فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

محمد بن قاسم الغزي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة قال الشيخُ الإمامُ العالم العلاَّمة، شمسُ الدين أبو عبد الله، محمد بن قاسم الشافعي - تغَمَّده الله برحمته ورضوانه، آمين: الحمد لِلّهِ تبرُّكا بفاتحة الكتاب، لأنها ابتداء كل أمر ذي بالٍ، وخاتمة كل دعاء مُجاب، وآخر دعوى المؤمنين في الجنة، دار الثواب؛ أحمده أن وَفَّقَ مَنْ أراد مِن عباده للتَّفَقُّه في الدين على وَفْق مُراده. وأصلي وأسلم على أفضل خلقه محمد سيد المرسلين، القائل: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»؛ وعلى آله وصحبه مُدةَ ذِكرِ الذاكِرين وسَهو الغافلين. وبعد؛ هذا كتاب في غاية الاختصار والتهذيب، وضعتُه على الكتاب المسمى بـ «التقريب» لينتفع به المحتاج من المبتدئين لفروع الشريعة والدين، وليكون وسيلةً لنجاتي يومَ الدين، ونفعًا لعباده المسلمين؛ إنه سميع دعاء عباده، وقريب مجيب، ومن قصده لا يخيب. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. واعلم أنه يوجد في بعض نُسَخ هذا الكتاب في غير خطبته تسميته تارة بـ «التقريب»، وتارة بـ «غاية الاختصار»؛ فلذلك سميته باسمين: أحدهما «فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب»، والثاني «القول المختار في شرح غاية الاختصار».

قال الشيخ الإمام أبو الطيب، ويشتهر أيضا بأبي شُجاع شهاب الملة والدين، أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني - سقى الله ثراه صبيب الرحمة والرضوان، وأسكنه أعلى فراديس الجنان: (بسم الله الرحمن الرحيم) أبتدئ كتابي هذا. واللهُ اسمُ الذات الواجب الوجود، والرحمن أبلغ من الرحيم. (الحمد لله) هو الثناء على الله تعالى بالجميل على جهة التعظيم، (ربِّ) أي مالك (العَالَمين) بفتح اللام، وهو كما قال ابن مالك: اسمُ جَمْع خاص بمن يعقل، لا جمعٌ ومفردُه عالَمٌ بفتح اللام، لأنه اسم عام لما سوى الله، والجمع خاصٌّ بمن يعقل. (وصلَّى الله) وسلَّم (على سيدنا محمد النبي) هو - بالهمز وتركه: إنسان

أوحي إليه بشرع يعمل به وإن لم يُؤمَر بتبليغه؛ فإن أُمر بتبليغه فنبيٌّ ورسول أيضا. والمعنى ينشئ الصلاة والسلام عليه. ومحمَّدٌ عَلَم منقول من اسم مفعول المضعف العين، والنبيُّ بدل منه أو عطف بيان عليه. (و) على (آله الطاهرين) هم كما قال الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب. وقيل - واختاره النووي: أنهم كل مسلم. ولعل قوله: «الطاهرين» منتزع من قوله تعالى: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، (و) على (صحابته)، جمع صاحب النبي. وقوله (أجمعين) تأكيد لصحابته. ثم ذكر المصنف أنه مسؤول في تصنيف هذا المختصر بقوله: (سألني بعضُ الأصدقاء)، جمع صديق. وقوله: (حفظهم الله تعالى) جملة دعائية،

(أن أعملَ مختصرا)، هو ما قل لفظه وكثر معناه (في الفقه)، هو لغةً الفهمُ، واصطلاحًا العلمُ بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، (على مذهب الإمام) الأعظم المجتهد، ناصر السنة والدين، أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس ابن عثمان بن شافع (الشافعي) وُلد بغزة سنة خمسين ومائة، ومات - (رحمة الله تعالى عليه ورضوانه) - يومَ الجُمُعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين. ووصف المصنف مختصره بأوصاف، منها أنه (في غاية الاختصار ونهاية الإيجاز). والغاية والنهاية متقاربان، وكذا الاختصار والإيجاز؛ ومنها أنه (يقرب على المتعلم) لفروع الفقه (درسه، ويسهل على المبتدئ حفظه) أي استحضاره على ظهر قلب لمن يرغب في حفظ مختصر في الفقه. (و) سألني أيضا بعض الأصدقاء (أن أكثر فيه) أي المختصر (من التقسيمات) للأحكام الفقهية. (و) من (حصر) أي ضبط (الخصال) الواجبة

والمندوبة وغيرهما؛ (فأجبته إلى) سؤاله في (ذلك طالبا للثواب) من الله جزاءً على تصنيف هذا المختصر، (راغبا إلى الله سبحانه وتعالى) في الإعانة من فضله على تمام هذا المختصر و (في التوفيق للصواب) وهو ضد الخطأ، (إنه) تعالى (على ما يشاء) يريد (قدير) أي قادر، (وبعباده لطيف خبير) بأحوال عباده. والأول مقتبس من قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]، والثاني من قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]. واللطيف والخبير اسمان من أسمائه تعالى. ومعنى الأول العالِمُ بدقائق الأمور ومشكلاتها؛ ويطلق أيضا بمعنى الرفيق بهم؛ فالله تعالى عالم بعباده وبمواضع حوائجهم، رفيق بهم. ومعنى الثاني قريب من معنى الأول؛ ويقال: خَبَرتُ الشيء أخبر، فأنا به خبير، أي عليم. قال المصنف رحمه الله تعالى:

كتاب أحكام الطهارة

كتاب أحكام الطهارة والكتاب لغةً مصدرٌ بمعنى الضَمِّ والجَمْع، واصطلاحًا اسمٌ لجنس من الأحكام. أما الباب فاسم لنوع مما دخل تحت ذلك الجنس. والطَّهارة بفتح الطاء لغةً النظافةُ، وأما شرعًا ففيها تفاسير كثيرةٌ؛ منها قولهم: فعل ما تستباح به الصلاةُ، أي من وضوء وغسل وتيمم وإزالة نجاسة. أما الطُّهَارَة بالضم، فاسم لبقية الماء. • أنواع المياه ولما كان الماء آلةً للطهارة استطرد المصنفُ لأنواع المياه، فقال: (المياهُ التي يجوز) أي يصحُّ (التطهير بها سبعُ مِياه: ماءُ السماءِ) أي النازل منها، وهو المطر

• أقسام المياه

(وماء البحر) أي الملح، (وماءُ النهر) أي الحلو (وماء البئر، وماء العين، وماء الثلج، وماء البرد). ويجمع هذه السبعة قولك: ما نزل من السماء أو نبع من الأرض على أي صفة كان من أصل الخِلْقَة. • أقسام المياه (ثم المياه) تنقسم (على أربعة أقسام): أحدها (طاهر) في نفسه (مُطَهِّر) لغيره (غير مكروهٍ استعمالُه، وهو الماء المطلق) عن قيد لازم؛ فلا يضر القيد المنفك كماء البئر في كونه مطلقا. (و) الثاني (طاهر) في نفسه (مطهر) لغيره (مكروه استعماله) في البدن، لا في الثوب؛ (وهو الماء المشمس) أي المسخن بتأثير الشمس فيه.

وإنما يكره شرعًا بقُطْر حارٍّ في إناء منطَبَع إلاَّ إناء النقدين لصَفاء جوهرهما. وإذا برد زالت الكراهة. واختار النووي عدم الكراهة مطلقا. ويُكره أيضا شديد السخونة والبرودة. (و) القسم الثالث (طاهر) في نفسه (غير مطهر لغيره، وهو الماء المُستعمَل) في رفع حدث أو إزالة نجس إن لم يتغير ولم يزد وزنُه بعد انفصاله عما كان بعد اعتبار ما يتشربه المغسول من الماء؛ (والمتغير) أي ومن هذا القسم الماءُ المتغير أحدُ أوصافه (بما) أي بشيء (خالطه من الطاهرات) تغيُّرًا يمنع إطلاق اسم الماء عليه؛ فإنه طاهر غير طهور، حسيا كان التغير أو تقديريا؛ كأن اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته، كماء الورد المنقطع الرائحة والماء المستعمل؛ فإن لم يمنع اطلاق اسم الماء عليه، بأن كان تغيّره بالطاهر يسيرا أو بما يوافق الماء في صفاته، وقدر مخالفا ولم يغيره فلا يسلب طهوريته؛ فهو مطهر لغيره. واحترز بقوله: «خالطه» عن الطاهر المجاورُ له؛ فإنه باق على طهوريته ولو كان التغير كثيرا؛ وكذا المتغير بمخالط لا يستغني الماء عنه، كطين وطُحْلَب وما في مقرِّه وممره، والمتغير بطول المكث، فإنه طهور. (و) القسم الرابع (ماء نجس) أي متنجس، وهو قسمان:

أحدهما (وهو الذي حلَّت فيه نجاسةٌ) تغير أم لا، (وهو) أي والحال أنه ماء (دون القلتين). ويستثنى من هذا القسم الميتة التي لا دمَ لها سائل عند قتلها أو شقّ عضو منها كالذُباب، إن لم تطرح فيه ولم تغيره؛ وكذا النجاسة التي لا يدركها الطرفُ؛ فكل منهما لا ينجس الماء. ويستثنى أيضا صور مذكورات في المبسوطات. وأشار للقسم الثاني من القسم الرابع بقوله: (أو كان) كثيرا (قلتين) فأكثر (فتغير) يسيرا أو كثيرا. (والقلتان خمسمائة رطل بغدادي تقريبا في الأصح) فيهما. والرطل البغدادي عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. وترك المصنف قسما خامسا، وهو الماء المطهر الحرام، كالوضوء بماء مغصوب أو مسبل للشرب.

• تطهير جلود الميتة

• تطهير جلود الميتة {فصل} في ذكر شيء من الأعيان المتنجسة وما يطهر منها بالذباغ وما لا يطهر. (وجلود الميتة) كلها (تطهُر بالدباغ) سواء في ذلك ميتة مأكول اللحم وغيره. وكيفية الذبغ أن ينزع فضول الجلد مما يُعَفِّنه من دم ونحوه، بشيء حِرِّيف كعفص، ولو كان الحريف نجسًا كذرق حمام كفى في الدبغ (إلا جلدَ الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما) مع حيوان طاهر، فلا يطهر بالدباغ. (وعظمُ الميتةِ وشعرُها نجسٌ) وكذا الميتة أيضا نجسة. وأريد بها الزائلة الحياة بغير ذكاة شرعية؛ فلا يستثنى حينئذ جنين المُذَكَّاة إذا خرج من بطن أمه ميتًا، لأن ذكاته في ذكاة أمه، وكذا غيره من المستثنيات المذكورة في المبسوطات. ثم استثنى من شعر الميتة قوله: (إلا الآدمي) أي فإن شعره طاهر كمَيتَتِه.

• استعمال الأواني

• استعمال الأواني {فصل} في بيان ما يحرم استعماله من الأواني وما يجوز. وبدأ بالأول فقال: (ولا يجوز) في غير ضرورة لرجل أو امرأة (استعمال) شيء من (أواني الذهب والفضة)، لا في أكل ولا في شرب ولا غيرهما؛ وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه من غير استعمال في الأصح. ويحرم أيضا الإناء المَطْلِيّ بذهب أو فضة إن حصل من الطِلاَء شيءٌ بعرضه على النار. (ويجوز استعمال) إناء (غيرهما) أي غير الذهب والفضة (من الأواني) النفيسة، كإناء ياقوت. ويحرم الإناء المضبب بضبة فضة كبيرة عرفًا لزينة؛ فإن كانت كبيرة لحاجة جاز مع الكراهة، أو صغيرة عرفا لزينة كرهت، أو لحاجة فلا تكره. أما ضبة الذهب فتحرم مطلقا، كما صححه النووي. • السواك {فصل} في استعمال آلة السواك. وهو من سُنَن الوضوء؛ ويطلق السواك أيضا على ما يستاك به من أراك ونحوه.

(والسواك مستحب في كل حال) ولا يكره تنزيها (إلا بعد الزوال للصائم) فرضا أو نفلا؛ وتزول الكراهة بغروب الشمس. واختار النووي عدم الكراهة مطلقا. (وهو) أي السواك (في ثلاثة مواضع أشدُّ استحبابا) من غيرها؛ أحدها: (عند تغيُّر الفم من أزم) قيل: هو سكوت طويل. وقيل: هو ترك الأكل. وإنما قال: (وغيره) ليشتمل تغيُّر الفم بغير أزم، كأكل ذي ريح كريه من ثَومٍ وبَصَل وغيرهما؛ (و) الثاني (عند القيام) أي الاستيقاظ (من النوم)؛ (و) الثالث (عند القيام إلى الصلاة)، فرضا أو نفلا. ويتأكد أيضا في غير الثلاثة المذكورة مما هو مذكور في المطولات، كقراءة القرآن، واصفرار الأسنان. ويسن أن ينوي بالسواك السنةَ؛ وأن يستاك بيمينه، ويبدأ بالجانب الأيمن من فمه، وأن يمره على سقف حلقه امرارا لطيفا، وعلى كراسي أضراسه.

• فروض الوضوء

• فروض الوضوء {فصل} في فروض الوُضوء. وهو بضم الواو - في الأشهر - اسم للفعل، وهو المراد هنا؛ وبفتح الواو اسم لما يتوضأ به. ويشتمل الأولُ على فروض وسُنَن. وذكر المصنف الفروض في قوله: (وفروض الوضوء ستة أشياء): أحدها (النية). وحقيقتها شرعا قصد الشيء مقترنا بفعله؛ فإن تراخى عنه سمي عزما. وتكون النية (عندَ غسل) أول جزء من (الوجه) أي مقترنة بذلك الجزء، لا بجميعه، ولا بما قبله، ولا بما بعده؛ فينوي المتوضئ عند غسل ما ذُكر رفعَ حدث من أحداثه، أو ينوي استباحة مفتقر إلى وضوء، أو ينوي فرض الوضوء، أو الوضوء فقط، أو الطهارة عن الحدث. فإن لم يقل عن الحدث لم يصحَّ. وإذا نوى ما يعتبر من هذه النيات وشرك معه نية تنظف أو تبرد صحّ وضوؤه. (و) الثاني (غسل) جميع (الوجه). وحَدُّه طولاً ما بين منابت شعر الرأس غالبا، وآخر اللحيين؛ وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان السفلى، يجتمع مقدمهما في الذقن، ومؤخرهما في الأذن. وحدُّه عرضا

ما بين الأذنين. وإذا كان على الوجه شعرٌ خفيف أو كثيف وجب إيصال الماء إليه مع البشرة التي تحته. وأما لحية الرجل الكثيفة بأن لم يرَ المخاطبُ بشرتَها من خلالها فيكفي غسل ظاهرها، بخلاف الخفيفة، وهي ما يرى المخاطب بشرتها، فيجب إيصال الماء لبشرتها، وبخلاف لحية امرأة وخنثى، فيجب إيصال الماء لبشرتهما ولو كثفا. ولا بد مع غسل الوجه من غسل جزء من الرأس والرقبة وما تحت الذقن. (و) الثالث (غسل اليدين إلى المِرْفَقين). فإن لم يكن له مرفقان اعتبر قدرهما. ويجب غسل ما على اليدين من شعر وسلعة وأصبع زائدة وأظافير. ويجب إزالة ما تحتها من وسخ يمنع وصول الماء. (و) الرابع (مَسْحُ بعض الرأس) مِن ذَكر أو أنثى أو خنثى؛ أو مسح بعض شعر في حد الرأس. ولا تتعيَّن اليد للمسح، بل يجوز بخرقة وغيرها. ولو غسل رأسه بدل مسحها جاز. ولو وضع يده المبلولة ولم يحركها جاز. (و) الخامس (غسل الرجلين إلى الكعبين) إن لم يكن المتوضئ لابسا للخفين؛ فإن كان لابسهما وجب عليه مسح الخفين أو غسل الرجلين. ويجب غسل ما عليهما من شعر وسلعة وأصبع زائدة كما سبق في اليدين.

• سنن الوضوء

(و) السادس (الترتيب) في الوضوء (على ما) أي على الوجه الذي (ذكرناه) في عد الفروض. فلو نسي الترتيب لم يكف. ولو غسل أربعة أعضائه دفعةً واحدة بإذنه ارتفع حدث وجهه فقط. • سنن الوضوء (وسننه) أي الوضوء (عشرة أشياء)، وفي بعض نسخ المتن: «عشر خصال»: (1 التسمية) أوَّلَه. وأقلها بسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإن ترك التسمية أوَّلَه أتى بها في أثنائه؛ فإن فرغ من الوضوء لم يأت بها. (2 وغسل الكفين) إلى الكوعين قبل المضمضة، ويغسلهما ثلاثا إن تردد في طهرهما (قبل إدخالهما الإناءَ) المشتمل على ماء دون القلتين؛ فإن لم يغسلهما كره له غمسهما في الإناء، وإن تيقن طهرهما لم يُكرَه غَمسُهما. (3 والمضمضة) بعد غسل الكفين. ويحصل أصل السنة فيها بإدخال الماء في الفم سواء أداره فيه ومجه أم لا؛ فإن أراد الأكمل مجه.

(4 والاستنشاق) بعد المضمضة. ويحصل أصل السنة فيه بإدخال الماء في الأنف، سواء جذبه بنفسه إلى خياشيمه ونثره أم لا؛ فإن أراد الأكمل نثره. والمبالغة مطلوبة في المضمضة والاستنشاق. والجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غرف يتمضمض من كل منها ثم يستنشق أفضل من الفصل بينهما. (5 ومسح جميع الرأس) وفي بعض نسخ المتن «واستيعاب الرأس بالمسح». أما مسح بعض الرأس فواجب كما سبق. ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة ونحوها كمل بالمسح عليها. (6 ومسح) جميع (الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد) أي غير بلل الرأس. والسنة في كيفية مسحهما أن يدخل مسبحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف، ويمرّ إبهاميه على ظهورهما، ثم يلصق كفيه، وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا. (7 وتخليل اللحية الكَثَّة) بمثلثة من الرجُل؛ أما لحية الرجل الخفيفة ولحية المرأة والخنثى فيجب تخليلهما.

وكيفيته أن يُدخِل الرجلُ أصابعه من أسفل اللحية. (8 وتخليل أصابع اليدين وَالرِّجلين) إن وصل الماء إليها من غير تخليل؛ فإن لم يصِل إلا به - كالأصابع الملتفة - وجب تخليلها؛ وإن لم يتأت تخليلها لالتحامها حرم فتقُها للتخليل. وكيفية تخليل اليدين بالتشبيك، والرِجلين بأن يبدأ بخنصر يده اليسرى من أسفلِ الرِّجل مبتدئا بخنصر الرِجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى. (9 وتقديم اليمنى) من يديه ورجليه (على اليسرى) منهما. أما العضوان اللذان يسهل غسلهما معا كالخدين فلا يقدم الأيمن منهما، بل يطهران دفعة واحدة. وذكر المصنف سنية تثليث العضو المغسول والممسوح في قوله: (10 والطهارة ثلاثا ثلاثا). وفي بعض النسخ «والتكرار» أي للمغسول والممسوح، (والموالاة). ويعبر عنها بالتتابع؛ وهي أن لا يحصل بين العضوين

• الاستنجاء

تفريقٌ كثير، بل يطهر العضو بعد العضو، بحيث لا يجف المغسول قبله مع اعتدال الهواء والمزاج والزمان. وإذا ثلث فالاعتبار لآخر غسلة. وإنما تندب الموالاة في غير وضوء صاحب الضرورة؛ أما هو فالموالاة واجبة في حقه. وبقي للوضوء سنن أخرى مذكورة في المطولات. • الاستنجاء {فصل} في الاستنجاء وآداب قاضي الحاجة. (والاستنجاء) - وهو «من نَجوت الشيءَ»، أي قطعته، فكأن المستنجي يقطع به الأذى عن نفسه - (واجب من) خروج (البول والغائط) بالماء أو الحجر وما في معناه من كل جامد طاهر قالع غير محترم، (و) لكن (الأفضل أن يستنجي) أوَّلا (بالأحجار ثم يُتبعَها) ثانيا (بالماء). والواجب ثلاث مسحات ولو بثلاثة أطراف حجر واحد. (ويجوز أن يقتصر) المستنجي (على الماء أو على ثلاثة أحجار يُنقي بهن المحلَّ) إن

حصل الإنقاء بها، وإلا زاد عليها حتى ينقى. ويسن بعد ذلك التثليث. (فإذا أراد الاقتصارَ على أحدهما، فالماء أفضل) لأنه يزيل عين النجاسة وأثرها. وشرط أجزاء الاستنجاء بالحجر أن لا يجفَّ الخارج النجسُ، ولا ينتقلَ عن محل خروجه، ولا يطرأ عليه نجسٌ آخر أجنبي عنه؛ فإن انتفى شرط من ذلك تعيَّن الماءُ. (ويجتنب) وجوبا قاضي الحاجة (استقبالَ القبلة) الآن وهي الكعبة، (واستدبارها في الصحراء)؛ إن لم يكن بينه وبين القبلة ساترٌ، أو كان ولم يبلغ ثلثي ذراع، أو بلغهما وبَعُد عنه أكثر من ثلاثة أذرع بذراع الآدمي - كما قاله بعضهم. والبنيان في هذا كالصحراء بالشرط المذكور إلا البناءَ المُعَدَّ لقضاء الحاجة، فلا حرمةَ فيه مطلقا. وخرج بقولنا: «الآنَ» مَا كان قِبلةً أولاً كبَيتِ المقدس؛ فاستقباله واستدباره مكروه. (ويجتنب) أدبًا قاضي الحاجة (البولَ والغائط في الماء الراكد)؛ أما الجاري فيكره في القليل منه دون الكثير، لكن الأولى اجتنابه. وبحث النووي تحريمه في القليل جاريا كان أو راكدا.

(و) يجتنب أيضا البول والغائط (تحت الشجرة المثمرة) وقت الثمر وغيره؛ (و) يجتنب ما ذكر (في الطريق) المسلوك للناس (و) في موضع (الظل) صيفًا، وفي موضع الشمس شِتاءً، (و) في (الثقب) في الأرض، وهو النازل المستدير. ولفظ الثقب ساقط في بعض نسخ المتن. (ولا يتكلم) أدبا لغير ضرورة قاضي الحاجة (على البول والغائط)؛ فإن دعت ضرورة إلى الكلام، كمن رأى حيَّةً تقصد إنسانا لم يكره الكلام حينئذ. (ولا يستقبل الشمسَ والقمر ولا يستدبرهما) أي يكره له ذلك حالَ قضاء حاجته، لكن النووي في الروضة وشرح المهذب قال: إن استدبارهما ليس بمكروه؛ وقال في شرح الوسيط: إنَّ تركَ استقبالهما واستدبارهما سواء، أي فيكون مباحا. وقال في التحقيق: إن كراهة استقبالهما لا أصل لها. وقوله: «ولا يستقبل» إلخ ساقطٌ في بعض نُسَخ المتن.

• نواقض الوضوء

• نواقض الوضوء {فصل} في نواقض الوضوء، المُسماة أيضا بأسباب الحدث. (والذي يُنقِض) أي يُبطِل (الوضوءَ سِتَّةُ أشياء): أحدها (ما خرجَ من) أحد (السبيلين)، أي القُبل والدُبر، من متوضئ حيٍّ واضح، معتادا كان الخارج كبول وغائط أو نادرا كدم وحصا، نجسًا كهذه الأمثلة أو طاهرا كدود، إلا المني الخارجَ باحتلام من متوضئ ممكن مقعده من الأرض فلا ينقض؛ والمشكل إنما ينتقض وضوؤه بالخارج من فرجيه جميعا. (و) الثاني (النوم على غير هيئة المتمكن) - وفي بعض نسخ المتن زيادة «من الأرض» - بمقعده. والأرض ليست بقيد. وخرج بـ «المتمكن» ما لو نام قاعدا غير متمكن أو نام قائما أو على قفاه ولو متمكنا. (و) الثالث (زوال العقل) أي الغلبة عليه (بسُكَر أو مرض) أو جُنون أو إغماء أو غير ذلك. (و) الرابع (لمس الرجلِ المرأةَ الأجنبيةَ) غيرَ المَحْرَم ولو ميتة. والمراد

بالرجل والمرأة ذكر وأنثى بلغا حدَّ الشهوة عرفا؛ والمراد بالمَحْرَم مَن حَرُم نكاحُها لأجل نسب أو رضاع أو مصاهرة. وقوله: (مِن غير حائل) يُخرِج ما لو كان هناك حائل فلا نقض حينئذ. (و) الخامس، وهو آخر النواقض (مس فرج الآدمي بباطن الكف) من نفسه وغيره، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، حيا أو ميتا. ولفظ الآدمي ساقط في بعض نسخ المتن، وكذا قوله: (ومس حلقة دبره) أي الآدمي ينقض (على) القول (الجديد). وعلى القديم لا ينقض مس الحلقة. والمراد بها ملتقى المنفذ؛ وبباطن الكف الراحة مع بطون الأصابع. وخرج بباطن الكف ظاهره وحِرفه ورؤوس الأصابع وما بينها، فلا نقض بذلك أي بعد التحامل اليسير.

• موجبات الغسل

• موجبات الغسل {فصل} في موجب الغسل. والغسل لغةً سَيَلاَن الماء على الشيء مطلقا، وشرعا سيلانه على جميع البدن بنية مخصوصة. (والذي يُوجِب الغسلَ سِتةُ أشياء؛ ثلاثة) منها (تشترك فيها الرجال والنساء؛ وهي: التقاء الختانين). ويعبر عن هذا الالتقاء بإيلاج حيٍّ واضح غَيَّب حَشفَة الذَكَر منه أو قدرها من مقطوعها في فرج؛ ويصير الآدمي المُولَج فيه جُنبًا بإيلاج ما ذُكر؛ أما الميت فلا يعاد غسله بإيلاج فيه. وأما الخُنثى المشكل فلا غسل عليه بإيلاج حشفته، ولا بإيلاج في قُبُله. (و) من المشترك (إنزال) أي خروج (المني) من شخص بغير إيلاج، وإن قل المني كقطرة، ولو كانت على لون الدم، ولو كان الخارج بجماع أو غيره، في يقظة أو نوم، بشهوة أو غيرها، من طريقه المعتاد أو غيره، كأن انكسر صلبه فخرج منيُّه. (و) من المشترك (الموت) إلا في الشهيد.

• فرائض الغسل

(وثلاثة تختص بها النساء؛ وهي: الحيض)، أي الدم الخارج من امرأة بلغت تسع سنين، (والنفاس) وهو الدم الخارج عقب الولادة؛ فإنه موجب للغسل قطعا، (والوِلادة) المصحوبة بالبلل موجبة للغسل قطعا. والمجردة عن البلل موجبة في الأصح. • فرائض الغسل {فصل} (وفرائض الغسل ثلاثة أشياء): أحدها (النية)، فينوي الجُنُبُ رَفعَ الجَنَابَة أو الحدث الأكبر ونحو ذلك، وتنوي الحائض والنفساء رفع حدث الحيض أو النفاس. وتكون النية مقرونة بأول الفرض، وهو أول ما يغسل من أعلى البدن أو أسفله؛ فلو نوى بعد غسل جزء وجبت إعادته. (وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه) أي المغتسل. وهذا ما رجحه الرافعي؛ وعليه فلا يكفي غسلة واحدة عن الحدث والنجاسة.

• سنن الغسل

ورجح النووي الاكتفاء بغسلة واحدة عنهما. ومحله ما إذا كانت النجاسة حُكميَّةً؛ أما إذا كانت النجاسة عينية وجب غسلتان عنهما. (وإيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة). وفي بعض النسخ بدل جميعِ «أصولِ»؛ ولا فرق بين شعر الرأس وغيره، ولا بين الخفيف منه والكثيف. والشعر المضفور إن لم يصل الماء إلى باطنه إلا بالنقض وجب نقضه. والمراد بالبشرة ظاهر الجلد؛ ويجب غسل ما ظهر من صماخي أذنيه، ومن أنف مجدع، ومن شقوق بدن؛ ويجب إيصال الماء إلى ما تحت القلفة من الأقلف، وإلى ما يبدو من فرج المرأة عند قعودها لقضاء حاجتها. ومما يجب غسله المَسرُبة، لأنها تظهر في وقت قضاء الحاجة؛ فتصير من ظاهر البدن. • سنن الغسل (وسننه) أي الغسل (خمسة أشياء: التسمية والوضوء) كاملا (قبله)، وينوي به المغتسل سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر، وإلا نوى به الأصغرَ؛

• الاغتسالات المسنونة

(وإمرار اليد على) ما وصلت إليه من (الجسد)؛ ويعبر عن هذا الإمرار بالدلك؛ (والموالاة) وسبق معناها في الوضوء؛ (وتقديم اليمنى) من شقيه (على اليسرى). وبقي من سنن الغسل أمور مذكورة في المبسوطات. منها التثليث وتخليل الشعر. • الاغتسالات المسنونة {فصل} (والاغتسالات المسنونة سبعةَ عشرَ غسلا: غسل الجمعة) لحاضرها. ووقته من الفجر الصادق، (و) غسل (العيدين) الفطر والأضحى. ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل، (والاستسقاء) أي طلب السُقْيا من الله تعالى،

(والخسوف) للقمر، (والكسوف) للشمس، (والغسل من غسل الميت) مسلما كان أو كافرا، (و) غسل (الكافر إذا أسلم) إن لم يجنب في كفره أو لم تحض الكافرة، وإلا وجب الغسل بعد الإسلام في الأصح. وقيل يسقط إذا أسلم، (والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا)، ولم يتحقق منهما إنزال؛ فإن تحقق منهما إنزال وجب الغسل على كل منهما (والغسل عند) إرادة (الإحرام)، ولا فرق في هذا الغسل بين بالغ وغيره، ولا بين مجنون وعاقل، ولا بين طاهر وحائض؛ فإن لم يجد المُحْرِم الماءَ تيمم، (و) الغسل (لدخول مكة) لمحرم بحج أو عمرة، (وللوقوف بعرفة) في تاسع ذي الحجة، (وللمبيت بمزدلفة،

• المسح على الخفين

ولرمي الجمار الثلاث) في أيام التشريق الثلاثة؛ فيغتسل لرمي كل يوم منها غسلا. أما رمي جمرة العقبة في يوم النحر فلا يغتسل له لقرب زمنه من غسل الوقوف، (و) الغسل (للطواف) الصادق بطواف قدوم وإفاضة ووداع. وبقية الأغسال المسنونة مذكورة في المطولات. • المسح على الخفين {فصل} (والمسح على الخفين جائزٌ) في الوضوء، لا في غسل فرض أو نفل، ولا في إزالة نجاسة؛ فلو أجنب ودَميت رِجْلُه فأراد المسح بدلا عن غسلِ الرِّجل لم يُجْزِ، بل لا بد من الغسل. وأشعر قوله «جائز» أن غسل الرجلين أفضل من المسح. وإنما يجوز مسح الخفين، لا أحدهما

فقط إلا أن يكون فاقد الأخرى. (بثلاثة شرائط: أن يبتدئ) أي الشخص (لبسهما بعد كمال الطهارة)؛ فلو غسل رِجلاً وألبسها خفها ثم فعل بالأخرى كذلك لم يكفِ. ولو ابتدأ لبسهما بعد كمال الطهارة ثم أحدث قبل وصول الرِّجْل قدمَ الخف لم يُجْزِ المسح. (وأن يكونا) أي الخفان (ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين) بكعبيهما؛ فلو كانا دون الكعبين كالمداس لم يكفِ المسح عليهما. والمراد بالساتر هنا الحائل، لا مانع الرؤية، وأن يكون الستر من أسفل ومن جوانب الخفين، لا من أعلاهما؛ (وأن يكونا مما يمكن تتابع المشي عليهما) لتردد مسافر في حوائجه من حط وترحال. ويؤخذ من كلام المصنف كونهما قويين بحيث يمنعان نفوذ الماء. ويشترط أيضا طهارتهما؛ ولو لبس خفًّا فوق خف لشدة البرد مثلا؛ فإن كان الأعلى صالحا للمسح دون الأسفل صح المسح على الأعلى؛ وإن كان الأسفل صالحا للمسح دون الأعلى فمسح الأسفل صح أو الأعلى فوصل البلل للأسفل صحَّ إن قصد الأسفل أو قصدهما معا، لا إن

• مدة المسح

قصد الأعلى فقط؛ وإن لم يقصد واحدا منهما، بل قصد المسح في الجملة أجزأ في الأصح. • مدة المسح (ويمسح المقيمُ يوما وليلة، و) يمسح (المسافرُ ثلاثة أيام بلياليهن) المتصلة بها، سواء تقدمت أو تأخرت. (وابتداء المدة) تحسب (من حين يحدث) أي من انقضاء الحدث الكائن (بعد) تمام (لبس الخفين)، لا من ابتداء الحدث، ولا من وقت المسح، ولا من ابتداء اللبس. والعاصي بالسفر والهائم يمسحان مسح مقيم. ودائم الحدث إذا أحدث بعد لبس الخف حدثًا آخر مع حدثه الدائم قبل أن يصلي به فرضا يمسح ويستبيح ما كان يستبيحه. لو بقي طهره الذي لبس عليه خفيه، وهو فرض ونوافل؛ فلو صلى بطهره فرضا قبل أن يحدث مسح واستباح النوافل فقط. (فإن مسح) الشخص (في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام) قبل مضي يوم وليلة (أتم مسح مقيم). والواجب في مسح الخف ما يُطلَق عليه اسم المسح إذا كان على ظاهر الخف. ولا يجزئ المسح على باطنه، ولا على عقب الخف،

• مبطلات المسح

ولا على حِرفه، ولا على أسفله. والسنة في مسحه أن يكون خطوطا، بأن يفرج الماسح بين أصابعه ولا يضمها. • مبطلات المسح (ويبطل المسح) على الخفين (بثلاثة أشياء: بخلعهما) أو خلع أحدهما أو انخلاعه أو خروج الخف عن صلاحية المسح كتخرُّقه، (وانقضاء المدة)؛ وفي بعض النسخ «مدة المسح» من يوم وليلة لمقيم، وثلاثة أيام بليالها لمسافر، (و) بعروض (ما يوجب الغسل)، كجنابة أو حيض أو نفاس للابس الخف. • شروط التيمم {فصل} في التيمم. وفي بعض نسخ المتن تقديم هذا الفصل على الذي قبله.

والتيمم لغةً القصدُ، وشرعًا إيصالُ تراب طهور للوجه واليدين بدلا عن وضوءٍ أو غسلٍ أو غسلِ عضوٍ بشرائطَ مخصوصة. (وشرائط التيمم خمسة أشياء): وفي بعض نسخ المتن «خمس خصال»: أحدها (وجود العذر بسفر أو مرض، و) الثاني (دخولُ وقت الصلاة)؛ فلا يصح التيمم لها قبل دخول وقتها. (و) الثالث (طلب الماء) بعد دخول الوقت، بنفسه أو بمن أذن له في طلبه؛ فيطلب الماء من رحله ورُفقته، فإن كان منفردا نظر حواليه من الجهات الأربع إن كان بمستو من الأرض؛ فإن كان فيها ارتفاع وانخفاض تردد قدر نظره. (و) الرابع (تعذر استعماله) أي الماء، بأن يخاف من استعمال الماء على ذهاب نفس أو منفعة عضو. ويدخل في العذر ما لو كان بقُربه ماءٌ وخاف لو قصده على نفسه مِنْ سَبُع أو عدو، أو على ماله من سارق أو غاصب.

• فرائض التيمم

ويوجد في بعض نسخ المتن في هذا الشرط زيادة بعد تعذر استعماله، وهي (وإعوازه بعد الطلب، و) الخامس (التراب الطاهر) أي الطهور غير المندي. ويصدق الطاهر بالمغصوب وتراب مقبرة لم تنبش. ويوجد في بعض نسخ المتن زيادة في هذا الشرط، وهي (الذي له غبار. فإن خالطه جص أو رمل لم يُجْزِ). وهذا موافق لما قاله النووي في شرح المهذب والتصحيح، لكنه في الروضة والفتاوى جَوَّز ذلك، ويصح التيمم أيضا برمل فيه غبار. وخرج بقول المصنف «التراب» غيرُه، كنورة وسحاقة خزف. وخرج بـ «الطاهر» النجس. وأما التراب المستعمل فلا يصح التيمم به. • فرائض التيمم (وفرائضه أربعة أشياء): أحدها (النية)، وفي بعض نسخ المتن «أربع خصال: نية الفرض»؛ فإن نوى المتيممُ الفرضَ والنفل استباحهما أو الفرض فقط

• سنن التيمم

استباح معه النفل وصلاة الجنازة أيضا، أوالنفل فقط لم يستبح معه الفرض؛ وكذا لو نوى الصلاة. ويجب قرن نية التيمم بنقل التراب للوجه واليدين، واستدامة هذه النية إلى مسح شيء من الوجه. ولو أحدث بعد نقل التراب لم يمسح بذلك التراب بل ينقل غيره. (و) الثاني والثالث (مسح الوجه، ومسح اليدين مع المرفقين) وفي بعض نسخ المتن «إلى المرفقين»؛ ويكون مسحهما بضربتين. ولو وضع يده على تراب ناعم فعلق بها تراب من غير ضرب كفى. (و) الرابع (الترتيب) فيجب تقديمُ مسح الوجه على مسح اليدين، سواء تيمم عن حدث أصغر أو أكبر؛ ولو ترك الترتيب لم يصِحَّ. وأما أخذ التُراب للوجه واليدين فلا يشترط فيه ترتيب. فلو ضرب بيديه دفعة على تراب ومسح بيمينه وجهَه وبيَساره يَمينَه جاز. • سنن التيمم (وسننه) أي التيمم (ثلاثة أشياء) وفي بعض نسخ المتن «ثلاث خصال»: (التسمية، وتقديم اليمنى) من اليدين (على اليسرى) منهما، وتقديم أعلى الوجه على أسفله

• مبطلات التيمم

(والموالاة) وسبق معناها في الوضوء، وبقي للتيمم سنن أخرى مذكورة في المطولات، منها: نزع المتيمم خاتمه في الضربة الأولى، أما الثانية فيجب نزع الخاتم فيها. • مبطلات التيمم (والذي يبطل التيمم ثلاثة أشياء): أحدها كل (ما أبطل الوضوء)، وسبق بيانه في أسباب الحدث؛ فمتى كان متيمما ثم أحدث بطل تيممه. (و) الثاني (رُؤية الماء) وفي بعض النسخ «وجود الماء» (في غير وقت الصلاة)؛ فمن تيمم لفقد الماء ثم رأى الماء أو توهمه قبل دخوله في الصلاة بطل تيممه؛ فإن رآه بعد دخول فيها وكانت الصلاة مما لا يسقط فرضها بالتيمم كصلاة مقيم بطلت في الحال، أو مما يسقط فرضها بالتيمم كصلاة مسافر فلا تبطل، فرضا كانت الصلاة أو نفلا؛ وإن كان تيمم الشخص لمرض ونحوه ثم رأى الماء فلا أثر لرؤيته، بل تيممه باق بحاله. (و) الثالث (الرِّدَّة) وهي قطع الإسلام. وإذا امتنع شرعا استعمال الماء في عضو، فإن لم يكن عليه ساتر

• المسح على الجبيرة

وجب عليه التيمم وغسل الصحيح، ولا ترتيب بينهما للجنب. أما المحدث فإنما يتيمم وقتَ دخول غسل العضو العليل؛ فإن كان على العضو ساتر فحكمه مذكور في قول المصنف: • المسح على الجبيرة (وصاحب الجَبائر) - جمع جبيرة بفتح الجيم، وهي أخشاب أو قصب تسوى وتشد على موضع الكسر ليلتحم - (يمسح عليها) بالماء إن لم يمكنه نزعها لخوف ضرر مما سبق، (ويتيمم) صاحب الجبائر في وجهه ويديه كما سبق (ويصلي ولا إعادة عليه إن كان وضعها) أي الجبائر (على طهر) وكانت في غير أعضاء التيمم، وإلا أعاد. وهذا ما قاله النووي في الروضة، لكنه قال في المجموع: إن إطلاق الجمهور يقتضي عدم الفرق، أي بين أعضاء التيمم وغيرها. ويشترط في الجبيرة أن لا تأخذ من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك واللَصُوق والعِصَابَة والمَرْهَم ونحوها على الجرح كالجبيرة. (ويتيمم لكل فريضة) ومنذورة؛ فلا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد، ولا بين طوافين ولا بين صلاة وطواف، ولا بين جمعة وخطبتيها.

• بيان النجاسات وإزالتها

وللمرأة إذا تيممت لتمكين الحليل أن تفعله مرارا، وتجمع بينه وبين الصلاة بذلك التيمم. وقوله: (ويصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل) ساقط من بعض نسخ المتن. • بيان النجاسات وإزالتها {فصل} في بيان النجاسات وإزالتها. وهذا الفصل مذكور في بعض النسخ قبيل كتاب الصلاة. والنجاسة لغةً الشيء المستقذر، وشرعًا كل عين حرُم تناولها على الإطلاق حالة الاختيار مع سهولة التمييز، لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن أو عقل. ودخل في الإطلاق قليل النجاسة وكثيرها. وخرج بـ «الاختيار» الضرورةُ؛ فإنها تبيح تناول النجاسة، وبـ «سهولة التمييز» أكلُ الدودِ الميت في جُبن أو فاكهة ونحو ذلك. وخرج

بقوله: «لا لحرمتها» ميتة ُالأدمي، وبـ «عدم الاستقذار» المنيُّ ونحوه، وبـ «نفي الضرر» الحجرُ والنبات المُضِر ببدن أو عقل. ثم ذكر المصنف ضابطا للنجس الخارج من القُبل والدبر بقوله: (وكل مائع خرج من السبيلين نجسٌ) هو صادق بالخارج المعتاد كالبول والغائط، وبالنادر كالدم والقيح، (إلا المني) من آدمي أو حيوان غير كلب وخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما مع حيوان طاهر. وخرج بـ «مائع» الدودُ وكل متصلب لا تحيله المعدة فليس بنجس، بل متنجس يطهر بالغسل. وفي بعض النسخ «وكل ما يخرج»، بلفظ المضارع وإسقاط مائع. (وغسل جميع الأبوال والأرواث) ولو كان من مأكول اللحم (واجب). وكيفية غسل النجاسة إن كانت مشاهدة بالعين، وهي المسماة بالعينية تكون بزوال عينها ومُحاولة زوال أوصافها من طَعْم أو لون أو ريح؛ فإن بقي طَعمُ النجاسة ضرَّ، أو لونٌ أو ريحٌ عسُر زوالُه لم يضر. وإن كانت النجاسة غير مشاهدة وهي المسماة بالحُكمية فيكفي جَرْي الماء على المتنجس بها ولو مرة واحدة.

ثم استثنى المصنف من الأبوال قوله: (إلا بول الصبي الذي لم يأكل الطعام)، أي لم يتناول مأكولا ولا مشروبا على جهة التغذى، (فإنه) أي البول (يطهر برَشِّ الماء عليه). ولا يشترط في الرَشِّ سَيَلانُ الماء. فإن أكل الصبي الطعام على جهة التغذى غسل بوله قطعا. وخرج بـ «الصبي» الصبية والخنثى، فيغسل من بولهما. ويشترط في غسل المتنجس ورودُ الماء عليه إن كان قليلا، فإن عكس لم يطهر. أما الماء الكثير فلا فرق بين كون المتنجس واردا أو مورودا. (ولا يعفى عن شيء من النجاسات إلا اليسير من الدم والقيح)؛ فيعفى عنهما في ثوب أو بدن، وتصح الصلاة معهما، (و) إلاَّ (ما) شيء (لا نفس له سائلة) كذُباب ونمل (إذا وقع في الإناء ومات فيه، فإنه لا ينجسه).

وفي بعض النسخ «إذا مات في الإناء». وأفهم قوله «وقع» أي بنفسه، أنه لو طرح ما لا نفس له سائلة في المائع ضرَّ، وهو ما جزم به الرافعي في الشرح الصغير، ولم يتعرض لهذه المسألة في الكبير. وإذا كثرت ميتة ما لا نفس له سائلة وغيّرت ما وقعت فيه نجسته؛ وإذا نشأت هذه الميتة من المائع كدود خَلّ وفاكهة لم تنجسه قطعا. ويستثنى مع ما ذكر هنا مسائل مذكورة في المبسوطات سبق بعضها في كتاب الطهارة. (والحيوان كله طاهر إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما)، أي مع حيوان طاهر. وعبارته تصدق بطهارة الدود المتولد من النجاسة، وهو كذلك. (والميتة كلها نجسة إلا السمك والجراد والآدمي). وفي بعض النسخ «ابن آدم» أي ميتة كل منها، فإنها طاهرة.

• تطهير الإناء

• تطهير الإناء (ويُغسل الإناءُ من وُلوغ الكلب والخنزير سبعَ مرات) بماء طهور، (إحداهن) مصحوبة (بالتراب) الطهور يعم المحل المتنجس؛ فإن كان المتنجس بما ذكر في ماء جار كدِر كفى مرور سبع جريات عليه بلا تعفير. وإذا لم تزل عينُ النجاسة الكلبية إلا بست غسلات مثلا حسبت كلها غسلة واحدة. والأرض الترابية لا يجب التراب فيها على الأصح. (ويغسل من سائر) أي باقي (النجاسات مرة واحِدة) وفي بعض النسخ «مرة» (تأتي عليه؛ والثلاث) وفي بعض النسخ «والثلاثة» بالتاء (أفضل). واعلم أن غسالة النجاسة بعد طهارة المحل المغسول طاهرة إن انفصلت غير متغيرة ولم يزد وزنها بعد انفصالها عما كان بعد اعتبار مقدار ما يتشربه المغسول من الماء. هذا إن لم يبلغ قلتين؛ فإن بلغهما فالشرط عدم التغير. • تخلل الخمر ولما فرغ المصنف مما يطهر بالغسل شرَع فيما يطهر بالاستحالة، وهي انقلاب الشيء من صفة إلى صفة أخرى؛ فقال: (وإذا تخللت

• الحيض والنفاس والاستحاضة

الخمرة)؛ وهي المُتخَذة من ماء العنب، محترمةً كانت الخمرة أم لا. ومعنى تخللت صارت خلاًّ، وكانت صيرورتها خلا (بنفسها طهرت). وكذا لو تخللت بنقلها من شمس إلى ظل وعكسه، (وإن) لم تتخلل الخمرة بنفسها بل (تخللت بطرح شيء فيها لم تطهر). وإذا طهرت الحمرة طهر دَنُّها تبعا لها. • الحيض والنفاس والاستحاضة {فصل} في بيان أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة. (ويخرج من الفرج ثلاثة دماء: دم الحيض، والنفاس، والاستحاضة؛ فالحيض هو) الدم (الخارج) في سن الحيض، وهو تسع سنين فأكثر (من فرج المرأة على سبيل الصحة)، أي لا لعلة، بل للجبلة (من غير سبب الولادة).

وقوله: (ولونه أسود محتدم لذاع) ليس في أكثر نسخ المتن. وفي الصحاح: احتدم الدم اشتدت حمرته حتى اسود. ولذعته النار حتى أحرقته. (والنفاس هو) الدم (الخارج عقِب الولادة)؛ فالخارج مع الولد أو قبله لا يسمى نفاسا. وزيادة الياء في «عقيب» لغة قليلة؛ والأكثر حذفها. (والاستحاضة) أي دمها (هو الدم الخارج في غير أيام الحيض والنفاس)، لا على سبيل الصحة. (وأقل الحيض) زمنا (يوم وليلة)، أي مقدار ذلك، وهو أربعة وعشرون ساعة على الاتصال المعتاد في الحيض. (وأكثره خمسة عشر يوما) بليالها، فإن زاد عليها فهو استحاضة. (وغالبه ست أو سبع). والمعتمد في ذلك الاستقراءُ.

(وأقل النفاس لحظة)، وأريد بها زمن يسير. وابتداء النفاس من انفصال الولد. (وأكثره ستون يوما، وغالبه أربعون يوما). والمعتمد في ذلك الاستقراء أيضا. (وأقل الطهر) الفاصل (بين الحيضتين خمسةَ عشرَ يوما). واحتَرز المصنفُ بقوله: «بين الحيضتين» عن الفاصل بين حيض ونفاس؛ إذا قلنا بالأصح إن الحامل تحيض، فإنه يجوز أن يكون دون خمسة عشر يوما. (ولا حَدَّ لأكثره) أي الطهر. فقد تمكث المرأة دهرها بلا حيض. أما غالب الطهر فيعتبر بغالب الحيض؛ فإن كان الحيض ستا فالطهر أربع وعشرون يوما، أو كان الحيض سبعا فالطهر ثلاثة وعشرون يوما. (وأقل زمن تحيض فيه المرأة)؛ وفي بعض النسخ «الجارية» (تسع

• ما يحرم بالحيض والنفاس

سنين) قمرية؛ فلو رأته قبل تمام التسع بزمن يضيق عن حيض وطهر فهو حيض، وإلا فلا. (وأقل الحمل) زمنا (ستة أشهر) ولحظتان، (وأكثره) زمنا (أربع سنين، وغالبه) زمنا (تسعة أشهر). والمعتمد في ذلك الوجود. • ما يحرم بالحيض والنفاس (ويحرم بالحيض والنفاس) وفي بعض النسخ «ويحرم على الحيض» (ثمانية أشياء)، أحدها: (الصلاة)، فرضا أو نفلا؛ وكذا سجدة التلاوة والشكر. (و) الثاني (الصوم)، فرضا أو نفلا؛ (و) الثالث (قراءة القرآن، و) الرابع (مس المصحف) وهو اسم للمكتوب من كلام الله تعالى بين الدفتين (وحمله) إلاّ إذا خافت عليه؛

• ما يحرم على الجنب

(و) الخامس (دخول المسجد) للحائض إن خافت تلويثه؛ (و) السادس (الطواف) فرضا أو نفلا؛ (و) السابع (الوطء). ويسن لمن وطئ في إقبال الدم التصدق بدينار، ولمن وطئ في إدباره التصدق بنصف دينار. (و) الثامن (الاستمتاع بما بين السرة والركبة) من المرأة؛ فلا يحرم الاستمتاع بهما، ولا بما فوقهما على المختار في شرح المهذب. ثم استطرد المصنف لذكر ما حقه أن يذكر فيما سبق في فصل موجب الغسل، فقال: • ما يحرم على الجنب (ويحرم على الجنب خمسة أشياء): أحدها (الصلاة)، فرضا أو نفلا. (و) الثاني (قراءة القرآن) أي غير منسوخ التلاوة، آية كان أو حرفا، سرًّا أو جهرا. وخرج بالقرآن التوراة والإنجيل. أما أذكار القرآن فتحلُّ لا بقصد قرآن.

• ما يحرم على المحدث

(و) الثالث (مس المصحف وحمله) من باب أولى. (و) الرابع (الطواف) فرضا أو نفلا. (و) الخامس (اللبث في المسجد) لجنب مسلم، إلا لضرورة كمن احتلم في المسجد وتعذر عليه خروجه منه لخوف على نفسه أو ماله. أما عبور المسجد مارّا به من غير مكث فلا يحرم، بل ولا يكره في الأصح. وتردد الجنب في المسجد بمنزلة اللبث. وخرج بالمسجد المدارس والربط. ثم استطرد المصنف أيضا من أحكام الحدث الأكبر إلى أحكام الحدث الأصغر، فقال: • ما يحرم على المحدث (ويحرم على المحدث) حدثا أصغر (ثلاثة أشياء: الصلاة، والطواف، ومس المصحف وحمله)، وكذا خريطة وصندوق فيهما مصحف. ويحل حمله في أمتعة وفي تفسير أكثر من القرآن، وفي دنانير ودراهم وخواتم نقش على كل منها قرآن. ولا يمنع المميز المحدث مِن مَسِّ مصحف ولوح لدراسة وتعلُّم قرآن.

كتاب أحكام الصلاة

كتاب أحكام الصلاة وهي لغةً الدعاءُ، وشرعا - كما قال الرافعي: أقوالٌ وأفعال مُفتَتحَةٌ بالتكبير، مختتمةٌ بالتسليم بشَرائطَ مخصوصةٍ. • الصلوات المفروضات (الصلاة المفروضة) وفي بعض النسخ «الصلوات المفروضات» (خمس) يجب كل منها بأول الوقت وجوبا موسعا إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها، فضيق حينئذ: (الظهر) أي صلاته. قال النووي: سميت بذلك لأنها ظاهرة وسط النهار. (وأول وقتها زوال) أي ميل (الشمس) عن وسط السماء، لا بالنظر لنفس الأمر بل لما يظهر لنا. ويعرف ذلك الميل بتحول الظل إلى جهة المشرق بعد تناهي قصره الذي هو غاية ارتفاع الشمس؛ (وآخره) أي وقت الظهر (إذا صار ظل كل شيء مثلَه

بعد) أي غير (ظل الزوال). والظلُّ لغةً الستر، تقول: أنا في ظل فلان، أي ستره. وليس الظل عدم الشمس، كما قد يتوهم، بل هو أمر وجودي يخلقه الله تعالى لنفع البدن وغيره. (والعصر) أي صلاتها، وسميت بذلك لمعاصرتها وقتَ الغروب. (وأول وقتها الزيادة على ظل المثل). وللعصر خمسة أوقات، أحدها وقت الفضيلة، وهو فعلها أولَ الوقت؛ والثاني وقت الاختيار، وأشار له بقوله: (وآخره في الاختيار إلى ظل المثلين)، والثالث وقت الجواز، وأشار له بقوله: (وفي الجواز إلى غروب الشمس)؛ والرابع وقت جواز بلا كراهة، وهو من مصير الظل مثلين إلى الاصفرار؛ والخامس وقت تحريم، وهو تأخيرها إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها. (والمغرب) أي صلاتها، وسميت بذلك لفعلها وقتَ الغروب. (ووقتها واحد، وهو غروب الشمس) أي بجميع قرصها. ولا يضر بقاء شُعاع بعدَه. (وبمقدار ما يؤذن) الشخص (ويتوضأ) أو يتيمم (ويستر العورة،

ويقيم الصلاة ويصلي خمس ركعات). وقوله: «وبمقدار» إلخ، ساقط في بعض نسخ المتن. فإن انقضى المقدارُ المذكور خرج وقتُها. وهذا هو القول الجديد والقديم. ورجحه النووي أن وقتها يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر. (والعِشاء) بكسر العين ممدودا اسم لأول الظلام، وسميت بذلك لفعلها فيه. (وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر). وأما البلد الذي لا يغيب فيه الشفقُ فوقت العشاء في حق أهله أن يمضي بعد الغروب زمنٌ يغيب فيه شفقُ أقربِ البلاد إليهم. ولها وقتان: أحدهما اختيار، وأشار له المصنف بقوله: (وآخره) يمتدّ (في الاختيار إلى ثلُث الليل)؛ والثاني جواز، وأشار له بقوله: (وفي الجواز إلى طلوع الفجر الثاني) أي الصادق، وهو المنتشر ضَوؤه معترضا بالأفق. وأما الفجر الكاذب فيطلع قبل ذلك لا معترضا، بل مستطيلا ذاهبا في السماء، ثم يزول وتعقبه ظلمة، ولا يتعلق به حكم. وذكر الشيخ أبو حامد - الغزالي - أن للعشاء وقت كراهة، وهو ما بين الفجرين.

• شروط وجوب الصلاة

(والصبح) أي صلاته، وهو لغةً أول النهار، وسميت الصلاة بذلك لفعلها في أوله. ولها - كالعصر - خمسة أوقات: أحدها وقت الفضيلة، وهو أول الوقت؛ والثاني وقت الاختيار، وذكره المصنف في قوله: (وأول وقتها طلوع الفجر الثاني، وآخره في الاختيار إلى الإسفار)، وهو الإضاءة؛ والثالث وقت الجواز، وأشار له المصنف بقوله: (وفي الجواز) أي بكراهة (إلى طلوع الشمس)؛ والرابع جواز بلا كراهة إلى طلوع الحمرة؛ والخامس وقت تحريم، وهو تأخيرها إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها. • شروط وجوب الصلاة {فصل} (وشرائط وجوب الصلاة ثلاثة أشياء): أحدها (الإسلام)؛ فلا تجب الصلاة على الكافر الأصلي، ولا يجب عليه قضاؤها إذا أسلم؛ وأما المرتدّ فتجب عليه الصلاة وقضاءها

• الصلوات المسنونة والرواتب

إن عاد إلى الإسلام. (و) الثاني (البلوغ)؛ فلا تجب على صبي وصبية، لكن يؤمران بها بعد سبع سنين إن حصل التمييز بها، وإلا فبعد التمييز، ويضربان على تركها بعد كمال عشر سنين. (و) الثالث (العقل)؛ فلا تجب على مجنون. وقوله: (وهو حد التكليف) ساقط في بعض نسخ المتن. • الصلوات المسنونة والرواتب (والصلوات المسنونة) وفي بعض النسخ «المسنونات» (خمس: العيدان) أي صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، (والكسوفان) أي صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر، (والاستسقاء) أي صلاته.

• السنن التابعة للفرائض

• السنن التابعة للفرائض (والسنن التابعة للفرائض) ويعبر عنها أيضا بالسنة الراتبة، وهي (سبعة عشر ركعة: ركعتا الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعده، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وثلاث بعد العشاء يوتر بواحدة منهن) الواحدة هي أقل الوتر، وأكثره إحدى عشرة ركعة. ووقته بعد صلاة العشاء وطلوع الفجر؛ فلو أوتر قبل العشاء عمدا أو سهوا لم يعتد به. والراتب المؤكد من ذلك كله عشر ركعات: ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء. • النوافل المؤكدات (وثلاث نوافل مؤكدات) غير تابعة للفرائض: أحدها (صلاة الليل). والنفل المطلق في الليل أفضل من النفل المطلق في النهار، والنفل وسطَ الليل أفضل، ثم آخرَه أفضل. وهذا لمن قسم الليل أثلاثا. (و) الثاني (صلاة الضحى) وأقلها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة

• شروط الصلاة

ركعة، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى زوالها - كما قال النووي في التحقيق وشرح المهذب. (و) الثالث (صلاة التراويح) وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان، وجملتها خمس ترويحات. وينوي الشخص في كل ركعتين منها سنة التراويح أو قيام رمضان. ولو صلى أربع ركعات منها بتسليمة واحدة لم تصح. ووقتها بين صلاة العشاء وطلوع الفجر • شروط الصلاة {فصل} (وشرائط الصلاة قبل الدخول فيها خمسة أشياء): والشروط جمع شرط، وهو لغةً العلامةُ، وشرعًا ما تتوقف صحة الصلاة عليه وليس جزأ منها. وخرج بهذا القيد الركن، فإنه جزء من الصلاة.

الشرط الأول (طهارة الأعضاء من الحدث) الأصغر والأكبر عند القدرة؛ أما فاقد الطهورين فصلاته صحيحة مع وجوب الإعادة عليه؛ (و) طهارة (النجس) الذي لا يعفى عنه في ثوب وبدن ومكان. وسيذكر المصنف هذا الأخير قريبا. (و) الثاني (ستر) لون (العورة) عند القدرة ولو كان الشخص خاليا أو في ظلمة. فإن عجز عن سترها صلى عاريا، ولا يومئ بالركوع والسجود، بل يتمهما، ولا إعادة عليه. ويكون ستر العورة (بلباس طاهر). ويجب سترها أيضا في غير الصلاة عن الناس وفي الخلوة إلا لحاجة من اغتسال ونحوه. وأما سترها عن نفسه فلا يجب لكنه يكره نظره إليها. وعورة الذكر ما بين سرته وركبته، وكذا الأَمة؛ وعورة الحُرَّة في الصلاة ما سوى وجهها وكفيها ظهرا وبطنا إلى الكوعين؛ أما عورة الحُرَّة خارجَ الصلاة فجميع بدنها، وعورتها في الخلوة كالذكر. والعورة لغةً النقص، وتطلق شرعا على ما يجب ستره، وهو المراد هنا وعلى ما يحرم نظره. وذكره الأصحاب في كتاب النكاح. (و) الثالث (الوقوف على مكان طاهر)؛ فلا تصح صلاة شخص يلاقي بعضُ بدنه أو لباسه نجاسةً في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود.

• جواز ترك استقبال القبلة

(و) الرابع (العلم بدخول الوقت) أو ظن دخوله بالاجتهاد؛ فلو صلى بغير ذلك لم تصح صلاته وإن صادف الوقت. (و) الخامس (استقبال القبلة) أي الكعبة. سميت قبلةً لأن المصلي يقابلها، وكعبةً لارتفاعها. واستقبالها بالصدر شرط لمن قدر عليه. • جواز ترك استقبال القبلة واستثنى المصنف من ذلك ما ذكره بقوله: (ويجوز ترك) استقبال (القبلة) في الصلاة (في حالتين: في شدة الخوف) في قتال مباح، فرضا كانت الصلاة أو نفلا؛ (وفي النافلة في السفر على الراحلة). فللمسافر سفرًا مباحا ولو قصيرا التنفلُ صوب مقصده. وراكب الدابة لا يجب عليه وضع جبهته على سرجها مثلا، بل يومئ بركوعه وسجوده؛ ويكون سجوده أخفضَ من ركوعه، وأما الماشي فيتم ركوعه وسجوده، ويستقبل القبلة فيهما، ولا يمشي إلا في قيامه وتشهده.

• أركان الصلاة

• أركان الصلاة {فصل} في أركان الصلاة. وتقدم معنى الصلاة لغة وشرعا. (وأركان الصلاة ثمانية عشر ركنا): أحدها (النية)، وهي قصد الشيء مقترنا بفعله. ومحلها القلب؛ فإن كانت الصلاة فرضا وجب نية الفرضية، وقصد فعلها، وتعيينها من صبح أو ظهر مثلا، أو كانت الصلاة نفلا ذات وقت كراتبة، أو ذات سبب كاستسقاء وجب قصد فعلها وتعيينها، لا نية النفلية. (و) الثاني (القيام مع القدرة) عليه؛ فإن عجز عن القيام قعد كيف شاء، وقعوده مفترشا أفضل. (و) الثالث (تكبيرة الإحرام)، فيتعين على القادر النطقُ بها، بأن يقول: الله أكبر؛ فلا يصح الرحمنُ أكبر ونحوه، ولا يصح فيها تقديم الخبر على المبتدأ كقوله: أكبر الله. ومن عجز عن النطق بها بالعربية ترجم عنها بأي لغة شاء، ولا يعدل عنها إلى ذكر آخر. ويجب قرن النية بالتكبير. وأما النووي فاختار الاكتفاء بالمُقارنة العُرفِية، بحيث يعد عُرفًا أنه مستحضر للصلاة.

(و) الرابع (قراءة الفاتحة) أو بدلها لمن لم يحفظها، فرضا كانت الصلاة أو نفلا. (وبسم اللهِ الرحمن الرحيم آيةٌ منها) كاملة. ومن أسقط من الفاتحة حرفا أو تشديدة أو أبدل حرفا منها بحرف لم تصح قراءته ولا صلاته إن تعمد، وإلا وجب عليه إعادة القراءة، ويجب ترتيبها بأن يقرأ آياتها على نظمها المعروف، ويجب أيضا موالاتها، بأن يصل بعض كلماتها ببعض من غير فصل إلا بقدر التنفس. فإن تخلل الذكر بين موالاتها قطعها إلا أن يتعلق الذكر بمصلحة الصلاة كتأمين المأموم في أثناء فاتحته لقراءة إمامه، فإنه لا يقطع الموالاة. ومن جهل الفاتحة أو تعذرت عليه لعدم معلم مثلا وأحسن غيرها من القرآن وجب عليه سبع آيات متوالية عوضا عن الفاتحة أو متفرقة؛ فإن عجز عن القرآن أتى بذكر بدلا عنها بحيث لا ينقص عن حروفها؛ فإن لم يحسن قرآنا ولا ذكرا وقف قدر الفاتحة. وفي بعض النسخ «وقراءة الفاتحة بعد بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية منها». (و) الخامس (الركوع)، وأقل فرضه لقائم قادر على الركوع معتدلِ الخِلقة سليمِ يديه وركبتيه أن ينحنى بغير انخناس قدر بلوغ راحتيه رُكبتيه

لو أراد وضعهما عليهما؛ فإن لم يقدر على هذا الركوع انحنى مقدوره وأومأ بطرفه. وأكمل الركوع تسوية الراكع ظهرَه وعنقَه بحيث يصيران كصفيحة واحدة، ونصب ساقيه وأخذ ركبتيه بيديه. (و) السادس (الطمأنينة) وهي سكون بعد حركة (فيه) أي الركوع. والمصنف يجعل الطمأنينة في الأركان ركنا مستقلاًّ؛ ومشى عليه النووي في التحقيق. وغيرُ المصنف يجعلها هيئة تابعة للأركان. (و) السابع (الرفع) من الركوع، (والاعتدال) قائما على الهيئة التي كان عليها قبل ركوعه من قيامِ قادرٍ وقُعودِ عاجزٍ عن القيام؛ (و) الثامن (الطمأنينة فيه) أي الاعتدال. (و) التاسع (السجود) مرتين في كل ركعة. وأقله مباشرة بعض جبهة المصلي موضعَ سجوده من الأرض أو غيرها. وأكمله أن يكبر لهويه للسجود بلا رفع يديه، ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه؛ (و) العاشر (الطمأنينة فيه) أي السجود، بحيث ينال مَوضعَ سُجوده ثِقَلُ رأسه. ولا يكفي إمساس رأسه موضعَ سجوده، بل يتحامل بحيث لو كان تحته قطن مثلا لاَنكَبس وظهر أثره على يدٍ لو فُرضت تحته.

(و) الحادي عشر (الجلوس بين السجدتين) في كل ركعة، سواء صلى قائما أو قاعدا أو مضطجعا. وأقله سكونٌ بعد حركة أعضائه. وأكمله الزيادة على ذلك بالدعاء الوارد فيه؛ فلو لم يجلس بين السجدتين بل صار إلى الجلوس أقرب لم يصح؛ (و) الثاني عشر (الطمأنينة فيه) أي الجلوس بين السجدتين. (و) الثالث عشر (الجلوس الأخير) أي الذي يعقبه السلام؛ (و) الرابع عشر (التشهد فيه) أي في الجلوس الأخير. وأقل التشهد «التَّحِيَّاتُ لِلّهِ، سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه، سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ». وأكمل التشهد «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ». (و) الخامس عشر (الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه) أي في الجلوس الأخير بعد الفراغ من التشهد. وأقل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - «اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ». وأشعر كلام المصنف أن الصلاة على الآل لا تجب، وهو كذلك بل هي سنة.

• سنن الصلاة

(و) السادس عشر (التسليمة الأولى) ويجب إيقاع السلام حال القعود. وأقله «السَّلامُ عَلَيْكُمْ» مرةً واحدة؛ وأكمله «السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحمَةُ اللهِ» مرتين يمينا وشمالا. (و) السابع عشر (نية الخروج من الصلاة) وهذا وجه مرجوح، وقيل لا يجب ذلك أي نية الخروج. وهذا الوجه هو الأصح. (و) الثامن عشر (ترتيب الأركان) حتى بين التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه. وقوله: (على ما ذكرناه) يستثنى منه وجوب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام ومقارنة الجلوس الأخير للتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم. • سنن الصلاة (و) الصلاة (سننها قبل الدخول فيها شيئان: الأذان) وهو لغةً الإعلامُ، وشرعا ذكرٌ مخصوص للإعلام بدخول وقت صلاة مفروضة. وألفاظه مثنى إلا التكبير أوَّلَه فأربعٌ، وإلا التوحيد آخرَه فواحد؛ (والإقامة) وهي مصدرُ «أقَامَ»، ثم سمي بها الذكر المخصوص لأنه يقيم إلى الصلاة. وإنما يُشرَع كل من الأذان والإقامة للمكتوبة، وأما غيرها فينادى لها «الصلاةُ جَامِعة».

• هيئات الصلاة

(و) سننها (بعد الدخول فيها شيئان: التشهد الأول، والقنوت في الصبح) أي في اعتدال الركعة الثانية منه؛ وهو لغةً الدعاء، وشرعًا ذكرٌ مخصوص، وهو «اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ» (¬1) إلخ. (و) القنوت (في) آخر (الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان). وهو كقنوت الصبح المتقدم في محله ولفظِه. ولا تتعين كلمات القنوت السابقة؛ فلو قنت بآية تتضمن دعاءً وقصد القنوت حصلت سنة القنوت. • هيئات الصلاة (وهيئاتها) أي الصلاة. وأراد بهيئاتها ما ليس رُكنًا فيها ولا بعضًا يُجبر بسجود السهو (خمسةَ عشرَ خصلة: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام) إلى حذو منكبيه، (و) رفع اليدين (عند الركوع و) عند (الرفع منه، ¬

_ (¬1) وأكمله كما روي عن الْحَسَن بنُ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في الْوِتْرِ. قال ابنُ جَوَّاسٍ: في قُنُوتِ الْوتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» [سنن أبي داود:2/ 63 (1425)، وسنن الترمذي:1/ 478 - 479 (464)].

ووضع اليمين على الشمال)، ويكونان تحت صدره وفوق سرته. (والتوجه) أي قول المصلي عقبَ التحرم، {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]. والمراد أن يقول المصلي بعد التحرم دعاءَ الافتتاح هذه الآية أو غيرها مما ورد في الاستفتاح. (¬1) (والاستعاذة) بعد التوجه. وتحصل بكل لفظ يشتمل على التعوذ؛ والأفضل «أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». (والجهر في موضعه) وهو الصبح وأولتا المغرب والعشاء والجمعة والعيدان؛ (والإسرار في موضعه) وهو ما عدا الذي ذكر. (والتأمين) أي قول «آمين» عقبَ الفاتحة لقارئها في صلاة وغيرها، لكن في الصلاة آكد. ويُؤَمِّن المأمومُ مع تأمين إمامه، ويجهر به. (وقراءة السورة بعد الفاتحة) لإمامٍ ومنفرد في ركعتي الصبح وأولتي غيرها. وتكون قراءة السورة بعد الفاتحة؛ فلو قدم السورة عليها لم يحسب؛ (والتكبيرات عند الخفض) للركوع (والرفع) أي رفع الصلب من الركوع. ¬

(وقول «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ») حين يرفع رأسه من الركوع. ولو قال: «مَنْ حمِد اللهَ سمع لَهُ» كفى. ومعنى «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» تقبل الله منه حمده وجازاه عليه. وقولُ المصلي: («رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ») إذا انتصب قائما؛ (والتسبيح في الركوع) وأدنى الكمال في هذا التسبيح «سُبحَانَ رَبِيَ العَظِيمِ» ثلاثا؛ (و) التسبيح في (السجود)، وأدنى الكمال فيه «سُبحَانَ رَبِيَ الأَعلَى» ثلاثا؛ والأكمل في تسبيح الركوع والسجود مشهورٌ. (ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس) للتشهد الأول والأخير (يبسط) اليد (اليُسرَى) بحيث تسامَت رؤوسُ أصابعها الرُكبةَ، (ويقبض) اليد (اليمنى) أي أصابعها (إلا المسبحة) من اليمنى، فلا يقبضها؛ (فإنه يشير بها) رافعا لها حال كونه (مُتشهدا)؛ وذلك عند قوله: «إلاَّ الله»، ولا يحركها؛ فإن حرَّكها كره، ولا تبطل صلاتُه في الأصح. (والافتراش في جميع الجلسات) الواقعة في الصلاة، كجلوس الاستراحة والجلوس بين السجدتين وجلوس التشهد الأول. والافتراس أن يجلس الشخص على كعب اليسرى جاعلاً ظهرَها للأرض وينصب قدمه اليمنى

• ما تخالف المرأة فيه الرجل

ويضع بالأرض أطراف أصابعها لجهة القبلة. (والتورك في الجلسة الأخيرة) من جلسات الصلاة، وهي جلوس التشهد الأخير. والتورك مثل الافتراش إلا أن المصلي يُخرِج يساره على هيئتها في الافتراش من جهة يمينه، ويلصق وركه بالأرض. أما المسبوق والساهي فيفترشان ولا يتوركان. (والتسليمة الثانية). أما الأولى فسبق أنها من أركان الصلاة. • ما تخالف المرأة فيه الرجل {فصل} في أمور تخالف فيها المرأةُ الرجُلَ في الصلاة. وذكر المصنف بقوله: (والمرأة تُخالف الرجلَ في خمسة أشياء: فالرجل يجافي) أي يرفع (مرفقيه عن جنبيه، ويقل) أي يرفع (بطنه عن فخذيه في الركوع والسجود،

ويجهر في موضع الجهر). وتقدم بيانه في موضعه، (وإذا نابه) أي أصابه (شيء في الصلاة سبَّح)؛ فيقول: «سُبْحَانَ الله» بقصد الذكر فقط، أو مع الإعلام أو أطلق لم تبطل صلاته، أو الإعلام فقط بطلت. (وعورةُ الرجل ما بين سرته وركبته)؛ أما هما فليسا من العورة، ولا ما فوقهما. (والمرأة) تخالف الرجلَ في الخمس المذكورة، فإنها (تضم بعضها إلى بعض)، فتلصق بطنها بفخذيها في ركوعها وسجودها (وتخفض صوتها) إن صلت (بحضرة الرجال الأجانب). فإن صلت منفردة عنهم جهرت؛ (وإذا نابها شيء في الصلاة صفقت) بضرب بطن اليمنى على ظهر اليسرى؛ فلو ضربت بطنا ببطن بقصد اللعب ولو قليلا مع علم التحريم بطلت صلاتُها. والخنثى كالمرأة. (وجميع بدن) المرأة (الحُرَّة عورة إلا وجهها وكفيها). وهذه عورتها في الصلاة؛ أما خارجَ الصلاة فعورتها جميع بدنها.

• مبطلات الصلاة

(والأمة كالرجل في الصلاة)؛ فتكون عورتها ما بين سرتها وركبتها. • مبطلات الصلاة {فصل} في عدد مبطلات الصلاة. (والذي يبطل الصلاة أحدَ عشرَ شيئا: الكلام العمد) الصالح لخطاب الآدميين، سواء تعلق بمصلحة الصلاة أو لا، (والعمل الكثير) المتوالي كثلات خطوات، عمدا كان ذلك أو سهوا؛ أما العمل القليل فلا تبطل الصلاة به. (والحدث) الأصغر والأكبر، (وحُدوث النجاسة) التي لا يعفى عنها. ولو وقع على ثوبه نجاسة يابسة فنفض ثوبه حالا لم تبطل صلاته. (وانكِشاف العورة) عمدا؛ فإن كشفها الريح فسترها في الحال لم تبطل صلاته،

• ركعات الفرائض

(وتغيير النية) كأن ينوي الخروج من الصلاة. (واستدبار القبلة) كأن يجعلها خلف ظهره. (والأكل، والشرب) كثيرا كان المأكول والمشروب أو قليلا، إلا أن يكون الشخص في هذه الصورة جاهلاً تحريمَ ذلك، (والقهقهة) ومنهم من يعبِّر عنها بالضحك. (والردة) وهي قطع الإسلام بقول أو فعل. • ركعات الفرائض {فصل} في عدد ركعات الصلاة. (وركعات الفرائض) أي في كل يوم وليلة في صلاة الحضر إلا يوم الجمعة (سبعةَ عشرَ ركعة). أما يوم الجمعة فعدد ركعات الفرائض في يومها خمسةَ عشر ركعةً. وأما عدد ركعات صلاة السفر في كل يوم للقاصر فإحدى عشرة ركعة.

• من عجز عن القيام في صلاة الفرض

وقوله: (فيها أربع وثلاثون سجدةً، وأربع وتسعون تكبيرة، وتسع تشهدات، وعشر تسليمات، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة). (وجملة الأركان في الصلاة مائة وستة وعشرون ركنا: في الصبح ثلاثون ركنا، وفي المغرب اثنان وأربعون ركنا، وفي الرباعية أربعة وخمسون ركنا) إلى آخره ظاهر غني عن الشرح. • من عجز عن القيام في صلاة الفرض (ومن عجز عن القيام في الفريضة) لمشقة تلحقه في قيامه (صلى جالسا) على أي هيئة شاء، ولكن افتراشه في موضع قيامه أفضل من تَرَبُّعِه في الأظهر.

• أنواع المتروك من الصلاة

(ومن عجز عن الجلوس صلى مضطجعا)؛ فإن عجز عن الاضطجاع صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه للقبلة؛ فإن عجز عن ذلك كله أومأ بطرفه ونوى بقلبه، ويجب عليه استقبالها بوجهه بوضع شيء تحت رأسه ويومئ برأسه في ركوعه وسجوده؛ فإن عجز عن الإيماء برأسه أومأ بأجفانه؛ فإن عجز عن الإيماء بها أجرى أركان الصلاة على قلبه، ولا يتركها ما دام عقله ثابتا. والمصلي قاعدا لا قضاء عليه، ولا ينقص أجره، لأنه معذور. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَلَى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ»، فمحمول على النفل عند القدرة. • أنواع المتروك من الصلاة {فصل} (والمتروك من الصلاة ثلاثة أشياء: فرض) ويسمى بالركن أيضا، (وسُنة وهيئة)؛ وهما ما عدا الفرض.

وبيَّنَ المصنف الثلاثة في قوله: (فالفرض لا ينوب عنه سجودُ السهو، بل إن ذكره) أي الفرض وهو في الصلاة أتى به وتمت صلاته، أو ذكره بعد السلام (والزمان قريب أتى به، وبنى عليه) ما بقي من الصلاة، (وسجد للسهو). وهو سنة -كما سيأتي- لكن عند ترك مأمور به في الصلاة أو فعل منهي عنه فيها. (والسنة) إن تركها المصلي (لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض)؛ فمن ترك التشهد الأول مثلا فذكره بعد اعتداله مستويا لا يعود إليه؛ فإن عاد إليه عالما تحريمه بطلت صلاته، أو ناسيا أنه في الصلاة أو جاهلا فلا تبطل صلاته، ويلزمه القيام عند تذَكُّره. وإن كان مأموما عاد وجوبا لمتابعة إمامه (لكنه يسجد للسهو عنها) في صورة عدم العود، أو العود ناسيا. وأراد المصنف بالسنة هنا الأبعاضَ الستة، وهي: التشهد الأول وقعوده، والقنوت في الصبح وفي آخر الوتر في النصف الثاني من رمضان، والقيام للقنوت، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول، والصلاة على الآل في التشهد الأخير.

(والهيئة) كالتسبيحات ونحوها مما لا يجبر بالسجود (لا يعود) المصلي (إليها بعد تركها، ولا يسجد للسهو عنها) سواء تركها عمدا أو سهوا. (وإذا شكَّ) المصلي (في عدد ما أتى به من الركعات) كمن شَكَّ هل صلى ثلاثا أو أربعا (بنى على اليقين، وهو الأقل) كالثلاثة في هذا المثال، وأتى بركعة (وسجد للسهو)، ولا ينفعه غلبة الظنِّ أنه صلى أربعا، ولا يعمل بقول غيره له أنه صلى أربعا، ولو بلغ ذلك القائل عددَ التواتر. (وسجود السهو سنة) كما سبق، (ومحله قبل السلام)؛ فإن سلم المصلي عامدا عالما بالسهو أو ناسيا وطال الفصلُ عُرفًا فات محله، وإن قصر الفصلُ عُرفًا لم يفت، وحينئذ فله السجود وتركه.

• الأوقات التي تكره فيها الصلاة

• الأوقات التي تكره فيها الصلاة {فصل} في الأوقات التي تكره الصلاة فيها تحريما - كما في الروضة وشرح المهذب هنا - وتنزيها - كما في التحقيق وشرح المهذب في نواقض الوضوء. (وخمسة أوقات لا يصلى فيها إلا صلاة لها سبب) إما متقدمٌ كالفائتة، أو مقارنٌ كصلاة الكسوف والاستسقاء. فالأول من الخمسة الصلاةُ التي لا سبب لها إذا فعلت (بعد صلاة الصبح) وتستمر الكراهة (حتى تطلع الشمس. و) الثاني الصلاة (عند طلوعها)؛ فإذا طلعت (حتى تتكامل وترتفعَ قدر رمح) في رأي العين. (و) الثالث الصلاة (إذا استوت حتى تزول) عن وسط السماء. ويستثنى من ذلك يوم الجمعة؛ فلا تكره الصلاة فيه وقتَ الاستواء، وكذا حرمُ مكةَ، المسجد وغيره؛ فلا تكره الصلاة فيه في هذه الأوقات كلها، سواء صلى سنة الطواف أو غيرها. (و) الرابع (بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

• صلاة الجماعة

و) الخامس (عند الغروب) للشمس، فإذا دنت للغروب (حتى يتكامل غروبها). • صلاة الجماعة {فصل} (وصلاة الجماعة) للرجال في الفرائض غير الجُمُعَةِ (سنة مؤكدةٌ) عند المصنف والرافعي. والأصح عند النووي أنها فرض كفاية. ويُدْرِك المأمومُ الجماعةَ مع الإمام في غير الجمعة مالم يسلم التسليمة الأولى وإن لم يقعد معه. وأما الجماعة في الجمعة ففرض عين، ولا تحصل بأقل من ركعة. (و) يجب (على المأموم أن ينوي الائتمام) أو الاقتداء بالإمام، ولا يجب تعيينه، بل يكفي الاقتداء بالحاضر إن لم يعرفه؛ فإن عيَّنه وأخطأ بطلت صلاته إلا إن انضمت إليه إشارةٌ كقوله: نويت الاقتداء بزيد هذا، فبان عمرا، فتصح. (دون الإمام)؛ فلا يجب في صحة الاقتداء به في غير الجمعة نية الإمامة، بل هي مستحبة في حقه، فإن لم ينو فصلاته فرادى.

(ويجوز أن يأتم الحُرُّ بالعبد، والبالغ بالمُراهق). أما الصبي غير المميز فلا يصح الاقتداء به. (ولا تصح قدوةُ رجلٍ بامرأة) ولا بخنثى مشكل، ولا خنثى مشكل بامرأة ولا بمشكل، (ولا قارئ) وهو من يحسن الفاتحة، أي لا يصح اقتداؤه (بأمي) وهو من يخل بحرف أو تشديدة من الفاتحة. ثم أشار المصنف لشروط القدوة بقوله: (وأي موضع صلى في المسجد بصلاة الإمام فيه) أي في المسجد (وهو) أي المأموم (عالم بصلاته) أي الإمام بمشاهدة المأموم له أو بمشاهدة بعض صف (أجزأه) أي كفاه ذلك في صحة الاقتداء به (مالم يتقدم عليه)؛ فإن تقدم عليه بعقبه في جهته لم تنعقد صلاته، ولا تضر مساواته لإمامه، ويندب تخلفه عن إمامه قليلا، ولا يصير بهذا التخلف منفردا عن الصف حتى لا يحوز فضيلة الجماعة. (وإن صلى) الإمام (في المسجد والمأموم خارجَ المسجد) حال كونه (قريبا منه) أي الإمام، بأن لم تزد مسافة ما بينهما على ثلاث مئة ذراع

• صلاة المسافر

تقريبا، (وهو) أي المأموم (عالم بصلاته) أي الإمام (ولا حائل هناك) أي بين الإمام والمأموم (جاز) الاقتداء به، وتعتبر المسافة المذكورة من آخر المسجد. وإن كان الإمام والمأموم في غير المسجد، إما فضاء أو بناء فالشرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع، وأن لا يكون بينهما حائل. • صلاة المسافر {فصل} في قصر الصلاة وجمعها. (ويجوز للمسافر) أي الملتبس بالسفر (قصرُ الصلاة الرباعية) لا غيرها، من ثنائية وثلاثية. وجواز قصر الصلاة الرباعية (بخمس شرائط): الأول (أن يكون سفره) أي الشخص (في غير معصية) هو شامل للواجب كقضاء دين، وللمندوب كصلة الرحم، وللمباح كسفر تجارة.

• جمع الصلاة للمسافر

أما سفر المعصية كسفر لقطع الطريق، فلا يترخص فيه بقصر ولا جمع. (و) الثاني (أن تكون مسافته) أي السفر (ستةَ عشرَ فرسَخًا) تحديدا في الأصح، ولا تحسب مدةُ الرجوع منها. والفرسخ ثلاثة أميال؛ وحينئذ فمجموع الفراسخ ثمانية وأربعون مِيلاً، والميلُ أربعة آلاف خُطوة، والخُطوة ثلاثة أقدام. والمراد بالأميال الهاشمية. (و) الثالث (أن يكون) القاصر (مؤديًا للصلاة الرباعية). أما الفائتة حضرا فلا تقضى فيه مقصورة. والفائتة في السفر تقضى فيه مقصورة، لا في الحضر. (و) الرابع (أن ينوي) المسافر (القصر) للصلاة (مع الإحرام) بها؛ (و) الخامس (أن لا يأتَمَّ) في جزء من صلاته (بمقيم) أي بمن يصلي صلاة تامة ليشمل المسافر المتم. • جمع الصلاة للمسافر (ويجوز للمسافر) سفرا طويلا مباحا (أن يجمع بين) صلاتَي (الظهر

والعصر) تقديما وتأخيرا، وهو معنى قوله: (في وقت أيهما شاء، و) أن يجمع (بين) صلاتَي (المغرب والعشاء) تقديما وتأخيرا، وهو معنى قوله: (في وقت أيهما شاء). وشروط جمع التقديم ثلاثة: الأول أن يبدأ بالظهر قبل العصر، وبالمغرب قبل العشاء؛ فلو عكس كأن بدأ بالعصر قبل الظهر مثلا لم يصح، ويعيدها إن أراد الجمع. والثاني نية الجمع أولَ الصلاة الأولى، بأن تُقترَن نيةُ الجمع بتحرمها، فلا يكفي تقديمها على التحرم ولا تأخيرها عن السلام من الأولى. وتجوز في أثنائها على الأظهر. والثالث الموالاة بين الأولى والثانية، بأن لا يطول الفصل بينهما؛ فإن طال عُرفًا ولو بعذر كنوم وجب تأخير الصلاة الثانية إلى وقتها. ولا يضر في الموالاة بينهما فصل يسير عرفا. وأما جمع التأخير فيجب فيه أن يكون نية الجمع، وتكون النية هذه في وقت الأولى. ويجوز تأخيرها إلى أن يبقى من وقت الأولى زمنٌ لو ابتُدِئت فيه كانت أداء. ولا يجب في جمع التأخير ترتيبٌ ولا موالاة

ولا نية جمع على الصحيح في الثلاثة. (ويجوز للحاضر) أي المقيم (في) وقت (المطر أن يجمع بينهما) أي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، لا في وقت الثانية، بل (في وقت الأولى منهما) إن بَلَّ المطرُ أعلى الثوب وأسفل النعل، ووجدت الشروط السابقة في جمع التقديم. ويشترط أيضا وجود المطر في أول الصلاتين، ولا يكفي وجوده في أثناء الأولى منهما. ويشترط أيضا وجوده عند السلام من الأولى، سواء استمر المطر بعد ذلك أم لا. وتختص رُخصة الجمع بالمطر بالمصلي في جماعة بمسجد أو غيره من مواضع الجماعة بعيد عرفا، ويتأذى الذاهب للمسجد أو غيره من مواضع الجماعة بالمطر في طريقه.

• صلاة الجمعة

• صلاة الجمعة {فصل} (وشرائط وجوب الجمعة سبعة أشياء: الإسلام، والبلوغ، والعقل)؛ وهذه شروط أيضا لغير الجمعة من الصلوات، (والحرية، والذكورية، والصحة، والاستيطان)؛ فلا تجب الجمعة على كافر أصلي وصبي ومجنون ورقيق وأنثى ومريض ونحوه ومسافر. (وشرائط) صحة (فعلها ثلاثة): الأول دار الإقامة التي يستوطنها العدد المجمعون، سواء في ذلك المُدُن والقُرى التي تتخذ وطنا. وعبر المصنف عن ذلك بقوله: (أن تكون البلد مصرا) كانت البلد (أو قرية). (و) الثاني (أن يكون العدد) في جماعة الجمعة (أربعين) رجلا (من أهل الجمعة)، وهم المكلفون الذكور الأحرار المستوطِنون، بحيث لا يظعَنون عما استوطنوه شِتاءً ولا صيفا إلا لحاجة. (و) الثالث (أن يكون الوقت باقيًا) وهو وقت الظهر؛ فيشترط أن تقع

الجمعة كلها في الوقت؛ فلو ضاق وقتُ الظهر عنها بأن لم يبق منه ما لا يسع الذي لا بد منه فيها من خطبتيها وركعتيها صليت ظهرا. (فإن خرج الوقت أو عدمت الشروط) أي جميعُ وقت الظهر يقينا أو ظنا وهم فيها (صُليت ظهرا) بناءً على ما فعل منها، وفاتت الجمعة، سواء أدركوا منها ركعة أم لا. ولو شكوا في خروج وقتها وهم فيها أتموها جمعة على الصحيح. (وفرائضها) ومنهم من عبر عنها بالشروط (ثلاثة): أحدها وثانيها (خطبتان يقوم) أي الخطيب (فيهما ويجلس بينهما). قال المتولي: بقدر الطمأنينة بين السجدتين. ولو عجز عن القيام وخطب قاعدا أو مضطجعا صح وجاز الاقتداء به ولو مع الجهل بحاله. وحيث خطب قاعدًا فصل بين الخطبتين بسكتة، لا باضطجاع. وأركان الخطبة خمسة: حمد الله تعالى، ثم الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولفظهما متعين، ثم الوصية بالتقوى، ولا يتعين لفظها على الصحيح، وقراءة آية في إحداهما، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية. ويشترط أن يُسمِع الخطيبُ أركانَ الخطبة لأربعين تنعقد بهم

الجمعةُ. ويشترط الموالاة بين كلمات الخطبة، وبين الخطبتين؛ فلو فرق بين كلماتها ولو بعذر بطلت. ويشترط فيهما ستر العورة وطهارة الحدث والخبث في ثوب وبدن ومكان. (و) الثالث من فرائض الجمعة (أن تُصلَّى) بضم أوله (ركعتين في جماعة) تنعقد بهم الجمعةُ. ويشترط وقوع هذه الصلاة بعد الخطبتين، بخلاف صلاة العيد، فإنها قبل الخطبتين. (وهيآتها) وسبق معنى الهيئة (أربع خصال): أحدها (الغسل) لمن يريد خضورها من ذكر أو أنثى، حُرٍّ أو عبد، مقيم أو مسافر. ووقت غسلها من الفجر الثاني؛ وتقريبه من ذهابه أفضل. فإن عجز عن غسلها تيمم بنية الغسل لها. (و) الثاني (تنظيف الجسد) بإزالة الريح الكريه منه كصُنَان، فيتعاطى ما يزيله من مرتك ونحوه.

(و) الثالث (لبس الثياب البِيض)، فإنها أفضل الثياب. (و) الرابع (أخذ الظفر) إن طال، والشعر كذلك، فينتف إبطه ويقص شاربه، ويحلق عانته، (والتطيب) بأحسن ما وجد منه. (ويستحب الإنصات) وهو السكوت مع الإصغاء (في وقت الخطبة). ويستثنى من الإنصات أمور مذكورة في المطولات. منها إنذار أعمى أن يقع في بئر، ومن دَبَّ إليه عقربٌ مثلا. (ومن دَخَل) المسجدَ (والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ثم يجلس). وتعبير المصنف بـ «دَخَل» يفهم أن الحاضر لا ينشئ صلاة ركعتين، سواء صلى سنة الجمعة أم لا. ولا يظهر من هذا المفهوم أن فعلهما حرام أو مكروه، لكن النووي في الشرح المهذب صرح بالحرمة، ونقل الإجماع عليها عن الماوردي.

• صلاة العيدين

• صلاة العيدين {فصل} (وصلاة العيدين) أي الفطر والأضحى (سنةٌ مؤكدة). وتُشرع جماعةً، ولمنفرد ومسافر، وحُرٍّ وعبد، وخنثى وامرأة، لا جميلة، ولا ذات هيئة. أما العجوز فتحضر العيد في ثياب بيتها بلا طيب. ووقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس وزوالها. (وهي) أي صلاة العيد (ركعتان) يحرم بهما بنية عيد الفطر أو الأضحى، ويأتي بدعاء الافتتاح؛ و (يكبر في) الركعة (الأولى سبعا سوى تكبيرة الإحرام)، ثم يتعوذ ويقرأ بعدها سورة «ق» جهرًا، (و) يكبر (في) الركعة (الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام) ثم يتعوذ، ثم يقرأ الفاتحة وسورة «اقتَرَبَت» جهرا. (ويخطب) ندبا (بعدهما) أي الركعتين (خطبتين، يكبر في) ابتداء (الأولى تسعا) ولاء، (و) يكبر (في) ابتداء (الثانية سبعا) ولاء. ولو فصل بينهما بتحميد وتهليل وثناء كان حسنا. • التكبير للعيدين والتكبير على قسمين: مرسل، وهو ما لا يكون عقِبَ صلاة؛ ومقيد، وهو ما يكون عقبها.

• صيغة التكبير

وبدأ المصنف بالأول فقال: (ويكبر) ندبا كلٌّ من ذكر وأنثى، وحاضر ومسافر، في المنازل والطرُق، والمساجد والأسواق (من غروب الشمس من ليلة العيد) أي عيد الفطر، ويستمر هذا التكبير (إلى أن يدخل الإمام في الصلاة) للعيد. ولا يسن التكبير ليلةَ عيد الفطر عقب الصلاة، ولكن النووي في الأذكار اختار أنه سنة. ثم شرع في التكبير المقيد فقال: (و) يكبر (في) عيد (الأضحى خَلف الصلوات المفروضات) من مؤداة وفائتة؛ وكذا خلف راتبة ونفل مطلق وصلاة جنازة، (مِن صُبح يوم عرفةَ إلى العصر من آخر أيام التشريق). • صيغة التكبير وصيغة التكبير: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إلاَّ اللهَ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكبَرُ، وَلِلّهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، لاَ إِلهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَّمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ».

• صلاة الكسوف والخسوف

• صلاة الكسوف والخسوف {فصل} (وصلاة الكسوف) للشمس، وصلاة الخسوف للقمر، كل منهما (سنة مؤكدة، فإن فاتت) هذه الصلاة (لم تقض) أي لم يُشرَع قضاؤُها. (ويصلي لكسوف الشمس وخسوف القمر ركعتين) يحرم بنية صلاة الكسوف، ثم بعد الافتتاح والتعوذ يقرأ الفاتحة، ويركع، ثم يرفع رأسه من الركوع، ثم يعتدل، ثم يقرأ الفاتحة ثانيا، ثم يركع ثانيا أخف من الذي قبله، ثم يعتدل ثانيا، ثم يسجد السجدتين بطمأنينة في الكل، ثم يصلي ركعة ثانية بقيامين وقراءتين وركوعين واعتدالين وسجودين. وهذا معنى قوله: (في كل ركعة) منهما (قيامان يطيل القراءة فيهما) كما سيأتي، (و) في كل ركعة (ركوعان يطيل التسبيح فيهما، دون السجود)؛ فلا يطوله، وهو أحد وجهين، لكن الصحيح أنه يطوله نحو الركوع الذي قبله، (ويخطب) الإمام (بعدهما) أي بعد صلاة الكسوف والخسوف (خطبتين) كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط، ويحث الناسَ في الخطبتين على التوبة من الذنوب وعلى فعل الخير من صدقة وعتق

• صلاة الاستسقاء

ونحو ذلك. (ويُسِرُّ) بالقراءة (في كسوف الشمس، ويجهر) بالقراءة (في خسوف القمر). وتفوت صلاة كسوف الشمس بالانجلاء للمنكسف وبغروبها كاسفة، وتفوت صلاة خسوف القمر بالانجلاء وطلوع الشمس، لا بطلوع الفجر ولا بغروبه خاسفا، فلا تفوت الصلاة. • صلاة الاستسقاء {فصل} في أحكام صلاة الاستسقاء، أي طلب السُقْيَا مِن الله تعالى. (وصلاة الاستسقاء مسنونة) لمقيم ومسافر عند الحاجة من انقطاع غيث أو عين ماء ونحو ذلك. وتُعاد صلاة الاستسقاء ثانيا وأكثر من ذلك إن لم يُسقَوا حتى يسقيهم الله؛ (فيأمرهم الإمامُ) ونحوه (بالتوبة) ويلزمهم امتثال أمره - كما أفتى به النووي. والتوبة من الذنب واجبة. أمر الإمام بها أو لا،

(والصدقة، والخروج من المظالم) للعباد (ومصالحة الأعداء، وصيام ثلاثة أيام) قبل ميعاد الخروج، فيكون به أربعة أيام، (ثم يخرج بهم في اليوم الرابع) صياما غير متطيبين ولا متزينين، بل يخرجون (في ثياب بِذْلَة) بموحدة مكسورة وذال معجمة ساكنة، وهي ما يلبس من ثياب المهنة وقتَ العمل، (واستكانة) أي خشوع (وتضرع) أي خضوع وتذلل. ويخرجون معهم الصبيانُ والشيوخ والعجائز والبهائم. (ويصلي بهم) الإمام أو نائبه (ركعتين كصلاة العيدين) في كيفيتهما من الافتتاح والتعوذ والتكبير سبعا في الركعة الأولى، وخمسا في الركعة الثانية برفع يديه، (ثم يخطب) ندبا خطبتين كخطبتي العيدين في الأركان وغيرها، لكن يستغفر اللهَ تعالى في الخطبتين بدل التكبير أولهما في خطبتي العيدين؛ فيفتتح الخطبة الأولى بالاستغفار تسعا، والخطبة الثانية سبعا. وصيغة الاستغفار «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ».

وتكون الخطبتان (بعدهما) أي الركعتين. (ويُحَوّل) الخطيب (رداءه)؛ فيجعل يمينه يساره، وأعلاه أسفله، ويُحَوِّل الناس أردِيتهم مثل تحويل الخطيب، (ويُكثر من الدعاء) سرا وجهرا، فحيث أسر الخطيب أسر القوم بالدعاء، وحيث جهر أمنوا على دعائه. (و) يكثر الخطيب من (الاستغفار) ويقرأ قوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10 - 11]. وفي بعض نسخ المتن زيادة وهي: (ويدعو بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو: «اللهُمَّ اجْعَلْهَا سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلاَ تَجْعَلْهَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلاَ مَحْقٍ، وَلاَ بَلاَءٍ، وَلاَ هَدْمٍ، وَلاَ غَرقٍ؛ اللهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، وبُطُونِ الأَوْدِيَةِ؛ اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، سَحَّا عَامًّا، غَدَقًا طَبَقًا، مُجَلِّلاً دَائِمًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ اللهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ؛ اللهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالبِلاَدِ مِنَ الْجُهْدِ وَالْجُوعِ وَالضَّنْكِ

• صلاة الخوف

مَا لاَ نَشْكُو إِلاَّ إِلَيكَ؛ اللهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلاَءِ مَا لاَ يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ؛ اللهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا». ويغتسل في الوادي إذا سال، ويسبح للرعد والبرق). انتهت الزيادة، وهي لطولها لا تناسب حال المتن من الاختصار. والله أعلم. • صلاة الخوف {فصل} في كيفية صلاة الخوف. وإنما أفردها المصنف عن غيرها من الصلوات بترجمة لأنه يحتمل في

• أنواع صلاة الخوف

إقامة الفرض في الخوف ما لا يحتمل في غيره. • أنواع صلاة الخوف (وصلاة الخوف) أنواع كثيرة تبلغ ستة أضرب - كما في صحيح مسلم - اقتصر المصنف منها (على ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون العدو في غير جهة القبلة)، وهو قليل، وفي المسلمين كثرة بحيث تُقَاوِم كل فرقة منهم العدوَ؛ (فيفرقهم الإمام فرقتين: فرقة تقف في وجه العدو) تحرسه، (وفرقة تقف خلفه) أي الإمام؛ (فيصلي بالفرقة التي خلفه ركعةً، ثم) بعد قيامه للركعة الثانية (تتم لنفسها) بقية صلاتها، (وتمضي) بعد فراغ صلاتها (إلى وجه العدو) تحرسه، (وتأتي الطائفة الأخرى) التي كانت حارسة في الركعة الأولى، (فيصلي) الإمام (بها ركعة)، فإذا جلس الإمام للتشهد تفارقه (وتتم لنفسها) ثم ينتظرها الإمام (ويسلم بها). وهذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع. سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم؛ وقيل غير ذلك.

(والثاني أن يكون في جهة القبلة) في مكان لا يسترهم عن أعين المسلمين شيء، وفي المسلمين كثرة تحتمل تفرقهم، (فيصفّهم الإمام صَفَّين) مثلا، (ويحرم بهم) جميعا؛ (فإذا سجد) الإمام في الركعة الأولى (سجد معه أحدُ الصفين) سجدتين، (ووقف الصفُّ الآخر يحرسهم؛ فإذا رفع) الإمام رأسه (سجدوا ولحقوه) ويتشهد بالصفين، ويسلم بهم. وهذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعُسْفان، وهي قرية في طريق الحاج المصري، بينها وبين مكة مرحلتان؛ سميت بذلك لعسف السيول فيها. (والثالث أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب)، هو كناية عن شدة الاختلاط بين القوم بحيث يلتصق لحم بعضهم ببعض، فلا يتمكنون من ترك القتال، ولا يقدرون على النزول إن كانوا ركبانا، ولا على الانحراف إن كانوا مشاة؛ (فيصلي) كل من القوم (كيف أمكنه، راجلا) أي ماشيا (أو راكبا، مستقبل القبلة وغير مستقبل لها). ويعتذرون في الأعمال

• اللباس

الكثيرة في الصلاة كضربات متوالية. • اللباس {فصل} في اللباس (ويحرم على الرجال لبسُ الحرير والتخَتُّم بالذهب) والقز في حال الاختيار، وكذا يحرم استعمال ما ذكر على جهة الافتراش وغير ذلك من وجوه الاستعمالات. ويحل للرجال لبسه للضرورة، كحَرٍّ وبَرد مهلكين. (ويحل للنساء) لبس الحرير وافتراشه، ويحل للولي إلباس الصبي الحريرَ قبل سبع سنين وبعدها. (وقليل الذهب وكثيره) أي استعمالهما (في التحريم سواء. وإذا كان بعض الثوب إبريسما) أي حريرا (وبعضه) الآخر (قُطنا أو كَتَّانًا) مثلا (جاز) للرجل (لبسه مالم يكن الإبريسم غالبا) على غيره؛ فإن كان غير الإبريسم غالبا حل؛ وكذا إن استويا في الأصح.

• ما يلزم في الميت

• ما يلزم في الميت {فصل} فيما يتعلق بالميت من غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه. (ويلزم) على طريق فرض الكفاية (في الميت) المسلم غير المُحرِم والشهيد (أربعة أشياء: غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه). وإن لم يعلم بالميت إلا واحد تعيَّن عليه ما ذكر. وأما الميت الكافر فالصلاة عليه حرام، حربيا كان أو ذميا؛ ويجوز غسله في الحالين. ويجب تكفين الذمي ودفنه، دون الحربي والمرتد. وأما المُحرِم إذا كُفن فلا يُستَر رأسُه، ولا وجهُ المُحرِمة؛ وأما الشهيد فلا يصلى عليه كما ذكره المصنف بقوله: (واثنان لا يغسلان ولا يصلى عليهما): أحدهما (الشهيد في معركة المشركين)، وهو من مات في قتال الكفار بسببه، سواء قتله كافر مطلقا أو مسلم خطأ، أو عاد سلاحه إليه أو سقط عن دابته أو نحو ذلك. فإن مات بعد انقضاء القتال بجراحة فيه يقطع بموته منها فغير شهيد في الأظهر؛ وكذا لو مات في قتال البغاة أو

مات في القتال لا بسبب القتال. (و) الثاني (السقط الذي لم يستهل) أي لم يرفع صوته (صارخا). فإن استهل صارخا أو بكى فحكمه كالكبير. والسِّقْط بتثليث السين الولد النازل قبل تمامه، مأخوذ من السقوط. (ويغسل الميت وِترا) ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، (ويكون في أول غسله سدر) أي يسن أن يستعين الغاسل في الغسلة الأولى من غسلات الميت بسدر أو خطمي، (و) يكون (في آخره) أي آخر غسل الميت غير المحرم (شيءٌ) قليل (من كافور) بحيث لا يغير الماء. واعلم أن أقل غسل الميت تعميم بدنه بالماء مرة واحدة؛ وأما أكمله فمذكور في المبسوطات. (ويكفن) الميت، ذكرا كان أو أنثى، بالغا كان أو لاَ (في ثلاثة أثواب بيض)، وتكون كلها لفائف متساوية طولا وعرضا، تستر كل واحدة منها

• الصلاة على الجنازة

جميعَ البدن (ليس فيها قميص ولا عمامة). وإن كفن الذكر في خمسة فهي الثلاثة المذكورة وقميص وعمامة، أو المرأة في خمسة، فهي إزار وخمار وقميص ولفافتان. وأقل الكفن ثوب واحد يستر عورة الميت على الأصح في الروضة وشر ح المهذب. ويختلف قدره بذكورة الميت وأنوثته. ويكون الكفن من جنس ما يلبسه الشخص في حياته. • الصلاة على الجنازة (ويكبر عليه) أي الميت إذا صُلي عليه (أربع تكبيرات)، منها تكبيرة الإحرام؛ ولو كبّر خمسا لم تبطل، لكن لو خمَّس إمامه لم يتابعه بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه، وهو أفضل. و (يقرأ) المصلي (الفاتحة بعد) التكبيرة (الأولى)، ويجوز قراءتها بعد غير الأولى؛ (ويصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد) التكبيرة (الثانية). وأقل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ. (ويدعو للميت بعد الثالثة، فيقول): وأقل الدعاء للميت: «اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ»؛ وأكمله مذكور في قول المصنف في بعض نسخ المتن، وهو: «اللهُمَّ إِنَّ

هذَا عَبْدُكَ وَابنُ عَبْدَيْكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا، وَمَحْبُوبُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ فِيهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاَقِيهِ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأنتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا؛ اللهُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إِلَيكَ شُفَعَاءَ لَهُ؛ اللهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَجَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِهِ بِرَحْمَتِكَ الأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ، حَتَّى تَبْعَثَهُ آمِنًا إِلَى جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ

• دفن الميت

الرَّاحِمِينَ». ويقول في الرابعة: «اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ». ويسلم بعد الرابعة. • دفن الميت (ويُدفن) الميت (في لحد مستقبلَ القبلة). واللَّحْد بفتح اللام وضمها وسكون الحاء ما يحفر في أسفل جانب القبر من جهة القبلة قدر ما يسع الميت ويستره. والدفن في اللحد أفضل من الدفن في الشق إن صلبت الأرض. والشق أن يحفر في وسط القبر كالنهر، ويبنى جانباه، ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه بلبن ونحوه، ويوضع الميت عند مؤخر القبر. وفي بعض النسخ بعد مستقبل القبلة زيادة، وهي: (ويُسَلُّ من قِبَل رأسه) سلا (برفق)، لا بعنف (ويقول الذي يلحده: «بِسْمِ الله وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم».

• البكاء على الميت والتعزية على أهله

ويضجع في القبر بعد أن يعمق قامة وبسطة)، ويكون الاضطجاع مستقبل القبلة على جنبه الأيمن؛ فلو دُفن مستدبرَ القبلةِ أو مستلقيا نُبش، ووُجِّهَ للقبلة مالم يتغير. (ويسطح القبر) ولا يسنم، (ولا يبنى عليه ولا يجصص)، أي يكره تجصيصه بالجص وهو النورة المسماة بالجير. • البكاء على الميت والتعزية على أهله (ولا بأس بالبكاء على الميت) أي يجوز البكاء عليه قبل الموت وبعده؛ وتركه أولى، ويكون البكاء عليه (من غير نَوح)، أي رفع صوت بالندب (ولا شق ثوب) - وفي بعض النسخ «جيب» بدل ثوب. والجيب طوق القميص. (ويعزى أهله) أي أهل الميت صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم إلا الشابة؛ فلا يعزيها إلا محارمها. والتعزية سنة قبل الدفن وبعده (إلى ثلاثة أيام من) بعد (دفنه) إن كان المعزِي والمعزَى حاضرَين؛ فإن كان أحدهما غائبا امتدت التعزية إلى حضوره. والتعزية لغةً التسلية لمن أصيب بمن يعزّ عليه، وشرعًا الأمر بالصبر والحث عليه بوعد الأجر والدعاء

للميت بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة. (ولا يدفن اثنان في قبر) واحد (إلا لحاجة) كضيق الأرض وكثرة الموتى.

كتاب أحكام الزكاة

كتاب أحكام الزكاة وهي لغةً النماء، وشرعًا اسم لمَالٍ مخصوصٍ، يُؤخذ من مال مخصوص، على وجه مخصوص، يصرف لطائفة مخصوصة. • ما تجب فيه الزكاة (تجب الزكاة في خمسة أشياء، وهي: المواشي). ولو عبَّر بالنَّعَم لكان أولى، لأنها أخص من المواشي. والكلام هنا في الأخص. (والأثمان) وأريد بها الذهب والفضة، (والزروع) وأريد بها الأقوات، (والثمار، وعروض التجارة)، وسيأتي كل من الخمسة مفصلا. • زكاة المواشي (فأما المواشي فتجب الزكاة في ثلاثة أجناس منها، وهي: الإبل، والبقر، والغنم)؛ فلا تجب في الخيل والرقيق والمتولَّد مثلا بين غنم وظباء.

• شروط وجوب زكاة المواشي

• شروط وجوب زكاة المواشي (وشرائط وجوبها ستة أشياء). وفي بعض نسخ المتن سِتُّ خصال: (1 - الإسلام)؛ فلا تجب على كافر أصلي. وأما المرتد فالصحيح أن ماله موقوف؛ فإن عاد إلى الإسلام وجبت عليه، وإلا فلا. (2 - والحرية)، فلا زكاة على رقيق. وأما المبعض فتجب عليه الزكاة فيما ملكه ببعض الحُرّ. (3 - والمِلْكُ التام) أي فالملك الضعيف لا زكاة فيه، كالمشتري قبل قبضه لا تجب فيه الزكاة كما يقتضيه كلام المصنف تبعا للقول القديم، لكن الجديد الوجوب. (4 - والنصاب، 5 - والحَول)؛ فلو نقص كل منهما فلا زكاة. (6 - والسوم) وهو الرعي في كلاء مباح؛ فلو علفت الماشية معظمَ الحول فلا زكاة فيها، وإن علفت نصفه فأقل قدرا تعيش بدونه بلا ضرر بيِّن وجبت زكاتها؛ وإلا فلا. • زكاة الذهب والفضة (وأما الأثمان فشيئان: الذهب، والفضة) مضروبين كانا أو لا، وسيأتي نصابهما. • شروط وجوب زكاة الذهب والفضة (وشرائط وجوب الزكاة فيها) أي الأثمان (خمسة أشياء:

• زكاة الزروع والثمار

الإسلام، والحرية، والمِلك التام، والنصاب، والحول). وسيأتي بيان ذلك. • زكاة الزروع والثمار (وأما الزروع) وأراد المصنف بها المقتات من حنطة وشعير وعدس وأرز؛ وكذا ما يُقتات اختيارا كذرة وحمص؛ (فتجب الزكاة فيها بثلاثة شرائط: أن يكون مما يزرعه) أي يستنبته (الآدميون)؛ فإن نبت بنفسه بحمل ماءٍ أو هواء فلا زكاة فيه، (وأن يكون قوتا مدخرا). وسبق قريبا بيان المقتات. وخرج بالقوت ما لا يقتات من الأبزار نحو الكمون، (وأن يكون نصابا، وهو خمسة أوسق لا قشرَ عليها). وفي بعض النسخ «وأن يكون خمسة أوسق» بإسقاط نصاب. (وأما الثمار فتجب الزكاة في شيئين، منها: ثمرة النخل، وثمرة الكرم). والمراد بهاتين الثمرتين التمر والزبيب.

• شروط وجوب زكاة الزروع والثمار

• شروط وجوب زكاة الزروع والثمار (وشرائط وجوب الزكاة فيها) أي الثمار (أربعة أشياء: الإسلام، والحرية، والملك التام، والنصاب). فمتى انتفى شرط من ذلك فلا وجوبَ. • زكاة التجارة (وأما عروض التجارة فتجب الزكاة فيها بالشرائط المذكورة) سابقا (في الأثمان). والتجارة وهي التقليب في المال لغرض الربح.

• نصاب الإبل

• نصاب الإبل {فصل} (وأول نصاب الإبل خمس؛ وفيها شاة) أي جدعة ضأن، لها سنة ودخلت في الثانية، أو ثنية معز، لها سنتان ودخلت في الثالثة. وقوله: (وفي عشر شاتان، وفي خمسة عشر ثلاثُ شياه، وفي عشرين أربعُ شياه، وفي خمس وعشرين بنتُ مخاض من الإبل، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقةٌ، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون) إلى آخره ظاهر غني عن الشرح. وبنت المخاض لها سنة ودخلت في الثانية. وبنت اللبون لها سنتان ودخلت في الثالثة. والحقة لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذعة لها أربع سنين ودخلت في الخامسة. وقوله: (ثم في كل) أي ثم بعد زيادة التسع على مائة وإحدى

• نصاب البقر

وعشرين وزيادة عشر بعد زيادة التسع وجملة ذلك مائة وأربعون يستقيم الحساب على أن في كل (أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) ففي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وهكذا. • نصاب البقر {فصل} (وأول نصاب البقر ثلاثون، و) يجب (فيها) وفي بعض النسخ «وفيه» - أي النصاب (تبيع) ابن سنة ودخل في الثانية. سُمي بذلك لتبعية أمه في المرعى. ولو أخرج تبيعة أجزأت بطريق الأولى. (و) يجب (في أربعين مُسِنَّةٌ) لها سنتان ودخلت في الثالثة. سميت بذلك لتكامل أسنانها. ولو أخرج عن أربعين تبيعين أجزأه على الصحيح. (وعلى هذا أبَدًا فقِسْ). وفي مائة وعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة.

• نصاب الغنم

• نصاب الغنم {فصل} (وأول نصاب الغنم أربعون، وفيها شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز)، وسبق بيان الجذعة والثنية. وقوله: (وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شِياه، وفي أربعمائة أربع شياه، ثم في كل مائة شاة) إلى آخره ظاهر غني عن الشرح. • زكاة المال المشترك {فصل} (والخليطان يزكِّيان) بكسر الكاف (زكاةَ) الشخص (الواحد). والخِلطة قد تفيد الشريكين تخفيفا، بأن يملكا ثمانين شاة بالسوية بينهما فيلزمهما شاةٌ، وقد تفيد تثقيلا، بأن يملكا أربعين شاة بالسوية بينهما فيلزمهما شاة، وقد تفيد تخفيفا على أحدهما وتثقيلا على الآخر، كأن

يملكا ستين، لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها، وقد لا تفيد تخفيفا ولا تثقيلا، كأن يملكا مائتي شاة بالسوية بينهما. وإنما يزكيان زكاة الواحد (بسبع شرائط: إذا كان) وفي بعض النسخ «إن كان» (المُراح واحدا)، وهو بضم الميم مأوى الماشية ليلا (والمَسرح واحدا). والمراد بالمسرح الموضع الذي تسرح إليه الماشية، (والمَرعَى) والراعي (واحدا، والفَحل واحدا) أي إن اتحد نوع الماشية؛ فإن اختلف نوعها كضأن ومعز فيجوز أن يكون لكل منهما فحل يطرق ماشيته، (والمشرب) أي الذي تشرب منه الماشية، كعين أو نهر أو غيرهما (واحدا). وقوله: (والحالب واحدا) هو أحد الوجهين في هذه المسألة،

• نصاب الذهب والفضة

والأصح عدم الاتحاد في الحالب؛ وكذا المِحْلَب بكسر الميم، وهو الإناء الذي يحلب فيه، (وموضع الحلَب) بفتح اللام (واحدا). وحكى النووي اسكان اللام، وهو اسم اللبن، ويطلق على المصدر. قال بعضهم هو المراد هنا. • نصاب الذهب والفضة {فصل} (ونصاب الذهب عشرون مثقالا) تحديدا بوزن مكة، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، (وفيه) أي نصاب الذهب (ربع العشر، وهو نصف مثقال، وفيما زاد) على عشرين مثقالا (بحسابه) وإن قل الزائد.

• نصاب الزروع والثمار

(ونصاب الوَرِق) بكسر الراء، وهو الفِضَّة (مائتا درهم، وفيه ربع العشر، وهو خمسة دراهم وفيما زاد) على المائتين (بحسابه) وإن قل الزائد، ولا شيء في المغشوش من ذهب أو فضة حتى يبلغ خالصه نصابا. (ولا يجب في الحلي المباح زكاة). أما المحرم كسوار وخلخال لرجل وخنثى فتجب الزكاة فيه. • نصاب الزروع والثمار {فصل} (ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق) من الوسق، مصدر بمعنى الجمع، لأن الوسق يجمع الصيعان، (وهي) أي الخمسة أوسق (ألف وستمائة رطل بالعراقي)؛ وفي بعض النسخ «بالبغدادي»، (وما زاد

• تقويم عروض التجارة

فبحسابه). ورطل بغداد عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، (وفيها) أي الزروع والثمار (إن سُقِيَت بماء السماء) وهو المطر ونحوه كالثلج (أو السَيْح) وهو الماء الجاري على الأرض بسبب سد النهر فيصعد الماء على وجه الأرض فيسقيها (العشر، وإن سُقيت بدُولاب) بضم الدال وفتحها، مَا يديره الحيوان (أو) سقيت (بنضح) من نهر أو بئر بحيوان كبعير أو بقرة (نصف العشر). وفيما سقي بماء السماء والدولاب مثلا سواء ثلاثة أرباع العشر. • تقويم عروض التجارة {فصل} (وتُقوَّم عروضُ التجارة عند آخر الحول بما اشتريت به) سواء كان ثمن مال التجارة نصابا أم لا؛ فإن بلغت قيمةُ العروض آخر الحول نصابا زكَّاها، وإلا فلا (ويُخرَج من ذلك) بعد بلوغ قيمة مال التجارة نصابا (ربع العشر) منه.

• زكاة المعدن والركاز

• زكاة المعدن والركاز (وما استخرج من معادن الذهب والفضة يخرج منه) إن بلغ نصابا (ربعُ العشر في الحال) إن كان المُستخرِج من أهل وجوب الزكاة. والمعادن جمع مَعدَِن بفتح داله وكسرها، اسم لمكانٍ خلق الله تعالى فيه ذلك من موات أو ملك. (وما يوجد من الركاز) وهو دفين الجاهلية، وهي الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الإسلام (ففيه) أي الركاز (الخمس). ويُصرَف مصرف الزكاة على المشهور، ومقابله أنه يصرف إلى أهل الخمس المذكورين في آية الفيء. • زكاة الفطر {فصل} (وتجب زكاة الفطر) ويقال لها زكاة الفطرة أي الخلقة (بثلاثة أشياء:

الإسلام)؛ فلا فطرة على كافر أصلي إلا في رقيقه وقريبه المسلمين، (وبغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان). وحينئذ فتُخرَج زكاة الفطر عمن مات بعد الغروب دون من وُلد بعده، (ووجود الفضل) وهو يسار الشخص بما يفضل (عن قوته وقوت عياله في ذلك اليوم)، أي يوم عيد الفطر وكذا ليلته أيضا. (ويزكي) الشخص (عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من المسلمين)؛ فلا يلزم المسلمَ فطرةُ عبد وقريب وزوجة كفارٍ وإن وجبت نفقتهم، وإذا وجبت الفطرة على الشخص فيخرج (صاعا من قُوت بلده) إن كان بلديا. فإن كان في البلد أقوات غلب بعضها وجب الإخراج منه. ولو كان الشخص في بادية لا قوت فيها أخرج من قوت أقرب البلاد إليه. ومن لم يوسر بصاع بل ببعضه لزمه ذلك البعض.

• من تدفع له الزكاة

(وقدره) أي الصاع (خمسة أرطال وثلث بالعراقي)، وسبق بيان الرطل العراقي في نصاب الزروع. • من تدفع له الزكاة {فصل} (وتدفع الزكاة إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]، هو ظاهر غني عن الشرح إلا معرفة الأصناف المذكورة. فالفقير في الزكاة هو الذي لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته؛ أما الفقير العرايا فهو من لا نقد بيده.

والمسكين من قدر على مال أو كسب يقع كل منهما موقعا من كفايته ولا يكفيه، كمن يحتاج إلى عشرة دراهم وعنده سبعة. والعامل من استعمله الإمام على أخذ الصدقات ودفعها لمستحقيها. والمؤلفة قلوبهم وهم أربعة أقسام: أحدها مؤلفة المسلمين، وهو من أسلم ونيته ضعيفة في الإسلام فتألف بدفع الزكاة له، وبقية الأقسام مذكورة في المبسوطات. وفي الرقاب وهم المكاتبون كتابة صحيحة؛ أما المكاتب كتابة فاسدة فلا يعطى من سهم المكاتبين. والغارم على ثلاثة أقسام: أحدها من استدان دينا لتسكين فتنة بين طائفتين في قتيل لم يطهر قاتله، فتحمل دينا بسبب ذلك فيقضى دينه من سهم الغارمين، غنيا كان أو فقيرا. وإنما يعطى الغارم عند بقاء الدين عليه؛ فإن أداه من ماله أو دفعه ابتداء لم يعط من سهم الغارمين؛ وبقية أقسام الغارمين في المبسوطات. وأما سبيل الله فهم الغزاة الذين لا سهم لهم في ديوان المرتزقة، بل هم متطوعون بالجهاد. وأما ابن سبيل فهو من ينشئ سفرا من بلد الزكاة أو يكون مجتازا ببلدها، ويشترط فيه الحاجة وعدم المعصية.

• من لا تدفع له الزكاة

وقوله: (وإلى من يوجد منهم) أي الأصناف فيه إشارة إذا فقد بعض الأصناف ووجد البعض تصرف لمن يوجد منهم؛ فإن فقدوا كلهم حفظت الزكاة حتى يوجدوا كلهم أو بعضهم. (ولا يقتصر) في إعطاء الزكاة (على أقل من ثلاثة من كل صنف) من الأصناف الثمانية (إلا العامل)؛ فإنه يجوز أن يكون واحدا إن حصلت به الحاجة - وفي بعض النسخ «الكفاية» - فإن صرف لاثنين من كل صنف غرم للثالث أقل متمول. وقيل يغرم له الثلث. • من لا تدفع له الزكاة (وخمسة لا يجوز دفعها) أي الزكاة (إليهم: الغني بمال أو كسب، والعبد، وبنو هاشم، وبنو المطلب) سواء منعوا حقهم من خمس الخمس أم لا، وكذا عتقاؤهم لا يجوز دفع الزكاة إليهم. ويجوز لكل منهم أخذ صدقة التطوع على المشهور، (والكافر). وفي بعض النسخ «ولا تصح للكافر». (ومن تلزم المزكيَ نفقتُه لا يدفعها) أي الزكاة (إليهم باسم

الفقراء والمساكين). ويجوز دفعها إليهم باسم كونهم غُزاةً وغارمين مثلا.

كتاب بيان أحكام الصيام

كتاب بيان أحكام الصيام وهو والصَوم مصدران، معناهما لغةً الإمساك، وشرعًا إمساك عن مفطر بنية مخصوصة، جميعَ نهار قابل للصوم، من مسلمٍ عاقلٍ طاهر من حيض ونفاس. • شروط وجوب الصيام (وشرائط وجوب الصيام ثلاثة أشياء): وفي بعض النسخ «أربعة أشياء»: (الإسلام، والبلوغ، والعقل؛ والقدرة على الصوم). وهذا هو الساقط على نسخة الثلاثة؛ فلا يجب الصوم على المتصف بأضداد ذلك. • فرائض الصوم (وفرائض الصوم أربعة أشياء): أحدها (النية) بالقلب؛ فإن كان الصوم فرضًا كرمضانَ أو نذرا فلا بد من إيقاع النية ليلا، ويجب التعيين في صوم الفرض كرمضان؛ وأكمل

• ما يفطر به الصائم

نية صومه أن يقول الشخص: «نَوَيتُ صَوْمَ غَدٍ عَن أدَاء فَرْضِ رَمَضَانِ هذِهِ السَّنةِ لِلّهِ تعالى». (و) الثاني (الإمساك عن الأكل والشرب) وإن قل المأكول والمشروب عند التعمد؛ فإن أكل ناسيا أو جاهلا لم يفطر إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، وإلا أفطر. (و) الثالث (الجماع) عامدا؛ وأما الجماع ناسيا فكالأكل ناسيا. (و) الرابع (تعمد التقيء)؛ فلو غلبه القيء لم يبطل صومُه. • ما يفطر به الصائم (والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء): أحدها وثانيها (ما وصل عمدا إلى الجوف) المنفتح (أو) غير المنفتح كالوصول من مأمومة إلى (الرأس)؛ والمراد إمساك الصائم عن وصول عين إلى ما يسمى جوفا. (و) الثالث (الحقنة في أحد السبيلين)، وهي دواء يحقن به المريض في قبل أو دبر، المعبر عنهما في المتن بالسبيلين. (و) الرابع (القيء عمدا)؛ فإن لم يتعمد لم يبطل صومه كما سبق.

• ما يستحب للصائم

(و) الخامس (الوطء عمدا في الفرج)؛ فلا يفطر الصائم بالجماع ناسيا كما سبق. (و) السادس (الإنزال) وهو خروج المني (عن مباشرة) بلا جماع محرما كإخراجه بيده أو غيرَ محرم كإخراجه بيد زوجته أو جاريته. واحترز بمباشرة عن خروج المني باحتلام، فلا إفطار به جزما. (و) السابع إلى آخر العشرة (الحيض، والنفاس، والجنون، والردة). فمتى طرأ شيء منها في أثناء الصوم أبطله. • ما يستحب للصائم (ويُستحب في الصوم ثلاثة أشياء): أحدها (تعجيل الفطر) إن تحقق الصائمَ غروبُ الشمس؛ فإن شكَّ فلا يعجل الفطرَ. ويسن أن يُفطِر على تمر، وإلا فماء. (و) الثاني (تأخير السحور) مالم يقع في شك، فلا يؤخر. ويحصل السحور بقليل الأكل والشرب. (و) الثالث (ترك الهُجْر) أي الفُحش (من الكلام) الفاحش، فيصون الصائم لسانَه عن الكذب والغِيبة ونحو ذلك، كالشتم. وإن شتمه أحدٌ

• الأيام التي يحرم فيها الصوم ويكره

فليقل مرتين أو ثلاثا: «إني صائم»، إما بلسانه - كما قال النووي في الأذكار - أو بقلبه - كما نقله الرافعي عن الأئمة. واقتصر عليه. • الأيام التي يحرم فيها الصوم ويكره (ويحرم صيام خمسة أيام: العيدان) أي صوم يوم عيد الفطر وعيد الأضحى، (وأيام التشريق) وهي (الثلاثة) التي بعد يوم النحر. (ويكره) تحريما (صوم يوم الشك) بلا سبب يقتضي صومه. وأشار المصنف لبعض صُوَر هذا السبب بقوله: (إلا أن يوافق عادة له) في تطوعه، كمن عادته صيام يوم وإفطار يوم؛ فوافق صومُه يومَ الشكِّ، وله صيام يوم الشك أيضا عن قضاء ونذر. ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال ليلتها مع الصحو، أو تحدث الناس برؤيته ولم يعلم عدل رآه، أو شهد برؤيته صبيانٌ أو عبيدٌ أو فسقةٌ. • الجماع في نهار رمضان (ومن وطئ في نهار رمضان) حال كونه (عامدا في الفرج) وهو مكلف بالصوم ونوى من الليل وهو آثم بهذا الوطء لأجل الصوم، (فعليه القضاء والكفارة؛ وهي عتق رقبة مؤمنة). وفي بعض النسخ «سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب»؛ (فإن لم يجدها فصيام

• قضاء الصوم عن الميت

شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع) صومهما (فإطعام ستين مسكينا) أو فقيرا، (لكل مسكين مد) أي مما يجزئ في صدقة الفطر؛ فإن عجز عن الجميع استقرت الكفارة في ذمته؛ فإذا قدر بعد ذلك على خصلة من خصال الكفارة فعلها. • قضاء الصوم عن الميت (ومن مات وعليه صيام) فائت (من رمضان) بعذر، كمن أفطر فيه لمرض ولم يتمكن من قضائه، كأن استمر مرضه حتى مات فلا إثم عليه في هذا الفائت، ولا تُدَارك له بالفدية؛ وإن فات بغير عذر ومات قبل التمكن من قضائه (أطعم عنه) أي أخرج الولي عن الميت من تركته (لكل يوم) فات (مُدُّ) طَعامٍ، وهو رطل وثلث بالبغدادي، وهو بالكيل نصف قدح مصري. وما ذكره المصنف هو القول الجديد؛ والقديم لا يتعين الإطعام، بل يجوز للولي أيضا أن يصوم عنه، بل يسن له ذلك - كما في شرح المهذب، وصَوَّب في الروضة الجزم بالقديم.

• صوم الكبير

• صوم الكبير (والشيخ الهرم) والعجوز والمريض الذي لا يُرجى بُرؤه (إذاعجز) كل منهم (عن الصوم يفطر ويطعم عن كل يوم مدا)، ولا يجوز تعجيل المد قبل رمضان، ويجوز بعد فجر كل يوم. • صوم الحامل والمرضع (والحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما) ضررا يلحقهما بالصوم، كضرر المريض (أفطرتا، و) وجب (عليهما القضاء، وإن خافتا على أولادهما) أي إسقاط الولد في الحامل وقلة اللبن في المرضع (أفطرتا، و) وجب (عليهما القضاء) للإفطار (والكفارة) أيضا. والكفارة أن يُخرج (عن كل يوم مد؛ وهو) كما سبق (رطل وثلث بالعراقي). ويعبر عنه بالبغدادي. • صوم المريض والمسافر (والمريض والمسافر سفرًا طويلا) مباحا إن تضررا بالصوم (يفطران ويقضيان). وللمريض إن كان مرضه مطبقا تركُ النية من الليل، وإن لم

• الاعتكاف

يكن مطبقا كما لو كان يحُمّ وقتا دون وقت، وكان وقت الشروع في الصوم محموما فله ترك النية، وإلا فعليه النية ليلا؛ فإن عادت الحُمَّى واحتاج للفطر أفطر. وسكت المصنف عن صوم التطوع، وهو مذكور في المطولات، ومنه صوم عرفة وعاشوراء وتاسوعا وأيام البيض وستة من شوال. • الاعتكاف {فصل} في أحكام الاعتكاف. وهو لغةً الإقامة على الشيء من خير أو شر، وشرعًا إقامة بمسجد بصفة مخصوصة. (والاعتكاف سنة مستحبة) في كل وقت، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره لأجل طلب ليلة القدر. وهي عند الشافعي - رضي الله عنه - منحصرة في العشر الأخير من رمضان؛ فكل ليلة منه محتملة لها، لكن ليالي الوتر أرجاها، وأرجى ليالي الوتر ليلة الحادي أو الثالث والعشرين. (وله) أي للاعتكاف المذكور (شرطان): أحدهما (النية)، وينوي في الاعتكاف المنذور الفرضيةَ أو النذرَ، (و) الثاني (اللبث في المسجد). ولا يكفي في اللبث قدر الطمأنينة،

• مبطلات الاعتكاف

بل الزيادة عليه بحيث يسمى ذلك اللبث عكوفا. وشرط المعتكف إسلام وعقل ونقاء عن حيض ونفاس وجنابة؛ فلا يصح اعتكاف كافر ومجنون وحائض ونفساء وجنب. ولو ارتد المعتكف أو سكر بطل اعتكافه. (ولا يخرج) المعتكف (من الاعتكاف المنذور إلا لحاجة الإنسان) من بول وغائط وما في معناهما كغسل جنابة (أو عذر من حيض) أو نفاس، فتخرج المرأة من المسجد لأجلهما (أو) عذر من (مرض لا يمكن المقام معه) في المسجد، بأن كان يحتاج لفرش وخادم وطبيب أو يخاف تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول. وخرج بقول المصنف لا يمكن إلخ المرضُ الخفيف كحُمَّى خفيفةٍ، فلا يجوز الخروج من المسجد بسببها. • مبطلات الاعتكاف (ويبطل) الاعتكاف (بالوطء) مختارا ذاكرا للاعتكاف عالما بالتحريم. وأما مباشرة المعتكف بشهوة فتبطل اعتكافه إن أنزل، وإلا فلا

كتاب أحكام الحج

كتاب أحكام الحج وهو لغةً القصدُ، وشَرعًا قصد البيت الحرام للنُسُك. • شروط وجوب الحج (وشرائط وجوب الحج سبعة أشياء). وفي بعض النسخ «سبع خصال»: (الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية)؛ فلا يجب الحج على المتصف بضد ذلك، (ووجود الزاد) وأوعيته إن احتاج إليها. وقد لا يحتاج إليها كشخص قريب من مكة. ويشترط أيضا وجود الماء في المواضع المعتاد حمل الماء منها بثمن المثل، (و) وجود (الراحلة) التي تصلح لمثله بشراء أو استئجار. هذا إذا كان الشخص بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر، سواء قدر على المشي أم لا، فإن كان بينه وبين مكة دون مرحلتين، وهو قوي على المشي لزمه الحج بلا راحلة. ويشترط كون ما ذكر فاضلا عن دَينه وعن مؤنةِ مَن عليه مؤنتُهم مدةَ ذهابه وإيابه، وفاضلا أيضا عن مسكنه اللائق به وعن عبد يليق به، (وتخلية الطريق). والمراد بالتخلية هنا أمن الطريق ظنا بحسب ما يليق بكل مكان؛ فلو لم يأمن الشخص على

• أركان الحج

نفسه أو ماله أو بُضعه لم يجب عليه الحج. وقوله: (وإمكان المسير) ثابت في بعض النسخ. والمراد بهذا الإمكان أن يبقى من الزمان بعد وجود الزاد والراحلة ما يمكن فيه السير المعهود إلى الحج؛ فإن أمكن إلا أنه يحتاج لقطع مرحلتين في بعض الأيام لم يلزمه الحج للضرر. • أركان الحج (وأركان الحج أربعة): أحدها (الإحرام مع النية) أي نية الدخول في الحج. (و) الثاني (الوقوف بعرفة). والمراد حُضور المُحرِم بالحَج لحظةً بعدَ زوال الشمس يومَ عرفةَ، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة بشرط كون الواقف أهلا للعبادة، لا مجنونا ولا مُغْمَى عليه. ويستمر وقت الوقوف إلى فجر يوم النحر، وهو العاشر من ذي الحجة. (و) الثالث (الطواف بالبيت) سبع طوفات جاعلا في طوافه البيتَ عن يساره مبتدئا بالحجر الأسود محاذيا له في مروره بجميع بدنه؛ فلو بدأ بغير الحجر لم يحسب له.

• أركان العمرة

(و) الرابع (السعي بين الصفا والمروة) سبع مرات. وشرطه أن يبدأ في أول مرة بالصفا ويختم بالمروة، ويُحسب ذهابه من الصفا إلى المروة مرةً، وعوده منها إليه مرة أخرى. والصفا بالقصر طرف جبل أبي قبيس، والمَروة بفتح الميم علَم على الموضع المعروف بمكة. وبقي من أركان الحج الحَلق أو التقصير إن جعلنا كلا منهما نُسكا، وهو المشهور. فإن قلنا إن كلا منهما استباحة محظور فليسا من الأركان. ويجب تقديم الإحرام على كل الأركان السابقة. • أركان العمرة (وأركان العمرة ثلاثة) - كما في بعض النسخ، وفي بعضها «أربعة أشياء»: (الإحرام، والطواف، والسعي؛ والحلق أو التقصير في أحد القولين). وهو الراجح - كما سبق قريبا؛ وإلا فلا يكون من أركان العمرة. • واجبات الحج (وواجبات الحج غير الأركان ثلاثة أشياء):

أحدها (الإحرام من الميقات) الصادق بالزماني والمكاني؛ فالزماني بالنسبة للحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة. وأما بالنسبة للعمرة فجميع السَّنَة وقت لإحرامها. والميقات المكاني للحج في حق المقيم بمكة نفس مكة، مكيًّا كان أو آفاقيا. وأما غير المقيم في مكة فميقات المتوجه من المدينة الشريفة ذو الحُلَيفَة، والمتوجه من الشام ومصر

• سنن الحج

والمغرب الجُحْفَة، والمتوجه من تِهامة اليمن يَلَمْلَم، والمتوجه من نجد الحجاز ونجد اليمن قَرْن، والمتوجه من المشرق ذات عِرْق. (و) الثاني (رمي الجمار الثلاث) يبدأ بالكبرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة. ويرمى كل جمرة بسبع حصيات واحدةً بعد واحدة؛ فلو رمى حصاتين دفعة واحدة حسبت واحدة، ولو رمى حصاة واحدة سبع مرات كفى. ويشترط كون المرمَى به حجرا، فلا يكفي غيره كلؤلؤ وجص، (و) الثالث (الحلق) أو التقصير. والأفضل للرجل الحلق، وللمرأة التقصير. وأقل الحلق إزالة ثلاث شعرات من الرأس حلقا أو تقصيرا أو نتفا أو إحراقا أو قصًّا. ومن لا شعر برأسه يُسنُّ له إمرار المُوسَى عليه. ولا يقوم شعر غير الرأس من اللحية وغيرها مقام شعر الرأس. • سنن الحج (وسنن الحج سبع): أحدها (الإفراد، وهو تقديم الحج على العمرة)، بأن يُحرِم أولاً بالحج من ميقاته ويفرغ منه، ثم يخرج عن مكة إلى أدنى الحِلِّ فيُحرِم بالعمرة، ويأتي بعملها؛ ولو عكس لم يكن مُفرِدًا.

(و) الثاني (التلبية)، ويسن الإكثار منها في دوام الإحرام. ويرفع الرجل صوته بها. ولفظها: «لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيْكَ لَكَ». وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأل اللهَ تعالى الجنة ورضوانه واستعاذ به من النار. (و) الثالث (طواف القدوم). ويختص بحاجٍّ دخل مكة قبل الوقوف بعرفة. والمعتمر إذا طاف العمرة أجزأه عن طواف القدوم. (و) الرابع (المبيت بمزدلفةَ). وعَدّه من السنن هو ما يقتضيه كلام الرافعي، لكن الذي في زيادة الروضة وشرح المهذب أن المبيت بمزدلفة واجب. (و) الخامس (ركعتا الطواف) بعد الفراغ منه، ويصليهما خلف مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ ويُسِرُّ بالقراءة فيهما نهارا، ويجهر بها ليلا. وإذا لم يصلهما خلفَ المقام ففي الحِجر، وإلا ففي المسجد، وإلا ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره. (و) السادس (المبيت بمنى). هذا ما صححه الرافعي، لكن صحح النووي في زيادة الروضة الوجوب.

• الإحرام

(و) السابع (طواف الوداع) عند إرادة الخروج من مكة لسفر، حاجا كان أو لا، طويلا كان السفر أو قصيرا. وما ذكره المصنف من سنيته قول مرجوح، لكن الأظهر وجوبه. • الإحرام (ويتجرد الرجل) حتما - كما في شرح المهذب - (عند الإحرام عن المخيط) من الثياب وعن منسوجها وعن معقودها وعن غير الثياب من خُفٍّ ونعل، (ويلبس إزارا ورداء أبيضين) جديدين، وإلا فنظيفين. • ما يحرم على المحرم {فصل} في أحكام محرمات الإحرام، وهي ما يحرم بسبب الإحرام. (ويحرُم على المُحرِم عشرةُ أشياء):

أحدها (لبس المخيط) كقميص وقباء وخف، ولبس المنسوج كدِرْعٍ، أو المعقود كلِبد في جميع بدنه. (و) الثاني (تغطية الرأس) أو بعضه (من الرجل) بما يُعَدُّ ساترا، كعِمامة وطين؛ فإن لم يُعدّ ساترا لم يضُرَّ، كوضع يده على بعض رأسه، وكانغماسه في ماء واستظلاله بمحمل وإن مس رأسه، (و) تغطية (الوجه) أو بعضه (من المرأة) بما يعد ساترا، ويجب عليها أن تستر من وجهها ما لا يتأتى ستر جميع الرأس إلا به. ولها أن تسبل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها. والخنثى - كما قاله القاضي أبو الطيب - يؤمر بالستر ولبس المخيط. وأما الفدية فالذي عليه الجمهور أنه إن ستر وجهه أو رأسه لم تجب الفدية للشك وإن سترهما وجبت. (و) الثالث (ترجيل) أي تسريح (الشعر) كذا عدَّه المصنف من المحرمات، لكن الذي في شرح المهذب أنه مكروه، وكذا حَكُّ الشعر بالظفر.

(و) الرابع (حلقه) أي الشعر أو نتفه أو إحراقه. والمراد إزالته بأيِّ طريق كان ولو ناسيا. (و) الخامس (تقليم الأظفار) أي إزالتها من يد أو رِجل بتقليم أو غيره، إلا إذا انكسر بعضُ ظفر المحرم وتأذى به، فله إزالة المنكسر فقط. (و) السادس (الطيب) أي استعماله قصدا بما يقصد منه رائحة الطيب نحو مسك وكافور في ثوبه، بأن يلصقه به على الوجه المعتاد في استعماله أو في بدنه، ظاهره أو باطنه، كأكله الطيب، ولا فرق في مُستعمِل الطيب بين كونه رَجُلا أو امرأة، أخشمَ كان أو لا. وخرج بـ «قصدا» ما لو ألقت عليه الريح طيبا أو أُكرِه على استعماله أو جهل تحريمَه أو نسي أنه مُحرِم، فإنه لا فدية عليه؛ فإن علم تحريمه وجهل الفدية وجبت. (و) السابع (قتل الصيد) البري المأكول أو ما في أصله مأكول من وحش وطير. ويحرم أيضا صيده، ووضع اليد عليه والتعرض لجزئه وشعره وريشه. (و) الثامن (عقد النكاح) فيحرم على المحرم أن يعقد النكاح لنفسه أو غيره، بوكالة أو ولاية. (و) التاسع (الوطء) من عاقل عالم بالتحريم، سواء جامَع في حج أو

• فوات الوقوف بعرفة

عمرة، في قبل أو دبر، من ذكر أو أنثى، زوجة أو مملوكة أو أجنبية. (و) العاشر (المباشرة) فيما دون الفرج كلمس وقُبلة (بشهوة)؛ أما بغير شهوة فلا يحرم. (وفي جميع ذلك) أي المحرمات السابقة (الفدية) وسيأتي بيانها. والجماع المذكور تفسد به العمرة المفردة. أما التي في ضمن حج في قران فهي تابعة له صحةً وفسادا. وأما الجماع فيفسد الحج قبل التحلل الأول بعد الوقوف أو قبله. أما بعد التحلل الأول فلا يفسد (إلا عقد النكاح؛ فإنه لا ينعقد ولا يفسده إلا الوطء في الفرج)، بخلاف المباشرة في غير الفرج، فإنها لا تفسده. (ولا يخرج) المحرم (منه بالفساد) بل يجب عليه المضي في فاسده. وسقط في بعض النسخ قوله: «في فاسده» أي النسك من حج أو عمرة، بأن يأتي ببقية أعماله. • فوات الوقوف بعرفة (ومن) أي والحاج الذي (فاته الوقوف بعرفةَ) بعذر وغيره (تحلل)

حتمًا (بعمل عمرة)، فيأتي بطواف وسعي إن لم يكن سعي بعد طواف القدوم، (وعليه) أي الذي فاته الوقوف (القضاء) فورا، فرضا كان نسكه أو نفلا. وإنما يجب القضاء في فوات لم ينشأ عن حصر؛ فإن أحصر شخص وكان له طريق غير التي وقع الحصر فيها لزمه سلوكُها وإن علم الفوات. فإن مات لم يقض عنه في الأصح. (و) عليه مع القضاء (الهدي). ويوجد في بعض النسخ زيادة، وهي: (ومن ترك ركنا) مما يتوقف عليه الحج (لم يحل من إحرامه حتى يأتي به) ولا يجبر ذلك الركن بدم؛ (ومن ترك واجبا) من واجبات الحج (لزمه الدم) وسيأتي بيان الدم. (ومن ترك سنة) من سنن الحج (لم يلزمه بتركها شيءٌ). وظهر من كلام المتن الفرق بين الركن والواجب والسنة.

• الدماء الواجبة في الإحرام

• الدماء الواجبة في الإحرام {فصل} في أنواع الدماء الواجبة في الإحرام بترك واجب أو فعل حرام. (والدماء الواجبة في الإحرام خمسة أشياء: أحدها الدم الواجب بترك نسك) أي تركِ مأمور به، كترك الإحرام من الميقات، (وهو) أي هذا الدم (على الترتيب) فيجب أولاً بترك المأمور به (شاة) تجزئ في الأضحية، (فإن لم يجدها) أصلا أو وجدها بزيادة على ثمن مثلها (فصيام عشرة أيام: ثلاثة في الحج) تسن قبل يوم عرفة، فيصوم سادسَ ذي الحجة وسابعَه وثامنه، (و) صيام (سبعة إذا رجع إلى أهله) ووطنه. ولا يجوز صيامها في أثناء الطريق. فإن أراد الإقامة بمكةَ صامها - كما في المحرر. ولو لم يصم الثلاثةَ في الحج ورجع لزمه صوم العشرة، وفرَّق بين الثلاثة والسبعة بأربعة أيام ومدة إمكان السير إلى الوطن. وما ذكره المصنف من كون الدم المذكور دم ترتيب موافق لما في الروضة وأصلها وشرح المهذب، لكن الذي في المنهاج تبعا للمحرر أنه دم ترتيب وتعديل؛ فيجب أولا شاة،

فإن عجز عنها اشترى بقيمتها طعاما وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما. (والثاني الدم الواجب بالحلق والترفه) كالطيب والدهن والحلق، إما لجميع الرأس أو لثلاث شعرات، (وهو) أي هذا الدم (على التخيير)، فيجب إما (شاة) تجزئ في الأضحية (أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصُعٍ على ستة مساكين) أو فقراء، لكل منهم نصف صاع من طعام يجزئ في الفطرة. (والثالث الدم الواجب بإحصار، فيتحلل) المحرم بنية التحلل، بأن يقصد الخروج من نسكه بالإحصار (ويُهدِي) أي يذبح (شاة) حيث أحصر ويحلق رأسه بعد الذبح. (والرابع الدم الواجب بقتل الصيد، وهو) أي هذا الدم (على التخيير) بين ثلاثة أمور (إن كان الصيد مما له مثلٌ). والمراد بمثل الصيد ما يقاربه في الصورة.

وذكر المصنف الأول من هذه الثلاثة في قوله: (أخرج المثل من النَّعَم) أي يذبح المثل من النعم ويتصدق به على مساكين الحرم وفقرائه؛ فيجب في قتل النعامة بدنةٌ، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الغزال عنز. وبقية الصور الذي له مثل من النعم مذكورة في المطولات. وذكر الثاني في قوله: (أو قوَّمه) أي المثل بدراهم بقيمة مكة يومَ الإخراج (واشترى بقيمته طعاما) مجزئا في الفطرة (وتصدق به) على مساكين الحرم وفقرائه. وذكر المصنف أيضا الثالث في قوله: (أو صام عن كل مد يوما). فإن بقي أقل من مد صام عنه يوما. (وإن كان الصيد مما لا مثل له) فيتخير بين أمرين ذكرهما المصنف في قوله: (أخرج بقيمته طعاما) وتصدق به، (أو صام عن كل مد يوما). وإن بقي أقل من مد صام عنه يوما. (والخامس الدم الواجب بالوطء) من عاقل عامد عالم بالتحريم، سواء جامع في قُبل أو دُبر كما سبق. (وهو) أي هذا الدم الواجب (على

الترتيب)؛ فيجب به أولا (بدنةٌ) وتطلق على الذكر والأنثى من الإبل، (فإن لم يجدها فبقرة، فإن لم يجدها فسبع من الغنم، فإن لم يجدها قوَّم البدنة) بدراهم بسعر مكة وقت الوجوب، (واشترى بقيمتها طعاما وتصدق به) على مساكين الحرم وفقرائه، ولا تقدير في الذي يدفع لكل فقير. ولو تصدق بالدراهم لم يجزه، (فإن لم يجد) طعاما (صام عن كل مد يوما). واعلم أن الهَدْي على قسمين: أحدهما ما كان عن إحصار، وهذا لا يجب بعثه إلى الحرم، بل ذبح في موضع الإحصار؛ والثاني الهدي الواجب بسبب ترك واجب أو فعل حرام، ويختص ذبحه بالحرم. وذكر المصنف هذا في قوله: (ولا يجزئه الهدي ولا الإطعام إلا بالحرم). وأقل ما يجزئ أن يدفع الهدي إلى ثلاثة مساكين أو فقراء. (ويجزئه أن يصوم حيث شاء) من حرم أو غيره.

(ولا يجوز قتل صيد الحرم) ولو كان مُكرَهًا على قتله. ولو أحرم ثم جُنَّ فقتل صيدا لم يضمنه في الأظهر. (ولا) يجوز (قطع شجره) أي الحرم، ويضمن الشجرة الكبيرة ببقرة، والصغيرة بشاة، كل منهما بصفة الأضحية. ولا يجوز أيضا قطع ولا قلع نبات الحرم الذي لا يستنبته الناس، بل ينبت بنفسه. أما الحشيش اليابس فيجوز قطعه لا قلعه. (والمُحِلُّ) بضم الميم أي الحلال (والمُحْرِم في ذلك) الحكم السابق (سواء). ولما فرغ المصنف من معاملة الخالق، وهي العبادات أخذ في معاملة الخلائق، فقال:

كتاب أحكام البيوع وغيرها من المعاملات كقراض وشركة

كتاب أحكام البيوع وغيرها من المعاملات كقراض وشركة والبيوعُ جمعُ بَيع، والبَيعُ لغةً مُقابلةُ شيءٍ بشيء، فدخل ما ليس بمال كخمر؛ وأما شرعا فأحسن ما قيل في تعريفه: أنه تمليك عين مالية بمعاوضة بإذن شرعي، أو تمليك منفعة مباحة على التأبيد بثمن مالي. فخرج بمعاوضة القرضُ، وبإذن شرعي الربا. ودخل في منفعة تمليكُ حق البناء، وخرج بثمنٍ الأجرةُ في الإجارة؛ فإنها لا تسمى ثمنا. (البيوع ثلاثة أشياء): أحدها (بيع عين مشاهدة) أي حاضرة (فجائز) إذا وجدت الشروط من كون المبيع طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسليمه، للعاقد عليه ولاية. ولا بد في البيع من إيجاب وقبول؛ فالأول كقول البائع أو القائم مقامه: «بعتُك وملكتُك بكذا»؛ والثاني كقول المشتري أو القائم مقامه: «اشتريت وتملكتُ» ونحوهما. (و) الثاني من الأشياء (بيع شيء موصوف في الذمَّة) ويسمى هذا بالسلم (فجائز إذا وجدت) فيه (الصفة على ما وُصف به) من صفات

• الربا في الذهب والفضة والمطعومات

السلَم الآتية في فصل السلم. (و) الثالث (بيع عين غائبة لم تشاهد) للمتعاقدين؛ (فلا يجوز) بيعها. والمراد بالجواز في هذه الثلاثة الصحةُ. وقد يشعر قوله: «لم تشاهد» بأنها إن شوهدت ثم غابت عند العقد أنه يجوز، ولكن محل هذا في عين لا تتغير غالبا في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء. (ويصح بيع كل طاهر منتفع به مملوك). وصرح المصنف بمفهوم هذه الأشياء في قوله: (ولا يصح بيع عين نجسة) ولا متنجسة كخمر ودهن وخل متنجس ونحوه مما لا يمكن تطهيره، (ولا) بيع (ما لا منفعة فيه) كعقرب ونمل وسبع لا ينفع. • الربا في الذهب والفضة والمطعومات {فصل} في الربا - بألف مقصورة - لغةً الزيادةُ، وشرعًا مقابلةُ عوض بآخر مجهول التماثل في معيار الشرع حالةَ العقد أو مع تأخير في العِوَضَين أو أحدهما.

(والربا حرام، وإنما يكون في الذهب والفضة و) في (المطعومات). وهي ما يقصد غالبا للطعم اقتياتا أو تفكها أو تداويا. ولا يجري الربا في غير ذلك. (ولا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة كذلك) أي بالفضة، مضروبين كانا أو غير مضروبين (إلا متماثلا) أي مثلا بمثل؛ فلا يصح بيع شيء من ذلك متفاضلا. وقوله: (نقدا) أي حالا يدا بيد؛ فلو بِيع شيء من ذلك مؤجلا لم يصح. (ولا) يصح (بيع ما ابتاعه) الشخص (حتى يقبضه)، سواء باعه للبائع أو لغيره. (ولا) يجوز (بيع اللحم بالحيوان)، سواء كان من جنسه، كبيع لحم شاة بشاة أو من غير جنسه، لكن من مأكول كبيع لحم بقر بشاة. (ويجوز بيع الذهب بالفضة متفاضلا) لكن (نقدا) أي حالا مقبوضا قبل التفرق. (وكذلك المطعومات، لا يجوز بيع الجنس منها بمثله إلا متماثلا نقدا) أي حالا مقبوضا قبل التفرق. (ويجوز بيع الجنس منها بغيره متفاضلا) لكن (نقدًا) أي حالا مقبوضا قبل التفرق؛ فلو تفرق

• الخيار

المتبايعان قبل قبض كله بطل، أو بعد قبض بعضه ففيه قولاَ تفريقِ الصفقة. (ولا يجوز بيع الغرر) كبيع عبد من عبيده أو طير في الهواء. • الخيار {فصل} في أحكام الخيار. (والمتبايعان بالخيار) بين إمضاء البيع وفسخه، أي يثبت لهما خيار المجلس في أنواع البيع كالسَلَم (مالم يتفرقا) أي مدة عدم تفرقهما عرفا، أي ينقطع خيارُ المجلس إما بتفرُّق المتبايعين ببدنهما عن مجلس العقد أو بأن يختار المتبايعان لزومَ العقد. فلو اختار أحدهما لزومَ العقد ولم يختر الآخر فورا سقط حقه من الخيار، وبقي الحق للآخر. (ولهما) أي المتبايعين، وكذا لأحدهما إذا وافقه الآخرُ (أن يشترطا الخيارَ) في أنواع المبيع (إلى ثلاثة أيام). وتحسب من العقد، لا من التفرق. فلو زاد الخيار على الثلاثة بطل العقد؛ ولو كان المبيع مما يفسد في المدة المشترطة بطل العقد. (وإذا وجد بالمبيع عيب) موجود قبل القبض تنقص به القيمةُ أو العينُ

• بيع الثمرة

نقصًا يفوت به غرضٌ صحيح، وكان الغالب في جنس ذلك المبيع عدمَ ذلك العيب كزنا رقيق وسرقته وإباقه (فللمشتري ردُّه) أي المبيع. • بيع الثمرة (ولا يجوز بيع الثمرة) المنفردة عن الشجرة (مطلقا) أي عن شرط القطع (إلا بعدَ بُدُوِّ) أي ظهورِ (صلاحها)، وهو فيما لا يتلون انتهاءُ حالها إلى ما يقصد منها غالبا، كحلاوة قصب وحموضة رُمان ولين تِين، وفيما يتلون بأن يأخذ في حُمْرَةٍ أو سَوادٍ أو صُفرة، كالعناب والإجاص والبلح. أما قبل بُدُوِّ الصلاح فلا يصح بيعها مطلقا، لا من صاحب الشجرة ولا من غيره إلا بشرط القطع، سواء جرت العادة بقطع الثمرة أم لا. ولو قُطعت شجرةٌ عليها ثمرةٌ جاز بيعها بلا شرطِ قطعها. ولا يجوز بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرطِ قطعِه أو قلعِه، فإن بيع الزرع مع الأرض أو منفردا عنها بعد اشتداد الحَبِّ جاز بلا شرط. ومن باع ثمرا أو زرعا لم يبدُ صلاحُه لزمه سقيُه قدر ما تنمو به الثمرةُ وتسلم عن التلف، سواء خَلَّى البائعُ بين المشتري والمبيع أو لم يُخَلِّ. (ولا) يجوز (بيع ما فيه الربا بجنسه رَطْبا) بسكون الطاء المهملة. وأشار بذلك إلى أنه يعتبر في بيع الربويات حالة الكمال؛ فلا يصح مثلا بيع عِنَب بعنب. ثم استثنى المصنفُ مما سبق قولَه: (إلا اللبنَ)، أي

• السلم

فإنه يجوز بيع بعضه ببعض قبل تَجْبِينه. وأطلق المصنف اللبنَ فشمل الحليب والرائب والمخيض والحامض. والمعيارُ في اللبن الكيلُ حتى يصحَّ بيعُ الرائب بالحليب كيلا وإن تفاوتَا وزنًا. • السَلَم {فصل} في أحكام السلم. وهو والسلف لغةً بمعنى واحد، وشرعًا بيع شيء موصوف في الذمة، ولا يصح إلا بإيجاب وقبول. (ويصح السَلَمُ حالاً ومؤجلا) فإن أطلق السلم انعقد حالا في الأصح؛ وإنما يصح السلم (فيما) أي في شيء (تكامل فيه خمسُ شرائط): أحدها (أن يكون) المُسلَم فيه (مضبوطا بالصفة) التي يختلف بها الغرضُ في المسلم فيه بحيث تنتفي بالصفةِ الجهالةُ فيه، ولا يكون ذكر الأوصاف على وجهٍ يؤدي لعِزَّة الوجود في المُسلَم فيه، كلؤلؤ كِبار وجاريةٍ وأختِها أو ولدها. (و) الثاني (أن يكون جنسا لم يختلط به غيره)؛ فلا يصح السلم في المختلط المقصود الأجزاء التي لا تنضبط كهريسة ومعجون؛ فإن انضبطت أجزاؤه صح السلم فيه كجبن وأقط.

• شروط صحة المسلم فيه

والشرط الثالث مذكور في قوله: (ولم تدخله النار لإحالته) أي بأن دخلته لطَبخ أو شَيٍّ؛ فإن دخلته النار للتمييز كالعَسل والسمِن صح السلم فيه. (و) الرابع (أن لا يكون) المسلم فيه (مُعيَّنا) بل دَينا؛ فلو كان معينا كأسلمت إليك هذا الثوب مثلا في هذا العبد فليس يسلم قطعا، ولا ينعقد أيضا بيعا في الأظهر. (و) الخامس أن (لا) يكون (من معين)، كأسلمت إليك هذا الدرهم في صاع من هذه الصُبْرة. • شروط صحة المُسلم فيه (ثم لصحة المُسلَم فيه ثمانية شرائط). وفي بعض النسخ «ويصح السلم بثمانية شرائط»: الأول مذكور في قول المصنف: (وهو أن يصفه بعدَ ذِكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الثمن)، فيذكر في السلَم في رقيقٍ مثلا نوعَه كتُركي أو هندي، وذُكورتَه أو أُنوثتَه، وسِنَّه تقريبا، وقَدَّه طولا أو قصرا أو رَبْعةً، ولونَه كأبيضَ، ويصف ببياضه بسمرة أو شقرة؛ ويذكر

في الإبل والبقر والغنم والخيلِ والبغالِ والحمير الذكورةَ والأنوثة والسنَّ واللون والنوعَ؛ ويذكر في الطير النوعَ والصغر والكبر والذكورةَ والأنوثةَ والسن إن عُرف؛ ويذكر في الثوب الجنسَ كقطن أو كتان أو حريرٍ، والنوعَ كقطن عراقي، والطولَ والعَرض والغِلظة والدقةَ والصفاقة والرقة والنعومة والخشونة. ويقاس بهذه الصوَر غيرُها. ومطلق السلم في الثوب يحمل على الخام، لا على المقصور. (و) الثاني (أن يذكر قدره بما ينفي الجهالة عنه)، أي أن يكون المسلم فيه معلومَ القدر كيلاً في مكيل، ووزنا في موزون، وعدًّا في معدود، وذرعا في مذروع. والثالث مذكور في قول المصنف: (وإن كان) السلم (مؤجلاً ذكر) العاقد (وقتَ محله) أي الأجل كشهر كذا؛ فلو أجل السلم بقدوم زيد مثلا لم يصح. (و) الرابع (أن يكون) المسلم فيه (موجودا عند الاستحقاق في الغالب) أي استحقاق تسليم المسلم فيه. فلو أسلم فيما لا يوجد عند المحل كرطب في الشتاء لم يصح. (و) الخامس (أن يذكر موضع قبضه)، أي محل التسليم إن كان

• الرهن

الموضع لا يصلح له أو صلح له، ولكن لحمله إلى موضع التسليم مؤنةٌ. (و) السادس (أن يكون الثمن معلوما) بالقدر أو بالرؤية له. (و) السابع (أن يتقابضا) أي المُسلِم والمُسلَم إليه في مجلس العقد (قبل التفرق)؛ فلو تفرقا قبل قبض رأس المال بطل العقد، أو بعد قبض بعضه ففيه خلاف تفريق الصفقة. والمعتبر القبض الحقيقي. فلو أحال المسلِم برأس مال السلم وقبضَه المُحتالُ، وهو المسلم إليه من المُحال عليه في المجلس لم يكفِ. (و) الثامن (أن يكون عقدُ السلم ناجزا لا يدخله خيار الشرط)، بخلاف خيار المجلس فإنه يدخله. • الرهن {فصل} في أحكام الرهن. وهو لغةً الثبوت، وشرعا جعل عين مالية وثيقةً بِدَينٍ يُستوفى منها عند تعذر الوفاء. ولا يصح الرهن إلا بإيجاب وقبول. وشرط كل

من الراهن والمُرْتهِن أن يكون مطلقَ التصرف. وذكَر المصنف ضابط المرهون في قوله: (وكل ما جاز بيعه جاز رهنه في الديون إذا استقر ثبوتها في الذمة). واحترز المصنف بـ «الديون» عن الأعيان؛ فلا يصح الرهن عليها كعين مغصوبة ومستعارة ونحوهما من الأعيان المضمونة. واحترز بـ «استقرار» عن الديون قبل استقرارها كدين السلم وعن الثمن مدةَ الخيار. (وللراهن الرجوع فيه مالم يقبضه) أي المرتهن؛ فإن قبض العين المرهونة ممن يصح إقباضه لزم الرهن وامتنع على الراهن الرجوع فيه. والرهنُ وضعه على الأمانة. (و) حينئذ (لا يضمنه المرتهن) أي لا يضمن المرتهن المرهونَ (إلا بالتعدى) فيه. ولا يسقط بتلفه شيء من الدين. ولو ادعى تلفه ولم يذكر سببا لتلفه صدق بيمينه؛ فإن ذكر سببا ظاهرا لم يقبل إلا ببينة. ولو ادعى المرتهن ردَّ المرهون على الراهن لم يقبل إلا ببينة. (وإذا قبض) المرتهن (بعض الحق) الذي على الراهن (لم يخرج) أي لم ينفك (شيء من الرهن حتى يُقضَى جميعُه) أي الحق الذي على الراهن.

• الحجر

• الحِجر {فصل} في حِجر السفيه والمفلس. (والحِجْر) لغةً المنع، وشرعًا منع التصرف في المال، بخلاف التصرف في غيره كالطلاق، فينفذ من السفيه. وجعل المصنف الحجرَ (على ستة) من الأشخاص: (الصبي، والمجنون، والسفيه). وفسره المصنف بقوله: (المبذر لماله) أي الذي لم يصرفه في مصارفه، (والمفلس) وهو لغةً مَنْ صار مالُه فُلوسًا، ثم كنى به عن قلة المال أو عدمه، وشرعا الشخص (الذي ارتكبته الديون)، ولا يفي مالُه بدينه أو ديونه، (والمريض المخوف عليه) من مرضه. والحجر عليه (فيما زاد على الثلث) وهو ثلثا التركة لأجل حق الورثة. هذا إن لم يكن على المريض دينٌ؛ فإن كان عليه دين يستغرق تركتَه حجر عليه في الثلث وما زاد عليه، (والعبد الذي لم يؤذن له في التجارة)؛ فلا يصح تصرفه بغير إذن سيده. وسكت المصنف عن أشياء من الحِجْر مذكورة في المطولات. منها الحجر على المرتد لحق المسلمين، ومنها الحجر على الراهن لحق المرتهن.

(وتصرف الصبي والمجنون والسفيه غير صحيح)؛ فلا يصح منهم بيعٌ ولا شراءٌ ولا هبة ولا غيرها من التصرفات. وأما السفيه فيصح نكاحه بإذن وليه. (وتصرف المفلس يصح في ذمته)؛ فلو باع سلَما طعاما أو غيرَه أو اشترى كلا منهما بثمن في ذمته صح، (دون) تصرفه في (أعيان ماله) فلا يصح. وتصرفه في نكاح مثلا أو طلاق أو خلع صحيح. وأما المرأة المفلسة، فإن اختلعت على عين لم يصح، أو دينٍ في ذمتها صح. (وتصرف المريض فيما زاد على الثلث موقوف على إجازة الورثة)؛ فإن أجازوا الزائدَ على الثلث صح، وإلاَّ فلا. وإجازةُ الورثة وردُّهم حالَ المرض لا يعتبران، وإنما يعتبر ذلك (من بعده) أي من بعد موت المريض. وإذا أجاز الوارث ثم قال: «إنما أجزت لظني أن المال قليل، وقد بان خلافَه»، صدق بيمينه. (وتصرف العبد) الذي لم يؤذن له في التجارة (يكون في ذمته). ومعنى كونه في ذمته أنه (يتبع به بعد عتقه إذا عتق). فإن أذِن له السيد في التجارة صح تصرفه بحسب ذلك الإذن.

• الصلح

• الصلح {فصل} في الصلح. وهو لغةً قطع المنازعة، وشرعا عقدٌ يحصل به قطعُها. (ويصح الصلح مع الإقرار) أي إقرار المدعَى عليه بالمُدَّعَى به (في الأموال) وهو ظاهر، (و) كذا (ما أفضى إليها) أي الأموال كمن ثبت له على شخص قِصاصٌ، فصالحه عليه على مال بلفظ الصلح، فإنه يصح، أو بلفظ البيع فلا. (وهو) أي الصلح (نوعان: إبراء، ومعاوضة. فالإبراء) أي صلحه (اقتصاره من حقه) أي دَينه (على بعضه)؛ فإذا صالحه من الألف الذي له في ذمة شخص على خمسمائة منها فكأنه قال له: أعطني خمسمائة وأبرأتُك من خمسمائة. (ولا يجوز) بمعنى لا يصح (تعليقه) أي تعليق الصلح بمعنى الإبراء (على شرط)، كقوله: إذا جاء رأس الشهر فقد صالحتك. (والمعاوضة) أي صلحها (عدوله عن حقه إلى غيره) كأن ادعى عليه دارا أو شِقْصًا منها وأقرَّ له بذلك وصالحه منها على معين

• إشراع الروشن

كثوب، فإنه يصح، (ويجري عليه) أي على هذا الصلح (حكمُ البيع) فكأنه في المثال المذكور باعه الدار بالثوب، وحينئذ فيثبت في المصالح عليه أحكامُ البيع كالرد بالعيب ومنع التصرف قبل القبض، ولو صالحه على بعض العين المدعاة فهبة منه لبعضها المتروك منها، فيثبت في هذه الهبة أحكامها التي تذكر في بابها، ويسمى هذا صلح الحطيطة، ولا يصح بلفظ البيع للبعض المتروك كأن يبيعه العين المدعاة ببعضها. • إشراع الروشن (ويجوز للإنسان) المُسلِم (أن يُشرِع) بضم أوله وكسر ما قبل آخره، أي يُخْرِج (روشنا) ويسمى أيضا بالجناح، وهو إخراج خشب على جدار (في) هواء (طريق نافذ)، ويسمى أيضا بالشارع (بحيث لا يتضرر المارُّ به) أي الروشن، بل يرفع بحيث يمر تحته المار التام الطويل منتصبا.

• شروط الحوالة

واعتبر الماوردي أن يكون على رأسه الحمولة الغالبة. وإن كان الطريق النافذ ممَرَّ فرسان وقوافل فليرفع الروشن بحيث يمر تحته المحمل على البعير مع أخشاب المظلة الكائنة فوق المحمل. أما الذمي فيمنع من إشراع الروشن والساباط وإن جاز له المرور في الطريق النافذ. (ولا يجوز) إشراع الروشن (في الدرب المشترك إلا بإذن الشركاء) في الدرب. والمراد بهم من نفذ بابُ داره منهم إلى الدرب، وليس المراد بهم من لاصقه منهم جداره بلا نفوذ باب إليه. وكل من الشركاء يستحق الانتفاع من باب داره إلى رأس الدرب دون ما يلي آخر الدرب. (ويجوز تقديم الباب في الدرب المشترك، ولا يجوز تأخيره) أي الباب (إلا بإذن الشركاء) فحيث منعوه لم يجز تأخيره. وحيث منع من التأخير فصالح شركاء الدرب بمال صح. • شروط الحوالة {فصل} في الحَوالَة، بفتح الحاء، وحكى كسرها. وهي لغةً التحول أي الانتقال،

وشرعا نقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المُحال عليه. (وشرائط الحوالة أربعة): أحدها (رضا المحيل) وهو من عليه الدين، لا المحال عليه؛ فإنه لا يشترط رضاه في الأصح. ولا تصح الحوالة على من لا دَينَ عليه. (و) الثاني (قبول المحتال)، وهو مستحق الدين على المحيل. (و) الثالث (كون الحق) المحال به (مستقرا في الذمة). والتقييد بالاستقرار موافق لما قاله الرافعي، لكن النووي استدرك عليه في الروضة. وحينئذ فالمعتبر في دين الحوالة أن يكون لازما أو يؤول إلى اللزوم. (و) الرابع (اتفاق ما) أي الدين الذي (في ذمة المحيل والمحال عليه في الجنس) والقدر (والنوع والحلول والتأجيل) والصحة والتكسير، (وتبرأ بها) أي الحوالة (ذمة المحيل) أي عن دَين المحتال، ويبرأ أيضا المحالُ عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه حتى لو تعذر أخذه من المحال عليه بفلس أو جحد للدين

• الضمان

ونحوهما لم يرجع على المحيل. ولو كان المحال عليه مفلسا عند الحوالة وجهله المحتال فلا رجوع له أيضا على المحيل. • الضمان {فصل} في الضمان. وهو مصدر ضمِنْتُ الشَيءَ ضَمانا إذا كفلتُه، وشرعًا التزام ما في ذمة الغير من المال. وشرط الضامن أن يكون فيه أهلية التصرف. (ويصح ضمان الديون المستقرة في الذمة إذا عُلم قدرُها). والتقييد بالمستقرة يشكل عليه صحة ضمان الصداق قبل الدخول؛ فإنه حينئذ غير مستقر في الذمة؛ ولهذا لم يعتبر الرافعي والنووي إلا كون الدَين ثابتا لازما. وخرج بقوله: «إذا عُلم قدرُها» الديونُ المجهولة؛ فلا يصح ضمانها - كما سيأتي. (ولصاحب الحق) أي الدَين (مُطالبَة من شاء من الضامن والمضمون عنه) وهو من عليه الدين. وقوله: (إذا كان الضمان على ما بيَّنَّا) ساقط في أكثر نسخ المتن.

• الكفالة

(وإذا غرم الضامن رجع على المضمون عنه) بالشرط المذكور في قوله: (إذا كان الضمان والقضاء) أي كل منهما (بإذنه) أي المضمون عنه. ثم صرح بمفهوم قوله سابقا «إذا عُلم قدرُها» بقوله هنا: (ولا يصح ضمان المجهول) كقوله: «بِع فلانا كذا، وعليَّ ضمانُ الثمن». (ولا) ضمان (ما لم يجب) كضمان مائة تجب على زيد في المستقبل (إلا دَرَك المبيع) أي ضمان درك المبيع، بأن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا، أو يضمن للبائع المبيع إن خرج الثمن مستحقا. • الكفالة {فصل} في ضمان غير المال من الأبدان. ويسمى كفالة الوجه أيضا، وكفالة البدن كما قال: (والكفالة بالبدن جائزة إذا كان على المكفول به) أي ببدنه (حق لآدمي) كقصاص وحدِّ قذف. وخرج بحق الآدمي حقُّ الله

• الشركة

تعالى؛ فلا تصح الكفالة ببدن مَن عليه حق الله تعالى، كحد سرقة وحد خمر وحد زنا. ويبرأ الكفيل بتسليم المكفول ببدنه في مكان التسليم بلا حائل يمنع المكفول له عنه. وأما مع وجود الحائل فلا يبرأ الكفيل. • الشركة {فصل} في الشركة. وهي لغةً الاختلاط، وشرعًا ثبوت الحق على جهة الشيوع في شيء واحد لاثنين فأكثر. (وللشركة خمس شرائط): الأول (أن تكون) الشركة (على ناض) أي نقد (من الدراهم والدنانير) وإن كانا مغشوشين، واستمر رواجهما في البلد. ولا تصح في تِبْر وحُلِي وسبائك. وتكون الشركة أيضا على المثلي كالحنطة، لا المتقوم كالعروض من الثياب ونحوها. (و) الثاني (أن يتفقا في الجنس والنوع)؛ فلا تصح الشركة في الذهب والدراهم، ولا في صحاح ومكسرة، ولا في حنطة بيضاء وحمراء. (و) الثالث (أن يخلطا المالين) بحيث لا يتميزان.

(و) الرابع (أن يأذن كل واحد منهما) أي الشريكين (لصاحبه في التصرُّف). فإذا أذن له فيه تصرَّف بلا ضرر؛ فلا يبيع كل منهما نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا بغبن فاحش، ولا يسافر بالمال المشترك إلا بإذن. فإن فعل أحد الشريكين ما نُهِي عنه لم يصح في نصيب شريكه؛ وفي نصيبه قولا تفريق الصفقة. (و) الخامس (أن يكون الربح والخسران على قدر المالين)، سواء تساوى الشريكان في العمل في المال المشترك أو تفاوتا فيه. فإن اشترطا التساوى في الربح مع تفاوت المالين أو عكسه لم يصح. والشركة عقد جائز من الطرفين، (و) حينئذ (لكل واحد منهما) أي الشريكين (فسخها متى شاء)، وينعزلان عن التصرف بفسخهما. (ومتى مات أحدهما) أو جُنَّ أو أُغْمِي عليه (بطلت) تلك الشركة.

• الوكالة

• الوكالة {فصل} في أحكام الوَكَالَة. وهي بفتح الواو وكسرها في اللغة التفويض، وفي الشرع تفويض شخص شيأ، له فعلُه مما يقبل النيابةَ إلى غيره ليفعله حالَ حياته. وخرج بهذا القيد الإيصاء. وذكر المصنف ضابط الوكالة في قوله: (وكل ما جاز للإنسان التصرف فيه بنفسه جاز له أن يُوكِّل فيه) غيرَه (أو يتوكل فيه) عن غيره. فلا يصح من صبي أو مجنون أن يكون مُوكِّلا ولا وكيلا. وشرط الموكَّل فيه أن يكون قابلا للنيابة؛ فلا يصح التوكيل في عبادة بدنية إلا الحج وتفرقة الزكاة مثلا، وأن يملكه الموكل؛ فلو وكل شخصا في بيع عبد سيملكه أو في طلاق امرأة سينكحها بطل. (والوكالة عقد جائز) من الطرفين، (و) حينئذ (لكل منهما) أي الموَكِّل والوكيل (فسخها متى شاء. وتنفسخ) الوكالة (بموت أحدهما) أو جنونه أو إغمائه.

(والوكيل أمين). وقوله: (فيما يقبضه، وفيما يصرفه) ساقط في أكثر النسخ. (ولا يضمن) الوكيل (إلا بالتفريط) فيما وكل فيه. ومِن التفريط تسليمه المبيعَ قبل قبض ثمنه. (ولا يجوز) للوكيل وكالةً مطلقة (أن يبيع ويشتري إلا بثلاثة شرائط): أحدها (أن يبيع بثمن المثل)، لا بدونه ولا بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل في الغالب. (و) الثاني (أن يكون) ثمن المثل (نقدا)؛ فلا يبيع الوكيل نسيئةً وإن كان قدر ثمن المثل. والثالث أن يكون النقد (بنقد البلد). فلو كان في البلد نقدان باع بالأغلب منهما؛ فإن استويا باع بالأنفع للموكل؛ فإن استويا تُخُيِّر، ولا يبيع بالفلوس وإن راجت رواجَ النقود. (ولا يجوز أن يبيع) الوكيل بيعا مطلقا (من نفسه) ولا من ولده الصغير ولو صرح الموكل للوكيل في البيع من الصغير - كما قاله المتولي خلافا

• الإقرار

للبغوي. والأصح أنه يبيع لأبيه وإن علا ولابنه البالغ وإن سفل إن لم يكن سفيها ولا مجنونا. فإن صرح الموكل بالبيع منهما صح جزما. (ولا يُقِرُّ) الوكيل (على موكله)؛ فلو وكل شخصا في خصومة لم يملك الإقرارَ على الموكل، ولا الإبراء من دَينه ولا الصلح عنه. وقوله: (إلا بإذنه) ساقط في بعض النسخ. والأصح أن التوكيل في الإقرار لا يصح. • الإقرار {فصل} في أحكام الإقرار. وهو لغةً الإثبات، وشرعا إخبارٌ بحقٍ على المُقِرّ؛ فخرجت الشهادة، لأنها إخبارٌ بحق للغير على الغير. (والمقَرُّ به ضربان): أحدهما (حق الله تعالى) كالسرقة والزنا، (و) الثاني (حق الآدمي) كحد القذف لشخص. (فحق الله تعالى يصح الرجوع فيه عن الإقرار به) كأن يقولَ من أقرَّ

بالزنا: «رجعتُ عن هذا الإقرار أو كذبت فيه». ويُسن للمُقِرِّ بالزنا الرجوعُ عنه. (وحق الآدمي لا يصح الرجوع فيه عن الإقرار به). وفرق بين هذا والذي قبله بأَنَّ حَقَّ الله تعالى مبني على المسامحة، وحق الآدمي مبني على المشاحة. (وتفتقر صحة الإقرار إلى ثلاثة شرائط): أحدها (البلوغ)، فلا يصح إقرار الصبي ولو مراهقا ولو بإذن وليه. (و) الثاني (العقل)، فلا يصح إقرار المجنون والمغمى عليه وزائل العقل بما يعذر فيه؛ فإن لم يعذر فحكمه كالسكران. (و) الثالث (الاختيار)، فلا يصح إقرار مُكرَه بما أكره عليه. (وإن كان) الإقرار (بمال اعتبر فيه شرط رابع، وهو الرشد). والمراد به كون المقِرّ مطلقَ التصرف. واحترز المصنف بمال عن الإقرار بغيره كطلاق وظهار ونحوهما؛ فلا يشترط في المقِر بذلك الرشدُ، بل يصح من الشخص السفيه. (وإذا أقرَّ) الشخص (بمجهول) كقوله: «لفلان عليَّ شيءٌ»، (رُجع)

بضم أوله (إليه) أي المقر (في بيانه) أي المجهول، فيقبل تفسيره بكل ما يُتمَوَّل وإن قل كفلس. ولو فسر المجهول بما لا يتمول لكن من جنسه كحَبَّة حِنطة، أو ليس من جنسه لكن يحل اقتناؤه كجلد ميتة وكلبٍ مُعَلَّم وزبلٍ قُبل تفسيره في جميع ذلك على الأصح. ومتى أقر بمجهول وامتنع من بيانه بعد أن طولب به حبس حتى يبين المجهول. فإن مات قبل البيان طولب به الوارث ووقف جميع التركة. (ويصح الاستثناء في الإقرار إذا وصله به) أي وصل المقر الاستثناء بالمستثنى منه؛ فإن فصل بينهما بسكوت أو كلام كثير أجنبي ضرَّ. أما السكوت اليسير كسكتة تنفس فلا يضر. ويشترط أيضا في الاستثناء أن لا يستغرق المستثنى منه؛ فإن استغرقه نحو: «لزيد عليَّ عشرة إلا عشرة» ضرَّ. (وهو) أي الإقرار (في حال الصحة والمرض سواء)، حتى لو أقر شخص في صحته بدَين لزيد وفي مرضه بدين لعمرو لم يقدم الإقرار الأول، وحينئذ فيقسم المقَرّ به بينهما بالسوية.

• العارية

• العارية {فصل} في أحكام العارية. وهي بتشديد الياء في الأفصح مأخوذة من عار إذا ذهب. وحقيقتها الشرعية إباحة الانتفاع من أهل التبرع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده على المتبرع. وشرط المعير صحة تبرعه وكونه مالكا لمنفعة ما يعيره. فمن لا يصح تبرعه كصبي ومجنون لا تصح إعارته. ومن لا يملك المنفعة كمستعير لا تصح إعارته إلا بإذن المعير. وذكر المصنف ضابط المُعار في قوله: (وكل ما يمكن الانتفاع به) منفعةً مباحةً (مع بقاء عينه جازت إعارته)؛ فخرج بمباحة آلةُ اللهو، فلا تصح إعارتها؛ وببقاء عينه إعارةُ الشمعة للوقود، فلا تصح. وقوله: (إذا كانت منافعه آثارا) مخرج للمنافع التي هي أعيان كإعارة شاة للبنها وشجرةٍ لثمرتها ونحو ذلك؛ فإنه لا يصح. فلو قال لشخص: خذ هذه الشاة فقد أبحتُك دَرَّها ونسلها، فالإباحة صحيحة والشاة عارية. (وتجوز العارية مطلقا) من غير تقييد بوقت (ومقيدا بمدة) أي بوقتٍ كأعَرتُك هذا الثوب شهرا. وفي بعض النسخ «وتجوز العارية مطلقة ومقيدة بمدة». وللمعير الرجوع في كل منهما متى شاء.

• الغصب

(وهي) أي العارية إذا تلفت، لا باستعمال مأذون فيه (مضمونة على المستعير بقيمتها يوم تلفها) لا بقيمتها يوم طلبها، ولا بأقصى القِيَم. فإن تلفت باستعمال مأذون فيه كإعارة ثوب للُبسه فانسحق أو انمحق بالاستعمال فلا ضمان. • الغصب {فصل} في أحكام الغصب. وهو لغةً أخذ الشيء ظُلمًا مجاهرة، وشرعا الاستيلاء على حق الغير عُدْوانًا. ويُرجع في الاستيلاء للعرف. ودخل في حق الغير ما يصح غصبه مما ليس بمال كجلد ميتة. وخرج بعُدوانا الاستيلاء على مال الغير بعقد. (ومن غصب مالا لأحد لزمه ردُّه) لمالكه ولو غرِم على رده أضعافَ قيمته. (و) لزمه أيضا (أرش نقصه) إن نقص، كمن غصب ثوبا فلبسه أو نقص

• الشفعة

بغير لبس، (و) لزمه أيضا (أجرة مثله). أما لو نقص المغصوب برخص سعره فلا يضمنه الغاصب على الصحيح. وفي بعض النسخ «ومن غصب مال امرئ أجبر على رده». (فإن تلف) المغصوب (ضمنه) الغاصب (بمثله إن كان له) أي المغصوب (مثل). والأصح أن المثلي ما حصره كيلٌ أو وزن وجاز السلم فيه، كنحاس وقطن، لا غالية ومعجون. وذكر المصنف ضمان المتقوم في قوله: (أو) ضمنه (بقيمته إن لم يكن له مثل) بأن كان متقوما، واختلفت قيمته (أكثر ما كانت من يوم الغصب إلى يوم التلف). والعبرة في القيمة بالنقد الغالب؛ فإن غلب نقدان وتساويا قال الرافعي: عَيَّن القاضي واحدا منهما. • الشُّفْعة {فصل} في أحكام الشفعة. وهي بسكون الفاء، وبعض الفقهاء يضمها، ومعناها لغةً الضم، وشرعا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث

بسبب الشركة بالعوض الذي ملك به. وشرعت لدفع الضرر. (والشفعة واجبة) أي ثابتة للشريك (بالخلطة) أي خلطة الشيوع، (دون) خلطة (الجوار)؛ فلا شفعة لجار الدار ملاصقا كان أو غيره. وإنما تثبت الشفعة (فيما ينقسم) أي يقبل القسمة (دون ما لا ينقسم) كحمام صغير؛ فلا شفعةَ فيه. فإن أمكن انقسامه كحمام كبير يمكن جعله حمامين تثبت الشفعة فيه. (و) الشفعة ثابتة أيضا (في كل ما لا ينقل من الأرض) غير الموقوفة والمحتكرة (كالعَقار وغيره) من البناء والشجر تبعا للأرض. وإنما يأخذ الشفيع شِقْصَ العَقار (بالثمن الذي وقع عليه البيع). فإن كان الثمن مثليا كحَبٍّ ونقد أخذه بمثله، أو مُتقوَّما كعبد وثوب أخذه بقيمته يوم البيع. (وهي) أي الشفعة بمعنى طلبها (على الفور). وحينئذ فليبادر الشفيع إذا علم بيع الشقص بأخذه. والمبادرة في طلب الشفعة على العادة؛ فلا يكلف الإسراع على خلاف عادته بعَدْو أو غيره، بل الضابط في ذلك أن ما عُدَّ توانيا في طلب الشفعة أسقطها، وإلا فلا. (فإن أخَّرها) أي الشفعة (مع القدرة عليها بطلت). فلو كان مريد الشفعة مريضا أو غائبا عن بلد المشتري أو محبوسا أو خائفا من

• القراض

عَدُوٍّ فليوكل إن قدر، وإلا فليشهد على الطلب. فإن ترك المقدور عليه من التوكيل أو الإشهاد بطل حقه في الأظهر. ولو قال الشفيع: «لم أعلم أن حق الشفعة على الفور»، وكان ممن يخفى عليه ذلك صدق بيمينه. (وإذا تزوج) شخص (امرأة على شِقْص أخذه) أي أخذ (الشفيعُ) الشِقصَ (بمهر المثل) لتلك المرأة، (وإن كان الشفعاء جماعة استحقوها) أي الشفعة (على قدر) حِصَصِهم من (الأملاك). فلو كان لأحدهم نصف عقار وللآخر ثلثه وللآخر سدسه فباع صاحب النصف حصته أخذها الآخران أثلاثا. • القراض {فصل} في أحكام القراض. وهو لغةً مشتق من القَِرْض، وهو القطع؛ وشرعا دفع المالك مالاً للعامل ليعمل فيه، والربح بينهما.

(وللقراض أربعة شرائط): أحدها (أن يكون على ناضٍ) أي نقد (من الدراهم والدنانير) الخالصة؛ فلا يجوز القراض على تبر، ولا على حُلي، ولا مغشوش، ولا عروض، ومنها الفلوس. (و) الثاني (أن يأذن رب المال للعامل في التصرف) إذنا (مطلقا)؛ فلا يجوز للمالك أن يضيِّق التصرفَ على العامل، كقوله: «لا تشتر شيئا حتى تشاورَني»، أو «لا تشتر إلا الحنطة البيضاء» مثلا. ثم عطف المصنف على قوله سابقا «مطلقا» قوله هنا: (أو فيما) أي في التصرف في شيء (لا ينقطع وجوده غالبا). فلو شرَّط عليه شراءَ شيء يندر وجودُه كالخيل البَلَق لم يصح. (و) الثالث (أن يشترط له) أي يشترط المالك للعامل (جزءا معلوما من الربح) كنصفه أو ثلثه. فلو قال المالك للعامل: قارَضتك على هذا المال على أن لك فيه شِركةً أو نصيبا منه فسد القراض، أو على أن الربح بيننا صح، ويكون الربح نصفين. (و) الرابع (أن لا يُقَدَّر) القراض (بمدة) معلومة، كقوله: «قارضتك سَنةً».

• المساقاة

وأن لا يعلق بشرط، كقوله: «إذا جاء رأس الشهر قارضتك». والقرض أمانة (و) حينئذ (لا ضمانَ على العامل) في مال القراض (إلا بعدوان) فيه؛ وفي بعض النسخ «بالعدوان». (وإذا حصل) في مال القراض (ربح وخسران جبر الخسران بالربح). واعلم أن عقد القراض جائز من الطرفين، فلكل من المالك والعامل فسخه. • المساقاة {فصل} في أحكام المُساقاة. وهي لغةً مشتقة من السقي، وشرعًا دفع الشخص نخلا أو شجرَ عِنَب لمن يتعهده بسقي وتربية على أن له قدرا معلوما من ثمره. (والمساقاة جائزة على) شيئين فقط: (النخل والكَرْم)؛ فلا تجوز المساقاة على غيرهما كتِينٍ ومِشْمِش. وتصح المساقاة من جائز التصرف لنفسه ولصبي ومجنون بالولاية عليهما عند المصلحة.

وصيغتها: «ساقيتُكَ على هذا النحل بكذا، أو سلمته إليك لتتعهده» ونحو ذلك. ويشترط قبول العامل. (ولها) أي للمساقاة (شرطان: أحدهما أن يقدرها) المالك (بمدة معلومة) كسنة هلالية. ولا يجوز تقديرها بإدراك الثمرة في الأصح. (والثاني أن يعيّن) المالك (للعامل جزءا معلوما من الثمرة)، كنصفها أو ثلثها. فلو قال المالك للعامل: «على أن ما فتح الله به من الثمرة يكون بيننا» صح، وحمل على المناصفة. (ثم العمل فيها على ضربين): أحدهما (عمل يعود نفعه إلى الثمرة)، كسقي النخل وتلقيحه بوضع شيء من طلع الذكور في طلع الإناث؛ (فهو على العامل، و) الثاني (عمل يعود نفعه إلى الأرض) كنصب الدواليب وحفر الأنهار؛ (فهو على رب المال).

• الإجارة

ولا يجوز أن يشرط المالك على العامل شيئا ليس من أعمال المساقاة كحفر نهر. ويشترط أيضا انفراد العامل بالعمل. فلو شرط رب المال عمل غلامه مع العامل لم يصح. واعلم أن عقد المساقاة لازم من الطرفين. ولو خرج الثمر مستحقا، كأن أوصى بثمرة النحل المساقى عليها؛ فللعامل على رب المال أجرةُ المثل لعمله. • الإِجارة {فصل} في أحكام الإِجارة. وهي بكسر الهمزة في المشهور، وحكي ضمها. وهي لغةً اسم للأجرة، وشرعًا عقدٌ على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم. وشرط كل من المؤجِر والمستأجر الرشدُ وعدم الإكراه. وخرج بمعلومة الجعالةُ، وبمقصودة استئجارُ تفاحة لشمها، وبقابلة للبذل منفعةُ البُضع؛ فالعقد عليها لا يسمى إجارة، وبالإباحة إجارةُ الجواري للوطء، وبعوضٍ الإعارةُ، وبمعلومٍ عَوضُ المساقاة. ولا تصح الإجارة إلا بإيجابٍ كآجرتُك، وقبولٍ كاستأجرتُ. وذكر المصنف ضابطَ ما تصح إجارته بقوله: (وكل ما أمكن الانتفاع به مع

بقاء عينه) كاستئجار دار للسكنى، ودابة للركوب (صحت إجارتُه)، وإلا فلا. ولصحة إجارة ما ذكر شروط، ذكرها بقوله: (إذا قُدِّرَت منفعته بأحد أمرين): إما (بمدة)، كآجرتك هذه الدار سَنةً (أو عمل) كاستأجرتك لتخيط لي هذا الثوب. وتجب الأجرة في الإجارة بنفس العقد. (وإطلاقها يقتضي تعجيل الأجرة إلا أن يشترط) فيها (التأجيل)، فتكون الأجرة مؤجلة حينئذ. (ولا تبطل الإجارة بموت أحد المتعاقدين) أي المؤجر والمستأجر، ولا بموت المتعاقدين، بل تبقى الإجارة بعد الموت إلى انقضاء مدتها، ويقوم وارث المستأجر مقامه في استيفاء منفعة العين المؤجَرة. (وتبطل) الإجارة (بتلف العين المستأجرة)، كانهدام الدار وموت الدابة المعينة. وبطلانُ الإجارة بما ذكر بالنظر للمستقبل، لا الماضي؛ فلا تبطل الإجارة فيه في الأظهر، بل يستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل، فتُقَوَّم المنفعةُ حال العقد في المدة الماضية. فإذا قيل كذا يؤخذ بتلك النسبة من المسمى. وما تقدم من عدم الانفساخ في

• الجعالة

الماضي مقيد بما بعد قبض العين المؤجرة، وبعد مضي مدة لها أجرةٌ، وإلاَّ تنفسخ في المستقبل والماضي. وخرج بالمعيَّنة ما إذا كانت الدابةُ المؤجرة في الذمة، فإن المؤجر إذا أحضرها وماتت في أثناء المدة فلا تنفسخ الإجارة، بل يجب على المؤجر إبدالها. واعلم أن يد الأجير على العين المؤجرة يدُ أمانة، (و) حينئذ (لا ضمان على الأجير إلا بعدوان) فيها، كأن ضرب الدابة فوق العادة، أو أركبها شخصا أثقل منه. • الجعالة {فصل} في أحكام الجِعالة. وهي بتثليث الجيم، ومعناها لغةً ما يُجعَل لشخص على شيء يفعله، وشرعا التزام مطلق التصرف عوضا معلوما على عمل معين أو مجهول لمعين أو غيره. (والجعالة جائزة) من الطرفين: طرف الجاعل، والمجعول له. (وهي أن يشترط في رد ضالته عوضا معلوما) كقول مطلق التصرف: «مَن ردَّ ضالتي

• المخابرة

فله كذا». (فإذا ردها استحقَّ) الرادُّ (ذلك العوض المشروط) له. • المخابرة {فصل} في أحكام المخابرة. وهي عمل العامل في أرض المالك ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل. (وإذا دفع) شخص (إلى رجل أرضا ليزرعها وشرط له جزءا معلوما من رَيعها لم يجز) ذلك، لكن النووي تبعا لابن المنذر اختار جواز المخابرة. وكذا المزارعة؛ وهي عمل العامل في الأرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك. (وإن أكراه) أي شخصا (إياها) أي أرضا (بذهب أو فضة أو شرط له طعاما معلوما في ذمته جاز). أما لو دفع لشخص أرضا فيها نخل كثير أو قليل فساقاه عليه وزرعه على الأرض فتجوز هذه المزارعة تبعا للمساقاة.

• إحياء الموات

• إحياء الموات {فصل} في أحكام إحياء الموات. وهو - كما قال الرافعي في الشرح الصغير - أرضٌ لا مالكَ لها، ولا ينتفع بها أحدٌ. (وإحياء الموات جائز بشرطين): أحدهما (أن يكون المحي مسلما)، فيسن له إحياء الأرض الميتة، سواء أذن له الإمام أم لا، اللهُمَّ إلا أن يتعلق بالموات حق، كأن حمَّى الإمام قطعة منه فأحياها شخص، فلا يملكها إلا بإذن الإمام في الأصح. أما الذمي والمُعاهَد والمُستأمَن فليس لهم الإحياء ولو أذن لهم الإمام. (و) الثاني (أن تكون الأرض حرة، لم يجرِ عليها مِلكٌ لمسلم). وفي بعض النسخ «أن تكون الأرض حرة». والمراد من كلام المصنف أن ما كان معمورا وهو الآن خراب فهو لمالكه إن عُرف، مسلما كان أو ذميا. ولا يُملَك هذا الخراب بالإحياء. فإن لم يُعرف مالكُه والعمارة إسلامية، فهذا المعمور مال ضائع، الأمر فيه لرأي الإمام في حفظه أو بيعه وحفظ ثمنه. وإن كان المعمور جاهليةً مُلِك بالإحياء.

• بذل الماء

(وصفة الإحياء ما كان في العادة عمارة للمُحيا)، ويختلف هذا باختلاف الغرض الذي يقصده المحي؛ فإذا أراد المحي إحياء الموات مسكنا اشترط فيه تحويط البقعة ببناء حيطانها بما جرت به عادةُ ذلك المكان من آجر أو حَجَر أو قصب. واشترط أيضا سقف بعضها ونصب باب. وإن أراد المحي إحياء الموات زريبة دواب فيكفي تحويط دون تحويط السكنى. ولا يشترط السقف. وإن أراد المحي إحياء الموات مزرعةً فيجمع التراب حولها، ويسوي الأرض بكَسْح مُستَعل فيها، وطَمِّ مُنخَفض، وترتيب ماء لها بشق ساقية من بئر أو حفر قناة، فإن كفاها المطر المعتاد لم يحتج لترتيب الماء على الصحيح. وإن أراد المحي إحياء الموات بستانا فجمع التراب والتحويط حول أرض البستان إن جرت به عادةٌ. ويشترط مع ذلك الغرس على المذهب. • بذل الماء واعلم أن الماء المختص بشخص لا يجب بذله لماشية غيره مطلقا. (و) إنما (يجب بذل الماء بثلاثة شرائط): أحدها (أن يفضُل عن حاجته) أي صاحب الماء؛ فإن لم يفضل عن حاجته بدأ بنفسه، ولا يجب بذله لغيره.

(و) الثاني (أن يحتاج إليه غيرُه) إما (لنفسه أو لبهيمته). هذا إذا كان هناك كلاء ترعاه الماشية، ولا يمكن رعيه إلا بسقي الماء. ولا يجب عليه بذل الماء لزرع غيره ولا لشجره. (و) الثالث (أن يكون) الماء في مقره وهو (مما يستخلف في بئر أو عين). فإذا أخذ هذا الماء في إناء لم يجب بذله على الصحيح. وحيث وجب البذل للماء فالمراد به تمكين الماشية من حضورها البئرَ إن لم يتضرر صاحب الماء في زرعه أو ماشيته؛ فإن تضرر بورودها منعت منه واستقى لها الرعاة - كما قاله الماوردي. وحيث وجب البذل للماء امتنع أخذ العوض عليه على الصحيح.

• الوقف

• الوقف {فصل} وهو لغةً الحبس، وشرعًا حبسُ مالٍ مُعَيَّن قابل للنقل يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه وقطع التصرف فيه على أن يصرف في جهة خير تقربا إلى الله تعالى. وشرط الواقف صحة عبارته وأهلية التبرع. (والوقف جائز بثلاثة شرائط). وفي بعض النسخ «والوقف جائز، وله ثلاثة شروط»: أحدها (أن يكون) الموقوف (مما ينتفع به مع بقاء عينه)، ويكون الانتفاع مباحا مقصودا؛ فلا يصح وقف آلة اللهو، ولا وقف دراهم للزينة. ولا يشترط النفع في الحال، فيصح وقف عبد وجحش صغيرين. وأما الذي لا تبقى عينه كمطعوم وريحان فلا يصح وقفه. (و) الثاني (أن يكون) الوقف (على أصل موجود وفرع لا ينقطع)، فخرج الوقف على من سيولد للواقف، ثم على الفقراء. ويسمى هذا منقطع الأول؛ فإن لم يقل «ثم على الفقراء» كان منقطعَ الأول والآخر. وقوله: «لا ينقطع» احترازٌ عن الوقف المنقطع الآخر، كقوله: «وقفت هذا على زيد ثم نسله»، ولم يزد على ذلك. وفيه طريقان: أحدهما أنه

باطل كمنقطع الأول، وهو الذي مشى عليه المصنف، لكن الراجح الصحة. (و) الثالث (أن لا يكون) الوقف (في محظور) بظاء مُشالَة، أي مُحرَم؛ فلا يصح الوقف على عمارة كنيسة للتعبد. وأفهم كلامُ المصنف أنه لا يشترط في الوقف ظهور قصد القربة، بل انتفاء المعصية، سواء وجد في الوقف ظهورُ قصد القربة كالوقف على الفقراء، أم لا كالوقف على الأغنياء. ويشترط في الوقف أن لا يكون مؤقتا كوقفت هذا سنةً. وأن لا يكون معلقا كقوله: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت كذا. (وهو) أي الوقف (على ما شرط الواقف) فيه (من تقديم) لبعض الموقوف عليهم، كوقفت على أولادي الأورع منهم، (أو تأخير) كوقفت على أولادي. فإذا انقرضوا فعلى أولادهم، (أو تسوية) كوقفت على أولادي بالسوية بين ذكورهم وإناثهم، (أو تفضيل) لبعض الأولاد على بعض، كوقفت على أولادي للذكر منهم حظ الأنثيين.

• الهبة

• الهبة {فصل} في أحكام الهبة. وهي لغةً مأخوذة من هُبوب الريح. ويجوز أن تكون من هَبَّ من نومه إذا استيقظ، فكأن فاعلها استيقظ للإحسان. وهي في الشرع تمليكٌ منجزٌ مطلق في عينٍ حالَ الحياة بلا عوض ولو من الأعلى. فخرج بالمنجز الوصيةُ، وبالمطلق التمليكُ المؤقت، وخرج بالعين هِبَّةُ المنافع، وخرج بحال الحياة الوصيةُ. ولا تصح الهبة إلا بإيجاب وقبول، لفظًا. وذكر المصنف ضابط الموهوب في قوله: (وكل ما جاز بيعه جازت هِبَّتُه). وما لا يجوز بيعه كمجهول لا تجوز هبته إلا حبتي حنطة ونحوهما، فلا يجوز بيعهما ويجوز هبتهما ولا تملك. (ولا تلزم الهبة إلا بالقبض) بإذن الواهب؛ فلو مات الموهوب له أو الواهب قبل قبض الهبة لم تنفسخ الهبة، وقام وارثه مقامَه في القبض والإقباض. (وإذا قبضها الموهوب له لم يكن للواهب أن يرجع فيها إلا أن يكون والدا) وإن علا.

• اللقطة

(وإذا أعمر) شخص (شيئا) أي دارا مثلا، كقوله: «أعمرتُك هذه الدار»، (أو أرقبه) إياها، كقوله: «أرقبتك هذه الدار وجعلتها لك رقبي»، أي إن إن مِتَّ قبلي عادت إليَّ، وإن مِتُّ قبلك استقرت لك، فقبل وقبض (كان) ذلك الشيء (للمُعَمَّر أو للمرَقَّب) بلفظ اسم المفعول فيهما (ولورثته من بعده). ويلغو الشرط المذكور. • اللقطة {فصل} في أحكام اللُّقَطة. وهي بفتح القاف اسم للشيء المُلتَقَط. ومعناها شرعًا مالٌ ضاع من مالكه بسقوط أو غفلة ونحوهما. (وإذا وجد) شخص بالغا كان أو لا، مسلما كان أو لا، فاسقا كان أو لا (لُقَطةً في موات أو طريق فله أخذها أو تركها؛ و) لكن (أخذها أولى من تركها إن كان) الآخذ لها (على ثِقة من القيام بها). فلو تركها من غيرِ أَخْذٍ لم يضمنها، ولا يجب الإشهاد على التقاطها لتملك أو حفظ. وينزع

القاضي اللقطة من الفاسق ويضعها عند عَدْل. ولا يعتمد تعريف الفاسق اللقطةَ بل يضم القاضي إليه رقيبا عَدْلاً يمنعه من الخيانة فيها. وينزع الولي اللقطة من يد الصبي ويُعرِّفها، ثم بعد التعريف يتملك اللقطة للصبي إن رأى المصلحة في تملكها له. (وإذا أخذها) أي اللقطة (وجب عليه أن يَعرِف) في اللقطة عقبَ أخذها (ستة أشياء: وِعاءها) من جلد أو خرقة مثلا، (وعِفاصَها)، وهو بمعنى الوعاء (ووِكاءها) بالمد، وهو الخيط الذي تربط به، (وجنسها) من ذهب أو فضة، (وعددها، ووزنها). ويُعْرف بفتح أوله وسكون ثانيه من المعرفة، لا من التعريف. (و) أن (يحفظها) حتما (في حرز مثلها، ثم) بعد ما ذكر (إذا أراد) الملتقط (تملكها عرَّفها) بتشديد الراء من التعريف، لا من المعرفة (سنةً على أبواب

المساجد) عند خروج الناس من الجماعة، (وفي الموضع الذي وجدها فيه)، وفي الأسواق ونحوها من مجامع الناس. ويكون التعريف على العادة زمانا ومكانا. وابتداء السَنة يحسب من وقت التعريف، لا من وقت الالتقاط. ولا يجب استيعاب السنة بالتعريف، بل يُعرِّف أولاً كلَّ يوم مرتين طرفَي النهار، لا ليلا، ولا وقتَ القيلولة، ثم يُعَرِّف بعد ذلك كل أسبوع مرةً أو مرتين. ويذكر الملتقط في تعريف اللقطة بعض أوصافها؛ فإن بالغ فيها ضمن، ولا يلزمه مؤنة التعريف إن أخذ اللقطة ليحفظها على مالكها، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترضها على المالك. وإن أخذ اللقطة ليتملكها وجب عليه تعريفها ولزمه مؤنة تعريفها، سواء تملكها بعد ذلك أم لا. ومن التقط شيأ حقيرا لا يُعرِّفه سَنةً، بل يعرفه زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه بعد ذلك الزمن. (فإن لم يجد صاحبها) بعد تعريفها سنة (كان له أن يتملكها بشرط الضمان) لها. ولا يتملكها الملتقطُ بمجرد مُضِي السنة، بل لا بد من لفظ يدل على التملك، كتملكت هذه اللقطة. فإن تملكها وظهر مالكها وهي باقية واتفقا على رد عينها أو بدلها، فالأمر فيه واضح؛ وإن تنازعا فطلبها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها أجيب المالك في الأصح. وإن تَلِفَت اللقطة بعد تملكها

غرم الملتقط مثلَها إن كانت مثلية، أو قيمتَها إن كانت متقومة يومَ التملك لها. وإن نقصت بعيب فله أخذها مع الإرش في الأصح. (واللقطة) وفي بعض النسخ «وجملة اللقطة» (على أربعة أضرب: أحدها ما يبقى على الدوام) كذهب وفضة؛ (فهذا) أي ما سبق من تعريفها سنةً وتملكها بعد السنة (حكمه) أي حكم ما يبقى على الدوام. (و) الضرب (الثاني ما لا يبقى) على الدوام، (كالطعام الرطب؛ فهو) الملتقط له (مُخَيَّر بين) خصلتين (أكلِه وغرمِه) أو غرم قيمته (أو بيعه وحفظ ثمنه) إلى ظهور مالكه.

(والثالث ما يبقى بعلاج) فيه، (كالرطب) والعِنب (فيفعل ما فيه المصلحة، مِن بيعه وحفظ ثمنه، أو تجفيفه وحفظه) إلى ظهور مالكه. (والرابع ما يحتاج إلى نفقة، كالحيوان؛ وهو ضربان): أحدهما (حيوان لا يمتنع بنفسه) من صغار السباع كغنم وعِجل؛ (فهو) أي الملتقط (مخير) فيه (بين) ثلاثة أشياء: (أكله وغرم ثمنه، أو تركه) بلا أكل (والتطوع بالإنفاق عليه أو بيعه وحفظ ثمنه) إلى ظهور مالكه. (و) الثاني (حيوان يمتنع بنفسه) من صغار السباع، كبعير وفرس؛ (فإن وجده) الملتقط (في الصحراء تركه) وحرم التقاطه للتملك. فلو أخذه للتملك ضمنه، (وإن وجده) الملتقط (في الحضر؛ فهو مخَيَّر بين الأشياء

• اللقيط

الثلاثة فيه). والمراد الثلاثة السابقة فيما لا يمتنع. • اللقيط {فصل} في أحكام اللقيط. وهو صبيٌّ منبوذٌ لاَ كافِلَ له من أب أو جد أو ما يقوم مقامهما. ويلحق بالصبي - كما قال بعضهم - المجنون البالغ. (وإذا وُجِد لقيطٌ) بمعنى ملقوط (بقارعة الطريق فأَخْذُه) منها (وتربيته وكفالتُه واجبةٌ على الكفاية). فإذا التقطه بعض ممن هو أهل لحضانة اللقيط سقط الإثمُ عن الباقي؛ فإن لم يلتقطه أحدٌ أَثِم الجميعُ. ولو علم به واحدٌ فقط تعيَّن عليه، ويجب في الأصح الإشهاد على التقاطه. وأشار المصنف لشرط الملتقط بقوله: (ولا يُقَرُّ) اللقيط (إلا في يد أمين) حُرٍّ مسلم رشيد؛ (فإن وُجد معه) أي اللقيط (مال أنفق عليه

• الوديعة

الحاكم منه). ولا ينفق الملتقط عليه منه إلا بإذن الحاكم. (وإن لم يوجد معه) أي اللقيط (مال فنفقته) كائنة (في بيت المال) إن لم يكن له مال عام كالوقف على اللقطاء. - وفي بعض النسخ «اللقطى». • الوديعة {فصل} في أحكام الوديعة. هي فَعِيلة مِنْ وَدَعَ إذا ترك. وتطلق لغةً على الشيء المودوع عند غير صاحبه للحفظ. وتطلق شرعا على العقد المقتضي للاستحفاظ. (والوديعة أمانة) في يد الوديع. (ويُستحب قبولُها لمن قام بالأمانة فيها) إن كان ثَمَّ غيرُه، وإلا وجب قبولها - كما أطلقه جمعٌ. قال في الروضة كأصلها: وهذا محمول على أصل القبول، دون إتلاف منفعته وحرزه مجانا. (ولا يضمن) الوديع الوديعةَ (إلا بالتعدي) فيها. وصور التعدي كثيرة مذكورة في المطولات. منها أن يُودِع الوديعةَ عند غيره بلا إذن من المالك، ولا عذر من الوديع. ومنها أن ينقلها من محلة أو دار إلى أخرى

دونها في الحرز. (وقول المُودَع) بفتح الدال (مقبول في ردها على المُودِع) بكسر الدال. (وعليه) أي الوديع (أن يحفظها في حرز مثلها)؛ فإن لم يفعل ضمن. (وإذا طولب) الوديع (بها) أي الوديعة (فلم يخرجها مع القدرة عليها حتى تلفت ضمن). فإن أخَّر إخراجَها لعذر لم يضمن.

كتاب أحكام الفرائض والوصايا

كتاب أحكام الفرائض والوصايا والفرائض جمع فريضة، بمعنى مفروضة من الفرض بمعنى التقدير؛ والفريضة شرعًا اسم نصيب مقدر لمستحقه. والوصايا جمع وَصِيَّة مِنْ وَصيتُ الشيءَ بالشيء إذا وصلته به. والوصية شرعًا تبرعٌ بحق مضاف لما بعد الموت. (والوارثون من الرجال) المجمع على إرثهم (عشرة): بالاختصار، وبالبسط خمسةَ عشر. وعَدَّ المصنف العشرة بقوله: (الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد وإن علا، والأخ، وابن الأخ وإن تراخى، والعم، وابن العم وإن تباعدا، والزوج، والمولى المعتق) إلخ. ولو اجتمع كل الرجال وَرِثَ منهم ثلاثةٌ: الأب، والإبن، والزوج فقط، ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا امرأة. (والوارثات من النساء) المجمع على إرثهن (سبعٌ): بالاختصار،

وبالبسط عشرةٌ. وعَدَّ المصنف السبعَ في قوله: (البنت، وبنت الابن) وإن سفلت، (والأم، والجدة) وإن علت، (والأخت، والزوجة، والمولاة المعتقة) إلخ. ولو اجتمع كل النساء فقط وَرِث منهن خمس: البنت، وبنت الإبن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة؛ ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا رجلا. (ومن لا يسقط) من الورثة (بحالٍ خمسةٌ: الزوجان) أي الزوج والزوجة، (والأبوان) أي الأب والأم، (وولد الصلب) ذكرا كان أو أنثى. (ومن لا يرث بحال سبعة: العبد) والأمة. ولو عبر بالرقيق لكان أولى. (والمدبر، وأم الولد، والمكاتب). وأما الذي بعضه حُرٌّ إذا مات عن مال ملكه ببعضه الحرُّ ورِثه قريبُه الحر وزوجته ومعتق بعضه، (والقاتل) لا يرث ممن قتله، سواء كان قتله مضمونا أم لا، (والمرتد). ومثله الزنديق، وهو من يُخفي الكفرَ ويُظهر الإسلامَ، (وأهل مِلَّتين)؛

فلا يرث مسلم من كافر، ولا عكسه. ويرِث الكافرُ من الكافر وإن اختلف ملتهما، كيهودي ونصراني. ولا يرث حربي من ذمي، وعكسه. والمرتد لا يرث من مرتد ولا من مسلم ولا من كافر. (وأقرب العصبات). وفي بعض النسخ «العصبةُ». وأريد بها من ليس له حال تعصيبه سهم مقدر من المجمع على توريثهم. وسبق بيانهم. وإنما اعتبر السهم حالَ التعصيب ليدخل الأبُ والجَد؛ فإن لكل منهما سهما مقدرا في غير التعصيب، ثم عدَّ المصنف الأقربية في قوله: (الابن، ثم ابنه، ثم الأب، ثم أبوه، ثم الأخ للأب والأم، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ للأب والأم، ثم ابن الأخ للأب) إلخ. وقوله: (ثم العم على هذا الترتيب، ثم ابنه) أي فيقدم العم للأبوين ثم للأب، ثم بنو العم كذلك، ثم يقدم عم الأب من الأبوين ثم من الأب، ثم بنوهما كذلك، ثم يقدم عم الجد من الأبوين، ثم من الأب، وهكذا. (فإن عَدِمَت العصبات) من النسب، والميت عتيق (فالمولى المعتق)

• الفروض المقدرة

يرثه بالعصوبة، ذكرا كان المعتق أو أنثى. فإن لم يوجد للميت عصبة بالنسب، ولا عصبة بالولاء فماله لبيت المال. • الفروض المقدرة {فصل} (والفروض المذكورة). وفي بعض النسخ «والفروض المقدرة» (في كتاب الله تعالى ستة): لا يُزاد عليها، ولا يُنقص منها إلا لعارض كالعول. والستة هي: (النصف، والرُبع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس). وقد يُعبَّر الفرضيون عن ذلك بعبارة مختصرة، وهي الربع والثلث، وضعف كل ونصف كل. (فالنصف فرض خمسة: البنت، وبنت الابن) إذا انفرد كل منهما عن ذكر يعصبها، (والأخت من الأب والأم، والأخت من الأب) إذا انفرد كل منهما عن ذكر يعصبها، (والزوج إذا لم يكن معه ولدٌ)، ذكرا كان الولد أو أنثى،

ولا ولد ابن. (والرُّبع فرض اثنين: الزوج مع الولد أو ولد الابن)، سواء كان ذلك الولد منه أو من غيره. (وهو) أي الربع (فرض الزوجة) والزوجتين (والزوجات مع عدم الولد أو ولد الابن). والأفصح في الزوجة حذف التاء، ولكن إثباتها في الفرائض أحسن للتمييز. (والثمن فرض الزوجة) والزوجين (والزوجات مع الولد أو ولد الابن) يشتركن كلهن في الثمن. (والثلثان فرض أربعة: البنتين) فأكثر، (وبنتي الابن) فأكثر. وفي بعض النسخ «وبنات الابن»، (والأختين من الأب والأم) فأكثر، (والأختين من الأب) فأكثر. وهذا عند انفراد كل منهما عن إخوتهن؛ فإن كان معهن ذكر فقد يزدن على الثلثين، كما لو كُنَّ عشرا والذكر واحدا فلهن عشرة

من اثني عشر، وهي أكثر من ثلثيها، وقد ينقصن كبنتين مع ابنين. (والثلث فرض اثنين: الأم إذا لم تحجب). وهذا إذا لم يكن للميت ولد، ولا ولد ابن أو اثنان من الإخوة والأخوات، سواء كن أشقاء أو لأب أو لأم. (وهو) أي الثلث (للاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات من ولد الأم)، ذكورا كانوا أو إناثا أو خناثى، أو البعض كذا، والبعض كذا. (والسدس فرض سبعة: الأم مع الولد، أو ولد الابن، أو اثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات)، ولا فرق بين الأشقاء وغيرهم، ولا بين كون البعض كذا، والبعض كذا. (وهو) أي السدس (للجدة عند عدم الأم). وللجدتين والثلاث، (ولبنت الابن مع بنت الصلب) لتكملة الثلثين، (وهو) أي السدس (للأخت من الأب مع الأخت من الأب والأم) لتكملة الثلثين؛ (وهو) أي السدس (فرض الأب مع الولد أو ولدِ الابن). ويدخل في كلام المصنف ما لو خلف الميتُ بنتا وأبا فللبنت النصف،

وللأب السدس فرضا، والباقي تعصيبا، (وفرض الجد) الوارث (عند عدم الأب). وقد يُفْرَض للجد السدس أيضا مع الإخوة، كما لو كان معه ذو فرض، وكان سدس المال خيرا له من المقاسمة، ومن ثلث الباقي كبنتين وجد وثلاثة إخوة. (وهو) أي السدس (فرض الواحد من ولد الأم) ذكرا كان أو أنثى. (وتسقط الجدات) سواء قرُبْن أو بعُدن (بالأم) فقط، (و) تسقط (الأجدادُ بالأب، ويسقط ولدُ الأم) أي الأخ للأم (مع) وجود (أربعة الولدِ) ذكرا كان أو أنثى (و) مع (ولدِ الابن) كذلك (و) مع (الأبِّ والجدّ) ِ وإن علا. (ويسقط الأخ للأب والأم مع ثلاثة الابن، وابنِ الابن) وإن سفل، (و) مع (الأبّ) ِ. (ويسقط ولد الأب) بأربعة: (بهؤلاء الثلاثة) أي الابن، وابن الابن، والأب، (وبالأخ للأب والأم).

• الوصية

(وأربعة يعصبون أخواتِهم): أي الإناث، للذكر مثل حظ الأنثيين: (الابن، وابن الابن، والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب). أما الأخ من الأم فلا يعصب أخته، بل لهما الثلث. (وأربعة يرثون دون أخواتهم؛ وهم: الأعمام، وبنو الأعمام، وبنو الأخ، وعصبات المولى المعتق). وإنما انفردوا عن أخواتهم لأنهم عصبة وارثون وأخواتهم من ذوي الأرحام لا يرثون. • الوصية {فصل} في أحكام الوصية. وسبق معناها لغةً وشرعًا أوائلَ كتاب الفرائض. ويشترط في الموصَى به أن يكون معلوما وموجودا. (و) حينئذ (تجوز الوصية بالمعلوم والمجهول) كاللبن في الضرع، (وبالموجود والمعدوم) كالوصية بثمر

هذه الشجرة قبل وجود الثمرة. (وهي) أي الوصية (من الثلث) أي ثلث مال الموصِي؛ (فإن زاد) على الثلث (وقف) الزائد (على إجازة الورثة) المطلقين التصرف؛ فإن أجازوا فإجازتهم تنفيذ للوصية بالزائد، وإن ردوه بطلت في الزائد. (ولا تجوز الوصية لوارث) وإن كانت ببعض الثلث (إلا أن يجيزها باقي الورثة) المطلقين التصرف. وذكر المصنف شرط الموصي في قوله: (وتصح) وفي بعض النسخ «وتجوز» (الوصية من كل بالغ عاقل) أي مختار حر وإن كان كافرا أو محجورا عليه بسفه؛ فلا تصح وصية مجنون ومغمى عليه وصبي ومكرَه. وذكر شرط المُوصَى له إذا كان معينا في قوله: (لكل متمَلِّك) أي لكل من يتصور له الملك من صغير وكبير، وكامل ومجنون، وحَملٍ موجودٍ عند الوصية، بأن ينفصل لِأَقلَّ مِن ستة أشهر من وقت الوصية. وخرج بمعين ما إذا كان الموصى له جهة عامة؛ فإن الشرط في هذا أن لا تكون الوصية جهة معصية، كعمارة كنيسة من مسلم أو كافر للتعبد

فيها. (و) تصح الوصية (في سبيل الله تعالى). وتصرف للغزاة. وفي بعض النسخ بدل سبيل الله «وفي سبيل البر»، أي كالوصية للفقراء أو لبناء مسجد. (وتصح الوصية) أي الإيصاء بقضاء الديون وتنفيذ الوصايا والنظر في أمر الأطفال (إلى من اجتمعت فيه خمس خصال: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والأمانة). واكتفى بها المصنف عن العدالة؛ فلا يصح الإيصاء لأضداد من ذكر، لكن الأصح جواز وصية ذمي إلى ذمي عَدْل في دينه على أولاد الكفار. ويشترط أيضا في الوصي أن لا يكون عاجزا عن التصرف؛ فالعاجز عنه لكِبر أو هرم مثلا، لا يصح الإيصاء إليه. وإذا اجتمعت في أم الطفل الشرائط المذكورة فهي أولى من غيرها.

كتاب أحكام النكاح وما يتعلق به من الأحكام والقضايا

كتاب أحكام النكاح وما يتعلق به من الأحكام والقضايا وفي بعض النسخ «وما يتصل به» (من الأحكام والقضايا). وهذه الكلمة ساقطة من بعض نسخ المتن. والنكاح يطلق لغةً على الضم والوطء والعقد، ويطلق شرعًا على عقد مشتمل على الأركان والشروط. (والنكاح مُستحَبٌّ لمن يحتاج إليه) بتَوقَان نفسه للوطء، ويجد أُهْبَته كمَهر ونفقة؛ فإن فقد الأُهبَة لم يُستحَب له النكاح. (ويجوز للحُرِّ أن يجمع بين أربع حرائر) فقط إلا أن تتعين الواحدةُ في حقه، كنكاح سفيه ونحوه مما يتوقف على الحاجة. (و) يجوز (للعبد) ولو مدبرا أو مبعضا أو مكاتبا أو معلقا عتقُه بصفة (أن يجمع بين اثنتين) أي زوجتين فقط. (ولا ينكح الحرُّ أَمةً) لغيره (إلا بشرطين: عدم صداق الحرة) أو فقد الحرة أو عدم

• نظر الرجل إلى المرأة

رضاها به، (وخوف العنت) أي الزنا مدةَ فَقْدِ الحرة. وترك المصنف شرطين آخرين: أحدهما أن لا يكون تحته حرة مسلمة أو كتابية تصلح للاستمتاع، والثاني إسلام الأَمة التي ينكحها الحرُّ؛ فلا يحل لمسلم أمةٌ كتابية. وإذا نكح الحر أمةً بالشروط المذكورة ثم أيسر ونكح حرةً لم ينفسخ نكاح الأمة. • نظر الرجل إلى المرأة (ونظر الرجل إلى المرأة على سبعة أضرب: أحدها نظره) ولو كان شيخا هرما عاجزا عن الوطء (إلى أجنبية لغير حاجة) إلى نظرها (فغير جائز)؛ فإن كان النظر لحاجة كشهادة عليها جاز. (والثاني نظره) أي الرجل (إلى زوجته وأمته؛

فيجوز أن ينظر) من كل منها (إلى ما عدا الفرج منهما). أما الفرج فيحرم نظره؛ وهذا وجه ضعيف، والأصح جواز النظر إليه لكن مع الكراهة. (والثالث نظره إلى ذوات محارمه) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (أو أمته المزوَّجة، فيجوز) أن ينظر (فيما عدا ما بين السرة والركبة). أما الذي بينهما فيحرم نظره. (والرابع النظر) إلى الأجنية (لأجل) حاجة (النكاح؛ فيجوز) للشخص عند عزمه على نكاح امرأة النظرُ (إلى الوجه والكفين) منها ظاهرا وباطنا وإن لم تأذن له الزوجة في ذلك، وينظر من الأمة على ترجيح النووي عند قصد خطبتها ما ينظره من الحرة. (والخامس النظر للمداواة؛ فيجوز) نظر الطبيب من الأجنبية (إلى المواضع التي يحتاج إليها) في المُداواة حتى مداواة الفرج. ويكون ذلك بحضور محرم أو زوج أو سيد، وأن لا تكون هناك امرأة تُعالجها. (والسادس النظر للشهادة) عليها فينظر الشاهد فرجها عند شهادته بزناها أو ولادتها؛ فإن تعمد النظر لغير الشهادة فسق، ورُدَّت شهادتُه (أو) النظر (للمعاملة) للمرأة في بيع وغيره؛ (فيجوز النظر) أي نظره لها. وقوله: (إلى الوجه) منها (خاصة) يرجع للشهادة وللمعاملة.

• ما لا يصح النكاح إلا به

(والسابع النظر إلى الأمة عند ابتياعها) أي شرائها؛ (فيجوز) النظر (إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها)؛ فينظر أطرافها وشعرها، لا عورتها. • ما لا يصح النكاح إلا به {فصل} فيما لا يصح النكاح إلا به. (ولا يصح عقد النكاح إلا بوليّ) عدل. وفي بعض النسخ «بوليّ ذكر»، وهو احتراز عن الأنثى؛ فإنها لا تُزوِّج نفسَها ولا غيرَها. (و) لا يصح عقد النكاح أيضا إلا بحضور (شاهدَي عدل). وذكر المصنف شرط كل من الولي والشاهدين في قوله: (ويفتقر الولي والشاهدان إلى ستة شرائط): الأول (الإسلام)؛ فلا يكون وليُّ المرأةِ كافرًا إلا فيما يستثنيه المصنف بعدُ. (و) الثاني (البلوغ)؛ فلا يكون وليّ المرأة صغيرا.

• ترتيب الولاية

(و) الثالث (العقل)؛ فلا يكون وليّ المرأة مجنونا، سواء أطبق جنونُه أو تقطع. (و) الرابع (الحرية)؛ فلا يكون الوليّ عبدا في إيجاب النكاح. ويجوز أن يكون قابلا في النكاح. (و) الخامس (الذكورة)؛ فلا تكون المرأة والخنثى وليين. (و) السادس (العدالة)؛ فلا يكون الوليّ فاسقا. واستثنى المصنف من ذلك ما تضمنه قوله: (إلا أنه لا يفتقر نكاح الذمية إلى إسلام الولي، ولا) يفتقر (نكاح الأمة إلى عدالة السيد)؛ فيجوز كونه فاسقا. وجميع ما سبق في الولي يعتبر في شاهدي النكاح. وأما العمى فلا يقدح في الولاية في الأصح. • ترتيب الولاية (وأولى الولاة) أي حق الأولياء بالتزويج (الأب، ثم الجد أبو الأب) ثم أبوه وهكذا. ويقدم الأقرب من الأجداد على الأبعد، (ثم الأخ للأب والأم) ولو عبر بالشقيق لكان أحصر، (ثم الأخ للأب، ثم ابن

• خطبة المعتدة

الأخ للأب والأم) وإن سفل، (ثم ابن الأخ للأب) وإن سفل، (ثم العم) الشقيق ثم العم للأب، (ثم ابنه) أي ابن كل منهما وإن سفل (على هذا الترتيب)، فيقدم ابن العم الشقيق على ابن العم للأب. (فإذا عدمت العصبات) من النسب (فالمولى المعتق) الذكر، (ثم عصابته) على ترتيب الإرث. أما المولاة المعتقة إذا كانت حيةً فيزوج عتيقتها مَن يزوِّج المعتقة بالترتيب السابق في أولياء النسب. فإذا ماتت المعتقة زوَّج عتيقتها من له الولاء على المعتقة ثم ابنه ثم ابن ابنه، (ثم الحاكم) يزوج عند فقد الأولياء من النسب والولاء. • خِطبة المعتدة ثم شرع المصنف في بيان الخِطبة بكسر الخاء، وهي التماس الخاطب من المخطوبة النكاح؛ فقال: (ولا يجوز أن يصرح بخطبة معتدة) عن وفاة أو طلاق بائن أو رجعي. والتصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كقوله للمعتدة: «أريد نكاحكِ». (ويجوز) إن لم تكن المعتدة عن طلاق رجعي (أن يعرض لها) بالخِطبة (وينكحها بعد انقضاء عدتها). والتعريض ما لا يقطع بالرغبة في النكاح، بل يحتملها كقول الخاطب للمرأة:

• المحرمات

«رُبَّ راغبٍ فيكِ». أما المرأةُ الخلية من موانع النكاح وعن خطبة سابقة فيجوز خطبتها تعريضا وتصريحا. (والنساء على ضربين: ثيبات، وأبكار). والثيب من زالت بكارتها بوطء حلال أوحرام، والبكر عكسها؛ (فالبكر يجوز للأب والجد) عند عدم الأب أصلا أو عدم أهليته (إجبارها) أي البكر (على النكاح) إن وُجدت شروطُ الإجبار بكون الزوجة غير موطوأة بقبل وأن تزوج بكفء بمهر مثلها من نقد البلد. (والثيب لا يجوز) لوليها (تزويجها إلا بعد بلوغها وإذنها) نطقا، لا سكوتًا. • المحرمات {فصل} (والمحرمات) أي المحرم نكاحهن (بالنص أربع عشرة): وفي بعض النسخ «أربعة عشر»: (سبع بالنسب؛ وهن: الأم وإن

علت، والبنت وإن سفلت). أما المخلوقة من ماء زنا شخص فتحِلُّ له على الأصح، لكن مع الكراهة، وسواء كانت المُزنَى بها مطاوعة أو لا. وأما المرأة فلا يحل لها ولدُها من الزنا، (والأخت) شقيقة كانت أو لأب أو لأم، (والخالة) حقيقة أو بتوسط كخالة الأب والأم، (والعمة) حقيقة أو بتوسط كعمة الأب، (وبنت الأخ) وبنات أولاده من ذكر أو أنثى، (وبنت الأخت) وبنات أولادها من ذكر أو أنثى. وعطف المصنف على قوله سابقا «سبع» قوله هنا: (واثنتان) أي المحرمات بالنص اثنتان (بالرضاع) وهما: (الأم المرضِعة، والأخت من الرضاع). وإنما اقتصر المصنف على الاثنتين للنص عليهما في الآية، وإلا فالسبع المحرمة بالنسب تحرم بالرضاع أيضا كما سيأتي التصريح به في كلام المتن. (و) المحرمات بالنص (أربع بالمصاهرة) وهن: (أم الزوجة) وإن علت أمها، سواء من نسب أو رضاع، سواء وقع دخول الزوج بالزوجة أم لا، (والربيبة) أي بنت الزوجة (إذا دخل بالأم، وزوجة الأب) وإن علا، (وزوجة الابن) وإن سفل. والمحرمات السابقة حرمتها على التأبيد،

• العيوب التي تجوز رد المرأة والرجل

(وواحدة) حرمتُها لا على التأبيد، بل (من جهة الجمع) فقط. (وهي أخت الزوجة)؛ فلا يُجمَع بينها وبين أختها من أب أو أم وبينهما نسبٌ أو رضاعٌ، ولو رضيت أختُها بالجمع. (ولا يجمع) أيضا (بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)؛ فإن جمع الشخص بين من حرم الجمع بينهما بعقد واحد نكحهما فيه بطل نكاحهما، أو لم يجمع بينهما، بل نكحهما مرتبا، فالثاني هو الباطل إن علمت السابقة؛ فإن جهلت بطل نكاحهما، وإن علمت السابقة ثم نسيت منع منهما. ومن حرم جمعهما بنكاح حرم جمعهما أيضا في الوطء بملك اليمين، وكذا لو كانت إحداهما زوجةً والأخرى مملوكة. فإن وطئ واحدة من المملوكتين حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى بطريق من الطرق كبيعها أو تزويجها. وأشار لضابط كلي بقوله: (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). وسبق أن الذي يحرم من النسب سبع، فيحرم بالرضاع تلك السبع أيضا. • العيوب التي تجوز رد المرأة والرجل ثم شرع في عيوب النكاح المثبتة للخيار فيه، فقال: (وترد المرأة) أي الزوجة (بخمسة عيوب): أحدها (بالجنون)، سواء أطبق أو تقطع قبل العلاج أو لا، فخرج

الإغماء؛ فلا يثبت به الخيار في فسخ النكاح ولو دام، خلافا للمتولي. (و) ثانيها بوجود (الجُذام) بذال المعجمة، وهو علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ثم يتناثر. (و) الثالث بوجود (البرص)، وهو بياض في الجلد يذهب دم الجلد وما تحته من اللحم؛ فخرج البهق، وهو ما يُغيِّر الجلد من غير إذهاب دمِّه؛ فلا يثبت به الخيار. (و) الرابع بوجود (الرتق)، وهو انسداد محل الجماع بلحم. (و) الخامس بوجود (القَرن)، وهو انسداد محل الجماع بعَظْم. وما عدا هذه العيوب كالبخر والصنان لا يثبت به الخيار. (ويرد الرجل) أيضا أي الزوج (بخمسة عيوب: بالجنون، والجذام، والبرص). وسبق معناها. (و) بوجود (الجَبِّ)، وهو قطع الذكر كله أو بعضه والباقي منه دون الحشفة؛ فإن بقي قدرها فأكثر فلا خيار. (و) بوجود (العُنة) بضم العين، وهو عجز الزوج عن الوطء في القبل لسقوط القوة الناشرة لضعف في قلبه أو آلته.

• تسمية المهر

ويشترط في العيوب المذكورة الرفع فيها إلى القاضي. ولا ينفرد الزوجان بالتراضي بالفسخ فيها كما يقتضيه كلام الماوردي وغيره، لكن ظاهر النص خلافه. • تسمية المهر {فصل} في أحكام الصَّداق. وهو بفتح الصاد أفصح من كسرها، مشتقٌ من الصَدق بفتح الصاد، وهو اسم لشديد الصلب؛ وشرعا اسم لمال واجب على الرجل بنكاح أو وطء شبهة أو موت. (ويستحب تسمية المهر في) عقد (النكاح) ولو في نكاح عبد السيد أمته. ويكفي تسمية أي شيء كان، ولكن يسن عدم النقص عن عشرة دراهم وعدم الزيادة على خمسمائة درهم خالصة. وأشعر قوله: «يستحب» بجواز إخلاء النكاح عن المهر، وهو كذلك. (فإن لم يُسَمَّ) في عقد النكاح مهرٌ (صح العقد). وهذا معنى التفويض. ويصدر تارةً من الزوجة البالغة الرشيدة كقولها لوليها: «زَوِّجْني بلا مهر» أو «على أن

لا مهر لي»؛ فيزوِّجها الولي وينفي المهر أو يسكت عنه. وكذا لو قال سيد الأمة لشخص: «زوَّجتُك أمتي» ونفى المهر أو سكت. (و) إذا صح التفويض (وجب المهر) فيه (بثلاثة أشياء): وهي (أن يفرضه الزوج على نفسه) وترضى الزوجة بما فرضه، (أو يفرضه الحاكم) على الزوج ويكون المفروض عليه مهرَ المثل. ويشترط علم القاضي بقدره. أما رضا الزوجين بما يفرضه فلا يشترط، (أو يدخل) أي الزوج (بها) أي الزوجة المُفوِّضة قبل فرض من الزوج أو الحاكم؛ (فيجب) لها (مهر المثل) بنفس الدخول. ويعتبر هذا المهر بحال العقد في الأصح. وإن مات أحد الزوجين قبل فرض ووطء وجب مهر مثل في الأظهر. والمراد بمهر المثل قدر ما يرغب به في مثلها عادةً. (وليس لأقل الصداق) حدٌّ معيَّن في القلة (ولا لأكثره حد) معين في الكثرة، بل الضابط في ذلك أن كل شيء صح جعله ثمنا من عين أو منفعة صح جعله صداقا. وسبق أن المستحب عدم النقص عن عشرة دراهم وعدم الزيادة على خمسمائة درهم.

• الوليمة

(ويجوز أن يتزوجها على منفعة معلومة) كتعليمها القرآن. (ويسقط بالطلاق قبلَ الدخول بها نصفُ المهر). أما بعد الدخول ولو مرةً واحدة فيجب كل المهر ولو كان الدخول حراما كوطء الزوج زوجته حالَ إحرامها أو حيضها. ويجب كل المهر كما سبق بموت أحد الزوجين، لا بخلوة الزوج بها - في الجديد. وإذا قتلت الحرة نفسها قبل الدخول بها لا يسقط مهرها، بخلاف ما لو قتلت الأمة نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول فإنه يسقط مهرها. • الوليمة {فصل} (والوليمة على العُرس مستحبة). والمراد بها طعام يتخذ للعرس. وقال الشافعي: تصدق الوليمة على كل دعوة لحادث سرور. وأقلها للمكثر شاةٌ، وللمقل ما تيسر. وأنواعها كثيرة مذكورة في المطولات. (والإجابة إليها) أي وليمة العرس (واجبة) أي فرض عين في

• التسوية في القسم بين الزوجات

الأصح. ولا يجب الأكل منها في الأصح. أما الإجابة لغير وليمة العرس من بقية الولائم فليست فرض عين، بل هي سنة. وإنما تجب الدعوة لوليمة العرس أو تسن لغيرها بشرط أن لا يخص الداعي الأغنياء بالدعوة، بل يدعوهم والفقراء وأن يدعوهم في اليوم الأول. فإن أَوْلَم ثلاثةَ أيام لم تجب الإجابة في اليوم الثاني، بل تستحب، وتكره في اليوم الثالث. وبقية الشروط مذكورة في المطولات. وقوله (إلا من عذر) أي مانع من الإجابة للوليمة، كأن يكون في موضع الدعوة من يتأذي به المدعو أو لا تليق به مجالسته. • التسوية في القسم بين الزوجات {فصل} في أحكام القسم والنشوز. الأول من جهة الزوج، والثاني من جهة الزوجة. ومعنى نشوزها ارتفاعها عن أداء الحق الواجب عليها. وإذا كان في عصمة شخص زوجتان فأكثر لا يجب عليه القسم بينهما أو بينهن حتى لو أعرض عنهن أو عن الواحدة؛ فلم يبت عندهن أو عندها لم يأثم، ولكن يستحب أن لا يعطلهن من المبيت، ولا الواحدة أيضا، بأن يبيت عندهن أو عندها. وأدنى درجات الواحدة أن لا يخليها كل أربع ليال عن ليلة.

(والتسوية في القسم بين الزوجات واجبة). وتعتبر التسوية بالمكان تارةً، وبالزمان أخرى. أما المكان فيُحرم الجمع بين الزوجتين فأكثر في مسكن واحد إلا بالرضا. وأما الزمان فمن لم يكن حارسا مثلا فعماد القسم في حقه الليلُ، والنهارُ تبع له. ومن كان حارسا فعماد القسم في حقه النهارُ، والليلُ تبع له. (ولا يدخل) الزوج ليلاً (على غير المقسوم لها لغير حاجة). فإن كان لحاجة كعيادة ونحوها لم يمنع من الدخول؛ وحينئذ إن طال مكثه قضى من نوبة المدخول عليها مثل مكثه؛ فإن جامع قضى زمن الجماع إلا أن يقصر زمنه فلا يقضيه. (وإذا أراد) من في عصمته زوجات (السفرَ أقرع بينهن وخرج) أي سافر (بالتي تخرج لها القرعةُ). ولا يقضي الزوج المسافر للمتخلفات مدةَ سفره ذهابا؛ فإن وصل مقصده وصار مقيما بأن نوى إقامة مؤثرة أول سفره أو عند وصول مقصده أو قبل وصوله قضى مدة الإقامة إن ساكن المصحوبة معه في السفر - كما قاله الماوردي؛ وإلا لم يقض. أما مدة الرجوع فلا يجب على الزوج قضاؤها بعد إقامته. (وإذا تزوج) الزوج (جديدةً خصَّها) حتما ولو كانت أمةً، وكان عند الزوج غير الجديدة وهو يبيت

• نشوز المرأة

عندها (بسبع ليال) متواليات (إن كانت) تلك الجديدة (بِكرا). ولا يقضي للباقيات، (و) خصها (بثلاث) متواليات (إن كانت) تلك الجديدة (ثيبا). فلو فرق الليالي بنومه ليلةً عند الجديدة وليلةً في مسجد مثلا لايحسب لها ذلك، بل يوفى الجديدة حقها متواليا ويقضي ما فرقه للباقيات. • نشوز المرأة (وإذا خاف) الزوج (نشوزَ المرأة). وفي بعض النسخ «وإذا بَانَ نشوزُ المرأة»، أي ظهر (وَعَظَها) زوجُها بلا ضرب ولا هجر لها، كقوله لها: «اتقي الله في الحق الواجب لي عليك، واعلمي أن النشوز مُسقِط للنفقة والقسم». وليس الشتم للزوج من النشوز، بل تستحق به التأديب من الزوج في الأصح، ولا يرفعها إلى القاضي. (فإن أبت) بعد الوعظ (إلا النشوز هجرها) في مضجعها، وهو فراشها؛ فلا يضاجعها فيه. وهجرانها بالكلام حرام فيما زاد على ثلاثة أيام. وقال في الروضة: أنه في الهجر بغير عذر شرعي؛ وإلا فلا تحرم الزيادة على الثلاثة. (فإن أقامت عليه) أي النشوز بتكرره منها (هجرها وضربها) ضرب تأديب لها. وإن أفضى ضربها إلى التلف وجب الغرم. (ويسقط بالنشوز قسمُها ونفقتها).

• الخلع

• الخلع {فصل} في أحكام الخُلع. وهو بضم الخاء المعجمة مشتق من الخَلع بفتحها، وهو النزع، وشرعًا فُرقةٌ بعوض مقصود؛ فخرج الخلع على دم ونحوه. (والخلع جائز على عوض معلوم) مقدور على تسليمه؛ فإن كان على عوض مجهول، كأن خالعها على ثوب غير معين بَانَت بمهر المثل. (و) الخلع الصحيح (تملك به المرأة نفسها، ولا رجعةَ له) أي الزوج (عليها) سواء كان العوض صحيحا أو لا. وقوله: (إلا بنكاح جديد) ساقط في أكثر النسخ. (ويجوز الخلع في الطهر وفي الحيض). ولا يكون حراما. (ولا يلحق المختلعة الطلاق) بخلاف الرجعية فيلحقها.

• أنواع الطلاق

• أنواع الطلاق {فصل} في أحكام الطلاق. وهو لغةً حَلُّ القَيد، وشرعًا اسم لحَلِّ قَيد النكاح. ويشترط لنفوذه التكليف والاختيار. وأما السكران فينفذ طلاقه عقوبةً له. (والطلاق ضربان: صريح، وكناية)؛ فالصريح ما لا يحتمل غير الطلاق، والكناية ما تحتمل غيره. ولو تلفظ الزوج بالصريح، وقال: «لم أُرِد به الطلاقَ»، لم يقبل قولُه؛ (فالصريح ثلاثة ألفاظ: الطلاق) وما اشتق منه، كطلقتك، وأنت طالقٌ ومطلقةٌ، (والفراق، والسراح) كفارقتك، وأنت مفارقة، وسرحتك، وأنت مسرحة. ومن الصريح أيضا الخلع إن ذكر المال. وكذا المفاداة. (ولا يفتقر صريح الطلاق إلى النية). ويستثنى المُكرَه على الطلاق؛ فصريحه كناية في حقه، إن نوى وقع، وإلا فلا. (والكناية كل لفظ احتمل الطلاق وغيره، ويفتقر إلى النية)؛ فإن نوى بالكناية الطلاق وقع، وإلا فلا. وكناية الطلاق كأنتِ بَرية خلية، الحَقِي بأهلكِ، وغير ذلك مما هو في المطولات. • أنواع المطلقات (والنساء فيه) أي الطلاق (ضربان:

ضرب في طلاقهن سُنةٌ وبدعة، وهن ذواتُ الحيض). وأراد المصنف بالسُنة الطلاق الجائز، وبالبدعة الطلاق الحرام؛ (فالسنة أن يُوقِع) الزوج (الطلاق في طهر غير مُجامَع فيه؛ والبدعة أن يوقع) الزوج (الطلاقَ في الحيض أو في طهر جامَعَها فيه). (وضرب ليس في طلاقهن سنة ولا بدعة؛ وهن أربع: الصغيرة، والآيسة)، وهي التي انقطع حيضها، (والحامل، والمختلعة التي لم يدخل بها) الزوجُ. وينقسم الطلاق باعتبار آخر إلى واجب كطلاق المُولي، ومندوب كطلاق امرأة غير مستقمية الحال كسيئة الخُلُق، ومكروه كطلاق مستقمية الحال، وحرام كطلاق البدعة وقد سبق. وأشار الإمام للطلاق المباح بطلاق

• حكم طلاق الحر والعبد وغير ذلك

من لا يهواها الزوج ولا تسمح نفسه بمؤنتها بلا استمتاع بها. • حكم طلاق الحر والعبد وغير ذلك {فصل} في حكم طلاق الحر والعبد وغير ذلك. (ويملك) الزوج (الحُر) على زوجته ولو كانت أَمةً (ثلاث تطليقات، و) يملك (العبد) عليها (تطليقتين) فقط، حرةً كانت الزوجة أو أمة. والمبعض والمكاتب والمدبر كالعبد القن. (ويصح الاستثناء في الطلاق إذا وصله به) أي وصل الزوج لفظ المستثنى بالمستثنى منه اتصالًا عُرفيا، بأن يُعدَّ في العرف كلاما واحدا. ويشترط أيضا أن ينوي الاستثناء قبل فراغ اليمين. ولا يكفي التلفظ به من غير نية الاستثناء. ويشترط أيضا عدم استغراق المستثنى المستثنى منه؛ فإن استغرق كـ «أنتِ طالق ثلاثا إلا ثلاثا» بطل الاستثناء. (ويصح تعليقه) أي الطلاق (بالصفة والشرط) كـ «إن دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ»؛ فتطلق إذا دخلَت. (و) الطلاق لا يقع إلا على زوجة. وحينئذ (لا يقع الطلاق قبل النكاح)؛ فلا يصح طلاق الأجنبية تنجيزا كقوله لها: «طلقتُكِ».

• من لا يقع طلاقه

ولا تعليقا كقوله لها: «إن تزوجتكِ فأنتِ طالق». «وإن تزوجت فلانة فهي طالق». • من لا يقع طلاقه (وأربع لا يقع طلاقهم: الصبي، والمجنون). وفي معناه المغمى عليه، (والنائم، والمكرَه) أي بغير حق؛ فإن كان بحق وقع. وصورته كما قال جمعٌ إكراه القاضي للمُولي بعد مدة الإيلاء على الطلاق. وشرط الإكراه قدرة المُكرِه - بكسر الراء - على تحقيق ما هدد به المُكرَه - بفتحها- بولاية أو تغلب، وعجز المكرَه - بفتح الراء - عن دفع المكرِه - بكسرها - بهرب منه أو استغاثة بمن يخلصه ونحو ذلك، وظنه أنه إن امتنع مما أكره عليه فعل ما خوَّفه. ويحصل الإكراه بالتخويف بضرب شديد أو حبس أو إتلاف مال ونحو ذلك. وإذا ظهر من المكرَه - بفتح الراء - قرينة اختيار، بأن أكرهه شخصٌ على طلاق ثلاث فطلق واحدةً وقع الطلاق. وإذا صدر تعليق الطلاق بصفة من مكلف ووجدت تلك الصفة في غير تكليف فإن الطلاق المعلق بها يقع بها. والسكران ينفذ طلاقه كما سبق.

• البائن والرجعي

• البائن والرجعي {فصل} في أحكام الرَجْعة. الرَّجعة بفتح الراء، وحكي كسرها. وهي لغةً المرة من الرجوع، وشرعًا رد الزوجة إلى النكاح في عدة طلاق غير بائن على وجه مخصوص. وخرج بطلاقٍ وطءُ الشبهة والظهارُ؛ فإن استباحةَ الوطء فيهما بعد زوال المانع لا تسمى رجعة. (وإذا طلق) شخص (امرأته واحدة أو اثنتين فله) بغير إذنها (مراجعتُها مالم تنقض عدتُها). وتحصل الرجعة من الناطق بألفاظ، منها «راجعتُكِ» وما تصرف منها. والأصح أن قول المرتجع: «رددتُك لنكاحي، وأمسكتك عليه» صريحان في الرجعة. وأن قوله: «تزوجتُك أو نكحتُك» كنايتان. وشرط المرتجع إن لم يكن محرما أهليةُ النكاح بنفسه؛ وحينئذ فتصح رجعة السكران، لا رجعة المرتد، ولا رجعة الصبي والمجنون؛ لأن كلا منهم غيرُ أهلٍ للنكاح بنفسه، بخلاف السفيه والعبد فرجعتهما صحيحة من غير إذن الولي والسيد وإن توقف ابتداء نكاحهما على إذن الولي والسيد. (فإن انقضت عدتها) أي الرجعية (حل له) أي زوجها (نكاحها بعقد جديد، وتكون معه) بعد العقد (على ما بقي من الطلاق)، سواء اتصلت بزوج غيره أم لا.

• أحكام الإيلاء

(فإن طلقها) زوجها (ثلاثا) إن كان حرا، أو طلقتين إن كان عبدا قبل الدخول أو بعده (لم تحل له إلا بعد وجود خمس شرائط): أحدها (انقضاء عدتها منه) أي المطلق. (و) الثاني (تزويجها بغيره) تزويجا صحيحا. (و) الثالث (دخوله) أي الغير (بها، وإصابتها) بأن يولج حشفته أو قدرها من مقطوعها بقُبل المرأة، لا بدبرها بشرط الانتشار في الذكر، وكون المُولِج ممن يمكن جِماعُه، لا طفلا. (و) الرابع (بينونتها منه) أي الغير. (و) الخامس (انقضاء عدتها منه). • أحكام الإيلاء {فصل} في بيان أحكام الإيلاء. وهو لغةً مصدر آلى يوليّ إيلاءً إذا حلف، وشرعًا حلف زوجٍ يصح طلاقُه ليمتنع من وطء زوجته في قُبُلها مطلقا، أو فوق أربعةَ أشهر.

وهذا المعنى مأخوذ من قول المصنف: (وإذا حلف أن لا يطأ زوجتَه) وطأ (مطلقا أو مدةً) أي وطأ مقيدا بمدة (تزيد على أربعة أشهر؛ فهو) أي الحالف المذكور (مُولٍ) من زوجته، سواء حلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته أو علق وطء زوجته بطلاق أو عتق، كقوله: «إن وطئتُك فأنتِ طالق أو فعبدي حرٌّ». فإذا وطئ طلقت وعتق العبد. وكذا لو قال: «إن وطئتك فلله عليَّ صلاةٌ أو صوم أو حجٌّ أو عتقٌ» فإنه يكون موليا أيضا. (ويؤجل له) أي يمهل المولي حتما، حرا كان أو عبدا في زوجة مطيقة للوطء. (إن سألت ذلك أربعة أشهر) وابتداؤها في الزوجة من الإيلاء، وفي الرجعية من الرجعة، (ثم) بعد انقضاء هذه المدة (يخير) المولي (بين الفيئة) بأن يولج المولي حشفته أو قدرها من مقطوعها بقُبل المرأة (والتكفير) لليمين إن كان حلفه بالله تعالى على ترك وطئها (أو الطلاق) للمحلوف عليها. (فإن امتنع) الزوج من الفيئة والطلاق (طلق عليه الحاكمُ) طلقة واحدة رجعية؛ فإن طلق أكثر منها لم يقع؛ فإن امتنع من الفيئة فقط أمره الحاكم بالطلاق.

• أحكام الظهار

• أحكام الظهار {فصل} في بيان أحكام الظهار. وهو لغةً مأخوذ من الظَهر، وشرعًا تشبيه الزوج زوجتَه غير البائن بأنثى لم تكن حِلاًّ له. (والظهار أن يقول الرجل لزوجته: «أنتِ عليَّ كظهر أمي»). وخص الظهر دون البطن مثلا، لأن الظهر موضع الركوب، والزوجة مركوب الزوج. (فإذا قال لها ذلك) أي أنتِ عليَّ كظهر أمي، (ولم يتبعه بالطلاق صار عائدا) من زوجته، (ولزمته) حينئذ (الكفَّارة) وهي مُرَتَّبةٌ. وذكر المصنف بيانَ ترتيبها في قوله: (والكفارة عتق رقبة مؤمنة) مسلمة ولو بإسلام أحد أبويها (سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب) إضرارا بيِّنا، (فإن لم يجد) المُظاهر الرقبة المذكورة، بأن عجز عنها حسا أو شرعا (فصيام شهرين متتابعين). ويعتبر الشهران بالهلال، ولو نقص كل منهما عن ثلاثين يوما. ويكون صومهما بنية الكفارة من الليل. ولا يشترط نية تتابع في الأصح، (فإن لم يستطع) المظاهر صوم الشهرين

• أحكام القذف واللعان

أو لم يستطع تتابعها (فإطعام ستين مسكينا) أو فقيرا؛ (كل مسكين) أو فقير (مدّ) من جنس الحَبِّ المخرَج في زكاة الفطر؛ وحينئذ فيكون من غالب قوت بلد المُكفِّر كبُرٍّ وشعير، لا دقيق وسويق. وإذا عجز المكفر عن الخصال الثلاث استقرت الكفارة في ذمته. فإذا قدر بعد ذلك على خصلة فعلها، ولو قدر على بعضها كمُد طعام أو بعض مد أخرجه. (ولا يحل للمظاهر وطؤها) أي زوجته التي ظَاهَر منها (حتى يُكفّر) بالكفارة المذكورة. • أحكام القذف واللعان {فصل} في بيان أحكام القذف واللعان. وهو لغةً مصدر مأخوذ من اللعن أي البعد، وشرعا كلمات مخصوصة جعلت حُجَّةً للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه، وألحق العار به. (وإذا رمى) أي قذف (الرجل زوجته بالزنا فعليه حدُّ القذفِ)،

وسيأتي أنه ثمانون جلدة (إلا أن يقيم) الرجل القاذف (البيّنةَ) بزنا المقذوفة، (أو يُلاعن) زوجته المقذوفة. وفي بعض النسخ «أو يلتعن» أي بأمر الحاكم أو من في حكمه كالمحكم؛ (فيقول عند الحاكم في الجامع على المنبر في جماعة من الناس) أقلُّهم أربعة: (أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميتُ به زوجتي) الغائبة (فلانة من الزنا). وإن كانت حاضرةً أشار لها بقوله: «زوجتي هذه». وإن كان هناك ولد ينفيه ذكره في الكلمات فيقول: (وأن هذا الولد من الزنا، وليس مني). ويقول الملاعن هذه الكلمات (أربع مرات. ويقول في) المرة (الخامسة بعد أن يعِظه الحاكمُ) أو المحكم بتخويفه له من عذاب الله تعالى في الآخرة وأنه أشدُّ من عذاب الدنيا: («وعليَّ لعنةُ الله إن كنتُ من الكاذبين»). فيما رميتُ به هذه من الزنا. وقول المصنف على المنبر في جماعة ليس بواجب في اللعان، بل هو سنة. (ويتعلق بلعانه) أي الزوج وإن لم تلاعن الزوجة (خمسةُ أحكام):

أحدها (سقوط الحد) أي حد القذف للملاعنة (عنه) إن كانت محصنة وسقوط التعزير عنه إن كانت غير محصنة. (و) الثاني (وجوب الحد عليها) أي حد زناها مسلمة كانت أو كافرة إن لم تلاعن. (و) الثالث (زوال الفراش). وعبّر عنه غيرُ المصنف بالفُرقة المؤبدة، وهي حاصلة ظاهرا وباطنا وإن كذب الملاعن نفسه. (و) الرابع (نفي الولد) عن الملاعن. أما الملاعنة فلا ينتفي عنها نسب الولد. (و) الخامس (التحريم على الأبد)؛ فلا يحل للملاعن نكاحها ولا وطؤها بملك اليمين لو كانت أمة واشتراها. وفي المطولات زيادة على هذه الخمسة، منها سقوطُ حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن حتى لو قذفها بزنا بعد ذلك لا يحد. (ويسقط الحد عنها بأن تلتعن) أي تلاعن الزوج بعد تمام لعانه (فتقول) في لعانها إن كان الملاعن حاضرا: («أشهد بالله، أن فلانا هذا لَمِن الكاذبين، فيما رماني به من الزنا»). وتكرر الملاعنة هذا الكلام (أربع

• أحكام العدة وأنواع المعتدة

مرات، وتقول في المرة الخامسة) من لعانها (بعد أن يعظها الحاكم) أو المحكم بتخويفه لها من عذاب الله في الآخرة، وأنه أشد من عذاب الدنيا: («وعليَّ غضبُ الله إن كان من الصادقين») فيما رماني به من الزنا. وما ذكر من القول المذكور محله في الناطق. أما الأخرس فيلاعن بإشارة مفهمة؛ ولو أبدل في كلمات اللعان لفظ الشهادة بالحلف كقول الملاعن: «أحلف بالله»، أو لفظ الغضب باللعن وعكسه كقولها: «لعنة الله عليَّ». وقوله: غضب الله عليَّ، أو ذكر كل من الغضب واللعن قبل تمام الشهادات الأربع لم يصح في الجميع. • أحكام العدة وأنواع المعتدة {فصل} في أحكام العدة وأنواع المعتدة. وهي لغة الاسم من اعتَدَّ، وشرعا ترَبُّص المرأة مدةً يعرف فيها براءة رحمها بأقراء أو أشهر أو وضع حمل. (والمعتدة على ضربين: متوفى عنها) زوجُها، (وغير متوفى عنها؛

فالمتوفى عنها) زوجها (إن كانت) حرة (حاملا فعدتها) عن وفاة زوجها (بوضع الحمل) كله حتى ثاني توأمين مع إمكان نسبة الحمل للميت ولو احتمالا، كمنفي بلعان. فلو مات صبي لا يولد لمثله عن حامل فعدتها بالأشهر، لا بوضع الحامل؛ (وإن كانت حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشر) من الأيام بلياليها. وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن، ويكمل المنكسر ثلاثين يوما. (وغير المتوفى عنها) زوجها (إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل) المنسوب لصاحب العدة، (وإن كانت حائلا وهي من ذوات) أي صواحب (الحيض فعدتها ثلاثة قروء، وهي الأطهار). وإن طلقت طاهرا حائضا بأن بقي من زمن طهرها بقية بعد طلاقها انقضت عدتها بالطعن في حيضة ثالثة، أو طلقت حائضا أو نفساء انقضت عدتها بالطعن في حيضة رابعة، وما بقي من حيضها لا يحسب قرءا. (وإن كانت) تلك المعتدة (صغيرة) أو

• عدة الأمة

كبيرة لم تحض أصلا ولم تبلغ سِنَّ اليأس أو كانت متحيرة (أو آيسة فعدتها ثلاثة أشهر) هلالية إن انطبق طلاقها على أول الشهر. فإن طلقت في أثناء شهر فبعده هلالان، ويكمل المنكسر ثلاثين يوما من الشهر الرابع؛ فإن حاضت المعتدة في الأشهر وجب عليها العدة بالأقراء، أو بعد انقضاء الأشهر لم تجب الأقراء. (والمطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها) سواء باشرها الزوج فيما دون الفرج أم لا. • عدة الأمة (وعدة الأمة) الحامل إذا طلقت طلاقا رجعيا أو بائنا (بالحمل) أي بوضعه بشرط نسبته إلى صاحب العدة. وقوله: (كعدة الحرة) الحامل أي في جميع ما سبق، (وبالأقراء أن تعتد بقرأين). والمبعضة والمكاتبة وأم الولد كالأمة، (وبالشهور عن الوفاة أن تعتد بشهرين وخمس ليال، و) عدتها (عن الطلاق أن تعتد بشهر ونصف) على النصف، وفي قول شهران. وكلام الغزالي يقتضي ترجيحه. وأما المصنف فجعله

• أنواع المعتدة وأحكامها

أولى حيث قال: (فإن اعتدت بشهرين كان أولى). وفي قول عدتها ثلاثة أشهر، وهو الأحوط - كما قال الشافعي - رضي الله عنه - وعليه جمع من الأصحاب. • أنواع المعتدة وأحكامها {فصل} في أنواع المعتدة وأحكامها. (ويجب للمعتدة الرجعية السكنى) في مسكن فراقها إن لاق بها، (والنفقة) والكسوة إلا أن تكون ناشزةً قبل طلاقها أو في أثناء عدتها. وكما يجب لها النفقة يجب لها بقية المُؤن إلا آلة التنظيف. (ويجب للبائن السكنى دون النفقة إلا أن تكون حاملا)؛ فتجب النفقة لها بسبب الحمل على الصحيح. وقيل إن النفقة للحمل. (ويجب على المتوفى عنها) زوجها (الإحداد؛ وهو) لغة مأخوذ من الحد، وهو المنع، وشرعًا (الامتناع من الزينة) بترك لبس مصبوغ يقصد

به الزينة كثوب أصفر أو أحمر. ويباح غير المصبوغ من قطن وصوف وكتان وإبريسم، ومصبوغ لا يقصد لزينة، (و) الامتناع من (الطيب) أي من استعماله في بدن أو ثوب أو طعام أو كُحْل غير محرم، أما المحرم كالاكتحال بالأثمد الذي لاَ طيب فيه فحرام إلا لحاجة كرمد، فيرخص فيه للمحدة، ومع ذلك فتستعمله ليلا وتمسحه نهارا إلا إن دعت ضرورة لاستعماله نهارا. وللمرأة أن تحد على غير زوجها من قريب لها أو أجنبي ثلاثة أيام فأقل، وتحرم الزيادة عليها إن قصدت ذلك؛ فإن زادت عليها بلا قصد لا يحرم. • ملازمة البيت على المتوفى عنها زوجها والمبتوتة (و) يجب (على المتوفى عنها زوجها والمبتوتة ملازمة البيت) أي وهو المسكن الذي كانت فيه عند الفُرقة إن لاق بها، وليس لزوج ولا لغيره إخراجها من مسكن فراقها، ولا لها خروج منه. وإن رضي زوجها (إلا لحاجة) فيجوز لها الخروج، كأن تخرج في النهار لشراء طعام أو كتان وبيع غزل أو قطن ونحو ذلك. ويجوز لها الخروج ليلا إلى دار جارتها لغزل وحديث ونحوهما بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها، ويجوز لها الخروج أيضا إذا خافت على نفسها أو ولدها وغير ذلك مما هو مذكور في المطولات.

• أحكام الاستبراء

• أحكام الاستبراء {فصل} في أحكام الاستبراء. وهو لغةً طلب البراءة، وشرعا تربص المرأة مدةً بسبب حدوث المِلك فيها أو زواله عنها تعبدا أو لبراءة رحمها من الحمل. والاستبراء يجب بشيئين: أحدهما زوال الفراش، وسيأتي في قول المتن: «وإذا مات سيد أم الولد…» إلخ. والسبب الثاني حدوث الملك. وذكره المصنف في قوله: (ومن استحدث ملك أمة) بشراء لاَ خيارَ فيه أو بإرث أو وصية أو هِبَّة أو غير ذلك من طرق الملك لها ولم تكن زوجته (حرُم عليه) عند إرادة وطئها (الاستمتاع بها حتى يستبرئها. إن كانت من ذوات الحيض بحيضة) ولو كانت بكرا، ولو استبرأها بائعُها قبل بيعها، ولو كانت منتقلة من صبي أو امرأة. (وإن كانت) الأمة (من ذوات الشهور) فعدتها (بشهر فقط، وإن كانت من ذوات الحمل) فعدتها (بالوضع). وإذا اشترى زوجته سُنَّ له استبراؤها. وأما الأمة المزوجة أو المعتدة إذا اشتراها شخص فلا يجب

• أحكام الرضاع

استبراؤها حالا. فإذا زالت الزوجية والعدة كأن طلقت الأمة قبل الدخول أو بعده وانقضت العدة وجب الاستبراء حينئذ. (وإذا مات سيد أم الولد) وليست في زوجية ولا عدة نكاح (استبرأت) حتما (نفسها كالأمة) أي فيكون استبراؤها بشهر إن كانت من ذوات الأشهر، وإلا فبحيضة إن كانت من ذوات الأقراء. ولو استبرأ السيد أمته الموطوأة ثم أعتقها فلا استبراء عليها، ولها أن تتزوج في الحال. • أحكام الرضاع {فصل} في أحكام الرضاع. بفتح الراء وكسرها، وهو لغةً اسم لمصّ الثدي وشرب لبنه، وشرعًا وصول لبن آدمية مخصوصة لجوف آدمي مخصوص على وجه مخصوص. وإنما يثبت الرضاع بلبن امرأة حية بلغت تسع سنين قمريةً بكرا كانت أو ثيبا، خليةً كانت أو مزوجة. (وإذا أرضعت المرأة بلبنها ولدا) سواء شرب منها اللبن في حياتها أو بعد موتها، وكان محلوبا في حياتها (صار الرضيع ولدَها بشرطين:

أحدهما أن يكون له) أي الرضيع (دون الحولين) بالأهلة. وابتداؤهما من تمام انفصال الرضيع. ومن بلغ سنتين لا يؤثر ارتضاعه تحريما، (و) الشرط (الثاني أن ترضعه) أي المرضعة (خمس رضعات متفرقات) واصلة جوفَ الرضيع. وضبطهن بالعُرف؛ فما قُضِي بكونه رضعة أو رضعات اعتبر، وإلا فلا. فلو قطع الرضيع الارتضاع بين كل من الخمس إعراضا عن الثدي تعدد الارتضاع. (ويصير زوجها) أي المرتضعة (أبًا له) أي الرضيع. (ويحرم على المُرضَع) بفتح الضاد (التزويج إليها) أي المرضعة (وإلى كل من ناسبها) أي انتسب إليها بنسب أو رضاع، (ويحرم عليها) أي المرضعة (التزويج إلى المُرضَع وولده) وإن سفل، ومن انتسب إليه وإن علا، (دون من كان في درجته) أي الرضيع كإخوته الذين لم يرضعوا معه (أو أعلى) أي ودون من كان أعلى (طبقة منه) أي الرضيع كأعمامه. وتقدم

• أحكام نفقة الأقارب

في فصل محرمات النكاح ما يحرم بالنسب والرضاع مفصلا؛ فارجع إليه. • أحكام نفقة الأقارب {فصل} في أحكام نفقة الأقارب. وفي بعض نسخ المتن تأخير هذا الفصل عن الذي بعده. والنفقة مأخوذة من الإنفاق، وهو الإخراج. ولا يستعمل إلا في الخير. وللنفقة أسباب ثلاثة: القرابة وملك اليمين والزوجية. وذكر المصنف السبب الأول في قوله: (ونفقة العمودين من الأهل واجبة للوالدين، والمولودين) أي ذكورا كانوا أو إناثا، اتفقوا في الدين أو اختلفوا فيه، واجبة على أولادهم. (فأما الوالدون) وإن علوا (فتجب نفقتهم بشرطين: الفقر) لهم. وهو عدم قدرتهم على مال أو كسب، (والزمانة، أو الفقر والجنون). والزَّمانة هي مصدر زَمِنَ الرجلُ زَمانةً إذا حصل له آفةٌ؛ فإن قدروا على مال أو كسب لم تجب نفقتهم. (وأما المولودون) وإن سفلوا (فتجب نفقتهم) على الوالدين (بثلاثة شرائط): أحدها (الفقر والصِغر)؛ فالغني الكبير لا تجب نفقته، (أو الفقر والزمانة)؛ فالغني القوي لا تجب تفقته،

(أو الفقر والجنون) فالغني العاقل لا تجب نفقته. وذكر المصنف السبب الثاني في قوله: (ونفقة الرقيق والبهائم واجبة)؛ فمن ملك رقيقا عبدا أو أمة، أو مدبرا أو أم ولد، أو بهيمةً وجب عليه نفقته؛ فيطعم رقيقه من غالب قوت أهل البلد. ومن غالب أدمهم بقدر الكفاية، ويكسوه من غالب كسوتهم. ولا يكفي في كسوة رقيقه سترُ العورة فقط. (ولا يكلفون من العمل ما لا يطيقون). فإذا استعمل المالك رقيقه نهارا أراحه ليلا وعكسه، ويريحه صيفا وقت القيلولة، ولا يكلف دابته أيضا ما لا تطيق حمله. وذكر المصنف السبب الثالث في قوله: (ونفقة الزوجة الممكنة من نفسها واجبة) على الزوج. ولما اختلفت نفقة الزوجة بحسب حال الزوج بيَّن المصنف ذلك في قوله: (وهي مقدرة؛ فإن) وفي بعض النسخ «إن» (كان الزوج موسرا)، ويعتبر يساره بطلوع فجر كل يوم (فمدان) من طعام، واجبان عليه كل يوم مع ليلته المتأخرة عنه لزوجته، مسلمةً كانت أو ذميةً، حرةً كانت أو رقيقة. والمدان (من غالب قوتها). والمراد غالب قوت البلد من حنطة أو شعير أو غيرهما حتى الأقط في أهل بادية

يقتاتونه. (ويجب) للزوجة (من الأدم والكسوة ما جرت به العادة) في كل منهما. فإن جرت عادة البلد في الأدم بزيت وشيرج وجبن ونحوها اتبعت العادة في ذلك؛ وإن لم يكن في البلد أدم غالب فيجب اللائق بحال الزوج. ويختلف الأدم باختلاف الفصول؛ فيجب في كل فصل ما جرت به عادة الناس فيه من الأدم. ويجب للزوجة أيضا لحم يليق بحال زوجها. وإن جرت عادة البلد في الكسوة لمثل الزوج بكتان أو حرير وجب. (وإن كان) الزوج (معسرا)؛ ويعتبر إعساره بطلوع فجر كل يوم (فمد) أي فالواجب عليه لزوجته مد طعام (من غالب قوت البلد) كل يوم مع ليلته المتأخرة عنه (وما يأتدم به المعسرون) - وفي بعض النسخ «وما يتأدم» - مما جرت به عادتهم من الأدم (ويكسونه) مما جرت به عادتهم من الكسوة. (وإن كان) الزوج (متوسطا)؛ ويعتبر توسطه بطلوع فجر كل يوم مع ليلته المتأخرة عنه (فمد) أي فالواجب عليه لزوجته مدٌّ (ونصف) من طعام غالب قوت البلد. (ويجب) لها (من الأدم) الوسط (و) من (الكسوة الوسط) وهو ما بين ما يجب على الموسر والمعسر. ويجب على الزوج تمليك زوجته الطعام حَبًّا؛ وعليه طحنه وخبزه. ويجب لها آلة أكل وشرب وطبخ، ويجب لها

• أحكام الحضانة

مسكن يليق بها عادة؛ (وإن كانت ممن يخدم مثلها فعليه) أي الزوج (إخدامها) بحرة أو أمة له أو أمة مستأجرة أو بالإنفاق على من صحب الزوجة من حرة أو أمة لخدمة إن رضي الزوج بها. (وإن أعسر بنفقتها) أي المستقبلة (فلها) الصبر على إعساره وتنفق على نفسها من مالها أو تقترض ويصير ما أنفقته دينا عليه، ولها (فسخ النكاح). وإذا فسخت حصلت المفارقة، وهي فُرقة فسخ، لا فرقة طلاق. وأما النفقة الماضية فلا فسخ للزوجة بسببها، (وكذلك) للزوجة فسخ النكاح (إن أعسر) زوجها (بالصداق قبل الدخول) بها، سواء علمت يساره قبل العقد أم لا. • أحكام الحَضَانة {فصل} في أحكام الحَضَانة. وهي لغةً مأخوذة من الحِضن بكسر الحاء، وهو الجنب لضم الحاضِنة الطفلَ إليه، وشرعًا حفظ من لا يستقِلُّ بأمر نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل وكبير ومجنون.

(وإذا فارق الرجل زوجته وله منها ولد؛ فهي أحق بحضانته) أي بتربيته بما يصلحه بتعهده بطعامه وشرابه وغسل بدنه وثوبه وتمريضه وغير ذلك من مصالحه. ومؤنة الحضانة على من عليه نفقة الطفل. وإذا امتنعت الزوجة من حضانة ولدها انتقلت الحضانة لأمهاتها، وتستمر حضانة الزوجة (إلى) مُضي (سبع سنين). وعبر بها المصنف لأن التمييز يقع فيها غالبا، لكن المدار إنما هو على التمييز، سواء حصل قبل سبع سنين أو بعدها، (ثم) بعدها (يُخَيَّر) المميز (بين أبويه، فأيهما اختار سلم إليه). فإن كان في أحد الأبوين نقص كجنون فألحق للآخر مادام النقص قائما به؛ وإذ لم يكن الأب موجودا خُيِّر الولد بين الجد والأم. وكذا يقع التخيير بين الأم ومن على حاشية النسب كأخ وعم. (وشرائط الحضانة سبع): أحدها (العقل)؛ فلا حضانة لمجنونة أطبق جنونُها أو تقطع؛ فإن قلَّ جنونها كيوم في سنة لم يبطل حق الحضانة بذلك. (و) الثاني (الحرية)؛ فلا حضانةَ لرقيقة وإن أذن لها سيدها في الحضانة.

(و) الثالث (الدِّين)؛ فلا حضانة لكافرة على مسلم. (و) الرابع والخامس (العفة، والأمانة) فلا حضانة لفاسقة. ولا يشترط للحضانة تحقق العدالة الباطنة، بل تكفى العدالة الظاهرة، (و) السادس (الإقامة) في بلد المميز، بأن يكون أبواه مقيمين في بلد واحد. فلو أراد أحدهما سفر حاجة كحج وتجارة طويلا كان السفر أو قصيرا، كان الولد المميز وغيره مع المقيم من الأبوين حتى يعود المسافر منهما. ولو أراد أحد الأبوين سفر نقلة فالأب أولى من الأم حضانته فينزعه منها،

(و) الشرط السابع (الخلو) أي خلو أم المميز (من زوج) ليس من محارم الطفل. فإن نكحت شخصا من محارمه كعم الطفل أو ابن عمه أو ابن أخيه ورضي كل منهم بالمميز فلا تسقط حضانتها بذلك، (فإن اختل شرط منها) أي السبعة في الأم (سقطت) حضانتها كما تقدم شرحه مفصلا.

كتاب أحكام الجنايات

كتاب أحكام الجنايات • أنواع القتل الجنايات جمع جناية، أعم من أن تكون قتلا أو قطعا أو جرحا. (القتل على ثلاثة أضرب)، لا رابع لها: (عمد محض)، وهو مصدر عمَد بوزن ضرَب، ومعناه القصد، (وخطأ محض، وعمد خطأ). وذكر المصنف تفسير العمد في قوله: (فالعمد المحض هو أن يعمِد) الجاني (إلى ضربه) أي الشخص (بما) أي بشيء (يقتل غالبا). وفي بعض النسخ «في الغالب»، (ويقصد) الجاني (قتلَه) الشخص (بذلك) الشيء. وحينئذ (فيجب القَود) أي القصاص (عليه) أي الشخص الجاني. وما ذكره المصنف من اعتبار قصد القتل ضعيفٌ؛ والراجح خلافُه. ويشترط لوجوب القصاص في نفس القتيل أو قطع أطرافه إسلامٌ أو أمانٌ؛ فيُهدر الحربي والمرتدُّ في حق المسلم؛ (فإن عفا عنه) أي عفا المجني عليه عن الجاني في صورة العمد المحض

(وجبت) على القاتل (دِيةٌ مغلظةٌ حالةً في مال القَاتل). وسيذكر المصنف بيانَ تغليظها. (والخطأ المحض أن يرمي إلى شيء) كصيد (فيصيب رجلا فيقتله؛ فلا قودَ عليه) أي الرامي، (بل تجب عليه ديةٌ مخففةٌ). وسيذكر المصنفُ بيانَ تخفيفها، (على العاقلة مؤجلة) عليهم (في ثلاث سنين) يؤخذ آخرَ كلِّ سنةٍ منها قدرُ ثُلث دية كاملة، أو على الغني من العاقلة من أصحاب الذهب آخرَ كل سنة نصفُ دينار، ومن أصحاب الفضة ستةُ دراهم - كما قاله المتولي وغيرُه. والمراد بالعاقلة عصبةُ الجاني، لا أصله وفرعه. (وعمدُ الخطأ أن يقصد ضربَه بمَا لا يقتل غالبًا) كأن ضرَبَه بِعَصَا خفيفةٍ، (فيموت) المضروب (فلا قودَ عليه، بل تجب ديةٌ مغلظة على العاقلة مؤجلةً في ثلاث سنين)، وسيذكر المصنف بيان تغليظَها.

• شروط وجوب القصاص

• شروط وجوب القصاص ثم شرع المصنف في ذكر مَن يجب عليه القصاصُ المأخوذُ من اقتصاص الأثر أي تتبعه، لأن المجني عليه يتبع الجناية، فيأخذ مثلها؛ فقال: (وشرائط وجوب القصاص) في القتل (أربعة). وفي بعض النسخ «فصل وشرائط وجوب القصاص أربع»: الأول (أن يكون القاتل بالغا)؛ فلا قصاصَ على صبي. ولو قال: «أنا الآن صبي»، صدق بلا يمين. الثاني أن يكون القاتل (عاقلا)؛ فيمتنع القصاص من مجنون إلا أن تقطَّع جنونه، فيقتص منه زمنَ إفاقته. ويجب القصاص على من زال عقله بشرب مُسكر مُتعدٍ في شربه؛ فخرج مَن لم يتعدَّ، بأن شرب شيئا ظنه غيرَ مُسكر فزال عقلُه، فلا قصاصَ عليه. (و) الثالث (أن لا يكون) القاتل (والدا للمقتول)؛ فلا قصاصَ على والد بقتل ولده وإن سفل الولد. قال ابن كج: «ولو حكم حاكم بقتل والد لولده نقض حكمه». (و) الرابع (أن لا يكون المقتول أنقص من القاتل بكفر أو رِقِّ)؛ فلا يُقتل مسلمٌ بكافر حربيا كان أو ذميا أو معاهدا، ولا يقتل حُرٌّ برقيق.

• شروط وجوب القصاص في الأطراف

ولو كان المقتول أنقص من القاتل بكبر أو صغر أو طول أو قصر مثلا فلا عبرةَ بذلك. (وتقتل الجماعة بالواحد) إن كافأهم، وكان فعل كل واحد منهم لو انفرد كان قاتلا. ثم أشار المصنف لقاعدة بقوله: (وكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس يجري بينهما في الأطراف) التي لتلك النفس، فكما يشترط في القاتل كونه مكلفًا يشترط في القاطع لطَرف كونُه مكلفا؛ وحينئذ فمن لا يقتل بشخص لا يقطع بطرفه. • شروط وجوب القصاص في الأطراف (وشرائط وجوب القصاص في الأطراف بعد الشرائط المذكورة) في قصاص النفس (اثنان): أحدهما (الاشتراك في الاسم الخاص) للطرف المقطوع. وبيَّنه المصنف بقوله: (اليمنى باليمنى) أي تقطع اليمنى مثلا من أذن أو يد أو رِجل باليمنى من ذلك، (واليسرى) مما ذكر (باليسرى) مما ذكر؛ وحينئذ فلا تقطع يمنى بيسرى، ولا عكسه.

(و) الثاني (أن لا يكون بأحد الطرفين شلل)؛ فلا تقطع يدٌ أو رِجلٌ صحيحة بشلاء، وهي التي لا عملَ لها. أما الشلاء فتقطع بالصحيحة على المشهور، إلا أن يقول عدلان من أهل الخبرة: «أن الشلاء إذا قطعت لا ينقطع الدم، بل تنفتح أفواه العروق، ولا تنسد بالحسم». ويشترط مع هذا أن يقنع بها مستوفيها، ولا يطلب أرشا للشلل. ثم أشار المصنف لقاعدة بقوله: (وكل عضو أُخذ) أي قطع (من مفصل) كمرفق وكوع (ففيه القصاص). وما لا مفصل له لا قصاص فيه. واعلم أن شجاج الرأس والوجه عشرة: (1) حارصة بمهملات، وهي ما تشق الجلد قليلا، (2) ودامية تدميه، (3) وباضعة تقطع اللحم، (4) ومُتلاحمة تغوص فيه، (5) وسِمْحَاق تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم، (6) ومُوضِحَة توضح العظمَ من اللحم، (7) وهاشِمة تكسر العظم سواء أوضحَته أم لا،

• أنواع الدية

(8) ومُنَقِّلة تُنقل العظم من مكان إلى مكان آخر، (9) ومأمومة تبلغ خريطة الدِماغ المسماة أُمَّ الرأس، (10) ودامِغة بغين معجمة تخرق تلك الخريطة وتصل إلى أم الرأس. واستثنى المصنف من هذه العشرة ما تضمنه قوله: (ولا قصاص في الجروح) أي المذكورة (إلا في الموضحة) فقط، لا في غيرها من بقية العشرة. • أنواع الدية {فصل} في بيان الدية. وهي المال الواجب بالجناية على حُرٍّ في نفس أو طرف. (والدية على ضربين: مغلظة، ومخففة)، لا ثلاث لها؛ (فالمغلظة) بسبب قتل الذكر الحر المسلم عمدا (مائة من الإبل) والمائة مثلثة: (ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون جذعة)، وسبق معناهما في كتاب

الزكاة، (وأربعون خَلِفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبالفاء، وفسرها المصنف بقوله: (في بطونها أولادها). والمعنى أن الأربعين حوامل، ويثبت حملها بقول أهل الخبرة بالإبل. (والمخففة) بسب قتل الذكر الحر المسلم (مائة من الإبل) والمائة مخمسة: (عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت مخاض). ومتى وجبت الإبل على قاتل أو عاقلة أخدت من إبل من وجبت عليه، وإن لم يكن له إبل فتؤخذ من غالب إبل بلدة بلدي أو قبيلة بدوي؛ فإن لم يكن في البلدة أو القبيلة إبلٌ فتؤخذ من غالب إبل أقرب البلاد أو القبائل إلى موضع المؤدي. (فإن عدمت الإبل انتقل إلى قيمتها). وفي نسخة أخرى فإن أعوزت الإبل انتقل إلى قيمتها. هذا ما في القول الجديد وهو الصحيح، (وقيل) في القديم (ينتقل إلى ألف دينار) في حق أهل الذهب، (أو) ينتقل إلى (اثني عشر ألف درهم) في حق أهل الفضة، وسواء فيما ذكر الدية المغلظة

والمخففة؛ (وإن غلظت) على القديم (زيد عليها الثلث) أي قدره؛ ففي الدنانير ألف وثلثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وفي الفضة ستة عشر ألف درهم. (وتغلظ دية الخطأ في ثلاثة مواضع): أحدها (إذا قتل في الحرم) أي حرم مكة. أما القتل في حرام المدينة أو القتل في حال الإحرام فلا تغليظ فيه على الأصح. والثاني مذكور في قول المصنف: (أو قتل في الأشهر الحرم) أي ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب. والثالث مذكور في قوله: (أو قتل) قريبا له (ذا رحم مَحْرم) بسكون المهملة؛ فإن لم يكن الرحم محرما له كبنت العم فلا تغليظ في قتلها. (ودية المرأة) والحنثى المشكل (على النصف من دية الرجل) نفسا وجرحا؛ ففي دية حرة مسلمة في قتل عمد أو شبه عمد خمسون من الإبل: خمسة عشر حِقَّة، وخمسة عشر جَذعة، وعشرون خَلِفة إبلا حوامل. وفي قتل خطأ عشر بنات مخاض، وعشر بنات لبون، وعشر بني لبون، وعشر

حقاق، وعشر جذاع. (ودية اليهودي والنصراني) والمستأمن والمعاهد (ثلث دية المسلم) نفسا وجرحا. (وأما المجوسي ففيه ثلثا عشر دية المسلم) وأخصر منه ثلث خمس دية المسلم. (وتكمل دية النفس). وسبق أنها مائة من الإبل (في قطع) كل من (اليدين، والرجلين) فيجب في كل يد أو رجل خمسون من الإبل، وفي قطعها مائة من الإبل، (و) تكمل الدية في قطع (الأنف) أي في قطع ما لاَن منه، وهو المارن. وفي قطع كل من طرفيه والحاجز ثلث دية. (و) تكمل الدية في قطع (الأذنين) أو قلعهما بغير إيضاح؛ فإن حصل مع قلعهما إيضاحٌ وجب أرشه. وفي كل أذن نصف دية، ولا فرق فيما ذكر بين أذن السميع وغيره. ولو أيبس الأذنين بجناية عليهما ففيها دية، (والعينين) وفي كل منها نصف دية، وسواء في ذلك عينٌ أحْوَلُ أو أَعْوَر أو أعمَش، (و) في (الجفون الأربعة) في كل جفن منها ربع دية، (واللسان) الناطق سليم الذوق ولو كان اللسانُ لِأَلثغَ وأرت، (والشفتين) وفي قطع إحداهما نصف دية، (وذهاب الكلام) كله، وفي ذهاب بعضه بقسطه من

الدية. والحروف التي توزع الدية عليها ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب، (وذهاب البصر) أي إذهابه من العينين. أما إذهابه من إحداهما ففيه نصف دية، ولا فرقَ في العين بين صغيرةٍ وكبيرة، وعين شيخٍ وطفل، (وذهاب السمع) من الأذنين. وإن نقص من أذن واحدة سدت. وضبط منتهى سماع الأخرى. ووجب قسط التفاوت، وأخذ بنسبته من تلك الدية، (وذهاب الشم) من المَنخَرين. وإن نقص الشم وضبط قدره وجب قسطه من الدية، وإلا فحكومة، (وذهاب العقل). فإن زال بجرح على الرأس له أرش مقدر أو حكومة وجبت الدية مع الأرش، (والذكر) السليم ولو ذكر صغير وشيخ وعنين. وقطع الحشفة كالذكر؛ ففي قطعها وحدَها دية، (والأنثيين) أي البيضتين ولو من عَنِين ومجبوب. وفي قطع إحداهما نصف دية. (وفي الموضحة) من الذكر الحر المسلم، (و) في (السن) منه (خمس من الإبل، وفي) إذهاب (كل عضو لا منفعة فيه حكومة). وهي جزء من الدية نسبته إلى دية النفس نسبة نقصها أي الجناية من قيمة المجني عليه لو كان رقيقا بصفاته التي هو عليها؛ فلو كانت قيمة المجني عليه بلا جناية

• القسامة

على يده مثلا عشرة، وبدونها تسعة فالنقص عشر. فيجب عشر دية النفس. (ودية العبد) المعصوم (قيمته)، والأمة كذلك ولو زادت قيمة كل منهما على دية الحر. ولو قطع ذكر عبد وأنثياه وجبت قيمتان في الأظهر. (ودية الجنين الحر) المسلم تبعا لأحد أبويه إن كانت أمه معصومة حال الجناية (غرة) أي نسمة من الرقيق (عبد أو أمة) سليم من عيب مبيع. ويشترط بلوغ الغرة نصف عشر الدية. فإن فقدت الغرة وجب بدلها، وهو خمسة أبعرة. وتجب الغرة على عاقلة الجاني. (ودية الجنين الرقيق عشر قيمة أمه) يوم الجناية عليها ويكون ما وجب لسيدها ويجب في الجنين اليهودي أو النصراني غرة كثلث غرة مسلم، وهو بعير وثلثا بعير. • القسامة {فصل} في أحكام القسامة. وهي أيمان الدماء. (وإذا اقترن بدعوى الدم لوثٌ) بمثلثة، وهو لغةً الضعف، وشرعا

قرينة تدل على صدق المدعي، بأن توقع تلك القرينة في القلب صدقه. وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (يقع به في النفس صدق المدعي) بأن وجد قتيل أو بعضه كرأسه في محلة منفصلة عن بلد كبير - كما في الروضة وأصلها، أو وجد في قرية كبيرة لأعدائه، ولا يشاركهم في القرية غيرهم (حلف المدعي خمسين يمينا). ولا يشترط موالاتها على المذهب. ولو تخلل بين الأيمان جنونٌ من الحالف أو إغماءٌ بُني بعد الإفاقة على ما مضى منها إن لم يعزل القاضي الذي وقعت القسامة عنده؛ فإن عزل وولى غيره وجب استئنافها. (و) إذا حلف المدعي (استحق الدية). ولا تقع القسامة في قطع طرف. (وإن لم يكن هناك لوثٌ فاليمين على المدَّعَى عليه) فيحلف خمسين يمينا.

(وعلى قاتل النفس المحرمة) عمدا أو خطأ أو شبه عمد (كفارةٌ) ولو كان القاتل صبيا أو مجنونا، فيعتق الولي عنهما من مالهما. والكفارة (عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة) أي المخلة بالعمل والكسب، (فإن لم يجد) ها (فصيام شهرين) بالهلال (متتابعين) بنية الكفارة. ولا يشترط نبة التتابع في الأصح. فإن عجز المُكَفِّر عن صوم شهرين لهرم أو لحقه بالصوم مشقةٌ شديدة أو خاف زيادة المرض كفَّر بإطعام ستين مسكينا أو فقيرا، يدفع لكل واحد منهم مُدًّا من طعام يجزىء في الفطرة، ولا يطعم كافرا ولا هاشميا ولا مطلبيا.?

كتاب أحكام الحدود

كتاب أحكام الحدود • أنواع الزاني وحدّه الحدود جمع حَدٍّ، وهو لغةً المنعُ، وسميت الحدود بذلك لمنعها من ارتكاب الفواحش. وبدأ المصنف من الحدود بحد الزنا المذكور في أثناء قوله: (والزاني على ضربين: محصن، وغير محصن؛ فالمحصن) - وسيأتي قريبا - أنه البالغ العاقل الحُر الذي غيَّب حشفته أو قدرها من مقطوعها بقُبل في نكاح صحيح، (حدُّه الرجم) بحجارة معتدلة، لا بحصى صغيرة ولا بصخر؛ (وغير المحصن) مِن رجُل أو امرأة (حده مائة جلدة). سميت بذلك لاتصالها بالجلد، (وتغريب عام إلى مسافة القصر) فأكثرَ برأي الإمام. وتحسب مدة العام من أول سفر الزاني، لا من وصوله مكانَ التغريب. والأولى أن يكون بعد الجلد.

• شروط الإحصان

• شروط الإحصان (وشرائط الإحصان أربع): الأول والثاني (البلوغ، والعقل)؛ فلا حدَّ على صبي ومجنون، بل يؤدبان بما يزجرهما عن الوقوع في الزنا. (و) الثالث (الحرية)؛ فلا يكون الرقيق والمبعض والمكاتب وأم الولد محصنا وإن وطىء كل منهم في نكاح صحيح. (و) الرابع (وجود الوطء) من مسلم أو ذمي (في نكاح صحيح). وفي بعض النسخ «في النكاح الصحيح». وأراد بالوطء تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها بقُبل. وخرج بالصحيح الوطءُ في نكاح فاسد؛ فلا يحصل به التحصين. (والعبد والأمة حدُّهما نصف حد الحر)؛ فيُحدُّ كل منهما خمسين جلدة، ويغرب نصف عام. ولو قال المصنف: «ومن فيه رِقٌّ حده…إلخ» كان أولى، ليعم المكاتب والمبعض وأم الولد. • اللواط وإتيان البهائم (وحكم اللواط وإتيان البهائم كحكم الزنا) فمن لاط بشخص بأن وطئه في دبره حُدَّ على المذهب. ومن أتى بهيمة حُدَّ كما قال المصنف، لكن الراجح أنه يعزر.

• حد القذف

(ومن وطئ) أجنبيةً (فيما دون الفرج عزر، ولا يبلغ) الإمام (بالتعزير أدنى الحدود). فإن عزر عبدا وجب أن ينقص في تعزيره عن عشرين جلدةً، أو عزر حُرًّا وجب أن ينقص في تعزيره عن أربعين جلدة؛ لأنه أدنى حد كل منهما. • حد القذف {فصل} في بيان أحكام القذف. وهو لغةً الرمي، وشرعًا الرمي بالزنا على جهة التعيير لتخرج الشهادة بالزنا. (وإذا قذف) بذال معجمة (غيرَه بالزنا) كقوله: «زَنَيتَ» (فعليه حدُّ القذف) ثمانين جلدة كما سيأتي. هذا إن لم يكن القاذف أبا أو أُمًّا وإن عَلِيَا - كما سيأتي. (بثمانية شرائط: ثلاثة). وفي بعض النسخ «ثلاث»: (منها في القاذف، وهو: أن يكون بالغا، عاقلا)؛ فالصبي والمجنون لا يحدان

بقذفهما شخصا، (وأن لا يكون والدا للمقذوف). فلو قذف الأب أو الأم وإن علا ولدَه وإن سفل لا حدَّ عليه. (وخمسة في المقذوف، وهو: أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، حرا، عفيفا) عن الزنا؛ فلا حد بقذف الشخص كافرا أو صغيرا أو مجنونا أو رقيقا أو زانيا. (ويحد الحر) القاذف (ثمانين) جلدة، (والعبد أربعين) جلدة. (ويسقط) عن القاذف (حد القذف بثلاثة أشياء): أحدها (إقامة البينة)، سواء كان المقذوف أجنبيا أو زوجة، والثاني مذكور في قوله: (أو عفو المقذوف) أي عن القاذف، والثالث مذكور في قوله: (أو اللعان في حق الزوجة). وسبق بيانه في قول المصنف: «فصل وإذا رمى الرجل…إلخ».

• حد شرب الخمر أو المسكر

• حد شرب الخمر أو المسكر {فصل} في أحكام الأشربة وفي الحد المتعلق بشربها. (ومن شرب خمرا) وهي المتخَذة من عصير العِنَب (أو شرابا مسكرا) من غير الخمر كالنبيذ المتخذ من الزبيب (يحد) ذلك الشارب إن كان حرا (أربعين) جلدة. (ويجوز أن يبلغ) الإمام (به) أي حد الشرب (ثمانين) جلدة. والزيادة على أربعين في حر، وعشرين في رقيق (على وجه التعزير). وقيل الزيادة على ما ذكر حد؛ وعلى هذا يمتنع النقص عنها. (ويجب) الحد (عليه) أي شارب المسكر (بأحد أمرين: بالبينة) أي رجُلين يشهدان بشرب ما ذكر (أو الإقرار) من الشارب بأنه شرب مسكرا؛ فلا يحد بشهادة رجل وامرأة، ولا بشهادة امرأتين، ولا بيمين مردودة، ولا بعلم القاضي، ولا بعلم غيره. (ولا يحد) أيضا الشارب (بالقيء والاستنكاه) أي بأن يشم منه رائحة الخمر.

• حد السرقة

• حد السرقة {فصل} في أحكام قطع السرقة. وهي لغةً أخذ المال خُفيةً، وشرعًا أخذه خفية ظُلمًا من حِرز مثله. (وتقطع يد السارق بثلاثة شرائط). وفي بعض النسخ «بست شرائط»: (أن يكون) السارق (بالغا، عاقلا) مختارا مسلما كان أو ذميا؛ فلا قطع على صبي ومجنون ومُكرَه. ويقطع مسلم وذمي؛ وأما المعاهد فلا قطع عليه في الأظهر. وما تقدم شرط في السارق. وذكر المصنف شرط القطع بالنظر للمسروق في قوله: (وأن يسرق نصابا قيمته ربع دينار) أي خالصا مضروبا، أو يسرق قدرا مغشوشا يبلغ خالصه ربع دينار مضروبا أو قيمته (من حرز مثله). فإن كان المسروق بصحراء أو مسجد أو شارع اشترط في إحرازه دوام اللحاظ؛ وإن كان بحصن كبيتٍ كفى لحاظ معتاد في مثله. وثوب ومتاع وضعه شخص بقربه بصحراء مثلا إن لاحظه بنظره له وقتا فوقتا ولم يكن هناك ازدحام طارقين فهو محرز،

وإلا فلا. وشرط الملاحظ قدرته على منع السارق. ومن شروط المسروق ما ذكره المصنف في قوله: (لا مِلكَ له فيه، ولا شُبهةَ) أي للسارق (في مال المسروق منه)؛ فلا قطع بسرقة مال أصلٍ وفرعٍ للسارق، ولا بسرقة رقيقٍ مالَ سيِّده. (وتقطع) من السارق (يده اليمنى من مفصل الكوع) بعد خلعها منه بحبل يجر بعنف. وإنما تقطع اليمنى في السرقة الأولى؛ (فإن سرق ثانيا) بعد قطع اليمنى (قطعت رجله اليسرى) بحديدة ماضية دفعة واحدة بعد خلعها من مفصل القدم؛ (فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى) بعد خلعها؛ (فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى) بعد خلعها من مفصل القدم كما فعل باليسرى، ويغمس محل القطع بزيت أودهن مغلي؛ (فإن سرق بعد ذلك) أي بعد الرابعة (عزر، وقيل يقتل صبرا). وحديث الأمر بقتله في المرة الخامسة منسوخ.

• قطاع الطريق

• قُطَّاع الطريق {فصل} في أحكام قاطع الطريق. وسمي بذلك لامتناع الناس من سلوك الطريق خوفا منه، وهو مسلم مكلف له شوكة؛ فلا يشترط فيه ذكورة، ولا عدد. فخرج بقاطع الطريق المختلسُ الذي يتعرض لآخر القافلة، - وفي بعض النسخ «لأخذ القافلة» - ويعتمد الهرب. (وقُطَّاع الطريق على أربعة أقسام): الأول مذكور في قوله: (إن قتلوا) أي عمدا عدوانا من يكافؤنه (ولم يأخذوا المال قتلوا) حتما. وإن قتلوا خطأ أو شبه عمد أو من لم يكافؤه لم يقتلوا. والثاني مذكور في قوله: (فإن قتلوا وأخذوا المال) أي نصاب السرقة فأكثر (قتلوا وصلبوا) على خشبة ونحوها، لكن بعد غسلهم وتكفينهم والصلاة عليهم. والثالث مذكور في قوله: (وإن أخذوا المال ولم يقتلوا) أي نصاب السرقة فأكثر من حرز مثله ولا شبهة لهم فيه (تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) أي تقطع منهم أولا اليد اليمنى والرِجل

• الصيال وإتلاف البهائم

اليسرى. فإن عادوا فيُسراهم ويُمناهم تُقطعان؛ فإن كانت اليمنى أو الرجل اليسرى مفقودةً اكتفى بالموجودة في الأصح. والرابع مذكور في قوله: (فإن أخافوا) المارين في (السبيل) أي الطريق (ولم يأخذوا) منهم (مالا ولم يقتلوا) نفسا (حبسوا) في غير موضعهم (وعزروا) أي حسبهم الإمام وعزرهم. (ومن تاب منهم) أي قطاع الطريق (قبل القدرة) من الإمام (عليه سقطت عنه الحدود) أي العقوبات المختصة بقاطع الطريق؛ وهي تحتم قتله وصلبه وقطع يده ورجله. ولا يسقط باقي الحدود التي لله تعالى كزنا وسرقة بعد التوبة. وفُهم من قوله: (وأُخذ) بضم أوله (بالحقوق) أي التي تتعلق بالآدميين، كقصاص وحد قذف، ورد مال أنه لا يسقط شيء منها عن قاطع الطريق بتوبته، وهو كذلك. • الصيال وإتلاف البهائم {فصل} في أحكام الصيال وإتلاف البهائم. (ومن قُصد) بضم أوله (بأذى في نفسه أو ماله أو حريمه) بأن صال

• البغاة

عليه شخص يريد قتله أو أخذ ماله وإن قل أو وطء حريمه (فقاتل عن ذلك) أي عن نفسه أو ماله أو حريمه، (وقُتل) الصائل على ذلك دفعا لصياله (فلا ضمان عليه) بقصاص ولا دية ولا كفارة. (وعلى راكب الدابة) سواء كان مالكها أو مستعيرها أو مستأجرها أو غاصبها (ضمان ما أتلفته دابته)، سواء كان الإتلاف بيدها أو رجلها أو غير ذلك. ولو بالت أو راثت بطريق فتلف بذلك نفس أو مال فلا ضمان. • البُغاة {فصل} في أحكام البُغاة. وهم فِرقَة مسلمون مخالفون للإمام العادل. ومفرد البُغاة بَاغٍ من البغي، وهو الظلم. (ويُقاتَل) بفتح ما قبل آخره (أهل البغي) أي يقاتلهم الإمام (بثلاث شرائط): أحدها (أن يكونوا في منعة)، بأن يكون لهم شوكة بقوة وعدد

وبمُطاع فيهم وإن لم يكن المطاع إماما منصوبا، بحيث يحتاج الإمام العادل في ردهم لطاعته إلى كلفة من بذل مال وتحصيل رجال؛ فإن كانوا أفرادا يسهل ضبطهم فليسوا بغاة. (و) الثاني (أن يخرجوا عن قبضة الإمام) العادل إما بترك الانقياد له أو بمنع حق توجه عليهم، سواء كان الحق ماليا أو غيرَه كحد وقصاص. (و) الثالث (أن يكون لهم) أي للبغاة (تأويل سائغ) أي محتمل كما عبر به بعض الأصحاب كمطالبة أهل صفين بدم عثمان حيث اعتقدوا أن عليًّا - رضي الله عنه - يعرف من قتل عثمان. فإن كان التأويل قطعيَ البطلان لم يعتبر، بل صاحبه معاند. ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم رسولا أمنيا فطنا يسألهم ما يكرهونه؛ فإن ذكروا له مظلمة هي السبب في امتناعهم عن طاعته أزالها؛ وإن لم يذكروا شيئا أو أصروا بعد إزالة المظلمة على البغي نصحهم ثم أعلمهم بالقتال. (ولا يقتل أسيرهم) أي البغاة. فإن قتله شخص عادل فلا قصاص عليه في الأصح. ولا يطلق أسيرهم وإن كان صبيا أو امرأة حتى تنقضي الحرب، ويتفرق جمعهم إلاَّ أن يطيع أسيرهم مختارا بمتابعته للإمام، (ولا يغنم مالهم). ويرد سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضى الحرب وأمنت

• الردة

غائلتهم بتفرقهم أوردهم للطاعة. ولا يقاتلون بعظيم كنارٍ أو منجنيق إلا لضرورة، فيقاتلون بذلك، كأن قاتلونا به أو أحاطوا بنا، (ولا يذفف على جريحهم). والتذفيف تتميم القتل وتعجيله. • الردة {فصل} في أحكام الردة. وهي أفحش أنواع الكفر. ومعناها لغة الرجوع عن الشيء إلى غيره، وشرعا قطع الإسلام بنية كفر أو قول كفر أو فعل كفر، كسجود لصنم، سواء كان على جهة الاستهزاء أو العناد أو الاعتقاد، كمن اعتقد حدوث الصانع. (ومن ارتد عن الإسلام) من رجل أو امرأة كمن أنكر وجودَ الله، أو كذب رسولا من رُسل الله، أو حلل محرما بالإجماع كالزنا وشرب الخمر، أو حرَّم حلالا بالإجماع كالنكاح والبيع، (استُتيب) وجوبا في الحال في الأصح فيهما. ومقابل الأصح في الأولى أنه يسن الاستتابة، وفي الثانية أنه يمهل (ثلاثا) أي إلى ثلاثة أيام؛ (فإن تاب) بعوده إلى

• تارك الصلاة

الإسلام بأن يقرَّ بالشهادتين على الترتيب بأن يؤمن بالله أولا ثم برسوله؛ فإن عكس لم يصح - كما قاله النوي في شرح المهذب في الكلام على نية الوضوء؛ (وإلا) أي وإن لم يتب المرتد (قتل) أي قتله الإمام إن كان حرا بضرب عُنقه، لا بإحراق ونحوه؛ فإن قتله غير الإمام عزر. وإن كان المرتد رقيقا جاز للسيد قتله في الأصح. ثم ذكر المصنف حكم الغسل وغيره في قوله: (ولم يغسل ولم يصل عليه، ولم يدفن في مقابر المسلمين). وذكر غير المصنف حكم تارك الصلاة في ربع العبادات؛ وأما المصنف فذكره هنا فقال. • تارك الصلاة {فصل} (وتارك الصلاة) المعهودة الصادقة بإحدى الخمس (على ضربين: أحدهما أن يتركها) وهو مكلف (غير معتقد لوجوبها؛ فحكمه)

أي التارك لها (حكم المرتد). وسبق قريبا بيان حكمه. (والثاني أن يتركها كسلا) حتى يخرج وقتها حالَ كونه (معتقدا لوجوبها، فيستتاب؛ فإن تاب وصلى) وهو تفسير للتوبة، (وإلا) أي وإن لم يتب (قتل حدًّا) لا كفرا. (وكان حكمه حكم المسلمين) في الدفن في مقابرهم، ولا يطمس قبره، وله حكم المسلمين أيضا في الغسل والتكفين والصلاة عليه. - والله أعلم.

كتاب أحكام الجهاد

كتاب أحكام الجهاد • شروط وجوب الجهاد وكان الأمر به في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة فرض كفاية. وأما بعده فللكفار حالان: أحدهما أن يكونوا ببلادهم فالجهاد فرض كفاية على المسلمين في كل سنة؛ فإذا فعله من فيه كفاية سقط الحَرَج عن الباقين. والثاني أن يدخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين أو ينزلوا قريبا منها، فالجهاد حينئذ فرض عين عليهم؛ فيلزم أهلَ ذلك البلد الدفعُ للكفار بما يمكن منهم. (وشرائط وجوب الجهاد سبع خصال): أحدها (الإسلام)؛ فلا جهاد على كافر. (و) الثاني (البلوغ)؛ فلا جهاد على صبي. (و) الثالث (العقل)؛ فلا جهاد على مجنون. (و) الرابع (الحرية)؛ فلا جهاد على رقيق ولو أمره سيده، ولا مبعض ولا مدبر ولا مكاتب.

(و) الخامس (الذكورية)؛ فلا جهاد على امرأة وخنثى مشكل. (و) السادس (الصحة)؛ فلا جهاد على مريض بمرض يمنعه عن قتال وركوب إلا بمشقة شديدة كحُمَّى مطبقة. (و) السابع (الطاقة على القتال)، أي فلا جهاد على أقطع يد مثلا، ولا على من عدم أهبة القتال كسلاح ومركوب ونفقة. (ومن أسر من الكفار فعلى ضربين: ضرب) لا تخيير فيه للإمام بل (يكون) - وفي بعض النسخ بدل يكون «يصير» - (رقيقا بنفس السبي) أي الأخذ، (وهم الصبيان والنساء) أي صبيان الكفار ونساؤهم. ويلحق بما ذكر الخناثى والمجانين. وخرج بالكفار نساء المسلمين، لأن الأسر لا يتصور في المسلمين. (وضرب لا يرقُّ بنفس السبي، وهم) الكفار الأصليون (الرجال البالغون) الأحرار العاقلون. (والإمام مخير فيهم بين أربعة أشياء):

أحدها (القتل) بضرب رقبة، لا بتحريق ولا تغريق مثلا. (و) الثاني (الاسترقاق). وحكمهم بعد الاسترقاق كبقية الأموال الغنيمة. (و) الثالث (المَنُّ) عليهم بتخلية سبيلهم. (و) الرابع (الفدية) إما (بالمال أو بالرجال) أي الأسرى من المسلمين. ومال فدائهم كبقية أموال الغنيمة. ويجوز أن يفادى مشرك واحد بمسلم أو أكثر، ومشركون بمسلم. (يفعل) الإمام (من ذلك ما فيه المصلحة) للمسلمين؛ فإن خفي عليه الأحظ حبسهم حتى يظهر له الأحظ، فيفعله. وخرج بقولنا سابقا «الأصليون» الكفارُ غير الأصليين كالمرتدين؛ فيطالبهم الإمام بالإسلام؛ فإن امتنعوا قتلهم. (ومن أسلم) من الكفار (قبل الأسر) أي أسر الإمام له (أحرز ماله ودمه وصغار أولاده) عن السبي، وحكم بإسلامهم تبعا له؛ بخلاف البالغين من أولاده؛ فلا يعصمهم إسلام أبيهم. وإسلام الجد يعصم أيضا الولد الصغير. وإسلام الكافر لا يعصم زوجته عن استرقاقها ولو كانت حاملا. فإن استرقت انقطع نكاحه في الحال.

• إسلام الصبي

• إسلام الصبي (ويحكم للصبي بالإسلام عند وجود ثلاثة أسباب): أحدها (أن يسلم أحد أبويه)؛ فيحكم بإسلامه تبعا لهما. وأما من بلغ مجنونا أو بلغ عاقلا ثم جن فكالصبي. والسبب الثاني مذكور في قوله: (أو يسبيه مسلم) حال كون الصبي (منفردا عن أبويه). فإن سبي الصبي مع أحد أبويه فلا يتبع الصبي السابي له. ومعنى كونه مع أحد أبويه أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة، لا أن مالكهما يكون واحدا. ولو سباه ذمي وحمله إلى دار الإسلام لم يحكم بإسلامه في الأصح، بل هو على دين السابي له. والسبب الثالث مذكور في قوله: (أو يوجد) أي الصبي (لقيطا في دار الإسلام). وإن كان فيها أهل ذمة فإنه يكون مسلما. وكذا لو وجد في دار كفار وفيها مسلم.

• السلب وتقسيم الغنيمة

• السلب وتقسيم الغنيمة {فصل} في بيان أحكام السلب وقسم الغنيمة. (ومن قتل قتيلا أعطي سلَبه) بفتح اللام بشرط كون القاتل مسلما، ذكرا كان أو أنثى، حرا أو عبدا، شرطه الإمام له أو لا. والسلب ثياب القتيل التي عليه، والخف والران، وهو خف بلا قدم يلبس للساق فقط، وآلات الحرب، والمركوب الذي قاتل عليه، أو أمسكه بعنانه، والسرج، واللجام، ومقود الدابة، والسِوار، والطَوق، والمنطقة، وهي التي يشد بها الوسط، والخاتم، والنفقة التي معه، والجنيبة التي تقاد معه. وإنما يستحق القاتل سلبَ الكافر إذا غرّ بنفسه حال الحرب في قتله بحيث يكفي بركوب هذا الغرر شر ذلك الكافر. فلو قتله وهو أسير أو نائم أو قتله بعد انهزام الكفار فلا سلب له. وكفاية شر الكافر أن يزيل امتناعه، كأن يفقأ عينيه، أو يقطع يديه أو رجليه. والغنيمة لغةً مأخوذة من الغنم، وهو الربح؛ وشرعًا المال الحاصل للمسلمين من كفار أهل حرب بقتال وإيجاف خيل أو إبل. وخرج بـ «أهل الحرب» المالُ الحاصل من المرتدين؛ فإنه فيء، لا غنيمةٌ. (وتقسم الغنيمة بعد ذلك) أي بعد إخراج السلب منها (على خمسة أخماس: فيعطى أربعة أخماسها) من عقار ومنقول (لمن شهد) أي

حضر (الوقعة) من الغانمين بنية القتال وإن لم يقاتل مع الجيش؛ وكذا من حضر لا بِنِيَّة القتال وقاتَل في الأظهر. ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال. (ويعطى للفارس) الحاضر الوقعة وهو من أهل القتال بفرس مهيأ للقتال عليه، سواء قاتل أم لا. (ثلاثة أسهم) سهمين لفرسه وسهما له. ولا يعطى إلا لفرس واحد ولو كان معه أفراس كثيرة، (وللراجل) أي المقاتل على رجليه (سهم) واحد. (ولا يسهم إلا لمن) أي الشخص (استكملت فيه خمس شرائط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية. فإن اختل شرط من ذلك رضخ له ولم يسهم له) أي لمن اختل فيه الشرط، إما لكونه صغيرا أو مجنونا أو رقيقا أو أنثى أو ذميا. والرضخ لغةً العطاءُ القليل؛ وشرعًا شيء دون سهم يُعطى للراجل. ويجتهد الإمام في قدر الرضخ بحسب رأيه، فيزيد المقاتل على غيره، والأكثر قتالا على الأقل قتالا. ومحل الرضخ الأخماس الأربعة في الأظهر، والثاني محله أصل الغنيمة. (ويقسم الخمس) الباقي بعد الأخماس الأربعة (على خمسة أسهم:

سهم) منه (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وهو الذي كان في حياته. (يصرف بعده للمصالح) المتعلقة بالمسلمين، كالقضاة الحاكمين في البلاد. أما قضاة العسكر فيرزقون من الأخماس الأربعة - كما قال الماوردي وغيره - وكسَدِّ الثغور، وهي المواضع المخوفة من أطراف بلاد المسلمين الملاصقة لبلادنا. والمراد سد الثغور بالرجال وآلات الحرب. ويقدم الأهم من المصالح فالأهم. (وسهم لذوي القربى) أي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ (وهم بنو هاشم وبنو المطلب). يشترك في ذلك الذكرُ والأنثى، والغني والفقير. ويفضل الذكر، فيعطى مثل حظ الأنثيين. (وسهم لليتامى) المسلمين، جمع يتيم وهو صغير لا أب له، سواء كان الصغير ذكرا أو أنثى، له جد أو لا، قتل أبوه في الجهاد أو لا. ويشترط فقر اليتيم. (وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل). وسبق بيانهما قبيل كتاب الصيام.

• الفيئ

• الفيئ {فصل} في قسم الفيء على مستحقيه. والفيء لغة مأخوذ من فَاءَ إذا رجَع، ثم استُعمل في المال الراجع من الكفار إلى المسلمين. وشرعًا هو مالٌ حصل من كفار بلا قتال ولا إيجاف خيل ولا إبل، كالجزية وعشر التجارة. (ويقسم مال الفيء على خمس فرق: يصرف خمسه) يعني الفيء (على من) أي الخمسة الذين (يصرف عليهم خمس الغنيمة). وسبق قريبا بيان الخمسة. (ويعطى أربعة أخماسها). وفي بعض النسخ «أخماسه» أي الفيء (للمقاتلة). وهم الأجناد الذين عيَّنهم الإمام للجهاد وأثبت أسماءهم في ديوان المرتزقة بعد اتصافهم بالإسلام والتكليف والحرية والصحة؛ فيفرق الإمام عليهم الأخماس الأربعة على قدر حاجاتهم، فيبحث عن حال كلٍّ من المقاتلة وعن عياله اللازمة نفقتهم وما يكفيهم؛ فيعطيه كفايتهم من نفقة وكسوة وغير ذلك، ويراعي فى الحاجة الزمان والمكان والرخص والغلاء. وأشار المصنف بقوله: (وفي مصالح المسلمين) إلى أنه يجوز للإمام أن يصرف الفاضل عن حاجات

• الجزية

المرتزقة في مصالح المسلمين من إصلاح الحصون والثغور ومن شراء سِلاح وخَيلٍ على الصحيح. • الجزية {فصل} في أحكام الجزية. وهي لغةً اسم لخَرَّاج مجعول على أهل الذمة. سميت بذلك لأنها جزت عن القتل، أي كفت عن قتلهم. وشرعًا مالٌ يلتزمه كافر بعقد مخصوص. ويشترط أن يعقده الإمام أو نائبه، لا على جهة التأقيت؛ فيقول: «أقررتكم بدار الإسلام غير الحجاز، أو أذنتُ في إقامتكم بدار الإسلام على أن تبذلوا الجزيه وتنقادوا لحكم الإسلام». ولو قال الكافر للإمام ابتداء: «أقررني بدار الإسلام» كفى. • شروط وجوب الجزية (وشرائط وجوب الجزية خمس خصال): أحدها (البلوغ)؛ فلا جزية على الصبي. (و) الثاني (العقل)؛ فلا جزية على مجنون أطبق جنونه. فإن تقطع جنونه قليلا كساعة من شهر لزمته الجزية، أو تقطع جنونه كثيرا عن ذلك كيوم يجن فيه ويوم يفيق فيه، لفقت أيام الإفاقة؛ فإن بلغت سنةً وجب جزيتها.

(و) الثالث (الحرية)؛ فلا جزيةَ على رقيق ولا على سيده أيضا. والمكاتب والمدبر والمبعض كالرقيق. (و) الرابع (الذكورية)؛ فلا جزية على امرأة وخنثى. فإن بانت ذكورته أخذت منه الجزية للسنين الماضية - كما بحثه النووي في زيادة الروضة، وجزم به في شرح المهذب. (و) الخامس (أن يكون) الذي تعقد له الجزية (من أهل الكتاب) كاليهودي والنصراني، (أو ممن له شبهة كتاب). وتعقد أيضا لأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ، أو شككنا في وقته، وكذا تعقد لمن أحد أبويه وَثَنيٌّ والآخر كتابي، ولزاعم التمسك بصحف إبراهيم المنزلة عليه أو بزبور داود المنزل عليه. (وأقل) ما يجب في (الجزية) على كل كافر (دينار في كل حول) ولا حدَّ لأكثر الجزية. (ويؤخذ) أي يسن للإمام أن يماكس من عقدت له الجزية؛ وحينئذ يؤخذ (من المتوسط) الحال (ديناران، ومن الموسر أربعة دنانير) استحبابا إذا لم يكن كل منها سفيها؛ فإن كان سفيها لم يماكس

الإمام ولي السفيه. والعبرة في التوسط واليسار بآخر الحول. (ويجوز) أي يسن للإمام إذا صالح الكفار في بلدهم، لا في دار الإسلام (أن يشترط عليهم الضيافة) لمن يمرُّ بهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم، (فضلا) أي زائدا (عن مقدار) أقل (الجزية) وهو دينار كل سنة إن رضوا بهذه الزيادة. (ويتضمن عقد الجزية) بعد صحته (أربعة أشياء): أحدها (أن يؤدوا الجزية) وتؤخذ منهم برفق - كما قال الجمهور، لا على وجه الإهانة. (و) الثاني (أن تجري عليهم أحكام الإسلام) فيضمنون ما يتلفونه على المسلمين من نفس أو مال. وإن فعلوا ما يعتقدون تحريمه كالزنا أقيم عليهم الحد. (و) الثالث (أن لا يذكروا دين الإسلام إلا بخير. و) الرابع (أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين) أي بأن آووا من يطلع على عورات المسلمين وينقلها إلى دار الحرب. ويلزم

المسلمين بعد عقد الذمة الصحيح الكف عنهم نفسا ومالا. وإن كانوا في بلدنا أو في بلد مجاور لنا لزمنا دفع أهل الحرب عنهم. (ويعرفون بلبس الغِيار) بكسر الغين المعجمة، وهو تغيير اللباس وأن يخيط الذمي على ثوبه شيئا يخالف لون ثوبه. ويكون ذلك على الكتف. والأولى باليهودي الأصفر، وبالنصراني الأزرق، وبالمجوس الأسود والأحمر. وقول المصنف: «ويعرفون» عبَّر به النووي أيضا في الروضة تبعا لأصلها، لكنه في المنهاج قال: «ويؤمر» أي الذمي، ولا يعرف من كلامه، أن الأمر للوجوب أو الندب، لكن مقتضى كلام الجمهور الأول. وعطف المصنف على الغيار قوله: (وشد الزنار)، وهو بالزاء المعجمة خيطٌ غليظ يُشَدُّ في الوسط فوق الثياب. ولا يكفي جعله تحتها. (ويمنعون من ركوب الخيل) النفيسة وغيرها، ولا يمنعون من ركوب الحمير ولو كانت نفيسة، ويمنعون من أسماعهم المسلمين قول الشرك، كقولهم: «الله ثالث ثلاثة». تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

كتاب أحكام الصيد والذبائح والضحايا والأطعمة

كتاب أحكام الصيد والذبائح والضحايا والأطعمة والصيد مصدر أطلق هنا على اسم المفعول، وهو المصيد. (وما) أي والحيوان البري المأكول الذي (قُدر) بضم أوله (على ذكاته) أي ذبحه (فذكاته) تكون (في حلقه)، وهو أعلى العنق (ولَبَّته) أي بلام مفتوحة وموحدة مشددة، أسفل العنق. والذكاة بذال معجمة معناها لغةً التطييب، لما فيها من تطييب أكل اللحم المذبوح، وشرعًا إبطال الحرارة الغريزية على وجه مخصوص. أما الحيوان المأكول البحري فيحلُّ على الصحيح بلا ذبح. (وما) أي والحيوان الذي (لم يُقدر) بضم أوله (على ذكاته) كشاة أنسية توحشت، أو بعير ذهب شاردا (فذكاته عَقْره)، بفتح العين عقرا مزهقا للروح (حيث قدر عليه) أي في أي موضع كان العقر. (وكمال الذكاة)، وفي بعض النسخ «ويستحب في الذكاة» (أربعة أشياء):

أحدها (قطع الحُلْقُوم)، بضم الحاء المهملة؛ وهو مجرى النفس دخولا وخروجا. (و) الثاني قطع (المَريء) بفتح ميمه وهمز آخره، ويجوز تسهيله، وهو مجرى الطعام والشراب من الحلق إلى المعدة، والمريء تحت الحلقوم. ويكون قطع ما ذكر دفعة واحدة، لا في دفعتين؛ فإنه يحرم المذبوح حينئذ. ومتى بقي شيء من الحلقوم والمريء لم يحلَّ المذبوح. (و) الثالث والرابع (الوَدَجين) بواو ودال مفتوحتين، تثنية ودَج، بفتح الدال وكسرها؛ وهما عرقان في صفحتي العنق محيطان بالحلقوم. (والمجزئ منها) أي الذي يكفي في الذكاة (شيئان: قطع الحلقوم، والمريء) فقط. ولا يسن قطع ما وراء الودجين. (ويجوز) أي يحلُّ (الاصطياد) أي أكل المصاد (بكل جارحة مُعَلَّمة من السباع)، وفي بعض النسخ «من سباع البهائم» كالفهد والنمر والكلب. (ومن جوارح الطير) كصقر وباز في أي موضع كان جرح السباع والطير. والجارحة مشتقة من الجرح وهو الكسب.

(وشرائط تعليمها) أي الجوارح (أربعة): أحدها (أن تكون) الجارحة معلمة بحيث (إذا أُرسلت) أي أرسلها صاحبها (استرسلت، و) الثاني أنها (إذا زُجرت) بضم أوله أي زجرها صاحبها (انزجرت، و) الثالث أنها (إذا قتلت صيدا لم تأكل منه شيئا، و) الرابع (أن يتكرر ذلك منها) أي تكرر الشرائط الأربعة من الجارحة بحيث يظن تأدبها، ولا يرجع في التكرار لعدد، بل المرجع فيه لأهل الخبرة بطباع الجوارح. (فإن عدمت) منها (إحدى الشرائط لم يحلّ ما أخذته) الجارحة (إلا أن يدرك) ما أخذته الجارحة (حيًّا فيذكى)، فيحل حينئذ. ثم ذكر المصنف آلة الذبح في قوله: (وتجوز الذكاة بكل ما) أي بكل محدد (يجرح) كحديد ونحاس (إلا بالسن والظفر) وباقي العظام؛ فلا

• ما حل وما حرم من الحيوان

تجوز التذكية بها. ثم ذكر المصنف من تصح منه التذكية بقوله: (وتحل ذكاة كل مسلم) بالغ أو مميز يطيق الذبح، (و) ذكاة كل (كتابي) يهودي أو نصراني. ويحل ذبح مجنون وسكران في الأظهر. وتكره ذكاة الأعمى. (ولا تحل ذبيحة مجوسي، ولا وثني) ولا نحوهما ممن لا كتاب له. (وذكاة الجنين) حاصلة (بذكاة أمه)؛ فلا يحتاج لتذكيته. هذا إن وجد ميتا أو فيه حياة غير مستقرة، اللهُمَّ (إلا أن يوجد حيا) بحياة مستقرة بعد خروجه من بطن أمه (فيذكى) حينئذ. (وما قطع من) حيوان (حي فهو ميت إلا الشعر)، أي المقطوع من حيوان مأكول. وفي بعض النسخ «إلا الشعور» (المنتفع بها في المفارش والملابس) وغيرها. • ما حل وما حرم من الحيوان {فصل} في أحكام الأطعمة الحلال منها وغيرها. (وكل حيوان استطابته العرب) الذين هم أهل ثروة وخصب وطباع

سليمة ورفاهية (فهو حلال إلا ما) أي حيوان (ورد الشرع بتحريمه)؛ فلا يرجع فيه لاستطابتهم له. (وكل حيوان استخبثته العرب) أي عدُّوه خبيثا (فهو حرام إلا ما ورد الشرع بإباحته) فلا يكون حراما. (ويحرم من السباع ما له ناب) أي سِنٌّ (قوي يعدو به) على الحيوان كأسد ونمر. (ويحرم من الطيور ما له مِخْلَب) بكسر الميم وفتح اللام، أي ظفر (قوي يجرح به) كصقر وباز وشاهين. (ويحل للمضطر)، وهو من خاف على نفسه الهلاك من عدم الأكل (في المخمصة) موتا أو مرضا مخوفا، أو زيادة مرض، أو انقطاع رفقة، ولم يجد ما يأكله حلالا (أن يأكل من الميتة المحرمة) عليه (ما) أي شيئا (يسد به رمقه) أي بقية روحه. (ولنا ميتتان حلالان) وهما:

• الأضحية

(السمك والجراد، و) لنا (دمان حلالان) وهما: (الكبد والطحال). وقد عرف من كلام المصنف هنا وفيما سبق، أن الحيوان على ثلاثة أقسام: أحدها ما لا يؤكل؛ فذبيحته وميتته سواء، والثاني ما يؤكل؛ فلا يحل إلا بالتذكية الشرعية، والثالث ما تحل ميتته كالسمك والجراد. • الأُضحية {فصل} في أحكام الأُضحية. بضم الهمزة في الأشهر، وهي اسم لما يذج من النعَم يومَ عيد النحر وأيام التشريق تقرُّبًا إلى الله تعالى. (والأضحية سنة مؤكدة) على الكفاية؛ فإذا أتى بها واحد من أهل بيت كفى عن جميعهم. ولا تجب الأضحية إلا بالنذر. (ويجزئ فيها الجذع من الضأن)، وهو ما له سَنَةٌ وطعن في الثانية، (والثني من المعز)، وهو ما له سنتان وطعن في الثالثة، (والثني من الإبل) ما له خمس سنين وطعن

في السادسة، (والثني من البقر) ما له سنتان وطعن في الثالثة. (وتجزىء البدنة عن سبعة) اشتركوا في التضحية بها، (و) تجزىء (البقرة عن سبعة) كذلك، (و) تجزىء (الشاة عن) شخص (واحد) وهي أفضل من مشاركته في بعير. وأفضل أنواع الأضحية إبل ثم بقر ثم غنم. (وأربع)، وفي بعض النسخ «وأربعة» (لا تجزئ في الضحايا): أحدها (العوراء البَيِّنُ) أي الظاهر (عورُها) وإن بقيت الحدقة في الأصح. (و) الثاني (العرجاء البين عرجها) ولو كان حصول العرج لها عند اضجاعها لتضحية بسبب اضطرابها. (و) الثالث (المريضة البين مرضها). ولا يضر يسير هذا الأمور. (و) الرابع (العجفاء) وهي (التي ذهب مخها) أي ذهب دماغها (من الهزال) الحاصل لها. (ويجزئ الخصي) أي المقطوع الخصيتين (والمكسور القرن) إن لم يؤثر في اللحم، ويجزىء أيضا فاقدة القرون،

• وقت الذبح

وهي المسماة بالجلحاء. (ولا تجزئ المقطوعة) كل (الأذن) ولا بعضها ولا المخلوقة بلا أذن، (و) لا المقطوعة (الذنب) ولا بعضه. • وقت الذبح (و) يدخل (وقت الذبح) للأضحية (من وقت صلاة العيد) أي عيد النحر. وعبارة الروضة وأصلها «يدخل وقت التضحية إذا طلعت الشمس يوم النحر، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين». انتهى. ويستمر وقت الذبح (إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق)، وهي الثلاثة المتصلة بعاشر ذي الحجة. • ما يستحب عند الذبح (ويستحب عند الذبح خمسة أشياء): أحدها (التسمية) فيقول الذابح «بسم الله». والأكمل «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ فلو لم يسم حل المذبوح. (و) الثاني (الصلاة على النبي S) ، ويكره أن يجمع بين اسم الله واسم رسوله. (و) الثالث (استقبال القبلة) بالذبيحة أي يوجه الذابح مذبحها للقبلة، ويتوجه هو أيضا.

(و) الرابع (التكبير) أي قبل التسمية أو بعدها ثلاثا - كما قال الماوردي. (و) الخامس (الدعاء بالقبول)؛ فيقول الذابح: «اللهُمَّ هذِهِ مِنْكَ وَإِلَيْكَ، فَتَقَبَّلْ - أي هذه الأُضحِية - نِعْمَةً مِنْكَ عَلَيَّ، وَتَقَرَّبْتُ بِهَا إِلَيكَ، فَتَقَبَّلْهَا مِنِّي». (ولا يأكل المضحي شيئا من الأضحية المنذورة)، بل يجب عليه التصدق بجميع لحمها. فلو آخرها فتلفت لزمه ضمانها، (ويأكل من الأضحية المتطوع بها) ثلثا على الجديد. وأما الثلثان فقيل يتصدق بهما. ورجحه النووي في تصحيح التنبيه. وقيل يهدى ثلثا للمسلمين الأغنياء، ويتصدق بثلث على الفقراء من لحمها. ولم يرجح النووي في الروضة وأصلها شيئا من هذين الوجهين. (ولا يبيع) أي يحرم على المضحي بيع شيء (من الأضحية) أي لحمها أو شعرها أو جلدها، ويحرم أيضا جعله أجرة للجزار ولو كانت الأضحية تطوعا. (ويطعم) حتما من الأضحية المتطوع بها (الفقراء والمساكين).

• العقيقة

والأفضل التصدق بجميعها إلا لقمة أو لقما يتبرك المضحي بأكلها؛ فإنه يسن له ذلك. وإذا أكل البعض وتصدق بالباقي حصل له ثواب التضحية بالجميع والتصدق بالبعض. • العقيقة {فصل} في بيان أحكام العقيقة. وهي لغة اسم للشعر على رأس المولود، وشرعًا ما سيذكره المصنف بقوله: (والعقيقة) عن المولود (مستحبة). وفسر المصنف العقيقة بقوله: (وهي الذبيحة عن المولود يومَ سابعه) أي يوم سابع ولادته. ويحسب يوم الولادة من السبع ولو مات المولود قبل السابع. ولا تفوت بالتأخير بعده؛ فإن تأخرت للبلوغ سقط حكمها في حق العاق عن المولود؛ أما هو فمخير في العق عن نفسه والترك. (ويذبح عن الغلام شاتان، و) يذبح (عن الجارية شاة). قال بعضهم: وأما الخنثى فيحتمل إلحاقه بالغلام أو بالجارية؛ فلو بانت ذكورته أمر

بالتدارك وتتعدد العقيقة بتعدد الأولاد. (ويطعم) العاقّ من العقيقة (الفقراءَ والمساكين) فيطبخها بحلو ويهدي منها للفقراء والمساكين، ولا يتخذها دعوة ولا بكسر عظمها. واعلم أن سِنَّ العقيقة وسلامتها من عيب ينقص لحمها والأكل منها والتصدق ببعضها وامتناع بيعها وتعينها بالنذر حكمه على ما سبق في الأضحية. ويسن أن يؤذن في أذن المولود اليمنى حين يولد، ويقيم في أذنه اليسرى، وأن يحنك المولود بتمر؛ فيمضغ ويدلك به حنكه داخلَ فمه لينزل منه شيء إلى جوفه؛ فإن لم يوجد تمر فرطب، وإلا فشيء حلو. وأن يسمى المولود يوم سابع ولادته، وتجوز تسميته قبل السابع وبعده. ولو مات المولود قبل السابع سُنَّ تسميته.

كتاب أحكام السبق والرمى

كتاب أحكام السبق والرمي أي بسهام ونحوها. (وتصح المسابقة على الدواب) أي على ما هو الأصل في المسابقة عليها من خيل وإبل وفيل وبغل وحمار في الأظهر. ولا تصح المسابقة على بقر، ولا على نطاح الكباش، ولا على مهارشه الديكة، لا بعوض ولا غيره. (و) تصح (المناضلة) أي المراماة (بالسهام إذا كانت المسافة) أي مسافة ما بين موقف الرامي والغرض الذي يرمى إليه (معلومةً، و) كانت (صفة المناضلة معلومة) أيضا، بأن يبين المتناضلان كيفية الرمي من قرع، وهو إصابة السهم الغرض، ولا يثبت فيه، أو من خسق، وهو أن يثقب السهم الغرض ويثبت فيه، أو من مرق، وهو أن ينفذ السهم من الجانب الآخر من الغرض. واعلم أن عوض المسابقة هو المال الذي يخرج فيها. وقد يخرجه أحد المتسابقين، وقد يخرجانه معا. وذكر المصنف الأول في قوله: (ويخرج العوض أحدُ المتسابقين حتى إنه إذا سَبق) بفتح السين غيرَه

(استرَدَّه) أي العوض الذي أخرجه، (وإن سُبق) بضم أوله (أخذه) أي العوض (صاحبُه) السابق (له). وذكر المصنف الثاني في قوله: (وإن أخرجاه) أي العوض المتسابقان (معا لم يجز) أي لم يصح إخراجهما للعوض (إلا أن يُدخلا بينهما مُحلِّلا) بكسر اللام الأولى. وفي بعض النسخ «إلا أن يَدخل بينهما مُحَلِّلٌ»؛ (فإن سَبق) بفتح السين كلا من المتسابقين (أخذ العوض) الذي أخرجاه، (وإن سُبق) بضم أوله (لم يغرم) لهما شيئا.

كتاب أحكام الأيمان والنذور

كتاب أحكام الأيمان والنذور الأَيمانُ بفتح الهمزة جمع يمين. وأصلها لغةً اليدُّ اليُمنى، ثم أطلقت على الحَلف، وشرعًا تحقيق ما يحتمل المخالفة أو تأكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفات ذاته. والنذور جمع نذر، وسيأتي معناه في الفصل الذي بعده. (لا ينعقد اليمين إلا بالله تعالى) أي بذاته، كقول الحالف: «وَاللهِ»، (أو باسم من أسمائه) المختصة به التي لا تستعمل في غيره كخالق الخلق، (أو صفة من صفات ذاته) القائمة به كعلمه وقدرته. وضابط الحالف كل مكلف مختار ناطق قاصد لليمين. (ومن حلف بصدقة ماله) كقوله: «لِلَهِ عليَّ أن أتصدق بمالي». ويعبر عن هذا اليمين تارة بيمين اللَّجَّاج والغضب، وتارة بنذر اللجاج والغضب؛ (فهو) أي الحالف أو الناذر (مخير بين) الوفاء بما حلف عليه والتزمه بالنذر من (الصدقة) بماله (أو كفارة اليمين) في الأظهر. وفي

• كفارة اليمين

قول يلزمه كفارة يمين، وفي قول يلزمه الوفاء بما التزمه. (ولا شيء في لغو اليمين). وفسر بما سبق لسانه إلى لفظ اليمين من غير أن يقصدها كقوله في حال غضبه أو غلبته أو عجلته: «لا واللهِ» مرة، و «بلى والله» مرةً في وقت آخر. (ومن حلف أن لا يفعل شيئا) أي كبيع عبده (فأمر غيرَه بفعله) ففعله بأن باع عبد الحالف (لم يحنث) ذلك الحالف بفعل غيره، إلا أن يريد الحالف أنه لا يفعل هو ولا غيره، فيحنث بفعل مأموره. أما لو حلف أن لا ينكح فوكل غيره في النكاح فإنه يحنث بفعل وكيله له في النكاح. (ومن حلف على فعل أمرين) كقوله: «واللهِ، لا ألبس هذين الثوبين»؛ (ففعل) أي لبس (أحدهما لم يحنث)؛ فإن لبسهما معا أو مرتبا حنث. فإن قال: «لا ألبس هذا ولا هذا»، حنث بأحدهما. ولا تنحل يمينه، بل إذا فعل الآخر حنث أيضا. • كفارة اليمين (وكفارة اليمين هو) أي الحالف إذا حنث (مُخَيَّر فيها بين ثلاثة أشياء): أحدها (عتق رقبة مؤمنة) سليمة من عيب يخل بعمل أو كسب.

• النذور

وثانيها مذكور في قوله: (أو إطعام عشرة مساكين؛ كل مسكين مدا) أي رطلا وثلثا من حَبٍّ من غالب قوت بلد المكفر. ولا يجزىء فيه غير الحب من تمر وأقط. وثالثها مذكور في قوله: (أو كسوتهم) أي يدفع المكفر لكل من المساكين (ثوبا ثوبا) أي شيئا يسمى كسوة مما يعتاد لبسه، كقميص أو عمامة أو خمار أو كساء. ولا يكفي خف ولا قفازان. ولا يشترط في القميص كونه صالحا للمدفوع إليه؛ فيجزىء أن يدفع للرجل ثوب صغير أو ثوب امرأة. ولا يشترط أيضا كون المدفوع جديدا؛ فيجوز دفعه ملبوسا لم تذهب قوته. (فإن لم يجد) المكفر شيئا من الثلاثة السابقة (فصيام) فيلزمه صيام (ثلاثة أيام)؛ ولا يجب تتابعها في الأظهر. • النذور {فصل} في أحكام النذور. جمع نذر، وهو بذال المعجمة ساكنة وحكي فتحها، ومعناه لغةً الوعد بخير أو شر، وشرعًا التزام قربة لازمة بأصل الشرع.

والنذر ضربان: أحدهما نذر اللَّجَّاج بفتح أوله، وهو التمادى في الخصومة. والمراد بهذا النذر أن يخرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه من شيء، ولا يقصد القربة، وفيه كفارة يمين أو ما التزمه بالنذر. والثاني نذر المجازاة وهو نوعان: أحدهما أن لا يعلقه الناذر على شيء، كقوله ابتداء: «للهِ عليَّ صومٌ أو عتقٌ». والثاني أن يعلقه على شيء. وأشار له المصنف بقوله: (والنذر يلزم في المجازاة على) نذر (مباح وطاعة، كقوله) أي الناذر: («إن شفى الله مريضي) وفي بعض النسخ «مرضي» أو كفيت شر عدوي (فلِلّهِ أن أصلي أو أصوم أو أتصدق»، ويلزمه) أي الناذر (من ذلك) أي مما نذره من صلاة أو صوم أو صدقة (ما يقع عليه الاسم) من صلاة. وأقلها ركعتان، أو صوم وأقله يوم، أو الصدقة وهي أقل شيء مما يتمول. وكذا لو نذر التصدق بمال عظيم - كما قال القاضي أبو الطيب. ثم صرح المصنف بمفهوم قوله سابقا على مباح في قوله:

(ولا نذر في معصية) أي لا ينعقد نذرها، (كقوله: «إن قتلتُ فلانا) بغير حق (فلله علي كذا»). وخرج بالمعصية نذر المكروه كنذر شخص صوم الدهر، فينعقد نذره، ويلزمه الوفاء به. ولا يصح أيضا نذر واجب على العين كالصلوات الخمس. أما الواجب على الكفاية فيلزمه كما يقتضيه كلام الروضة وأصلها. (ولا يلزم النذر) أي لا ينعقد (على ترك مباح) أو فعله؛ فالأول (كقوله: «لا آكل لحما ولا أشرب لبنا» وما أشبه ذلك) من المباح كقوله: لا ألبس كذا، والثاني نحو آكل كذا وأشرب كذا، وألبس كذا. وإذا خالف النذر المباح لزمه كفارة يمين على الراجح عند البغوي، وتبعه المحرر والمنهاج، لكن قضية كلام الروضة وأصلها عدم اللزوم.

كتاب أحكام الأقضية والشهادات

كتاب أحكام الأقضية والشهادات والأقضية جمع قضاء بالمد، وهو لغةً أحكام الشيء وإمضاؤه، وشرعًا فصلُ حكومةٍ بين خصمين بحكم الله تعالى. والشهادات جمع شهادة، مصدر شَهِد، مأخوذ من الشهود بمعنى الحضور. والقضاء فرض كفاية؛ فإن تعيَّن على شخص لزمه طلبه. (ولا يجوز أن يلي القضاءَ إلا من استكملت فيه خمسة عشر) وفي بعض النسخ «خمس عشرة» (خصلة): أحدها (الإسلام)؛ فلا تصح ولاية الكافر ولو كانت على كافر مثله. قال الماوردي: «وما جرت به عادة الولاية من نصب رجل من أهل الذمة فتقليد رياسة وزعامة، لا تقليد حكم وقضاء». ولا يلزم أهل الذمة الحكم بإلزامه بل بالتزامهم. (و) الثاني والثالث (البلوغ، والعقل)؛ فلا ولاية لصبي ومجنون، أطبق جنونه أو لا. (و) الرابع (الحرية)؛ فلا تصح ولاية رقيقٍ كله أو بعضه.

(و) الخامس (الذكورة)؛ فلا تصح ولاية امرأة، ولا خنثى. ولو ولى الخنثى حالَ الجهل فحكَم ثم بَانَ ذكرًا لم ينفذ حكمه في المذهب. (و) السادس (العدالة)، وسيأتي بيانها في فصل الشهادات؛ فلا ولاية لفاسق بشيء لاَ شُبهةَ له فيه. (و) السابع (معرفة أحكام الكتاب والسنة) على طريق الاجتهاد، ولا يشترط حفظه لآيات الأحكام، ولا أحاديثها المتعلقات بها عن ظهر قلب. وخرج بالأحكام القصص والمواعظ. (و) الثامن (معرفة الإجماع)، وهو اتفاق أهل الحلِّ والعَقد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على أمر من الأمور. ولا يشترط معرفته لكل فرد من أفراد الإجماع، بل يكفيه في المسألة التي يفتي بها أو يحكم فيها، أنَّ قوله لا يخالف الإجماعَ فيها. (و) التاسع (معرفة الاختلاف) الواقع بين العلماء. (و) العاشر (معرفة طرق الاجتهاد)، أي كيفية الاستدلال من أدلة الأحكام. (و) الحادي عشر (معرفة طرف من لسان العرب) من لغة وصرف ونحو،

(ومعرفة تفسير كتاب الله تعالى. و) الثاني عشر (أن يكون سميعا) ولو بصياح في أذنيه؛ فلا يصح تولية أصم. (و) الثالث عشر (أن يكون بصيرا)؛ فلا يصح تولية أعمى. ويجوز كونه أعور كما قال الروياني. (و) الرابع عشر (أن يكون كاتبا). وما ذكره المصنف من اشتراط كون القاضي كاتبا وجه مرجوح؛ والأصح خلافه. (و) الخامس عشر (أن يكون مستيقظا)؛ فلا يصح تولية مغفل، بأن اختلَّ نظره أو فكره، إما لكبر أو مرض أو غيره. ولما فرغ المصنف من شروط القاضي شرع في آدابه، فقال: (ويستحب أن يجلس). وفي بعض النسخ «أن ينزل» أي القاضي (في وسط البلد) إذا اتسعت خطته؛ فإن كانت البلد صغيرةً نزل حيث شاء إن لم يكن هناك موضع معتاد تنزله القضاة، ويكون جلوس القاضي (في موضع) فسيح (بارز) أي ظاهر (للناس) بحيث يراه المستوطن والغريب والقوي والضعيف، ويكون مجلسه مصونا من أذى حَرٍّ وبرد، بأن يكون في

الصيف في مهب الريح، وفي الشتاء في كن، (ولا حجاب له). وفي بعض النسخ «ولا حاجب دونه»؛ فلو اتخذ حاجبا أو بَوَّابا كره. (ولا يقعد) القاضي (للقضاء في المسجد)؛ فإن قضى فيه كره. فإن اتفق وقتَ حضوره في المسجد لصلاة أو غيرها خصومةٌ لم يكره فصلها فيه. وكذا لو احتاج إلى المسجد لعذر من مطر ونحوه. (ويسوي) القاضي وجوبا (بين الخصمين في ثلاثة أشياء): أحدها التسوية (في المجلس)؛ فيُجلس القاضي الخصمين بين يديه إذا استويا شرفا. أما المسلم فيرفع عن الذمي في المجلس. (و) الثاني التسوية في (اللفظ) أي الكلام؛ فلا يسمع كلام أحدهما دون الآخر. (و) الثالث التسوية في (اللحظ) أي النظر؛ فلا ينظر أحدهما دون الآخر. (ولا يجوز) للقاضي (أن يقبل الهدية من أهل عمله)؛ فإن كانت الهدية في غير عمله من غير أهله لم يحرم في الأصح. وإن أهدى إليه مَن هو في

محل ولايته وله خصومة ولا عادةَ له بالهدية قَبلَها حرُم عليه قبولُها. (ويجتنب) القاضي (القضاء)، أي يكره له ذلك (في عشرة مواضع)، وفي بعض النسخ «أحوال»: (عند الغضب). وفي بعض النسخ «في الغضب». قال بعضهم: وإذا أخرجه الغضب عن حالة الاستقامة حرم عليه القضاءُ حينئذ. (والجوع) والشبع المفرطين، (والعطش، وشدة الشهوة، والحزن، والفرح المفرط، وعند المرض)، أي المؤلم، (ومدافعة الأخبثين) أي البول والغائط، (وعند النعاس، و) عند (شدة الحَرِّ والبرد). والضابط الجامع لهذه العشرة وغيرها أنه يكره للقاضي القضاء في كل حال يسوء خُلُقه. وإذا حكم في حال مما تقدم نفذ حكمه مع الكراهة. (ولا يسأل) وجوبا، أي إذا جلس الخصمان بين يدي القاضي لا يسأل (المدعى عليه إلا بعد كمال) أي بعد فراغ المدعي من (الدعوى)

الصحيحة. وحينئذ يقول القاضي للمدعي عليه: «أخرج من دعواه». فإن أقر بما ادعى به عليه لزمه ما أقرَّ به، ولا يفيده بعد ذلك رجوعُه. وإن أنكر ما ادعي به عليه فللقاضي أن يقول للمدعي: «ألك بينة أو شاهد مع يمينك؟» إن كان الحق مما يثبت بشاهد ويمين. (ولا يحلفه). وفي بعض النسخ «ولا يستحلفه»، أي لا يحلف القاضي المدعَى عليه (إلا بعد سؤال المدعي) من القاضي أن يحلف المدعى عليه، (ولا يلقن) القاضي (خصما حجةً) أي لا يقول لكل من الخصمين: «قل كذا وكذا». أما استفسار الخصم فجائز، كأن يدعي شخصٌ قتلا على شخص، فيقول القاضي للمدعي: «قتله عمدا أو خطأ؟»، (ولا يفهمه كلاما) أي لا يعلمه كيف يدعي. وهذه المسألة ساقطة في بعض نسخ المتن. (ولا يتعنت بالشهداء). وفي بعض النسخ «ولا يتعنت بشاهد»، كأن يقول له القاضي: «كيف تحملت؟ ولعلك ما شهدت». (ولا يقبل الشهادة إلا ممن) أي شخص (ثبتت عدالته)؛ فإن عرف القاضي عدالة الشاهد عمل بشهادته أو عرف فسقه رد شهادته. فإن لم يعرف عدالته ولا فسقه طلب منه التزكية، ولا يكفي في التزكية قول المدعى عليه إن الذي

شهد عليَّ عدلٌ، بل لا بد من إحضار من يشهد عند القاضي بعدالته، فيقول: «أشهد أنه عدل». ويعتبر في المزكي شروط الشاهد من العدالة وعدم العداوة وغير ذلك. ويشترط مع هذا معرفته بأسباب الجرح والتعديل، وخبرة باطن من يعدله بصحبة أو جوار أو معاملة. (ولا يقبل) القاضي (شهادة عدُوٍّ على عدوه). والمراد بعدو الشخص من يبغضه، (ولا) يقبل القاضي (شهادة والد) وإن علا (لولده). وفي بعض النسخ «لمولوده» أي وإن سفل، (ولا) شهادة (ولد لوالده) وإن علا. أما الشهادة عليهما فتقبل. (ولا يقبل كتاب قاض إلى قاض آخر في الأحكام إلا بعد شهادة شاهدين يشهدان) على القاضي الكاتب (بما فيه) أي الكتاب عند المكتوب إليه. وأشار المصنف بذلك إلى أنه إذا ادعى شخص على شخص غائب بمال، وثبت المال عليه؛ فإن كان له مال حاضر قضاه القاضي منه، وإن لم يكن له مال حاضر وسأل المدعي إنهاءَ الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه لذلك. وفسر الأصحاب إنهاء الحال بأن يشهد

• القسمة

قاضي بلد الحاضر عدلين بما ثبت عنده من الحكم على الغائب. وصفة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم حضر عندنا - عافاني الله وإيَّاك - فلانٌ، وادعى على فلانٍ الغائبِ المقيمِ في بلدك بالشيء الفلاني، وأقام عليه شاهدين، وهما فلان وفلان، وقد عدلا عندي، وحلفتُ المدعي وحكمت له بالمال، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا. ويشترط في شهود الكتاب والحكم ظهور عدالتهم عند القاضي المكتوب إليه، ولا تثبت عدالتُهم عنده بتعديل القاضي الكاتب إياهم. • القِسمَة {فصل} في أحكام القِسْمة. وهي بكسر القاف الاسم من قسم الشيء قَسْمًا، بفتح القاف، وشرعًا تمييز بعض الأنصباء من بعض بالطريق الآتي. (ويفتقر القاسم) المنصوب من جهة القاضي (إلى سبعة) وفي بعض النسخ «إلى سبع» (شرائط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة، والعدالة، والحساب)؛ فمن اتصف بضد ذلك لم يكن قاسما. وأما إذا لم يكن القاسم منصوبا من جهة القاضي فقد أشار إليه المصنف بقوله:

(فإن تراضى) وفي بعض النسخ «فإن تراضيا» (الشريكان بمن يقسم بينهما) المال المشترك (لم يفتقر) في هذا القاسم (إلى ذلك)، أي إلى الشروط السابقة. واعلم أن القسمة على ثلاثة أنواع: أحدها القسمة بالأجزاء، وتسمى قسمة المتشابهات كقسمة المثليات من حبوب وغيرها، فتجزأ الأنصباء كيلاً في المكيل، ووزنا في الموزون، وذرعا في مذروع، ثم بعد ذلك يقرع بين الأنصباء ليتعين لكل نصيب منها واحدٌ من الشركاء. وكيفية الأقراع أن تؤخذ ثلاث رقاع متساوية، ويكتب في كل رقعة منها اسم شريك من الشركاء، أو جزء من الأجزاء مميز عن غيره منها، وتدرج تلك الرقاع في بنادق متساوية من طين مثلا بعد تجفيفه، ثم توضع في حجر من لم يحضر الكتابة والإدراج، ثم يُخرِج من لم يحضرهما رقعةً على الجزء الأول من تلك الأجزاء، إن كتبت أسماء الشركاء في الرقاع كزيد وبكر وخالد فيعطى من خرج اسمه في تلك الرقعة، ثم يُخرج رقعة أخرى على الجزء الذي بلى الجزء الأول من تلك الأجزاء، فيعطى من خرج اسمه في الرقعة الثانية، ويتعين الجزء الباقي للثالث إن كانت الشركاء ثلاثة، أو يخرج من لم يحضر الكتابة والإدراج رقعة على اسم زيد مثلا، إن كتبت في الرقاع أجزاء الأنصباء، ثم على اسم خالد، ويتعين الجزء الباقي للثالث.

النوع الثاني القسم بالتعديل للسهام، وهي الأنصباء بالقيمة كأرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء، وتكون الأرض بينهما نصفين، ويساوي ثلث الأرض مثلا لجودته ثلثيها؛ فيجعل الثلث سهما، والثلثان سهما. ويكفي في هذا النوع والذي قبله قاسم واحد. النوع الثالث القسمة بالرد، بأن يكون في أحد جانبي الأرض المشتركة بئر أو شجر مثلا، لا يمكن قسمته فيرد من يأخذه بالقسمة التي أخرجتها القرعة قسط قيمة كل من البئر أو الشجر في المثال المذكور؛ فلو كانت قيمة كل من البئر أو الشجر ألفًا، وله النصف من الأرض رد الآخذ ما فيه ذلك خمسمائة. ولا بد في هذا النوع من قاسمين كما قال: (وإن كان في القسمة تقويم لم يقتصر فيه) أي في المال المقسوم (على أقل من اثنين). وهذا إن لم يكن القاسم حاكما في التقويم بمعرفته، فإن حكم في التقويم بمعرفته فهو كقضائه بعلمه. والأصح جوازه بعلمه. (وإذا دعا أحد الشريكين شريكه إلى قسمة ما لا ضرر فيه لزم) الشريك (الآخر إجابته) إلى القسمة. أما الذي في قسمته ضرر كحمام لا يمكن جعله

• الحكم بالبينة

حمامين إذا طلب أحد الشركاء قسمته وامتنع الآخر فلا يجاب طالب قسمته في الأصح. • الحكم بالبينة {فصل} في الحكم بالبينة. (وإذا كان مع المدعي بينة سمعها الحاكم، وحكم له بها) إن عرف عدالتها، وإلاَّ طلب منها التزكية؛ (وإن لم تكن له) المدعي (بينة، فالقول قول المدعى عليه بيمينه). والمراد بالمدعي من يخالف قوله الظاهر، والمدعى عليه من يوافق قوله الظاهر؛ (فإن نكل) أي امتنع المدعى عليه (عن اليمين) المطلوبة منه (ردت على المدعي، فيحلف) حينئذ (ويستحق) المدعى به. والنكول أن يقول المدعى عليه بعد عرض القاضي عليه اليمينَ: «أنا ناكل عنها». ويقول له القاضي: «أحلف»؛ فيقول: «لا أحلف». (وإذا تداعيا) أي اثنان (شيئا في يد أحدهما؛ فالقول قول صاحب اليد بيمينه) أي أن الذي في يده له؛ (وإن كان في أيديهما) أو لم يكن في يد واحد منهما (تحالفا، وجعل) المدعى به

• شروط الشاهد

(بينهما) نصفين. (ومن حلف على فعل نفسه) اثباتا أو نفيا (حلف على البتّ والقطع). والبتّ بموحدة فمثناة فوقية معناه القطع. وحينئذ فعطف المصنف القطع على البت من عطف التفسير. (ومن حلف على فعل غيره) ففيه تفصيل؛ (فإن كان إثباتا حلف على البت والقطع؛ وإن كان نفيا) مطلقا (حلف على نفي العلم)، وهو أنه لا يعلم أن غيره فعل كذا. أما النفي المحصور فيحلف فيه الشخص على البت. • شروط الشاهد {فصل} في شروط الشاهد. (ولا تقبل الشهادة إلا ممن) أي شخص (اجتمعت فيه خمس خصال):

أحدها (الإسلام) ولو بالتبعية؛ فلا تقبل شهادة كافر على مسلم أو كافر. (و) الثاني (البلوغ)؛ فلا تقبل شهادة صبي ولو مراهقا. (و) الثالث (العقل)؛ فلا تقبل شهادة مجنون. (و) الرابع (الحرية) ولو بالدار؛ فلا تقبل شهادة رقيق، قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا. (و) الخامس (العدالة)، وهي لغةً التوسط وشرعا ملكة في النفس تمنعها من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة. (وللعدالة خمس شرائط). وفي بعض النسخ «خمسة شروط»: أحدها (أن يكون) العدل (مجتنبا للكبائر) أي لكل فرد منها؛ فلا تقبل شهادة صاحب كبيرة كالزنا وقتل النفس بغير حق. والثاني أن يكون العدل (غير مُصِرٍّ على القليل من الصغائر)؛ فلا تقبل شهادة المصر عليها. وعد الكبائر مذكور في المطولات. والثالث أن يكون العدل (سليم السريرة) أي العقيدة؛ فلا تقبل شهادة مبتدع يكفر أو يفسق ببدعته؛ فالأول كمنكر البعث، والثاني

• أنواع الحقوق

كسَابِّ الصحابة. أما الذي لا يكفر ولا يفسق ببدعته فتقبل شهادته. ويستثنى من هذا الخطابيةُ؛ فلا تقبل شهادتهم، وهم فِرقَة يجوزون الشهادة لصاحبهم إذا سمعوه يقول لي على فلان كذا. فإن قالوا رأيناه يقرضه كذا قبلت شهادتهم. والرابع أن يكون العدل (مأمون الغضب). وفي بعض النسخ «مأمونا عند الغضب»؛ فلا تقبل شهادة من لا يؤمن عند غضبه. والخامس أن يكون العدل (محافظا على مروءة مثله). والمروءة تخلق الإنسان بخلق أمثاله من أبناء عصره في زمانه ومكانه؛ فلا تقبل شهادة من لا مروءة له كمن يمشي في السوق مكشوف الرأس أو البدن غير العورة، ولا يليق به ذلك. أما كشف العورة فحرام. • أنواع الحقوق {فصل} والحقوق ضربان: أحدهما (حق الله تعالى) وسيأتي الكلام عليه.

(و) الثاني (حق الآدمي؛ فأما حقوق الآدميين فثلاثة). وفي بعض النسخ «فهي على ثلاثة» (أضرب: ضرب لا يقبل فيه إلا شاهدان ذكران)؛ فلا يكفي رجل وامرأتان. وفسر المصنف هذا الضرب بقوله: (وهو ما لا يقصد منه المال، ويطلع عليه الرجال) غالبا كطلاق ونكاح. ومن هذا الضرب أيضا عقوبة الله تعالى كحد شرب خمر، أو عقوبة لأدمي كتعزير وقصاص. (وضرب) آخر (يقبل فيه) أحد أمور ثلاثة إما (شاهدان) أي رجلان (أو رجل وامرأتان، أو شاهد) واحد (ويمين المدعي). وإنما يكون يمينه بعد شهادة شاهده، وبعد تعديله. ويجب أن يذكر في حلفه أن شاهده صادق فيما شهد له به؛ فإن لم يحلف المدعي وطلب يمين خصمه فله ذلك؛ فإن نكل خصمه فله أن يحلف يمين الرد في الأظهر. وفسر المصنف هذا الضرب بأنه (ما كان القصد منه المال) فقط.

(وضرب) آخر (يقبل فيه) أحد أمرين إما (رجل وامرأتان، أو أربع نسوة). وفسر المصنف هذا الضرب بقوله: (وهو ما لا يطلع عليه الرجال) غالبا، بل نادرا، كولادة وحيض ورضاع. واعلم أنه لا يثبت شيء من الحقوق بامرأتين ويمين. (وأما حقوق الله تعالى فلا تقبل فيها النساء) بل الرجال فقط؛ (وهي) أي حقوق الله تعالى (على ثلاثة أضرب: ضرب لا يقبل فيه أقل من أربعة) من الرجال، (وهو الزنا)، ويكون نظرهم له لأجل الشهادة؛ فلو تعمدوا النظر لغيرها فسقوا وردت شهادتهم؛ أما إقرار شخص بالزنا فيكفي في الشهادة عليه رجلان في الأظهر. (وضرب) آخر من حقوق الله تعالى (يقبل فيه اثنان) أي رجلان. وفصَّل المصنف هذا الضرب بقوله: (وهو ما سوى الزنا من الحدود) كحد شرب.

(وضرب) آخر من حقوق الله تعالى (يقبل فيه رجل واحد؛ وهو هلال) شهر (رمضان) فقط دون غيره من الشهور. وفي المبسوطات مواضع يقبل فيها شهادة الواحد فقط، منها شهادة اللوث، ومنها أنه يكتفي في الخرص بعدل واحد. (ولا تقبل شهادة الأعمى إلا في خمسة). وفي بعض النسخ «خمس» (مواضع). والمراد بهذه الخمسة ما يثبت بالاستفاضة مثل (الموت، والنسب) لذكر أو أنثى عن أب أو قبيلة؛ وكذا الأم يثبت النسب فيها بالاستفاضة على الأصح. (و) مثل (الملك المطلق، والترجمة). وقوله: (وما شهد به قبل العمى) ساقط في بعض نسخ المتن. ومعناه أن الأعمى لو تحمل الشهادة فيما يحتاج للبصر قبل عروض العمى له، ثم بعد ذلك شهد مما تحمله إن كان المشهود له، وعليه معروفي الاسم والنسب. (و) ما شهد به (على المضبوط). وصورته أن يقرَّ شخص في أذن عمى بعتق أو طلاق لشخص يعرف اسمه ونسبه، ويد ذلك الأعمى على رأس ذلك المقرِّ، فيتعلق الأعمى به ويضبطه حتى يشهد عليه مما سمعه

منه عند قاض. (ولا تقبل شهادة) شخص (جارٍّ لنفسه نفعا ولا دافع عنها ضررا). وحينئذ ترد شهادة السيد لعبده المأذون له في التجارة ومكاتبه.

كتاب أحكام العتق

كتاب أحكام العتق وهو لغةً مأخوذ من قولهم عتق الفرخ إذا طار واستقلَّ، وشرعًا إزلة ملك عن آدمي لا إلى مالك تقرُّبا إلى الله تعالى. وخرج بآدميٍّ الطيرُ والبهيمة؛ فلا يصح عتقهما. (ويصح العتق من كل مالك جائز الأمر). وفي بعض النسخ «جائز التصرف» (في ملكه)؛ فلا يصح عتق غير جائز التصرف كصبي ومجنون وسفيه. وقوله: (ويقع العتق بصريح العتق). كذلك في بعض النسخ، وفي بعضها «ويقع بصريح العتق». واعلم أن صريحه الإعتاق والتحرير وما تصرف منهما، كأنت عتيق أو محرر. ولا فرق في هذا بين هازل وغيره. ومن صريحه في الأصح فكُّ الرقبة. ولا يحتاج الصريح إلى نية. ويقع العتق أيضا بغير الصريح كما قال: (والكناية مع النية) كقول السيد لعبده: «لا ملكَ لي عليك، لا سلطان لي عليك»، ونحو ذلك. (وإذا أعتق) جائزُ التصرف (بعضَ عبد) مثلا (عتق عليه جميعه) موسرا كان السيد أو لا، معينا كان ذلك البعض أو لا. (وإن أعتق) وفي بعض

• الولاء

النسخ «عتق» (شركا) أي نصيبا (له في عبد) مثلا، أو أعتق جميعه، (وهو موسر) بباقيه (سرى العتق إلى باقيه) أي العبد، أو سرى إلى ما أيسر به من نصيب شريكه على الصحيح. وتقع السراية في الحال على الأظهر. وفي قول بأداء القيمة. وليس المراد بالموسر هنا هو الغني، بل من له من المال وقت الإعتاق ما يفي بقيمة نصيب شريكه، فاضلا عن قوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته، وعن دَسْت ثوب يليق به وعن سكنى يومه، (وكان عليه) أي المعتق (قيمة نصيب شريكه) يوم إعتاقه. (ومن ملك واحدا من والديه أو) من (مولودِيه عتق عليه) بعد ملكه، سواء كان المالك من أهل التبرع أو لا، كصبي ومجنون. • الولاء {فصل} في أحكام الولاء. وهو لغةً مشتقٌّ من الموالاة، وشرعًا عصوبة سببها زوال الملك عن رقيق معتق.

• التدبير

(والولاء) بالمد (من حقوق العتق؛ وحكمه) أي حكم الإرث بالولاء (حكم التعصيب عند عدمه). وسبق معنى التعصيب في الفرائض. (وينتقل الولاء عن المعتق إلى الذكور من عصبته) المتعصبين بأنفسهم، لا كبنت معتقه وأخته. (وترتيب العصبات في الولاء كترتيبهم في الإرث)، لكن الأظهر في باب الولاء أن أخا المعتق وابن أخيه مقدمان على جد المعتق، بخلاف الإرث أي بالنسب؛ فإن الأخ والجد شريكان. ولا ترث المرأة بالولاء إلا من شخص باشرت عتقه أو من أولاده وعتقائه. (ولا يجوز) أي لا يصح (بيع الولاء ولا هبته). وحينئذ لا ينتقل الولاء عن مستحقه. • التدبير {فصل} في أحكام التدبير. وهو لغةً النظر في عواقب الأمور، وشرعًا عتق عن دبر الحياة، وذكره المصنف بقوله: (ومن) أي السيد إذا (قال لعبده) مثلا: («إذا مِتُّ) أنا

(فأنتَ حُرٌّ»؛ فهو) أي العبد (مدبَّر، يعتق بعد وفاته) أي السيد (من ثلثه) أي ثلث ماله إن خرج كله من الثلث؛ وإلا عتق منه بقدر ما يخرج من الثلث إن لم تجز الورثة. وما ذكره المصنف هو من صريح التدبير. ومنه أعتقتُك بعد موتي. ويصح التدبير بالكناية أيضا مع النية، كخليتُ سبيلَك بعد موتي. (ويجوز له) أي السيد (أن يبيعه) أي المدبر (في حال حياته، ويبطل تدبيره). وله أيضا التصرف فيه بكل ما يزيل الملك كهبة بعد قبضها أو جعله صداقا. والتدبير تعليق عتق بصفة في الأظهر. وفي قول وصية للعبد بعتقه؛ فعلى الأظهر لو باعه السيد ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب. (وحكم المدبَّر في حال حياة السيد حكم العبد القن). وحينئذ تكون أكساب المدبر للسيد. وإن قتل المدبر فللسيد القيمة، أو قطع المدبر فللسيد الأرش. ويبقي التدبير بحاله. وفي بعض النسخ «وحكم المدبر في حياة سيده حكم العبد القن».

• الكتابة

• الكِتابة {فصل} في أحكام الكِتابة. بكسر الكاف في الأشهر، وقيل بفتحها كالعَتاقة، وهي لغةً مأخوذة من الكتب، وهو بمعنى الضم والجمع، لأن فيها ضم نجم إلى نجم، وشرعًا عتق معلق على مال منجم بوقتين معلومين فأكثر. (والكتابة مستحبة إذا سألها العبد) أو الأمة، (وكان) كل منهما (مأمونا) أي أمينا (مكتسبا) أي قويا على كسب يوفي به ما التزمه من أداء النجوم. (ولا تصح إلا بمال معلوم) كقول السيد لعبده: «كاتبتك على دينارين» مثلا. (ويكون) المال المعلوم (مؤجلا إلى أجل معلوم، أقله نجمان)، كقول السيد في المثال المذكور لعبده تدفع إلى الدينارين في كل نجم دينار. فإذا أديت ذلك فأنت حرّ. (وهي) أي الكتابة الصحيحة (من جهة السيد لازمة)، فليس له فسخها بعد لزومها إلا أن يعجز المكاتب عن أداء النجم أو بعضه عند المحل، كقوله: عجزْتُ عن ذلك، فللسيد حينئذ فسخها. وفي معنى العجز امتناع المكاتب من أداء النجوم مع القدرة عليها. (و) الكتابة (من جهة) العبد (المكاتب جائزة؛ فله) بعد عقد الكتابة تعجيز نفسه بالطريق السابق،

وله أيضا (فسخها متى شاء) وإن كان معه ما يوفي به نجوم الكتابة. وأفهم قول المصنف: «متى شاء» أن له اختيارَ الفسخ. أما الكتابة الفاسدة فجائزة من جهة المكاتب والسيد. (وللمكاتب التصرف فيما في يده من المال) ببيع وشراء وإيجار ونحو ذلك، لا بهبة ونحوها. وفي بعض نسخ المتن «ويملك المكاتب التصرف فيما فيه تنمية المال». والمراد أن المكاتب يملك بعقد الكتابة منافعه وإكسابه إلا أنه محجور عليه لأجل السيد في استهلاكها بغير حق. (ويجب على السيد) بعد صحة كتابة عبده (أن يضع) أي يحط (عنه من مال الكتابة ما) أي شيئا (يستعين به على أداء نجوم الكتابة). ويقوم مقام الحط أن يدفع له السيد جزأ معلوما من مال الكتابة، ولكن الحط أولى من الدفع، لأن القصد من الحط الإعانة على العتق، وهي محققة في الحط موهومة في الدفع. (ولا يعتق) المكاتب (إلا بأداء جميع المال) أي مال الكتابة بعد القدر الموضوع عنه من جهة السيد.

• أمهات الأولاد

• أمهات الأولاد {فصل} في أحكام أمهات الأولاد. (وإذا أصاب) أي وطىء (السيد) مسلما كان أو كافرا (أَمتَه) ولو كانت حائضا أو محرما له أو مزوجة، أو لم يصبها، ولكن استدخلت ذكره أو ماءه المحترم، (فوضعت) حيا أو ميتا أو ما يجب فيه غرة وهو (ما) أي لحم (تبين فيه شيء من خلق آدمي). وفي بعض النسخ «من خلق الآدميين»، لكل أحد أو لأهل الخبرة من النساء. ويثبت بوضعها ما ذكر كونها مستولدة لسيدها. وحينئذ (حرم عليه بيعُها) مع بطلانه أيضا إلا من نفسها؛ فلا يحرم ولا يبطل. (و) حرم عليه أيضا (رهنُها وهبتها)، والوصية بها. (وجاز له التصرف فيها بالاستخدام والوطء) أو بالإجارة والإعارة، وله أيضا أرش جناية عليها، وعلى أولادها التابعين لها وقيمتها إذا قتلت، وقيمتهم إذا قتلوا، أو تزويجها بغير إذنها إلا إذا كان السيد كافرا، وهي مسلمةٌ، فلا يزوجها. (وإذا مات السيد) ولو بقتلها له (عتقت من رأس ماله). وكذا عتق أولادها (قبل) دفع (الديون) التي على السيد (والوصايا) التي أوصى بها. (وولدها) أي المستولدة (من غيره) أي غير السيد بأن ولدت بعد استيلادها ولدا من زوج أو من زنا (بمنزلتها).

وحينئذ فالولد الذي ولدته للسيد يعتق بموته. (ومن أصاب) أي وطىء (أمة غيره بنكاح) أو زنا وأحبلها فولدت منه (فولده منها مملوك لسيدها). أما لو غرَّ شخص بحُرية أمة فأولدها فالولد حُرٌّ. وعلى المغرور قيمته لسيدها. (وإن أصابها) أي أمة غيره (بشبهة) منسوبة للفاعل كظنه أنها أمته أو زوجته الحرة (فولده منها حر، وعليه قيمته للسيد). ولا تصير أم ولد في الحال بلا خلاف. (وإن ملك) الواطىء بالنكاح (الأمة المطلقة بعد ذلك لم تصر أمَّ ولد له بالوطء في النكاح) السابق، (وصارت أم ولد له بالوطء بالشبهة على أحد القولين). والقول الثاني لا تصير أم ولد له، وهو الراجح في المذهب. والله أعلم بالصواب. وقد ختم المصنف - رحمه الله تعالى - كتابه بالعتق رجاءً لعتق الله تعالى له من النار وليكون سببا في دخول الجنة دار الأبرار. وهذا آخر شرح الكتاب غاية الاختصار بلا إطناب. فالحمد لربنا المنعم الوهَّاب.

وقد ألفته عاجلا في مدة يسيرة، والمرجو ممن اطلع فيه على هفوة صغيرة أو كبيرة أن يصلحها إن لم يمكن الجواب عنها على وجه حسن ليكون ممن يدفع السيئة بالتي هي أحسن، وأن يقول من اطلع فيه على الفوائد من جاء بالخيرات. إن الحسنات يذهبن السيئات. جعلنا الله وإياكم بحسن النية في تأليفه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا في دار الجنان. ونسأل الله الكريم المنان الموتَ على الإسلام والإيمان بجاه سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحبيب رب العالمين محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم السيد الكامل. والحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

§1/1