلا بعد البلوغ فالثلاث مما بعده إذا ضم بما قبله وذا مجموع زمان الترك يبلغ نصف العمركذا قيل. وفيه بحث لأن سياق الذم يوجب اعتبار ترك زمان الوجوب إذ لا ذم بترك غير الواجب إلا أن يقال ليس الذم بترك الواجب فقط بل بالمجموع منه. ومن عدم الأهلية على أن المناسب للسياق أن لا يكون الذم بترك الواجب بل بعدم أثر الأهلية إذ لا وجوب لنحو الصلاة في أيام الحيض أيضًا. وأما إشارته إلى أن أقل الطهر خمسة عشر إذ لو كان زمانه أقل لذكره في ذلك السياق فإنما يناسب توجيههم ويقويه.

ومنها قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187] إلى جواز إصباح الصائم جنبًا بوجهين: 1 - استغراق الليل بجواز الرفث فإن الحل ليلة الصيام يقتض جوازه في آخر جزء منها. 2 - امتداد إباحة المباشرة حتى يتبين. قيل فعد صاحب المنهاج هذه الآية والاقتضاء من المفهوم ليس بجيد لأن الدلالة فيهما على سؤال وحكم للمنطوق. وأقول إلا أن يريد بعض أقسام الاقتضاء كما مر وغير خاف على المنصف أن الضبط الوافي والميز الشافي لأصحابنا كما سلف في المبادي. الثالث: في تقسيم المفهوم إن وافق حكم المذكور حكم غيره إثباتًا ونفيًا فالموافقة وإلا فالمخالفة تسمى فحوى الخطاب أو لحنه أي مفهومه كقوله تعالى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] في حرمة الضرب وكآخر الزلزلة في المجازاة بالأمرين فيما فوق الذرة ونحو {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] في تأدية ما دونه و {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] في عدم تأدية ما فوقه قيل والكل تنبيه بالأدنى أي بالأقلَ مناسبة على الأعلى وقيل: بالعكس فيراد بهما الأصغر والأكبر فلذا كان الحكم في غير المذكور أقوى وإنما يعرف ذلك باعتبار المعنى المقصود من الحكم كالإكرام في منع التأفيف وعدم تضييع الإحسان والإساءة في الجزاء والأمانة وعدمها في القنطار والدينار ولذا قال قوم بأنه قياس جلي وقد مر فساده ثم هذا على تقدير أن يكون مساواة المسكوت عنه بواسطة لا موافقة ولا مخالفة كما قيل أما إذا ألحق بالموافقة كما فعله أصحابنا فلا يشترط الانتقال من الأدنى وهو الحق لأن اشتراك العلة مدار اشتراك الحكم. قيل إن كان التعليل بالمعنى في الموافقة والسببية للفرع قطعتين فقطعية كما مر وإلا فظنية كقول الشافعي رحمه الله إذا أوجب القتل الخطأ وغير الغموس الكفارة فالعمد والغموس أولى وإنما يتم لو كان المعنى الزاجر أما لو كان التلافي للمضرة فلا إذ ربما لا يقبله العمد والغموس لعظمهما وقد مر ما فيه. الرابع في أقسام مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب وشرطه حصره القائلون به بالاستقراء في اللقب، والصفة، والشرط، والغاية، والاستثناء، والبدل، والعدد، وإنما، والحصر، وقران العطف، وليعم أمران: 1 - إن عدها مفهومًا من جهة الحكم لا ينافي عد نحو الصفة والشرط إيماء ومنطوقًا

من جهة دلالتهما على علية الوصف. 2 - إن عد الغاية والاستثناء مفهوم المخالفة إنما يصح في بعض الأمثلة كالمرافق حيث يدل على أن غسل ما بعدها ليس بواجب وكالاستثناء المفرغ وإلا فالدلالة في نحو أكرم بني تميم إلى أن يدخلوا والاستثناء التام على حكم المذكوركذا ذكر. وفيه نظر فإن المرافق وما وراءها مذكور في الأيدي لتناوله إلى الإبط وغير المذكور في الاستثناء حكم المستثنى وهو مذكور في المفرغ غالبًا فالأولى تمثيل الغاية بنحو الليل في الصوم والاستثناء إن صح أنه من المفهوم المفسر بما ذكر بنحو ليس إلا وليس غير منه على أنه يجب ذكر ما هو المستثنى قبلهما وعندنا يسمى الكل تمسكًا فاسدًا إذ الإثبات لم يوضع للنفي وبالعكس فلا يدل عليه فتحقق نقيض الحكم كعدم وجوب الزكاة في غير السائمة إما لكونه أمرًا أصليًا وبدليل آخر وبالقرائن الحالية أو القالية قالوا واشترط في الجميع أمور: 1 - أن لا يظهر أولوية المسكوت عنه بالحكم وإلا كان موافقة وكذا مساواته أما القياس فقد يكون حكم أصله ثابتًا بالإجماع لا لنص ويكون علته في الفرع أدنى إلا عند من جعل جنسه المساواة. 2 - أن لا يخرج مخرج الأغلب كتقييد الربائب بالكون في الحجور والخلع بخوف عدم إقامة حدود الله ونكاح المرأة نفسها بعدم إذن الولي لأن وجه الحمل على التخصيص تحقيق الفائدة فإذا ظهرت أخرى كالمدح والذم والتأكيد في الصفة بطل وجه الدلالة. 3 - أن لا يكون لخصوصية السؤال أو الحادثة كالسؤال عن سائمة الغنم أو كون الغرض بيانها. 4 - أن لا يكون تقدير جهالة للمتكلم بحكم المسكوت عنه ولا خوف يمنع عن ذكره ولا غيرهما من موانعه والفقه ما مر أن الحاجة إلى تحقيق فائدة التخصيص إنما يتحقق عند عدم فائدة أخرى والحق أن هذا الاشتراط لا يتصور في نحو الاستثناء والغاية والبدل والحصر وأن كون الغرض بيان المذكور فائدة شاملة يمكن أن يمنع به كل فرد منه على أن تخصيص الحكم النفسي المفسر بالعلم بوقوع النسبة أولا وقوعها عندنا وبالإذعان عند الحكيم يكفي فائدة فلا يجب تخصيص الحكم الخارجي وهو الوقوع أو اللاوقوع أما عدم تأديته أصلًا كما في الإنشاء أو لعدم تأدية مخالفه كما في الخبر فلا يلزم تأدية العدم فيهما.

الخامس: في مفهوم اللقب وهو نفى الحكم عما لم يتناوله النص باسم الجنس كالماء في حديث الغسل أو العلم نحو زيد موجود. منعه الجمهور خلافًا لأبي بكر الدقاق وبعض الحنابلة والأشعرية. لنا أولا: أن القول بالمفهوم حيث يتعين التخصيص فائدة وليس التنصيص باللقب كذلك إذ لو طرح اختل الكلام. وثانيًا: لزوم الكفر من سعد موجود ومحمد رسول الله لاقتضائهما نفى وجود غيره حتى الله جل جلاله ونفى رسالة سائر الأنبياء. وثالثًا: الآيات والأحاديث التي ليس التنصيص باللقب فيها للتخصيص نحو {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا} [التوبة: 36] الآية {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ} [لقمان: 34] الآية ونحو "ولا يبولن أحدكَم" (¬1) الحديث لا تخصص بالأشهر الحرم وبالغد وبالجنابة دون الحيض كذا قيل في توجيهها. وفيها بحث سيجيء أن القيود من قبيل الأوصاف بل الوجه التوجيه بتخصيص المخاطبين والنفس والبول أما الاستدلال بأن القول به يفضي إلى بطلان القياس الحق ففاسد لأن موضع القياس مستثنى اتفاقًا لأن ذكر الأصل كذكر مناط حكمه لا لأن شرط المفهوم عدم ظهور المساواة كما مر إذ القياس قد يكون للأدنى إلا عند من جعلها جنسه. لهم أولا فهم الأنصار وهم من أهل اللسان عدم وجوب الاغتسال بالإكسال من قوله عليه السلام: "الماء من الماء" (¬2) قلنا بموجب العلة ذلك من حرف الاستغراق أي جنس الاغتسال الذي يتعلق بالماء من الماء فلا يرد ما من الحيض والنفاس وقد سلمناه لكن يكون وجود الماء تارة عيانًا كالإنزال وأخرى دلالة كالتقاء الخاتنين لسببيته كالسفر والنوم. وثانيًا أنه لولا التخصيص فلا فائدة للتنصيص. لا يجاب كشمس الأئمة بأنها التأمل للاستنباط لنيل ثوابه ولا يحصل بالتعميم لما مر أن موضع القياس مستثنى بل فائدته إفهام مقصود الكلام. وثالثًا: التبادر إلى الفهم في قوله لمن يخاصمه ليست أمي بزانية ولا أختي حتى أوجب به الحد مالك وأحمد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1/ 94) ح (236) ومسلم (1/ 235) ح (282). (¬2) أخرجه مسلم (1/ 269) ح (343).

قلنا من القرائن الحالية كالخصام وإرادة الإيذاء لا من اللفظ. السادس: في مفهوم الصفة ولا يراد بها التعب بل كل قيد في الذات من نحو سائمة الغنم ولى الواجد وطرفي الزمان والمكان وغيرهما حتى قال إمام الحرمين بجواز تناولهما لمفهوم الغاية والعدد فضلا عن الشرط فإن المحدود والمعدود موصوفان بالحد والعد. والعد والمظروف بالاستقراء في الظرفين فقال به الشافعي وأحمد ومالك والأشعري مطلقًا وأبو عبد الله البصري في ثلاث صور: في موضع البيان كبيان خذ من غنمهم صدقة بقوله عليه السلام: "في الغنم السائمة زكاة" (¬1) حاشية. 2 - في تمهيد القاعدة كقوله عليه السلام "إن تخالف المتبايعان في القدر أو في الصفة فليتحالفا وليتحالفا" (¬2) فالظرفان صفة معنى وهو أوجه من اعتبار الشرط صفة من حيث المعنى. دخول غير ما له الصفة فيه دخول الواحد في {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] ونفيناه كالقاضي والغزالي والمعتزلة والقفال وابن سريج والنزاع في وصف خاص لا مادح ولا غيره. لنا أولًا لو ثبت فينقل إذ لا مدخل للعقل في مثله متواتر أو جار مجراه في الاعتماد لأن الآحاد لا تفيد ولم يوجد وإلا لما اختلف فيه وبقيد الجريان اتباعًا لصاحب الكشف رحمه الله اندفع منع اشتراط التواتر. وثانيًا أنه لو أفاد لم يحسن بعد الأمر المقيد السؤال عن حال عدم القيد كما إذاكان النفي مصرحًا. وفيه بحث سيجيء مع جوابه. وثالثًا لو ثبت في الإنشاء لثبت في الخبر لأن الحذر عن عدم الفائدة مشترك لكن قولنا في الشاة الغنم السائمة لا يدل على عدم المعلوفة لا لغة ولا عرفًا قطعًا ولا يجاب بالالتزام لولا القرينة فإنه مكابرة ولا بأنه قياس في اللغة إذ المراد به دخوله تحت القاعدة الكلية ¬

_ (¬1) لا يوجد بهذا اللفظ وأصله أخرجه البخاري (2/ 527) ح (1386). (¬2) أخرجه الدارمي (2/ 325) ح (2549) والبيهقي في الكبرى (5/ 333) ح (10591) والدارقطني في سننه (2013) برقم (67)، والشافعي في مسنده (1/ 328) ح (302) والطبراني في الكبير (10/ 174) ح (10365)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 185) ح (1458) بتحقيقنا، وانظر التلخيص الحبير (3/ 30).

الثابتة بالاستقراء القائلة بان كل ما ظن أن لا فائدة للفظ سواه تعين لأن يكون مرادًا ولا بأن للخبر خارجيًا شأنه الإشعار بوقوعه فلا يلزم من عدم الإشعار عدمه والإنشاء لا خارجي له فانتفاء إيجاب الزكاة في المعلوفة مثلا عين انتفاء وجوبها وذلك لأن حاصله أن النص غير متعرض لحكم المسكوت عنه ونحن نقول به ولا فرق فيه بينهما لأن عدم الحكم بالشىء كما هو أعم من حصوله ولا حصوله خارجًا كذلك أعم من الحكم بالعدم فالكلام في أن الإيجاب في السائمة ليس نفيًا للوجوب في المعلوفة لا في انتفاء إيجاب الشيء ليس انتفاء لوجوبه. ورابعًا لو صح لما جاز تعليق الحكم الواحد بالقيدين المتخالفين معًا كإيجاب الزكاة في السائمة والمعلوفة إما لعدم فائدة القيدين حينئذ وإما التناقض منطوق كل مع مفهوم الآخر. وخامسًا: لو ثبت لما ظهر خلافه بدليل وإلا لزم التعارض. ونظر فيهما بأن هذا المفهوم ظني فيترجح المنطوق عليه والتناقض والتعارض في الظواهر جائزان لجواز التأويل بالدليل ودفعه أقوى دليل علمِه وفائدتهما دفع احتمال تخصيصهما وجوابه أن معناهما لو ثبت لزم خلاف الأصل من التناقض والتعارض وإن لم يثبت لم يلزم وما يفضى إلى خلافه مرجوح إلا الدليل فإن أقامه كان معارضة وهي مقررة لا مبطلة ودفع احتمال التخصيص لو كفى فائدة فليكف لأحد التقييدين فقط لمثبتيه أولا أن أبا عبيد القاسم الكوفي أو أبا عبيدة معمر بن المثنى وكل منهما إمام في معرفة اللسان فهم من قوله عليه السلام: "ليّ الواجد يحل عقوبته وعرضه" (¬1) أي مطل الغنى يحل حبسه ومطالبته أن مطل غير الغنى ليس كذا ولما فسر الشعر في قوله عليه السلام: "لأن يمتلئ بطن الرجل قيحًا خير من أن يمتلئ شعرًا" (¬2) بالهجاء أو بهجاء الرسول عليه السلام قال فلم يكن لذكر الامتلاء معنى لاستواء قلته وكثرته فيه فجعل لامتلاء من الشعر في قوة الشعر الكثير. قال إمام الحرمين المراد مطلق الشعر وبامتلائه الاعتناء بتكثيره بحيث يكون مرغوبًا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري معلقًا بغير الجزم (2/ 845) باب لصاحب الحق مقال (13)، والبيهقي في الكبرى (6/ 51) ح (11061)، والنسائي ق الكبرى (4/ 59) ح (6288) وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 489) ح (22402)، والطبراني في الأوسط (3/ 46) ح (2428) في مسند المقلين (1/ 37) ح (12)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 389). (¬2) أخرجه الشاشى في مسنده (1/ 175) ح (120).

عن غيره إذ لا يلام عليه إلا حله إذًا وكذا الشافعي قال به وهو ممن يعلم لغة العرب فالظاهر فهمه. قلنا يجوز إن بنياه على اجتهادهما لا على فهمه كيف والبحث معهما ومع أمثالهما قيل لو كان هذا قادحًا لما ثبت شيء من مفهوم اللغات. قلنا لا نعلم إذ الكلام مع من في صدد إثبات أحكام الشرع وإلا فليجب على جميع الأمة والأئمة تصديق ما بناه الشافعي رضي الله عنه على اللغة من الأحكام والإجماع على خلافه مع أن نفي الأخفش إياه لغة معارض مؤيد بالعلم الأصلي وإن رواته ليست من أئمة الاجتهاد. وثانيًا: لولا لم يكن للتخصيص بالذكر فائدة وكلام البلغاء بريء عنه فكلام الله تعالى أولى. لا يجاب بأن الوضع لا يثبت بترتيب الفائدة بل بالنقل لما مر أنه إثبات بقاعدة استقرائية بل بما مر أن فائدته الإشعار بتعلق الحكم النفسي به سواء لم يكن له خارجي كالإنشاء أو كان كالخبر يطابقه أو لا فإن الألفاظ موضوعة بإزاء ما في النفس وهو المعبر عنه يكون الغرض بيانه أو عدم احتمال تخصيصه أو لا فإن الألفاظ موضوعة بإزاء ما في النفس وهو المعبر عنه يكون الغرض بيانه أو عدم احتمال تخصيصه عامًا وإذا استوعب جميع محل الحكم لم يبق للاجتهاد مجال أو كثرة بواعثه على الحكم وغير ذلك. قيل مثله خارج عن محل النزاع قلنا الأولى فائدة عامة ولذا ما يجاب عن النقض بمفهوم اللقب بأن فائدة ذكره عدم اختلال الكلام ليس بشيء لأن الداعي عدم اختلال المقصود وذا إنما يتم بجميع قيوده ويؤيده قول أئمة العربية أن القيد مناط الإفادة حتى قيل ينصب النهي في {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] على كل منهما وفي وكفورا على المجموع. وثالثًا: لو لم يكن فيه الاختصاص لزم الاشتراك إذ لا واسطة بين ثبوت الحكم للمسكوت عنه وعدمه وليس للاشتراك اتفاقًا. قلنا على أنه منقوض بمفهوم اللقب إن أريد أن نفس الأمر لا يخلو عن أحدهما فمسلم لكن الكلام في إفادة اللفظ ولا حصر بين الإفادتين لأن عدم الإفادة واسطة وبعبارة أخرى إن أريد اختصاص الحكم النفسي فلا نزاع وإن أريد اختصاص متعلقه وهو الحكم الخارجي أعنى الثبوت والانتفاء فممنوع إما لعدم أدائه أصلًا كما في الإنشاء أو لعدم تعرضه بخلاف مؤداه ولا يلزم من عدم الحكم الحكم بالعلم.

ورابعًا أن قولنا الفقهاء الحنفية فضلاء ينفر الشافعية. قلنا للتصريح بغيرهم وتركهم على الاحتمال أو لأن بعض الناس يفهم الحصر أو لأنه مما يفهم في الجملة ولو من القرائن. وخامسًا: أن قوله عليه السلام بعد نزول {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] الآية لأزيدن على السبعين دل على فهمه عليه السلام مفهوم العدد وهو أن حكم ما وراء السبعين خلافه. وقول يعلي بن أمية لعمر رضي الله عنه ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمنا فأجاب بأنه سأل النبي عليه السلام وأجاب بحديث الصدقة (¬1) دل على فهمهما مفهوم الشرط وقرره الرسول عليه السلام وقد مر أن كلا من العدد والشرط صفة في المعنى أو الغرض إلزام من لا يفصل. قلنا في الأول لا نعلم الفهم فإن العدد هنا للمبالغة ولعل قوله لأزيدن لأنه علم بالوحي أو غيره أن شركة ما زاد غير مراد هنا بخصوصه ولئن فهم فمن أن الأصل جواز الاستغفار له لكونه مظنة الإجابة لا من العدد وفي الثاني لعل فهمهما من استصحاب الحال في وجوب الإتمام. وسادٍسًا أن فائدة التخصيص أكثر إذ فيه النفي عن الغير وتكثيرها يلائم غرض العقلاء فالظاهر هو ولا دور كما في كل برهان أن والحل إن توقف المؤثر على عقلي وتوقف الأثر عيني. قلنا تكثيرها لا يكفي دالا على الوضع بل على الترجيح بعد التردد بين الثابتين نقلا. وسابعًا إن فهم العلية من دليل الإيماء لاستبعاد عدم إرادة التعليل ففهم الشىء لعدم الإفادة بدونه أولى إذ هذا أشد محذورًا. قلنا ذا متعارف لا هذا إلا بدليل. قيل مشترك كما يفهم من قولنا الإنسان الطويل لا يطير فيستبعده العقلاء. قلنا لعله لفهم التعليل إِذ الطول ليس علة ثم لايقتضي من انتفاء العلة انتفاء المعلول لجواز ثبوته بعلل شتى ولذا قال مشايخنا أقصى درجات الوصف عليته وحين لم ينف فغيره أولى. وثامنًا كالشرط في أنه معترض على ما يوجب لولاه بخلاف العلة لأن إيجابها ابتدائي قلنا قياس في اللغة بل هو هو كما مر. ¬

_ (¬1) انظر التمهيد لابن عبد البر (15/ 272).

تتمة: النصوص التي صفاتها للاختصاص معارضة بما ليس كذلك نحو {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] في جزاء الصيد إذ يجب على الخاطى {وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] لحل من لم يهاجر اتفاقًا {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: 6] فلا تمسك بالوقوع في نزاع الظهور. فروع: وصف الربائب بكونها من نسائنا والفتيات بكونها من المؤمنات لا يعدم الحرمة في بنت المزنية والحل في الأمة الكتابية خلافًا له إما لأن دعوة المولى أكبر أو لإدامة ولدتهم في بطون تنفي نسب الأصغرين فإما لأن دلالة حاله وهي فرضية التزام النسب عند دليله والتبري عند دليله جعلت سكوته في موضع الحاجة إلى البيان بيانًا إصلاحًا لأمره فإن ضرورة بترك الفرض أعلى وإما لعدم شرط الثبوت وهو الدعوة وليسا ولدي أم الولد حتى لا يشترط الدعوة لولادتهما قبل ثبوت الأمومية ودعوة الواحد ممن في بطن دعوة للجميع وأما رد قول شهود الميراث لا نعمل له وارثًا في بلخ عندهما فلزيادة تورث بإيهامها علمهم في مكان آخر شبهة بها ترد والشبهة مسلمة وقال سكونهم عن سائر الأمكنة ليس في موضع الحاجة لعدم وجوب ذكر المكان فليس بيانًا لوجوده على أنه يحتمل أن يكون للاحتراز عن المجازفة. السابع: في مفهوم الشرط وهو أقوى ولذا قال به كل من قال بمفهوم الصفة لأنه صفة معنى وبعض من لا يقول به كأبي الحسن الكرخي منا وأبى الحسين البصري من المعتزلة وابن سريج من الشافعية. لنا ولهم ما تقدم فيها من مقبول ومزيف ولهم أيضًا أن شأن الشرط أن يلزم من انتفائه انتفاء المشروط ولا يرد {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] لخروجه مخرج الأغلب ومخرج المبالغة لأن المولى أحق بإرادته أو تحالف لمعارض أقوى وهو الإجماع أو لعدم شرط التكليف حينئذ لأنهن إذا لم يردن التحصن لم يكرهن على البغاء فلا يمكن الإكراه عليه وهذا أولى من أن يقال أردن البغاء لأن عدم جواز خلو ضدين ليس بينهما ثالث عن الإرادة إنما هو عندهم لا عند من أورده عليهم وهو أبو عبد الله البصري وعبد الجبار من المعتزلة. قلنا هو شرط لإيقاع الحكم لا لثبوته كما مر فينتفى الإيقاع بانتفائه وإن كان حلفا فيحنث به من حلف لا يحلف لا من حلف لا يوقع أو لا يقع إلا عند وجوده ولذا قلنا لا يصير سببًا إلا عنده ولئن سلم فذا في الشرط الوضعي أو الشرعي لا اللغوي لاحتمال أن يكون سببًا أو علة بل هو الغالب قيل فإن اتحد العلة انتفى المعلول بانتفائها وإن تعددت

فكذا لأن الأصل عدم غيرها. قلنا: لا نعلم بل الغالب تعدد العلل والغالب كالمتحقق ولئن سلم فاللزوم منه لا يقتضي عليته ولذا قلنا عدم الإيقاع والوقوع والجزاء عدم أصلى فإن قلت ما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه خطب امرأة فأبوا أن يزوجوها إلا بزيادة صداق فقال إن تزوجتها فهي طالق ثلاثًا فبلغ ذلك الرسول عليه السلام فقال: "لا طلاق قبل النكاح" (¬1) مفسر يبطل ذلك. قلنا إن صح فمؤول لأن مداره على الزهرى وقد عمل بخلافه وذلك لأنه أول قوله عليه السلام "لا طلاق قبل النكاح" بأن المرأةكانت تعرض على الرجل فيقول هي طالق ثلاثًا فتحرم فرده الرسول عليه السلام بذلك فرد الزهري المعلق إلى المرسل دليل أنه يرى صحة التعليق بالنكاح. الثامن: في مفهوم الغاية وهو أقوى من مفهوم الشرط لما يختص به من الدليل ولذا قال به كل من قال بذاك وبعض من لم يقل كالقاضى وعبد الجبار. لنا: ما تقدم وللقائل به ذلك ووجه يخصه هو أن الغاية آخر فلو دخل ما بعدها لما كانت آخرًا. قلنا: قولًا بالموجب سلمناه لكن لا نزاع في عدم دخول ما بعد الآخر بل في أن مدخول حرف لغاية آخر أم لا فقد لا يكون آخرًا كالليل في الصوم فلا يدخل وقد يختلف في أنه الآخر أما ما قبله كالمرافق فإنها آخر محل الغسل عندنا لا عند زفر وكالعاشر في الإقرار من واحد إلى عشرة ليس آخرًا عندنا وعليه معظم الشافعية آخر عند الصاحبين كالواحد وليس آخرين عند زفر رحمه الله وكذا في ضمنت مالك على فلان من واحد إلى عشرة يلزم عند زفر ثمانية وعند بعض الشافعية تسعة وعند بعضهم عشرة وهو قياس قولنا لأن عموم ما يجعلها لإسقاط ما وراء الغاية بخلاف الإقرار فإنها فيه لمد الحكم كالجدارين في بعث من هذا إلى هذا وكذا النخلتان وكذا في الإقرار في قول الرافعي من ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 455) ح (3573) وقال مدار سند هذا الحديث على إسنادين واهيين جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولذلك لم يقع الاستقصاء من الشيخين في طلب هذه الأسانيد "الصحيحة" والله أعلم، والدارمي (2/ 214) ح (2266)، والبيهقي في الكبرى (7/ 383) ح (15028)، والدارقطني في سننه (1414)، وابن ماجه (1/ 660) ح (2048) وابن أبي شيبة في مصنفه (6414)، وعبد الرزاق في مصنفه (7/ 464) ح (13899) والبزار في مسنده (6/ 439) ح (3472) والطبراني في الأوسط (8/ 168) ح (8296) والحارث في مسنده (1/ 439) ح (357) البغية.

الشافعية خلافًا للغزالي في النخلة الأولى. ولي في هذا الجواب نظر لأن النزاع إذا كان في حكم مدخول حرف الغاية وهو مذكور لم يصح عده من المفهوم كيف وكلام العلماء ظاهر في أن المفهوم لما بعده والحق في الجواب ما مر غير مرة أن عدم التعرض ليس تعرضًا للعدم. إن قلت الغاية منهية والإنهاء إعدام وهو تعرض للعدم. قلنا إنها للنسبة النفسية فيكون إعدامًا للإيقاع لا إيقاعًا للعدم فالمفهوم من العدم إما لأنه الأصل وإما من أحوال الكلام وخصوصيات المقام ومبنى هذه الشبهة اشتباه أن الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني المعقولة كما هو الحق أو بإزاء الموجودات الخارجية وقد سلف تخقيقه. التاسع في مفهوم الاستثناء والبدل والعدد فالاستثناء والبدل تبينا غير أن مفهوم الاستثناء يختص ببعض المفرغ ليكون حكم المسكوت عنه ودالا يكون إلا إثباتًا لاختصاص المفرغ بالنفط إلا في قلائل قلما تتعارف نحو قرأت إلا يوم كذا ومفهوم البدل شامل نحو {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} [آل عمران: 97] الآية أما مفهوم العدد نحو "خمس من الفواسق" (¬1) َ الَحديث: "وأحلت لنا ميتتان ودمان" (¬2) الحديث فيقول به بعض الفقهاء يمنعون من الإلحاق بالقياس على المعدود كما على المحدود والمذهبان مرويان من أصحابنا فقول صاحب الهداية بعد حديث الفواسق ولأن الذئب في معنى الكلب العقور أي في أنه يبتدئ بالأذى وكذا قوله العقعق غير مستثنى لأنه لا يبتدئ بالأذى فليس كغراب الجيف مع قوله في جواب قياس الشافعي السباع على الفواسق والقياس ممتنع لما فيه من إبطال العدد ناظر إلى المذهبين فلهم ما مر وأنه عددي لزم إبطال نص العدد إذ هو لا يحتمل الزيادة والنقصان كما علم في ثلاثة قروء. قلنا التعميم بعلته لا سيما إذا كانت مفهومة لغة إذ الثابت بدلالة النص منصوص لا بنفسه وعدم التعرض ليس تعرض العدم. العاشر في مفهوم الاستثناء إنما هو نفي غير المذكور آخرًا فاعتمد البعض في أنه لا يفيد الحصر على أنه مثل إن وما زائدة كالعدم. قلنا بل بينهما فرق لإفادته الحصر بالنقل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3/ 1204) ح (3136) ومسلم (2/ 856) ح (1198). (¬2) أخرجه البيهقي في الكبرى (1/ 254) ح (1128)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 340)، وابن ماجه (2/ 1102) ح (3314) والربيع في مسنده (1/ 243) ح (618) والإمام أحمد في مسنده (2/ 97) ح (5723) وعبد بن حميد في مسنده (1/ 260) ح (820).

عن أئمة اللغة واستعمال الفصحاء، وقد يفيده بالمنطوق لأنه بمعنى النفي والاستثناء وهو يفيده منطوقًا إذا كان المستثنى منه مذكور كما مر وقد مر البحث فيه. قلنا: بون بين بين إفادة نفى غير المذكور وإفادة النفي المذكور وبذلك الفرق بين المنطوق والمفهوم وأما الفروق الآخر البينة في علم المعاني فمبينة على ضمنية النفي فيه فلا تعلق لها بما نحن فيه أما الاحتجاج في الحصر بمثل "إنما الولاء لمن أعتق" فليس بتام لجواز استفادته من عموم الولاء إذ معناه كل ولاء للمعتق فلا يكون بعضه لغيره لأن الجزئي السالب نقيض الكلي الموجب. إن قيل لا نعلم المناقضة وسالبية الجزئي هنا لجواز اجتماعهما صدقًا يكون بعض الولاء له ولغيره شركة. قلنا: يستلزم الجزئي السلب إذ ما للغير ولاء وليس للمعتق. لا يقال تغاير إضافي نحو خرجت بوجه غير وجه الدخول لا وجودي فلا يصدق سلبه عن المعتق لجواز أن يعرض لشيء واحد إضافات متعددة نحو جميع هذا الكتاب سماع لزيد وكله أو بعضه سماع لعمر ولأنا نقول بل وجودى لأن اللام للاختصاص والاستحقاق ويمتنع اجتماع الاستحقاقين كما في ملكته الدار لزيد ظاهر في الاستقلال إذ ما لعمرو وغيره على تقدير الشركة وليس له حتى أو قال كل الدراهم لزيد ولعمر ويقتض مقابلة الجملة بالجملة التوزيع فلا يكون البعض لزيد. تنبيه: فعلم أن كل إيجاب كلي يفيد الحصر الموضوع في المحمول عند التغاير الحقيقي بين ما ثبت له المحمول وما لم يثبت له ولا شك أن حصر الموصوف في الصفة إضافي فالأئمة من قريش ظاهره حصر الإِمام فيهم والإنسان حيوان يفيد نفي الجمادية في الجملة والإنسان ضاحك يفيد نفي أنه ليس بضاحك دائمًا هذا ما ذكروا. والحق عند مشايخنا أنه بمعنى ما وإلا وقد مر في الاستثناءان شأنه السكوت عن غير المذكور وضعًا. الحادي عشر: في مفهوم الحصر ويراد به عرفًا النفى عن الغير ويحصل من تصرف في التركيب كتقديم ما حقه التأخير من متعلقات الفعل والفاعل المعنوي والخبر حيث يفهم من العدو عن الأصل قصد النفي عن الغير وابن الحاجب ينكره إلا في نحو العالم أو الرجل زيد وصديقى زيد مما أريد بالمعرف المبتدأ الجنس أي المعهود الذهني لا غيره لكن الصفة وغيره ونحو الرجل زيد لعموم دليله الآتي من لزوم الاختيار عن الأعم بالأخص. أما إذا كان المعرف هو الخبر نحو زيد العالم أو زيد الرجل أو هو العبد ونحو قوله:

أنا الرجل المدعو عاشق فقره ... إذْ لم يكارمني صروف زماني فلا وعند عبد القاهر ومن تبعه كل من الخمسة للحصر فالعالم زيد فصر المسند إليه في المسند وعكسه عكسه واللام فيهما للعهد الذهني ويفرق بأن الأول يقال لمن يطلب تعيين العالم المستحضر والثاني لمن يطلب حكمًا معلومًا للعين المستحضر باسمه والثالث حصر كمال السند لأن الجنس مطلق فينصرف إلى الكامل مريحًا أنه لا يعتد برجولية غيره والرابع حصر المسند إليه في جنس المسند مريدًا اشتهاره به واندراجه تحت ذلك الجنس المحقق لا تحت مقابله وكذا الخامس غير أن جنس المسند فيه موهوم مقدر مجري مجرى المعلوم المحقق. فعلم أن الحصر عندهم لا ينحصر في المعرف نحو تميمي أنا ولا بين المبتدأ أو الخبر نحو إياك نعبد والله أحمد ولا بعدهما في تعريف المبتدأ نحو في الدار رجل ولا بعده في العهد الذهني لصحة إرادة الجنس في تعريف الخبر وإنما أنكر ابن الحاجب غيره نظرًا إلى مجيئها لغير الحصر في مواضع كثيرة والحق إذا قيل بالمفهوم خلافه إذ ليس دعوى أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر كلية بل مطلقة وهو الحق في الصفة أيضًا عند القائلين به. وفيه مذاهب ثلاثة كما في إنما: 1 - لا يفيده وهو المذهب. 2 - يفيده بالمنطوق. 3 - بالمفهوم والثاني ظاهر بطلانه لأن المنفي عنا وحكمه كالعالم في المثلين وليس بمذكور لهم أنه لو لم يفد حيث لا عهد خارجيًا فإنه المبحث إذ لا حصر معه كما علم في المعاني وسيفهم من الدليل لزم الحكم بالخاص على كل من أفراد العام وبطلانه ظاهر. بيانه أن التعريف في العالم زيد ليس للجنس أي الحقيقة من حيث هي إذ الحكم عليها بأنها زيد كاذب لا لكليتَها وجزئيته كما ظن فإن الحقيقة من حيث هي ليست كلية ولا جزئية ولا هي من حيث كونها معروضة للكلية وهو الكلي الطيعي عند التحقيق ولا المجموع وهو الكلي العقلي إذ لا يصح حمل الجزئي على شيء من الثلاثة كما لا يصح حمل الأخيرين على الجزئي بخلاف الأول على ما سيتضح بل لما صدق عليه فأما بعد تخصيصه بالعهد الذهني بوجه ككونه كاملا في العلم والصداقة في يصحح أن يحمل عليه زيد فقد ثبت المدعي. لا يقال الثابت به إن أكمل الناس في العلم زيد وهو غير الحصر المدعي. لأنا نقول نعم لولا تضمنه ادعاء أن غير الكامل ليس علمًا كما علم في المعاني على

أن العهد بنحو الكمال غير ملتزم بل يكفي بنفس العلم وإما مستغرقًا فإما للأفراد المقدرة بمعنى كل شخص يقدر فردًا له زيد وفيه المدعي أيضًا وإما للمحققة ولا أقل من فرد غير زيد كعمرو فإذا حكم على كل فرد منه حكم يزيد على عمرو أيضًا. إن قيل: يحتمل ما صدق عليه مطلقًا من غير تعيين ولا استغراق والمهملة لا تستلزم الكلية. قلنا يحمل مثله في المقام الخطابي على الاستغراق دفعًا للتحكم كما علم. قيل فيكون كاذبًا لما عرف أن أحد طرفي القضية متى سوِّرَ بسور الإيجاب الكلي قلنا صدقه خطابي لا برها في على قول البحتري: ولم أرَ أمثال الرجال تفاوتت ... لدى المجد حتى عد ألف بواحد ولذا يستفاد الحصر، ولا يرد على ابن الحاجب رحمه الله أنه لازم في زيد العالم بعينه ولا فرق بأن الإخبار عن الأخص بالأعم جائز قطعًا بخلاف العكس لأن ذلك في النكرة لا في نحو الإنسان هو الحيوان ولا بأن المتأخر يصح عاهدًا لزيد السابق قرينة له لأن الخبر العاهد لا بد من كونه مستقلا بالإشارة كالموصولات مع قطع النظر عن المسند إليه ولأن الكلام فيما لا عهد خارجيًا وذلك لأن المسند يقصد به مفهومه فمعناه زيد شيء ثبت له العلم لا جزئياته كلها أو بعضها وإلا كانت منحرفة ولم تتعارف في العلوم بخلاف صورة التقديم فمعناها جميع جزئياته أو بعضها المعهود ذهنًا زيد وفيه الحصر. يوضحه أن الفرق بين المنكر والمعرف الجنسي أو المعهود الذهني ليس إلا بالإشارة وعدمها فلاتحاد المعنى صح حمله بلا حصر وبه يعلم فساد تمسك بعض المانعين بأنه لو أفاده التقديم لأفاده التأخير لاتحاد مفهومهما كيف ولو صح لورد في عكس كل قضية هذا. والحق عند مشايخنا أن الحصر فيه إن لزم فمن مجموع الكلام والمقام كالإشارة الحسية واللفظ بمجرده ساكت وتأخير الخبر في ذلك كتقديمه إذ قصد الاستغراق الادعائي لا يجعل القضية منحرفة ولا يتوقف على امتناع قصد المعاني الآخر إذ لا حجر للمتكلم في مثله. الثاني عشر في مفهوم قرآن العطف وهو نفى الحكم في المعطوف عما نفى عنه في المعطوف عليه فيستدل بقوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] على عدم وجوب الزكاة على الصبي عدم وجوب الصلاة عليه وقد فعله بعض أصحابنا رحمهم الله وقد مر الكلام عليه.

الركن الثاني: من السنة وفيها مقدمة وعدة فصول

تنبيه: شيء من هذه المفهومات لو ثبت كان إشارة والله تعالى أعلم. الركن الثاني: من السنة وفيها مقدمة وعدة فصول أما المقدمة ففيها مباحث الأول أنها لغة الطريقة (¬1) وشرعًا في العبادات النافلة وههنا ما صدر عن الرسول غير القرآن قولًا كان ويخص بالحديث أو فعلا وتقريرًا (¬2). الثالى: أن الأكثر على جواز الذنب قبل الرسالة خلافًا للروافض مطلقًا والمعتزلة في الكبيرة ومعتمدهما إيجاب التنفر عن اتباعهم ومبناه التنقيح العقلي وبعدها في عصمتهم عن تعمد الكذب إجماعًا وعن غلطه عند غير القاضي. ومبناه أن دلالة المعجزة على الصدق اعتقادًا عنده ومطلقًا عند غيره وكذا عن الكفر إلا الأزارقة مطلقًا والشيعة تقية وغيرهما أربعة أقسام فالكبائر عمدًا ممتنعة إلا عند الحشوية سمعًا وإلا عند المعتزلة وسهوًا جوزه الأكثرون والصغائر عمدًا جوزه غير الجبائي وسهوًا جائز اتفاقًا إلا الخسية كسرقة حبة واستيفاؤه في الكلام فما ليس بذنب سواء كان عمدًا ويسمى معصية فإنها اسم فعل محرم قصد مع العلم بحرمته عينه لا مخالفة الأمر به وإلا كان كفرًا أو خطأ ويسمى زلة وهو اسم فعل فعل في ضمن قصد مباح. وقال علم الهدى هي ترك الأفضل أي من الأنبياء وقد تسمى معصية مجازًا نحو {وَعَصَى آدَمُ} [طه: 121] و {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15] إن وضح فيه أمر الجبلة ويسمى طبعًا كالأكل فلا خلاف في إباحته. وما ثبت تخصيصه به كوجوب الضحى والأضحى والوتر عند من لم يقل به فيهما والمشاورة والتخيير في نسائه وإباحة الوصال والزيادة على أربع نسوة أو ثبت أنه سهو نحو سهى فسجد لا مشاركة فيه. وما عرف أنه بيان النص المعلوم جهته من الوجوب وغيره فيتبع تلك الجهة اتفاقًا عرف ببيانيته بنص نحو خذوا وصلوا أو بقرينة كوقوع الفعل بعده كقطع يد السارق من الكوع إن كانت اليد مجملة وإلا فالزيادة بالإجماع وكإدخال المرافق في غسل الأيدي أو إخراجها على القول بالاشتراك لا الثلاثة الباقية وغير الأقسام الأربعة إن علمت جهته من الوجوب وغيره إذ ما يقتدي به من أفعاله أربعة مباح ومستحب وواجب وفرض. وقيل ثلاثة لأن الثابت بدليل فيه اضطراب لا يتصور في حقه فلا واجب. ¬

_ (¬1) انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي (4/ 237) مادة (سنن). (¬2) انظر إحكام الأحكام للآمدي (1/ 241).

ووجه بأنه تقسيم لأفعاله بالنسبة إلينا فأمته مثله مطلقًا عند الجمهور وهو مذهب الجصاص والجرجاني من أصحابنا والشافعى وجميع المعتزلة إلا أن يقوم دليل الخصوص لأن الأصل الاقتداء وقال الكرخي منا وجميع الأشعرية والدقاق من الشافعية باختصاصه بالرسول عليه السلام حتى يقوم دليل الشركة وقال أبو علي بن خالد رحمه الله مثله في العبادات وقيل كما لم يعلم جهته. وفيه خمسة مذاهب في حقنا الوجوب، والندب، والإباحة، والوقف، والتفصيل بأنه إن ظهر قصد القربة فالندب وإلا فالاباحة ومذهب الكرخي فيه من اعتقاد الإباحة لأنها المتيقنة والفضل مشكوك في حقه والتوقف في حقنا مندرج هنا في الوقف وقول الجصاص من اعتقاد الإباحة في حقه وكذا في حقنا إلا بدليل. ومنه قصد القربة وهو مختار فخر الإِسلام مندرج في التفصيل الذي اخترناه وهو الأصح لأصالة الاقتداء قال أبو اليسر وفي المعاملات بدل فعله على الإباحة بالإجماع. لنا في الأول رجوع الصحابة إلى فعله عليه السلام المعلوم جهته وآية الأسوة قال التأسي فعل مثل ما فعل على وجهته لا فعله مطلقًا وإلا لتأدى بلا نية كالصوم. وقوله تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] ولولا التشريكَ لما أدى تزويجه عليه السلام إلى عدم الحرج في حق المؤمنين. وفي الثاني أولا أنه إن ظهر قصد القربة ظهر الرجحان لأن الأصل عدم المنع من الترك ولا دليل له وإلا علم جهته وإن لم يظهر فالجواز لبعد المعصية والأصل عدم الرجحان وثانيًا أن نفي الحرج في الآية المذكورة يفهم أن مقتضى فعله الإباحة. للموجبين طريقان أنه للوجوب ابتداء وأنه مر والأمر موجب. فللأولين أولًا قوله تعالى {فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] وثانيًا فاتبعوني وثالثًا آية الأسوة حيث جعلها لازم الإيمان فعدمه لازم لعدمها ولازم الواجب واجب وملزوم الحرام حرام. ورابعًا: حديث خلع النعال وصوم الوصال وعدم التمتع بالحج إلى العمرة حيث لم ينكر اتباعهم والجواب عن: 1 - أن المراد بما آتاكم أمركم ليتجاوب طرفا النظم وعن 2 - أن المتابعة والأسوة فعل مثل فعله على وجهه أو الامتثال لقوله أو كلاهما فلا يلزم الوجوب قبل العلم بجهته على أن يلزم وجوب الضدين إذا فعلهما إباحة أو ندبًا وترك المندوب ليس بمكروه كليًا وإلا لم يجز له ترك السنن الغير المؤكدة ولئن سلم فمكروهيته في ضمن فعل ما لا في ضمن كل فعل وإلا لكره الواجب وعن 3 - لمنع عدم الإنكار فإن الاستفهام فيها له ولئن سلم فالاتباع لعله كان ندبًا لهم بالقرينة ولئن سلم فالوجوب من

نحو صلوا وخذ وإلا من الفعل لأدلتنا السالفة مع أن القول كاف فيه والأصل عدم الترادف. قال الغزالي رحمه الله هم لم يتبعوا في جميع أفعاله فالصحيح التمسك بالمخالفة على عدم الإيجاب لا بالاتباع على الإيجاب. وخامسًا إيجاب الصحابة رضي الله عنهم الغسل في التقاء الختانين بمجرد قول عائشة رضي الله عنها فعلت أنا ورسول الله فاغتسلنا. وجوابه أن الإيجاب بحديثه والسؤال الدفع وهم التخصيص أو لقوله صلوا فإنه شرط الصلاة أو لقرينة السؤال بأنه يجب أم لا. وسادسًا أن الوجوب أحوط لا من الإثم قطعًا كما يجب الخصر عند صلاة نسيها وترك الجميع لطلاق ومبهمة إلى أن تعين وكما يروى أن استفتى فيمن صلى خمسًا بخمس وضوآت بقي في أحدها لمعة نسيه أيها فأفتى بتجديد وضوء تام وقضاء الخمس فقضاها بلا تجديد وأعاد الاستفتاء فأجاب كالأول فاتفق علماء عصره على أنه مصيب أو لا للاحتياط ومخطئ ثانيًا لأن وضوء العشاء إن كان تامًا صح قضاء الكل وإن كان هو الناقض لم يجب إلا قضاؤه. وجوابه يمنع أن الوجوب أحوط في كل شيء بل فيما لا يحتمل التحريم فاسد لأنه أحوط فيما يحتمله أيضًا إذا لم يعلم حرمته كصوم الثلاثين إذا غم هلال الفطر بل الحق أن الاحتياط تارة للإيجاب وآخر للتحريم وقد يفيد الندب، أما الإيجاب ففيما ثبت وجوبه كوجوب الخمس لصلاة نسيها أولان الأصل وجوبه كصوم الثلاثين إذا غم هلال الفطر أو كان وجوبه أرجح كوجوب الغسل لانفصال المني عن مقره بشهوة لا دفق عند غير أبي يوسف ووجوب نقض الضفائر وبلها على الرجال كالأتراك والعلوية على أصح الروايتين لأنهما متناولا آية الجنابة ومبالغة التطهير وحديث الماء من الماء دون مخصصهما عكس نحو داخل العين وفيما لا شهوة أصلا وضفائر النساء أما إذا انتفى القيود الثلاثة فلا كصوم يوم الشك. لا يقال الغسل بالتقاء الختانين كذلك فلم وجب ولا سيما على المفعول به في الدير لأن هذا من باب إدارة الحكم على المظنة فالاعتبار لها لا للمئنة لاحتمال خفاء الإنزال خصوصًا عند قلته ولأن الدبر كالقبل في كونه مظنة الشهوة للبعض الغير المضبوط وإلحاقه به فيما يثبت بالشبهات إجماعي بخلاف ما يندرئ بها كالحد عند الإِمام رضي الله عنه ألحق به وأما التحريم فكذا أما فيما ثبت حرمته كاشتباه المذكا بالميتة وكل محرم غلب

على المبيح أو كان حرمته هو الأصل كعدم حل المفضاة المطلقة ثلاثًا بدخول المحلل إلا عند الحبل لاحتمال أن يقع في دبرها عكسه خروج الدودة من دبرها لاحتمال أن يكون من قرحة في قبلها فلا يرتفع الوضوء المتيقن بالشك فهذا ما يفيد استحباب الوضوء دون حرمة نحو الصلاة والذي به يفارقه صوم يوم الشك هو التشبه بالنصارى ولذا يفيد كراهته بعدم موافقة يوم الصوم وفي حق العوام دون الخواص. وللآخرين أن الأمر يطلق على الفعل نحو {أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 152] {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 73] والأصل الحقيقة وجوابه أنه مجاز لأن الأمر سببه وهو أولى من الاشتراك وقد يقال أمر فرعون قوله ووصفه بالرشد مجاز لأن صفة صاحبه ولا يخفى أن هذا الاستدلال إنما ينتهض على أن مطلق الفعل موجب فلا يناسب التحرير المذكور إلا بتكلف زائد كالتخصيص والمتخلف وإن جوابه تنزلي. وفيه أيضًا خلاف فمن قال بأنه حقيقة اضطر إلى أنه موجب لما ترتب عنده من الشكل الأول ومن قال بأنه ليس بموجب لم يقل بأنه حقيقة. ومن القائلين بالحقيقة من ادعى الاشتراك اللفظى بين الصيغة والفعل ومن ادعى الاشتراك المعنوي فقيل لمعنى أحدهما مطلقًا وقيل لمعنى الشأن المشترك بين القول والفعل وينسب هذا إلى أبى الحسين ومفزعهم أن الأصل عدم الاشتراك والتجوز وقد ثبت الاستعمال فيهما ويرده الإجماع قبل ظهورهم على أنه حقيقة في الصيغة وأن الأدلة تجوز ارتكاب خلاف الأصل وإلا ارتفع الاشتراك والتجوز أصلا والأول أيضًا الذهن يتبادر إلى القول ويصح نفيه عن الفعل وإن الأصل اختصاص المقصود باللفظ كالماضي والمضارع وهذا أعظم المقاصد فهو أولى به وأن الفعل لو كان أمرًا لكان الآكل والشارب آمرًا بهما. قيل: وهذا يختص بإبطال الأمر في الفعل بمعنى المصدر لا بمعنى الشأن وليس بشيء لأن الثاني أعم فإبطال صدقه يعم الأول فيحصل عليه ويؤيد إنكاره عليه السلام فني الأحاديث الثلاثة. وليتذكر أن استدلال الآخرين على إيجاب مطلق الفعل وأن الأجوبة تنزلية ولو قيل بأن التحرير المذكور إنما هو في الخلاف في إيجاب الفعل ابتداء لا في أمريته وإيجابه بها فإنه في مطلقه لكان أنسب للمتون لكن ما في الكشف مصرح بأنه التحرير في المقامين. وللنادبين أن الوجوب يستلزم التكليف بالتبليغ وإلا لكان بالمح والإباحة لا مدح معها وقد مدح بآية الأسوة وجوابه منع المدح بل المذكور فيها حسن الأسوة ولئن سلم

فالمدح بالناسي لا بنفس الفعل ووجوب التبليغ يعم الأحكام. ولأصحاب الإباحة تحققها لكونها أولى والوقوف عند إثبات ما تحقق ونفي ما لم يتحقق كمن وكل رجلا بماله ثبت الحفظ لا التصرف إلا بالتصريح. قيل جواز الترك مأخوذ في الإباحة ولا نعلم التيقن والتحقق باعتباره. قلنا كاف في ذلك أن الأصل عدم المنع منه كما مر. وجوابه أن ذلك فيما لم يقصد به القربة ومما يبطل الوقف أن الأصل أن يتبع الإِمام كما قال تعالى لإبراهيم عليه السلام {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] حتى يقوم الدليل على غيره. الثالث في التقرير ما علمه ولم ينكره مع القدرة إن كان مما علم إنكاره كمضي كافر في كنيسة فلا أثر لسكوته اتفاقًا وإلا دل على الجواز إذا ثبت أن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة وسيجيء وإلا لزم ارتكابه لمحرم وهو تقريره على محرم وإن استبشر مع عدم الإنكار فالجواز أوضح. أما تمسك الشافعي رحمه الله في اعتبار القيافة في إثبات النسب باستبشاره وعدم إنكاره في قصة المدلجي فيما بين زيد بن حارثة وأسامة فاعترض القاضي عليه بأن عدم إنكاره لأنه وافق الشرع اتفاقًا واستبشاره لحصول إلزام الخصم بأصله فلا يدل على تقريرها. وأجيب عن الأول: تارة بأن القول بالحق لسند منكر منكر فيحرم تقرير السند كما قال عليه السلام وكذب المجتمعون ورب الكعبة وقد نزل المطر وأخرى بأن المقرر عدم رده عليه السلام القائف عن الكلام على الإنساب بالقيافة. وعن الثاني: بأن إنكاره لم يكن مانعًا من حصول الإلزام بالقيافة فكان عليه أن ينكره المنع طريقه لولا تقريره والحق أن مقام الكلام في الشىء غير مقامة في طريقه ومن كان أبلغ الناس لا يتصور تجاوزه مقتضى المقام فمن الجائز أن يكون الملتفت إليه ها هنا نفس ثبوت النسب لا طريقه وهو الظاهر من النزاع ويكون عدم الإنكار والاستبشار لحصول المقصود في ذلك من غير التفات إلى طريقه بخلاف حديث المنجمين فإن النزاع ثمة في طريق المطر وهو مراد القاضي على أن القيافة يجوز أن يكون بينهم مما علم إنكاره عليه السلام لها فلم يكن إلى التصريح حاجة ويؤيده كتاب عمر رضي الله عنه من مثله. الرابع: تعارض الفعل مع الفعل أو القول وذكره وإن كان أنسب باب التعارض لكن لما كان فرعًا فذًا مختصًا بالقول بإيجابه عقب به.

لا يتصور تعارض الفعل إلا مجازًا بشرطين الدلالة على وجوب تكرير الأول له عليه السلام أو لأمته أو مطلقًا وعلى وجوب التأسي وفي الحقيقة الثاني ناسخ لحكم دليل التكرار لا الفعل إذ رفع حكم قد وجد محال فكون الفعل منسوخًا أو مخصصًا مجازًا ما مع القول فالأقسام اثنان وسبعون لأن دليل التكرار قائم أولا وأيًا كان فمع دلكل وجوب التأسي أولا وكل من الأقسام الأربعة تسعة لأن القول إما أن يختص به أو بالأمة أو يشملهما وعلى التقديرات إما أن يتقدم الفعل أن يتأخر أو يجهل وكل من التسعتين الأوليين اللتين مع دليل التكرار باعتبار أن التكرار له أو لأمته أو مطلقًا سبعة وعشرون. وفيه بحوث: الأول أن دليل التأسي إن أريد به الخاص بمحل فلا يلزم من انتفائه انتفاء التأسي وإن أريد العام كما تمسك الموجبون بآيات الأخذ والاتباع والأسوة مطلقًا فذكر أقسام مال لم يوجد فيه دليل التأسي مستدرك وجوابه أريد العام والمراد بما لم يوجد فيه دليل الخصوص له عليه السلام فذكرت ليضبط مواضع التعارض بينهما وترجح أحدهما. الثاني أن دليل وجوب التكرر للأمة أو مطلقًا يستلزم دليل وجوب التأسي إذ معناه دليل وجوب تكرر التأسي فلا ريب أنه قسم من دليل التأسي فضرب الأقسام الثلاثة لدليل وجوب تكرر فيما ليس فيه دليل التأسي لا يصح. وجوابه منع أن معناه ذلك بل معناه دليل وجوب تكرر الفعل وهو متصور بدون دليل التأسي كوجوب الصلاة على النبي عليه السلام كلما ذكر وكالصوم مثلا. الثالث إذا وجد دليل التأسي فكل ما دل على وجوب التكرر في حقه فقط. وجوابه منع اللزوم لجواز أن يختص التأسي بأصل الفعل بدليل يمنع التأسي في تكرره كما منع في الصلاة وجوب خصوصية الضحى. وللأحكام أصول: 1 - لا حكم للفعل في المستقبل إن لم يوجد دليل التكرار وإلا فله ذلك على حسب التكرار في حقه أو في حق أمته أو مطلقًا. 2 - لا حكم له في الأمة عند عدم دليل التأسي. 3 - لا حكم له فيهم مع دليل التأسي أيضًا إذا وجد التأسي قبل القول المتأخر ولم يوجد في ليل التأسي أيضًا إذا وجد التأسي قبل القول المتأخر ولم يوجد دليل التكرار مطلقًا أو في حق الأمة. 4 - لا حكم للقول في الماضي.

5 - لا حكم للقول الخاص لا فيمن يختص به. 6 - الفعل في الوقت أنهاه القول السابق نسخ إن كان تناوله بالتنصيص وتخصيص إن كان بالعموم، وإن تراخى عنه فما لو تأخر العموم عند الشافعية، وعندنا إذا تقدم وقارن فقط لأن الخاص المتراخي والعام المتأخر ناسخ وكل نسخ به نسخ قبل التمكن فيجوز عندنا خلافًا للمعتزلة. 7 - في مجهول التاريخ. قيل الأخذ بالقول أولى مطلقًا وقيل بالفعل مطلقًا وقيل بالتوقف مطلقًا والمختار التوقف في حقه عليه السلام دفعًا للتحكم والعمل بالقول في حقنا مع تحقق الاحتمالين لأنا متعبدون وفي التوقف إبطال له بخلاف القول. وبحث فيه بأنه إذا انعدم دليل التكرار في حقه ينبغي أن يكون الأخذ بالقول أولى في حقه أيضًا حملا للفعل على المتقدم إذ حينئذ لا يقع التعارض المستلزم لنسخ أحدهما لعدم دليل التكرار. وجوابه أن الاحتراز عن التعارض والنسخ ما أمكن إنما يجب فيما كان المقصود به التعبد والعمل كما في حقنا ففي حقه ممنوع كيف واحتمال تقدم القول في نفس الأمر لا يرتفع بحملنا ولا داعي إلى رفعه والتمسك بالأصل طريق ظني إنما يراد للعمل لا للاعتقاد. أما الأخذ بالقول في حقنا فلوجوه: 1 - قوة دلالته لوضعه لها وللفعل محامل فيحتاج في اللهم منه إلى القرينة. 2 - عموم دلالته المعدوم والموجود المعقول والمحسوس. 3 - كون دلالته متفقًا عليها. 4 - أن ترجيح الفعل يبطل حكم القول جملة وترجيح القول يبطل حكم الفعل في حقهم ويبقى في حقه إن كان خاصًا بالأمة أو يبقى أصله حيث فعل مرة وإن أبطل دوامه إن كان عامًا له ولأمته والجمع بين الدليلين ولو بوجه أولى من إهمال أحدهما بالكلية. وأما وجه الأخذ بالفعل فإنه أقوى في البيان لبيانه القول كما يدل عليه صلوا وخذوا وكخطوط الهندسة فليس والخبر كالمعاينة. وجوابه أن البيان بالقول أكثر ولا اعتبار لمظنة الغلبة مع تحقق المئنة ولئن سلم تساويهما في البيان فالترجيح معنا بالأدلة الأربعة العقلية السالفة. والضابط في أحكام الأقسام أنه عند العلم بالتاريخ وذلك في ثمانية وأربعين قسمًا إن

لم يدل الدليل على وجوب التأسي وذلك في أربعة وعشرين منها فلا تعارض في حق الأمة للأصل الثاني ولا في حقه عليه السلام إن دل على التكرار له عليه السلام أو لأمته أو مطلقًا وقد اختص القول بالأمة وذلك في ستة من الثمانية عشر للأصل الخامس بقي اثنا عشر منها ولا إن لم يدل على التكرار أصلا وذلك في ستة باقية بعد الأربعة والعشرين في ستة باقية بعدها من الأربعة والعشرين وقد تقدم الفعل للأصل الأول والرابع وذلك في ثلاثة أو اختص القول بالأمة للخامس وذلك في واحد بقي اثنان ففي الأربعة عشر الباقية معارضة في حقه والمتأخر ناسخ إن كان تناول المتقدم بالتنصيص عندهم ومطلقًا عندنا لتراخيه وإن دل الدليل على وجوب التأسي وذلك في أربعة وعشرين فإن وجد دليل التكرار في الجملة وذلك في ثمانية عشر منها وقد اختص القول بأحدهما أي بالنبي وذلك في ستة أو بالأمة وذلك في ستة فلا تعارض في حق الآخر سواء اختص دليل التكرار بما اختص القول به أو لا. وأما كل في حق نفسه والستة العامة فإن اختص دليل التكرار بالأمة في ستة النبي وذلك في قسمين وقد تقدم الفعل وذلك في واحد منها فلا تعارض وفي الخمسة الباقية يعارض وإن اختص بالنبي في ستة الأمة وذلك في قسمين فإن تقدم تأسيهم على القول المتأخر إذ لا يتصور تقدمه على الفعل فلا تعارض وإلا وذلك في الخمسة الباقية وصورة عدم تقدم التأسي تعارض والستة العامة في حق كل منهما كالخاصة له في عدم التعارض في قسم واحد مطلقًا في حق النبي وعلى تقدير تقدم التأسي في حق الأمة وإن لم يوجد دليل التكرار أصلا وذلك في ستة فإن اختص القول بأحدهما وذلك قسمان في حق كل فلا تعارض في حق الآخر أما في حق نفسه مع القسمين العامين ففط أحد قسمي الأمة والعام في حقهم وذلك إذا تقدم التأسي على القول المتأخر فكذا لا تعارض وفي الباقية من الستة المتأخر ناسخ بالوجه المذكور. ثم عند الجهل بالتاريخ وذلك في أربعة وعشرين من الاثنين والسبعين إن لم يوجد دليل التأسي واختص القول بالأمة في أربعة فلا تعارض أصلًا أو لم يختص في ثمانية فلا تعارض في حقهم وفي حقه يتوقف على المشهور لا في أربعة منها لم يوجد فيها دليل التكرار مطلقًا أو في حقه عليه السلام على البحث المذكور. وإن وجد دليل التأسي واختص القول بأحدهما في الأربعتين فلا تعارض في حق الآخر وفي الأربعة الخاصة به يتوقف على المشهور لا في اثنين علي المذكور وفي الأربعة الخاصة بالأمة يعمل بالقول والأربعة العامة ي حق كل منهما كخاصته.

تتمتان: 1 - لو اعتبر في الستة التي تأخر فيها القول أو جهل الحال من التسعة التي وجد فيها دليل التأسي دون التكرار ومن التسعة التي وجد فيها معه دليل التكرار له عليه السلام خاصة تقدم تأسيهم على القول وتأخره زاد اثنا عشر قسمًا على الاثنين والسبعين. لا يقال اعتبار تقدم تأسيهم في مجهول الحال لما رفع التعارض لم يكن بد من القول به إذ الأصل عدمه سيما في حق الأمة لأن الأصل الآخر وهو عدم تحلل التأسي عارضه فلم نقل به. 2 - لو اعبتر في الأربعة والثمانين كون التعارض في حقها وفي حق أمته يبلغ مائة وثمانية وستين قسمًا. الخامس في تقسيم الوحى في حقه عليه السلام ولولا طعن الجهلة في حكمه بالاجتهاد لكان الكف عن هذا التقسيم أولى لإيهامه نوع إحاطة بكماله عليه السلام وهو منفرد بكمال لا يعلمه إلا الله تعالى. فالوحي نوعان ظاهر ثبت بلسان من تيقنه مبلغًا وهو ما أنزل عليه عليه السلام بلسان الروح الأمين عليه السلام كالقرآن أو ثبت عنده بإشارته بلا كلام كما قال عليه السلام إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها أو تبدى لقلبه يقينًا بإلهام الله تعالى وهو المراد بقوله تعالى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] والكل مخصوص به بابتلاء درك حقيقته بالتأمل ولا يوجد في غيره من أمته إلا كرامة له كسائركرامات الأولياء إلا أنه منه حجة دون غيره. وباطن وهو ما ينال باجتهاد الرأي متأملا في حكم المنصوص قاله الأشعرية وأكثر المعتزلة لا يجوز هذا لنطقه عن الوحي بالنص ولاحتمال الاجتهاد الخطأ وحكمه متبع قطعًا وقال مالك والشافعي وعامة أهل الحديث وهو مذهب أبي يوسف من أصحابنا يجوز والأصح انتظار الوحي قدر ما يرجو نزوله ثم العمل بالرأي إلا أن يخاف فوت الغرض في الحادثة والجواز في الحروب وأمور الدنيا متفق عليه. لنا عموم فاعتبروا والقياس الظاهر على داود وسليمان في قضيتي {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] و {لَقَدْ ظَلَمَك} [صّ: 24] وخبر الخثعمية في الحج وخبر عمر رضي الله عنه في قبلة الصائم وخبر أجر إتيان الأهل وخبر حرمة الصدقة على بني هاشم ولأنه أعلم البشر بمعاني النصوص فيلزمه العمل بحسبها وكان يشاورهم في غير الحرب كمفاداة أسارى بدر بالمال والجهاد حق الله تعالى كأحكام الشرع فجواز الرأي فيها كهو فينا وقد

قال لأبي بكر وعمر رض الله عنهما "قولا فإنني فيما لم يوح إلى مثلكما" (¬1). وتقرير اجتهاده تثبيت صوابه كالوحي لكن قدم انتظاره الوحي لأنه مغن عن الرأي وعليه أغلب أحواله فصار كالتيمم والماء وكطلب المجتهد النص الخفي. تتمة: الوحي الظاهر أولى من الباطن لأنه لا يحتمل الخطأ ابتداء وبقاء والباطن بقاء فقط. السادس في ضبط فصولها الستة تشارك الكتاب في المتن والسند لأن مرجع الأدلة كان إلى الكلام النفسي لكن البحث فيهما عن العبارة الدالة عليه في المتن ما يتضمنه العبارة من جهات الدلالة كالأمر والنهي والخاص والعام وغيرها وطريق المتن رواية العبارة ويسمى الاتصال أيضًا والسند ويسمى طريق الاتصال الإخبار عن طريق المتن بأنه بالتواتر وغيره والإجماع يشاركهما أيضًا من حيث عبارة المجمعين. وما جرى عادة مشايخنا على ذكر مباحث المتن في الكتاب لأنه أصل الأدلة والسند ثمة مفروغ عنه معلوم أنه التواتر كما مر فأخروه إلى السنة وإن كان طريقًا إليه ومقدمًا طبعًا اقتفينا أثرهم فيهما ولكون السند إخبارًا بكيفية الاتصال من الراوي في وقاعه كذا للسامع بحيث لا يطعن فيه ذكر له فصول ستة في الاتصال والراوي والانقطاع ومحل الخبر والسامع والطعن مفتتحة بتحصيل ومختتمة بتذييل. أما التحصيل ففي الخبر وفيه مباحث: الأول: تعريفه هو للصيغة قسم من الكلام اللساني وللمعنى من النفساني فقيل لا يحد لعسره أو لأنه ضروري إما لأن الخبر الخاص بأنه موجود ضروري فالمطلق أولى وإما لأن التفرقة بينه وبين غيره من أقسام الطلب وغيره ضرورى ولذا يجلب كل بما يستحقه حتى من البله والصبيان. والضروري نفسه لا ضروريته التي عليها الاستدلال وجوابهما أن الضروري والمتميز بالضرورة حصول نسبة الوجود لا تصور حقيقة مجموع النسبة مع المنتسبين التي هي ماهية الخبر ولا يلزم من حصول أمر تصوره للانفكاك بينهما إذ قد يحصل ولا يتصور وقد يتقدم تصوره حصوله وقيل يحد فقال القاض والجبائيان وعبد الجبار وغيرهم هو الكلام الذي يدخله الصدق والكذب أي يقبلهما أي يمكن أن يتصف بهما وهو المعنى بالاحتمال وهذا يتناول قول من يرى الواسطة بينهما. فاعترض بان الواو للجمع ولا يوجدان معا أي في مكان واحد إذ المعية الزمانية ¬

_ (¬1) لم أجده.

مقارنة غير لازمة من الجمع وذلك في بعض الأخبار كالصدق في ضعيفة الواحد للاثنين والكذب في نصفيته وخبر الله ورسوله فقدلهم لا يصدق على خبر ليس للعموم مثل لا ريب فيه بالرفع وعموم النكرة في سياق النفي ليس كليًا إلا في حدود نفي الجنس صيغة أو إرادة واستدلالهم بأن كل خبر إما صادق أو كاذب وفي الحقيقة كلامان صادق وكاذب إنما يصح أن لو أريد المعية الزمانية ولا يقتضيها واو الجمع لا سيما عند تفسير الدخول بالقبول والاحتمال. والجواب بأن المراد بالواو الواصلة أو الفاصلة على تكلفة قد مر وبأن المراد احتماله بقطع النظر عن خصوصية المواد والقائل. قيل: يشعر بأنه تعريف الماهية بشرط لا والواجب تعريفها لا بشرط وهي ما لا ينافيه تشخيص ما وبه يعرف ضعف الجواب بأن المعرف المفهوم الكلي ويكفي اتصافه في فردين يؤيده أن مقتضى الشيء من حيث هو لا ينفك عنه الصحيح جواب القاضي أن المراد دخوله لغة أي لو قيل صدق فيه أو كذب لم يخطئ لغة ولا ينافيه عدم دخوله حسًا أو عقلا. وعندي أن الجوابين متساويان ومشتركان في أن التعريف للماهية بلا شرط ويحققه ما مر أنه بمعنى القابلية وقابلية الأشياء لا يقتضي تحققها ولا إمكان اجتماعها لجواز المنافاة بينها. ووارد أيضًا أن فيه دورًا فإن الصدق مثلا الخبر الموافق ولا فائدة في تبديله بالتصديق غلا توسيع الدائرة لأنه الحكم بالصدق وفي أنه الأخبار تعريف بنفسه أيضًا ووروده موقوف على أن يراد بالصدق في الحد والمحدود مفهوم المصدر ويعرف بمطابقة الخبر أو الصادق ويعرف إما بالخبر الموافق وإما بالمتكلم به أو في الحد الصادق بأحد المعنين وفي المحدود المصدر أو في الحد بصفة المتكلم وفي المحدود بصفة الكلام إذ لو عكس في الثلاثة أو عرف في الأقسام التسعة المصدر بمطابقة النفسي لمتحلقه والصادق بالمطابق نفسية له كلاما كان أو متكلمًا أو قيل بداهتهما وإن صحة ذكره في تنبيهها لا ينافيها لم يرد فوجوه دفعه أحد وعشرون ووروده ستة وبذا يعرف عدم وروده إلزامًا وإن عرفوه بذلك اللهم إلا أن يصرحوا باتحاد المراد في المقامين ولم يثبت. قيل لا يمكن تعريفهما إلا بالخبر لأنهما أخص منه وإنما يعرف الأخص بالأعم لا يقال لو كانا أخص لا يعرفانه ها هنا إذ الأخص إنما يعرف الأعم إذا كان ذاتيه وقد علم بكنهه وهما ممنوعان ولئن سلم فقد يعلم عنه الكل بدون العلم بكنه الجزء حيث قيل لا يعلم عنه

البسيط والمركب ينتهي إليه لأنا نقول المطلوب ها هنا التمييز لا معرفة الكنه. وجوابه بمنع الأخصية قولًا بأن المعرف أحد الأمرين وهو مساو فاسد إذ لا بد في معرفة أحد المعنيين من معرفة كل منهما بل بأن الأخص إنما لا يعرف إلا بالأعم إذا طلب كنهه وكان الأعم ذاتيًا ولو سلم فلا يقتضى معرفة الجزء بالكنه ثم ما مر من الجواب عن الدور بأن لماهية الخبر اعتبارها من حيث هي وبه يعرف الصدق والكذب به واعتبار أنها مدلول الخبر وبه يعرف بهما لوضوح نفس ماهيته إنما يناسب القول بضروريته لا كون الغرض كسب حقيقته كما ها هنا وقال أبو الحسين البصري كلام يفيد بنفسه نسبة أمر إلى أمر إثباتًا ونفيًا وعرف الكلام بالمنتظم من الحروف المسموعة المتميزة المتواضع على استعمالها في المعنى وهذا على عرف الفقهاء حيث حكموا ببطلان الصلاة بكلام البشر حرفين فصاعدا أو بحرف ممدود أو مفهم فالحروف أعم من المحققة والمقدرة قاله احترازًا عن نحو همزة الاستفهام والمراد بها ما فوق الواحد وقيل الجنس نحو فلا يركب الأفراس إذا لم يركب إلا واحدًا فيتناولها. والكلام عن النفسي فإنه الأعم عنده والصوت المجرد والمكتوبة والمتخيلة فالمسموعة تأكيد لاحتراز عما في النفس ردًا على الأشاعرة وعن المكتوب ردًا على الحنابلة ولدفع توهم تناول الأخيرين نظرًا إلى الإطلاق المجازى والمتميزة عن أصوات الحيوانات المشابهة للحروف والمتواضع عليها عن المهملات إذ إطلاق الكلام على المهمل مجاز وبنفسه أي بحسب وضعه لا بضميمة على نحو قم باعتبار نسبة الطلب إلى القائل لأنها عقلية وكذا فهم الإنشاء من الخبر لزومًا أو نقلا نحو {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] ومثل بعت ونكحت والإسناد من التقييد والٍا ضافة ومجرد ذكر الخبر نحو قالًم وقوله نسبة يريد به وقوع نسبة بدليل تقييده بالٍاثبات والنفي يخرج نحو قم باعتبار نسبة القيام إلى المخاطب وفاعل الصفة معها وجميع المركبات التقييدية والإضافية. قيل ذكر عبد القاهر أن لا دلالة للخبر على وقوع النسبة بل على حكم المخبر بالوقوع ففهم أن نسبة الوقوع واللاوقوع إلى اللفظ سواسية قلنا معناه إعلام الوقوع وإلا لم يشعر بأن له متعلقًا واقعًا في الخارج فمدلوله الصدق والكذب احتمال عقلي ناشئ من عدم وجوب المطابقة بين المفهوم من اللفظ والحاصل في الذهن وبين ما في نفس الأمر. وحده الحقيقي الأخص أنه الكلام المحكوم فيه بنسبة خارجة عن مدلوله سواء قامت بالذهن كالعلم أو بالخارج عن المشاعر كالقيام أو لم يقم بشيء منها نحو شريك الباري ممتنع إذ الألفاظ موضوعة بإزاء الأمور الذهنية فمدلول الكلام النسبة الذهنية فإن نسبت

إلى خارجية فالخبر وإلا فالإنشاء والمراد بالنسبة هي مع معروضها كالمضاف المشهوري. فرع: نحو بعت خبر لغة وشرعًا إذا لم يقصد به حدوث الحكم أماح فإنشاء لصدق حده إذ لا بيع آخر وانتفاء خاصته إذ لا يحتمل الصدق والكذب ونحو طلقت ماض لا مغير عليه حينئذ فيلزم أن لا يقبل التعليق لكنه يقبله وللفرق الظاهر فمن قال لرجعيته طلقتك وأراد الإخبار لم يقع أو الإنشاء وقع وقيل إخبار لكن عما في الذهن من الرضاء والإرادة بالتخيير أو التعلق فحدوث العقود والفسوخ بها شرعًا بناء على أن الموجبات هي الأمور النفسية لكن لخفائها نيط الأحكام بدلائلها كالسفر ويتغاير النسبة النفسية والخارجية بالاعتبار كما في علمت فلا ينتهض الأدلة عليه بل لا تبقى في الحقيقة نزاع. الثاني في الصدق والكذب المشهور أن صدقه مطابقته للخارج المذكور لا عن المشاعر وهو الواقع والأمر نفسه أعني تحقق الأشياء في أنفسها وكذبه عدمها لا واسطة في الخبر لأن الاستعمال وتبادر الذهن في المعنين غالب فلا بد من تأويل ما يخالفه دفعًا للاشتراك. وقال النظام للاعتقاد الجازم أو الراجح فخبر المتوهم كاذب إذ لاعتقاد بما يطابقه ولا مطابقة لما يعتقده وكذا خبر الشاك لعدم الاعتقاد واعتقاده للتساوي مم إذ لا يخطر بباله ولئن سلم فالمعتبر مطابقة المفهوم من اللفظ والنسبة بالتساوي بين الوقوع واللاوقوع ليست به فلا واسطة والفرق بين المذهبين أن المطابقة وعدمها من النسب الثلاث بين اللفطة والخارجية في الأول وبينها وبين العقلية في الثاني. وقال الجاحظ مطابقتها لهما وعدمها لهما فالمطابق لأحدهما دون الآخر واسطة كالخالي عن الاعتقاد. وتفصيله أن الصدق العمدي صدق والكذب العمدي كذب والمطابق للواقع دون الاعتقاد أو بلا اعتقاد وغير المطابق للواقع بل للاعتقاد أو بلا اعتقاد واسطة فهي أربع وقيل مفعول الاعتقاد الحكم فالواسطة قسمان المطابق بلا اعتقاد الحكم وغير المطابق بلا هو ولا يناسب لأن الكذب ح هو المطابق للاعتقاد دون الواقع وهذا لا يكون كذبًا عمديًا وأيضًا إن اشترط في الكذب مطابقة الاعتقاد فلا وجه له إذ ما لا يطابقهما أولى به وإن أريد جوازها كان الكذب مخالفة الواقع كمذهب الجمهور وأيضًا عدم اعتقاد الحكم يحتمل اعتقاد خلافه واللااعتقاد أصلا فلا خلاص عن الأربع. للنظام أولا دواعى تبرؤ المخبر عن الكذب متى ظهر خبره بخلاف الواقع واحتجابه

لها بأن لم يخبر بخلاف الاعتقاد أو الظن وهذا إلزامي يفيدان عدم مطابقة الواقع ليس بمعتبر في الكذب لا كلا ولا جزعًا فيبطل به المذهبان الأخران فلا حاجة إلى دعوى الصدق معها أو تحقيقي طوى فيه وإذا لم يكن كذبًا كان صدقًا إذ لا واسطة بالعرف وجوابه لا نعلم أن دعوى التبرؤ عن مطلق الكذب بل عن الكذب العمدي الموجب للملامة وقريب منه قول عائشة رضي الله عنها ما كذب ولكنه وهم حيث نفى الكذب عما يخالف الواقع فمرادها رضي الله عنها ما كذب عمدًا. وثانيًا قوله تعالى {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] بعد قولهم {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] حيث كذبهم فيه مطَابقًا للواقع لا للاعتقاد فدل أنه دعم مطابقة الاعتقاد فقط وجوابه لا نعلم أن التكذيب فيه بل في نشهد لا في نفس مدلوله قطعًا لاحتمال كونه إنشاء بل فيما يتضمنه من أنا نقوله عن علم للعرف أو أنا مستمرون عليها غيبة وحضور للفعل المضارع المنبئ عن الاستمرار أو أن شهادتنا عن صميم القلب للتوكيد أو إخبارنا هذه شهادة أو المراد شأنهم الكذب وإن صدقوا في هذه القضية خاصة ولئن لمنا أن في المشهود به لكن لا في الواقع لصدقهم فيه بل في زعمهم الفاسد ويمكن إلحاقه بالمنع الأول لأن التكذيب على الحقيقة في قولهم إنا كاذبون المذكور حكمًا. للجاحظ قوله تعالى حكايته لكلام أهل اللسان من الكفار في رد قولهم {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7] ليتوسلوا به إلى التكذيب في دعوى الرسالة من قولهم {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] حيث حصروا كلامه في كونه افتراء أو كلام مجنون وليسَ مرادهمَ باَلثاني الصدق لأنهم لم يعتقدوا صدقه ليريدوه بل عدم صدقه ولا الكذب لأنه قسيمه أو إضراب عنه وما ذلك إلا لأن المجنون يقول لا عن قصد واعتقاد فهو خبر خال عن الاعتقاد غير مطابق للواقع على زعمهم فلا يرد لا يلزم من ثبوت الواسطة على زعمهم ثبوتها في الواقع. وجوابه من وجهين: 1 - أن الافتراء هو الكذب عن عمد لغة فلا يرد أن التقييد خلاف الأصل فالمعنى أقصد الكذب أو لم يقصد فعبر عنه بملزومه إذ المجنون لا افتراء له وذا يصح أن يكون كذبًا لأن نقيض الأخص لا يباين الأعم فالحصر للكذب في نوعيه. 2 - أن المعنى أقصد فيكون خبرًا وكذبًا وغير الخبر وحاسم هذا النزاع الإجماع على أن اليهودي إن قال الإِسلام حق يحكم بصدقه أو باطل يحكم بكذبه والمسألة لغوية لكن

علمنا مبنى عليها. الثالث في تقسيمه باعتبارهما وهو بالقسمة الأولى ثلاثة. 1 - ما يعلم صدقه إما ضرورة بنفس الخبر وهو المتواتر أو بموافقة العلم الضروري كالأوليات وإما نظرًا بمخبره كخبر الله تعالى ورسوله عليه السلام معاينة وأهل الإجماع معاينة أو لموافقة النظر الصحيح كالقطعيات العقلية النظرية فهذه أربعة وفي التفصيل ستة. 2 - ما علم كذبه وهو كل مخالف لهذه الأربعة خمسة عشر وعند اعتبار التفصيل الآحاد ستة والثناء خمسة عشر والثلاث عشرون والرباع أربعة عشر والخماس ستة والسداس واحد والمجموع اثنان وستون. 3 - ما لم يعلم صدقه وكذبه فإما أن يطمأن بصدقه كالمشهور أو يرجح صدقه كخبر الواحد العدل أو كذبه كخبر المكذوب أو يتساوى كخبر مجهول الحال وخبر من عارض دليل صدقه ما أوجب وقفه كخبر الفاسق فحكمه التوقف. وقال الظاهرية كاذب لعدم دليل العلم بصدقه كخبر مدعي الرسالة وفساده من وجوه: 1 - يلزم اجتماع النقيضين إذا أخبر شخصان بهما ووقوعه معلوم ضرورة. 2 - يلزم العلم بكذب كل شاهد. 3 - بكذب كل مسلم في إسلامه فنكفره وهو باطل بالإجماع والضرورة وخبر مدعي الرسالة كاذب للعلم بكذبه لأن العادة تكذب خلافها عند عدم المعجزة لانعدام العلم بصدقه. وههنا مسائل الأولى خبر واحد بحضرة النبي عليه السلام فلم ينكره لا يوجب القطع بصدقه وإن كان الظاهر صدقه. لنا احتمال السكوت لغير الرضا من أنه لم يسمع أو لم يفهم أو علم أن إنكاره لا يفيد أو لم يعلمه أصلا لكونه دنيويًا لو رأى تأخيره إلى قوة الحاجة إلى بيانه وبعد الكل فعدم إنكاره صغيرة وهي جائزة على الأنبياء وإن بعدت فمثله من قبيل من يظن صدقه. الثانية: خبر واحد بحضور جمع كثير لم يكذبوه إن كان مما يحتمل أن لا يعلموه لغرابته عنهم لم يدل على صدقه أصلا وإن كان مما لو كان لعلموه فإن جاز أن يكون لهم حامل على السكوت كخوف وغيره فكذلك وإن علم عدم الحامل دل على صدقه قطعًا. لنا أن عدم تكذيبهم مع علمهم بالكذب ممتنع عادة. قالوا لعلهم ما علموا أو علموا كلهم أو بعضهم وسكتوا كما مر قلنا ذلك معلوم

الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال

الانتفاء في المبحث المحرر عادة فمثله مما يعلم صدقه. الثالثة انفراد الواحد بما يتوفر الدواعى على نقل مثله وشاركه في سبب علمه خلق كثير كقتل الخطب على المنبر يوم الجمعة بمشهد من أهل المدينة دليل كذبه قطعًا خلافًا للشيعة. لنا الوجدان ولولاه لم يقطع بكذب أن القرآن قد عورض وأن بين مكة والمدينة مدينة أكبر منهما. ولهم أن لكتمان الأخبار حوامل لا يمكن ضبطها فكيف الجزم بعدمها ولذا لم ينقل النصارى كلام المسيح في المهد ولم يتواتر آحاد معجزات الرسول عليه السلام وغيره مما يعم به البلوى ويمس الحاجة فاختلف فيه كإفراد الإقامة وتثنيتها وغيرها ومن الحوامل التهالك في الملك ولم ينقل النص الجلي على إمامة علي رضي الله عنه مع وجوده وكثرة سامعيه وتوفر الدواعي على نقله في زعمهم وجوابه أن العادة تعرف عدم الحامل على الكتمان كالحامل على أكل طعام واحد ومثل كلام عيسى وآحاد المعجزات لقلة مشاهديها إذ لو كثرت لنقلت عادة فهي غير محل النزاع مع أنا نمنع توفر الدواعي فيها للاستغناء عنها بالمعجزات الأُخر كالقرآن الدائر في رسولنا عليه السلام ومثلها الفروع في عدم توفر الدواعي ولئن سلم فاستمراره مغن عن نقله ولئن سلم فقد نقل المتعارضان لجواز الأمرين والخلاف لعدم الفوز بالترجيح. الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال وليتذكر أن التقسيمات بالاعتبارات لا تنافي تداخل أقسامها لما كان المقصود الأولى هنا خبر السنة اعتبر مشايخنا في تفسيره اتصاله بالرسول عليه السلام فقالوا إن لم يكن في اتصاله شبهة أصلا فهو المتواتر وإن كانت فإما صورة الشبهة في ابتدائه لا معنى للتلقي ولو من القرن الثاني أو الثالث بقبوله وهو المشهور والمستفيض وإما صورة ومعنى لعدم قطعية اتصاله وعدم التلقي وهو خبر الواحد. القسم الأول المتواتر: وفيه مباحث: الأول أنه لغة المتتابع واحدًا بعد واحد بفترة من الوتر (¬1) نحو {أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون: 44] واصطلاحًا خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه (¬2) كعن البلدان النائية والأمم الخالية وبنفسه احتراز عن إفادته العلم لا بنفسه بل تارة بالقرائن الزائدة على ما لا ¬

_ (¬1) انظر لسان العرب (5/ 275) مادة وتر. (¬2) انظر أحكام الأحكام للآمدي (2/ 21).

ينفك الخبر عنه فإن القرائن التي يختلف العلم باختلافها إما ما يلزم الخبر عادة من حال الخبر أي الحكم ككونه بالجزم لا التردد وظهور آثار صدقه أو المخبركعدالته وحزمه وكونه ممن يطلع عليه هو دون غيره كدخاليل الملوك في أسرارهم أو المخبر إلى السامع كفطنته أو المخبر عنه أي الواقعة ككونها قرينة الوقوع وبعيدته وكالأخبار المبغضة الموحشة عن الأحبة أو عمن يخالف منه لا المسرة المؤنسة وعكسه وإما زائدة عليه كصراخ وجنازة وخروج المخدرات على حالة منكرة عند باب ملك أخبر بموت ولده المريض وأخرى بغير القرائن كموافقة العلم الحسي أو العقلي ضرورة أو نظرًا كدلالة قول الصادق عليه وربما يدرج هذا في القرائن الزائدة والتحقيق إفرازه. وحكمه أن يفيد اليقين فيكفر جاحده كنقل القرآن والصلوات الخمس وأعداد الركعات والسجدات ومقادير الزكوات والديات وأروش الجنايات وأعداد الطواف والوقوف بعرفات. وقالت السمنية والبراهمة لا يفيد إلا الظن وأنه بهت أي إنكار لما يقتضيه صريح العقل وقائله سقيم لا يعرف خلفته مما هو وديته ودنياه وأمه وأباه كالسوفسطائية المنكرة للعيان وعند البعض متهم النظام وأبو عبد الله البلخى الطمأنينة والفرق أنها قريبة إلى اليقين لكن يحتمل أن يخالجه شك ويعتريه وهم وليس المراد الطمأنينة التي في {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] فإنها الحاصلة من انضمام الضرورة إلى الاستدلال. لنا الوجدان والاستدلال. أما الأول فإنا نجد العلم الضروري بنحو البلاد النائية والأنبياء والصحابة كعلمنا بالمحسوسات لا فرق بينهما فيما يعود إلى الجزم. وأما الثاني فلأن اتفاق مثل هذا الجمع المتباين طبائعهم المتفاوت هممهم لا سيما عند عدالتهم وتباعد أماكنهم وغير ذلك إما عن علم أو اختراع والثاني محال عقلا وعادة لا سيما في باب الرواية وإلا لما اشتغلوا ببذل أرواحهم في الجريان على موجبه ولما خفي ذلك بعد يعد الزمان ولما اتفقت كلمتهم بعد ما تفرقوا شرقًا وغربًا واختلفوا ضربا وحربًا وبهذا الطريق صار القرآن معجزة فالقول بالطمأنينة للغفلة من حق التأمل كالداخل على المناحة حيث يحتمل الحيلة ولهم شبه. 1 - إنه ممتنع عادة كعلي أكل طعام واحد. 2 - أن كذب كل جائز فيجوز كذب الكل إذ لا منافاة بين كذبي البعضين ولأن الكل نفس الآحاد.

3 - أنه لو انقطع الاحتمال الاجتماع لانقلب ممتنعًا. 4 - احتمال التواطئ في الاجتماع. 5 - لزوم التناقض إذا أخبر جميع بشىء وجمع بنقيضه. 6 - لزوم تصديق اليهود والنصارى في صلب عيسى وفيما نقلوه من موسى أو عيسى في أن لا نبي بعدي وتصديق المجوس في أخبار زرادشت اللعين من مس النار وإدخال قوائم الفرس في بطه. 7 - لو حصل به علم ضروري لما فرقنا بينه وبين الواحد نصف الاثنين. 8 - لما خالفه فيه إذ الضرورة تستلزم الوفاق فالأولى تنفى وقوعه والأخيرتان ضروريته والبواقي إفادته العلم والجواب إجمالا أنه تشكيك في الضروري كشبه السوفسطائية لا تستحق الجواب وتفصيلا عن: 1 - أن وقوعه مقطوع به والفارق وجود الداعى وعن (2) أن حكم الجزء قد يخالف حكم الكل ذهنًا وخارجًا فالواجب من الخيوط يقطع ومن المقدمتين لا ينتج ومن الشاهدين لا يثبت وعن (3) أن الامتناع في غير محل الإمكان ولئن سلم فالامتناع بالغير لا ينافي الإمكان الذاتي ولئن سلم فالامتناع بالغير لا ينافي الإمكان الذاتي وعن (4) ما مر من استحالته عادةً وعقلا وعن (5) أن تواتر النقيضين محال عادة وعن (6) أن شرائط التواتر مفقودة ففي الصلب لأن الداخلين على عيسى عليه السلام كانوا سبعة من أهل تعنت وعداوة والمصلوب لا يتأمل عادةً وبتغير هيأته وقد أوقع شبهة كما نص الله تعالى وذلك جائز استدراجًا على من علم دوام نعته وإن لم يجز من غيره لطفًا برفع التلبيس مع أن العيسوية وأنصار الحبشة وبعض اليهود على أنه عليه السلام مرفوع إلى السماء وكذا أن لا نبي بعدهما أصله آحاد وأخبار زرادشت تخييل كالشعوذة والتزوير ومواضعة بينه وبين ملكه وما رووا أنه فعلها في خاصة الملك دون مجامع الناس يؤيده وعن جواز الفرق بين الضروريات لسرعة الفهم لا لاحتمال النقيض وعن (8) جواز البهت من الشرذمة القليلة في الضروريات كالسوفسطائية في جميع المحسوسات. الثاني في أن اليقين الحاصل به ضروري وعند الكعبي وأي الحسين البصري والإمام نظري وعند حجة الإِسلام قسم ثالث وإنما يصح لو فسر الضروري الأول إما بمعنى ما لا تجد النفس إلا الانفكاك عنه سبيلا فضروري وتوقف المرتضى والآمدي. لنا أولا أنه لا يفتقر إلى توسيط المقدمتين بالوجدان. وثانيًا: عدم شيوع الخلاف في المتواترات بمعنى أن دعوى خلافها لم يعد بها أي

إنكارًا لما يقتضيه صريح العقل إذ هو شأن النظري وإن كان من العلوم المتسقة. أولًا أنه محتاج إلى توسيط المقدمتين نحو أنه خبر جماعة كذا عن محسوس وكل ما هو كذلك ليس بكذب بل وإلى ما ليس بكذب صدق. قلنا لا نعلم الاحتياج بل المعلوم بالوجدان عدمه وإمكان الترتيب لا يستدعي الاحتياج كما في كل قضية قياسها معها وليس هذا دعوى أنه منها كما ظن إذ لا يجب ملاحظة القياس فيه بالوجدان بخلافها. وثانيًا: أنه لو كان ضروريًا لعلم ضروريته بالضرورة لأن العلم بالعلم وبكيفيته لازم بين بالمعنى الأعم. قلنا لا أن العلم بكيفية العلم لازم بين إذْ لا يلزم من الشعور بالشيء الشعور بصفته ولئن سلم فلا نعلم أن لازم الضروري ضروري لاحتياجه إلى توسيط الملزوم أما المعارضة بأنه لو كان نظريًا لعلم نظريته بالضرورة ففاسد لأن مثل الشبهة عدم احتياج الملزوم إلى الواسطة. وللغزالي أنه لو كان نظريًا لم يضطر إليه لأن النظري مقدور ولو كان ضروريًا لم يجتج إلى توسيط المقدمتين. فقد علم جوابه وأن لا نزاع له في الحقيقة ولا يخفى فساد التوقف لأنه للعجز عن إفساد أحد الدليلين. الثالث: في شروط التواتر أما صحيحها فثلاثة كلها في المخبرين. 1 - تعددهم إلى أن يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة. 2 - إسنادهم إلى الحس بخلاف حدوث العالم. 3 - استواء الطرفين والواسطة في حد التواتر وأما فاسدها فمنه علم كل واحد وإلا لاستند إلى الظن ومنه أن لا يحصى عدد المتواترين وإلا لاحتمل التواطؤ ومنه عدالتهم إذ الكفر والفسق مظنة الكذب والجزاف ومنه تباين أماكنهم لأنه أدفع للتواطؤ. ومنه اختلاف النسب والدين ومنه وجود المعصوم فيهم عند الشيعة وإلا لم يمتنع الكذب ومنه وجود أهل الذلة عند اليهود إذ لخوفهم يمتنع تواطؤهم عادة بخلاف أهل العزة والكل فاسد لحصول العلم الضروري وإن كان البعض مقلدًا أو ظانًا أو مجازفًا وعند انحصارهم واجتماعهم كإخبار الحجيج عن واقعة صدتهم وعند كفرهم ولو في باب السنة هو الصحيح كأهل قسطنطينة عن موت ملكهم. وللضابط في العلم بحصول شرائطه حصول العلم بصدقه عادة ولا يشترط سبق العلم

بها كما يرى من يرى نظريته، الرابع في أقل عدده قيل خمسة وجزم القاضي بعدم حصوله بالأربعة وإلا حصل بشهود الزنا فلم يحتج إلى التزكية بناء على مذهبه في المسألة الآتية وتردد في الخمسة واعترض على الأول بمنع اللزوم إذ لا يلزم من عدم كفايتها في الشهادة والاجتماع فيها على التحاب والتباغض مظنة التواطؤ عدم كفايتها في الرواية وبالنقض بالخمسة فإن وجوب التزكية مشترك إلا أن يقول أن معنى التردد أن الخمسة قد يفيد العلم بسبب الخامس فلا يجب التزكية وقد لا يفيد لكذبه فيجب وقيل اثنا عشر عدد نقباء موسى ليفيد خبرهم وقيل عشرون لقوله تعالى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} [الأنفال: 65] ليفيد خبرهم العلم بالإِسلام وقيل أربعون عدد الجمعة عند البعضَ لذلك ولقوله {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وكان أربعين وقيل سبعون عدد رفقاء موسى لميقاته للعلم بخبرهم إذا رجعوا والمختار أنه لا ينحصر في عدد بل الضابط ما حصل العلم عنده لحصول اقطع بدون العلم بالعدد ولأن الاعتقاد يتقوى بتدريج ككمال العقل والقوة البشرية عاجزة عن ضبطه ولأنه يختلف بالقرائن اللازمة للخبر كما مر وأنواعها أربعة فباعتبار آحاد أو مركبات مثنى وثلاث ورباع يحصل خمسة عشر وباعتبار أربعة وأفرادها لا ينحصر. الخامس: قال القاضي وأبو الحسين كل خبر أفاد علمًا بواقعة لشخص فمثله يفيد علمًا خرى لأخر والصحيح أن ذلك عند تساوي الخبرين بحسب القرائن اللازمة من كل وجه. السادس في المتواتر من جهة المعنى وهو القدر المشترك بين الآحاد الكثيرة المختلفة من حيث التضمن أو الالتزام كشجاعة علي رضي الله عنه من أخبار حروبه وسخاوة حاتم من آحاد عطاياه قيل الأول مثال الالتزام والثاني للتضمن والصحيح أنهما للالتزام وليس المراد بذلك أن يفهم المقصود من كل الآحاد بل أعم من ذلك الإعجاز من كل من أخبار المعجزات ومن أن من المجموع من حيث هو كالمثالين. القسم الثانى الخبر المشهور: وهو ما انتشر ولو في القرن الثاني والثالث إلى حد ينقله ثقات لا يتوهم تواطؤهم على الكذب لا في أول الصدر الأول ولا يعتبر الشهرة بعد القرنين لأن المشهود بعدالتهما هما. وحكمه أن يفيد الطمأنينة المذكورة لأن إليه سكونًا بلا اضطراب لكن الحادثة لا عند

التأمل في ابتدائه بخلاف المتواتر فلذا صح عند المتأخرين ما اختاره ابن أبان أن يضلل جاحده ولا يكفركما يكفر جاحد المتواتر ولا يضلل جاحدًا الآحاد عملا بشبهي تلقي القرن المشهود له وكونه آحاد الأصل حيث لا نجد وسعًا في رد المتواتر ونخرج في رده لا في رد خبر الواحد وهذا أعلى درجات المشهور عنده فإنه عنده ثلاثة أقسام تشترك في جواز الزيادة بها على الكتاب وإن كانت نسخًا وتفترق إلى ما اتفق الصدر الأول أيضًا على قبوله كخبر الرجم على آية الجلد جاحده والمتراخي لا يكون تخصيصًا وما اختلف في الصدر الأول فقط كخبر المسح على الخفين فإن عائشة وابن عباس رض الله عنهما أنكراه ثم يروى رجوعهما فلا يضلل ويخشى المأثم وما اختلف فيه الفقهاء كخبر التتابع في صيام كفارة اليمين فلا يضلل ولا يؤثم إذْ لا إثم للمجتهد لكن يخطأ. وقال أبو بكر الجصاص أحد قسمي المتواتر لأنه إما المتواتر الأصل والفرع أو الفرع فقط فيوجب علم اليقين لكن استدلالا لا ضرورة وثمرته التكفير ونص شمس الأئمة على عدم التكفير اتفاقًا فلا ثمرة. له أن القائلين مشهود بعدالتهم فلولا صحته لما قبلوه عادة. قلنا يحتمل أن يكون قبولهم في إبجاب العمل وقال بعض الشافعية لا يفيد إلا الظن فأما إن عرفوه بما يروى عنهم أنه ما زاد نقلته على الثلاثة فمسلم في بعضه وأما بما ذكرنا فممنوع في كله. القسم الثالث: خبر الواحد وهو ما لم ينته إلى حد التواتر والشهرة وليس تعريفًا بما يساويه لسبق العلم بهما وقيل خبر أفاد الظن ولا ينعكس لأنه قد لا يفيد الظن إلا أن يزاد في المحدود لعدم الاعتداد به في الأحكام فلا يرد والفرق بين التعريفين أن الثاني يتناول المشهور دون الأول. وفيه مباحث الأول أنه لا يوجب العلم مطلقًا وهو مذهب الأكثرين وقيل يوجبه عند انضمام القرائن الزائدة على ما لا ينفك عنه الخبر عادة من الأنواع الأربعة وقيل وبغير قرينة فأحمد علمًا ضروريًا مطردًا كرامة من الله تعالى وداود الطائي وغيره علمًا استدلاليا والبعض علمًا غير مطرد. لنا أولًا لو أوجب لأوجب عادة إذ لا علية عندنا فاطرد كالمتواتر إذ التخلف في العادة للمعجزة أو الكرامة والكلام في غيرهما ولا اطراد بالوجدان. وثانيًا: للزم تناقض المعلومين إذا أخبر عدلان بمتناقضين وذلك واقع واللازم بطلان المعلومين واقعان وإلا كان جهلا.

وثالثًا: لوجب القطع بتخطئة المخالف اجتهادًا واللازم بط إجماعًا للموجب عند القرائن الزائدة أنه لو أخبر ملك بموت ولده المشرف عليه مع صراخ وجنازة وخروج مخدرات على حال غير معتادة دون موت مثله نجد العلم بموته من أنفسنا ضرورة. قلنا التيقن بالقرائن لا بالخبر كالعلم بخجل الخجل ووجل الوجل قيل لولا الخبر لجوزنا موت شخص آخر قلنا فنجوزه مع الخبر أيضًا لأنه من حيث هو لا يقطع ذلك الاحتمال بالأدلة الثلاثة ولذا لم يقع في الشرعيات وبهذا يعلم أن التزام لزوم الاطراد في الخبر المحفوف بالقرائن ودعوى امتناع حصول مثله في نقيضها عادة والتزام لخطئة المخالف قطعًا إن كان للخبر فباطلة أو للقرائن فمسلم فيما هي كافية للعلم به فلا مدخل للخبر وفي غيره مم ولئن سلم أن له مدخلا فإن أريد بإبجابه إيجاب المجموع الذي هو جزؤه فذلك اعتراف بعدم إيجابه وإن أريد إيجابه بشرط الانضمام فلا نعلم أنه الموجب. وللموجبين مطلقا أولًا أنه يوجب العمل إجماعًا بيننا ولا عمل إلا عن علم لقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمِ} [الإسراء: 36] وحصول الظن لا يكفي لأن اتباع الظن مذموم لقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]. قلنا أولًا المتبع هو الإجماع على وجوب العمل بالظواهر وهو قاطع. وثانيًا أنه مؤول بما المطلوب فيه العلم من أصول الدين لا العمل من أحكام الشرع وقد قيل المراد منع الشهادة إلا بما يتحقق. وثانيًا: أن صاحب الشرع كامل القدرة ولا ضرورة له في التجاوز عما يوجب اليقين بخلافنا في المعاملات حيث تقبل خبر الواحد وإن لم يفد العلم بلا خلاف قلنا كما هو كامل القدرة كامل الحكمة فلعل له في ذلك حكمة أقلها الابتلاء بالاجتهاد واليسر في اختلاف العباد كما جاء دا اختلاف أمتي رحمة (¬1) ولمدعط الضرورة ورود الآحاد في أحكام الآخرة كرؤية الله وعذاب القبر فإنا نجد العلم بها وإلا لم يفد شيئًا إذ لا حظ لها إلا العلم وذلك بطريق الكرامة من الله تعالى لمن تيسر له فلا ينافيه عدم اليقين للبعض قلنا لا نعلم أنها توجب العقد بمعنى اليقين بل توجب الظن كما توجب مشاهيرها الطمأنية وأما إن عقد القلب عمل فيكفي فيه حجة فقد نظر فيه بأن سائر الاعتقاديات كذلك ¬

_ (¬1) عزاه في المقاصد للبيهقي في المداخل بسند منقطع عن ابن عباس وعزاه للطراني والديلمى وفيه ضعف وعزاه الزركشي وابن حجر في اللآلئ لنصر المقدسي في الحجة مرفوعا وعزاه العراقى لأدم ابن أبي إيأس في كتاب العلم والحكم وغيره، انظركشف الخفاء للعجلوني (1/ 66).

وليس حجة فيها وجوابه بأن المقصود في الأخروية نفس العقد وفي غيرها العمل ليس بشيء ثم إنه معارض بأنا نجد عدم العلم بالضرورة ولعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل أو سموا الظن علمًا. الثاني أن التعبد به أي تكليف العمل بمقتضى خبر العدل جائز عقلا خلافًا لأبي علي الجبائي. لنا القطع بجوازه وإن التكليف به لا يستلزم محالا لذاته. قالوا أولا يستلزم محالا لغيره هو لخليل الحرام أو عكسه بتقديركذبه الممكن وما يؤدي إلى الباطل على تقدير ممكن بط قلنا لا نعلم بطلان الأمرين فإن المخالف للظن ساقط عن المجتهد ومقلده إجماعًا فعند المصوبة لكون الحق متعددًا وعند المخطئة لكون التكليف بموجب الظن ألا يرى إلى التعبد بقول المفتي والشاهدين وإن خالفا الواقع وهذا يصلح سندًا ونقضًا هذا عند ترجيح أحد الخبرين أو تساويهما عند المجتهدين أما عند مجتهد واحد فالعمل ترك العمل بهما أو التخيير بين مقتضيهما. وثانيًا: يلزم جواز التعبد بالخبر عن الله تعالى بغير معجزة وهو باطل. قلنا لا نعلم الملازمة لأن العادة تفيد العلم بكذبه عند عدم المعجزة ولأن جواز التعبدية يفضي إلى كثرة الكذب عادة بخلاف الخبر عن الرسول عليه السلام. الثالث أنه واقع أي يوجب العمل خلافًا للقاساني بالمهملة والرافضة وابن داود واتفقوا على الوجوب في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية وهو المعنى بالجواز في المحصول إذ لا معنى له بعد كونه حجة. لنا القواطع والظواهر أما القواطع فمنها إجماع الصحابة والتابعين حيث استدلوا وعملوا به في وقائع لا تحصى وشاع ذلك ولم ينكر وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح وهذا استدلال بالإجماع المنقول بتواتر القدر المشترك لا بأخبار الآحاد حتى يدور ويفيد وجوب العمل به لأن النزاع في أنه دليل نصبه الشارع للاستدلال به على الأحكام كالكتاب فمقتضاه وجوب العمل ولأن الاستدلال بإيجابهم ولأنه لا قائل بحجيته في الجواز دونه، واعترض عليه بمناقضتين ومعارضة. 1 - لا نعلم أن عملهم بها فغير لازم من موافقتها العمل سببيتها له قلنا علم ذلك من سياق الترتيب عادة. 2 - لا يلزم من وجوب العمل فيما تلقوها بالقبول وجوبه في كل خبر إذ العلة

لخصوصيتها قلنا علم من عادتهم أنه لإفادتها الظن كظاهر الكتاب والمتواتر. 3 - المعارضة بعد عملهم بخبر البعض في وقائع كثيرة أصلًا أو حتى يروى آخر قلنا ذلك لقصورها عن إفادة الظن ورفع الريبة ولا نزاع فيه ويؤيده عمله بعد رواية الآخر مع أنه لم يخرج عن كونه خبر الواحد فهو لنا عليكم لا علينا لكم ومنها بعثه عليه السلام الأفراد إلى الآفاق كعلي ومعاذ إلى اليمن وعتاب إلى مكة أميرًا ودحية إلى هرقل أو قيصر وعبد الله بن حذافة إلى كسرى وعمرو بن أمية إلى الحبشة رسولًا فلو لم يكن خبرهم حجة لما مروا ببيان الأحكام لعدم الفائدة ولا نفتح باب الطعن بالتقصير في التبليغ حيث لم يبلغ بمن يقوم به الحجة. قيل النزاع في وجوب عمل المجتهد ولا دلالة في هذا عليه قلنا أكثر العرب والصحابة كانوا مجتهدين عالمين بقواعد الاستنباط فيتم والاستدلال بالمجموع ولأنهم بعثوا للإخبار عن الشارع إذ بعثهم تفضيل لقوله تعالى {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] الآية وإنما يحتاج إليه للاجتهاد لا للفتوى عادة ومنها أن الشهادة مع أنها مظنة التهمة بالتحاب والتباغض وليست إخبارًا عن معصوم ولا عمن يخاف على الإِسلام بالكذب عليه ولا المخبر مشهورًا بالثقة إذا أوجبت العمل حتى لو لم يقض بعد البينة العادلة كان فاسقًا وإن لم يرد ذلك فكافر فالرواية أولى وكثرة الاحتياج إلى الشهادة يعارضها عموم مصلحة الزاوية. وأما الظواهر وللتمسك بها مقدمتان: 1 - أن المتبع فيها الإجماع على صحة التمسك بها أما في الفروع فظاهر وأما في الأصول فبشهادة الإجماع على التمسك بها في حجية الإجماع وسيجىء في الإجماع أن هذا الإجماع بالقاطع فلا دور. 2 - إن كل ما يدل على وجوب العمل بخبر الواحد مطلقًا يدل عليه في حق المجتهد إما لعمومه وإما لأنه في المقلد لغلبة ظنه بصدق مقلده بالإجماع ولاشتماله على دفع الضرر المطون فكذا في المجتهد عند غلبة ظنه بصدق الراوي بدلالته بل أولى لأنها للمقلد أسهل حصولا وسببها أضعف منها للمجتهد فإذا كفى ثمنه فهنا أولى وعموم الرواية يعارضها كثرة الاحتياج إلى الفتوى والشهادة فيعمان بدفعات ولو من واحد بعينه أو ينزل الدلالة بالنسبة إلى كل واحد. أما حديث الضرورة ففاسد لأن إمكان العمل بالبراعة الأصلية مشترك فمنها الكتاب، كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران:

187] الآية أوجب بيان ما في الكتاب من الواجبات فإنها أحق بالبيان ولأنها بعضه فإما على الكل وليس في وسع كل واحد أن يجتمع مع كافتهم شرقًا وغربًا وكل مخاطب يما في وسعه وإما على كل واحد فلو لم يجب قبوله لما كان لبيان الواجب فائدة للسامع قيل يحتمل أن يكون فائدته أن يحصل التواتر فيجب العمل، قلنا أحد قسمى البيان الفتوى، وحيث لم يشترط فيها التواتر لم يشترط في الآخر إذ لا دلالة على التفصيل. وكقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] الآية وله توجيهان: 1 - أنه أمر الطائفة المتفقهة بالإنذار، وهو الدعوة إلى العلم والعمل؛ لأن التخصيص يتضمنه فلو لم يكن حجة لم يفد. والطائفة تتناول الواحد في الأصح حيث أريد بطائفة من المؤمنين واحد فصاعدًا. قاله ابن السكيت وبطائفتان من المؤمنين اقتتلوا رجلان من الأنصار. ولأن أقل الفرقة ثلاثة فبعضها واحد أو اثنان ولئن سلم فلا يلزم حد التواتر بالإجماع. 2 - أن لعل للترجي المتضمن للطلب الجازم ولما استحال على الله تعالى الترجي حمل على لازمه وإيجاب الحذر عند ترك العمل يستلزم وجوب العمل والاعتراض بأن المراد بالإنذار فتوى الفقيه في أحكام الفروع بدلالة ظاهر التفقه لأن الاحتياج إلى التفقه في الفتوى لا في الرواية؛ فالقوم المقلدون مزجوا به في المقدمة الثانية من وجهين على أن الدعوة إلى العلم في المجتهد أظهر وكقوله تعالى {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة: 159] الآية أوعد بالكتمان لقصد إظهار ما في القرآن من الواجبات ولولا وجوب العمل بها لم يفد إظهارها للسامع. قيل المراد القرآن وهو متواتر والكلام فما الآحاد ولئن سلم فيجوز أن يكون إيجاب الإظهار على كل؛ لأن يبلغ باجتماعهم حد التواتر. والجواب عن: 1 - أن كون المراد هو القرآن بالآحاد فلو لم يكن حجة لم يرد مع تخصيص لشموله الوحي الغير المتأول فالمراد إظهار ما في القرآن من الشرائع لأنه المقصود وأخبار الآحاد تفاصيله كلا أو بعضًا منطوقًا أو مفهومًا. وعن: 2 - على أنه بعيد لندرة حصول التواتر (ما مر أن إيجاب إظهار الأحكام أعم ندبًا لفتوى أم بالرواية، فلو كان فائدته حصول التواتر لوجب فيهما أذلا دلالة على التخصيص والتفصيل وحيث لم يشترط في الأول لم يشترط فما الثاني وكقوله تعالى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] علل عدم قبول خبر الواحد بالفسق لترتبه على الوصف:

المناسب، فلو كان عدم قبوله لذاته لما علله بتعين؛ لأن ما امتنع بالذات لم يمتنع بالغير فإذا صح قبوله وجب لما مر فهذا ليس استدلالا بمفهوم المخالفة (ومنها السنة كقوله عليه السلام خبر بريرة في الهدية وخبر سلمان في الصدقة ثم في الهدية وخبر أم سلمة في الهدايا وقول الرسل في هدايا الملوك على أيديهم وإرساله الرسل (ومنها دلالة الإجماع حيث أجمعت الأمة على قبول أخبار الآحاد من الوكلاء والرسل والمضاربين وغيرهم) وفيهما بحث. أما في الأول فلاحتمال أن يكون قبوله لعلمه بصدقها غيبًا بخلافنا. وأما في الثانية: فلأنه ليس في باب الاجتهاد. والجواب عنه: - أنه على كثرتها التي لا تحصى خلاف الظاهر لعدم اختصاصها بمقام التحدي. وعن: - أن ما يورث غلبة الظن للمجتهد المتفرس المستفسر أقوى فبالقبول أولى. - ومنها أن عدالة الراوي ترجح جانب الصدق لكون الكذب محظور دينه وعقله فيقيد غلبة الظن فيوجب العمل كما في القياس بل أولى إذ لا شبهة في الأصل هنا بل في طريق الوصول، والمنكرون ينكرون إما لعدم الدليل أو لدليل العدم شرعًا أو عقلا. أما الأول فلأن لهم في كل من الأدلة طعنًا، وإن أجبنا عنه. وأما الثاني: فلأنه يفيد الظن والقرآن نهى عن اتباع الظن وذم عليه في الآيتين وكلاهما دليل الحرمة. ولأنه عليه السلام توقف في خبر ذي اليدين وقال كل ذلك لم يكن نفيًا للكل تقريرًا لسؤاله أو لكل ردًا له أول بها النواوي، والأخير أولى للرواية الأخرى حتى أخبره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وجوابهما بعد ما مر من المتبع الإجماع، وأن الإنكار للريبة وإن عمله بعد خبر هما لنا لا علينا أن هذه الأدلة ليست قاطعة إذ لا عموم لها في الأشخاص والأزمان ولئن سلم يحتمل التخصيص فإذا صح التمسك بمثلها في نفى التعبد ففى التعبد أولى احتياطًا وأن خبر ذي اليدين ليس في تعبد الأمة بالمنقول عن الرسول وهو المبحث وأنه فيما انفرد واحد بالإخبار بين جمع في أمر الغالب عدم وقوعه وعدم الغفلة وظن كذبه وعدم العمل به واجب اتفاقًا لغير الشيعة كما مر. وأما الشاك: فأمر مع جوابه من أن صاحب الشرع كامل القدرة فلا ضرورة له في التجاوز عما يوجب اليقين.

الفصل الثاني: في الراوي

الرابع: أن دليل إيجابه العمل شرعي كما ذكرنا وعقلط عند أبى الحسن البصري وابن سريج والقفال فتمسك أبو الحسين بأن تحصيل المصالح ودفع المضار جملة واجبة عقلا وأخبار الآحاد تفصيل بما لأن النبي عليه السلام بعث لذلك ومفيدة للظن بهما وكل جملة واجبة عقلا فالظن بتفضيله يوجب العمل عقلا. وجوابه بعد إبطال التحسين والتنقيح العقلين منع أن العمل بالظن في تفاصيل مقطوع الأصل واجب بل أولى احتياطًا ولئن سلم في العقليات منع في الشرعيات وقياسها بطل لعدم التماثل وأما لأن القياس شرعي فلا لأن القياس الذي أصله عقلي، عقلط بخلاف ما سيجيء من القياس على الفتوى. ولقسك الباقون أولا بأن صدقه ممكن فيجب اتباعه احتياطًا لا يقال الاحتياط يفيد الأولوية كما مر لأنه في الشرعيات يفيد الوجوب ولذا لم يحمل هذا على الدليل العقلي بل على القياس. فأجيب بأن لا أصل له في الشرع فالمتواتر يوجب الاتباع لإفادته العلم لا للاحتياط والفتوى فرق بينهما وبينه لخصوصها بالمقلد وعمومه في الأشخاص والأزمان ولئن سلم ذلك بناء على ما مر من المعارضة فهو دليل شرعي لأن أصله شرعي. وثانيًا بأنه لو لم يجب لخلت أكثر الوقائع عن الحكم لأن الكتاب والمتواتر لا يفيان بها منطوقًا أو مفهومًا أو قياسًا وهو ممتنع عقلا، وجوابه منع بطلان التالي. أما مع الملازمة بناء على أن عدم الدليل دليل العدم شرعًا فعند من يقول به، أو إذا انحصر، ولذا أخرا، وبالنظر إلى المتقدم الوضعط لا لقوته ترقيا. والله أعلم. الفصل الثاني: في الراوي وفيه مباحث: الأول: في تقسيمه وهو إما معروف بالرواية وشرائها فقط. أو بالفقه والاجتهاد. وإما مجهول؛ أي: في الرواية بأن لم يعرف ذاته إما بحديث أو حديثين، ولا عدالته وطول صحبته ولا يوجد في الصدر الأول. وأقسامه خمسة؛ لأن الثقات إما أن يتلقوا حديثه بالقبول أو بالرد أو يختلفوا فيهما، أو بالسكوت، أو لم يظهر بين السلف. أحكام الأقسام: فالمعروف بالكل كالخلفاء، وكالعبادلة، ومعاذ، وأبى موسى الأشعري، وعائشة، وأبى ابن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، يقبل حديثه، وافق القياس فتأيد به ولو من وجهه أو لا فطرحه.

وقيل القياس مقدم وربما ينسب إلى مالك رحمه الله. وقال أبو الحسن البصري إن ثبت علة القياس بقطعي قدم وإلا فإن قطع بحكم الأصل دون العلة اجتهد فيه حتى يظهر دليل أحدهما فيتبع، وإلا فالخبر مقدم. وقال بعض المتأخرين إن لم يترجح نص العلة على الخبر في الدلالة فالخبر وإن ترجح فإن قطع بوجود العلة في الفرع فالقياس وإلا فالتوقف. لنا أولا أن عمر ترك القياس في مسألة الجنين بأنه عليه السلام أوجب فيه الغرة، وقال لولا هذا لقضينا فيه برأينا، وفي دية الأصابع، حيث رأى تفاوتها بتفاوت منافعها، فتركه بقوله عليه السلام في كل إصبع عشر، وفي ميراث الزوجة من دية زوجها، ولم ينكره أحد فكان إجماعًا. وثانيًا: حديث معاذ حيث أخر القياس عنه وقرره النبي عليه السلام. وثالثًا: أن القياس أضعف لأن الاجتهاد المخبر في أمرين عدالة الراوي ودلالة الخبر وللقياس في سنة حكم الأصل وتعليله في الجملة وتعين العلة ووجودها في الفرع ونفى المعارض في الأصل وفي الفرع وإن كان الأصل خبرًا زاد أمره على السنة وما فيه الاجتهاد أكثر فالخطأ فيه أوفر والظن به أندر. ورابعًا: أن علة القياس ساكنة وشهادتها بالإشارة والخبر نطاق فكان فوقها في الإبانة وكذا السماع لكونه إحساسًا فوق الرأي في الإصابة ولذا قدم خبر الواحد على التحري في القبلة. قالوا أولًا القياس حجة بالإجماع لأن نفاته ظهرت بعد القرون الثلاثة والإجماع أقوى من الخبر. قلنا الخبر أيضًا حجة إجماعًا فيترجح بما مر. وثانيًا: أن الاحتمال في القياس أقل لأن الخبر باعتبار العدالة يحتمل كذب الراوي وفسقه وكفره وخطأه وباعتبار الدلالة التجوز وغيره مما هو خلاف الظاهر وباعتبار حكمه النسخ والقياس لا يحتمل شيئًا من ذلك. قلنا: الاحتمالات البعيدة لا تنفى الظهور ويأدي الجميع في القياس إذا كان أصله خبرًا وأنتم تقدمونه. وثالثًا: رد الصحابة إياه بالقياس. قلنا: كان لمعان نذكرها لا لترجيح القياس. قال المفصلون إذا ترجح نص العلة وقطع وجودها في الفرع ترجح القياس لترجح

نصه وإن لم يقطع توقف لتعارض النصين. قلنا: فلم يكن الترجيح أو التعارض للقياس من حيث هو بل للنص في الحقيقة فالمتبع ما لنا من الطريقة ويحدث من هنا فساد تفصيل أبى الحسين بلا شائبة شبهة ومانع مبين. والمعروف بالرواية فقط؛ كأبي هريرة، وأنس بن مالك يقبل إن وافق القياس مطلقًا أو خالف من وجه وإن خالف من كل وجه وهو المراد بانسداد باب الرأي يضطر إلى تركه. أما الأول فلكون الراوي ثقة بخلاف خبر المجهول إذا خالف القياس من وجه حيث يجوز تركه. وأما الثاني فلأن النقل بالمعنى كان مستفيضًا فيهم فإذا قصر فقهه لم يؤمن أن يذهب عليه شيء من معانيه لأن للحديث خطرًا وقد أوتى جوامع الكلم فدخله شبهة زائدة في متنه وفي شيء يضاف إليه الحكم ولا يترك العمل بالكتاب والسنة المشهورة، أعنى حديثي معاذ الدالين على حجية القياس بالإجماع عليها في القرون الثلاثة إلا لقطعيته وليس بحيث يصاب بالاجتهاد بخلاف القياس مثل حديث أبى هريرة رضي الله عنه في المصراة فإن قياسه على ضمان العدوان بالمثل أو القيمة إجماعًا بمنع وجوب التمر لا أن هذا ضمان عدوان وإلا فمخالفته للكتاب كاف في رده ولهذا أنكرت عليه عائشة رضي الله عنها في روايته أن ولد الزنا شر الثلاثة وأن الميت يعذب ببكاء أهله، متمسكة بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وأنكر ابن عباس رضي الله عنهما عليه روايته الوضوء مماسته النار، ومن حمل جنازة فليتوضأ، قائلا كيف نتوضأ مما عنه نتوضأ، أيلزمنا الوضوء بحمل عيدان يابسة، ويعنى به قصورهم بالنسبة إلى فقه الحديث، فأما الازدراء، فمعاذ الله. وحديث المجهول كوابصة بن معبد وسلمة بن المحبق ومعقل بن سنان رضي الله عنهم يقبل إذا تلقاه السلف بالقبول أو بالسكوت فإنه في موضع الحاجة بيان ولايتهم السلف بالتقصير كحديث المعروف بقسميه لتعديلهم إياه، وهذا إن اختلف في قبوله عندنا كحديث معقل في قصة بَرْوَعَ أنه مات عنها هلال قبل الفرض والدخول فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمهر مثل نسائها فعمل ابن مسعود رضي الله عنه. ورواه من القرن الثاني علقمة ومسروق ونافع والحسن، وأنه قرن العدول فأخذنا بقوله قياسًا للموت بكونه مؤكدًا على الدخول ولذا وجب العدة ورد على رضي الله عنه لعود المعقود عليه سالمًا فلا يوجب العوض وأخذه الشافعي، وإذا تلقوه بالرد صار مستنكرًا لا يترك به القياس اتفاقًا كحديث فاطمة بنت ليس عليه السلام لم يجعل لها نفقة ولا سكنى ورده عمر رضي الله عنه

وغيره، وكذا حديث بُسْرة في مس الذكر. أما إذا لم يظهر حديثه بين السلف فلا يترك به وجوبًا لكن يجوز العمل به إذا لم يخالف القياس ليضاف الحكم إلى النص فلا يمنعه نافيه وهذا في القرون الثلاثة؛ لأن العدالة أصل فيها لا بعدها لظهور الفسق. ولذا جوز أبو حنيفة رضي الله عنه القضاء بظاهر العدالة (¬1) لأنه في القرن الثالث، وقيل: لا يجوز لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36] الآية تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116] دل على المنع من اتباع الظن مطلقًا فخولف في المعلوَم عدالته بالإجماع فيبقى في غيره وجوابه بعد ما مر أن المتبع هو الإجماع على إثبات الظن في الفروع وأن ذلك مخصوص بالأصول أن المراد بالمعلوم عدالته إن كان المتيقن فبط للإجماع على أنه إذا عدل الراوي اثنان يجب قبول روايته مع عدم التيقن وإن كان المظنون فهو حاصل بالأصل، أما أن المراد أعم من التيقن أو الظن بالقول فتخصيص بلا دليل واصطلاح غير معهود. قيل: مبنى الخلاف على أن الأصل هو الفسق لأنه أثر القوه الشهوية والغضبية الغريزيتين والعدالة أثر التزام تكاليف الشر فهي طارئة ولأنه الغالب فيما بعد القرون الثلاثة بالحديث وأكثر أئمة المذهبين فيهم فلا ظن بعدالتهم ما لم يختبر حالهم ولم يترك الخبير بها. قلنا: أولًا العقل الذي ليس مطروحًا في معرفة الحسن والقبيح بالكلية بل آلة لها غريزي وهي أثره. وثانيًا: أن غريزية سبب الفسق لا ينافى ما ادعيناه من أصالة العدالة في القرون الثلاثة بالحديث واتباعه أولى، لا سيما أن التأثير بإجراء العادة لا بالإيجاب، فالمتبع في معرفة كيفيته صاحب الشرع. وثالثًا: أن العدالة فيما بين رواة الحديث لا سيما إذا كانوا فقهاء هي الأصل ببركته هو الغالب بينهم في الواقع كما نشاهده، فلذا قلنا مجهول القرون الثلاثة في الرواية، أما في الضهادة فإن اختص قول الإِمام بالقرون الثلاثة كما قيل من أنه اختلاف زمان فذاك وإن كان اختلاف برهان وإن أفتى المتأخرون بقولهما فبالنظر إلى الإِسلام والتزام الأحكام وكمال العقل الزاجرة عن المعصية، وأن أول البلوغ يصادف العدالة لا شك أنها الأصل فيجوز العمل به فيما يكثر فيه الوقوع وإبطال الحقوق ثم ترجيحنا هذا أولى لأنه فيما بين نفسي العدالة والفسق لا سببهما. ¬

_ (¬1) انظر: المبسوط للسرخسى (16/ 88)، تخفة الفقهاء (3/ 363).

الثاني: في شرائطه منها مصححة للقبول ومنها مكملة؛ أما المصححة فأربعة: الأول: العقل، أي الكامل ولذا قد يعبر عنه بالتكليف وقد مر تفسيره وأنه لا يكمل شرعًا لا حين البلوغ وإنما اشترط لأن كل موجود فبصورته ومعناه يتحقق فالصوت والحروف لا يكون كلامًا إلا بالعقل الذي به الفهم والتفهيم بخلاف ألحان الطور والنائم فخبر الصبي وإن قارب البلوغ ليس بحجة في الشرع لاحتمال أن يعلم عدم حرمة الكذب عليه فيكذب فلا يحصل ظن صدقه ولأن الشرع لم يجعله وليًّا في أمر دنياه ففي دينه أولى، أما عدم ولاية العبد فلحق المولى لا لنقصان عقله ولأن قوله في حقه لا يقبل فكيف في حق غيره ولأن قول الفاسق أوثق وهو مردود فكيف الصبي وكذا المجنون والمعتوه. وإجماع أهل المدينة على قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الدماء قبل تفرقهم كما يرويه مالك رحمه الله فعلى تقدير تسليمه كان لضرورة أن لا يضيع حقوق الجنايات حيث كثرت بينهم منفردين عن العدول والمشروع استثناء لا يرد نقضًا كالعرايا وشهادة خزيمة أما لتحمل في الصبي والرواية بعد البلوغ فمقبول لأن الخلل الدفع عن تحمله وقياسًا على جواز الشهادة اتفاقًا فالرواية أولى ولإجماع الصحابة على قبول رواية جماعة من أحداث ناقلي الحديث كابن عباس، وابن الزبير، وأبى الطفيل، ومحمود بن الربيع، وغيرهم. من غير فرق واستفسار، وأما إحضار الصبيان فيحتمل التبرك ولذا يحضرون من لا يضبطه وقد اصطلحوا على أن يكتبوا لتحمل الطفل حضورًا وجسدًا، ولتحمل الكبير سماعًا. الثاني: الضبط، وهو الحفظ مع الحزم والمراد مجموع المعاني الأربعة، حق السماع بأن لا يفوت منه شيء ثم فهم تمام معناه، لإمكان أن ينقله بالمعنى بخلاف القرآن، إذ المعتبر في حقه نظمه المعجز المتعلق به أحكام مخصوصة والمقصود في السنة، معناها حتى لو بذل مجهود في حفظ لفظ السنة كان حجة ولأنه محفوظ عن التغيير لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ثم حفظه باستفراغ الوسع ثم المراقبة أي الثبات عليه إلى حين الأداء فمن ازدرى نفسه ولم يرها أهلا للتبليغ فقصر في شيء منها ثم روى بتوفيق الله تعالى لا يقبل وإنما اشترط لأن طرق الإصابة لا يترجح إلا به فلا يظن بصدق الخبر دونه لاحتمال السهو. وهو نوعان: ظاهر وباطن: فالظاهر: ضبط معناه لغة، وهو الشرط عند الأكثر والباطن ضبطه فقهًا أي من حيث تعلق الحكم الشرعي به وهو الكامل فلاشتراط الأول لم يكن خبرًا لمغفل خلقة أو مساهلة

حجة وإن وافق القياس والكمال. الثاني: قصرت رواية من لم يعرف بالفقه عن رواية من عرف به. الثالث: العدالة وهي الاستقامة لغة ومنه طريق عدل وجابر للجادة والبينات واستقامة السيرة والدين شريعة وحاصلها هيئة راسخة في النفس لخمل على ملازمة التقوى والمروءة وترك البدعة ليستدل بذلك على رجحان صدقه. وهي قسمان: قاصر يثبت بظاهر الإِسلام، واعتدال العقل الزاجرين عن المعاصي كما مر. وكامل ليس له حد يدرك مداه فاعتبر أدنى كماله هو ما لا يؤدى إلى الحرج وتضييع الشريعة وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة، ولماكانت هيئة خفية نصب لها علامات هي اجتناب أمور أربعة وإن ألم بمعصية لأن في اعتبار اجتناب الكل سد بابه: 1 - الكبائر: وهي تسعة برواية ابن عمر رضي الله عنهما "الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وقذف المحصنة، والزنا، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، والإلحاد في الحرم؛ أي: الظلم فيه لشرفه" وزاد أبو هريرة رضي الله عنه "أكل الربا" وعلى رضي الله عنه "السرقة، وشرب الخمر" وقيل: كل ما توعد الشارع عليه بخصوصه وقيل: كل ماكان مفسدته مثل مفسدة أقلها أو أكثر مفسدة دلالة الكفار إلى استئصال المسلمين أكثر من مفسدة الفرار عن الزحف ومفسدة إمساك المحصنة للزنا بها أكثر من مفسدة القذف، وقد يقال ما يدل على قلة المبالاة بالدين دلالة أدنى ما ذكره وعلى هذا كثيرة. 2 - الإصرار على الصغائر فقد قيل لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، ومرجعه أن يعرف بالعرف بلوغه مبلغًا ينفي الثقة. 3 - الصغائر الخسية؛ أي الدالة على خسة النفس كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة. 4 - المباح الدال على ذلك كاللعب بالحمام والاجتماع مع الأرذال، والحرف الدنية مما لا يليق كالحياكة، والدباغة، والحجامة، والأكل والبول على الطريق، وذكر قاضى خان الأكل والشرب في السوق، فإن مرتكب الكل لا يجتنب الكذب غالبًا فخبر الفاسق والمستور وهو من يعلم ذاته دون صفته مردود. قال الشافعي فخبر المجهول أولى إذ لا يعلم لذاته ولا صفته فربما لو علم ذاته علم بالفسق بخلاف من علم ولم يعرف بالفسق، قلنا قبلناه في القرن المشهود بعدالته وكذا

المستور فيه. وأما المبتدع، وهو من ليس معتقده كأهل السنة فإن تضمن بدعته الكفر ويسمى صاحبها الكافر المتأول، فمن كفر به جعله كالكافر وسيجيء، ومن لم يكفر كالبدع الواضحة فإنها إما غير واضحة فيقبل اتفاقًا وإما واضحة ويسمى الفاسق المتأول؛ كفسق الخوارج، والروافض، والجبرية، والقدرية، والمعطلة، والمشبهة، وكل منها اثنتا عشرة فرقة، تبلغ اثنتين وسبعين. فمن الأصوليين من رد شهادته وروايته منهم الشافعي والقاض لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ومنهم من قبلهما. أما في الشهادة فلأن ردها لتهمة الكذب والفسق من حب الاعتقاد لا يدل عليه، بل أمارة الصدق لأن موقعه فيه تعمقه في الدين والكذب حرام في كل الأديان لا سيما من يقول بكفر الكاذب أو خروجه من الإيمان وذلك يصده عنه إلا من تدين بتصديق المدعى المنتحل بنحلته كالخطابية وكذا من اعتقد بحجية الإلهام. وقد قال عليه السلام نحن نحكم بالظاهر وأما في الرواية فلأن من احترز عن الكذب على غير الرسول فعليه أولى إلا من يعتقد وضع الأحاديث ترغيبًا أو ترهيبًا كالكرامية أو ترويجًا لمذهبه كابن الراوندي. وأصحابنا قبلوا شهادكم لما مر دون روايتهم إذ ادعوا الناس إلى هواهم على هذا جمهور أئمة الفقه والحديث لأن الدعوة إلى التنحل داعية إلى التقول فلا يولقن على الرواية ولا كذلك الشهادة. قيل مذهب القاضي أولى لأن الآية أحق بالعمل من الحديث لتواترها وخصوصها والعام يحتمل التخصيص ولأنها لم تخصص إذ كل فاسق مردود، والحديث خص عنه خبر الكافر والفاسق. قلنا: مفهومها أن الفسق هو المقتضى للتثبت فيراد به ما هو أمارة الكذب لا ما هو أمارة الصدق، وقبول الصحابة قتلة عثمان رواية وشهادة إجماعهم عليه، ولئن سلم فليس بدعة واضحة لأن كثيرًا من القتلة وغيرهم يجعلونه اجتهاديًّا ونحو الخلاف في البسملة أنها من القرآن أو زيادة الصفات وغيرها من مسائل الاعتقاد إذ لم يتضمن كفرًا أو لم يكفر بها وإن ادعى الخصم القطع ليس من الواضحة لقوة الشبهة من الجانبين فيقبل. ومن مسائل العمل كشرب النبيذ، واللعب بالشطرنج من يجتهد بحله أو مقلد له فالقطع أنه ليس بفسق صوبنا أو خطأنا لوجوب العمل دموجا الظن ولا يفسق بالواجب فالصحيح أن لا يحد مثله بشرب النبيذ وإن حده الشافعي لا لأنه فاسق بل لزجره لظهور

التحريم عنده ولذا قال أحدّه وأقبل شهادته، وكذا الحد في شهادة الزنا لعدم تمام النصاب ليس بفسق بخلافه في مقام القذف. الرابع الإِسلام وهو تحقيق الإيمان كما أنه تصديق الإِسلام وهو نوعان ظاهر بنشوء بين المسلمين وتبعية الأبوين أو الدار وكامل يثبت بالبيان وأدناه البيان إجمالا بتصديق جميع ما أتى به النبي عليه السلام مطلقًا، والإقرار به لأن في شرط التفصيل حرجًا ولذا اكتفى بعد الاستيصاف بنعم وكان دأبه عليه السلام، والمقبول منه أدنى الكامل إلا أن يظهر أمارته كالصلاة بالجماعة للحديث، ولذا قال محمَّد في الصغيرة بين المسلمين إذا لم تصف حين أدركت تبين من زوجها وإنما اشترط لا لأن الكفر يقتضى الكذب بل لأن الكافر ساع في هدم الدين فتثبت به تهمة زائدة كما في الأب لولد، فلا يقبل روايته ولا شهادته على المسلم ولانقطاع الولاية عليه ويقبل على الكافر عندنا صيانة للحقوق إذ أكثر معاملاتهم مما لا يحضر مسلمان وإن خالفا ملة، لأن الكفر كله ملة فللذمي على مثله والمستأمن وللمستأمن على مثله من دارهما فقط وعند مالك والشافعي لا يقبل والاستدلال على اشتراطه بأنه لا يوثق به كالفاسق وبأن الفاسق في قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] يتناوله بالعرف المتقدم وهو الخارج عن طاعة الله تعالى وإن لم يتناوله بالمتأخر وهو مسلم ذو كبيرة أو صغيرة أصر عليها ضعيف لأنه قد يوثق بقوله لتدينه في مطلق دينه المتضمن لتحريم الكذب أو في تحريم الكذب ولأن المراد الفسق المفضي إلى الكذب والتدين رادع عنه. تتمة: يزاد في الشهادة شروط عليها كالبصر والذكورة والحرية وأن لا يحد في القذف وعدم القرابة للشهود له وعدم العداوة للمشهود عليه، والعدد وغيرها مما ذكر في بابها فيقبل رواية الأعمى والعبد والمرأة والمحدود في القذف إلا في رواية الحسن كما قبلت الصحابة رضي الله عنهم منهم من غير طلب التاريخ لا شهادتهم لأنها تفتقر إلى تمييز زائد ينعدم بالعمى وولاية كاملة متعدية تنعدم بالرق وتقصر بالأنوثة وحد القذف وتحقيق ظن غالب بعدم بواعث الكذب لا يحصل عند القرابة، وللعداوة، ولا يغلب عند وحدة المخبر لأن البراءة الأصلية تعارض دليل صدقه فإذا تعدد رجح وبناء الجميع على حروف فارقة: 1 - أن فيها إلزامًا على المشهود عليه واللزوم على سامع الخبر بالتزامه طاعة الله ورسوله، كعلى القاضى بتقلده. 2 - إن حكم الخبر يلزم الخبر أولًا ثم يتعداه ولا يشترط لمثله قيام الولاية بخلاف الشهادة حتى كان العبد كالحر في الشهادة بهلال رمضان، أيضًا وما يلزم العبد والفقير من

الفصل الثالث: في الانقطاع

خبر الزكاة، مثلا اعتقاد وجوبه. 3 - أن الشهادة لخصوصها تؤثر المحبة والعداوة ويجرى المساهلة فيها والخبر عام والذي ترى شهود الزور أكثر من رواة المفترى. وأما المكلمة: فربما يظن أنها شرط الصحة وليست. فمتها العدد عند الجبائي، حيث شرط لقبوله أحد أمور أربعة: خبرا آخر، أو موافقة ظاهر له، أو انتشاره بين الصحابة، أو عمل بعضهم بموجبه. وزاد في خبر الزنا رواية أربعة من العدول ويكفى في بطلانه ما تقدم من عمل الصحابة بلا عدد وإنفاذ الآحاد للتبليغ وغيرهما، ومن الجواب عن توقفهم في قبول المنفرد ونحو قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36]. ومنها البصر والذكورة وعدم القرابة والعداوة لأن أضدادها فادحة في الضبط والعادلة بخلاف الحرية فإن قدح الرق في الولاية وهي ليست من لوازم الرواية وجوابه ما مر من الحروف الفارقة مع قبول الصحابة رواية الأعمى وعائشة رضي الله عنها وغيرهما. ومنها الإكثار من الرواية، وقد قبلت الصحابة حديث أعرابي لم يرو غيره نعم أثره في الترجيح عند التعارض. ومنها كون الراوي معروف النسب وألحق قبوله إذا عرفت عدالته وإن لم يكن له نسب فضلا عن معروفيته. ومنها الفقه والعربية أو معرفة معنى الحديث فيقبل بدونها لقوله عليه السلام "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، أما اشتراط موافقته للقياس عند أصحابنا فليس مطلقًا بل عند عدم فقه الراوي لما مر من احتمال نقله بالمعنى ولم يطلع على عنه مراده لا ينافيه عدالة الراوي وظهور صدقه. الفصل الثالث: في الانقطاع وهو نوعان: ظاهر، وباطن؛ لأنه إما صورة أو معنى. والظاهر هو الإرسال بأقسامه الأربعة لأنه إما من كل وجه، فمن الصحابة أو القرنين بعدهم أو من دونهم، وإما من وجه فقط. والباطن إما بالمعارضة بأقسامه الأربعة لمخالفته الكتاب أو السنة المعروفة، أو لشذوذ فيما عم به البلوى لمحالصلاة ومقدماتها لحاجة الكل إليها أو لإعراض الصحابة عنه وإما لقصور في الناقل بأقسامه الأربعة لانتفاء إحدى الشرائط الأربع. فبيان الأقسام الاثني عشر في ثلاث مباحث:

الأول في الإرسال الحديث إما مستند؛ وهو الذي يرويه واحد عن واحد رآه وسمع منه بإحدى الطرق الآتية متصلة إلى من سمع من النبي عليه السلام. وإما مرسل وهو الذي يرويه عمن لم يسمع منه فمرسل الصحابي مقبول إجماعًا لأن قوله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر في سماعه بنفسه فيحتمل عليه إلا أن يصرح بالرواية عن غيره وإن احتمل غيره (¬1) كما قال البراء بن عازب ما كل ما تحدثه سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما حدثنا عنه لكنا لا نكذب وكذا مرسل القولين بعدهم عندنا وعند مالك وحماد وإبراهيم النخعي خلافًا للشافعي حيث شرط لقبوله أحد أمور خمسة: 1 - أن يسنده غيره أو نفسه مرة أخرى كمراسيل سعيد بن المسيب حيث أوردها مسانيد قيل عليه، العمل بالمسند، واعتذر بأن مقصود جواز العمل به وإن لم يثبت عدالة رواة المسند أو أن العمل لا يحتاج إلى تعديلهم وفيه نظر لأن العمل بحديث المستور والمجهول غير جائز عنده وإن تعدد والظن الحاصل بانضمام الإرسال لا يربو عنده على الحاصل بانضمام إسناد آخر. 2 - أن يرسل آخر وعلم أن شيوخهما مختلفة قبل عليه ضم الباطل إلى مثله لا يوجب القبول واعتذر بأن الظن رلما لا يحصل بأحدهما أو لا يقوى ويراد أن تعدده لا يربو على تعدد الإسناد إلى المستور أو المجهول عنده. 3 - أن يعززه قول صحابي. 4 - أن يعززه قول أكثر أهل العلم ولا شك أن انضمام هذين يقوى الظن لكن الكل في أن مثل هذا الظن كاف في الحجية عنده. 5 - أن يعلم من حال الراوي أنه لا يرسل إلا بروايته عن عدل وهذا صحيح وموافق لمذهبنا لأن كلامنا في مثله وعند البعض لا يقبل مطلقًا وعند بعض المتأخرين إن كان الراوي من أئمة نقل الحديث قبل وإلا فلا فإن ما أرادوا بأئمته من لو أسند لقبل إذ هو عدل لا يروى إلا عن عدل فذلك مذهبنا وإلا فلا بد من تصويره. لنا أولًا عمل الصحابة به كأبي هريرة في قوله عليه السلام "من أصبح جنبًا فلا صوم له حتى أسند بعد رد عائشة إلى الفضل بن عباس وكابن عباس رضي الله عنهما في أن لا ربا إلا في النسيئة حتى أسند بعد المعارضة بحديث ربا النقد إلى أسامة بن زيد وشاع أمثاله ¬

_ (¬1) انظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 174)، اللمع لأبي إسحاق الشيرازى (41)، شرح الكوكب المنير (2/ 581)، المختصر في أصول الففه لابن اللحام ص (109)، بتحقيقنا.

ولم ينكر. وثانيًا: اتفاق الصحابة على قبول روايات ابن عباس رضي الله عنهما مع أنه لم يسمع منه عليه السلام إلا أربع أحاديث كما ذكره الغزالي رحمه الله أو بضعة عشر كما ذكره السرخسي رحمه الله واعترض عليهما بأنه استدلال في غير محل النزاع إذ لاكلام في قبول مراسيل الصحابة لعدالتهم وجوابه أن وجوب عدالتهم مختلف فيه كما سيجيء وقبول مراسيلهم متفق عليه لكن بيننا وبين الشافعي لا بين الكل إذ منهم من يردها أيضًا، ذكره في جامع الأصول فهذا الاستدلال عليهم. وثالثًا: إرسال الثقة من التابعين كابن المسيب في الميدنة ومكحول من الشام وعطاء بن أبي رباح من مكة وسعيد بن أبي هلال من مصر والشعبي والنخعي من الكوفة، والحسن البصري من البصرة، حتى قال إذا اجتمع أربعة من الصحابة أرسلته وغيرهم ولم ينكر أحد فكان إجماعًا، حتى قال البعض رد المراسيل بدعة حادثة بعد المائتين ولا يلزم عدم جواز تكفير المخالف أو تخطئته قطعًا لأن ذلك في الإجماع الضروري لا في الاستدلالي أو الظني. ورابعًا: لو لم يكن المروى عنه عدلا لكان جزمه بالإسناد الموهم لسماعه عن عدل تدليسًا، وهو بعيد من الثقة. وخامسًا: أن الكلام في إرسال من لو أسند إلى غير، لا يظن به الكذب فلان لا يظن به كذبه على الرسول وفيه زيادة الوعيد أولى ولذا قلنا بأنه فوق المسند ولأن المعتاد أن العدل إذا لم يتضح له طريق الاتصال رواه ليحمله ما تحمله وإذا وضح طواه غير أنه ضرب مزية يثبت بالاجتهاد فلم يجز نسخ الكتاب به بخلاف المتواتر والمشهور إذ مزيتهما لمعنى في نفسهما وهو قوة الاتصال. قيل: فيه بحث لأن العدالة التي هي شرط القبول معلومة في المسند بالتصريح وفي المرسل بالدلالة والصريح أقوى منها ولأن الراوي الثقة ربما يظن الواسطة عدلا فيطويها ولعله لا يظهر عند السامع كذلك فليزم التصريح كيلا يلزم التقليد والجواب عنه: 1 - أن المصرح به ذكر العدل لا عدالته فضلا عن قوتها والمفهوم من دلالة عادة الطى قوة العدالة فأين أحدهما عن الآخر. وعن: 2 - أنه وارد فيما إذا عدله الراوي بصريح لفظه وليس مردودًا والاتباع لغلبة الظن بالصدق المخصوص ليس تقليدًا. وسادسًا: قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] إما إلزاميًّا فإن

عدم الشرط ملزوم عدم المشروط عند الخصم، وإما تحقيقيًّا؛ حيث يفيد صحة القبول عند عدم الفسق بالطريق الكلف وفيها المقصود، لهم. أولًا أن جهالة الصفة تمنع صحة الرواية فجهالة الذات والصفة أولى، قلنا الثقة لا يتهم بالفعلة عن صفات من سكت عن ذكره ولذا لو قال حدثني الثقة صحت روايته. وثانيًا: أنه لو قبل لقبل في عصرنا إذ لا تأثير للزمان، قلنا ملتزم في الثقة أولًا ثم الملازمة، لما للشهادة بالعدالة ثمة أو لجريان العادة بالإرسال بلا دراية أصحاب الرواية هنا. وثالثًا: لو جاز لم يكن في الإسناد فائدة فكان ذكره إجماعًا على العبث وهو ممتنع عادة، قلنا: لا نعلم اللزوم، فمن فوائده معرفة رتب النقلة للترجيح وكون القبول متفقًا عليه وكون الراوي متفقًا على عدالته. وأما مرسل من دون القرنين فقال مشايخنا منهم الكرخي يقبل من كل عدل لبعض ما ذكر وبعضهم منهم ابن أبان لا يقبل لأنه زمان فشو الفسق ولتغير عادة الإرسال إلا أن يروى الثقات مرسلة كما رووا مسنده كمراسيل محمَّد بن الحسن وأما المرسل من وجهه فبعض أهل الحديث رد الاتصال بالانقطاع ترجيحًا للجرح على التعديل وعامتهم على العكس وهو الصحيح لأن الساكت لا يعارض الناطق وربما يطلق أصحاب الحديث المنقطع على معان أخر: 1 - أن لا يسمع بعض الرواة ممن روى عنه. 2 - أن يروى عن رجل ولا يسميه جهلًا به لكونه معروفًا. 3 - أن يترك بين الراوين راو كما يطلقون المعضل على ما يرويه تبع التابع من الرسول عليه السلام، إذا لم يظهر اتصاله أصلا أو لا يرويه عن أحد كالموقوف، ثم يوجد متصلًا، والموقوف على قول الصحابي أو من دونه. المبحث الثاني: في الانقطاع بالمعارضة: أما ما خالف الكتاب فلأن اليقين لا يترك دمًا فيه شبهة سواء فيه الخاص والعام والنص والظاهر فلا يخص العام قبل التخصيص ولا يزاد على الخاص ولا يترك الظاهر بخبر الواحد عندنا خلافًا للشافعي رضي الله عنه لأن المتن أصل ومتن الكتاب لا شبهة فيه كسنده فوجب ترجيحه قبل المصير إلى المعنى، ولقوله عليه السلام: "يكثر لكم

الأحاديث من بعدى" (¬1). الحديث، فإبطال اليقين بالشبهة فتح باب البدعةكما أن رد الخبر الذي هو حجة والعمل بالقياس أو استصحاب الحال الذي في طريقه أو حجيته شبهة فتح باب الجهل وله أمثلة: 1 - حديث فاطمة بنت قيس أن الرسول عليه السلام لم يفرض لها نفقة ولا سكنى وقد طلقت ثلاثًا لمخالفته قوله تعالى: {أَسْكنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآية، ففي السكنى ظاهر وفي النفقة لأن المعنى وأنفقوا من وجدكم لقراءة ابن مسعود كذلك والضمير للنساء المطلقة فبعمومها يتناول المبتوتة الحائل وفيها خلاف الشافعي رضى الله عنه وظاهر الكتاب أولى من نص الآحاد وإفراز أولات الحمل لدفع وهم سقوط النفقة عند طوله ولذا قال عمر رضي الله عنه "لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا" (¬2)، الأثر. والسنة ما قال سمعته عليه السلام يقول للمطلقة الثلاث النفقة والمسكنى ما دامت في العدة وقيل مراده بالكتاب والسنة القياس الثابت بهما أي: على الحامل والرجعية. 2 - حديث زيد بن ثابت في القضاء بشاهد ويمين، ففط المبسوط أنه بدعة وأول من قضى به معاوية ولذا رده زيد بن جابر وثابت أيضًا لمخالفته قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] الآية. فأولا لأن التفسير بعد الإيهام يراد به القصر استعمالا كما في "يشيب ابن آدم ... " الحديث فلا يرد منع الإجمال والقصر إذ المراد بالقصم الاستعمالي ما هو خارج عن الطرق المدونة والأئمة لا تتهم في النقليات. وثانيًا: لأن قوله تعالى: {وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] على تقدير أن يكون ذلك إشارة إلى العدد المذكور للشاهد كما قال بعض المفسرين والأئمة لا تتهم يكون بمعنى الأقل ولا مزيد على الأقل وكون العدد أقسط إلى أعدل عند الله وأقوم على أدائها بالنسبة إلى الواحد ظاهر لأن التعدد عنده يتوجح الظن بالصدق ويتقوى الأداء بالتذاكر. وثالثها: أنه انتقل بعد الرجلين إلى غير المعهود وهو شهادة النساء فإنهن لخلقهن ¬

_ (¬1) لم أجده. (¬2) أخرجه ابن حبان في صحيحه (10/ 63) ح (4250)، وأبو عوانة في مسنده (3/ 184) ح (4620)، والدارمي في سننه (2/ 218) ح (2274)، والبيهفى في الكبرى (7/ 475)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 137)، وعبد الرزاق في مصنفه (4/ 24) ح (12027)، والطحاوي في شرح معانى الآثار (3/ 67)، وإسحاق في مسنده (1/ 224) ح (7)، وابن أبي عاصم في الآحاد (6/ 10) ح (3187).

لتمرار والستر يمنعن عن الحضور عن الحكم إلا للضرورة وذلك استقصاء في بيان أن ليس وراء الأمرين ما يصلح حجة كما انتقل في الآية الأخرى إلى شهادة الكفار حين كانت حجة بقوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وإلى يمين الشاهد بقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] مع إنه ليس ليشروع أصلا ويمين الخصم مشروع في الجملة كما في التحالف. 3 - خبر المصراة لمخالفته قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] الآية. 4 - حديث مس الذكر فإنه كالبول عند الخصم فكَما لا مدحِ به لا يمدح بهذا وقد مدح به في قوله تعالى في أهل قباء المستنجين بالماء: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] قيل المدح من حيث التطهر لا المس وإن كان لازمه وأيضًا النقض بالمس بعد الطهارة لا مطلقًا فلا ينافيه مجح غير الناقض وجوابه أن ناقضية المس من حيث إنه مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى إنزال ما يوجب الغسل أو الوضوء أو الغسل وإن قل عند القائل به والتطهر المشتمل على مظنة ما يوجب إعادته لا يناسب المدح به والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب فلا يدفعه كون سبب نزوله الغسل من الجظ بة وأما ما خالف السنة المشهورة فلأنها فوقه كحديث الشاهد واليمين لمخالفته قوله عليه السلام البينة على المدعى واليمين على من أنكر إما لأن القسمة تنافى الشركة وإما لأن تعريف المتبدأ بلام الجنس يقتضي الحصر وكحديث سعد بن أبي وقاص أنه عليه السلام سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص إذا جف؟ قالوا: نعم قال: فلا إذًا" (¬1). وقد تمسك به الصاحبان في فساده حيث اعتبرا المساواة في أعدل الأحوال وهو حال الجفاف. قلنا إن كان الرطب تمرًا كما يدل عليه قوله نهى عن بيع التمر حتى يزهى أي يحمر أو يصفر، وقول الشاعر: وتمر على رأس النخيل وماء ولذا لو أوصى بالرطب فيبس قبل الموت لا تبطل كما تبطل بالعنب فصار زبيبًا قبله ولو أسلم في تمر فقبض رطبًا أو بالعكس لم يكن استبدالا والمعتبر في المماثلة حال العقد لا حالة مفقودة يتوقع حدوثها فقد خالف قوله عليه السلام "التمر بالتمر" (¬2) الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (11/ 372) ح (4997)، والحاكم في مستدركه (2/ 44) ح (2264)، والنسائي في الكبرى (2214)، ح (6173)، والإمام ًا حمد في مسنده (1/ 179) ح (544). (¬2) أخرجه البخاري (2/ 760) ح (2062)، ومسلم (3/ 1211) ح (1588).

والاختلاف في الصفة غير معتبر لقوله عليه السلام "جيدها ورديها سواء" وكذا التفاوت إذا لم يرجع إلى القدر بخلاف المنتفخة بالقلي حيث لم يجز. قالا الرطب ليس بتمر كما في اليمين. قلنا بناؤها على العرف الطارىء وشأن اليمين أن تتقيد بوصف دعا إليها وإن لم يكن تمر فقد خالف قوله عليه السلام إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم وأما ما شذ فيما بين الصحابة فيما عم به البلوى فلاستحالة أن يخفى عليهم ما يثبت به حكم الحادثة المشتهرة بينهم عادة فإذا لم ينقلوه ولم يتمسكوا به دل على زيادته وانقطاعه لمعارضة القبضة العقلية القائلة لو وجد لاشتهر وأدلة وجوب التبليغ عليهم ولذا لا يقبل شهادة الواحد من المصر إذا لم يعتل المطلع بخلاف ما إذا كان علة أو جاء من موضع آخر كحديث الجهر بالتسمية مع أنه معارض بأحاديث أقوى في الصحة وحديث مس الذكر والوضوء مماسته النار ومن حمل الجنازة ورفع اليدين قبل الركوع وبعده. وأما ما أعرض عنه الصحابة رضي الله عنهم فلأنهم الأصول في نقل الشريعة فإعراضهم عنه عند اختلافهم إلى الرأي دليل انقطاعه فقد عارض إجماعهم على ترك العمل به فيحمل على السهو أو النسخ أو بأول والمراد اتفاق غير ذلك الراوي كحديث الطلاق بالرجال فقد ذهب عمر وعثمان ورواية زيد وعائشة إلى اعتباره بالرجل وعلى وابن مسعود بالمرأة وابن عمر بمن رق منهما ولم يتمسكوا إلا بالرأي. وكقوله عليه السلام "ابتغوا في أموال اليتامى خيرًا كيلا يأكلها الصدقة أو الزكاة" فذهب على وابن عباس إلى عدم وجوبها في مال الصبي وابن عمر وعائشة إلى الوجوب وابن مسعود رضي الله عنه إلى أن يعد الوصي السنين عليه فيخبره بعد البلوغ فيؤدى إن شاء ولم يحاجوا إلا بالرأي وهذان الانقطاعان قول عامة المتأخرين وبعض المتقدمين من أصحابنا خلافًا لبعضهم ولعامة الأصولين والمحدثين فالوظيفة في المسائل المذكورة فيهما أن يجاب لمعارضة أحاديث أخر أقوى في الصحة كما روى البخاري بإسناده عن أنس في عدم الجهر بالتسمية وغيره أو يطعن في الرواية كما أن الطلاق بالرجال موقوف على زيد رضى الله عنه مع أنه معارض بحديث عائشة رضي الله عنها طلاق الأمة تطليقتان فتأويله انقطاع الطلاق إليهم وتأويل الصدقة في الحديث الآخر بالنفقة لإضافتها إلى جميع المال ولمعارضة أحاديث أخر فقد تسمى النفقة صدقة كما قال عليه السلام نفقة الرجل على نفسه صدقة وينفقون مفسر بها والزكاة محمولة على زكاة الرأس وهو صدقة الفطر. للمخالفين فيهما أن الخبر حجة على الكل فإذا صح سنده لا يقدح شذوذه وترك

الصحابة العمل به فإنهم محجوجون به كغيرهم وفي الأول خاصة قبول الأمة له في تفاصيل الصلاة ونحوها وإن القياس مع أنه أضعف يقبل فالخبر أولى وفي الثاني خاصة إن ترك العمل يحتمل أن يكون لمعارض أو فقد شرط والجواب عن: 1 - إن الاستحالة العادية معارض عقلي راجح. وعن: 2 - منع الشذوذ فيما تمسكوا به من نحونا قضية القصد والحجامة والقهقهة والتقاء الختانين وقبول القياس لأنه آخر الأدلة وعن: 3 - إن ترك من يذهب إلى موجبه الاستدلال به لا يحتمل المعارض ولو سلم فالغرض استحقاقه أن لا يعمل به بأي وجه كان مع أنه لو كان لأظهروه وتمسكوا به عادة لا بالقياس على أن الأصل عدم مانع آخر بل هو بعيد والاحتمالات البعيدة لا تنفى الظهور فعدم عمل الشافعي بالانقطاع الباطن المعنوي كمخالفة الكتاب والحديث المشهور والشذوذ فيما عم به البلوى مع العمل بالانقطاع الصوري في المرسل وعكسنا دأبنا في اعتبارنا المعاني واعتباره الصور. المبحث الثاني: في الانقطاع لقصور في الناقل: وقد تقدم حكمه في الرواية والشهادة، أما في غيرهما فخبر الصبي والمعتوه أي المختلط العقل بلا زوال، قيل: كالعاقل البالغ لقبول أهل قباء خبر ابن عمر رضي الله عنهما بتحويل القبلة إلى الكعبة وهو صغير لأنه كان قبل بدر بشهرين وعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر بيوم واحد وهو ابن أربعة عشر سنة فرده لصغره والمعتوه ملحق به وقيل كالفاسق يجب ضم التحري لقصور في عقلهما. والصحيح من مشايخنا أنهما كالكافر لا يقبل خبرهما في الديانات بحال وإن عقلا لأنه لا يلزمهما ولو قبل على غيرهما يكون ملزمًا ولا يصلح لأن الولاية المتعدية فرع القائمة ولا إلزام بما على أنفسهما لتوقف تصرفهما على رأى الولي ألا يرى أن الصحابة لم ينقلوا ما تحملوا في صغرهم إلا في كبرهم. والجواب عن حديث قباء أن اعتمادهم على رواية أنس رضي الله عنه فقد روى أنه الذي أتاهم فيحمل على إتيانهما معًا ولو سلم فكان ابن عمر رضي الله عنهما ذا أربعة عشر سنة ويجوز البلوغ حينئذ ورده عن الحرب كان لضعفه وأما خبر المغفل الذي غلب على طبعه الغفلة فمثلهما لا يقبل لترجح السهو وكذا المساهل أي المجازف الذي لا يبالي بالسهو والتزوير ولا يشتغل بتداركهما فقد يكون العبادة ألزم من الخلقة لكن تهمة الغفلة بدون الغلبة ليست بشىء إذ قلما يخلو عامة البشر عن ضرب غفلة.

الفصل الرابع: في محل الخبر

وأما خبر الفاسق في الديانات فالأصل الاحتياط فيه بضم التحري فإذا أخبر بنجاسة الماء إذا وقع صدقه في القلب تيمم قبل الإراقة والأحوط بعدها بخلاف الكافر والصبي والمعتوه حيث يتوضأ وإن وقع في قبله صدقهم مع أن الاحتياط بالتيمم بعد الإراقة أفضل وكذلك يجب أن يكون رواية الحديث أي لا يعمل بها وجوبًا لكن يستحب العمل إن كان الاحتياط فيه وقيل معناه أن الاستحباب حينئذ في العمل بقول الفاسق فوقه بقولهم (فالحاصل أن خبر الفاسق في الرواية هدر لرجحان كذبه ولا ضرورة إذ في عدول الرواة كثرة وفي نحو الحال والحرمة محكم الرأي لتعسر الحصول من العدول لخصوصه لكن لا مكان العمل بالأصل لم يكن ضرورته لازمة بخلاف خبره في الوكالات والهدايا ونحوهما مما لا إلزام فيه فثمة ضرورة لازمة في وجدان العدول فيقبل من كل مميز عدلا كان أو لا وصبيًا أو بالغًا مسلمًا أو كافرًا ولأن في نحو الحل والحرمة معنى الإلزام من وجه كما سيجىء بخلاف المعاملات. ثم خبر المستور في كتاب الاستحسان مثل الفاسق في الديانات وفي رواية الحسن مثل العدل بناء على القضاء بظاهر العدالة والصحيح الأول لغلبة الفسق في هذا الزمان وما كان شرطا لا يكتفي بوجوده ظاهرًا كما إذا قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وقال العبد لم أدخل فالقول للمولى. وليس في دعم قبول رواية الحديث بعد القرون الثلاثة هذا الخلاف احتياطًا في الرواية ونص شمس الأئمة عليه فيها وخبر صاحب الهوى مر حكمه والكافر علم ضمنًا والله أعلم. الفصل الرابع: في محل الخبر وهو الحادثة وهي إما حقوق الله تعالى فإما أن لا تندرئ بالشبهات نحو العبادة خالصة مقصودة كانت أو لا كالوضوء والأضحية وغالبة على العقوبة كما خلا كفارة الفطر من الكفارات أو على المؤنة كصدقة الفطر أو مغلوبة عنها كالعشر ومنه الحق القائم بنفسه كالخصر وإما أن تندرئ بها كالعقوبة خالصة وقاصرة وتابعة للمؤنة كالخراج وغالبة على العبادة ككفارة الفطر أو حقوق العباد. فإما ما فيه الزام أو ليس فيه من كل وجه أو فيه من وجه دون آخر فهذه خمسة أقسام، وإنما لم يقسم حقوق الله باعتبار الإلزام لأن اللزوم فيها بالتزام الإِسلام لا بإلزام المخبر ولذا يجب على سامع الخبر حكمه من غير قضاء والشهادة فيها لمحض الاظهار أو من حيث تضمنها لحق العباد.

أما الأول من حقوق الله تعالى: بأصنافه الخمسة فخبر الواحد حجة رواية بشرائطه السابقة في ابتدائها وبقائها، قيل في بقائها فقط لأنه أسهل وقيل لا بد من العدلين كالشهادة قلنا: الأدلة المذكورة لا تفصل والقياس على الشهادة في اشتراط شيء من شرائطها لا يصح لضيق بابها وكذا شهادة كالشهادة بهلال رمضان مع علة المساء يقبل الواحد العدل رجلا وامرأة حرًا وعبدًا لأنه أمر ديني كالرواية، ولذا لم يشترط لفظة الشهادة وقبل عن المحدود في القذف في ظاهر الرواية، ويروى لا يقبل لأنه شهادة إذ لا يجب العمل به إلا بعد القضاء واشترط مجلسه والعدالة وكذا في سائر الديانات. أما خبر الصبي والمعتوه والكافر فلا يقبل فيها أصلا وإخبار الفاسق والمستور رواية لا تقبل وديانة تقبل بشرط انضمام المتحرى للضرورة هنا وكمرة عدول الرواة. وأما الثاني منها: بإضافة الثلاثة كالقصاص والحدود وحرمان الميراث وكفارة الفطر عندنا فتقبل فيما روى عن أبي يوسف واختاره الجصاص لأن الأدلة لا تفصل ولدلالة الإجماع على العمل بالبينة وأنها خبر الواحد وبدلالة النص الذي فيه شبهة كالرجم في حق غير ماعز وغيره مع أن مواضع الشبهات مخصوصة والعلم المخصوص دون خبر الواحد إذ يعارضه القياس لا إياه وهو قول الكرخي لا يقبل جمعًا بين تلك الأدله والدارئة لشبهة فيه كما في القياس وقبول البينة إما بالإجماع أو بالنص القطعي الوارد على خلاف القياس نحو: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] فمحل الخلاف عليه لا يقاس ولأن الشهادة ق حقوق الله تعالى مَظهرة وخبر الواحد مثبت ولأن البينة لإثبات سببها وهو الفعل لا نفسها ولأنها لو لم يعمل فمِها لانسد بابها إذ الإقرار نادر والتواتر أندر بخلاف خبر الواحد لأن أكثر أنواعها ثابت بالكتاب والكلام ق مثل حد الشرب الغير الثابت به أما الفرق بان لها شرائط كثيرة ففيه ما فيه وخبر الواحد إذا كان ظني الدلالة يكون كالعام المخصوص يعارضه القياس بالأولى مع أن المعارضة في الحقيقة للنص المخصص الذي يظهر القياس عموم حكمه. قيل: والأصح عند الإِمام هو الأول لأنها أحكام عملية لا علمية وقد تمسك في قتل مسلم بذمي بالمرسل وفي قتل جماعة بواحد بأثر عمر رضي الله عنه وهما دون المسند وإنما لم يعمل بالرأي لأن الحدود مقدرة مكيفة لا مدخل للرأي ق معرفتهما ولكلام صاحب الشرع أن يثبتهما والقصاص أعظم ولأن الشبهة في نفسه لا في طريق ثبوته المقنن فلذا لم يعمل ق اللواطة بالرأي ولا بخبرها لغرابته وعملا بالدلالة ولا شك أن الخبر القطعي الدلالة أعلى من العام المخصوص ولا قائل بالتفصيل.

وأما حقوق العباد فرواية الواحد في أقسامها الثلاثة مقبولة مع شرائطها وغير الرواية ففي الأول كالبياعات والأملاك وغيرهما لا يقبل لكونه إلزامًا إلا بالولاية فإنها تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى فلا تقبل من نحو العبد والصبي والكافر ولكونه مظنة التزوير والتلبيس إلا بالعدالة وسائر الشرائط الرافعة إياهما وبلفظة الشهادة لأنها أبلغ في إفادة العلم لأنها من المشاهدة المعاينة كما قال على رضي الله عنه إذا علمت مثل الشمس فأشهد وإلا فدع وبالعدد عند الإمكان لأن الطمأنينة معه أظهر ولأن الترجيح على البراءة الأصلية به. وفيه بحث سيجيء بخلاف حقوق الله تعالى فإن ظهور الصديق كاف لعدم المنازع ولأن لزومها بالتزام الإِسلام لا بإلزام المخبر ولأن الغالب فيها عدم تهمة الحيلة والتزوير ولهذه المعاني لم يحتج إلى القضاء بعد الإخبار أما إذا لم يمكن العدد فلا يشترط كشهادة المرأة بالولادة والبكارة وسائر ما لا يطلع عليه الرجال، قال مالك - رحمه الله - الشهادة بالرضاع في المملوكة يمينًا أو متعةً تقبل من المرأة الواحدة الثقة (¬1) لأن الحرمة أمر ديني كمن اشترى لحمًا فأخبره عدلٌ أنه ذبيحة المجوس قلنا فيها إلزام إبطال الملك الذي هو حق العبد مقصودًا وإن لزمه الحرمة كالعتق والطلاق والإخبار بحرية الأمة لأن الحل والحرمة في البضع يستلزمان الملك وعدمه لا ينفكان عنه ولذا يؤثر فيهما الإباحة من مالك الأمة ونفس الحرة بخلافهما في الطعام والشراب فإنهما مقصودان برأسهما فيهما حيث ينفكان عنهما فاعتبر أمرًا دينيًّا فالحل بدون الملك في الإباحة وعكسه في العصير المتخمر واللحم المذكور حتى لا يملك الرجوع على بايعه فالشهادة بهما لا يتضمن الشهادة بالملك وإبطاله. وأيضًا فيها إبطال استحقاق الوطئ للولي أو الزوج على الأمة والمنكوحة حيث كان يلزمهما الانقياد بما وليس في حل الطعام وحرمته استحقاق حق لشخص على آخر والحق أن فيه تفصيلا وهو أن الاحتياج إلى التأكيد في الشهادة بالدافع وهو القاطع المقارن كما بفساد أصل النكاح لارتداد أحدهما أو الرضاع حالة إذن إما بالرافع وهو القاطع الطارىء كما بارتضاع المنكوحة الصغيرة من أم الزوج أو زوجته إذا أراد الزوج نكاح أختها أو أربع سواها أو المرأة نكاح زوج آخر فيجوز أن يقبل فيها الواحد والفرق أن ظاهر الإقدام على العقد دليل الصحة فيعارض الواحد في الأول ولا معارضة في الثاني أو أن الثاني موضع مسالمة والخبر مجوز غير ملزم كما في الخبر بموت الزوجة أو الزوج أو ¬

_ (¬1) انظر /المدونة (4/ 247).

طلاقه بخلاف الأول ولكون الشهادة بأن اللحم ذبيحة المجوس من الأول لم يقبل في حق إبطال الملك حتى لم يرجع على بايعه إلا لعدلين وإن قيل في الحرمة لانفكاكها وعلى هذا تدور المسائل وفيه عمل بشبهى إبطال الملك ولثبات الحرمة. ومن هذا الشهادة بالفطر إذ ينتفعون بها ويلزمهم الكف عن الصوم فيشترط العدد وكذا تزكية السر ورسول القاضي والمترجم عند محمَّد رحمه الله اعتبارًا بالشهادة حتى شرط أربعة في تزكية الزنا ولذا يشترط إجماعًا سائر الشروط سوى لفظتها حتى المذكورة في مزكى الحدود. ولهما أنها ليست كالشهادة ولذا لا يشترط لفظتها ومجلس القضاء فلا يشترط أهلية الشهادة والعدد ولأنه أمر تعبدي لا يتعداهما. وهذا أولى مما يقال أنه معقول من حيث إنه لترجيح الواحد على البراءة الأصلية لأن الاثنين يكفى وإن عارضهما ألف أصل ويوضحه عدد شهود الزنا لما في العلانية فيشترط الأهلية والعدد إجماعًا على ما قاله الخصاف رحمه الله لأنها في معنى الشهادة حتى يقبل تزكية السر من الأب أو الابن أو أحد الزوجين والمولى أو الشريك أو غيرها دونها. وفي القسم الثاني كالوكالة والمضاربة والرسالة في الهدايا والودائع والعوارى والإذن في التجارة يقبل خبر كل مميز ولو كان صبيًّا أو كافرًا ووقوع صدقهما في القلب شرط الاستحباب ولذا أطلقه محمَّد رحمه الله في الجامع الصغير وفيه روايتان وذلك لأمرين عموم الضرورة الداعية وعدم الإلزام ومن لوازمه أن يكون خانة مسالمة لا منازعة فليس أمرًا ثالثًا بخلاف الديانات التي هى حقوق الله تعالى فإن فيها إلزامًا من جهة لزوم الإقدام والإحجام وعدمه من جهة عدم الجبر فلهذا شرط فيها أحد شريها وهو العدالة وإن لم يشترط العدد ولم يعكس للديانة فالأصل تقرر على قبول الواحد أو أن المسالمة وعدمه زمان المنازعة. ومن فروعه: غصبه فلان فأخذته لا يقبل وفرده على تقبل وما مر من الخبر بالرضاع الطارى وكذا بالموت من الطرفين أو الطلاق من الزوج الغائب إذا أراد الزوج نكاح أختها أو أربع سواها أو المرأة نكاح زوج آخر بعد العدة إذ ليس فيها معنى المنازعة كما مر وهو مجوز لا ملزم بخلافه بالمقارن. وجعل فخر الإِسلام الشهادة بهلال رمضان منه باعتبار أن الملزم النص لا هى أولى منه جعل شمس الأئمة من أول قسمى حقوق الله تعالى لأنه أمر ديني ولذا الأشترط فيها الإِسلام والتكليف والعدالة إجماعًا بخلاف ما نحن فيه.

الفصل الخامس: في وظائف السمع

وفي القسم الثالث: كالخبر بعزل الموكل وحجر المولى وفسخ الشركة والمضاربة حيث يبطل عملهم بعده مطلقًا أو للموكل وإن تصرفوا في حق أنفسهم وإنكاح البكر البالغة حيث يلزمها النكاح لو سكتت وإن كان لها فسخه وبيع الدار المشفوعة للشفيع حيث يلزمه الكف عن الطلب لو سكتت وإن كان له الطلب قبله وجناية العبد للمولى فأعتقه حيث يلزمه الأرش لا لو لم يعتق إن كان المبلغ رسولًا أو وكيلا ممن إليه الإبلاغ كالموكل والمولى والأب والجد والأمير والقاضي يقبل خبر الواحد الغير العدل وإن كان فضوليًّا يشترط أحد شطريها أما العدد أو العدالة بعد وجود سائر الشرائط وإن لم يصرح به الأصل. وقال بعض مشايخنا يشترط العدالة في المثنى أيضًا عنده والأصح هو الأول والفرق أن الرسول والوكيل يقومان مقام الأصل وإن تطرق التزوير فيهما قليل بخلاف الفضولي فيهما فلا بد من تأكيد الحجة بأحد شطريها عملا بشبهى الإلزام وعدمه عند أبى حنيفة رضي الله عنه وقالا هي كالقسم الثاني لأنها من باب المعاملات والضرورة مشتركة قلنا فيه إلقاء شبهة الإلزام. ومنه الإخبار بالشرائع للمسلم الذي لم يهاجر. أما عنده فلأنه من حيث ثبوت الشرائع به في حقه ملزم ومن حيث أن اللزوم بالتزام الإِسلام ليس به. وأما عندهما فلتحقق الضرورة إذ لا يكاد يقع انتقال العدول من دارنا إلى دارهم وهذه الضرورة هي الموجبة لإلحاقه بالمعاملات وإن كانت من الديانات. وقال شمس الأئمة رحمه الله: الأصح عند لزوم الشرائع إياه بخر الفاسق الواحد لأنه ليس بفضولي بل رسول الرسول لقوله عليه السلام "ألا فليبلغ الشاهد الغائب" (¬1) وساع في إسقاط ما لزمه من التبليغ فهو كرسول المولى. وعد فخر الإِسلام تزكية السر على قول غير محمَّد منه في سقوط شرط العدد لا العدالة وكذا رسول القاضي والمترجم أولى منه عده شمس الأئمة من أول حقوق الله تعالى لأن وجوب القضاء على القاضي من حقوق الشرع. الفصل الخامس: في وظائف السمع وهي ثلاثة: السماع والضبط والتبليغ. ولكل منها عزيمة ورخصة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3711) ح (67) ومسلم (2/ 987) ح (1354).

القسم الأول: السماع وله ست طرق، أربع عزايم فيها استماع حقيقة أو حكمًا ورخصتان ليس فيهما ذلك والأربع اثنتان منها نهاية العزيمة والأخريان خليفتاهما لشبههما بالرخصة. أ- قراءة الشيخ عليه في معرض الأخبار، وعبارتها المختارة حدثني ويجوز أخبرني وأنبأني ونبأني عند انفراده وعند انضمامه بصيغة الجمع أولى والكل إذا قصد الشيخ إسماعهم وإلا قال: قال وحدث وأخبر وسمعته يقول. ب- قرأته على الشيخ من كتاب أو حفظ وهو يقول نعم أو يسكت إذ لم يكن ثمة مخيلة إكراه أو غفلة أو غيرهما من المقدرات المانعة للإنكار فسكوته تقرير خلافًا لبعض الظاهرية. لنا أنه يفهم منه عرفًا تصديقه وإن فيه إيهام الصحة فينفذ من العدل عند عدمها وعبارتها كالأولى وقيل يقيد بقوله قراءة عليه لئلا يكذب. قال الحاكم القراءة إخبار ويروى ذلك عن الأئمة الأربعة وفي حكمها قراءة غير على الشيخ بحضوره وقيل يقيد بقوله سماعًا يقرأ عليه لكنها نازلة من حيث أن السامع ربما يغفل واصطلح ابن وهب على تخصيص التحديث بالأولى وأخبرني بقراءته وأخبرنا بقراءة غيره. قال المحدثون الأولى أولى وهو مذهب الشافعية لأنه طريق الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم والذي يفهم من مطلق الحديث والمشافهة وأبعد عن السهو والغلط. وعند أبى حنيفة رضي الله عنه الثانية أولى لأن رعاية الطالب لكونه أمر نفسه أشد عادة وطبيعة قالا من عن الغلط أكثر ولأن المحافظة عن قراءة التلميذ من الطرفين وعند قراءة الشيخ منه فقط ولأنه لا مصحح لغلظ الشيخ لو وقع وهو لغلظ التلميذ مصحح ولأن الغفلة مما تعرض للسامع كثيرًا فغفلته عن بعض ما قرأه الشيخ أمكن من تركه بعض ما يقرأ أما الرسول عليه السلام فكان مأمونًا عن السهو بل الصحبة أيضًا ببركة صحبته ويقرأ من المحفوظ، وكلامنا فيمن يجري عليه ويقرأ من المكتوب حتى لو قرأ من المحفوظ كالصحابة كان الأولى أولى والمشافهة مشتركة لغة لأن التصديق تقرير لما سبق والمختصر مثل المشبع. ج- الكتابة على رسم الكتب بالختم والعنوان وذكر الأسانيد فالبسملة فالثناء فقوله إذا بلغك كتابي هذا وفهمته فحدث به عني بهذا الإسناد وهي مقبولة لأن الرسول يرى

الكتاب حجة وكتاب الله أصل الدين وعبارتها في المختار، أخبرنا وما في معناه لا حدثنا وكلمنا كما يقول أخبرنا الله تعالى لا كلمنا الله تعالى ذلك لموسى عليه السلام وقلنا لا يحنث في لا يحدث ولا يكلم بالكتابة وهذا بالرسالة بخلاف لا يخبر وفي الزيادات إن كلمت أو حدثت يقع على المشافهة. د- الرسالة بما ذكر في الكتابة وأثر تبليغ الرسول كان بالإرسال والصحيح أن جل الرواية بهما بعد ثبوتهما بالبينة وعند المحدثين معرفة خط الكاتب أو غلبة ظن الصدق كافية وعبارتها كما قبلها. وأما الرخصتان فالإجازة وهي أن يقول مشافهة أو رسالة أو كناية حدثني فلان بن فلان بما في هذا الكتاب على ما فهمته بأسانيده هذه فأجزت لك الحديث به أو بما صح عندك أنه من مسموعاتي فإن كان المجاز له عالمًا بما فيه وكان مأمونًا بالضبط والفهم صحت اتفاقًا وإلا فلا عند أبى حنيفة ومحمد وأبى بكر الرازي ومن تبعهم خلافًا لأكثر أئمة الحديث والفقهاء كما في كتاب القاضي إلى القاضي فقد جوزه أبو يوسف بلا علم الشهود لأن ذلك لضرورة دفع احتمال الغدر من الشهود لكونه من باب الإسرار عادة ولذا لم يجوز في الصكوك فيحتمل عنده أن لا يجوز في الرواية لعدم اشتمالها على السر وأن يجوز لضرورة حصول التبليغ تداركًا لما ظهر في أمر الدين من التواني بشرط أن يأمن التغيير حتى لم يجوز والإشارة إلى غير المسموعة بعينها من نسخ البخاري مثلا إلا أن يعلم اتفاقهما من كل وجه والأصح الأحوط قولهما وإن أبا يوسف معهما في الرواية لأنها أصل الدين القويم وخطبها جسيم وفي جواز الإجارة من غير علم حسم للمجاهدة وفتح للتقصير فلا يؤمن من الخلل ولذا شرط علم المجيز اتفاقًا قالوا أولا لم يزل العلماء يتداولون الإجازة من غير علم. قلنا: للتبرك كسماع الصبي الذي ليس من أهل التحمل. وثانيًا: يجوز في القرآن الذي هو أعظم، قلنا: محفوظ عن التبديل. وثالثًا: أنه عليه السلام كان يرسل كتبه بمن لا يعلم ما فيها ليعمل من يراها بموجبها لا لمجرد التبرك قلنا لعل ذلك يصان ببركته فلا يصح القياس لا سيما في زمان فشو الكتب ومشاهدة التزوير ومنه يعلم أن الإجازة لجميع أمة الموجودين لا لقوم معينين بعيد الصحة والمعدوم كما لمن يولد في بني فلان ما تناسلوا والمعلقة كأجزت لفلان إن شاء أو لمن شاء أو لمن شئت رواية حديثي مخاطبًا أبعد لعدم تعين المتحمل فلذا خالف في كل منها الموافق لما قبله والحق أن الأجدر بالاحتياط ورعاية خطر الحديث هو مذهب مشايخنا

ظاهر أن العدل لا يروى إلا بعد العلم بعدالته وروايته هو الثاني فإن علم الشيخ باستحقاق الرواية أوثق من علم الراوي بنفسه لأن الغالب في جبلة النفوس استحسان نفسها لا ظن السوء بها وعبارتها المستحبة أجازني ويجوز أخبرني وقيل وحدثني إجازة وقيل ومطلقًا وهما رخصتان والأصح أن ذلك في الإجازة مشافهة إما بالكلية أو الرسالة فلا يستعمل التحدث ويجوز أنبأني بالاتفاق لأنه إنباء عرفًا ولغة كما أنه إخبار لغة كما قال: زعم الغراب منبئ الأنباء وأعلاها المشافهة ثم الرسالة لأنها ناطقة بخلاف الكتابة. والثاني: المناولة ويسمى العرض وفسرها الأصوليون بأن يناوله الشيخ كتاب سماعه أو آخر مصححًا ويقول حدث به عني وبدونه لا تكفى فيغنى عنها ذلك القول غير أنها توكده ولذا هي أعلى من الإجازة المفردة وأحوط لأنها إجازة محصورة ما هي معلومة بل قيل أوفي من السماع والمحدثون إن تناول المستفيد جزءًا من حديثه ليتأمل الشيخ فإذا عرف ذلك قال له إنه روايتي عن شيوخي فحدث به عني والكلام فيها خلافًا واستدلالا وإن مشايخنا يشترط العلم وعبارة عنها مقيدة بالمناولة أو العرض كما في الإجازة بعينه وعلى الشيخ أن يشترط فيهما البراءة من الغلط والتصحيف والتزام شروط الرواية ليخرج عن العهدة ذكره المحدثون وبذلك يعلم أن القول ما قالت حذام. لأن اشتراط عدم التغيير بمن يستحقه بالعلم ما فيه. القسم الثاني: الضبط: وعزيمته الحفظ من السماع إلى الأداء وهو فضيلة الرسول عليه السلام لقوة نور قلبه والصحابة ببركة صحبته ورخصته الكتابة حيث صارت سنة مرضية وانقلبت عزيمة صيانة للعلم. وهي نوعان: مذكثرة للحادثة وهو المنقلب عزيمة وإمام لا يفيد تذكره. وكل منهما إما بخطه أو بخط ثقة معروف موثقًا بيده أو يد أمينة وإما بهما موثقًا بيد ثقة وإما غير موثق وإما بخط مجهول وكل من الثمانية إما أن يعتبر في الرواية أو ديوان القاضي أو الصكوك فهذه أربعة وعشرون. فالمذكر بأقسامه الاثنى عشر مقبول اتفاقًا ولا يشترط عدم لخلل النسيان اتفاقًا إذ منه الإنسان. والإمام لا يقبله الإِمام مطلقًا لأن غير المتذكر من الخط كالأعمى من المراعاة والعزيمة قوله وإنه أمارة إتقانه مع أنه كان في الحديث أعلم أهل زمانه. وأبو يوسف يقبل أو الأربعة في المحال الثلاث. وثانيها أيضًا في باب الرواية دون

القضاء لغلبة التزوير فيه وعدم التبديل فيها عادة لا ثالثها وهو الغالب في الصكوك لأنها في يد الخصم غالبًا حتى قيل لو كان في يد الشاهد يقبل ففي أمن القاضي بالأولى. ومحمد يقبل غير الرابع ولو في الصكوك إذا علم الخط بلا شبهة لحصول غلبة الظن بناء على أن الخطوط كالأعيان في خلقها متفاوتة لإظهاره القدرة عليهما والتشابه نادر لا حكم له وأما الرابع المجهول فلا يقبل إمامًا إلا إذا كان مضمومًا بجماعة من المجاز لهم أو بخطورو مجهولة لا يتوهم التزوير في مثلها ونسبتهم بأمة لا بجماعة من الأحاديث المسموعة المشتبه بينها فإنه لو لم يسمع حديثًا من البخاري مثلا واشتبه فيه لم يجز رواية حديث منه لأن كلا يجوز ان يكونه. قال شمس الأئمة وإنما يقبل المستثنى في الرواية لا القضاء والشهادة لاعتبار مزيد الاستقصاء في المظالم ومنصوصية اشتراط العلم كتابًا وسنة بقى ما لم يسمعه ووجده بخط أبيه أوثقه في كتاب معروف أو قال شيخه هذا خطى وذلك يقبل منه ثمنه لم يسلطه على الرواية بقوله أو حاله كالجلوس للرواية أو قال عدل هذه نسخة صحيحة لصحيح البخاري فليس له الرواية بل يقول وجدت بخط فلان أو قال فلان هكذا وهل يعمل به فالمقلد لا يقول بل يسأل المجتهد وهذا المجتهد في الأصح ما لم يسمعه وإن علم صحة النسخة بقول عدل. القسم الثالث: التبليغ: فعزيمة النقل باللفظ ورخصته النقل بالمعنى من أولوية الأول إجماعًا ومنعه ابن سيرين وأبو بكر الرازي وبعض أئمة الحديث والجمهور يجوزونه وتشديد مالك رحمه الله في عدم تبديل باء القسم بتائه وعكسه محمول على المبالغة في أولوية رعاية الصورة. لنا اختلاف ألفاظ الرواة في نقل واقعة واحدة والظاهر أنه عليه السلام قاله مرة وشاع ولم ينكر واتفاق الصحابة على نحو أمرنا ونهانا وقول ابن مسعود رضي الله عنه قال عليه السلام كذا أو نحوه أو قريبًا منه والإجماع على جواز تفسيره بالعجمية فبالعربية أولى والقطع بأن المقصود في التخاطب المعنى. قالوا أولًا قال عليه السلام: "نضر الله امرأ" (¬1) الحديث قلنا دعا لمن اختار الأولى ولا ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (1/ 268) (66)، والحاكم في مستدركه (1/ 162) ح (214)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 40) ح (11)، والضياء في المختارة (6/ 307 - 308) ح (2329)، والترمذي (5/ 33) ح (2656) وحسنه، والدارمى (1/ 86) ح (228)، والإمام الشافعى في مسنده (1/ 240) وأبو داود (3/ 322) ح (3660)، وابن ماجه (1/ 84) ح (230)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (1/ 253)، والبزار في مسنده (5/ 382) ح (2014)، والشاشي في مسنده (1/ 314) ح (275)، والطبراني في الأوسط (2/ 38) ح (1304) =

منع ولئن سلم الأداء كما سمع متحقق في مراعى المعنى كما فق الشاهد والمترجم وإن بدلا لفظه. وثانيًا: أنه يؤدي عند تعاقب النقول إلى اختلال كثير وإن كان التغيير في كل مرة أدنى شيء قلنا النزاع في العارف بمواقع الألفاظ المغير أصلًا. وإذا قال مشايخنا الألفاظ خمسة أقسام والجواز في اثنين: 1 - ماكان محكمًا أي متضح المعنى غير محتمل وجوهًا لا ما لا يحتمل النسخ يجوز لأهل اللسان مطلقًا كما قال- عليه السلام - "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" (¬1) ظاهرًا كعلم يحتمل الخصوص وحقيقة يحتمل المجاز يجوز لمن حوى إلى علم اللغة فقه البشرية لا لغيره إذ لعل المحتمل هو المراد لا موجبه فينقله إلى ما لا يحتمله بمن بدل قوله عليه السلام "من بدل دينه فاقتلوه" إلى كل من بدل وقد خص الأنثى والصغير منه وقوله: "لا وضوء لمن لم يسم الله" إلى لا يجوز وضوعه مع أن الفضيلة والباقية لا رخصة فيها فماكان مشكلا أو مشتركًا فإذ ليس تأويله حجة على غيره وماكان مجملا ومتشابهًا إذ لا يمكن تفسيرهما من الراوي وماكان من جوامع الكلم وفيه خلاف البعض إذ لا يؤمن الغلط فيه لإحاطتها لمعان يقصر عنها الألباب نحو الخراج بالضمان والغنم بإزاء الغرم والعجماء جبار ولا ضرر ولا إضرار في الإِسلام والبينة على المدعى واليمين على من أنكر ومن قال يجوز إلا بلفظ مرادف لا لجوز إلا القسم الأول. تتمتان: إحديهما في استيفاء الرواة وجموعها في ستة أقسام: متفق على وجوب قوله نحو سمعته وحدثني وأخبرني وشافهني إذ لا احتمال فيه. 2 - قول الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا قول غيره قال الشيخ ظاهره السماع منه فيقبل وقال القاضي يحتمل الواسطة فيبتنى قوله على عدالته إذ العدل لا يروى إلا عن عدل فإن قيل بعدالة جميع الصحابة تقبل منهم. له أن الواحد منا يقول قال الرسول وقد قال ابن عباس قال عليه السلام إنما الربا في النسيئة فلما رجع فيه قال سمعته من أسامة بن زيد (قلنا قرينة حال من لم يعاصر المروى عنه تدل على أنه لم يسمع في المطلق فضلا عن الصحابي المعاصر والوقوع على الندرة لا ينافى في الظهر سمعته أمر بكذا ونهى عن كذا فالأكثر على أنه حجة لأن العدل لا يجزم إذا علمه خلافًا لبعض الظاهرية قالوا فيه ثلاث احتمالات الواسطة في الظهور كما في قوله وأن يرى ما ليس يأمر أمرًا كالصيغة والفعل ¬

_ = والصيداوي في معجم الشيوخ (1/ 283)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 436) ح (57). (¬1) أخرجه مسلم (3/ 1406) ح (1780).

واللازم من النهى الخاص إلا أن يثبت أن أمره للواحد أمر للجماعة. قلنا الاحتمالات البعيدة الظهور لا سيما إذا علم من عادة الصحابة وسائر العدول أنه لا يطلقونه إلا في أمر الأمةكما لا يجزمون إلا مع العلم. 4 - صيغة ما لم بسم فاعله هو نحو أمرنا ونهينا وأوجب وحرم وغيرها فالأكثر على أنه حجة لظهوره في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الأمر والناهي كالمختص بملك قالوا فيه الاحتمالات الثلاث ورابع من حيث الفاعل المطوي وخامس من حيث ظنه المستنبط مأمورًا به لكونه واجب العمل وقال بعضهم بالتفصيل فأمرنا من أبى بكر رضي الله عنه حجة إذ لم يتأمر عليه غير الرسول عليه السلام ومن غيره لا لما ذكر إنما نحو أوجب وحظر وأبيح فحجة مطلقًا إذ لا يقال أوجب الإِمام إلا مجازًا ولا يخفى أن الاحتمالات في التابعي أكثر. قلنا العدل لا يطلق إلا وهو يريد من يجب طاعته والاحتمالات البعيدة لا تنفى الظهور. 5 - السنة أو من السنة كذا مطلقها طريقة النبي عليه السلام عند الشافعية حيث ساوى المرأة والرجل فيما دون النفس إلى ثلث الدية عنده ونصف ديتها في الثلث وما فوقه فأوجب في ثلاث أصابع ثلاثين إبلا وفي الأربع عشرين بقول سعيد بن المسيب أنه السنة إذ مراسيله مقبولة عنده ولا يقتل الحر بالعبد عنده لقول ابن عمر وابن الزبير من السنة قلنا فيه الاحتمالات الخمسة وشهرة إطلاق السنة على الطريقة المرضية مطلقًا كسنة العمرين وسنة الصحابة والتابعين والشهرة قادحة في الظهور فينفى الاحتجاج كيف وكبار الصحابة مثل عمر وعلى رضي الله عنهما أفتوا بتنصف دية المرأة في النفس وما دونها مطلقًا وتأثير قطع الرابعة في إسقاط عشر من الإبل غير معقول وفي الثانية عموم النص مثل النفس بالنفس يشمله وقوله الحر بالحر والعبد بالعبد تخصيص بالذكر فلا ينفى ولذا يقتل العبد بالحر إجماعًا وكونه تفاوتًا إلى نقصان لا يؤثر في تغيير المنصوص لو كان (وما ينبئ عنه القصاص ليس المساواة من كل وجه إجماعًا إذ لولاها لم يتحقق إتلاف ما وهي بالدين أو الدار ويستوي الحر بالعبد فيهما والقضاء بالرجم جزاء على الجريمة فلا يمنعه وجود العصمة وأما أن الرق أثر الكفر فيتسبب لشبهة الإباحة فيبطله جريان القصاص بين العبدين. 6 - كنا نفعل أو كانوا يفعلون فإن ضم إلى ذلك سماع الرسول عليه السلام وعدم إنكاره فلا كلام نحو قول ابن عمر كنا نفاضل على عهد رسول الله عليه السلام فنقول خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فبلغ ذلك رسول الله فلا ينكره وإلا

الفصل السادس: في الطعن

كقول عائشة رضي الله عنها كانوا لا يقطعون أي اليد في الشيء التافه أي الحقير فالأكثر على أنه حجة مطلقًا لأنه ظاهر في الجميع وأنه عمل الجماعة وأنه حجة وقيل لو قاله التابعي لا يدل على فعل الجميع والظاهر دلالته أما عليه أو على فعل البعض وسكوت الباقي مع عدم الإنكار قالوا فلا يسوغ المخالفة لأنه إجماع قلنا لا نعلم فإن ذلك فيما كان قطعيًا إذا لم يتعلق المحذوف بالمذكور تعلقًا بغير المعنى كشرط العبادة وركنها وكالغاية في لا تباع النخلة حتى تزهى والاستثناء في لا يباع مطعوم بمضعوم إلا سواء بسواء وشرط المحدثون أن تذكره مرة بتمامه كيلا يتطرق إليه سوء الظن بتهمة التحريف والتلبيس. 7 - في انفراد الثقة بالزيادة لفظًا كانت أو معنى كرواية أنه عليه السلام دخل البيت أو دخل وصلى فإن اتحد مجلس السماع فإن كان كثرة الرواة الآخر بحيث لا يتصور غفلتهم عن مثلها لم تقبل وإلا فالجمهور على القبول وعن أحمد روايتان لنا أنه عدل جازم فيقبل كانفراده بحديث وعدم إقدامه على الكذب هو الظاهر فعلى الرسول أظهر لا سيما وقد بلغه الوعيد به وغيره من الرواة ساكت وغير جازم بالنفي لاحتمال الحضور أو الذهاب في أثناء المجلس أو النسيان أو الشاغل عن السماع قالوا نسبة الوهم إليه أولى لوحدته. قلنا: جزم العدل بسماعه ما لم يسمع مع وحدته أبعد بكثير عن ذهول الإنسان عما جرى بحضوره مع كثرتهم. وإن تعدد المجلس أو جهل حاله وحده وتعددا يقبل اتفاقًا. ومثله اختلافًا ودليلا كون الزيادة والنقص من واحد مرتين وإسناد عدل مع إرسال الباقين أو رفعه مع وقفهم أو وصله بأن لم يترك راويًا في البين مع قطعهم. 3 - في الإدراج وهو أن يضيف الراوي إلى الحديث شيئًا من قوله بحيث لا يميزه عن قول الرسول فإن ثبت أنه ليس قول الرسول لا يقبل قبول الحديث وإلا فالظاهر من الثقة لا يدرج فإذا روى من الصحابة مرة لا تمييزه عن قول الرسول وأخرى بتمييزه فالحق أن يعمل بهما بأن يجعل من قول الرسول ويحمل الأخرى على ظن الراوي كذلك أو تكرار قول الرسول من عنده إذ العمل بهما أولى من إهمال أحدهما وذلك الحمل أولى من نسبة التلبيس إلى الصحابة رضي الله عنهم ولذا جعلنا قوله إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلواتك من حديث التشهد لا من قول ابن مسعود رضي الله عنهما. الفصل السادس: في الطعن وفيه مباحث: الأولى في تقسيمه هو، إما من المروى عنه أو من غيره وكل منهما

سبعة أقسام: أما الأول فلأن إنكاره إما بالقول أو بالفعل والأول إما بالنفى الجازم أو المتردد وبالتأويل وما بالفعل إما بالعمل بخلافه قبل الرواية أو بعدها أو مجهول التاريخ أو بالامتناع عن العمل بموجبه. وأما الثاني: فلأنه إما من الصحابة فيما يحتمل الخفاء على الطاعن أو لا يحتمله، وإما من سائر أئمة الحديث فالطعن مبهم أو مفسر بما لا يصلح جرحًا أو يصلح لكن مجتهدًا فيه أو متفقًا عليه لكن ممن يوصف بالإتقان والنصيحة أو بالمعصية والعداوة. الثاني: في أحكام أقسام الأول أما الجازم فيسقط العمل اتفاقًا في الأصح لكذب أحدهما قطعًا ولعدم تعينه لا يسقط عدالتهما المتيقنة بالشك كبينتين متعارضتين فيقبل رواية كل منهما في غير ذلك الخبر وأما المتردد سواء نفى ولم يصر عليه وقال لا أدرى فقال أبو يوسف يسقط وهو مختار الكرخي والشيخين وسائر المتأخرين. وقال محمَّد ومالك والشافعي ومن تبعهم لا يسقط ولأحمد روايتان مثاله ما رواه سليمان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام قال: "أيما امرأة" (¬1) الحديث وقد أنكره الزهري. وما رواه ربيعة عن سهيل في الشاهد واليمين ولم يعرفه سهيل حين سئل وكان يقول حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي نظيرة إنكار أبى يوسف رواية مسائل ثلاث أو أربع أو ست من الجامع الصغير على محمَّد فلم يقل بها وصححها محمَّد للراد ولا ما قال عمار بن ياسر لعمر أما تذكر حين كنا في إبل فاجنبت فتمعكت في التراب فذكرته للرسول عليه السلام فقال: أما كان يكفيك ضربتان ولم يذكره عمر رضي الله عنه فلم يقبل وكان لا يرى التيمم للجنب بعد ذلك ولو لم ينحك حضور عمر رضي الله عنه لقبله لعدالته وفضله ولم ينكر أحد ما فعله عمر رضي الله عنه فازداد برد المحكى حضوره فبرد الراوي أول فلا يحث فيه بأن عمارًا لم يرو عن عمر رضي الله عنه فإذا رد برد المحكى حضوره فبرد الراوي أولى فلا بحث فيه بأن عمارًا لم يرو عن عمر رضي الله عنه فليس مما نحن فيه. وثانيًا: أنه يرد بتكذيب دلالة العادة كالغرابة في الحادثة المشهورة فبتصريح الراوي وعليه مداره أولى أما قياسه على الشهادة حيث لا يقبل شهادة الفرع من نسيان الأصل فلا يتم لأن بابها أضيق فقد اعتبر فيه بعد الحرية والذكررة والعدد لفظة الشهادة وامتناع ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

العنعنة والحجاب للقائل أولًا حديث ذي اليدين حيث قبل رواية أبى بكر وعمر رضي الله عنهما عنه أو شهادتهما عليه بما لم يذكر وجوابه أن الظاهر أنه عليه السلام عمل بذكره بعد روايتهما إذ كان لا يقر على الخطأ. وثانيًا أن الحمل على نسيان المروى عنه أولى من تكذيب الثقة الراوي وجوابه بأن نسيان الحاكي سماعه عن غيره وزعم أنه منه في الاحتمال سواء فيه شيء لأن إنكار الأصل جازمًا ليس محل النزاع ومترددًا ليس كالاحتمال الذي في الفرع لجزمه بالرواية وأنه عدل كما لو مات الأصل أو جن. قال مشايخنا: اختلاف الصاحبين هنا فرعه في الشهادة على حكم القاضي بقضية لا بذكره ولا يلزم ذلك مالكًا واحمد لأنهما يوجبان الحكم كمحمد بل أصحاب الشافعي حيث لا يوجبونه، وجوابهم بان نسيان الترافع وطول المقاولة ومآل النزاع أبعد من نسيان الرواية معارض بل مرجوح بأن وجوب ضبطها والثبات عليها يجعل نسيانها عن الثقة في غاية الندرة. ولذا قال المحدثون الحق التفصيل بأن ينظر الشيخ في نفسه فإن رأى أن عادته غلبة النسيان قبل رواية غيره عنه وإلا رد إذ قلما لا يتذكر مثله بالتذكير والأمور تبنى على الظواهر لا على النوادر. وأما بالتأويل من الشيخ فإن كان كتعيين بعض معاني المجمل مما ليس ظاهرًا في بعض المحتملات كان ردًا لسائر الوجوه لأن الظاهر أنه لم يحمله عليه إلا بقرينة معاينة فيصلح للترجيح وإن لم يصلح حجة على الغير لما سيجيء وإن كان ظاهرًا فحمله على غيره كتخصيص العام وتقييد المطلق. قيل: يعتبر ظهوره وإليه ذهب الكرخي وأكثر مشايخنا والشافعي حيث قال كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته. وقيل يحتمل على تأويله لمثل ما مر. وقال أبو الحسين البصري وعبد الجبار إن علم بالضرورة أنه علم مقصود النبي عليه السلام وجب المصير إليه وإن جهل نظر في دليله فإن اقتضاه أَتبع وإلا أخذ بظاهر الخبر وهذا في الحقيقة عين المذهب الأول وهو الحق لأن تأويله لا يبطل الاحتمال اللغوي لا يكون حجة على غيره كاجتهاده ولا يلزمنا حديث ابن عباس رضي الله عنه "من بدل دينه فاقتلوه" حيث قال ابن عباس لا نقتل المرتدة فأخذنا به خلافًا للشافعي لأنا عملنا فيه بنهى النبي عليه السلام من قتل النساء مطلقًا لا بتخصيصه ولا الشافعي إثباته خيار

المدلس بحديث ابن عمر رضي الله عنه المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا وقد حمله على اقتراق الأبدان وإن احتمل افتراق الأقوال وأنه في معنى المشترك بينهما لأنه أثبته بدلالة ظاهر الحديث لا بتأويله. قلنا ظاهره افتراق الأقوال لأن حقيقة المتبايع حالة المباشرة ومجاوبة الركنين وأما عمله بخلاف مرويه قبل بلوغه وروايته فليس جرحًا إذْ يحمل على تركه بالحديث إحسانًا للظن به وكذا مجولا تاريخه لأن حجية الحديث لا تسقط بالشبهة وأما بعدها بما هو خلاف بيقين لا ببعض محتملاته كما مر وذلك بأن كان نصًا في معناه فسقط حملا له على وقوفه على أنه منسوخ أو ليس بثابت إذ لو كان خلافه باطلا سقطت روايته أيضًا. وقيل: يعمل الخبر إذ ربما ظن ناسخًا ولم يكن وهو بعيد أما عمل غيره وإن كان أكثر الأمة فلا يسقط مثل حديث عائشة رضي الله عنها: "أيما امرأة نكحت" (¬1) الحديث ثم زوجت أي بعد الرواية ابنة أخيها حفصة وهو غائب. قيل: لعل الولاية انتقلت إلى الأبعد لغيبة الأقرب. قلنا: جوزت نكاح المرأة نفسها دلالةً فإنه إذا انعقد بعبارة غير المتزوجة فبعبارتها أولى وحديث ابن عمر في رفع اليدين في الركوع حيث قال مجاهد صحبته عشر سنين فلم أره رفع اليدين إلا في تكبيرة الافتتاح. وأما الامتناع عن العمل كترك الصلاة في جميع وقته من غير اشتغال بعمل فمثل العمل بخلافه لحرمته. وشمس الأئمة رحمه الله ذكر ترك ابن عمر رفع اليدين في القبيلين لأن الترك فعل من الثالث: في أحكام أقسام الثاني: فالأول وهو طعن الصحابة فيما لا يحتمل الخفاء بمنع القبول إذ لو صح لما خفي عادة فيحمل على السياسة أو عدم الختم أو الانتساخ مثاله قوله عليه السلام "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" (¬2) أي حكم زنا غير المحصن بغير المحصن. وقوله "الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة" (¬3) أي: المحصن كناية فيهما فالخلفاء ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه مسلم (3/ 1316) ح (1690). (¬3) أخرجه النسائي في الكبرى (4/ 270) ح (7142)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 318) ح (767) والطيالسى في مسنده (1/ 79) ح (584) والمحاملي في أماليه (1/ 374) ح (421) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 323) ح (1802) بتحقيقنا. وانظر نصب الراية للزيلعي (3/ 330).

الراشدون لم يعملوا بهما وهم الأئمة والحدود إليهم حتى حلف عمر حين لحق من فيه بالروم مرتدًا أن لا ينفى أبدًا وقال على رضي الله عنه كفي بالنفي فتنة فعلم أنه كان سياسة ولما امتنع عمر رضي الله عنه عن قسمة سواد العراق بين الغانمين حين فتحه عنوة علم أن قسمة خيبر لم تكن حتمًا فيتخير الإِمام في الأراضي بين الخراج والقسمة اتفاقًا. ومنه نكاح المتعة كما قال ابن سيرين هم رأوها وهم نهوا عنها أما عمل ابن مسعود بالتطيق وهو إرسال المصلى كفيه مطقة بين الفخذين بعد حديث عمر في أخذ الركب أو وائل بن حجر في الوضع عليها أو أبى حميد الساعدي في الجمع بينهما فلم يوجب جرحًا إذ كان ذلك لأن التطبيق عزيمة لا للإنكار غير أن أحد الثلاثة رخصة إسقاط عندنا وهو مذهب عامة الصحابة ولذا نهى سعد بن أبي وقاص ابنه عنه مستندًا إلى نهى عبد الله ولأن التخيير بينهما في العزيمة نوع تخفيف لاكما نحن فيه. الثاني طعنهم فيما يحتمله لا يمنعه لأن النادر يحتمل الخفاء كحديث زيد بن خالد الجهني في الوضوء بالقهقهة (¬1) لأنها نادرة لا سيما في الصحابة وإن لم يعمل به أبو موسى الأشعري وكحديث الخثعمية "حجى عن أبيك واعتمري" وحديث يرخص الحائض بترك طواف الصدر وإن لم يعمل ابن عمر بهما فلم يجوز الحج عن الغير وأوجب إقامتها حتى تطهر. الثالث: الطعن المبهم عن سائر أئمة الحديث كأن الحديث غير ثابت أو مجروح أو متروك أو رواية غير عدل أو غيره لا يقبل خلافًا للقاضي وجماعة لأن الظاهر العدالة بين المسلمين للعقل والدين لا سيما في القرون الثلاثة ولأن قبوله يبطل السنن ولأنه لا يقبل في الشهادة وهي أضيق ففيها أولى. الرابع: طعنهم بما لا يصلح جرحًا لا يقبل كطعن أبي حنيفة - رحمه الله - لا سيما من المتعصب بدس ابنه لأخذ كتب أستاذه حماد فإنه آية إتقانه ويجوز لذلك الغرض عند ظن المنع وكالطعن بالتدليس هو لغة كتمان عيب السلعة عن المشترى واصطلاحًا كتمان انقطاع أو خلل في الإسناد كما في العنعنة فإنها توهم شبهة الإرسال وحقيقته ليست بجرح ومنه قول من عاصر الزهري قال الزهري موهمًا أنه سمع ¬

_ (¬1) ضعيف جدًا. أخرجه الدارقطني فما سننه (1/ 164) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 28) وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (1/ 223)، وأبو بكر الإسماعلي في معجم الشيوخ (2/ 530 - 531) ح (167)، وابن الجوزى فما العلل (1/ 370 - 371) ح (617)، وانظر الدراية في تخريج الهداية (1/ 36)، نصب الراية للزيلعى (1/ 48).

منه. وبالتلبيس بذكر كنية الراوي كقول سفيان حدثني أبو سعيد يحتمل الثقة هو الحسن البصري وغيره وهو محمَّد الكلبي وكقول محمَّد بن الحسن حدثني الثقة يريد أبا يوسف ولم يصرح به للخشونة بينهما أو بذكر موضعه نحو حدثنا بما وراء النهر موهمًا أنه يريد جيحون وهو يريد جيحان وذا لأن الكناية صيانة له وللسامع عن الطعن بالباطل وليس كل تهمة قادحة إذا لم تكن فاطعة ولا التهمة في حديث مسقطة كل الأحاديث كما في الكلبي لتفسيره وربيعة بن عبد الرحمن وغيرهما والتسمية بالثقة شهادة بالعدالة. وللكناية وجوه أُخر ككون المروى عنه دونه في السنن أو قرينة أو تلميذه إذ الجميع صحيح عند أهل الفقه والحديث نعم يصير جرحًا إذا لم يفسر حين استفسر وكالطعن بما ليس ذنبًا شرعيًا كما في محمَّد بن الحسن بقول ابن المبارك لا يعجبني أخلاقه وقد قال فيه هو من يحيى الله به دين الأمة ودنياهم اليوم وأخلاق القدوة غير أخلاق أهل العزلة وكما بسباق الخيل والقدم مع أنه استعدادًا لجهاد وبالمزاح فإنه يحق من امرئ لا يستفزه الخفة مباح وبالصغر إذ لا يقدح عند التحمل كحديث عبد الله العذري في صفية الفطر أنها نصف صاع من حنطة وقدمناه على حديث الخدري أنها صاع لأنه بعد استوائهما في الاتصال أثبت متنا لكونه مع قصته وقولا لا فعلا وقد تأيد برواية ابن عباس رضي الله عنه وكما بعدم احتراف الرواية لأن العبرة للإتقان كما في أبى بكر رضي الله عنه. الخامس: طعنهم بمجتهد فيه لا يقبل كما بالاستكثار من فروع الفقه في أبى يوسف لأن كثرة الاجتهاد دليل قوة الذهن والضبط وبالإرسال فإنه دليل الإتقان من الثقة. السادس: طعنهم مفسرًا بالفسق لكن من متهم بالعصبية كطعن الملحدين في أهل السنة لا يسمع. السابع: ذلك ممن يوصف بالنصيحة مقبول وقد مر كلياته في وجوه الانقطاع قيل والصحيح من وجوه الطعن يبلغ أربعين فما لم يتل هنا يرام في كتاب الجرح والتعديل. وأما التذييل ففي مباحث الجرح والتعديل. الأول: في تعريفهما الجرح وصف متى التحق بالراوي والشاهد بطل العمل بقولهما والتعديل وصف متى التحق بهما أخذ به ويرادفه التزكية. الثاني: في عدم اشتراط العدد فيهما وعليه القاضي وهو مذهب أبى حنيفة وأبى يوسف في الرواية والشهادة إلا في تزكية العلانية وأكثر الشافعية على عدمه في الرواية واشتراطه في الشهادة وهو مذهب محمَّد وقيل يجب العدد فيهما، لما مر أن باب الرواية وقضاء القاضي بعد الشهادة من حقوق الله فيعمل فيهما بخبر الواحد تعديلا وجرحًا.

أما التعديل فلأنه بعد تسليم كونه شرطًا لا يربو على حال المشروط لتبعيته وكفاية وجوده كيف ما كان وأما الجرح فإنه رد إلى أصل العدم لا أخرج عنه وأما ترجح الجارحين على الجماعة المعدلة وكذا جارح على معدل في رواية والأصح العمل بثالث فليس لهذا بل لأن الخارج مثبت للفسق والمعدل ناف والمثبت المستوفى للنصاب لا غالب عليه لا يقال أصالة العدالة في باب الشهادة يقتضي كون الجرح إلزامًا وإخراجًا من الأصل لأن إصابتها عند عدم تعرض الخصم أما عند طعنه فيشترط التعديل ويكون الجرح دفعًا لا رفعًا كما يشترط مطلقًا في الرواية بعد القرون الثلاثة غير أن تزكية العلانية لاستناد ظهور لزوم الحق إليها عند التعرض استناده إلى الشهادة مطلقًا ألحقت بها واشترط شروطها كما مر ومثلها تزكية السر عند محمَّد والحق بما لأن الإلزام بالظواهر وتزكية السر للاحتياط وإنما لم يشترط لفظة الشهادة لأنها تنبئ عن التيقن وذلك في العلم بعدم أسباب الجرح متعذر بل مبناه على الظاهر ولا مجلس افيضاء إحرازًا لفضيلة الستر ولا حضور الخصم احترازًا عن فتنة العداوة أو الكذب استحياء. وللمشترطين في الشهادة دون الرواية إلحاق التبع بالمتبوع فيهما. وجوابه أن لذلك وجهًا في الرواية فإن الاحتياط في التبع لا يربو على أصله أما في الشهادة فإنما يثبت لو وجب عدم نقصان التبع وعدم زيادته عليه وهو مم ولذا يصح تعديل شهود الزنا إلا عند محمَّد رحمه الله ويكفى واحد في أصل الشهادة بهلال رمضان ويجب في تعديله اثنان عندهم ولا يقال ذلك للاحتياط في العبادة إذ لا احتياط في المتردد بين الوجوب والحرمة في شيء من طرفيه كصوم يوم الشك، ولموجبي العدد فيهما أو لا أنهما شهادة كسائر الشهادات. وجوابه بعد المعارضة بأنه إخبار كسائر الأخبار الفرق بما مر في الرواية وتزكية الشر. وثانيًا: أنه أحوط لتعيده في التعديل احتمال العمل بما ليس بحديث وبينة وفي الجرح احتمال عدم العمل بما هو حديث وبينة. وجوابه بعد المعارضة لما في كل بما في الآخر الفرق في تزكية العلانية يتضمنها للإلزام وأن الأحوطية تفيد الأولوية ولئن سلم فالاحتياط في الجرح ليس في محن لأن كونه حديثًا وبينة لم يثبت بعد حتى يحتاط في تبعيد احتمال العمل به. الثالث: في إطلاق الجرح والتعديل يكفي فيهما عندنا رواية وشهادة وعليه القاضي حتى قلنا يكفي في التعديل هو عدل مقبول الرواية أو الشهادة رواية واحدة وفي عدل فقط روايتان والأصح قبول لثبوت الحرية بالدار وفي الجرح الله يعلم بعد الاستفسار إحرازًا

السبب فيهما وقال الشافعي يكفى في التعديل دون الجرح وقيل بالعكس وقال الإِمام إن صدر عمن يعلم أسبابهما كفى وإلا فلا. لنا أن غير البصير بحالهما وإن كان عدلا لا يصلح بما حتى لو عمل بخبر غير العدل البصير فسق وبطلت عدالته والبصير يتبع لحصول الثقة. قيل أسباب الجرح مختلف فيها فربما جرح بسبب لا نراه. وجوابه بأن إطلاق العدل البصير في محل الخلاف تدليس قادح في عدالته مردود بأن الواجب معرفة أسبابه اجتهادًا أو تقليدًا لا معرفة الاتفاق والاختلاف فيها فربما لا يخطر الخلاف بباله. ولو سلم فالبناء على ما هو الحق عنده ليس تدليسًا. والصحيح أن الغالب من أسبابه متفق عليه والغالب من البصير أن يعرف محل الخلاف والاتفاق والغالب من الحاكي للمجتهد أو القاصر إذا كان ثقة أن ينبه على الخلاف وإلا فإطلاقه تدليسًا قادح في عدالته وبناء على زعمه يؤدى إلى التقليد فيحمل على أنه لإحراز فضيلة الستر ولما تقرر أن الغالب بوجه كالمتحقق فبوجوه أولى واتباع غالب الظن ليس تقليدًا بل أقصى غاية الاجتهاد. لا يقال لو كفى الإطلاق في الجرح عندكم لسمع الشهادة على جرح مجرد وهو ما يفسق به ولم يوجب حقًا للشرع أو العبد مثل هو فاسق أو آكل الربا أو استأجرهم للشهادة وأعطاهم مالى أو صالحتهم ودفعته على أن لا يشهدوا على وشهدوا لأنا نقول لا يلزم من كفاية الإطلاق في مطلق العمل كفايته للإلزام إذا كان على وجه الشهادة إذ عدم سماعها حينئذ لعدم إمكان الإلزام بالفسق وهو معنى عدم دخول الفسق تحت الحكم إذ له الرفع بالتوبة حتى لو علم القاضي بفسقهم لا يحكم به أيضًا وإن لم يقبل شهادتهم حتى يعلم توبتهم ومضى مدة يظن باستقرار التوبة فمِها بخلاف شهادتهم على إقرار المدعى بفسق شهوده فإن الإقرار يدخل تحت الحكم ولأن هتك الستر من غير ضرورة فسق لا يعمل بشهادتهم وضرورة دفع خصومة المدعى تندفع بالأخبار للقاضي من غير شهادة وبوظيفة التزكيتين لموجب ذكر السبب فيهما أن الإطلاق لا ينفك عن الشك للالتباس والاختلاف في أسبابهما فلا يصلح للإثبات. وجوابه أن قول العدل يوجب الظن فلا شك للشافعي أن الاكنفاء بالإطلاق في الجرح يؤدى إلى تقليد المجتهد في سبب الجرح فربما لو ذكره لم يره جرحًا والمقلد في بعض المقدمات ليس بمجتهد بخلافه في التعديل فإن الإطلاق فيه أمارة عدم علمه بفسق ما فلا

فسق أصلًا لوقوع النكري في سياق النفي وهذا عمل بالإجماع لا تقليد. قلنا اتباع ظن الصدق من المجتهد المتفرس ليس تقليدًا كما مر. ولئن سلم فإن لم يجب للجارح معرفة الخلاف فإطلاقه في التعديل أمارة عدم فسق مما يراه جرحًا فلا يدل على الإجماع وإن وجب فإن أطلق تلبيسًا فليس بعدل وإن أطلق اكتفاء بزعمه لم يخرج عن التقليد للعاكس إن كثرة التصنع في العدالة بين الناس يؤدى إلى الالتباس. فلا بد من بيان سببه بخلاف الجرح وقد علم جوابه والإمام إن شرط العلم بأنه عالم بأسبابهما فلزومه مم وإن اكتفى بالظن فذلك حاصل ممن يوثق ببصيرته وضبطه. الرابع في تعارض الجرح والتعديل الجرح مقدم عند الأكثرين مطلقًا والتعديل عند البعض كذا والصحيح من مشايخنا تقديم جرح الاثنين على تعديل الجماعة أما عند وحدتهما فيتبع الثالث. لنا أن شأن المعدل الظن بعدم أسباب الجرح إذ العلم بالعلم لا يتصور والجارح السبب كقتل فلان يوم كذا وجزم المعدل بنفيه بأن يراه بعد ذلك اليوم تعارضًا واحتيج إلى الترجيح بالثالث وإلى هذا دليل مقدمي الجرح مطلقًا ثم نقول ما دام الجارح واحدًا يعارضه ظاهر العدالة الذي يقتضيه العقل والدين ويتقوى به المعدل الواحد على معارضته وإذا تعدد المعدل ترجح عليه. أما إذا استوفى الجارح نصاب الشهادة تقرر فلا يعارضه التعديل وإن تكثر إذ لا حكم للزائد عليه. الخامس في طرق التعديل وهي أربعة: 1 - أن يحكم بشهادته من يرى العدالة شرطًا في فبولها اتفاقًا أما من لا يرى فليس بتعديل. 2 - أن يبنى عليه عارف بوجوه العدالة بأنه عدل. 3 - أن يعمل بروايته العالم إن رآها شرطًا في قبولها إذ العمل بخبر الفاسق فسق ولم يمكن حمله على الاحتياط أو على العمل بدليل آخر وافق الخبر وإلا فلا. 4 - رواية العدل عنه وفيها مذاهب: 1 - تعديل إذ الظاهر أنه لا يروى إلا عن عدل. 2 - ليس بتعديل إذ كثيرًا ما نرى من يروى ولا يفكر ممن يروى. 3 - وهو المختار إن علم من عادته أنه لا يروى إلا عن عدل فهو تعديل وإلا فلا.

الركن الثالث في الإجماع: وفيه مقدمة وعشرة فصول

السادس: الصحابة عدول وقيل كغيرهم يحتاجون إلى التعديل. وقال واصل بن عطاء كغيرهم إلى حين ظهور الفتن من فتنة عثمان وما بني عليها مما بين علي ومعاوية وبعده لا تقبل الداخلون فيها من الطرفين إذ الفاسق غير معين ومجهول العدالة لا يقبل عنده والخارجون كغيرهم وقالت المعتزلة عدول إلا من علم أنه قاتل عليا فإنه مردود. لنا من الكلام نحو أمة وسطا أي عدولا وخير أمة ورحماء بينهم ومن الحديث "بأيهم اقتديتم اهتديتم" "وخير القرون" الحديث ولما نال مدى أحدهم ومن العقل ما تواتر عنهم من الجد في الطاعة وبذل المال والنفس والفتن محمولة على الاجتهاد الموجب للعمل ولا يفسق بالواجب. السابع: الصحابي من رأى الرسول (¬1) وقبل وطالت صحبته وقيل وروى والمسألة لفطة فلا مناقشة في الاصطلاح إذ لو أريد اللغوي فالحق الأول لأنه للقدر المشترك دفعًا للمجاز والاشتراك كالزيارة والحديث بدليل صحبه قليلًا أو كثيرًا من غير تكرار ولا نقض ولأن من حلف لا يصحب يحنث بالصحبة لحظة وإن أريد العرفي فعلى موجب التعارف وفهم الملازمة من نحو أصحاب الجنة وأصحاب الحديث بعرف مجدد والمنفى عن الوافد والرائي الصحبة بقيد اللزوم ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم قالوا إذا قال العدل المعاصر أنا صحابي فهو صفي ظاهرا لا قطعًا فتهمة أنه يدعى رتبة تستدعى ريبة والله أعلم. الركن الثالث في الإجماع: وفيه مقدمة وعشرة فصول أما المقدمة ففي تفسيره هو لغة لمعنيين العزم نحو قوله تعالى: {فَأَجْمعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71]، وقوله عليه السلام "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" فيتصور من واحد والاتفاق (¬2) ما جمع صار ذا جمع كالبن فلا يتصور. واصطلاحًا اتفاق المجتهدين من أمة محمَّد عليه الإِسلام في عصر على حكم شرعي (¬3) ¬

_ (¬1) أي مسلمًا، ليخرج من رآه واجتمع به بعد ذلك، كما في زيد بن عمرو بن نفيل، فإنه مات قبل المبعث، وليخرج أيضًا من رآه وهو كافر ثم أسلم بعد موته انظر شرح الكوكب المنير (2/ 465). (¬2) انظر إحكام الأحكام للآمدي (1/ 280)، المحصول لفخر الدين الرازي (2/ 312)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 211). (¬3) انظر المحصول لفخر الدين الرازي (2/ 312)، أحكام الأحكام للآمدي (1/ 280 - 282)، نهاية السول للإسنوي (3/ 237)، التوضيح على التنقيح ومعه التلويح (2/ 41).

الفصل الأول في إمكانه

فخرج المقلد وبعض المجتهدين وجميعهم من أرباب الملل السالفة مخالفة وموافقة ولى عصر يتناول القليل والكثير من شرط انقراض عصر المجمعين يقول إلى انقراضه وخرج الاتفاق على حكم غير ديني كان السقمونيا مسهل فإن إنكاره ليس كفرًا بل جهل به وعلى ديني غير شرعي لأن إدراكه إما بالحس ماضيًا كأحوال الصحابة أو مستقبلا كأحوال الآخرة وأشراط الساعة فالاعتماد في ذلك على النقل لا الإجماع من حيث هو وإما بالعقل فإن حصل اليقين به فالاعتماد عليه وإلا من قبيل الشرعيات التي يحصل بالإجماع القطع فيها كتفضيل الصحابة على غيرهم عند الله وغيره من الاعتقاديات ومن عمم اكتفى بعلى حكم ويشمل سنة وحمسين قسمًا لأنه إما عقلي أو عرفي أو لغوى أو شرعي وكل إما مئبت أو منفى وكل من الثمانية إما قولي أو فعلى أو تقريري أو مختلف ثنائية ثلاثة وثلاثية واحد وهذا من قال بجوازه بعد خلاف مستقر أما من لم يجوزه ويرى استحالته فأخرجه بالجنس ومن جوزه وقال بانعقاده اكنفى به. وقال الغزالي هو اتفاق أمة محمَّد على أمر ديني ويشعر بالاتفاق من البعثة إلى القيامة ويخالفه إجماع القائلين بالإجماع لأنه لا يفيد ورد عنا به بأن المراد في عصر كما في قوله تعالى {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42] فإن فاطمة أفضل إجماعًا فأورد أنه لا يطرد لصدقه على اتفاق غير المجتهدين ورد عناية بان المراد اتفاق المجتهدين وليس العنايتان بسلامة الأمير بل لسبقهما إلى فهم التشرعة من نحو لا تجتمع أمتي على الضلالة مع محافظة لفظ الحديث إما أنه لا يتناول الاتفاق على عقلي أو عرفي كأمر الحروب فلا ينعكس فغير وارد لأنا لا نتم حجيته فيهما لو لم يتعلق به عمل أو اعتقاد. الفصل الأول في إمكانه خلافًا للنظام وبعض الشيعة. فأولا لأن العادة قاضية بامتناع تساويهم في نقل الحكم إليهم لانتشارهم في الأقطار وجوابه منعه فيمن يجد في الطلب والبحث عن الأدلة. وثانيًا: لأن اتفاقهم لو كان عن قاطع لنقل عادة فأغنى عن الإجماع وعن ظنى ممتنع لاختلاف القرائح والأنظار كعلي أكل الزبيب الأسود في زمان واحد وجوابه أن الإجماع أغنى عن نقل القطاع والاختلاف دمنع الاتفاق في الدقائق لا في الظني الجلى. الفصل الثاني في إمكان العلم به قالوا العادة تقضى بامتناع معرفة علماء الشرق والغرب بأعيانهم فضلا عن معرفة

الفصل الثالث في إمكان نقل العالم إلى المحتج به

تفاصيل أحكامهم مع جواز خفاء بعضهم عمدًا أو انقطاعه خملة أو أسره في مطمورة أو كذبه خوفًا أو تغير اجتهاده قبل السماع عن الباقين وجوابه أنه تشكيك في مصادمة الضرورة للقطع بإجماع الصحابة والتابعين على تقديم القاطع على المطون وهم كانوا محصورين مشهورين ديّنين ولم يرجع واحد منهم وإلا لاشتهر. الفصل الثالث في إمكان نقل العالم إلى المحتج به قالوا الآحاد لا تفيد القطع ويجب في التواتر واستواء الطرفين والواسطة ويستحيل عادة مشاهدة أهل التواتر جميع المجتهدين شرقًا وغربًا طبقة بعد طبقة إلى أن يتصل بالمحتج به وجوابه ما مر للقطع بأن الإجماع المذكور منقول إلينا تواترًا. الفصل الرابع: في حجيته وخالف النظام والشيعة وبعض الخوارج وهم شرذمة قليلون من أهل الأهواء نشأوا بعد الاتفاق على حجيته فلا عبرة بخلافهم (¬1) وما روى عن أحمد من قوله من ادعى الإجماع فهو كاذب استبعاد لوجوده أو الاطلاع عليه ممن بزعمه وحده والدليل على حجيته عقلي ونقلي، أما العقلي فمنه أن ما عليه الإجماع لو لم يكن حقا لما أجمع العدد الكثير من العلماء المحققين على القطع بتخطئة مخالفه, لأن العادة قاضية بأن إجماع مثلهم في قطعي شرعي ليس إلا عن نص قاطع لا عن قياس إذ لا يفيد القطع ولا إجماع للدور وما فيه النص القاطع حق وقد أجمعوا لأن ما يدعى حجيته أخص الإجماعات وقيدنا العلماء بالمحققين احترازًا عن الإجماع اتباعًا لآحاد الأوائل من غير تحقيق كإجماع اليهود على أن لا نبي بعد موسى عليه السلام وقد وضح في النسخ وإجماع النصارى على قتل عيسى عليه السلام وقيدناه بالشرعي احترازًا عن إجماع الفلاسفة على قدم العالم فإن معارضة الوهم في العقليات مجلبة للشبهة ولا اشتباه بين القاطع والظني في الشرعيات عند أهل التمييز وخلاصته استدلال بوجود الإجماع على القطع بتخطئة المخالف على وجود نص قاطع فيها لا بحجيته وبذلك على حجيته فالعلم بحجيته لا يتوقف على حجيته فلا مصادرة ومنه أنه لو لم يكن حجة قطعية لما أجمعوا على تقديمه على القاطع وإلا لعارضه إجماعهم على أن غير القاطع لا يقدم على القاطع وهو مح عادة ولا يلزم من الدليلين ¬

_ (¬1) انظر: المحصول للرازي (812 - 47) إحكام الأحكام للأمدي (1/ 286 - 321) نهاية السول للإسنوي (3/ 245 - 263) فواتح الرحموث، شرح مسلم الثبوت (2/ 213 - 217) اللمع لأبي محمَّد الشميرازي (ص / 48).

اشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر لأن تخطئة المخالف وتقديمه على القطاع مطلقان ولو سلم فالغرض وهو حجية الإجماع في الجملة حاصل أو نقول إن بلغ حد التواتر وهو الأكثر كإجماع الصحابة والتابعين فقد ثبت وإلا يثبت حجيته بالظواهر وحجيتها بالإجماع البالغ ذلك الحد لا به فلا مصادرة. ومنه استدلال إمام الحرمين أن الإجماع على حكم يدل على وجود دليله القاطع لقضاء العادة بامتناع اتفاق مثلهم على مظنونه، وفيه منع لأن امتناعه إذا دق النظر أما في القياس الجلي وخبر الواحد يعد العلم بوجوب العمل بالظواهر فلا إلا أن يريد به الإجماع على القطع في حكم فيصح كالأول وأما النقلي فمنه أن شريعة محمَّد عليه الصلاة والسلام باقية إلى آخر الدهر بالأحاديث الآتية فلو جاز الخطأ على جماعتهم بان اتفقدا على خطأ أو اختلفوا وخرج الحق عن أقوالهم وقد انقطع الوحي لم تبق فوجب القول بأن إجماعهم صواب كرامة من الله تعالى صيانة لهذا الدين ولا يلزم ذلك في كل مجتهد فلعل المصيب من يخالفه وإذا أفاد القضاء اللزوم صيانة لسبب الدين فلان يفيده الإجماع صيانة لأصل الدين أولى والمراد بالأمة في الأحاديث أمة المتابعة لإطلاقها لا من تمسك بالهوى والبدعة ومنه أن شريعته عليه السلام كاملة لقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] , فلو لم يكن للمجتهدين ولاية استنباط الأحكام التي ضاق عنها نطاق الوحي الصريح تبقى مهملة فلا يكون الدين كاملا ولو أمكن اتفاقهم على غير الحق كان فاسدًا فضلا عن الكمال ولا ينافيه ثبوت لا أدري من البعض لجوازِ دراية الآخر، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]. ضم اتباع غير سبيلهم إلى مشاققة الرسول التي هي كفر في استيجاب النار فيحرم إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد أو أوعد على اتباع غير سبيلهم فيحرم فيجب اتباع سبيلهم إذ لا مخرج عنهما بعد وجوب الاتباع بقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108]، والإجماع سبيلهم وكما الوجوب ترك المشاقة لحقيتة قول الَرسول عليه السلام فوجوب اتباع سبيلهم لحقيته ولا بد من أجوبة عن شبهه: 1 - الوعيد مرتب على كل منهما وإلا لغي ذكر اتباع الغير. 2 - مشاركة المعطوف في حكم الإعراب لا في جميع قيوده ولئن سلم فالمراد بالهدى دليل التوحيد والنبوة لا جميع الأدلة وإلا لم يكن المشاقة في عهد النبي عليه السلام حرامًا. 3 - لغير عام كما لنبي من دخل غير دارى ضربته إذ معيار العموم صحة الاستثناء فلا يختص بالارتداد الذي هو سبب النزول لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

4 - السبيل ليس دليل الإجماع وإن كان التجوز فيه أنسب لأنه الآية أو السنة أو القياس الراجع إليهما فيندرج تحت المشاقة والأصل الإفادة دون الإعادة وبهذا يعلم أنه ليس عين ما أتى به الرسول مع أن أصل العام أن يجرى على عمومه. 5 - ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع غير سبيلهم إذ معنى السبيل ها هنا ما يختاره الإنسان لنفسه من قول أو عمل كما في هذه سبيلي ولئن سلم فالاتباع واجب بما مر فلا مخرج عنهما. 6 - المراد سبيل كل المومنين المجتهدين في عصر وإن قل لأن إرادة الموجودين إلى يوم القيامة تفوت العمل المقصود إذ لا عمل فيه وبعد الكل لا يتخطى عن القليل بلا دليل ولما حرم على المقلد المخالفة لم يبق اعتباره ولما مر أن السابق إلى فهم المتشرعة هو المقيد بالقيدين. 7 - المراد اتباع كل سبيلهم لأن إنكار البعض كاف في الخروج فلا يختص بالإيمان أو مناصرة الرسول عليه السلام على أن التخصيص من غير دليل لا يقبل قيل غايته الظهور وحجيته الظواهر بالإجماع إذ لولاه لوجب العمل بالأدلة المانعة من اتباع الظن ففيه مصادرة مع أنه إثبات لأصل كلي بدليل ظني. قلنا عن الأول حجية الظواهر بإجماع غير الذي ثبت حجيته بالظواهر كما مر. وعن الثاني إنه جائز كما في القياس ومنه قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] الآية، وصفهم بالخيرية المفسرة على طريق الاستئنًاف بالأمر بَالمعروف والنهى عن المنكر وهذه الخيرية توجب الحقية فيما أجمعوا وإلا كان ضلالا فماذا بعد الحق إلا الضلال وأيضًا لو أخطأوا لكانوا آمرين بالمنكر وناهين عن المعروف وهو خلاف المنصوص والتخصيص بالصحابة لا يناسب وروده في مقابلة أمم سائر الأنبياء ولا يلزم من عدم منافاة الضلال الخيرية في كل واحد من المسائل المجتهد فيها عدمها في الكل فقياس الكل على كل واحد يكذبه الحس والعقل والشرع والتفسير قرينة إرادة المجتهدين لأن الحكم لهم أو متلقى منهم لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] ولما لم يرد جميعهم إلى يوم القيامة أريد من في عصره ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] الآية والوساطة العدالة التي هي التوسط بين الإفراط والتفريط في الحكمة والعفة والشجاعة أو الوسط الخيار فوصفهم من يعلم السر والعلانية بها وذلك يقتضي الحكم عليهم بالرسوخ على الصراط المستقيم وذلك بكونهم معصومين عن الخطأ كبيرة كان أو صغيرة لأنها بالإصرار يكون كبيرة وجعلهم شاهدين والحكيم لا

يحكم بشهادة قوم يعلم أن كلهم يقدمون على الكذب والعدالة وقت الشهادة وإن كفت لكن جميع الأمم عدول في الآخرة فليس التفضيل باعتباره ولما لم يتحقق المعنيان في كل واحد لقوله عليه السلام "ما منا إلا وقد عصى إلا يحيى بن زكريا" علم أن المراد الكل وحديث عدم الملازمة كما مر ولما لم يتحقق العدالة إلا بعدم الفسق لم يقدح في المقصود كونها بالنسبة إلى سائر الأمم وأراد المجتهدين في عصر على ما مر. ومنه استدلال الغزالي رحمه الله بأخبار الآحاد نحوا لا لختمع أمتي على الضلالة (¬1) أو على الخطأ "لا يزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعه (¬2) أو "حتى يجىء المسيح الدجال" (¬3) أو "حتى يقاتل آخر عصابة من أمتي الدجال" (¬4) "يد الله مع الجماعة من خالف الجماعة قيد شبر فقد مات ميتة جاهلية" (¬5) "عليكم بالسود الأعظم" (¬6) "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" (¬7) "أبى الله ذلك والمسلمون" (¬8) وغير ذلك متمسكًا بوجهين: 1 - أن القدر المشترك متواتر كما في شجاعة على وسخاوة حاتم فيفيد القطع بحجيته ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 20) ح (393)، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (368) بتحقيقنا، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (1/ 67). (¬2) أخرجه ابن حبان في صحيحه (15/ 109 - 110) ح (6714)، الحاكم في مستدركه (59314) ح (8653)، والضياء في المختارة (23111) ح (127)، وأبو عوانة في مسنده (4/ 508) ح (7509)، والترمذي (4/ 504) ح (2229)، وقال: حسن صحيح، والبيهقي في الكبرى (9/ 181)، وأبو داود (4/ 97) ح (4252)، وابن ماجه (1/ 5) ح (10)، والبزار في مسنده (4/ 52) ح (1216)، والطبراني في الأوسط (8/ 200) ح (8397)، والإمام أحمد في مسنده (9714). (¬3) لم أجده. (¬4) أخرجه الضياء في المختارة (3/ 285) ح (2741)، والبيهقي في الكبرى (9/ 156)، وأبو داود في مسنده (3/ 18) ح (2532)، والخراساني في السنن (2/ 176) ح (2367)، وأبو يعلى في مسنده (7/ 287) ح (4311)، والبيهقي في الاعتقاد (1/ 188)، وانظر الدراية (2/ 114)، نصب الراية للزيلعى (3/ 377). (¬5) أخرجه ابن حبان (10/ 437 - 438) ح (4577)، والترمذي (1466/ 4ح (2166)، وقال: حسن غريب، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 66)، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (1/ 399). (¬6) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (27814، 375)، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (1/ 399). (¬7) أخرجه الطبراني في الأوسط (45814) ح (3602)، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (2/ 245)، نصب الراية (4/ 133)، علل الدارقطني (56/ 66). (¬8) لا يوجد.

ويقدمه على القاطع وفيه أن لا دلالة قمية لشيء منها على حجية حتى يتواتر بالكل ويصير قطعط الثبوت أيضًا كما لا دلالة لكل خبركإقدام على وإعطاء حاتم على الشجاعة والسخاوة. 2 - لولا أنها صحيحة قطعًا لقضت العادة بامتناع إتفاق الأمة على تلقيها بالقبول وعلى تقديمه بها على القاطع ورد بأنها آحاد ظواهر والتلقط لا يخرجها عن ذلك والتمسك بها بالٍا جماع ففيه دور وقد مر جوابه نعم تقديم بالإجماع على القاطع كالمتواتر من الكتاب والسنة بغيرها لا بها لئلا يلزم كون الفرع أقوى. ومنه سائر الظواهر القرآنيةكقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة: 122] الآية فإنه يدل على وجوب اتباع كل قوم طائفته المنفقة فعند اتفاق الطوائف يجب قبوله على الكل وكقوله تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فإنهم إما يجتهدون فيجب طاعتهم وإما الحكام وشأنهم السؤال منهم لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] فيجب أن يقبلوا وإلا فلا فائدة في وجوب السؤال وكقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} [التوبة: 115] حيث يفيد أنه لا يلقى في قلوب العلماء المهدين خلاف الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال وكقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] حيث يدل إلى النفس المزكاة وهي المشرفة بالعلم والعمل يلهمها الله الخير والشر والكلام في الجميع من حيث أنه محمول على كل المجتهدين في عصر وأن تخصيص المأتى به بنحو الإيمان والمنفى بنحو الكفر خلاف الظاهر كما مر. للمخالفين من الظواهر أولا قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] و {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]،َ فلا مرجع غير الكتاب والسنة. وجوابه منع ظهورهما في ذلك فيحتمل الأول كون غيره أيضًا تبيانا بواسطة الإجماع والثاني يختص بمحل النزاع ومحل الإجماع ليس كذلك أو بالصحابة للخطاب وبعد تسليم ظهورهما فالرجحان للقاطع المذكور. وثانيًا: أن نهى الكل في نحو لا تقولوا عن الخطأ يقتضي جوازه وإلا لما أفاد. وجوابه أنا لا نعلم اقتضاء الجواز فنسبة القدرة ليست على السوية عند الشيخ ولئن سلم فلا نعلم أنه منع للكل بل لكل أحد وفيه الجواز ثم إنه ظاهر لا يقاوم القاطع. وثالثًا حديث معاذ حيث لم يذكر فيه الإجماع. وجوابه أن ذلك لعدم كونه حجة حينئذ لعدم تقرر المآخذ بخلاف ما بعد زمن الرسول.

الفصل الخامس: في ركنه

الفصل الخامس: في ركنه وهو الاتفاق وفيه مباحث: الأول أنه إما عزيمة وهو التكلم أو العمل من الكل. والثاني: يفيد الجواز إلا مع قرينة على الزائد لا الوجوب لما روى عبيدة السلماني ما اجتمع أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كاجتماعهم على الأربع قبل الظهر. أو رخصة وهو تكلم البعض أو عمله وسكوت الباقط بعد بلوغه ومضى مدة التأمل وقبل استقرار المذهب إذ بعده لإعادة بإنكاره فلا يدل على الموافقة اتفاقًا وأكثر أصحابنا على أنه إجماع. وروى عن الشافعي رحمه الله المشهور عنه أنه ليس إجماعًا ولا حجة وعند الجبائي إجماع بشرط انقراض العصر. وعند ابنه حجة وليس بإجماع وعند أبى علي بن أبي هريرة إن كان فتيا لا إن كان حكمًا (¬1). لنا أن المعتاد في كل عصر عند العرض أن يتولى الكبار الفتوى ويسلم سائرهم فشرط سماع المنطق من كل متعين خلافه بل بالنسبة إلى أهل العصر متعذر والمتعذر كالممتنع ولا سيما أن السكوت عند العرض أو الاشتهار المنزل منزلته ووقت المناظرة وطلب الفتوى ومضى مدة التأمل فسق وحرام إذ الساكت عن الحق شيطان أخرس فمن المحال عادة أن يكون سكوتهم لا عن اتفاق. للشافعى رحمه الله جواز: أن يكون سكوته للتأمل أو للتوقف بعده لتعارض الأدلة أو للتوقير أو الهيبة أو خوف الفتنة أو غيره كاعتقاد حقية كل مجتهد فيه وكون القائل أكبر سنًا أو أعظم قدرا أو أوفر علما كما سكت على رض الله عنه حين شاور عمر رضي الله عنه في حفظ فضل الغنيمة حتى سأله فروى حديثًا في قسمته وفي إسقاط الجنين فأشاروا أن لا غرم حتى سأله فقال: أرى عليك الغرة. وقيل لابن عباس رضي الله عنه ما منعك أن تخبر عمر بما يرى في العول فقال: درته. وجوابه بعد ما شرطنا مضى مدة التأمل أن الصحابة لا يتهمون بارتكاب الحرام مع أنه خلاف المعلوم من عادتهم كما قال عمر رضي الله عنه حين قال معاذ ما جعل الله على ما ¬

_ (¬1) انظر هذه المسألة في: المحصول لفخر الدين الرازي (7412 - 76)، إحكام الأحكام للآمدي (1/ 361 - 365)، المستصفى لحجة الدين الغزالي (1/ 191 - 192)، اللمع لأبي إسحاق الشيرازي (ص / 49)، إبطاء الفحول للشوكاني (1/ 298 - 303).

في بطنها سبيلا لولا معاذ لهلك عمر وحين نفى المغالاة في المهر فقالت امرأة يعطنا الله بقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] ويمنعنا عمر، كل أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال وسَكوت على رضي الله عنه في المسألتين كان تأخيرًا إلي آخر المجلس لتعظيم الفتوى والممنوع ما فيه الفوت أو محمول على أن الفتوى الأولى كانت حسنة وما اختاره على رضي الله عنه كان أحسن صيانة عن السنن الناس ورعاية لحسن الثناء والعدل. وحديث الدرة غير صحيح لأن المناظرة في القول كانت مشهورة بينهم وكان عمر رضي الله عنه ألين الناس للحق واعتذار ابن عباس رضي الله عنه للكف عن المناظرة إذ هي غير واجبة لا عن بيان مذهبه. وبه يعلم جواب الجبائي في أن الاحتمالات المذكورة قوية قبل انقراض العصر وضعيفة بعده فالظاهر الموافقة. وجواب ابنه في أن دلالة السكوت ظاهرية غير قطعية. قلنا: لولا اعتبار قضاء العادة لما حصل القطع بالإجماع أصلا كما علم من أدلته وهو حاصل ها هنا وبهذا يندفع الاحتمالات جمع ولابن أبي هريرة رضي الله عنه أن العادة في الفتيا أن يخالف ويبحث دون الحكم والحاكم يوقر ويهاب دون المفتى. وجوابه: أنهما سواء قبل استقرار المذاهب قيل هذا إذا انتشر بين أهل العصر ولم تنكر أما إذا لم ينتشر فالأكثر على أن عدم الإنكار ليس مرافقة لجواز أن القول للغير أو لا بنقل قوله بخلاف الأول وهذا الفارق كأنه غافل عما قيس به محل النزاع من كونه بعد البلوغ ومضى مدة التأمل والحق أن هذا مسألة أخرى وهي أن ما نقل الفتوى فيه عن البعض دون الباقين فإن كان مما يعم به البلوى واشتهر كان كالإجماع السكوتي حكما وخلافًا وإن لم يكن منه وقد اشتهر فقبل هو مثله وقيل لا لاحتمال عدم الوصول إلى الغائب بخلاف السامع الساكت وإن لم يشتهر فعدم الإنكار لا يدل على الموافقة عند الأكثر فيما يعم به البلوى للأمرين واتفاقًا في غيره. الثاني: أن اختلاف الصحابة على قولين مثلا إجماع على نفي قول ثالث فلا يجوز إحداثه لمن بعدهم وفي غير الصحابة خلاف لبعض مشايخنا لأن لهم من الفضل والسابقة في الدين ما ليس لغيرهم وإنما يستقيم عند من حصر الإجماع على الصحابة ويطرد ذلك في الإجماع السكوتي عند سماع خطبة الخلفاء مثلا لما علم من عدم سكوتهم فيما هو من دقائق الفتوى وإن كان مباحًا فكيف فيما خالف الحق وجوزه الظاهرية.

ولتحريره مقدمة هي أن محل الاختلاف إما واحد أو متعدد قالوا حسد ذكروا له أمثلة: 1 - نحو عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بالوضع أو أبعد الأجلين ويشتركان في عدل جواز بالأشهر قبل الوضع لأن التقدير هنا مانع للأقل فبالأشهر ثالث بنفى المشترك المتفق عليه. 2 - وجدان المشترى للبكر عيبًا فيها بعد الوطئ فالرد مع أرش النقصان وهو تفاوت قيمتها بكرًا وثيبًا ومنعه يشتركان في بقاء شيء من الثمن للبايع والرد مجانًا ثالث بنفيه. 3 - إرث الجد مع الأخ استقلالا أو مقاسمة فحرمانه ثالث يمنع الإرث. 4 - علة الربا في غير النقدين القدر مع الجنس أو الطعم مع الجنس أو الطعم والادخار معه وتشترك في أن لا برا إلا مع الجنس فالقول الرابع بعلة بلا جنس ينفيه ومعه لا. 5 - خروج النجس من غير السبيلين يوجب تطهير المخرج أو الوضوء ويشتركان في وجوب التطهير فالقول بعدم وجوب شطء منهما برفع "المجمع عليه وبوجوب تطهيرهما لا. وفيهما بحث، أما في الأول فلصدق لا شيء من التطهيرين بمجمع عليه فلا يصدق، أحدهما واجب بالاجماع ولئن سلم فليس حكمًا واحدًا في الحقيقة وشرعيًا والمعتبر ذلك كما سيجيء. وأما الثاني فلأنه يرفع الافتراق المجمع عليه. والجواب عن الأول: أن الصادق سلب الإجماع عن وجوب المعينين ولا ينافى صدق الإجماع على وجوب التطهير المطلق وهو حكم واحد شرعي كالإجماع على دوام وجوب إحدى صلاتي الظهر أربعًا أو اثنتين أي حضرًا أو سفرًا مع صدق لا شيء من الصلاتين بمجمع على دوامه. وعن الثاني: أن الافتراق ليس حكمًا شرعيًا إذ الشرع لم يحكم بالمنافاة بينهما بخلاف ثبوت نسب الولد من الزوج المنعي كما هو عندنا أو الزوج الثاني كما عند الشافعي فثمة شمول الوجود والعدم برفعه وأما المتعدد فالقولان أما الوجود في الكل والعدم في الكل كفسخ النكاح بعيوبه الستة وعيوبها السبعة عند الشافعي وعدمه عندنا وتفريق القاضي في الجب والعنة ليس به وكثلث الكل اللام بكلا الزوجين وعدمه بل ثلث الباقي بينهما فالافتراق أي بأحدهما ثالث لكن لا يرفع في شيء منهما قولًا مشتركا شرعيًّا بخلاف أن للأب والجد ولاية إجبار البكر البالغة عند الشافعي لا عندنا فالافتراق يرفع مشتركًا شرعيًّا هو وجوب مساواة الأب والجد في الولاية وقد عهد حكمًا شرعيًّا بخلاف مساواة الزوجين في حق ميراث الأم ومساواة العيوب في حق فسخ النكاح وأما الوجود

في البعض مع العدم في البعض وعكسه كأقضية الخروج من غير السبيلين دون المس عندنا وعكسه عند الشافعي فشمول وجود الناقضية أو عدمها ثالث لكن لا يرفع مشتركًا شرعيًّا بل يوافق مذهبًا في كل وشمول العدم في المحتجم الماس رافع لعدم جواز الصلاة فيه وهو حكم شرعي متفق عليه لكن ذلك باعتبار وحدة محله كإجبار البكر الصبية لا بما هو المعتبر ها هنا من تعدد علته كالبكارة والصغر فإنهما بذلك الوجه من قبيل الاختلاف في علة الربا وأما الوجود في البعض مع العدم في بعض آخر شمول الوجود أو العدم كجواز النفل دون الفرض في الكعبة عند الشافعي وجوازهما عندنا فعدم جوازهما أو جواز الفرض دونه ثالث كاشتراط النية في جميع الطهارات عنده وفي التيمم دون الوضوء والغسل عندنا فالقول بعدمه في الكل أو في التيمم دونهما ثالث كإفادة البيع بالشرط الملك دون بيع الملاقيح عندنا وعدمها فيهما عنده فإفادتهما أو إفادة بيع الملاقيح عنده ثالث ففي نحوها اتفاق على وجود أو عدم في البعض وهو حكم شرعي يرفعه القول الثالث. إذا تمهدت فنقول اختار المتأخرون من الشافعية أن الثالث إن استلزم رفع قول متفق عليه فممنوع وإلا فلا لأن الممنوع مخالفة الكل فيما اتفقدا عليه أما مخالفة مذهب في مسألة وآخر في أخرى كما في أكثر القسم الأول وجميع القسم اك في من المتعدد فلا. وفيه بحث لأن المانعين مطلقًا تمسكوا أولًا بان الاتفاق ثابت إما على عدم التفصيل كما في مسألة العيوب وإرث الأم أو على عدم القول الثالث كما في الكل لأن كلا أوجب الأخذ بقوله أو قول صاحبه. فأجيب أن عدم القبول التفصيل أو الثالث وليس قولًا يعد مهمًا والمنفى القول بمنفيهم لا بما لم يتعرضوا له وإلا لزم كل مجتهد وافق صحابيًّا أو مجتهدًا يوافقه في جميع المسائل وليس كذا بالإجماع كما وافق أبو حنيفة رضي الله عنه ابن مسعود في عدة الحامل لا في أن المحروم يحجب ومثله أكثر من أن يحصى حتى لو تعرضوا بنفي التفصيل أو الثالث أو بالعلة المشتركة كتوريث العمة والخالة لكونهما من ذوي الأرحام كان إحداثه ممتنعا وأما لزوم المنع عن الحكم في الواقعة المتحددة فممنوع إذ عدم التعرض أصلًا ليس لمحالتعرض بخلافه على أنا لا نعلم أن كلا أوجب الأخذ بقول صاحبه بل بقوله فقط. وأما الجواب بأن الاتفاق كان مشروطًا بعدم القول الثالث فيزول بزوال شرطه فليس بشىء لأنه يجوز مخالفة الإجماع مطلقًا والقول بتخصيص الإجماع البسيط عن هذا الجواز بالإجماع إثبات للإجماع بالإجماع وأنه دور. وثانيًا: أن فيه تخطئة كل فريق في مسألة وفيها تخطئة كل الأمة.

فاجيب أن الأدلة تقتضي منع تخطئة الكل فيما اتفقوا لأنه المفهوم عرفًا من الاجتماع ولئن سلم فالمحتمل ذلك جمعا بين الأدلة. والمجوزين مطلقًا تمسكوا أولًا بأن اختلافهم دليل صحة الاجتهاد لا مانع منه. فأجيب بأنه دليل ما لم يتقرر إجماع كما لو اختلفوا ثم أجمعوا هم ولئن سلم فالممنوع مخالفة ما تتفقوا عليه من الأمر المشترك. وثانيًا: لو لم يجز لم يقع وقد أحدث ابن سيرين أن للأم ثلث الكل مع الزوج دون الزوجة وعكس تابعي آخر ولم ينكروا وألا ينقل عادة فأجيب لا بأنه ليس بحجة إذ هو تمسك بالإجماع السكوتي بل بأنه كمثله العيوب في أنه لا ترفع مشتركًا متفقا عليه فلذا جاز. فنقول: المفهوم من أدلة المانعين أن القول الثالث يستلزم إبطال المجمع عليه مطلقًا ومن أدلة المجوزين أنه لا يستلزمه مطلقًا فالتفصيل بأنه إن استلزم منع وإلا فلا غير مقيد بل الشأن في التمييز بين الاستلزام وعدمه على أن التمسك بعدم القائل بالفصل مشهور في المناظرات كما يقال الوجوب في الضمان إن كان ثابتًا يثبت في الحلي قياسًا وإلا يثبت في الحلي أيضًا وإلا لاجتمع العدمان وهو منتف إجماعًا بل الحق هذا التفصيل وهو أن الغرض إما إلزام الخصم فيقبل التمسك ويبطل الثالث مطلقًا وهو محمل المنع المطلق من أصحابنا بدليل تجويزهم الإصابة في إحدى المسألتين المنفصلتين والخطأ في الأخرى. وأما إظهار الحق فلا يقبل ولا يبطل إلا إذا اشترك القولان في حكم واحد حقيقي شرعي يبطله الثالث. أما إذا لم يشتركا في قول إذ ما لا يتعرض له لا يسمى قولًا أو اشتراكًا في واحد اعتباري كما لو اعتبر ألحكمان من نحو الخروج والمس حكمًا واححًا أو في واحد ليس بشرعي كالافتراق فيما لم يحكم الشرع بالمنافاة أو شرعي لكن لم يرفعه الثالث كما في القول بوجوب تطهير المخرج والوضوء فلا. وهذا لأن الخلافين جعلوا عدم قول القرن الأول يحكم قولًا بعدمه لأنهم أقرب إلى زمن النبي عليه السلام وأقوى في وجوه العدالة والضبط وتقاسيم الدلائل ودلالاتها فلو كان لما خرج من أقوالهم دليل لاطلعوا عليه عادة والحق أن المظنة لا ترفع المننة. ولابد ها هنا من تحقيق الإجماع المركب والإجماع المسمى عدم القائل بالفصل والفرق بينهما فالإجماع المركب الاتفاق في الحكم مع الاختلاف في العلة فكانه تركب من علتين.

ومن لوازمه أن يبطل عند فساد أحد المأخذين لانتهاء الحكم بالتهاء سببه المنحصر فلا ينافيه ثبوته بأسباب شتى ولذا سقط سهم ذوي القربى من الغنيمة بانقطاع النصرة، فإن المراد قرب النصرة لا قرب القرابة ولذا قسم عليه السلام يوم خيبر بين بني هاشم وبنط المطلب لا بين بني عبد شمس وبنى نوفل وعلل بالاشتباك وسقط المؤلفة من أصناف الزكاة لغنى الإِسلام عنهم ولا نسخ بعد النبي عليه السلام. والقول بناسخية الإجماع مؤول بدلالته على النص الناسخ. أما بقاء الرمل في الطواف بعد إنتهاء التجلد وبقاء الرق بعد إنتهاء الاستنكاف فبدليله كالسنة الفعلية والإجماع وكونهما من الصور الحكمية الغير المحتاجة إلى تلك العلة وعدم القول بالفصل. قيل هو الإجماع المركب الذي يكون القول الثالث فيه موافقًا لكل من القولين من وجهه كما في فسخ النكاح بالعيوب وكأنهم عنوا بالفصل التفصيل. وقيل كما في القول بالعلة دون فرعها أو بالعكس أو بأحد فرعيها دون الآخر أو بشمول الوجود أو العدم بين مأخذي المذهبين المتناكرين لأن عدم القول بالفصل نوعان: عند اتحاد منشأ الخلاف بأحد طريقين إما بان يثبت الأصل المختلف فيه ثم يثبت فرعه بأن القول بالأصل دون الفرع لا قائل به كنفي الربا في الجص والنورة والحديد بعد إثبات عليه القدر والجنس وتزويج الثيب الصغيرة بعد إثبات علة الصغر وهذا صحيح والأوضح في مثاله أن يقال بعد إثبات أن النهى في الأفعال الشرعية يوجب تقريرها صح النذر بصوم يوم النحر وأفاد البيع الفاسد الملك بالقبض إذ لا قائل بالفصل وبعد إثبات أن التعليق يصير سببًا عند وجود الشرط يصبح تعليق الطلاق بالملك ولا يصبح التكفير قبل الحنث لعدم القائل بالفصل وأما بأن يثبت فرعًا لأصله ثم يبطل فرع الخصم وتثبيت فرعه الآخر بأن القول بأحدهما دون الآخر لا قائل به كان الربا جاد في الجص لقوله عليه السلام "ولا الصاع بالصاعين" (¬1) فلا يجرى في الحفنة بالحفنتين فيجوز لأن عدم الجواز فيهما معًا خلاف الإجماع وهذا ضعيف لأنه لم يثبت العلة صريحًا بل بواسطة الفرع وإذ لا يبطل أصل الخصم لجواز ثبوت الحكم بعلل شتى بخلاف التصريح بإثباتها فإنه يشتمل على إثبات مجموع العلة وذا يبطل وجود علة أخرى أما تصحيحه بأن مجموع العلتين أو مجموع العدمين لا قائل به ولو ثبت لاجتمعت الأمة على الخطأ فإنما يصح عند قصد الإلزام أما عند قصد التحقيق فلا لجواز الخطأ في إحدى المنفصلتين مع الإصابة في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6/ 1675) ح (6918)، ومسلم (3/ 1215) ح (1593).

الأخرى كما مر. 2 - عند اختلاف المنشأ كان يقال الفىء أو المس ناقض ولا ينقض الفيء بالنص فينقض عليه آخر وإلا كفى في إثبات أحكام مذهب إثبات حكم منه فعلى هذا عدم القول بالفصل هو الفرق بين القولين بغيرهما. وفيه بحث فإن أصحابنا على أن الإجماع المركب حجة مطلقًا ولا سيما عند قصد الإلزام فيكف يكون نوع منه مردودًا مع أنه مسألة إرث الأم كمسالة الفسخ بالعيوب فجعل أحديهما من عدم القول بالفصل دون الأخرى نحكم على أن الفرق بين القولين يشتمل جميع صور الإجماع المركب ويستعمل في جميعها في الخلافيات فالحق أنهما يتساويان مقبولا ومردودًا على التفصيل السالف. الثالث إذا استدل أهل عصر بدليل أو أولوا تأويلان قال الأكثرون يجوز لمن بعدهم إحداث دليل أو تأويل آخر خلافًا للبعض فإن نصوا على بطلانه لم يجز اتفاقًا. لنا أولًا أنه لا إجماع إحداث لأن عدم القول ليس قولًا بالعلم بخلاف صورة التنصيص. وثانيًا: وقوعه لأن إحداث الأدلة والتأويلات يعد فضلا بين العلماء. ولهم أولًا أنه اتباع غير سبيل المؤمنين، قلنا المراد بسبيلهم ما اتفقوا عليه لا متعرضون له بالخلاف فضلا عما لم يتعرضوا له أصلًا جمعًا بين الأدلة وقيل لأنه لو عمم لزم المنع عن الحكم في الواقعة المتجددة وأنه بطل إجماعًا ورد بأن فيما نحن فيه سبيلا ولا سبيل هناك أصلًا أو تقول المراد بسبيل المومنين مذهب المجمعين لا دليلهم وإلا لزم معرفة السند واتباع المجهول. وثانيًا: أن المعروف في {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [التوبة: 71] عام أي بكل معروف فليس ذلك معروفًا وإلا لأمروا به، قلنا معارض بقوله: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} [التوبة: 71] إذ لو كان منكرًا لنهوا عنه والعموم مم ولئن سلم فعرفي أي بكل معروف يحيطه أذهانهم هذا في مطلق الدليل أما في الدليل الراجح كالخبر وغيره فلا يجوز أن لا يعلمه جميع أهل عصر ويعملوا بمعارضه لأنه اجتماع على الخطأ وإن عملوا على وقفه بدليل آخر يجوز في المختار لأن عدم القول ليس قولًا بالعلم فليس إجماعًا على الخطأ وقيل لا لأن السبيل هو الراجح وقد اتبعوا غيره. وجوابه مر بالوجهين وهنا ثالث هو أنه ليس سبيلهم بل من شأنه أن يكون ذلك. الرابع: يمتنع ارتداد كل الأمة في عصر وإلا لاجتمعوا على ضلالة وأي ضلالة.

الفصل السادس: في أهلية من ينعقد به

قيل الردة تخرجهم عن أن يكونوا أمة, لأن المراد أمة المتابعة ولذا لم يعتبر الكفار في الانعقاد وأجيب بصدق أن أمة محمَّد عليه السلام ارتدت كصدق كل نائم مستيقظ وهو أعظم الخطأ. اخامس: لا يصح التمسك بالإجماع كما زعم في نحو قول الشافعى: دية اليهودي الثلث زعما أن الأمة لا تخرج عن القول به أو بالكل أو النصف وفيهما هو لأن القول بالثلث مشتمل على نفي الزائد ولا إجماع فيه فإن أبدى لنفيه أمر آخر من مانع أو أن الأصل العدم لم يمكن إثباته بالإجماع ويمكن أن يقال المتمسك جعله حكمين فتمسك في وجوب الثلث لا ينفى الزائد. الفصل السادس: في أهلية من ينعقد به هي بأهلية الكرامة لأن حجيته كرامة لهذه الأمة وهي بصفة الاجتهاد والاستقامة في الدين عملا واعتقادًا فهو كل مجتهد ليس فيه فسق ولا بدعة فإن الفاسق متهم حيث لم يتحرز عن الفعل الباطل فلا يتحرز عن القول الباطل وساقط عدالته فلا يصح قوله ملزمًا وصاحب البدعة إن كان عالمًا بقبح ما يعتقده معاندًا فهو متعصب إذ التعصب عدم قبول الحق مع ظهور الدليل للميل سواء غلا حتى كفر كالمجسمة في التشبيه والرافضة في تغليط جبرائيل عليه السلام أو كالروافض في إمامة الشيخين والخوارج في إمامة على رضي الله عنه وإن لم يكن عالمًا بقبيحه فإن كان لعدم المبالاة فهو ماجن كالروافض في الهذيانات المحكية وإن كان لنقصان العقل فهو سفيه إذ السفه خفة تحمل على مخالفة العقل لقلة التأمل والمجدعة لا لخلو من هذه وأيًا كان فليس من الأمة المطلقة بكمالها بل من أمة الدعوة وإن كانوا من أهل القبلة وهي المرادة بقوله عليه السلام ستفترق أمتي الحديث. أما صفة الاجتهاد فشرط في أحد نوعي الإجماع وهو ما يحتاج إلى الرأي كتفصيل أحكام الصلاة والنكاح وغيرهما وفي النوع الآخر وهو ما لا يحتاج إليه كأصول الدين الممهدة من نقل القرآن وأمهات الشرائع فعامة المسلمين داخلون لا بمعنى أن أحدًا من العوام لو خالف لم ينعقد فلم يكفر جاحده بل بمعنى وجوب دخولهم حتى يكفر كل منكر لإيجاب سنده القطع بخلاف الأول إذ القطع ثمة بالإجماع فلو أنكر واحد من أهل الحل والعقد لم يكفر جاحده. وهاهنا مسائل الأولى أدلة الإجماع منتهضة على أن لا عبرة بالخارج عن ملة الإِسلام ولا بمن سيوجد وإلا لم يعلم إجماع قط اتفاقًا أما المقلد فلا يعتبر جاهلا أو عالمًا بغيره فمن الاجتهاد أو قول حصل طرفًا حاصلا منه وقيل يعتبر الأصولي فقط التمكنة من

التمييز بين الحق والباطل بعلمه بكيفية الاستدلال. وقيل الفروعي فقط لعلمه بالأحكام. وقيل كل منهما لنوع من الأهلية. وقيل والعوام وينسب إلى القاضي لأنهم كل من الأمة وإن خص الصبي والمجنون ومن لم يوجد لعدم اللهم لنا أولًا لو اعتبر وفاق العوام مطلقًا أو في فن الاجتهاد لم يتصور إجماع إذ العادة لقنع وفاقهم. وثانيًا: أن غير المجتهد مقلد يحرم عليه المخالفة قولا وفعلا فمخالفته عصيان قادح ومن لم يقدح مخالفته لم يؤثر موافقته والمجتهد العاصي لا يعتبر فغيره أولى. وثالثًا: أن قول المقلد من عنده قول بلا دليل فيكون خطأ فلو اعتبر جاز أن يكون قول المجتهدين أيضًا خطأ فجاز اتفاق الأمة على الخطأ. الثانية: بدعة المبتدع إن تضمنت كفرًا كالتجسيم فإن قلنا بالتكفير فكالكافر وإلا فكسائر المبتدعين وهم كمن فسق فسقًا فاحشًا وأصر من نحو الخوارج قتلوا وأحرقوا وسبوا ولم يمنعوا الفروج والأموال فقيل يعتبر مطلقًا وقيل في حق نفسه لا في غيره فاتفاق غيرهم ليس حجة عليهم. والحق أنه لا يعتبر لعدم أهلية الكرامة والإلزام بقوله إذ عندها بتحقق صلوح الشهادة والخيرية وقضاء العادة بامتناع اتفاقهم على الكذب قالوا ليس من سواه كل الأمة. قلنا: كل أمة المتابعة وهو المراد وإلا لدخل الكافر. وللمفصلين أن فسقه لا يمنع قبول قوله في حقه كإقرار الفاسق والكافر. قلنا: لو قيل كان له لا عليه إذ يحصل به شرف الاعتداد بمقاله. الثالثة: قالت الظاهرية به إجماع غير الصحابة ليس بحجة (¬1) وعن أحمد قولان (¬2) والحق خلافه (¬3) لأنه إجماع الأمة قالوا أولًا لو جاز إجماع غيرهم فيما اختلفوا فيه لعارضه إجماعهم على جواز أخذ أي طرف كان بالاجتهاد فيما لا قاطع من الأحكام وتعارض الإجماعين ممتنع عادة. قلنا: يجرى ذلك في إجماعهم على حكم بعد اختلافهم فيه. ¬

_ (¬1) انظر المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 93 - 96)، إحكام الأحكام للآمدى (1/ 328). (¬2) انظر المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص / 76) بتحقيقنا. (¬3) وهو قول الأكثر، انظر فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 220 - 221).

وحله أن ما انعقد فيه الإجماع يحصل فيه القاطع فيخرج عن محلية الإجماع على جواز أخذ أي طرف كان إذ معناه ما دام لا قاطع فيه فإن أكثر القضايا العرفية سيما السوالب مقيدهَ بوصف الموضوع نحو لا شيء من النائم بيقظان. وثانيًا: لو اعتبر إجماع غيرهم لاعتبر مع مخالفة بعض السوالب ولا يصح قلنا يصح عند من لا يشترط أن لا يسبقه خلاف مستقر وليس بإجماع عند من يشترطه. وثالثًا: أن نصوص حجيته تناولتهم فقط مع أن اجتماع جميع المجتهدين إنما كان في زمنهم. قلنا: فلا ينعقد من الصحابة أيضًا بعد موت بعضهم وذا خلاف مذهبهم ثم الكلام فيما على اتفاقهم وتعذره بعذر منهم لا ينافِيه. الرابعة: لا ينعقد الإجماع مع مخالفة القليل (¬1) خلافًا لأبي الحسين الخياط من المعتزلة ومحمد بن جرير الطبرى وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين وأبى بكر الرازى (¬2) لأن الدليل لم ينهض إلا في كل الأمة. قالوا: الأمة وسبل المؤمنين يصدق على الأكثر كما يقال بقرة سوداء وإن كان فيها شعور بيض وبنو تميم يحمون الجار ولأن الجماعة أحق بالإصابة وقال عليه السلام "عليكم بالسواد الأعظم" (¬3) وهو الأكثر وقال: "يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار" (¬4) وكما اعتمد على الإجماع في خلافة أبى بكر مع مخالفة سعد بن عبادة وعلى وسلمان رضي الله عنهم ولأن الأكثر ربما يبلغ حد التواتر ولأن الصحابة أنكروا على ابن عباس خلافه في ربا الفضل. قلنا الأمة والمؤمنون في الأكثر مجاز والأصل عدمه والإصابة لا تستلزم الإجماع إذ الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها. والمراد بالسواد الأعظم وبالجماعة الكل وإلا لانعقد إذا نقص المخالف عن النصف بواحد فضلا عن الثلث وليس كذا إجماعًا وأعظميته مما دون الكل. والوعيد على من خالف بعد إنعقاد الإجماع وإلا فلا وعيد ولأن شذ البعير إذا توحش ¬

_ (¬1) انظر أحكام الأحكام للأمدى (1/ 36) المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 85). (¬2) انظر المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص 761). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) تقدم تخريجه.

بعد ما كان أهليًا فمعناه نهى عن مخالفة الإجماع المنعقد أو عن الرجوع أو إيجاب على كل واحد للعمل والاعتقاد بموجبه إذ لا يلزم في كل إجماع مخالف شاذ إجماعًا ألا يرى أن المخالف الواحد كابن عباس رضي الله عنه في العول وأبي موسى الأشعرى في انتقاض الوضوء بالنوم وأبي طلحة في أن البرد لم يفطر صح في الإجماع بينهم ولذا لم ينكروه وخلاف الأقل من النصف أكثر من أن يحصى والتمسك في خلافة أبى بكر قبل موافقة الثلاثة كان تبيعة الأكثر وبعدها تأكدت بالإجماع والإجماع حجة ولو لم يتواتر كما مر وقدح خلاف الواحد في الابتداء فلا ينافيه الإنكار في البقاء ولو سلم كونه في الابتداء فالإنكار لفساد مأخذه لا لمخالفة الإجماع نعم لو ندر المخالف مع كرة المثقفين كما في المسائل الثلث كان قول الأكثر حجة وإن لم يكن إجماعًا لأن الظاهر وجود راجح لهم وكون متمسك النادر راجحًا ولم يطلع الكثيرون عليه واطلعوا وخالفوا عمدًا أو غلطًا في غاية البعد. الخامسة: التابعى يعتبر في إجماع الصحابة معهم (¬1). وقيل: لا (¬2) لأنهم الأصول في الأحكام وهم المخاطبون حقيقة بالأداء أما من نشأ بعد انعقاد إجماعهم فالخلاف فيه مبنى على اشترارو انقراض العصر. لنا أنهم ليسوا بدونه كل الأمة وأن الصحابة سوغوا اجتهاده معهم والتفتوا إليه كما يجب وذا دليل اعتباره. السادسة: قبل إجماع أهل المدينة وحدهم من الصحابة والتابعين معتبر عند مالك رحمه الله وحل على تقدم روايتهم أو على حجية إجماعهم في المنقولات المستمرة كالأذان والصاع ونحوهما وقيل مراده التعميم. والحق أنه وحده ليس بحجة لأنهم ليسوا كل الأمة والاصل عدم دليل آخر. لهم أولًا أن العادة قاضية بعدم إجماع مثل هذا الكثير من المحصورين في مهبط الوحي الواقفين على وجوه الأدلة والترجيح إلا عن راجح. وجوابه منع ذلك لما علم من تشتت الصحابة قبل زمان صحة الإجماع فيجوز أن يكون لغيرهم متمسك راجح لم يطلعوا عليه فهذا ليس احتمالا بعيدًا. وثانيًا: نحو المدينة طيبة تنفى خبثها والخطأ خبث. ¬

_ (¬1) وهو قول الأكثر، انظر نهاية السول للإسنوى (3/ 3231 - 324). (¬2) وهو قول الخلال، والحلواني، ورواية عن الإِمام أحمد، انظر المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 83 - 84) نهاية السول للإسنوى (3/ 323)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص/ 77) بتحقيقنا.

الفصل السابع: في شروطه

وجوابه: أنه دليل فضلها وقد علم وجود الفسوق فيها فلا دلالة على انتفاء الخطأ. وثالثًا: تشبيه علمهم بروايتهم. وجوابه: الفرق بأن الرواية ترجح بكثرة الرواة إلا الاجتهاد بكثرة المجتهدين. السابعة: لا ينعقد بمجرد العترة أي أهل بيت رسول الله عليه السلام خلافًا للإمامية والزيدية من الشيعة (¬1) ولا بالأئمة الأربعة وحدهم خلافًا لأحمد والقاضى أبى خازم من الحنفية (¬2) ولأبى بكر وعمر خلافًا للبعض. لنا ما مر وللشيعة حصر انتفاء الرجس فيهم بقوله تعالى: {أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} [المائدة: 49] الآية والخطأ رجس وحصر التمسك في كتاب الله وفيهم بالحديث قد علم أنه دليل فضلهم مع أن المذكور في التفاسير أن المراد بالرجس الشرك أو الإثم أو الشيطان أو الأهواء والبدع أو البخل والطمع وسيعلم أن المفهوم من الحديث أهلية الاقتداء ومعارض بأحاديث الصحابة على أنه يفيد التمسك بهما معًا لا بالعترة وحدها وحديث العصمة مستوفى في الكلام. وللآخرين الأحاديث الدالة على الأمر باتباع الخلفاء الراشدين وأبى بكر وعمر. وجوابه أن المفهوم منها أهليتهم للاقتداء لا انعقاد الإجماع بهم ككل مجتهد وإلا لعارضها الواردة في اقتداء مطلق الأصحاب وعائشة رضي الله عنهم حيث يدل على اهتداء من اقتدى بمن خالفهم. وهو جواب عن أدلة الشيعة أيضًا. ثم لو صحت الأدلة لوجب الاقتداء بهم على سائر الصحابة وهو خلاف الإجماع. الفصل السابع: في شروطه وفيه مسائل: الأولى: انقراض عصر المجمعين ليس بشرط لانعقاده ولا حجيته وهو الأصح من الشافعي رضي الله عنه فلو اتفقوا ولو حينًا لم يجز لأحد مخالفته وقال الشافعى في قول وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن فورك يشترط وفائدته عند أحمد جواز الرجوع قبل الانقراض لا دخول من أدرك عصرهم فلا يكون المخالف خارقًا إلا بعد الانقراض وعند ¬

_ (¬1) انظر المحصول للرازى (2/ 80 - 83)، إحكام الأحكام للامدى (1/ 352 - 356) نهاية السول للإسنوى (3/ 265 - 266)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 228 - 231). (¬2) انظر إحكام الأحكام للآمدى (1/ 7) المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 83) نهاية السول للإسنوى (3/ 266 - 267)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص/ 7).

الباقين كلا الأمرين لكن لا دخول من أدرك عصر من أدركهم وإلا لم ينعقد إجماع أصلا لو فرض تلاحق المجتهدين وهو خلاف الإجماع. وقال الأستاذ وبعض المعتزلة يشترط في السكوتى دون الباقين وقال إمام الحرمين يشترط فيماكان سنده قياسًا فقط (¬1). لنا عموم الأدلة السمعية مع أن الزيادة نسخ عندنا فإن انتهضت العقلية أيضًا لتقرر الاعتقادات فذاك وإلا فنقول كون الحق لا يعدو الإجماع كرامة لهم لا لمعنى يعقل وإلا لم يختص بهذه الأمة فوجب حين الاتفاق. للمشترطين أولًا أن الإجماع باستقرار الآراء وهو بالانقراض إذ قبله وقت التأمل. قلنا مضى وقت التأمل إذ تقرر الاعتقاد. وثالثا: أن احتمال رجوع الكل أو البعض ينافي الاستقرار. قلنا: توهم الدافع ليس دافعا فكيف أن يكون ذاك رافعا. وثالثا: أن ابتداء الانعقاد برأي الكل فكذا بقاؤه، لأن مدار كرامة الحجية وصف الاجتماع فلا يبقى مع رجوع البعض. قلنا قياس الرفع على الدفع. ورابعًا: لو لم يشترط لزم أن لا يعمل بالخبر الصحيح إن اطلع عليه فأدى إلى إبطال النص بالاجتهاد. قلنا: الاطلاع بعد أن لم يمكن إذ الظاهر عدمه بعد إنعقاد الإجماع فالمحلل جاز أن يستلزم المحال وإن أمكن فإبطال النص بالإجماع القاطع لا بالاجتهاد في سنده كما لو اطلع بعد الانقراض. وخامسًا: أن عليًا رضي الله عنه وافق الصحابة في منع بيع المستولدة ثم رجع لقول عبيدة السلمانى رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك فدل على جواز الرجوع عن الإجماع قبل الانقراض. قلنا قد وافق بعض الصحابة المختلفين وليس الجماعة هو الإجماع. الثانية: بلوغ المجمعين عدد التواتر ليس بشرط عند الأكثر لعموم دليل السمع لا سيما وحجيته كرامة لا تعقل، أما من استدل بالعقل وهو أنه لولا القاطع لما حصل الإجماع على القطع فيقول بالتواتر إذ لا يحكم العادة بالقطع في غيره كذا قيل. ¬

_ (¬1) انظر: المحصول للرازي (2/ 71 - 73)، إحكام الأحكام للآمدي (1/ 366 - 374)، المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 41 - 44)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 224 - 226).

وقد مر أن العقلي أيضًا أعم والحق أن كل إجماع قطعى الثبوت بالتواتر قطعى الدلالة لمعنى عدم الاحتمال الناشئ عن الدليل بالاتفاق أما بمعنى عدم الاحتمال أصلًا فإذا بلغ المجمعون عدد التواتر فكذا وإلا فإن اكتفى في التواتر بحصول اليقين من غير اشتراط عدد فهذا الإجماع الثابت بالعقل يلازمه وإن اشترط العدد فهو أعم وإذا لم يشترط العدد فلو لم يبق إلا مجتهد واحد فالحق أن قوله حجة بمضمون السمعى أن الحق لا يعدو الأمة وإن خالف صريحه فلم يخالفه قول المخالف لعدم صدق الاجتماع. وقيل لا نظر إلى صريحه. الثالثة: اتفاق العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول بعد ما استقر خلافهم يمتنع عند الأشعرى وأحمد والإمام والعزالى (¬1) ويجوز عند غيرهم (¬2) ثم قال بعض من المتكلمين ومن أصحابنا ومن الشافعية ليس بحجة والأصح عند مشايخنا أنه حجة اتفاقًا فقد صح عن محمَّد أن قضاء القاضي ببيع المستولدة ينقض وكذا عن أبي يوسف في الصحيح وأما عن أبى حينفة رضي الله عنه برواية الكرخي أنه لا ينقض فاستدل به على أنه اعتبر الاختلاف السابق لا الإجماع اللاحق وليس بتام لجواز أن يكون ذلك للشبهة في نفس الإجماع مجتهدًا لكونه مجتهدًا فيه المقتضية لنفاذ القضاء كما لا ينقض القضاء في مختلف فيه إلا إذ كان نفس القضاء مجتهدًا فيه كاستقصاء محدود في القذف أو امرأة فقضت الحدود فإنه ينقص لأن انقضاء الثاني لحق المجتهد فيه مع أن في بيع المستولدة روايات أصحها على ما في الجامع إن أمضى قاض آخر تنفذ وإلا فلا. لنا في جوازه وإن قل على بعد لأن الإجماع لا يكون إلا عن جلى ويبعد غفلة لمخالف عنه وإن وقعت كالسوفسطائية وقوعه كإجماع من بعد الصحابة على بيع المستولدة بعد اختلافهم فيه وكما في صحيح البخاري أنه عليه السلام كان يمنع عن المتعة أي متعة الحج إلى العمرة برواية عثمان وعلى رضي الله عنهما وفي صحيح مسلم برواية عمر رضي الله عنه قال البغوي رضي الله عنه ثم صار إجماعًا أي جوازه مجمعًا عليه. للأشعرى أو لإفضاء العادة بامتناع الاتفاق بعد استقرار الخلاف لأن المعتاد هو الإصرار لكل على مذهبه وجوابه لمنع حيث وقع. ثانيًا: لو وقع لكان حجة لتناول الأدلة فيتعارض هذا الإجماع مع إجماع الأولين على ¬

_ (¬1) انظر إحكام الأحكام للآمدى (1/ 394)، نهاية السول للإسنوى (3/ 286). (¬2) وهو مذهب المعتزلة، وكثير من أصحاب الشافعي، وأبى حنيفة، وهو الصحيح عن فخر الدين الرازى، وابن الحاجى، انظر إحكام الأحاكم للآمدى (1/ 394)، نهاية السول للإسنوى (287/ 3).

تسويغ الأخذ بكل منهما وإنه محال، وجوابه ما مر من الوجهين منع تسويغ كل من الأخذ بقول الآخر وبعد تسليمه فالإجماع مشروط بعدم وجود القاطع وقد ورد أما نقضه بما لم يستقر الخلاف حيث أجمعوا على جواز الأخذ حينئذ بكل واحد فليس بتام لأن ذلك تجويز ذهنى الإمكان أي لا يمتنع الذهاب إلى شيء منهما وإن جاز ظهور بطلانه وهذا تخويز وجودى بمعنى الإباحة أي يجوز العمل بهما معًا. وثالثًا: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} [النساء: 59] الآية فيجب رد محل النزاع إلى الكتاب والسنة فلو كانَ هذا الاتفاق حجة لرد إليه لا إليهما وجوابه أنه لم يبق محل النزاع. ورابعًا: قوله عليه السلام "بأيهم اقتديتم اهتديتم" (¬1) فلو كان حجة لما حصل الاهتداء باقتداء المخالف وجوابه بأن الخطاب لعوام الصحابة لا للمجتهد إذ لا يجوز له الاقتداء بغيره ولا لمن بعدهم ليس بشىء لأن عوام من بعدهم بالأولى بل بأن ذلك فيما بقى فيه الاختلاف ولم يبق بالإجماع. ولنا في حجيته تناول الأدلة. وللمانعين أولًا تعارض الإجماعين وقد تكرر مع جوابه. وثانيًا: عدم صدق اتفاق كل الأمة لأن الميت منهم وقوله يعتبر لدليله لا لعينه ودليله باق لا يموت مع موت صاحبه بخلاف من لم يأت إذ لا هو متحقق ولا قوله وجوابه بالنقض ما لم يستقر الخلاف فاسد إذ ليس هنا قول عرفًا بل بأن حجية اتفاقهم كرامة لهم للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يتصور ذلك إلا من الأحياء المعاصرين ودليله إنما يبقى لو لم ينسخ بالإجماع كالقياس الذي نزل نص بخلافه. قيل وفيه بحث إذ لا نسخ بعد وفاة الرسول عليه السلام. قلنا: المنفى هو النسخ بالوحى لانقطاعه وهذا نسخ دليل المجتهد بالإجماع أو الناسخ في الحقيقة الوحي المتأيد به، وثالثا: أن في تصحيحه تضليل بعض الصحابة بإجماع التابعين على خلافه كابن عباس رضي الله عنه في إنكار العول وابن مسعود في تقديم ذوي الأرحام على مولى العتاقة وإذ بطل. ¬

_ (¬1) عزاه الحافظ العجلوني للبيهقي وأسنده الديلمي عن ابن عباس بلفظ: "أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم"، انظر: كشف الخفاء للعجلوني (1/ 147)، التلخيص الحبير (4/ 190).

الفصل الثامن: في حكمه

وجوابه إن أريد التضليل في الاعتقاد منع اللزوم إذ الاعتقاد فيما اختلف فيه على أن ما أراد الله تعالى حق منهما وإن أريد من حيث وجوب العمل كا هو الحق فبطلان اللازم بل خطأ معذور فيه, لأن أحد المختلفين مخطئ في الواقع قطعا إذ الحق واحد. أو نقول إن أريد التضليل بالنظر إلى الدليل فغير لازم لأن دليلهم يومئذ كان حجة موجبة للعمل إلى زمان حدوث الإجماع فنسخ به كقول بعض المختلفين وإن رده الرسول بعد العرض وكصلاة أهل قباء بعد نزول النص قبل بلوغهم وإن أريد بالنظر إلى الواقع فليس بباطل لأن المجتهد يخطئ ويصيب. ورابعًا: لزوم كون قول الباقي بعد موت المخالفين أو ارتدادهم حجة لأنه قول كل الأمة الأحياء في عصر. وجوابه التزام اللازم على قول الأقلين أما على الأكثر فالفرق بأن قولهم قول من خولف في عصرهم بخلاف ما نحن فيه. وخامسًا: فيما بين أصحابنا أن محمدًا رحمه الله نص عنهم أن من نوى الثلاث في أنت بائن فوطأها في العدة لا يحد لقول عمر رضي الله عنه إنها رجعية مع الإجماع المركب في أن لا رجعة للبينونة أو للثلاث وجوابه أن سقوط الحد لشبهة الخلاف في حجيته فلما عملت في نفاذ القضاء فلأن تعمل فيه أولى. الرابعة: اتفاق أنفس المختلفين قبل استقرار الخلاف حجة وإجماع إجماعًا وحمل خلاف الصيرفي عليه ليس بشىء وبعده ممتنع عند الصيرفى والصحيح جوازه فقيل ليس بحجة والأصح حجيته كما عند كل من شرط انقراض العصر إذا انقرض عليه. لنا وقوعه كعلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه وعموم الأدلة ولهم ما مر من تعارض الإجماعين وغيره مع جوابه والحجية ههنا أظهر لأن قول البعض بعد الرجوع عنه لم يبق معتبرًا فهو اتفاق كل الأمة بخلاف ما قبلها إذا اعتبر قول المخالفين من الموتى. الفصل الثامن: في حكمه أصله أن يثبت حكمًا شرعيًّا على اليقين كالكتاب والسنة وإن جاز تغيره بالعارض كما في الآية المأولة وخبر الواحد وأبو بكر بن الأصم وأمثاله يأبى حكمه كما يأبى انعقاده فيقوم الحجج السالفة عليه، ضابط محله لا يصح التمسك به فيما يتوقف حجته عليه كوجود البارى تعالى وصحة الرسالة ودلالة المعجزة لأنه دور بخلاف الأحكام الفرعية ونحو حدوث العالم فإن حدوث الأعراض كاف في الاستدلال على وجوده تعالى ونحو وحدة الصانع فإن تعدده لا

الفصل التاسع: في سببه

ينافى حجيته وما لا يتوقف عليه إن كان دينًا صح اتفاقًا فرعيًا كان أو عقابًا لكن المعتبر كما في العقليات ما يقع القطع به لا للعلة كرؤية البارى تعالى لا في جهة وغفران المذنبين وإن كان دنيويًا كالأراء والحروب صح خلافًا للغزالى والمتأخرين من مشايخنا وللقاضى عبد الجبار قولان: للمجوزين عموم النصوص وفي الميزان لكن إنما يحب العمل به في العصر الثاني إن لم يتغير الحال ويجوز مخالفته إن تغير لأن المصالح العاجلة تحتمل الزوال. وللمانعين أنه ليس أعلى من قول الرسول وإنه ليس حجة في أمور الدنيا كما قاله عليه السلام في قضية التلقيح "أنتم أعلم بأمور دنياكم" (¬1) والحق أن هذا فيما لا يتعلق به عمل واعتقاد. الفصل التاسع: في سببه وهو قسمان سبب ثبوته وهو السند وسبب ظهوره وهو الثقل ففيه مسألتان: الأولى: لا بد له من سند أي دليل أو أمارة يستند علمِه فالأول لأن الفتوى قبل الإجماع بدونها قول بالتشهى فيكون خطأ وإذا كان قول كل خطأ بيقين كان الإجماع خطأ. وثانيًا: استحالة الاتفاق بلا داع عادة كعلى طعام واحد. وثالثًا: أن الحكم الذي ينعقد به الإجماع إن لم يكن عن دليل سمعي كان عن عقل وقد مر أن لا حكم له قالوا لو كان عن سند لاستغنى به عن الإجماع فلم يبق له ولحجيته فائدة. قلنا: مع أن يقتضي أن لا يكون إجماع ما عن سند وهو خلاف الإجماع فلم يبق له ولحجيته فائدة، قلنا: مع أنه يقتضي أن لا يكون إجماع ما عن سند وهو خلاف الإجماع لأتم اللزوم إذ فائدته حرمة المخالفة وسقوط البحث عن كيفية دلالة السند وعن تعيينه وتعدد الأدلة والإجماع في بيع المراضاة وبعض الإجارات كالحمام والقصار متروك نقل دليله استكفاء بالإجماع. فرعان: 1 - يصح الإمارة كالقياس وخبر الواحد سندًا له خلافًا لابن جرير الطبرى والظاهرية فبعضهم منع الجواز وبعضهم منع الوقوع. لنا في جوازه عدم لزوم المحال لذاته منه وفي وقوعه الإجماع على خلافة أبى بكر قياسًا على إمامته الصغرى وعلى دخريم شحم الخنزير قياسًا على لحمه وإراقة نحو الشيرج ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (4/ 183) ح (2363).

الفصل العاشر: في مراتبه

بوقوع الفأرة قياسًا على السمن، وعلى رضي الله عنه أثبت حد شارب الخمر بالقياس على المفترى وعبد الرحمن بقياس حده على حده وكالإجماع على وجوب الغسل في التقاء الختانين بحديث عائشة رضي الله عنها وعلى حرمة بيع الطعام قبل القبض بحديث ابن عمر رضي الله عنه قالوا: أولًا: أجمعوا على جواز مخالفة الإمارة فلو كان سندًا لما جاز. قك ذلك قبل انعقاده كما مر. وثانيًا: المختلف فيه كيف يصير سندًا للمتفق عليه والفرع لا يكون أقوى من الأصل. قلنا: منقوض بعموم النص وحله أن الإجماع برفع الخلاف لأن القطع به ليس من سنده بل من عينه كرامة لأمة وإدامة لأهل الحجة على الحجة كقضاء القاضي. 2 - أن الإجماع الموافق لحديث لا يجب أن يكون منه لجواز تعدد الأدلة على واحد خلافًا لأبي عبد الله البصري. الثانية: يجوز نقله بالأحاد خلافًا لبعض الفقهاء لنا وقوعه كالأربع قبل الظهر وإسفار الصبح وتحريم نكاح الأخت في عدة الأخت بقول عبيدة السلماني وكالتكبيرات الأربع في الجنازة بقول ابن مسعود رض الله عنه. قالوا لا يثبت القطع به. قلنا: الثابت ظني كما في السنة الثابة به. الفصل العاشر: في مراتبه الأقوى في المنقول متواترًا إجماع الصحابة إذا انقرض عليه عصرهم فهو كالآية والخبر المتواتر القطعى الدلالة يكفر جاحد حكمه كما يكفر جاحد حجية الإجماع مطلقًا وهو المذهب عند مشايخنا. وقيل: ليس بكفر. وقيل كفر فيما علم كونه من الدين ضرورة كالعبادات الخمس وفي غيره خلاف وفي جعل الثالث مذهبًا نظر، ثم إجماع من بعدهم بذلك الشرط فيما لم يرو فيه خلافهم فهو كالمشهور يضلل جاحده ولا يكفر إجماعًا ثم الإجماع المختلف فيه كإجماع فيه خلاف سابق أو رجوع من البعض لاحق فهو كالصحيح من الآحاد لا يضلل جاحده ويجرى هنا النسخ إن قيل به في الإجماع فيما بين إجماعى الصحابة وبين ما بعدهم مطلقًا لا بينه وبين ما بعدهم لكن يجب العمل به بشرط أن يوافق الأصول وهكذا حكم كل إجماع نقل بالأحاد خلافًا للغزالى وبعض مشايخنا لنا أن الظنى الدلالة كالخبر يجب العمل به فقطعي الدلالة أولى.

الركن الرابع: القياس

وقوله عليه السلام "نحن لا نحكم بالظاهر" (¬1) وبعد إلاطلاع لا يقتضى الامتناع. قيل هما من الظواهر ولا يثبت الأولى الكلي به لوجوب القطع في العمليات. قلنا: الأول قطع لأنه إثبات بالأولى لا قياس. والثاني: مني على أن لا يشترط القطع في الأصول والحق ذلك للإجماع على التمسك بالظواهر في حجية الإجماع. الركن الرابع: القياس وفيه حمسة فصول إذ لا يصح الشىء المشروع إلا بمعناه ولا يوجد إلا عند شرطه ولا يقوم إلا بركنه ولم يشرع إلا لحكمة ولكونه مما يحتج به قد يدفع. الفصل الأول: في معناه وفيه مباحث: الأول: في تعريفه هو لغة التقدير (¬2) كقياس انتعل بالنعل والثوب بالذراع وذا المعاني بإلحاق الشىء بغيره وجعله نظيره ولكونه تقدير شىء بآخر ليعم المساواة تخوز لها يقال: فلا يقاس به ولا يقاس وعلى المعنين، إما من قاس أو من قايس وأصل وصل الأربعة الباء وقد يوصل بعلى تبين البناء والتنبيه على أن الشرعي له لا للابتداء وشرعًا قال علم الهدى إبانة مثل حكم أحد المعلومين بمثل عليه في الآخر (¬3) فالإبانة لأنه مظهر والمثبت ظاهرًا دليل الأصل وحقيقة هو الله تعالى والمثل لئلا يلزم القول بانتقال الأوصاف ولأن المعنى الشخصى لا يقوم بمحلين وحكم المعلومين يشمل وجودى الموجودين كقولنا في شبه العمد عمد عدوان فيقتص به كما في المحدد وعدمهما نحو قتل فيه شبهة فلا يقتص به كالعصا الصغيرة ووجودى المعدومين كعديم العقل بالجنون عليه بالصبر في أن يولى عليه وعدميهما كهو عليه في أن لا يلي ولا يخفى أربع المختلفين وبمثل علته يتناول الوجودى الشرعى كالعدوانية والعقلي كالعمدية والعدمى نحو ليس بعمد وعدوان فلا يقتص به كما في الصبى وهذا يتناول دلالة النص ولذا تسمى قياسًا قطعيًا وجليًا. ¬

_ (¬1) لم يثبت مرفوعًا، وانظر التلخيص الحبير (4/ 192)، خلاصة البدر المنير (2/ 432). (¬2) انظر القاموس المحيط للفيروزأبادى (2/ 244)، لسان العرب (6/ 187). (¬3) انظر المعتمد لأبي الحسن البصري (2/ 195)، إحكام الأحكام للامدى (3/ 262)، اللمع لأبي إسحاق الشيرازى (ص / 53)، نهاية السول للإسنوى (214)، المستصفى لحجة الدين الغزالي (2/ 228)، التوضيح على التنقيح وعليه التلويح (2/ 52)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 246).

فإن أريد التمييز عنه قيد العلة بالتى لا تدرك دمجرد اللغة أو التي ليست شرط تناول اللفظ لغة بل سبب ظهور الحكم. بل هذا تعريف والثمرة المتوقفة عليه إذ يقال في ليل إبانة حرمة الربا في الذرة هو القياس فالصحيح تعريفه يتبين عليه علة الأصل للإبانة. وجوابه أن الغاية الإبانة الجزئية للقياس الجزئى الخارجى والحد الإبانة العقلية الكلية كما أن المقصود بالتحديد القياس العقلي والإبانة الجزئية ليست بموقوفة على تعقله فضلا عن الكلية فلا دور والحق أنه تعريف بالغاية وهو رسم معتبر وقيل مساواة فرع لأصل في علة حكمه ولأن المتبادر إلى الفهم من المساواة ما في نفس الأمر إما لإطلاقها أو لأن مؤدى الألفاظ في الحقيقة ذلك اختص بالصحيح منه فلا مساواة فيه فاسد فعلى المصوبة أن يزيد في نظر المجتهد ليتناولهما والمتناول على المذهبين ما مر وأيضًا ليس المساواة صفة القانس والأصل عدم التقدير كالحكم بالمساواة ثم فيه ما مر والمراد بالفرع محل الحكم المطلوب والأصل محل الحكم المعلوم ولا المقيس والمقيس عليه أي ذاتهما لا وصفًا هما فلا دور ولا يرد على عكسهما قياس الدلالة وهو الإبانة لا بمثل علته بل بمساويها كقياس النبيذ على الخمر بالرائحة اللازمة المساوية للشدة المطربة ولا قياس العكس وهو إبانة نقيض حكم الأصل بنقيض علئه كقولنا لما وجب الصيام في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر كالصلاة لما لم تخب بغير النذر لم تجب به فالأولى عكس نقيض هذه ومبناه على أن العلة إذا كانت مستنبطة يستدل بثبوت الحكم على وجود العلة في الأصل وبوجودها على حكمه في الفرع فلا خطأ فيه كما ظن. فأولا لأنهما لا يرادان من مطلق القياس لمجازيتهما والشامل لهما إبانة حكم الفرع بتعليل الأصل ليشتمل التعليل بنفس علته وبلازمها وما لإثبات نفس حكمة أو نفيه. وثانيًا: أن الأول يستلزم المساواة في نفس العلة كالشدة المطربة وهي أعم من الضمنية والمصرح بها والثالى يفيد المساواة في أمر يستلزم المساواة في العلة وهي بوجوه أربعة: 1 - أن المقصود مساواة الاعتكاف بغير نذر في أن الصوم شرطه للاعتكاف بنذره إما بإلغاء النذر لأنه غير مؤثر كما في الصلاة وإما بالسير فان العلة ليست الاعتكاف بالنذر لأنه غير مؤثر كما في الصلاة فهي مطلق الاعتكاف إذ الأصل عدم غيرهما. وأجابوا بان مقارنة الصوم قربة لأنه من هيئة المعتكف وكلاهما كف عن الشهوة ولذا يبطل بالجماع وذلك لقوله عليه السلام: "لا اعتكاف إلا بالصيام" (¬1) بخلاف الصلاة إذ ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم فما مستدركه (1/ 606) ح (1605)، والترمذي (4/ 112) ح (1539) , =

مقارنتها له ليست قربة لعدم الدليل. قلنا: بعد أن المقصود من كليهما الاشتغال بالصلاة والاعتكاف وسيلة الصوم الذي هو وسيلتها وإن الكف عن الشهوة والبطلان بما به ببطلان فيها أظهر وإن عدم الدليل ليس دليلًا ممنوع عدمه فيها لدلالته الأولى. 2 - أن قياسًا للصوم بالنذر على الصلاة به في عدم تأثير النذر في وجوبهها فيلزمها وجوبه بدون النذر كوجوبه معه وإلا لكان للنذر تأثير. 3 - إنه قياس خلفي استثنى فيه نقيض اللازم وبين الشرطية بالقياس على الصلاة والمساواة حاصلة على التقدير. بيانه لو لم يشترط الصوم فيه لم يجب بالنذر قياسًا عليها لما لم تكن شرطًا لم تجب به وهو يساوى الصلاة على تقدير عدم الاشتراط. 4 - مساواة الصيام للصلاة في تساوى حالتي النذر وعدمه وتمثيله بمثل قول الإمامين الوتر يؤدى على الراحلة فهو نفل كصلاة الصبح لما كان فرضًا لم تؤد عليها برشد إلى أن الجواب الحق الشامل هو الثالث إذ الأول لا يوافق العرف والبواقى إلا الثالث يستدعى لكل من الفرع وما دخل عليه حرف التشبيه حالتين وذلك غير لازم. الثاني: في تمثيله بالمباين والمطابق. أما الأول فإن العمل به في الأحكام كهو بالبينات في خصومات الأنام فالنصوص أو الأصول بمعنى أحكام المقيس عليها شهود ومعناها الجامع شهادة. ومعلوليتها أي صلاحها للتعليل بأن لا يكون معدولا به عن القياس ولا مخصوصًا يحكم بالنص صلاحها بمنزلة الحرية والتكليف. وملائمة المعنى لتعليل السلف صلاح الشهادة بمنزلة لفظتها. وتأثيره عدالة كصديق الشهادة. ومطابقته للحكم المطلوب إسقاطه كموافقة الشهادة للدعوى. والقائس طالبه كالمدعى فهو مطلوبه والمقضى عليه الخصم في مجلس النظر والقلب إذا حاج نفسه ضرورة كما هو البدن مقصودًا لأن موجبه العمل والعقد لازم السبب. والقاضي هو القلب ولا منافاة أما إذا جعل المقضى عليه البدن فظاهر. ¬

_ = والبيهقي في الكبرى (4/ 317) ح (8362)، والدارقطنى في سننه (2/ 199)، وابن الجوزى في التحقيق (111/ 2) ح (1188) بتحقيقنا، وانظر نصب الراية للزيلعى (2/ 486).

وأما إذا جعل القلب فلأنه ضمني كصيرورة القاضي إذا حكم بثبوت الملك للمدعى مقضيًا له عليه ضنًا حتى لا يمكن من دعواه أو بثبوت الرمضانية حتى وجب عليه الصوم فما بقى إلا الدفع عن الخصم. وأما الثاني: فكانتقاض الطهارة بخروج النجس من غير السبيلين. فالشاهد نص أو جاء أحد وشهادته خروج النجاسة من بدن الإنسان الحس وصلاحه معلوليته إذ لا عدول ولا خصوص وملائمته موافقته الخبر فإنه دم عرق انفجر لإشعاره بالنجاسة وأنه دم مسفوح وأنه خارج لا بد. وعدالته ظهور أثره في غير محل النص اتفاقا كخروجها من السرة واستقامة مطابقته له فإن خروج النجاسة موضوع لزوال الطهارة والطالب الحنفي ومطلوبه انتقاضها والحاكم القلب والمحكوم عليه البدن أو أصحاب الشافعى رحمه الله. والدفع بأن النبي عليه السلام قاء فلم يتوضأ أو احتجم فلم يتوضأ فيجاب يحمل محكياته على القليل كما يحمل مرويات زفر على الكثير جمعا بين الأدلة الثلاثة. الثالث: أنه مدرك من مدارك أحكام الشرع أي دليل مظهر كما يشعر به تعريف فيجوز أن يتعبد الله به أي يوجب العمل بموجبه عقليًا في الأصول وشرعيًا في الفروع وواقع سمعًا وهو مذهب جميع الصحابة والتابعين وجمهور الفقهاء والمتكلمين وذلك السمعي قطعي إلا عند أبى الحسين البصري ولذا عدل إلى العقلي. وعند النظام وجماعة من معتزلة بغداد والشيعة كلها والخوارج والملاحدة يمتنع عقلا مطلقًا. وعند الحنابلة: المشبهة أصولا لا فروعًا. وعند الأصفهاني وابنه وجميع أصحاب الظواهر والقاساني والنهرواني ليس بممتنع عقلا بل شرعًا. وعند القفال وأبى الحسين البصري يجب فمن ينكره مطلقًا من لا يرى دليل العقل أصلا والقياس قسم منه كالامامية والخوارج والملاحدة. ومنهم من لا يراه في الشرع وهم بقية الشيعة والنظام ومتابعوه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر المحصول للرازى (2/ 245 - 299)، (حكام الأحكام للامدى (514 - 72)، المستصفى لحجة الدين الغزالي (2/ 234 - 241)، المعتمد لأبي الحسن البصري (2/ 215 - 234)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 631)، نهاية السول للإسنوى (6/ 4 - 22)، إرشاد الفحول للشوكا نى (2/ 121 - 132) بتحقيقنا.

ومن يرى التفصيل أو عدم وفوعه سمعًا بيني على كونه دليلًا ضروريا يتمسك به لضرورة الحاجة ولا ضرورة في الأصول لإمكان العمل بالكتاب أو وفي الفروع لإمكانه بالاستصحاب. لنا في جوازه عقلا ووجوبه نقلا أولًا عدم لزوم المح لو أمر الشارع به لا بنفسه ولا لغيره. وثانيًا: قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] أي ردوا الشىء إلى نظيره وهو معنى القياس فيندرج لخته أو بينوا من قوله تعالى: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] والتبين المضاف إلينا هو إعمال الرأى في المعالى المنصَوصة لإبانة حكم نظيرها وانتقلوا وجاوزوا من العبور كما من حكم الأصل إلى حكم الفرع وكل قياس مشتمل على هذه المعالى فيندرج تحت المأمورية. قيل عليه أولًا أنه ظاهر في الاتعاظ لغلبته فيه ومنه العبرة. ولئن سلم فظاهر في العقليات لا الشرعيات لصحة نفيه عن قائس لم يتعظ بأمور الآخرة ولترتبه على: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} [الحشر: 2] الآية وركيك أن يقال يخربون فقاسوا الذرة على البر أو ظاهر في منصوص العلة. وثانيًا: أن الأمر يحتمل غير الوجوب ولا يقتضي التكرار ويحتمل الخطاب مع الحاضرين فقط والتجوز وظن وجوب العمل به في غاية الضعف. قلنا: الاتعاظ معلول الاعتبار لا حقيقته ولذا صحيح اعتبر فاتعظ وصحة نفيه عن غير المتعظ مجاز من قبيل {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 18] لاختلال أعظم مقاصده والركاكة لعدم المناسبة في خصوصه والمأمور به مطلق الاعتبار فذا كقولنا من أفطر فعليه الكفارة في جواب من سأل عن الأكل بخلاف قولنا من شر. ثم العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب فيشمل القياس العقلي والشرعى. ولئن سلمنا أنه حقيقة في الاتعاظ أو عبارة دق منصوص العلة فيمكن إلحاق القياس به لا بالقياس ليدور بل بالدلالة المسماة بالفحوى لا الأمر بالاتعاظ مترتبًا بالفاء أو بالسياق على هلاك قوم بسبب اغترارهم بالشوكة لنكف عن مثله ونتخلص عن جزائه إنما يوجبه إذا كان العلم بوجود السبب يوجب الحكم بوجود المسبب كليًا لوجوب كلية الكبرى وهذا معنى القياس الشرعى وهو كالتأمل في حقائق اللغة للاستعارة. وحديث احتمال غير الوجوب والتجوز ساقط، أما التكرار فتسببه لأن كل محل للاعتبار سببه أو للكلية المذكورة.

وثالثًا: الآيات الدالة على جواز استعمال الرأى لاستخراج معانى النص نحو {الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24]، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] لتسببه لحياة نفسين بطريق الاعتبار وفي القياس ذلك فيشمله بالدلالة لا القياس لاشتراك اللغوى في فهمه من السياق. ورابعًا: التعليلات المنصوصة المتواترة المعنى وإن كان تفاصيلها آحادًا كحديث الخثعمية والقبلة للصائم وأجر إتيان الأهل وحرمة الصدقة لبنى هاشم والشهداء والطواف والمستيقظ والصيد الواقع في الماء وغيرها فلولا التعبد به لما فعل قبل لعلة لا تعلم حكمتها لا للقياس لخفاء علتها ولذا جاء التعليل بالقاصرة ولانه بالنسبة إلى من يمنع القياس المنصوص العلة مصادرة وبالقياس إلى غيرهم استدلال على غير المتنازع. قلنا: تعليم الحكمة لا للاعتبار بعيد عرفًا ولئن سلم فلولا أن الحكمة مدار الحكم ومقتضية له لما أفاد ويصح تسكًا على مانع المنصوص بإثبات صحتها وعلى غيره بأن الأصل الناشىء لا سيما في المشروع المتعلق بالكل. وخامسًا: الإخباركحديث معاذ وأبى موسى وابن مسعود وهي مما تلقاه الأمة بالقبول فهي صحيحة. قال الغزالي رحمه الله فيقبل ولو كان مرسلًا وقد قال عليه السلام "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" (¬1). قيل: ظني فلا يكفي في الأصول. قلنا الحق إنه يكفي فيما المطلوب منه العمل. وسادسًا: الآثار المروية عن عمر وابن عباس وابن مسعود وغيرهم في تخويزهم الرأى ولم ينكر فكان إجماعًا وطاعنهم ضال ومدعى اختصاصهم زال بلا قال ولهم في امتناعه الكتاب والسنة ومعنى في الدليل ومعنى في المدلول فالكتاب كقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] حيث دل على أن الكتاب كاف في جميع الأحكام بعبارته أو إشارته أو دلالته أو اقتضائه وعند فقد الكل يعمل بالاستصحاب لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145] الآية فلو كان القياس حجة لما كفى قلنا تبيان لا بلفظة فقط وضعا بل وتارة بمعناه جليًا أو خفيًا فيتناوله كالدلالة وربما يقال التبيان بالمعنى والبيان باللفظ وفي ذلك تعطم شأن نظمه ومعناه ¬

_ (¬1) لا أصل له، وتقدم، وانظر كشف الخفاء للعجلونى (1/ 436) المصنوع (1/ 95).

للعمل به أصلا وفرعًا على أن الكتاب المبين هو اللوح المحفوظ والعمل بالاستصحاب عمل بلا دليل والنص أمر بالعمل بقوله خلق لكم الآية فلا تحريم بالقياس عندنا. أيضًا والحاصل حال بقاء وجود مكة أو عدم جبل الياقوت عدم العلم بالتغيير لا العلم بالعلم ولو سلم فبالعادة فيما دلت عليه إذ لا تخرق إلا بنحو المعجزة لقوله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62] بخلاف الشريعة الشارعة في التبدل ولذا لم يتمسك بشريعة من قبلنا إلا إذا قصت لنا. والسنة كقوله عليه السلام: "لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيمًا حتى ظهر فيهم أولاد السبايا فقاسوا ما لم يكن بما قد كان فضلوا وأضلو" (¬1). قلنا: المراد قياس ما لم يكن مشروعًا فهو القياس في نصب الشرائع أو الذي يقصد به رد المنصوص كقياس إبليس أو بمجرد اعتبار الصورة كأصحاب الطرد وما نحن فيه يقصد به إظهار ما قد كان أو إظهار الحق أو الإلحاق صورة ومعنى كما أمر بإظهار قيمة الصيد في قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] فإنكاره عليه السلام بناء على جهلهم وتعصبهم والمعنى في الدليل من وجوه: 1 - أنه طريق لا يؤمن فيه الخطأ والعقل مانع عن سلوك مثله. قلنا لا نعلم منعه فيما صوابه راجح والخطأ مرجوح وإلا لتعطلت الأسباب الدنيوية كزرع الناتئ وربح التاجر وعلم المتعلم وغرض المتكلم بل يوجب العمل عند ظن الصواب ولئن منع فليس منعه إحالة بل ترجيحها للترك. 2 - أن العقل بعد ورود الشرع بمخالفة الظن يحيل وروده بالعمل به والأول ثابت كما بالشاهد الواحد وإن كان صديقًا بشهادة العبيد الكثير الدينين وكما يحرم تزوج كل من عشر اجنبيات فيهن رضيعة بغير عينها مع أنها على تقدير رضيعة وعلى تسع تقادير لا. قلنا: بل المعلوم وروده بمتابعة الظن كما في ظاهر الكتاب والخبر وفي شهادة أربعة رجال للزنا ورجلين للعقوبة ورجل وامرأتين للمال ونحوه وواحد في هلال رمضان ونحوه وواحدة فيما يختص بهن والمنع بما ذكرتم لمانع خاص هو نوط الطون فيها لخفائها بمظان ظاهرة منضبطة فذلك نقض الحكمة المسمى كسرًا وسيجىء أنه لا يضير. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمى (1/ 62) ح (120)، وابن ماجه (1/ 21) ح (56)، وابن أبى شيبة في مصنفه (7/ 506) ح (592)، والبزاري مسنده (6/ 402) ح (2424)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 413).

3 - للنظام أن الشرع رد بالفرق بين المتماثلات كإيجاب الغسل بخروج المبنى البول والجلد بنسبة الزنا دون القتل والكفر وثبوتهما بشاهدين دونه وقطع سارق القليل دون غاصب الكثير والتفاوت بين عدتي الطلاق والوفاة وكذا بالجمع بين المختلفات كما بين قتل الصيد عمدًا وخطأ في فداء الإحرام وبين الزنا والردة في القتل وبين القاتل خطأ والواطئ في الصوم والمظاهر في إيجاب الكفارة وذا يستحيل التعبد به لأن حقيقته ضد هذا قلنا لا نعلم الكبرى لأن للتعبد به شروطا كصلوح الجامع علة ربما تفقد وموانع كمعارض أقوى في الأصل أو الفروع ربما توجد فط تلك المتمثلات وبالعكس في المختلفات مع جواز اقتضاء العلل المختلفة في المحال حكمًا واحدًا. 4 - أنه يفضى إلا الاختلاف لاختلاف الأصول والأنظار فيكون مردودًا لقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ} [النساء: 82] الآية فإنه دل على أن ما من عند الله تعالى لا يوجد فيه الاختلاف وينعكس عكس النقيض إلى أن ما يوجد فيه ليس من عنده أو يدل على أن ما يوجد فيه يكون من عند غير الله وما من عنده في غيره فليس من عنده فهو مردود. قلنا المراد به التناقض واختلال النظم المخل بالبلاغة التي بها التحدى لا لاختلاف في الأحكام للقطع بوقوعه. 5 - أو جاز فإن صوب يكون النقيضان حقًا وإن خطئ فتحكم. قلنا: بعد النقض بالاجتهاد في الظواهر نختار التصويب ولا تناقض لأن حقية كل بالنسبة إلى صاحبه أو التخطئة ولا لخكم إذ المصوب والمخطأ أحدهما لا بعينه المعين. 6 - أنه إن وافق العدم الأولى فمستغنى عنه وإن خالفه فالظن لا يعارض اليقين قلنا يجوز مخالفته بالظن كسائر الظواهر. 7 - أنه يفضى إلى التناقض على تقدير ممكن هو يعارض علتين. قلنا لا يفضى إذ في قياس واحد يرجحه فإن لم يقدر يعمل بأيهما شاء بشهادة قلبه عندنا ويخبر عند الشافعي رضي الله عنه وأحمد رحمه الله فى المتعدد كل يعمل بقياسه. والمعنى في المدلول أولًا أن طاعة الله تعالى لايمكن إلا بالتوقيف إذ مع الشرائع ما لا يدرك بالعقول كالمقدرات وما يخالفها ظاهرا كبقاء الصوم مع الإفطار ناسيًا والصلاة مع السلام ساهيًا والطهارة مع سلس البول وغيرها أما أمر الحروب ودرك جهة الكعبة وتقويم المتلفات ومهور النساء فتبنى معرفتها على أسباب حسية فكان يقينًا بأصله كظواهر الكتاب والسنة ولأنها ليست من الطاعات بل من حقوق العباد.

قلنا القياس نوع من التوقيف والممتنع نصب الشرائع لا إظهارها ولذا لا قياس فيما لا يدرك ولا خفاء أن جهة القبلة لأداء محض حق الله تعالى ومع ذلك أطلق العمل بالرأى أما التحقيق الابتلاء أو لأنه غاية ما في وسعنا فكذا في الأحكام. وثانيًا: أن الحكم حق الشارع القادر على البيان القطعى فلم يجز التصرف في حقه بما فيه شبهة بخلاف حقوق العباد الثابتة للشهادة. قلنا جاز بإذنه كما مر ولهم في وجوبه أن النصوص المتناهية والأحكام فلا تفى بها فيجب التعبد به لئلا يخلو الوقائع عن الأحكام قيل هذا يناسب مذهب أبى الحسين لا القفال من الشافعية إذ لا وجوب على الله ولا عن الله عنه وجوابه أن الوجوب أعم منه حقيقة ومنه وعدًا وتفضلا والثالى ثابت عنده لقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وحين لا يستفاد الكل من لفظه وجب أن يستفاد من معناه لئلاَ يكذب. قلنا لا نعلم عدم جواز خلو الوقائع عن الأحكام والعلم مخصص. ولئن سلم فغير المتناهى جزئياتها ومن الجائز استيفاؤها بعمومات شاملة نحو كل مقدر ربا وكل ذى ناب حرام وكل ميتة حرام. ولنا في وقوعه سمحيًا قطعيًا أولًا تواتر العمل به عن جمع كمير من الصحابة عند عدم النص والعادة تقضى أن إجماع مثلهم في مثله ليس إلا عن قطاع على حجيته وتواتر القدر المشترك كاف. وثانيًا: أن عملهم به شاع ولم ينكر والعادة تقضى بأن السكوت في مثله من الأصول العامة الدائمة الأثر وفاق وهو حجة قاطعة من ذلك اللهم رجعوا بعد اختلافهم إلى رأى أبى بكر رضي الله عنه في قتال بني حنيفة على أخذ الزكاة إما قياسًا على ترك الصلاة وإما قياسًا لخليفة الرسول على نفسه وأنه رجع بعد توريث أم الأم دون أم الأب إلى التشريك بينهما في السدس لقول بعض الأنصار تركت التي لو كانت هى الميتة ورث جميع ما تركت لأن ابن الابن عصبة دون ابن البنت وورث عمر المطلقة ثلثًا في مرض الموت بالرأى وشك في قتل الجماعة بالواحد فرجع إلى قول على رضي الله عنه في قياسه على اشتراك النفر في السرقة وذلك كثير فقد تواتر القدر المشترك كشجاعة على رضي الله عنه ودل السياق على أن العمل بالرأى كما في التجريبات والعادة على أن السكوت بعد التكرر اتفاق وعلى أنه لو أنكر لنقل لأنه مما يعم به البلوى فيتوفر الدواعى على نقله وعلى أن العمل بها كان لظهورها لا لخصوصياتها لأن اجتهادهم كان لتحصيل الظن والمنقول على عثمان وعلى رضي الله عنهما من ذم الرأى فيما يقابل النص أو يعدم فيه

شرطه فهذه أجوبة ستة عن شبه سبع. تمثيل مشتمل على كيفيتى الاعتبار واستنباط العلة في القياس. قال عليه السلام: "الحنطة بالحنطة" (¬1) أي بيعها، فالحذف للجار والتعين لخبر لا تبيعوا وهو مباح قوبل محله بجنسه ويد بالمماثلة حالًا عنه وإذا تعلق الإيجاب بالمباح كالبيع والرهن يصرف إلى قيده يشترط المثل في الجنس كالقبض في: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] على أن الأحوال شروط معنى ولذا يتعلق الطلاق بالركوب أيضًا في أن دخلت راكبة وقد يجب شرط المباح كما في النكاح مْ المراد بالمثل اشتراط القدر الشرعى للإجماع والخبر (كيلا بكيل) (¬2) فيراد بالفضل الفضل عليه لأن المفاضلة بحسب المماثلة فصار حكمه وجوب التسوية بينهما لني القدر والحرمة لفوتهاثم تأملنا في الداعى إليه فوجدنا أن إيجاب التسوية بين الأموال لكونها أمثالا متساوية وذا بالتساوى صورة ومعنى لقيام كل محدث بهما وهما القدر والجنس فيهما فيكونان الداعيين إلى وجوب التسوية ليتحقق العدل وبواسطه إلى حرمة الفضل لا سيما وقد سقط اعتبار المماثلة في قيمة الجودة شرطًا لتحقق التسوية لا جعلا له جزء علة البر ليزيد إجزاؤها إذ العدم لا يصلح علة للتماثل الوجودي إما بنص الحديث أو بدلالة الإجماع على عدم جواز بيع قفيز من حنطة جيدة بقفيز من ردية وزيادة فلس مع جواز الاعتياض عن الجودة في غير الربويات أو لأن ما لا ينتفع به إلا بهلاكه فمنفعته في ذاته لا صفاته فلا تقوم أوصافه كالأشياء الستة بخلاف ما ينتفع به بدون هلاكه وإنما لم يجز بيع الأب والوصى الجيد من مال الصبي بالردى وجعل بيع المريض إياه به تبرعًا لفوت النظر وتصرفهم مشروط به ولماكان نحو الأرز والدخن والجص مشتملا على الجنس والقدر خلا الفضل على الممثلة عن العوض في بيعها فلزم إثباته فهذا كالمثلات التي قال الله تعالى فيها: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحشر: 2] الآية فالإخراج من الديار عقوبة تعدل القتل والكفرَ يصلح داعيًا إَليه وأول الحشر يدل على تكرارها لإشعاره بثان هو حشر الناس إلى الشام في آخر الزمان بنار من المشرق وإجلاء عمر إياهم من خيبر. ودل آخر الآية أن المقت والخذلان جزاء الاعتماد على القوة والاغترار بالشوكة ثم دعانا إلى الاعتبار بالتأمل في معانيها للعمل بما وضح منه فيما لا نص فيه فنقيس أحوالنا بأحوالهم ونحترز عن نحو أفعالهم توقيًا عما نزل بأمثالهم. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) تقدم تخريجه.

الرابع: تنصيص الشارع على العلة في موضع يكفى تعبدًا بالقياس فيه وهو مذهب أحمد والنظام والقاشاني والجصاص والكرخي والجمهور على أنه لا يكفي وقال البصري يكفي في التحريم دون غيره كالوجوب والندب. لنا أولًا: أن ذكر العلة يفيد صحة الإلحاق عرفًا نحو قول الأب لابنه لا تأكله لأنه مسموم يفيد صحة أن يلحق به كل مسموم في وجوب الامتناع وليس ذلك بقرينة شفة الأب وإن احتمله لمحما ظن لأن غير الأب كهو مثل قول الطيب لا تأكله لبرودته أو حموضته أو لأنه كمير الغذاء ولأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وباحتمال الخصوص لا يندفع. وثانيًا: إن ذكرها لو لم يكن للتعميم بالإلحاق لعرى عن الفائدة ظاهرًا إذ الظاهر أنه لذلك. قيل: يحتمل أن يكون فائدته تعقل مقصود الشرعية. قلنا خلاف الظاهر لأنه ما بعث للتنبيه على أسرار الربوبية بل لتعليم وظائف العبودية. وثالثًا: إن حرمت الخمر لإسكاره كقوله علة الحرمة الإسكار لأن اللام للتعليل ولا فرق بين اسمه وحرفه، والثالق يصحح الإلحاق إجماعًا فكذا الأول قبل تعريف الخبر يكون للتعميم لأن الحصر يحصل به فيفيد أن العلة كل إسكار والإضافة للعهد فتفيد أنها إسكاره. قلنا: ليس اللام للاستغراق وإلا فيراد في الحرمة أيضًا ولا يصح أن الإسكار ليس علة لكل حرمة أو يراد حرمة الخمر بالقرينة كما هو الظاهر فلام الاسكار للجنس أو العهد لأن علة حرمته إسكاره لاكل إسكار ثم الحصر يستفاد من العهد أيضًا كما مر. وبعد تسليم الكل فاللازم عدم العموم بالفعل والكلام في صحة التعميم بالإلحاق وأين ذلك من هذا؟ ومنه يعرف معنى تمسكنا رابعًا بأن حرمة الحمر لإسكاره كحرمة كل مسكر أي من مطلق التعميم لكن هنا أن علل وثمة بالمنطوق. قالوا لو قال أعتقت غانما لحسن خلقه لا يكون نحو أعتقت كل حسن الخلق ولذا لا يعتق غيره من حسنى الخلق. قلنا الدعوى أن مثله من الشارع يكفي تعبدًا للقياس أي يصحح إثبات الحكم بالإلحاق لا أنه يصرح بثبوته وبذا لا يثبت ما لم يلحق كما لو قال وذلك يقتضي أن أحرم كل مسكر أو أعتق كل حسن الخلق.

الفصل الثاني: في شروطه

والتحقيق أنه علة اختيار العتق لا وقوعه. ومنه يعلم حقيقة ما ذهبنا إليه في المعلق بالشرط الذي هو سبب حيث اخترنا أن وجود الشرط سبب الإعتاق ليصير حينئذ إعتاقًا لا سبب العتق كما ظن الشافعى رحمه الله ثم بينه في كلام الشارع وبينه في كلام العباد فرق فإن التعبد بالإلحاق له يقتضي إلحاقه وبواسطه ثبوت الحكم فقيل بأنه مظهر أما العبد فلا تعبد له لا لنفسه ولا لغيره فلا يثبت إلا بتصريحه ثانيًا وهذا معنى أن حق العبد لا يثبت إلا بالتصريح وحق الله تعالى أي حكمه يثبت به وبالإيماء. الفصل الثاني: في شروطه وأعنى بها المتعلقة بغير العلة إذ المتعلقة بها تذكر في الركن قدمناها لتوقف الأركان عليها ولأن مباحث العلة كثيرة تستدعى تمثيلات غزيرة يتوقف لخقيقها على سبق معرفة الشروط وهي على ما ذكره مشايخنا بالإجماع أربعة: 1 - أن لا يختص الأصل بحكمه بنص آخر وإلا فالقياس يبطله. 2 - أن لا يعدل به عن القياس لتعذره حينئذ. 3 - التعدية بشرائطها وهي أن يكون للحكم الشرعى والثابت لا المنسوخ بالنص لا بالقياس وبعدى بعينه وإلى فرع هو نظيره ولا نص فيه لأنه محاذاة بين شيئين فتفعل في محل قابل له فهي شروط سبعة عائدة إلى التعدية ويندرج ثلاثة أُخرى مما ذكره الشافعية تحتها. 4 - بقاء حكم النص بعد التعليل في الأصل على حاله لأنه للتعميم لا للإبطال والجميع عائدًا ما إلى حكيم الأصل أو إلى الفرع. فمن شروط حكم الأصل عدم اختصاصه به بنص كحل تسع نسوة له عليه السلام إكرامًا فإن سعته تصلح لذلك ولذا انتقص بالرق فتعديته كما فعله الرافضة إبطال له وكشهادة خزيمة لذلك ولذا سمى ذا الشهادتين فلا يتعدى ولو أي أعلى رتبة في الندين كالصديق وكالسلم اختص بالدين من بين البيوع بالخبر لاشتراط المملوكية ومقدورية التسليم جنسًا وشرعًا حال العقد في غيره. والإيجاب يرجع إلى قيوده فالاختصاص من الطرفين فلا يعلى إلى الحال كما فعله الشافعى إلحاقا بالبيع لكونه أبعد من الغرر وذلك لأنه ليس في معنى المؤجل بخلاف الثياب والعدديات المتقاربة حيث أثبت فيها يإشارة الكيل أو دلالته من جهة حصول العلم بالقدر.

ومنه تخصيص أبى بردة بن نيار رضي الله عنه بجواز التضحية بعتاق وتخصيص الأعرابى بإنفاق كفارة الفطر على نفسه وعياله. وقال الشافعي رحمه الله اختص نكاحه بلفظ الهبة بقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] لأنه مصدر مؤكد أي خاص ذلك العقد لك فلا يعدى. قلنا بل الخلوص في سلامتها له بلا عوض وهي إحلال الموهوبة كالممهورة بيانًا للمنة في كلا النوعين ولذا قال: {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 50] أي وأحللنا لك بلا مهر {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50] أي: ضيق بلزوم المهر. أو الخلوص في عدم حل منكوحته لاحد بعده وهذان مما يعقل حرمة كحرمة نكاح زوجاته الطاهرات بعده بخلافه في الاستعارة في العبارة. ومنها أن لا يعدل به عن القياس بالنص وهو أقسام أربعة: فمنه ما لا يعقل معناه كالمقدرات الشرعية من العبادة والعقوبة وخصوصية الكفارات. ومنه ما هو معدول عن سننه كأكل الناسي للصوم فالقياس ذوات القربةكا يضادها ويهدم ركنها كما قال عليه السلام "الفطر مما دخل" (¬1) فتعدية الشط فعي إياه إلى الخاطئ والمكره والنائم الذي صب الماء في حلقه زعمًا منه أنه مخصوص من عموم "ألقوا الصيام" أو الفطر مما دخل ليس بصحيح لأن قوله عليه السلام "إنما أطعمك الله وسقاك" (¬2) إشارة إلى عدم دخول الناسي فيها لعدم إضافة الفعل إليه أما تعديته إلى غير الأعرابي وإلى المواقعة فبالدلالة كإلحاق الخنجر بالسيف وقد قال عليه السلام "لا قود إلا بالسيف" (¬3) وإلحاق المحصنين بالمحصنات في حد قذفهم وإلحاق نحو القصد بالقيء أو الرعاف المنصوص في نقض الوضوء وإلحاق سائر الأعذار بالاستحاضة المنصوصة وذلك لأن الثلاثة متساوية في التقطير كما مر ونسيانها لق أنها من صاحب الحق فبقاء الصوم إنما هو لكونه غير جان وأحكام المتساوية متساوية بخلاف فروع الشافعي ففرق ما بينهما كما بين القعود في الصلاة للمريض والمقيد أو البناء فيها لمن رعف وشج وكتركه التسمية ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (1/ 116) ح (566)، وانظر التلخيص الحبير (2/ 211)، والدراية في تخريج الهداية (1/ 280)، نصب الراية للزيلعى (2/ 453). (¬2) أخرجه أبو داود (2/ 315) ح (2398)، والبيهفى في الكبرى (4/ 229) ح (7862)، والدارقطنى (2/ 179)، وعبد الرزاق في مصنفه (4/ 174) ح (7378)، وأبو يعلى في مسنده (10/ 447) ح (6058)، وانظر نصب الراية للزيلعى (2/ 445). (¬3) تقدم تخريجه.

على الذبيحة بالحديث والقياس فوات الحل لفوات شرطه فلا يصلح تعديته إلى العامد المسلم ولا مساواة بينهما وكتقويم المنافع في العقود عدل به فيها بالنصوص عن أنها غير محرزة إذ غير باقية لعرضيتها أو لخصوص عرضيتها على المذهبين فلا يقاس الغصب والإتلاف عليهاكما فعله ولجواز التوضى بنبيذ التمر عند الإِمام رحمه الله فلا يلحق به سائر الأنبذة قياسًا للعدول فإنه ماء مقيد أما دلالة وقد تساوت في المعاني المؤثرة فقيل لأن انتفاء الإلحاق ثبت بالإجماع وأنه أقوى من الدلالة وفيه شيء لأنا في تطلب وجه إجماع المجوز بل لأن جوازه باتخلفية فلا يثبت بالإلحاق كغير التراب في التيمم وكفساد الوضوء في الصلاة المطلقة بقهقهة بالغ يقظان قاصد لصريحه لأنها مورد نصه معدولا به إذ لا نجس خارج فلا يلحق به ما ليس فيه أحد القيود. ومنه ما لا نظير له فإما له معنى ظاهر كترخص المسافر لمعنى المشقة لكن لم تعتبر في غيره كالحدادية في القيظ في قطر حار وإما ليس له معنى ظاهر كالقسامة وهي تحليف مدعى القتل القوم خمسين قسمًا ومعناه التغليظ في حقن الدماء وكضرب الدية على العاقلة ولا جناية لهم. تتمات: 1 - أن خصوص كفارة الأعرابي للواقع في رمضان يحتمل كون الأصل مخصوصًا بحكمه لقوله عليه السلام يجزئك ولا يجزى أحدًا بعدك وكونه معدولا به عن القياس لأن الكفير للزجر وذا بما يقع عليه لا له فالفرق بين القبيلين بالنص الناطق بالاختصاص في الأول دون الثاني ولذا ذكرنا تقوم المنافع في الثاني لا كفارة الأعرابى مخالفًا لفخر الإِسلام ولا الكل في الثاني مخالفًا للشافعية. 2 - إن المستحسنات منها ما هى معدول بها ولذا عد أبو الحسين دخول الحمام من غير أجر مقدر منه ومنها ما له قياس خفى كما سيجىء. 3 - أن الأصل إذا عارضه أصول لا يكون معدولا لأن الواحد كاف للتعليل فشان مثله ترجيح ما له متعدد على غيره كقولنا في مسح الرأس مسح فلا يسن تثليثه كمسح التيمم والخف والجبيرة والجورب بخلاف قوله ركن في الوضوء فيسن تثليثه. 4 - يجوز تعدية غير المعقول ضمنًا كتعدية مساواة الردى الجيد في ضمن تعدية الربا من الأشياء الستة إلى سائر الربويات وكتعدية نجاسة كل البدن عند خروجها من السبيلين في المحدثين في ضمن تعدية زوال الطهارة عند خروج النجاسة إلى نحو القصد والقىء وقيل كون كل البدن محدثًا وغسله معقول لاتصاف كله به عرفًا حتى يكذب من قال

المحدث هو الفرج كالعلم القائم بالقلب وشرعًا لعدم جواز الصلاة بغسل المخرج وغير المعقول الاقتصار على الأعضاء الأربعة التي هى حدود امتدادية ومظان إصابة المنافيات في الأصغر لدفع الحرج لا يكثر لا في الأكبر لأنه مما يندر. 5 - يجوز تعديته بالدلالة وقد علم أمثلته كما تميزت عنه بالمنصوصية والقطعية والمفهومية لغة لا استنباطًا وإثبات نحو القصاص والكفارات التي تندرئ بالشبهات. ومنها أن يكون شرعيًا لأن التعليل له لا لغويًا كإطلاق الخمر على النبيذ لكونه شرابًا مشتدا وقد يسمى حسيا لتعلقه بحس السمع وقيل لا عقليا كإثبات إسكاره بذلك فهذا فرع أن القياس لا يجري في اللغة فقط أو في العقليات من الصفات والأفعال والثمرة تظهر في أن النفي الأصلي لا يقاس عليه أما الطارئ فلأنه شرعي وأما الأصلي فلثبوته بدون القياس وبالإجماع ولذا يقول المناظ بد من بيان المقتضى في الأصل ليكون المعدى شرعيًّا ولذا أبطلنا التعليل لاستعمال ألفاظ الطلاق والتمليك بالرأى في العتاق والنكاح لأن الاستعارة من باب اللغة ولفظ النسب في التحرير ولاشتراط التمليك في طعام اليمين ونحوه ولعدمه في الكسوة وإثبات اسم الزنا للواطة والسارق للنباش ولإثبات الكفارة في الغموس لكونها يمنيًا ومعقودة بالقلب كالمعقودة باللسان فإن العقد ربط والعزم لا يسمى ربطًا إلا مجازًا وكل ذلك لأن اللغات توقيفية لا تعرف إلا بالنقل في الحقائق والتأمل في معانيها للتعدية مجازا لا قياسًا شرعيًّا. ومنها تعديته والحق عدها في شروط العلة لكنا أتبعناهم فلا يصح القياس بالعلة القاصرة إذا كانت مستنبطة كنفس المحل أو جزئه الأخص لفصل فيشترط في المعدية أن لا يكون شيئًا منهما. أما الجنس فلا يسميه المتكلم جزءًا بل وصفًا نفسا ولذا تعرف المثلان بالمتشاركين في الصفات النفسية خلافًا للشافعى ومالك ومن تبعهما وصحة المنصوصة اتفاقية. مثاله تعليل حرمة ربا النقدين بجوهريهما أي بذاتيهما وهو المحل أو بجوهريتهما أي بكونهما جوهرى الثمن وهو الجزء الخاص. لنا لزوم خلو الدليل عن العلم إذ لا يوجب إلا الظن والعمل لأنه في الأصل بالنص لا بالعلة لأنه فوقها ولا بعد التعليل إذ لا يصح غيره فكيف إذا أبطله فلا بد من المنع وإلا فلا فائدة له. قيل فائدته يصح أن يكون اختصاص المحل بالحكم أو معرفة الحكمة المميلة للقلوب إلى الطمأنينة عن قهر التحكم ومرارة التعبد أو المنع من التعدية عند ظهور أخرى متعدية

لاحتمال أن يكونا جزئين من العلة إلا لدليل على استقلال المتعدية بالعلية أو ترجيحها. قلنا الاختصاص حاصل بتركه مع أن التعليل لهما لا يتعدى لا يمنعه مما يتعدى والعثور على الحكمة من باب العلم لا العمل والرأى لا يوجب علمًا اتفاقًا والشرع لا يعتبر الظن إلا لضرورة العمل. والقاصرة لا نعارضها اتفاقًا فعندنا لتعين المتعدية وعندهم لترجحها بكثرة فائدتها وكونها متفقًا عليها. ولا نقض بالقاصرة المنصوصة والمجمع عليها إذ لا وجود لها. ولو سلم كما مثل بقوله عليه السلام حرمت الخمر لعينها فلقصد إفادة العلم بالحكمة كأخبار الآحاد الواردة في العمليات. لهم أولًا حصول الظن بأن الحكم لأجلها إذ هو المفروض فيصبح التعلق به عامًا كان أو خاصًا كسائر الحجج وكالقاصرة المنصوصة قلنا يصبح أن يقصد بها العلم دونه لعدم الاستنباط الذي لم يشرع إلا لضرورة العمل. وثانيًا: أن التعدية موقوفة على ثبوت العلية الموقوفة على صحتها فلو توقف صحتها على التعدية لدار. قلنا: التعدية بمعنى وجود الوصف في غيره شرط العلية وبمعنى وجود الحكم في غيره حكمها فالغلط من الاشتراك. ولئن سلم فدور معينة أو لا تكون متعدية ثم علة أو علة ثم متعدية. أونقول صلوح التعدية شرطها ونفسها أو شرطها حكمية التعدية أو هى شرط العلم بصحة العلية لأنفسها فهذه حفسة أجوبة. تتمية: قيل مبنى هذا الخلاف اشتراط التأثير عندنا في الظن بالعلية وهو اعتبار الشارع نوع الوصف في نوع الحكم ثابتًا ذلك بالكتاب أو السنة أو الإجماع ويترتب الحكم على وفقه والاكتفاء بالإخالة عندهم وهي اعتباره أحد الأقسام الأربعة فهي أعم من التأثير وثمرته منع التعليل بالمتعدى عنده فيما اجتمع قاصر ومتعد وغلب على الظن علية القاصر لاعندنا. ثم نقض هذا البناء بتعليلنا للزكاة في المضروب بالثمنية لتعديها إلى الحلي إذ لا تأثير لها. فأجيب بأن المخلوقية للثمنية دليل عدم الصرف إلى الحاجة الأصلية بل إلى التجارة المنمية فالثمنية من جزئيات النماء المعتبر تأثيره شرعًا في وجوب الزكاة.

وفيهما بحث، أما البناء فللنقض بالقاصرة المنصوصة. وأما الثمرة فلما مر من ترجح المتعدى فيه إجماعًا. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن التأثير إنما يشترط للاستنباط. ومنها أن لا يكون منسوخًا إذ لم يبق الوصف في الأصل معتبرًا في نظر الشارع. ومنها أن لا يثبت بالقياس خلافًا للحنابلة والبصري. لنا إن اتحدت العلة فيهما فالوسط ضايع وإن لم تتحد بطل أحد القياسين لأن المعتبر في الأصل إحدى العلتين. مئاله قياس الجنة على الذرة المقيسة على البر فبالقدر والجنس فيهما ضاع الوسط وبغيره في أحدهما بطل هو أو قياس الشافعي رضي الله عنه فسخ النكاح بالجذام على فسخ بيع الجارية به وقاسه على فسخ النكاح بالجب والعنة فإن كان الجامع العيب القادح في مقصود العقد اتحدت فيهما وإن كان ذوات الاستمتاع لم يوجد في الفرع الأول. لهم عدم وجوب اتحاد دليلي الأصل والفرع كالإجماع والنص فيجوز أن يكون لكل علة. قلنا حصحص الحق بمًا تبين من الفرق. هذا إذا كان المقيس عليه فرعًا يوافقه المستدل ويخالفه المعترض أما بالعكس كقولنا في الصوم بنية التنفل أبي بما أمر به فيصح كفريضة الحج إذ صحتها بنية النفل مذهب الشافعي رضي الله عنه. وكقوله في قتل المسلم بالذمى تمكنت فيه الشبهة فلا يجب القصاص كالقتل بالمثقل، فإن العدم فيه مذهبنا. فقيل فاسد لأن الاعتراف ببطلان إحدى مقدمات الدليل وهي حكم الأصل اعتراف ببطلانه. وقيل: صحيح لأنه يصلح إلزمًا للخصم إذ لو التزمه فيها وإلا كان مناقضا لمذهبه لعمله بالعلة في موضع دون موضع. ورد الثاني بإمكان دفع الإلزام بوجهين: 1 - بقوله العلة في الأصل غيره ولا يجب ذكرى لها. 2 - بقوله خطأي في أحدهما لا يستلزمه في الفرع معينًا وهو مطلوبك. وأقول بعد الجواب عنهما بان مثله إنما يسلك بعد اعتراف الخصم بأنه العلة في الأصل.

وعن 2 - بأنه يفيد فيما يطلب تخطئته في الجملة إذ في أحدهما هذا هو المسمى بالقياس على قود مذهب الخصم وإن كان أعم من هذا ولا يستعمل للتحقيق والحق فساده لأن دليل القسم الأول عائد. ومنها أن لا يكون فيه قياس مركب وإلا لم يقبله الخصم ويندرج هذا تحت قولنا إلى فرع هو نظير, لأن تشبث الخصم بذلك أي لا يكون أصلًا لقياسين بعلتي الخصمين وهو قياس يستغنى المستدل على إثبات حكم أصله لموافقة الخصم له وإن منع التعليل بعلته إما بمنع عليتها ويسمى مركب الأصل أو بمنع وجودها في الأصل ويسمى مركب الوصف. والمركب اسم موضع وإضافته بيانية والتركيب اجتماع القياسين على متفق عليه والبنائين بناء العلة على الحكم للمستدل وعكسه للخصم فإن كان محل الاجتماع نفس الحكم الذي هو الأصل فمركب الأصل وإن كان الوصف المبدى فمركب الوصف إذ يحصل به التمييز وإلا ففى الحقيقة مركب الأصل والوصف للاتفاق فيهما. فالأول كقول الشافعي رضي الله عنه عبد لا يقتل به الحر كالمكاتب المقتول عن وفاء فنقول العلة فيه جهالة المستحق للقصاص أنه السيد أو الورثة باعتبار العجز عن الأداء أو عدمه لاكونه عبدًا فإن صحت بطل إلحاق العبد وإلا منعنا حكم الأصل وهذا منع تقديري أي على تقدير انتفاء علته فلا ينافيه الاعتراف التحقيقي به. قيل جهالة المستحق ليست علة متعدية كما إذا قتل الأصل فرعه ولا قاصرة لعدم صحتها عندكم فهي فضيلة القاتل لأن غيرهما منتف بالأصل. قلنا عدم التعدى إلى صورة لا يستلزم عدمه أصلًا فلجهالة المستحق صور عديدة وجهالة المستحق مانعة للدعوى يمتنع الإثبات بخلاف الشبهة في نفس القصاص لاختلاف العلماء فيه. والثاني: كقوله إن تزوجتك فأنت طالق تعليق للطلاق قبل النكاح فلا يصح نحو زينب التي أتزوجها طالق فقد جعل التعليق علة لعدم الوقوع واعتبر الوصف تعليقًا معنى. قلنا التعلق على تقدير وتسليم عليته لعدم الوقوع مفقود لني الأصل فإنه تنجيز فإن صح بطل إلحاق التعليق به وإلا منعنا عدم الوقوع لأنا إنما منعنا الوقوع لكونه تنجيزا فلو كان تعليقا لقلنا به. والاعتراف بالعلية التقديرية كاف في التمثيل. قاعدة: كل موضع استدل فيه باتفاق الطرفين يتأتى للخصم دعوى أنه قياس مركب إذ لا يعجز عن إظهار قيد يختص بالأصل ولو كان نفس محله فيدعى أنه العلة ولا سبيل

إلى دفعه فلا يثبت العلة عنده إلا باعترافه وبعد الاعتراف بها إن سلم وجودها أيضًا فذاك وإلا فللمستدل إثبات وجوده بعقل كما بإثبات وجود ملزومه أو حسن كإثبات إطلاق العرب بحس السمع أو شرع من الأدلة الثلاثة فيلزمه القول بموجبه وترك ما عنده إذاكان مجتهدًا كما لو ظنه بذلك بنفسه لا يسعه المخالفة والمناظر تلو المناظر وتبعه في أن مقصودهما إظهار الصواب فإذ لزمه القول به عند ظنه بنفسه فعند تظافرهما أولى أما المقلد فلا اعتداد بظنه ولا يجوز مخالفة مجتهد بظن بطلان دليله. تتمة: هذا فيما قنع بإجماع الخصمين على حكم الأصل وإذاكان مجمعًا عليه مطلقًا فلا كلام في قبوله. أما إذا لم يكن فيه إجماع أصلًا فحاول المستدل إثبات حكم الأصل بنص ثم إثبات علته بطريقة فيقبل في الأصح وقيل لا لضم نشر الجمال كقياس تحالف المتبايعين لتحالفهما والسلعة هالكة عليه وهي قائمة بالحديث الدال على الحكم بالتصريح والعلية بالإيماء لأن درجة إذا نازلة في الشرطية عن أن. لنا لو لم يقبل في المناظرة مقدمة تقبل المنع للزوم انتشار كلام يوجب طول البحث والفرق بان كلا منهما حكم شرعي يستدعي ما يستدعيه بخلاف المقدمات الآخر فإنها أحوال الحكم المطلوب فلا يلزم من كون الانتقال إليه انقطاعًا كونه إليها كذلك أمر اعتبارى إنما يصلح لبناء الاصطلاح عليه. والحق أن لا يعد الانتقال لإصلاح الكلام الأول إلى أين كان انقطاعًا لأن تحمل طول البحث أولى بالباب من قطع الكلام قبل ظهور الثواب. ومنها أن لا يكون دليله شاملا لحكم الفرع أي شمولا ظاهرًا عند الخصمين وإلا لكان تعيين الأصل محكمًا ولكان القياس تطويلا بلا طائل ويندرج تحت ولا نص فيه كقياس الذرة على البر وإثبات حكمه بحديث الطعام وسيجىء أن دليل العلة إذاكان نصبًا وجب أن لا يتناول الفرع أيضًا بلفظه لذلك وأن القيدين مراد أن ثمة أيضًا لأن الشمول إذا لم يكن ظاهرًا بأن يكون العام مخصوصًا أو مختلفًا فيه والمستدل أو المعترض لا يراه حجة مطلقًا أو إلا في أقل ما يتناوله كان القياس مفيدًا. ومن شروط الفرع أن لا يتغير حكم الأصل فيه بزيادة وصف أو سقوط قيد وإلا كان إثباتا لا إلحاقًا لا بالظنية فإنها لازمة سواءكان مساواتهما في عين الحكم كقياس الإمامين القود في المثقل عليه في المحدد أو في جنسه كقياس الولاية على الصغيرة في نكاحها عليها في مالها لاتحادهما في مطلق الولاية التي هى سبب نفاذ التصرف المتنوع في التصرفين.

فروعنا: 1 - لا يجوز قياس الشافعي رضي الله عنه المسلم الحال على المؤجل لا لقوله بمفهوم الغاية إلزامًا كما قيل لجواز مخالفة القياس المفهوم سيما في خبر الواحد عنده بل لأن ترخيص الشارع إياه مع الأجل بعد اشتراط مقدورية التسمليم في جواز البيع معناه نقله إليه لتخلف القدرة الاعتبارية بالأجل الممكن من الكسب عن الحقيقية فكان رخصة نقل كان الأصل موجود حكمًا فلو صح القياس تغير حكم الأصل لأن سقوط خلفه كسقوطه فصار كتعليل التيمم بحيث يؤدى إلى إسقاط الطهارة. له أولًا: أن موجب العقد ثبوت الملك واشتراط البدل حالًا تقرير له لا تغيير. قلنا: المراد بالتغيير تغيير معناه لا موجبه. وثانيًا: أن معنى الترخص فيه يحتمل سقوط مؤنة إحضار المبيع ودفع حاجة الإفلاس والأول أولى إما لأن قوله ورخص في السلم مبنى على قوله نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان وعند للحضرة لا الملك. وإما لجواز بيع من له أكرار من الحنطة سلمًا مؤجلا. قلنا: التسليم إذا لزم عقيب العقد لزمه إحضاره فلا ترخص بحسب الأول على أن إقدامه على السلم دليل أن ما عنده مستحق بحاجة أخرى بمنزلة العدم كالماء المستحق للشرب في التيمم ولأن الشرع لبطون العدم أقام الإقدام على البيع بأوكس الأثمان مقامه فأدير عليه كالسفر. وثالثًا: لا يصح الأجل خلفًا عن القدرة لأنها تشترط سابقة على العقد وهو حكم لاحق ألا يرى أنه لو أسقط عقيب العقد لم يفسد أو مات المسلم إليه عقيبه انقلب حالًا. قلنا القدرة شرط توجه الخطاب بالتسليم وقت وجوبه وذا بعد العقد وعدم فساده بسقوطه بعده لتمام العقد بشرائطه وهو المعتبر في القدرة التي هى أصله كما إذا أبق العبد بعد البيع قبل القبض. 2 - ولا الحاقه نحوًا كل المكره والخاطئ بالناسي بجامع عدم القصد لأن عدمه غير مؤثر في وجود الصوم مع عدم ما ينافيه من فوات الركن كمن لم ينو صوم رمضان جاهلا به ومن يأكل فمع وجوده أولى. وفيه بحث فإنه جعل عدم القصد إلى المفطر مؤثرًا في عدم الفساد لا في وجود الصوم فأتى بهدمه إن عدم القصد إلى الصوم غير مؤثر في وجوده بل ذلك لعدم النية إليه وهذا لعدم النية إلى هدمه.

ويمكن أن يقال المقصود أن العدم لا يؤثر فلا يصلح علة والباقى سنده. ولئن سلم فعدم القصد إنما يؤثرفي عدم ما يعتبر في وجوده القصد والمنافي ليس كذلك كما في الكلام في الصلاة. ولئن سلم فالنسيان غريزى في الإنسان فهو من قبل صاحب الحق لاهما وأما نسبته إلى الشيطان في قوله تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63] فلكون وسوسته سببًا للغفلة التي يخلق الله تعالى عنده النسيان لا لأنه فعله على أن الاحتراز عنهما ممكن بالالتجاء إلى الإِمام والتثبت وهل. هو إلا كإلحاق المقيد بالمريض فالحق أنه منصوص على غير معقول فثبت أنه جعل بالإلحاق البقاء الغير المعقول للصوم معقولا وهذا يناسب الأول أو طريان المنافي من قبل صاحب الحق طريانًا مطلقًا أو من قبل غيره فهذا تغييره. 3 - ولا إلحاقه النقود في المعاوضات في التعين بالتعين بالسلع بجامع أن تصرف من أهله مضافا إلى محله مقيدًا بنفسه لاكما اشترى عبد نفسه بل كما اشترى رب المال عبد المضاربة ولذا تتعين في الودائع والغصوب والوكالات والمضاربات والشركات فإنه تغيير لحكم الأصل لأن حكم البيع في الأعيان تعلق وجوب ملكها به لا وجودها بل هو قبله شرط صحته وفي الأثمان تعلقهما به لوجوه ثلاثة ثبوتها ديونًا في الذمة بلا ضرورة مرخصة كالسلم وجواز الاستبدال بها وهي ديون غير مجعولة كالأعيان في غير السلم وعدم جبر نقص دينيتها لو كان الأصل عينيتها بوجوب قبض ما يقابله من المبيع في المجلس كما وجب لذلك قبض رأس المال في السلم فلو تعينت بالتعيين انقلب الحكم شرطًا. لا يقال أصالة الدينية في الجملة لا تنفى أصالة العينية عند التعين كما في المكيلات والموزونات والنقرة لأن الموجب الأولى لا يتغير بالتعيين الطارى لا سيما والعين أقوى لأنها للغرر أبقى وملكها أكمل من الدين أما في الصورة المدَّكورة فالتعين تمييز لإحدى جهتى الشبهين فإن لها وفي نفسها أعيان شبه الأثمان من حيث إنها قيم أنفسها شرعًا وعرفًا ولذا لا تقوم عند الإتلاف إلا بأنفسها ما أمكن وفي الوكالة منع لأن شراء الوكيل لا بعين تلك الدراهم بل بمثلها في الذمة معتبر على الموكل وبهلاكها بعد الشراء يرجع عليه بطلان الوكالة بهلاكها قبله لعدم رضاء الموكل يكون الثمن في ذمته أما في غيرها من الوديعة والغصب والتبرع فلا تغيير لموجب العقد إذ لا يمكن ورودها إلا على العين فكذا يتعين به. 4 - ولإلحاقه كفارة الظهار واليمين بالقتل في شرط الإيمان بجامع أنه تحرير في تكفير فإنه تغيير له في الفرع لأن تقييد المطلق تغيير لإطلاقه كعكسه.

وبحث في هذين بأن تغييرهما لحال الفرع لا لحكم الأصل. ويمكن الجواب عن الأول بأن حكم الأعيان وجوب التعين لا اشتراط قيامها عند العقد وقد تغير في الأئمان إلى جوازه لعدم اشتراط قيامها وعن الثاني بأن تحرر ألا يخالفه المنطوق جعل بالتعددية تحريرًا يخالفه هو وهذا هو معنى التغيير السابق. ولا إلحاقه الذمى بالمسلم في تجويز الظهار بجامع أنه من أهل الحرمة كالعبد وإن لم يكن من أهل التكفير بالمال فإنه تغيير للحرمة المتناهية بالكفارة في الأصل إلى إطلاقها فيه لأنه ليس من أهل الكفارة التي فيها معنى العبادة والعبد من أهل العبادة وفقره لا ينافيه كالفقير. 6 - ولا إلحاقه ما لا معيار له بالداخل لخته في الربا بجامع كونه طعامًا فإنه تغيير للحرمة المتناهية وضعًا بالتساوى في المعيار إلى المطلقة عنه أي أن تمسكوا بالقياس لا بعموم الطعام، وإلا فالجواب ما عرف فيه. ومنها أن يكون نظير الأصل ومساويًا له في العلة فيما يقصد المساواة فيه من عين العلة كقياس المثلث المسكر على الخمر بجامع الشدة المطربة من ذلك الشجر أو جنسها كقياس الأطراف على القتل في القصاص بجامع الجناية المشتركة بين الاتلافين المختلفين حقيقة. فروعنا: لا يعلى حكم النسيان إلى الخطأ والإكراه لضعف عذرهما ولا حكم التيمم إلى الوضوء في شرط النية لأنها من تلويث إلى تطهير ولا إيجاب الكفارة من جماع الأهل إلى جماع الميتة والبهيمة ولا الحد من الزنا إلى اللواطة ومن الخمر إلى النبيذ لأنها ليست نظائر في الشهوة والحاجة إلى الزاجر للأذى وعدم استدعاء القليل الكثير أما تعديتنا حرمة المصاهرة من الوطئ الحلال إلى الحرام وليس نظيره في الكرامة فلأن الأصل في تلك الحرمة الولد المستحق للكرامات من الشهادة والقضاء والولاية إذ لكونه مخلوقًا من مائيهما حل الوطئ أو حرم تعدت إليهما كأنهما صارا شخصًا واحدًا ثم تعدت إلى سببه وهو يعمل بمعنى الولد ولا حرمة فيه كالتراب بمعنى الماء فصار كمعديتنا حكم البيع إلى الغصب في الملك وليس نظيره في المشروعية لأن سببيته متابعة لوجوب الضمان فيثبت بشروطه واحتياط النسب لا بمثل احتياط الحرمات التي أقيمت الأسباب فيها كالنكاح وتجدد الملك والنوم مقام المسببات من الوطئ والشغل والحدث فلزمه بالأية والحديث قطعه من الزدى حال الاشتباه والنزاع خوفًا عن الضياع.

ولم يتعد هذه الحرمة إلى إخوة الزوج وأخوات الزوجة لأن الحاصل ههنا حرمة مؤبدة وحرمتها بالنص مؤقته وتغيير الأصول بالتعليل باطل. ومنها أن لا يكون الفرع منصوصًا عليه لا إثباتًا وإلا ضاع القياس ولا نفيًا وإلا لم يجز والأشبه جوازه إثباتًا بلا تغير لتأيده به وهو مختار مشايخ سمرقند والإمام الرازى لجواز تعدد العلل فإن الشرع قد ورد بآيات وأحاديث على حكم وملاء السالف كتبهم بالتمسك بالنص والمعقول معًا. لهم حديث معاذ رضي الله عنه حيث عدل إلى الاجتهاد بعد فقده وقرره الرسول عليه السلام. قلنا الشرط فيه إخراج مخرج الغالب فلا يفيد عدمه عدم الحكم اتفاقًا فكفارة القتل العمد أو ديته واليمين الغموس يبطل قوله عليه السلام: حفس من الكبائر لا كفارة فيهن وعد منها إياهما وشرط التمليك في طعام الكفارة والإيمان في كفارة اليمين والظهار والأيمان في مصرف الصدقات اعتبارًا بالخطأ والمنعقدة والكسوة والقتل والزكاة تغيير لنصوصها بالتقييد كما مر. ومنها أن لا يكون متقدمًا على حكم الأصل والإلزام ثبوته قبل علته لأنها مع الأصل المتأخر والمتقدم على ما به الشىء متقدم عليه ويندرج تحت التعدية لاستدعائها تقدم المعدى عنه مثاله قول الشافعي رحمه الله الوضوء والتيمم طهار ثان فكيف يفترقان وأول بأنه لا لزام الخصم لا لإثبات الحكم وهو شيء لكنه تسوية بين التلويث والتطهير. ومنها شرط لأبي هاشم ثبوته بالنص في الجملة دون التفصيل فالقياس كجلد الخمر بلا تعيين عدده فيقاس على القذف لذلك وهو مردود لقياسهم أنت على حرام ولا نص فيه أصلًا على الطلاق أو الظهار أو اليمين. بقى من شروط الأصل ما جعلوه رابعًا وهو أن لا يغير التعليل حكم نصه في نفسه وهذا غير تغيره بالتعليل في الفرع كما تغير الأجل المذكور في حديث السلم وقد مر أن إيجاب المباح يصرف إلى قيده بإلحاق الحال به وتغير تنصيص العدد في خمس من الفواسق بإلحاق السباع الغير المأكولة بها للإيذاء طبعًا كما فعلهما الشافعي رحمه الله وتغير تقدير خيار الشرط بثلاثة أيام بإلحاق الإمامين ما فوقهما بها بجامع التروى وتغير ربوية الملح المنصوص لو علل بالقوت كما فعله مالك رحمه الله وتغيركون الجلد كل الجزاء لفائه فإنه اسم الكافي بإلحاق النفى به لصلوحه زاجرًا من الزنا كهو كما لو زاده بخبر الواحد وإما غيرها مما ذكره فخر الإِسلام رحمه الله من أمثلته كتغير إطلاق الإطعام باشتراط التمليك

كما في الكسوة وكذا كل ما فيه تقييد المطلق وتغير التأييد في رد شهادة القذف بقبولها في بعض الأبد وهو ما بعد التوبة كما في غيره من الفسق وتغير اشتراط العجز عن إقامة أربعة من الشهداء بردها بنفس القذف وتغير أمر التثبت بإبطال الشهادة والولاية بالفسق كالصبا والرق فإنما يصح إيرادها لو أريد به تغيير مطلق النص أعم منه في الأصل أو في الفرع غير أنه بمنع عن الحمل عليه أمران عد صور تقييد المطلق من أمثلة الشرط الذي قبله وتقييده النص في هذا الشرط بقوله في الأصل عند ذكرها محمَّد. نقوض وأجوبة: 1 - خصصتم القليل كالحفنة بالحفنتين عن عموم الطعام في حديث الربا بتعليل بالقدر. قلنا لأنه (إلا سواء بسواء) على عموم الصدر في التساوى والتفاضل والجزاف لأن استثناء حال التساوى أي كيلا لأنه المراد عرفًا في المكيلات مثلا من الأعيان حقيقة باطل والمنقطع مجاز فهو مفرغ له مستثنى منه عام مقدر كآيتى: {إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] {إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54] ومن جنسه لمسائل الجامع فيحنث في إن كان في الدار إلا زيد بالصبي والمرأة لا بالثوب والدابة وفي إلا حمار بحيوان آخر لا ثوب ولي إلا ثوب بكل شيء يقصد بالسكنى أو الإمساك لا بسواكن البيوت استحسانا فيختص عموم الصدر بالكثير الداخل تحت القدر بالإشارة الموافقة للتعليل لا به فذا كقولك لا تقتل حيوانًا إلا بالسكين لا يدخل نحو البرغوث تحته. 2 - غيرتم إطعام عشرة مساكين حين جوزتم الصرف بالتعليل بالحاجة إلى واحد عشرة أيام وغيرتم به إيحاب عين الشاة وحق الفقير في الصورة بتجويز دفع القيمة وإيجاب صرف الزكاة إلى الأصناف المسمين وحقوقهم الثابتة بلام التمليك كما في الوصية لهم بتجويز الصرف إلى واحد. قلنا كل ذلك بإذن الله الثابت بدلالة النص والمعنى دفع الحاجة وقيل باقتضائه ولكل وجهه بيانه أن لا حق للفقراء في الزكاة لأنها عبادة محضة ولحل تصرف المالك بعد الحول من وطئ جارية التجارة والأكل وغيرهما لا كالمشترك فالواجب الله تعالى كما ورد في الحديث وقد أسقط حقه صورة وإن ذكرها تيسيرًا على المؤدى بوعده أرزاق الفقراء وإيجابه ما لا مسمى على الأغنياء وأمره إياهم بإنجاز المواعيد المختلفة منه ومثله يكون إذنًا بالتصرفات التي بها تندفع الحاجات السانحة عرفًا كالاستبدال والدفع لحاجات محتاج واحد.

وإنما علة الشاة بعد هذا بدفع حاجة الفقير أو بالتقويم إذ به يندفع الحاجة فعدينا حكمها إلى القيم وسائر الأموال وإن ثبت الاستبدال بالدلالة لحكم شرعي آخر حادث هو صلوحها للصرف إلى الفقراء بدوام يدهم لحاجتهم بعد ما صار قربة بابتدائها وتمكن الخبث فيها كالماء المستعمل وقدكانت باطلة في الأمم الماضية ولذا حرمت على بني هاشم وهذا غير مستفاد لا بأصل الخلقة ولا من جواز الاستبدال إذ معناه جوازه إيفاء كل ما يصلح للصرف فتعيين كل متقوم غير الشاة لذلك بالتعليل كما أن تعيينها بالنص ولم يبطل بالتعليل هذا المعنى عن المنصوص والذي بطل من تعيين الشاة فبالنص فالإبطال مع التعليل لا به وإذا ثبت أنها حق الله تعالى وقد مر أيضًا أن ليس المراد جميع الفقراء إجماعًا بل جنسهم من غير إرادة الإفراد علم أن اللام في الفقراء ليس للتمليك الموجب للتوزيع بل للعاقبة كآية {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} [القصص: 8]، ولاختصاصهم بالصرف كيف وقد أوجبت لهم فعلة الحاجة بعد ما صار صدقة فقال إنما الصدقات، لا إنما الأموال فلا حق لأحد منهم قبل الصرف فهم مصارف لحاجتهم وأسماء الأصناف أسباب الحاجة فالمعتبر نفسها لا أسبابها وفيها الكل والجزء سواءكاستقبال الكعبة. 3 - غيرتم التكبير الواجب بالنص حين جوزتم افتتاح الصلاة بسائر كلمات التعظيم تعليلا بالثناء. قلنا: الواجب ليس عين التكبير اعتبارًا بسائر الأعضاء وإذ ليس معنى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3]، وربك فقل الله أكبر لعدم صحته بل عظم والفرق بأن الكبرياء رداء فهي للظهور والعظمة إزار فللبطون لا يقدح لأن وظيفة العبد الوصفي بهما لإثباتهما وفيه سواء بل الواجب تعظيم الله بكل جزء من البدن بفعله اللائق ومنه اللسان فوجب فعله والتكبير آلته فالتعدية إلى سائر الإثنية الخالصة تقررحكمه لأن المتبدل هو الآلة لا الواجب ككلمة الشهادة في الإيمان بأى لسان كان بخلاف القراءة لأن للفظها فضيلة ليست لغيره والأذان لأن الموضوع للإعلام ألفاظه المخصوصة. 4 - غيرتم تعيين الماء بالتعليل بالإزالة حين جوزتم تطهير النجس بسائر المايعات. قلنا: الواجب إزالة النجاسة ولو بالإلقاء أو القرض أو الاحراق والماء آلتها وكل مايع ينعصر مثله فالتعدية إليه تقرره قيل تطهير الماء حسي أو طبيعي فكيف يعدى. أجيب بأن المعدى عدم تنجيسه بالملاقات إلى أوان المزابلة فإنه شرعي. وفيه بحث لأنه غير معقول فالأولى أنه لازمه وهو صلوح المحل للتلبس به حال المناجاة، أما الحديث فلكونه مزالا غير معقول لا يمكن إثباته في حق غير الماء بل وإن

الفصل الثالث: في أركانه

كان معقولا لأن الماء مباح لا يبالي بنجسه وحرمة الانتفاع به بعد إلاستعمال بخلاف سائر المايعات ففيها خرج عطم فلا يمكن إلحاقها به ولا دلالة بخلاف الخبث فإن إزالته معقولة ولا يضر لزوم أمر غير معقول له وتعديته في ضمنه كما مر وهو أن لا ينجس كل ماء وصل إليه لا يقال فليشترط النية في الحديث كما في التيمم لأنها شرط الفعل وهو أي التطهير بالماء معقول أي من حيث هو تطهير وغير المعقولية في المحل بخلاف التراب لأن فعله تلويث إلا بالنية أو لأنه بعد النية كالماء ثم لا نية وأما مسح الرأس فلما أقيم مقام الغسل أخذ حكمه فلم يشترط له النية قيل في جوابي المسألتين بحث ووجه بأن فيهما جعل كل الألة بعضها وأقول لا كلام في جوازه إذا تحققت الآلية إذ شأن الآلة أن لا تقصد لعينها بل البحث طلب التمييز بين الركن والألة ليسلم جواز التغير بالتعليل فيها لا فيه. الفصل الثالث: في أركانه أركان الشىء أجزاؤه الداخلة في حقيقته المحققة لهويته والمشهور أنها للقياس أربعة: الأصل والفرع وحكم الأصل والجامع أما حكم الفرع فيمر به والأصل هو المحل المشبه به كالبر وقيل حكمه كحرمة فضله. وقيل دليله وهو الحديث والأشبه الأول لاستغناء المحل عنهما وافتقارهما إليه وعليه نجرى والفرع المحل المشبه وقيل حكمه وهو الحقيقة والأول مجاز لا دليله لأنه عين القياس والنزاع اعتبارى وما قال بعض المحققين من أن الجامع أصل للحكم في الفرع إذ يعلم بثبوته وفي الأصل بالعكس إذ يستنبط بعد العلم به فيرتد بالأصل ما يبتنى عليه. وقال فخر الإِسلام ركنه ما جعل علمًا على حكم النص من وصف أي حقيقة أو تأويلا يشتمل عليه النص بصيغته كالقدر والجنس أو لا بها كالعجز عن التسليم في النهي عن بيع الآبق وجعل الفرع نظيرًا للأصل في الحكم بوجوده فيه وإنما قال ركنه ما جعل علمًا ولم يقل ما جعل علمًا ركنه لأنه لم يعتبر الأركان الأُخر إما لأنه آخر الأركان ويستلزم وجوده وجودها فيضاف الحكم إليه كالقدح المسكر وإما لأنه المؤثر فكأنه هو الركن ادعاء. وفيه تنبيهات: 1 - أن القياس معرفة علة المنصوص والتعدية تمرته. 2 - أن العلة علم وأمارة للحكم والمؤثر في الحقيقة هو الله تعالى وهو رد على المعتزلة في أن العلل عندهم مؤثرات حقيقية كالعقلية لقولهم بالوجوب على الله تعالى ورعاية الأصلح فالقتل العمد العدوان موجب عندهم شرع القصاص عليه تعالى وعندنا كما أن

آثار العلل العقلية مخلوقة لله تعالى ابتداء ومعنى تأثيرها جريان سنة الله تعالى بخلقها عقبها كذا العلل الشرعية أمارات لإيجاب الله تعالى الأحكام عندها وإن كانت مؤثرة بالنسبة إلينا بمعنى نوطه المصالح بها تفضلا وإحسانًُا حتى من أنكر التعليل فقد أنكر النبوة إذ كون البعث لاهتداء الناس وكون المعجزة لتصديقهم لازمها فمنكره منكرها لكن لا لأنه لو لم، ينطها بها لكان عبثًا وإلا لوجب عليه وإنما يصير عبثًا لو لم يترتب عليه المصالح وليست أغراضًا فقيل لأنه لم يشرع لقصد حصولها وإنما حصلت بعده بإرادتها وإلا كان مستكملا ححيث ترجح أحد طرفيها بالنسبة إليه لا يقال الأولوية بالنسبة إلى العباد مرجحة لأن ترجيحها ليس بالنسبة إليه تعالى وإلا كان أولى بالنسبة إليه ولا نعنى بالاستكمال إلا ذلك وقيل لأن الغرض من الشىء ما لا يمكن تحصيله إلا بطرقه تلك وليس حصول شيء ما بالنسبة إلى الله تعالى كذلك وإن جاز قصد تحصيل مصاع العبد وأيًا كان فتلك المصالح حكم لا أغراض والتعليلات الواردة مثل {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، على الثاني حقيقة وعلى الأول استعارة تبعية تشبيهًا لها بالأغراض والبَواعث. 3 - أن إضافة حكم الأصل إلى العلة من حيث إنها علم معرف وإلا فالمثبت هو النص وبه يعرف الفرق بين العلة والدليل فالعلة ما شرع لأجله الحكم من الحكم ولا بد من وحدتها في الأصل والفرع والدليل في الأصل إما النص أو الإجماع وفي الفرع القياس. 4 - أن العلة القاصرة لا تصح ركنًا له. 5 - أن القوم اختلفوا في تعريف العلة فاختار أنه المعرف وهو هو وقيل الموثر قبل الباعث لا على سبيل الإيجاب واعترض على الأول بأنه غير مانع لأن العلامة المحضة كما لأذان كذلك. والجواب أنها معرف الوقت أو مطلق الحكم من حيث هو والكلام في معرف حكم الأصل من حيث هو حكم الأصل قيل مجرد الأمارة لا يصلح لذلك حتى تكون حكمة أو مظنة أي مشتملا عليها وكلاهما يسمى باعثًا وذلك لأن التعريف في المنصوص بالنص وفي المجمع عليه بالإجماع بقى المستنبطة وهي لا تعرف إلا بثبوت حكم الأصل فلو عرف هو بها لزم الدور. قلنا: ولا تعريف النص والإجماع الوجوب مثلا الدلالة على طلب الايقاع وإلزامه منوط بالعلة وتعريفها اقتضاء اشتغال الذمة به ولزوم الوقوع عندها فالمعرفة بهما السابقة غير المعرفة بها اللاحقة ولا تلازم بينهما لجواز وجود الأول بدون الثاني لو لم يتحقق المناط وبالعكس لو كان اللزوم عقليًا فذا كفرق ما بين وجوب الأداء ونفس الوجوب

حيث قالوا الأول بالخطاب والثاني بالسبب فغير المستنبطة في هذا كهي بعد ما عرف أن جميع الأحكام منوط بالأسباب وجوبًا أو تفضلا. وثاينًا: تتوقف المستنبطة على ثبوت الحكم من حيث أنه حكم ما منوط بعلة ما ومن حيث أنه معلول وانتهض الدليل على معلوليته وتوقفه عليها من حيث تعينه المستفاد من نسبة خاصة بينهما ومن حيث ذاته بلا ملاحظة معلوليته. وثالثًا: تعريفها إياه من حيث تعديته لأنها شرط التعليل من وجه وغرضه من آخر أو من حيث البعث المقصود منه وغير لازم منه أن يكون الباعث حقيقته وتعريفه إياها من حيث الوجود وهذا عند التفصيل خمسة أجوبة بل الأولى ما عنده لأن تأثير المعنى كعدالة الشهادة وهي غيرها وشرط قبولها والثاني إنما يصح على مذهب المعتزلة لأن المطلق ينصرف إلى الكامل إلا أن يقيد بالنسبة إلينا وكذا الثالث لأنه باعث بالنسبة إلينا للشارع على الشرع لا في الحقيقة كما مر وبعثه اشتماله على تحصيل مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تنقيصها ويسمى مناسبة والباعث مناسبًا وسيجىء تقسيمه باعتبارات ثلاث وقيل ما يروى أن حكم الأصل ثابت بالنص عند مشايخ العراق والشيخين وبالعلة عند علم الهدى والشافعى نزاع لفظي إذ يعني ثمة أنه المعرف وهنا أنها الباعثة أو المؤثرة والتحقيق ما ذكرنا من اختلاف التعريفين والبعث والتأثير شرطان لقبولها. وفيه مباحث: 1 - أن الأصل في النص قبل عدم التعليل إلا بدليل كما فيما له علة منصوصة أما لأن التعليل بجميع الأوصاف يسد القياس وبكل وصف يتناقض وبالبعض يحتمل ولا ثبوت مع الاحتمال وكان الوقف أصلًا. قلنا: احتمال العلية تصحيح التعليل به بعد ثبوت حجية القياس بدليله وإما لأن الحكم قبل التعليل مضاف إلى النص وبعده ينتقل إلى علته فهو كالمجاز من الحقيقة فلا يصار إليه إلا لدليل. قلنا: التعليل لحكم الفرع لا لحكم الأصل أو لإظهار الداعي لا المثبت فإن العلة داعية. وقيل يصح التعليل بكل وصف يصلح للإضافة لما مر من كتابة الاحتمال بعد ثبوت حجية القياس إلا لمانع من تعارض الاوصاف أو نص أو إجماع.

قلنا قد يناقض وقال الشافعي الأصل التعليل لكن لما سقطت الجملة فيؤخذ من الجملة ولأن التعليل بالمجهول باطل لا بد مما يميز العلة من غيرها لأن بعضها متعد وبعضها قاصر فلو علل بكل وصف لزم التعدية وعدمها وهذا أشبه بمذهبه لأن استصحاب الحال حجة ملزمة عنده فالأصل كاف كذا نقل والمضهور بين أصحابه أن الأصل في الأحكام التعبد دون التعليل. وعندنا أيضًا لا بد من دليل يميزها كما قال غير أنه عنده الإخالة وعندنا التأثير وستعرفهما ومن دليل قائم على أنه معلول للحال لاحتمال كونه من غير المعلولة كما أن مجرد الاستصحاب ليس ملزمًا بخلاف اقتداء الرسول فإن موجبه وهو كونه إمامًا صادقًا قائمًا في كل فعل وبعد خصوص البعض المورث للاحتمال في العلم يبقى الباقي بدليله كالنص العام والاحتمال هنا في نفس الحجة لأن النصوص نوعان تعبدى ابتلينا فيه بانقياد ظاهره والوقف ومعلول ابتلينا فيه بالعمل بمعناه أيضًا بعد إلاستنباط مثاله حرمة الفضل في النقدين معلولة لا بقاصرة كالثمنية كما عند الشافعي بل بمتعدية هى الوزن والجنس لتضمن يدًا بيد حكم التعين في البدلين احترازًا عن ربا النسيئة كما وجب المماثلة احترازًا عن حقيقته لأن تعيين أحد البدلين لما شرط في مطلق البيع احترازًا عن الكالئ بالكالئ شرط تعيين كليهما في الصرف احترازا عن شبهة الفضل فإن العين خير من الدين ولذا لم يصح أداء زكاة العين من الدين ولم يحنث في إن كان له مال وليس له إلا الديون. وهذا متعد عنه عنده لشرط التقابض في المجلس في بيع الطعام بالطعام اتحد الجنس أو اختلف وإجماعًا لبطلان بيع بر عين بشعير غير عين حالا وإن كان موصوفا ولوجوب تعيين رأس مال السلم ولقوله عليه السلام إنما الربا في النسيئة. لا يقال وجوب التعيين في هذه المواضع بالحديث أو الإجماع بالتبدى لأنا نقول ثبوت الحكم على وفق الوصف دليل التأثير كما سيجىء وهو يقتضي المعلولية ويتقدم على التعليل لأنه شرطه فلا بد أن يثبت لا به ولا نعنى بالتعدى هنا إلا التأثير. وعلم من هذا التعدى في التعيين أنه معلول ولا يمنعه الثمنية فكذا يصح تعليلنا القدر والجنس في حق وجوب المماثلة لأنه مثله في أنه للاحتراز عن الربا بل ربا الفضل أقوى من ربا النسئة لأن الحقيقة أولى بالثبوت من الشبهة وهذا بخلاف تعليل الشافعي رضي الله عنه تحريم الخمر بالإسكار فإن النص يوجب تحريمها بعينها والتعليل ينافيه وليس حرمة سائر المنكرات ونجاستها من باب التعدى ولذا لم يثبتا كما يثبتا في الخمر حتى يكفر مستحل الخمر دونها وغلظ نجاسة الخمر وخففت ولم يجز بيع الخمر إجماعًا وجاز بيعها

عند أبى حنيفة رضي الله عنه لكن بدليل ظني احتياطًا فنظير طعنه بأنه معلول بالثمنية القاصرة طعن الشاهد بالجهل بحدود الشرع فإنه لا يسقط الولاية ونظير طعننا بأنه غير معلول طعن الشاهد بالرق المسقط لها ولا يكفى للدفع هنا أصالة التعليل كما لا يكفى ثمة ظاهر الحرية بل لا بد من البينة على الحرية حالا. تحصيل: إثبات معللية النص إما بالنص منطوقه أو فحواه وإما بالإجماع وإما بالتعليل المنتهى إليهما دفعًا للتسلسل وبذا يثبت التأثير أيضًا كما سيجىء. الثاني: أن العلة جاز أن تكون وصفًا إما لازمًا كالثمنية لزكاة الحلي فقد خلقت لها والطعم للربا عنده وإما عارضًا كالكيل له عندنا لأنه عادى ويعرض بعد الكثرة واسمًا كخبراته دم عرق انفجر في النقض بدم الاستحاضة والدم اسم جنس والانفجار وصف عارض وأن يكون جليًا فهم عليته من النص كالطوف وخفيًا كالقدر والجنس وحكمًا شرعيًا كالدينية في حديث الخثعمية وكون المدبر مملوكًا تعلق عتقه لمطلق موت المولى كأم الولد وفردًا وعددًا كما في الربا عندنا ومنصوصًا منطوقًا كالطواف أو مفهومًا وغير منصوص لكن لازمًا منه خبر أنه عليه السلام رخص في السلم معلول بإعدام العاقد لو علل لا بعدم حضور السلعة كما ظنه الشافعي رضي الله عنه لما مر وخبر النهى عن بيع الآبق معلول بالجهالة أو العجز عن التسليم وكخبر سقوط الفأرة في السمن معلول بمجاورة النجاسة وكتعليل الشافعي رضي الله عنه بطلان نكاح الأمة على الحرة بإرقاق جزء منه من غير ضرورة فعداه إلى نكاح الأمة مع طول الحرة. وإنما استوت هذه الوجوه في صحة التعليل لأن مصححه وهو التأثير لا يفصل. ثم اشتهر الخلاف بين الفقهاء في اثنين من هذه الوجوه: 1 - في كونها حكمًا شرعيًا فيجوزه من يجوز كونها إمارة مجردة وبعض من يشترط الباعث للدوران وأنه لا يفيد الظن كما سيجىء وقيل: لا يجوز لاستلزام تقدم العلة نقضها وتأخرها استحالة عليتها ومعيتها التحكم. قلنا: لا نعلم التحكم للمناسبة وغيرها. وقيل: إن كان بعثها لتحصيل مصلحة يقتضيها الحكم الأول جاز لمحعلية نجاسة الخمر لبطلان بيعها تحصيلا للمنع عن الملابسة الذي يناسبه النجاسة لا إن كان الدفع مفسدة يقتضيها الحكم الأول لأن الحكم المشروع لا يكون منشأ مفسدة. قلنا لما لا يجوز أن يشتمل على مصلحة راجحة أو يندفع مفسدته بحكم آخر ليبقى المصلحة خالصة.

مثاله أن حد الزنا يقبل مشروع لمصلحة حفظ النسب. ثم إن فيه المبالغة في الشهادة عددًا وشرطًا للذكورة وأداء دفعًا لمفسدة كثرة الإهلاك أو الإيلام الشديد والحكم الأول وإن اشتمل على هذه المفسدة فمصلحة حصول حفظ النسب بالزجر أرجح أو لما اندفعت مفسدته بالحكم الثاني بقيت مصلحته خالصة. 2 - في كونها عدد كالقتل العمد العدوان وشرط قوم وحدتها. لنا عدم الامتناع وتأتى مسالك العلية كما مر فالفرق تحكم. لهم أولًا أن علية المجموع صفة زائدة لإمكان تعقله بدونها ولحاجتها إلى النظر فإن لم تقم بشىء من أجزائه فليست صفة وإن قامت كل جزء أوبجزء واحد فهو العلة لا المجموع هف أو بالمجموع فله جهة وحدة لأن العلة واحدة فالكلام فيها كما في العلية فتسلسل. قلنا: بعد النقض بنحو الخبر والاستخبار معنى علية العلة قضاء الشارع بثبوت الحكم عندها فهو صفة للشارع لا لها ولئن سلم فاعتبارية لا وجودية وإلا لزم من قيامها بالوصف وإن كان بسيطًا قيام المعنى بالمعنى تحقيقهما ما مر أن الحكم خطاب الله تعالى وليس للعقل منه صفة حقيقية إذ لا يلزم من تعلق الشىء بشىء وصفيته له كالقول المتعلق بالمعدومات. ومنه يعلم فساد القول بأن الحكم حادث لكونه صفة فعل العبد الحادث. وثانيًا: أنها لو تعددت فعدم كل جزء علة لانتفاء صفة العلية لأنها بالمجموع لكن إذا عدم وصف ثم آخر فعدم الثاني ليس علة له لأن إعدام المعدوم تحصيل الحاصل. قلنا: انتفاء الشىء لعدم شيء لا يقتضي عليه عدمه له لجواز كون وجوده شرطًا وعلة العدم عدم العلة. ولو سلم فالإعدام ليست عللا عقلية إنما هى أمارات فلا يعد في اجتماعها مرتبة تارة وضربة أخرى كالبول بعد اللمس في الشرع. ذنابة: حكم العلة إما واحد كحرمة الربا أو أكثر كحرمة القراءة ومس المصحف وأداء الصلاة والصوم للحيض ومنها ما هو علة ابتداء وبقاء كالرضاع أو ابتداء فقط كالعدة تمنع ابتداء النكاح لا بقاءه إذ لو وطئت منكوحة بشبهة تخب عدة الشبهة فتحرم على زوجها الاستمتاع فيها مع بقاء النكاح. الثالث: في مسالك العلية فمنها صحيحة ومنها فاسدة أما الصحيحة فالأول الإجماع لني عصر وإنما يتصور الاختلاف فيما ثبت به إذا كان ظنيًا أما ثبوته كالثابت بالآحاد

والسكوتى أو وجود الوصف في الأصل أو الفرع أو معارضًا في الفرع كالصغر علة لولاية المال إجماعًا فكذا للنكاح. الثاني: في النص فإن دل بوضعه فصريح وإن لزم ذلك فتنبيه وإيماء وأقوى مراتب الصريح ما صرح فيه بالعلية مثل قولهم لعلة كذا وقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا} [المائدة: 32] و {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} [طه: 40] و {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ} [الإسراء: 75] ثم ما كان ظاهرًا فيها بمرتبة واحتمل غيرهاكلام التعليل وباء السببية وأن الداخلة على ما لم يبق للمسبب ما يتوقف عليه سواء فقد يجىء للعاقبة ونحو المصاحبة ومجرد الاستصحاب والشرطية. ومنه أن بالفتح مخففًا ومثقلا بتقدير اللام فإن التقدير تصريح. ثم الظاهر بمرتبتين كان في مقام التعليل نحو {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، وأن ذاك النجاح في التبكير وأنها من الطوافين لأن اللام مضمر والمضَمر أنزل من المقدر. وقيل إيماء لأنها لم توضع للتعليل بل لتقوية وقوع مطلوب المخاطب ومترقبه ودلالة الجواب على العلية إيماء والأول أصح لما قال عبد القاهر أنها في هذه المواقع تغنى غناء الفاء وتقع موقعها وكفاء التعليل في لفظ الرسول عليه السلام دخل الوصف نحو لافإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دمًا" (¬1) أو الحكم والجزاء نحو {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]. وسره أن الفاء للترتيب والباعث مقدم عقلا متأخر خارجًا فجوز ملاحظة الأمرين دخول الفاء على كل منهما فالفاء لم توضع للعلية بل للترتيب ثم يفهم منه العلية بالاستدلال. ومنه يعلم بطلان ما في المحصول أن قوله فإنه يحشر ملبيًا إيماء فإن العلية تفهم من الفاء لا من الاقتران. ثم الظاهر بمراتب كالفاء في لفظ الراوي نحو سهى فسجد زاد هنا احتمال الغلط في الفهم لكنه لا ينفى الظهور لبعده. أما مراتب الإيماء فضابطتها كل اقتران بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (5/ 240) ح (3029)، وقال حسن غريب، وسعيد بن منصور في سننه (4/ 1318، 1319) ح (661)، والنسائي في الكبرى (3/ 388) ح (3468) والطبراني في الأوسط (1/ 334) ح (766)، والطراني في الكبير (10/ 187) ح (10407).

بعيدًا فيحمل عليه دفعًا للاستبعاد. مثال: العين المواقعة في حديث الأعرابي لأن إبرازه الأمر بالتكفير في معرض الجواب إذ لولا أنه جواب لزم خلو السؤال عنه وتأخير البيان عن وقت الحاجة يجعل في معنى واقعت فكفر وذا للتعليل غير أن الفاء مقدرة سياقية وفيه احتمال عدم قصد الجواب وإن بعد آخر قوله عليه السلام لابن مسعود رضي الله عنه وقد توضأ بماء نبذت فيه تميرات لتجتذب ملوحتها "تمرة طيبة وماء طهور" تنبيه على تعليل الطهور به ببقاء اسم الماء. تمهيدان: 1 - قد يجرى تنقيح المناط فيه أيضًا وهو كما سيجىء حذف بعض الأوصاف والتعليل بالباقي كحذف كونه أعرابيًا، فإن أصناف الناس في حكم الشرع سواسية وكون المحل أهلا لها فإن الزنا أجدر به وكونه وقاعًا إذ لا مدخل لخصوصيته بقى كونه إفسادًا. ومنه يعلم أن فهم العلية من عين المذكور أعم من فهم علية عين المذكور أو ما يتضمنه. 2 - أن نحو الفاء وإذا إذا لم يمنع حذفهما من فهمهما يعدان إيماء لا تصريحًا كما سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص إذا جف؟ قالوا نعم قال فلا إذن. ومثل النظير حديث الخثعمية سألته عن دين الله فذكر نظيره وهو دين الأدمي ويسمى هذا تنبيهًا على أصل القياس أما حديث المج لسؤال عمر رضي الله عنه عن قبلة الصائم فقد قيل مثله نبه أن عدم ترتيب المقصود على المقدمة علة لعدم إعطائها حكم المقصود. وقيل ليس بتعليل لمنع الإفساد إذ إنما يصلح له ما يكون مانعًا منه وكونه مقدمة للفساد لم تفض إليه لا يصلح لذلك غايته عدم ما يوجب الفساد ولا يلزم منه وجود ما يوجب عدم الفساد بل هو نقض لما توهم عمر رضي الله عنه أن كل مقدمة للمفسد مفسد. وفيه بحث ومن مراتبه الفرق بين حكمين بوصفين إما بصيغة صفة مع ذكرهما نحو للراجل سهم وللفارسِ سهمان أو ذكر أحدهما نحو القاتل لا يرث وإما بالغاية نحو {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، وأما بالاستثناء نحو {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] وإما بالشرط نحو "مثلا بمثل" فإن اختلف الجنسان فبيعواكيف شئتم وإما بالاستدراك نحو {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] فلا شك في إيراثها ظن العلية وإن لم يكن دلالة. تنبيه: فهم العلية لا تستلزم القياس كما في آية السرقة والزنا وحديثه إذ كل سرقة

موجبة للقطع بالنص لا بالقياس ولا كون العلة متعدية لأن المنصوصة ولو بالإيماء جاز كونها قاصرة اتفاقًا كما في {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، وآيتى السرقة والزنا وغيرها. ومنها ذكر الشارع مع الحكم وصفًا مناسبًا له مثل: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬1) تنبيه على علية الغضب لشغله القلب وتشويشه النظر ونحو أكرم العلماء وهذا إيماء اتفاقًا أما ذكر أحدهما فقط كالوصف في {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] والحكم في أكثر ما يستبط منه العلل نحو حرمت الخمر فقيل إيماء يقدم عند التعارض على المستنبطة وقيل لا وقيل ذكر الوصف إيماء دون ذكر الحكم وهو المختار لأنه من أقسام المنطوق ولا بد فيه من كون المدلول حكمًا أو حالًا للمذكرر والنزاع لفظي فالإيماء على الأول اقترانهما ذكرًا لهما أو تقدير لأحدهما وعلى الثاني ذكرًا فقط وعلى الثالث ذكرهما أو ذكر المستلزم للآخر كالعلة للمعلول. تتمة: قيل يشترط مناسبة الوصف المومي إليه في صحة العلية مطلقا. وقيل لا والمختار اشتراطه في القسم الأخير الذي يفهم للمناسبة في الباقي وأعني به شرط فهم المناسبة إذ نفسها لا بد منها في كل علة باعثة. الثالث: السير والتقسيم ويسمى تنقيح المناط تشبيهًا بتنقيح الشىء عن الفضول التي لا جدوى فيها وهو حصر الأوصاف الصالحة للعلية وإبطال ما سوى الذي يدعي أن علة كتعيين الكل لا القوت والطعم في قياس الذرة على البر. وفيه تمهيدات: 1 - أنه يكفيه في بيان الحصر قوله بحثت لم أجد سواها ويصدق لعدالته أو بقول الأصل عدم غيرها. 2 - إن أبدى المعترض وصفًا آخر ككونه خير قوت لزمه إبطاله وإلا لا حصر ولا ينقطع إذ غايته منع مقدمة وقيل ينقطع لظهور بطلان حصره والحق لا لأنه إذا أبطله ثم حصره فله أن يقول لم أدخله في حصرى علمًا مني بعدم صلوحه علة. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 250) ح (997) وابن حبان في صحيحه (11/ 449) ح (5063) وأبو عوانة في مسنده (16914) ح (6402) والترمذي (3/ 620) ح (1334)، وقال: حسن صحيح، والبيهقي في الكبرى (10/ 105)، والدارقطنى في سننه (4/ 206)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 276)، والنسائي في الكبرى (3/ 474) ح (5962)، وابن ماجه (2/ 776) ح (316)، والطبراني في الصغير (2/ 33) ح (731).

وأيضًا ادعى الحصر المظنون أو أنه ما وجد غيره فهو كالمجتهد إذا ظهر خلاف مظنونه. 3 - إبطال كون بعضها علة كالقوت إما بالإلغاء وهو بيان أن الحكم في صورة كذا كالملح بالمستبقى فقط وهو الكيل وليس نفي العكس الذي لا يقيد عدم العلية لأن المراد هنا ليس المحذوف جزء علة وإلا لما كان المستبقى مستقلا بالحكم وكان المراد ثمة ليس المحذوف تمام علة وإلا لما بقى الحكم بدونه. لا يقال فليجعل الملح أصلا ويكفى مؤنة الإبطال إذ الملح مثلا لعلة أكثر مؤنة لأنه يشتمل على أوصاف ليست في البر يحتاج إلى إبطالها وإما ببيان أنه طردي أي من جنس ما علم الغاؤه من الشارع مطلقًا كالطول في القصاص والكفائة والإرث وغيرها أو في ذلك الحكم كالزكاة والأنوثة في العتق دون الشهادة والقضاء والإرث. وإما بعدم ظهور مناسيته ولا يجب ظهور عدمها لأنه يصدق في قوله بحثت فلم أجد لعدالته فإذا قال المعترض فكذا المستبقى لا يلزمه بيان المناسبة وإلا خرج عن تنقيح المناط إلى تخريج المناط بل تعارضًا ولزمه الترجيح كما لو كان علته متعدية فإنها أفيد من القاصرة. وإما بعدم ظهور التأثير لا بظهور عدمه كما مر مثاله أن علة حرمة الربا إما المال أو الاقتيات والادخار أو الطعم أو القدر والجنس إذ لا قائل بغيرها. لا يصلح مطلق المال علة لصحة أنه عليه السلام استقرض بعيرًا ببعيرين والإجماع على جواز بيع فرس بفرسين. قال الشافعي رضي الله عنه ولا الادخار لعموم لا تبيعوا الطعام بالطعام المدخر وغيره. وكذا القدر والجنس لأنه لا يلايم حرمة الربا فيفسد وضعه بخلاف الطعم جيده يشعر بالعزة لأن بقاء البشر والحيوانات به فلا يوجد الزائد فيه مجانًا. وقال مالك رضي الله عنه وكذا الطعم لأنه ما لم يصلح للادخار يكون بمعرض الفساد فلا يشعر بالعزة المؤثرة في ذلك. قلنا قد وجد حرمة الربا بدون الطعم في الأثمان والثمنية قاصرة وبدون الادخار في الملح. لا يتم فساد وضع القدر والجنس لأن المصلحة رعاية غاية العدل وإنما يتحقق فيما فيه المساواة صورة بالقدر ومعنى بالجنس كما مر على أن علتيهما ثابتة بإشارة النص كما مر. ئنبيه: إنما لم يذكره مشايخنا مع صحته طريقًا واستعمالهم إياه كثيرا لأن مآله في

التعيين إلى أحد الباقية من النص أو الإجماع أو المناسبة والتأثير ولأنه يفيد جواز العمل به لا صحة التعليل إلا ببيان تأثير المستبقى كما سيجيء قال الغزالي رحمه الله: النظر في مناط الحكم أي علته إما في تحقيقه أو تنقيحه أو تخريجه. فتحقيق المناط النظر في معرفة وجود العلة المنصوصة أو المجمع عليها في صور أخر ولا خلاف في صحة الاحتجاج وتنقيحه النظر في تعيين ما دل النص أو الإجماع على عليته من غير تعيين بحذف غيره من الأوصاف وقد أقر بهذا أكثر منكري القياس. وتخريجه النظر في إثبات علة حكم نص أو اجمع عليه دون علته وهذا هو الذي نفاه عامة نفاة القياس. تحصيل كلي: التقريب في جميع الطرق الظنية أن يقال بعد إن الأصل في النصوص التعليل إما لما مر وإما لأنه لا بد للحكم من علة وجوبًا عند المعتزلة وتفضلا عند غيرهم وإما لأن كون إرساله عليه السلام رحمة للعالمين يقتضي مراعاة مصالحهم وإما لأنه الغالب في الأحكام إذ التعليل بالصالح أقرب إلى الانقياد من التعبد المحض فيكون أفضى إلى مقصود الحكيم فإلحاق الفرد بالأغلب واختيار الحكيم الأفضى إلى مقصوده هو الأغلب لما دل الدليل على أن هذا النص معلول للحال وقد ثبت ظن العلة وتأثيرها بالمسك فيجب العمل به للإجماع على وجوب العمل بالظن المعتبر شرعًا في علل الأحكام. الرابع: المناسبة ويسمى لخريج المناط لأنه ابداء مناط الحكم وهو تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة بينها وبين الحكم كالقتل العمد العدوان للقصاص والمنالسب وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتب الحكم عليه ما يصلح مقصودًا للعقلاء من حصول مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تنقيصها والمصلحة اللذة كحفظ النفس والطرف في القصاص أو وسيلتها القريبة كدفع الألم أو البعيدة كفعل يوجبه أو الأبعد كالانزجار وكذا المفسدة الألم أو وسيلته وكلاهما نفسي وبدني دنيوي وأخروي فإن كان الوصف خفيًا كالرضاء في المعاملات أو غير منضبط يلازمه ملازمة عقلية أو غيرها كلية أو غالبة أي يكون ترتب الحكم عليه محصلا للحكمة دائمًا أو غالبا فيسمى مظنة كالإيجاب والقبول ثمة ونفس السفر هنا وسن الأول استعمال الجارح في المقئل للقتل العمد العدوان لأن العمدية بالقصد وهو خفي فيناط بما يقتضي عليه عرفا بكونه عمدا وهو جمعتى ما قال أبو زيد ما لو عرض على العقول تلقته بالقبول.

قبل تعريف الجمهور أولى إذ عند المناظرة ربما يقول الخصم لا يتلقاه عقلي به. قلنا مشترك الإلزام والحل فيهما أن المراد بالعقول ما للغالب من الكفيل المنصفين بدليل الإطلاق والاستغراق عرفي. وله تقسيمات ثلاث: 1 - باعتبار فضائه إلى المقصود فهو إما متيقن كالبيع المحلل أو غالب كالقصاص للانزجار إذ الممتنع أكثر ولا ينكرهما أحد أو مساو كحد الخمر للزجر أو مغلوب كنكاح الآيسة لغرض التناس وقد أنكرا والمختار لجواز. لنا أن بيع الشىء مع ظن عدم الحاجة إلى عوضه لا يبطل إجماعًا وكذا السفر مع ظن عدم المشقة كالملك المرفه يسار به في المحفة لسقوط النطفة المرتب عليه منع الوطئ قبله فيما باع مشترى الجارية إياها من البايع في المجلس يجب على الثاني عندنا إدارة للحكم على الممظنة وهو حدوث الملك الغالب فيه احتمال الشغل والغالب كالمتحقق وكذا في المثال الأول خلافًا لعامتهم والشافعى رضي الله عنه إنما قال به في جارية بكر أو ثيب اشتريت من امرأة أو طفل لجحله علة الاستبراء هنا شيئًا آخر. 2 - بحسب مقصوده وهو أنه إما حقيقي لمصلحة دينية كحفظ الدين كما في الجهاد أو لتكميلها كرياضة النفسر وقهرها وتهذيب أخلاقها في سائر العبادات أو دنيوية إما ضرورية كحفظ النفسر والمال والنسب والعرض والعقل في القصاص والضمان وحد السرقتين والزنا والقذف والشرب أو تكميلها كما في حد قليل الخمر لدعائه إلى الكثير بما يورث من الطرب المطلوب زيادته إلى أن يسكر ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وإما حاجية فإما لنفسها كحاجتنا إلى المعاملات للبقاء المقدور ولا ضرورة فيها إذ لا يؤدى فواتها إلى ذوات شيء من الخمسة الضرورية غير أن حاجاتها متفاوتة حتى انتهى البعض إلى حد الضرورة كالإجارة في تريبة الطفل الذي لا أم له وكشرى المطعوم والملبوس فإطلاق الحاجى باعتبار الأغلب ولتكميل الحاجية كوجوب رعاية الكفاءة ومهر المثل لولي الصغيرة فإنه أشد إفضاء إلى دوام النكاح وهو مكمل لمقصوده واما محسنة كسلب أهلية الشهادة من العبد وإن كان دينًا عادلا خطأ لرتبته فإن الجرى بمحاسن العادات اعتبار المناسبة في المناصب وكحرمة تناول القاذورات فإنه قادح في علو منصب الأدمى المكرم وإما إقناعي وهو المنالسب في الوهم لا عند التأمل كنجاسة الخمر لبطلان ببيعها فإنه ينالسب الإذلال والبيع والإعزاز وعنى النجاسة وهو المنع من صحة الصلاة لا يناسب بطلان البيع.

وأقول يمكن رد كل من الحاجية والمحسنة والإقناعية إلى تكميل المصلحة الدينية أو الضرورية أن تنقيص مفسدتها على ما لا يخفى فإن حفظ بقاء الشىء مكمل لحفظه ولو بالضرورة وكذا مكمل المكمل مكمل وفي تعدية ولاية من لا ولاية له مفسدة التخاصم ففى ردها دفعها وتناول القاذورات على ما يقال يورث خبث النفس المفضى إلى العصيان ففى المنع عن التلبس بها ولو بالبيع الذي هو مظنة الرغبة وطريق الإعزاز تكميل لعدم الانتفاع به الذي هو مقصود البطلان أو تنقيص لألفة النفس الأمارة الكثيرة الشوق إلى متخيلها. تنبيه: لا بد من رجحان المصلحة على المفسدة فيما إذا اجتمعتا وإلا تنحزم المناسبة على المختار لضرورة قضاء العقل. قالوا: لو لم يكن مفسدة الصلاة في الدار المغصوبة راجحة ومتساوية لما حرمت. قلنا: محل المفسدة وهو الغصب غير محل المصلحة وهو الصلاة حتى لو اتحدا انحزمت كصوم يوم العيد وإذا وجب رجحانها فعند التعارض لا بد من ترجيحها جزئيًا بحسب خصوصيات المواد أو كليًا بأن المصلحة لو لم تكن راجحة لما ثبت الحكم لأن ثبوته لا لها قد مر بعده. 3 - بحسب اعتبار الشارع أربعة أقسام موثر وملائم وغريب ومرسل وهذا التقسيم مقدمة لتحقيق المختار عندنا وتدقيق الفرق بينه وبين مذاهب الخصوم فنقول المناسب ان اعتبر شرعًا نوعه في نوع الحكم فهو غير المرسل وإلا فالمرسل والتعبير بالنوع أولى منه بالعين لإيهام الثانية اعتبار خصوصية المحل دون الأولى والأول خمسة أقسام لأنه إن ثبت ذلك بالكتاب أو السنة أو الإجماع إذ القياس لا يثبت السببية فهو الموثر كالسفر والطواف والصغر في القصر وطهارة سؤر الهرة وولاية المال وإن كان بمجرد ثبوت الحكم على وفقه ثبوتًا اتفاقيًا نوعيًا فهو غير الموثر فإن ثبت بالأدلة الثلاثة اعتبار نوعه في جنس الحكم أو جنسه في نوعه أو جنسه فهو الملائم كالصغر في جنس الولاية والعجز عن التصرف في ولاية النكاح ومطلق الولاية لمحما في الحضانة كل ذلك بالإجماع أما الصغر في ولاية النكاح فلم يعتبر بدلالة النص أو الإجماع بل بمجرد ثبوت الحكم على وفقه وإن لم يثبت الاعتبار بها أصلا بل علم بالترتيب بين النوعين فهو الغريب مثاله التقديري أيها كان فهذه خمسة موثر ولائمات ثلاث وغريب كلها مقبولة اتفاقًا وربما يطلق الموثر على ما يشتمل الخمسة وهو مرادنا حيث نقول لا يقبل إلا الموثر فيه وما اعتبر الشارع نوعه في النوع مطلقًا.

وربما تقسيم إلى أربعة ما اعتبر الشارع جنسه أو نوعه في جنس الحكم ونوعه فالجنس كعلية الصبا لسقوط الزكاة لأن العجز بعدم العقل معتبر في سقوط ما يحتاج إلى النية والجنس في النوع كعلية الصبا لسقوط ما يحتاج إلى النية ونوع في الجنس كعلية العجز بعدم العقل لسقوط الزكاة والنوع في النوع كعلية سقوط ما يحتاج إلى النية فالغريب منه يندرج فيما اعتبر نوعه في نوعه وهذا التقسيم لمنع الخلو وأما المرسل فخمسة أيضًا لأنه إما إن علم الغاؤه كتقديم الأمر بصيام شهرين متتابعين على تحرير الرقبة في كفارة الظهار أو القتل في حق من يسهل عليه التحرير دون الصوم أو لم يعلم فإن علم بأحد الأدلة الثلاثة اعتبار نوعه في جنس الحكم أو جنسه في نوع الحكم أو جنسه ولم يعتبر نوعه في نوعه إلا بأحدها ولا بترتيب الحكم على وفقه وإلا لم يكن مرسلًا فملائم كعلة دعاء القليل إلى الكثير لحرمته في النبيذ قياسًا له على قليل الخمر مناسب لم يعتبر الشارع نوعه في نوعه بل جنسه وهو مطلق الدعاء إلى الحرام في جنسه وهو مطلق حرمة الداعى كما في حرمة الخلوة الداعية إلى الزنا ومبادى الوطىء في الاعتكاف وحرمة المصاهرة. وعليه ينبنى حمل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حد الشرب على حد القذف وإن لم يعلم فغريب كعلية الفعل المحرم لغرض فاسدًا عني لا كالبيع وقت النداء لرد غرضه في قياس البينونة في مرض الموت على قتل المورث وهذه أيضًا خمسة ما علم الغاؤه والملائمات الثلاث والغريب المكتنفان مردودان اتفاقًا في الملائمات الثلاث الاختلاف الأتى فلكل من الملائم والغريب معنيان قسيمان للمرسل بأحدهما قسمان منه بالآخر. إذا علمت هذه فالمعتبر عندنا في جواز العمل به لا صحة التعليل الموجبة للعمل المناسبة أولا وعند أصحاب الطرد يصح التعليل بمجرده والملائمة ثانيًا إذ لا يقبل من المرسل الغريب وما علم الغاؤه اتفاقًا من مشترطى المناسبة ولذا لا يصح التعليل بمجرد كونه متضمنًا لمصلحة حتى يثبت الملائمة بضم خصوصية اعتبرها الشرع لما علم من الغائه وذلك بالموجه المذكور المعتبر في المرسل وغيره وهوكونه بحيث اعتبر الشارع نوعه في جنس الحكم أو جنسه في نوعه أو جنسه وإن لم يعتبر نوعه في نوعه لا بالثبوت بالأدلة الثلاثة ولا بمجرد ترتب الحكم عليه وهو المعنى بكونه على وفق العلل الشرعية المنقولة من السلف كما أن تعليل ولاية الإنكاح بالصغر يناسب تعليل الرسول عليه السلام طهارة سؤر الهرة بالطوف لاندراج العلتين تحت الضرورة اندراج الحكمين تحت حكم يندفع به الضرورة. قيل ضرورة حفظ النفس لا يكفى ملائمًا فكيفي مطلق الضرورة لأنها قد لا تكون

مصلحة كما في الجهاد. قلنا: فلا يكون مناسبًا أيضًا وقد اعترف به بل ذلك لرجحان مصلحة الدين على مفسدة النفس يؤيده خبر (لن يكمل) وهذه هى المرادة بالإخالة عند الشافعية والمالكية والأوصاف التي تعرف عليتها بمجرد الإخالة تسمى بالمصاع المرسلة فهذه مصححة للتعليل وموجبة للعمل به عند بعض الشافعية والمالكية كإمام الحرمين وغيره مطلقًا وعند الغزالي بشروط ثلاثة دونه ضروريًا لا حاجيًا وقطعيًا لا ظنيًا وكليًا لا جزئيًا كما في تترس الكفار الصائلين بأسارى المسلمين إذا علم الاستيصال لولا الرمى فإن اعتبار الجنس في الجنس وهو دفع ضرورة الضرر الكثير في ارتكاب الضرر القليل ثابت بالأدلة الثلاثة بل في جميع الواجبات والمحرمات بخلاف تترس أهل قلعتهم إذ لا ضرورة ورمي بعض المسلمين من السفينة لنجاة بعض إذ لا كلية فإن الهلاك مخصوص بأهل السفينة وتوهم الاستيصال إذ لا علم وأما عند بعض الشافعية فإنما يجب بشهادة الأصل ويكفي العرض على أصلين كالشاهدين وهي على القول الأول للاحتياط ويجوز العمل به قبل العرض فالنقض جرح والمعارضة دفع. وعلى التأني بها يصير حجة وهي أن يوجد للحكم أصل معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه فيشمل جميع صور غير المرسل لوجوب اعتبار النوع في النوع فيه وقسمًا من المرسل الملائم وهو الجنس في النوع فهي أعم من كل منها مطلقًا ويباين الأربعة الباقية لفقدان الترتيب على نوع الوصف أو جنسه ولا يصح الحكم بالعموم من وجه لأنها تبيانها إلا بحسب الوجود فيجتمعان في المركبات. قال الغزالي رحمه الله من المصالح ما شهد الشرع باعتباره وهو أصل القياس وما شهد ببطلانه كتعيين الصوم في كفارة الملك وهو باطل وما لم يشهد له بشىء وهذا في محل النظر ولما أريد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشارع من الخمسة الضرورية فكل ما يتضمن حفظها أو يقويها ودفعها مفسدة والمنايسب أو المخيل عند الإطلاق ينصرف ويجوز أن يؤدى إليه رأى المجتهد وإن لم يشهد لها أصل معين كما في مسألة التترس فإن تقليل القتل هو المشروع كمنعه لكن قتل من لم يذنب غريب لا يشهد له أصل معين فإنما يجوز ويخصص مثله من العمومات المانعة للقتل بغير حق للقطع بأن الشرع يؤثر الكلي على الجزئي وحفظ أصل الإِسلام على حفظ دم مسلم وهذا وإن سميناه مصلحة مرسلة لا قياسًا إذ ليس له أصل معين لكنا اعتبرناه لرجوعه إلى حفظ مقاصد الشرع المعلومة بالنص والإجماع وقرائن الأحوال وأما المصالح الحاجية التحسينية فلا يجوز الحكم بها ما لم

يعتضد بشهادة الأصول لأنه يجري مجرى وضع الشرع بالرأى وإذا اعتضد بأصل فهو قياس. وقال أيضًا: المعاني أربعة: 1 - ملائم شهد له أصل معين فيقبل. 2 - مناسب غير ملائم لا يشهد له هو فلا يقبل كحرمات القاتل لولا ورود النص المعارض. 3 - مناسب غير ملائم شهد له فهو محل اجتهاد. 4 - ملائم لا يشهد له هو وهو الاستدلال المرسل وهو محل اجتهاد أيضًا. ونحن نقول ما ليس فيه شهادة الأصل أو الملائمة لا يعتبر لما مر وكذا ما فيه هما إن كان مرسلًا لأن المعتبر في صحة التعليل ووجوب العمل به عندنا التأثير فإنه كالعدالة كما أن الملائمة كلفظ الشهادة ولذا لم يذكر المناسبة والتأثير إلا مسلكًا واحدًا واشترطنا في السير بيان تأثير المستبقى لكن لا بالمعنى الأول لأنه قسم من غير المرسل وهو بأقسامه الخمسة مقبولة اتفاقًا بل بالمعنى الثاني الشامل لها وهو اعتبار الشارع النوع في النوع سواء ثبت ذلك بالادلة الثلاثة أو بترتب الحكم على وفق الوصف وسواء ثبت الأقسام الثلاثة الآخر بها أو لم تثبت وشهادة الأصل أعم من التأثير بهذا المعنى الأعم لوجودها في قسم من المرسل الملائم بدونه فبالمعنى الأخص بالأولى وكذا من الإرسال للعكس لكن من وجه وأخص من الملائمة أعنى الإخالة لوجود الملائمة في قسمين آخرين من المرسل الملائم بدونها ولذا اشترطت بعد اشتراط الملائمة عند بعضهم. ومنه يعلم أن كل تعليل بالموثر قياس عندنا كما قال شمس الأئمة ذكر أصله أو ترك لوضوحه لاستلزامه التأثير بشهادة الأصل لا كما زعم في التنقيح من أنه في النوع أو الجنس في النوع قياس لوجود شهادة الأصل وكذا في الآخرين إن وجدت وإلا فتعليل مقبول اتفاقًا وإن سمى قياسًا عند بعض واستدلالا عند آخرين. وقال صاحب التنقيح التأثير أن يثبت بنص وإجماع أحد الاعتبارات الأربع والجنس قريب والأملة للنوعين السكر في الجرمة وللجنسين الضرورة في التخفيف للطوف في الكراهة وللنوع في الجنس الصغر في جنس الولاية لولاية النكاح ولعكسه عدم دخول شيء في عدم فساد الصوم لقبلة الصائم والملائمة أن يثبت بهما اعتبار الجنس في الجنس وهو بعيد بعد أن يكون أخص من كونه متضمنًا لمصلحة والإرسال أن يثبت بهما اعتبارهما إما في البعيد وهو الذي اختلف فيه الغزالي رحمه الله وإما في الأبعد وهو غير

مقبول اتفاقًا. وفيه بحث فأولا إن رسم التأثير لا يتناول الغريب من غير المرسل وهو مقبول اتفاقًا باعترافه وثانيًا أن المراد بالنوع هو الإضافي فيصدق على أي وصف كان أخص سلمنا تعيينه بأن المراد عين الوصف المدعى عليه لكن البعيد وإلا بعد لا يتعين إذ لو أريد بهما التفاوت بمرتبة لا يناسب تمثيل إلا بعد بكونه متضمنًا لمصلحة لأن بعده المتضمن لضرورة ثم لحفظ العقل ثم إيقاع العداوة والبغضاء ثم السكر ثم الخمرية وكذا تمثيله الجنس القريب للولاية والطهارة بالضرورة ولن أريد بالأبعد أعلى الكل وبالبعيد ما بعده فالمناسب أعم من متضمن المصلحة أو دافع المفسدة بل وصف نيط به حكم الشرع أعم منه سلمنا أن أعلى الكل متضمن المصلحة فيكون ما بعده وهو الضرورة بعيدًا وقد جعلها جنسًا قريبًا للولاية والطهارة. وثالثًا: أن المتضمن لمصلحة لا يلزم أن يكون أبعد على ما عين النوع بأنه الوصف المدعى علة لاحتمال أن يكون المدعى عليه هو الإنزال منه والتعويل على ما شيدنا أركانه. تتمتان: 1 - الاعتبارات الأربع البسيطة إذا ركبت ثنائيًا ستة لأن اعتبار كل مع الثلاثة الباقية يحصل اثنى عشر ستة منها مكروه وثلاثيًا أربعة باعتبار طرح كل ورباعيا واحد فالمجموع أحد عشر والمراد بالاعتبار القصدى لا الضمنى وإلا فلا إفرادًا إلا للجنس في الجنس والنوع في النوع رباعى والأخران ثنائيان والأمثلة غير خافية عند حفظ الماضية إذ علم مثال الرباعى كالسكر في الحرمة وكذا جنسه وهو القاء العداوة والبغضاء أو في وجوب الزاجر الأعم من الدنيوى كالحد والأخروى كالحرمة علم سائرها بفرض البعض دون البعض والفرض كاف في التمثيل ومن هنا يتصور حمل السكر على القذف حين صار مظنة له لاشتراكهما في إلقاء العداوة والبغضاء. 2 - أقوى الاعتبار الرباعى ثم الأكثر فالأكران لم يشتملا على النوع في النوع أو اشتملا عليه وإلا فالذي هو فيه لأنه بمنزلة النص حتى أقر به منكرو القياس ولتضمنه البواقى. لنا في أن العدالة بالتأثير أولا أنه دليل شرعي فيعتبر فيه معتبر الشرع. وثانيًا: أن المنصوصة والمنقولة عن السلف مؤثرة كما سنتلوا مثلتها فكذا المستنبطة.

وثالثًا: أن ما لا يحس كعلية الوصف يعلم بظهور أثره في موضع كمعرفة الصانع استدلالا بآثار صنعه كما أشير إليه في الآيات وصدق الشاهد باحترازه عن محظور دينية قالوا أثر الوصف لا يحس أو لا يعقل أي لا يقتضيه العقل وفي مثله ينتقل إلى شهادة القلب كالتحري. قلنا الخيال ظن مجرد والظن لا يغنى من الحق شيئًا نعم يوجب العمل فيما اعتبره الشرع لا مطلقًا ولا دليل هنا على اعتباره ومع ذلك فإنه أمر مبطن فلا يكون على الغير ويمكن معارضته لكل أحد فالاكتفاء بمجرد المناسبة أو الإخالة يرفع الابتلاء ويفتح باب القياس على كل متفقة لم يبلغ درجة الاجتهاد كما يقال يجب الزكاة المديون قياسًا على شيء من صور الوجوب رعاية لمصلحة دفع حاجة الفقير وكقول بعض المالكية بفرضية العقدة الأولى لأنها مثل الأخيرة وبحض الشافعية تجب قيمة العبد المقتول خطأ بالغة ما بلغت لأنه مال مبتذل يباع ويشترى كالفرس والأخ لا يعتق لو ملك لأنه محل لدفع الزكاة ويجوز أن يتزوج الآخر حليلته بعد الفرقة ويجري بينهما قبول الشهادة كابن العم. وأما العرض على الأصول فلا يعدل لأنها شهود لا مزية كون ولا تعديل بكثرة الشهود وفرق الفريق الأول بأن الشاهد مختار مكلف فيحتمل وقوع ما يسقط شهادته والوصف بعد ملائمته لا يحتمل ما يبطل صلاحيته باطل لأنه يحتمله بأن لا يعتبره الشرع كالأكل ناسيًا للإفطار ومن دلائله ورود المناقضة والمعارضة بل أقوى لأن عدم الاعتبار بهدم أصل صلاحيته والفسق في الشاهد لا يهدم أهليته وترتب الأثر على المؤثر معلوم لغة من نحو سقاء فإرواه وعيانا من إسهال المسهل وغيره ودلالة شرعية كما مر في عدالة الشاهد فالقول به معقول. فمن المنصوصة التعليل في خبر الهرة بضرورة الطوف ولها أثر في سقوط الحرمة والنجاسة بالأية والاجماع حتى لا يجب غسل الفم واليد على من اضطر إلى أكل الميتة والدم وإنما كره لقوله عليه السلام "الهرة سبع" وقد بعث لبيان حكم الشرع فالجمع بينهما فيها وفي خبر المستحاضة بكونه دم عرق أي مسفوحًا ومعلقًا بالانفجار ولهما أثر في النجاسة والخروج أي قوة الوصول إلى موضع يجب تطهيره في الجملة ولهما في وجوب الطهارة ولكونها مرضًا في التخفيف بتبقية الطهارة مع المنافي وفي أحد خبرى المج بعدم دخول شيء في البطن على عدم إفساد الصوم وأن حصل مقدمة شهوة الفرج وله أثر في ذلك كما مع مقدمة شهوة البطن وفي الآخر يكون الصدقة مطهرة ووسخًا كالماء المستعمل وله أثر في أن الامتناع عن شربه من معالي الأمور فكذا حرمة الصدقة.

ومن المنقولة عن السلف ما في اختلاف الصحابة في ميراث الحد مع الأخوة حتى ضربوا فيه الأمثال من الطرفين فرجح ابن عباس رضي الله عنه قربه قائلا ألا يبقى الله زيد ابن ثابت بجعل ابن الابن ابنًا ولا يجعل ابن الأب أبًا يعني أنه أقوى من الأخ فكذا الجد لاستوائهما اتصالا وسواه معهم زيد رضي الله عنه بتشبيههم بفروع الشجر وشعوب الوادى من الأنهار والجداول وقد عارضه الجزئية. وقول عمر رضي الله عنه لعبادة بن الصامت حين قال ما أرى النار تحل شيئًا في الطلاء يعني إن صيرته مكررًا بعد الطبخ كهي قبله أليس يكون خمرًا ثم يصير خلا فتأكله علل بتغير الطبع كمتى صار إنسانًا وحمار صار ملحًا. وقول أبى حنيفة رحمه الله لا يضمن الأب لشريكه في ما شريا ابنه أو ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية أو شريًا بعد ما علق أحدهما عتقه بشراء نصفه أو شرى نصف ابنه وعندهما يضمن من اليسار ويستسعى العبد من الإعسار لا بطالة كإعتاق أحد الأجنبين نصيبه بخلاف ما إذا ورثاه إذ لا اختيار فيه. قلنا لأنه أعتقه برضاه لأنه قد ثبت حكمًا بمباشرة العلة فإن الرضا بها رضاء بحكمها دلالة إذ لخفاء الرضا إدارًا على سببه ولو غير عالم بقرابته كأمره بأكل طعامه غير عالم بأنه ملكه. وقول محمَّد رحمه الله في تصنيفه وهو قول الإِمام أيضًا في إيداع الصبي شيئا سلطه على استهلاكه والتسليط على الشىء رضاء به فلا ضمان والتقييد بالحفظ لا يصح في حق الصبى إذ لا ولاية له عليه. وقول الشافعي رحمه الله في الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأنه أمر رحمت عليه والنكاح أمر حديث عليه ففرق بوصف مؤثر. وقوله لا يثبت النكاح بشهادة النساء مع الرجال لأنه ليس بمال والأصل عدم قبول شهادتهن لغلبة غفلتهن فإنما قبلت ضروريًا في الأموال لعموم البلوى كثرة وابتذالها وليس كثرة النكاح مثلها وهو عظيم الخطر والكل أوصاف ظاهرة الآثار فتعليلنا في مسح الرأس بأنه مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف بالمؤثر في التخفيف في الفرض حتى تأدى ببعض المحل ففى السنة أولى. أما قوله ركن في الوضوء فيسن تكراره فغير مؤثر في إبطال التخفيف فمن الركن ما فيه خفة كالتيمم والمسح وكذا الموثرة في ولاية الانكاح الصغر المعجز لا البكارة وفي اشتراط النية المعينة صوم رمضان العينية فلا يحتاج إليها ذكرًا إلا عند المزاحمة لا الفرضية.

لا يقال التعليل بالأثر ليس قياسًا لعدم الأصل لأن الأصل في مثله مجمع عليه متروك لوضوحه كما أن أصل إيداع الصبي إباحة الطعام لأحد. وقيل بيان علة شرعية للحكم مثل قوله عليه السلام "أنها من الطوافين" (¬1) ويسمى استدلالا كالتعليل بالعلة القاصرة عند الشافعي رحمه الله ليس قياسًا، والحق أن يعد قياسًا مسكوتًا عن أصله إذ لا مزيد على الأدلة الأربعة في الحقيقة كما سيتحقق. وأما الفاسدة فمنها كونه شبهًا والشبه وصف اعتبره الشرع في بعض الأحكام ولم يعلم مناسبته وهو بين المناسب والطردي لأن الوصف إن علم مناسبته فمناسب وإن لم يعلم فإن التفت الشارع إليه فشبه وإلا فطردي فيشبه المناسب من حيث الثقات الشارع والطردي من حيث عدم العلم بالمناسبة وعليه تثبت بالإجماع والنص والسير لا بتخريج المناط لأن علم بالمناسبة. مثاله قولهم إزالة الخبث طهارة تراد للقربة فيتعين الماء لها كطهارة الحدث إذ المناسبة بين كونها طهارة تراد لها وبين تعين الماء غير ظاهرة لكن إذا تعين وصف من بين أوصاف المنصوص لالتفات الشارع إليه دون غيره يتوهم أنه مناسب فقد اجتمع فيها كونها قلعًا له وطهارة تراد للقربة والشارع اعتبر الثاني في تعين الماء كما في الصلاة والطواف ومس المصحف اعتبارًا في الجملة أي إذا كانت الطهارة عن الحدث. قلنا: التعليل به إما للقصر وقد مر بطلانه وإما للتعدية كما هو الظاهر من المثال ولا يصح لأن الوارد على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس ولا نعني بذلك إلا ما لا يدرك مناسبته لا أن العقل ينفيه بإدراك من حجج الله تعالى ولا تناقض فيها ومنه يعلم حال الطردي بالأولى. تنبيه: قد يطلق الشبه على الأشبه من وصفين يردد باجتماعها الفرع بين أصلين كالنفسية والمالية في العبد المقتول المتردد بهما بين الحر والفرس وهو بالحر أشبه وحاصله ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتفى (1/ 26) ح (60)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 55) ح (104) وابن حيان لق صحيحه (4/ 114 - 115) ح (1299)، الحاكم في مستدركه على مسلم (1/ 263) ح (567) والترمذي (1/ 153 - 154) ح (92)، والدارمى (1/ 203) ح (736) والبيهقي في الكبرى (1/ 245) ح (1092)، والدارقطنى (1/ 70) والإمام الشافعي في مسنده (1/ 9) وأبو داود (1/ 19) ح (75)، والنسائي في الكبرى (1/ 76) ح (63)، وابن ماجه (1/ 131) ح (367) والامام مالك في موطئه (1/ 22) ح (42)، والطحاوي في شرح معانى الآثار (191) والإمام أحمد في مسنده (5/ 296) ح (2258).

المرجح من مناسبتين تعرضتا وليس مما نحن فيه فلا تغلط من الاشتراك فتخطئ فيخطئ ابن أخت خالتك. ومنها الطرف ففسره بعضهم بالدوران وجودًا وبعضهم به وجود وعدمًا ويسمى الطرد والعكس لكن من غير اعتبار صلوح العلية وإلا لخرج إلى المناسبة وآخرون زادوا على الطرد والعكس لكن من غير اعتبار صلوح العلية وإلا لخرج إلى المناسبة وآخرون زادوا على الطرد والعكس قيام النص في الحالين ولا حكم له كما في آية الوضوء فوجوب الوضوء دار مع الحدث وجودًا وعدمًا ولا حكم للقيام إلى الصلاة في الحالين وفي خبر غضب القاضي فحرمة القضاء دارت مع شغل القلب وجودًا وعدمًا ولا حكم للقيام إلى الصلاة في الحالين وفي خبر غضب القاض فحرمة القضاء دارت مع شغل القلب وجودًا وعدمًا ولا حكم للغضب فيهما غير أن الدوران العدمي فيهما بمفهوم المخالفة عند من يقول به وبالأصل عندنا ثم منهم من يقول بأنه يفيد العلية بمجرده ظنًا. ومنهم من يقول يفيدها قطعًا والمختار أنه لا يفيدها أصلا. لنا أولًا أن الشرع جعل الأصل شاهدً كما جعل كامل الحال من الأمة شهيدًا ويقتضى ذلك صلاح الشهادة بوصف خاص يتميز به عن غيره كلفظ الشهادة المبينة البالغة في الوكادة لإنبائها عن المشاهدة ولذا كان أشهد يمينًا دون غيره وعدالة الشاهد وقط لا يعرف صحتها بكثرة الشهود ولا بكثرة أدائها فكذا هنا لا بد من صلاحه يمعنى معقول كالمناسبة والملائمة ومن عدالته بالتأثير ليتميز بذلك عن الشرط وغيره وألا يكون فتحًا لباب الجهل والتصرف في الشرع ومجرد الاطراد مع أنه لا يتعلق بالمعنى لا يصلح مميزًا لأن الثابت به كمرة الشهود التي هى الأصول أو كثرة أداء الشهادة التي هى الأوصاف ولأنه قد يزاحمه الشرط ولا سيما المساوي في ذلك كالمتعلق به في إن دخلت الدار فأنت طالق وكدوران وجوب الزكاة وصدقة الفطر والطهارة مع الحلول والفطر والحدث دورانها مع النصاب والرأس وإرادة الصلاة وقد يزاحمه ملازم الوصف المدعي علة تلازم تعاكس أو لازمه كالرايحة المخصوصة الملازمة للسكر وقد يقع بطريق اتفاق كلي ومع قيام هذه الاحتمالات لا يحصل الظن بالعلية لكثرتها ووحدة العلية اللهم إلا بالالتفات إلى نفي وصف غيره بالأصل أو بالسير فيخرج عن التجرد المشروط في المبحث ولذا لم يوجد التمسك به في علل السلف. قيل جواز مزاحمة الغير إنما يقدح في إفادة ظن العلية إن لو أريد به التساوى وهو ممنوع إذ لو أريد عدم الامتناع لم ينافها.

قلنا على تقدير تسليم عدم التساوى بعد ثبوت جواز المزاحمة لا بد من رجحان طرف المظنون وليس ذلك بمجرد الاطراد وإلا فلا مزاحمة أصلًا بل لعدم المزاحم إما خارجًا بالأصل أو عقلا بالجهل والأول خروج عن المبحث الثاني استدلال بالجهل فلو صح ذلك فقبل الطرد أسهل وأما قوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145] الآية فمن النبي عليه السلام المحيط علمه بأحكام شرعه وقد قال بأمر الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5]. قيل ليس استدلالا بعدم وجدان المعارض أو المناقض مطلقًا بل بعد الطلب وذلك بغلب الظن بعدمه. قلنا فزاد في الطنبور نغمة لأن نفى الغير ح بأمرين أولًا بالأصل ثم بأنه لو كان لوجده المجتهد بالطلب عادة. وثانيًا: أن الطرد باطل لوجوده في جميع الاتفافيات يوضحه أنه سلامة عن النقض والسلامة من من مفسد واحد لا توجب الانتفاء لكل مفسد وعلى تقدير انتفائه لا بد من صحة الشىء بعد عدم المانع من علة مقتضية وكذا مع العكس لأنه لو شرط في صحة العلية ففى نفس العلية بالأولى وليس شرطًا لجواز ثبوت الحكم بعلل شتى يوضحه أنه سلامة عن المعارضة فهي لا تكفى مصححة بل بعد ثبوت المقتضى. قيل يجوز أن يكون المصحح الهيئة الاجتماعية إذ لا يلزم من عدم صلوح كل للعلية عدم صلوح المجموع كما في أجزاء العلة المركبة قلنا فلو شرط المجموع في صحة العلية لشرط في العلية بالأولى ولم يشترط لعدم شرط الانعكاس يوضحه أن المجموع سلامة عن المفسدين ورفع للمانعين فأين المقتضى. قيل هذا شرط علية الوصف الطردي لا مطلق الوصف وشرط الخاص لا يلزم اشتراطه للعام. قلنا حاصله الظن بالعلية من صفتها الخاصة وما ليس صفة أو صفة خاصة لها لا يحصل الظن بها أما الاستدلال بأن الدوران لو اقتضى العلية لثبت في المتضايفين ففاسد لأن تخلف الدلالة الظنية لمانع كوجوب المعية فيهما ووجوب التأخر في المعلول والتوقف في الشرط المساوى غير قادح في الدلالة كما هو غير قادح في العلية الطردية اتفاقًا. لهم أولا أن العلل أمارات الأحكام فمن شرطها الدوران لا المناسبة والتأثير فلما صحح الشرع القياس صح بكل وصف كما صح بكل نص عقل أولا. قلنا: ذا في حق الله تعالى أما نحن فمبتلون بنسبة الأحكام إلى العلل نسبة الزواجر إلى

المزاجر أو الأجزية من الثواب والعقاب إلى الأفعال والأقوال وإنها مخلوقة لله تعالى ابتداء والأملاك إلى أفعال الملاك كالقصاص وقد مات القتيل بأجله وبها نطق النصوص. وأما المنصوص فقد لا يدرك المناسبة فيه لا لعدمها بل لعجزنا عن إدراكها ابتلاء لنا بأعظم وجهيه كما في المتشابه. وثانيًا: أن العادة قاضية بحصول العلم أو الظن بالعلية بالدوران لا سيما مع عدم مانع العلية من معية أو تأخر أو توقف أو غيرها كما مر كما في غضب الإنسان إذا دعى باسم مغضب بحيث كلما دعى غضب وكلما ترك سكن حتى يفهمها من ليس أهلا للنظر من الأطفال. قلنا إن أريد بمجرده منع وإن أريد بعد ما تأمل فلم يوجد غيره أو لوحظ أن الأصل عدم فغير مسلم لكنه خارج عن المبحث غايته أن الدوران يقوى الظن الحاصل بغيره وليس هذا قدحًا في التجريبيات وإنكار للضرورى كما ظن فإن التجربة دالة على توقف العلم بالتجربة على العلم بانتفاء الغير بوجه وليس من شرط العلم بالشيء العلم بالعلم به ولمن شرط قيام النص ولا حكم له إن الحكم إذا وجد مع النص في الحالين فإضافته إلى الاسم أولى منها إلى المعنى وأما إذا دار مع المعنى فقط زالت شبهة تعلقه بالاسم ويتعين تعين المجاز بالصارف عن الحقيقة. قلنا لا نجعل مثله أصلًا لندرته بل لا نسلمه فيما المثالين لأن ثبوت الحدث منصوص إما بدلالة صغر نص التيمم فإن النص في البدل نص في الأصل لأنه يفاوقه لا بسببه أو بدلالة صيغة نص الاغتسال فإن شرط الحدث الأكبر في وجوب الطهارة الكبرى آية شرط الحدث الأصغر في وجوب الصغرى وإما بدلالة آيته فإن القيام عن المضاجع وهو المراد كناية عن النوم الذي هو دليل الحديث وكان الماء مطهرًا اكتفى فيه بالدلالة على قيام النجاسة وصرح في التيمم وليكون إيماء بظاهر إطلاق الأمر إلى أن الوضوء عند عدم الحدث سنة لكل صلاة كما يجب عنده أضمر فيه بخلاف الغسل فإنه ليس سنة لكل صلاة بل للجمعة والعيدين أما شغل القلب فلاؤم للغضب لا ينفك عنه شغل ما كيف والغضبان الوارد في الحديث صيغة مبالغة بمعنى الممتلى غضبًا فلا يتصور فراغ القلب معه فلا يتصوو عدم الحكم عند وجوده وأما وجوده عند عدمه فلأن النص لا يقتض عدم الحكم عند عدمه فلأن النص لا يقتضي عدم الحكم عند وجوده وأما وجوده عند عدمه فلأن النص لا يقتضي عدم الحكم عند عدمه وإلا فلا تعليل إذ لا تعدية. وهذا معنى قول فخر الإِسلام رحمه الله ههنا وإنما التعليل للتعدية وربما يفسر بأن قيام

النص ولا حكم له يبطل تعليلكم لأنه لتعدية المنصوص ولا منصوص إذ لا حكم له وتحقيقه أن كل تعليل يعود على النص بالإبطال ولو بوجه باطل لأن بطلان الأصل يستلزم بطلان الفرع وببطلانه يبطل التعدية كما سيجىء غير أن المقام آب عن مناسبته. تذنيب: في سائر التعليلات الفاسدة. منها التعليل بالنفى كقول الشافعي في النكاح لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال لأنه ليس بمال كالحدود وفي الأخ إذا ملك أخاه لا يعتق لأنه لا يعضيه كابن العم وفي المبتوتة لا يلحقها صريح الطلاق في العدة لأنه لا نكاح بينهما كما يعد العدة وفي إسلام المروى بالمروى يجوز لأنهما مالان لم يجمعهما طبع ولا ثمنية والكل فاسد لأن استقصاء العدم ولا يمنع الوجود من وجه آخر. ينوره أن المراد نفى سبب الحكم وغاية السبب أن يستلزم الحكم ونفى الملزوم لا يستلزم نفى اللازم فضلا عن أن يقتضيه وما يقال عن أن عدم العلة علة العدم فمع أنه في العلة التامة كلام مجازى عبر عن المستلزم بالمقتضى لأن العلة ما يتوقف عليه الوجود، ولذا قيل بأنه لا يؤثر اللهم إلا أن يتعين السبب فيستلزم نفيه نفى الحكم وإلا ثبت الحكم بلا سبب لا أنه يقتضيه فهو ليس بقياس بل استدلال بعدم أحد المتلازمين على عدم الآخر فالعدم أصلى فلا يقاس له إلا إذا اعتبر شرعيًا حين الإفتاء أو الحكم بقوله تعالى قل لا أجد الآية حيث جعل عدم المدرك مدركًا كقول محمَّد رحمه الله في ولد المغصوب أنه لم يضمن لأنه لم يغصب وكقوله لا خمس في اللؤلو لأنه لم يوجف عليه المسلمون فإن سبب ضمان الغصب هو ليس إلا وطريق وجوب الخمس هو الإيجاف المسلط على ما في أيدى الأعادى وقهر الماء بمنع قهرهم بخلاف مسائله إذا ينفى فيها لا يمنع قيام وصف له أثر في صحة الإثبات ككون النكاح مما لا يسقط بالشبهات بل يثبت بها ففاقه بمرتبة ولذا يثبت مع الهزل ويصح قبول نكاح إحدى المرأتين وقبول نكاح امرأتين لا تحل إحداهما في حق الأخرى بخلاف الهزل وتفريق الصفقة والجمع بين حر وعبد في البيع وكالقرابة التي صينت عن الاستذلال بأدني الذلين وهو ملك النكاح في الأخ وكوجود العدة التي هى من آثار النكاح في المبتوتة ولا يستلزم صحة الطلاق إزالة الملك كما بعد الصريح إذ لو لم يزل بالأول فذاك وإن زال فلم يزل بالثانى وشرط العدة ليبقى نوع ملك لنفاذ التصرف وكوجود الجنسية التي هى أحد وصفى الربا في السلم كمجرد الطعم عنده وقد ظهر تأثير الجنسية فلا تكون شرطًا واحدًا لوصفين وإن كان بعض العلة في ربا الفضل فهو جميع العلة في ربا النسيئة.

تتمة: وعلى عدم السبب المعين يحمل قولهم تعليل العدمى بالعدمى كعدم نفاذ التصرف بعدم العقل جائز اتفاقًا جواز العدمى بالثبوتى كعدم نفاذ التصرف بالإسراف والثبوتى بالثبوتى والخلاف في تعليل الثبوتى بالعدمى والمختار منعه. لنا أن العدم لا يؤثر في الوجود فإن استناد الوجود إلى الموجود عدم مانع ولا يصح مقتضيًا إلى آخره. وهذا بأنه لم يسمع فليس بشىء لأن في كل منهما نقضًا ومنوعًا. لهم أولًا صحة تعليل الضرب بانتفاء الامتثال. قلنا بل بالكف عنه. وثانيًا: معرفة كون المعجز معجزًا معللة بالتحدى وانتفاء المعارض وما جزؤه عدم عدم وهذا الدوران وجودًا وعدمًا علة لمعرفة علية المدان. لا يجاب بان العدم في الصورتين شرط ولو سلم في الدوران فلا خفاء أن نفس التحدي لا يستقل بتعريف المعجز بل بأنا لا نسلم أن علة معرفة المعجزة أو العلية نفس التحدى مع الانتفاء أو نفس الدوران بل معرفتهما ما إذا لو فرض وجودهما بدون المعرفة لم يعرفا وبهذا يضمحل كل عدم يتوهم علة لمعرفة. ذنابة: قيل إذا لم يؤثر العدم كيف يصح التعليل به وشرط العلة التأثير. فلنا لما جعل الشرع عدم المدرك فيما أمكن العلم به مدركًا حصل له التأثير شرعًا فالتأثير جعلى لا وضعى ويصح شرط التعليل الجعلى. أو نقول مجازى لا حقيقي يصلح شرطًا التعليل المجازى كما في عدم العلة الموجبة العقلية حيث أريد بعليته استلزامه لا إيجابه. قيل فلم لا يصح الاحتجاج به إذا لم يتعين السبب. قلنا: بناء على ما سيجىء من جواز توارد العلل المستقلة الشرعية على واحد بالشخص فهذا فرع ذلك الخلاف. ومنها بتعارض الأشياء وهو إبقاء حكم الشىء الأولى لتعارض أصليه كقول زفر رحمه الله بعدم وجوب غسل المرافق لتعارض الغايتين التي تدخل كالمسجد الأقصى والتي لا تدخل كالميسرة والليل فلا يدخل بالشك وهو عمل بلا دليل فإن مقتضى الشك في أنه من أي قبيل عدم العمل والتوقف لا نفى وجوب الغسل وإخراجها مما تناوله الصدر ولأن الشك لحدوثه يقتضي دليلا وليس عدم العلم دليله بل العلم بالجهتين المعارضتين المتساويتين.

وأما قول الجمهور وقع الشك في الوجوب فلا يجب أو في السقوط فلا يسقط فتمسك بالاستصحاب في إبقاء ما كان على ما كان. ومنها بما لا يستقل علة ألا يوصف فارق بين الأصل والفرع كقولهم مس الفرج الفرج حدث كمسه وهو يبول وأنه مكاتب فلا يصح التكفير بإعتاقه كالمؤدى بعض بدل الكتابة. قلنا بعض البدل عوض فأداؤه يمنع جواز التكفير. ومعنى المسألة بمشترك ذكرًا من شأنه أن لا يصح علة في نفس الأمر إلا بالفارق لا أن المستدل جعل الفارق جزء علة. ومنها بالوصف المختلف فيه. فقيل معناه المختلف في كونه علة كقولهم فيمن ملك أخاه أنه يكفر به فلا يعتق بالملك كابن العم. قلنا صحة التكفير لا يقتضي عدم العتق عندنا كما إذا اشترى أباه بنية الكفارة. وقيل معناه المختلف في وجوده في الأصل أو الفرع كقولهم في الأخ يصح التكفير بإعتاقه فلا يعتق كما ملكه كابن العم. قلنا المراد بإعتاقه إعتاقه بالتملك فغير موجود في ابن العم أو بإعتاقه قصدًا بعد ما ملكه فغيره موجود في الآخر عندنا والأول أولى لأنه على الثاني من قبيل مركب الوصف الذي مر. ومنها لهما لا يشك في فساده لعدم مناسبته بأن جمع بين صورتين لا تراءى نارهما كقولهم السبع أحد عددى صوم المتعة فيشترط في الصلاة أي الفاتحة كالثلاث أو الحل مايع لا يبنى عليه القنطرة ولا يصاد فيه السمك كالدهن أو القهقهة واصطكاك أجرام علوية كالرعد. ومنها بالعلة الغير المطردة أي المنقوضة ويعبر عن هذه تارة بان شرط العلة الاطراد وأخرى بأن تخصيص العلة فاسد مجازًا إذ لا عموم للمعنى حقيقة حتى يخصص بل عمومه تبعد محالة ولذا يصحب العلل الطردية لأن قيامها بصورتها لا بمعناها وتقريرها أن يخلف الحكم على الوصف المدعى علة المسمى نقضًا إما لا لمانع فيدفع بالطرق الآتية وإلا فيقدح في العلية باتفاق بين أصحابنا وأصحاب الشافعي إلا عند من لم يعبأ به. وأما المانع ومنه عدم الشرط فلا يقدح في العمل باتفاقهم لكن منهم من جوز تخصيص العلة فلا يقدح عندهم في العلية أيضًا بل يبقى معها ظنها كالكرخى والجصاص

من العراق والقاضى أبى زيد من ما وراء النهر وهو مذهب مالك وأحمد وعامة المعتزلة. ومنهم من لم يجوزه فجعل عدم المانع جزعًا منها وهو قول علم الهدى وشمس الأئمة وفخر الإِسلام وهو ظاهر قول الشافعي ومختار أبى الحسين فاختلاف الفريقين أن عدم المانع شرط العلة أو شطرها. وقيل عدم المانع شرط أو شرط للعلية عند الأولين وشرط لظهور الأثر عن العلة عند المخصصين وهذا في المستنبطة أما في المنصوصة فاتفق المجوزون منهم على جوازه. واختلف المانعون فهذه ثلاثة مذاهب التجويز مطلقًا بمانع والمنع مطلقًا وهو المختار والتجويز في المنصوصة فقط ويروى ثلاثة أخرى. 1 - التجويز في المستنبطة فقط لكن بمانع. 2 - التجويز في المستنبطة ولو بلا مانع. 3 - التجويز في المستنبطة ولكن بمانع محقق وفي المنصوصة إن كانت دلالة العلية ظنية بمانع ولو مقدرًا لا إن كانت قطعية. لنا أولا وينسب إلى أبى الحسين أن النقض إما بزيادة وصف وهو وجود المانع كزيادة الخيار على البيع المطلق الذي هو علة لثبوت الملك أعنى المقيد بالإطلاق عن الخيار ونحوه لا بالإطلاق مطلقًا إذ لا وجود له ولا المعنى الكلى الأعم لتحققه في البيع بالخيار أو بنقصانه هو عدم شرط كنقصان عدم الحرج في المقدور عن الخارج النجس مع عدمه وبهما يتبدل الوصف فيكون نقيضهما وهو عدم المانع ووجود الشرط جزءًا من العلة إذ لا استلزام دونهما فلا علة. قيل العلة هو الباعث ولا مدخل لهما في البحث. قلنا لا مطلقًا بل الباعث المستلزم بدليل اتفافهم على جواز التعدية بالتعليل ولا تعدية إذا لم يستلزم ولهما مدخل في الاستلزام وعلى هذا معنى العلية الاقتضاء بالفعل. قيل فبانتفاء أحدهما ينتفى العلة فينتفى الحكم مع أن عدم الشرط ليسِ مؤثرًا. قلنا عدم المجموع ولو بعدمه عدم العلة كما في إجزاء العلة المركبة يوضحه أن المشرع رتب الحكم على المجموع كما رتب عدمه على عدمه بقوله قل لا أجد الآية ولولا هذا لكان التعليل بعدم العلة أيضًا باطلا لأنه غير مؤثر وكونه علة العدم مجازى عبر عن الاستلزام بالاقتضاء وثانيًا: ما علم ضمنًا أن العلة هى الباعث المستلزم بدليل التعدية ولا استلزام مع النقض.

قيل بل المستلزم على تقدير عدم المانع ووجود الشرط. قلنا فلا استلزام مع النقض فلا علية وهو المطلوب. قيل علية الظن تكفي في العلية استلزمت أو لا ولا تم الإجماع على جواز التعدية مطلقًا بل بشرائط منها عدم المانع. قلنا: مبنيان على الغفلة عن أن المانع كالعلة القوية يفيد العلية الضعيفة وتعدمها بخلاف النصين العام والمخصص له كما سيجىء. وثالثًا: أن التخصيص يشبه الناسخ صيغة والاستثناء حكما كما مر فتحقق التعارض بين دليلي العلية والإهدار وهما وجود الحكم معه والتخلفى عنه فتساقطا فلا يعمل بدليلها. قيل التخلف ليس دليل الإهدار لأن العلة كالشاهد وتعارض الشواهد لا يبطل الشهادة مطلقًا. قلنا بل الشاهد النص والعلة شهادة كما مر فالتخلف فادح فيها والقدح في نفس الشهادة مسقط أما أنه يؤدى إلى تصويب كل مجتهد بمعنى عدم إمكان مناقضته لتشبثه كلما نقض بالتخصص لمانع لكن المناقضة واقعة فمع أنه قد لا يقدر على إبداء المانع لمصالح مشتركة الإلزام لتشبثنا كلما نقض بأن عدمه جزء العلة. ومنه يعلم عدم تمام التمسك فيه بقوله تعالى: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: 143] بناء على انه سؤال عن علية حرمة ما ادعوا حرمته من البحيرة والوصيلة والحال أنها في معتقدهم المذكورة أو الأنوثة أو اشتمال الرحم ولا يصح شيء منها لانقاضها بالذكرر أو الإناث الآخر فحين ورد النص صاروا محجوجين فلو جاز التخصيص لما حجوا بل أجابوا بأن التخلف لا يمنع إذ الوجهان وارد أن عليه أيضًا على أنا لو سلمنا أن يساق الآية للسؤال عن العلة فلا شك أن المذكورات أوصاف طردية وتخصيصها جائز إجماعًا ذكره فخر الإِسلام رحمه الله. وللمجوزين أولا أنه مثل تخصيص العام لأن نسبة العلة إلى مواردها كنسبة العام إلى إفراده. قلنا في تخصيص العموم ضرب من التجوز كما مر وذا من خصائص اللفظ ولوازمه فيختص ملزومه الذي هو التخصيص به. لا يقال لا تجوز في تخصيص العلة. لأنا نقول لا يلحق تخصيص اللفظ وسره أن أحد النصين لا يفسد صاحبه والأقوى من العلتين يفسد الأخرى.

وثانيًا: أنه جمع بين دليلي الاعتبار والإهدار قلنا الجمع فيما يجب العمل بهما كالنصين لا كالعلتين. وثالثًا: إن تخلف أو نافي العلية بطلت العلل القاطعة لتخلفها بالنص أو الإجماع كالقتل العمد للعدوان في الأب وزنا الجلد في المحصن والسرقة في مال الابن والغريم وغيرها. قلنا لا يلزم من عدم إبطال القاطع عدم إبطال الظنى. ورابعًا: وقوعه في القياس الجلى لمانع دليل الاستحسان قلنا بل إنه إبطال للقياس بدليل أقوى. وخامسًا: أن التخلف لمانع غيره لفساد العلة فإذا بينه لمس كيف وهو في العقلية غير قادح كتخلف الإحراق بالنار عن الخشب الملطخ بالطلق المحلول ففيها بالأولى. قلنا اقتضاء العقلية ذاتى يصح أن يعتبر شرطه خارجًا عن المقتضى أما اقتضاء الشرعية فشرعى فكل ما اعتبر الشرع لترتب الحكم فله مدخل في الاقتضاء والعلية فعلى هذا معنى العلية لاقتضاء لولا المانع وعدم المانع شرطه لا لاستلزام الذي عدم المانع شرطه كما هو المختار فقسموا المانع أو ما يوجب عدم الحكم إلى الخمسة السالفة. للمجوز في المنصوصة فقط ما أشير عليه أن دليل الاستنباط اقتران الحكم وقد اقتضى الاعتبار في الأصل والإهدار في محل النقض فتساقطا وبطلت العلية بخلاف المنصوصة إذ لا جهة لإبطالها والتخلف في المستنبطة قادح في نفس الشهادة وصحتها فيبطلها. وربما يتمسك بأن صحة المستنبطة إذا نقضت موقوفة على تحقق المانع ومانعيته ولا شك أن تحققهما موقوف على صحة العلية وإلا فعدم الحكم لعدم العلة لا للمانع فيدور ولا يجاب بأنه دور معية لأنه مم فإن العلم بالمانعية بعد العلم بالعلية وبالعكس. ولا بأن الموقوف على وجود المانع استمرار الظن بصحتها وتوقف وجود المانع ومانعيته على نفس ظهور الصحة عند ترتب الحكم عليها والمانعية يتضمن المفسدة عنده فلا يتوقف معرفة إحديهما على الأخرى نعم كونه مانعًا بالفعل يتوقف على وجود العلة فلا دور كذا قبل. وأنا أقول العلم بالتخلف إن تأخر عن ظن العلية فالجواب هو الثاني وإن قائله فالأول فلا ضرورة إلى الشاك غير أنه جواب كلى وللعاكس أن تناول المنصوصة لمحل النقض صريح لأن دليله نص عام فالنقض يبطله فلا تخلف ودليل المستنبطة الاقتران مع عدم المانع والتخلف بوجود المانع لا ينافيه.

قيل نعم إذا كان النص العام قطعيًا. قلنا وظنيًا إلا إذا كان الدليل المانع أقوى فترجح وإن كان الأول قطعيًا، للمجوز في المستنبطة فقط بلا مانع أو لا إن ظن العلية لا يرتفع بالشك الحاصل من التخلف لاحتمال كونه لمانع. قلنا بعد القلب بأن ظن عدم العلية الحاصل من التخلف لا يرتفع بالشك الحاصل من دليل المستنبطة لاحتمال كونه بلا مانع الشك في أحد المتقابلين توجيه في الآخر فلا يجتمع مع الظن فيه قيل فكيفى شاع أن اليقين لا يزول بالظن والظن بالشك وإنما ذلك عند تعارضهما. قلنا معناه: أن حكم الأقوى لا يزول لنفسه والكلام ههنا في نفس ظن العلية لا حكمه. وثانيًا: أن ثبوت الحكم بها في غير صورة النقض لو توقف على ثبوته فيها لانعكس فدار إذ لو ينعكس لزم التحكم. لا يجاب بأنه دور معية إذ العلم بعليتها بعد العلم بثواب الحكم بها في جميع صور وجودها فإذا علم ثبوته بالعلم بعليتها دار تقدما بل بأن ابتداء ظن العلية بالمناسبة والموفوف على أحد الأمرين وجود الحكم في جميع الصور أو وجود مانع منه استمراره وتوقف أحدهما على ابتدائه. الأمثلة: 1 - صب الماء في حلق الصائم إكراهًا يفسد صومه لفوت الركن. ونقض بالناسى فمن خصص قال امتنع حكمه لمانع الأثر. وقلنا بل لعدم العلة لنسبة فعله إلى صاحب الشرع وبقاء الركن. قيل لما وجد الأكل وجد علة الإفطار حسًا وهو ظاهر، وعقلا لفوت ركن الصوم وشرعًا لقوله عليه السلام: الفكر مما دخل. قلنا: إفطار الصائم أمر شرعي كهو فعلة ما اعتبره الشارع علة وهو ما نسب إلى غيره صاحب الحق من المفطرات وهو المراد مما دخل جمعًا بين الحديثين. 2 - سبب ملك البدل كضمان الغصب سبب لملك البدل وهو المغصوب منه تحقيقًا للتساوى واحترازًا عن اجتماع البدلين في ملك واحد ونقض بغصب المدبر فعند المخصص لمانع أنه غير محتمل للنقل في الملك وعندنا لعدم وصف من العلة وهو كون السبب سببًا لضمان هو بدل العين إذ ههنا سبب الضمان هو بدل اليد الفائتة.

3 - سبب حرمة المصاهرة ثبوت شبهة البعضية بواسطة الولد فنقض بأن الحرمة لمِ تتعد إلى الأخوات والعمات والخالات فعنده لما منع قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] أو الإجماع وعندنا لعدم العلة بعدم وصف لها وهو تحقق شرطها إذ من شرطها أن لا يعارض النص أو الإجماع. تحصيل: فكل ما يجعلونه دليل التخصيص تجعله دليل عدم العلة وكذا كل ما هو أقوم الدليلين نقليًا كان أو عقليًا كوجوه الاستحسانات الأربع بعدم القياس المعارض لأن عدمها من شرطه لا يناقضه قولهم تخصيص العلة بطلان معناه لا تخصيص ولا ينافيه قوله عليه السلام ورخص في السلم لما مر في بحث الرخصة فعلم أن التفصيل القائل بأن الاستحسان بغير القياس الخفى تخصيص وبه لا إليس بشىء. تتمات: الأولى: شرط قوم اطراد حكمة المظنة التي هى علة فإذا وجدت بدون العلة والحكم سمى كسرًا فيقال الكسر يبطل العلية والمختار لا. مثاله السفر علة للترخص ومظنة للمشقة وهي حكمته وكسرها بصنعة شاقة في الحضر كحمل الأثقال والحدادية في ظهيرة القيظ في القطر الحار. لنا أن العلة هى المظنة لظهورها وانضباطها إقامة لها مقام الحكمة المقصودة لخفائها واختلافها بحسب الأشخاص والأحوال. لهم أولا أن المظنة تبع الحكمة، وإذا لم يعتبروا المقصود فالوسيلة التابعة أجدر. قلنا خفاء الحكمة قادحا في التيقين بالقدر المعتبر في الحكم من الحكمة ليعرف مساواة للمتحقق في محل النقد، وورود النقد مبنيا عليه فلعله أقل أو فيه معارض ولا يصلح التخلف الظني معارض للعلة القطعية، والعلم القطعي بوجود ذلك القدر أو أكثر بعيد ومع بعده يمكن أن يثبت حكم آخر أليق بتحصيل تللث المصلحة، كما أن القتل العمد العدوان أليق بشرع الزجر من قطع اليد مع أنه لم يشرع القطع لا لأن الزجر غير مقصود بل لأن حكمة الزجر ها هنا أكثر منها فيه فيليق بالزجر الأكر لحصول ذلك القدر مع الزيادة حتى لو فرض التيقن بذلك القدر بلا معارض وإن لم يثبت حكم آخر ومن يضمن بذلك يبطل العلية وبه يعرف أن مساواة الفرع الأصل في الحكم يستلزم المساواة في الحكمة أن الأقل قد لا يعتبر والأكثر قد لا يحصل بذلك الحكم بل بأغلظ منه. الثانية: وشرط قوم عدم النقض المكسور وهو نقض بعض صفات العلة بأنه موجود

مع الحكمة المعتبرة ولا حكم فيكون بالنسبة إلى المجموع كسر الوجود الحكمة بدونه وبدون الحكم وبالنسبة إلى ذلك نقضا فيبطل العلية عندهم والمختار لا. مثاله قول الشافعي في بيع الغائب مبيع مجهول الصفة حالة العقد فلا يصح كبعتك عبدًا فينقض بتزوج امرأة لم يرها فحذف قيد كونه مبيعًا. لنا أن العلة المجموع هذا إذا اقتصر على نقض البعض أما إذا ألغى المتروك أيضًا ببيان أنه طردى لا مدخل له في التأثيركالمبيعية أو هذا مستقل بالمناسبة كجهالة الصفة حالة العقد فصح النقض خلافًا لشرذمة وحاصله سؤال ترديد أن العلة أما المجموع أو الباقي وكلاهما بط فالمجموع للإلاء والباقى لنقض. الثالثة: وقوم الانعكاس وهو كلما عدم الوصف عدم الحكم والحق لا ومبناه على جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين فإن جاز جاز الحكم بدونه بل بوصف آخر وإن لم يجز فثبوت الحكم دونه دليل أنه ليس علة وإلا لانتفى بانتفائه الحكم أي العلم أو الظن به لا نفسه عندنا وعند المصوبة نفسه في العمليات لأن مناط الحكم عندهم العلم أو الظن فينتفى بانتفائهما ويمكن أن يقال بانتفاء نفسه على رأينا أيضًا إما لأن تعلقه بالمكلف بدون علمه أو ظنه تكليف بالمحال وإما لأن العلة الدليل الباعث فيجوز أن يخالف مطلق الدليل في أن يلزم من عدمه عدم الحكم وكيف لا والحكم الشرعي تابع لمصالح العباد ومستلزم لها وجوبًا عند المعتزلة وتفضلا عندنا وعدم اللازم ملزوم عدم الملزوم بخلاف الدليل المعرف حيث لا يلزم من عدمه عدم المدلول في نفس الأمر ولما عرف أن مبناه ذلك الخلاف فلنتخذه مبحثًا ففى جوازه أربعة مذاهب شموله وشمول عدمه وفي المنصوصة فقط وهو مذهب القاضي وعكسه ثم إنه واقع بعد الجواز خلافًا للإمام. لنا فيما لو لم يجز لم يقع وقد وقع كنواقض الوضوء والقصاص والردة للقتل. لا يقال الأحكام متعددة ولذا ينفى قتل القصاص بالعفو ويبقى قتل الردة وبالعكس بالإِسلام لأنه تعدد بالإضافة إلى الأدلة وذلك لا ينافى الوحدة الشخصية وإلا تعدد الشخص الواحد إذا عرض له إضافات إلى كثيرين كالأبوة والبنوة والأخوة والجدودة وغيرها. قيل كيف لا يتعدد والقتل بالردة حق الله تعالى وبالقصاص حق العبد. قلنا تابع لاختلاف الإضافة لا لاختلاف الحقيقة ليتعدد نوعًا ولا تمسك بأنه لو لم يجز تعدد العلل لم يجز تعدد الأدلة لأن العلة دليل باعث فلا يلزم من امتناعه امتناع الأعم.

وفي المحيط إذا اجتمع الحدثان فالوضوء من الأول اتحد الجنس أو اختلف لترجحه بالسبق. وقال الهندوانى إن اتحد كالبولين فمن الأول وإن اختلف بأن بال ثم رعف فمنهما لاحتمال المعية هنا الموجبة لاعتبارهما فمنع صحة اعتبارهما ترجيح السبق لأنه عند المعارضة. وقال أبو حنيفة ومحمد منهما مطلقًا لأنه إذا صح اعتبارهما عند اختلاف الجنس فمع الاتحاد أولى. وسره أن العلل الشرعية ليست موجدات ولا عادية بل أمارات باعثة اعتبرها الشرع للإقدام على الأحكام فجاز تواردها ولو على شخص وإذا جاز فلا تدافع فلا ترجح. وقال الحلوائى رحمه الله يجب الوضوء لكل مرة ويقع الوضوء الواحد للكل فعمل بجهتى الاستقلال والتوارد. للمانعين أولًا لزوم الاستقلال وعدمه في كل نظر إلى ثبوت الحكم به وثبوته بغيره أو التناقض إذا اجتمعتا كالمس واللمس نظرًا إلى ثبوته بكل وعدم ثبوته بغيره أو التناقض إذا اجتمعتا كالمس نظرًا إلى ثبوته بكل وعدم ثبوته به لثبوته بالآخر. قلنا لا تم لزومهما فإن معنى الاستقلال الكفاية في الثبوت به عند الانفراد لا مطلقًا وهي لا ينافي الثبوت لا به بل بالآخر ولا الثبوت بالمجموع عند الاجتماع إذ يصدق عنده أنه كاف فيه لو انفرد فيكون مستقلا حقيقة ولو عند الاجتماع لا مجازًا وثانيًا لزوم جواز اجتماع المثلين بجواز اجتماعهما إذ موجباهما مثلان واجتماع المثلين يوجب اجتماع النقيضين لأن المحل يستغنى بكل عن كل فيكون مستغنيًا عنهما غير مستغن عنهما كعلمين لمعلوم واحد هذا لازمه مطلقًا وإذا فرضنا الترتيب في حصولهما لزم تحصيل الحاصل أيضًا. قك يلزم في تعدد العلل العقلية المفيدة للوجود لا لشرعية المقيدة للعلم بالوجود لجواز تعدد المعرفات والبواعث لتحصيل المصالح ودفع المفاسد أو إذا اجتمعت فالحكم لمجموعها وقد تخلف الحكم عند المانع هو الاجتماع أو الحصول بآخر وذا جائز في الشرعية بخلاف العقلية فهذه ثلاثة أجوبة. وثالثا: اشتغال الأئمة في علل الربا بالترجيح وذا عند صحة استقلال كل واحد، فلو جاز التعدد لقالوا به، ولم يجتهدوا للتعيين بالترجيح. قلنا إليس الاجتهاد فيها للترجيح بل لتعيين ما يصلح علة.

ولو سلم فللإجماع على أن العلة واحدة منها. للقاضى في جوازه في المنصوصة عدم امتناع أن يعين الله تعالى الحكم أمارتين وفي عدمه في المستنبطة أن الأوصاف التي يصلح كل علة يحكم بجزئية كل منها إذ لا نص على الاستقلال وإلا عادت منصوصة والاستقلال أمر زائد فالأصل عدمه. قلنا ربما يستنبط استقلاله بالمعنى المذكور بالعقل كنواقض الوضوء للعاكس في عدمه في المنصوصة أنها قطعية عينها الشارع باعثة على الحكم فلا يعارض وفي جوازه في المستنبطة أنها وهمية فقد يتساوى الإمكان ويؤيد كلا مرجح فيغلبان على الظن. قلنا لا تم كون المنصوصة قطعية فقد يكون دلالة النص ظنية كما مر. ولو سلم فيجوز اجتماع القطع بالاستقلال مع التعدد إذا كان البواعث متعددة من حصول المصالح ودفع المفاسد. للإمام في عدم وقوعه أنه لو لم يمتنع شرعًا مع جوازه عقلا لوقع ولو نادرًا لأن ما وضح إمكانه مع تكثر موارده يقضى العادة بامتناع عدم وقوعه لكنه لم يقع وإلا علم عادة وما يظن وقوعه من أسباب الحدث والقتل فأحكامها متعددة للانفكاك حتى قيل إذا نوى دفع أحد أحداثه لم يرتفع الآخر. قلنا أنى لك إثبات التعدد في نحو الحدث والتجويز لا يكفى المستدل. الرابعة: القائلون بتعددها أكرهم اتفقوا على أن الحكم بالأولى إذا ترتبت أما إذا اجتمعت دفعة كمن بال وتغوط معًا فقيل كل جزء والعلة المجموع وقيل واحدة لا بعينها والمختار عند ابن الحاجب والحلوائى من أصحابنا أن كلا علة مستقلة كما في الواجب المخير والمذهب عند مشايخنا أن العلة المجموع ترتبت أو اجتعت. لنا ما مر من إمكان اعتبارها فلا تدافع فلا ترجيح بالسبق وغيره. ولهم في بطلان الجزئية ثبوت الاستقلال لكل وفي بطلان كونها واحدة معينة أو غير معينة لزوم التحكم لكن لزومه في المعينة أظهر وإذا بطلت تعين علية كل منها. قلنا الاستقلال بالمعنى السالف لا ينافي الجزئية حين الاجتماع. للقائل بعلية غير المعينة أن في علية كل اجتماع المثلين وفي علية المجموع بطلان الاستقلال الثابت ودق علية المعين التحكم. قلنا مر مرتين. الخامسة: تعليل الحكمين بعلة لا خلاف في جوازه بأمارة وهو المختار في الباعث. لنا الأبعد في مناسبة وصلى الحكمين كالسرقة للقطع زجرًا لغيره وله من العود إليها

وللتغريم جبرًا للمال الفائت عند الشافعي وللرد عند قيامه عندنا. لهم لزوم تحصيل الحاصل لأن معنى مناسبته للحكم حصول مصلحة عنده فتحصيلها مرة أخرى تحصيل الحاصل. قلنا جاز أن يكون له مصلحة أخرى في الحكم الآخر أو لا يحصل مصلحة إلا بكلا الحكمين. ومنها بعلة تتأخر عن ثبوت حكم الأصل كقياس العكس للشافعية لطهارة سؤر السباع بأنه شيء أصابه المتولد من حيوان طاهر على ما أصابه عرق الكلب أو لعابه لنجاسته لتولدهما من حيوان نجس فإذا منع نجاسة عرق الكلب أو لعابه قالوا لأنه مستقذر ولا يحصل الاستقذار إلا بعد الحكم بنجاسته وكذا لثبوت الولاية للولي الغائب غيبة منقطعة وعدم انتقالها إلى الأبعد بل يكون السلطان نائبًا عنه بأنه عاقل على الصغير المجنون فإن الولاية تنتقل بالصغر والجنون والرق إلى الأبعد اتفافًا فإذا منع سلب الولاية عنه. قالوا لأنه مجنون والجنون حاصل بعد سلبها بالصغر وذلك لأن العلة لمعنى الباعث إذا تأخرت ثبت الحكم بغير باعث. ولا يرد باحتمال ثبوته بالباعث المتقدم لأن الأولى يتعين علة ح فيخرج عن المبحث وليعنى الأمارة غير المبحث مع أنه يلزم تعريف المعرف وتضييع تعريفها لأن المفروض معرفة الحكم قبلها. إن قيل من المسلم جواز اجتماع الأدلة والمعرفات. قلنا نعم لكن قد مر أن المقصود من الدليل الثاني فصاعدًا معرفة جهة الدلالة والمعرفات. قلنا نعم لكن قد مر أن المقصود من الدليل الثاني فصاعدًا معرفة جهة الدلالة لا المدلول أو معرفته على التقدير لا في نفس الأمر. ومنها بعلة تعود على حكم الأصل بالإبطال والتغيير أو لخالف نصًا أو إجماعًا كالحكم على الملك بأن لا يعتق في الكفارة لسهولته بل يصوم فإنه يخالفهما فيصلح مثالا لهما أو تتضمن زيادة على الأصل تنافيه لرجوعه عليه بالإبطال وإلا جاز أو يكون دليل عليه متناولا لحكم الفرع بخصوصه أو بعمومه اتفاقًا أو ظاهرًا لأنه تطويل بلا طائل وعدول عن المستقل إلى غيره ورجوع عن طريق قبل إلقامه والكل محذورات اصطلاحية فلا يرد أنه تعيين الطريق أما إذا تناوله بعمومه لكن لا يراه المستدل أو المعترض أوكانت

الفصل الرابع: في حكمه

دلالته على العلية أظهر منها على العموم فيجوز وقد مر بما تحقق الكل. تتمتان: 1 - قيل تبطل التعليل إذا كان حكم الأصل أو وجود العلة في الفرع ظنيًا لأن الظن بالحكم يضعف بكثرة المقدمات والمختار لا لأن الظن غاية الاجتهاد فيما يقصد به العمل وقيل وإذا خالف مذهب صحابى لأن الظاهر أخذه من النص والمختار لا إذا علم أنه استنباطى أو اختلافى بينهم فيضمحل الظاهر به. 2 - تعليل العدمى بعدم المقتضى المتعين لا نزاع فيه وبالمانع أو عدم الشرط كعدم صحة البيع بالجهل بالمبيع أو عدم وجوده هل يقتضي وجود المقتضى كبيع من أهله في محله المختار أو لا. لنا أنه مع وجوده ناف فمع عدمه أولى. لهم أن انتفاءه حادث لعدمه لا لهما كما زعم المستدل فكان مبطلا. قلنا جاز أن ينتفي لأدلة متعددة. وفيه بحث سلفت الإشارة إليه أن هذا الانتفاء أصلى لا شرعي فكيفى يجوز القياس له وجوابه أنه شرعي لأن عدم المدرك مدرك شرعي بالأية. الفصل الرابع: في حكمه وهو التعدية اتفاقًا وكذا حكم التعليل عندنا لكونه مرادفًا له لا عند الشافعي رضي الله عنه لأن التعليل أعم عنده كما بالمقاصرة وهو مذهب بعض أصحابنا منهم علم الهدى رحمه الله وسؤال الدور مر أجوبته الخمسة فلا يصح التعدية لكونها حكمًا لازمًا ولبيانه ثلاثة مباحث. 1 - أن ما يعلل له ستة: 1 - إثبات موجب الحكم كإثبات تحريم الجنس المنفرد النسيئة بإشارة النص المحرم لحقيقة الفضل بالقدر والجنس فإن لبعض العلة شبهة العلة فيصلح لإثبات شبهة الفضل الذي في الحلول المضاف إلى صنع العباد بخلاف الجودة وحكم الربا مما يستوى شبهته بحقيقته لقول الراوي أن النبي عليه السلام نهى عن الربا والريبة وللإجماع على عدم جواز البيع مجازفة وإن غلب ظن التساوى أو بإشارة النص أو الإجماع المحرمين للريبة كذا قيل. والحق أنه بإشارة المجموع منه ومن أحدهما وهي المرادة بدلالة النص مجازًا في عبارة فخر الإِسلام رحمه الله وكإسقاط السفر شطر الصلاة بإشارة التصدق المنصوص فيما لا يحتمل التمليك أو بإشارة الإجماع على أن التخيير إذا لم يتضمن رفقًا كان ربوبيته فلا

يثبت للعبد. 2 - إثبات صفة كسوم أنعام الزكاة بحديث ليس في العوامل خلافًا لمالك رحمه الله وصفة الحل بالوطئ المصاهرة عند الشافعي بمفهوم قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]، ونحن لا نشترط بدلالة {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] الآية وصفة الحرمة أو الدور بينهما وبين الإباحة للقتل وصفة القصد أو العقد الدائر بينهما لليمين الموجبين الكفارة على المذهبين. 3 - إثبات شرطه كشرط تسمية الذبيحة بالنص وصوم الاعتكاف وشهود النكاح عندنا بالحديث وشرطه للطلاق عنده بإشارة النص وعدمه عندنا بعبارة المختلعة يلحقها صريح الطلاق. 4 - إثبات صفة كصفة شهود النكاح لرجال عدول كما عنده وأم مختلطة مطلقًا كما عندنا وصفة الوضوء واحد لكونه قربة فلا يصح بلا نية عنده بعموم حديثها أو إطلاقه عندنا بإشارة إجماع صحة الصلوات الخمس بوضوء واحد. 5 - إثبات الحكم كالبتيراء عنده برواية إلا الإيتار بركعة لا عندنا بحكاية النهى عنها وكصوم بعض اليوم بشرط عدم الأكل فيه عنده بدلالة نص الأضحى لا عندنا لأن الصوم لقهر النفس الأمارة وإمساك الأضحى ليكون أو التناول من ضيافة الله تعالى وكحرم المدينة عنده أحاديث تحريمها لا عندنا لرواية عائشة رضي الله عنها وحديث أن نغير وجواز دخولها بغير إحرام. وأحاديث التحريم للاحترام وكإشعار البدن سنة عند الشافعي رضي الله عنه لحكاية فعله عليه السلام حسن عند الصاحبين لجنس التخيير مكروه عند الإِمام لأثر ليس بسنة. 6 - إثبات صفة كصفة الوتر سنة عندهم بخبر ثلاث كتب على وواجب عند الإِمام لحديث أن الله زادكم وصفة الأضحية فعنده سنة وعندنا واجبة كلاهما لقوله عليه السلام ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم ومن وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا إذ طرفاه دليل الوجوب فالمراد بالسنة الطريقة وصفة العمرة سنة مؤكدة عندنا لرواية جابر وأبى هريرة وغيرهما وواجبة كالحج عنده لقوله تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: 3] دل أن حجًا أصغر والخبر العمرة واجبة وصفة الرهن فبعد اتفاقهم على أنه وثيقة لجانب الاستيفاء حتى لا يصح ما لا يصح فيه الاستيفاء كالحمر وأم الولد وعلى أن الثابت به للمرتهن حق الحبس وثبوت اليد. قلنا بأنها يد الاستيفاء ودوام الحبس فبهلاكه يتم الاستيفاء ويسقط من الدين بقدره

ولا يسترده الراهن للانتفاع وقال يد الحبس لتعلق الدين بإيفائه من مالية العين بالبيع فيهلك أمانة لا مضمونًا ويسترده الراهن لينتفع فيرد إلى المرتهن بعد الفراغ له الحديث أو دلالة الإجماع على أنه لتوثيق الاستيفاء أي بتعيين المحل للإيفاء بالبيع كما يضم ذمة إلى ذمة في الكفاله والحبس ليس من ضرورة توثقه. ولنا إشارة لفظة فإن أحكام العقود الشرعية مقيسة من ألفاظها والرهن للحبس والأمر الحقيقي يوسف بالشرعية لكونه مطلقًا شرعًا وكذا موجب الكفاله ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة لا للدين ليكون الثابت به وثيقة لا حقيقة فجعل فرع الدين وهو المطالبة أصلا موصلا إلى الحقيقة لأن فروع الأصول أصول الفروع فليدم الحبس ثم دوام المطالبة هنا وصفة حكم البيع وهو الملك ثابت بنفسه عندنا لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقول عمر رضي الله عنه صفقة وهي اللازمة النافذة لغة ومخيرًا إلى آخر اَلمجلس عنده بحديث الخيار ونحمله على التفريق بالأقوال جمعًا. والاختلاف في صوم يوم النحر من قبيل الخامس ليس الرأى بل للاختلاف في صفة حكم النهى يقتضي مشروعية أصله عندنا لأنه تكليف يستدعى تصوره ومنسوخيته عنده لاقتضاء القبح أن لا يشرع فلا يرضى إذا عرفت فالتعليل لإثبات الأقسام الستة أو رفعها ابتداء باطل اتفاقًا لأنه شركة في الشرع ولتعدية حكم شرعي أو وصفه من أصل إلى فرع جائز اتفاقًا ولتعدية الأقسام الأربعة الأول كسببية اللواطة كالزنا لوجوب الحد وشرطية النية للوضوء كالتيمم جائز عن أكثر أصحاب الشافعي رحمه الله واختاره فخر الإِسلام ومن تبعه منا ولذا تكلم بالرأى في اشتراط التقابض في بيع طعام بعينه بطعام بعينه عنده لا عندنا لوجود الأصل لهما وهو الصرف بأخهما مالان يجرى فيهما الربا وسائر السلع بأنهما مالان عينان بخلاف وجوب التسمية في الذبيحة والصوم في الاعتكاف فثبوتهما منصوص وليس لهما أصل منصوص. ولا يرد أن لسقوط اشتراط الشهود في النكاح أصلًا وهو سائر المعاملات كبيع الأمة واشتراط التسمية هو الناسى واشتراط الصوم في الاعتكاف الوقوف لأنه لبث في مكان ولحرم المدينة حرم مكة لأن سبب اشتراط الشهود كونه للتناسل ووروده على محل خطير لا كونه معاملة ولا سقوط عن الناسى لأنه جعل مباشرًا حكمًا للعذر كالمفطر ناسيًا فقد عدل به عن القياس فلا يقاس وكذا حرم مكة وليس حرم المدينة في معناه لأنها مفضلة على سائر البلاد ومحرمة منذ خلقها الله تعالى وكذا كون الوقوف عبادة معدول به عنه ومنعه القاض أبو زيد الدبوسى وغيره من جمهور أصحابنا وهو المختار.

لنا أولًا أن لا محل بتحقق فيه سببية الوصف الملحق أو شرطيته معللا باشتماله على الحكمة المقصودة به فهو مناسب مرسل لا يعتبر لكونه شركة في وضع المشروعات. وثانيًا: أن القدر من الحكمة الثابت في سببية الوصف الأول أو شرطيته غير مضبوط في الثاني لاختلافهما فلا يمكن التشريك في الحكم. وثالثًا: أن الحكمة المشتركة بين الوصفين إن ظهرت وانضبطت وصحت لنوط الحكم استغنت عن ذكر الوصفين فالقياس في حكمهما وإن لم تظهر ولم تضبط أو لم تصلح لنوطه فإن كان لها مظنة فالقياس بين الحكمين بها وإن لم يكن فلا جامع. وأقول: تلخيص الأدلة إن وجد بين الوصفين مؤثر يصلح جامعًا فلا حاجة إلى الشيئين بل يقاس الحكم على الحكم وإن لم يوجد فالوصف مرسل وجعله سببًا أو شرطًا شرع جديد فالمعدى في طعام بعينه بمثله جواز البيع بدون التقابض أو عدمه لهم قياس العلماء المثقل على المحدد في سببية القصاص واللواطة على الزنا في سببية الحد. قلنا ليس قياسًا بل دلالة ولئن سلم فليسا من المبحث لأن الوصف المتضمن للحكمة والحكمة متحدان فيهما فهو السبب لا الوصفان كالقتل العمد العدوان والزجر لحفظ النفس في الأول وإيلاج فرج في فرج محرم مشتهى طبعًا والزجر لحفظ النسب في الثاني. الثاني: إن التعدية بالقياس لا تخرى في الحدود والكفارات والمقادير الأصلية والرخص خلافًا للشافعية والمالكية. لنا في المقدرات كالرخص أنها غير معقول المعنى كما هي في غيرهما والخصوم متفقون فيها وفي غيرها أنهما شرعتا ماحيتين للأثام وزاجرتين فأي رأى يعرف مقدار الاسم الداعي إليهما ومقدار ما يحصل به إزالة الإثم الحاصل لأنهما مما يندرئ بالشبهات والقياس فيه شبهة وأعنى بها اختلال المعنى الذي تعلقتا به في نفسه كما مر لا الواقعة في طريق الثبوت ولأن شبهته أقوى مما في خبر الواحد والشهادة ولذا لا يعارضمها فلا ينتقض بهما. لهم أولًا عموم أدلة حجية القياس. قلنا قد خص عنها العمليات فكذا هما جمعا بين الأدلة. وثاثنًا: وقوعه فيهما كما قال على رضي الله عنه في حد الشرب إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فأرى عليه حد الافتراء وقبله الصحابة وهذا إقامة المظنة الشيء مقامه كتحريم مقدمات الزنا كالخلوة الصحيحة لا قياس للشرب على القذف بجامع الافتراء لعدم تحقق الجامع في الفرع فدل على صحة القياس فيه كما دل على صحة مطلقه.

خاتمة الفصول في عدة تقسيمات للقياس

قلنا: محمول على السماع وعلى أنه بيان وجه المسموع أو على أنه مجمع عليه وذا منه بيان سنده كيف وأنه في المقدرات وأن الإفضاء بهذه المرالب في غايه البعد فليس في معنى الخلوة ومقدمات الزنا وصور الاندراء أقرب منه بكثير. وثالثًا: أن الظن إذا حصل وجب العمل به في العمليات كما في غيرها وهذا ثابت بالاستقراء والإجماع لا القياس ليدور. قلنا: نعم لكن لكل عملي ظن يناسبه وإلا فلا صورة للاندراء أصلا. قال الإِمام الرازي ينبغي أن يفصل يقال إن وجد العلة والمقيس عليه يجوز القياس فيها وإلا لا لأنهم أجمعوا على إلحاق قتل الصيد خطأ أو نسيانًا بقتله متعمدًا المنصوص لأن هيئة المحرم مذكرة فلا لعذر في التقصير بخلاف الصائم كإلحاق الأكل بالوقاع في الإفطار. قلنا بل الحكم في الأول بالسنة وفي الثاني بالدلالة. الثالث: قال الرازى يجوز القياس على أصل محصور في عدد كقوله عليه السلام خمس من الفواسق الحديث لعموم أدلة حجيته وللإجماع على لعدية حكم الربا من الأشياء الستة والحق خلافه لئلا يلزم إبطال العدد وإلحاق الموذيات ابتداء مثل البرغوث والبعوض والقراد والسباع الصائلة بالفواسق الخمس كما أجمعوا عليه بدلالة النص لا بالقياس فلا نزاع فيه أما حديث الربا فالمذكور فيه الأسماء الأعلام لا العدد وقد ذكرنا في بحث المفهومات ما لو روجع إليه علم مقصود الحنفيه رضي الله عنه. خاتمة: قيل ليس في الشرع جمل لا يجرى فيها القياس بل لا بد من النظر في مسأله هل يجرى فيها أم لا والمختار وجودها. لنا ما تقدم من الأسباب والشروط مطلقا والأحكام ابتداء والحدود والكفارات. لهم أن حد الحكم الشرعي يشمل الأحكام فهي متماثلة فيجب اشتراكها فلما جرى في البعض فليجز في الكل. قك لا نعلم التماثل فإنه الاشتراك في الجنس وهذا في النوع. تنبيه: الأكثر في اصطلاح الأصوليين إطلاق الجنس على المندرج والنوع على ما اندرج فيه عكس المنطقين وهذا منه. خاتمة الفصول في عدة تقسيمات للقياس: 1 - باعتبار القوة أنه جلى إن علم فيه نفى الفارق بين الأصل والفرع قطعًا كالأمة على العبد في أحكام العتق للقطع بأن الشارع لم يعتبر المذكورة والأنوثة فيها وخفى إن ظن به كقياسهم النبيذ على الخمر فإن اعتبار خصوصية الخمر محتمل.

2 - باعتبار الظهور إن كان وجه القياس مما يسبق إليه الإفهام يسمى قياسًا وإن لم يسبق إخفائه عبر أصحابنا عنه بالاستحسان وإن كان أعم منه لكنه الغالب فهو دليل يقع في مقابلة القياس الظاهر وعن أبو الحسين بترك وجه اجتهادى غير شامل لوجه خفى أقوى هو في حكم الطارئ على الأول فاحترز بقوله غير شامل من ترك العموم إلى الخصوص وبقوله في حكم الطارئ عن القياس المتروك به الاستحسان وقيد الطارئ بالحكم لأن المتأخر ظهور الوجه الاستحساني لا ثبوته كما بالضرورة والنص وذلك أما الأثر كالسلم والإجارة وبقاء الصوم مع المنافي في الناسي وأما الإجماع كالاستصناع ودخول الحمام وتخصيص أثر السلم وإجماع الاستصناع عموم قوله لا تبع ما إليس عندك لا ينافى تمثيل الاستحسان بهما نظرًا إلى معناه. ومناط حكمه العام وأما الضرورة كطهارة الحياض والآبار وأما القياس الخفى وهو باعتبار مقابلته للقياس الظاهر قسمان يلزم منهما كون الظاهر المقابل له قسمين أيضًا أحدهما بأقوى تأثيره بالنسبة إلى القياس فالمقابل له ما ضعفه أثره فالأول مرجح وهو المراد عند إطلاق الاستحسان. وثانيهما: ما ظهر صحته وخفي فساده والمراد ظهورها بالنسبة إلى جهة فساده فلا ينافى الخفاء بالنسبة إلى القياس فالمقابل ما ظهر فساده وخفى صحته بأن ينضم إلى وجه القياس معنى دقيق يرجحه على وجه الاستحسان فيرجح الثاني لأن قوة التعليل بالتأثير لا الظهور ألا يرى أن الآخرة راجحة على الدنيا الظاهرة لأنها خير وأبقى والعقل على الحسن إذ النقل بدونه ليس بحجة منال الأول سؤر سباع الطير نجس قياسًا على سؤر سباع البهائم بجامع خلط اللعاب المتولد من نجس اللحم لا نجس العين لجواز الانتفاع به بلا ضرورة فثبت النجاسة المجاورة ولذا اختار المحققون أنه لا يظهر بالذكاة وإن ذكر في موضعين من الهداية طهر طاهر استحسانًا لشربها بمنقارها وهو عظم جاف طاهر من الميت فمن الحس أولى. وهذا عدم الحكم لعدم العلة لا تخصيص العلة لكن يكره لعدم احترازها عن النجاسة كالدجاجة المخلاة ومنا من عده استحسانًا ضرورة لأن سباع الطير تنقض من الهواء فلا يمكن صون الأوانى ولا سيما في الصحارى بخلاف سباع الوحش فالكراهة على هذا لكون الضرورة غير لازمة وهذا غزير. ومنه أن تولى الواحد طرفى النكاح لا يجوز عند الشافعي رضي الله عنه مطلقًا قياسًا للتنافى بين الفعلين بلفظ واحد في زمان واحد وكذا شراء الأب مال الصغير من نفسه أو

بيع مال نفسه منه بالعدل عند زفر رحمه الله قياسًا للتنافى في الحقوق الراجعة إلى العقود بخلاف النكاح ويجوز الأمران عندنا استحسانًا. أما الأول إذا لم يكن فضوليًا من جانب وهو خمس مسائل فلأن الناكح سفير ولو من جانب لرجوع حقوقه إلى الأصيل كالرسالة من الشخصين بخلاف البيع إلا عند الشافعي رضي الله عنه. وأما الثاني فلرعاية مصلحة الصغير لأن للأب ولاية كاملة وشفقة شاملة ثم قاس الإِمام الوصى على الأب في ذلك ومثال الثاني سجدة التلاوة تؤدى بالركوع في الصلاة لا خارجها عندنا قياسًا إلحاقا له بها بجامع التواضع ولتشابههما فيه لأنه تعالى أقامه مقام السجدة في قوله {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] فالآية لإثبات الجامع لا إثبات القياس لا استحسانًا كما عند الشافعي رضي الله عنه لأن السجود المأمور به لا يؤدى بالركوع كسجود الصلاة مع أنه أقرب وكالتلاوة خارجها فله أثر ظاهر هو العمل بحقيقة كل شيء وفساد خفى هو التسوية بين المقصود وغيره فرجحنا القياس لصحته الباطنة بأن سجود التلاوة لم تجب قربة مقصودة أي مستقلة بل متابعة لها. ولذا ولا يلتزم مطلقه بالنذر كالطهارة إذ الغرض ما يصلح تواضعًا مخالفة للمستكبرين بإشارة سياق آيات السجدة لكن على قصد العبادة ولذا اشترط لها شرائط فيسقط بالركوع سقوط طهارة والصلاة بطهارة غيرها وإن ظهر فساده بالعمل بشبيه المجاز من غير تعذر الحقيقة أما الركوع خارجها فلم يشرع أصلا وأما السجدة الصلواتية فهي قربة مقصودة بخطاب مستقل ولا خطاب مثله لسجدة التلاوة ويلتزم بالنذر في ضمن الصلاة أو لأن المأمور فيها الجمع بين الركوع والسجود ونيابة أحدهما عن الآخر ينافيه وجعل الأول قياسًا لأن وجهه يناسب المفهوم من ظاهر إطلاق اللفظ لا من التأمل وفي حقيقتي المأمور به وما قام مقامه. أصل مفيد: قد يكون قربة مقصودة ما ليس كذلك إذا صار دينًا في الذمة كسجدة التلاوة بفوات محل أدائها بخلاف الطهارة فلا تؤدى بالركوع ولا بالسجدة الصلواتية إلا عقيب تلاوة الآية رجع بعده إلى القيام أولا ولكون الركوع كالمجاز فيها لا بد له من النية وهذا عزيز منه كرر آية السجدة في ركعتين يكفى واحدة عند أبى يوسف قياسًا لاتحاد مجلسهما كفى ركعة لا عند محمَّد رحمه الله استحسانًا إذ الحكم باتحاد القراءة في الركعتين يخلى إحديهما عنها فيفسد صلاته فعاد شرع اتحاد السبب على موضوعه وهو التخفيف على التالى بالنقض.

قلنا أدلة تداخل السبب شاملة والاتحاد الحكمي لا ينافي التعدد الحقيقي فمن الجائز إجزاء الواحدة للأول وجواز الصلاة للثاني ومنه أن القول للصباغ في قوله صبغت بأجر كذا إلا لصاحب الثوب في قوله صبغت بغير أجر عند محمَّد إذا عرف أنه ما يعمل بغير أجر استحسانا إذ المعروف كالمشروط والقول لمن شهد له الظاهر مع اليمين فترك به القياس الظاهر وهو أن القول قول منكر الأجر وكذا عند أبي يوسف رحمه الله إذاكان عامله مرارًا مع الأجرة لأن العادة هى الظاهرة فترك به تحليف المنكر استحسانًا آخر وقال الإِمام رضي الله عنه صاحب الثوب ينكر تقوم عمله في الحقيقة لإنكاره العقد الذي لا تقوم له إلا به فالقول له واستحسانهم إليس بشىء لأن الاستصحاب حجة للدفع لا للاستحقاق. ومنه أقاما بينة على ارتهان عين في يد ثالث وقبض بتهاتر البينتان قياسًا لتعذر القضاء لكل منهما بالنصف للزوم الشيوع المانع عن صحة الرهن وبالكل لكل لضيق المحل ولمعين لعدم الأولوية كما أقاما على نكاح امرأة أجنبية وفي الاستحسان رهن عندهما كأنهما ارتهناه جملة للجهالة بالتاريخ كما أقاما على شرائهما من ثالث فأخذنا بالقياس لقوة أثرة المستتر لأن كلا يثبت ببينته الحق لنفسه على حدة ولم يرض بمزاحمة الآخر في حق الحبس. واعترض ترجيح الاستحسان بوجوه: 1 - أن القضاء برهينة كل لكل ممكن كما إذا ارتهناه صفقة يكون رهنًا عند كل بتمامه. أجاب صاحب الهداية بأنه عمل على خلاف الحجة لأن بينة كل تثبت حبسًا يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء لا إلى شطره وهذ إليس انتقالا بل تقوية لكون الشيوع مانعًا عن صحة الرهن فإن ترتب الشرط على استحقاق الكل شيوع مانع لحبس يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء. 2 - أنه عمل بالحجتين من وجه فهو أولى من إبطالهما من كل وجه كما أقاما بينة أنه له ينصف. قلنا مسلم عند إمكانه لكن لزوم الشيوع المانع مؤيد لرعاية موجب الحجة كما في الإنكاح. 3 - أنه إذا لم يرض كل منهما بمزاحمة الآخر في الحبس فلأن لا يرضى بانتفاء حقه في الجنس بالكلية أولى.

قلنا انتفاء حقه للعجز عن القضاء لا لاقتضاء الرضاء كما في النكاح فلا تقريب ومنه اختلف المتعاقدان في ذراع المسلم فيه لخالفًا قياسًا لأن اختلافهما في المستحق بعقد السلم لا استحسانًا لأن الذراع ليس أصل المبيع بل وصفه لأنه يوجب جودة في الثوب بخلاف الكيل والوزن وذا لا يوجب التحالف فعلنا بالصحة الباطنة للقياس وهي أن الاختلاف في الوصف هنا يوجب الاختلاف والوزن وذا لا يوجب التحالف فعلمنا بالصحة الباطنة للقياس وهي أن الاختلاف في الوصف هنا يوجب الاختلاف في الأصل. لا يقال لم جعلوهما بالنظر إلى المقابلة قسمين فالأقسام ليست بمنحصر فيهما بل باعتبار قوة كل منهما وضعفه أربعة من اثنين في اثنين فيرجح الاستحسان منها فيما قوى أثره دون القياس والقياس في الثلاثة الآخر وباعتبار أن كلا صحيح الظاهر والباطن وفاسدهما ومختلفيهما ستة عشر من أربعة في أربعة فصحيحيهما من القياس راجح على أربعة الاستحسان وضعفهما مرجوح عنهما بقى لفانية لمختلفي القياس فصحيحيهما من الاستحسان راجح عليهما وضعيفهما مرجوح عنهما بقى أربعة لمختلفى أحدهما في نحتلفى الآخر فصحيح الباطن الفاسد الظاهر من الاستحسان يرجح على عكسه من القياس لا عكسه عليه ولا المتفق منهما فإن هذه الثلاثة بالعكس. لأنا نقول التقسيم الأول مستدرك لأن القوة عين الصحة والضعف عين الفساد فاندرج في الثاني وإنما خصوا القسمين من الستة عشر للثانى لأن الاشتباه المحوج إلى الترجيح كان فيهما إذ لا اشتباه في راجحية القياس في الأربعة الأولى ومرجوحيته في الأربعة الثانية ولا في راجحية الاستحسان في الاثنين الأول ومرجوحيته في الاثنين الثاني ولا في راجحية القياس في المتفقين من الأربعة الباقية بقى اثنان مختلفان فيهما الاشتباه ولعدم الاشتباه بينهما لا يكاد يقع ممن له أدنى التمييز فضلا عن أن يقع من المجتهد المبرز في شأو دقائق المعالى وهذا هو المراد بالامتناع لا نفى الإمكان العقلي كما ظن. تتمة: الفرق بين المستحسن بالقياس الخفى الذي هو المراد بإطلاقه والثلاثة الآخر أنه يعلى لا هى للعدول بها عن السنن اللهم إلا دلالة إذا تساويا في جميع المعالى المؤثرة. مثاله: إذا اختلفا في الثمن قبل قبض المبيع فاليمين على المشترى قياسًا لأنه المنكر وعينهما قياسًا خفيًا لأن البايع ينكر وجوب تسليم المبيع بقبض ما هو ثمن في زعم المشترى والمشترى ينكر زيادة الثمن فتعدى التخالف إلى ما اختلف وارثاهما قبل قبضه أو الموجران في مقدار الأجرة قبل اسئيفاء المنفعة وأما بعد القبض فالتخالف ثبت بالحديث حال قيام السلعة على خلاف القياس إذ البايع لا ينكر شيئًا فلا يعدى إلى

الفصل الخامس: في دفعه

الوارث وحال هلاك السلعة عند الأولين ولا يمكن إن حمل الحديث على ما قبل القبض ليوافق القياس. إما لقوله ترادا وإما لتقييده بقيام السلعة فإن الهلاك قبل القبض يوجب فسخ البيع فلا يتصور فيه اختلافهم إليحترز عنه وأجرى محمَّد رحمه الله الكل على قياس التخالف لأن كلا يدعى عقدًا ينكره الآخر إلا الإجارة لعدم إمكان رد العقود عليه أو قيمته. قلنا لا يختلف العقد باختلاف الثمن ولذا يملك الوكيل بالبيع بألف البيع بألفين. تنبيه: تعدية المستحسن تعدية لا لحكم القياس بل لحكم أصله في الحقيقة وهو وجوب اليمين على المنكر مطلقًا ولظهوره بالاستحسان أضيفت إليه. تنبيه آخر: إنكار الاستحسان زعمًا أنه خارج عن الأدلة الأربعة وأنه التشس لها كاشتداد الرائحة في النبيذ على الخمر فقياس دلالة ومآله إلى الاستدلال بأحد المعلولين على العلة وبهًا على الآخر. الرابع: إن لم يبين جامعيه الجامع بنفى الفارق فذاك ما مر وإن بينت به يسمى قياسًا في معنى الأصل وتنقيح المناط مثل ما مر في حديث الأعرابي كما يسمى بيانها بالمناسبة في الأول تخريج المناط. الخامس: إن كان الفرع نظير الأصل حكمًا وعلة فقياس الاستقامة وإن كان نقيضه فيهما فقياس العكس وقد سلفا. الفصل الخامس: في دفعه وطرق المجادلات الحسنة ولا بد من تمهيدات: الأول: أن المجادلة لغة من الجدل وهو الأحكام سميت بها المناظرة وهي نظر المبتلون بالحاجة إلى معرفة حكم عقلي أو نقلي تكليفي أو وضعي في النسبة للإيجاب أو السلب استدلالا وإيرادًا وزادا إظهارًا للصواب أي للحق ليعتقد أو للخير ليعمل به فعلم منه فاعلها وهو المبتلى وباعثها وهو الابتلاء ومحلها هو النسبة المشار إلى أقسامها وأركانها وهي الإيحاب بالأدلة المناسبة والسلب بالأدلة أو الرد وغايتها وهي إظهار الصواب بقسميه العلمي والعملي ويندرج تحته شروطها وآدابها. أما الشروط فكترك التعنت والمراء بالأحاديث ولأنهما بفوتان مقصودها وكحفظ الأدلة وضبط معانيها الفقهية وتأويلاتها الصحيحة وإتقان طرقها المستقيمة وترك السائل غصب منصب التعليل.

وأما آدابها فكالتأني في كل مقام والتأمل في كل كلام وهجر الغضب واستعمال الجوارح وتخبيط الكلام على الخصام وأن يجتهد في تفهيم ما يقوله وتفهم ما يصغيه وهجر خلط الكلام الأجنبى وغير ذلك مما ذكرته في رسالة النكات. الثافي: أنها محمودة لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125]. فقيل الحكمة الدلائل العقلية والنقلية. وقيل العلوم الدينية. وقيل السنة والموعظة الحسنة نصيحتهم بذكر أحوال الأمم الماضية من النعم والنقم وأهوال منازل الآخرة على وجه اللين وحسن الخلق والتكلم بقدر عقولهم لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 159] الآية. وقيل مذمومة لذم الجدال وللتحريض على دين العجائز في الآيات والأحاديث. قلنا محمولة على غير الطرق المرضية توفيقًا كيف وقد اشتغل النبي عليه السلام وصحابته والتابعون بها وفيها سعى في إحياء الملة وتعاون على البر والتقوى وجهاد أنبل للغزاة بحل المشكلات الدينية ورد الملحدين والمبتدعة ويوزن مدادهم مع دماء الشهداء بالحديث. الثالث: لما كان تمام الاستدلال بالقياس ببيان أن المدعي محل القياس وأن حكم الأصل كذا وعلته هذا وهو ثابت في الفرع ويستلزم ثبوت حكم الفرع وهو الحكم المطلوب فهذه ست مقدمات لا يسع القائس إلا أن يذكرها تحقيقًا أو تقديرًا ولا بد له من تفهيم ما يقوله ولو في أصل الدعوى فهذا أقدم وظائفه دونوا لذلك سبعة أنواع من الاعتراضات يشتمل على ثلاثة وعشرين صنفًا بعضها عام الورود على كل مقدمة كالاستفسار والتقسيم أو على كل قياس كأقسام الممانعة والمعارضة في الفرع وبعضها خاص بالطردي وبعضها بالمناسب والمؤثر كما سيجىء للأول واحد هو الاستفسار وللثاني اثنان فساد الاعتبار وفساد الوضع وللثالث اثنان منع الحكم في الأصل التقسيم وللرابع عشرة منع وجود العلة في الأصل منع عليتها في الكل عدم تأثيرها في المؤثرة. ثم في المناسب خاصة عدم الإفضاء وجود المعارض عدم الظهور عدم الانضباط ثم في الكل النقض الكسر عدم العكس ومآله المعارضة في الأصل. وللخامس خمسة منع وجود العلة في الفرع معارضته فيه الفرق بضميمة في الأصل أو مانع في الفرع اختلاف الضابط اختلاف المصلحة وللسادس اثنان مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل القلب، وللسابع واحد القول بالموجب الرابع أن الاعتراض إما استفسار أو منع وهو إما في الدليل

أو المدلول ففى الدليل تفصيلا ممانعة مع السند أولًا لا مع الاستدلال على انتفاء المدعى فإنه غصب غير مسموع إلا عند العميدى. وقيل الغصب منع المقدمة مع الاستدلال على انتفائها واستدلال العميدى على قبوله يشعر بالاول وإجمالا مناقضة بناء على التخالف أو لزوم المح ولق المدلول لا مطلقًا لأن مآله طلب الدليل وقد كفى أمره بل مع إقامة الدليل على خلافه معارضة وغير ذلك معاندة فهذه الأربع ممكن الورود في كل استدلال بشرائطها ومآل هذه الثلاثة أو الخمسة والعشرين إليها فواحد منها استفسار وحفسة معارضات واثنان مناقضتان والبواقي ممانعات. ولذا قيل يرد على الإجماع كقولنا أجمعوا على أنه لا يجوز رد الثيب الموطوءة مجانًا لأن عمر وزيدًا أوجبا نصف عشر القيمة وفي البكر عشرها وعلى رضي الله عنه منع الرد من غير نكير منع وجوده لصريح المخالفة أو منع دلالة السكوت على الموافقة أو منع صحة سنده أو المعارضة لكن لا بالقياس أو خبر الواحد بل إجماع آخر أو بمتواتر لأن الإجماع الأول ظنى فيمكن معارضته وعلى ظاهر الكتاب كما بعموم البيع في أحل الله البيع على جواز بيع الغائب الاستفسار ومنع ظهوره بمنع العموم لورود الخصوص أو التأويل بأن ذلك البيع يندرج تحت قوله عليه السلام عن بيع الغرر إذ لا تخصيص هنا ولئن سلم فتخصيصه أقل أو هذا عارض ظهوره فبقى مجملا أو المعارضة بآية أخرى أو حديث متواتر كما مر أو القول بالموجب فإن حل البيع مسلم لكن لا يقتضي صحته وعلى ظاهر السنة كما إذا استدل بقوله عليه السلام أمسك أربعًا وفارق سائرهن على أن النكاح لا ينفسخ الستة المذكورة من الاستفسار ومنع العموم فيه والتأويل بأن المراد تحديد نكاح الأربع لأن الطارئ كالمبتدأ في إفساد النكاح كالرضاع ومن الإجمال والمعارضة والقول بالموجب ويزيد عليها منع صحة السند بأنه موقوف أو في روايته قدح لأن راويه ضعيف تخلل في عدالته لو ضبطه أو بتكذيب شيخه كما يقول راوى المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا مالك رحمه الله وقد خالفه وراوى أيما امرأة نكحت نفسها الحديث سليمان بن موسى الدمشقي عن الزهرى عن عروة عن عائشة رضي الله عنها فسئل الزهرى فقال لا أعرفه. الخامس أن الأصناف لا تنحصر فيها فكما يمنع صحة المناسبة بمنع الوجوه الأربعة وصحة القياس بمنع التأثير ومنع كون حكم الفرع غير مخالف للنص المسمى فساد الاعتبار يصح منعه بمنع كل من الشرائط العشرة أو الثلاثة عشر المارة وبأنه من التعليلات

الفاسدة السالفة التي فقد في كل منها شرط للعلة وكالأصناف التسعة المعارضة التي دونها أصحابنا ثلاثة منها معارضة فيها مناقضة هى القلب بنوعيه وثانى العكس وستة معارضة خالصة ثلاثة فرعية صحيحة وثلاثة أصلية فاسدة كما سنبينها. السادس أن كلا منه إليس متفقًا على صحته بل منها ما اختلف فيه كالمعارضة في حكم الأصل فإنها بأقسامها الثلاثة وهي بما لا يتعدى أو بما يتعدى إلى مجمع عليه أو مختلف فيه باطلة عندنا أما بغير المتعدى فلعدم التعدية وأما مطلقًا فلأنها كالفرق باطلة لوجوه ثلاثة: 1 - أن شأن السائل في حكم الأصل إنكاره فبيان علته غصب لمنصب التعليل بخلاف المعارضة في حكم الفرع فإنها في حكم المقصود بعد تمام الدليل. 2 - التعليل بما لا يشمل الفرع لا يمنعه بما يشمله لا سيما وقد أثبت عليه المشترك. 3 - أنه تمسك في حكم الفرع الذي هو المقصود بعدم العلة وأنه لا يصح دليلًا ابتداء فلان لا يصلح معارضًا الحجة أولى ثم ما كان صحيحًا منه ما صح مطلقًا كالممانعة بأقسامها بحسب شرائط كل طريق لأنها طلب الدليل وكالمعارضة في حكم الفرع لما [سبق] آنفًا. ومنه ما صح في الطردية لا المؤثرة إلا بحسب الناظر كالمناقضة عند من لم يجوز تخصيص العلة فإن التخلف ولو لمانع لا يجامع عندهم ظهور تأثير العلة بالنص أو الإجماع بخلاف المعارضة فيقع بين النصوص لجهلنا بالناسخ والمنسوخ وبين العلل لعدم القطع كما هو علة فلو أظهر وجب تخريجه على أن عدم الحكم لعدم العلة أما عند من جوزه فيرد ويجاب بإبداء المانع إن أمكن وإلا بطل العلية والحق ورودها عند الكل كما قال صدر الإِسلام لجواز أن يكون دليل التأثير ظنيًا وأن يجلب بجعل عدم المانع جزاء أو شرطًا لأن ظاهر المذكور متخلف وكفساد الوضع للمنافاة المذكورة فهو كهى قبولا وردًا وكالقول بالموجب لأنه التزام ما يلزمه المعلل مع بقاء الخلاف وبقاؤه وبعد إثباته التأثير محال فلو تصور في المؤثرة لكان منع التأثير في الحقيقة وكعدم الانعكاس لاحتمال قيام الحكم بعلة أخرى لكنه قادح في الدوران وجودًا وعدمًا. ولذا صلح الانعكاس مرجحًا وإذا جاز التوارد في العلل العقلية على واحد بالنوع ففى الشرعية أولى إذ ليست موجدات حتى جوز تواردها على شخص أيضًا ومآله المعارضة في الأصل لأنه عدم العكس قبل إبداء علة أخرى أما بعده فهو هى بعينه وكالفرق للوجوه المذكورة.

قيل وكالقلب لأن الشىء الواحد لا يؤثر في النقيضين حقيقة فيختص بالطردي ولذا لم يبين التأثير في أمثلته وينسب إلى صدر الإِسلام وهو الحق. أولًا لما فيه من المناقضة. وثانيًا: لما قالوا أن المخلص منه بيان المعلل تأثير الوصف في حكمه لا في حكم خصمه. وثالثًا لما قال في المحصول إن شرطه كون مناسبة الوصف اقناعيًا لا حقيقيًا. ورابعًا: لما مر السابع أن أصحابنا أفرزوا ما يرد على المؤثرة مما يرد على الطردية مع دفعاتهما تنبيهًا على ما يختص بكل منهما وما يعمهما ولم يذكر والاستفسار والتقسيم لعدم اختصاصهما بمقدمة ودليل. فقالوا ما يورد على المؤثرة ولا يرد في الحقيقة وجوه أربعة: 1 - المناقضة ويشمل النقض والكسر أعنى منع طرد العلة وطرد الحكمة. 2 - فساد الوضع. 3 - عدم العكس. 4 - الفرق والحق بها القلب بأنواعه والقول بموجب العلة بنوعيه. وما يرد عليها صحيحًا أمران الأول الممانعة بأقسامها الأربعة: 1 - في نفس الحجة أي في صحة العلة ويندرج تحته أول القلب من وجه ومنع العلية مجردًا ومنع الإفضاء والظهور والانضباط ويشمل أيضًا أنه احتجاج بالنفى والاستصحاب وبالطرد وبالشبه وبأقسام المرسل وبتعارض الأشباه وبالعدم وبما لا يشك في فساده وبعلة تتأخر عن حكم الأصل وغير ذلك من المفسدات. 2 - في وجود الوصف ويندرج تحته منع وجوده في الأصل ومنع وجوده في الفرع. 3 - في شروط العلة أي شروط القياس عليها إذ المختلف فيه ربما يمنعه المعلل فيلزم انتصاب السائل مدعيًا ويندرج تحته فساو الاعتبار وسؤال التركيب ومنع اتحاد الحكم لأن الحاكم المعدى لم يعد بعينه واختلاف الضابط واختلاف المصلحة لأن الفرع ليس نظيره ويشمل منع أن النص معلول للحال لاختصاصه بالحكم أو للعدول به عن القياس ومنع أن الحكم شرعي أو ثابت أو لا بالقياس ومنع أنه لم يتغير به في الأصل وغير ذلك. 4 - في المعنى الذي به صار دليلا وهو منع التأثير بقسميه الأول والثالث. ويشمل منع المناسبة والملائمة وكان مندرجًا تحت صحة العلة أفرز تنبيهًا على أنه أجل القيود بل كأنه كلها.

الثاني: المعارضة بنوعيها: 1 - التي فيها مناقضة لتضمنها إبطال دليل المعلل كالقلب وثاني العكس كذا ذكروا والحق عدم ورودهما على المؤثر كما مر. 2 - معارضة خالصة لعدمه ويندرج تحتها المعارضة في الفرع بأقسامها الثلاثة المقبولة المعارضة بالضد وينفى ما ادعى بتغيير مخل وبحكم آخر فيه نفى الأول ويندرج فيها ثانى الفرق وهذا المعارضة في الأصل بأقسامها الثلاثة الغير المقبولة بما لا يتعدى وبما يتعدى إلى مجمع عليه أو مختلف فيه. ويندرح تحتها القسم الثاني والثالث من منع التأثير والأول من الفرق وعدم العكس ووجود المفسدة المعارضة وقد مر وجه عدم قبولها وسيجىء الخلاف في القسمين الأخيرين وأنها مفارقة تقبل لو جعلت مفاقهة فدفعاتها إما للممانعات فبالإثبات لأنها طلب الدليل وإما للمعارضات الفرعية فبالترجيح الصحيح كما سنبين وإما للمناقضة فعلى تقدير ورودها أو إيهامها ذلك فبالجميع والتوفيق بأربعة أوجه. 1 - منع وجود الوصف في صورة النقض. 2 - منع معناه الثابت لا لغة بل لا دلالة كالتخفيف في المسح. 3 - منع عدم الحكم فيها. 4 - أن الغرض في الفرع ليس كالأصل وأما الأسئلة الواردة على الطردية الصحيحة في نفسها بكونها ملائمة وموثرة إذ لا يهتم بالفاسدة في نفسها كما ما علم الغاؤه شرعًا فأربعة يلجئهم كل منها إلى القول بالمعانى الفقهية أعنى العلل المؤثرة لئلا يرد هذه أو إلى بيان تأثير أوصافهم المذكورة ليندفع. 1 - القول بموجب العلة. 2 - الممانعة بأقسامها الأربعة في نفس الوصف أي وجوده في المبحث وفي نفس الحكم أي منع اقتضائه إياه وفي صلاح الوصف وذا ممن شرط التأثير وفي نسبة الحكم إليه. 3 - فساد الوضع وهو يفسد بمعنى كلامه ويلجئه إلى الانتقال ويفوق المناقضة التي هى مجمل المجلس. 4 - المناقضة ويندرج تحتها منع طرد العلة المسمى نقضًا وكذا منع طرد الحكمة المسمى كسرًا ولا ريب في ورود المعارضة ومما يختص منها بهذا ثانى القلب ودفعاتها ممانعة ومعارضته كما مر وكذا مناقضة ببعض وجوهها وهذا مجمل تفصيله من بعد ويبلغ

قريبًا من ستين سؤالا فلنعقد ثلاثة وعشرين مبحثًا لها دارجين الزائد عليها في كل موضع، اعتذار: إنما ذكروا أسئلته الطردية وإن لم يقولوا بصحتها لتمسك بعض الجدليين بها وكل ما صح مؤثره صح طرديه عندما نعى التخصيص أما عند مجوز به أن عند شرطي الانعكاس في الطردية فبينهما عموم من وجه (الأول في الاستفسار) هو طلب بيان معنى اللفظ وإنما يسمع فيما فيه إجمال أو غرابته وإلا فتعنت يفضى إلى التسلسل وبيان الإجمال على السائل إذ يكفى المستدل أن الأصل عدمه وذا ببيان صحة إطلاقه على معنيين فصاعدًا لا بيان التساوى وإلا لم يحصل مقصود المناظرة لعسره فعذر في ذلك ولأنه يخبر عن نفسه فيصدق بعدالته السالمة عن المعارض ولو التزمه تبرعًا قائلا التفاوت يستدعى ترجيحًا والأصل عدمه لكان أولى لإثباته ما التزمه مثاله قولهم المكره مختار فيقتص منه كالمكره فيقول ما المختار الفاعل القادر أو الراغب هذا هو الاستفسار فلو قال بعده الأول مسلم وغير مقيد والثانى مم صار التقسيم. ومثال الغرابة قولهم في الكلب المعلم الذي يأكل من صيده أيل لم يرض لا يحل فريسته كالسيد فيسأل عن كل منها. وجوابه بيان ظهوره نقلا عن اللغة أو أحد العرفين أو بالقرائن كالنكاح في حتى تنكح زوخا غيره ظاهر في الوطئ لانتفاء الحقيقة الشرعية أو في العقد لهجر اللغوية أو للإسناد وعند العجز عنه التفسير كما في مسألة الكلب لكن لا بكل شيء بل بما يصلح له لغة أو عرفًا وإلا صار لعبًا. وللجدليين طريق إجمالي أنه ظ لأن الإجمال خلاف الأصل أو ظ فيما قصدت إذ ليس ظاهرا في غيره اتفاقًا فلو لم يظهر فيه لزم الإجمال. ورده البعض بأن بعد الدلالة على الإجمال لا يفيد كون الأصل عدمه وإذ لم يندفع دعوى عدم فهمه وإذ لم يبق للسؤال فائدة. الثاني: فساد الاعتبار: هو أو الاثنين للنوع الثاني الوارد على كونه قابلا للقياس فإن منع محيلة تلك المسألة لمطلق القياس فهو هذا وإن منعها لذلك القياس فهو فساد الوضع ففساد الاعتبار أن لا يصح القياس فيما يدعيه لدلالة النص على خلافه. وجوابه من وجوه: 1 - الطعن في سند النص بالوجوه السالفة. 2 - منع ظهوره في ذلك كمنع عموم أو مفهوم أو دعوى إجمال. 3 - أن المراد غير ظاهره بدليل يرجحه.

4 - القول بالموجب أي ظاهره لا ينافى حكم القياس. 5 - المعارضة لنصه بنص لسلم القياس ولا يفيد معارضة السائل بنص آخر لأن نصًا واحدًا يعارض النصين كشهادة الاثنين للأربع لا النص والقياس لأن الصحابة كانوا إذا تعارضت نصوصهم يرجعون إلى القياس والمناظر تلو الناظر أي المباحث تبع المجتهد وقول المعلل عارض نصك قياسى وسلم نصى انتقال وأى شيء أقبح منه ولم يوجبوا عليه بيان مساواة نصه لنص السائل لتعذره. 6 - أن يرجح قياسه على النص إما يكون راويه غير ففيه وقد خالفه من كل وجه وإما بخصوصه وعموم النص أو بثبوت حكم أصله بنص أقوى مع القطع بوجود العلة في الفرع عند من يذهب إليهما فإن تأتى الكل فيها وإلا فبما تأتى وإن لم يتأت شيء يكون الدبرة على المعلل. مثاله-: قولهم ذبح من أهله في محله فيوجب الحل كذبح ناسى التسمية فيقول مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فيقول المعلل مؤول بذبح عبدة الأوثان بدليل خبر اسم الله على قَلب المؤمن سمى أو لم يسم أو قياسى راجح على النص لأنه قياسى على الناسى المخصص بالإجماع للعلة المذكورة الموجودة في الفرع قطعًا ولا يسمع فرق السائل بل العامد مقصر والناسى معذور لأن المفارقة من المعارضة لا من فساد إلاعتبار فيلزمه فساد أن الانتقال والاعتراف بصحة اعتباره لأن المعارضة بعد ذلك. قلنا كما مر أنه غير نحصص لأن الفوت من صاحب الحق كعدمه فكأنه ذكر وهو محمل الحديث لأن العامد لا يستحق التخفيف فإذا لم يخصص لا يعارضه القياس والخبر. الثالث: فساد الوضع: وهو أن يترتب على العلة نقيض ما ثبث تأثيرها فيه بالنص أو الإجماع فيكون القياس المخصوص باطل الوضع إذ الواحد لا يؤثر في النقيضين ولا يكونان دائرين عليه وحدودًا وقد علمت ما هو الحق في اختصاصه بالطردية وأنه أقوى من النقض لامكان الاحتراز عنه بتفسير أو تغيير في الكلام أو تبديل الطردية بالمؤثرة كما سياتى في نقض قول الشافعى رحمه الله الوضوء والتيمم طهارتان فكيف يفترقان وهذا مبطل للعلية أصلًا بمنزلة فساد أداء الشهادة. أمثلة: 1 - قوله مسح فيسن التكرار.

قلنا ثبت اعتباره في كراهة التكرار كمسح الخف. 2 - في تعليله إيجاب الفرقة حالا قبل الدخول وبعد ثلاثة أقراء بعده بإسلام أحد الزوجين الذميين وعندنا يعرض على الآخر فإن أبى يفرق حالا في الحالين. قلنا الإِسلام عهد عاصمًا للحقوق لا مبطلا لها وإلا باء عنه بالعكس. 3 - قوله المطعوم شيء ذو خطر فيشترط لتملكه أمر زائد هو التقابض كالنكاح. قلنا ما كانه الحاجة إليه كثيرة جعله الله أوسع كالماء والهواء والحرية تنبئ عن الخلوص فتصلح لتحريم التحكم إلا بعارض النكاح للحاجة إلى بقاء النوع. 4 - قوله طول الحرة بمنع نكاح الأمة لأن فيه إرقاق جزئه حال. الاستغناء فلا يجوز كما لو كان تحته حرة. قلنا تأثير الحرية في جلب زيادة الكرامة لا في سلب ما لا يسلب عن الرقيق فإن العبد بعد دفع مولاه مهرًا يصلح للحرة لو تزوج أمة جاز. 5 - قوله في الجنون لما نافى تكليف الأداء نافى القضاء لأنه خلفه كالصغر. قلنا المعهود في الشرع أو وجوب القضاء يعتمد نفس الوجوب وانعقاد السبب للوجوب على احتمال الأداء وذا متحقق لأن نفس الوجوب جبرى كما في النائم والمغمى عليه بتحقق سببه وبالجنون لا يزول الأهلية إذ يستحق الثواب ولا يبطل إيمانه ولا صومه المشروع فيه قبل عروضه واحتمال الأداء قائم باحتمال زواله ساعة فساعة كما فيهما وإن سقط الأداء لعجزه عن فهم الخطاب. 6 - ما يمنع القضاء إذا استغرق يمنع بقدر ما يوجد كالكفر والصبا. قلنا المعهود في الشرع المطرد الفرق بين اليسر والحرج كالحيض يسقط الصلاة لا الصوم ويوجب الاستقبال على من نذرت صوم عشرة أيام متتابعة فحاضت في خلالها لا استقبال الكفارة بصوم شهرين كالسفر يؤثر في قصر ذوات الأربع لا ما دونها ولذا استوى الجنون والإغماء في الصلاة لاستوائهما في الامتداد بقدرها وإن اختلفا في أصل الامتداد وإذهاب العقل وقياسه إسقاط القضاء بالجنون وإن قل لا بالاغماء. 7 - قوله بتعيين النقود وفسخ البيع يإفلاس المشترى اعتبارًا بالسلع في الأول والعجز عن تسليم المبيع في الثاني قلنا المعهود التفرقة بين المبيع والثمن بالوجه المحقق في شروط القياس. 8 - قوله إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول بانت بعد ثلاثة أقراء وإن بانت حالًا

قبله قاس بقاء النكاح إلى تمام العدة بعده على بقائه بعد الطلاق بأى جامع فرض فإن الكلام في الطردى. قلنا الارتداد عهد منافيًا لحقوق العصمة التي منها النكاح ابتداء وبقاء فلا يكون مقارنًا لها فعلم أنه أعم من أن ينشأ المنافاة من نفس العلة أو حالتها. قال مشايخنا ومنه قوله إذا حج الضرورة بنية النفل يقع عن الفرض كما بإطلاقها بجامع النية في الجملة. قلنا المعهود اعتبار المطلق بالمقيد لا عكسه وهذا يشعر بأن فساد الوضع عندهم اشتمال القياس على خلاف ما ثبت اعتباره نصا أو إجماعًا سواء كان في نفس الاعتبار أو في ترتب الحكم على العلة. وجوابه بيان وجود المانع في أصل السائل ككون التكرار في مسح الخف تعريضًا له للتلف. قلنا هو اعتراف بأن مقتضى المسح التكرار لا التخفيف وذا يخالف وضعه فإنه للإصابة واستعماله حيث اكنفى فيه بقليل من المحل. تنبيه: يشبه كلا من النقض والقلب والقدح في المناسبة بوجه ويخالفه بوجه ويتضح ذلك بأن مجرد ثبوت نقيض الحكم مع الوصفى نقض فإن زيد ثبوت ذلك النقيض للوصفى ففساد الوضع وإن زيد كونه أصل المستدل أيضًا فقلت وبدون ثبوته معه قدح في المناسبة إذا كان مناسبته للنقيض والحكم من جهة واحدة أما إذا كانت من جهتين فلا يعتبر قدحها لجواز مناسبة وصف لحكمين من جهتين ككون المحل مشتهى إباحة النكاح لإزاحة الخاطر وحرمته لإزاحة الطمع والأخ لأبوين معه لأب تأريث الأول لتقدمه بالقوة وتشريكهما مع تفضيله للشركة والزيادة وتسويتهما لشركة الأب ولا عبرة للأم في العصوبة. الرابع: منع الحكم في الأصل هو أول الاثنين للنوع الثالث الوارد على دعوى حكم الأصل ولا مجال للمعارضة لما مر بل للمبالغة ابتداء هو هذا أو بعد تقسيم ويسمى تقسيما مثاله في جلد الخنزير لا يقبل الدباغ كالكلب لا نعلم أو لم قلت إن جلد الكلب لا يقبل الدباغ فإن حاصل المنع والمطالبة واحد خلافًا لأبي إسحاق الشيرازى في قبوله واستبعده ابن الحاجب إذ لا يتم غرض المستدل مع ممنوعيته لأنه جزء دليله وليس ببعيد إما لأنه ممن يرى وجوب الإجماع على حكم الأصل وإما لأن مدعاه لو ثبت حكم الأصل لثبت حكم الفرع وغرضه ضم نشر الجدال.

وهاهنا خلافان آخران: 1 - إن هذا المنع قطع للمستدل فلا يمكن من إثباته لأنه انتقال إلى حكم آخر شرعي قدر كلامه كقدر الأول فقد شغل عن مرومه وظفر السائل بأقصى مرامه والصحيح أنه لا ينقطع إلا إذا عجز عن دليله لأن الانتقال إنما يقبح إلى غير ما به يتم مدلوله وكونه حكمًا شرعيًا كالأول مجرد وصف طردي غير مؤثر في عدم التمكين لأن الواجب على ملتزم أمر إثبات ما يتوقف عليه غرضه كثرت مقدماته أو قلت على أن مقدماته ربما تكون أقل بأن يثبت بالإجماع أو النص الظاهر المتواتر كنجاسة الكلب. 2 - إذا أقام المعلل الدليل عليه قيل قطع للسائل فلا يمكن من الاعتراض على مقدماته والمختار خلافه إذ لا يلزم من صورة دليل صحته. لهم أنه اشتغال بالخارج عن المقصود وربما يفوته قلنا لا تم إذ المقصود لا يحصل إلا به طال الزمان أو قصر. الخامس التقسيم: وهو عام الورود في جميع المقدمات وهو منع أحد محتملى اللفظ المتردد إما مع السكوت عن الآخر إذ لا يضره وإما مع تسليمه أو بيان أنه لا يضره خلافًا لقوم إذ لعل الممنوع غير مراده والمختار قبوله إذ به يتعين مراده. وله مدخل في التضييق على المعلل لكن بشرط أن يكون منعا لمحتمل يلزم المعلل بيانه مثلاه في الصحيح الحاضر الفاقد للماء تعذر الماء سبب صحة التيمم فيتيمم فيقول المراد تعذره مطلقًا أو بسبب السفر أو المرض الأول مم ويأتى ما محكدم في المنع الابتدائى من الأبحاث وجوابه مثله ومثال غير المقبول في الملتجىء إلى الحرم القتل العمد العدوان سبب للقصاص فيقول مع مانع الالتجاء إلى الحرم أو دونه الأول مم لا يقبل إذ طالب المعلل ببيان عدم كونه مانعًا وذا لا يلزمه لأن دليله أفاد الظن. ويكفيه أن الأصل عدم المانع وإنما بيان مانعيته على السائل. توفية الكلام: لما صحت الممانعة التي هى أساس النظر في المؤثرة والطردية سلك أصحابنا طريق تقسيمها في كل منها إلى الأربعة بنوع مع توضيح الأقسام بأمثلتها فقالوا هى في المؤثرة أما في نفس الحجة أي صلاحها أو في الوصف أي وجوده في الأصل أو الفرع أو في شرط القياس "المجمع عليه لئلا يمنع فيحتاج السائل إلى إثبات شرطيته فينتصب معللا أو في الأثر ويندرج في هذه الأربع جميع الممانعات كما مر وفي الطردية إما في الوصف أي وجوده في أحدهما قدم هنا لأن محاله أشيع كما قدم منع صلاح الحجة ثمة لأن مجاله أوسع وإما في الحكم أي منع حكم الأصل أو الفرع لم يذكر ثمة إذ بيان تأثير

الوصف فيه مسبوق بتحققه كما أن منع شرط القياس لم يذكر هنا لأن العائد إلى العلة هنا الطرد أو العكس معه ومنع الأول مناقضة لا ممانعة. والثالى فاسد ومنع الشروط الأُخر مندرجة تحت فساد الوضع أو الاعتبار أو القول بالواجب أو منع الحكم وغيره وأما في صلاحه أي تأثيره وإنما يصح ممن شرط التأثير فإن قال أنا لا أشرطه وبارك الله فيما عندك يقال فلا احتجاج به عليه كشهادة الكافر لمثله على المسلم وأما في نسبة الحكم إليه وفسروه بصلاح الحجة الذي قدم ثمة. أمثلة ممانعات المؤثرة: ففى نفس الحجة كقوله النكاح ليس بمال لأنه تعليل بالنفى وكذا نظائره وفي وجود الوصف لكونه مختلفًا فيه كقولنا في إيداع الصبى أنه تسليط على الاستهلاك فعند أبى يوسف رحمه الله تسليط على الحفظ. قلنا اعتبار الحفظ في الصبى لغو وفي صوم يوم النحر أنه منهى عنه وهو تحقيق لمشروعية أصله فعند الشافعي رحمه الله نسخ لها وفي قوله في كفارة الغموس أنها معقودة أي مقصودة فعندنا لا عقد فيه أي لا ارتباط بين اللفظين لإيجاب حكم البر وفي شرط القياس كقوله في السلم الحال أحد عوضى البيع فيصبح حلوله كالثمن. قلنا شرط القياس تقرر حكم النص بعد التعليل وأن لا يكون معدولا به وفي أثره إذ هو به حجة عندنا لأن الإلزام على السائل لا يتم إلا به إذ له أن يقول الحاصل قبل بيانه جواز العمل وليس كلما جاز وجب كالنوافل والقناء بشهادة مستور الحال فلا بد من إثبات إيجابه ببيانه. أمثلة ممانعات الطردية: ففى نفس الوصف كقوله في كفارة الفطر عقوبة متعلقة بالجماع فلا يجب بالأكل كحد الزنا. قلنا لا نعلم أنها عقوبة متعلقة به بل بالفطر يخالفه بدليل بقاء صوم المجامع الناسي لعدمه مع وجوب حده وفساده للذاكر ولو بالوطئ الحلال لوجوده وبناؤه أن الجماع آلة الفطر فلا يقصد لعينه فاضطر الخصم إلى ذكر الفقه أن الفطر بالجط ع فوقه لغيره فلا يلحق به فيجاب بما مر قبل هذا من أمثلة الممانعة في نسبة الحكم إليه. قلنا: نعم لولا أن التعلق من نفس الوصف وكقوله في بيع التفاحة لمثلها بيع مطعوم به مجازفة فيبطل كالصبرة بها. قلنا المراد إما مجازفة ذات البدلين أو وصفهما من الجودة والرداعة والثانية عفو والأولى

إما باعتبار صورته وأجزائه أو معياره والأول لا يبطل وكذا مطلق المجازفة لجواز البيع كيلا بكيل وإن تفاوتا ذاتًا وعددًا. والثاثى: أعني المجازفة كيلا فيما لا يتصور الكيل فيه محال وهنا ألجأ إلى الفقه وهو أن الأصل في بيع الطعام هو الحرمة عنده لعلية الطعم والجنسية شرط والمساواة كيلا مخلص عن الحرمة فحين عدمت تحقق الحرمة وعندنا الأصل جواز العقد كما في سائر البياعات والفساد للفضل على المعيار ولا تحقق له فيما لا معيار فيه وكقوله في الشيب الصغيرة ثيب يرجى مشورتها فتنكح برأيها كالبالغة. قلنا إما برأى حاضر وليس في الفرع أو مستحدث وليس في الأصل فإنها تغنى عن التفضل. قلنا بموجب العلة تنكح برأيها لأن رأى الولى رأيها كما في عامة التصرفات فإن قال ادعى إطلاق رأى نفسها قائمًا أو مستحدثًا ينقض بالمجنونة وإن رجى رأيها بالإفاقة فظهر فقه المسألة أن مانع الولاية رأى قائم وإلا لما ولى صبى أو صبية أصلًا هذا ممانعة الوصف في الفرع أما في الأصل فكقوله طهارة مسح فيسن تثليثه كالاستنجاء قلنا بل الاستنجاء طهارة عن نجاسة حقيقية ولذاكان الغسل أفضل فيلجىء إلى الفقه هو بيان حقيقة الغسل التي يلائمها التكرار والمسح التي يلازمها التخفيف وفي نفس الحكم كقوله ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالمغسول. قلنا بل المسنون إكمال المغسول بعد تمام فرضه كما مر وكقوله صوم فرض فلا يصح إلا بتعيينها كصوم القضاء. قلنا التعيين بعد التعين ليس في صوم القضاء وقبله ليس في صوم رمضان وإن تغنى عن التفضل يدفع بالقول بالموجب كما سيجىء وكقوله في بيع التفاحة بها بيع مطعوم بجنسه مجازفة فيحرم كالصبرة بها. قلنا إن الحرمة المغياة بالتساوى كيلا فليست في الفرع أو غير المغياة بها فليست في الأصل لأنهما إذا كيلا ولم يفضل جاد إلى الجواز وإن تغنى عن التفضيل قلنا استواء الحكمين شرط القياس وقد فقد إذ الحكم للأصل الحرمة المنتفية وللفرع غيرها فظهر الفقه الفارق وكقوله في الثيب الصغيرة يرجى مشورتها فلا تنكح كرهًا كالبالغة. قلنا لا يراد إكراه تخويف فإما أن يراد بلا رأى مطلقًا ولا نسلمه في الأصل لجواز إنكاح البالغة المجنونة أو بلا رأى قائم وليس في الفرع وكقوله يجوز السلم في الحيوان كالنكاح به.

قلنا معلومًا بوصفه ممنوع فيهما إلا أن المهر يتحمل فيه مثل هذه الجهالة لبناء النكاح على المسامحة والبيع على المماكسة فيفترقان في الإفضاء إلى المنازعة أو معلومًا بقيمته فممنوع في الفرع لأن المعتبر في المسلم فيه علمه بأوصافه لا بالقيمة أما في الأصل فوجوب الوسط يقتضي علم قيمته وإن تغنى عن التفضيل. قلنا يحتاج إليه لبيان استواء الأصل والفرع في طريق الثبوت وقد فقد ههنا لاختلافهما في أن المهر يحتمل جهالة الوصف لا السلم فظهر الفقه الفارق وكقوله بيع الطعام به جمع بين بدلين لو قوبل كل بجنسه يحرم الربا فيشترط التقابض كبيع الأثمان. قلنا الشرط في الأثمان التعيين احترازًا عن الكالى بالكالى ولأنها لا يتعين إلا بالقبض لزم بخلاف الطعام فظهر وكقوله فيمن اشترى أباه بنية الكفارة العتيق أب فلا يجزئ عنها كالميراث. قلنا المراد لا يجزئ عن الكفارة كونه أبا وعتيقًا أو كونه أبًا وعتيقًا فملسم لأن الكفارة إنما يتادى بفعل اختيارى والعتق جبرى أو لا يجزئ إعتاقه فليس في الميراث إذ لا صنع للوارث على أن المعلل نفى الاعتاق عن الفرع أيضًا وقال هو تخليص الأب عن الرق لا إعتاقه فظهر فقه المسألة أن الشرى عنده ليس بإعتاق لتنافى إثبات الملك وإزالته بل المؤثر في العتق القرابة الموجبة للصلة والملك شرطه فالشارى صاحب الشرط سمى معتقًا مجازا فهذا كما شرى بنية الكفارة من علق حريته بشراء وعندنا إعتاق. وفي صلاحه وهو منع التأثير يرد في كل طردي وفي نسبة الحكم يرد في كل تعليل بالنفى كما مر أثلة النوعين. تتمة: سبيل السائل في جميع وجوهها الإنكار لا الدعوى لكن بالمعنى كالمودع إذا قال رددت الوديعة وأنكره صاحبها فلو قال السائل العلة في الأصل هذا كان معارضة فاسدة ولو قال ما ذكرت ليس بعلة كانت ممانعة صحيحة. السادس: منع وجود ما يدعى علة في الأصل. وهو أول العشرة للنوع الرابع الوارد على قولنا وعلته كذا لأن القدح في كون الوصف علة لحكم الأصل إما في وجوده أو في عليته وهذا ما ينفى العلية صريحًا بالمنع المجرد أو ببيان عدم التأثير وإما بنفى لازمها واللازم المختص بالمناسبة أربعة الإفضاء إلى المصلحة وعدم المفسدة المعارضة والظهور والانضباط فنفى كل سؤال وغير المختص أما الاطراد فنفيه بعد إلغاء قيد كسر وبدونه نقض وأما الانعكاس ولا تغفل عن أن الثلاثة الأخيرة تختص بالطردية ومنع التأثير يختص بالمؤثرة ومنع اللوازم المختصة بالمناسب للمناسبة

والمؤثرة وعموم الباقين مثاله بعدما مر قولهما القتل بالثقل قتل عمد عدوان فيوجب القصاص كبالمحدد فيقال لا نعلم أنه في الأصل قتل أو عمد أو عدوان. وجوابه إثبات وجوده بما هو طريقه من الحس والعقل والشرع كما تقول قتل حسًا وعمد عقلا بأماراته وعدوان شرعًا لتحريمه. السابع: منع عليته مجردًا قيل لا يقبل لتمام حد القياس بأركانه والمختار قبوله وإلا لصح بكل طردى وكون الجامع مما يظن صحته مأخوذ في حقيقة القياس قيل تجريد المنع دليل صحة الممنوع فإن طرق بطلانه مما لا يخفى على المجتهد والمناظر فلو وجده لأظهره عادة قلنا عدم التعرض لا بدل على العجز فلعله لعدم التزامه شيئًا من التصحيح والإبطال بل لمجرد الطلب ولئن سلم لا نعلم العجز فإن لبطلانه صورًا عديدة كمجموع الاحتجاجات الفاسدة السالفة وكونه طرديًا أو مخيلا مجردًا أو مقلوبًا أو معارضًا بأمور كثيرة لها ترجيحات غزيرة تكون ذكرها قبل ثبوت العلية مستدركًا ولئن سلم فلعله لم يتعرض لغاية ظهوره أما قياسه على العقليات من حيث أن العجز عن إبطالها حتى عن دليلى النقيضين ليس بتصحيحًا ففاسد إذ ليس وجه بطلانها ولا طريق إثباتها ظاهرًا وههنا السير أسهل طريق لإثباته فيناسب للمعترض أن يجعله كالمذكور ويشتغل بإبداء علية وصف آخر وجوابه إثباتها لمسلك مما مر ويرد عليه ما يليق به من الأسئلة فإن قلت لا قياس إلا بعد بيان التأثير وبه يثبت العلية فينبغى أن لا تصح الممانعة فيها أو في تأثيرها كفساد الوضع قلت لما جاز أن يثبت تأثير الوصف أعنى الاعتبارين بين النوعين بالنص أو الإجماع ويكون العلة مؤثرًا آخر صح دفع العلل المؤثرة بالممانعة كالمعارضة بخلاف فساد الوضع إذ لا يحتمل ما ثبت تأثيره في حكم أن يؤثر في نقيضه. نعم قد يورد قبل التحقيق فيحتاج إلى الجواب بأنه ليس كذلك. قال فخر الاسلام رحمه الله وكذا النقض لا يرد على المؤثرة لأنها لا تنتقض ولو تخيل دفع بالتحقيق. والحق ورودهما على ما ثبت تأثيره بالأدلة الطنية إذ لا منافاة بين التأثير وبينهما إلا إذا ثبت في نفس الأمر وكذا القول بموجب العلة بل لا ورود لاعتراض ما من الممانعة والمعارضة أيضًا إلا لظنية الطريق أو لعدم التحقيق. الثامن: عدم التأثير: هو إبداء أن الوصف أو جزء منه لا أثر له مطلقًا أو فى ذلك الأصل وإن علم بعدم

اطراده فله أقسام أربعة لها أسماء مخصوصة. 1 - عدم التأثير في الوصف وهو ما كان الوصف فيه غير مؤثر مطلقا نحو الصبح لا يقصر فلا يقدم إذ أنه كالمغرب لأن عدم القصر لا نسبة له إلى عدم تقديم الأذان ومرجعه مطالبة كون العلة علة. 2 - عدم التأثير في الأصل وهو ما كان الوصف غير مؤثر في ذلك الأصل نحو الغائب مبيع غير مرئى فلا يصح بيعه كالطير في الهواء فإن كونه غير مرئى وإن ناسب نفى الصحة فلا تأثير له في مسألة الطير إذ العجز عن التسليم كاف في نفيها ضرورة استواء المرئى وغيره فيها ومرجعه المعارضة بإبداء علة أخرى هى العجز عن التسليم. 3 - عدم التأثير في الحكم وهو أن يذكر في الوصف المعلل به قيد لا تأثير له في الحكم كقول البعض منا في المرتد المتلف لمالنا مشرك أتلف مالًا في دار الحرب فلا ضمان عليه كسائر المشركين لأن كونه في دار الحرب غير مؤثر ضرورة استواء الإتلاف فيها وفي دار الإِسلام في عدم وجوب الضمان عندنا ومرجعه إلى مطالبة تأثير الجزء في الجملة فهو كالأول أو إلى إبداء علة هى إتلاف الحربي مطلقًا. 4 - عدم التأثير في الفرع أن يكون الوصف المذكور لا يطرد في جميع صور النزاع وإن كان مناسبًا كقولهم زوجت المرأة نفسها من غير كفؤ بغير إذن وليها فلا يصح كما زوجها وليها من غير كفؤ إذ كونه غير كفو لا أثر له في عدم صحة تزويج المرأة نفسها وإن ناسبه إذ حكمها سواء عندهم ومرجعه إلى المعارضة بوصف آخر هو التزويج من المرأة فقط فهو كالثاني. قيل فالحاصل في الأول والثالث منع العلة وفي الآخرين المعارضة فالأول مر والثاني سيأتى فلا حاجة إلى هذا أو يقال الأول غير مناسب وفي الباقية إبداء وصف آخر. وأجيب بأن بين منع العلية ليدل عليها وبين الدليل على عدمها بونًا بينا وكذا بين موجب احتمال علية الغير وموجب الجزم بها. تتمة: القيد الطردي في العلة إن كان المستدل معترفا بأنه طردي فالمختار رده لأنه في الجزئية كاذب باعترافه. وقيل لا لأن الغرض الاستلزام وذا حاصل وأما إذا لم يعترف به فالمختار عدم رده لجواز قصد الغرض الصحيح فيه كدفغ النقض الصريح إلى المكسور الأصعب بخلاف الأول لاعترافه بأن العلة هو الباقي فينقض. وقيل مردود لأنه لغو كالأول ومر الفرق.

والتاسع القدح في الإفضاء أي في إفضائه إلى مصلحة شرع الحكم ويحتمل منع الإفضاء وبيان عدم الإفضاء فهو سوء لأنه كذا القدح في المناسبة والظهور والانضباط مثاله علة تأبيد حرمة مصاهرة المحارم الحاجة إلى ارتفاع الحجاب بينها والمقصود الحاصل من ترتبه عليها رفع الفجور لأن تلافي الرجال والنساء يفضي إلى الفجور ويندفع حين يرتفع بالتحريم المؤيد الطمع المفضي إلى الفكر والنظر فيقال لا يفضي بل سد النكاح أفضى لحرص النفس على ما منع وجوابه ببيان الإفضاء بان التأبيد يمنع عادة ما ذكر وبالدوام يصير كالطبيعى فلا يبقى المحل مشتهى كالأم. العاشر: القدح في المناسبة بإبداء المفسدة الراجحة أو المساوية إذ المناسبة تنخرم بالمعارضة وعبر عنه بوجود المعارض وجوابه بترجيح المصلحة إجمالا بلزوم التعبد المحض لولا اعتبار المصلحة وهي قصيرة وجوبًا وتفضلا وتفصيلا بأن هذا ضرورى أو قطعي أو اكترى أو معتبر نوعه في نوع الحكم وذاك حاجي أو ظني أو أقلي أو معتبر جنسه أو في جنسه ونحوه مثاله فسخ البيع في المجلس ما لم يتفرقا لدفع ضرر المحتاج إليه فيعارض بمفسدة ضرر الآخر فيرجح بأن الآخر يجلب نفعا ودفع الضر أهم للعاقل منه ولذا يدفع كل ضر ولا يجلب كل نفع. آخر في أن التخلي للعبادة أفضل لما فيه من تزكية النفس فيقال يفوت المصالح كاتخاذ الولد وكف النظر وكسر الشهوة فيرجح الأول بأن مصلحة العبادة لحفظ الدين وهذا لحفظ النفس أو النوع. قلنا بل فيه المصلحتان لافضائه إلى ترك المنهي ولترك ذرة مما نهى الله تعالى خير من عبادة الثقلين. الحادى عشر كون الوصف غير ظاهر الرضا في العقود والقصد في الأفعال التي يترتب عليها حكم شرعي كالقصاص. وجوابه ضبطه بصفة ظاهرة كصبغ العقود واستعمال الجارح في القتل وفي المثقل خلاف وفي غير المقتل كغرز إبرة في العقب لا قصاص. الثاني عشر: كونه غير منضبط كالحكم والمصالح من الحرج والمشقة والزجر إذ مراتبها بحسب الأزمان والأشخاص غير محصورة لا يمكن تعيين قدر منها غير أن الغاية اندفاع الأوفي وحصول الآخر والثلاثة مشتركة في البعث وجوابه ببيان أنه منضبط عرفًا كالمضرة أو ضبطه بوصف المشقة بالسفر والزجر بالحد. الثالث عشر: النقض وهو وجود العلة مع عدم الحكم.

قال بعض مشايخنا رحمهم الله منهم فخر الإِسلام رحمه الله ومن تبعه لا يرد على العلل المؤثرة لأن التأثير إنما يثبت بنص أو إجماع ولا يتصور المناقضة فيه وقد مر أن الحق وروده لأن دليل التأثير قد يكون ظنيًا. وجوابه بمنع كل منهما غير أن مشايخنا جعلوا كل منع قسمين فمنع الوصف إما بمنع وجوده أو منع معناه المؤثر ومنع عدم الحكم إما ببيان وجود عينه أو وجود غرضه وهو التسوية بين الأصل والفرع فالأول ويسمى الدفع بالوصف كما أن خروج النجاسة من بدن الإنسان الحس علة للانتقاض فإذا نوقض بالقليل دمنع أنه خارج ببلاد من تحت الجلدة الزائلة ولذا يجب الغسل ولو كان كثيرًا بخلاف السبيلين إذ الظهور ثمة دليل الانتقال وكما أن ملك بدل المغصوب يوجب ملكه لئلا يجتمعا في ملك واحد فإذا نوقض بالمدبر لمنع ملك بدله فإنه بدل اليد الفائتة لا المغصوب وكما أن كون مسح الرأس مسحًا علة لعدم سنية تثليثه كمسح الخف فإذا نوقض بالاستنجاء يمنع أنه مستحيل إزالة النجاسة ولذا لم يكن حين لم يتلطخ منه كما بالريح وكان غسله أفضل لا مكروهًا والمراد بعدم سنيته كراهته فيكون حكمًا شرعيًا والثاني يسمى الدفع بمعنى الوصف أقوى لأن المعنى أولى بالاعتبار من الصورة لكن الأول أظهر منه. ويعنى به معنى آخر لازم للوصف به التأثير ولأجله صار علة كما في مسألة المسح بدفع للنقض بالاستنجاء بأن معنى المسح وهو كونه تطهيرًا حكميًا غير معقول وهو المؤثر في عدم سنية التثليث لأنه لتوكيد التطهير المعقول غير متحقق في الاستنجاء لكونه تظهيرًا معقولا أما تمثيله بمثله خروج النجاسة باعتبار أن تأثير السائل في الانتقاض لإيجابه غسل الموضع بخلاف غير السائل قائمًا يصح عندنا بتنزيله في السائل المتجاوز قدر الدرهم والتمثيل بمجرد الفرض كاف. فببعض التقادير أولى أو تقول إيجاب غسل القليل أيضًا ثابت وإن لم يفسده الصلاة حتى قيل يقطع صلاته لغسله ويفوت الجماعة لذلك إن لم يفت الوقت فيهما. والثالث ويسمى الدفع بالحكم وذلك عند من لم يجوز تخصيص العلة أن يقال الحكم متحقق لكن خلفه شيء آخر كما لو نقض علل وجوب الوضوء كالقيام إلى الصلاة بعد التبول مثلا بصور تعين التيمم والخلافة ليست رافعة بل مقررة. وعند من جوزه أن يقال الحكم متحقق لكن لم يظهر لمانع كمتخلف خروج النجاسة عن الانتقاض في المستحاضة لدفع الحرج وملك بدل المغصوب عن ملك المبدل في المدبر لعدم قبوله ومنه أن حل الإتلاف لإحياء المهجة لا ينافى العصمة فيوجب الضمان

كما في المخمصة كهو لا له فيوجبه في الجمل الصائل فإذا نوقض بإتلاف العادل مال الباغي حال القتال حيث لا يضمن وكذا إتلاف العبد الصائل بالسلاح دفع بأن العصمة والضمان متحقق لكنه تخلف لمانع البغي أو الصيال الرافع للعصمة وفوت حق المولى ضمني لأن العبد في حق الحياة بمنزلة الحر كما في إقراره بالحد والقصاص. وقولنا كهو لا له بيان للتأثير الذي أشكل على كثير من الفحول فإن الإتلاف لا لإحياء المهجة يوجب الضمان لحرمته والحل الضرورى كهى في ما وراء الضرورة ولاندفاع الضرورة بمجرد إحياء المهجة كان الحل المخصوص في حق الضمان كالحرمة المؤثرة في وجوبه ومنه ظاهرًا ما لو نقض تعليل التأمين بأنه ذكر فسبيله الإخفاء كسائر الأدعية بالأذان وتكبيرات الإِمام دفع بأن فيهما معنى كونهما إعلامًا أوجب حكمًا عارضًا ولذا لو جهر المقتدي أو المنفرد أو الإِمام فوق حاجة الناس أساء قبل إعلام القوم مقصود في التأمين أيضًا لقوله عليه السلام إذا أمن الإِمام فأمنوا ولولا مسموعيته لبطل تعليق تأمين القوم به ولحكاية أبي وائل رضي الله عنه عليه السلام وعطاء رضي الله عنه عن مائتين من أصحابه عليه السلام. قلنا وقوله عليه السلام إذا قال الإِمام ولا الضالين قولوا آمين فإن الإِمام يقولها بين موضعه بلا سماعه كيف ولو علق بالسماع لكان آخر هذا الحديث مستدركًا ولما تعارضت الأخبار والآثار بدليل اختلاف الصحابة رضي الله عنهم صرنا إلى الترجيح بأصل الأذكار وحمل الجهر على التعليم والابتداء. تنبيه: من لم يجوز تخصيص العلة جعل عدم المانع في هذه الأمثلة شطرا للعلة أو شرطا لها لا لظهور الأثر عنها لما مر أن شرط القياس أن لا يعارضه دليل أقوى إذ العلة القوية تفسد الضعيفة بخلاف النصين المتعارضين وكون إبداء المانع جوابا بعد لضام النقض لا ينافي كونه دافعا للنقض بذلك الاعتبار لاختلاف الجهتين وجملة الكلام أن المانع معارض في محل النقض اقتضى خلاف الحكم أي نقيضه كنفى الضمان للضمان أو ضده كالحرمة للوجوب وذلك إما لتحصيل مصلحة كما في العرايا المفسرة ببيع الرطب بتمر مثله خرصا فيما دون خمسة أوسق إذا أوردت نقضًا على الربويات لعموم الحاجة إلى التلذذ بالرطب والتمر. وقد لا يوجد عندهم ثمن آخر وكما في ضرب الدية على العاقلة إذا أورد على أن شرع الدية للزجر الذي ينافيه عدم الوجوب عليه بمصلحة أولياء المقتول مع عدم قصد

القاتل ومع كون أوليائه يغتمون بمقتوليته فيغرمون بقاتليته بالحديث وإما لدفع المفسدة كما في تناول المضطر الميتة إذا أورد على حرمتها بقذارتها لدفع مفسدة هلاك النفس وهو أعظم من أكل المستقذر. هذا كله إذا لم يكن العلة منصوصة بظاهر عام وإلا فلا يحكم بالتخلف بل بتخصيص العام بغير محل النقض لأن تخصيص العموم أهون من تخصيص العلة. الرابع ويسمى الدفع بالغرض كما في نقض التعليل بالخارج النجس بالرعاف الدائم بأن يقال الغرض التسوية بين السبيلين وغيره في النقض قبل الاستمرار والعفو بعده كما في سلس البول فهو راجع إلى منع انتفاء الحكم ولقب أهل النظر هذا المنع بأن الفرع لا يفارق أصله وذكر الإِمام فخر الإِسلام رحمه الله مسألة التأمين من هذا القبيل تنبيهًا على قاعدة في إمكان أن يجاب بالدفع بالغرض عن جميع صور التخلف لمانع بأن يقال الغرض التسوية بينها وبين الأصل إذ لو فرض المانع في الأصل لكان حكمه كحكمها مثلا الأصل في جميع الأدعية الإخفاء لكن لو وضع شيء منها للإعلام جهر به فكذا الأذان. تتمات: 1 - إذا منع وجود الوصف في صورة النقض قيل للسائل أن يستدل عليه ح أو ابتداء إذ به الإبطال وقيل لا لأنه انتقال إلى الاستدلال وقيل إن كان حكمًا شرعيًا فلا إذ هو الانتقال في الحقيقة وفيه منع سلف إلا أن يقول على الاصطلاح وإلا فنعم ليحصل الإبطال بدليله وقيل لا ما دام له في القدح طريق أولى من النقض لأن غصب المنصب والانتقال إنما ينفيان استحسانًا فإذ وجد الأحسن لم ترتكبهما وإلا فالضرورة يجوزهما. ومثله استدلال السائل عن عدم الحكم إذا منعه المعلل خلافًا وتقريرًا. 2 - إذا كان دليل المعلل على وجود العلة في الأصل موجودًا في محل النقض ثم منع وجودها بعد النقض فقدل السائل فينقض دليلك لوجوده في محل النقض بدون مداولة. قيل لا يسمع لأنه انتقال من نقض العلة إلى نقض دليلها. وانظر فيه ابن الحاجب لأن النقض في دليلها نقض فيها ومآله ما مر من جواز الانتقال لتمام الإبطال وهذا إذا ادعى انتقاض دليل الغلبة معنيًا أما لو ادعى أحد الأمرين فقال يلزم إما انتقاض العلة أو دليلها وكيف كان لا يثبت العلية كان مسموعًا اتفاقًا. 3 - قيل الاحتراز عن النقض في أصل الاستدلال بقيد يدفعه واجب لئلا ينتقض. وقيل إلا في المستثنيات أي فيما يرد على كل علة كالعرايا على كل علة للربا من القوت والطعم والكليل إذ لا يتعلق ذلك بتصحيح المذهب حينئذ والمختار عدم وجوبه

لأن النقض دليل عدم العلية فهو بالحقيقة معارضة ونفى المعارض لا يلزم المستدل ولأن ذلك القيد لا يدفع النقض إذ يقول هذا وصف طردي والباقي منتقض وفي الثاني بحث. 4 - قال علماؤنا رحمهم الله النقض يلجئ أصحاب الطرد إلى القول بالأثر أي بشرط أن يسامحهم بتجويز الانتقال وأن يسلكوا تخصيص الدعوى بغير صورة النقض كقول الشافعي رحمه الله في أن النية شرط في الوضوء التيمم والوضوء طهارتان فيكف يفترقان. فإذا نقضنا بتطهير الخبث فإن خصص إرادته بطهارة الحديث سلكنا الممانعة في نفس الحجة بالوجوه السالفة وإن دفع النقض بأنهما تطهيران تعبديان إذ لا مزال لطهارة العضو حسًا وشرعًا فلا إزالة فلا تطهير إلا بالقصد الشرعي بخلافه. قلنا الوضوء من حيث إنه تطهير بالماء المطهر بخلقته معقول بخلاف التيمم بالتراب الذي هو تلويث بخلقته فلا بد من النية ليكون تطهيرًا تعبديًا أو ليقوم التراب مقام الماء قيامًا تعبديًا ثم لا نية وإن كان من حيث أنه إزالة لنجاسة حكمية تعبديًا لبهن النية تطلب لتصحيح الفعل أو الألة لا لتصحيح المحل. حاصله أن ها هنا حكمين حصول الطهارة باستعمال الماء وتغير صفة المحل من الطهارة إلى النجاسة بخروج النجس والنقص الدال على الأول معقول المعنى وعدم المعقولية كما قال فخر الإِسلام في النص الدال على الثاني أي على سراية النجاسة حكمًا من المخرج إلى جميع البدن ويعنى بذلك أن العقل لا يدركها لولا تنبيه الشارع عليها فإن الشرع لما جعل طهور النجس الكامن في البدن مانعًا من المناجاة مع الرب تعالى التي لا تقوم ببعض البدن دون البعض وهي الصلاة كالعلم أوجب شرابه حكمه إلى الجميع في حق المناجاة كسراية كرامة العلم بخلاف الخبث الواصل من الخارج وفي غير المناجاة. وسره أن النجس الكامن لازم شامل للبدن فكان من قضيته أن يستحيل المناجاة لكن جوزت معه للضرورة ما دام كامنًا فإذا ظهر اندفعت الضرورة وعاد حكم شموله ولا كذلك العارض وهذا معنى ما في الهداية أن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة أي عن جميع البدن لا عن المخرج فقط كما ظن وهذا القدر في الأصل يعني السبيلين معقول أي بعد تنبيه الشرع فعدى إلى غيرهما إذ المعقولية بهذا المعنى كافية في التعدية وإن لزم في ضمنه تعدية أمور غير معقولة عنها الاحتراز بقيد القدر جائزة كما مر من تعدية استواء الجيد والردى في ضمن تعدية حرمة الربا. منها الحدث الساري بالاقتصار على وظائف الأعضاء الأربعة لضرورة دفع الحرج في الحدث الأصغر الذي يكثر وجوده بخلاف الأكبر الذي يندر بإقامة حدود البدن التي هى

منشأ الأفعال ومجمع الحواس ومحال مجال الطهارة ومظان إصابة النجاسة مقام كله ولولا ذلك لربما أدى إلى إفساد البدن وهذا لا يجعل الاقتصار معقولا كما ظن لأن المستحسن بالضرورة لا يعلى إلا إلى ما في معناه من كل وجه وليس كذلك وإلا لما احتيج إلى إثبات المعقولية. ومنها المسح الذي هو تطهير غيره لأن جل الوضوء لما كان معقولا جعل كأن كله كذلك أو لأنه قام مقام غسل الرأس دفعًا لحرج آخر فأخذ حكمه وهذا كتعدية التيمم حال فقدان الماء لكونه خلفة لم يشترط النية له أيضًا. ومنها إن لم يتنجس الماء بأول الملاقاة كما عدى ضمنًا في طهارة الخبث أيضًا من الماء إلى سائر المايعات وإنما لم يتعد تطهير الحديث إليها مع معقولية هذه لا بالقياس لأن تعدية في الخبث كان لمعنى القلع لا لكونه تطهيرًا والحكمي لا يوصفى بالفعل ولا بالدلالة لأنها ليست كالماء في الكثرة والإباحة ففيها حرج. والتحقيق أن تطهير الحدث بولغ فيه ليقوم مقام التطهير الشامل حتى للباطن أيضًا حكمًا فاختص بالماء المخلوق لذلك بخلاف الخبث هذا ولو سلم أن سراية الحديث إلى جميع البدن غير معقولة فإنما عديت إلى غير السبيلين في ضمن تعدية زوال الطهارة بخروج النجاسة ولو عن المخرج فقط كتعدية الاقتصار على الوظائف الأربع في ضمن تعدية حصول الطهارة باستعمال الماء فظهر من هذا التدقيق الفروق الثلاثة أعنى بين الوضوء والتيمم ومسحيهما بالمعقولية وافترقا في شرط النية وبين الحدث والخبث وافترقا في استعمال المايعات وظهر التوفيق بين الشيخين واندفاع ما يرد عليهما من الشبهتين. فإن قلت للشافعى رضي الله عنه طرق أخرى في اشتراط النية: 1 - أن الوضوء قربة وكل قربة يشترط فيها النية ليتحقق الإخلاص ولتتميز العبادة عن العادة. قلنا لا نعلم أن كل وضوء قربة. قيل لأن كل وضوء شرط وكل شرط مأمور به لأن اشتراطه بالأمر وكل مأمور به قربة. قلنا: لا نعلم لأن كل شرط مأمور به فقد ينوب عن المأمور به كالسعى إلى المسجد لا للجمعة قد ينوب عنها سعيها ولئن سلم فلا ثم أن كل مأمور به قربة وإنما يكون قربة لو كان الإتيان به من حيث هو مأمور به كما مر في بحث الحسن ومبناه أن الشرط يعبتر وجوده كيف ما كان لا وجوده قصدًا كسائر الشروط.

2 - أن قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] كقوله: إذا أردت الدخول على الأمير فتأهب أي لذلك. قلنا التاهب للدخول إنما يقتضي وجوده المصحح له لا نيته عند التأهب حتى لو كان التاهب حاصلا قبل الأمر كان كافيًا ولئن سلم فذا فيما يقصد لذاته لا فيما يقصد لغيره. 3 - أن الوضوء فعل اختيارى مسبوق بالقصد. قلنا يقصد نفس الفعل لا بقصد التوسل به إلى غيره. الرابع عشر: الكسر هو نقض المعنى والحكمة وقد سمعت أنه لا يسمع إلا إذا ساوى قد الحكمة في صورة التخلف لقد الحكمة المقتضية للحكم ولم يثبت حكم آخر أليق بتحصيلها ومن يضمن له فإن تحقق صار كالنقض جوابًا وسؤالا وردًا واختلافًا واختيارًا. ولنفى الحكم هنا دفع زائد بتجويز أن يثبت حكم هو أولى بالحكمة كالقصاص للزجر عن القتل المعلل به وجوب القطع. الخامس عشر: المعارضة في الأصل وهي إبداء السائل معنى آخر يصلح للعلية مستقلا أو قيدًا هو جزء في الأول ككون القتل العمد العدوان بالجارح والمستقل إما علة مستقلة كالطعم مثلا أو جزء هو مع الأول علة كمجموع الطعم والكيل. وللكلام فيه طرفان: الأول قال مشايخنا المعارضة في الأصل إن كانت بمعنى إقامة الدليل على نفى علية ما أثبته المعلل فمقبولة وإن كانت بمعنى نحن فيه فأقسام ثلاثة إذ هى إما بمعنى لا يتعدى كالثمنية أو يتعدى إلى مجمع عليه كالطعم من البر إلى الأرز أو إلى مختلف فيه كما إلى الملح والكل معدوم في الجنة وكل من الثلاثة مردود للوجوه الثلاثة السالفة. ومن أهل النظر من أصحابنا من استحسن الأخيرين لأنه مشتمل على الممانعة معنى لقول كل منهما بعلية وصفة فقط فحصل بينهما تدافع فصار إثبات إحديهما إبطالا للأخرى بالضرورة بخلاف الأول إذ لا قائل بصحة العلة القاصرة فينا وظاهر سياق كلام أبي زيد وشمس الأئمة أن الخلاف في الأخير فقط لا مكان أن يدعى المعترض عليه مجموع المعنيين في الأولين لاتفاقهما في الأصل الشاهد فلا تمانع إلا أن يلتزم كل استقلال ما يدعيه أو يثبت المعلل استقلال وصفه قطعًا. وأقول كان مذهبهما أن غرض السائل هدم علته ولا يجب بيان انتفاء ما أبداه في الفرع إذ لو كان غرضه دفع حكمه في الفرع كان مآله عدم العكس وكان استدلال فخر الإِسلام رحمه الله على بطلان أقسامها تارة بالقصور وأخرى بلزوم انقلاب الوظيفة قبل

تمامها وأخرى بأولها إلى عدم العكس ليشمل المذاهب الثلاثة والتقادير الثلاثة، فإن الدليل الثاني عام. قلنا الإجماع على أن فساد كل المعنى فيه لا لصحة الآخر لجواز التعليل بعلل شتى كما مر وعدم القول بصحة علة الآخر ليس قولًا بعدم صحتها فلا يرد أن عدم تأثير إثبات إحديهما في إبطال الأخرى لا ينافى بطلان الأخرى عند ثبوتها لأن مدعي أهل النظر لزوم البطلان لا عدم المنافاة غير أن لهم قاعدة شريفة هى أن هذه المعارضات مفارقات وهي لا تقبل كما مر. فإذا صح أصلها أي صح منعًا للعلة المؤثرة أذكرها على سبيل الممانعة لتكون مفاقهة مقبولة وعرفت بجعل مفارقة طارد ممانعة كما في قول الشافعي رضي الله عنه إعتاق الراهن تصرف يبطل حق المرتهن فيرد كبيع الرهن. فإن فرقنا بأن البيع يحتمل الفسخ دون الإعتاق لم يقبل فنقول حكم الأصل إن كان البطلان منع لأن شأنه التوقف عندنا وإن كان التوقف لا يمكن تعديته إلى العتق لأنه لا يقبله إذ لا يقبل الفسخ بعد الانعقاد فقد غير حكمه بتعدية البطلان وكذا إن اعتبره بإعتاق المريض لأن حكمه لزوم الإعتاق وتوقف العتق إلى أداء السعاية والمعدى البطلان. وفي قوله في العمد قتل آدمى مضمون فيوجب المال كالخطأ فإن فرق بأن في العمد قدرة على المثل الكامل دون الخطأ لقصوره لم يقبل فنقول حكم الأصل شرع المال معينًا خلفًا عن القود وما عديته إلى الفرع مزاحمته إياه لا الخليفة إذ اتخلف لا يزاحم الأصل فلم يتحقق شرط القياس فيهما. لهم أولًا أنها لو لم تقبل لزم التحكم لأن المبدى يصلح علة مستقلة وجزء كالمدعي علة وقيوده فقبول أحدهما دون الآخر تحكم. قلنا لما جاز ثبوت الحكم بعلل شتى علم عدم التزاحم في العلل فعلة المعلل بعد ثبوتها بشرائطها لا تبطل بإثبات علة أخرى لذلك الحكم فكيف بمجرد دعواها فلا تحكم. ولئن سلم فالمتعدية راجحة بالاتفاق لأن الأصل إعمال العلل وتوسعة الأحكام. قيل معارض بأن الأصل عدم ثبوت الأحكام وبراعة الذمم وبأن أعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما. قلنا على أن الأصل في النصوص التعليل لا سيما عند قيام الدليل على أن للحال معلول والأصل في التعليل التعدية اتفاقًا إذ العمل بها ذلك الأصل قبل وجود العلة والمتعارضان معترفان بوجودهما لا سيما إذا ثبت بدليله ومع القول بجواز إعمال كل

منهما لا إهمال. كيف والتعليل بما لا يتعدى وإن صح لا يمنعه دمًا يتعدى بالإجماع. وثانيًا: أن مباحث الصحابة رضي الله عنهم كانت تارة جمعًا بين الأصل والفرع في الحكم وأخرى فرقًا بينهما وذلك إجماع على إبداء وصف فارق في معارضة وصف جامع أبداه المعلل وقبوله. قلنا بل كانت مفاقهة بالوجه السالف. تتمتان على تقدير قبولهما: 1 - قيل يجب على السائل بيان أن وصفه المبدى منتف في الفرع لينفعه إذ لولا انتفاؤه فيه ثبت الحكم وهو مطلوب المعلل. وقيل لا لأن غرضه هدم الاستقلال الوصف المدعى علة. وقيل إن تعرض لعدمه فيه لزمه بيانه وإلا فلا وهو المختار لوجهى الهدم والالتزام. 2 - قيل يحتاج السائل إلى أصل يبين تأثير وصفه الذي أبداه فيه حتى يقبل كان بقول العلة الطعم دون القوت كما في الملح. والمختار لا لأن غرضه إما هدم استقلال علة المعلل ويتم بجزئية ما أبداه فلا يلزم بيان عليته بالتأثير في أصل وإما هدم المعلل عن تعليله والاحتمال كاف في ذلك. وقيل ولأن أصل المعلل أصله فلا يحتاج إلى أصل آخر. وفيه شيء إذ الكلام في تأثيره فيه فلا بد لبيانه من أصل آخر. الطرف الثاني في جوابها: وله وجوه: 1 - منع وجود الوصف مثل أن يعارض الكيل بالادخار فنقول العبرة لزمن الرسول عليه السلام ولم يكن مدخرًا حينئذ ولم يكن مكيلا حينئذ. 2 - طلب تأثير وصفه وإنما يسمع منه إذاكان معللا بالتأثير لا بالسير. 3 - بيان خفائه أو عدم انضباطه أو منعهما. 4 - بيان أن وصفه عدم المعارض في الفرع وعدمه طرد لا يصلح للتعليل مثاله في قياسهم المكره على المختار في القصاص بجامع القتل. فنقول معارض بالطواعية إذ العلة هو القتل معها فيجب بأنها عدم الإكراه والإكراه مناسب لعدم القصاص فهو عدم معارض القصاص. قلنا بل بالعكس لأن الطواعية دليل الرضاء الصحيح والإكراه يعدمه. 5 - إلغاء وصفه ببيان استقلال الباقي بالعلية في صورة ما بظاهر نص أو إجماع.

مثاله قولهم في يهودى صار نصرانيًا أو بالعكس بدل دينه فيقتل كالمرتد فتعارضه بأن العلة فيه الكفر بعد الإدمان فيجيبون بأن التبديل معتبر في صورة ما لقوله عليه السلام من بدل دينه فاقتلوه. قلنا الدين الذي تبين حكمه ويحرص على ملازمته ويهدد على تركه هو الدين المعتبر عنده وهو الإِسلام لقوله تعالى: {إِنَّ الدَّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 19] ولأنه منصرف الإطلاق هذا إذا لم يتعرض للتعميم فلَو قال فثبت اعتبار كل تبديل للحديث لم يسمع لأنه إثبات بالنص لا تتميم للقياس بالإلغاء. تتمات: 1 - بيان المعلل ثبوت حكمه في صورة دون وصف المعارض لا يكفى إلغاء لجواز علة أخرى فيها فلو أبدى المعارض في صورة عدم وصفه وصفًا آخر يخلفه لئلا يكون وصف المعلل مستقلا فسد الإلغاء ويسمى هذا تعدد الوضع لأن التعليل بالباقي في كل صورة منهما على وضع أي مع قيد آخر مثاله قولهم في أمان العبد للحربي أمان من مسلم عاقل فيقبل كالحر لأن الإِسلام والعقل مظنتان لإظهار مصلحة بذل الأمان فتعارض بأن العلة الحرية لأنها مظنة فراغ القلب للنظر فإظهارها معها أكمل فيقولن بأن الحرية لأنها مظنة فراغ القلب للنظر فإظهارها معها أكمل فيقولون بأن الحرية ملغاة لاستقلالهما في العبد المأذون له من سيده أن يقاتل. فنقول إذن السيد له خلف عن الحرية لأنه مظنة بذل الوسع في مصالح القتال أو لعلم سيده بصلاحيته لإظهار مصالح الإيمان. وجوابه إلغاء المعلل ذلك الخلف بصورة أخرى فإن أبدى خلفًا فكذا وهلم جرّا إلى أن يقف أحدهما فيكون الدبرة عليه فإن وجد صورة لا خلف فيها تم الإلغاء وإلا عجز المعلل. 2 - لا إلغاء بضعف الحكمة بعد تسليم وجود المظنة نحو الردة علة القتل فيعارض بأنها مع الرجولية لأنها مظنة الإقدام على قتال المسلمين فيجاب بأنها لا تعتبر وإلا لم يقتل مقطوع اليدين إذ احتماله فيه أضعف منه في النساء فلا يقبل حيث سلم أن الرجولية مظنة معتبرة شرعًا كترفه الملك في السفر لا يمنع رخصته لأن مقدار الحكمة غير مضبوط. 3 - لا يكفى ترجيح ما عينه المعلل وصفًا بوجه جوابًا عن المعارضة إذ لا يدفع أولوية استقلال وصفه احتمال الجزئية فلا يعد في ترجيح بعض الأجزاء على بعض ولا كون ما عينه متعديًا والآخر قاصرًا عندهم إذ مرجعه الترجيح بالاتفاق عليها والاتساع

السالف. 4 - قيل يجب على المعلل الاكتفاء بأصل واحد لحصول الظن به والزيادة لغو والصحيح جوازه لأن الظن يقوى به. وبعد تعدده فقيل يقتصر في المعارضة على أصل واحد لأن إبطال جزء كلامه إبطال له. وقيل لا وهو المختار إذ لو سلم أصل لكفاه وبعد معارضة الجميع قيل يكفى للمعلل دفعها عن أصل وهو المختار إذ يحصل به مطلوبه. وقيل لا لأنه التزم الجميع فصار الجميع مدعي بالعرض فلزمه الذنب عنه. تحصيل: وربما يذكر ها هنا سؤال التركيب وسؤال التعدية. والأول راجع إلى منع حكم الأصل أو منع العلية إن كان مركب الأصل وإلى منع الحكم أو منع وجود العلة في الفرع إن كان مركب الوصف. والثاني: إلى معارضة علة متعدية إلى موضع كالبكارة في البكر الصغيرة والنزاع في البكر البالغة بمتعدية أخرى إلى موضع آخر كالصغر إلى الشيب الصغيرة وتعرض التساوي في التعدية لدفع الترجيح بها ولاشتهارهما باسميهما إفرادًا بالعدد وعد الأسئلة باعتبارهما خمسة وعشرين. السادس عشر: منع وجوه العلة في الفرع: هو أول الخمسة للنوع الخامس الوارد على دعوى وجودها فيه فدفعه إما بالممانعة أو بالمعارضة أو بدفع المساواة فباعتبار ضمية في الأصل أو مانع في الفرع فرق وباعتبار نفس العلة اختلاف في الضابط أو في المصلحة. مثاله قولهم إيمان العبد إيمان صدر عن أهله كالعبد المأذون له في القتال فيقال لا نعلم أهليته له وجوابه ببيان ما يعني بالأهلية ثم بمِان وجوده بحس أو عقل أو شرع. فنقول أريد بها كونه مظنة لرعاية مصلحة الإيمان وهو بإسلامه وبلوغه كذلك عقلا ثم الصحيح أن لا يمكن السائل من تفسيرها بوجه آخر بيانًا لعدمها لأن التفسير وظيفة اللافظ وإثباتها وظيفة المدعي. السابع عشر: المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم فيه أو مما يستلزم نقيضه وهو المسمى بمطلقها وهو في ذلك كالمعلل في وظائفه فيقلب الوظيفتان والمختار قبوله إذ لا يتحقق ثبوت الحكم ما لم يعلم عدم المعارض. قالوا فيه قلب التناظر قلنا مقصودها هدم دليل المعلل كأنه قال عليك بإبطال دليلي

ليسلم دليلك وكيف يقصد به إثبات شيء وقد سبقه معارض. وجواجها جميع الأسئلة السالفة مع أجوبتها. وقد يجاب عنه بالترجيح والمختار قبوله لإجماع على وجوب العمل بالراجح. وقيل لا لأن المعتبر حصول أصل الظن لا تساوي الحاصل فيه بهما وإلا فلا معارضة لامتناع العلم به وعلى المختار قيل يجب الإيمان إلى الترجيح في متن الدليل إذ العمل به فلا يثبت الحكم دونه والمختار عدم وجوبه لأن الترجيح خارج عن الدليل وشرط لا مطلقًا بل إذا ظهر المعارض لدفعه لا أنه جزء الدليل. تتمة: قال مشايخنا رحمهم الله: المعارضة والمراد بها ها هنا إما اللغوية وهي المقابلة بالتعليل على سبيل الممانعة كما أريد بالمناقضة إبطال التعليل ليشمل الأقسام وإما الصناعية فيهما لكن بالمعنى الأعم من حقيقتهما أو الملحق بهما إما في الحكم المطلوب وإما في مقدمته أي في العلة وأثا كان فإن تضمن إبطال دليل المعلل فمعارضة فيها مناقضة لكونها إقامة الدليل على خلاف مدعاه وإبطالا لدليله والتسليم في المعارضة فرضي لا حقيقي أو ظاهري لا معنوي وإلا فمعارضة خالصة وليس فيها الإبطال بل التساقط للتعامل فربما كان الباطل دليله فهذه أربعة أقسام: 1 - معارضة فيها مناقضة في الحكم وهي معارضة فيه بدليل المعلل وإن كان بزيادة شيء فيه تقرير وتفسير لا تبديل وتغيير فإما على عين نقيض حكمه وهو القلب أي النوع الثاني منه وإما على حكم آخر يلزم منه نقيضه وهو العكس أي النوع الثاني منه مثال القلب قولهم صوم رمضان فرض فلا يتأدى إلا بتعيين النية كالقضاء فنقول صوم فرض فيسمى عن التعين بعد تعيينه كالقضاء لكن ها هنا قبل الشروع وفي القضاء به. وكقولهم مسح الرأس ركن فيسن تثليثه كغسل الوجه فنقول ركن فلا يسن تئليثه بعد إكماله بزيادة على الفرض في محله وهو الاستيعاب كغسل الوجه فلما جعلت الوصف شاهدًا لك بعد ما كان شاهدًا عليك كأنه كان ظهره إليك فصار وجهه إليك فقد قلبته من قلب الجراب ظهر البطن ومثال العكس كقولهم في النفل عبادة لا يمضى في فاسدهما فلا يلزم بالشروع كالوضوء فنقول لما كان كذلك وجب أن يستوى فيه النذر والشروع كالوضوء فإن النذر والشروع كالتوأمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر لأن أحدهما عهد يجب الوفاء به بالنص والآخر عزم يجب إتمامه به وذاك مم بشمول العدم وذا باطل لوجوجها بالنذر إجماعًا فبشمول الوجود وكقولنا الكافر يملك بيع العبد المسلم فيملك شراؤه كالمسلم قالوا فوجب أن يستوى فيه الابتداء والبقاء كالمسلم فحين انتفى البقاء

والقرار انتفى ابتداء. قلنا: مبنى على إثبات التسويقين الابتداء والبقاء وليس إلى السائل ذلك والقلب أقوى منه لوجوه ولذا قيل بأنها معارضة فاسد من وجه صحيحة من آخر. 1 - أنه جاء بحكم آخر فذهبت المناقضة إما صورة فظ وإما معنى فلما سيجىء أن الاستواء في كل منهما بمعنى آخر. 2 - أنه جاء بحكم مجمل لتناوله الشمولين فيناسب الابتداء لا البناء مع أن المفسر أولى. 3 - أن الاستواء الذي في الفرع غيره في الأصل فلم يكن المعدى حكم الأصل إلا من حيث الصورة ومقصود الكلام معناه وهذا هو النوع الثاني منه لأن فيه رد الشىء على سنن هو خلاف سننه ويسمى قلب التسوية فقيل لا يقبل للوجوه الأربعة وقيل يقبل وعليه الإِمام الرازى لأن فيه معنى القلب أي جعل الوصف لك بعد ما كان عليك ولذا عده صدر الإِسلام من أقسامه لكنه أضعف وجوه القلب لما مر مرتين والنوع الأول من العكس هو الحقيقي منه إذ فيه رد الشىء على سننه الأول كعكس المرآة إذا رد نور البصر بنوره حتى أبصر الرائي وجهه هذا عند بعض المتكلمين وعند المعتزلة والحق فيه عند أكثر الأشعرية وأهل السنة أن رؤيتها بخلق الله تعالى الصور فيها عند الاستعداد والمقابلة ولذا ينطبع صور الجمادات والأعمى ولا تزول صورة الرائي بنظره إلى غير المرآة يؤيد الأول توقف رؤيتها على محافظة نسبة زاوية الانعكاس لا بكل مقابلة مثاله ما يلتزم بالنذر يلتزم بالشروع كالحج وعكسه الوضوء وهذا ليس من المعارضة في شيء بل يصلح لترجيح العلة المنعكسة على غيرها لإفادته قوة الظن وثانيها معارضة خالصة فيه وهي المعارضة بدليل آخر فيها ما يثبت نقيض الحكم المعلل تعيينه نحو مسح الرأس ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالغسل فنقول مسح فيه لا يسن تثليثه كمسح الخف. ومنها ما يثبته بتغيير لكن فيه نفى لما أثبته الأول أو إثبات لما نفاه كقولنا في اليتيمة صغيرة فتنكح كالتي لها أب أو جد فيقال صغيرة فلا يولى عليها بولاية الأخوة كالمال فقد غير الأول حيث لم ينف مطلق الولاية بل ولاية بعينها لكن إذا انتفت هى انتفى سائرها بالإجماع أي لعدم القائل بالفصل. ومنها ما يثبت حكمًا آخر يلزم منه ذلك النقيض كما في التي نعى إليها زوجها فنكحت وولدت ثم جاء الأول فهو أحق بالولد عند الإِمام رضي الله عنه لأنه صاحب فراش صحيح فيقولان الثاني صاحب فراش فاسد فيستحق النسب كمن تزوج بغير شهود

فولدت فالمعارض وإن أثبت حكمًا آخر لكن يلزم من ثبوته من الثاني نفيه من الأول لأن النسب لا يثبت من شخصين لا سيما في دفعتين أما في دعوى الشريكين ولد جارية مشتركة معًا والاثنين نسب اللقيط فإنما يثبت منهما حتى يرثهما ويرثانه لا بالشركة في النسب إذ الأب الحقيقي أحدهما بل لعدم الأولوية أضيف إليهما في حق الأحكام ولذا لو ظهر رجحان أحدهما بوجه تعين منه. فإذا صح المعارضة احتيج إلى ترجيح الأول بأن صحة الفراش والملك أولى بالاعتبار من الحضور لأنها توجب الحقيقة وهو لفساده الشبهة ولا يقال بل في الحضور حقيقة النسب لأن الولد من مائة لأن الحديث يكذبه فإنه عاهر حقيقة وإن كان ذا فراش صورة فالقول للإمام لا لصاحبيه وإنما لم يذكر أقسام المحضة خمسة لأن ثاني القلب والعكس ببطلان الدليل أيضًا فليسا محضة وثالثها معارضة فيها مناقضة في المقدمة وهي النوع الأول من القلب وهو جعل هذا أو لأنه لا تغيير فيه بعد القلب والحق أن المتحقق فيه بعفض مفهومي المعارضة والمناقضة أعني إقامة الدليل وإن لم يكن على خلاف مدعي المعلل وإبطال الدليل وإن لم يكن بالتخلف وإنما يراد إذا كان العلة حكمًا شرعيًا وإلا لم يصبح جعله معلولا نحو قولهم الكفار جنس يجلد بكرهم مائة فيرجم ثيبهم كالمسلمين لأن كلا منهما غاية حديهما وبحسب كمال النعمة تفحش الجناية عليها فتغلظ النقمة وقولهم القرائة تكررت فرضًا في الأوليين وكان فرضًا في الأُخريين كالركوع والسجود فنقول المسلمون إنما بجلد يكرهم لأنه يرجم ثيبهم وإنما يكرر الركوع والسجود فرضًا في الأوليين لتكررهما فرضًا في الآخرين ولا يرد وهو المراد بالمخلص إذا ذكر بطريق الاستدلال لا التعليل إذا ثبت المساواة بينهما كالتوأمين لجريانه من الطرفين بخلاف التعليل كما بين اللزوم بالنذر والشروع إذا صح كما في الحج وبين الولاية في المال والنفس كما في البكر الصغيرة. فالوجوب بالعزم فعلا كالوجوب بالعهد قولًا بل أولى من حيث أنه متصل بالركن وعامل في البناء ولأنهما معلولا علة واحدة هى الوفاء بالعهد قوليًا أو فعليًا وكذا الداعي إلى شرع الولايتين العجز والحاجة والنفس والمال سيان فيه والمساواة في المبني هى المعتبرة لا هى من كل وجه وقوة الحاجة إلى التصرف في المال كيلا يأكل الصدقة يعارضها قوتها في النفس من حيث قوة الكفو الخاطب وأصالة النفس بخلاف المثالين الأولين. لهم فإن الجلد والرجم مختلفان في نفسهما فأحدهما ضرب والآخر قتل وفي شروطهما

كالإحصان وهو المراد بالنيابة أي بشرط الكمال. وكذا القراءة قد تسقط بالاقتداء عندنا وبخوف فوت الركعة عنده دون الركوع والسجود وكذا الشفعان ولذا سقط أحد شطري القراءة والجهر من الثاني وإنما قلنا مرادهم بالمخلص عنه عدم وروده من الأول لا دفع الوارد لأن ترك التعليل إلى الاستدلال بعد القلب انتقال فاسد قيل لا يلزم انقطاعه بهذا القلب أذ لو صرح بعلية علته له أن يقول أردت بالعلة المعرف والتعريف من الطرفين جائز كالنار مع الدخان ذكره الرازى في المحصول وإن لم يصرح بقول غرضي الاستدلال. وأقول أما الأول فبطلان المناسبة أو التأثير شرط صحة العلة فلا يكفي التعريف مع أنه من الطرفين في مناظرة واحدة دور لوجوب سبق المعرف. وأما الثاني فعين ما ذكروه. ورابعها المعارضة الخالصة في المقدمة وقد مر أقسامها الثلاثة مع الخلاف في قبولها. الثامن عشر: الفرق قيل هو إبداء خصوصية في الأصل لها مدخل في التأثير وهو معارضة في الأصل قطعًا فقبلها بعضهم لأنه نافع في إظهار الصواب والحق ردها لما مر من الوجوه. وقيل: إبداء خصوصية في الأصل هى شرط أو في الفرع هو مانع وله أن لا يتعرض لعدم الأول في الفرع فيكون معارضة في الأصل إن اعتبر الشرط جزءًا أو يراد به ما يتوقف عليه الوجود لا التأثير ولا العدم الثاني في الأصل فيكون معارضه في الفرع وعلى قول لا بد من التعرض لهما فيكون مجموع المعارضين وفيه نظر لأن التعرض لعدم الشرط في الفرع عدم العكس وهو فاسد والتعرض لعدم المانع في الأصل تقرير لحكمه فكيف يكون معارضة فيه وكذا دعوى المانع في الفرع إنما يكون معارضة فيه لوكان مانع الحكم أما لوكان مانع السبب كان عدم العكس أيضًا فالحق ما قاله أصحابنا أن مقصوده بيان عدم تلك العلة في الفرع ومآله المعارضة في الأصل بأن قيحًا آخر معتبر في علته شرطًا كان أو عدم مانع أو غيرهما حيث يعتبر كل منهما شرطًا للعلة أو شرطًا لوجودها لا لظهور أثرها فهو كهي قبولا وردًا. التاسع عشر: اختلاف الضابط أي مناط الحكم مظنة كان أو حكمة في الأصل والفرع مثاله قولهم شهود الزور تسببوا للقتل فيقتص منهم كالمكره فيقال الضابط في الأصل الاكراه وفي الفرع الشهادة ولم يعتبر تساويهما في المصلحة وجوابه من وجهين: 1 - جعل الضابط هو القدر المشترك كالمتسبب.

2 - بيان إفضائه في الفرع مثل إفضائه في الأصل أو راجح فيه كما إذا كان الأصل المغري للحيوان على القتل فلا شك أن إفضاء التسبب بالشهادة أقوى منه بالإغراء فثمة داع كالانتقام وهنا مانع كنفرته عن الأدمى وعدم علمه بالإغراء فبعد ذلك لا يضر اختلاف أصل التسبب والقياس بين التسببين ومنه قياس إرث المرأة المبتوتة في مرض الموت على عدم إرث القاتل في نقض المقصود من ارتكاب المحرم والحكم إيجاب نقض الغرض لا الإرث وعدم الإرث. ولا يجاب بإلغاء التفاوت فإن المفضي كقطع الأنملة والأشد إفضاء كضرب الرقبة سيان في القصاص إذ لا يلزم من الغاء فارق معين إلغاء كل فارق فقد ألغى علم القاتل وذكورته وصحته وعقله لا إسلامه أو ذمته في مقابلة الاستيمان. قلنا: القصاص جزء المباشرة وإذا لم يؤثر التسبب في مثله وإن لم يكن من شأنه الاحتيال لدرئه كالكفارة فلان لا يؤثر في ذلك أولى كيف وقد تخلل بين شهادة الشهود وبين القتل قضاء القاضي واختيار الولى بخلاف الإكراه الملجئ حيث فسد اختيار المباشر وجعله كالألة المجبورة أما المغري فلا عليه إن لم يسق لتخلل فعل المختار وإن ساق فالدية وقد مر كله. العشرون اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع مثاله قولهما يحد باللواطة كما بالزنا لأنه إيلاج محرم في فرج محرم شرعًا مشتهى طلبًا فيقال المصلحة في الزنا منع اختلاط النسب المفضي إلى عدم تعهد الأولاد وفي اللواطة رذيلة ويعود إلى معارضة في الأصل بإبداء خصوصية فيه كأنه قال العلة ذلك مع إيجاب اختلاط النسب وجوابه جوابها بإلغاء الخصوصية كذا قيل والصحيح أنه كما قبله منع شرط للقياس هو أن يكون الفرع نظير الأصل في المقصود من عين العلة أو بعضها فجوابه بإثبات المساواة فيه سواء بإلغاء الخصوصية أو بإثباتها فيهما. الحادى والعشرون مخالفة الحكمين حقيقة هو أول الاثنين للنوع الوارد على قوله فيوجد الحكم في الفرع إذ لا سبيل إلى منع نفسه لثبوته بدليله بل الاعتراض إما بمجرد دعوى المخالفة بين الحكمين أو بضم أن دليلك يقنض ذلك ويسمى القلب مثالها في قياس النكاح على البيع أو عكسه في عدم الصحة بجامع ما فنقول الحكم مختلف فعدم الصحة في البيع حرمة الانتفاع بالمبيع وفي النكاح حرمة المباشرة وجوابها أن البطلان عدم ترتب المقصود من العقد واختلافه لاختلاف المقصود عائد إلى خصوصية المحلين. الثاني والعشرون: القلب حاصله دعوى استلزام وجود الجامع الطردي في الفرع مخالفة

حكمه لحكم الأصل إما بتصحيح السائل بذلك مذهبه كقول الشافعي رضي الله عنه مسح الرأس مسح في الوضوء فيكتفى بقليل من محله كمسح الخف أو بإبطال مذهب المعلل به ابتداء صريحًا كقوله فيه منح فلا يقدر بالربع كمسح الخف. قلنا فلا يكفي بأقل قليل فيه كمسح الخف أو التزامًا كقوله ركن في الوضوء فيسن التكرار كغسل الوجه قلنا فلا يجوز الإخراج عن حقيقته كغسل الوجه فإن الإخراج عن حقيقة المسح لازم للشكر فنفيه نفى الملزوم وربما يمثل بقول الحنفية بيع غير المرئى بيع معاوضة فيصح مع الجهل بأحد العوضين كالنكاح فيقول الشافعي رضي الله عنه فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح وفيه بحث لأن خيار الرؤية وإن قال به الحنفية لكنه حكم آخر اجتمع معه اتفاقًا فلا يكون لازمًا فلا يستلزم نفيه نفيه لأن شرط الاستثنائى لزومية شرطيته وإن سلم لزومه فالنفى من جانب الملزوم لا يستلزم نفيه قيل هو قائل بهما فعنده بين بطلان أحدهما وثبوت الآخر منع الجمع فاستنثاء عين بطلانه يستلزم نقيض ثبوت الآخر. قلنا ومن شرط ذلك أن يكون مانعة الجمع عنادية كيف ولو صح لصح الاستدلال من بطلان حكم قال به مجتهد على بطلان جميع أحكامه وبطلانه والحق أنه نوع من المعارضة كما مر يشترك فيه الأصل والجامع بين القياسين وإفراده بالذكر لأن فيه اختلافًا والمختار قبوله بل أولى به من المعارضة المحضة لأنه أبعد من الانتقال ولأن فيه هدم دليل المعلل لأدائه إلى التناقض ولأنه مانع له من الترجيح. تنبيه: مشايخنا لم يستعملوا القلب في كتبهم إلا بزيادة من السائل فيها تفسير لا تغيير. وسره أن المعتبر عندهم العلة المؤثرة وهي لا تقلب إلا بها لامتناع تأثير الواحدة في النقيضين من جهة واحدة بخلاف العلل الطردية التي فيها الوجود مع الوجود فقد يتناول عدة. الثالث والعشرون: القول بالموجب هو التزام السائل ما يلزمه المعلل بتعليله مع بقاء نزاعه في المقصود وهو المتعارف في النوع الوارد على قوله وذلك هو المطلوب. فنقول لا نعلم بل النزاع باق لأن الدليل منصوب على غير المتنازع ويسمى عدم تمام التقريب ويعم جميع الأدلة أما في العلل فقد مر أنه يختص بالطردية إلا ظاهرًا أو يقع على ثلاثة وجوه: أن يستنتج من الدليل ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه ولا يكون كذلك إما

بتصريح عبارته كقول الشافعي رضي الله عنه في القتل بالمثقل قتل بما يقتل غالبًا فلا ينافي القصاص كالقتل بالخزق. قلنا عدم المنافاة ليس محلا للنزاع ولا مستتر ماله فإنه وجوب القتل وأما يحمل السائل عبارته على غير مراده كقوله صوم رمضان صوم فرض فيجب تعيينه كصوم القضاء. قلنا وجوبه في الجملة مسلم لكن محل النزاع إما أن الإطلاق تعيين في المتعين أو تعينه بعد التعين وإما التغيير الصريح قيل مدعاه التعين الصريح ولم يسلم وإلا فلا منع. قلنا التسليم لظاهر إطلاقه ولو قيد فالممانعة. وكذا في أكثر الأمثلة والأوجه في مثله أن يقال المراد إما التعين الصريح فلا يلزم من دليلكم وإما التعيين في الجملة فمسلم وحاصل بالإطلاق لأنه في المتعين تعيين لكنه خلاف مطلوبكم فعلى الأول ممانعة وعلى الثاني مما نحن فيه ونحوه قولهم المسح ركن في الضوء فيسن تثليثه. قلنا المراد إما جعله ثلاثة أمثاله فمسلم وحاصل في الاستيعاب بزيادة لأن الحق أن ما زاد على الربع غير مقتضى النص كما مر وأما تكراره فلا نعلم لزومه من الركنية بل المسنون في الركن التكميل كما في أركان الصلاة بالإطالة لكن الغسل لما استوعب المحل صار تكميله بالتكرار والمحل هنا متسع فعلى الثاني ممانعة وقول زفر رحمه الله المرفق غاية فلا يدخل كالليل. قلنا المراد أن لا يدخل إما تحت الغسل فغير لازم إذ ليس غاية له بل للإسقاط وإما تحت الإسقاط فمسلم لكن لا يلزم مطلوبكم فعلى الأول ممانعة. 2 - أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ الخصم وهو يمنعه قيل وأكره من هذا الخفاء المأخذ بخلاف اشتباه المذهب لشهرته وتقدم تحريره كقول الشافعي رضي الله عنه في مسألة المثقل التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه وهو أنواع الجراحات القاتلة. قلنا مسلم ومن أين يلزم من عدم مانع ارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط والمقتضى وإنما يثبت الحكم بالجميع وكقوله السرِقة أخذ مال الغير بلا اعتقاد إباحة وتأويل فيوجب الضمان كالغصب بخلاف أخذ الباغي مال العادل وبالعكس. قلنا نعم لكن اعترض ما يسقطه وهو استيفاء الحد فإنه بمنزلة الإبراء في إسقاط الضمان وكقوله في النفل باشر قربة لا يقضي في فاسدها فلا يقضى بالإفساد كالوضوء.

قلنا نعم حتى وجب القضاء فيما فسد بلا اختياره كمن شرع في النفل متيممًا ناسيًا الماء في رحله ثم تذكر في خلاله أو صب الماء في حلق الصائم لكن وجب القضاء بالشروع بالنص ولئن استبيح من علته فلا يقضى بالإفساد والشروع كالوضوء قلنا مسلم أن القضاء لا يجب بهما في قربة لا يقضي في فاسدها بل بالشروع في قربة تلزم بالنذر وعدم اللزوم لأمر لا ينافي اللزوم لأخر وكقوله في العبد المقتول خطأ في إيجابه قيمته بالغة ما بلغت مال لم يتقدر بدله بالتفويت كالفرس. قلنا مسلم باعتبار المالية لكن يتقدر باعتبار الآدمية المعتبرة في الدية كما في الحر وسيأتي وجه نقضها من ديته وكقوله في إسلام المروي بالمروي أسلم مذروعا في مثله فيجوز كالهروي بالمروي. قلنا مسلم باعتبار المذروعية لا باعتبار الجنسية وكقوله في المختلعة إنها منقطعة النكاح فلا يلحقها الطلاق كنقضية العدة. قلنا نعم لكن يلحقها باعتبار اعتدادها عن نكاح صحيح لأن أثر ملك صريح بخلاف المعتدة عن فاسد وكقوله في تحرير الرقبة الكافرة عن كفارة اليمين أو الظهار تحرير في تكفير فلا يتأدى بها ككفارة القتل. قلنا نعم لولا إطلاق صاحب الحق فإنه كإبرائه إذا لم يحمل المطلق على المقيد وهو الحق كما مر ومبنى الكل أن الصحة باعتبار لا تنافي عدمها بآخر وبالعكس فيقال من أين يلزم من صحته باعتبار صحته مطلقا. والمختار بعد ما قال السائل ليس هذا مأخذي أن يصدق لأنه أعرف بمذهبه أو لعله بزعم أن المقلدة مأخذ آخر. وقيل لا إلا ببيان مأخذ آخر إذ ربما يمنعه عنادًا وعلى ذلك قيل هذا القسم معارضة والحق أنه ممانعة في المقدمة القائلة واللازم هو المطلوب لأن قوله ليس هذا مأخذي كاف. ومنه يعلم أن هذا القسم ليس بتخصيص العلة في الحقيقة لأن التخصيص يستدعى سابق الاعتراف بالمأخذ الذي يروم تصحيحه ببيان المخصص المانع والغرض هنا إبطاله. 3 - أن يسكت عن مقدمة مشهورة ويستعمل قياس الضمير فالسائل يسلم المذكورة ويمنع المطلوب للنزاع في المطوية ثم إن المطوية إما أن يحتمل أن ينتج مع المذكورة نقيض حكم المعلل كقوله المرافق لا تغسل لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا كالليل يعني أنها غاية كالليل فلا تدخل مثله فهو قياس.

قلنا مسلم لكنه غاية للإسقاط ولو ذكر أنها غاية للغسل لم يرد إلا منعها وإما أن لا يحتمله كقوله يشترط في الوضوء النية لأن ما ثبت قربة فشرطه النية كالصلاة. قلنا ومن أين يلزم اشتراطها في الوضوء فهذا يرد لسكوته عن الصغرى إذ لو ذكرها لم يرد إلا منعها نحو لا نعلم أن الوضوء ثبت قربة. قال الجدليون فيه انقطاع أحد المتناظرين إذ لو بين أن المثبت مدعاه أو ملزومه والمبطل مأخذ الخصم أو لازمه أو الصغرى حق انقطع السائل وإلا فالمعلل وهذا في الأولين دون الثالث لاختلاف مراديهما فلو بين المعلل مراده لاستمر البحث بمنع الصغرى. والجواب عن الأول ببيان أن اللازم محل النزاع أو مستلزم له إذ مرجعه إلى منع أحدهما. وعن الثاني أنه المأخذ شهرة أو نقلا. وعن الثالث أن المحذوف المقدر كالمنطوق به. خالقة الفصل: الأسئلة: إما من نوع واحد كالاستفسار أو المنع أو المعارضة أو النقض فيجوز تعدده اتفاقًا أو من أنواع فمنعه أهل سمرقند ليكون أقرب إلى الضبط وإذا جوزناه فالمترتبة طبعًا كمنع حكم الأصل ومنع العلية إذ تعليل الشىء بعد ثبوته منعها الأكثرون لأن في ذكر الأخير تسليم الأول فيكفى جوابه ويلغو ذكر الأول والمختار جوازه لأن تقدير التمسليم لا يستلزمه في نفس الأمر وبعد جواز المترتبة فالواجب ترتيبها وإلا كان منعًا بعد تسليم وبعد وجوبه فالمناسب للطبع تقديم ما يتعلق بالأصل تم بالعلة لأنها مستنبطة منه ثم بالفرع لا بثنائه عليها وتقديم النقض على المعارضة لأن النقض لإبطال العلة والمعارضة لإبطال تأثيرها بالاستقلال وبالجملة الترتيب بالطبع كما وقع الترتيب بالوضع. تذييل في وجوه الانتقال: إذا دفعت العلل تعين الانتقال وهو أربعة أقسام لأنه إما في العلة أو في الحكم أو فيهما والأول اما لإثباتها أو لإثباته وغير الرابع صحيح. فالأول هو الانتقال فيها فقط لاثباتها كمن قاس فمنع حجيته فأثبته بالأثر كقول عمر رضي الله عنه لأبي موسى أعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور فمنع حجيته فأثبته بخبر الواحد كقوله عليه السلام "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" فمنع حجيته فأثبته بالكتاب كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل

عمران: 187] الآية أوعد كل واحد بترك البيان لأن الاستغراق بمعنى كل فرد فيكون بيانه حجة. ومنه إثبات وصف القياس بعد ما منع كإثبات أن إيداع الصبي تسليط على الاستهلاك. والثاني وهو الانتقال في الحكم فقط حين قال السائل بموجبه ونازع في أمر آخر فإن إثبات حكم آخر بتلك العلة آية كمال الفقه وصحة وصفه كقولنا الكتابة عقد يقال بالتراضي ويفسخ بالتعجيز فلا يمنع الصرف إلى الكفارة كإجارة العبد وبيعه بالخيار. فإذا قيل بالموجب مسلم أنه لا يمنع بل تمكن النقصان في رقه هو المانع كعتق أم الولد والتدبير. قلنا لما قبل الفسخ لم يوجب نقصانًا مانعًا من الصرف إليها لأن كل ما أوجب نقصانًا لا يقبل الفسخ اعتبارًا لبعض الحرية بكلها فكذا عكس نقيضه. فإذا قيل بالموجب نعم لكن يتضمن معنى يمنع الصرف وهو صيرورته إما كالزائل عن ملك المولى ولذا يلزمه الإرش لو جنى عليه ويضمن قيمته لو أتلفه وعقر مكاتبته لو وطئها وإما كغائب المنفعة لأن منافعه ومكاسبه صارت لنفسه. قلنا لما احتمل الفسخ وجب أن لا يتضمنه كالبيع بالخيار وقد زال به عن ملكه من وجه وهو بالنظر إلى السبب وكالإجارة المفوتة للمنافع عن ملكه. والثالث الانتقال فيهما ولا بد من كون الثاني مما يحتاج إليه الأول وإلا كان حشوا كما إذا انتقل إلى حكم بعدما قال السائل بموجب ونازع في حكم آخر لم يتمكن المعلل من إثباته بالعلة الأولى فأثبته بعلة أخرى نحو قوله المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه وحين قيل بالموجب لكن بلا تكرار قال فرض فيه فيسن تكراره وفيه ضرب غفلة حيث لم يعلم المعلل موضع النزاع في أول تعليله. والرابع: وهو الانتقال فيها فقط لإثباته يعد انقطاعا لأنه لم يقدر على الوفاء بما التزمه من التعليل بخلاف الأقسام السابقة فإن أثر التعليل قد تم فيها أو سلم للقول بموجبه ولأنه يفضي إلى طول المناظرة لأنه كلما رد تعلق بآخر ولم يحصل مقصود المجلس والشىء يفوت بفوت مقصوده. وإنما قلنا يعد لأنه عرف مخصوص للنظار صيانة لمجلس الأبرار عن الإكثار وإلا فطلب ظهور الثواب يجوزه طال أو قصر جواز الانتقال في البينات لإثبات الحقوق والفرق بينهما أن تعدد المجلس متعارف في إثباث الحقوق لا المناظرة وأن البينة لا تصحب المدعى غالبًا بخلاف العلة.

الفصل السادس: في بيان أسباب الشرائع

وقيل صحيح لانتقال الخليل عليه السلام في محاجة اللعين فالانقطاع هو الانتقال إلى غير ما به يتم المط تلبيسًا ودفعًا لظهور إفهامه. قلنا تعليله الأول كان لازمًا لأن المراد حقيقة الإحياء والإماتة فلا يدفع معارضة اللعين بمجازهما وهو إطلاق مسبحون وقتل آخر فإن القتل غير الأمانة أو نصب معزول وعزل عامل لكنه انتقل لدفع الاشتباه على القوم فإنهم كانوا ظاهرين لا يتأملوا في حقائق المعاني ومثله لا كلام في حسنه على أن فيه أقوالًا تفيد أن الثانية مبينة للأولى. 1 - إن معنى قول اللعين أنك إن ادعيت الإحياء والإماتة بلا واسطة من الأوضاع الفلكية وغيرها فممنوع أو بها فأنا أفعلها كبالجماع وسقي السم فأجاب عليه السلام بأنا ولئن سلمنا الواسطة فلا بد أن ينتهى إلى الواجب كما يظهر ذلك من تلك الأوضاع في طلوع الشمس من المشرق. 2 - أن مراد إبراهيم عليه السلام ربي الذي يوجد الممكنات ويعدمها بإقامة مثالهما وهو الإحياء والإماتة مقامهما فلما اعترض جاء بمثال أجلي فالانتقال في المثال. 3 - أنه تأكيد للأول بالتعريض فكأنه قال الإحياء أعادة الروح فهان تقدر عليه أعد الشمس التي هو روح العالم من جانب الغرب إليه. 4 - ما قاله مولانا الرومي أنه عليه السلام قال إن كنت قادرا على الإحياء الصوري فأت بشمس الإنسان من مغرب القبر إلى مشرق الرحم الذي خلقه الله تعالى وإن كنت قادرًا على الإحياء المعنوى فأت بشمس العرفان من مغربها الذي هو الاستغراق في المعاصى وقد أتى الله بها من مشرق المجاهدات فبهت الذي كفر إذ لا يقدر عليهما إلا خالق القدر. تتمتان: 1 - الظاهر أن الأول يرد على الممانعة والثاني والثالث على القول بالموجب والرابع يعم فساد الوضع وغيره. 2 - قال شمس الأئمة الانقطاع أربعة أظهرها السكوت كاللعين ثم إنكار الضرورى لأنه آية بينة للعجز ثم المنع بعد التسليم ومنه منع المبرهن من غير تعرض لبرهانه ثم العجز عن تصحيح علته الأولى وهو قريب من ابتداء العجز عن إثبات مدعاه وهذا انقطاع للمعلل لا للمعارض فله المعارضات المتتابعة كذا في الميزان. الفصل السادس: في بيان أسباب الشرائع المنوط بها الواجبات وجواز الجائزات في كل الاعتقادات والعبادات والمعاملات

الأول في الأسباب

والمزاجر وفي حكم تلك الأحكام فإن قياس الأمر بالأمر يبتنى على معرفتهما. ففيه قسمان في كل منهما مباحث أربعة: الأول في الأسباب ولها تذكيرات: 1 - أن موجب الأحكام الشرعية هو الله تعالى في الحقيقة ولا يسأل عما يفعل لكنه ناطها بأسباب ودلائل وربطها بأمارات ومخائل تيسرًا عليها فهم الحكم الغائب تفضلا بذلك على المكلف الطالب. 2 - أن المنوط بالأسباب في الواجبات نفس الوجوب الجبري المبني على السبب والأهلية لا القدرة فإن الخطاب لطلب أداء ما وجب بها اختيارًا ففيه يشترط القدرة بمعنى صحة الأسباب والآلات بل بمعنى توهمها كما فيمن تأهل في الجزء الأخير أو بإقامة أسباب الخلف مقام أسباب الأصل وكلاهما لا يجاب الخلف احتياطًا في الامتثال بقدر الإمكان فنحو وجوب قضاء الصلاة على من جن أو أغمي عليه دون يوم وليلة أو نام في جميع الوقت وقضاء الصوم وإن استغرق النوم والإغماء الشهر دون الجنون بفرق الندرة لتحقق نفس الوجوب إن بني وجوب القضاء عليه وليس فيها وجوب الأداء ولتوهم قدرة فهم الخطاب بتوهم الزوال والانتباه إن بنى بنى على وجوب الأداء وقد مر دليل القولين وكذا وجوب العشر والفطرة على الصبى إجماعًا والزكاة عند الشافعي رضي الله عنه إما باعتبار نفس الوجوب وإما باعتبار الخطاب لأوليائه. 3 - أن السببية تعرف بالإضافة ودخول لام التعليل وباء السببية والاختلاف باختلاف صفة السبب والتكرار بتكرره وبطلان التقديم عليه كما مر تحقيقها. المبحث الأول: في الاعتقادات وهي الإيمان بتفاصيله. قالوا سببه حدوث العالم بيانه أن الإيمان واجب نقلا للأوامر في الآيات والأحاديث ولكونه مقدمة لكل واجب مطلق وعقلا لأن حدوث العالم الذي تفصيله آيات الآفاق والأنفس يقتضيه كما يدل عليه قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] أي يعلم أنه المَوجود لذاته لدلالة الحدوث على محدث واجب لذاته لئلا يتسلسل والدور يستلزمه والتسلسل مح لأنه لو تسلسل علل الحادث إلى غير النهاية توقف حدوثه على انقضاء ما لا نهاية له وهو مح والموقوف على المحال محال. ولذا سمى عالمًا فلوجوبه الذاتي يتصف بجميع الكمالات ويتنزه عن جميع النقائض والحدوث الزماني دليل المختار وهو الحق والحدوث الذاتي دليل الموجب ولأن نفس

المبحث الثاني في العبادات

المكلف عالم وهو أبين الأدلة عنده كان وجوبه ملازما لكل من هو أهله فصح إيمان الصبي المميز لوجود سببه وركنه ولا حجر فيما لا يحتمل عدم المشروعية وإن لم يكلف به كتعجيل المؤجل وكما إذا أكره مريد للإيمان على السكوت لا يكلف بأدائه. فإن قلت ليس المقتضي للإيمان نفس الحدوث بل العلم به لأن دليل الشيء ما يلزم من العلم به ذلك ولئن سلم لا يقتضي وجوبه والكلام فيه أيضا العلم بصحة النقل موقوف على الإيمان فلو فهم من النقل دار. قلنا عن الأول العلم بالحدوث لكونه بديهيًا لا ينفك عنه عند العاقل فجعل الحدوث والعلم به شيئًا واححًا لذلك فإنما يجعل دليلا وسببًا بالاعتبارين ثم العلم به يوجب الإيمان الذى هو العلوم المخصوصة. وعن الثاني أن الموقوف وجوبه والموقوف عليه نفسه. فإن قلت ما المخلص في مكلف معاند يقول لا أو من ما لم أعرف وجوبه. قلت بأن يعرف عليه المعجزات الآخر فيؤمن بضرورة فيعرف الوجوب من النقل. واعلم أن الإيمان أقدم مباني الإسلام لأن كمال الإنسان بالعلم أولا ثم العمل كما جمع بينهما في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] الأية ومقصود العلم هو التوحيد ولذا عهد إليه المحافظة بقوله {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]، وركز في عقله أدلته ووعد له إظهاره وتوفيقه لإخراجه بقوله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا} [فصلت: 53] الأية لكن مجرد التوحيد أعني ذاتًا وصفة وفعلا يؤدى إلى الجبر المحض وَلا يتم أمر التكليف والكمال إلا بالجمع بين الجبر والقدر إذ به يظهر صفات جماله وجلاله كما قال: "فخلقت الخلق لأعرف" فقرن بالتوحيد قوله محمد رسول الله تنبيها على أنه كان كنزا مخفيًا في عماء وبظهور الوجود الإضافي في المظهر المحمدي ظهر جميع أسمائه وصفاته فالإيمان التصديق بجميع ما جاء به الرسول وهو مبنى الإسلام وإن وجد غيره معتبر بدونه كقوله تعالى: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] ومحل الإيمان القلب ومحل الإسلام الغير المعتبر البدن ومحل الحقيقي المعتبر الجملة فبينهما عموم من وجه في الظاهر ومطلقًا في الاعتبار نعم إذا رسخ علم التوحيد استلزم جميع الفضائل فكان بينهما مساواة في الوجود. المبحث الثاني في العبادات فسببها إجمالا ما علق به من وقت وغيره وتفصيلا. فالصلاة سببها الوقت وتأثيره عقلا غير ملتزم لأنه ليس بعلة عقلية وإن ذكر في بيانه

أن كون العبد محفوفًا بنعم لا تحصى كما في الآية اقتضى استغراقه في العبادة التي هى الذكر بلا نسيان والطاعة بلا عصيان والشكر بلا كفران فأقام الله تعالى الأوقات التي شرفها مقامه. ثم الزكاة سببها ملك النصاب النامي حقيقة أو تقديرًا بالحولان للإضافة والتضاعف بتضاعفه ومنه تكررها بتكرر الحول لأن تجدد النماء تجدد المال الناس وسبب الفطرة رأس مال يمونه أي يتحمل نفقته بخلاف الابن الصغير الغني إلا عند محمَّد رحمه الله ويلى عليه أي ينفذ عليه قوله ساء أوابي كما في التزويج والاجارة وغيرهما. قال أبو اليسر وعند الشافعي رأس يمونه فقط فعلى الزوج صدقة الزوجة وعلى الأب صدقة الابن الزمن البالغ خلافًا لنا وقيل سببها الوقت عنده للإضافة. قلنا الصدقة مؤنة شرعية أصلية فيتعلق بكونه مالك رأسه ووليه لأن الأصل في باب وجوب المؤن رأس بلى عليه كما في العبيد والبهائم وذلك لأنه يعمل من خبرى عن فإن عن الانتزاعية هنا داخلة إما على السبب أو على محل يكون الوجوب عليه ثم سرى عنه إلى الولي والمولى سراية الدية من القاتل إلى العاقلة. والثاني مح لأن العبد لا مال له لتجب عليه. والكافر ليس أهلا للقربة والفقير إذ ليس على الخراب خراج فتعين الأول والوقت شرط أضيف إليه مجازًا بأدنى ملابسة أي بلا سببية كحجة الإِسلام وصلاة السفر وتضاعفه بتضاعف الرأس حقيقي وبتضاعف الوقت مجازى لا بالعكس لوصف المونة فإنها سبب بقاء الرأس لا الوقت وهذا أولى من التوجيه بأن تضاعفه بتضاعف الرأس ليس بإلحاق غير السبب بالسبب فيه لأنه غير وارد بخلاف الإضافة إلى غيره وتكررها لتكرر الرأس يمنع شرطيته وعند تكرر الوقت لتكرر المؤنة. وللعشر الأرض النامية حقيقة للإضافة وكونه حقًا ماليًا كالزكاة غير أنه مقدر بجزء من الحادث خروجه فلا يكفي النماء التقديرى بخلاف الزكاة والخراج فإن سببه الأرض النامية ولو تقديرًا ولتعلقه بعين الخارج لم يجز تعجيله بخلافهما. وصاركونهما مؤتة أنه سبب بقاء الأملاك في يد الملاك ففى العشر باستنزال النصر بدعاء الضعفاء والاستمطار في السنة الشهباء وفي الخراج بمقاتلة المقاتلة الذابين الحامين للدار عن الأعداء وهما وإن اشتركا أصلًا في المونة اختلفا وصفا ففى العشر معنى عبادة لأن الواجب جزء قليل من النماء ويصرف إلى الفقراء كالزكاة وفي الخراج معنى عقوبة من حيث الإقبال إلى تعمير الأرض المذموم والإعراض عن الجهاد الممدوح فيتنافيان للوصفين

المبحث الثالث في المعاملات

فلا يجتمعان خلافًا للشافعى لوجوب العشر من الأراضى الخراجية عنده لا بالعكس لأن السبب عنده للخراج الأرض وللعشر الخارج منها. ثم الصوم سببه شهود الشهر لنحوها فعند أبي زيد والشيخين ومن تبعهما كل يوم لصومه. وقال شمس الأئمة مطلقه لظاهر النص والإضافة وقال مالك رحمه الله أول جزء من ليلته الأولى لهم صحة النية في الليالي ووجوبه على من أفاق من الجنون في جزء منها. قلنا لما ثبت المعيارية فكمالها باختصاص الأيام أولى ولذا وجب على من بلغ أو أسلم في جزء منه ما بقي لا ما مضى والفضيلة لتبعية الأيام كصحة النية أو للقيام وقضاء مفيق جزء لليلة لمكان أهلية الصوم فسقوطه بالاستغراق للحرج الموجب للفرج. ثم الحج سببه الميت للإضافة لا الوقت فإنه شرط الأداء فقط إذ التوقف على شيء مع عدم التكرار بتكرره آية الشرطية كالمكان ولا الاستطاعة لصحة الأداء بدونها لكن لا وجوب بدونها كما لا جواز بدون الوقت. والجهاد سببه كما مر كفر المحارب إعلاء لكلمة الله تعالى أو ما ألحق به لم يبق هو لكنه خلاف الخبر. تنبيه: أسباب وجوب شرائط العبادات وجوب المشروطات الواردة صحتها وأسباب أركانها إرادة تحققها فإن الطهارة لما توقف على وجودها وجود الصلاة صار وجوبها أو إرادتها سببًا لوجوب الطهارة ولأن الموقوف عليه وجود الشرط والمسبب وجوبه لم يلزم من تقدم الطهارة على وجوب الصلاة بدخول الوقت أو إرادتها تقدم المسبب على السبب وليس سببها الحدث لأنه لو كان سبب وجوبها المفضي إليها كان سببًا لها ورافع الشىء لا يكون سببه. المبحث الثالث في المعاملات أعني الأمور الشرعية التي يتوقف عليها نظام العالم بالنفع المنير العام يستوي فيها المؤمن والكافر سببها تعلق البقاء النوعي أو الشخصي المقدر إلى قيام الساعة بتعاطيها كالنكاح والبيع وغيرهما وهي قسمان: أحدهما: ما للغير مدخل في انعقاده كما مر. وثانيهما: في وجوده كالقضاء والشهادة والطلاق وغيرها وقد مرا أنها مناكحات ومبايعات ومخاصمات وأمانات وشركات.

المبحث الرابع في المزاجر

المبحث الرابع في المزاجر كالقصاص والحدود وسائر العقوبات كجزئية الرأس والكفارات والضمانات النفسية أو المالية فسببها ما أضيف إليها من القتل العمد العدوان ومن الشرب والزنا ومن السرقتين الصغرى والكبرى والقذف ومن الذمة ومن أمر دائر بين الحظر والإباحة لكونها دائرة بين العبادة والعقوبة كقتل الخطأ تقصيرًا وقصدًا لأمر آخر وقتل الصيد ارتكابًا لمحظور الإحرام واصطادًا واليمين المنعقدة هتكًا وتأكيد للبر بخلاف العمد والغموس واليمين سبب مجازي قبل الحنث وحقيقي بعده وإن كان العلة الحقيقية هو الحنث كما قيل وقد سلف وهو أيضًا دائر بين حرمة الهتك وإباحة الأصل والظهار والفطر ومن التعديات الموحبة للدية نفسًا أو عضوًا في الضمان بالدية والغصب والإتلاف والبيع الفاسد والقبض على سوم الشراء في الضمان بالمثل أو القيمة والبيع قبل القبض في الضمان بالثمن والرهن في الضمان بقدر الدين ولا يجرى في المنافع عندنا إلا في الوقف وملك اليتيم والمعد للاستغلال بأجر مثله خلافًا للشافعى رضي الله عنه. وكذا لمالك وأحمد في رواية عنهما فيما يمكن العقد عليه بخلاف الشتم واللكز والوكز ونحوها فالضمانات خمسة. القسم الثاني في حكم الأحكام أي مصالحها المشروعة هى لها. ولها تذكيرات: 1 - أن المصلحة المسماة بالحكمة باعثة على شرع الحكم فهي سبب غائى لشرعه لا نفسه والسبب المسمى مظنة وعلة سبب فاعلي بوضع الشرع يقتضي نفس الحكم مثلا المصلحة في القصاص حفظ النفس والسبب القتل، العدوان وكذا حفظ النسب ونفس الزنا لحده. أما ما يقال في رخص السفر أن السبب السفر والحكمة المشقة وأمثاله فكلام مجازى والمراد أن الحكمة الباعثة دفع مشقة السفر. 2 - أن إظهار السبب تعليل يلتزم اطراده مطلقًا أو إلا لمانع لا انعكاسه وإظهار المصلحة بيان المناسبة لأن المناسبة وجودها ولا يلتزم اطراده لأن تخلفها كسر لا يعتبر. 3 - أن المصلحة إما حقيقية إن كانت الملائمة موجودة عقلا وإقناعية إن كانت متحققة وهما كالملائمة بين النجاسة ومنع البيع والحقيقية إما ضرورية لا بد من حفظها في كل دين وهي خمسة وإما مكملة إن كانت عائدة إليها بنوع إفضاء وإما حاجية إن احتيج إليها ولم يؤد فواتها إلى ذوات شيء من الضروريات غالبًا وإما مكملة للحاجية إن كانت

المبحث الأول: في الاعتقادات حكمتها

مفضية إليها وإما تحسينية وهي المرجحة لوجود الحكم من غير ضرورة أن حاجة كأن لا يفوض المناصب الشريفة إلى العباد وإن كانوا دينين عادلين حطا لرتبتهم. 4 - إن المصلحة في غالب الحالات حفظ الدين في الاعتقادات والعبادات وحفظ باقى الضروريات في المزاجر المحضة وكلاهما في المركبة من العبادة والعقوبة والحاجية في أصول المعاملات وتكميلها في أكثر تفصيلاتها والتحسينية في بعضها والإقناعية تشمل الكل. المبحث الأول: في الاعتقادات حكمتها أولًا: تحصيل السعادتين في النشئتين ففى الأول لقوله عليه السلام: "فاإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم وفي الأخرى لقوله عليه السلام "لن يدخل النار من يقول لا إله إلا الله" أي النار المعدة لتعذيب الكفار لا لتهذيب العصاة بالإجماع كيف ومن كفر بالله سبعين سنة وارتكب أنواع المعاصي فقالها بالإخلاص مرة لا يبقى من ذنوبه ذرة فلأن لا يبقى من ذنوب المؤمن إذا قالها مخلصًا أولى وعليه حديث "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر فيهما ولقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 63، 64] إذ بالشهادتين يحصل علم التوحيد الجامع بين الجبر والقدر المستلزم عند رسوخه للكمال التام الإنساني. المبحث الثاني: في العبادات فحكمتها إجمالا ما مر وهو تعظيم الله شكرًا لنعمه وتحصيلا للثواب الأخروى استجلابًا بالمزيد كرمه وتفصيلا فللصلاة تعظيمه بالإقبال عليه بشراشره والإعراض عن جميع ما سواه قولا وفعلا ظاهرًا وباطنًا وهو سرها الذي ينبغى أن لا ينفك المصلي عنه. ولذلك لأنها لكونها معراج المؤمن روعى فيها أحسن أحواله ليليق به فلذلك شرط أولًا نظافة جميع أعضائه لكن مع أن المحدث عند خروج الحدث من موضع كل البدن فسراية الحدث أوجبت تنظيفها كلها كما كان كفي الأمم السالفة وإنما اقتصر على الأعضاء الأربعة في الأحداث الصغرى لأن ما فيه الحرج ففيه الفرج كرامة لهذه الأمة ببركة نبيهم فاقتصر على ما هى ظاهرة مباشرة ومظان إصابة للنجاسة الصورية والمعنوية التي هى الذنوب ولذا اكتفى أيضًا بمسح الرأس والخفين وفي التيمم بالعضوين الظاهرين لأن إثمهما أكثر وقوعًا غير أنه شرط النية فيه لكونه طهارة حكمية فالنية تلحق الحكمى بالحقيقي. وثانيًا: ستر ما لا يستحسن كشفه في العورة قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] إلا عند الضرورة بحسبها.

وثالثًا: استقبال القبلة لأن المعبود لما كان منزهًا عن الجهة وكانت العادة الإنسانية في الخدمة التوجه إلى المخدوم وجعل توجه الصورة إلى الكعبة على التفاصيل المعلومة أمارة توجه السر إلى جناب الله تعالى على ما يشير إليه حديث "الإحسان من مقامي المشاهدة ثم المراقبة. ورابعًا: أوقاتها إقامة للشريعة منها مقام الاستغراق كما مر. وخامسًا: النية وهي التزام الشروط والأركان لأن الإخلاص روح العبادة وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ولأنها عبادة القلب الذي هو سلطان الأعضاء ثم في أوضاعهم اعتبر رفع اليدين أمارة للإعراض عما سوى الله تعالى قلبًا مثله قالبًا والإقبال على الله بالكلية متضرعًا مستجيبًا من هفواته بإلزام النظر إلى الأرض ذكرًا كمالات قدسه وأيد ذلك قولًا بالاستعاذة ثم البسملة لأن التخلية قبل الثحلية والنفي قبل الإثبات ثم القيام واضعًا يده تحت السرة على عادة الخدام أو على نحوه مستشفعًا بإيمانه ثم القراءة إشارة إلى تمسكه بالكتاب الكريم وبالعمل بما فيه وإلى أنه متكلم مع الله تعالى في معراجه بسيد الأذكار ثم الركوع حطًا لنفسه في حضيض الحيوانية مشيرًا بقيامه منه إلى رفع الله تعالى إياه منه إلى أحسن تقويم الإنسانية شاكرًا متواضعًا ثم السجود تكميلا لتواضعه حطًا له في أدنى مراتب الوجود من النباتية والجمادية الترابية بوضع أشرف أعضائه على محل النعال مشيرا بقيامه عنه إلى رفع الله تعالى عنه كما مر مسبحا في كل حط تنزيها لله تعالى عن معية في ذلك المفهومة من قوله تعالى: {وَاللهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] أينما كنتم ومكبرا في كل رفع تبعيدا لنفسه أن يتكبر لما ارتفع وهذا سر ما يروى أن النبي عليه السلام وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك ولأن التواضع بالسجود يتم ثم به الصلاة فلا يحنب من حلف لا يصلي إلا به أما تعدده فقيل الأول اقتراب، والثاني تواضع وقيل الأول إقرار بخلقه من التراب ورفع رأسه يرفعه إلى أحسن تقويم والطمأنينة بأن الله تعالى قرره فيه والثاني بأن رد الأمانة إلى التراب والرفع منه بالحشر بعد الموت كما ذكر في قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] الآية. وقيل الأول أمارة أنه ولد على الفطرة والثاني إنه ممن يموت على الفطرة لأن من استكمل الفطرتين سجد يوم الميثاق سجدتين وعلى ذلك الأقسام الثلاثة الباقية فمعناهما أنك هديتنا فتوفنا بفضلك مسلمين. وقيل لما سجدت الملائكة لأدم عليه السلام ورأى إسرافيل استكبار إبليس سجد ثانية وتابعه الملائكة فأمرنا بهما اهتداء بهديهم والركعة الثانية تدل على وظيفة الخدمة فإن

ما تكرر تقرر والقعدة التي هى جامعة للرأى كما علم في مخيرة قامت فقعدت فهي على الخيار بخلاف العكس حال الشهود وعرض الحاجات بعد تمام المناجاة ولذا يقرأ التشهد الذي به تتم مناجاة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في معراجه فالختم بالشهادتين لتقبل الخدمة كما يقتضيه قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] الآية وإتمامه بالسلام لأنه غاب سره حين تم سفره الروحانى وحين قدم منه سلم على حاضريه. ونقول بلسان التحقيق لما تقرر في موضعه تأكد العلاقة بين الروح والبدن وتأثير كل منهما في الآخر علم أن هذه العبادة الجامعة لهيئات الإعراض عما سوى الله تعالى والتوجه إليه بمراتب الخضوع وقلبًا وقالبًا يوجب عروج القلب إلى الحضرة القدسية وحصول السعادة القلبية المستخدمة للسعادة البدنية النفسية التي لخدمها السعادة المالية وإلى السعادات الثلاث أشار أمير المؤمنين على رضي الله عنه بقوله الأوان من النعم سعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلب فعلى المسلم أن يجعل الصلاة وسيلة لتحصيل جميع الثلاث فالأول بالإعراض عن خوادم البدن من الأشياء الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14] الآية وذا في أول التحريم لها والثانى بالإعراض عن القوى البدنية النفسَانية الفاسقة المكدرة التي مداخلها إلى النفس ومخارج النفس إليها الحواس الخمس ومنها منشأ الشهوة والغضب فوضحت الفرائض خمس مكتوبات وجمعة ووترا ملحقين بها. والثالث: بتأكيدها في الركعة الثانية المتدرجة المقامات إلى حال التشهد فعنيت أوقاتها المحبوبة عند الله تعالى لينقطع إمداد الظلمة وينفتح باب عالم النور بكمال الحضور فيستمد منه إلى كسح تلك الهيئات المكدرة لوجهه أي لوجوده الإضافي ما لم يترسخ كما قال عليه السلام "الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما من الصغائر إذا اجتنبت الكبائر". أول صلاة الظهر لأن الحاجة إلى الصلاة عند ميل شمس الروح نحو احتجاب نوره بالغاسق والإفحال الاستواء والاستيلاء على الهيولى كما كان آدم عليه السلام في الجنة قبل الهبوط فهو في مقام المشاهدة وحفظ الميثاق فلا يكلف بهذه المشاق أربع ركعات بإزاء أول أركان وجوده في النشأة العنصرية إشارة إلى وجوب تسليمها أو شكر الإنعام بها بالجنان واللسان والاركان. ثم صلاة العصر أربعًا بإزاء الأخلاط التي تليها إذ كلما قرب البدن إلى الروح بالاعتدال بعد الروح من جناب الحق بالانجذاب إليها فلهذا صار وقتها إلى الغروب. ثم المغرب ثلاثًا بإزاء القوى الطبيعية والحيوانية والنفسانية إذ حدوثها بأفول الروح في

أفق الجسد. ثم العشاء أربعًا بإزاء الأعضاء الرئيسية الأربعة لأنها محال قوى بها بقاء حياة الإنسان نوعًا وشخصًا واستقرار سلطته ولذا خص بحصول الوقت ووقت النوم فإن كمال الأعضاء يوجب استتامة الروح إليه. ثم إذا انتهى زمان سلطة القوى البدنية وفرغ الروح من عبارته أقبل إلى عالمه فظهر نور تجرده وانتبه من نومه فظهر القلب أو حدث عند استخراج الكليات من الجزئيات على المذهبين فطلع الصبح المعنوى بظهور نور شمس الروح وجاء وقت صلاة الصبح ركعتين بإزاء الروح والبدن، أما أوضاعها: فالقيام إشارة إلى تسليم الفطرة الإنسانية والركوع إلى تسليم النفس الحيوانية التي معها والاعتدال إلى أن لها بصحبة الناطقة هيئات اعتدالية كمالية. والسجود إلى تسليم النفس النباتية والرفع إلى حصول الامتياز لها عن سائر أنواع النبات بتغيرها بالانقلاع عن الأرض والتصرف في توليد الأخلاط الأربعة بتركه صحبة الناطقة وتكراره إلى ثباتها على حالها في عدم الإدراك والإرادة بخلاف الحيوانية المدركة الكاسبة للملكات الفاضلة والقيام إلى الركعة الثانية إلى انخراطه في سلك الجبروت بكمال التجرد والتعقل بالفعل. وركوعها صورة الانخراط في سلك الملكوت السماوية بالتنزه عن ملابس الشهوة والغضب وبالتأثير في الجهة السفلية والرفع عنه زيادة في مرتبتها باستعداد الولاية وسجودها إلى تسليم النفوس الشريفة الكوكبية والرفع عنه كما مر من الزيادة والسجود الثاني هو كون التأثير في العالم الجسماني والإقبال إليه مع حصول الشرف النفساني باقيا والتشهد بلوغ الروح بهذه العبادة الحقيقية إلى مقام المشاهدة مستقرًا متمكنًا في وصله معاينًا لما اعتقده من حقيقة الشهادتين محققًا لمعنى الإِسلام وهو القبض النازل من عند الله تعالى الواصل من عالم القدس إلى هذه النفوس المكمل إياها بتجريدها عن صفات النقص وآفات النفس وتكميلها بالكمالات الخلقية والوصفية الإلهية وبالجملة اتصافها بما أمكن لك منها وأما الأذكار فإن التواضع الذي هو صورة الفناء في القدرة في الركوع المشار به إلى تسليم القوة الحيوانية في الأولى والفلكية الملكية في الثانية إقرار بعظمته فيليق به التعظيم والتذلل في السجود عند تسليم القوة النباتية أو الكوكبية في الثانية والتسفل منه يناسب علوه والإقرار به والتكبير في الانتقالات يشير إلى أن هذه الصفات الدالة على الفناء المخصوص فيها وضغا وذكرًا ألا يؤدى حق عبادته.

ولا يوجب حق معرفته فهو أكبر من ذلك فيجب الانتقال من كل مقام إلى آخر دائمًا إذ العبد لا يخلو عن التقييد. والله أكبر أن يقيده الحجى ... بتعين فيكون أول آخر هو أول هوآخر هو ظاهر ... هو باطن كل ولم يتكاثر وللزكاة التطهير من الآثام صدقة تطهرهم والقربة من القدوس العلام إلا أنها قربة وفيها بركة المال في ضمن الإيفاء لما وعد الله تعالى من ارزاق الفقراء لأن الأغنياء خزانه والفقراء محالون عليهم فإذا لم يخونوا في الأمانات ظهرت البركات والوصول إلى الدرجات وإلا فالكى بها في الدركات قاله الله تعالى والفقير نائب عنه بالحديث فلذا يجب النية لله تعالى ويحرم المن على الفقير وفيها قيد النعم الموجودة وصيد المنعم المفقودة {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] "اللهم عجل لمنفق خلفًا ولممسك تلفًا". واسترقاق أحرار الخلان فإن الإنسان عبيد الإحسان وتخلية القلب عن رذائل كالبخل والحساسية وحب الدنيا وما يتبعه من المثالب وذلك يوجب تحليته بفضائل كالجود والكرامة وحب المولى وما يلزمه من المناقب والبخيل سيىء الظن بالله تعالى وفيه الخطر والجواد بخلافه قال علم الهدى رحمه الله على الولد أن يعود ولده الجود بالموجود عنده كما يعلمه الإيمان بالمعبود كيف وبه يحصل ثناء العاجل وثواب الآجل ولسان صدق في الآخرين مع ما في إيجاب القليل من الكثير ومن نمائه وعلى بعض إغشائه من الفرج عن الحرج. ولأن السعادة المالية خادمة للبدنية الخادمة للقلبية تقارنتا في جميع القرآن لاشتراكهما في الخدمة فإنما يحتاج إليها لقوام البدن فيجب أن يقتصر على ذلك القدر ولا يصرف الفكر إلى تثميرها وحفظها بالشح وإلا لزم الإدبار عن الجهة القدسية والبعد عن الحق بالكلية فلا جرم أوجب نقضها بالزكاة عندما زاد على الحاجة وأوعد عن الكنز بالنيران وإذا كانت مخدومتها التي هى البدنية منجوسة متقصرًا فيها من اللذات والراحات على قدر الحاجة فهذه الجاذبة إلى عالم الرجس أولى بالتجرد عنها بالإيثار على أهل الاستحقاق فهان فنا مع الدنيا مشتركة وما كان نفعه أكثر وجب أن يكون الإيثار فيه أوفر. ولذا أوجب في الأقوات العشر وفي النقود ربع العشر وكذا في بعض الأنعام أكثر لأنها في الاحتياج إليها بين بين ثم في وجوب العشر معنى الزكاة من شكر نعمة المزروعات وحفظ مؤنة الفقراء.

وفي الخراج والجزية إظهار صغار الكفار عقوبة عليهم وفداء عن فتلهم وخلفًا عن نصرتهم المؤمنين في الجهاد وهما مؤنة لكل من يسعى في حفظ الدين من الكفر والفسق والبدعة كالمقاتلة وقاضي المسلمين ومفتيهم وأمرائهم. ولأن الجزية جهة الصغار غالبة تسقط بالإِسلام بخلاف الخراج أو لأنها خلف القتل وقد عصموا بالإِسلام والخراج صار مؤنة الأرض وأجرة الحماية بقاء ولذا لو اشتراها مسلم تبقى خراجية. وللصوم قهر النفس الأمارة وتصفية الباطن ليصلح مهبطًا لنزول الحكم وليتخلق إذا آثر بطعام النهار بأخلاق الصمدى الذي يطعم ولا يطعم ولم يفرض جميع عمره ولا في الليالى تيسيرًا عليه وفيه ليلة القدر والتي إحياؤها خير من إحياء ألف شهر في الأمم السالفة. ولأنه عبادة بدنية تقتضى فناء النفس والروح لا كالصلاة المقتضية فناء النفس وبقاء الروح كان أشرف منها ولذا قال "الصوم في وأنا أجزى به" (¬1) وإذ لا يطلع عليه أحد فهو مبرأ عن شائبة الرياء والنفاق واستجلاء نظر الخلق إليه بخلاف الصلاة والزكاة ثم إذا تحقق مقصوده وهو فناء غير الله تعالى كان هو جزاء كما يروى: "من أحبنى فأنا قتلته ومن قتلته فعلى ديته ومن على ديته فأنا ديته" (¬2). فحقيقته تحصل مقام الولاية بقدر موهبة الاستعداد وسابقة العناية فإن الفطر الإنسانية مرايا الحق وكل واحد يقتضي بهويته ولاية خاصة بحسب الاستعدادات المتفننة وهواياتها منها ذاتية مستفادة من الله بلا واسطة ومنها قمرية مستفادة من القطب ومنها بالفناء في بعض الأسماء ومنها به في البعض الآخر فلذا عم وجوب الصوم دون الحج مع اشتراكهما في إثبات الولاية بعد السعادة لأن السعادة تقتضى الوجود والولاية العدم. فالفرق أن ولاية الصوم قمرية قابلة للاختلافات حسب الاستعدادات وللحج ذاتية مثمسية غير قابلة لها فالبصوم يتم إسلام كل أحد سوى القطب المحبوب عليه السلام وبالحج يتم إسلام صاحب الاستعداد الكامل وللحج أنه رهبانية هذه الأمة كما ورد في الحديث وكذا الجهاد بهما يظهر عزة الإِسلام وعلوه. وفيه قهر عدو الله النفس أو الكفار اللذين هما من جنود إبليس ثم الحج أنموذج الحشر الأكبر حفاة عراة شعثًا غبرًا في غاية المسكنة بالسنة مختلفة وأحوال شتى وأيضًا فيه إماتة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6/ 2723) ح (7054)، ومسلم (2/ 807) ح (1151). (¬2) لم أجده.

المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

النفس اختيارًا بمفارقة الأهل والمأنس ودخول البادية مع خوف القطاع كدخول البرزخ وأهواله وثواب الإحرام كالكفن ففيه لخرم عن جميع لذات الشهوات المكدرة للروح واستلام الحجر تجديد عهد يوم الميثاق لأنه يمين الله تعالى والعرفات كالعرصات فيه يتمثل قوله "موتوا قبل أن تموتوا" وبهذه الموتة الاختيارية حصول الحياة الطيبة ولذا كان ماشيًا أفضل إلا إذا ساء خلقه مع المشى لأن مقصود المجاهدات لخسين الخلق. ولتفاصيل وظائفه أسرار يقصد عن استقصائها أمام المقام. وأنوار يحصر عن إحصائها لسان ما يقتضيه الحال من الاهتمام. فليطلب في موضعه اللائق من علوم الحقائق. وللجهاد حفظ بيضة الإِسلام وتحقيق ما بعث له الأنبياء عليهم السلام وهو دعوة العباد والسعى في إخلاء العالم عن الفساد وتخليصهم عن الكفر الموجب للشقاوة الأبدية ورد كيد جند إبليس في السعى للغواية السرمدية وفيه تعذيب أعداء الله وتهذيب صدور أوليائه قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] الآية إن قلت فيه مفسدة تعذيب العباد وتخريب البلاد وملعون من هدم بنيان الرب حتى قيل يحاكم عصفور قتل عبثًا إذا الوحوش حشرت. قلنا لكن تضمن مصلحة راجحة بالوجوه السالفة كخرق الخضر سفينة المساكين إذ الأمور بعواقبها كما في القصد وشرب الدواء المر كيف وهو تسليم المبيع الفاني بإبطال الحياة الزائلة المحاطة بالنقم لتحصيل الثمن الباقي والحياة السرمدية المحفوفة بالنعم. فالغازى محظوظ يإحدى الحسنين إما الغنيمة والثواب وإما الشهادة التي تغبط بها أولو الألباب قال علي رضي الله عنه (لا بد من الموت ففى سبيله أحق وأولى). جون جان سيردنيست بهر حالتي كه هست ... دركوى عشق خوشتر وبرأستان دوست المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة حكمها إجمالا حصول البقاء النوعي أو الشخصي لأن التصرفات المشروعة شب للاختصاصات الشرعية كملك الرقبة والمنعة والمنفعة وإباحتها المصححة للانتفاع الذي به البقاء ولا منافاة بين سببية تعلق البقاء بها وغرضية نفس البقاء منها بل شأن كل ماله علة غائبة أن يكون تعلقها به سبب وجوده وإقدام الفاعل عليه ومقصوده نفسها وتفصيلا. فالمناكحات وهي أفضلها بقاء العالم ببقاء النوع الإنساني وكثير من المصالح الدينية والدنياوية كغض البصر وتخصين الفرج وتحقيق مباهاته عليه السلام وانتظام مقاصد

الزوجين الداخلية والخارجية ولذا اشتمل النكاح على معنى العبادة أيضًا وفضلناه على التخلى للنوافل حتى هى سنة مؤكدة. وقيل فرض كفاية يدل عليه من الله تعالى علينا بالنسب والصهر الحاصلين به في الآية والنصوص النادبة والمرغبة بألفاظ الأوامر لا سيما المقرونة بالوعيد وأنه لولاه لزم التهالك حسب التغالب في اقتضاء الشهوات المركوزة في الطباع وفيه للعالم خلل والفراش فساد والنسل ضياع كيف وأنه ستة أصلية ورثناه من آدم عليه السلام حتى روى أن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر فزوجها منه وأشهد الملائكة في خطبته المأثورة. ثم الطلاق وهو الإطلاق عن رق النكاح إنما يرخص إذا لم يترتب مقاصد النكاح من التناسل والسكن والتحصين وإلا فمنهى لقوله عليه السلام "أبغض المباحات عند الله الطلاق" ولأنه ترك سنة المؤكدة أو فرض الكفاية وفيه إيحاش المستأنس فيكره إلا عند الضرورة ولذا أبقى مكثه التدارك فشرع متعددًا ثلاثًا لأنه الحدد الموضوع لإبلاء الأعذار وفوض إليه لأنه المالك بالمهر أو المتعة ولأنها ناقصة العقل مسرعة إلى التفريق بأدنى ضجر وأعقب بالعدة بثلاثة في الحرة لتروى النظر في أمر الرجعة وتعرف براءة الرحم كيلا يختل الإنساب وتنتين في الأمة لأنها النصف المكمل واكتفى بحيضة في الاستبراء لعدم تعلق النسب بها بل بالدعوى. ثم العتاق مثله في المعالق الكثيرة فيه تقوية الضعيف بإثبات القوى الشرعية من الولايات والاستبداد في التصرفات بعد ما كان ملحقًا بالجمادات وعرضة للابتذال مسخرًا لمثله من البشر كالحيوانات جزاء لكفره ابتداء وإن جعل أمرًا حكميًا في البقاء ابتلاء كما فيمن ولد مسلمًا فإن بقاء الحكم يستغنى عن بقاء السبب كالحيض في النساء كأن تبعه لحواء لأجل أكل الشجرة فبقى في بنائها ولأن الرق أثر الكفر المسبب للموت كان الإعتاق إحياء كالإيلاد وجزاء له في الحديث وإعتاق رقبة مؤمنة كفارة قتل المؤمن خطأ ليعوض الناس من منافعه العائدة إليهم في الولايات والقتال وغيرها. وللمبايعات اتساق أمور المعاش والمعاد والتجار عمال الله يوصلون أرزاقه إلى العباد فبالكسب عمارة البلاد وفيه ابتغاء فضل الله الممدوح في الآيات إذ به يتهيأ المروات ويحسن المعاشرات وهو سنة الأنبياء عليهم السلام كان آدم عليه السلام زراعًا وشيث عليه السلام نساجًا وإدريس عليه السلام خياطا وإبراهيم عليه السلام بزازًا وإسماعيل عليه السلام مصطادًا وروى عن جبريل عليه السلام قوله لو احتجت إلى الكسب لكنت سقاء وفي شرعها أيضًا إطفاء نائرة المنازعة ورفع النهب والحيل المكروهة والسرقة والطمع

والخيانة وفيها الغناء ففي رافعها البقاء وحين يفوت الشىء يفوت مقصوده لم يشرع ما يفض إلى النزاع كما لو جهل المبيع أو الثمن في البياع وكأنواع الربا ومع هذا ففيها ترك العدل والإحسان فيحرم وإن رضي به العاقدان كالزنا بخلاف أخذ مال الغير بغير إذنه لاحتماله الإباحة برضاه فحرمته لحقه لا لوضعه عقلا أو شرعًا فالربا أقبح من الغصب والسرقة وفيه المعارضة لله تعالى في عدله بعدوله فلذا قال تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] والحق الريبة بالربا. ثم مما يتضمن معناها الصلح وفيه أنه خبر بالنص وبأنه ضد المنازعة أما على الإقرار ففيه المروة من المدعى بالبذل والإمهال وإما على الإنكار ففيه ترك كلفة المرافعات وليس كل شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل وفي فداء اليمين تعظيم لها وصيانة العرض حتى لا يقال لبلية مقدرة أصابته بشوم خلقه ودفع زيادة ضغينة المدعى عليه قال عليه السلام "ردوا الخصوم كى يصطلحوا" (¬1) قال علم الهدى من لم يجوز الصلح على الإنكار فهو شر من إبليس لأنه يزيد بقاء الفتنة وتولد الأحقاد. ثم في الإجارات دفع الحاجة مع الفاقة بقليل من الطاقة وتحصيل السرورين فالموجز بنيل المال بلا زوال ملك العين والمستأجر بحصول المقصود ولولاها لاحتاج الغني إلى شاق الأعمال والفقير إلى التنكدى والتذلل والحيل والحكمة يقتضى وضع كل شيء موضعه. ومما يناسبها المزارعات والمساقاة لأن الله تعالى يخلق حياتنا بالأقوات وليس كل أحد يملك الأرض والبستان أو يهتدى إلى إصلاحهما ومنه يحلم الحاجة إلى الشركات بين من يهتدى لطرق التجارة ولا مال له أو يقل ماله وبين عكسه وللتعاون فقد يفعل المركب والمجموع ما لا يفعله المفردات. ومن فنون الكسب الاصطياد فيه خلو الحاصل عن خبث الاختلاط بأموال الناس صافيًا عن كدر المنة والظلم ففيه نقاء البقاء وإنما حرم كل ذى ناب ومخلب لأن الظلم والإيذاء اللذن في طبعهما نجاسة معنوية تسرى إلى طبع الأكل قال عليه السلام "لا ترضعوا أولادكم بلبن الحمقاء فإن اللبن يؤثر" (¬2) ولذا يحكم بأن الأعمال تفسد بفساد ¬

_ (¬1) بل موقوف: من قول الخليفة عمر رضي الله عنه أخرجه البيهقى في الكبرى (6/ 66) ح (11142) وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 534) ح (22896)، وعبد الرزاق في مصنفه (8/ 303) ح (15304). (¬2) مرسل: أخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 464) والطراني في الأوسط (1/ 27) ح (65) والديلمى =

اللقمة الحرام والخبيث فقد قيل اللقمة نطفة العمل إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر فلا يحصل من الحرام إلا المعصية ومن الشبهة إلا الغفلة ومن الحلال إلا الخير كذا جرت سنة الله تعالى كما من البازى الكبر والإيذاء ومن الخنزير نهاية الحرص والخساسة وقلة الخير ومن الحمار الأهلي البلادة وسوء الأدب وفي الذبح مع ذكر الله فيه إزالة الحياة بأقل سعى وطهارة الأجزاء عن الدماء النجسة وفي ذكر الله تعالى مخالفة الكفار الذاكرين آلهتهم وظهور البركة تبارك اسمه وتعالى جده وفي التضحية ضيافة الله تعالى فلأنه لا بد من الإراقة ليطيب فيصلح لها نقل القربة إليها تسهيلا وكرامة لهذه الأمة فندب بالثلث التصدق وبالثلث الهبة وبالثلث الإمساك لنفسه وفي الأمم السالفة كانت لخرج عن ملكه ولأن الضحايا مطايا على الصراط بالحديث إذا الوحوش حشرف فعليه أن يخلص النية ويتحرى فيها التقوى وفي قسمة الشرب نظام العالم بظهور العدل كما في قصة صالح عليه السلام لأن الماء مباح فلو لم يقسم بالأنهار أو الأيام والكوى أفضى إلى النزاع. وللمخاصمات تخليص الظالم من سخط الله ودفع طول التشاجر والتحاقد مع أن الترك والتحليل أولى رعاية لحق الأخوة وصيانة العرض والمروة ومندوب بالآية والحديث إلا إذا علم المدعى له يخلصه من إثم المطل وحرام الأكل من غير زيادة خصومة كان الدعوى مستحبة. وفي القضاء إقامة حقوق الشرع فليزع السلطان أكثر مما يزع القرآن لغلبة الهوى على العقل والشرع فلا بد من زاجر حسي لبيقى النظام فالدين أس والسلطان حارس فما لا أس له مهدوم وما لا حارس له ضائع والدعوى عند الحكام أنموذج منبهة على أمر القيام بين يدي العلام يوم ينادى لا ظلم اليوم والشهادة أمانة عند الشاهد من الله تعالى للمدعى فلا يجوز أن يخون فيها مأمور بأدائها في الآية وجعل نصابها اثنين ليظهر الصدق فإن الواحد يعارضه برائة الذمة أو اليد وأربعًا في الزنا احتياطًا في ستر الفواحش فلإملاء الناس ولما مر من مفاسده وإذا قامت الشهادة وزكى الشهود وجب على القاضي الحكم إظهار الحق تقلد أمانة القضاء وللأمانات فللوكالة والكفالله رفع الحاجة الماسة إذ ليس كل أحد يرضى أن يباشر الأعمال أو يهتدى إليها ولا كل مديون يعتمد عليه ففى شرعهما ترفيه لأصحاب ¬

_ = في مسند الفردوس (5/ 41) ح (7398) وأبو داود في المراسيل (1/ 181 - 182) ح (207).

المروات وتعليم لسنة التواضع بقبولهما وإظهار الشفقة ومراعاة حق الأخوة لا سيما في الكفالة ببذل الذمة في قبول الدين والمطالبة وتسكين قلب الطالب كما يتحقق الكل الشركة التي يتضمنها. وفي الحوالة تفريغ ذمة أخيك وتخليصه عن تحمل مذلة التقاضي قال عليه السلام "من فرج عن أخيه المسلم كربة" (¬1) الحديث وقال عليه السلام "إن من موجبات المغفرة إدخال السرور في قبل المرء" (¬2) وفي الرواية "أول ما يلقاه العبد إذا بعث من قبره السرور الذي أدخله في قلب أخيه المسلم متمثلا بصورة ذى وجه حسن يبشره الخير" (¬3) ثم في الهبة والإعادة إظهار المروة وإحسان بغير ضمان وخير الناس من ينفع الناس والتخلق بأخلاق الجواد الكريم وفي جود الأبرار استرقاق الأحرار فإن الإنسان عبد الإحسان. قال عليه السلام "تهادوا فإن الهدية تذهب بالضغائن" ومن جمع المال ولم ينفق أثر ذلك في توطين القلب عليه فيهلك بحبه إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة ولو أنفق أخلف ففيه صلاح دينه ودنياه عند التوسط بين الإفراط والتفريط لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أنفَقُوا} [لفرقان: 167] الآية وعليه سنة الله في قسمة أرزاق الخلق بقدر حالاتهم كما يقتضيه حكمته البالغة وكذا قبول الودائع وحفظ الأمانة من المروة والأمين محبوب عند الله تعالى وعند عباده. قال عليه السلام "الأمانة تجر الغناء والخيانة تجر الفقر" (¬4) ويقال كان ابتلاء الحلاج بالصلب لعدم حفظ أمانة سر الله. ثم في الوصية بالمال والإيصاء إلى آخر تلافي التفريطات فإن الإنسان مغرور بأمره مقصر في عمله بحيث إذا خاف من عرض له المرض طي حياته وارد تلافى ما فرط فوصى فلو مات تحقق مقصده الأخروي ولو صح فله الرجوع وصرفه إلى أهم مقاصده وفيها ازدياد حياته والتمرين بمكارم الأخلاق وقت وفاته، لقوله عليه السلام: "إذا مات ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (4/ 1996) ح (2580) وابن حبان في صحيحه (2/ 291) ح (533) والحاكم في مستدركه (4/ 425) ح (8159) والترمذي (4/ 34) ح (1425) والبيهقي في الكبرى (6/ 94) ح (11292) وأبو داود (4/ 273) ح (4893) والنسائي في الكبرى (4/ 308) ح (7284) وابن ماجه (1/ 82) ح (225) والإمام أحمد في مسنده (2/ 91) ح (5646). (¬2) أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (2/ 179) ح (1139). (¬3) لم أجده. (¬4) أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (1/ 72) ح (64).

المبحث الرابع: في المزاجر

ابن آدم" (¬1) الحديث وربما يروى عنه عليه السلام أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن ليلة إلا ووصيته تحت وسادته" (¬2). وأما الإيصاء فشفقة على نفسه وذريته الضعفاء بإقامة أمين كاف مقام نفسه وقبول الوصي أيضًا شفقة على أخيه الميت ووفاء حسن العهد والله يحب المحسنين والوصية من سنن الأنبياء والمرسلين قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهيمُ بَنِيهِ} [البقرة: 132] الآية فمنها فريضة كبقضاء ديونه والكفارات ونحوها ونافلة كبوجَوب القرب وحث الأولاد والأحبة على الثبات على الحق وهي سنة النبوة وببناء الرباطات ومواضع الخير وبالدفن في موضع مبارك وختم القرآن عليه والتصدق على زواره ونحوها. المبحث الرابع: في المزاجر ففى القصاص حياة أي في شرعه واستيفائه وقد علم وإنما قتل الشريف للخسيس لأن الكل في العبودية سواسية وإذ لا نجد نفسين إلا وبينهما تفاوت وصفًا فلو اعتبر تعذر القصاص وتبقى الفتنة وإنما شرع لتسكين الفتنة الثائرة بالقتل ظلمًا وكون المقتول ميتًا بأجله لا ينافي كون القاتل متعديًا عن طوره ومقتصًا منه بأجله لأن تقدر الأسباب مع مسبباتها لا ينافي السببية. وفي حد الشرب زجر عن الخمر المحرمة لسلبها العقل بعد ما كانت في الأمم السالفة مكروهة كراهة التنزيه فأولا لأن معجزة نبينا عليه السلام عقلية وهي القرآن فحرم ما يستر العقل ليبقى مجال الفكر ويقينهم بحقية الدين دائما وثانيا لأن القرآن كنز الأسرار والأحكام ولم يزل علماء الأمة يستنبطونها منه فكانوا أحوج إلى العقل من سائر الأمم وصح أنه ما شربها نبي قط فهذا زيادة كرامة لهذه الأمة وإنما لم يحرم في ابتداء الإِسلام ليعاينوا شرها ويعرفها المنة في تحريمها ولأن في تحريم ما تعودوا عليه دفعة مظنة عدم الانقياد كما في قوم موسى عليه السلام لما أنزل التوراة عليهم دفعة لم ينقادوا إلى أن لخوفوا بالهلاك برفع الطور وغيره وفي تدريج تحريمه الذي ثم في الرابعة تعويد لمكان شره ¬

_ (¬1) بلفظ "إذا مات الإنسان" أخرجه مسلم (3/ 1255) ح (1631) وابن الجارود في المنتقى (1/ 101) ح (370) وأبو عوانة في مسنده (3/ 495) ح (5824)، والترمذي (3/ 660) ح (1376) وقال حسن صحيح، والبيهقي في الكبرى (6/ 278) ح (12415) وأبو داود (3/ 117) ح (2880)، والنسائي في الكبرى (4/ 109) ح (6478) والإمام أحمد في مسنده (2/ 372) ح (8831). (¬2) أخرجه البخاري (3/ 1005) ح (2587)، ومسلم (3/ 1249) ح (1627).

الفصل السابع: في غير الأدلة الأربعة

وإن الحكمة في منعه والحكمة في حد الزنا والسرقتين الصغرى والكبرى حفظ النسب والمال وهذه الأربعة أعني النفس والعقل والنسب والمال مع الدين الذي شرع الجهاد وقتل الردة لحفظه تسمى الخمسة الضرورية لحفظها في كل دين وإنما لم يعد حفظ العرض الذي شرع له حد القذف منها إدراجا له في حفظ النسب لأن ضرره عائد إليه وعلماؤنا عدوا الجهاد في العبادات وعبروا عن المزاجر الخمسة بمزجرة قتل النفس وسلب العقل وهتك الستر وأخذ المال وخلع البيضة كالقتل مع الردة فجعلوا هتك الستر شاملا للزنا والقذف. وفي الكفارات الجمع بين الثواب الساتر والعقاب الزاجر حفظا للنفس أو الدين. وفي الضمانات صيانة عصمتهم نفسا وما لا ليتفرغوا لإقامة التكاليف فإن المسلم له عصمة مؤتمة بالإِسلام ومقومة بداره وهذا لماله بالحديث وإذ لا يقصد المال إلا لبقاء النفس فالنفس أولى أن لا يهدر فإن أمكن القصاص فيها لأنه المثل صورة ومعنى والأوجب الدية والأرض لأن الوارث كان ينتفع بمورثه وهذا المال خلفه في تقضية حاجاته به وليس من الحكمة القصاص في الخطأ أما كفارته بالإعتاق فإحياء نفس مؤمنة مقام إفنائها تكفيرا لظلمة على حق الله تعالى وإذا عجز عنه فبإماتة نفس هي عدوة لله تعالى بالصيامات المتتابعة في فداء نفس مؤمنة هي حبيب الله تعالى ولذا لا يجري إلا طعام فيها لشدة قبح الجناية بخلاف الكفارات الأُخر تغليظا عليه. الفصل السابع: في غير الأدلة الأربعة مما يتمسك به منها صحيحة لعودها إليها ومنها فاسدة ففيه قسمان الأول في الصحيحة. وفيه مباحث: الأول: في شرع من قبلنا. قيل لا يلزمنا إلا بدليل فأولا لقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: 48]، فيكون كل أمة مختصة بشرع جاء به نبيهم. وثانيا: لأن الأصل خصوص الشريعة زمانًا إلا الدليل إذ لا حاجة إلى بيان المبين كما هو الأصل مكانًا إلا لدليل كما في رسولين بعثا في زمان واحد في مكانين لم يثبت تبعية أحدهما للآخر كشعيب عليه السلام لأهل مدين وموسى عليه السلام لبنى إسرائيل بخلاف لوط لإبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: {فآَمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] وهارون لموسى عليه السلام بل كل الأنبياء قبل نبينا عليه السلام بعثوا إلى قوم مخصوصين وهو

المبعوث خاصة إلى الناس كافة لحديث أعطيت خمسًا. وثالثًا: للإجماع على أن شريعته ناسخة كل الشرائع وذا يمنع تعبده بها. قلنا عن الكل ما سيأتى من أدلة الموافقة غيرت الأصل إليها ولئن سلم فالخصوص بتبديل حكم ما حصل أما النسخ فمقرر لأنه مبين لمدة ما انتهت مدته لا رافع فظاهره الموافقة في سائر الأحكام أو المنسوخ خارج عن الأصل بالدليل فيبقى الباقي على الأصل. وقيل يلزمنا مطلقًا ما لم يثبت انتساخه فأولا للنصوص كقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] والهدى اسم الإيمان والشرائع جميعًا لقوله تعالى: {أُولَئكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] بعد وصف المتقين بالكل وكقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: 44] الآية ونبينا عليه السلام من جملتهم وكقوَله تعالىَ: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، و {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] والملةَ والدين اسم الكل. لا يقال هذه العمومات مخصوص عنها لثبوت نسخ البعض قطعًا فيخص بالعقائد جمعا بينها وبين الأدلة السالفة. لأنا نقول على أن النسخ مقرر كما مر لا يقتضي الأدلة السابقة المخصوصة بالعقائد بل مطلقة ويكفى فيه تبديل حكم ما. وثانيًا: لأن الشرع ما ثبت حقيقته دينًا لله ودين الله تعالى مرضى عنده والمرضى عنده مرضى عند كل الأنبياء لقوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]، و {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97] فصار الأصل الموافقةَ. وثالثًا: لأن الشرع ما أنزل الله فمن واجب الإيمان أن لا يحكم إلا به {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، و {الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، و {الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]. وقيل يلزمنا ذلك لكن على أنه شريعتنا خص أو لا علم نقل أهل الكتاب أو برواية المسلمين عن كتابهم أو ثبت بالقرآن أو السنة. فأولا لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} [فاطر: 32] اوالموروث عين ما كان قبل. وثانيًا: لخبر التهوك ولولا أن شريعة موسى عليه السلام شريعة لنا لما كان موسى متبعًا لنبينا عليه السلام وبدل عليه نصه عليه السلام بقوله عليه السلام "أنا أحق بإحياء

المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام

سنة أماتوها" (¬1) على وجوب الرجم على اليهود بين الزانيين غير أنه زيد في شرائط الإحصان. وثالثًا: لأن النبي عليه السلام أصل في الشرائع وسائر الأنبياء كالأمة له لأية أخذ الميثاق عليهم وفي ذلك شرف عظيم له وفي تقليده لشريعتهم عكسه ولذا كان عليه السلام يعمل بما وجده صحيحًا منها إن لم ينزل وحى كرجم اليهودين والصحيح عندنا أنه يلزمنا على أنه شريعتنا لكن لا مطلقًا بل إن قص الله تعالى أو رسوله بلا إنكار وذم فيعود إلى الكتاب والسنة لأنه حرفوا كتبهم وأظهروا عداوتهم فلا يعتبر نقلهم ولا نقل من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار لأنه عن كتبهم فإن التحريف دخل فيها من زمن داود وعيسى لقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78] الآية وليس احتمال الكذب في أخبار الأحادَ مثله لأن قواعد قبولها مضبوطة وبهذا النوع من العمل أول قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95] ومن الدليل على أن الأصل الموافقة في الشرَائع أيضًا أنه عَليه السلام قال: "من نام عن صلاة ونسيها" (¬2) الحديث ثم تلا قوله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، وهي مقولة لموسى عليه السلام وسياقه الاستدلال وعلى أنه المذهَب عند مشايخنا احتجاج محمَّد رحمه الله على جواز قسمة الماء بطريق المهايأة بقوله تعالى {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء: 155] الآية و {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28]، وهو إخبار عن صالح عليه السلام وأبي يوسف رحمه الله علىَ جرى القود بين الذكر والأنثى بآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 45] والكرخي على جريه بين الحر والعبد والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل. المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام لا نزاع أن لا يجب على صحابي آخر أو تابعي زاحمهم في الفتوى أما على غيرهما فقال أبو سعيد البردعي يجب فيما لا يقاس ويقاس ويقدم على القياس وهو قول مالك واحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهم واختاره المتأخرون من أصحابنا والآخر لهما أنه ليس بحجة (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 214)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 300). (¬2) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 70) (239)، والدارمي (1/ 305) ح (1229)، والطبراني في الأوسط (6/ 182) ح (6129)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 409) ح (3086) وانظر التلخيص الحبير (1/ 186)، نصب الراية للزيلعى (2/ 162). (¬3) انظر المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 562)، إحكام الأحكام للآمدي (4/ 201)، نهاية السول =

فأولا لاحتمال السماع والتوقيف لأن الظاهر أن لا يجعل فتواهم وهم مضاجعوهم ليلًا ونهارًا منقطعة عن السماع إلا بدليل. وثانيًا: أن الغالب إصابتهم في الرأى لمشاهدتهم طريقه عليه السلام وأحوال نزول النصوص ومحال تغير الأحكام ولمزيد بذل جهدهم في طلب الحق وضبط الأدلة والتأمل فمها ولفضل درجة لهم ليس لغيرهم بالأحاديث فيعود إما إلى النص أو القياس. وقال الكرخي وجماعة من أصحابنا وعليه أبو زيد رضي الله عنه يجب تقليد كل منهم لكن فيما لا يدرك بالقياس {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] فاستحقاق التابعين المدح إنما هو على اتباعهم والخبر أصَحابي كالنجوم لا فيما يدرك به لأن الظاهر في ذلك حكمهم بالرأى وهم في احتمال الخطأ كسائر المجتهدين للخلاف بينهم ورجوعهم عن الفتوى وتجويزهم بالخطأ لأنفسهم. أما فيما لا يقاس فلا بد من حجة تقليد بها التمسك بالحقيقة. قيل لو صح لزم الصحابي العمل به ولوجب تقليد التابعين على من بعدهم وهكذا بعين هذا. قلنا لا نعلم اللزوم الأول لاحتمال سماع النص الراجح والناسخ له ولا الثاني لعدم احتمال السماع فيهم ومبناه عليه ذلك ولئن سلم فملتزم فيمن زاحمهم فتواه. ومن العلماء من قلد الخلفاء الراشدين وأمثالهم كابن مسعود وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم لقوله عليه السلام: "عليكم بسنتي وبسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (¬1) ومدحه عليه السلام أمثالهم ومنهم من قلد الشيخين فقط لقوله عليه السلام: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر". قيل على الدليلين المراد المقلدون لأن الخطاب للصحابة وليس قول بعضهم حجة على بعض بالإجماع. قلنا المعهود في خطاب العام إرادة جميع الأمة وهو الظاهر من بعثه إلى الكافة كما في وما آتاكم الرسول فخذوه وعليكم بسنتى واقتداء الكل إنما يتحقق باقتداء المجتهدين أولًا والمقلدين بواسطهم وإنما لم يجز التقليد فيما بينهم لأنهم بصدد تقليد النبي عليه السلام ¬

_ = للإسنوى (4/ 408)، البرهان لإمام الحرمين (2/ 1358)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 186)، شرح الكوكب المنير (4/ 422)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص/ 229) بتحقيقنا. (¬1) تقدم تخريجه.

المقدم على تقليدهم ومعنى الأمر تقليدهم بعد تقليده للشافعي وأحمد في أنه ليس بحجة أولًا أنه لم يذكر في كتاب عمر رض الله عنه إلى شريح قبل قوله ثم برأيك ثم بقولي. قلنا لاندراجه في العمل بالسنة لأنه في حكمها لأن حجيته باحتمال السماع. وثانيا: أن حجيته لو ثبتت لكان لأنهم أعلم وأفضل فيكون قول الأعلم والأفضل حجة مطلقا. قلنا بل اعتبار خصوصيتهم السالفة بوجوه واحتمال السماع. وثالثا: لو كان حجة لزم تناقض الحجج لاختلافهم في المسائل الكثيرة. قلنا: يدفعه إمكان الترجيح والتخيير والاختيار بشهادة القلب ولا أقل من الوقف إن لم يمكن شيء منها. ورابعا: لزم أن يكون المجتهد مقلدا. قلنا إذا كان حجة صار أحد مآخذ الحكم بل السنة الحكمية واتفق عمل سلفنا به فيما لا يقاس كما في أقل الحيض وأكثره بقول أنس وعثمان بن أبي العاص وعمر وعلى وابن مسعود كذا في المبسوط ولو روى بصورة الأثر لا الخبر وهذا في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم واختلف في غيره وخالف الصاحبان ابن عمر في عدم اشتراط إعلام رأس المال إذا كان مشارا والإمام شرطه أخذا بقوله. وأيضًا وافقا عليا رضي الله عنه في ضمان الأجير المشترك إذا هلك لا بصنعه وبسبب يمكن الاحتراز عنه كالسرقة لا كالحرق الغالب والغارة العامة والإمام رضي الله عنه عمل بالرأي وقال إنه أمين فلا يضمن كأجير الواحد والمودع. وأيضًا خالف الشيخان جابر وابن مسعود رض الله عنهما في تطليق الحامل ثلثا للسنة قياسا على الصغيرة والآيسة لعدم رجاء الحيض إلى أوان الوضع ووافقهما محمَّد رحمه الله في قوله لا تطلق للسنة إلا واحدة. لا يقال هذا الخلاف فيما يقاس ولم ينقل من غير قائله رد ولا تسليم صريحا أو دلالة بأن كانت الحادثة مما لا يعم بها البلوى فلم يشتهر عادة وإلا كان خلافًا بينهم فالحق لا يعدوه أو إجماعًا سكوتيًا وهذه الأمثلة مما فيه الخلاف بينهم. لأنا نقول إن لم يثبت الخلاف بينهم فيها فذاك وإلا فالتمثيل باعتبار ترجيح أحد أقوالهم أو العمل به بشهادة القلب فإن الطريق في مثله ذلك وعند تعذره يعمل بأبي أقوالهم شاء بشهادة القلب كتعارض وجوه القياس.

المبحث الثالث: في الاستدلال

وأما التابعى فيقلد في رواية النوادر إن ظهر فتواه في زمنهم كشريح ومسروق والنخعى والحسن البصري لتسليمهم مزاحمته إياهم إياهم فيكون كأحدهم كما خاصم علي رضي الله عنه شريحًا فخالفه في رد شهادة الحسن رضي الله عنه له بالبنوة لا يقلد في ظاهر الرواية إذ هم رجال ونحن رجال بخلاف صحبه عليه السلام لاحتمال السماع والإصابة ببركة صحبته والقرن المشهود له بالخيرية المطلقة وإن لم يظهر فلا. وقال السرخسي لا خلاف في أن لا يترك القياس بقوله بل في أن لا يتم إجماع الصحابة مع خلافه عندنا ويتم عند الشافعي رحمه الله. وههنا يعرف أن العمل بالسنة بجميع وجوهها وشبهها مقدم على القياس عندنا. أما أولًا: فلعلمنا بالمراسيل ورواية المجهول وقول الصحابي وما قدمنا القياس على خبر الواحد. وأما ثانيًا: فلأنا لم نعمل من وجوه القياس إلا بأقواها وهو المعنى الصحيح المثبت أثره شرعًا فاحتياط الشافعي رحمه الله في ترك هذه الوجوه والميل إلى نحو قياس السنة والاستصحاب كمن نفى القياس رأسا وعمل بالاستصحاب مدرجه له إلى العمل بلا دليل فالطريق المتناهي في تمهيد قواعد الشريعة الغراء وتكميل محامد الملة الحنيفية البيضاء لأصحابنا رضوان الله عليهم أجمعين. المبحث الثالث: في الاستدلال الذي عده بعضهم كابن الحاجب دليلا خامسًا وقد مر معنا لغة وعرفًا في المبادي لكنهم فسروه ها هنا هنا ليس بنص ولا إجماع ولا قياس وهذا تعريف بالأجلي لسبق المعرفة بتلك الأنواع فيندرج تحته شرع من قبلنا والأثر والاستحسان وقد مر أن هذه الثلاثة غير خارجة من الأربعة وكذا الاستصحاب والمصالح المرسلة ونفى المدارك وسيجىء فسادها. بقي تحته التلازم الكلي إذ الجزئي لا ينتج وحاصله أنا أسلفنا في المبادى أن النسبة بين المفهومين إما التساوي وهو مادة استلزام الثبوت للثبوت والسلب للسلب من الطرفين كالجسم والتأليف. وإما المباينة الكلية وهي إن كانت طردًا وعكسًا كالحدوث ووجوب البقاء فمادة استلزام المثبوت للسلب والسلب للثبوت من الطرفين وإن كانت طردًا فقط أي إثباتًا كالتأليف والقدم فمادة استلزام الثبوت للسلب منهما وإن كانت عكسًا فقط أي: نفيًا كالأساس والخلل فمادة استلزام السلب للثبوت من الطرفين وأما العموم والخصوص مطلقًا

وهو مادة استلزام الثبوت للثبوت من الخاص والسلب للسلب من العام كالجسم والحدوث وأما هما من وجه وليس فيه تلازم كلي. ولجريانه في عرف الفقهاء صورتان: الأولى: أنهم يقولون وجد السبب فيوجد الحكم أو لم يوجد الشرط فلا يوجد أو وجد المانع فلا يوجد أو لم يوجد المانع المنحصر بعد تحقق المقتضي فيوجد والحق عندهم أنه ليس استدلالا لأن دعوى وجود الدليل لا يكون دليلًا ما لم يعين لأن المطلوب الشرعي معين فدليله ما يناسبه وبذا يسقط ما يقال الدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بالمدلول وهذا كذلك. الثانية: نحو كل ما كان فرضًا وجب الامتثال بفعله أو لم يجز تركه وكل ما لا يكون جائزًا وجب تركه أو لا يكون فرضًا ويقال في المسائل في لزوم الثبوت للثبوت من صح طلاقه صح ظهاره أي بالطرد ويقوى بالعكس أو لأنهما أثران المؤثر واحد في المسلم فكذا في الذمي لاستلزام أحد أثرى الشىء للآخر بواسطة ملازمة المؤثر للطرفين. هذا إذا لم يعين المؤئر أما لو عين فقيل كفارة الظهار وتحريم الطلاق أثران للأهلية فقد عاد إلى صريح القياس وفي لزوم النفي للنفي لو صح الوضوء بلا نية لصح التيمم إذ هو في معنى لما لم يصح هذا لم يصح ذاك فإما أن يثبت بالطرد ويقوي بالعكس أو يقال الصحة والنية أثران المؤثر واحد في التيمم فكذا في الوضوء لأن انتفاء أحدهما لازم لانتفاء الآخر بواسطة ملازمة انتفاء المؤثر للطرفين فإن عين المؤثر ككونه عبادة فقد عاد إلى صريح القياس. فنقول الحق أنه ليس دليلًا خامسًا. أما أولًا: فلأنه تمسك بمعقول مفهوم من النص أو الإجماع أو القياس فهو بالحقيقة تمسك بها إذ ثبوت هذه الملازمات الشرعية المستفادة من الأحكام الوضعية بدون ورود النص أو الإجماع محال بالإجماع. وثانيًا: أنهم اعترفوا بأن التلازم بين الحكمين إن عين علته كان قياسًا فقد عاد إلى ما أشار إليه مشايخنا إنه قياس استغنى فيه عن ذكر بعض أركانه لظهوره إذ لو لم يكن له علة في الشرع كان تشهيًا واعتبارًا لما لم يعتبره الشرع فيكون فاسدًا فساد المصالح المرسلة لذلك. تنبيه: الأسئلة الواردة عليه كما تكون عامة من السوالف تكون خاصة كمنع اللزوم ووضع الملزوم كما يقال لا نسلم أن الأثرين لمؤثر واحد في الأصل لم لا يجوز أن يكونا

القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة

لموثرين فيه فلا يوجد أحدهما في الفرع ولو سلم فمن الجائز أن يكون علة أحدهما الثالث في الفروع مختصة به لا بعلة الأصل وغير مقتضية للأمر الآخر. لا يقال الأصل عدم علة أخرى مع أن في الحكم الواحد وحدة العلة أولى من تعددها لانعكاسها ح والمنعكسة أولى للاتفاق على عليتها. لأنا نقول يعارضه أن الأصل عدم علة الأصل في الفرع. ولا يقال الترجيح معنا لأن المتعدية أولى لكثرتها والاتفاق عليها. لأنا نقول المتحقق ها هنا احتمال التعدية لا نفسها ولا ترجيح به لأن تحقق التعدية فرع تعين العلة ولا تعين هنا وإلا لا استدلال. القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة: وهي الطرق الغير المقبولة في فهم معالق النصوص كمفهومات المخالفة والتعليلات الفاسدة وهي الأقيسة التي عللها غير مقبولة كالمنقوضة والنفي والآن أوان بيان فساد الأدلة الفاسدة التي هى غير الأربعة. ففيه مباحث الأول في استصحاب الحال وهو جعل الأمر الثابت في الماضي باقيًا إلى الحال لعدم العلم بالمغير ففيه جعله مصاحبًا للمحال أو بالعكس وهو حجة عند أكثر الشافعية كالمزني والصيرفي والغزالي في كل حكم ثبت بدليل ثم شك في زواله. وعندنا دافع لاستحقاق الغير لا مثبت لحكم شرعي إما للنفى الأولى فلا بحث فيه ولذا قلنا يجوز الصلح عن الإنكار ولم يجعل أصالة براءة ذمة المنكر حجة على المدعى ومبطلا لدعواه كما بعد اليمين. وقال الشافعي أخذه بالصلح رشوة على الكف عن الدعوى وأوجبنا البينة لوجوب الشفعة للشريك إذا أنكر المشترى ملك ما في يده ولم نجعل ظاهر يده ملزمًا وجعلنا القول لمن قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى ولم يدر أدخل الدار أم لا لإنكاره الشرط لأن عدم الدخول عدم أصلي لا يصلح حجة له لاستحقاق العتق على المولى. لنا جواز انفكاك الثبوت عن البقاء كالإيجاد لا يوجب الإبقاء حتى صح الإفناء ولذا جاز النسخ في حياته عليه السلام إذ لا مقتضى لتأييدهاكما بعد وفاته فإن كونه خاتم النبيين إجماعًا. وقوله عليه السلام: "الحلال ما جرى على لساني والحرام ما جرى على لساني إلى

يوم القيامة" (¬1) موبد. ولا يستدل بأنه لو ظنه به بالبقاء لكان بينة النفي أولى لتأيده به إذ لا ظن بها أصلًا لقرب غلطها يظن الموجود معدومًا لعدم العلم به بخلاف بينة الإثبات. ولأن للعلم بالوجود طرقًا قطعية لا ألتقى ولأن إنكار الحق أكثر من دعوى الباطل فتعارض الغلبة أصالته فلا يورث الظن. وله أن الظاهر عند عدم المعارض القطعي أو الظني بقاء الثابت بالضرورة ولولاه لما شاع به أقل مراسلة من فارقه ولا الشغل المقتضي لمدة كالحراثة والتجارة والقارض وإرسال الوديعة والهدية إلى بعيد والظاهر متبع شرعًا وإن بقاء الشرائع ولو إلى وقت النسخ وبه وكذا عدم زوال استيفاء النكاح مع الشك في الطلاق والعكس والوضوء مع الشك في الحدث وبالعكس. ولذا حكم عليه السلام باستدامة الوضوء حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ووجبت الشفعة إذا أقر المشتري بأن ما به الشفعة كان للشفيع أو شراه من مالكه وقبل الشهادة بأنه كان ملكا للمدعي. قلنا البقاء لكونه غير الوجود الأول يحتاج إلى مبق فإن علم أو ظن وجود المبقي فبذاك لا بالاستصحاب كما لني الصور المذكورة فإن ورود الشرع يقتضى شريعة موجبة إلى نزول الناسخ. ونحو البيع والنكاح والوضوء يوجب حكمًا ممتدا إلى ظهور المناقض والعادة في الأفعال المذكورة المبنية على البقاء العادي مبقية إذ لولا أن العادة دليل معتبر لم يوثر خرق العادة بالمعجزة في وجوب الاعتقاد والاتباع فالتبعية فيها بدليلها وهو مراد من قال أنه دليل لا بقاء ما كان على حاله لا لإثبات ما لم يكن ولا للإلزام والنزاع فيما يبقى بلا مبق كما في الأمثلة السالفة. ومن فروعنا: أن اللقيط في دار الإِسلام حر ظاهرا فلو زنى وأنكر حريته لا يرجم بظاهر حريته ومن قال له يا زاني لا يحد إذا أنكر القاذف حريته لأن الظاهر لم يصلح ملزما وأن المفقود لا يرث ممن مات قبل الحكم بفقده ولا يورث فجعل حياته المستصحبة دافعة لا ملزمة لأن الإرث من الإثبات وعدم الإيراث من الدفع بخلاف الغائب قبل الفقد لأن كونه بمسمع من طالبه دليل أنه لو مات لسمع عادة فلبقائه مبق ومع اختلاف الأصلين الخد الحكم بنفاذ شراء مقر حرية عبد عليه. ¬

_ (¬1) أورده الدينوري، انظر: تأويل مختلف الحديث (1/ 187).

فعندنا لأن زعم كل حجة في حقه لا في حق غيره فنيفذ البيع ويجب الثمن لئلا يكون زعم المشتري حجة على البائع ويعتق بولاء موقوف إن زعم تحرير البائع لزعمه فهو تخليص في حقه وعنده لأن زعم البائع لاستناده إلى الاستصحاب حجة على المشتري فبذا ينفذ البيع ولا دليل لزعم المشتري فيجب عليه الثمن ثم يعتق لزعمه. الثاني: الاستدلال بعدم المدارك ويسمى الاحتجاج بلا دليل لا يصح إلا من صاحب الشرع كما قال: {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145]، {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117]، وقد قيل في غيره حجة للنفي وطريقتهم في الاحتجاج به قولهم لا دليل على ثبوته فيجب نفيه وبينوا الأولى إما بنقل أدلة المثبتين وإبطالها وإما بحصر وجوه الأدلة ونفيها بعدم وجدانهم لها ويكون الأصل عدمها وبينوا الثانية إما عقلا فبانه لو جاز ثبوت ما لا دليل له لزم القدح في الضروريات لجواز وجود الممكنات الكثيرة المستبعدة بحضرتنا ولا نجسها وفي النظريات لجواز الغلط في كل دليل يقام عليها وإما نقلا فبالآيتين المذكورتين. وقال بعض الشافعية استصحاب فيصح دافعا وملزما. قلنا أولًا الإجماع على طلب الدليل في نفي الشريك ونفي الحدوث عن الله تعالى أبطل الإيجاب الكلي وبطل المذهبان لعدم القائل بالفصل. وثانيا: على الأول إن أريد النفي الأصلي فلا كلام فيه بل حاصله عدم الثبوت لا ثبوت العدم ولذا لا يصير المدعي العاجز عن البينة مقضيا عليه وإن حلف الخصم المنكر وإن أريد النفي الشرعي فلا ثم لأنه يصلح دليلًا عليه لاحتمال عدم اطلاعه عليه مع وجوده كيف وإن فوق كل ذي علم عليما اللهم من الشارع الإحاطة علمًا بجميع الأدلة يويده طلب البرهان بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} [البقرة: 111] إلى قوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة: 111]، فإن طلب الدليل على الحصر يقتضي طلب الدليل على النفي الذي هو جزؤه. ومنه يعلم معنى إبطاله بأن نفي الشيء لا يكون إياه فنفي الدليل ليس دليلًا فلا يرد أنه غير تام لجواز أن يكون المنفي دليل الإثبات ونفيه دليل النفي لأن المراد ها هنا نفي مطلق الدليل أما نفي المعين من دليل الإثبات فهو التعليل بالنفي الذي مر. فحاصل الجواب أن عدم الدليل في نفس الأمر ممنوع وعند المستدل لا يفيد وإلا كان الأجهل بالدلائل أكثر علمًا. وعلى الثاني لو صح للنفي والإثبات يلزم من عدم دليل النقيضين الجزم بهما ولا يلزم

قول محمَّد رحمه الله في العنبر لا خمس فيه لأنه لم يرد فيه الأثر لأن معناه أن وجوب الخمس على خلاف القياس فيقتصر على ما فيه الأثر. وقيل لأنه لم يكتف به بل ذكر حاكيًا عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه كالسمك وهو كالماء ولا خمس فيه ومعناه ما مر أن الخمس إنما يجب بالتسليط على ما في يد العدو وقهر الماء بمنع قهر العدو. ثم قال علماؤنا التمسك بالاستصحاب أربعة أوجه: 1 - عند القطع بعدم المغير لحس أو عقل أو نقل ويصح إجماعًا كما نطقت به الآية. 2 - عند العلم بعدم المغير بالاجتهاد ويصح لإيلاء العذر ولا حجة على الغير إلا عند الشافعي وبعض مشايخنا منهم علم الهدى رحمه الله لأنه غاية وسع المجتهد. 3 - قبل التأمل في طلب المغير وهو بط بالإجماع لأنه جهل محض كعدم علم من أسلم في دارنا بالشرائع وصلاة من اشتبهت عليه القبلة بلا سؤال وتحر. 4 - لإثبات حكم مبتدأ وهو خطأ محض لأن معناه اللغوى إبقاء ما كان ففيه تغيير حقيقته واعتبره بعض الشافعية حتى قالوا بإيراث المفقود من مورثه لذلك وأخطأوا في التخريج لأنه بواسطة الحياة الباقية حكمًا وليس بإثبات ابتدائي. قال فخر الإِسلام رحمه الله ومن شرع في العمل بلا دليل اضطر إلى التقليد الذي هو باطل إذ عند انتفاء الضرورة والنظر بتعين التقليد أو التشهى ولما لم يحتمل التشهى الصحة أصلًا عين التقليد أو معناه اضطر إلى جواز التقليد الباطل لأنه من أقسام العمل بالدليل. الثالث: التقليد: وهو اتباع الغير على اعتقاد أنه محق من غير دليل على وجوب اتباعه لأنه لما تبرع بالتزام قوله كأنه جعله قلادة عنقه وذلك كاتباع الكفرة آباءهم المذموم في الآيات والمبتدعة مقتداهم المذموم في الأحاديث إذ لو صح لكان جميع الأديان الباطلة حقا ولزم اجتماع النقيضين لتناقض الأديان وفيما قلد اثنان لاثنين في النقيضين ولأنه معارض بالمثل ولأن مقلد الكافر كافر ومقلد المؤمن عاص بترك الاستدلال ولا شيء من سالك طريق الحق يعصي بسلوكه وهذا بخلاف اتباع الأمة قول النبي لأنه بالكتاب والإجماع أو الإجماع لأنه عن دليل مر فيه حجيته واتباع الأمة قول المفتي أو القاضي قول الشهود لأنهما عن نص نحو {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أو إجماع فهذه الأقسام. قيل ليست تقليدا إلا أن يصطلح عليه. وقيل ليست تقليدا باطلا.

وما قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وعامة الفقهاء وأهل الحديث من أن إيمان المقلد صحيح فليس لصحة التقليد بل لوجود حقيقة الإيمان وهو التصديق بجميع ما علم مجيء النبي عليه السلام به بالضرورة ولذا قلنا بصحة ارتداد الصبي العاقل واستحقاقه العقاب السرمدي بذلك ألا يرى أنه عاص بترك الاستدلال فهو مثاب ومعاقب من جهتين إما في فروع الشريعة فقال صاحب الميزان يحل التقليد للعوام من لم يبلغ درجة الاجتهاد للضرورة ولكن عليهم أن يقلدوا من اشتهر عندهم بأنه أعلم وأورع ولا يقلد المجتهد إلا للصحابي في المختار وإن روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه جواز تقليده لمن هو أعلم منه وسيجيء بيان هذه المسائل. الرابع: الإلهام وهو الإلقاء في الشروع بطريق الفيض أي خلق الله تعالى في قلب الغافل علمًا ضروريا نظريا كان أو عمليا وقد يطلق على ذلك العلم كضرب الأمير وهو للنبي عليه السلام حجة عليه وعلى غيره لا لغيره إلا للولي على نفسه لأنه في حقه ملحق بوحي نبيه كرامة له ببركة متابعته. وقالت الصوفية الإلهام حجة مثل النظر العقلي. لنا أولًا أنه معارض بالمثل. وثانيا: أنه ملتبس بالهواجس والوساوس فلا يتيع إلا إذا كان على وفق الحجج الشرعية كيف وإذا وجب رد الحديث المخالف لكتاب الله فرد غيره أولى. وثالثا: قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ونحوه. ورابعا: دلالة الإجماع على عدم جوازَ قول الرسول عليه السلام إلا بعد إظهار المعجزة وإلا لاشتبه النبي بالمتنبي وقبول قول المتنبي كفر. لهم أولًا قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] حيث أول بالإلهام وكذا قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} [الأنعام: 122]. قلنا مسلم أنه ثبت كونه من الله أو من الملك بإذنه كما بالمعجزة للنبي في حق الكل وبالكرامة في حق نفسه. وثانيا: قوله عليه السلام لوابصة استفت قلبك ولو أفتوك وقوله عليه السلام "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (5/ 298) ح (3127)، وقال غريب، والطبراني في الأوسط (3/ 312) ح (3254)، والطبراني في الكبير (8/ 102) ح (7497)، والقضاعي في مسند الشهاب =

والفراسة ما يظهر لبعض الصالحين من كشوف حقانية. قلنا معناه الأمر بأن يعمل مثله بفتوى قلبه لا بدعوة الناس إليه ولا نزاع فيه. وثالثًا: أمر الله تعالى موسى عليه السلام وهو من أفاضل أولى العزم أن يتبع الخضر في إلهاماته وكان الحق للخضر عليه السلام في المسائل الثلاث. قلنا: للعمل بحقه ذلك بأمر الله تعالى ولا كلام في مثله ولا في حسن الاعتقاد لمن يدعى الإلهام بدليل يدل على صدقه من الكرامات النقاضات للعادات والاتقاء عن فراسات الأولياء في إضمار الخاطر السوء في حقهم واجب بل كلا منافى وجوب الاتباع في الأمور الدينية بلا دليل شرعي. ورابعًا أن الترجيح بين القياسين المتعارضين بشهادة القلب وكذلك أنواع التحرى في القبلة واختلاط الحرام بالحلال والنجس بالطاهر. قلنا التحرى ليس من الإلهام المخصوص بالعدل التقى بل هو دليل ضروري لا يعمل به إلا بعد العجز عن أسباب العلم مشروع في حق الصالح والطالح. وأما ما قالوا من أنه يجب على المريد اتباع قول شيخه في وارداته ومناماته ولا يطلب عليه الدليل وإلا كان محجوزًا ومردودًا فمسلم لا فيما يخالفه الشرع لقوله عليه السلام "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (¬1) بل فيما يوافقه كترجيح أحد الجائزين وذلك إذا عرف صلاح شيخه بسداد سيرته ورؤية كراماته لا لمجرد الدعوى والطامات. الخامس: بالمجمل المجهول كقول الجدليين جائز قياسًا على صورة متفق على جوازها لمصلحته أو غير ثابت دفعًا لمفسدته وقد قال عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرر في الإسلام (¬2) قلنا يمكن لأحد أن يقلبه فلا يصلح حجة شرعية لاستحالة التناقض على حجج الشارع ولأن مثله لعب بالتشريع وترويج لهوى النفس ففيه خطر زوال الإيمان ¬

_ = (1/ 387) ح (663) والبيهقي في الزهد الكبير (2/ 159 - 160) ح (358). (¬1) أخرجه الترمذي (4/ 209) ح (1707)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 545) ح (17) عن الحسن مرسلًا، وعبد الرزاق في مصنفه (2/ 383)، ح (3788)، والطبراني في الأوسط (4/ 181 - 182) ح (3917)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 131) ح (95)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 55) ح (73) والخلال في السنة (1/ 113 - 114) ح (58)، والحارث في مسنده (2/ 632) ح (602)، والطراني في الكبير (18/ 165) ح (67) وابن الجوزي في العلل (2/ 768) ح (1280) وانظر كشف الخفاء للعجلوني (2/ 491) وعلل الدارقطني (5/ 155). (¬2) تقدم تخريجه.

المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح

عياذًا بالله تعالى. المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح. أما الأول ففيه مباحث الأول في تفسيره هو لغة المقابلة على سبيل الممانعة أعني المدافعة ومنه سمى الموانع عوارض وشريعة تقابل المتساوين قوة حقيقية أو حكمًا مع اتحاد النسبة أي تقابل الدليلين أعني كون أحدهما مثبتًا لما ينفيه الآخر أو بالعكس المتساوين قوة والزائد أحدهما بوصف هو تابع مع اتحاد النسبة المستلزم كما مر لاتحاد المحل والزمان وغيرهما من الوحدات الثمانية المشهورة والملحقة بها ولذا قد يسمى التعادل. وبه تحقيقات: 1 - أن تقابل الدليلين إن تساويا في القوة تعارض لا يجري فيه الترجيح وهو متحقق على ما هو الصحيح خلافًا للكرخي وأحمد إلا في نفس المجتهد لهما لزوم اجتماع النقيضين إن عمل بهما وارتفاعهما إن تركا والتحكم إن عمل بأحدهما معينًا أما التخير كما. قال به القاضي والجبائيان فبين أمارتي التحريم والإباحة عمل بأمارة الإباحة وهو تحكم وهو نصب للشرع بالتشهى وبين أمارتي الوجوب والحرمة ترك لهما لا يقال إباحة في حال الأخذ بأمارتها تحريم في حال الأخذ بأمارته كركعتي المسافر فرض حال الإلتمام غيره حال القضاء وأيضًا يجوز قياسًا على التعارض الذهني لأنا نقول الأمارتان تناولتا فعلا واحدًا في كل حال ولا واسطة بين الحجر ورفعه أما التعارض الذهني لقصورنا وعجزنا فلا يقاس. ولا واسطة بين الحجر ورفعه أما التعارض الذهني فلقصورنا وعجزنا فلا يقاس عليه قلنا لا مانع من جوازه عقلا كعدلين بخبر أحدهما عن وجود شيء والآخر عن عدمه وعند جعلهما بمنزلة العدم كما قلنا والتوقف أو التخيير كما قيل لا يلزم اجتماع النقيضين ولا ارتفاعهما ولا التحكم كما عند عدمهما حقيقة. لكن لا يتحقق بين القطعين ثبوتًا ودلالة كما بين محكمي الآيتين أو السنتين المتواترتين أو المشهورتين أو الإجماعين كذلك أو المختلفين منها ولا بين العقليين إلا إذا جوزنا التقليد فيها كل ذلك لامتناع وقوع اليقينين المتنافين فحين لا يجري التناقض بينهما لا يجري التعارض أيضًا فلا يجري الترجيح ولأنه فرع التفاوت في احتمال النقيض فلا يكونان إلا بين الطين ولا في الواقع لتعالى الشارع عن العجز والكذب بل لجهلنا

الثاني: في حكمه

بالناسخ منهما وهذا هو المذكور حكمه في هذا الركن. قال الإِمام الرازى ومن تبعه كالأرموى الحق أن التعارض في الحكمين في فعل واحد غير واقع لما مر من لزوم أحد المحذورات الثلاث وفي الفعلين والحكم واحد واقع فإن من ملك مئتين من الإبل غير بين إخراج حضر بنات لبون لقوله عليه السلام في كل أربعين بنت لبون وبين إخراج أربع حقاق لقوله عليه السلام في كل خمسين حقة والحكم الوجوب. ومثله تحير المصلي داخل الكعبة والولي إذا وجد لبنًا يسد به رمق أحد الطفلين بحيث لو أقسم ماتا وهذا هو التعارض الذي يقول الشافعي فيه بالتخيير. قلنا الثابت بمثله هو الوجوب المخير ولا تعارض في حقه ألا يرى أنه لا منع من الترك في كل من الأمرين وإلا كان التخير إسقاطًا للأمارتين لا عملا بهما وإن لم يتساويا فإن زاد أحدهما بما هو لينزلة التابع تعارض فيه ترجيح وهو الذي نذكر حكمه في ركن الترجيح ولا بد من ظنيتهما ثبوئا أو دلالة سواء كانا منقولين كالنص والإجماع أو معقولين كالقياسين أو مختلفين كما مر أن القياس يخصص العام المخصوص والتخصيص بطريق التعارض وإن زاد أحدهما لا بما هو تابع فلا تعارض إذ لا تساوي لا حقيقة كما في الأول ولا حكمًا كما في الثاني كما بين القطعي والظني بين منقولين أو مختلفين. 2 - أن اتحاد النسبة يحقق التناقض المستلزم للتعارض ولذا يدفع التعارض كثيرًا بمنع وحدة المحل أو الزمان أو غيرهما. 3 - إن الدليلين الغير المتقابلين والغير المتساويين أصلًا كالقسم الثالث وما ليس بينهما اتحاد النسبة كما في اختلاف المحل من مقتضى حل المنكوحة وحرمة أمها أو حلها لزوجها وحرمتها لغيره أو مع اختلاف الزمان كحرمة الوطئ حالة الحيض وحله في غيرها لا تعارض بينهما. الثاني: في حكمه فإما بين نصين آيتين أو قراءتين أو سنتين قولين أو فعلين أو مختلفين أو آية وسنة في قوتها كالمشهور والمتواتر أو غيرهما فحين لا علم بالمتأخر الناسخ ولا جمع بوجه آخر مما سيأتى كالمسمى بالعمل بالشبهتين فالتخيير عند القاض والجبائيين كما مر ومر فساده وعند غيرهم أن يترك العمل بهما ويصار إن أمكن من الكتاب إلى السنة ومنها إلى قول الصحابة رضي الله عنهم إن قدم مطلقًا كما قال فخر الإسلام أو فيما لم يدرك بالقياس كما قال الكرخي ومنه إلى القياس وإن لم يقدم كما ذكر السرخسي رحمه الله فهو في رتبة القياس فيعمل يما يؤيده شهادة القلب منهما وإن لم يمكن فيعمل

بالحال ويقرر الحكم على ما كان عليه قبل ورود الدليل إذ العمل به في الإبقاء أولى من العمل بما يحتمل أنه ليس بحجة أصلا وهو المنسوخ فلم يعمل فيه بأحدهما العمل بالمنسوخ ولأن العمل بالنص لكونه نصًا منقولا لا أمرًا معقولا لا اعتبار لشهادة القلب معه. وإما بين قياسين حين لا ترجيح ولا جمع فإنه يعمل المجتهد بأيهما شاء لأنه لما أجر على العمل به ولم يجز النسخ بينهما وجب التخيير لاعتقاد حقية كل في حق العمل لكن لا بهما كما قال الشافعي رضي الله عنه قياسًا على خصال التكفير لأن الحق واحد فالعمل بهما جمع بين الحق والباطل بل بأحدهما بشهادة قبله طلبًا للحق حقيقة إذ ليس بعده دليل شرعي يرجع إليه وهي دليل عند الضرورةكما في القبلة ولاختصاص قلب المؤمن بنور الفراسة بالحديث. فلأن يعمل بها أولى من العمل بلا دليل وهو الحال ولأن العمل بالحال في تعارض النصين بناء على عدم الدليل للجهل بالناسخ إذ لا يفيد بالجهل حكمًا شرعيًا وهو الاختيار ولا جهل بالدليل في تعارض القياسين لأن كلا دليل وضعه الشرع في حق العمل فيفيد الاختيار إما مطلقًا كما قال وإما بضم شهادة القلب رعاية لوحدة الحق كما قلنا وكذا تعارض قولي الصحابة لأنهما عن قياسين بخلاف خصال التكفير حيث لم يحتج فيها إلى شهادة القلب لأن التخيير فيها ثابت بدليل واحد حق وهنا بقياسين أحدهما هو الصواب. الأمثلة: فللمصير أن السنة العمل بقوله عليه السلام من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة وهو قوله عليه السلام وإذا قرأ فأنصتوا بعد تعارض قوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن الوارد أن الصلاة باتفاق المفسرين وبالسياق والسياق وإذ لا وجوب للقراءة إلا فيها وقد دل على وجوبها على المقتدي وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]. الوارد فيها عند عامة المفسرين وقد جل على نفيه إذ لا إنصات معها وقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب لكونه محتملا لنفى الفضيلة لا يعارض الحديثين. وللمصير إلى القياس هو اعتبار وصلاة الكسوف بسائر الصلاة بعد ما تعارض ما روى نعمان بن بشير أنه عليه السلام صلى صلاة الكسوف كما تصلون بركعة وسجدتين وما روت عائشة رضي الله عنها أنه صلاها ركعتين بأربع ركوعات وأربع سجدات. وللمصير إلى تقرير الأصول أعني العمل باستصحاب الحال في الإبقاء فكما يقال في

سؤر الحمار تعارض الأخبار والآثار وامتناع الأقيسة. أما الأخبار في روى أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وما روى أنه عليه السلام قال "كل من سمين مالك" لمن قال لم يبق من مالي إلا هذه الحميرات والاشتباه في اللحم يورثه في السؤر لمخالطة اللعاب المتولد منه. لا يقال أدلة الإباحة لا تساوي أدله الحرمة حتى أن حرمته مما يكاد يجمع عليه لأنا نقول هذا لتغليب المحرم على المبيح كما في الضبع فسيجىء الجواب في حق السؤر بوجهين وقد روى فيه أيضًا عن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع، وأما الآثار فقول ابن عمر رضي الله عنه أن سؤر الحمار نجس (¬1) وابن عباس رضي الله عنه أنه طاهر. وأما امتناع الأقيسة فإذ لا يمكن إلحاقه بالهرة لأنه ليس مثلها في الطوف ولا بالكلب للضرورة في سؤره ولا إلحاق لعابه بلحمه أو لبنه في أصح الروايتين وإن روى عن محمَّد رحمه الله أنه طاهر ولا يؤكل لأن فيه ضرورة لاختلاطه ولا يعرفه الطاهر في ظاهر الرواية لأن الضرورة فيه أكثر فقيل الشك في طهارته إذ لو كان طاهرًا لكان طهورًا ما لم يغلب على الماء. وقيل في طهوريته إذ لا يجب بعد استعماله غسل الرأس إذا وجد الماء فالعمل بالأصل على التقديرين واحد وهو أن يحكم بأن لا ينجس الماء الطاهر ولا يزول الحدث الحاضر بالشك ولم يحكم شقاء الطهورية الحاصلة لاستلزامه الحكم بزوال الحدث وإهدار دليل النجاسة بالكلية بخلافه إفا جعل طاهرًا غير طهور وضم التيمم إليه. لا يقال في الشك بوجهين: 1 - أنه مثل ما أخبر واحد بطهارة الماء وآخر بنجاسته يجعل طاهرًا وطهورًا. 2 - أنه يجب تغليب المحرم على المبيح إذا تعارضا لأنا نقول فتعارض الجهتين أورث الإشكال على أن الأول يقتضي التيقن بطهارته فقط وهو ملتزم في الأصح والثاني معارض بضرورة الاختلاط والطوف في حق السؤر وإن لم يبلغ حد ضرورة الهرة إليه أشير في المبسوط وإنما سمي مشكلا لتعارض الأدلة أو لضم التيمم حيث صار داخلا في أشكاله لأنه مشمول كل دليل ويشبه الماء المقيد والمطلق حيث تيمم ولم يكتف بالتيمم وليس ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 35) ح (304 - 311) وعبد الرزاق في مصنفه (1/ 105) ح (373).

الثالث: في المخلص عنه

المراد به مجهول الحكم إذ لا يثبت بأدلة الشرع الجهل أو الشكَّ بل معلومه الحكم وهو ضم التيمم إلى الوضوء به وكذا في الخنثى المشكل وجب تقرير الأصول عملا بما هو الأحوط من جعله ذكرًا وأنثى كما عرف في كتاب الخنثى وكذا في المفقود كما مر. النظائر من المسائل مسافر معه إنآن أحدهما نجس والآخر طاهر اشتبه عليه بتحرى لا للوضوء خلافًا للشافعى رضي الله عنه بل يتيمم بناء على أنه طهارة مطلقة حين العجز فلم يقع الضرورة المجوزة بشهادة القلب كما في تعارض النصين بل للشرب إذ لا بدل للماء في حقه كما في اشتباه ثوبين طاهر ونجس أو جهة القبلة إذ لضرورة عدم اتحلف فيهما يعمل بالتحرى لا بالحال كما في تعارض القياسين. ولا ينقض التحرى باليقين بعده لحدوثه بعد إمضاء حكم الاجتهاد كنص نزل بعد العمل بالقياس كما في اقتداء أسارى بدر أو إجماع انعقد بعده بخلاف نص موجود ظهر بعده لأن اتحطأ فيه للتقصرِ في الطلب. ثم لو خالفه التحرى الثاني في المستقبل يعمل به حتى في خلال الصلاة إن قبل المشروع الانتقال كأمر القبلة حيث انتقل إلى الكعبة ثم إلى جهتها للبعد وكذا سائر المجتهدات كما في تكبيرات العيد يعمل المجتهد برأيه الثاني لأن تبدله بمنزلة النسخ يعمل في المستقبل لا في الماضي وإن لم يقبله لا يعمل كما في الثوبين لأن النجاسة المتعينة بالرأى الأول لا يقبل الانتقال ما لم يتيقين بطهارته فالأول كالطلاق في محل مبهم لبقاء ملك التعيين وخياره والثاني كطلاق معين من المرأتين نسىء إذ لا خيار له بالجهل لأنه يؤدى إلى صرف الحرمة عن محلها المتعين. الثالث: في المخلص عنه لا بالترجيح أي دفعه وبيان أنه غير واقع ولأن التعارض للتناقض الذي يتضمنه يندفع بما يندفع به من بيان أنه غير واقع ولأن التعارض للتناقض الذي يتضمنه يندفع بما يندفع به من بيان تعدد النسبة وهذا غير دفعه من جهة الدليل وترجيح أحدهما ببيان أنه أفوى فلا يعبتر الآخر كالمحكم مع المجمل حتى لا يعارض قوله {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وقوله {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، ومع المتشابه فلا تعارض قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. وكالمشهور وخبر الواحد فلا يعارض السنة المشهورة حديث القضاء بالشاهد واليمين ونحو ذلك كما إذا كان أحد النصي محتملا للمخصوص فيخصص بالآخر الغير

المحتمل كما خصص قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] بقوله تعالى في المستأمن: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التربة: 6] وقوله عليه السلام "من نام عن صلاة" (¬1) الحديث بحديث النهى عن الصلاة في الساعات الثلاث. والمتعارف فيما نحن فيه وجوه: 1 - من جهة الحكم وهذا نوعان: الأول: بالتوزيع بإضافة ثبوت بعض أفراد الحكم إلى دليل ونفيه إلى آخر كقسمة المدعى بين المدعين المبرهنين. والثاني: بيان مغايرة حكمى الدليلين كأن يكون أحدهما دنيويًا والآخر عقبويًا كآيتى اليمين في البقرة {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [225] وفي {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [89]، فالأولى تقتضى المؤاخذة بالغموس لأنها مكسوبة أي مقصودة والثانية تنفيها لأنها لم تصادف محل عقد اليمين وهو الخبر الذي فيه رجاء الصدق فيدفع بأن المواخذة التي في المائدة دنيوية لتفسيرها بالكفارة والتي في البقرة مطلقها فينصرف لإطلاقها في الأخروية ولأن المنوط بالعزيمة هو العقاب لا وجوب الكفارة فإن اليمين مما هزله جد واللغو الذي قوبل بالمكسوبة أعني الغموس والمعقودة بحسب الآيتين فأريد به الخالي عن الكسب والعقد لا مؤاخذة فيه أصلًا لوقوع الفعل في سياق النفي لا كما فعل الشافعي رضي الله عنه من حمل العقد على القصد كما في قوله: عقدت على قلبي بأن أترك الهوى ... فصاح ونادى أنني غير فاعل وحمل المطلق في المقيد لما بين كلا منهما خلاف الأصل. قبل كسب القلب مفسر والعقد مجمل فيحمل عليه. قلنا العقد في القصد مجاز لإفضاء العزم إلى الربط فليس مجملا ولئن سلم فمطلقة لا عقد اليمين على أنا نقول فيه عدول على الحقيقة العرفية العامة لا الشرعية كما ظن بلا ضرورة أعني في عقد اليمين فلا يرد أنه بمعنى ربط القلب أشهر في اللغة من مصطلح الفقه. وأيضًا اعتبار القصد لغو في وجوب الكفارات كما في القتل والظهار فكذا هنا فلا يرد أنه غير مسلم في حقوق الله تعالى لا سيما التي فيها معنى العبادة. 2 - من جهة الحال بأن يحمل كل على حال حمل آية {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، ¬

_ (¬1) مر تخريجه.

مشددًا ومخففًا على انقطاع ما دون العشرة لإيجاب الاغتسال حقيقة أو حكمًا بلزوم شيء من أحكام الطاهرات لتأكيد وعلى انقطاع تمامها لعدمه إذ لا يجوز تأخير حق الزوج بعد القطع بانقطاعه إلى أوان الاغتسال وكذا حمل {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] على معنى طهرن ح ليتوافقا ولم يعكس إذ لا قطع بانقطاَعه في الأول فهو المحتاج إلى تأكيده وكمل آية {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]، خفض ونصبا على لبس الخف والعرى عنه. وفيه بحث لأن كونه مغيا إلى الكعبين ينافيه فإن المسح لم يضرب له غاية في الشريعة. والحق أن المراد غسل الرجل والجر للمجاورة كما في قول زهير: لعب الرياح بها وغيرها ... بعدي سوا في المور والقطر لا أنه ممسوح والنصب للعطف على موضع المجرور كما في قوله يذهن في نج وغورًا غابرا لو أطلق المسح المقدر الذي يقوم حرف العطف مقامه مجازا وإنما عطف على الممسوح تحذيرًا عن الإسراف المكروه لأن الرجل مظنته كأنه قال إلا خفيفًا شبيهًا بالمسح. وذلك أولًا لحديث الغاية. وثانيًا: لموافقة الجماعة فإن النبي عليه السلام وأصحابه كانوا يغسلونه. وثالثًا: لتحصيل الطهارة فإنه بالإسالة. ورابعًا: للخروج عن العهدة بيقين فإن الإسالة فيها الإصابة والزيادة. وخامسًا: لأن المسح عند المحققين ثابت بالسنة ولذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه ما قلت بالمسح على الخفين حتى جاءني فيه مثل فلق الصبح ويشعر بعدمه في الكتاب. 3 - من جهة الزمان حقيقة فالمتأخر ناسخِ كآيتى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الآية قال ابن مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الطولى محتجًا به على علي رضي الله عنه في قوله بأن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين أو دلالة كما يجعل الحاظر مؤخرًا عن المبيح نقلا بالحديث وعقلا بأنه لو قدم لتكرر التغيير والأصل في كل حادث عدمه ولا غبار عليه سواءكان رفع الإباحة الأصلية نسخا بأن ثبت تقدم دليل دال على إباحة جميع الأشياء نحو {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، على نصوص التحريم أو لم يكن وهو المراد بتكرر النسخ هنا وذلك لأصالة الإباحة في زمان الفترة قبل شريعتنا لا في أصل وضع الخلقة فإنا لا نقول بها إذ

الناس لم يتركوا سدى في زمان فإن أبا البشر عليه السلام كان صاحب الشرع ولم يخل قرن بعده عن دليل سمعى لقوله تعالى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، لكن إباحة الفترة هى بمعنى عدم العقاب على الفعلً قبل أن حَرمه الشرع أو على الترك قبل أن أوجبه لا بمعنى الإباحة الشرعية وهي ثابتة بقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يدل على إباحة جميع الأشياء شرعًا فيخص من عمومها ما ليس بمباح وذلك لأنه إن كان متأخرًا عن نصوص التحريم كان ناسخًا لها فلا تحريم وأنه خلاف الإجماع وإن كان متقدمًا ما فقد ثبت الإباحة الشرعية في الكل وتكرر النسخ حقيقة فإن كان مقارنًا يخص كما قلنا ويبقى الباقي على الإباحة الشرعية. لا يقال معنى الآية خلق الكل للكل لا كل واحد لكل واحد كما ذكر في تفسير البيضاوي. لأنا نقول خلاف الظاهر فإن استغراق مثل هذا الجمع بمعنى كل فرد لا بمعنى مجموع الأفراد وكذا استغراق من وما كما مر فلذلك يحرم الضب والضبع والسلحفاة والثعلب والقنفذ والحمار لتعارض المبيح والمحرم ولا يقتض حرمة لحم الحمار نجاسة سؤره كما في الهرة فلا ينافيه طهارة سؤره. أصل مختلف فيه: رجح الكرخي المثبت وهو الذي يبقى العارض وبنفي الأصل لأنه أقرب إلى الصدق لاعتماد الحقيقة كما في الشهادة، وقال عيسى بن أبان يتعارضان لاستوائهما شروطًا فيطلب الترجيح من جهة آخر. واختلف عمل أصحابنا في تعارضهما فعملوا في خبر زينب بنت النبي عليه السلام أنه ردها إلى زوجها أبي العاص بنكاح جديد أو بالأول وخبر بريرة رضي الله عنها أنها أعتقت وزوجها حرًا وعبد وفي الجرح والتعديل بالمثبت للعارض حتى أثبتوا الفرقة بتباين الدارين خلافًا للشافعى رحمه الله. وأما في خبر ميمونة رضي الله عنها أنه تزوجها وهو حلال بسرف أو محرم واتفقت الروايات أن النكاح لم يكن في الحل الأولى إذ رواية أنه عليه السلام بالمدينة قبل أن يحرم غير ثابتة حتى لم يقبل بها أحد الفريقين فلم يعتبرها وكذا في مسائل كتاب الاستحسان من الخبر بالطهارة والحل وغيرهما فبالنافي للعارض أي خبر الإحرام والطهارة والحل. والحرف الكلي فيه أن النفي إن كان مما يعرف بدليله أو اشتبه حاله وعرف اعتماد

الراوي على دليل المعرفة كان النفي مثل الإثبات وإلا فلا. ولذا قال محمَّد رحمه الله في السير الكبير فيمن ادعت على زوجها أنه قال المسيح ابن الله فقال قلت هو قول النصارى أو قالت النصارى كذا وهي لم تسمعه فالقول له مع يمينه فلا تبين لإنكاره. وكذا لو شهد الشاهدان إنا سمعنا ذلك منه ولم نسمع ما زاده ولا ندرى أقاله أم لا لم تقبل أيضًا وكان القول قوله أما لو قالا لم يقل غيره قبلت ووقعت الحرمة لصدور نفيهم عن دليل إذ ما لا يسمع دندنة وليس بكلام وأما نفى السماع فبناه على عدم العلم بالإثبات وعلى الاستصحاب والقاضى مثلهم فيه فوجوده كالعدم وكذا إذا ادعى الاستثناء في الطلاق في الصور الثلاث. وأما النفي المحتمل لأن يعرف بدليله وأن يعتمد مخبره على ظاهر الحال كالمخبر على طهارة الماء المعين فيجب السؤال والتأمل في حال المخبر فإن علم اعتماده على أصالة الطهارة لا يعارض الإثبات وإن علم اعتماده على الدليل الموجب للعلم به كاخذه من البحر وحفظه إلى الآن يعارضه فيترجح بالاستصحاب لأنه مما يصلح مرجحًا في موضعه وعلى هذا الحرف يدور صحة الشهادة على النفي وعدمها إذا تقرر. فالنفي في خبر زينب وبريرة رضي الله عنهما وفي التعديل مما لا يعرف بالدليل بل بظاهر الحال المستصحبة أن زينب كانت منكوحة وزوج بريرة كان عبدًا وإن المزكي يبني على عدم علمه بما يجرح العدالة فرجح الإثبات لابتنائه على دليل العلم وفي خبر ميمونة وسائل الاستحسان مما يعرف بدليله كهيئة المحرم وأخذ الماء والطعام من معدنهما الشرعي فتعارضا فرجح النفي فيه برواية ابن عباس رضي الله عنه أنه عليه السلام تزوج ميمونة بنت الحارث وهو محرم إلى آخر القصة عن رواية زيد بن الأصم أنه تزوجها وهو حلال لفضل الأول في ضبطه وإتقانه ورواية القصة على وجهها ولأن عمر رضي الله عنه كان يقدمه على كبار من الصحابة وفيها بأصالة الطهارة والحل. تتمة: إذا زاد أحد الخبرين على الآخر يؤخذ بالمثبت للزيادة إن دخد راوى الأصل كخبري المخالف المروين عن ابن مسعود رضي الله عنه فلا يجري التخالف إلا عند قيام السلعة. وقال محمَّد والشافعى يعمل بهما لإمكانه. قلنا لما الخد راوى الأصل لم يثبت كونهما خبرين بالاحتمال لأن الظاهر ح أن حذف الزيادة لقلة ضبط الراوي وغفلته وإن تعدد الراوي يعمل بهما كالمطلق والمقيد في الحكمين كما روى أنه عليه السلام نهى عن بيع الطعام قبل القبض وقال العتاب بن أسيد

الركن الثاني في الترجيح: وفيه فصول

أنهم نهوا عن أربعة عن بيع ما لم يقبضوا ولم يحمل المطلق على المقيد حتى لا يجوز بيع سائر العروض قبل القبض أي فيما يتصور القبض. الركن الثاني في الترجيح: وفيه فصول الأول في تفسيره هو لغة إثبات الفضل في أحد جانبى المعادلة وصفًا أي بما لا يقصد المماثلة فيه ابتداء (¬1) كالحبة في العشرة بخلاف الدرهم فيها ومنه قوله عليه السلام: "زن وارجح نحن معاشر الأنبياء هكذا نزن" (¬2) أي زد عليه فضلا قليلًا يكون تابعًا بمنزلة الجودة لا قدرًا يقصد بالوزن للزوم الربا ويؤيده أنه ضد التطفيف وهو نقصان في القدر بما لا ينعدم به المعارضة. وشريعة إثبات فضل أحد الدليلين المتماثلين وصفًا وفسر بإيضاح قوة لأحد الدليلين المتعارضين لو انفردت لا تصلح للتعارض إذ لا تصلح علة فلا ترجح حيث لا تعارض وقد يطلق على اعتقاد الرجحان مجازًا (¬3). ومثله ما يفسر باقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها لأنه سبب الترجيح ويفيد أن لا يتصور فيما الدلالة له فيه على الحكم وفيما دلالته قطعية إذ لا تعارض بين قطعين ولا بين قطعي وظني لكن لا يفيد شرط التبعية واللغة تساعد الأول. الفصل الثاني في حكمه هو العمل بالأقوى. وقيل لا يجوز التمسك به بل عند التعارض يجب التخير أو الوقف. لنا أولًا تقديم الصحابة رضي الله عنهم فيما تواتر القدر المشترك تقديمهم خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين على ما روى الماء من الماء وخبر من روى أنه عليه السلام كان يصبح جنبًا على خبر أبي هريرة رضي الله عنه من أصبح جنبًا فلا صوم ¬

_ (¬1) انظر القاموس المحيط للفيروزأبادى (1/ 220) مادة (رجح). (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "زن وأرجح" أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه (8/ 38) ح (14341) والإمام أحمد في مسنده (4/ 352)، والطيالسي في مسنده (1/ 165) ح (192)، والطبراني في الكبير (20/ 321) ح (761)، والإمام أحمد في العلل (3/ 412) ح (5791). (¬3) انظر المحصول للرازى (2/ 443 - 444)، (حكام الأحكام للآمدي (4/ 320)، نهاية السول للإسنوى (4/ 4449)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 204) شرح الكوكب المنير (4/ 616) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص / 51) بتحقيقنا.

الفصل الثالث في تقسيمه

وكان على رضي الله عنه يرجح خبر أبي بكر رضي الله عنه ولا يحلفه ويحلف غيره وأبو بكر رضي الله عنه رجح خبر المغيرة في ميراث الجدة لموافقته محمَّد بن سلمة رضي الله عنه وقوى عمر رضي الله عنه خبر أبي موسى رضي الله عنه في الاستيذان لموافقة أبي سعيد الخدرى. وثانيًا: ترجيح الراجح متعين عرفًا فكذا شرعًا للحديث. وثالثًا: ترك العمل بالراجح يجوز العمل بالمرجوح وأنه ممتنع عقلا. لهم تساوي الظاهر مع الأظهر والقياس على البينات وإن قوله فاعتبروا ونحن نحكم بالظاهر يلغي زيادة الظن. قلنا هذه ظنية لا تعارض القطعيات. الفصل الثالث في تقسيمه إما صحيح أو فاسد بحسب قبول ما يقع به وعدمه وأيا كان في بين منقولين كنصين أو إجماعين ظنيين كالسكوتى والمنقول آحادًا أو بين معقولين أصناف أربعة بحسب السند أي الإخبار عن طريق المتن وبحسب المتن أي ما تضمنه النص من عام أو خاص وغيرهما من الأقسام العشرين وبحسب الحكم المدلول كالخطر والإباحة وبحسب الخارج من الثلاثة كالتعرض لعلة الحكم وما بين المعقولين أربعة أصناف بحسب أصله وعلته وحكمه والخارج عنها وما بين المنقول والمعقول صورة يجوز فيها العمل بالقياس في مقابلة النص الظني الثبوت أو الدلالة أو كليهما بحسب ما يقع للناظر من قوة الظن. تمهيد: جرت عادة أصحابنا أن لا يذكروا هنا من وجوهه إلا ما للقياس ولا مطلقًا بل ما بحسب العلة ولا جميعه بل ما باعتبار التأثير واكتفوا في غيره على فهم من يستحق الخطاب من المباحث السالفة في كل باب فلا علينا أن تقدم ذلك على نوع ذكروه ثم نستوفى ما بسطه الشافعية من الوجوه. الفصل الرابع: في وجوه ترجيح القياس بحسب التأثير وهي أربعة: الأول بقوة الأثر الذي هو معنى الحجة كما مر في الاستحسان مع القياس ويشبه ترجيح الحديث المشهور بقوة الاتصال على الغريب أعني ما لم يبلغ حد الشهرة وإن كثر رواته لأن حجية القياس بالتأثير فيتفاوت حسب تفاوته لا الشاهد بقوة العدالة لأنها لا تختلف بالشدة والضعف فإن التقوى عن ارتكاب ما يعتقد حرمته ليس لها حدود يظهر لبعضها قوة.

فروع: 1 - قولنا طول الحرة أي القدرة على زوجها لا يمنع الحر عن نكاح الأمة لأن العبد إذا أذن له مولاه مطلقًا قائلا تزوج من شئت دافعًا مهرًا صالحًا للحره بملكه فكذا الحر كسائر الأنكحة أقوى تأثيرًا من قولهم أنه إرقاق مائة ابتداء من غنيته عنه وهو حرام على كل حر كالذي تحته حرة لأنه إهلاك معنى على ما عرف واستذلال للجزء لا لضرورة خوف الوقوع في الزنا المذكور في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] والإباحة للضرورة ترتفع لعدمها كما في الميتة أما البقاء على الرق والامتناع عن تحصيل الحرية فلا يحرم حتى يبقى الرق مع الإِسلام فلذا يبقى نكاح الأمة عند تزوج الحرة عليها وجاز للعبد تزوج الأمة مع طول الحرة وذلك لأن توسع النعم بالحرية لا بالرق كما زعم ويظهر بالنظر في حال البشر أن الحل يزداد حسب ازدياد الكرامة كما في النبي عليه السلام. فإن قيل سلمنا تأثير الحرية في الإطلاق لكن ما لم يفض إلى الإرقاق وتأنيس الخسيس وإلا فالكرامة في المنع كحرمة المجوسية على المسلم دون الكافر. قلنا لو صح لما جاز نكاح الأمة لمن ملك سرية أو أم ولد يستغنى بها عنه غير أن المذكور في تهذيبهم عدم جوازه لمن ملكها أو قدر على شرائها فيكون رد المختلف إلى المختلف فالأصح منع أنه إرقاق كيف والماء لا يوسف بالحرية ما دام ماء بل امتناع عن تحصيل حريته ولئن سلم فلا نعلم حرمته كيف وتضييع الماء بالعزل بإذن الحرة وبنكاح الصبية والعجوز والعقيم وإنه إتلاف حقيقة جائزة فالإرقاق الذي هو إتلاف حكمى ويرجى زواله بالعتق أولى. 2 - قولنا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأن دينها دين يصح معه نكاح حرتها كدين الإِسلام فهذا إما قياس للأمة الكتابية على الحرة الكتابية ووجهه ما سيجىء أن أثر الرق في التنصيف لا في التجريم وإما قياس لدينها على دين الإِسلام لأنه ملحق به في حل النكاح أو قولنا لأن العبد المسلم يملكه فيملكه الحر المسلم كسائر الأنكحة وهذا أيضًا يحتمل قياسين ووجهها أن مقتضى الحرية اتساع الحل لا تضييعه أولى من قولهم كل من الرق والكفر مما يمنع النكاح في الجملة حتى لم يجز نكاح الأمة على الحرة أو الحربية للمسلم فباجتماعهما صارا كالكفر الغليظ من المجوسية والارتداد أو ضرورة نكاح الأمة قد انقضت بإحلال الأمة المسلمة التي هى أظهر كالمضطر إذا وجد ذبيحة المسلم الغائب كان أولى من الميتة وذلك لأن سبب التحريم ليس دينها لحل حرتها ولا رقها لأن أثر الرق

في تنصيف ما يقبله من الطلاق والعدة والقسم والحدود بخلاف حد السرقة والطلقة الواحدة والحيضة الواحدة والعبادات ونكاح المرأة نعمة تقبله بحسب أحواله المنسوبة إلى نكاح أخرى من المتقدم والتأخر والمعية بتحرير نكاحها متقدمًا على الحرة لا متأخرًا أما عدمه مقارنًا فلتغليب الحرمة لما لم يمكن تنصيف النكاح الواحد فرق الأمة يؤثر لا في تحريمه بل في تنصيفه كرق العبد فجعله رقها مؤثرًا في التحريم ورقه في سعة الحل والحرية في نقصانه حيث جوز للعبد المسلم نكاح الأمة المسلمة عند الطول والأمة الكتابية عند عدم الطول لا الحر عكس المعقول ونقض الأصول أما حل الوطئ بملك اليمين المترتب على الرق فلا يفيد زيادة الكرامة لأن الحل لملك اليمين بطريق العقوبة لا الكرامة لا يقال لا حاجة إلى كلفة تغليب الحرمة فإن لها حالتين الانفراد عن الحرة وفيه الجواز والانضمام معها وفيه عدمه كيف وفي أن للأمة طبقتين تغليب الحل على الحرمة لأنا نجيب عن الأول بأن التعبير عن الحالتين الأخيرتين بلفظ لا يجعلهما واحدة وعن الثاني بأنه لضرورة أن يزول يقينًا الحل الثابت بالواحدة لضم الثانية لا لتغليب الحل والجواب عما قال أن الكفر والرق لما اختلف أثرهما حيث منع الأول النكاح تحبث الاعتقاد والثاني لنقصان الحل لم يمكن أن يتحدا علة ليتغلظ بل بمنزلة اجتماع العلتين بلا هيئة اجتماعية كأحد ابني عم هو زوج ولا نعلم ضرورية نكاحها وإلا لما بقي بعد ما زالت الضرورة فيما تزوج حرة على الأمة لمحما لو قدر المضطر على الحلال في خلال أكل الميتة لا يقال إنما بقي هنا لأن القدرة على الأصل بعد تمام المقصود وهو العقد لأن النكاح عقد العمر فتمام مقصوده بفناء العمر نعم لها أثر في سلب استحبابه في المسألتين. 3 - فولنا الفرقة فيما أسلم أحد الزوجين بعد الدخول وأبى الآخر ليست بالإِسلام لأنه سبب عصمة الحقوق بالحديث بدليل توقيفها على العرض على الآخر حتى لو أسلم الثاني بقي النكاح إجماعًا ولا كفر الآخر لصحة النكاح معه ابتداء وبقاء فيضاف إلى فوت غرضه لإباء الآخر عنه لأن مقاصد النكاح ممتنعة معه شرعًا ففات الإمساك بالمعروف فينوب القاضى منابه في التسريح بالإحسان كما في اللعان والإيلاء والجب والعنة أقوى من قولهم هى بالإِسلام. لكن في المدخول بها عند انقضاء العدة كالردة على أن الردة أيضًا لا توجب الفرقة بنفسها إذ هى غير موضوعة لإبطال النكاح كالطلاق لوجودها بدونه في مرتد لا امرأة له بل بطريق المنافاة لأنه لما أبطل عصمة الشخص أبطلت عصمة أملاكه كمنافاة طرو الرضاء والمصاهرة لتسببهما للجزية فوجب أن يتعجل الفرقة بها مثلهما.

وكذا قياس ارتدادهما كما قال زفر رحمه الله إلا أنا تركناه بإجماع الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر رضي الله عنه حين ارتدت العرب فلم يأمرهم بتجديد الأنكحة ولم ينكر عليه أو لأن ارتدادهما أدى من ارتداد أحدهما لانقطاع العصمة فيما بينهما أيضًا أي للكافر في حق المسلم حتى جاز نكاح مجوسيين ولو أسلم أحدهما لم يجز فلا يلحق به في بطلان النكاح فبان ضعف من جعل الإِسلام والردة متساوين في سببية الفرقة بل في نفس سببيتهما من كل وجه في الأول ومضافة إلى انقضاء العدة في الثاني. 4 - قولنا مسح فلا يسن تكراره أقوى من قولهم ركن فيسن تكراره لعدم تأثير الركنية في التكرار بل في الوجود مع عدم اختصاص التكرار به بدليل المضمضة والاستنشاق وعكسه في بعض أركان الصلاة والحج بخلاف تأثير المسح في التخفيف حقيقة ومحلا وغرضًا ووجودًا. الثاني بقوة ثبات الوصف على الحكم أي بفضل التأثير بأن يكون ألزم له من الوصف المعارض لحكمه لثبوت تأثيره ح بالأدلة المتعددة من النص والإجماع. فروع: 1 - قولنا مسح أدل على التخفيف من قولهم ركن على التكرار لشمول الركن موارد من قضيته إكماله فيها لا تكراره كما في أركان الصلاة والسلام في التكرار بطريق السنية إكمالا فلا يرد السجدة الثانية وأما التخفيف فلازم للمسح في كل ما لا يعقل تظهيرًا كالتيمم ومسح اتحف وغيرهما بخلاف الاستنجاء 2 - قولنا صوم رمضان متعين فلا يشترط تعيينه كصوم النفل أولى من قولهم فرض فيشترط تعيينه كصوم القضاء لأن تأثير الفرضية في الامتثال لا التعين ولذا جاز الحج بمطلق النية وبنية النفل عنده وتأدى الزكاة عند هبة جميع المال من الفقير أو نصدقه ولأن التعليل بالفرضية في إيجاب التعين يختص بالصوم لأن الئعين في غيره لمعان أخر وبالتعين في عدم إيجابه لازم لكل متعين يتعدى من صوم النفل إلى الفرائض كما ذكرنا في الحج لتعين حجة الإِسلام بدلالة الحال والزكاة لتعين المحل وإلى الودائع والغصب ورد المبيع الفاسد حيث لا يشترط في ردها أنه من تلك الجهات بل بأى طريق وجد يقع من الجهة المستحقة بخلاف أداء الدين وإلى عقد الإيمان بكسر الهمزة لا يشترط فيه تعيين أنه فرض مع أنه أقوى الفروض لتعينه وعدم تنوعه إلى فرض ونفل أو بفتحها فإنه إذا حلف على فعل عين كصوم يوم الجمعة أو ترك عين ففعل لا على قصد البر يقع عنه للتعين وإذا وجد فعل الحنث يثبت وإن وجد نسيائا أو كرهًا أو خطأ لتعين وإلى غير ذلك كما إذا باع

السيف المحلى فأخذ بعض الثمن في المجلس يقع عن الحلية لتعين لفنها للقبض. 3 - قولنا في المنافع لا تضمن بالإتلاف حفظًا لشرط ضمان العدوان وهو التماثل احترازًا عن فضل الأعيان على الأعراض أولى من قولهم ما يضمن بالعقد يضمن بالإتلاف كالأعيان تحقيقًا لجبر حق المظلوم لأن المنفعة مال كالعين والتفاوت المذكور مجبور بكثرة أجزاء المنفعة كمنفعة شهر في مقابلة درهم واحد كالتفاوت في الحنطة المضمونة بمثلها من حيث الحبات واللون ونحوهما فإثبات المثل في الضمانات تقريبي لا تحقيقي كما في إيجاب القيمة عند تعذر المثل وأنها بالحرز ولأنا بين إيجاب فضل على المتعدى وإهدار أصل على المظلوم والأول أولى سد الباب العدوان وذلك للتنصيص في الآية على المثل في كل باب من الضمانات بدنيا كان أو ماليًا فكان أثبت مما ذكروا ووضع الضمان أي إسقاطه في المال المعصوم ما يسوغ في الشرع في الجملة كالباغي والحربي يتلف مال العادل والمسلم فيجوز لعجزنا عن الدرك كبالمثل عند تعذره إلى القيمة أما إيجاب الفضل على من تعدى لا فيه فجور لا يجوز أن يضاف إلى الشرع والحكم له لأن نسبة الجور إليه بط إلا بواسطة جور العبد المنسوب إليه من حيث الإرادة والمشبه دون الرضاء والأمر وتأخير الأصل وهو حق المغصوب منه إلى دار الجزاء أهون من إهدار الوصف وهو دينية مال الغصب لأن تأخير الحق بالعذر مشروع لقوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. أما ضمان العقد فخاص ثبت فيه بخلاف القياس للحاجة وغيره ليس في معناه. الثالث: بكثرة الأصول التي يوجد فيها جنس الوصف أو نوعه كما في مسح الرأس إذ يشهد لتأثير المسح في عدم التكرار أصول ولا يشهد لتأثير الركن في التكرار إلا الغيل خلافًا لبعض أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن كرة الأصول ككثرة الرواة في الخبر ولأنه ترجيح بكثرة العلة. قلنا العلة هو الوصف لا الأصل وكثرة الأصول تفيد قوته ولزومه فهي كالشهرة أو التواتر أو موافقة رواية الفقيه الأعلم الحاصلة بكثرة الرواة لا كهي نعم هذا قريب من القسم الثاني بل والأول. قال شمس الأئمة الأقسام الثلاثة راجعة إلى الترجيح بقوة تأثير الوصف والجهات مختلفة فالمنظور في قوة الأثر نفس الوصف وفي ثباته الحكم وفي كثرة الأصول. الأصل الرابع بالعكس وهو عدم الحكم عند عدم الوصف وهذا أضعف وجوهه لأن العدم ليس بشىء لكن الدوران وجودًا وعدمًا مما يقوى الظن الحاصل بغيره كما مر.

الفصل الخامس: في وجوهه بين المنقولين

فروع: 1 - قولنا مسح لا يعقل تطهيرًا فلا يتكرر ينعكس في نحو غسل الجنب والحائض وما يعقل تطهيرًا كالاستنجاء وقوله ركن فيكرر لا ينعكس كما في المضمضة والاستنشاق. 2 - قولنا الأخوة قرابة محرمة للنكاح الذي هو اسئدلال فيوجب العتق إذ ملكه كالولاد ينعكس في بني العم وقوله يجوز وضع زكاة أحدهما في الآخر فلا يوجبه كبني العم لا ينعكس كما في الكافر. 3 - قولنا في بيع الطعام به مبيع عين فلا يشترط قبضه كالثوب به ينعكس في بدل الصرف ورأس مال السلم وقولهما لان لو قوبل كل منهما بجنسه حرم ربا الفضل فيشترط كالذهب والفضة لا ينعكس فيما أسلم ثوبًا في حنطة. الفصل الخامس: في وجوهه بين المنقولين وفيه أصناف: الأول ما بحسب السند ولها أربعة موارد الأول الراوي ورجحانه إما في نفسه وفيه وجوه. 1 - الفقه لاطلاعه بالبحث على ما يزيل الإشكال. وقيل ذلك فيما يروى بالمعنى والأصح إطلاقه. 2 - علم العربية وقيل يعتمد على لسانه فلا يبالغ في حفظه والأول أولى لتحفظه عن مواضع الغلط. 3 - زيادة فقهية أو عربية. 4 - ظهور عدالته. 5 - معرفة عدالته بالخبرة لا بالخبر. 6 - أشهرية ضبطه أو عقله أو ورعه. 7 - حسن اعتقاده بخلاف المبتدع. 8 - اعتماده على الحفظ وتذكر السماع لا على الخط والنسخة قال الأرموى رحمه الله وفيه احتمال. 9 - زيادة الضبط. 10 - قلة النسيان فيعارض الأشد ضبطًا الأقل نسيانًا. 11 - جزمه فيما يرويه. 12 - سلامة عقله دائمًا.

المورد الثاني: الرواية وفيه وجوه

13 - كثرة ملازمة أهل الحديث. 14 - عمله برواية نفسه. 15 - مباشرته بمورد الحديث. 16 - مشافهته. 17 - قربه عند السماع. 18 - نقله من أكاابر الصحابة. 19 - كونه غير مدلس. 20 - كونه غير ذى اسمين. 21 - كونه غير ذى رجال تلتبس بالضعفاء في الأسماء. 22 - كونه مشهور النسب. 23 - كونه غير راو في الصبا. 24 - كونه غير محتمل فيه. 25 - معلومية أنه لا يروى إلا عن عدل. 26 - كونه صاحب الواقعة. قال ابن الحاجب رحمه الله وكونه متقدم الإِسلام والبيضاوى وتأخر إسلامه فوافق بأن الأول فيما علم اتحاد زمان روايتهما لثبات قدم الأقدم في الإِسلام والثاني فيما علم موت المتقدم قبل إسلام المتأخر أو أن أكثر روايته قبل إسلام المتأخر والغالب كالمتحقق أو أن روايته هذه قبل رواية المتأخر وذلك لنسخها بها كما تقدم من المتقاربين في الإِسلام من يعلم أن سماعه بعد الإِسلام فهذه أكثر من ثلاثين وإما في تزكيته وجهان: 1 - عدلية مزكى أحدهما أو أوثقيته أو بحثيته عن أحوال الناس لا أكثريته ويتضمن وجوهًا: 2 - التزكية بتفصيل أسباب العدالة ثم بالإجمال بصريح المقال ثم بالحكم بشهادته ثم بالحمل بروايته لأن الاحتياط في الشهادة أكثر فيتضمن وجوهًا. المورد الثاني: الرواية وفيه وجوه 1 - الاتفاق في رفعه. 2 - نسبته قولًا لا اجتهادًا كما يقال وقع عنده فلم ينكر. 3 - ذكره سبب النزول. 4 - روايته بلفظه.

5 - علو إسناده أي قلة رواته. 6 - كونه معنعنا لا مسندًا إلى كتاب معروف ولا ثابتًا بطريق الشهرة بلا كتاب. 7 - كونه مسندًا إلى كتاب لا مشهورًا. 8 - كونه مسندًا إلى كتاب عرف بالصحة كالصحيحين لا إلى ما لم يعرف كسنن أبي داود. 9 - قرب الإرسال فإن مرسل الصحابي أولى لقبوله اتفاقًا ثم مرسل التابعى من مرسل من بعده أما الإرسال فأولى من الإسناد عندنا وعند الشافعية بالعكس وعند عبد الجبار يستويان. لنا أولًا أن الثقة لا يقول: قال النبي عليه السلام إلا إذا قطع بقوله. وثانيًا قول الحسن رضي الله عنه إذا حدثني أربعة نفر من أصحاب رسول الله قلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاب الأرموي عنهما بأن ظاهره الجزم ولا جزم هنا فيحمل على ظنه أنه قال ففيه مجرد ظنه وفي المسند يحصل الظن في جميع الرواة وفرق في الإرسال بين قال رسول الله وبين عن رسول الله لأنه في معنى روي وليس شيء بشىء أما الأول فلأن المراد بالجزم القدر من الظن المصحح للنسبة ولا ثم حصوله عند التصريح بالإسناد المجمل للعهدة وأيضًا فيه ظنون جميع الرواة بوجه ضمني أقوى. وأما الثاني فلأن عدم التصريح بمن يتحمل العهدة تحمل لها ولا فرق في ذلك بين العبارتبن وأجيب أيضًا باحتمال أن يكون قطعة عن اجتهاد خطأ في عدالة الراوي ولا تقليد للمجتهد فلا بد من ذكر الرواة ليجتهد في عدالتهم وقد لا يعلم المرسل جرح الراوي ويعلم هو. قلنا على أن الاحتمالات البعيدة لا تدفع الظهور وإلا لم يعتبر ظن صدق شيخه عند الإسناد أيضًا لا يفيد الأولوية بل يقتضي أن لا يصح قبوله إلا بعد الاجتهاد في راو وراو لم يكن للعلم بأن الشيخ لا يروى إلا عن عدل أثر وليس كذلك لأن الاتباع لغلبة ظن الصديق لا سيما من المجتهد لا يسمى تقليدًا كما مر مرة وأما قراءته على الشيخ فأولى من العكس عندنا خلافًا للشافعية وقد مر وأما قولهم المتواتر أولى من المسند فليس من باب الترجيح إذ المراد إما المتواتر القطعي الدلالة فلا يعارضه شيء أو الظني الدلالة فلا نعلم أولويته بل ربما يرجح المسند كما يخصص العام المخصوص من الكتاب بالخبر والقياس والتخصيص بطريق التعارض.

المورد الثالث المروى: وفيه وجوه

المورد الثالث المروى: وفيه وجوه 1 - أنه مسموع فقوله سمعته أولى من قال النبي عليه السلام. 2 - أنه جرى عند الرسول وسكت لا أنه سمع وسكت. 3 - أنه صيغة واردة منه عليه السلام لا أن الراوي فهمه وأداه بعبارته. 4 - غرابته فيما لا يعم به البلوى عليها فيما يعم به إن قبل للاختلاف في قبول الثاني. 5 - فصاحة لفظ الخبر لا مزيد فصاحة في الأصح. المورد الرابع المروى عنه كما بما لم يثبت لرواية الأصول إنكار له أو ما لم يقع للناس إنكار لرواته وأكثر النقول يساعد الأول. الصنف الثاني: ما بحسب المتن منها ما يقدم من رجحان المنفرد على المشترك والعام الغير المخصوص على ما خص منه وغير المأمول عليه لا الخاص على العام بل يتعادلان خلافًا للشافعية وكذا المطلق والمقيد ومن المحكم ثم المفسر ثم النص ثم الظاهر على الخفى ثم المشكل ثم المجمل على المتشابه ومن الحقيقة على المجاز بحسب كل قسم حتى الحقيقة المستعملة على المجاز المتعارف لا بالعكس خلافًا للإمامين والمجاز المتعارف على الحقيقة المتعذرة أو المهجورة والمجاز على المشترك. وقيل بالعكس ومن الصريح على الكناية ومن العبارة ثم الإشارة ثم الدلالة على الاقتضاء والواضحة من الإشارة والدلالة على الغامضة والمستغنى عن الإضمار ثم المحذوف على المتقضى لأنه كالمنطوق فهذه أكثر من عشرين. ومنها وجوه أخر: 1 - النهى على الأمر لأن دفع المفسدة أهم. 2 - الأمر على الإباحة في الصح للاحيتاط. وقيل بالعكس لوحدة معناها وكثرة معاني الأمر ويسرها واشتمالها على مقصود الفعل والترك ولا شك في أولوية الأول فيما أصله الاحتياط. 3 - النهى المحتمل كالمتحقق على الإباحة وعليه الكرخي وعند عيسى بن أبان وأبى هاشم سيان. لنا قوله عليه السلام "ما اجتمع الحرام والحلال إلا وقد غلب الحرام على الحلاله. وقوله عليه السلام: "دع ما يريبك" الحديث وإن عثمان رجح التحريم في الأختين المملوكتين ولأن تطليق إحدى النساء وإعتاق إحدى الإماء عند النسيان يحرم الكل ولأنه

الصنف الثالث: ما بحسب المدلول

أحوط فإن ترك المباح أولى من فعل الحرام. لهم ما مر من فوائد الإباحة ولا ريب في عدم انتهاضها. 4 - أحد المجازين يقربه ثم الحقيقة وشهرة علاقته وقوتها كمن السبب إلى المسبب على عكسه للاستلزام وقرب قوتها من الاعتبار باجتماع القوة الجنسية والنوعية كمن السبب الغائى فإن صحة الانتقال فيه من الطرفين اتفاقية كما مر ويرجحان أمارة مجازيته متفاوتة قبولا وردًا وظهورًا وخفاء ما مر والأشهر مطلقًا أي لغة وعرفًا وشرعًا ثم المستعمل شرعًا في معناه اللغوى ثم الشرعي على غيره ثم العرفي على اللغوى فيتضمن تسعة عشر وجهًا في المجاز. 5 - معدد جهات الدلالة على الأقل بعد ترجيح ما مع المطابقة ثم التضمن على الالتزام. 6 - الاقتضاء لضرورة الصدق لأنه أقرب إلى العبارة. 7 - الإيماء لانتفاء العبث والحشو في كلام الشارع لكونه إشارة واضحة راجح عليه لترتيب حكم على وصف. 8 - المؤكد على غيره كان بالتكرار وغيره. 9 - التأسيس على التأكيد. 10 - الدال على المقصود بلا واسطة. 11 - المذكور معارضه معه كأحاديث كنت نهيتكم فهذه ثلاثون ومجالها أوسع منها. الصنف الثالث: ما بحسب المدلول وفيه وجوه 1 - الحظر على الإباحة في الأصح. وقيل بالعكس لئلا يفوت مصلحة اعتقدها المكلف في الفعل والترك وإذ لو قدم الإباحة لكان إيضاح واضح هو الجواز الأوصلي وليس شىء بشىء لأن اعتقاده ربما يكون خطأ فالمصلحة الصحيحة فيما عينه الشرع من الترك في النهى والفعل في الوجوب ولأنه لو عمل بالإباحة لزم كمرة النسخ والتغيير على أن المحرم يعادل الموجب الراجح على المبيح. 2 - الحظر على الندب كالوجوب عليه وعلى الكراهة الكل للاحتياط. 3 - مر بحث النفي والإثبات. 4 - درء الحد على إيجابه للحديث ولأنه ضرر خلافًا للمتكلمين 5 - قال الكرخي الإطلاق والعتق على عدمها لأن الأصل عدم القيد.

وقيل بالعكس لأن هذا النزاع فيما بعد ثبوت الزوجية والرق فالأصل هما لأن دليل صحتهما مرجح على نافيها وهو الأصل وهذا يوافقه والأصح الأول لأن الموجب محرم للتصرف والنافى مبيح والحظر أولى من الإباحة ولأن دليل الطلاق والعتق فيما بعد ثبوت الزوجية والرق هو المثبت فيرجح على النافي لأن النفي هنا مما لا يعرف بدليله لاستبداد المالك بهما بخلاف النزاع في صحة الزوجية والرق فإن المثبت ثمة دليل صحتهما ولذا قلنا يرجحان بينة الحرية الأصلية بعد ثبوت الرق لا قبله وقيل مطلقًا لأن حر الأصل ذو يد لنفسه والحرية الأصلية بعد ثبوت الرق لا قبله وقيل مطلقًا لأن حر الأصل ذو يد لنفسه والحرية الأصلية سبب غير متكرر كالنتاج. 6 - التكليفى على الوضعى لأنه المقصود والمحصل للثواب. وقيل الوضعى لأنه لا يتوقف على فهم وقدرة. 7 - الأخف على الأثقل لنفى الحرج وقيل بالعكس لكثرة الثواب. 8 - المقرون بالتهديد فهذه أكثر من عشرة. الصنف الرابع ما يحسب الخارج وفيه وجوه: 1 - موافقة عمل السلف أو أكثرهم أو الخلفاء الأربعة أو أهل المدينة أو عمل الأعلم فهذه خمسة. 2 - أحد المؤولين لرجحان تأويله. 3 - التعرض لعلة الحكم حتى قيل في ترجيح العمومات المفهوم من صريح شرط لا كالمتبدأ المتضمن لمعناه راجح على النكرة في سياق النفي والجمع المستغرق المحلى والمضاف لدلالته على التعليل ثم الجمع المحلى والموصول على المفرد المحلى لكثرة الاستغراق ثمة والعهد هنا. 4 - أحد العامين في مورده والآخر في غير ذلك المورد للخلاف في تناول الأول إياه. 5 - مثله عام المشافهة فيمن شوفهوا به مع العام الآخر. 6 - عام لم يعمل به أصلا على ما عمل لئلا يلغو. وقيل بالعكس لقوته باتصال العمل. 7 - العام الأقرب بالمقصود. 8 - الخبر الذي فسره راويه قولًا أو فعلا. 9 - النص الذي معه قرينة التأخر لدلالتها على الناسخية كتأخر إسلام راويه كما هو وتضيق تاريخه نحو ذى العقدة من سنة كذا بخلاف سنة كذا والتشديد فيه فإن

الفصل السادس في وجوهه بين المعقولين

التشديدات جاءت حين ظهر شوكة الإِسلام وكذا كل ما يشعر بشوكته ويتضمن أكثر من عشرين. الفصل السادس في وجوهه بين المعقولين وفيه أربعة أصناف: الأول ما بحسب أصله وفيه وجوه: 1 - قطعية حكم أصله وذكرناها مع أن القطعي لا يعارضه الظني حتى يرجح لأن الترجيح إنما هو بين القياسين ولا يكون القياس بقطعية حكم أصله قطعيًا والمراد بالقطعى هنا قطعى المتن والسند وبالظنى الأقسام الثلاثة الباقية. 2 - بحسب قوة ظن دلائله الظية فيتضمن جميع ما مر في ترجيح النصوص. 3 - قال في المنهاج يرجح على الإجماع لأنه فرعه والحق عكسه لأن النص يقبل التخصيص والتأويل دون الإجماع لأنه فرعه والحق عكسه لأن النص يقبل التخصيص والتأويل دون الإجماع وليس الإجماع فرعًا لكل نص. 4 - بالاتفاق على عدم نسخه. 5 - بالاتفاق على جريه على سنن القياس 6 - بالاتفاق على كونه معلولا للحال. 7 - بالاتفاق على كونه شرعيًا لا كالعدم الأولى. الصنف الثاني: ما بحسب العلة وفيه وجوه: 1 - قطعيتها كالمنصوصة والمجمع عليها. 2 - بقوة ملكها كالنص الظاهر حسسب مراتبه السالفة والإجماع الظني الثبوت على غيرهما من المسالك وقيل الإجماع أولى من النص كما مر. 3 - تنقيح المناط أولى من تخريجه كانا ملكًا تامًا أو بعضًا منه. 4 - تنقيحه بالقاطع أولى مما بالظنى. 5 - بقوة ظن الدليل المنقح. 6 - ما اتفق على صحة عليته فالمتحدة من المتعددة والوصف الحقيقي من الإقناعى الاعتبارى والحكمة المجردة وإن كان بواسطها والثبوتى من العدمى والباعث من مجرد الإمارة إن جوز والمنضبطة من المضطربة والظاهرة من الخفية والمتعدية من القاصرة إن جوزت والمطردة من المنقوضة ولو لمانع حتى المطردة الغير المنعكسة من المنعكسة الغير المطردة وما سلف أن المطردة بالانعكاس أولى منها لا به والجامعة المانعة للحكمة

والمناسبة على الشبهية إن جوزت والمؤثرة على الكل إن جوز غيرها وكذا نظائرها ويتضمن أكثر من خمسة عشر. 7 - المتعدية إلى فروع أكثر. 8 - المنقوضة التي دليل التخلف فيها أقوى. 9 - العلة التي لا معارض لها في الأصل. 10 - التي هى أقوى من معارضها مما ليست أقوى من المعارض. 11 - الضروريات من أصل الحاجية. 12 - الحاجية من التحسينية. 13 - مكملة الضرورية من أصل الحاجية. 14 - في الضروريات الدينية من الدنيوية للاهتمام. وقيل بالعكس لحاجتنا ثم النفسية ثم النسبية ثم العقلية ثم المالية فهذه خمسة. 15 - الإيماء أولى من الاستنباط وفي المنهاج الدوران والسير والشبه أولى من الإيماء لاحتياجه إلى أحدها وفي شرح المختصر الإيماء يقدم على الاستنباط بلا إيماء وهو الحق لأنه من المنطوق بخلافها وفي التنقيح الإيماء أولى من المناسبة. وفيه بحث لأنه يفتقر إليها إلا أن يريد مجردة أولى من مجردها لأنه منطوق أما إذا اجتمعا فمسلك واحد. 16 - السير أولى من الشبه إن اعتبر. 17 - في المؤثرات يرجح الأقرب فالأقرب فاعتبار نوع الوصف في نوع الحكم بالنص أو الإجماع أولى منه بترتب الحكم على وفقه والنوع في النوع في كل من النص والإجماع أولى من الثلاثة الباقية ثم جنس الوصف في نوع الحكم فيهما من عكسه كذا في التنقيح لأن الحكم أصل المقصود وعكسه ابن الحاجب قيل وهو الحق لأن العلة هى العمدة في التعدية فكلماكان التشابه فيها أكثركان أقوى. قلنا تأثير العلة استلزامها واستلزام جنسها لنوع الحكم يقتضي استلزام عينها إذ لا يلزم منه استلزام جنسها وكذا لزوم الجنس لزوم لازم المقصود ولا يلزم من لزوم اللازم لزوم الملزوم فلا يتم التقريب. فإن قلت فلا يصح التعليل بنوع الوصف بجنس الحكم. قلنا نعم لولا ترتب الحكم على وفقه في الجملة ومن هذا يعلم أن الترتيب بين النوعين

الفصل السابع في بيان المخلص

شرط قبول العلة في مذهبنا كما قلنا لا كما في التنقيح ثم عكسه فيهما أولى من الجنس في الجنس وما بين الأجناس فيهما بحسب ترتبها قربا وبعدًا وسلف حكم المركب منها فيتضمن مفرداتها ستة عشر ومركباتها الثنائية بعد ترجيح ما فيه النوع في النوع على غيره ثم ما فيه الجنس في النوع ثم ما فيه عكسه يبلغ مائة وعشرين ترجيحًا أما الثلاثية والرباعية وما فوقهما فأضعاف ذلك. تنبيه: ما ذكره أصحابنا من الترجيح بقوة الأثر أو ثبات الوصف أو كثرة الأصول مجمل تفصيله هذه الأقسام لأن قوة الأثر اعتبار الشارع إياه كالنوع في النوع وثباته اعتباره متعددًا كبالنص والإجماع وكثرة الأصول تعدد مواضع اعتباره ولو بدليل واحد. الصنف الثالث: ما بحسب حكم الفرع: 1 - مشاركته للأصل في نوع الحكم والعلة ثم في نوع العلة ثم في نوع الحكم ثم في الأجناس الأقرب فالأقرب ويتضمن سبعة عشر. 2 - نحو ما مر في النص بحسب الحكم من تقدم للحظر والوجوب على الندب والإباحة والكراهة وللإلْبات على النفي وللطلاق والعتاق على عدمها ولدرء الحد عليه وللأخف على الأثقل وللحكم الزائد على غيره كالندب على الإباحة وغيرها ويتضمن أكثر من اثنى عشر. 3 - ثبوته قبل القياس إجمالا والقياس لفضله من ثبوته ابتداء لاختلاف في الثاني. 4 - بقطع وجود العلة فيه. 5 - بقوة ظن وجود العلة. الصنف الرابع: بحسب الخارج: ويجرى ما مر في النص من الوجوه ومنه عدم لزوم المحذور منه من تخصيص عام وترك ظاهر وترجيح مجاز وغير ذلك. الفصل السابع في بيان المخلص عند تعارض وجوهه إذا تعارض وجهًا ترجيح ذاتي قائم بنفسه أو ببعض أجزائه وحالي عارضي يتوقف على الأول أو يحصل بقياسه إلى غيره فالذاتي أولى لوجهين: 1 - سبق الذات كاجتهاد أمضى حكمه. قال شمس الأئمة إذا حكم بشهادة مستورين بالنسب أو النكاح لرجل لم يتغير يشهادة عدلين لأخر. 2 - قيام الحال به فلو اعتبرت لزم نسخ الأصل بالتبع.

الفصل الثامن

فروع: 1 - ابن ابن آخر لأبوين أو لأب أحق بالتعصيب من العم لأن الترجيح بالأخوة ترجيح للأخ بذات القرابة لأنها مجاورة في صلبه أو لعمومه في صلب أبيه وترجيح العم بقرب القرابة الذي هو خالها لوحدة الواسطة بخلاف ترجيح ابن الأخ لأب في التعصيب من ابن ابنه بالقرب للاستواء في الأخوة. 2 - العمة لأم أحق بالثلثين من الخال لأبوين لأن الإدلاء بالأب أرجح من حيث نفس القرابة ورجحان الخال من حيث قوتها. 3 - صنع الغاصب بالصناعة ونحوها يقطع حق المالك لقيامه ذاتًا من كل وجه وهلاك العين من حيث تبدل الاسم فيرجح الأول بالوجود. وقال الشافعي رضي الله عنه الصنعة باقية بالمصنوع متابعة له. قلنا هذا ترجيح بالبقاء الذي هو حال الوجود وبنسبته إلى الزمان ثم التبعية لا تبطل حق صاحبه فإن حقه في التبع كهو في الأصل محترم بخلاف هلاك الشىء ولو من وجه. 4 - جواز النية قبل نصف النهار في صوم عين كما مر أن ترجيحنا بالكثرة التي هى صفة الأجزاء التي بها الوجود أولى من ترجيح الخصم بوصف العبادة الحاصل بشرع الله تعالى. 5 - قال أبو حنيفة رضي الله عنه فيمن له خمس من إبل سائمة مضى من حولها شهور فملك ألف درهم فتم الحول فزكاها فباعها بألف لا إليه لئلا يلزم التنافي بعض الحول بل يستأنف الحول فإن وهب ألفًا آخر يضمه إلى الألف الأول لقرب تمام حوله أما ربح لكن السائمة فيضم إلى أصله وذلك لأن كونه نماء عن الإبل ترجحه ذاتًا فلا مكانه لا يرجح بقرب الحول الذي هو الحال بخلاف الأول. الفصل الثامن في التراجيح الفاسدة التي يقول بها الشافعية 1 - لغلبة الأشباه إن جوز توارد العلل المؤثرة فترجيح القياس به معنى لأن ركنه الوصف بخلافه بكثرة الأصول وإلا فشبه واحد مؤثر أقوى من ألف شبه غير مؤثرة كقولهم أخ يشبه الولد محرمية وابن العم وجوهًا كجواز وضع الزكاة وحل حليلة كل للآخر وقبول الشهادة ووجوب جريان القصاص من الطرفين. 2 - بعموم العلة إذ يكثر أحكام الشرع بكثرة الفروع كقولهم الطعم أحق بعلية الربا من الكيل لشموله القليل.

قلنا الوصف فرع النص ومستنبط منه والعام كالخاص فيه عندنا وعنده يقصى الخاص عليه فكيف يعكس هنا وفرقوا بأن إسقاط الدليل خلاف الأصل فالأصل تقليله وذلك في النصين بترجيح الخاص لأن لا يسقط العمل بالعام بالكلية أما كل من العلتين فيسقط الآخر في يقل فائدته بالإسقاط أحرى. وفيه بحث لأن عموم العلة مجاز عن إطلاقها فتناولها تناول احتمال والأصل المحقق فيه عدم الشمول. 3 - بقلة الأوصاف فذات وصف كالطعم أولى من ذات وصفين كالقدر والجنس لكونه أقر إلى الضبط وأبعد من الغلط والخلاف قلنا العلة فرع النص الذي موجزه ومطوله سواء مع أن التفرد والتعدد صورة إنما الترجيح باعتبار المعنى المؤثر وفيه شيء لأن الخروج عن عهدة التكليف باليقين أمر مرغوب فيه إجماعًا وفي الاحتراز عما فيه الخلاف ذلك فالأولى أن يحمل كلام المشايخ هنا على أن الترجيح بالتفرد باعتبار صورة العلة وترجيحنا المتعدد فيما نقول به باعتبار التأثير الثاتجا بالنص كما فهمنا القدر والجنس من إشارة المماثلة المذكورة فيه فأين هذا من ذاك. 4 - بكثرة الأدلة لأن الظن بها أقوى وأبعد عن الغلط إذ كل يفيد قدرًا من الظن ولأن ترك الأقل أسهل والحق فساده وهو مذهب الإِمام أبي حنيفة وأبى يوسف رحمه الله. فأولا لما مر من معنى الترجيح لغة. وثانيًا: لأن استقلال كل بإفادة المقصود جعل الغير في حقها كأن لم يكن لأنه تحصيل الحاصل ولئن سلم فلا شيء يفيده المجموع من حيث هو لعدم الهيئة الوحدانية فإن المبحث شيء مع شيء لا شيء لشىء مع شيء فالحرف الكلي الفارق بين اعتبار الكثرة وعدم اعتبارها أن الكثرة التي نيط الحكم بها من حيث تعتبر الهيئة الوحدانية فيها وهو المعنى بقولنا من حيث هو مجموع معتبرة كالشاهدين لا الثلاثة والأربعة إلا في الزنا لأن القاعدة المضبوطة شرعا في الشهادة هى هيئتها الواحدانية المعتبرة لا جزئيات الظون ولذا كان المتعدد أقوى من الواحد وإن كان صديقا وككثرة الأصول في حق حصول قوة التأثير وكالأكثر المقام مقام الكل في الصوم الغير المبيت وغيره وككثرة الرواة المحصلة للشهرة أو التواتر لأن الشرع أثبتهما هيئة مضبوطة مانعة للتوافق على الكذب فهي كالكثرة المنوط بها جر الأثقال وأمر الحروب في الحسيات والتي نيط بها الحكم من حيث هى فرادى لا تعتبر ككثرة الأدلة والرواة التي لم يجاوز حد الآحاد فهي ككثرة المصارعين المعارضين لواحد وبهذا يندفع دليلهم.

وثالثًا: لأن تعارض الأدلة للجهل بالناسخ والتعدد ليس دليل الناسخية لجواز انتساخ الكل بواحد وكذا العلل لجواز سقوطها بواحد أقوى. فإن قلت مخالفة الدليل محذور والزائد لا معارض له فلا يجوز مخالفته. قلنا لولا أن الواحد يعارض الكل لكان التعدد دليل النسخ. فإن قلت لا شك في ازدياد الطمأنينة به. قلنا إن أريد بها في اليقينية اليقين وفي الطية القدر المقصود ففيه تحصيل الحاصل ومنه أن الإيمان لا يزيد وإن أريد الزائد عليه فممنوع إلا أن يبلغ حد الشهرة أو التواتر ولئن سلم لحين لم يعتبر الهيئة الوحدانية لم يكن المطلوب بالأدلة واححًا والمبحث ذلك نعم إن أريد انشراح الصدر بإعداد الثاني ليفيد المقصود على تقدير ظهور فساد الدليل الأول فمسلم لكن قوة الحصول غير نفسه ولذا فسرها في الكشاف بانضمام الضرورة إلى الاستدلال الذي فائدته انقياد الوهم للعقل وعدم معارضته لا إثبات الأمر الزائد وهو الحكمة في ضرب الأمثال وكل إلحاق معقول لمحسوس. ورابعًا لقياسها أعلى الفتوى والشهادة لأن قوله عليه السلام "نحن نحكم بالظاهر" (¬1) يومئ إلى إلغاء الزائد وإن العبرة بالقاعدة الشرعية لا باليقين ولا بجزئيات الطون قبل الاندراج تحتها وبهذا يندفع جوابهم بمنع حكم الأصل عند المالكية فيهما وعند الشافعية في الفتوى وفرقهم بأن عدم الترجيح بالكثرة في الشهادة لضرورة قطع الخصومة وعدم تطويلها ولا ضرورة في الفتوى والأدلة والرواية فإن ما ذكرنا لا يفرق بينها. فروع: لا نرجح عندنا بكثرة الرواة وإن كان بها أقرب من الشهرة والتواتر وأبعد من الغلط والكذب والنسيان لما مر ولا النص بمثله ولا القياس بقياس مغاير العلة أما كمغاير الأصل دون العلة فنعم ولا هو بنص خلافًا لشرذمة ولا عكسه إذ لا عبرة بالقياس معه ولا ذو جراحات على ذى جراحة فينصف الدية بينهما بل جاز الرقبة على قاطع اليد لقوة أثره ولا أحد الشفيعين بشقصين متفاوتين باتفاق الشافعي رحمه الله حيث لا يجعل الكل لمستحق الأئر لكنه يجعل الشفعة من مرافق الملك كالثمر والولد فيقسم بقدره وغلط في أن جعل حكم العلة الفاعلية متولدًا منها ومنقسمًا على إجزائها فإن الثابت عندنا أن عمل الموثر ليس بطريق التوليد بل بإجراء العادة على خلق الأثر بعد تمام إجزائه فلا أثر فيه ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه.

الخاتمة ففى الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى

لبعضها فجعل جزء العلة علة الجزء نصب الشرع بالرأى وأما الملك للمرافق فعلة مادية لحصولها منه لا به ولا تعصيب أحد ابني عم بالزوجية اتفاقا ولا بالأخوة لام إلا عند ابن مسعود رضي الله عنه قاس على أخوين لأب أحدهما لأم. قلنا: ترجيح العلة بزيادة من جنسها غير مستقلة والأخوة لأم من الأخوة لأب كذلك للتبعية بالجنسية واتحاد حيز القرابة المحصلين للهيئة الاجتماعية بخلاف الأولين مع دعم استقلالها في استحقاق التعصيب بخلاف أخوين لأم أحدهما لأب. 5 - ترجيح الرواة بالذكررة والحرية كما قال البعض بهما لأن خبر الحرين أولى من خبر العبدين والحرتين في مسائل الاستحسان أولوية خبر المتعدد فيها ذكره محمَّد رحمه الله. قلنا: الصحابة يرجحوا في مباحثهم بهما ففيه خرق إجماعهم وذا الاحتمال أن يكون ما يرويه العبد أو الأنثى ناسخًا أما مسائل الاستحسان ففيهما معنى الشهادة في حقوق العباد لأنه عن معايشة وللصفات المذكورة مدخل فيها وما نحن فيه خبر محض محتص والله أعلم. أما الخاتمة ففى الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى. وفيها فصول: الفصل الأول في تفسير الاجتهاد وشرطه هو لغة قيل تحمل الجهد بالفتح أي المشقة وقيل استفراغ الجهد بالضم أي الطاقة (¬1). وشريعة استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي فرعى وهو المراد ببذل المجهود لنيل المقصود خرج استفراغ الوسع من غير الفقيه ومنه لا في معرفة حكم شرعي ظنيًا كان أو قطعيًا وفيها قطعيًا ولا فرعيًا بل كلاميًا أو أصوليًا. وقيل بذل الوسع لتحصيل حكم شرعي فرعى ممن اتصف بشرطه (¬2) وهذا أعم من وجهين: 1 - أن الاستفراغ بذل تمام الطاقة بحيث يبيح من نفسه العجز عن المزيد. 2 - أن تحصيل الحكم أعم من علمه وظنه وعلم بذلك ركنا الاجتهاد وهما المجتهد والمجتهد فيه وهو حكم شرعي فرعي ظني عليه دليل فالأول فضل عن العقلي والحسي ¬

_ (¬1) انظر القاموس المحيط للفيروزابادى (1/ 286) مادة (جهد). (¬2) انظر المستصفى لحجة الدين الغزالي (2/ 350)، المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 489)، أحكام الأحكام للآمدي (21814)، اللمع لأبي إسحاق الشيرازى (ص / 76)، نهاية السول للإسنوى (4/ 524 - 529)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص / 233).

الفصل الثاني في حكمه

والثاني عن الكلامي والأصولي والثالث عن ضروريات الدين كالعبادات الخمس والرابع يفيد أن ثبوت لا أدرى لا ينافي الاجتهاد. وشرطه أن يحوي علومًا ثلاثة: 1 - أن يعرف آيات القرآن المتعلقة يمعرفة الأحكام لغة أي إفرادًا وتركيبًا فيفتقر إلى ما يعلم في اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان سليقة أو تعلمًا وشريعة أي مناطات الأحكام وأقسامه من أن هذا خاص أو عام أو مجمل أو مبين أو ناسخ أو منسوخ أو غيرهما وضابطه أن يتمكن من العلم بالقدر الواجب منها عند الرجوع. 2 - معرفة السنة المتعلقة بها منها أي لفظها لغة وشريعة كما ذكرنا وسندها أي طريق وصولها الينا من تواز وغيره ويتضمن معرفة حال الرواة والجرح والتعديل والتصحيح والتسقيم وغيرها وطريقه في زماننا الاكنفاء بتعديل الأئمة الموثوق بهم لتعذر حقيقة حال الرواة اليوم. 3 - معرفة القياس بشرائطه وأركانه وأقسامه المقبولة والمردودة ويستلزم معرفة المسائل المجمع عليها لئلا يخرق به لا الكلام لإمكانه بالإِسلام تقليدًا والأولى أن يعلم قدرًا به يتم نسبة الأحكام إلى الله تعالى من وجوده وقدمه وحياته وقدرته وكلامه وجواز تكليفه وبعثة النبي عليه السلام ومعرفة معجزته وشرعه وإن لم يتحر في أداتها التفصيلية ولا الفقه لأنه ثمرة الاجتهاد وان كان ممارسته طريقًا إلى تخصيله في زماننا هذا. ثم هذا عند عدم التجزية وعند من يجوز الاجتهاد في بعض المسائل فقط فشرطه معرفة ما يتعلق بذلك وهذا في المجتهد المطلق أما المقيد فلا بد له من الإطلاق على أصول مقلده لأن استنباطه على حسبها فللحكم الجديد اجتهاد في الحكم وللدليل الجديد للحكم المروى تخريج. الفصل الثاني في حكمه أثره الثابت به غلبة الظن بالحكم على احتمال الخطأ فلا يجري في القطعيات أصولا وفروعًا وبناؤه على أن مصيب المحتهدين واحد عندنا لأن في كل من الحوادث حكمًا معينًا لله تعالى خلافًا للمعتزلة. وتوفية الكلام في هذا المقام أن المسألة الاجتهادية إما أصلية أو فرعية. وح وإما أن لا يكون لله تعالى فيها حكم قبل الاجتهاد بل يكون الحكم هو ما أدى هو إليه فإما أن يستوي الكل في الحقيقة أو كان بعضها أحق واما أن يكون وح إما أن لا يدل عليه أو يدل إما بدليل قطعي فيستحق المخطئ العقاب ونقض حكمه أو بديل ظني

فلم يستحق سواء كان المخطئ نحطئًا ابتداء وانتهاء أو انتهاء فقط فلنذكر لبيانها أربعة مباحث. الأول أجمع المليون على وحدة المصيب في العقليات وأن النافي لملة الإِسلام كلها أو بعضها كافر لكن في أنه آثم خلاف الجاحظ في المجتهد دون العائد مع أن يجري عليه في الدنيا أحكام الكفار اتفاقًا وفي أنه مخطئ خلاف العنبرى. قال في البديع وأول نفى الإثم بالاجتهاد في مسائل الكلام كنفى الرؤية لا في صريح الكفر. والأصح أن خلافهما في مطلق الكافر كان من أهل القبلة أو لم يكن إذ القول بأن اليهودى غير مخطئ في نفيه نبوة نبينا عليه السلام ليس بأبعد من القول بأن المجتهد من أهل القبلة غير مخطئ في أن الله تعالى جسم وفي جهة وزاد العنبرى أن كل مجتهد في العقليات مصيب فإن أراد وقوع معتقده لزم التناقض كوقوع قدم العالم وحدوثه وإن أراد عدم الإمْ محتمل. لنا إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف على قتلهم وقتالهم وأنهم من أهل النار ومعاندين ومجتهدين أما التمسمك بظواهر النصوص فلا يفيد قطعًا لجواز التخصيص يعبتر المجتهد. لهم أن مكلفيهم باعتقاد نقيض اجتهادهم تكليف دمًا لا يطاق لأن المقدور الاجتهاد الذي هو الفعل لا الاعتقاد الذي هو لازمه لأنه صفة. قلنا لا نعلم أن اعتقاد النقيض غير مقدور فقدلنا المجتهد منعقد لمجتهده بالضرورة ضرورة بشرط المحمول أي ما دام معتقد فامتناع اعتقاد نقيضه أيضًا كذلك والذي لا يكلف به هو الممتنع العادى كحمل الحبل وأما كونه صفة فغيرِ قادح كجميع العلوم الكسبية. المبحث الثاني قال جمهور المتكلمين منا كالأشعرى والقاضى ومن المعتزلة كابى الهذيل والجبائيين واتباعهم ما ظنه كل مجتهد في مسألة لا قاطع فيها هو حكم الله تعالى في حقه وحق مقلديه ولا حكم له قبل الاجتهاد والحق مذهبنا أن الله تعالى فيه حكمًا قبله والمصيب واحد وأبو حنيفة والشافعى ومالك وأحمد نقل عن أربعتهم تصويب كل مجتهد والقول بوحدة الحق وتخطئة البعض (¬1). ¬

_ (¬1) انظر المستصفى لحجة الدين الغزالي (2/ 363)، المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 503 - 504)، إحكام الأحكام للأمدى (4/ 246)، نهاية السول للإسنوى (4/ 560 - 562)، اللمع لأبي إسحاق =

لنا الكتاب والسنة والأثر ودلالة الإجماع والمعقول. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] أي الحكومة وكان حكم داود بتبادل الملكين بالاجتهاد دون الوحي كفداء العبد الجاني وإلا لما جاز لسليمان خلافه ولا لداود الرجوع عنه فلوكان كل منهما حقًا لم يكن لتخصيص سليمان جهة قبل جهته ترك إلا حق. قلنا فلم يحل لسليمان الاعتراض لأن الافتيات على رأى من هو أكبر لا يصح فكيف على الأب النبي ويشير إليه ذكر ففهمناها دون فزدنا فهمه إياها فالتقييد بأن معناه ففهمناه الحكومة التي هى أدق خلاف الظاهر. والقول بجواز الاعتراض لتركه الأولى فإنه في الأنبياء بمنزلة الخطأ في غيرهم مع بعده يما ذكرنا تخطئة في المال وهو المطلوب. وقول سليمان غير هذا أرفق للفريقين مع أنه خير واحد لا يقتضي جواز الحكمين فلعل الأرفقية موجبة للتعيين وقوله تعالى: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] يحتمل إيتاء الحكمة ومناسبة الأحكام والعلم بطريق الاجتهاد وهو الظاهر المراد هنا للقرائن السابقة. وأما السنة والأثر فالأخبار والآثار الدالة على ترديد الاجتهاد بين الصواب والخطأ وتخطئة بعضهم بعضًا بحيث تواتر القدر المشترك وما فعلها من حمل التخطئة على صورة وجود القاطع أو ترك استقصاء المجتهد فيقول ابن مسعود رضي الله عنه أن يكون صوابًا أي إن استقصيت وإن يكن خطأ أي إن قصرت فبعيد لا سيما بين الصحابة. وأما دلالة الإجماع فهي أن القياس مظهر لا مثبت فالثابت ثابت به النص حقيقة والحق في الثابت به واحد لا غير وهذا ينهض على من يعترف أن القياس مظهر وعلى بعض المدعى لأن الاجتهادى ريما يثبت بغير القياس من الأدلة الظنية ولا إجماع على اتحاد الحق إلا فيما لا خلاف فيه. وأما المعقول فمن وجوه: 1 - من حيث الحكم وهو أن كون الفعل محظورًا وغيره وواجبًا وغيره اتصاف الشىء بالنقيضين والممتنع لا يكون حكمًا شرعيًا. قيل يجوز بالنسبة إلى شخصين كالميتة للمضطر وغيره والمنكوحة للزوج وغيره كفي ¬

_ = الشيرازى (ص / 73).

زمانين تخلل بينهما نسخ ولا يجاب عنه بأن نبينا عليه السلام لما بعث إلى كافة الأنام كان المشروع الواحد مشروعًا في حق الكل كالمنصوص لا يتغير إلا بتغير الشرع لا بتغير الفهم والقياس لإظهار المنصوص وتعديته فيكون حكمه حكمه لأنه مسلم من حيث وجوب العمل بما أدى إليه اجتهاده لا من حيث تعينه ألا يرى إلى جواز العمل بأى قياسين متعارضين بشهادة القلب لا بأى نصين متعارضين بل بإلزام جمع المتنافيين بالنسبة إلى واحد كعامي لم يلتزم تقليد مذهب استفتى حنفيًا وشافعيًا في إباحة النبيذ يكون في حقه مباحًا وغير مباح. 2 - من حيث السبب وهو أن شرط القياس الذي وضع لتعدية حكم النص أن لا يغيره فكما أن حكم النص لا يحتمل التعدد لا يتعدد بالتعليل وفيهما شيء فإن ما أدى إليه رأى كل مجتهد مقرر لحكم أصله لا مغير فان الكل من أصول متعددة لا من أصل واحد. وجوابه أن هذا الإبطال بعض المدعى فيبطل الباقي لعدم القائل بالفصل وهو ما إذا اجتمعت الاجتهادات على أصل واحد كما في حديث الربا فيلزم اجتماع الحل والحرمة في نحو الحفنة بالحفنتين والجص والنورة من حيث الحكم ولم يلزم تعدد الحكم المستنبط منه مع وحدته من حيث السبب. 3 - من حيث الحكم والسبب وهو لو كان الكل حقًا فإذا تغير الاجتهادان بقي الأول حقًا لزم اجتماع المتنافين وإن لم يبق صار الاجتهاد ناسخًا وكذا المقلد إذا صار مجتهدًا. 4 - لو كان أكل حقًا لزم اجتماع القطع وعدمه في الحكم المستنبط بيانه أن المجتهد إذا ظن حكمًا أوجب ظنه القطع به في حقه وقطعه به مشروط ببقاء ظنه للإجماع على أنه لو ظن غيره وجب عليه الرجوع عنه. لا يقال لا نعلم أن قطعه به مشروط ببقاء ظنه لم لا يجوز أن يستمر الظن ريثما يحصل القطع فاذ حصل لا يبقى الظن ضرورة التضاد بينهما وليس هذا زوالا له بالظن بغيره بل بإيجاب القطع به. لأنا نقول أولًا عدم زوال الظن في المجتهدات إلى الجزم بها أمر متحقق وإنكاره بهت. وثانيًا: ليس الظن بالشىء يوجب الجزم به ليزول نفسه بالتضاد وإلا لامتنع ظن النقيض مع تذكر هذا الظن بوجوب دوام العلم بدوام ملاحظة موجبه بخلاف مانعه الظن إذ ليس موجبًا كالغنم بالرطب للمطر. لا يقال لزوم النقيضين وارد على المذهبين فلزم أن يبطلا أو يفسد الدليل لأن الإجماع

منعقد على وجوب اتباع الظن قطعًا كما مر في صدر الكتاب اتحد المتعلق أو تعدد لأن نقول يختلف متعلقا الظن والقطع على مذهبنا لأن الظن بالحكم المطلوب والقطع بتحريم مخالفته أو وجوب العمل به أو الظن به في نفس الأمر والقطع به في حق المجتهد ومقلديه فلا يلزمنا امتناع ظن النقيض مع تذكر موجب القطع لأن موجبه يوجب القطع بغير ما هو المطون فلا ينافيه عدم القطع بما هو المظنون. ولئن سلم إن ظن المظنون لما كان هو الموجب للقطع المقطوع كان زواله عند ظن النقيض موثرًا في زوال القطع لكن ليس موجبًا له مطلقًا بل ما دام مظنونًا فعند زوال الظن يبقى شرط الموجبية فلا يمتنع ظن النقيض. فإن قيل يجري بعينه في دليلكم فإن الظن متعلق يكون الدليل دليلا والعلم بثبوت مدلوله ما دام دليلا. لإيجاب بأن كونه دليلًا أيضًا حكم شرعي فإذا ظنه فقد قطع بأنه الذي يجب العمل به وإلا جاز أن يكون غيره ويكون مخطئًا في أنه هو فلا يكون كل مجتهد مصيبًا وذلك لأن الشاع جعل مناط وجوب العمل ظن الدليل لا نفس الدليل ولا القطع به فيجوز أن يوجب ظن الدليل وجوب العمل وإن لم يوجب الجزم بكونه دليلًا ثم تجويزكون غيره دليلًا لا يوجب العمل ما لم يتعلق الظن بكونه دليلًا ثم المراد يكون كل مجتهد مصيبًا إصابته في الأحكام التكليفية لا في كل حكم. بل يجاب بأن الظن الذي هو المبحث هو المستفاد من الدليل المتعلق بثبوت المدلول ووجود الظن الآخر المتعلق يكون الدليل دليلًا لا يرفع المحذور الحاصل من الظن الأول. نعم إذا أخذت القضية القابلة بأن مظنون المجتهد مقطوع به عملا مشروطة لا يلزم امتناع ظن النقيض المصوبة كما لم يلزمنا لكن بقاء الظن بالمجتهدات من حيث أنها مجتهدات وإن كانت مقطوعا بها من حيث إيجاب الشرع العمل بها لا يمكن إنكاره. قال الأبهرى هذا الدليل مغلطة لأن القطع إنما هو بوجوب العمل وعدم القطع من حيث هو أثر الاجتهاد لا يناقضه لاختلاف الجهتين وإلا فيرد على مذهبنا للاتفاق على القطع بوجوب العمل. وفيه بحث لأنه إنما لا يرد على مذهبنا لعدم قولنا بثبوت حكمه في نفس الأمر وأما على ما قالوا به كان القطع وعدمه من المجتهد بثبوت الحكم في نفس الأمر لا أن الظن به والقطع بوجوب العمل أو الظن به في نفس الأمر والقطع به في حقه وحق مقلديه على التوجيهين.

أما الاستدلال لمذهبنا بأن أحد دليليهما إن ترجح تعين وإن تساويا تساقطا فالوقف أو التخيير أو بأن لا فائدة لمناظرة على تقدير تصويب الكل أو أن المجتهد طالب فلا بد له من مطلوب إن وجده أصاب وإلا أخطأ ففاسد. أما الأول فلاحتمال أن يترجح كل عند مجتهد بأمارته. وأما الثاني فلأن فيها فائدة ترجيح إحدى الأمارتين في نظرهما ليرجعا إليها لو أن يتساويا فيتساقط فيرجعا إلى آخر أو فائدة التمرين وتحصيل ملكة الوقوف على المآخذ ورد الشبه وفي الجملة إنما يحصل الحكم بالاجتهاد فلا بد منه ليحصل وإن جوزنا الأخذ بالكل أو بأيهما أو لم تجوز. وأما الثالث فلأن المطلوب ما يغلب على ظنه عنده وبالجملة الاجتهاد عندنا لمطلب أي وعندهم لمطلب هل. وما يقال من أن تصويب الكل يستلزم فيما إذا كان الزوج مجتهدًا مقيدًا شافعيًا والزوجة مجتهدة حنفية فقال لها أنت بائن ثم قال راجعتك حلها وحرمتها. وفيما نكح مجتهد امرأة بغير ولى ومجتهد آخر يرى بطلان الأول حلها لهما وكلاهما محال مشترك الإلزام إذ لا خلاف في لزوم اتباع الظن والحل أن يرجع إلى حاكم أو حكم فيتبعانه لوجوب اتباع حكم الموافق والمخالف. لا يقال حكم الحاكم لرفع نزاع المنازعين لا نرفع تعلق الحل والحرمة بشىء واحد لأنا نقول بل يرفع تعلقهما به لأن ظن المجتهد إنما يفيد تعلق الحكم به إذا لم يعارضه معارض أقوى وهو حكم الحاكم هنا لأن الشرع أوجب العلم به. ضابطة شاملة: الحادثة إن كانت نازلة بجتهد فإن اختصت به عمل على ما يؤديه اجتهاده فإن استوت الإمارات تخير على شرط شهادة القلب عندنا أو يعاود النظر ليترجح أحدها وإن تعلقت بغيره فعند إمكان الصلح اصطلحا أو رجعا إلى حاكم وإن وجد وإلا فإلى حكم وعند عدم إمكانه رجعا إلى أحدهما حتى لو كان حاكمًا ينصب من يفصل بينهما وإن كانت نازلة بمقلد فإن اختصت به عمل بموجب الفتوى فإن تعددت عمل بفتوى الأعلم الأورع وإن استوت لخير بينهما عند الشافعية ويعرض على مفت ثالث عندنا وإن كان في بلد آخر وإن تعلقت بغيره فكالمجتهد صلحًا أو رجوغا إلى الحاكم أو الحكم. تنبيه: ومما يدل أن مذهب مشايخنا التخطئة قول أبي حنيفة رضي الله عنه في تكفيل الوارث أي أخذ الكفيل منه هو جور احتاط به بعض القضاة وقول محمَّد رحمه الله في

تفريق الملاعنين ثلاثًا ثلاثًا لو حكم به القاض نفذ عندنا وقد أخطأ السنة. لا يقال ينبغى أن لا ينفذ كما قال به زفر والشافعى لمخالفته الكتاب والسنة كما لو حكم بشهادة ثلاثة في الزنا. لأنا نقول هذا مجتهد فيه فينفذ كما لو حكم بشهادة المحدود في القذف لأن تكراره للتغليظ وهو يحصل بالجمع وأدناه كاعلاه في المواضع الكثيرة ولا نعلم مخالفته للنص لأن الاجتهاد في محل الفرقة وهو غير مذكور في النص. قال فخر الإِسلام وإنما ذهب المعتزلة إلى تعدد الحقوق وتصويب كل مجتهد لإيجابهم الأصلح وإلحاقهم الولى بالنبي الأصلح للعباد على الله تعالى تصويب الكل لينالوا الثواب وكذا ما قالوا إن إنعام الله تعالى في حق غير النبي كهو في حقه لكنه يبطله بشوم اختباره يقتض إصابة كل مجتهد لأنه ولي كإصابة كل نبي. قيل فيه بحث لأنه مبني للتصويب لو كان ذلك لم يقل به من لا يقول بهما وليس كذلك فإن كثيرًا من أهل السنة قائلون بالتصويب دونهما وليس بشىء إذ لا مزاحمة بين الأصول لجواز أن يكون أمر واحد لازمًا لأمور فكون مبناه عندهم إياهما لا ينافي أن يكون عند غيرهم غيرهما. فللمصوبة وجوه: 1 - أن التخطئة تسلتزم أحد المحذورين لأن القائل يما هو الخطأ من النقيضين إن وجب عليه الآخر وجب عليه النقيضان وإن لم يجب وجب الخطأ وحرم الصواب. قلنا: إذا وجب على المجتهد ما أدى إليه رأيه مع مخالفة نص لم يطلع عليه أبدا مع أنه مخطئ ثمة بالاتفاق فهنا مع الاختلاف أولى. 2 - أن العمل بغير حكم الله ضلال ليس باهتداء فلو كان بعض الصحابة المجتهدين مخطئًا لم يكن متابعته اهتداء وقد قال عليه السلام "بأيهم اقتديتم اهتديته وبعبارة أخرى كل ما أدى إليه رأى المجتهد مأمورية وكل مأمور به حق فالكل حق. قلنا اهتداء وحق من حيث فعل ما يجب عليه لإيصاله البغية وهي الثواب وإن لم يكن كذلك من حيث تعيين الحكم والصدق ببعض الاعتبارات كاف في أصل الصدق كما فكرنا فيما يخالف النص ولم يطلع عليه أبدًا. 3 - إن المجتهدين مكلفون بنيل الحق فلو كان واحدًا لكان مأمورًا بإصابته بعينه وليس في وسعه لغموض طريقه فكان تكليفًا بالمحال. قلنا بل مكلفون يما أدى إليه مبلغ وسهم وغاية سعيهم.

4 - إن الاجتهاد في الحكم كهو في القبلة والحق فيه متعدد وإلا لما تأدى فرض من أخطاء لكن لا يومر بالإعادة. قلنا لما فسدت صلاة من علم حال إمامه لأنه مخطئ للقبلة عنده لا كالمصلين في جوف الكعبة علم أنه يخطئ ويصيب كالمجتهد في الحكم وإنما لم يجب إعادة الصلاة لأنه لم يكلف حالتئذ إصابته عين الكعبة بل طلبه على رجاء الإصابة لكونها غير مقصودة بعينها حتى لو سجد لها يكفر ولذا جرى فيه الاتساع بالانتقال من عينها إلى جهتها إما بجعل جهات التوجه أربعًا شرقيا وغربيا وجنوبيا وشماليا وإما بجعل الكعبة بحيث يدخل بين نحو ضلعي المثلث الخارجين من عيني المصلي المحيطين بالسطح الواقع عليه نورهما الذاهبين على الاستقامة إلى منتهى العالم كذا قيل ثم منها إلى جهة التحري وإلى أي جهة كانت للراكب في النوافل وإنما المقصود وجه الله تعالى وهو حاصل هذا على أصلنا وعند الشافعي كلف المتحرى إصابة حقيقة الكعبة حتى إذا أخطأ يقينًا باستدبارها أعاد. 5 - من رسول الله عليه السلام في قصة بدر برأى أبي بكر رضي الله عنه لوكان خطأ لما أقره عليه. قلناكان رأيه رخصة والمعنى لولا كتاب من الله تعالى سبق بالرخصة لمسكم العذاب بترك العزيمة وهو قتلهم كما هو رأى عمر رضي الله عنه. المبحث الثالث في أن بعض المصوبة سووا بين الأداء في الثواب لأن دليل التصويب لا يفرق ومعناه يقتضى التسوية لأن الثواب من حيث بذل ما في وسعه والعمل بموجب رأيه وفيه تسوية وبعضهم رجح البعض في الثواب وهو معنى الأحقية ويسمى القول بالأشبه إذ لو تساوت لبطلت مراتب الفقهاء وساوى الباذل كل جهده في الطلب مع المبلي عذره بأدنى طلب كذا في التقويم. المبحث الرابع في أن للحق في نفس الأمر دليلا وظنيًا قيل لا إنما العثور عليه كالعثور على دفين فلمن أصاب الأجران ولمن أخطأ أجر الكد وإليه ذهب كمير من الفقهاء والمتكلمين وهو الإنسب لاستحقاق من أخطأ الثواب. وقال بشر بن غياث المريسى وأبو بكر الأصم عليه دليل قطعى من أخطأ أصم عند المريسى ويستحق حكمه النقض أيضًا عند الأصم كمخالف النص وذلك لما في الآية من استحقاق العذاب الأليم لولا الكتاب السابق وكما في أصول الدين ولما نقل عن الصحابة

والمجتهدين من التشنيئات كقول ابن عباس رضي الله عنه ألا يتق الله زيد بن ثابت وقول ابن مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته وقول عائشة رضي الله عنها أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله إن لم يتب وقول أبي حنيفة رحمه الله جور وقول الشافعي رحمه الله من استحسن فقد شرع. قلنا لا يعبأ بخلافهما لأنه بعد انقعاد الإجماع فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في الاجتهاديات وشاع ولم ينقل نكير ولا تأثيم لشخص معين ولا مبهم ككل من أخطأ وسيجىء الجواب عن شبههم. وقال جمهور الفقهاء له دليل ظني يكون مخطئه معذورًا ومصيبه مأجورًا وعليه الأستاذ وابن فورك ثم اختلفوا هل المخطئ مخطئ ابتداء وانتهاء وهو اختيار الشيخ أبي منصور رحمه الله أي في نفس الاجتهاد وفيما هو الحق كالمأمور بدخول بلد سلك طريقًا لا يوصل إليه وإنما ألزم العمل به على تقدير أنه صواب كما أنه ألزم العمل بالنص على أنه ثابت وبالقياس على أنه غير مخالف للنص فمتى ظهر الانتساخ والمخالفة بطل من الأصل ولو قصر في طلبه أثم أيضًا. وكذا من حضرته الصلاة ومعه ثوب أو ماء شك في طهارتهما يستعملهما بحكم الاستصحاب وإذا تبين نجاستهما فسد العمل من الأصل فعندهم يؤمر من صلى بتحري جهة الكعبة بالإعادة إذا تبين خطؤه في نحن فيه أيضًا إذا تبين خطؤه لا يستحق لا ثواب الاجتهاد ولا ثواب إصابة الحق في روى من تصويب المجتهدين جميعًا يحمل عندهم على ما لم يتبين وجه الخطأ كذا في الكشف وعند الجمهور منهم أبو حنيفة والشافعى رحمه الله مخطئ انتهاء فقط حتى كان الدليل صحيح والخطأ في مطلوبه لرجحان معارضه فيستحق الثواب على اجتهاده والإصابة في حق العمل لوجود امتثال الأمر وأداء ما كلف به وإن لم يستحقه على إصابة الحق حقيقة كمن قاتل الكفار على تحرى النصرة قَتَل أو قُتِل استوجب الأجر لامتثاله أمر الله تعالى في إعلاء كلمته فهو كرمى الغرض على تحرى الإصابة لا خطًا في تحريها بطريقه وإن لم يحصل الإصابة. ولا يذهبن الوهم أن الخطأ في تقصيره في طريق الطلب حيث أعطاه الله تعالى من الرأى ما لو بذل مجهوده كل البذل لأصاب وذلك لأن الله تعالى كما لم يكلف ما ليس في الوسع لم يكلف ما فيه الحرج بالأية فلذا لم يبن هذا الخطاب إلا على المعتاد من الاستعمال وذا لا يوصل إلى حقيقة العلم بلا خلاف بخلاف أصول الدين لأن المطلوب فيها علم اليقين.

لنا أولًا قوله عليه السلام لعمرو بن العاص احكم على أنك إن أصبت ذلك عشر حسنات وإن أخطأت ذلك حسنة والثواب لا يترتب على الخطأ. ومن اعترض بأن هذه الحسنة رما يكون للمشقة الاجتهادية لا للإصابة في الدليل غفل عن أن الدليل إذا لم يكن دليلًا شرعًا فالأخذ به إن لم يؤد إلى العقاب كما قيل ودل عليه آية بدر فلا أقل من أن لا يودى إلى الثواب. وثانيًا: قوله تعالى: {وَكُلا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعلْمًا} [الأنبياء: 79] فظاهره إنباؤهما في هذه القضية وإلا فالجزم بثبوتهما في الجملة حَصل بثبوتهما فالثناء عليه والامتنان به مع كونه خطأ لما مر دليل الإصابة ابتداء. وثالثًا: قول ابن مسعود رضي الله عنه لمسروق وأسود لما سبقا في المغرب بركعتين فقضى مسروق بركعة وجلوس وركعة وأسود بركعتين وجلوس كلاكما أصابا وصنيع مسروق أحب إلى. لا يقال هذا يدل على تعدد الحقوق المرجح بعضها فهو القول بالأشبه. لأنا نقول لما أقيم الدليل على وحدتها وأنه هو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه علم أن مراده بالاصابة هى ابتداءه في حق العمل. لهم أولًا إطلاق الخطأ في قوله عليه السلام إن أخطات أن ينصرف إلى الكامل. وثانيًا: قوله تعالى: {لَوْلا كتَابٌ مِنَ اللهِ} [الأنفال: 68] الآية لمسكم في اتباع الاجتهاد الخطأ الذي هو أخذَ الفدية فلو أصاب لم يترتب العقاب فضلا عن ترتب الثواب. قيل على الأول أن اقتضاء المطلق الكمال لا يعتد به في الأصول وعلى الثاني أن معنى الآية أن انتفاء العذاب على الاجتهاد الخطأ لوجود الكتاب السابق بإباحة الفداء فمقتضاه استحقاق العذاب على الخطأ فيما لم يسبق كتاب فهي عليهم لا لهم لاقتضائه كونه خطأ من كل وجه وليسا بشىء. أما الأول فلأنه طريق عرفي يتبع فيما مقصوده العمل وهو الاجتهاد هنا. وأما الثاني فلأنا لا نعلم أن استحقاق العذاب على تقدير عدم سبق الكتاب على الاجتهاد الخطأ بل على ترك العزيمة كما مر فمعناه انتفى العذاب بترك العزيمة لسبق الكتاب بالرخصة بل الصحيح من الرد على الأول أن الكمال الذي يقتضيه المطلق الكمال في الحقيقة لا بتعدد المحل من الدليل والمطلوب. ولئن سلم فالظاهر من الأخطاء ما في المطلوب.

الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد

ولئن سلم فقد تخلف لمانع وهو ترتب الحسنة وليس ترتبها لمجرد المشقة كما ظن لما مر وعلى الثاني أن العذاب إن كان على ترك العزدمة لم يناف إصابة المخطئ في الاجتهاد ابتداء لأنه علم أن هذا الخطأ في الاجتهاد وقع في مقابلة إيجاب الله تعالى العزيمة فلم يشتمل على شرائطه والمبحث هو المشتمل عليها. تذييل: المخطئ في الاجتهاد لا يعاتب ولا ينسب إلى الضلال بل يكون معذورًا أو مأجورًا لبذل الوسع إلا أن يكون دليل الصواب بينا فأخطأ لتقصير منه. وما نقل من طعن بعض السلف بعضًا في الاجتهاديات محمول على كون طريق الصواب بينا ولو في زعم الطاعن بخلاف المخطئ في العقائد فإنه يضلل أو يكفر والمخطئ ابتداء وانتهاء لأن المطلوب فيها اليقين. وما نقل عن بعض السلف من تصويب كل مجتهد في المسائل الكلامية كخلق القرآن ونفى الرؤية وخلق الأفعال فمعناه نفى الإثم والمعذورية لأحقية القولين والمأجورية. فائدة: قال نجم الأئمة البخاري رأى المفتي جواب فتوى ودى زعمه أنه خطأ لأن المنصوص من الرواية عنده بخلافه يعذر في ترك رد ذلك الجواب إن كان مجتهدًا فيه وإن كان منصوصًا لا يعذر إذا علم أنه يعمل به. وقال كمال الساعى لا يعذران علم بأنه خطأ وإنه يعمل به. الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد الأول قيل يجوز الاجئهاد لمن حصل له مناطه في مسألة فقط وتعرف بتحرى الاجتهاد. وقيل لا بد أن يكون عنده ما يحتاج إليه في جميع المسائل. للمثبت أولًا لو لزم العلم بجميع المآخذ لزم العلم بالأحكام لأنه لازمه لكن قد ثبت من المجتهد كمالك رحمه الله. قلنا لا نعلم أنه لازمه لجواز أن يعترض ما دمنع من الترتيب كنعارض الأدلة وعدم المجال للقدر الواجب من الفكر لتشوشه واستدعائه زمانا. وثانيًا: أن أمارات غيرها كالعدم في حقها. قلنا لا نعلم لجواز تعلقها بما لم يعلمه تعلقًا لا يظن بالحكم إلا بعلمه ففي المحيط بالبعض يقوى احتمال الموانع فلا يحصل له الظن بالحكم وفي المحيط بالكل يضعف أو ينعدم فيحصل.

لا يقال احتمال بعيد فلا يقدح في ظن الحكم لأنا لا نعلم بعده. قلنا في كل مما لا يعلمه يحتمل كونه مانعًا فلا يحصل ظن عدم المانع. قلنا المفروض حصول جميع ما يتعلق به في ظنه نفيًا وإثباتًا بأخذه من المجتهد أو جمع أماراتها التي قررها الأئمة فيحصل. لا يقال إن كفى حصول الجميع في ظنه فقد ثبت التجزى وبطل جواب دليله الثاني وإن لم يكف بطل هذا الجواب وبعبارة أخرى احتمال المانعية في المسائل الآخر إن كان بعيئا غير قادح ثبت التجزى وبطل ذلك الجواب وإن كان قريبًا قادحًا في ظن الحكم بطل هذا. لأنا نقول الكلام في الكفاية وعدمها أو في البعد وعدمه فللتردد بينهما توقف ابن الحاجب رحمه الله كذا قيل. والحق عدم التجزى وهو المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه لما مر في حد الفقه أن الفقيه هو المتهيىء للكل أعني الذي له ملكة الاستنباط في الكل وإن المقلد يجوز علمه ببعض الأحكام عن الأدلة ولأن ابن الحاجب قائل بكفاية حصول الجميع في ظنه وبعد احتمال المانع وذلك لأنه غير ناشئ عن الدليل. الثانية: أن النبي عليه السلام متعبد به فيما لا نص فيه كذا عن أبي يوسف والشافعى رحمهما الله ومنعه الجبائيان وجوز بعضهم في الآراء والحروب دون أحكام الدين. لنا بعد تناول أدلة شرعية القياس إياه وكون وراثة العلماء من الأنبياء الاجتهاد: أولًا قوله تعالى: {لِمَ أَذِنْتَ لَهمْ} [التوبة: 43] ولا عقاب فيما علم بالوحى. وثانئا: قوله عليه السَّلام "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدي" (¬1) أي لو علمت أولًا ما علمت آخرًا ومثله لا يستقيم إلا فيما عمل بالرأى. وثالثا: ما استدل به أبو يوسف من قوله تعالى: {لِتَحْكمَ بَيْنَ النَّاسِ بمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: 105] فقرره الفارسي بقوله ليست الرؤية للإبصار لاستحالته في الحكم ولا للعلم لعدم المفعول الثالث مع وجود المفعول الثاني ليعود إلى الموصول فهي للرأى أي بما جعله الله رأيًا لك. لا يقال يحتمل ما المصدر به وحذف المفعولين. لأنا نقول الموصول أكثر والظاهر من الفعل معناه لا معنى المصدر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2/ 594) ح (1568) ومسلم (2/ 879) ح (1211).

ورابعًا: أن فضل الاجتهاد وكثرة ثوابه أولى لأن منصبه أعلى. قيل قد يسقط فضله لدرجة أعلى سقوط ثواب الشهادة عن الحاكم وثواب القضاء عن الإِمام وثواب التقليد عن المجتهد. قلنا ذلك عندما ينافيه الدرجة العالية ولا كذلك ما نحن فيه. لهم أولًا قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. قلنا: يختص بما بلغه لأنه لرد قولهم في القرآن إنه افترى. ولئن سلم فالحكم بالاجتهاد المتعبد بالوحى قول بالوحى. وثانيًا: أنه لا يجوز مخالفته بل يكفر بها لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] الآية وجوازها من لوازم الاجتهاد. قلنا من لوازمه ما لا يقارنه القاطع كاجتهاد عند إجماع فمنه كونه اجتهاد المقرر. وثالثًا: أنه عليه السلام كان يتأخر في جواب السؤال كما في حكم الظهار واللعان ولا يجتهد. قلنا لانتظار الوحي الذي عدمه شرط في الاجتهاد أو لانتظار فراغ يصلح له. ورابعًا: كان قادرًا على اليقين هو الوحي ولا اجتهاد للقادر عليه. قلنا إنزال الوحي غير مقدور ولذا كان يحكم بالشهادة مع أنها لا تفيد إلا الظن. تنبيه: الأصل هو الوحي فالاجتهاد لضرورة العجز عنه إما بمضى مدة الانتظار وهي ما يرجى فيها نزول الوحي أو خوف فوت حكم الحادثة. الثالثة: إذا جاز له الاجتهاد يجوز عليه الخطأ لكن لا يقرر عليه بل ينبه أما عدم القرار فبالإجماع وأما جواز الخطأ قلنا فيه عقلا أن لا مانع منه من حيث بشريته وليس علو رتبته وكمال عقله وقوة حدسه مانعًا لأن السهو والخطأ للغفلة من لوازم الطبيعة البشرية فإذا جاز سهوه حالة المناجاة كما ثبت أنه سهى فسجد فالخطأ في غيرها بالأولى ونقلا قوله تعالى: {لِمَ أَذِنْتَ لَهمْ} [التوبة: 43] دل على أن إذنهم كان خطأ وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] الآية حتى قال عليه السلام "لو نزل بنا عذاب ما نجا إلا عمر" (¬1) لأنه أشار إلى القتل وغيره إلى الفداء فهو خطأ وقوله عليه السلام "إنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم ألحن بحجته" الحديث وقوله عليه السلام: "أنا أحكم بالظاهر" فدل أنه قد يخفى عليه الحق الباطن. ¬

_ (¬1) أورده الدينورى، انظر تأويل يختلف الحديث (1/ 158).

لا يقال ذلك في فصل الخصومات والكلام في الأحكام لأن فصلها يستلزم الأحكام الشرعية بالحل لشخص والحرمة لأخر فيقتضى جواز خطاه فيها. فإن قلت ربما يكون الخطأ في اندراجه تحت عموم مثل هذا حرام للحل لاعتقاده خمرًا وليس مثله خطأ في الاجتهاد لأن الحكم بالاندراج عقلي. قلنا لا نعلم بطلانه كما أمر العوام باتباع المجتهد ولو كان خطأ فالحل أن للحكم الخطأ جهتين عدم مطابقته للواقع وكونه مجتهدًا فيه والأمرانه للثانية فكما وجب العمل به على بعد ولو خطأ يجب على متبعيه أيضًا لذلك على أن اتباعه يجب فيما قرر عليه ولا خطأ فإن قلت لا متابعة في المقلد لأخها إيقاع الفعل على وجه أوقعه ولا يتبع المقلد المجتهد في اجتهاده. وأيضًا من أمر باتباع الرسول قادر على الإصابة كالمجتهد بخلاف منع المجتهد كالمقلد. وأيضًا العامى مأمور بالتقليد لا بالخطأ إنما يقع الخطأ في طريقه. قلنا الوجه المأخوذ في المتابعة كيفية للفعل والاجتهاد كيفية للمجتهد لا له وأيضًا المأمور بمتابعة الرسول جميع الأمة لا المجتهد فقد علم أنا لا نعلم أن المجتهد قادر على الإصابة إنما مقدوره الظن بالحكم. وأيضًا لا فرق في أن المأمور به في البابين الاتباع والخطأ واقع في الطريق ولو منع جهة عدم مطابقة الواقع ثمة منع ها هنا إذ لا فارق. وثانيًا: لما عصم الإجماع عن الخطأ لكون أهله أمة الرسول عليه السلام فنفسه أولى بهذا الشرف. قلنا رتبة النبوة التي هى أعلى مراتب الخلق فضيلة جابرة للنقائص الآخر ومحصلة للأولوية المطلقة على أن العصمة في الإجماع بعد القرار وههنا أيضًا مسلم بعده. وثالثًا: تجويز الخطأ يورث الشك فيقدح في مقصود البعثة. قلنا لا يورثه بعد ثبوت الرسالة بتصديق المعجزة لوجوب اتباعه ولو خطأ ولا سيما إذا علم أنه لا يقرر عليه بالاجماع. الرابعة: يجوز اجتهاد غيره في عصره عليه السلام غيبة لحديث معاذ وحضورًا في الأصح وواقع عند الأكثرين ومنع الجبائيان وقوعه شرعًا وجوزه بعضهم بشرط الإذن والأكثرون توقفوا فيه. لنا أولًا ما روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه حين قتل رجلًا من

المشركين في حنين وطالب سلبه شخصا فقال صدق يا رسول الله وسلبه عندي فارضه عني فقال أبو بكر رضي الله عنه لاها الله إذ لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطك سلبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صدق أبو بكر" (¬1) رضي الله عنه في الحكم فصوبه والظاهر أنه عن الرأى دون الوحي والصحيح رواية إذًا فإنه جزاء لإقراره لصحته سببًا لأن لا يعمد إلى إعطاء ما هو حقه غيره. وقيل ذا فللخليل لا للأمر ذا وللأخفش ذا قسمين ولأبى زيد ذا زائدة وفي ها الله ثلاث لغات. وثانيًا: ما صح أنه عليه السلام حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتلهم وسبق ذراريهم فقال عليه السلام لقد حكمت بحكم من فوق سبع أرقعة أي بحكم الله تعالى والرقع السماء. لهم أولًا أن القدرة على العلم بالرجوع إليه كمنع الاجتهاد الذي غايته الظن. قلنا لا نعلم لجواز التخيير وهو الظاهر من الدليل السالف. ولو سلم فالحاضر بظن أن لوكان وحي لبلغه والغائب لا يقدر. وثانيًا: أن رجوعهم إليه في الوقائع دليل منع الاجتهاد. قلنا لا نعلم لجواز أن يكون الرجوع فيما عجزوا فيه عن الاجتهاد أو ليقع الاجتهاد فيما لا يفيد الرجوع أو لجواز الأمرين. الخامسة لا يجوز أن يكون يجتهد قولان متناقضان في مسألة في وقت واحد وبالنسبة إلى شخص واحد لأن دليليهما أن تعادلا توقفا وإن رجح أحدهما تعين وفي وقتين يجوز لجواز تغير الاجتهاد وبالنسبة إلى الشخصين يجوز على القول بأن تعادل الأمارتين يوجب التخيير لا على أن يوجب الوقف فالظاهر في قولين مرتبين يجتهد في مسألة أن الأخير رجوع لتغير الاجتهاد وهذا في مسألتين متناظرتين إن لم يظهر بينهما فرق وإن ظهر لا كما إذا قال في طعامين أحدهما نجس بتحرى وفي ثوبين لا بتحرى يحمل على الرجوع إذ لا فارق أما في ماء وبول لا بتحرى للفارق وهو كون البول نجس الأصل فلا يحمل عليه ويقال التحري فيما أصله الطهارة. تنبيه: فإذا نقل عن مجتهد قولان متناقضان كما عن الشافعي في سبع عشرة مثله يحمل على وجوه: ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في الكبرى (6/ 306) ح (12541)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 223)، وأبو داود (3/ 70) ح (2717).

1 - أنه يحكى قول العلماء. 2 - يحتمل أن يكون فيها للعلماء قولان لتعادل الأمارتين. 3 - في فيها قولان بالنسبة إلى شخصين على القول بالتخيير بلا رجوع. 4 - تقدم في قولان بالنسبة إلى واحد والأخير رجوع. السادسة لا يجوز للمجتهد نقض ما حكم به نفسه لتغير اجتهاده أو غيره لمخالفة اجتهاده اتفاقا لأن يتسلسل بنقض نقضه من الآخرين ويفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الخصومة اللهم إلا إذا خالف قطعي الثبوت والدلالة من الكتاب والسنة والإجماع لا خبر الواحد إلا عند البعض. قال القاضي عبد الجبار مفت بأن له الخطأ في جوابه يجب عليه الإعلام إن ظهر خطاه بيقين وإن تحول رأيه إلى آخر في المجتهد فيه فلا. السابعة لو حكم مجتهد بخلاف اجتهاده بطل وإن قلد مجتهدًا آخر إجماعًا. أما قبل أن يجتهد فقيل فممنوع عن التقليد مطلقًا أي سواء كان الغير صحابيًا أو لا وأعلم منه أو لا وتقليده فيما لا يخصه مما يفتى به أو يخصه مما يعمل به وكان مما يخصه مما يفوت وقته باشتغاله بالاجتهاد أو لم يكن كذلك وهو المشهور الجديد عن مذهب الشافعي. وقيل ممنوع إلا فيما يخصه. وقيل إلا فيما يخصه ويفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد وهو قول ابن سريج. وقيل ممنوع مطلقا إلا أن يكون الغير أعلم وينسب إلى محمَّد رحمه الله. وقيل مطلقًا إلا أن يكون الغير صحابيًا وهو مذهب الجبائى والقديم من الشافعى رضي الله عنه، وقيل غير ممنوع مطلقًا وهو مذهب أحمد وإسحاق بن راهويه وسفيان وعن أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان. والمختار أن لا يقلد المجتهد إلا الصحابي وإن روى عنه رضي الله عنه جواز تقليده لمن هو أعلم منه وتحقيقه التفصيل السابق في تقليد الصحابي والتابعى. لنا في المنع أولًا أنه متمكن من الأصل فلا يصير إلى البدل كغيره ومتضمن وجهين: 1 - كقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 12] يعمه ترك العمل به في العامي لعجزه. 2 - القياس على التقليد في الأصول بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل ولا يفرق بأن المطلوب هنا الظن وأنه يحصل بالتقليد لأن المطلوب الظن الأقوى وهو

متمكن منه ولا ينقض بقضاء القاضي حيث لا يجوز خلافه لأن ذلك عمل بالدليل الدال على أنه لا ينقض إلا بالتقليد وثانيًا قوله تعالى: {فَاسْاَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أي إن كنتم غير أهل العلم أو لا تعلمون شيئًا أي عاميًا إما لأنه نكرة في سياق النفي وإما لأنه مطلق فالمقيد بالشرط عدم عند عدمه وربما يستدل بأن جواز التقليد حكم شرعي ولا دليل عليه ولا تعارض لأن الانتفاء يكفي فيه عدم دليل الثبوت. وفيه بحث لأن الانتفاء هنا التحريم الشرعي فلا يصلح نفى الدليل دليلًا له. وثالثًا: أن التقليد قبل الاجتهاد كهو بعده ولما منع كونه مجتهدًا هذا منع ذاك. لا يقال المانع هنا ظن الحكم باجتهاده لا كونه مجتهحًا لأن الظن الحاصل بالاجتهاد أقوى منه بالتقليد. لأنا نقول ظن المقلد لا عبرة به كما مر ولا يعارض ظن المجتهد ليعتبر ترجيحه. ولو سلم فالقدرة على الظن الأقوى كهو ولذا يبطل القياس في مقابلة خبر الواحد. للمجوز أولًا أنه قبل الاجتهاد لا يعلم والآخر من أهل الذكر فيسأله للعمل به بالأية. قلنا معناه إن كنتم غير أهل العلم أو لا تعلمون شيئًا ولذا لا يجوز بعد الاجتهاد وإن كان غير عالم بل ظانًا فلا يوجد إلا في العامي. وثانيًا: قوله عليه السلام بأيهم اقتديتم اهتديتم. قلنا الخطاب للعلة كما مر ولئن سلم فيختص بالأصحاب لبركة الصحبة واحتمال السماع كما قلنا. وثالثًا: أن المطلوب الظن وهو حاصل بفتوى الغير. قلنا: مع القدرة على الأقوى وهو الحاصل باجتهاده لا يعمل بالأدنى على أن ما ذكر من دليل السمع منع العمل به. ورابعًا قوله تعالى: {أَطِيعُوا الله} [آل عمران: 32] الآية والعلماء أولو الأمر لنفاذ أمرهم على الولاة. قلنا لا يعم كل طاعة ولذا لا يجب الطاعة في الحكم فيحمل على الطاعة في الأقضية. وخامسا قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: 122] الآية قلنا: لا يعم كل إنذار فيحمل على الرواية. وسادسًا: قول عبد الرحمن بن عوف لعثمان رضي الله عنهم بمشهد الصحابة أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ولم ينكر أحد قلنا المراد طريقهما في العدل

وإلانصاف. الثامنة مسألة التفويض إذا فوض الله بقوله احكم بما شئت بروية فلا خلاف في جوازه وبقوله احكم دمًا تشتهيه كيف اتفق فإنك لا تحكم إلا بالحق فقطع موسى بن عمران بجوازه ووقوعه في حق نبينا عليه السلام والمعتزلة بمتناعه والمختار الجواز وعدم الوقوع. لنا في جوازه عدم امتناعه لذاته ولا غيره يمنعه وفي عدم وقوعه أولًا أنه عليه السلام لو أمر بذلك لما نهى عن اتباع هواه إذ لا معنى له إلا حكمه كيفما يريد. لا يقال لما كان بالأمر لم يكن اتباع للهوى لأنا نقول فماذا ينهى بنهي اتباع الهوى. وثانيا: لما قيل له مثلا لما أذنت للمانع أن التفويض مع جهل العبد بالمصالح يقضي إلى تفويتها قلنا لا تفويت فإن اللازم من الجهل جواز التفويت لا نفسه والمحذور وهو نفسه لازم الوقوع وهو ممنوع كيف ومن الجائز أن لا يفوض إلا لمن يعلم أنه يختار ما فيه المصلحة. للقائل بالوقوع أولا قوله تعالى: {إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] ولا يتصور إلا بتفويض التحريم إليه وإلا كان المحرم هو الله تعالى قلنا بل قد يحرم على نفسه بدليل ظني، وثانيًا: قوله عليه السلام في مكة لا يحتلى خلاها ولا يعضد شجرها فقال العباس إلا الإذخر فقال النبي عليه السلام إلا الإذخر دل على التفويض إلى رأيه حيث أطلق المنع ثم استثنى بالتماسه. قلنا إما أن الإذخر ليس من الخلاء والاستثناء منقطع بمعنى لكن أو لم يرد العموم ابتداء ففهمه السائل فقرر ما فهمه والاستئناء منقطع يمعنى لكن أو لم يرد العموم ابتداء ففهمه السائل فقرر ما فهمه والاستثناء منقطع يمعنى لكن أو لم يرد العموم ابتداء ففهمه السائل فقرر ما فهمه والاستثناء من المقدر والمكرر أو نسخ التعميم الأول بوحى سريع كلمح البصر والاستثناء من المقدر المكرر. وثالئًا: أحاديث "لولا أن أشق" "وكنت نهيتكم" ونحو قوله عليه السلام في الحج "لو قلت نعم لوجب" وقوله عليه السلام "عسيت أن أنهى أمتي أن يسموا نافعًا وأفلح وبركة" وقوله عليه السلام لما قيل له إن ماعزًا رجم "لو تركتموه حتى انظر في أمره" وقوله عليه السلام حين أنشدت ابنة نضر بن الحارث في أبيها حين قتل: أمحمد ولانت نجدٍ نجيبه ... في قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق

"لو سمعته ما قتلته". قلنا بجواز أن يكون في هذه الأمور مخيرًا أو يكون قد تقدم وحي شرطي إن كان كذا فاحكم كذا أو كان ذلك بالاجتهاد. التاسعة: لا يجب تكرار الاجتهاد عند تكرر الواقعة وتذكر طريق الاجتهاد. لنا حصول ماكان يطلبه والأصل عدم ما يغيره. لهم احتمال تغير اجتهاده فلا بد من تجديد النظر ليعلم استمرار ظنه قلنا فيجب أبدًا ولم يتوقف بوقت تكرر الواقعة لدوام الاحتمال وفيه بحث والأولى أن الطريق ما دام مظنونًا فاحتمال خلافه مرجوح وإلا لم يعمل به أول مرة فلا معتبر به وإن لم يذكر طريق اجتهاده أو شك في قوته استأنف. العاشرة: يجوز خلو الزمان عن مجتهد يرجع إليه خلافًا للحنابلة. لنا أولًا ليس ممتنعًا لذاته. وثانيًا: حديث اتخاذ الناس رؤساء جهالا فإنه ظاهر في الجواز والوقوع لأن الأصل في إذا تحقق وقوع مدخوله. لهم أولًا قوله عليه السلام: "لا يزال طائفة من أمتي" (¬1) الحديثين فلا يخص إلى القيامة وأشراطها. قلنا غايته عدم الخلو ولا يلزم منه عدم جواز الخلو لأن المطلقة أعم من الضرورية ولو سلم فدليلنا أظهر لأن نفي العالم يستلزم نفي المجتهد أما إثبات ظهور الحق فيحتمل أن يكون بلزوم سيرة النبي عليه السلام والاجتناب عن البغي لا بالعلم والاجتهاد ولا سلم فيتعارض السنتان ويبقى عدم المانع. وثانيًا: أن الاجتهاد فرض كفاية مطلقًا فجواز الخلو يقتضي اتفاق المسلمين على الباطل وبطلانه علم في الإجماع. قلنا لا نعلم أنه فرض كفاية مطلقًا بل إذاكان ممكنًا مقدورًا وعند خلو الزمان عن المجتهد لا يكون كذلك ولئن سلم فالاتفاق على تركه إنما يلزم لو لم يجز تقليد المجتهد الميت السابق لكنه جائز كما سيجىء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6/ 267) ح (6881)، ومسلم (3/ 1523) ح (1920).

الفصل الرابع في مسائل الفتاوى

الفصل الرابع في مسائل الفتاوى وفيه أقسام: الأول في المفتي وفيه مسائل الأولى يجوز الإفتاء للمجتهد اتفاقا ولحاكي قول مجتهد حي سمعه منه مشافهة لأن عليًا رضي الله عنه أخذ بقول المقداد عن النبي عليه السلام في المذي ولذا يجوز للمرأة أن تعمل في حيضها بنقل زوجها عن المفتى أما لحاكى قول ميت فمنعه الأكثرون إذ لا قول للميت لانعقاد الإجماع مع خلافه وإنما صنفت كتب الفقه لاستفادة طرق الاجتهاد من تصرفهم ومعرفة المتفق عليه والمختلف فيه قال في المحصول والأصح عند المتأخرين جوازه لوجهين الأول انعقاد الإجماع على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى إذ ليس في الزمان مجنهد وله معنيان. 1 - إن أحكام الشريعة المحمدية باقية إلى آخر الزمان لكونه خاتم النبيين ولقوله عليه السلام الحلال ما جرى على لساني إلى يوم القيامة الحديث وكل من المجتهدين يثبت الحكم على أنه كذلك فهم وإن اختلفوا في تعيين الحكم مجمعون ضمنًا على بقائه وجواز تقليد من بعدهم. 2 - أن المجتهدين السابقين المختلفين أجمعوا صريخا على أن من بعدهم إذا اضطروا إلى تقليد الميت لعدم الاجتهاد جاز لهم ذلك فإن قلت فمقتضى هذا أن يعتبر قول الميت ولا يفوت بموت صاحبه إذ لولا ذلك لم يكن للإجماع السابق حكم ولو اعتبر لم ينعقد الإجماع اللاحق على أحد القولين في السابق. قلنا نعم أولًا الإجماع في السابق مشروط بعدم معارضه القاطع ومنه الإجماع اللاحق وبهذين يسقط ما يقال إذا خلا عصر عن المجتهد الميت ثقة عالمًا والحاكى عنه ثقة فاهمًا معنى كلامه حصل عند العامي ظن أن حكم الله تعالى ما حكاه والظن حجة حتى لو رجع إلى كتاب موثوق به جاز أيضًا كذا في التحصيل. قال في فتاوى العصر في أصول الفقه لأبي بكر الرازى رحمه الله فأما ما يوجد من كلام رجل ومذهبه في كتاب معروف به قد تداولته النسخ يجوز لمن نظر فيه أن يقول قال فلان كذا وإلا لم يسمعه من أحد نحو كتب محمَّد بن الحسن وموطآت مالك لأن وجودها على هذا الوصف بمنزلة خبر المتواتر والاستفاضة لا يحتاج مثله إلى إسناد وتوفية الكلام فيه أن لغير المحتهد أن يفتي بمذهب أن أهلا للنظر والاستنباط مطلعا على المآخذ في أقوال إمامة أي مجتهد في ذلك المذهب ومعنى الإفتاء الاستنباط بمقتضى قواعده لا الحكاية.

وقيل عند عدم المجتهد. وقيل يجوز مطلقا ومعنى الإفتاء أعم من الاستنباط والحكاية وهو المنقول عن المحصول آنفا. وقال أبو الحسين لا يجوز مطلقا. لنا تكرر إفتاء العلماء الغير المجتهدين في جميع الأعصار من غير إنكار. للمجوز أنه ناقل فلا فرق فيه بين العالم وغيره كالأحاديث. قلنا جواز النقل متفق عليه والنزاع فيما هو المعتاد من تخريجه على أنه مذهب أبي حنيفة أو الشافعي رحمه الله كذا في المختصر والمفهوم من غيره أن في الحاكي عن الميت خلافا. للمانع لو جاز جدز للعامي لأنهما في النفل سواء قلنا الدليل هو الإجماع وقد جوز للعالم دون العامي والفارق علم المآخذ وأهلية النظر ثم عن أصحابنا في ذلك روايات ذكر في التجنيس سئل محمَّد بن الحسن رحمه الله متى كان للرجل أن يفتى قال إذا كان صوابه أكثر من خطاه. وقال ظهير الدين التمرتاشى رحمه الله لا يجوز للمفتي أن يفتي حتى يعلم من أين فقلنا هل يحتاج إلى هذا في زماننا أم يكفيه الحفظ قال يكفي الحفظ نقلا عن الكتب المصححة. وقال نجم الأئمة البخاري رحمه الله الحفظ لا يكفي ولا بد من ذلك الشرط وفي عيون الفتاوى. قال عصام بن يوسف رحمه الله كنت في مأتم قد اجتمع فيه أربعة من أصحاب أبي حنيفة زفر وأبو يوسف وعافية وقاسم بن معين فأجمعوا على أنه لا يحل لأحد أن يفتى بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا. الثانية: يستفتي من يعلم علمه وعدالته اتفاقا وذا بالخبرة أو الشهرة بذلك والانتصاب له بين الناس لا من يظن عدمهما أو عدم أحدهما أما من يجهل علمه فقط فالمختار امتناع استفتائه ومن يجهل عدالته فقط المختار جواز استفتائه. لنا في الأول أن العلم شرط والأصل عدمه فيلحق بالجاهل كالراوي المجهول العدالة. لهم القياس بالعالم المجهول العدالة فقط لأن العلم في الاشتراط كالعدالة. قلنا يلتزم ثمة أيضًا الامتناع. ولو سلم على ما هو المختار فالفرق أن الغالب في المجتهدين العدالة وليس الغالب في العلماء الاجتهاد بل هو أقل القليل فيلحق الفرد بالأغلب.

الثالثة: تقليد الأفضل فيما تعدد المجتهد ليس بواجب وعن أحمد وابن شريح خلافه وعن الأصحاب الحنفية روايتان. لنا اشتهار إفتاء المفضولين من الصحابة والتابعين من غير إنكار وقوله عليه السلام بأيهم اقتديتم اهتديتم لما خرج العوام لأنهم مقيدون بقي معمولا به في المجتهدين من غير فصل بفضل ولا يستدل بأن تكليف العامي بالترجيح تكليف بالمحال لقصوره عن معرفة المراتب لأن الترجيح ربما يظهر للعامي بالتسامع وبرجوع العلماء إليه بدون العكس وكثرة المستفتين واعتراف العلماء بفضله. لهم أن أقوال المجتهدين عند المقلد كالأدلة عند المجتهد فيدفع تعارضها بالترجيح وليس إلا يكون قائله أفضل وبعبارة أخرى أن الظن بقول الأعلم أقوى والأقوى هو المأخوذ عند التعارض. قلنا قياس لا يقاوم لما مر من الإجماع على أن بينهما فرقا هو أن ترجيح المجتهدين للأدلة سهل وترجيح العوام للمجتهدين وإن أمكن عسر. قال في التحصيل فإن إفتاء اثنان بشيء واحد تعين عليه وإلا قبل مجتهد في أعلمهم وأورعهم. وقيل لا إذ علماء الأمصار لم ينكروا على العوام تركه ثم إذا اجتهد فإن ظن الرجحان مطلقا تعين وإن ظن الاستواء مطلقا يخير أو الاستواء في الدين دون العلم وجب تقليد الأعلم. وقيل يخير أو العكس وجب تقليد الأدين أو ظن أحدهما أدين والآخر أعلم وجب تقليد الأعلم لأن مفيد الحكم علمه. قال علاء الدين الزاهد استفتى مفتيين حنفيين فافتيا بالضدين كالحل والحرمة والصحة والفساد يأخذ العامي بفتوى الفساد في الفسادات والصحة في المعاملات. وقال ظهير الدين المرغيناني: إن كان المستفتي مجتهدا يأخذ بقول من ترجح عنده بدليل والعامي بقول من هو أفقه منهما عنده وإن استويا عنده يستفتى غيرهما ولو لم يوجد إلا في بلد آخر كذا يفعله الصحابة والتابعون. وأقول يفهم منهما أن عن أصحابنا في ترجيح إحدى الفتويين قولين الترجيح من حيث حال الحكم ومن حيث حال المفتي وعند الاستواء لا يخير كما هو قول الشافعية بل يتبع قول الثالث ثم هذا في مفتيين أما لو سئل متفقها ففعل ثم مفتيا فأجاب بعكسه قضى صلوات صلاها بقول المتفقه إن أفتاه المفتي بالقضاء قاله شرف الأئمة رحمه الله.

القسم الثاني: في المستفتي

القسم الثاني: في المستفتي وفيه مسائل: الأولى: يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة خلافا للمعتزلة في بغداد وفرق الجبائي بين الاجتهاديات وغيرها لنا. أولًا: أن علماء الأمصار لا ينكرون على العوام الاقتصار على أقاويلهم فحصل الإجماع قبل حدوث المخالف. وثانيا: إن عاميا وقع له واقعة مأمور بشماء فيها اجماعا وليس التمسك بالبراءة الأصلية إجماعا ولا الاستدلال بأدلة سمعية إذ الصحابة لم يلزموهم تخصينها ولأنه يمنعهم عن الاشتغال بمعاشهم فهو التقليد ولا ينقضان بمعرفة أدلة العقليات لما مر أن المعرفة الإجمالية المحصلة للطمأنينة كافية في ذلك أما هنا فيحتاج إلى تفصيل كثير وبحث عزيز. فإن قلت المانعون من التقليد يمنعون الإجماع وخبر الواحد والقياس والتمسك بالظواهر بل يقولون حكم العقل في المنافع الإباحة يؤيده قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا في الأرْضِ جَميعًا} [البقرة: 29] وفي المضار الحرمة يؤيده {ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحَج: 78]، وإنما يترك هذا الأصل لنص قطعي الثبوت والدلالة والعامي إن كان ذكيًا عرف حكم العقل وإن لم يكن ذكيًا أو وجد في الواقعة نص قطعي الثبوت والدلالة يخالف حكمه حكم العقل نبهه المفتي عليه. قلنا لم يكلف العامي بذلك لأنه يمنعه عن المعاش ولذا كان الاجتهاد فرض كفاية لهم وجوهًا: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]. قلنا يختص بالعقليات جمعًا بينه وبين أدلة اتباع الظن. 2 - ذم التقليد بقوله إنا وجدنا آبائنا على أمة. قلنا التقليد الباطل على خلاف الدليل الواضح أو في العقليات. 3 - طلب العلم فريضة على كل مسلم. قلنا فيما يمكن علمه لا علم كل شيء لكل مسلم بالإجماع وإلا كان الاجتهاد فرض عين. 4 - جواز التقليد يفيض إلى عدمه لأنه يقتضى جواز التقليد في المنع منه. قلنا أحدهما يمنع الآخر عادة. 5 - قوله عليه السلام اجتهدوا فكل ميسر لما خلق له والمستفتى لا يأمن من جهل

المفتى فيقع في المفسدة. قلنا لا يعتبر لرجحان المصلحة. ولنا على الجبائى أن الفرق يقتضي أن يحصل للعامي درجة الاجتهاد ثم يقلد إذ لا يميز بينهما سوى المجتهد وهو بط. له أن الحق في غير المحتهد فيه واحد فالتقليد فيه يوقعه في غير الحق. قلنا بل وفي المجتهد فيه ولأنه لا يأمن أن يقصر المفتى في الاجتهاد أو يفتى نفسه بخلاف اجتهاده. الثانية أن العالم بطرف صالح من علوم الاجتهاد يلزمه التقليد. وقيل بشرط أن يتبين له صحة اجتهاد المجتهد بدليله والجبائى ما لم يكن كالعبادات الخمس من ضروريات الدين. لنا أولًا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، فإن علة الأمر بالسؤال هو الجهل والأمر المقيد بالعلة يتكرر بتكررها وهذا غير عالم بهذه المسألة. وثانيًا: العلماء لم يزالوا يستفتون فيفتون ويتبعون من غير إبداء المستند حتى شاع ولم ينكر فكان إجماعًا. وثالثا: أن بيجاب الاطلاع على المستفتي يؤدى إلى إبطال المعاش والصنائع بخلاف مآخذ معرفة الله تعالى ليسرها. لهم أن يودى إلى وجوب اتباع الخطأ لجوازه. قلنا مشترك الالزام لجوازه حين أبدى المستند وكذلك يجب على المفتى اتباع رأيه مع جواز الخطأ والحل أن الواجب اتباع الظن من حيث هو ظن لا من حيث هو خطأ والمحدود هذا. الثالثة: لا يرجع العامي العامل بقول مجتهد في مسألة إلى غيره اتفاقا أما في الأخرى فالمختار جواز تقليد الغير للقطع بوقوعه شايعا مشتهرا من غير نكير في زمن الصحابة رضي الله عنهم من غير إلزام سؤال مفت بعينه أما إذا التزم مذهبا معينا كأبي حنيفة رضي الله عنه فقيل يلزم وقيل لا يلزم في وافعة وقعت فقلده فيها فليس له الرجوع وفي غيرها يتبع من شاء قال القاضي عبد الجبار الحنفي استفتى الشافعية فوافقه جوابهم لا يسعه أن يختاره وللرجل والمرأة أن ينتقل من مذهب الشافعى إلى مذهب أبي حنيفة وبالعكس ولكن بالكلية أما في مسألة واحدة فلا يمكن من ذلك وقال ظهير الدين المرغيناني من انتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه لتزوج له أخاف أن يموت مسلوب الإيمان

القسم الثالث فيما فيه الاستفتاء

لإهانته بالدين لجيفة قذرة. وقال أيضًا عامي حنفي افتصد ولم يعد الطهارة اقتداء بالشافعى رضي الله عنه في حق هذا الحكم لا يسوغ له ذلك. وقال علاء الدين الزاهد رحمه الله ويصفع لو فعل ذلك. وقال أبو الفضل الكرماني رحمه الله ابتلى بالجرب والقروح بحيث يشق عليه الوضوء لكل مكتوبة ليس له أن يأخذ ليذهب الشافعي رضي الله عنه ولكن إن كان يضره الماء يتيمم ويصلي وليعلم أن عبد السيد الخطيبي سئل عمن علق الثلاث بتزوجها فقيل له لا يحنث على قول الشافعي رضي الله عنه مجتهد يعتد به فهل يسعه المقام معها فقال على قول مشايخنا العراقين نعم وعلى قول الخراسانيين لا، قال مسجد الأئمة الترجماني رحمه الله لا بأس بأن يوخذ في هذا ليذهب الشافعي لأن كثير من الصحابة في جانبه قال فقلت الشبهة وصح القول بالحل إذا اتصل به حكم الحاكم بفسخ التعليق وفيه رخصة عظيمة. القسم الثالث فيما فيه الاستفتاء لا تقليد في العقليات كوجود البارى وما يجوز ويجب ويمتنع من الصفات وإنما قال أبو حنيفة رضي الله عنه بأن إيمان المقلد معتبر لمطابقته الواقع لا لجواز التقليد فإنه بالتقليد آثم. وقال العنبرى بجوازه وطائفة بوجوبه وإن البحث والنظر فيه حرامان. لنا أن معرفة الله تعالى واحبة إجماعًا ويمتنع بالتقليد لوجوه ثلاثة: 1 - جواز الكذب على المخبر. 2 - اجتماع النقيضين في الحقية إذا قلد اثنان لاثنين في النقيضين. ولم نقل إذا قلنا واحد لاثنين لئلا يردان تقليدًا أحدهما مانع من تقليد الآخر عادة كما يمتنع تواتر أحد النقيضين من تواتر الآخر. لا يقال إنما يلزم حقيتها لو كان كل مقلد حقا. لأنا نقول مقدم الشرطية إفادة التقليد اليقين فإذا جاز عدم إفادته فإنما يعلم إفادته بالنظر فيه لا بمجرد التقليد. 3 - أنه إنما يفيد اليقين لو تيقن بجميع مقدماته ومن جملتها صدق المخبر فالعلم به إن كان ضروريا لم يحتج إلى تقليده وإن كان نظريا فالمفيد لليقين ليس مجرد التقليد بل هو مع الاستدلال. للمجوز أولًا لو وجب النظر لما نهى عنه وقد نهى الصحابة رضي الله عنهم عن

الكلام في القدر في قوله تعالى: {مَا يُجَادلُ فِي آَيَاتِ اللهِ} [غافر: 4] قلنا المنهي عنه الجدال بالباطل لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وقد مر. وثانيًا لوجب على الصحابة رضي الله عنهم ولنقل نظرهم كما نقل في الفروع. قلنا نظروا وإلا لزمهم الجهل باللهِ تعالى وبصفاته وأنه باطل إجماعًا ولكن لم ينقل لوضوح الأمر عندهم بمشاهدة الوحي وصفاء الأذهان بخلاف الاجتهاديات التي لخفائها يتعارض فيها الإمارات. وثالثًا: لألزم الصحابة رضي الله عنهم العوام به وليس فإن الأعرابي الجلف والأمة الخرساء يحكم بإسلامهما بمجرد الكلمتين. قلنا ليس المراد تحرير الأدلة والجواب عن الشبهة بل الدليل الجملي الذي يحصل بأيسر نظر ويوجب الطمأنينة كاف وكان ذلك فيهم كما قال الأعرابى البعرة تدل على البعير وآثار القدم تدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا يدلان على السميع الخبير. لموجبه أن النظر مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف القرائح والأنظار بخلاف التقليد فيجب احتياطًا. قلنا بعد النقض بدليله فإنه نظر في أمر عقلي يحرم النظر بذلك على المقلد أيضًا فإن نظر ارتكب الحرام وإن قلد لزم التسلسل إن أمكن محض التقليد ولا يمكن لوجوب النظر في صدق كل مخبر وبهذا يندفع منع لزومه باحتمال انتهائه إلى صاحب الوحي المؤيد من عند الله سبحانه وتعالى. والحمد لوليه والصلاة والسلام على نبيه والسلام على الدوام.

§1/1