فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك

محمد بن أحمد عليش

مقدمة الكتاب

[مُقَدِّمَة الْكتاب] {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِتَبْيِينِ الْأَحْكَامِ لِلسَّائِلِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ الْقَائِلِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَجَمِيعِ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ الرَّاجِي شَفَاعَةَ جَدِّهِ سَيِّدِ قُرَيْشٍ مُفْتِي السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِمَحْرُوسَةِ مِصْرَ الْمُعِزِّيَّةِ مُحَمَّدُ عُلَيْشٍ - عَامَلَهُ اللَّهُ بِجَزِيلِ إكْرَامِهِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِ سِجَالَ فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ -: إنَّ أَوْلَى مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْعَاقِلُ اللَّبِيبُ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَامِلُ الْأَرِيبُ التَّفَقُّهُ فِي دِينِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَبْيِينِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْفَتْوَى مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَمِنْ أَهَمِّ مَا يُعْتَنَى وَأَجَلِّ مَا يُقْتَنَى لِنَوْعِ بَنِي الْإِنْسَانِ قَيَّدْتُ مَا وَقَعَ لِي مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَجَمَعْتُهَا وَرَتَّبْتُهَا عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ بَعْدَ أَنْ هَذَّبْتُهَا وَنَقَّحْتُهَا، وَسَمَّيْتُهَا ب (فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ فِي الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ) رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ، سَائِلًا مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُثِيبَنَا دَارَ الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهَا الطُّلَّابَ وَيَجْعَلَهَا عُمْدَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ إنَّهُ وَلِيُّ الْإِجَابَةِ وَإِلَيْهِ الْإِنَابَةُ. [مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ] [الْإِيمَانُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ] مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْإِيمَانُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَدَرِيَّةَ يَحْتَجُّونَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْتَ الَّذِي كُنْتَ سَبَبًا فِي خُرُوجِنَا مِنْ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَم ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَسَكَتَ مُوسَى، وَقَالَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَجَّ آدَم مُوسَى» وَأَيْضًا حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعَارِفِينَ وَعَظَ الشَّرَفَ الْمُنَاوِيَّ حَتَّى أَبْكَاهُ فَأَنْشَأَ الشَّرَفُ يَقُولُ: يَا ذَا الَّذِي آنَسَنِي وَعْظُهُ ... أَنَسِيتَ مَا قُدِّرَ فِي الْمَاضِي إنَّ الَّذِي سَاقَكَ لِي وَاعِظًا ... هُوَ الَّذِي صَيَّرَنِي عَاصِي وَاَللَّهِ مَا قَصْدِي سِوَى قُرْبِهِ ... فَاخْتَارَ أَنْ يَعْكِسَ أَغْرَاضِي وَمَا نُسِبَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: اللَّهُمَّ لَمْ آتِ الذُّنُوبَ جُرْأَةً عَلَيْكَ وَلَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّكَ وَلَكِنْ جَرَى بِذَلِكَ قَلَمُكَ وَنَفَذَ بِهِ حُكْمُكَ وَالْمَعْذِرَةُ إلَيْكَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحُرَيْثِيُّ: مَنْ نَظَرَ إلَى الْخَلْقِ بِعَيْنِ الشَّرِيعَةِ مَقَتَهُمْ وَمَنْ نَظَرَ لَهُمْ بِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ عَذَرَهُمْ، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُوهِمُ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَمَا الْجَوَابُ؟

فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يُحْتَجُّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَنَّهُمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا فِي رَفْعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِسْقَاطِ التَّكَالِيفِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْكَسْبِ الثَّابِتِ لِلْعَبْدِ وَعِنْدَنَا لِلْعَبْدِ كَسْبٌ كُلِّفَ بِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي اعْتِرَافَنَا بِالْجَبْرِ بَاطِنًا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ لِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْعَبْدِ فَمَذْهَبُنَا وَسَطٌ بَيْنَ مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ وَجَوَابُ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ احْتِجَاجًا لِرَفْعِ تَكْلِيفٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَأْدِيبٌ فِي الْبَرْزَخِ لِوَلَدِهِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْوَلَدِ أَنْ يَنْظُرَ لِجِهَةِ عُذْرِ وَالِدِهِ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرُ فِي حَوَاشِي الْجَوْهَرَةِ وَكَلَامُ الشَّرَفِ لَيْسَ احْتِجَاجًا لِرَفْعِ تَكْلِيفٍ أَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ تَرَوُّحٌ. وَكَلَامُ ابْنِ أَدْهَمَ لَيْسَ احْتِجَاجًا لِرَفْعِ تَكْلِيفٍ أَيْضًا إنَّمَا هُوَ اسْتِشْفَاعٌ وَاسْتِعْطَافٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ هُوَ عَيْنُ تَقْرِيرِ الْعَقِيدَةِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ كَسْبٌ ظَاهِرٌ بُنِيَتْ عَلَيْهِ التَّكَالِيفُ مَنْ نَظَرَ لَهُ بِاعْتِبَارِهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَلَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي شَيْءٍ مَا وَمَنْ نَظَرَ لَهُ بِاعْتِبَارِهِ عَذَرَهُ بَاطِنًا وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَيْهِ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْأَمِيرُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لِلَّهِ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي نَفْيِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فَإِنْ أَرَدْتَ شَيْئًا فَهَاتِ مِنْ عِنْدِكَ شَيْئًا وَيَسُدُّ أَبْوَابَ مُؤَاخَذَةِ النَّاسِ اهـ. وَإِلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يُشِيرُ قَوْلُ ابْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ لِلرُّبُوبِيَّةِ سِرًّا لَوْ ظَهَرَ لَبَطَلَ حُكْمُ الرُّبُوبِيَّةِ. وَقَالَ أَيْضًا غَلَبَ عَلَيَّ شُهُودِ الْجَبْرِ الْبَاطِنِيِّ حَتَّى نَبَّهَنِي تِلْمِيذِي إسْمَاعِيلُ وَقَالَ لِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ مَا صَحَّ كَوْنُهُ خَلِيفَةً وَلَا مُتَخَلِّقًا بِالْأَخْلَاقِ فَدَخَلَ عَلَيَّ بِكَلَامِهِ مِنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرَةِ: وَمَيِّتٌ بِعُمُرِهِ مِنْ يُقْتَلُ، وَقَوْلُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلِيَّةٍ لِلْقَاتِلِ فِيهِ لَا مُبَاشَرَةً وَلَا تَوَلُّدًا مَا نَصُّهُ: " وَالْقِصَاصُ عِنْدَنَا نَظَرًا لِظَاهِرِ الْكَسْبِ كَقَوْلِ الْفَرْضِيِّينَ: مَنْ اسْتَعْجَلَ عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا وَرُبَّمَا هَجَسَ لِبَعْضِ الْقَاصِرِينَ مِنْ أَنَّ حُجَّةَ الْعَبْدِ لِمَ تُعَذِّبْنِي وَالْكُلُّ فِعْلُكَ وَهَذِهِ فِي الْمَعْنَى حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَالْعَذَابُ فِعْلُهُ أَيْضًا وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ سُؤَالٌ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقَدْ سُئِلَ) شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لَا مِنْ قِلَّةٍ وَمَوْجُودٌ لَا مِنْ عِلَّةٍ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ الَّذِي يَحْضُرُ الْفَقِيرَ فِي شَرْحِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَتْ وَحْدَتُهُ وَانْفِرَادُهُ مِنْ أَجْلِ قِلَّةِ مَنْ يَتَّصِفُ بِالْكَمَالَاتِ وَصِفَاتِ الْمَجْدِ وَخُلُوِّ الْكَوْنِ عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَوَادِثِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْوَحْدَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى نَقْصٌ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَعَمْرُ أَبِيكَ مَا نَسَبُ الْمُعَلَّى ... لَمَكْرَمَةٌ وَفِي الدُّنْيَا كَرِيمُ وَلَكِنَّ الْبِلَادَ إذَا اقْشَعَرَّتْ ... وَصَوَّحَ نَبْتُهَا رُعِيَ الْهَشِيمُ وَأَمَّا وَحْدَةُ الْحَقِّ تَعَالَى فَذَاتِيَّةٌ بِكَمَالٍ لَا سَبِيلَ لِتَطَرُّقِ الِاشْتِرَاكِ إلَيْهِ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى وَاحِدُ لَا مِنْ قِلَّةٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَاهِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ مُمْكِنٌ تَعَدُّدُ أَفْرَادِهَا لَكِنْ قَلَّتْ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا إلَّا وَاحِدٌ بَلْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ وَعَنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَوُجُودُهُ ذَاتِيٌّ وَوَحْدَتُهُ ذَاتِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَطَرُّقٌ وَلَا قِلَّةٌ. الثَّانِي أَنَّ مَعْنَى وَاحِدٌ لَا مِنْ قِلَّةِ أَنَّ وَحْدَتَهُ تَعَالَى لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنْ تَقْلِيلٍ بِأَنْ كَانَ لَهُ أَنْدَادٌ وَأَشْبَاهٌ وَشُرَكَاءُ فَسَطَا عَلَيْهِمْ حَتَّى أَبَادَهُمْ عَلَى عَادَةِ الْمُلُوكِ فَصَارَ وَاحِدًا مُنْفَرِدًا بِالْمُلْكِ بَلْ وَحْدَتُهُ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنْ قِلَّةٍ بِمَعْنَى تَقْلِيلٍ. الثَّالِثُ أَنَّ وَحْدَتَهُ تَعَالَى لَيْسَتْ وَحَدَاتِ الْقِلَّةِ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَوَادِثِ بَلْ هُوَ وَاحِدٌ إلَيْهِ تَرْجِعُ جَمِيعُ الْكَثْرَاتِ وَعَلَى وَحْدَتِهِ تَدُورُ {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى: 53] فَهُوَ وَاحِدٌ ظَهَرَتْ وَحْدَتُهُ فِي جَمِيعِ الْمَظَاهِرِ فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54] وَهَذَا مَعْنَى شَرِيفٌ لَا يُمْكِنُ شَرْحُهُ بِالتَّعْبِيرِ إنَّمَا يُذَاقُ بِحَسَبِ الْفَتْحِ وَالتَّجَلِّي مِنْ الْفَتَّاحِ الْخَبِيرِ، وَهُوَ مَعْنَى شُهُودِ الْوَحْدَةِ فِي الْكَثْرَةِ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْهُ الْقَوْمُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَقَدْ سُفِكَتْ فِيهَا دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ الْعِبَارَاتِ الْمُوهِمَةِ وَالْمَعْنَى قَدْ يَتَعَاظَمُ عَلَى الْعِبَارَةِ فَلَا يُمْكِنُهَا الْإِحَاطَةَ بِهِ حَقَّ الْإِحَاطَةِ فَمَنْ تَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ التَّعْبِيرَ وَقَعَ فِي أَمْرٍ خَطِيرٍ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَيَكْفِيكَ مِنْ ذَاكَ الْمُسَمَّى إشَارَةٌ ... وَدَعْهُ مَصُونًا بِالْجَلَالِ مُحَجَّبًا فَحَاشَا اللَّهِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْمُ حُلُولًا وَاتِّحَادًا كَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ قَالَ الْعَارِفُ ابْنُ وَفَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ - حَاكِيًا عَنْ الْحَضْرَةِ: وَعِلْمُكَ أَنَّ كُلَّ الْأَمْرِ أَمْرِي ... هُوَ الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِاتِّحَادِ وَمَقَامُ الْعَامَّةِ فِي هَذَا تَصْدِيقُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْخَوَاصُّ بِالذَّوْقِ وَالْعِبَارَةِ وَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّ الْعَسَلَ حُلْوٌ وَبَيْنَ حَالِ مَنْ يَذُوقُهُ بِالْفِعْلِ وَهَذَا بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ فَلْنُمْسِكْ عَنَانَ الْقَلَمِ، قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إنَّمَا كَفَرَ مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ بَعْضًا مِنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ فَاعِلٍ مَعَ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ مِنْ الْعَدَدِ فَأَوْقَعَ الْمُشَاكَلَةَ وَالْمُشَابَهَةَ وَجَعَلَهُ بَعْضًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ بِخِلَافِ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَعْلِ وَالتَّأْثِيرِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ فَاعِل مَعَ مَا هُوَ دُونَهُ فَمَعْنَى رَابِعِ الثَّلَاثَةِ جَاعِلُ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةً فَلْيُتَأَمَّلْ. الرَّابِعُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِقِلَّةٍ وَلَا بِكَثْرَةٍ

فَإِنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَجَمِيعُ مَا خَطَرَ بِبَالِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ سُبْحَانَ مَنْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الْقِلَّةِ لِأَنَّ وَصْفَ الْوَحْدَةِ نَفْيُ الْكَثْرَةِ فَتَمَّمَ مَعْنَاهُ بِنَفْيِ الْقِلَّةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ الْمُتَوَهَّمْ ثُبُوتُهُ بَعْدَ وَصْفِ الْوَحْدَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَاحِدٌ لَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ وَلَا يُوصَفُ أَيْضًا بِالْقِلَّةِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (وَقَدْ سُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي الْفَرَاغِ الْمُتَوَهَّمِ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ لِلْهَوَاءِ وَالْأَجْسَامِ هَلْ هُوَ حَادِثٌ أَمْ أَزَلِيٌّ وَإِذَا قُلْتُمْ بِحُدُوثِهِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فَمَا حَقِيقَةُ الْحُدُوثِ إذْ عَدَمُ الْعَدَمِ فِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهُ أَزَلِيٌّ فَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِقَادِ أَزَلِيَّتِهِ وَحُدُوثِهِ وَهَلْ الْمَوْلَى تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ حُلُولِهِ فِي الْفَرَاغِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلَا جِسْمٍ وَهَلْ الْفَرَاغُ الَّذِي فَوْقَ الْعَرْشِ حُكْمُهُ كَالْفَرَاغِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْفَرَاغُ عَدَمٌ مِنْ الْإِعْدَامِ فَلَيْسَ شَيْئًا مُحَقَّقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَحَقِّقًا لَكَانَ إمَّا جَوْهَرًا فَيَحْتَاجُ لِفَرَاغٍ أَوْ عَرَضًا فَيَقُومُ بِجَوْهَرٍ يَحْتَاجُ لِفَرَاغٍ وَيَنْتَقِلُ الْكَلَامُ لِلْفَرَاغِ الثَّانِي وَهَكَذَا فَيَلْزَمُ الدَّوْرَ أَوْ التَّسَلْسُلَ أَشَارَ لِذَلِكَ السَّيِّدِ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَالسَّعْدُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَشُرَّاحِ هِدَايَةِ أَثِيرِ الدِّينِ الْأَبْهَرِيِّ كَالزَّيْنِ الْحُسْنَى وَالسُّدِّيِّ وَحَيْثُ إنَّهُ عَدَمٌ فَهُوَ أَزَلِيٌّ لِأَنَّ الْأَعْدَامَ كُلَّهَا أَزَلِيَّةٌ مَا خَلَا عَدَمَ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ فِي الْأَزَلِ إلَّا لِلْوَاجِبِ جَلَّ شَأْنُهُ وَمَا عَدَاهُ عَدَمُهُ وَاجِبٌ فِي الْأَزَلِ وَعَلَى فَرْضِ الْقَوْلِ بِحُدُوثِ الْفَرَاغِ الْمُتَوَهَّمِ فَحَقِيقَةُ حُدُوثِهِ حُدُوثُ كَوْنِهِ مُتَوَهَّمًا أَيْ حُدُوثُ تَوَهُّمِهِ وَتَخَيُّلِهِ مَكَانًا لِلْجَوَاهِرِ وَحَقِيقَةُ الْحُدُوثِ عَلَى هَذَا التَّجَدُّدُ بَعْدَ عَدَمٍ لَا الْوُجُودُ بَعْدَ عَدَمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا مَوْجُودًا بَلْ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ فَقَطْ وَلَا يَتَرَتَّبُ ضَرَرٌ عَلَى اعْتِقَادِ أَزَلِيَّتِهِ وَلَا حُدُوثِهِ لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا مِنْ أَزَلِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعَدَمِ فِي نَفْسِهِ كَمَا قَالُوا فِي أَعْدَامِنَا السَّابِقَةِ عَلَى وُجُودِنَا مِنْ أَنَّهَا أَزَلِيَّةٌ وَأَزَلِيَّةُ الْعَدَمِ هُوَ مَعْنًى كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْهَا فِي لِسَانِ الْحَقَائِقِ بِحَضْرَةِ الْعَمَى وَالظُّلْمَةِ، فَمَنْ قَالَ الْفَرَاغُ أَزَلِيٌّ يُثْبِتُ شَيْئًا مُحَقَّقًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْأَزَلِيَّةِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَلْزَمَ مَحْذُورٌ وَإِنَّمَا هِيَ أَزَلِيَّةُ الْعَدَمِ فِي نَفْسِهِ كَمَا عَلِمْتَ وَمَنْ قَالَ حَادِثٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ تَوَهُّمَهُ وَتَخَلِّيَهُ أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَالْمَوْلَى جَلَّ شَأْنُهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُلُولِ فِي الْفَرَاغِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ الْمَحْصُورَةِ بِالْأَمْكِنَةِ وَالْجِهَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرَاغِ الَّذِي فَوْقَ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّنَا نَمْسِكُ عَمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ سَمْعٌ فَوْقَ الْعَرْشِ وَنُفَوِّضُ عِلْمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ أَوْ لَا وَفِي مِقْدَارِ ذَلِكَ مَعَ وُجُوبِ تَنَاهِي الْمَوْجُودَاتِ الْحَادِثَةِ وَاسْتِرْسَالِ الْفَرَاغِ فِيمَا تَخَيَّلَ فَقَطْ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوَاضِعِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْحُكَمَاءِ إنَّ

الملائكة الكرام هل هي أجسام مركبة من جواهر وأعراض

الْفَلَكَ الْأَعْظَمَ لَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ لَا خَلَا وَلَا مَلَا فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَرَكَاتِ الْكَوَاكِبِ وَنَحْوِهِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي أَمَاكِنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي النُّورِ الْمُحَمَّدِيِّ هَلْ هُوَ جِسْمٌ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِجِسْمِيَّتِهِ وَقُلْتُمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ وَلَا جِنِّيٌّ وَلَا مَلَكٌ وَلَا أَرْضٌ وَلَا سَمَاءُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَيِّزٍ يَتَحَيَّزُ فِيهِ وَلَا حَيِّزَ هُنَاكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ النُّورُ الْمُحَمَّدِيُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ السَّابِقُ فِي الْإِيجَادِ قَبْلَ جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ لَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ الْجِسْمِيَّةُ إذْ لَا نَعْلَمُ فِيهِ إذْنًا وَرَدَ وَلَا تَوْقِيفًا كَيْفَ وَالْجِسْمُ مَا كَانَ مِنْ مَوَادٍّ تُرَكَّبُ مِنْهَا وَهَذَا مَادَّةُ الْمَوَادِّ كُلِّهَا، وَأَصْلُ الْأُصُولِ وَأَوَّلُ الْأَوَّلِ نَعَمْ هُوَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَأَمَّا الْحَيِّزُ فَهُوَ فَرَاغٌ مَوْهُومٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا تَحَقُّقَ لَهُ وَإِلَّا احْتَاجَ لِحَيِّزٍ وَدَوْرٍ أَوْ تَسَلْسُلٍ فَانْدَفَعَ التَّوَقُّفُ وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْبَحْثُ بِقَوْلِ السَّائِلِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَيِّزٍ وَلَا حَيِّزَ هُنَاكَ لَوْ كَانَ الْحَيِّزُ أَمْرًا وُجُودِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. [الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ هَلْ هِيَ أَجْسَامٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ وَأَعْرَاضٍ] (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ هَلْ هِيَ أَجْسَامٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ وَأَعْرَاضٍ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ الْمَلَائِكَةُ جَوَاهِرُ نُورَانِيَّةٌ رُوحَانِيَّةٌ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى التَّشَكُّلِ لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ وَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَيُوصَفُونَ بِالْأَعْرَاضِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَيَفْعُلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَيَتَنَزَّلُونَ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْرَاضِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ قَوْلٌ وَهُوَ عَرَضٌ وَالْفِعْلَ عَرَضٌ وَحَرَكَةَ النُّزُولِ عَرَضٌ وَكَذَلِكَ الصُّعُودَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَوَرَدَ أَنَّ لَهُمْ أَجْنِحَةً وَهِيَ جَوَاهِرُ فَهُمْ مُرَكَّبُونَ مِنْ جَوَاهِرَ نُورَانِيَّةٍ وَيُوصَفُونَ بِالْأَعْرَاضِ اللَّائِقَةِ بِالصُّورَةِ النُّورَانِيَّةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ عُقُولٌ مُجَرَّدَاتٌ فَقَوْلُ الْحُكَمَاءِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْوَاحِ الْبَهَائِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِذَبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْنَ تَسْتَقِرُّ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ أَرْوَاحُ الْبَهَائِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِذَبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ تَسْتَقِرُّ فِي الْبَرْزَخِ كَمَا كَانَتْ فِيهِ قَبْلَ خَلْقِ الْجِسْمِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ شَجَرَةِ الْيَقِينِ فِي تَخْلِيقِ نُورِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَصُّهُ: " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا - «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الصُّورَ وَلَهُ أَرْبَعَةُ شُعَبٍ شُعْبَةٌ مِنْهَا فِي الْمَغْرِبِ وَشُعْبَةٌ مِنْهَا فِي الْمَشْرِقِ وَشُعْبَةٌ مِنْهَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَشُعْبَةٌ مِنْهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَفِي الصُّورِ مِنْ الثَّقْبِ

بِعَدَدِ الْأَرْوَاحِ وَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْوَاحُ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْوَاحُ الْجِنِّ وَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْوَاحُ الْإِنْسِ وَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْوَاحُ الشَّيَاطِينِ وَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْوَاحُ الْبَهَائِمِ حَتَّى السَّخْلَةُ وَالسِّقْطُ إلَى تَمَامِ سَبْعِينَ صِنْفًا وَأُعْطِيهِ إسْرَافِيلُ فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَنَفْخَةُ الصَّعْقَةِ وَنَفْخَةُ الْبَعْثِ» اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَفِيهِ إجْمَالٌ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ مِنْ كَلَامِ الْغَوْثِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّبَّاغِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي الْإِبْرِيزِ، وَنَصُّهُ: وَسَمِعْتُ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ فِي الْبَرْزَخِ إنَّهُ عَلَى صُورَةِ مُحَلِّقٍ ضَيِّقٍ مِنْ أَسْفَلِهِ ثُمَّ مَا دَامَ يَطْلُعُ وَهُوَ يَتَّسِعُ فَلَمَّا بَلَغَ مُنْتَهَاهُ جُعِلَتْ قُبَّةٌ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلَ قُبَّةِ الْفَنَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ بِالْمِهْرَاسِ الْكَبِيرِ مِنْ الْعُودِ فَإِنَّ أَسْفَلَهُ ضَيِّقٌ ثُمَّ جُعِلَ يَتَّسِعُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَعْلَاهُ فَإِذَا جُعِلَتْ فَنَارًا عَلَى رَأْسِهِ كَانَ مِثْلَ الْبَرْزَخِ فِي الشَّكْلِ أَمَّا فِي الْقَدْرِ وَالْعِظَمِ فَلَا فَإِنَّ الْبَرْزَخَ أَصْلُهُ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَا يَلِيهَا ثُمَّ تَصَاعَدَ عَالِيًا حَتَّى خَرَقَ السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ تَصَاعَدَ حَتَّى خَرَقَ الثَّالِثَة وَهَكَذَا حَتَّى خَرَقَ السَّابِعَةَ ثُمَّ تَصَاعَدَ إلَى مَا لَا يُحْصَى وَقَدْ جُعِلَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ هَذَا طُولُهُ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَقُلْتُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْبَرْزَخُ مَبْدَؤُهُ مِنْ الْأُولَى إلَى مَا لَا يُحْصَى فَهُوَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى مَا فَوْقَ السَّابِعَةِ لِأَنَّ فِيهِ الْقُبَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ أَشْرَفُ أَجْزَائِهِ إذْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا رُوحُ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ - وَمَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَرَامَتِهِ كَأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ وَبَنَاتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِهِ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ بِالْحَقِّ بَعْدَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِيهَا أَرْوَاحُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَفِيهَا أَزْوَاجُ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ مَاتُوا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَانِهِ وَبَذَلُوا نُفُوسَهُمْ لِيَحْيَا وَيَبْقَى وَلَهُمْ قُوَّةٌ وَجَهْدٌ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ إثَابَةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَفِي الْقُبَّةِ أَيْضًا أَرْوَاحُ وَرَثَتِهِ الْكَامِلِينَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْغَوْثِ وَالْأَقْطَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ فِي كُلِّ سَمَاءٍ بَيْتًا مَعْمُورًا فَانْظُرْهُ فِي شَرْحِ الْإِسْرَاءِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ دُونَ الْبَعْضِ. وَأَمَّا عَرْضُ الْبَرْزَخِ فَحَسْبُكَ أَنَّ الشَّمْسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ لَا تَدُورُ إلَّا بِهِ عَلَى هَيْئَةِ الطَّائِفِ فَتَقْطَعُهُ فِي كُلِّ عَامٍ وَكُلُّهُ ثُقَبٌ وَفِي هَذِهِ الثُّقَبِ الْأَرْوَاحُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْقُبَّةُ الَّتِي فِيهَا رُوحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْوَاحُ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَرَامَتِهِ انْقَسَمَتْ إلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ بِعَدَدِ أَقْسَامِ الْجَنَّةِ كُلُّ قِسْمٍ مِنْهَا يُشْبِهُ جَنَّةً مِنْ الْجَنَّاتِ السَّبْعِ ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الثُّقَبُ كَانَتْ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ مَعْمُورَةً بِالْأَرْوَاحِ فَلَمَّا أُهْبِطَتْ رُوحُ آدَمَ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَقِيَ مَوْضِعُهَا خَاوِيًا وَهَكَذَا كُلَّمَا أُهْبِطَتْ رُوحٌ بَقِيَتْ ثُقْبَتُهَا خَالِيَةً فَإِذَا رَجَعَتْ الرُّوحُ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى الْبَرْزَخِ فَلَا تَرْجِعُ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ بَلْ تَسْتَحِقُّ مَوْضِعًا غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ أَرْوَاحُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا ثَوَابَ لَهَا وَلَا عِقَابَ عَلَيْهَا مِنْهَا مَا يَكُونُ فِي جَهَنَّمَ عَذَابًا عَلَى أَهْلِهَا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ نِعْمَةً لِأَهْلِهَا فَأَرْوَاحُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَالذُّبَابِ وَمَا يُسْتَقْبَحُ مِنْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فِي جَهَنَّمَ إنْ كَانَتْ مَعَ الْكَفَرَةِ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْعِيدِ الْأَكْبَرِ أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَلَائِكَةٌ لِقَبْضِ أَرْوَاحِ الضَّحَايَا فَتَرَى عَلَى كُلِّ بَلْدَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ يَذْبَحُ فِيهِ الْعَبْدُ مَلَائِكَةً كِرَامًا يَحُومُونَ لَا يَنْزِلُونَ إلَى الْأَرْضِ إلَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِذَا ذُبِحَتْ الضَّحِيَّةُ أَخَذُوا رُوحَهَا وَذَهَبُوا بِهَا إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ صَاحِبِهَا صَالِحَةً فِي ذَبْحِهَا وَلَمْ يُرِدْ بِهَا إلَّا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَلَمْ يُرِدْ رِيَاءً وَلَا فَخْرًا وَلَا كِبْرًا وَلَا خُيَلَاءَ أَخَذُوا رُوحَ ضَحِيَّتِهِ وَذَهَبُوا بِهَا إلَى قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ فَتَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِهِ الْمُعَدَّةِ لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ صَاحِبِهَا عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَتْ نِيَّتُهُ فَاسِدَةً وَعَمَلُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَخَذُوا رُوحَ ضَحِيَّتِهِ وَذَهَبُوا بِهَا إلَى جَهَنَّمَ وَتَصِيرُ نِقْمَةً مِنْ النِّقَمِ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُ فِي جَهَنَّمَ وَإِذَا نَظَرْت إلَى تِلْكَ الرُّوحِ رَأَيْتَ كَبْشًا بِذَاتِهِ وَصُورَتِهِ الْمَعْلُومَةِ بِقُرُونِهِ وَصُوفِهِ وَالْكُلُّ نَارٌ حَامِيَةٌ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْأَسْمَاءِ وَالْمُسَمَّيَاتِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَهَلْ يُقْرَأُ بِالْأَسْمَاءِ أَوْ بِالْمُسَمَّيَاتِ أَوْ يُقْرَأُ بَعْضُهُ بِالْأَسْمَاءِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ بِالْمُسَمَّيَاتِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) : " لَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُفْصِحٍ عَنْ الْمُرَادِ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ إنْ أُرِيدَ بِهَا هَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي لَفْظَ الْأَسْمَاءِ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ لِكُلِّ مَوْضِعٍ مَعْنًى يُنَاسِبُهُ فَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَلِيِّ وَصِفَاتِهِ السَّنِيَّةِ وَمُسَمَّيَاتِهَا مَا ذُكِرَ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم: 23] مَعْنَاهَا أَسْمَاءُ الْأَصْنَامِ كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاتَ وَمُسَمَّيَاتِهَا مَا ذُكِرَ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى مُفْرَدًا كَانَ أَوْ مُرَكَّبًا مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ. وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ السَّائِلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَلْ يُقْرَأُ بِالْأَسْمَاءِ أَوْ بِالْمُسَمَّيَاتِ أَوْ بَعْضُهُ بِالْأَسْمَاءِ وَالْآخَرُ بِالْمُسَمَّيَاتِ وَاَلَّذِي يُنَاسِبُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ لِي بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَنَّهُ أَرَادَ أَسْمَاءَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَمُسَمَّيَاتِهَا كَالْوَاقِعِ أَوَائِلَ السُّوَرِ نَحْوَ أَلَمْ وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي أَلْفَاظٍ مُجْتَمِعَةٍ مِنْ الْقُرْءِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَكَذَلِكَ التِّلَاوَةُ لِأَنَّهَا كَوْنُ الشَّيْءِ تَالِيًا لِآخَرَ أَيْ تَابِعًا لَهُ فَأَلْفَاظُ الْقُرْآنِ الْمَتْلُوَّةُ الْمَقْرُوءَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُسَمَّيَاتِ حُرُوفِ

عذاب القبر

الْهِجَاءِ وَهِيَ حُرُوفُ الْمَبَانِي الَّتِي تُبْنَى مِنْهَا الْكَلِمَاتُ أَيْ تُرَكَّبُ ثُمَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ قَدْ تَكُونُ أَسْمَاءً لِتِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمُفْتَتَحِ بِهَا أَوَائِلُ السُّوَرِ فَإِنَّ نُونًا مَثَلًا اسْمُ نُونٍ وَصَادًا اسْمُ صَادٍ، وَلِذَلِكَ تُرْسَمُ بِالْمُسَمَّيَاتِ وَتُقْرَأُ بِالْأَسْمَاءِ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُقْرَأُ الْمُسَمَّيَاتُ نَفْسُهَا كَمَا يَقَعُ فِي بَاءِ الْجَرِّ وَوَاوِ الْعَطْفِ فَإِنَّهُ يُعْطَفُ بِنَفْسِ حَرْفِ الْمَعْنَى لَا بِاسْمِهِ فَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ هَذَا الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ فَلْيُفْصِحْ عَنْهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْجَوَابَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِجَمِيعِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَعْدَادَ الْمَسْرُودَةَ وَالنِّعَمَ الْأُخْرَوِيَّةَ وَعَذَابَ الْكُفَّارِ الدَّائِمَ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ لَا نِهَايَةَ لَهَا. فَإِنْ قُلْتُمْ يَعْلَمُهَا تَفْصِيلًا لَزِمَ أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا وَإِنْ قُلْتُمْ يَعْلَمُهَا إجْمَالًا لَزِمَ الْجَهْلُ بِتَفْصِيلِهَا وَهُوَ عَلَيْهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا لَزِمَ الْجَهْلُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَهُوَ عَلَيْهِ تَعَالَى مُحَالٌ اكْشِفُوا لَنَا اللِّثَامَ عَنْ هَذَا الْمَرَامِ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا؛ تَوَقُّفُ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ عَلَى التَّنَاهِي إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْعِلْمِ الْحَادِثِ فَقَطْ لِضِيقِ دَائِرَتِهِ وَقِصَرِ تَعَلُّقِهِ. وَأَمَّا الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فَتَعَلُّقُهُ عَامٌّ لَا يَتَنَاهَى فَيَتَعَلَّقُ تَفْصِيلًا بِمَا لَا يَتَنَاهَى، فَإِنْ قِيلَ مَا كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ الَّذِي تَعَلُّقُهُ لَا يَتَنَاهَى؟ فَجَوَابُهُ الْبَحْثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ عِلْمِهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ وَلَا تَسَعُهُ الْعُقُولُ بَلْ نَقُولُ يَعْلَمُ بِلَا كَيْفٍ كَمَا نَقُولُ مَوْجُودٌ بِلَا كَيْفٍ وَمَنْ يُؤْمِنُ بِمَوْجُودٍ بِلَا مَكَان وَلَا زَمَانٍ وَلَا أَوَّلٍ وَلَا آخِرٍ لَا يَسْتَبْعِدُ مِنْهُ عِلْمًا تَفْصِيلِيًّا بِمَا لَا يَتَنَاهَى سُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [عَذَاب الْقَبْر] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي اعْتِقَادِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ بِالنَّارِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا النَّارَ عِيَانًا فِي الْقَبْرِ فَهَلْ مَا يَزْعُمُونَهُ صَحِيحٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأُجِيبَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ اعْتِقَادُهُمْ صَحِيحٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] وَالْأَحَادِيثُ بَلَغَتْ جُمْلَتُهَا التَّوَاتُرَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا ذَلِكَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَقْلًا وَوَرَدَ بِوُقُوعِهِ الشَّرْعُ وَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ وَمَا يَزْعُمُونَهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ نَادِرٌ جِدًّا فَفِي مُخْتَصَرِ تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ لِلشَّعْرَانِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَلَجْلَجُ فِي مَسْأَلَتِهِ إذَا كَانَتْ عَقِيدَتُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى مُخْتَلِفَةً فَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ بِقَوْلِهِ اللَّهُ رَبِّي وَيَأْخُذُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً يَشْتَعِلُ عَلَيْهِ بِهَا قَبْرُهُ نَارًا ثُمَّ تُطْفَأُ عَنْهُ أَيَّامًا ثُمَّ تُشْعَلُ أَيَّامًا هَذَا دَأْبُهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِقَوْلِهِ وَالْإِسْلَامُ

دِينِي لِشَكٍّ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ فِتْنَةٍ حَصَلَتْ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَيَشْتَعِلُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ نَارًا كَالْأَوَّلِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِقَوْلِهِ وَالْقُرْآنُ إمَامِي لِأَنَّهُ كَانَ يَتْلُوهُ وَلَا يَتَّعِظُ بِهِ وَلَا يَأْتَمِرُ بِأَوَامِرِهِ وَلَا يَنْتَهِي بِنَوَاهِيهِ فَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْأَوَّلَيْنِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَمَلُهُ جَرْوًا يُعَذَّبُ بِهِ فِي قَبْرِهِ عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَمَلُهُ خِنْزِيرًا أَيْ جَرْوَ خِنْزِيرٍ كَمَا وَرَدَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الْكَعْبَةُ قِبْلَتِي لِقِلَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ أَوْ فَسَادٍ فِي وُضُوئِهِ أَوْ الْتِفَاتٍ فِي صَلَاتِهِ أَوْ نَقْصٍ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِقَوْلِهِ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ أَبِي لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَتَوَهَّمَ ذَلِكَ وَنَسِيَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67] فَيَفْعَلُ بِهِ مَا فَعَلَ بِالْأَوَّلِينَ مِنْ ضَرْبِهِ ضَرْبَةً يَشْتَعِلُ بِهَا قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا، وَأَمَّا الْفَاجِرُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ لَا دَرَيْتَ وَلَا عَرَفْتَ ثُمَّ يَضْرِبَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَامِعِ حَتَّى يَتَخَلْخَلَ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ثُمَّ تَنْفُضُهُ الْأَرْضُ فِي قَبْرِهِ ثُمَّ يَضْرِبَانِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ: وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي السُّؤَالِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ بَعْضِ الْأُمُورِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ بَعْضٍ آخَرَ كَمَا تَخْتَلِفُ الْأَحْوَالُ عَلَى النَّاسِ فِي الْعَذَابِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَمَلُهُ كَلْبًا يَنْهَشُهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَهُمْ الْخَوَارِجُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَمَلُهُ خِنْزِيرًا يُعَذَّبُ بِهِ وَهُمْ الْمُرْتَابُونَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا كَانَ يَخَافُهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَانَ يَخَافُ مِنْ الْجَرْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخَافُ مِنْ الْأَسَدِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْإِخْوَانُ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ حَقٌّ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْخُذُ بِأَبْصَارِ الْخَلَائِقِ وَأَسْمَاعِهِمْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَنْ رُؤْيَةِ عَذَابِهِ وَنَعِيمِهِ لِحِكْمَةٍ إلَهِيَّةٍ وَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مُلْحِدٌ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ أَحْوَالَ أَهْلِ الْمَقَابِرِ عَلَى خِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَلَوْلَا خَبَرُ الصَّادِقِ الْمُصَدَّقِ عَلَى ذَلِكَ مَا عَرَفْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْقُبُورِ وَلَا عَرَفْنَا الْمُنَعَّمَ وَالْمُعَذَّبَ، ثُمَّ قَالَ وَرَوَى الْحَافِظُ الْوَائِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ «بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ بِجَبَّانَاتِ بَدْرٍ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْأَرْضِ فِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ يَمْسِكُ طَرَفَهَا أَسْوَدُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا أَدْرِي أَعَرِفَ اسْمِي أَوْ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ لِأَخِيهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ فَقَالَ لِي الْأَسْوَدُ لَا تَسْقِهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ ثُمَّ اجْتَذَبَهُ فَدَخَلَ الْأَرْضَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَقَالَ أَوَقَدْ رَأَيْته ذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ ابْنُ هِشَامٍ وَهُوَ عَذَابُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ قَالَ وَكَانَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ يَقُولُ لَا يَسْمَعُ

التفضيل بين النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن العزيز

عَذَابَ الْمَوْتَى إلَّا مَنْ اتَّصَفَ بِكِتْمَانِ الْأَسْرَارِ كَالْبَهَائِمِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَالَمِ التَّعْبِيرِ عَمَّا تَرَى أَمَّا مَنْ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا رَأَى فَلَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَتَمَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إلَّا لِحِكْمَةٍ إلَهِيَّةٍ كَمَا أَشَارَ الْحَدِيثُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ» . وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْخَوْفِ عِنْدَ سَمَاعِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمَنْ يُطِيقُ سَمَاعَ عَذَابِ اللَّهِ فِي الْقَبْرِ مِنْ أَمْثَالِنَا فِي هَذِهِ الدَّارِ مَعَ ضَعْفِنَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ مَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ سَمَاعِ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَالزَّلَازِلِ الْهَائِلَةِ وَهِيَ دُونَ صَيْحَةِ الْمَلَكِ عَلَى الْمَيِّتِ بِيَقِينٍ. وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْ سَمِعَ أَحَدُكُمْ ضَرْبَةَ الْمَلَكِ لِلْمَيِّتِ بِمَفَاتِيحَ مِنْ حَدِيدٍ لَمَاتَ» نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ انْتَهَى. [التَّفْضِيلِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِأَفْضَلِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ خَلْقِ اللَّهِ؛ الْأَسْلَمُ عَدَمُ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ الْخَوْضُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ خُلُوُّ الذِّهْنِ عَنْهُ وَإِنْ خَاضَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَسُّكًا بِمَا يُرْوَى مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ حَرْفٍ خَيْرٌ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» وَرَدَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقِ الثُّبُوتِ كَمَا فِي الْكُرْدِيِّ عَلَى الْبُرْدَةِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ الْبُوصِيرِيِّ فِي الْبُرْدَةِ: لَوْ نَاسَبَتْ قَدْرَهُ آيَاتُهُ عِظَمًا ... أَحْيَا اسْمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ آيَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَقَامِهِ فِي الْعِظَمِ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا الْقُرْآنُ وَقَدْ قَالَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْبُرْدَةِ آيَاتُ حَقٍّ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثَةٌ وَقَالَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ كُلِّهِمْ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا فِعْلُ الْقَارِئِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الْقَارِئِ وَجَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَالْأَسْلَمُ الْوَقْفُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الَّذِي لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ الْخَوْضُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ خُلُوُّ الذِّهْنِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَّنْ يَذْكُرُ بِصِيغَةِ اللَّهِ اللَّهَ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِثْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَهَلْ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا الْجَهَلَةُ وَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ كُلُّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً أَوْ اسْمِيَّةً وَهُوَ

تفضيل القرآن على التوراة والإنجيل

مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَذْكَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ دُونَ الْأَغْبِيَاءِ الْجَاهِلِينَ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (وَسُئِلَ) الْبُلْقِينِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ يَذْكُرُونَ وَفِي الْأَثْنَاءِ يَقُولُونَ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ وَيُكَرِّرُونَ الِاسْمَ الشَّرِيفَ وَفِي آخِرِهِ يَقُولُونَ مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ فَهَلْ ذَلِكَ ذِكْرٌ يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ وَهَلْ فِيهِ إسَاءَةُ أَدَبٍ وَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ آيَةٌ وَلَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ وَلَا عَنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ وَلَا ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَلَا يُؤْجَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُبْتَدِعُونَ شَيْئًا قَدْ يَقَعُونَ فِي إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مُحَمَّدٌ مُمَجَّدٌ مُعَظَّمٌ فَهَذَا لَيْسَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ إخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مَطْلُوبًا وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] وَمَا طَلَبَهُ مِنْ الْأَدَبِ مِنْهُمْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مُحَمَّدٌ مُمَجَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَكْرِيرِ الِاسْمِ الشَّرِيفِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَامَّةِ صَلُّوا عَلَى مُحَمَّدٍ اهـ. [تَفْضِيل الْقُرْآن عَلَى التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ] (وَسُئِلَ) الْحَافِظُ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْمٍ تَجَادَلُوا وَقَالُوا إنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ وَالْكُلُّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى؟ (فَأَجَابَ) بِأَنْ قَالَ أَمَّا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ فَوَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي الْعِبَارَاتِ عَنْهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعِبَارَةَ عَنْ الْحُكْمِ الرَّافِعِ تَتَّصِفُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى الْعِبَارَةِ عَنْ الْحُكْمِ الْمَرْفُوعِ قَدْ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِ الْآيِ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَعْظَمُ مِنْ آيَاتِ الْأَحْكَامِ وَالْقَصَصِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ حِينَ قَالَ أَيُّمَا آيَةٍ أَعْظَمُ فِي الْقُرْآنِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ وَوَرَدَ فِي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] أَنَّهَا ثُلُثُ الْقُرْآنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ الَّذِي يُعْطِيه اللَّهُ عَلَى بَعْضِ الْآيِ أَكْثَرَ فَهِيَ ثُلُثٌ فِي الْفَضِيلَةِ عَلَى أَنَّ الْكُتُبَ الْمَنْسُوخَةَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِيهَا فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَا تَجِبُ تِلَاوَةٌ وَيُثَابُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ اهـ مِنْ الْمِعْيَارِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ هَلْ ذَلِكَ عَنْ نَصٍّ صَرِيحٍ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ الْمَرْئِيُّ لَنَا حَقِيقَةُ تِلْكَ السَّمَاءِ مَعَ بُعْدِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ أَمْ شَيْءٌ آخَرُ وَهَلْ سَمَاءُ الدُّنْيَا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ وَعَلَى أَيِّ لَوْنٍ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَلَّى أَهْلَ السُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِتَوْحِيدِهِ وَشَرَّفَهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ بِتَصْدِيقِ أَشْرَفِ عَبِيدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَقَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَسَافَةُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ قَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ فِي الْهَيْئَةِ السَّنِيَّةِ أَخْرَجَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» ثُمَّ قَالَ وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ» ثُمَّ قَالَ وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُصَرَّحَةً بِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَجَّلَ لِمَنْ شَكَّ فِيمَا قَالُوهُ أَوْ كَذَّبَ بِهِ خِزْيَ الدُّنْيَا وَشَدَّدَ عَلَيْهِ عَذَابَ الْآخِرَةِ بِعَدْلِهِ، وَالْمَرْئِيُّ لَنَا حَقِيقَةُ تِلْكَ السَّمَاءِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] بَلْ نَرَى حَقِيقَةَ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا بِأَضْعَافٍ كَزُحَلٍ فَإِنَّهُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَسُمْكُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي الْهَيْئَةِ السَّنِيَّةِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بُرَّةَ قَالَ لَيْسَتْ السَّمَاءُ مُرَبَّعَةً وَلَكِنَّهَا مَقْبُوَّةٌ يَرَاهَا النَّاسُ خَضْرَاءَ انْتَهَى فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُصَرَّحٌ بِأَنَّ الْمَرْئِيَّ لَنَا حَقِيقَةُ تِلْكَ السَّمَاءِ وَالنَّوْعُ الَّذِي خُلِقَتْ مِنْهُ السَّمَاءُ الدُّنْيَا الدُّخَانُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقُرْآنُ وَصَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي الْهَيْئَةِ السَّنِيَّةِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنْ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ فَسَمَا عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ وَذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَنَفَّسَ فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَوَاتٍ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. ثُمَّ قَالَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ السَّمَاءُ قَالَ هَذِهِ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ عَنْكُمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ

وقت ظهور المهدي

وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ السَّمَاءُ الدُّنْيَا مَوْجٌ مَكْفُوفٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي الْجَلْدِ يَسْأَلُهُ عَنْ السَّمَاءِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هِيَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنَّ السَّمَاءَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حَبَّةَ الْعَوْنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَحْلِفُ وَاَلَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ مِنْ دُخَانٍ وَمَاءٍ انْتَهَى وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا لَوْنُهَا فَهُوَ الْبَيَاضُ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي الْهَيْئَةِ السَّنِيَّةِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ السَّمَاءُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ صَخْرَةٌ تَحْتَ الْأَرَضِينَ بَلَغَنَا أَنَّ تِلْكَ الصَّخْرَةَ مِنْهَا خُضْرَةُ السَّمَاءِ انْتَهَى. فَهَذِهِ أَحَادِيثُ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ شَكَّ فِيهَا أَوْ كَذَّبَهَا فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ سَابٌّ يُقْتَلُ، وَلَوْ تَابَ. وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَيَجُوزُ حَرْقُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [وَقْت ظهور المهدي] (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ) مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَظْهَرُ الْمَهْدِيُّ وَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ مَرَّ بِمَقْبَرَةٍ فَسَمِعَ صَرِيخَ مَيِّتٍ هَلْ يُصَدَّقُ أَمْ لَا وَمَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ وَجَدَ شَيْئًا يُضِيءُ فِي مِيضَأَةِ جَامِعٍ فَأَخَذَهُ وَرَبَطَهُ بِكُمِّهِ ثُمَّ فَتَحَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ كَالْقَمْحَةِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَذَابَ أَجِيبُوا لَنَا عَلَى إيضَاحِ هَذِهِ الْأُمُورِ. (فَأَجَابَهُ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يَصِحَّ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ خَبَرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَسَمَاعُ صَرِيخٍ بَعْضِ الْأَمْوَاتِ عَلَى خَرْقِ الْعَادَةِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ لَا يَلْزَمُنَا تَصْدِيقُهُ وَلَا تَكْذِيبُهُ وَكَذَلِكَ مَا وَجَدَهُ الرَّجُلُ فِي الْمِيضَأَةِ شَيْءٌ لَا يَعْنِينَا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِفْتَاءِ فِي هَذَا، وَاَللَّهُ اعْلَمْ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الرِّيحِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هَلْ يَتَجَسَّمُ أَوْ لَا وَمِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْآدَمِيَّ إذَا غَرِقَ فِي الْبَحْرِ يَمُوتُ وَالْبَحْرِيُّ إذَا خَرَجَ إلَى الْبَرِّ مَاتَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ الرِّيحُ الْمُسَخَّرُ جِسْمٌ مَحْسُوسٌ يُسَيِّرُ السُّفُنَ وَيَهْدِمُ الْبُنْيَانَ وَيَقْلَعُ الْأَشْجَارَ لَكِنَّهُ لِلَطَافَتِهِ لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَيُرْسِلُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى شَاءَ {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الروم: 48] وَأَصْلُهُ الْهَوَاءُ الَّذِي مَلَأ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ لَهُ أَسْبَابٌ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهَا ثِقَلُ السَّحَابِ وَمِنْهَا تَزَاحُمُ السَّحَابِ فَيَدْفَعُ الْكَثِيفَ الرَّقِيقَ وَمِنْهَا زِيَادَةُ مِقْدَارِهِ فَيَدْفَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَمِنْهَا تَكَاثُفُهُ وَمِنْهَا بَرْدُ الدُّخَانِ الْمُتَصَعِّدِ إلَى الطَّبَقَةِ الزَّمْهَرِيرِيَّة وَنُزُولُهُ وَالْآدَمِيُّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَنَفِّسَةِ فَدَوَامُ حَيَاتِهِ بِانْتِشَاقِ الْهَوَاءِ فَإِذَا غَرِقَ فِي الْمَاءِ عُدِمَ الْهَوَاءُ الَّذِي بِهِ دَوَامُ حَيَاتِهِ فَمَاتَ وَالسَّمَكُ غَيْرُ مُتَنَفِّسٍ فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْبَرِّ تَكَاثَرَ عَلَيْهِ الْهَوَاءُ الْمُضَادُّ لِطَبْعِهِ فَمَاتَ، وَاَللَّهُ اعْلَمْ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَنَّ وَاضِعَ عِلْمِ التَّوْحِيدِ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ مَالِكِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ وَاضِعُهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ آيَاتٍ كَثِيرَةً مُبَيِّنَةً لِلْعَقَائِدِ وَبَرَاهِينِهَا وَمِمَّنْ دَوَّنَ فِيهِ قَبْلَ الْإِمَامِ الْأَشْعَرِيِّ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ الْعَلَّامَةُ الْيُوسِيُّ فِي قَانُونِهِ وَأَمَّا وَاضِعُهُ أَيْ عِلْمِ الْكَلَامِ فَقِيلَ هُوَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَوَّنَ هَذَا الْعِلْمَ وَهَذَّبَ مَطَالِبَهُ وَنَقَّحَ مَشَارِبَهُ فَهُوَ إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ مُدَافِعٍ وَلَكِنْ عَدُّهُ وَاضِعًا غَيْرُ بَيِّنٍ فَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَهُ وَكَانَتْ لَهُ عُلَمَاءُ يَخُوضُونَ فِيهِ كَالْقَلَانِسِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِلَابٍ وَكَانُوا قَبْلَ الشَّيْخِ يُسَمَّوْنَ بِالْمُثْبِتَةِ لِإِثْبَاتِهِمْ مَا نَفَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَيْضًا عِلْمُ الْكَلَامِ كَمَا مَرَّ صَادِقٌ بِقَوْلِ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ وَالشَّيْخُ كَانَ يَدْرُسُهُ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ وَقِصَّتُهُ مَعْلُومَةٌ فَكَيْفَ يَكُونُ وَاضِعًا وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عِلْمٌ قُرْآنِيٌّ لِأَنَّهُ مَبْسُوطٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الْعَقَائِدِ، وَذِكْرِ النُّبُوَّاتِ وَذِكْرِ السَّمْعِيَّاتِ وَذَلِكَ مَجْمُوعُهُ مَعَ ذِكْرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِخَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالنُّفُوسِ وَغَيْرِهَا وَالْإِشَارَةُ إلَى مَذَاهِبِ الْمُبْطِلِينَ كَالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَثْنِيَّةِ والطبائعيين وَإِنْكَارُ هَذَا عَلَيْهِمْ. وَالْجَوَابُ عَنْ شُبَهِ الْمُبْطِلِينَ الْمُنْكِرِينَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إمْكَانًا أَوْ وُجُودًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] وقَوْله تَعَالَى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا} [يس: 80] وَذَكَرَ حُجَجَ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إقْرَارًا لَهَا، وَحِكَمَ لُقْمَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَإِبْطَالِهِ اعْتِقَادَ الْأَعْرَابِ فِي الْأَنْوَاءِ وَفِي الْعَدْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَلُمَّ جَرًّا وَهَذَا إذَا اُعْتُبِرَ الْكَلَامُ مَعْزُولًا عَنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَأَمَّا إنْ اعْتَبَرُوا الْعِلْمَ الْإِلَهِيَّ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ فِي الْمِلَّةِ بَعْدَ تَنْقِيحِهِ بِإِبْطَالِ الْبَاطِلِ وَتَصْحِيحٍ الصَّحِيحِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ وَضْعَهُ قَدِيمٌ انْتَهَى كَلَامُ الْيُوسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ قَالَ يَعْنِي الْيُوسِيَّ وَاشْتَهَرَ أَنَّهُ وَاضِعُ هَذَا الْفَنِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَكَلَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيهِ وَابْنُهُ وَأَلَّفَ مَالِكٌ رِسَالَةً قَبْلَ أَنْ يُولَدَ الْأَشْعَرِيُّ نَعَمْ هُوَ اعْتَنَى بِهِ كَثِيرًا وَكَانَ يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّ مَالِكِيًّا وَكَذَا نَقَلَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ عَقِيدَتِهِ عَنْ عِيَاضٍ وَنَقَلَ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ شَافِعِيٌّ انْتَهَى فَفِي كَوْنِهِ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا خِلَافٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْغُنَيْمِيُّ عَلَى شَرْحِ السُّنُوسِيُّ عَلَى الصُّغْرَى مَوْلِدُ الْأَشْعَرِيِّ سَنَةَ سَبْعِينَ وَقِيلَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ وَدُفِنَ بَيْنَ الْكَرْخِ وَالْبَصْرَةِ انْتَهَى.

حياة الأنبياء والشهداء في قبورهم

[حياة الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ فِي قُبُورِهِمْ] مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشُّهَدَاءِ هَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ وَيَنْكِحُونَ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ الْأَوْلِيَاءُ كَذَلِكَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ؛ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ لَكِنْ لَا عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَلْ عَلَى كَيْفِيَّةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا حَدِيثٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَالْأَوْلِيَاءُ كَذَلِكَ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ السَّلَامِ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ وَالِدِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَفَ شَهِيدَ الْحَرْبِ بِالْحَيَاةِ أَيْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ اتِّصَافِ هَيْكَلِ شَهِيدِ الْحَرْبِ بِالْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] وَأَنَّ حَيَاتَهُمْ حَقِيقِيَّةٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كَمَا تُرْزَقُ الْأَحْيَاءُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْجُزُولِيُّ وَحَيَاتُهُمْ غَيْرُ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ لَكِنْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ وَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِي كَيْفِيَّتِهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَالْحَيَاةُ كَيْفِيَّةٌ يَلْزَمُهَا الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ أَوْ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْعِلْمَ وَقَوْلُنَا اتِّصَافُ هَيْكَلٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ مِنْ اتِّصَافِ الذَّاتِ وَالرُّوحِ جَمِيعًا وَالْمُرَادُ بِشَهِيدِ الْحَرْبِ الْمُؤْمِنُ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ مُفَارَقَةِ سَبَبٍ مُؤْثِمٍ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَقْتُولٍ عَلَى الْحَقِّ كَالْمَجْرُوحِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ مَعَ مُقَارَفَةِ سَبَبٍ مُؤْثِمٍ كَمَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ فَلَهُ حُكْمُ شَهِيدِ الدُّنْيَا لَا ثَوَابُهُمْ الْكَامِلُ وَأَمَّا الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَالْأَوَّلِ فِي الثَّوَابِ لَكِنَّهُ دُونَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ وَأَحْكَامِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الشَّهِيدَ ثَلَاثَةٌ شَهِيدُ دُنْيَا وَآخِرَةٍ وَشَهِيدُ دُنْيَا فَقَطْ وَشَهِيدُ آخِرَةٍ فَقَطْ وَهَذَا الثَّالِثُ خَرَجَ بِقَوْلِ النَّاظِمِ: وَصْفُ شَهِيدِ الْحَرْبِ بَعْدَ شُمُولِهِ الْأَوَّلِينَ وَإِرَادَةُ الْغَنِيمَةِ أَوْ الْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الشَّهَادَةِ وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ وَرُوحُهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ أَيْ دَخَلَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُهَا إلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ انْتَهَى. قَالَ مِحَشَّيْهِ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ هَيْكَلٍ هُوَ الشَّخْصُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الرُّوحِ وَالْجِسْمِ كَمَا سَيَقُولُ الشَّارِحُ قَوْلُهُ الْكَامِلَةُ مَعْنَى كَمَالِهَا: تَعَلُّقُهَا بِكُلٍّ مِنْ الرُّوحِ

وَالْجَسَدِ عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَيَقُولُ قَوْلُهُ وَاللِّبَاسُ عَلَى وَجْهٍ مُغَيَّبٍ يَعْلَمُهُ الْمَوْلَى - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَقَامُ مَقَامُ تَسْلِيمٍ وَتَفْوِيضٍ، قَوْلُهُ " وَمِثْلُهُ كُلُّ مَقْتُولٍ. . . إلَخْ " شَيْخُنَا ظَاهِرُ النُّصُوصِ قَصْرُهُ عَلَى مُقَاتِلِ الْحَرْبَيْنِ قَوْلُهُ شُمُولُهُ لِلْأَوَّلَيْنِ يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمُوَافِقُ لِلنُّصُوصِ مَا سَبَقَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِبْرِيزِ فِي أَجْزَاءِ الرِّسَالَةِ السَّابِعُ أَنْ يَحْيَا حَيَاةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ ذَاتِ الرَّسُولِ تُسْقَى بِمَا تُسْقَى بِهِ ذَوَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إيَّاهَا بِذَوَاتِهِمْ بِمَثَابَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الدَّارَ دَارَانِ: دَارُ الْفَنَاءِ وَفِيهَا قِسْمَانِ مَا هُوَ نُورَانِيٌّ وَمَا هُوَ ظَلْمَانِيٌّ، وَدَارُ الْبَقَاءِ فِيهَا قِسْمَانِ مَا هُوَ نُورَانِيٌّ وَهُوَ الْجَنَّةُ وَمَا هُوَ ظَلْمَانِيٌّ وَهُوَ النَّارُ وَإِذَا زَالَ الْحِجَابُ أُمَدَّ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ دَارِ الْبَقَاءِ مَا يُوَافِقُهُ مِنْ دَارِ الْفَنَاءِ فَيَمُدُّ النُّورَانِيُّ النُّورَانِيَّ، وَالظَّلْمَانِيُّ الظَّلْمَانِيَّ ثُمَّ زَوَالُ الْحِجَابِ مُخْتَلِفٌ فَفِي حَقِّ الرُّسُلِ سَابِقٌ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَهُمْ فَوْقَ كُلِّ نُورَانِيٍّ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَوَقَعَ لِذَوَاتِهِمْ الِاسْتِمْدَادُ مِنْ نُورَانِيِّ دَارِ الْبَقَاءِ الَّذِي هُوَ الْجَنَّةُ، وَأَمَّا غَالِبُ الْخَلْقِ فَإِنَّ زَوَالَ الْحِجَابِ إنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقَعُ لَهُمْ الِاسْتِمْدَادُ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ اسْتَمَدَّ مِنْ أَنْوَارِ الْجَنَّةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الطُّغْيَانِ اسْتَمَدَّ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ - أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا - وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِمْدَادُ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ الْحِجَابِ وَقَدْ زَالَ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا فَكَانُوا أَحْيَاءً كَحَيَاةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اهـ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَمَا بَالُك بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَانْتِقَالِهِمْ لِلرَّفِيقِ الْأَعْلَى قَالَ فِي الْإِبْرِيزِ: وَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كُنْت أَتَكَلَّفُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ فَوَقَفَ عَلَيَّ مَنَامًا فَقَالَ لِي إنَّ ذَاتِي لَيْسَتْ بِمَحْجُوبَةٍ فِي الْقَبْرِ بَلْ هِيَ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ عَامِرَةٌ لَهُ وَمَالِئَةٌ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَطْلُبُنِي تَجِدُنِي حَتَّى إنَّكَ إذَا قُمْتَ إلَى سَارِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّلْتَ بِي إلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَكُونُ مَعَكَ حِينَئِذٍ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ فَقَالَ وَأَنَا فِيهِ بِأَجْمَعِهِ فَحَيْثُمَا طَلَبْتَنِي وَجَدْتنِي وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنِّي أَنَا رَبُّكَ فَإِنَّ رَبَّكَ - عَزَّ وَجَلَّ - غَيْرُ مَحْصُورٍ فِي الْعَالَمِ وَأَنَا مَحْصُورٌ فِيهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِبْرِيزِ قَالَ وَيَحْضُرُهُ يَعْنِي الدِّيوَانَ بَعْضُ الْكُمَّلِ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَيَكُونُونَ فِي الصُّفُوفِ مَعَ الْأَحْيَاءِ وَيَتَمَيَّزُونَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ زِيَّهُمْ لَا يَتَبَدَّلُ بِخِلَافِ زِيِّ الْحَيِّ وَهَيْئَتِهِ فَمَرَّةً يَحْلِقُ شَعْرَهُ وَمَرَّةً يُجَدِّدُ ثَوْبَهُ وَهَكَذَا وَأَمَّا الْمَوْتَى فَلَا تُبَدَّلُ حَالَتُهُمْ فَإِذَا رَأَيْتَ فِي الدِّيوَانِ رَجُلًا عَلَى زِيٍّ لَا يَتَبَدَّلُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ الْمَوْتَى كَأَنْ تَرَاهُ مَحْلُوقَ الشَّعْرِ وَلَا يَنْبُتُ لَهُ شَعْرٌ فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مَاتَ وَإِنْ رَأَيْتَ الشَّعْرَ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى حَالَةٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يُحْلَقُ فَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ مَيِّتٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثَانِيهَا أَنَّهُ لَا تَقَعُ مَعَهُمْ مُشَاوَرَةٌ فِي أُمُورِ الْأَحْيَاءِ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُمْ فِيهَا وَقَدْ انْتَقَلُوا إلَى عَالَمٍ آخَرَ فِي غَايَةِ الْمُبَايَنَةِ لِعَالَمِ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا تَقَعُ مَعَهُمْ الْمُشَاوَرَةُ فِي أُمُورِ عَالَمِ الْأَمْوَاتِ. ثَالِثُهَا: أَنَّ ذَاتَ الْمَيِّتِ لَا ظِلَّ لَهَا فَإِذَا وَقَفَ الْمَيِّتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَإِنَّكَ لَا تَرَى

لَهُ ظِلًّا وَسِرُّهُ أَنَّهُ يَحْضُرُ بِذَاتِ رُوحِهِ لَا بِذَاتِهِ التُّرَابِيَّةِ وَذَاتُ الرُّوحِ خَفِيفَةٌ لَا ثَقِيلَةٌ وَشَفَّافَةٌ لَا كَثِيفَةٌ قَالَ وَالْأَمْوَاتُ الْحَاضِرُونَ فِي الدِّيوَانِ يَنْزِلُونَ إلَيْهِ مِنْ الْبَرْزَخِ يَطِيرُونَ بِطَيَرَانِ الرُّوحِ فَإِذَا قَرُبُوا مِنْ مَوْضِعِ الدِّيوَانِ نَزَلُوا إلَى الْأَرْض وَمَشَوْا عَلَى أَرْجُلِهِمْ إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى الدِّيوَانِ تَأَدُّبًا مَعَ الْأَحْيَاءِ وَخَوْفًا مِنْهُمْ. قَالَ وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَحْضُرُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَحْضُرُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَيَحْضُرُهُ فِيهَا سَيِّدُ الْوُجُودِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجُهُ الطَّاهِرَاتُ وَأَكَابِرُ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِي هِدَايَةِ الْمُرِيدِ: قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً أَجْزَاءَ الشَّهِيدِ وَيُحْيِيهَا فَتَنْعَمُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَيَاةُ لِلرُّوحِ لَا لِلْجَسَدِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْجُزُولِيُّ: إنَّ حَيَاةَ الشُّهَدَاءِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ وَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِي كَيْفِيَّتِهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ اهـ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ حَيَاةَ الشُّهَدَاءِ لَيْسَتْ بِالْجَسَدِ. وَقَالَ ابْنُ عَادِلٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَيَاتَهُمْ بِالْجَسَدِ وَإِنْ لَمْ نُشَاهِدْ الْجَسَدَ حَيًّا، فَإِنَّ حَيَاةَ الرُّوحِ ثَابِتَةٌ لِجَمِيعِ الْأَمْوَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَيَاةُ الشُّهَدَاءِ إلَّا بِهَا لَاسْتَوَوْا هُمْ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ إلَى مَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ ثُمَّ قَالَ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّتِهِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَبْلُونَ مَعَ أَنَّا نَعْتَقِدُ ثُبُوتَ الْإِدْرَاكَاتِ كَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ لِسَائِرِ الْمَوْتَى وَنَقْطَعُ بِعَوْدِ حَيَاةِ كُلِّ مَيِّتٍ فِي قَبْرِهِ وَبِنَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وَهُمَا مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْحَيَاةِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبِنْيَةِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْحَيَاةِ فِي الْأَنْبِيَاءِ فَمُقْتَضَاهَا أَنَّهَا مَعَ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ النُّفُوذِ فِي الْعَالَمِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْعَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ. وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُكْمِ الرِّسَالَةِ الْآنَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ أَصْلِ الشَّيْءِ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ الْآنَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَدُلُّ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي السَّمَوَاتِ هَلْ هِيَ دَائِرَةٌ بِالْأَرْضِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَسَبَقَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا مَقْبُوَّةٌ عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ دَائِرَةً بِهَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ هَلْ يَدْخُلُونَهَا قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَدْخُلُونَهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ السَّلَامِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ هُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُبْعَثُ وَأَوَّلُ وَارِدِ الْمَحْشَرِ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ اهـ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ نَبِيُّنَا وَرَدَ ثُمَّ نُوحٌ وَوَرَدَ أَيْضًا ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، قَوْلُهُ " أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ " حَكَى لَنَا شَيْخُنَا اتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ قَالَ أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَأَجَابَ بِأَنِّي مِنْ أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَمْشُونَ فِي خِدْمَتِهِ أَمَامَهُ كَالسُّعَاةِ فَقَوْلُهُمْ " أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَعْنَاهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ اسْتِقْلَالًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَدَبَ شَيْءٌ آخَرُ إلَّا لِغَرَضٍ حَسَنٍ. وَفِي أَوَائِلِ مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ فِي بَيَانِ الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَوَاخِرُ عَهْدِ دَوَامِ الْوُضُوءِ مَا نَصُّهُ: " رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَا بِلَالُ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ إنِّي دَخَلْت الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا» وَمَعْنَى خَشْخَشَتْكَ أَمَامِي أَيْ رَأَيْتُك مُطْرِقًا بَيْنَ يَدِي كَالْمُطْرِقِينَ بَيْنَ يَدِي مُلُوكِ الدُّنْيَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ فِي نُزْهَةِ الْأَرْوَاحِ فِي بَعْضِ أَوْصَافِ الْجَنَّةِ دَارِ الْأَفْرَاحِ الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَفِي سَبْقِ الْفُقَرَاءِ لِدُخُولِهَا قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ وَفِيمَنْ يَدْخُلُهَا بِلَا حِسَابٍ: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِك أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْدَمُ بَابَ الْجَنَّةِ» . فَإِنْ قُلْتُ هَذَا يُنَافِيه عِدَّةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْحِسَابِ فَهُمْ أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ الثَّانِي أَنَّهُ وَرَدَ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ فَمَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَقَالَ بِلَالٌ: مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إلَّا تَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا» كَمَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. الثَّالِثُ مَا وَرَدَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَقْدُمُ بَابَ الْجَنَّةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيه. الرَّابِعُ مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ أَنَا إلَّا أَنَّ

الميزان الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة

امْرَأَةً تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ لَهَا مَا لَكِ أَوْ مَا أَنْتِ فَتَقُولُ أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامِي» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. فَالْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّ الدُّخُولَ النَّبَوِيَّ يَتَعَدَّدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَنَحْوُهُ فِي الْبُخَارِيِّ فَالدُّخُولُ الْأَوَّلُ الثَّابِتُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلِيَّتُهُ حَقِيقِيَّةٌ وَدُخُولُ غَيْرِهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوَّلِيَّتُهُ إضَافِيَّةٌ فَلَا تَعَارُضَ هَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ عَلَى الْمَوَاهِبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ دُخُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَدَّدُ وَالدُّخُولُ الْأَوَّلُ لَا يَتَقَدَّمُهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَيَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ دُخُولُ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ وَرَدَ أَنَّ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ الْجَنَّةَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ فِيهَا الْآنَ وَدُخُولُهُ الْجَنَّةَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى دُخُولِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الدُّخُولَ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَحْضُرُ الْمَوْقِفَ، وَيُسْأَلُ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ذَكَرَهُ الشبراملسي انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَقِيقَةِ الْوِلْدَانِ هَلْ لَهُمْ آبَاءُ وَأُمَّهَاتٌ أَوْ بِقَوْلِ: كُنْ أَوْ مِنْ أَوْلَادِ الدُّنْيَا الصِّغَارِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى الْكُفَّارِ كَمَا يَقُولُونَ؟ أَفِيدُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ: يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ فِي نُزْهَةِ الْأَرْوَاحِ اُخْتُلِفَ فِي هَؤُلَاءِ الْوِلْدَانِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ هُمْ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا حَسَنَةَ لَهُمْ وَلَا سَيِّئَةَ يَكُونُونَ خَدَمًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ يَكُونُونَ خَدَمًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ أَوْلَادٌ أَنْشَأَهُمْ اللَّهُ كَالْحُورِ الْعِينِ خَدَمًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْمِيزَانِ الَّذِي تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْمِيزَانِ الَّذِي تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ ": الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ وَلِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ فَالْجَمْعُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} [الأنبياء: 47] لِلتَّعْظِيمِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ الْوَاحِدِ مَوَازِينُ يُوزَنُ بِكُلٍّ مِنْهَا صِنْفٌ مِنْ عَمَلِهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ " وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ " وَيُلْهَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ مَالَهُ نَظِيرُ مَا سَبَقَ فِي الْحِسَابِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ أَزْوَاجًا وَمَاتَتْ فِي عِصْمَةِ آخِرِهِمْ فَهَلْ تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ لِلَّذِي افْتَضَّهَا أَوْ لِلَّذِي مَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ لِمَنْ كَانَ مُحْسِنًا لَهَا؟ أَفِيدُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ

فِي ذَلِكَ فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ افْتَضَّهَا، وَفِي بَعْضِهَا لِمَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَفِي بَعْضِهَا لِمَنْ كَانَ مُحْسِنًا لَهَا وَفِي بَعْضِهَا تُخَيَّرُ قَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّذْكِرَةِ بَابُ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِكْرًا فِي الدُّنْيَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فِي الْآخِرَةِ، رَوَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ كَثِيرَ الضَّرْبِ لِزَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَضَرَبَهَا يَوْمًا حِينَ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ شَعْرَهَا بِشَعْرِ ضَرَّتِهَا ضَرْبًا شَدِيدًا وَكَانَتْ الضَّرَّةُ أَحْسَنَ أَنْفًا مِنْهَا فَكَانَ الضَّرْبُ بِأَسْمَاءِ أَكْثَرَ فَشَكَتْ إلَى أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ لَهَا أَيْ بُنَيَّةَ اصْبِرِي فَإِنَّ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ زَوْجَكِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ابْتَكَرَ بِالْمَرْأَةِ تَزَوَّجَهَا فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَزْوَاجٍ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تُخَيَّرُ فِي الْأَزْوَاجِ فَأَيَّ زَوْجٍ اخْتَارَتْهُ كَانَتْ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ إنْ جَمَعَنَا اللَّهُ فِيهَا فَلَا تَتَزَوَّجِي أَحَدًا مِنْ بَعْدِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا انْتَهَى. وَخَطَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَأَبَتْ وَقَالَتْ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمَرْأَةُ تَكُونُ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِي الْآخِرَةِ» فَلَا تَتَزَوَّجِي بَعْدِي. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ «أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ يَكُونُ لَهَا الزَّوْجَانِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يَمُوتُونَ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْجَنَّةِ لِأَيِّهِمَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلْآخِرِ، فَقَالَ: تَكُونُ لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّ حَبِيبَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» انْتَهَى. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَجَمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ فِيمَنْ طَلَّقُوهَا وَلَمْ تَمُتْ فِي عِصْمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي وُقُوعِ عَلَقَةٍ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ بِهَا مَعَ انْقِطَاعِهَا فَاتَّجَهَ التَّخْيِيرُ لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِيمَنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُ لِأَنَّ عَلَقَتَهُ بِهَا لَمْ يَقْطَعْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهَا لِمَنْ ابْتَكَرَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا مِنْ الْأَزْوَاجِ حَيْثُ لَمْ يَرْجَحْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْآخَرَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا طَلَّقَهَا الَّذِي ابْتَكَرَهَا وَلَمْ يَرْجَحْ وَاحِدٌ مِنْ الْبَاقِينَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَلِأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا حَيْثُ تَفَاوَتُوا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَكُلُّ هَذَا مَا عَدَا أَزْوَاجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ فَإِنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ بِلَا شَكٍّ انْتَهَى. وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا رَابِعًا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ تَمُتْ فِي عِصْمَةِ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا لَهُ اتِّفَاقًا لِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ نِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْغِينَ بِهِمْ بَدَلًا أَفَادَهُ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ

وقوف الناس بالمحشر

فِي أَجْوِبَتِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [وُقُوف النَّاس بالمحشر] (مَا قَوْلُكُمْ) هَلْ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ يَقِفُونَ فِي الْمَحْشَرِ سَوَاءٌ أَوْ كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا وَمَنْ الْمُقَدَّمِ فِي الْحِسَابِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ؟ أَفِيدُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ آدَم وَأَوْلَادُهُ جَمِيعًا يَقِفُونَ فِي الْمَحْشَرِ سَوَاءً وَمَعَهُمْ الْجِنُّ وَالْوُحُوشُ، وَالْأَنْعَامُ وَالْحَشَرَاتُ وَالْهَوَامُّ وَيُحِيطُ بِالْجَمِيعِ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَهُمْ قَدْرُهُمْ عَشْرَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُحِيطُ بِهِمْ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَهُمْ قَدْرُ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا عِشْرِينَ مَرَّةً ثُمَّ يُحِيطُ بِهِمْ مَلَائِكَةُ الثَّالِثَةِ وَهُمْ قَدْرُ مَلَائِكَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثِينَ مَرَّةً ثُمَّ مَلَائِكَةُ الرَّابِعَةِ، وَهُمْ قَدْرُ مَلَائِكَةِ الثَّالِثَةِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً ثُمَّ مَلَائِكَةُ الْخَامِسَةِ وَهُمْ قَدْرُ مَلَائِكَةِ الرَّابِعَةِ خَمْسِينَ مَرَّةً ثُمَّ مَلَائِكَةُ السَّادِسَةِ وَهُمْ قَدْرُ مَلَائِكَةِ الْخَامِسَةِ سِتِّينَ مَرَّةً ثُمَّ مَلَائِكَةُ السَّابِعَةِ وَهُمْ قَدْرُ مَلَائِكَةِ السَّادِسَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً وَتَتَزَاحَمُ الْخَلَائِقُ وَيَتَدَافَعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكُونَ فَوْقَ الْقَدَمِ أَلْفُ قَدَمٍ وَأُدْنِيَتْ الشَّمْسُ مِنْهُمْ حَتَّى لَوْ مَدَّ أَحَدُهُمْ يَدَهُ لَنَالَهَا وَضُوعِفَ حَرُّهَا عَلَى قَدْرِهِ فِي الدُّنْيَا سَبْعِينَ مَرَّةً وَفَاضَ الْعَرَقُ بِحَيْثُ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهِ السُّفُنُ لَجَرَتْ كَمَا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ: وَفِي فَتَاوَى الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يُحْشَرُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ مُخْتَلِطِينَ أَوْ يَكُونُ كُلُّ جِنْسٍ بِحِدَتِهِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُهُمْ وَالْمُقَدَّمُ فِي الْحِسَابِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «أَوَّلُ الْأُمَمِ حَشْرًا وَحِسَابًا أُمَّتِي يُقَالُ أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ «فَتَفْرِجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الْأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ» قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ هُوَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْخُلُ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَهُ ثُمَّ الْأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ ثُمَّ بَعْدَهُمْ بَقِيَّةُ الْأُمَمِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْجَنَّةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى أَدْخُلَهَا أَنَا وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتِي» أَفَادَهُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [دُخُولِ الْأُمَمِ الْجَنَّةَ هَلْ يَخْتَلِطُونَ أَوْ كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي دُخُولِ الْأُمَمِ الْجَنَّةَ هَلْ يَخْتَلِطُونَ أَوْ كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا أَفِيدُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا فِي حَالِ الدُّخُولِ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ يَتَرَتَّبُونَ وَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فَلَا يَخْتَلِطُونَ فَإِنَّ كُلَّ إنْسَانٍ لَهُ مَنْزِلٌ بَلْ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِمَحْضِ فَضْلِهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا وَسَائِرَ النَّبِيِّينَ وَالْأَوْلِيَاءَ بِأَعْلَى الْجَنَّاتِ. فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ

قرأة الله سورة الأنعام على أهل الجنة

مَرْفُوعًا «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ إذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَك مَا اشْتَهَتْ نَفْسُك وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ لَهُ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا» . قَالَ الْغَوْثُ الْأَكْبَرُ سَيِّدِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّبَّاغُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ وَالنَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ هِيَ أَفْضَلُ الْجِنَانِ وَأَعْلَاهَا وَلَا تَبْلُغُهَا جَنَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُنَاكَ جَنَّةٌ أُخْرَى هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَأَعْلَى وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ النِّعَمِ شَيْءٌ وَلَا يَسْكُنُهَا إلَّا أَهْلُ مُشَاهَدَةِ اللَّهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْ أَوْلِيَائِهِ. قَالَ وَمُشَاهَدَتُهُ عِنْدَ أَهْلِهَا أَعَزُّ وَأَحْلَى وَأَعْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ كُلِّ نِعْمَةٍ تُصَوَّرُ عَلَى الْخَاطِرِ، وَأَهْلُ هَذِهِ الْجَنَّةِ لَا يُحِبُّونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْجِنَانِ كَمَا لَا يُحِبُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْخُرُوجَ إلَى الدُّنْيَا. قَالَ وَغَالِبُ مَنْ يَسْكُنُ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا مِنْهُمْ إلَّا نَحْوُ الْعِشْرِينَ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْكَبَائِرِ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى عَفْوَهُ وَفَضْلَهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قرأة اللَّه سُورَةَ الْأَنْعَامِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقْرَأُ سُورَةَ الْأَنْعَامِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِمْ فِيهَا وَيَسْمَعُونَهُ مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ بَلْ هُوَ شَيْءٌ تَسْمَعُهُ الْخَلَائِقُ وَتَفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادَ وَتَجِدُ لَهُ لَذَّةً بَيِّنُوا لَنَا الْمَقَامَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ نَعَمْ يَتَفَضَّلُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ بِرَفْعِ الْحِجَابِ عَنْهُمْ حَتَّى يَسْمَعُوا كَلَامَهُ الْقَدِيمَ الْبَاقِيَ الَّذِي لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَلَا تَرْتِيبٍ وَلَا تَنْكِيسٍ وَلَا سِرٍّ وَلَا جَهْرٍ وَلَا عَرَبِيٍّ وَلَا عَجَمِيٍّ وَلَا مُعَرَّبٍ وَلَا مَلْحُونٍ وَلَا وَصْلٍ وَلَا وَقْفٍ وَلَا سُكُوتٍ الدَّالِ عَلَى مَدْلُولَاتِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ

الشمس والقمر هل يعذبان في النار

وَالْمُسْتَحِيلَات وَالْجَائِزَاتِ وَيَجِدُونَ لِذَلِكَ لَذَّةً لَا تَقْرَبُ مِنْهَا لَذَّةٌ أَبَدًا قَالَ فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ قَدْ وَرَدَ «أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ يَا رَبَّنَا كُنَّا فِي الدُّنْيَا نُحِبُّ ذِكْرَك وَسَمَاعَ كَلَامِكَ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - يَا دَاوُد اصْعَدْ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَسْمِعْ أَحْبَابِي عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ الزَّبُورِ فَيُطْرَبُ الْقَوْمُ مِنْ صَوْتِ دَاوُد فَإِذَا أَفَاقُوا يَقُولُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَا عِبَادِي هَلْ سَمِعْتُمْ صَوْتًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ مَا سَمِعْنَا صَوْتًا أَطْيَبَ مِنْ هَذَا فَيَقُولُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَا حَبِيبِي يَا مُحَمَّدُ اصْعَدْ عَلَى الْمِنْبَرِ وَاقْرَأْ سُورَةَ طَهَ وَيس فَيَقْرَؤُهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَزِيدُ حُسْنُ صَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَوْتِ دَاوُد بِسَبْعِينَ ضِعْفًا فَيُطْرَبُ الْقَوْمُ وَتُطْرَبُ الْكَرَاسِيُّ مِنْ تَحْتِهِمْ وَتُطْرَبُ قَنَادِيلُ الْعَرْشِ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْحُورُ وَالْوِلْدَانُ وَيَمُوجُونَ مِنْ الطَّرَبِ فَإِذَا أَفَاقُوا حَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَشَكَرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ النَّعِيمِ فَيَقُولُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَا عِبَادِي قَدْ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ذَلِكَ الطَّرَبَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِي» وَلِأَهْلِ الْجَنَّةِ سَمَاعُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا وَأَجَلَّ لَيْسَ فَوْقَهُ سَمَاعٌ وَهُوَ سَمَاعُهُمْ كَلَامَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِمْ فَفِي الْحَدِيثِ «مَا مِنْكُمْ إلَّا مَنْ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ عَلَى الْجَبَّارِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ وَهُمْ جَالِسُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَذَهَبٍ وَزُمُرُّدٍ فَلَمْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ نَاعِمِينَ قَرِيرَةً أَعْيُنُهُمْ إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدُّخُولَ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ الْحِجَابِ عَنْهُمْ وَالِانْصِرَافَ كِنَايَةٌ عَنْ إعَادَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ هَلْ يُعَذَّبَانِ فِي النَّارِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ هَلْ يُعَذَّبَانِ فِي النَّارِ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] أَفِيدُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا يَدْخُلَانِ النَّارَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُمَا وَهُمَا مُخْرَجَانِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مَا تَعْبُدُونَ} [البقرة: 133] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] كَعِيسَى وَأُمِّهِ وَالْعُزَيْرِ وَالْمَلَائِكَةِ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْك هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى قَدْ عُبِدَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْمَلَائِكَةُ وَعُزَيْرُ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ كُلُّ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ آلِهَتِنَا فَنَزَلَتْ {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]

الجنة هل هي فوق السموات السبع والنار تحت الأرضين السبع

ثُمَّ نَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] » . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي نَسْخِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَقَالُوا أَيَشْتُمُ آلِهَتَنَا فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى أَنَا أُخَصِّمُ لَكُمْ مُحَمَّدًا اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا شَيْءٌ لِآلِهَتِنَا خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قَالَ بَلْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى خُصِمْتَ وَرَبِّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ أَلَسْتَ تَزْعُمُ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ صَالِحُونَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ فَهَذِهِ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَهَذِهِ بَنُو مُلَيْحٍ تَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةَ وَفَرِحُوا فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] عِيسَى وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَةَ أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» ثُمَّ قَالَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَصْبَغَ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ} [الأنبياء: 101] الْآيَةَ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي النَّارِ إلَّا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَعِيسَى اهـ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْجَنَّةِ هَلْ هِيَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ] (مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ) فِي الْجَنَّةِ هَلْ هِيَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ بِنَصِّ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَأَخْبَارِ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ أَوْ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ وَعِلْمُ ذَلِكَ لِلْجَلِيلِ بَيِّنُوا لَنَا مَا عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ وَمَا إلَيْهِ النَّفْسُ تَمِيلُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ، وَضِّحُوا لَنَا شَرْعِيَّةَ إمَامِ الْمُرْسَلِينَ أَبْقَاكُمْ اللَّهُ ذُخْرًا لِلْمُسْلِمِينَ آمِينَ بِجَاهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ عُلَمَاءِ النَّقْلِ أَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَأَنَّ النَّارَ لَمْ يَصِحَّ فِي مَحِلِّهَا خَبَرٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى جَوْهَرَتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي تَعْيِينِ مَكَانِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَتَحْتَ الْعَرْشِ تَشَبُّثًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 15] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَقْفُ الْجَنَّةِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ» وَالْحَقُّ تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى عِلْمِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ اهـ. أَقُولُ أَمَّا الصَّرَائِحُ فَكَثِيرَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ نَعَمْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي مَكَانِ النَّارِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ السَّلَامِ اللَّقَانِيُّ فِي عُمْدَةِ الْمُرِيدِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ مُخْتَصَرًا مَا نَصُّهُ: " قُلْت مَا صُدِّرَ بِهِ هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ فِي عَقَائِدِهِ. وَالْمُخْتَارُ

الجن والشياطين هل هم جنس واحد أو أجناس

عِنْدَ عُلَمَاءِ النَّقْلِ أَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالنَّارَ لَمْ يَصِحَّ فِي مَحِلِّهَا خَبَرٌ انْتَهَى. [الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ هَلْ هُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ أَجْنَاسٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ هَلْ هُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَفِي سَجْنِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ هَلْ هُوَ لِجَمِيعِهِمْ أَوْ لِفِرْقَةٍ مِنْهُمْ وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ مَعَ أَنَّهُ تَصَادَقَ الْخَبَرُ بِرُؤْيَتِهِمْ فِي رَمَضَانَ أَفِيدُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: اُخْتُلِفَ فِي أَصْلِ الْجِنِّ فَقِيلَ إنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ إبْلِيسَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا سُمِّيَ شَيْطَانًا، وَقِيلَ أَوْلَادُهُ الشَّيَاطِينُ خَاصَّةً وَمَنْ عَدَاهُمْ لَيْسُوا مِنْ وَلَدِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ يَقُولُ إنَّهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ اخْتَلَفَ صِفَةً فَمَنْ كَفَرَ سُمِّيَ شَيْطَانًا وَإِلَّا قِيلَ لَهُ جِنِّيٌّ انْتَهَى. وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ اُخْتُلِفَ فِي أَصْلِ الْجِنِّ فَرَوَى إسْمَاعِيلُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْجِنَّ وَلَدُ إبْلِيسَ وَالْإِنْسَ وَلَدُ آدَمَ وَمِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ وَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَهُوَ وَلِيُّ اللَّهِ وَمَنْ كَانَ كَافِرًا فَهُوَ شَيْطَانٌ، وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجِنُّ وَلَدُ الْجَانِّ وَلَيْسُوا شَيَاطِينَ، وَمِنْهُمْ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالشَّيَاطِينُ وَلَدُ إبْلِيسَ لَا يَمُوتُونَ إلَّا مَعَهُ انْتَهَى. وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّ جَمِيعَ الْجِنِّ مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْلِيسَ وَبِذَلِكَ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَاسَلُونَ وَلَيْسَ فِيهِمْ إنَاثٌ وَقِيلَ الْجِنُّ جِنْسٌ وَإِبْلِيسُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ انْتَهَى. أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ وَفِي الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّيَاطِينَ تُصَفَّدُ فِي رَمَضَانَ» وَنَحْنُ نَجِدُهَا تُوَسْوِسُ فِي رَمَضَانَ وَنَجِدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْصِي فِي رَمَضَانَ؟ (فَأَجَابَ) : قَدْ يُوَسْوِسُ وَهُوَ مُصَفَّدٌ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ فِي الْمُنَسْتِيرِ فِي بَعْضِ رَمَضَانَ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ كَانَتْ بِهِ عَارِضَةٌ تَصْرَعُهُ قَالَ الشَّيْخُ فَأَنَا جَالِسٌ حَتَّى أَتَوْنِي فَقَالُوا لِي صُرِعَ فُلَانٌ ثُمَّ سَأَلُونِي عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَصْفِيدِ الشَّيَاطِينِ قَالَ فَقُلْت لَهُمْ الْحَدِيثُ حَقٌّ وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسُ فِي هَذَا عِيَانٌ فَيُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ» أَيْ كَفَرَةُ الْجِنِّ الَّذِينَ يُسَمُّونَ شَيَاطِينَ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ لَا يُصَفَّدُونَ فَيَكُونُ وِسْوَاسُ وَتَزْيِينُ الْمَعَاصِي إنَّمَا يَقَعُ مِنْ فُسَّاقِ الْجِنِّ وَمَرَدَتِهِمْ الْمُسْلِمِينَ وَيَعُدُّونَهَا مَعَاصِي وَمُؤْمِنُو الْإِنْسِ يَعْصُونَ فَكَيْفَ مُؤْمِنُو الْجَانِّ وَالْكُفَّارُ مِنْهُمْ مُصَفَّدُونَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَصُفِّدَتْ الْجِنُّ» مُخْتَصٌّ بِالشَّيَاطِينِ قِيلَ لَهُ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ فِيهِ تُصَفَّدُ عَنْ بَعْضِ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ فَقَالَ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ بَعْضُ الشَّيَاطِينِ دُونَ بَعْضٍ أَوْلَى وَالْأَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ

لَا عِلْمَ لَنَا، وَقَدْ قَالَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَاهَا عَنْهُ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَنَا الْمَعْنَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى غَيْرَ مَا قُلْنَا مِمَّا هُوَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ مِمَّا تَأَوَّلْنَاهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَرْضِ هَلْ هِيَ سَبْعُ طِبَاقٍ كَالسَّمَاءِ وَهَلْ فِيهِنَّ خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِثْلُنَا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15] فَأَفَادَ أَنَّ لَفْظَ طِبَاقًا فِي الْآيَةِ الْأُولَى مُرَادٌ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فَتَكُونُ الْمِثْلِيَّةُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الدَّاوُدِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَرَضِينَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِثْلُ السَّمَوَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً وَأَنَّ السَّبْعَ مُتَجَاوِرَةٌ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ وَاحِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَلَعَلَّهُ الْقَوْلُ بِالتَّجَاوُرِ وَإِلَّا فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ قَالَ وَيَدُلُّ لِلْقَوْلِ الظَّاهِرِ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] قَالَ فِي كُلِّ أَرْضِ إبْرَاهِيمُ مِثْلُ إبْرَاهِيمَ وَنَحْوُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْخَلْقِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ سَبْعُ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ آدَم كَآدَمِكُمْ وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمِكُمْ وَعِيسَى كَعِيسَاكُمْ وَنَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ بِمَتْنِهِ انْتَهَى. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ صِحَّةُ الْمَتْنِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَقَدْ يَصِحُّ الْإِسْنَادُ وَيَكُونُ فِي الْمَتْنِ شُذُوذٌ وَعِلَّةٌ تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَهَذَا إنْ صُحِّحَ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ ثَمَّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مُسَمًّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَهُمْ الرُّسُلُ الْمُبَلِّغُونَ الْجِنَّ عَنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاسْمِ النَّبِيِّ الَّذِي يُبَلِّغُ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] يَرُدُّ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ قَوْلَهُمْ أَنْ لَا مَسَافَةَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَهَا وَأَنَّ السَّابِعَةَ صَمَّاءُ لَا جَوْفَ لَهَا وَفِي وَسَطِهَا الْمَرْكَزُ وَهِيَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مُتَوَهَّمَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعَانِ «أَنَّ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَأَنَّ سُمْكَ كُلِّ سَمَاءٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ» . وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ الْعَبَّاسِ مَرْفُوعًا «بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ إحْدَى أَوْ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً» وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا

بِاعْتِبَارِ بُطْءِ السَّيْرِ وَسُرْعَتِهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ فِي عُوجِ بْنِ عُنْقٍ مِنْ طُولِهِ وَعَظَمَةِ خَلْقِهِ فَهَلْ لِذَلِكَ صِحَّةٌ وَهَلْ تَخَلَّفَ بَعْدَ الطُّوفَانِ أَحَدٌ أَفِيدُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ سُئِلَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ مَا طُولُ عُوجٍ بِالذِّرَاعِ وَهَلْ هُوَ أَطْوَلُ الْخَلْقِ أَمْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الطُّولِ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: قِصَّةُ عُوجِ بْنِ عُنْقٍ وَجَمِيعُ مَا يَحْكُونَهُ عَنْهُ هَذَيَانٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ مُخْتَلَقَاتِ زَنَادِقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلَى عَهْدِ نُوحٍ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ الْغَرَقِ أَحَدٌ مِنْ الْكُفَّارِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كَوْنُ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا أَنْ تَقُومَ الشَّوَاهِدُ الصَّحِيحَةُ عَلَى بُطْلَانِهِ كَحَدِيثِ عُوجِ بْنِ عُنْقٍ أَنَّ طُولَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثٌ فَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمْ تَزَلْ الْخَلْقُ تَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] أَيْ ذُرِّيَّةَ نُوحٍ الَّذِينَ آمَنُوا وَنَجَوْا مِنْ الطُّوفَانِ فَلَوْ كَانَ لِعُوجٍ زَمَنَ نُوحٍ وُجُودٌ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ وَهَذَا إنَّمَا قَصَدَ بِهِ وَاضِعُهُ الطَّعْنَ فِي أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْ جَرَاءَةِ هَذَا الْكَذَّابِ عَلَى اللَّهِ إنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ يُدْخِلُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يُبَيِّنُ أَمْرَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ مِنْ مُخْتَلَقَاتِ زَنَادِقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَصَدُوا الِاسْتِهْزَاءَ وَالسُّخْرِيَةَ بِالرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ وَالْأَقْرَبُ فِي خَبَرِ عُوجٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ عَادٍ وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ طُولٌ فِي الْجُمْلَةِ مِائَةُ ذِرَاعٍ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ وَأَنَّ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُ بِعَصَاهُ هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ الَّذِي يُحْتَمَلُ قَبُولُهُ اهـ. قَالَ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَقْصَرُ قَوْمِ عَادٍ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَأَطْوَلُهُمْ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَكَانَ طُولُ مُوسَى سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَوَثَبَ فِي السَّمَاءِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ فَأَصَابَ كَعْبَ عُوجِ بْنِ عُنْقٍ فَقَتَلَهُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَطُولُهُ مَا ذُكِرَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ تَزَلْ الْخَلْقُ تَنْقُصُ» مَحْمُولًا عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِ وَعُوجٌ مِنْ غَيْرِ الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ فَقَوْلُ السَّائِلِ وَهَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الطُّولِ أَمْ هُوَ أَطْوَلُ جَوَابُهُ نَظِيرُهُ فِي الطُّولِ طِوَالِ قَوْمِ عَادٍ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ السُّيُوطِيّ فِي خَبَرِهِ وَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ نَظِيرَهُ فِي ذَلِكَ الطُّولِ الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَكُسُورٌ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ كَذِبٌ بَاطِلٌ فَإِنْ كَانَ رَأَى فِي كُتُبِ الْكَذَّابِينَ نَظِيرًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَمَشَى فِي الْقَامُوسِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِ الْمَوْضُوعَةِ حَيْثُ قَالَ عُوجُ بْنُ عُنْقٍ بِضَمِّهِمَا رَجُلٌ وُلِدَ فِي مَنْزِلِ آدَمَ

أهل الكهف هل هم نيام إلى الآن لم يموتوا

فَعَاشَ إلَى زَمَنِ مُوسَى وَذُكِرَ مِنْ عِظَمِ خِلْقَتِهِ شَنَاعَةً اهـ فَإِنَّ قَوْلَهُ وُلِدَ. . . إلَخْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْضُوعِ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْمِ يُونُسَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ مَوْجُودُونَ إلَى الْآنَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ هَذَا السُّؤَالُ بِعَيْنِهِ سُئِلَ عَنْهُ حَافِظُ الْعَصْرِ الْعَلَّامَةُ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَجَابَ: بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مَاتُوا فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا قَوْله تَعَالَى {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] بِانْقِضَاءِ آجَالِهِمْ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ، وَالْمَعْنَى أُولَئِكَ الْأَقْوَامُ لَمَّا آمَنُوا أَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَوْفَ عَنْهُمْ وَأَمَّنَهُمْ مِنْ الْعَذَابِ وَمَتَّعَهُمْ إلَى حِينٍ أَيْ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَجَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ قَالَ السُّدِّيُّ أَيْ إلَى وَقْتِ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ، وَقِيلَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُونَ بَاقِينَ أَحْيَاءً وَسَتَرَهُمْ اللَّهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ النَّجْمُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْوَاحِدِيَّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ آجَالِهِمْ اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي يُؤَيِّدُهُ يَعُودُ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَهْلِ الْكَهْفِ هَلْ هُمْ نِيَامٌ إلَى الْآنَ لَمْ يَمُوتُوا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَهْلِ الْكَهْفِ هَلْ هُمْ نِيَامٌ إلَى الْآنَ لَمْ يَمُوتُوا وَفِي وَصْفِهِمْ وَضِّحُوا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10] وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ أَبْنَاءَ عُظَمَاءِ أَهْلِ مَدِينَتِهِمْ وَأَهْلِ شَرَفِهِمْ خَرَجُوا فَاجْتَمَعُوا وَرَاءَ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هُوَ أَشْبَهُهُمْ إنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَجِدُهُ قَالُوا مَا تَجِدُ قَالَ أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنَّ رَبِّي رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَامُوا جَمِيعًا {فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14] وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَمْرِهِمْ مَا قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْخُلُوا الْكَهْفَ وَعَلَى مَدِينَتِهِمْ إذْ ذَاكَ جَبَّارٌ يُقَالُ لَهُ دِقْيُوسُ فَلَبِثُوا فِي الْكَهْفِ مَا شَاءَ اللَّهُ رُقُودًا ثُمَّ بَعَثَهُمْ اللَّهُ فَبَعَثُوا أَحَدَهُمْ لِيَبْتَاعَ لَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا خَرَجَ إذَا هُوَ بِحَظِيرَةٍ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ فَقَالَ مَا كَانَتْ هَذِهِ هَاهُنَا عَشِيَّةَ أَمْسِ فَسَمِعَ كَلَامًا مِنْ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ أَسْلَمُوا بَعْدَهُمْ وَمُلِّكَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ صَالِحٌ فَظَنَّ أَنَّهُ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى مَدِينَتِهِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا وَإِلَى مَدِينَتَيْنِ وَجَاهُهَا أَسْمَاؤُهُنَّ أَقْسُوسُ وَأَيْدَبُوسُ وَشَامُوسُ

إرم ذات العماد هل لها حقيقة

فَيَقُولُ مَا أَخْطَأْت الطَّرِيقَ هَذِهِ أُفْسُوسُ وَأَيْدَبُوسُ وَشَامُوسُ فَعَمَدَ إلَى مَدِينَتِهِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ عَمَدَ حَتَّى جَاءَ السُّوقَ فَوَضَعَ وَرِقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَظَرَ فَإِذَا وَرِقٌ لَيْسَ بِوَرِقِ النَّاسِ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى الْمَلِكِ وَهُوَ خَائِفٌ فَسَأَلَهُ وَقَالَ لَعَلَّ هَذَا مِنْ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَهْدِ دِقْيُوسَ فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِيهِمْ وَأَنْ يُعْلِمَنِي مَكَانَهُمْ وَدَعَا مَشْيَخَةَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عِنْدَهُ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ فَسَأَلَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ فَسَأَلَ الْفَتَى فَقَالَ صَدَقَ وَانْطَلَقَ الْمَلِكُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَهُ لَأَنْ يَدُلَّهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْكَهْفِ سَمِعَ الْفِتْيَةُ حِسَّ النَّاسِ فَقَالُوا أُتِيتُمْ ظُهِرَ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَاعْتَنَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَجَعَلَ يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِدِينِهِمْ فَلَمَّا دَنَا الْفَتَى مِنْهُمْ أَرْسَلُوهُ فَلَمَّا قَدِمَ إلَى أَصْحَابِهِ مَاتُوا عِنْدَ ذَلِكَ مَيْتَةَ الْحَقِّ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِمْ الْمَلِكُ شَقَّ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً، وَقَالَ لَأَدْفِنَهُمْ إذَنْ فَأْتُونِي بِصُنْدُوقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَتَاهُ آتٍ مِنْهُمْ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَنَا فِي صُنْدُوقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَا تَفْعَلْ وَدَعْنَا فِي كَهْفِنَا فَمِنْ التُّرَابِ خُلِقْنَا، وَإِلَيْهِ نَعُودُ فَتَرَكَهُمْ فِي كَهْفِهِمْ وَبَنَى عَلَى كَهْفِهِمْ مَسْجِدًا اهـ. وَفِيهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ فَانْظُرْهَا إنْ شِئْتَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ هَلْ لَهَا حَقِيقَةٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ فِي إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ وَهَلْ لَهَا حَقِيقَةٌ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ هَلْ تَدُورُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِمَا فِيهَا وَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَضِّحُوا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ نَعَمْ لَهَا حَقِيقَةٌ وَلَكِنْ لَا تَدُورُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بَلْ هِيَ بَلْدَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي بَعْضِ صَحَارِي عَدَنٍ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر: 8] مِنْ بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ. قَالَ الْخَازِنُ قِيلَ كَانَ لِعَادٍ ابْنَانِ شَدِيدٌ وَشَدَّادٌ فَمَلَكَا بَعْدَهُ وَقَهَرَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ فَمَاتَ شَدِيدٌ وَخَلَصَ الْمُلْكُ لِشَدَّادٍ فَمَلَكَ الدُّنْيَا وَدَانَتْ لَهُ مُلُوكُهَا وَكَانَ يُحِبُّ قِرَاءَةَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ فَسَمِعَ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَصِفَاتِهَا فَدَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى بِنَاءِ مِثْلِهَا عُتُوًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَجَبُّرًا فَرَوَى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قِلَابَةَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ إبِلٍ لَهُ شَرَدَتْ فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ فِي صَحَارِي عَدَنَ وَقَعَ عَلَى مَدِينَةٍ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ عَلَيْهَا حِصْنٌ وَحَوْلَ الْحِصْنِ قُصُورٌ كَثِيرَةٌ فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا ظَنَّ أَنَّ فِيهَا أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَنْ إبِلِهِ فَلَمْ يَرَ خَارِجًا وَلَا دَاخِلًا فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَعَقَلَهَا وَسَلَّ سَيْفَهُ وَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا هُوَ بِبَابَيْنِ عَظِيمَيْنِ وَهُمَا مُرَصَّعَانِ بِالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَهِشَ فَفَتَحَ الْبَابَ، وَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِمَدِينَةٍ لَمْ يَرَ أَحَدٌ مِثْلَهَا وَإِذَا فِيهَا قُصُورٌ فِي كُلِّ قَصْرٍ مِنْهَا غُرَفٌ وَفَوْقَ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَحْجَارِ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَإِذَا أَبْوَابُ تِلْكَ الْقُصُورِ مِثْلُ مَصَارِيعِ بَابِ الْمَدِينَةِ يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَهِيَ مَفْرُوشَةٌ كُلُّهَا بِاللُّؤْلُؤِ وَبَنَادِقِ

الفرق بين الصلاح والإصلاح

الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ ثُمَّ نَظَرَ إلَى الْأَزِقَّةِ فَإِذَا فِيهَا أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ تَحْتَهَا أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ يَجْرِي مَاؤُهَا فِي قَنَوَاتٍ مِنْ فِضَّةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا عَايَنَ الرَّجُلُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا هُنَالِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الْجَنَّةُ وَحَمَلَ مَعَهُ مِنْ لُؤْلُئِهَا وَبَنَادِقِ مِسْكِهَا وَزَعْفَرَانِهَا وَرَجَعَ إلَى الْيَمَنِ وَأَظْهَرَ مَا مَعَهُ وَحَدَّثَ بِمَا رَأَى فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَصَّ عَلَيْهِ مَا رَأَى فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ يَا أَبَا إِسْحَاقَ هَلْ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَالَ نَعَمْ هِيَ إرَمُ ذَاتِ الْعِمَادِ بَنَاهَا شَدَّادُ بْنُ عَادٍ قَالَ فَحَدَّثَنِي حَدِيثَهَا فَقَالَ لَمَّا أَرَادَ شَدَّادُ بْنُ عَادٍ عَمَلهَا أَمَّرَ عَلَيْهَا مِائَةَ قَهْرَمَانَ مَعَ كُلِّ قَهْرَمَانَ أَلْفٌ مِنْ الْأَعْوَانِ وَكَتَبَ إلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ أَنْ يَمُدُّوهُمْ بِمَا فِي بِلَادِهِمْ مِنْ الْجَوَاهِرِ فَخَرَجَتْ الْقَهَارِمَةُ يَسِيرُونَ فِي الْأَرْضِ لِيَجِدُوا أَرْضًا مُوَافِقَةً فَخَرَجُوا عَلَى صَخْرَةٍ نَقِيَّةٍ مِنْ التِّلَالِ وَإِذَا فِيهَا عُيُونُ مَاءٍ وَمَوْجٍ فَقَالُوا هَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي أَمَرَ الْمَلِكُ أَنْ تُبْنَى فِيهَا فَوَضَعُوا أَسَاسَهَا مِنْ الْجَزْعِ الْيَمَانِيِّ وَأَقَامُوا فِي بِنَائِهَا ثَلَثَمِائَةِ سَنَةٍ فَلَمَّا أَتَوْهُ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْهَا قَالَ انْطَلِقُوا فَاجْعَلُوا حِصْنًا يَعْنِي سُورًا وَاجْعَلُوا حَوْلَهُ أَلْفَ قَصْرٍ وَعِنْدَ كُلِّ قَصْرٍ عَلَمٌ لِيَكُونَ فِي كُلِّ قَصْرٍ وَزِيرٌ مِنْ وُزَرَائِي فَفَعَلُوا وَأَمَرَ الْمَلِكُ وُزَرَاءَهُ وَهُمْ أَلْفُ وَزِيرٍ أَنْ يَتَهَيَّئُوا لِلنَّقْلَةِ إلَى إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ وَكَانَ الْمَلِكُ وَأَهْلُهُ فِي جِهَادِهِمْ عَشَرَ سِنِينَ ثُمَّ سَارُوا إلَيْهَا فَلَمَّا كَانُوا مِنْهَا عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ صَيْحَةً مِنْ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَتْهُمْ جَمِيعًا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ وَسَيَدْخُلُهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِك أَحْمَرُ أَشْعَرُ قَصِيرٌ عَلَى حَاجِبِهِ خَالٌّ وَعَلَى عُنُقِهِ خَالٌّ يَخْرُجُ فِي طَلَبِ إبِلٍ لَهُ ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَبْصَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قِلَابَةَ فَقَالَ هَذَا وَاَللَّهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ انْتَهَى، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً وَزَادَ وَكَانَ عُمُرُهُ أَيْ شَدَّادٍ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَيَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِحَدِيثِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ أَمَّا فِيهَا فَيُكْرَهُ وَبِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ يَحْرُمُ لِلْكَذِبِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ] (مَا الْفَرْقُ) بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ الصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ وَالْأَصْلَحُ اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنْهُ مَعْنَاهُ الزَّائِدُ فِي الصَّلَاحِ مَثَلًا إذَا كَانَ شَخْصٌ يَتَضَرَّرُ مِنْ تَرْكِ أَكْلِ اللَّحْمِ فَأَكْلُ لَحْمِ الْبَقَرِ صَلَاحٌ فِي حَقِّهِ وَلَحْمُ الضَّأْنِ أَصْلَحُ وَالْعَفْوُ بِلَا تَنْعِيمٍ صَلَاحٌ وَمَعَهُ أَصْلَحُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ] (مَا الْفَرْقُ) بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْعِلْمُ صِفَةٌ يَتَّضِحُ بِهَا الْأَمْرُ وَيَظْهَرُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُخَصِّصُ الْمُمْكِنَ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَةُ صِفَةٌ يَتَأَتَّى بِهَا إيجَادُ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامُهُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ وَاَللَّهُ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا الْحِكْمَةُ) فِي تَشْبِيهِ عِيسَى بِآدَمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: 59] ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ الْحِكْمَةُ فِيهِ إفْحَامُ الْخَصْمِ وَقَطْعُ حُجَّتِهِ فِي إنْكَارِهِ وَلَدًا بِلَا أَبٍ لِغَرَابَتِهِ بِتَشْبِيهِهِ بِمَا هُوَ أَغْرَبُ وَهُوَ آدَم بِلَا أَبٍ وَلَا أُمٍّ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] أَيْ شَأْنُهُ الْغَرِيبُ كَشَأْنِ آدَمَ {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: 59] جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلتَّمْثِيلِ مُبَيِّنَةٌ لِمَا بِهِ الشَّبَهُ وَهُوَ أَنَّهُ خُلِقَ بِلَا أَبٍ كَمَا خُلِقَ آدَمَ مِنْ التُّرَابِ بِلَا أَبٍ وَلَا أُمٍّ شَبَّهَ بِمَا هُوَ أَغْرَبُ إفْحَامًا لِلْخَصْمِ وَقَطْعًا لِمَوَادِّهِ السَّيِّئَةِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا تَفْسِيرُ) قَوْله تَعَالَى {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه: 125] الْآيَةَ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ الْقَاضِي مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ كَذَلِكَ} [طه: 126] أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلْتَ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ {أَتَتْكَ آيَاتُنَا} [طه: 126] وَاضِحَةً نَيِّرَةً {فَنَسِيتَهَا} [طه: 126] فَعَمِيتَ عَنْهَا وَتَرَكْتهَا غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهَا {وَكَذَلِكَ} [طه: 126] وَمِثْلُ تَرْكِكَ إيَّاهَا {الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126] تُتْرَكُ فِي الْعَمَى وَالْعَذَابِ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ التَّرْكُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى سَبَبِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي إسْنَادِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا تَفْسِيرُ) قَوْله تَعَالَى {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 263] الْآيَةَ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ فَسَّرَ الْقَاضِي الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ بِرَدِّ السَّائِلِ بِالْكَلَامِ الْجَمِيلِ. وَفَسَّرَ الْمَغْفِرَةَ بِتَفْسِيرَاتٍ: الْأَوَّلُ تَجَاوُزُ الْمَسْئُولِ عَنْ إلْحَاحِ السَّائِلِ. الثَّانِي: نَيْلُ الْمَسْئُولِ مَغْفِرَةَ اللَّهِ لَهُ بِسَبَبِ الرَّدِّ الْجَمِيلِ. الثَّالِثُ عَفْوُ السَّائِلِ عَنْ الْمَسْئُولِ بِأَنْ يَعْذُرَهُ وَيَغْتَفِرَ رَدَّهُ بِسَبَبِ الرَّدِّ الْجَمِيلِ، وَنَصُّهُ {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [البقرة: 263] رَدٌّ جَمِيلٌ {وَمَغْفِرَةٌ} [البقرة: 263] وَتَجَاوُزٌ عَنْ السَّائِلِ فِي إلْحَاحِهِ أَوْ نَيْلِ الْمَغْفِرَةِ مِنْ اللَّهِ بِالرَّدِّ الْجَمِيلِ أَوْ عَفْوٌ مِنْ السَّائِلِ بِأَنْ يَعْذُرَهُ وَيَغْتَفِرَ رَدَّهُ {خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263] خَبَرٌ عَنْهُمَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَرْضِ هَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى شَيْءٍ وَمَا حَقِيقَةُ الْحَامِلِ لَهَا أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ فَمَا الْمُزَلْزِل لَهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَاب. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْأَرْضُ مَحْمُولَةٌ عَلَى شَيْءٍ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي كَيْفِيَّتِهِ فَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَرْضِ عَلَامَ هِيَ؟ قَالَ عَلَى الْمَاءِ قِيلَ أَرَأَيْتَ الْمَاءَ عَلَامَ هُوَ؟ قَالَ عَلَى صَخْرَةٍ خَضْرَاءَ قِيلَ أَرَأَيْت الصَّخْرَةَ عَلَامَ هِيَ؟ قَالَ عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ يَلْتَقِي طَرَفَاهُ بِالْعَرْشِ قِيلَ أَرَأَيْتَ

الأرواح هل هي بأفنية القبور

الْحُوتَ عَلَامَ هُوَ؟ قَالَ عَلَى كَاهِلِ مَلَكٍ قَدَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ عَلَى صَخْرَةٍ وَالصَّخْرَةُ فِي كَفِّ مَلَكٍ وَالْمَلَكُ عَلَى جَنَاحِ حُوتٍ، وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ وَالْمَاءُ عَلَى الرِّيحِ، وَالرِّيحُ عَلَى الْهَوَاءِ وَرِيحُ الْعَقِيمِ لَا تُلَقِّحُ، وَأَنَّ قُرُونَهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ سُئِلَ مَا تَحْتَ هَذِهِ الْأَرْضِ قَالَ الْمَاءُ قِيلَ وَمَا تَحْتَ الْمَاءِ قَالَ الْأَرْضُ قِيلَ وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ قَالَ الْمَاءُ قِيلَ، وَمَا تَحْتَ الْمَاءِ قَالَ الْأَرْضُ حَتَّى قَالَ صَخْرَةٌ قِيلَ وَمَا تَحْتَ الصَّخْرَةِ قَالَ مَلَكٌ قِيلَ وَمَا تَحْتَ الْمَلَكُ قَالَ حُوتٌ مُعَلَّقٌ طَرَفَاهُ بِالْعَرْشِ قِيلَ فَمَا تَحْتَ الْحُوتِ قَالَ الْهَوَاءُ وَالظُّلْمَةُ وَانْقَطَعَ الْعِلْمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: 16] قَالَ هِيَ صَخْرَةٌ خَضْرَاءُ مُرَبَّعَةٌ تَحْتَ الْأَرَضِينَ قِيلَ فَمَا عَلَيْهَا قَالَ الْمَاءُ قِيلَ فَمَا عَلَى الْمَاءِ قَالَ الْحُوتُ قِيلَ فَمَا عَلَى الْحُوتِ قَالَ الْأَرَضُونَ قِيلَ الصَّخْرَةُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟ قَالَ عَلَى قَرْنِ الثَّوْرِ قِيلَ الثَّوْرُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ عَلَى الثَّرَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الصَّخْرَةُ صَخْرَةٌ خَضْرَاءُ عَلَى ظَهْرِ الْحُوتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ مُنْتَهَى الْخَلْقِ عَلَى أَرْجَائِهَا أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ رُءُوسُهُمْ تَحْتَ الْعَرْشِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ السُّدِّيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: 16] قَالَ هَذِهِ الصَّخْرَةُ لَيْسَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ هِيَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ عَلَيْهَا مَلَكَ قَائِمٌ كَذَا فِي الْهَيْئَةِ السَّنِيَّةِ وَأَمَّا سَبَبُ الزَّلْزَلَةِ فَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَبَلَ (ق) أَنْ يُحَرِّكَ عِرْقَهُ الْمُتَّصِلَ بِالصَّخْرَةِ الْمَوَالِي لِلْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - زَلْزَلَتَهَا فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعُقُوبَاتِ وَالصَّوَاعِقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى جَبَلًا يُقَالُ لَهُ (ق) مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ وَعُرُوقُهُ إلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً أَمَرَ ذَلِكَ الْجَبَلَ فَيُحَرِّكُ الْعِرْقَ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَيُزَلْزِلُهَا وَيُحَرِّكُهَا فَمِنْ ثَمَّ تُحَرَّكُ الْقَرْيَةُ دُونَ الْقَرْيَةِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ نَحْوَهُ عَنْ وَهْبٍ كَذَا فِي الْهَيْئَةِ السَّنِيَّةِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْأَرْوَاحِ هَلْ هِيَ بِأَفْنِيَةِ الْقُبُورِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَرْوَاحِ هَلْ هِيَ بِأَفْنِيَةِ الْقُبُورِ كُلِّهَا مُؤْمِنِهَا وَعَاصِيهَا أَوْ الْمُؤْمِنُ فَقَطْ وَمَا الْأَفْنِيَةُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ الْأَرْوَاحُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأَشْبَاحِ كُلُّهَا مُسْتَقَرُّهَا بِالْبَرْزَخِ وَهُوَ شَيْءٌ عَظِيمٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَيْئَةِ الْقَرْنِ فِيهِ ثُقَبُ بِعَدَدِ الْأَرْوَاحِ ضِيقُهُ إلَى أَسْفَلَ وَمُتَّسَعُهُ إلَى أَعْلَى كَانَتْ فِيهِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ حُلُولِهَا فِي الْأَشْبَاحِ وَتَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْهَا وَكُلُّ رُوحٍ لَهَا اتِّصَالٌ مَعْنَوِيٌّ بِجَسَدِهَا حَيْثُ كَانَ وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ لَا حَرَجَ عَلَيْهَا فَتَكُونُ بِأَفْنِيَةِ

صفة النار

الْقُبُورِ أَيْ جَوَانِبِهَا مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى صُبْحِ السَّبْتِ وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ مَسْجُونَةٌ فِي سِجِّينٍ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْفِنَاءُ مِثْلُ كِتَابِ الْوَصِيدِ وَهُوَ سَعَةٌ أَمَامَ الْبَيْتِ وَقِيلَ مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهِ وَالْجَمْعُ أَفْنِيَةٌ انْتَهَى؟ [صفة النَّار] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي نَارِ جَهَنَّمَ هَلْ هِيَ كَنَارِ الدُّنْيَا أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ فِي مَكَانِ مُتَّسَعٍ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ فِي مُخْتَصَرِ التَّذْكِرَةِ مَا نَصُّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ «فَهِيَ كَسَوَادِ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ الْقَارِ» يَعْنِي الزِّفْتَ وَكَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ نَارُ الْآخِرَةِ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ لَهَا لَهَبٌ وَلَا جَمْرَ لَهَا وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ نَارَكُمْ الَّتِي تُوقَدُ فِي الدُّنْيَا حَرُّهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً فَقَالَ إنَّهَا فَضُلَتْ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْلَا أَنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ أُطْفِئَتْ بِالْمَاءِ مَرَّتَيْنِ مَا انْتَفَعْتُمْ بِهَا وَأَنَّهَا لَتَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يُعِيدَهَا فِي نَارِ الْآخِرَةِ» يَعْنِي جَهَنَّمَ. وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَوْلَا أَنَّهَا ضُرِبَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «عَشْرَ مَرَّاتٍ» . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهَا أُطْفِئَتْ بِالْمَاءِ سَبْعِينَ مَرَّةً وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَدَرْتُمْ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهَا» . وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أَنَّ جَهَنَّمِيًّا مِنْ أَهْلِ جَهَنَّمَ أَخْرَجَ كَفَّهُ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا لَاحْتَرَقَتْ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا وَلَوْ أَنَّ خَازِنًا مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ أُخْرِجَ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا حَتَّى يُبْصِرُوهُ لَمَاتَ أَهْلُ الدُّنْيَا حِينَ يُبْصِرُونَ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي عَلَيْهِ» . وَرَوَى الْبَزَّارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ثُمَّ تَنَفَّسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَأَحْرَقَهُمْ» وَكَانَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ وَاَلَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ لَوْ كَانَ أَحَدُكُمْ بِالْمَشْرِقِ وَكَانَتْ النَّارُ بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ كُشِفَ عَنْهَا لَخَرَجَ دِمَاغُ أَحَدِكُمْ مِنْ مَنْخَرَيْهِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا وَرَوَى الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حِينَ انْتَهَى إلَى قَعْرِهَا» وَالْوَجْبَةُ

صَوْتُ وُقُوعِ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ ثُمَّ قَالَ بَابُ مَا جَاءَ إنَّ فِي جَهَنَّمَ جِبَالًا وَفَنَادِقَ وَأَوْدِيَةً وَبِحَارًا وَصَهَارِيجَ وَحِيَاضًا وَآبَارًا وَجِبَابًا وَتَنَانِيرَ وَسُجُونًا وَبُيُوتًا وَجُسُورًا وَنَوَاعِيرَ وَعَقَارِبَ وَحَيَّاتٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَسَاقَ أَحَادِيثَهَا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) فِي الظِّلِّ هَلْ هُوَ عَدَمُ الشَّمْسِ أَوْ شَيْءٌ وُجُودِيٌّ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ هُوَ جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ هُوَ قَائِمٌ بِمَا أُضِيفَ هُوَ إلَيْهِ كَالْآدَمِيِّ أَوْ بِالْأَرْضِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَكَيْفَ شُوهِدَ فِي غَيْرِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ وَلَزِمَ اتِّصَافُهُ بِالْحَرَكَةِ عِنْدَ تَحَرُّكِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ صَرَّحَ عُلَمَاءُ هَيْئَةِ الْعَالَمِ بِأَنَّ الظِّلَّ ظُلْمَةٌ سَبَبُهَا حَيْلُولَةُ الْجِسْمِ عِنْدَ نُفُوذِ الْأَشِعَّةِ النُّورَانِيَّةِ قَالُوا إذَا قَابَلَ الْجِسْمُ النُّورَ كَانَ الْوَجْهُ الْمُقَابِلُ لِلضَّوْءِ نَيِّرًا وَالْوَجْهُ الَّذِي فِيهِ خِلَافَ جِهَةِ الضَّوْءِ مُظْلِمًا وَنَشَأَ مِنْ الْحَدِّ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي بَيْنَ الْوَجْهِ الْمُضِيءِ وَالْوَجْهِ الْمُظْلِمِ ظُلْمَةُ الظِّلِّ عَلَى هَيْئَةِ ذَلِكَ الْفَصْلِ الْمُشْتَرَكِ إنْ كَانَ مُسْتَدِيرًا فَالظِّلُّ مُسْتَدِيرٌ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيلًا فَالظِّلُّ مُسْتَطِيلٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الظِّلَّ ظُلْمَةٌ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى مَدِّ الظِّلِّ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فَقِيلَ إنَّهُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ الْمَمْدُودَةُ فِي الْعَالَمِ فَإِنَّ اللَّيْلَ ظِلُّ الْأَرْضِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ هَيْئَةِ الْعَالَمِ قَالُوا إنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ مَنَعَتْ الْأَرْضَ مِنْ نُفُوذِ ضَوْئِهَا فِي كُرَةِ الْهَوَاءِ وَظَهَرَ ظِلُّهَا فِي كُرَةِ الْهَوَاءِ مِنْ فَوْقُ فِي خِلَافِ جِهَةِ الشَّمْسِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَجَعَلُوا نُورَ الشَّفَقِ مِنْ نَهَايَا تَوَابِعِ الشَّمْسِ وَنُورَ الْفَجْرِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا لِأَنَّ الْهَوَاءَ مُتَّصِلُ الْأَجْزَاءِ يَكْتَسِبُ مِنْ مُجَاوَرَةِ الضَّوْءِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعِهِ فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الظِّلَّ ظُلْمَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ كَالْعَلَّامَةِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الظُّلْمَةَ عَدَمُ النُّورِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الظُّلْمَةَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] قَالَ أَعْنِي الْبَيْضَاوِيَّ وَمَا عَلِمَ أَنَّ الظُّلْمَةَ لَيْسَتْ عَدَمًا مَحْضًا حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا الْجَعْلُ بَلْ هُوَ عَدَمٌ مَخْصُوصٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَعْلُ وَالتَّقَابُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النُّورِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبَرْزَنْجِيُّ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضٌ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَةَ وُجُودِيَّةٌ بِأَنَّهَا تُرَى وَلَا شَيْءَ مِنْ الْعَدَمِ يُرَى قَالَ وَجَوَابُهُ بِالْمَنْعِ وَسَنَدُ الْمَانِعِ اسْتِوَاءُ الْحَالَيْنِ فَتْحُ الْبَصَرِ وَتَغْمِيضُهُ فِي الظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَةَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ أَنَّ مَنْ فِي الْغَارِ الْمُظْلِمِ مَثَلًا يُبْصِرُ مَنْ كَانَ خَارِجَهُ فَلَوْ كَانَتْ الظُّلْمَةُ

أَمْرٌ مَوْجُودًا لَمَنَعَتْ الرُّؤْيَةَ وَقَدْ أَشَارَتْ أَيْضًا الْآثَارُ النَّبَوِيَّةُ وَالْحَقَائِقُ الصُّوفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْأَعْدَامَ ظُلْمَةٌ وَعَمَاءٌ بَحْتٌ وَأَنَّ النُّورَ هُوَ الْمَوْجُودُ إذَا حَقَّقْتَ مَا ذَكَرْنَا فَقَوْلُ السَّائِلِ فِي الظِّلِّ هَلْ هُوَ عَدَمُ الشَّمْسِ قُصُورٌ بَلْ الظِّلُّ عَدَمُ الْأَضْوَاءِ كَانَتْ مِنْ الشَّمْسِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ وَالْمَصَابِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ ذِي شُعَاعٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُهُ إنَّ الظِّلَّ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ مَعْنَاهُ عَدَمُ النُّورِ لِمَنْعِ الْجِسْمِ مِنْ نُفُوذِ الْأَضْوَاءِ الشُّعَاعِيَّةِ كَمَا عَلِمْتَ وَمَا يُشَاهَدُ مِنْ التَّشْكِيلِ فِيهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَائِمٌ بِالْهَوَاءِ الْمَمْنُوعِ عَنْهُ الضَّوْءُ لِتَبَعِيَّةِ الْجِسْمِ صَاحِبَ الظِّلِّ وَكَذَا مَا يُشَاهَدُ مِنْ التَّحَرُّكِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْجِسْمِ صَاحِبِ الظِّلِّ إذَا تُحَرَّكَ نَفَذَ الضَّوْءُ لِلْمَكَانِ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ أَوَّلًا وَانْعَدَمَ عَنْ الثَّانِي الْمُقَابِلِ لِلْجِسْمِ الْمُتَحَرِّكِ فَيُتَخَيَّلُ أَنَّ الظِّلَّ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَتَحَرَّكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ الَّذِي فِي الْآيَةِ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَلَا نَقُولُ بِالثَّانِي الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ السَّائِلُ إلْزَامَاتِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّا نَقُولُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ الظِّلَّ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَهُوَ قَائِمٌ بِكُرَةِ الْهَوَاءِ كَالرَّوَائِحِ وَالْأَصْوَاتِ فَتَحَرُّكُهُ بِتَحَرُّكِ تَعَلُّقِهِ بِالْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِهِ كَمَا قَالُوا فِي وُصُولِ الصَّوْتِ لِمَقْعَرِ الْأُذُنِ فَهُوَ قَائِمٌ بِالْهَوَاءِ الْمُمَاسِّ لِسَطْحِ الْأَرْضِ لَا بِالْأَرْضِ وَلَا بِالْجِسْمِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ هَذَا السَّائِلُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَشْهُورٍ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ أَخَذَ الْعَهْدَ أَوَّلًا عَلَى وَحِيدِ دَهْرِهِ وَفَرِيدِ عَصِيرِهِ الْعَارِفِ بِرَبِّهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ فَتْحَ اللَّهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى الشَّيْخِ الْجُنَيْدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ هَذَا الْأَخِيرُ بِنَحْوِ عَامٍ رَآهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَنَامًا فِي كُلِّ رُؤْيَةٍ يَقُولَانِ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِكَ الْعَهْدَ لِمَنْ سَأَلَكَ إيَّاهُ وَرَأَى بَعْضُ الصَّالِحِينَ مَا يُوَافِقُ رُؤْيَاهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَهْدَ لِمَنْ سَأَلَهُ إيَّاهُ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فِي الْمَنَامِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى اللَّائِمِينَ مِنْ الْعَوَامّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كُنْتُ أَيُّهَا السَّائِلُ أَنْتَ الَّذِي تُرِيدُ ذَلِكَ فَأَنْتَ طَبِيبُ نَفْسِكَ وَأَدْرَى بِأَحْوَالِهَا فَإِنْ عَلِمْتَ مِنْهَا الْكَمَالَ وَالْوُصُولَ إلَى حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاجْتِمَاعِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقِظَةً وَأَهْلٌ لَأَنْ تَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي إيصَالِهِمْ إلَيْهِ وَجَمْعِهِمْ عَلَيْهِ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فِي الْمَنَامِ

وَلَا تَلْتَفِتْ لِلَوْمِ الْعَوَامّ وَإِنْ عَلِمْتَ مِنْهَا ضِدَّ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ التَّبَاعُدُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الْخَطِرِ وَكَيْفَ تَتَهَاجَمُ عَلَى أَنْ تُدْخِلَ غَيْرَكَ إلَى حَضْرَةِ مَلِكِ الْمُلُوكِ وَأَنْتَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْهَا صُعْلُوكٌ أَمَا تَخْشَى عَلَى نَفْسِكَ سَلْبَ الْإِيمَانِ وَإِلْبَاسَهَا ثِيَابَ الذُّلِّ وَتَخْلِيدَهَا فِي دَارِ الْهَوَانِ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ أَمْرُ نَفْسِكَ فَحِكْهَا بِمَحَكِّ التَّحْقِيقِ وَأَعْرِضْ عَلَيْهَا مُشْكِلَاتِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْفِقْهِ فَإِنْ أَحْسَنْتَ ذَلِكَ وَعَلِمْته عِلْمَ أَهْلِ الْعِرْفَانِ فَهِيَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَالِحَةٌ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ ذَلِكَ فَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي دَعْوَاهَا لَاعِبَةٌ بِكَ سَاعِيَةٌ فِي هَلَاكِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ مُخَالَفَتُهَا وَرَدْعُهَا عَنْ ذَلِكَ وَطُرُقُ الْمَعَاشِ كَثِيرَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ عَمَلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ لَا يَشُمُّ رِيحَ الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّ رِيحَهَا يُشَمُّ عَلَى خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَإِنْ كُنْتَ أَيُّهَا السَّائِلُ غَيْرَ مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ فَحُكَّهُ بِذَلِكَ الْمَحَكِّ فَإِنَّهُ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ وَالْبُرْهَانُ السَّاطِعُ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلِيٍّ جَاهِلٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ أَنَّ الْمُرَبِّيَ يَعْرِفُ مُرِيدَهُ وَهُوَ نُطْفَةٌ فِي ظَهْرِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ لِهَذَا الَّذِي يُرِيدُ التَّرْبِيَةَ وَالتَّسْلِيكَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَا حَبَّذَا وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّأَدُّبُ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا يَعْنِيهِ وَأَنْ لَا يَبِيعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قَدِيمَانِ وَلَوْ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحُدُوثِهِمَا وَأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ؟ فَهَلْ مَا قَالَهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَفِيهِمَا الْخِلَافُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الزَّاعِمِ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ مَا قَالَهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَفِيهِمَا الْخِلَافُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ بِالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَاشْتِرَاطِ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ. قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْمَحَلِّيِّ وَحَاشِيَتِهِ لِلْبُنَانِيِّ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذْ ذَاكَ يَعْنِي وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقُهَا وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمُهَا لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قِسْمَانِ مِنْ الْحُكْمِ الْمُعْتَبَرِ فِي مَفْهُومِهِ التَّعَلُّقَ كَمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهَا فِيمَا لَا يَزَالُ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَكُونُ الْأَنْوَاعُ حَادِثَةً مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ فِي الْأَزَلِ إلَيْهَا بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ حُدُوثِ الْأَنْوَاعِ مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا يَلْزَمُهُ مُحَالٌ مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ أَنْوَاعِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ أَيْ عَوَارِضُ لَهُ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهَا تَحْدُثُ

بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَيْهَا عَلَى الثَّانِي بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ صِفَةً وَاحِدَةً كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ فَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فِي الْأَزَلِ أَوْ فِيمَا لَا يُزَالُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ لِفِعْلِهِ يُسَمَّى أَمْرًا أَوْ لِتَرْكِهِ يُسَمَّى نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ انْتَهَى. وَقَالَ السُّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى قَالَ سَعِيدُ بْنُ كِلَابٍ إنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِسَبْعِ صِفَاتٍ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِخْبَارُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالنِّدَاءُ وَالْكُلُّ قَدِيمٌ عِنْدَهُ وَنُقِلَ عَنْهُ قِدَمُ الْكَلَامِ فَقَطْ أَيْضًا وَأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ السَّبْعَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْكَلَامِ فِيمَا لَا يَزَالُ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ تَعَقُّلَ وُجُودِ الْكَلَامِ أَزَلًا بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ مُحَالٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ وُجُودُ الْجِنْسِ خَارِجًا فِي غَيْرِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ. ثُمَّ قَالَ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يُسَمَّى أَمْرًا وَنَهْيًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ لَا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَإِنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ مِثْلَ هَذَا انْتَهَى. وَأَشَارَ لِلْخِلَافِ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ أَيْضًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يَنْفُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْمُقَسَّمَ إلَيْهَا وَجَزَاءُ هَذَا الزَّاعِمِ الْمُتَجَارِي مَعَ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ التَّأْدِيبُ الشَّدِيدُ لِيَرْتَدِعَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْيُوسِيُّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْكُبْرَى اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيٌّ يَتَنَوَّعُ فِي الْأَزَلِ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَعَ تَنَوُّعِهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ فِي نَفْسِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ مَثَلًا إنْ تَعَلَّقَ بِاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ سُمِّيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَمْرًا أَوْ بِاقْتِضَاءِ التَّرْكِ سُمِّيَ نَهْيًا، وَهَكَذَا وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ أَمْرٌ مِنْ غَيْرِ مَأْمُورٍ وَنَهْيٌ مِنْ غَيْرِ مَنْهِيٍّ، وَهُوَ مُحَالٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُحَالًا لَوْ أُرِيدَ تَنْجِيزُ التَّكْلِيفِ فِي الْأَزَلِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَهَذَا الْمَقَامُ يُحَقَّقُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَعْنِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْكَلَامَ هَلْ يُسَمَّى خِطَابًا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا وَأَنَّ الْمَعْدُومَ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ أَمْ لَا قَالَ الْعَضُدُ فِي الشَّرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْأَصْلِيِّ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ يَعْنِي وُجُودَ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلَّقٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ لَيْسَ كَلَامُهُ فِي الْأَزَلِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا وَخَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ وَقَالَ الْقَدِيمُ هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ حَادِثَةٌ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ أَنْوَاعٌ لِجِنْسِ الْكَلَامِ وَالْجِنْسُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ نَوْعٍ مَا فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْكَلَامِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ. قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ سَعِيدٍ يَمْنَعُ كَوْنَهَا أَنْوَاعًا بَلْ عَوَارِضَ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ وَيَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْ التَّعَلُّقِ وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ التَّعَلُّقِ مِنْ حَقِيقَتِهِ وَلَهُ تَحْقِيقٌ وَتَدْقِيقٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ انْتَهَى. قَالَ السَّعْدُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَحْقِيقٌ أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَا يَدْخُلُ فِي حَقِيقَتِهِ التَّعَلُّقُ ثُمَّ تَتَكَثَّرُ تَكَثُّرًا اعْتِبَارِيًّا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ التَّعَلُّقَاتِ

مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِمَا لَوْ فَعَلَ فِعْلًا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ وَتَارِكُهُ الذَّمَّ يُسَمَّى أَمْرًا وَبِالْعَكْسِ نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَنَوُّعًا كَالْعِلْمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَا يَصِيرُ بِاعْتِبَارِهَا أَنْوَاعًا مُتَعَدِّدَةً وَكَذَا الْقُدْرَةُ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَشَى السَّعْدُ فِي شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْأَقْسَامُ لَا يُعْقَلُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ أَحَدُ تِلْكَ الْأَقْسَامِ عِنْدَ التَّعَلُّقَاتِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ وَأَمَّا فِي الْأَزَلِ فَلَا انْقِسَامَ أَصْلًا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ يَعْنِي السَّعْدَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَحَدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ تَنَوُّعُ الْكَلَامِ يَحْدُثُ عَنْهُ حُدُوثَ التَّعَلُّقَاتِ التَّنْجِيزِيَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي التَّنَوُّعِ التَّعَلُّقَاتِ الْحَادِثَةَ وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ التَّعَلُّقَاتِ الْأَزَلِيَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ الْخَيَّالِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْ السَّعْدِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ هَذَا مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ بِدُونِهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ الْأَزَلِيَّةِ قِفْ عَلَى كَلَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْيُوسِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْفِهْرِيِّ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا نَفَتْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْأَزَلِيَّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَزَلِيًّا لَكَانَ فِي الْأَزَلِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بِلَا مَأْمُورٍ وَلَا مُنْهًى وَهُوَ عَبَثٌ. أَجَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَالْقَلَانِسِيُّ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى كَلَامًا أَزَلِيًّا لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا وَلَا خَبَرًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ وَالْمُخْبَرِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. وَأَجَابَ كَذَلِكَ وَقَالَ الْعُكَارِيُّ خَصَّ ابْنُ سَعِيدٍ لِتَرَدُّدِ النَّقْلِ عَنْهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ زَعْمَ الزَّاعِمِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ كَيْ يَنْزَجِرَ عَنْ التَّجَارِي وَيَرْجِعَ لِلْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ كَانَتْ لَهُمْ أَحَادِيثُ مُدَوَّنَةٌ كَأَحَادِيثِ نَبِيِّنَا أَوْ هَذَا التَّدْوِينُ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا التَّدْوِينُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وَمِنْهَا أَنَّهُمْ أُوتُوا الْإِسْنَادَ، وَهُوَ خَصِيصَةٌ فَأَفْضَلُهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسُنَّةٌ بَالِغَةٌ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيِّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاتِمِ بْنِ الْمُظَفَّرِ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَشَرَّفَهَا وَفَضَّلَهَا بِالْإِسْنَادِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ كُلِّهَا قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا إسْنَادٌ إنَّمَا هُوَ صُحُفٌ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَدْ خَلَطُوا بِكُتُبِهِمْ أَخْبَارَهُمْ فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ تَمْيِيزٌ بَيْنَ مَا نَزَلَ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَبَيْنَ مَا أَلْحَقُوهُ بِكُتُبِهِمْ مِنْ

الأطفال هل يسألون في قبورهم

الْأَخْبَارِ الَّتِي اتَّخَذُوهَا مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ وَهَذِهِ الْأُمَّةُ الشَّرِيفَةُ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا بِنَبِيِّهَا إنَّمَا تَنُصُّ الْحَدِيثَ عَنْ الثِّقَةِ الْمَعْرُوفِ فِي زَمَانِهِ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ عَنْ مِثْلِهِ حَتَّى تَتَنَاهَى أَخْبَارُهُمْ ثُمَّ يَبْحَثُونَ أَشَدَّ الْبَحْثِ حَتَّى يَعْرِفُوا الْأَحْفَظَ فَالْأَحْفَظَ، وَالْأَضْبَطَ فَالْأَضْبَطَ وَالْأَطْوَلَ مُجَالَسَةً لِمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ كَانَ أَقْصَرَ مُجَالَسَةً ثُمَّ يَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ حَتَّى يُهَذِّبُوهُ مِنْ الْغَلَطِ وَالزَّلَلِ وَيَضْبِطُوا حُرُوفَهُ وَيَعُدُّوهُ عَدًّا فَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَنَسْتَوْدِعُ اللَّهَ تَعَالَى شُكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نِعْمَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ لَمْ يَكُنْ فِي أُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ أُمَنَاءُ يَحْفَظُونَ آثَارَ الرُّسُلِ إلَّا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَمِنْهَا تَصْنِيفُ الْكُتُبِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْأَطْفَالِ هَلْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَطْفَالِ هَلْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ؟ جَوَابُهُ: الَّذِي جَزَمَ بِهِ السُّيُوطِيّ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا تَقُولُ) فِي سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هُنَاكَ مَخْلُوقٌ أَفْضَلُ مِنْهُ وَإِذَا قُلْتَ لَا مَخْلُوقَ أَفْضَلَ مِنْهُ فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَخْلُوقًا أَفْضَلُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا الْحُكْمُ فِيهِ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ بَاقِي الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَشَاعَتْ أَفْضَلِيَّتُهُ وَذَاعَتْ، وَصَارَتْ كَالْمَعْلُومَاتِ الضَّرُورِيَّةِ حَتَّى عِنْدَ الْعَوَامّ فَإِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَصْرُخُونَ بِهَا عَلَى الْمَآذِن لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَبَاحًا وَمَسَاءً وَالْمَدَّاحِينَ كَذَلِكَ فِي الْأَزِقَّةِ وَالطُّرُقِ، وَدَلَائِلُ الْخَيْرَاتِ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ وَنُسَخُهَا كَثِيرَةٌ وَقِرَاءَتُهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ شَهِيرَةٌ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُهَا وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْهَا وَجَحَدَهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ نَجَا وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ قَالَ الْبُرْهَانُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ: وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ... نَبِيُّنَا فَمِلْ عَنْ الشِّقَاقِ أَفْضَلِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ قَوَاطِعَ الْأَدِلَّةِ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخِلَافِ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمَلَكِ وَالْبَشَرِ ثُمَّ قَالَ اللَّقَانِيُّ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَظَوَاهِرُهُ كَقَوْلِ النَّوَوِيِّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادِ التَّفْضِيلِ مُفِيدَةٌ لِوُجُوبِهِ وَانْظُرْ مَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ كَذَلِكَ فَإِنِّي لَا أَسْتَحْضِرُهُ الْآنَ وَلَا يَبْعُدُ تَفْسِيقُهُ وَتَبْدِيعُهُ إنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَأَمَّا خَرْقُ الْإِجْمَاعِ فَفِيهِ مَا يَأْتِي انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِي هِدَايَةِ الْمُرِيدِ لِجَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ الظَّاهِرُ

أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَاجِبُ الِاعْتِقَادِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَلَفْظُ النَّوَوِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادِ التَّفْضِيلِ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ فِي عِصْيَانِ مُنْكِرِهِ وَتَبْدِيعِهِ وَتَأْدِيبِهِ وَانْظُرْ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْيُوسِيُّ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ جِبْرِيلَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فَأَقَلُّ الْوَاجِبِ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ تَهْدِيدُهُ وَتَأْدِيبُهُ وَحَبْسُهُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ رَدْعًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ وَصِيَانَةً لِهَذَا الْجَنَابِ الشَّرِيفِ وَالْمَقَامِ الْمُنِيفِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْخَلْوَةِ الْأَرْبَعِينِيَّةَ الَّتِي هِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا الْمَنْسُوبَةُ لِلسَّادَاتٍ الْخَلْوَتِيَّةِ وَهَلْ إذَا ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّهَا كُفْرٌ أَوْ حَرَامٌ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا لُبْسُ التَّاجِ الَّذِي جَعَلُوهُ عَلَامَةً عَلَى انْتِهَاءِ الْمُرِيدِ فِي الطَّرِيقِ مَا حُكْمُهُ لِمَنْ انْتَهَى فِيهِ وَمَاذَا يَلْزَمُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَا يَلْبَسُهُ إلَّا الْكُفَّارُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْخَلْوَةُ مُسْتَحَبَّةٌ شَرْعًا وَلَهَا شَوَاهِدُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ تَجِبُ إنْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهَا سَلَامَةُ الدِّينِ وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَقَطْعُ عَقَبَاتِهَا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَمَا تُوُقِّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَمُدَّعِي أَنَّهَا كُفْرٌ أَوْ حَرَامٌ جَاهِلٌ وَكَلَامُهُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ التَّأْدِيبُ الشَّدِيدُ وَالِاسْتِتَابَةُ لِتَجَارِيهِ وَاسْتِهَانَتِهِ بِالدِّينِ وَلُبْسُ التَّاجِ جَائِزٌ شَرْعًا لِمَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ وَلَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَمُدَّعَى حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ كَاذِبٌ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّأْدِيبِ الشَّدِيدِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِ لَا يَلْبَسُهُ إلَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ وَغَايَةٌ فِي إسَاءَةِ الْأَدَبِ فِي حَقِّ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ وَهِيَ غَايَةُ الطُّغْيَانِ وَالْخُسْرَانِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَتَلْبِيسٌ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ وَتَحَيُّلٌ عَلَى تَحْصِيلِ الدُّنْيَا بِأُمُورِ الدِّينِ وَيُخْشَى مِنْهُ سُوءُ الْخَاتِمَةِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِرْقَةَ وَعَلَمَ الرَّايَةِ وَالْحِزَامَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الطَّرِيقِ بَلْ مَدَارُ أَصْلِ الطَّرِيقِ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَإِلْزَامُهَا بِالشَّرِيعَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَلِذَلِكَ لَمَّا سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْبَاطِنِ قَالَ لِلسَّائِلِ اعْمَلْ بِعِلْمِ الظَّاهِرِ يُوَرِّثُكَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ الْبَاطِنِ لَكِنَّ مُسْتَنَدَ الْقَوْمِ أَنَّ جِهَادَ النَّفْسِ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ، وَقَدْ وَرَدَ تَعْمِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي الْجِهَادِ وَعَقْدُ اللِّوَاءِ لَهُ وَاغْتِفَارُهُ الشِّعْرَ وَالتَّبَخْتُرَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كَمَا قَالَ إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغُضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَجَعَلَ الشِّعَارَ فِي الْقَوْمِ لِيَجْتَمِعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَكَذَلِكَ الْقَوْمُ تَبَرَّكُوا بِاللِّبَاسِ الْخِرْقَةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِنِيَّاتِهَا وَنَشَرُوا الْأَعْلَامَ وَاغْتَفَرُوا هَزَّ الْجِسْمِ فِي الذِّكْرِ وَالْإِنْشَادِ إعَانَةً عَلَى الْمُجَاهَدَةِ وَلِيَجْتَمِعَ بِخِرْقَتِهِمْ أَصْحَابُ

رؤية الله تعالى مناما

طَرِيقَتِهِمْ الَّذِينَ هُمْ يَتَعَاوَنُونَ بِحَالٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا بُغْضٍ لِخِرْقَةِ غَيْرِهِمْ بَلْ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ: فَنَادِمْنِي بِمِثْلِ لِسَانِ حَالِي ... تُرِحْنِي وَأَطْرَبُ مِنْ قَرِيبِ وَالْمُدَّعُونَ الْيَوْمَ أَفْسَدُوا الْأَوْضَاعَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الصُّوَرِ الظَّاهِرِيَّةِ. وَاعْلَمْ بِأَنَّ طَرِيقَ الْقَوْمِ دِرَاسَةٌ وَحَالُ مَنْ يَدَّعِيهَا الْيَوْمَ كَمَا تَرَى. [رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى مَنَامًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ يَجُوزُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنَامًا فِي صُورَةِ رَجُلٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ شَابٍّ» وَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَشَكَّلَ مَا لَا يَتَشَكَّلُ فِي الْمَنَامِ جَائِزٌ وَنَوْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنَزَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْحَوَادِثِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سَيِّدِ كُلِّ حَادِثٍ، قَوْلُهُ تَجُوزُ رُؤْيَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صُورَةِ رَجُلٍ بَاطِلٍ لِوُجُوبِ مُخَالَفَتِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِلْحَوَادِثِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ إنْ صَحَّ يُؤَوَّلُ بِتَقْدِيرٍ مُضَافٍ أَيْ مَلِكَ رَبِّي أَوْ جُعِلَ فِي صُورَةِ شَابٍّ حَالًا مِنْ تَاءِ رَأَيْتُ أَيْ حَالَ كَوْنِي فِي صُورَةِ شَابٍّ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنْ صَحَّ مَعْنَاهُ مَا لَا يَتَشَكَّلُ مِنْ الْحَوَادِثِ الْقَابِلَةِ لِلتَّشَكُّلِ مَا لَا يَشْمَلُ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ التَّشَكُّلُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَقَوْلُهُ نَوْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَا كَغَيْرِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رُؤْيَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْيٌ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ نَادَى هَذَا الْقَائِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَهْلِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَاءَ الْأَدَبَ فِي حَقِّهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى جَوْهَرَتِهِ اُخْتُلِفَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَمُعْظَمُ الْمُثْبِتِينَ لِلرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى جَوَازِهَا مِنْ غَيْرِ كَيْفِيَّةٍ وَجِهَةٍ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَصِحَّتِهَا وَإِنْ رَآهُ الْإِنْسَانُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كَانَ ذَلِكَ الْمَرْئِيُّ غَيْرَ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - التَّجْسِيمُ وَلَا اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ قَالَ الْقَرَافِيُّ عَقِبَ كَلَامِ عِيَاضٍ هَذَا إنْ ادَّعَاهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا كَوَلِيٍّ يُوثَقُ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومَاتِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَإِذَا قُبِلَ خَبَرُ الْوَلِيِّ فِي الْكَرَامَةِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ الْمُخَصِّصَةِ لِلْعُمُومَاتِ الْقَطْعِيَّةِ فَأَوْلَى فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ الظَّنِّيِّ وَأَمَّا إنْ دَعَاهَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَالْعَاصِي وَالْمُقَصِّرِ فَإِنَّهُ يُكَذِّبُ هَذَا كُلَّهُ إذَا رَآهُ تَعَالَى عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ كَمَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ تَعَالَى عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَرُؤْيَتِهِ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ يَتَقَاضَى مِنْ الرَّائِي أَمْرًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِأَمْرٍ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْ شَرٍّ وَيَقُولُ لَهُ أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ وَتَكُونُ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ فَتَدُلُّ عَلَى مَا كَانَ

مسائل أصول الفقه

أَوْ سَيَكُونُ كَغَيْرِهَا مِنْ الرُّؤْيَاتِ فَيُسْأَلُ عَنْ تَعْبِيرِهَا وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الرَّائِي أَنَّ مَرْئِيَّهُ أَمْرٌ وَارِدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ اللَّهِ عَلَى مَرْئِيِّهِ مُجَازٌ كَإِطْلَاقِهِ فِي حَدِيثِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا عَلَى مَلَكٍ حَامِلٍ أَمْرَهُ أَوْ رَحْمَتَهُ تَعَالَى» انْتَهَى. [مَسَائِلُ أُصُولِ الْفِقْهِ] [أَنْوَاع الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ أُصُولِ الْفِقْهِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْلِهِمْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ: خَمْسَةٌ تَكْلِيفِيَّةٌ الْإِيجَابُ، وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ، وَخَمْسَةٌ وَضْعِيَّةٌ السَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَالْمَانِعُ وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ فَمَا مَعْنَى عَدِّ الْإِبَاحَةِ مِنْ التَّكْلِيفِيَّةِ، وَمَا كَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ فِي قَوْلِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ يَجْرِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَتَبْلُغُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَعْنَى وَجْهِ عَدِّهِمْ الْإِبَاحَةَ فِي التَّكْلِيفِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ لِلتَّكْلِيفِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَقِيلَ فِيهِ إنَّهُ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ طَلَبًا وَلَا إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ إنَّمَا هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ التَّغْلِيبُ أَوْ كَوْنُهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً - فِي حَوَاشِي الْجَوْهَرَةِ وَنَصُّهُ: " وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَيْسَتْ تَكْلِيفًا عَلَيْهِمَا أَيْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ إنْ قُلْتَ كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ عَشَرَةٌ، خَمْسَةٌ وَضْعٌ السَّبَبُ، وَالشَّرْطُ وَالْمَانِعُ وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ، وَخَمْسَةٌ تَكْلِيفٌ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ قُلْت إمَّا أَنَّهُ تَغْلِيبٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهَا مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ أُصُولُ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَالْبَهَائِمِ مُهْمَلَةٌ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا مُبَاحَةٌ وَتَقْرِيبُهُ أَنَّ مَعْنَى مُبَاحَةٍ لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا فِي تَرْكِهَا وَلَا يُنْفَى الشَّيْءُ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ انْتَهَى. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَالصَّلَاةِ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْإِيمَانِ وَسَبَبٌ لِلْعَدَالَةِ وَمَانِعٌ مِنْ الْقَتْلِ لِتَرْكِهَا وَصَحِيحَةٌ إنْ وَافَقَتْ الشَّرْعَ، وَفَاسِدَةٌ إنْ خَالَفَتْهُ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْبَقِيَّةِ وَإِنْ شِئْت قُلْت السَّبَبُ إمَّا وَاجِبٌ كَالْإِيمَانِ لِلنَّجَاةِ مِنْ دُخُولِ النَّارِ وَسَعَادَةِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَإِمَّا حَرَامٌ كَالزِّنَا لِلْحَدِّ وَإِمَّا مَكْرُوهٌ كَأَكْلِ الْبَصَلِ لِخُبْثِ رِيحِ الْفَمِ وَإِمَّا مَنْدُوبٌ كَتَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ لِزِيَادَةِ الثَّوَابِ وَإِمَّا مُبَاحٌ كَالْأَكْلِ لِلشِّبَعِ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْبَقِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي قِيَامِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دُخُولِهِ عَلَيْهِمْ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ ثُبُوتَهُ مَعَ إقْرَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَيْهِ وَصَيْرُورَتِهِ سُنَّةً لَهُمْ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ثُبُوتَهُ مَعَ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ وَنَهْيِهِمْ عَنْهُ فَهُوَ ثَابِتٌ، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ» لِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًى فَقُمْنَا إلَيْهِ فَقَالَ لَا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُومُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ» انْتَهَى. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لِلْأَوَّلَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ، وَكَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ إلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَفِيهِ بَيَانُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ وَقَعَ الْقِيَامُ وَهُوَ التَّقْبِيلُ وَإِجْلَاسُ الْوَارِدِ فِي مَجْلِسِ صَاحِبِ الْبَيْتِ لَا التَّعْظِيمُ بِنَفْسِ الْقِيَامِ فَلِذَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّ بِنْتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَلَى فِعْلِهِ وَقَدْ بَسَطَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَدْخَلِهِ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا ادَّعَاهُ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ حَالَ قِرَاءَتِهِ مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي مَسْجِدِ الْحُسَيْنِ بِرَمَضَانَ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا يَأْخُذُ وَيَرْجِعُ إلَيْهَا فِي اجْتِهَادِهِ وَأَنَّ مَدَارَ مَذْهَبِهِ عَلَيْهَا وَقَالَ إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ وَمَنْقُولٌ وَأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَنَّهُ بَابٌ طَوِيلٌ لَا يَنْبَغِي فَتْحُهُ بَلْ الْأَوْلَى غَلْقُهُ فَهَلْ لِهَذَا الْقَوْلِ صِحَّةٌ وَهَلْ لِقَائِلِهِ شُبْهَةٌ وَكَيْفَ هَذَا مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَأَنَّهُ يَحْتَاطُ مَتَى احْتَاطَ الشَّارِعُ وَأَنَّهُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَنَجْمُ السُّنَّةِ وَمَدَارُ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهَا عَلَيْهِ وَنَسْمَعُ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بَيَّنُوا لَنَا حَقِيقَةَ الْحَالِ وَالْحَقُّ لَا كَلَامَ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا ادَّعَاهُ هَذَا الرَّجُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ

الْكَذِبَ فَهُوَ الْبُهْتَانُ وَسَبَبُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الضَّلَالَ فَهُوَ الْخُسْرَانُ وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لِطَعْنٍ فِي رَاوِيهِ لَا يَحْتَجُّ بِهِ أَحَدٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَلَوْ وَقَعَ هَذَا لَمْ يَبْقَ لِلتَّعْدِيلِ ثَمَرَةٌ وَالنُّصُوصُ الَّتِي فِي أَيْدِينَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ حُكْمًا يُخَالِفُ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ وَالْحَسَنَةَ يَجِبُ نَقْضُهُ. وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْطُ الرَّاوِي الْعَدَالَةُ إلَى أَنْ قَالَ فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا وَهُوَ الْمَسْتُورُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ فُورَكٍ وَسُلَيْمٍ فِي قَوْلِهِمْ بِقَبُولِهِ اتِّبَاعًا لِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُظَنُّ مِنْ عَدَالَتِهِ فِي الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ فِي الْبَاطِنِ إلَى أَنْ قَالَ أَمَّا الْمَجْهُولُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَمَرْدُودٌ إجْمَاعًا لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ وَظَنِّهَا وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ عَنْ رَجُلٍ مَرْدُودٍ إجْمَاعًا فَإِنَّ وَصْفَهُ نَحْوُ الشَّافِعِيِّ بِالثِّقَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَكَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَلِيلًا فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ وَاصِفَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا وَهُوَ كَذَلِكَ انْتَهَى. مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ الْمُحَلَّى عَلَيْهِ. وَفِي الدِّيبَاجِ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ مَا نَصُّهُ وَأَنْتَ إذَا نَظَرْتَ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ مَنَازِعَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَمَآخِذَهُمْ فِي الْفِقْهِ وَاجْتِهَادَهُمْ فِي الشَّرْعِ وَجَدْتَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَاهِجًا فِي هَذِهِ الْأُصُولِ مَنَاهِجَهَا مُرَتِّبًا لَهَا مَرَاتِبَهَا وَمَدَارِجَهَا مُقَدِّمًا كِتَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْآثَارِ ثُمَّ مُقَدِّمًا لَهَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ تَارِكًا مِنْهَا مَا لَمْ تَتَحَمَّلْهُ الثِّقَاتُ الْعَارِفُونَ لِمَا تَحَمَّلُوهُ. وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ أُوَيْسٍ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِمَّنْ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ هَذِهِ الْأَسَاطِينِ، وَأَشَارَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَا أَخَذْتُ عَنْهُمْ شَيْئًا وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ أَمِينًا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَجْوَدَ أَخْذًا لِلْعِلْمِ مِنْ مَالِكٍ وَلَا أَشَدَّ انْتِقَادًا لِلرِّجَالِ وَالْعُلَمَاءِ مِنْهُ انْتَهَى، وَلَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ طَالَعَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ أَوْ الْمُصْطَلَحِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ إلَّا بِبَعْضِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَأَنَّ الضَّعِيفَ قِسْمٌ مِنْ الْمَرْدُودِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ الشَّائِعِ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَأَنْ لَا يُعْتَقَدَ ثُبُوتُهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لَا يُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا وَهَذَا شَيْءٌ يَعْرِفُهُ صِغَارُ الطَّلَبَةِ، فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ اعْتَقَدَ هَذَا الْغَبِيُّ أَنَّ مَالِكًا يَجْهَلُ مَا تَعْرِفُهُ الصِّغَارُ أَوْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ مِنْ الْأَخْبَارِ أَوْ يَتَلَاعَبُ بِالشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ أَوْ يَقْصِدُ إضْلَالَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَيَلْبِسُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ فَيَتْرُكُ الْقَوِيَّ وَيَأْخُذُ الضَّعِيفَ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ فَضَحَ نَفْسَهُ بِإِظْهَارِ شِدَّةِ جَهْلِهِ وَسُوءِ حِفْظِهِ وَسَخَافَةِ عَقْلِهِ. وَلَقَدْ صَرَّحَ

الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَةَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ يَصِيرُونَ فِي سِتْرِ اللَّهِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ عُيُوبِهِمْ إلَّا مَا فِيهِ نَصِيحَةٌ لِلْأُمَّةِ لِمَا صَحَّ مِنْ الْأَمْرِ بِذِكْرِ مَحَاسِنِ الْأَمْوَاتِ وَالْكَفِّ عَنْ مَسَاوِيهِمْ فَكَيْفَ نَتْرُكُ الْمَحَاسِنَ وَنَخْتَرِعُ عُيُوبَ مَنْ لَا عَيْبَ فِيهِ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَأَعْلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى وَرِقَّةُ الدِّيَانَةِ وَغَلَبَةُ الْجَهْلِ تُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. هَذَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَدَارُ مَذْهَبِهِ عَلَيْهَا هِيَ مَا فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ وَشَهَادَةُ هَذَا الْإِمَامِ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى شَيْءٍ وَلَا يُعَادِلُهَا شَيْءٌ وَلَا يُلْتَفَتُ لِغَيْرِهَا إنْ وُجِدَ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ لَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَحَادِيثِ مَالِكٍ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهَا صِحَاحٌ كُلُّهَا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى حَدِيثِ غَيْرِهِ كَانَ حَانِثًا اهـ. نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الدِّيبَاجِ وَالْبَرْزَلِيُّ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ عِيَاضٍ فِي الْمَدَارِكِ وَالْحَطَّابِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أُنْشِدَ فِي الدِّيبَاجِ لِعِيَاضٍ إذَا ذُكِرَتْ كُتُبُ الْحَدِيثِ فَحَيْهَلٍ ... بِكُتُبِ الْمُوَطَّأِ مِنْ تَصَانِيفِ مَالِكِ أَصَحُّ أَحَادِيثَ وَأَثْبَتُ حُجَّةً ... وَأَوْضَحُهَا فِي الْفِقْهِ نَصًّا لِسَالِكِ عَلَيْهِ مَضَى الْإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ... عَلَى رَغْمِ خَيْشُومِ الْحَسُودِ الْمُمَاحِكِ فَعَنْهُ فَخُذْ عِلْمَ الدِّيَانَةِ خَالِصًا ... وَمِنْهُ اسْتَفِدْ شَرْعَ النَّبِيِّ الْمُبَارَكِ وَشُدَّ بِهِ كَفَّ الصِّيَانَةِ تَهْتَدِي ... فَمَنْ حَادَ عَنْهُ هَالِكٌ فِي الْهَوَالِكِ اهـ. وَفِي الدِّيبَاجِ أَيْضًا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لِأَبِي زُرْعَةَ فِي أَحَادِيثِ مَالِكٍ لَيْسَ هَذَا زَعْزَعَةً عَنْ زَوْبَعَةٍ إنَّمَا تَرْفَعُ السِّتْرِ وَتَنَظُّرٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ. مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ أَبُو دَاوُد أَصَحُّ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ثُمَّ مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ وَقَالَ مَرَاسِيل مَالِكٍ أَصَحُّ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَمَالِكٌ أَصَحُّ النَّاسِ مُرْسَلًا، وَقَالَ شُعَيْبٌ إذَا قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي فَهُوَ إسْنَادٌ قَوِيٌّ وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ الْحَدِيثَ وَيَنْظُرَ فِي الْفِقْهِ حَدِيثُ مَنْ يَكْتُبُ وَفِي رَأْيِ مَنْ يَنْظُرُ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ مَالِكٍ وَرَأْيُ مَالِكٍ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَحَمَّادٍ وَالْحَكَمِ فِي الْعِلْمِ، وَقَالَ هُوَ إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ وَقَالَ مَالِكٌ أَتْبَعُ مِنْ سُفْيَانَ وَإِذَا رَأَيْت الرَّجُلَ يُبْغِضُ مَالِكًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ

الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَى فَضْلِهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَمَّا بَلَغَتْهُ وَفَاتُهُ مَا تَرَكَ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ إمَامٌ وَمَالِكٌ عَالِمُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَالِكٌ حُجَّةٌ فِي زَمَانِهِ وَمَالِكٌ سِرَاجُ الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا كُنَّا نَتَّبِعُ آثَارَ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَالِكٌ أُسْتَاذِي وَعَنْهُ أَخَذْت الْعِلْمَ وَمَا أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ مِنْ مَالِكٍ وَجَعَلْت مَالِكًا حُجَّةً بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ الثَّاقِبُ وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مَبْلَغَ مَالِكٍ فِي الْعِلْمِ لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَصِيَانَتِهِ وَقَالَ الْعِلْمُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ كَانَ إذَا ذَكَرَهُ قَالَ عَالِمُ الْعُلَمَاءِ وَعَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمُفْتِي الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْوَلِيدِ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَعْلَمُ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ وَلَا بَاقِيَةٍ مِنْكَ يَا مَالِكُ انْتَهَى. وَثَنَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِ لَا يُحْصَى وَالْبَحْرُ لَا تَنْزَحُهُ الدِّلَاءُ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُشَارُ إلَيْهِمْ بِجَهْلٍ وَلَا يُتَّهَمُونَ بِكَذِبٍ فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ مَا لَوْ كَانَ خَارِقًا لِإِجْمَاعِهِمْ وَكَذَّبَهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ نَعَمْ يُخَرِّجُ الْإِمَامُ فِي الْمُوَطَّأِ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَعِبَارَةُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَسْأَلَةُ الْمُرْسَلِ قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ تَابِعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْقِطًا الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْآمِدِيُّ مُطْلَقًا قَالُوا لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُسْقِطُ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَهُوَ عَدْلٌ عِنْدَهُ وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا قَادِحًا فِيهِ وَقُدِّمَ إنْ كَانَ الْمُرْسَلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ ثُمَّ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْمُسْنَدِ خِلَافًا لِقَوْمٍ وَالصَّحِيحُ رَدُّهُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي قَالَ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ فَإِنْ كَانَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ كَابْنِ الْمُسَيِّبِ قِيلَ هُوَ مُسْنَدٌ حُكْمًا لِأَنَّ إسْقَاطَ الْعَدْلِ كَذِكْرِهِ وَإِنَّ عَضُدَ مُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ ضَعِيفٌ يُرَجَّحُ كَقَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ الْأَكْثَرِ أَوْ إسْنَادٍ أَوْ إرْسَالٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ انْتِشَارٍ أَوْ عَمَلِ الْعَصْرِ كَانَ الْمَجْمُوعُ حُجَّةً وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ لَا مُجَرَّدَ الْمُرْسَلِ وَلَا الْمُنْضَمِّ فَإِنْ تَجَرَّدَ وَلَا دَلِيلَ سِوَاهُ فَالْأَظْهَرُ الِانْكِفَافُ لِأَجْلِهِ انْتَهَى بِبَعْضِ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ الْمُحَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ مَسْأَلَةُ الْمُرْسَلِ قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَالِثُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَسْنَدَ غَيْرُهُ أَوْ أَرْسَلَ وَشُيُوخُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَوْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُرْسَلُ إلَّا عَنْ عَدْلٍ قُبِلَ وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا. لَنَا أَنَّ إرْسَالَ الْأَئِمَّةِ مِنْ التَّابِعِينَ كَانَ مَشْهُورًا مَقْبُولًا وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ كَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ خَارِقًا قُلْنَا خَرْقُ الْإِجْمَاعِ الِاسْتِدْلَالِيِّ أَوْ الظَّنِّيِّ لَا يَقْدَحُ وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عِنْدَهُ لَكَانَ مُدَلِّسًا فِي الْحَدِيثِ قَالُوا لَوْ قُبِلَ لَقُبِلَ مَعَ الشَّكِّ لِأَنَّهُ لَوْ سُئِلَ لَجَازَ أَنْ لَا يَعْدِلَ

قُلْنَا فِي غَيْرِ الْأَئِمَّةِ قَالُوا لَوْ قُبِلَ لَقُبِلَ فِي عَصْرِنَا قُلْنَا لِغَلَبَةِ الْخِلَافِ فِيهِ أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَلَا رِيبَةَ تَمْنَعُ قُبِلَ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت حَالَ الْمُوَطَّأِ وَشَهَادَةَ الْأَئِمَّةِ لَهُ بِالصِّحَّةِ، وَقَدْ وَصَّلَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَمِيعَ مَا فِيهِ مَا عَدَا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ يَحْتَجُّ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا عَلَى تَفْصِيلٍ وَأَنَّ الْمَرَاسِيلَ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ وَاحْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ هِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ كُلِّ إمَامٍ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يَحْتَجُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَمَالِكٌ لَا يَقْبَلُهُ مُطْلَقًا بَلْ كَانَ يَنْتَقِي الرِّجَالَ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مَتَى رَوَى مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَكَفَانَا مَالِكٌ الْمُؤْنَةَ اهـ. فَقَوْلُ هَذَا الْمُدَّعِي إنَّ مَا قَالَهُ مَعْلُومٌ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا عِلْمُ صِحَّتِهِ فَلَا وَقَوْلُهُ مَنْقُولٌ لَعَلَّهُ عَنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ وَقَوْلُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ لَعَلَّهَا أُصُولُ جَهْلِهِ وَضَلَالِهِ وَفَسَادِ عَقْلِهِ وَخَبَالِهِ وَالْبَابُ الَّذِي قَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي فَتْحُهُ إلَخْ مَنْ الَّذِي فَتَحَهُ؟ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَعِي مَا يَقُولُ وَكَوْنُ مَالِكٍ إمَامَ الْأَئِمَّةِ وَنَجْمَ السُّنَّةِ أَمْرٌ يَعْتَرِفُ بِهِ الْمُوَافِقُ وَالْمُخَالِفُ وَكَوْنُهُ الْمُشْتَهَرَ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَمْرٌ شَهِدَ بِهِ الْعِيَانُ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ وَسُبْحَانَ مَنْ خَصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ هَذَا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْقَادِحَ فِي أَعْرَاضِ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يُظْهِرُ لَنَا جَهْلَهُ وَفَضَائِحَهُ وَخُبْثَ بَاطِنِهِ وَقَبَائِحَهُ وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَأُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُ وَقَدْ تَقَرَّرَ مَجْدُهُمْ وَثَبَتَ فَضْلُهُمْ وَاشْتَهَرَ كَمَالُهُمْ وَامْتَلَأَتْ الْقُلُوبُ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ حَتَّى لَا يَحْتَاجُونَ لِمَدْحِ مَادِحٍ وَلَا يُلْتَفَتُ فِيهِمْ لِقَدْحِ قَادِحٍ. اللَّهُمَّ أَمِتْنَا عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي عُنُقِنَا ظُلَامَةً وَأَعِدْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى نَلْقَاكَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ وَلَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ، قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي مُفِيدِ النِّعَمِ وَمُبِيدِ النِّقَمِ وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَفُضَلَاءُ الْحَنَابِلَةِ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَدِينُونَ بِطَرِيقِ شَيْخِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ لَا يَحِيدُ عَنْهَا إلَّا رَعَاعٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَحِقُوا بِأَهْلِ الِاعْتِزَالِ وَرَعَاعٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ لَحِقُوا بِأَهْلِ التَّجْسِيمِ وَبَرَّأَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَالِكِيَّةَ فَلَمْ يُرَ مَالِكِيٌّ إلَّا أَشْعَرِيَّ الْعَقِيدَةِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ يُخَاطِبُ أَهْلَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمَّا تَعَصُّبُكُمْ فِي فُرُوعِ الدِّينِ وَحَمْلُكُمْ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ فَهُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْكُمْ وَلَا يَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ إلَّا مَحْضُ التَّعَصُّبِ وَالتَّحَاسُدِ، وَلَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَأَحْمَدَ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ لَشَدَّدُوا النَّكِيرَ عَلَيْكُمْ وَتَبَرَّءُوا مِنْكُمْ فِيمَا تَفْعَلُونَ اهـ. بِحُرُوفِهِ الْفَقِيرُ مُصْطَفَى الْبُولَاقِيُّ الْمَالِكِيُّ، غُفِرَ لَهُ آمِينَ.

عمل أهل المدينة

[عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ] وَسُئِلَ أَيْضًا - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لِمَذْهَبِ إمَامِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّحِيَّةِ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُقَلِّدًا وَهَلْ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَحْتَجُّ بِعَمَلِهِمْ الصَّحَابَةُ أَوْ التَّابِعُونَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ كَانَتْ تَتَجَدَّدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَكَانَ يُنْسَخُ بَعْضُ أَحْكَامِهَا بِبَعْضٍ مُتَكَرِّرًا تَارَةً وَغَيْرَ مُتَكَرِّرٍ أُخْرَى وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ آخِرُ حَالَيْهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَالصَّحَابَةُ عَلَيْهِمْ الرِّضْوَانُ لَمْ يَكُونُوا بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْهُمْ الْمُلَازِمُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْهَبُ وَيَعُودُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَعُودُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ إذَا عَادَ وَذَكَرَ حُكْمًا يُقَالُ لَهُ إنَّكَ لَا تَدْرِي مَاذَا أَحْدَثَ بَعْدَك وَقَدْ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُمْ فِي بَلْدَةٍ مِثْلَ مَا اجْتَمَعَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُعَظَّمَةِ فَقَدْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَا لَا يُحْصَى وَمِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْعَشَرَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمُبَالِغُ فِي ضَبْطِ أَحْوَالِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَزْوَاجُهُ الْكَرِيمَاتُ الطَّاهِرَاتُ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ أَعْلَامٌ وَعَلَيْهِمْ مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَهُمْ الْعَالِمُونَ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُمْ الْمُلَازِمُونَ إلَى الْوَفَاةِ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ سَمِعَهُ مِنْ فَمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لَوْ ذَكَرَهُ لِهَؤُلَاءِ لَقِيلَ لَهُ إنَّك لَا تَدْرِي مَاذَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ خُصُوصًا وَهَؤُلَاءِ هُمْ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَنَقْلُهُمْ مُتَوَاتِرٌ وَنَقْلُ غَيْرِهِمْ آحَادٌ وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ هَدْيِهِمْ وَقَدْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمْ كَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَنَافِعٍ وَغَيْرِهِمْ. فَلِذَلِكَ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَيْهِمْ وَاتِّفَاقُهُمْ عِنْدَهُ إجْمَاعٌ وَالرُّجُوعُ لِلْإِجْمَاعِ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ لَيْسَ تَقْلِيدًا بَلْ هُوَ عَيْنُ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا بَدِيهِيٌّ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى مَعْرِفَةِ تَلَقِّي الصَّحَابَةِ لَهَا كَيْفَ تَلَقَّوْهَا مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُمْ أَعْرَفُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَعْلَى وَأَكْثَرُ وَأَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إلَّا إلَيْهِمْ فَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَعَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ إمَّا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِالْجَهْلِ وَهَذَا مِمَّا يَسْتَحِي الْعَاقِلُ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ وَسُوءُ الظَّنِّ فُسُوقٌ وَإِمَّا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِتَعَمُّدِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالتَّلَاعُبِ وَهَذَا أَدْهَى وَأَمَرُّ وَإِمَّا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا الْحَدِيثَ لِأَمْرٍ قَوِيٍّ

وَهَذَا مَا نَدَّعِيهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ قَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ فَإِنْ كَانَ اتِّفَاقُهُمْ إجْمَاعًا كَمَا يَقُولُ الْإِمَامُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَهُوَ مِثْلُهُ أَعْنِي لَا بُدَّ لِمُخَالَفَتِهِمْ مِنْ مُسْتَنَدٍ إذْ لَا سَبِيلَ لِتَجْهِيلِهِمْ وَلَا لِتَضْلِيلِهِمْ فَقَدْ ظَهَرَ لَك صَرِيحُ الْحَقِّ إنْ كُنْت تَقْبَلُ وَاَلَّذِينَ يَحْتَجُّ الْإِمَامُ بِعَمَلِهِمْ هُمْ التَّابِعُونَ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ وَهُمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ نَهْجِ الصَّحَابَةِ وَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُجَّةٌ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَهَذَا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفُوا فَإِنْ شَذَّ الْمُخَالِفُ فَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الدَّلِيلِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ الْمُجْتَهِدُ، وَقَدْ يَضْطَرِبُ نَظَرُهُ فَيُنْقَلُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ هَذَا وَمَا الدَّاعِي لِهَذِهِ الشَّقْشَقَةِ وَالْخَوْضِ فِي أَعْرَاضِ الْأَئِمَّةِ وَالْقَدْحِ فِيهِمْ أَمَا عَرَفَ أَنَّ لُحُومَهُمْ مَسْمُومَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «مَنْ عَادَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» فَلْيَخْشَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ أَوْ يُسْلَبَ إيمَانُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَنَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ مِنْ غَضَبِهِ وَمَقْتِهِ وَاسْتِدْرَاجِهِ. وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَسْتُرُ جَهْلَهُ بِسُكُوتِهِ وَالْآنَ يَسْتُرُ الْجَهْلَ بِالْقَبَاحَةِ وَالْوَقَاحَةِ وَأَيْنَ هَذَا الْغَبِيُّ مِنْ مَرَاتِبِ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَضْلًا عَنْ إمَامِ الْأَئِمَّةِ وَنَجْمِ السُّنَّةِ وَعَالِمِ الْمَدِينَةِ وَأَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي وَقْتِهِ الْمُجْمَعِ عَلَى إمَامَتِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ وَمَا الْحَامِلُ عَلَى هَذَا إلَّا شِدَّةُ الْجَهْلِ وَضَعْفُ الدِّيَانَةِ وَعَدَمُ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. الْفَقِيرُ مُصْطَفَى الْبُولَاقِيُّ. (وَسُئِلَ - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ حَدِيثِ «يس لِمَا قُرِئَتْ لَهُ» هَلْ صَحِيحٌ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ شَنَّعَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ صِحَّتَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ نَصَّ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهَرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ وَكَذَلِكَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُشَنِّعِ الْمَذْكُورِ الْأَدَبُ الشَّدِيدُ لِتَجَارِيهِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ جَاهِلٌ جَافٍ غَلِيظُ الطَّبْعِ لَمْ يُخَالِطْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِثْلُ هَذَا يُخْشَى عَلَيْهِ مَقْتُ اللَّهِ تَعَالَى لِخَوْضِهِ فِي الْأَحَادِيثِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ إذْ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ لَا يُنْكِرُ الْمَنْصُوصَ وَشِدَّةُ الْجَهْلِ وَضَعْفُ الْعَقْلِ وَعَدَمُ الدِّيَانَةِ تُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَتَبَ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ أَيْضًا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ السَّقَّا خَطِيبُ الْأَزْهَرِ مَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ قَرَّرَ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَدْرِ وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْيَمَنِيِّ

قَطْعِيٌّ انْتَهَى، فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ صِحَّتَهُ فَإِنَّ السَّخَاوِيَّ أَنْكَرَهَا وَلَا يَلِيقُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى مَنْ قَرَّرَهُ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ قَرَّرَهُ كَمَا سَمِعْته عَنْ الشَّعْرَانِيِّ وَفَضْلُ يس وَكَوْنُهَا لِقَضَاءِ الْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ بِهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ هَذَا مَا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ. الْفَقِيرُ إبْرَاهِيمُ السَّقَّا الشَّافِعِيُّ عُفِيَ عَنْهُ (وَلَمَّا) اطَّلَعَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَتَبَ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْأَسَانِيدِ لَا بِنَحْوِ الْكَشْفِ وَأَنْوَارِ الْقُلُوبِ فَمَا نَقَلَهُ الشَّعْرَانِيُّ عَنْ جَمَاعَةِ سَيِّدِي إسْمَاعِيلَ الْيَمَنِيِّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ صِحَّةَ اللَّفْظِ كَمَا فَهِمَ الْمُفْتِي تَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى السَّنَدِ وَإِلَّا رُدَّ الْقَوْلُ عَلَى قَائِلِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَدِينُ اللَّهِ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ وَالْوِلَايَةُ وَالْكَرَامَاتُ لَا دَخْلَ لَهَا هُنَا إنَّمَا الْمَرْجِعُ لِلْحُفَّاظِ الْعَارِفِينَ بِهَذَا الشَّأْنِ وَالْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فَقَدْ ذَكَرَهُ مُنْلَا قَارِي وَقَالَ: قَالَ السَّخَاوِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ وَقَالَ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ إنَّهُ لَا يَذْكُرُ الْحَدِيثَ الثَّابِتَ وَلَا الْمُخْتَلَفَ فِي وَضْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ صِحَّةَ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ اللَّائِقُ بِتَحْسِينِ الظَّنِّ بِالسَّادَةِ فَهَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ تَوَكُّلُهُ وَصَدَقَ إخْلَاصُهُ إذَا دَعَا الْإِلَهَ أَجَابَهُ خُصُوصًا إذَا تَوَسَّلَ بِالْقُرْآنِ وَيَقَعُ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الْحُفَّاظِ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ نِعْمَتْ الْفَائِدَةُ أَنَا أَقُولُ سُورَةُ الْمَائِدَةِ نِعْمَتْ الْفَائِدَةُ لَكِنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَرِدْ انْتَهَى. إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَتَعَقَّبَ هَذَا الْمُفْتِي عَلَى السَّخَاوِيِّ بِآخِرِ عِبَارَةِ الشَّعْرَانِيِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ إرَادَةِ صِحَّةِ اللَّفْظِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى السَّنَدِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ لَوْ وُجِدَ لَعَرَفَهُ الْحُفَّاظُ وَذَكَرُوا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِهِمْ وَقَوْلُهُ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ، فِيهِ مَا فِيهِ وَيَرُدُّهُ كَلَامُ مُنْلَا عَلِيٍّ وَقَوْلُهُ وَلَا يَلِيقُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَرَّرَهُ كَأَنَّ مُرَادَهُ الْمُفْتِي الْأَوَّلُ وَهُوَ لَمْ يَرِدْ عَلَى مَنْ قَرَّرَ إنَّمَا رُدَّ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ وَخَاضَ بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَالرَّدُّ عَلَى هَذَا مُتَعَيِّنٌ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ أَلْفَاظَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ مَنْ رَدَّ بِهِ وَكَمَا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ السُّؤَالَ حَيْثُ قَالَ وَفَضْلُ يس إلَخْ فَإِنَّ فَضْلَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ هَذَا مَا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُحَقِّقْ مُرَادَ مَنْ يَتَعَقَّبُ بِكَلَامِهِ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ السُّؤَالَ وَلَمْ يَفْهَمْ أَلْفَاظَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الرَّدِّ فُضُولًا لِأَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَأَمَّا فِي جَوَابِ الْمُجِيبِ فَلَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ وَقَعَ الْفَتْحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا غَايَةَ مَلَكَةِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّا لِلَّهِ قَدْ كُنْت أَظُنُّ أَنَّ تَحْتَ الْقُبَّةِ شَيْخًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا يَقَعُ مِنْ الدَّاعِينَ عَقِبَ الْخَتَمَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قُرِئَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَقُولُونَ وَاجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ وَأَضْعَافَ أَمْثَالِهِ إلَى رُوحِ فُلَانٍ أَوْ فِي صَحِيفَتِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ أَوْ يُمْتَنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ بِتَعْظِيمِ

ترك السنة لكون المبتدع يفعلها

الْمَدْعُوِّ لَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ اعْتَنَى بِهِ فَدَعَا لَهُ بِأَضْعَافِ مِثْلِ مَا دَعَا بِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُمْتَنَعُ لِأَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ كَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى احْتِيَاجِ غَيْرِهِ لِلرَّحْمَةِ مِنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُرْبِ مَكَانَتِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْإِجَابَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مُحَقَّقَةٌ وَغَيْرُهُ لِبُعْدِ رُتْبَتِهِ قَدْ لَا يَكُونُ مَظْنُونَهَا فَنَاسَبَ تَأْكِيدُ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَكْرِيرُهُ رَجَاءً لِلْإِجَابَةِ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ ابْنُ نَاجِي فِي الْإِلْمَامِ بِمَا أَخْطَأَتْ فِيهِ الْعَوَامُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَاتِحَةَ فِي صَحَائِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْرُوهٌ. وَسُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ عَمَّنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْته زِيَادَةً فِي شَرَفِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَابَ: هَذَا مُخْتَرَعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْقُرَّاءِ لَا أَعْلَمُ لَهُمْ فِيهِ سَلَفًا وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ وَالشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ عَجْلُونٍ قَائِلًا قَدْ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِيهِ وَعَبَّرُوا بِعِبَارَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ كَقَوْلِهِمْ فِي صَحِيفَتِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مَا يُخِلُّ بِالْأَدَبِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَلْجَأَهُمْ إلَى ارْتِكَابِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ حَسَنَاتِ الْأُمَّةِ فِي صَحِيفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُك» فَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُ ذَلِكَ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا لَا رِيبَةَ فِيهِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْثُورِ فِي الشَّرْعِ مِمَّا يَكْفِينَا بِحَمْدِ اللَّهِ كَثْرَةً. وَفِي كِتَابِ كَنْزِ الدَّاعِينَ أَجَازَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْقُرْآنِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ يَمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَرَاءَةٌ عَلَى الْجَنَابِ الرَّفِيعِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْفَارِضِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِعْيَارِ. [تَرْكُ السُّنَّةِ لِكَوْنِ الْمُبْتَدِعِ يَفْعَلُهَا] (وَسُئِلَ) عِزُّ الدِّينِ هَلْ يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَّةِ إذَا ثَبَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِ الْمُبْتَدِعِ يَفْعَلُهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَنِ بِمُشَارَكَةِ الْمُبْتَدِعِ فِيهَا إذْ لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ وَمَا زَالَ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ يُقِيمُونَ السُّنَنَ مَعَ الْعِلْمِ بِمُشَارَكَةِ الْمُبْتَدَعِينَ وَلَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَتُرِكَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَالسُّنَنُ الرَّاتِبَةُ وَصَلَاةُ الْأَعْيَادِ وَعِيَادَةُ الْمَرْضَى وَالتَّسْلِيمُ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَالصَّدَقَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَجَمِيعُ الْخَيْرَاتِ الْمَنْدُوبَاتِ. وَسُئِلَ عَمَّنْ لَهُ أَخٌ فِي اللَّهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ شَيْخٌ يَرْجُو بَرَكَةَ زِيَارَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَفِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْمَقْصُودَةِ مُنْكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يَرَاهُ عِيَانًا وَمِنْهَا مَا يَعْلَمُ بِوُجُودِهِ وَفِي حَالِ سَفَرِهِ أَيْضًا لَا يَسْلَمُ مِنْ شَيْءٍ يُشَاهِدُهُ فَهَلْ يُكْرَهُ لِمِثْلِ هَذَا السَّفَرِ أَمْ مَا حُكْمُهُ وَهَلْ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ لِكَثْرَتِهِ. فَأَجَابَ: أَمَّا الزِّيَارَةُ وَالْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُتْرَكَانِ لِمَا يُشَاهَدُ مِنْ الْمَنَاكِرِ إذْ لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي خُرُوجِهِ بِيَدِهِ أَوْ لِسَانِهِ فَعَلَ وَحَصَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَجْرِ الصَّلَاةِ وَالزِّيَارَةِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَكَذَلِكَ الْغَزْوُ مَعَ الْفَجَرَةِ إنْ قَدَرَ عَلَى

إنْكَارِ فُجُورِهِمْ أَنْكَرَهُ وَحَصَلَ عَلَى ثَوَابِ الْإِنْكَارِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَرِهَهُ بِقَلْبِهِ وَأُثِيبَ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكْرَهُهُ تَعْظِيمًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَوْ تَرَكَ الْحَقَّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ لَتَرَكَ النَّاسُ كَثِيرًا مِنْ أَدْيَانِهِمْ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْحَرَمَ وَفِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ صَنَمًا وَكَانَتْ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَتَحَرَّجَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِهِمَا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] كَيْ لَا يُتْرَكَ حَقٌّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ جَمَعَ تَهْلِيلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ثُمًّ يَقْرَؤُهُ كَمَا تُقْرَأُ السُّورَةُ هَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَعَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ» الْحَدِيثُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ صِحَّتِهِ أَوْ نَفْيِ كَمَالِهِ وَمَا وَجْهُ الْمُخْتَارِ وَكَيْفَ يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ صِدْقَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ فِي مَحَبَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فَأَجَابَ: أَمَّا جَمْعُ التَّهْلِيلِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ رَتَّبَهُ عَلَى تَرْتِيبِ السُّوَرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ نَكَّسَهُ كُرِهَ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إنْ وَقَعَ فِي آيَاتِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي السُّوَرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كُرِهَ وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَامَّةُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالسَّلَفِ أَوْلَى مِنْ إحْدَاثِ الْبِدَعِ، وَأَمَّا فَضْلُ حُبِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُبِّ نَفْسِهِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْإِيمَانِ دُونَ أَصْلِهِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَجَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ مِنْ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ لِلْحُبِّ سَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا الشَّرَفُ وَالْكَمَالُ، وَالثَّانِي الْإِنْعَامُ وَالْإِفْضَالُ فَلَا شَكَّ أَنَّ نَفْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ الْأَنْفُسِ وَأَشْرَفُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ عَلَى قَدْرِ كَمَالِهِ وَأَمَّا الْإِنْعَامُ وَالْإِفْضَالُ الْمَرْبُوطُ بِالْأَسْبَابِ الْعَادِيَةِ لِأَحَدِنَا فَمِنْ إنْعَامِهِ عَلَيْنَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْنَا أَنَّهُ عَرَّفَنَا بِرَبِّنَا وَمَا أَشْرَفَهُ لَنَا وَكَانَ سَبَبًا فِي فَوْزِنَا بِدَارِ الْقَرَارِ وَالْخَلَاصِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ مَا تَقَاعَدْنَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْفَلَاحِ إلَّا بِسَبَبِهَا وَلَا وَقَعْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْقَبَائِحِ إلَّا بِطَلَبِهَا وَشَهْوَتِهَا وَأَمَّا مَا يَخْتَبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي تَفْضِيلِ حُبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُبِّهَا فَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ مَا مُنِحَ لَهُ مِنْ الْقُدْوَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْأَخْلَاقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الرَّسُولِ وَأَخْلَاقُهُ أَحْسَنَ عِنْدَهُ وَأَحَبَّ مِنْ رُكُوبِ هَوَى نَفْسِهِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ عَدَمِ تَقْدِيمِ أَغْرَاضِهِ الدَّنِيئَةِ عَلَى أَخْلَاقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَلِيَّةِ السَّنِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ أَمْ النَّظَرُ فِي الْعِلْمِ أَفْضَلُ. فَأَجَابَ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمَصْلَحَةُ الْقُرْآنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى

الْقَارِئِ وَمَا عَمَّتْ مَصْلَحَتُهُ وَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ بِقَوْلِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ الْبَقَرَ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَلْزَمُهُ فِي زَكَاتِهَا وَنِصَابِهَا وَكَذَلِكَ مَنْ يَمْلِكُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ أَوْ النَّقْدَيْنِ أَوْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ وَكَذَا أَصْحَابُ الزُّرُوعِ وَالنَّخِيلِ وَيَجِبُ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِنْ تِجَارَتِهِ وَمَا يَفْسُدُ مِنْهَا وَيَجِبُ عَلَى الصَّرَّافِ أَنْ يَعْلَمَ أَبْوَابَ الرِّبَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّرْفِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ صَانِعٍ أَنْ يَعْرِفَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِرْفَتِهِ مِمَّا يَكْثُرُ وَيَطَّرِدُ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْآخَرِ فَيَقُومُ بِهَا وَكَذَا الْخَبَّازُ وَالنَّسَّاجُ وَالْفَلَّاحُ يَلْزَمُهُمْ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُمْ الْقِيَامُ بِهِ قَالَ وَيَتَعَيَّنُ مِنْ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةُ وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَعَلُّمُ مَا الْإِنْسَانُ بِصَدَدِهِ وَمَدْفُوعٌ إلَيْهِ فَتَعَلُّمُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَعَلُّمُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْفُتْيَا وَالْأَقْضِيَةِ وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمَصْلَحَةُ الْقُرْآنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْقَارِئِ وَمَا عَمَّتْ مَصْلَحَتُهُ وَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ قَاصِرَةً عَلَى فِعْلِهِ انْتَهَى. قِيلَ يُؤَيِّدُ هَذَا فِي الْمَعْنَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ قُرَّاؤُهُ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَيُضَيِّعُونَ أَحْكَامَهُ الْحَدِيثُ. (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَيُّمَا أَفْضَلُ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ أَوْ حَجُّ التَّطَوُّعِ؟ فَأَجَابَ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُقِيمُ بِهِ فَرْضَهُ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ دِرَاسَةُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْقَارِئَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحْكَامَهُ وَتَفْسِيرَهُ لَمْ يُغْنِهِ الْقُرْآنُ تِلَاوَةً وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفَائِدَةُ الْعَظِيمَةُ وَلَكِنْ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَفْضَلُ. (وَسُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ هَلْ تَصِحُّ الْمُنَاظَرَةُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا عِنْدَهُ كُتُبٌ يُصَحِّحُهُ وَكَيْفَ لَوْ نَاظَرَ فِيهِ بِكِتَابٍ صَحِيحٍ لَمْ يَرْوِهِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَعْنِ بِالْعِلْمِ وَلَا سَمِعَهُ وَلَا رَوَاهُ الْجُلُوسُ لِتَعْلِيمِهِ الْمُوَطَّأَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً وَلَوْ قَرَأَهَا وَتَفَقَّهَ عَلَى الشُّيُوخِ فِيهَا أَوْ حَمَلَهَا أَجَازَهُ فَقَطْ جَازَ أَنْ يُعَلِّمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشُّيُوخِ مِنْ مَعَانِيهَا وَأَنْ يَقْرَأَهَا إذَا صَحَّحَ كِتَابَهُ عَلَى رِوَايَةِ شَيْخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا عَمَّنْ عَدِمَ إمَامًا يَسْتَفْتِيه فَيَنْظُرُ فِي الدَّوَاوِينِ الْمَشْهُورَةِ هَلْ يَعْمَلُ بِمَا فِيهَا وَهَلْ يُلْزَمُ الْعَامُّ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا فِي نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ وَإِذَا سَأَلَ الْعَامِّيُّ مُفْتِيًا وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ هَلْ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَكَيْفَ لَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَفْتَى أَحَدُهُمَا بِمَا يُرِيدُ وَأَفْتَى الْآخَرُ بِمَا لَا يُرِيدُ. فَأَجَابَ إذَا عَدِمَ الْإِنْسَانُ مَنْ يُفْتِيه فَلْيَرْجِعْ لِمَا فِي الْكِتَابِ لِلضَّرُورَةِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي الْكُتُبِ لِمَنْ لَا يَدْرِي لَا يُنَجِّي مِنْ الْخَطَأِ فِيهِ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ النَّازِلَةَ لَا يَجِيءُ بِهَا نَصُّ الْكِتَابِ إلَّا نَادِرًا وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ شَبِيهٌ بِهَا وَبِتِلْكَ الْمُشَابَهَةِ يَغْلَطُ بَعْضُ النَّاسِ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا شَيْئًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَيُخْرِجُهَا

عَنْ سَبَبِهَا مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْأُصُولِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْقَوْمُ فَيَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ وَيَقَعُ فِي الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ يَلْزَمُ الْعَالِمُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا فَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي تَجُوزُ لَهُ بَعْدَ عِلْمِهَا وَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُقَلِّدَهُ مِثْلَهُ فَالْجَمِيعُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك مِنْ الْخَطَرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا فَلَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ، وَفَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَّبِعَ مَا تَبَيَّنَتْ لَهُ حُجَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ فِيهَا وَجْهٌ وَآلَ إلَى الْوُقُوفِ وَخَافَ دُخُولَ خَطَأٍ أَوْ شُبْهَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ أَمْ لَا وَتَقْلِيدُهُ حِينَئِذٍ وَاسِعٌ وَإِذَا كَانَ بِالْبَلَدِ إمَامَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّهُمَا أَحَبَّ أَعْلَمُهُمَا أَوْ الْآخَرُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَعْلَمِ وَلَمْ يَجِبْ إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى عَالِمٌ وَفِي الْبَلَدِ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا هَلْ يُسْتَفْتَى مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُسْتَعْمَلَةَ مِثْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ دُونَ رِوَايَةٍ أَوْ كُتُبَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا تُوجَدُ لَهَا رِوَايَةٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ مَنْ قَرَأَهَا عَلَى الشُّيُوخِ وَأَحْكَمَ مَعَانِيَهَا وَفَهِمَ أُصُولَهَا بِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْكَمَ وَجْهَ الْقِيَاسِ وَعَرَفَ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَسَقِيمَ السُّنَّةِ مِنْ صَحِيحِهَا وَفَهِمَ مِنْ اللِّسَانِ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْخِطَابَ جَازَتْ فَتْوَاهُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَسَائِلِ بِاجْتِهَادِهِ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ فَلَا تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي النَّوَازِلِ بِرَأْيِهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ عَالِمٍ بِرِوَايَةٍ فَيُقَلِّدُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ، وَجَازَ لِلْحَاكِمِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ اسْتَوْفَى شَرَائِطَ الِاجْتِهَادِ وَيُقَلِّدُهُ الْقَاضِي فِي فَتْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي قِرَاءَتِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِفْتَاؤُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ الْحَدِيثُ وَفِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَأَفْتَوْهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» وَقَدْ أَدْرَكْنَا هَذَا الزَّمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ يَشْتَغِلُ بِطَرَفٍ مِنْ الْعِلْمِ إذَا وَجَدَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَصْحَابِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاءُ عَالِمِ الْبَلَدِ وَهَلْ لِمَنْ كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ إذَا سَأَلَهُ عَامِّيٌّ عَنْ فَرْعٍ يَعْرِفُ النَّقْلَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَيَحِلُّ لِلْعَامِّيِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ مَعْرُوفًا لِبَعْضِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَا يَذْكُرُ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِأَمْرٍ آخَرَ وَمُقَيَّدًا بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْأَلَ الْمُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى شَرْطٍ وَقَيْدٍ آخَرَ يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْمُفْتِي لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِالْتِزَامِ الْأَشَدِّ الْأَقْوَى الْأَجْوَدِ فَإِنَّ مَنْ عَزَّ عَلَيْهِ دِينُهُ تَوَرَّعَ وَمَنْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ تَبَدَّعَ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إجَابَةِ الْقَاضِي

صفة الانتقال من مذهب إلى مذهب

إذَا سَأَلَ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَرَعِ أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْتِيَ الْأَعْلَمَ الْأَوْرَعَ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِسَعَةِ عِلْمِهِ وَتَوَرُّعِهِ مِنْ التَّهَجُّمِ عَلَى الْفُتْيَا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ تَجُوزُ الْفُتْيَا بِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الصَّحِيحَةِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَرَأَيْت مَنْ كَانَ يَرْوِي كُتُبَك هَذِهِ وَكُتُبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ قَالَ لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحْسِنُ التَّمْيِيزَ. قُلْت فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ إلَّا أَنَّهُ حَافِظٌ بِأَقَاوِيلِ النَّاسِ هَلْ يُفْتِي قَالَ أَمَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَنَعَمْ وَأَمَّا مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ فَلَا، قَالَ وَرَأَيْت مِنْ بَعْضِ أَجْوِبَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ أَجَازَ الْفُتْيَا بِمَا فِي الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ مَنْ اشْتَرَى كُتُبَ الْعِلْمِ أَوْ وَرِثَهَا ثُمَّ أَفْتَى بِهَا وَلَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى الْفُقَهَاءِ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا وَذَكَرَ الْقَاضِي حَدِيثًا مَرْفُوعًا «لَا يُفْتِي أُمَّتِي الصُّحُفِيُّونَ وَلَا يُقْرِئُهُمْ الْمُصَحِّفُونَ» قَالَ غَيْرُهُ فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ عُوقِبَ بِالسَّوْطِ، وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ لِبَعْضِ مَنْ يُفْتِي هَاهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُفْتِي الْعَالِمُ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا. قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ الْعُلَمَاءَ قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ اهـ مِنْ الْمِعْيَارِ وَفِيهِ (وَسُئِلَ) أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ بِالشَّرِيعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ كَالرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْخٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ تَعْلِيمُ النَّاسِ مِنْ الرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى أَحَدٍ لَا يَنْبَغِي اهـ. (وَسُئِلَ) عَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَكُونُ عِنْدَهُمْ طَالِبٌ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْكُتُبِ وَيُفْتِي مِنْهَا النَّاسَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ يَفْهَمُهُ مِنْهَا فِي أُمُورِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَيَرَى أَنَّ تَعْلِيمَهُمْ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى جَهْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُعَلِّمْهُمْ ذَلِكَ بَقُوا عَلَى حَالِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَسْأَلُونَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ قَطُّ عَلَى شَيْخٍ أَوْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ هُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّهِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنُوا لَنَا مَأْجُورِينَ. فَأَجَابَ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ بِمَا يَرَى فِي الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الشَّيْخِ لَا يَحِلُّ لَهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ غَيْرُهُ أَمْ لَا انْتَهَى. [صفة الِانْتِقَال مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ] (وَسُئِلَ) الْفَقِيهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ عَنْ صِفَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ. فَأَجَابَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ لَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَيَبْدُو لَهُ وَيَنْتَقِلُ إلَى تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ لَهُ. الصُّورَةُ الْأُخْرَى أَنْ يَنْتَقِلَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي نَازِلَةٍ خَاصَّةٍ، وَيَبْقَى

هل يجوز التقليد مطلقا

مُقَلِّدًا لِإِمَامِهِ فِيمَا عَدَاهَا. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَنَقَلَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: جَوَازُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ جَوَازُهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا تَقْلِيدُ إمَامِهِ وَمَنْعُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا تَقْلِيدُ إمَامِهِ اهـ. [هَلْ يَجُوز التَّقْلِيد مُطْلَقًا] (وَسُئِلَ) بَعْضُهُمْ هَلْ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ فَأَجَابَ الْفَقِيهُ الصَّالِحُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ السُّنُوسِيَُّ بِمَا نَصُّهُ: " اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ بِاعْتِبَارِ التَّقْلِيدِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُجْتَهِدٌ اجْتَهَدَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَا وَمُجْتَهِدٌ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ وَعَالِمٌ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِبْدَادِ بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا بُيِّنَتْ لَهُ أَدِلَّةُ الْأَقْوَالِ فَهِمَ الرَّاجِحَ مِنْهَا مِنْ الْمَرْجُوحِ، وَعَامِّيٌّ مَحْضٌ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ الَّذِي ظَنَّ الْحُكْمَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا خَفَاءَ أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي حَقِّهِ مُحَرَّمٌ. وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الَّذِي هُوَ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ فِي حَقِّهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ التَّقْلِيدِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْأَصْلِ الْمُمْكِنِ إلَى بَدَلِهِ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ قَوْلُهُمْ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاجْتِهَادِ تَمْنَعُ التَّقْلِيدَ وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحُكْمِ فِي الْحَالِ صَارَ كَغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَجُوزُ فِي حَقِّهِ التَّقْلِيدُ. وَثَالِثُهَا: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي حَقِّ الْقَاضِي لِحَاجَتِهِ إلَى تَنْجِيزِ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعِ مَوَادِّ النِّزَاعِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ بَقَاءَهَا يُفْضِي إلَى الْفَسَادِ دِينًا وَدُنْيَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَرَابِعُهَا: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ لِظُهُورِ رُجْحَانِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَدْنَى. وَخَامِسُهَا: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ عِنْدَ ضِيقِ الِاحْتِيَاجِ إلَى حُكْمِهَا كَصَلَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضِقْ. وَسَادِسُهَا: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يَخُصُّهُ دُونَ مَا يُفْتِي بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَفْتَى الَّذِي عُرِفَ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ رَأْيُهُ لَا رَأْيَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْعَالِمُ الَّذِي لَمْ يَصِلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْعَامِّيُّ الْمَحْضُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مُسَاوٍ وَيَنْبَغِي لَهُمَا فِي الْمُسَاوِي السَّعْيُ فِي رُجْحَانِهِ لِيَتَّجِهَ لَهُمَا اخْتِيَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ بَعْدَ الْتِزَامِ الْمُقَلِّدِ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا هَلْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْتِزَامُهُ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَثَالِثُهَا الْفَرْقُ فَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ فِيمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا عَمِلَ بِهِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدْءًا الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ تَارَةً وَبِغَيْرِهِ أُخْرَى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْتَنَعُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ فِي الْمَذَاهِبِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَقِيلَ لَا يُمْتَنَعُ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِتَفْسِيقِ مُتَتَبِّعِ الرُّخَصِ. [التَّقْلِيدُ فِي الرُّخْصَةِ] أَمَّا التَّقْلِيدُ فِي الرُّخْصَةِ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ خَوْفَ فِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عَلَى صِحَّةِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ

وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْمُقَلِّدِ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ مُسْتَنَدُهُ فِيمَا قَلَّدَهُ فِيهِ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ فِي نَازِلَةٍ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ مُسْتَنَدُ مَنْ أَرَادَ تَقْلِيدَهُ فِي الْحُكْمِ لِيَسْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ اتِّبَاعِ الْخَطَأِ الْجَائِزِ عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّيِّ الْمَحْضِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِ مُقَلِّدِهِ وَبَيْنَ الْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ لِمُجْتَهِدٍ فِي نَازِلَةٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ فِيهَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَهْمِ مُسْتَنَدَاتِ الْأَحْكَامِ إذَا بُيِّنَتْ لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي إذَا سُئِلَ عَنْ نَازِلَةٍ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهَا مُجَرَّدًا عَنْ الدَّلِيلِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَنْظُرُ فِي حَالِ السَّائِلِ هَلْ هُوَ عَامِّيٌّ أَوْ عَالِمٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ جَرَى الْعَمَلُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَفْضُولَ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مُطْلَقًا أَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولًا أَوْ لَا وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ، وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ مَفْضُولًا بَلْ اعْتَقَدَهُ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَفْضَلَ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَرْجَحِ عَلَى الثَّانِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَرْجَحِ لِامْتِنَاعِ تَقْلِيدِهِ غَيْرَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِ، فَالرَّاجِحُ عِلْمًا مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَرَعًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ تَأْثِيرًا فِي الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْوَرَعِ بِهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّثَبُّتِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعِلْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ لِكُلِّ مُرَجِّحًا فَإِذَا عَرَفْت هَذَا كُلَّهُ اسْتَبَانَ لَك أَنَّ خُرُوجَ الْمُقَلِّدِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْمَشْهُورِ إلَى الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ الَّذِي فِيهِ رُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ لِلرُّخَصِ صَحِيحٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِ تَقْلِيدِ الْأَرْجَحِ وَيُبَاحُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِنْ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ إنَّ لِلْمُجْتَهِدِ الَّذِي لَمْ يَجْتَهِدْ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَمَ مِنْهُ وَقِيلَ أَيْضًا فِي الْمُقَلِّدِ بَعْدَ الْتِزَامِ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَعَمِلَ بِقَوْلِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ تَقْلِيدِهِ إلَى تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مُقَلِّدٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِتَقْلِيدِهِ الشَّاذِّ مِنْ أَقْوَالِ مَذْهَبِهِ الْجَارِيَةِ كُلِّهَا عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ بِحَسَبِ مَقَاصِدِ قَائِلِهَا. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْمُفْتِي بِخَبَرِ الْمُسْتَفْتِي بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. فَأَجَابَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمُفْتِيَ إذَا أَفْتَى الْمُسْتَفْتِيَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَيَّ الْأَقْوَالِ شَاءَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ فِيهِ أَبَا الْمُصْعَبِ فِي مَجْلِسٍ وَابْنَ وَهْبٍ وَغَيْرَهُمَا كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَقْصِدَ أَيَّهُمْ شَاءَ فَيَسْأَلُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ أَوْ يَخْتَارَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قُلْت لِأَبِي مُحَمَّدٍ بِمَ تَقُولُ أَنْتَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَمَّا مَنْ فِيهِ فَضْلُ اخْتِيَارٍ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ

لَيْسَ فِي فَضْلِ الِاخْتِيَارِ قَلَّدَ رَجُلًا يَقْوَى فِي نَفْسِهِ فَاخْتِيَارُ الرَّجُلِ كَاخْتِيَارِ الْقَوْلِ انْتَهَى. فَانْظُرْ إلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَقْتَضِي انْصِرَافَ التَّقْلِيدِ إلَى مَسْأَلَةِ الْمُقَلِّدِ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِيمَا يُقَلِّدُهُ بِكَوْنِهِ مَشْهُورًا أَوْ أَصَحَّ أَوْ قَائِلُهُ أَفْضَلُ. وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُشَاوِرُهُمْ فِيهِ فَقِيلَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَعْلَمِهِمْ وَقِيلَ بِقَوْلِ أَكْثَرِهِمْ وَقِيلَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ. وَفِي الْمُتَيْطِيِّ يَنْظُرُ فِي أَقْوَالِهِمْ فَمَا رَآهُ عِنْدَهُ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ أَخَذَ بِهِ انْتَهَى فَقِفْ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِلُهُ أَعْلَمَ، وَلَا أَكْثَرَ بَلْ يَكُونُ مِثْلًا أَوْ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَدْنَى عِلْمًا فَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْقَوْلِ الشَّاذِّ وَقَدْ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ بِجَوَازِ تَقْلِيدِهِ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ تَبِعَ الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي فِي تَقْلِيدِ الشَّاذِّ هَوَاهُ فَإِنْ أَبْغَضَ شَخْصًا أَوْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْخُمُولِ شَدَّدَ عَلَيْهِ فَقَضَى عَلَيْهِ وَأَفْتَاهُ بِالْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَحَبَّهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنَّةٌ وَكَانَ مِنْ أَصْدِقَائِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ وَاسْتَحْيَا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْوَجَاهَةِ أَوْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَفْتَاهُ أَوْ قَضَى لَهُ بِالشَّاذِّ الَّذِي فِيهِ رُخْصَةٌ وَلَا حَقًّا وَفِي تَحْرِيمِ هَذَا وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنْعِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّاذَّ وَإِنْ كَانَ حَقًّا مَثَلًا فَلَمْ يَتَّبِعْهُ هَذَا الْمُقَلِّدُ لِأَجْلِ حَقِيقَتِهِ بَلْ لِأَجْلِ مُتَابَعَةِ هَوَاهُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي سِرِّ قَوْله تَعَالَى لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26] بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْحَقِّ أَنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الِامْتِثَالَ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ حَتَّى يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ أَحَقِّيَّتَهُ لَا اتِّبَاعَ الْهَوَى فَيَكُونُ مَعْبُودُ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذَا هَوَاهُ لَا مَوْلَاهُ - جَلَّ وَعَلَا - حَتَّى إنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ هَوَاهُ فِي الْحَقِّ تَرَكَهُ وَاتَّبَعَ غَيْرَ اللَّهِ أَمَّا مَنْ قَلَّدَ الْقَوْلَ الشَّاذَّ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي حَقِّ مَنْ قَالَ بِهِ، وَفِي حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْهَوَى بَلْ الْحَاجَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى دَفْعِ ضَرَرٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ ثُمَّ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَافَقَ غَرَضَهُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْحَقِّ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ أَجْرَاهُ وَخَافَ اللَّهَ تَعَالَى فَهَذَا تُرْجَى لَهُ السَّلَامَةُ فِي تَقْيِيدِهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَا نَصُّهُ: " حُكْمُ الْمُقَلِّدِ الْمَذْكُورِ وَصِفَةُ حُكْمِ الْمُسْتَفْتِي إذَا أَخْبَرَهُ الْمُفْتِي بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ اسْتَفْتَاهُ فِيهَا فَقِيلَ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَأَنَّ الْأَقْوَالَ الْمَنْسُوبَةَ لِلْأَمْوَاتِ كَالْأَقْوَالِ الثَّابِتَةِ لِلْأَحْيَاءِ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لَهُ التَّخْيِيرُ وَلَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي إطْلَاقُ الْخِلَافِ لِلْمُسْتَفْتِينَ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ فَإِنْ تَأَهَّلَ لِلتَّرْجِيحِ وَجَبَ وَالْأَرْجَحُ بِرُجْحَانِ الْقَائِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الِاجْتِهَادِيَّات وَاحِدٌ وَأَنَّ تَقْلِيدَ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ

كيفية التقليد

مَمْنُوعٌ، وَقِيلَ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَى عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ فَالْأَوَّلُ مِنْ الْأَقْوَالِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالثَّانِي هُوَ مُخْتَارُهُ وَالثَّالِثُ مُخْتَارُ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي عَضَّدَهُ الْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ، وَعَلَيْهِ بَنَى - حُجَّةُ الْإِسْلَامِ - الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ وَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْمَشْهُورِ أَوْ مَا رَجَّحَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ مِنْ ضَعْفِ الْعِلْمِ وَقِلَّةِ الدِّينِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالتَّحْقِيقُ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلًا غَيْرَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فَقَدْ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَهَلَكَ فِي بَيِّنَاتِ الطَّرِيقِ فَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَ كُلِّ عَالِمٍ مُتَمَكِّنٍ. وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُقَلِّدُ عَلَى خِلَافٍ فِي مَسْأَلَةٍ تَخُصُّهُ وَفِيهَا قَوْلٌ رَاجِحٌ بِشُهْرَةٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَا يُفْتِي بِغَيْرِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ قَادِحَةٍ وَالْتِزَامِ مَفْسَدَةٍ وَاضِحَةٍ وَقَدْ اسْتَوْعَبْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى بِمِنْهَاجِ الْبَرَاعَةِ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُفْتِينَ وَقَضَاءِ الْجَمَاعَةِ وَاَللَّهُ - جَلَّ جَلَالُهُ - الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَالْمُثِيبُ عَلَيْهِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ وَكَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِكْرِيٍّ لَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ اهـ. مِنْ الْمِعْيَارِ وَنَصُّ السُّؤَالِ الْمُجَابِ بِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ الصَّرْفِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّرْجِيحِ بَلْ مَعَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَقَاوِيلِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَمَعْرِفَةِ الْمَشْهُورِ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ الشَّارِحِينَ وَالْمُتَأَوِّلِينَ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمُقَلِّدَ تُعْرَضُ لَهُ مَسْأَلَةٌ تَخُصُّهُ فِي دِينِهِ أَوْ فِي بَعْضِ مُعَامَلَاتِهِ وَقَدْ حَفِظَ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ فِيهَا قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ وَرُبَّمَا وَافَقَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلَ صَحَابِيٍّ وَعَلِمَ هَذَا الْمُقَلِّدُ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ يُفْتِي بِهِ بِقَصْدِ التَّوْسِعَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ السَّهْلَةِ» وَالْأَخْذُ بِالرُّخَصِ مَحْبُوبٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَفَرْضُ النَّازِلَةِ أَنَّ هَذَا الْمُقَلِّدَ لَمْ يَقْصِدْ تَتَبُّعَ رُخَصِ مَذْهَبِ إمَامِهِ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ تَنْزِلُ بِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النَّوَازِلِ وَرُبَّمَا قَلَّدَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ فِي وُقُوعِ نَازِلَتِهِ. [كَيْفِيَّةَ التَّقْلِيدِ] فَإِنْ قُلْتُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ لِهَذَا الْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنْ عُلَمَاءِ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَبَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةَ التَّقْلِيدِ وَهَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ وَالتَّشَهِّي بِمَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَى الْمُكَلَّفِ إذَا وَافَقَ غَرَضَهُ الْعِلْمُ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ ظَوَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِي تَفَارِيعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فَقَدْ بَرِئَ مَعَ اللَّهِ وَقَوْلُهُمْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ وَرُبَّمَا نَكَّتَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ حَجَّرْت وَاسِعًا إذَا جَرَى عَلَى الْمَشْهُورِ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ وَقَوْلُهُمْ فِي الْخَصْمَيْنِ إذَا تَرَاضَيَا بِتَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فَإِنَّ رِضَاهُمَا بِهِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَرْفَعُ رِضَاهُمَا الْخِلَافَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ

وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِمَا إجْمَاعِيَّةً لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِ إمَامِ هَذَا الْمُقَلِّدِ وَمَبْنَاهُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَلَمْ يَزَلْ أَعْلَامُ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْكُمْ - يَتَسَاهَلُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَا سِيَّمَا بَعْدَ النُّزُولِ أَوْ لَا سَبِيلَ إلَى تَخْيِيرِ هَذَا الْمُقَلِّدِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَقْوَى الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ وَأَرْجَحِهَا فِي نَظَرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهَا دَلِيلًا يُوَافِقُ غَرَضَهُ فَكَذَلِكَ هَذَا إذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِقَوْلِ الْأَعْدَلِ وَالْأَعْلَمِ مِنْهُمَا فِي نَظَرِهِ أَوْ غَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْدُبَ إلَى الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَعْدَلِ وَالْأَعْلَمِ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ وَاتِّبَاعِ الْأَفْضَلِ هَذَا غَيْرُ مَا أَفْتَى بِهِ عِزُّ الدِّينِ وَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَلْبَتَّةَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَمَعَ الْقَوْلِ أَيْضًا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَكُلُّ الرُّخَصِ صَوَابٌ وَلَا دَرَكَ عَلَى الْمُكَلَّفِ إذَا انْتَقَلَ مِنْ صَوَابٍ إلَى صَوَابٍ وَقَدْ أَفْرَدَ لِهَذَا الْمَعْنَى الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كِتَابًا فِي مُوَافَقَاتِهِ كَمَا فِي عِلْمِكُمْ يَقْتَضِي مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ أَوْ الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِالْمَشْهُورِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ فِي مَنْعِ الْفُتْيَا بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ قَالَ وَالْمُقَلِّدُ مِثْلُهُ وَرُبَّمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ هُوَ مَرْدُودٌ بِفُتْيَا الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ الْوَرِعِ الْمِصْرِيِّ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَذَا يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ إلَّا بِالْمَشْهُورِ وَفُتْيَا الْمَازِرِيِّ حَيْثُ أَفْتَى بِمَنْعِ اقْتِضَاءِ الطَّعَامِ عَنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَقَدْ أَوْجَبَ إجْمَاعَاتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَفَتَاوِيهِمْ حَيْرَةً عَظِيمَةً فَاكْشِفُوا بِفَضْلِكُمْ مَا غَشَّى أَبْصَارَنَا كَشَفَ اللَّهُ عَنْ قُلُوبِكُمْ حُجُبَ الْغَفْلَةَ وَأَمَدَّ أَبْصَارَكُمْ وَبَصَائِرَكُمْ بِنُورٍ مِنْ لَدُنْ أَطْوَلِ أَيَّامِ الْمُهْلَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فَأَجَبْتُهُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ وَخَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَأَكْرَمِ أَوْلِيَائِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا يَدُومَانِ بِدَوَامِ الدَّهْرِ وَنَجِدُ بَرَكَتَهُمَا فِي هَذِهِ وَيَوْمَ لِقَائِهِ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَخُ فِي اللَّهِ - شَرَحَ اللَّهُ لِلْعِلْمِ النَّافِعِ صَدْرِي وَصَدْرَكَ وَرَفَعَ فِي الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ قَدْرِي وَقَدْرَكَ وَيَسَّرَ لِلْخَيْرَاتِ أَمْرِي وَأَمْرَك وَضَاعَفَ لَدَيْهِ أَجْرِي وَأَجْرَك - فَإِنِّي أُمَهِّدُ لَك قَبْلَ الْخَوْضِ فِي تَتَبُّعِ أَلْفَاظِ السُّؤَالِ وَالشُّرُوعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ وَالْأَحْوَالِ مُقَدَّمَةً عَلَيْهَا الْمَدَارُ وَالِاعْتِمَادُ وَبِتَحْصِيلِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَتَبَيَّنُ الْغَرَضُ وَيُسْتَفَادُ فَأَقُولُ مُعْتَصِمًا بِاَللَّهِ وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَمُتَبَرِّئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَيْهِ: لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ الْمُنْتَسِبِ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ وَأَصْحَابِ الْآرَاءِ وَالْمَقَالَاتِ الْمَرْوِيَّةِ

الْمَسْمُوعَةِ الثَّابِتَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ ذَاتِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فَيَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي تَعْيِينِ الْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ إنْ كَانَ الْمُقَلِّدُ أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِي طُرُقِ التَّرْجِيحِ وَإِدْرَاكِ مَدَارِك التَّقْدِيمِ وَالتَّصْحِيحِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ إنْ كَانَتْ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَنْ لَا يَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَفِي الدَّلِيلِ لَهُ عَاضِدٌ وَأَنْ يَخْتَارَ أَوْفَقَ الْمَذَاهِبِ وَالْأَقْوَالِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ وَلَا الْتِفَاتٍ إلَى جِنْسِ التَّرْجِيحِ وَنَوْعِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نُصْرَةِ الْأَوَّلِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْك التَّمَسُّكُ بِالْأَخِيرِ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ نَاسِخٌ وَالسَّابِقَ مَنْسُوخٌ فِي نَظَرِ الْأَئِمَّةِ وَالشُّيُوخِ. فَإِنْ قُلْتَ إذَا وَجَبَ إعْمَالُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ نَاسِخًا وَإِهْمَالُ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا فَمَا فَائِدَةُ تَدْوِينِ الْأَئِمَّةِ لِلْأَقْوَالِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا الْمُجْتَهِدُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَهُمْ قُلْت فَائِدَةُ تَدْوِينِهَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ أَوْ مَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ التَّرْجِيحِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَإِنْ جَهِلَ تَسَاقُطًا إنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْأَرْجَحَ مِنْهُمَا بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَأُصُولِهِ وَإِنْ مَيَّزَهُ بِقَوَاعِدِهِ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيهَا بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ فِي عَمَلِهِ وَقَضَائِهِ، وَفَتْوَاهُ. وَالدَّلِيلُ لِذَلِكَ وُجُودُهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَحُمَاتِهِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ الْكِتَابِ، وَتَلَقَّاهُ مِنْهُ الشَّيْخَانِ الشَّامِخَانِ بِالْقَبُولِ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَأَمَّا أَنْ يَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ وَلَا تَقْيِيدٍ بِالْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَثِمَ بِلَا نِزَاعٍ وَجَهِلَ وَخَرَقَ سَبِيلَ الْإِجْمَاعِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الَّذِي حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ غَيْرَ مُسْتَسِرٍّ إنَّ الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ حُكُومَةٌ أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ، وَحَكَى عَمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ فَأَفْتَى فِيهَا وَهُوَ غَائِبٌ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ بِمَا يَضُرُّهُ فَلَمَّا أَعَادَهَا لَهُمْ قَالُوا لَهُ مَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَك وَأَفْتَوْهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ قَالَ الْبَاجِيُّ وَلَوْ اعْتَقَدَ هَذَا الْقَائِلُ مِثْلَ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ مَا اسْتَجَازَهُ وَلَا اسْتَجَازَهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَصِحُّ لِلْحَاكِمِ وَلَا لِلْمُفْتِي أَنْ يَرْجِعَ فِي حُكْمِهِ أَوْ فَتْوَاهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالصُّحْبَةِ أَوْ الْإِمَارَةِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إنَّمَا التَّرْجِيحُ بِالْوُجُوهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَكُلُّ مَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَقْلِيدِ قَوْلٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ أَوْ رَجَّحَ بِغَيْرِ مَعْنًى مُعْتَبَرٍ فَقَدْ خَلَعَ الرِّبْقَةَ وَاسْتَنَدَ إلَى غَيْرِ شَرْعٍ عَافَانَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ وَقَدْ زَادَ الْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ حَتَّى صَارَ الْخِلَافُ فِي الْمَسَائِلِ مَعْدُودًا مِنْ حُجَجِ الْإِبَاحَةِ وَوَقَعَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ مِنْ

الزَّمَانِ الِاعْتِمَادُ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ عَلَى كَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا بِمَعْنَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فَإِنَّ لَهُ نَظَرًا آخَرَ حَتَّى كَانَ رَأَى قَوْمٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ زَمَانَنَا هَذَا فَضْلًا عَنْ زَمَانِنَا اتَّخَذُوا الرِّجَالَ دَرِيئَةً لِأَهْوَائِهِمْ وَأَهْوَاءِ مَنْ يَمِيلُونَ إلَيْهِ وَمَنْ رُغِّبَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَإِذَا عَرَفُوا غَرَضَ بَعْضِ هَؤُلَاءِ حُكْمًا أَوْ فُتْيَا أَوْ تَعَبُّدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بَحَثُوا عَنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا حَتَّى يَجِدُوا الْقَوْلَ الْمُوَافِقَ لِلسَّائِلِ وَأَفْتَوْا بِهِ زَاعِمِينَ أَنَّ الْحُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ ثُمَّ مَا زَالَ هَذَا الْأَمْرُ يَسْتَطِيرُ فِي الْأَتْبَاعِ وَأَتْبَاعِهِمْ حَتَّى لَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ كُلُّ مَسْأَلَةٍ ثَبَتَ فِيهَا لِأَحَدِ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ شَذَّ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ جَائِزَةٌ قَالَ وَهَذَا الِاضْطِرَابُ كُلُّهُ مُسْتَنَدُهُ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِأَعْمَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِخِلَافِهَا وَالْوُقُوفُ مَعَ الرِّجَالِ دُونَ التَّحَرِّي لِلْحَقِّ وَمِثْبَارُ ذَلِكَ التَّوَغُّلُ فِي التَّعْظِيمِ وَلَقَدْ حَكَى مُذَيِّلُ تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ عَنْ الْحَلَّاجِ أَنَّ أَصْحَابَهُ بَالَغُوا فِي التَّبَرُّكِ بِهِ حَتَّى كَانُوا يَتَمَسَّحُونَ بِبَوْلِهِ وَيَتَبَخَّرُونَ بِعَذِرَتِهِ حَتَّى ادَّعَوْا فِيهِ الْأُلُوهِيَّةَ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا انْتَهَى. قُلْت وَمِثْلُ مَا حَكَى الْفَرْغَانِيُّ حَكَى الْخَطِيبُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الرَّحَّالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَرْزُوقٍ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِهِ لِعُمْدَةِ الْأَحْكَامِ قَالَ شَاهَدْت بِمِصْرَ بَعْضَ جَهَلَةِ الْعَوَامّ الْأَغْبِيَاءِ يَنْتِفُونَ شَعْرَ حِمَارِ شَيْخِنَا الْفَقِيهِ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الْبَهَارِسِ أَيَّامَ تَجَرُّدِهِ لِلْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَتَرْكِهِ الْإِفَادَةَ وَالتَّعْلِيمَ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَيْضًا التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ أَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحَقِّ وَالِاتِّبَاعِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْآبَاءُ وَالْأَشْيَاخُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ هُوَ التَّقْلِيدُ الْمَذْمُومُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 23] الْآيَةِ وَقَالَ {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 24] وَقَالَ {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [الشعراء: 72] {أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 73] فَنَبَّهَهُمْ عَلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ فَاسْتَمْسَكُوا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ فَقَالُوا {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74] وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَالِاسْتِئْثَارَ بِالرِّجَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ لِعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَنْقَلِبُ لِعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنْ كُنْتُمْ وَلَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَبِالْأَمْوَاتِ لَا بِالْأَحْيَاءِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَمَلِ أَحَدٍ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يَتَثَبَّتَ فِيهِ وَيَسْأَلَ عَنْ حُكْمِهِ. فَإِنْ قُلْت الِاخْتِلَافُ رَحْمَةٌ لِلتَّوَسُّعِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْوُقُوفِ مَعَ الْمَشْهُورِ أَوْ الْمُوَافِقِ لِلدَّلِيلِ أَوْ الرَّاجِحِ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ تَحْجِيرٌ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ وَمَيْلٌ بِالنَّاسِ إلَى الْحَرَجِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. قُلْت قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَهَذَا خَطَأٌ كُلُّهُ وَجَهْلٌ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ

فَإِنَّ عَامَّةَ الْأَقْوَالِ الْجَارِيَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ إنَّمَا تَدُورُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْهَوَى لَا يَعْدُوهُمَا فَإِذَا عَرَضَ الْعَامِّيُّ نَازِلَتَهُ عَلَى الْمُفْتِي فَهُوَ قَائِلٌ لَهُ أَخْرِجْنِي مِنْ هَوَايَ وَدُلَّنِي عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَلَا يُمْكِنُ وَالْحَالُ هَذِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي مَسْأَلَتِكَ قَوْلَانِ فَاخْتَرْ لِشَهْوَتِكَ أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا تَحْكِيمُ الْهَوَى دُونَ الشَّرْعِ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ مَا فَعَلْت إلَّا بِقَوْلِ عَالِمٍ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ الَّتِي نَصَبَتْهَا النَّاسُ وِقَايَةً عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَشَبَكَةً لِنَيْلِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَتَسْلِيطٌ مِنْ الْمُفْتِي لِلْعَامِّيِّ عَلَى تَحْكِيمِ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ طَلَبَ مِنْهُ إخْرَاجَهُ عَنْ هَوَاهُ وَرَمَى فِي عَمَايَةٍ وَجَهْلٍ بِالشَّرِيعَةِ وَغَشَّ فِي النَّصِيحَةِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مُخْطِئٌ وَمُصِيبٌ فَعَلَيْكَ بِالِاجْتِهَادِ وَقَالَ لَيْسَ كُلُّ مَا قَالَ نَاسٌ فِيهِ تَوْسِعَةٌ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَا تَوْسِعَةَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى ظُهُورِ الرَّاجِحِ وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ بِمَعْنَى أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالًا فِيمَا بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ بِقَوْلٍ يَتَعَيَّنُ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِي خِلَافِهِ وَفِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا وَجَدَ الْمَشْهُورَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْقَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ التَّشَهِّي وَالْحُكْمُ بِمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ قَوْلِهِ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا وَجَدَ الْمَشْهُورَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِي طُرُقِ التَّرْجِيحِ وَلَهُ قُوَّةٌ عَلَى إدْرَاكِ مَدَارِكِهَا أَمْ لَا وَأَنْتَ قَدْ جَعَلْت مَوْرِدَ الْحُكْمِ فِي الْمُقَلِّدِ الْحَائِزِ لِطُرُقِ التَّرْجِيحِ الْمُدْرِكِ لِمَدَارِكِ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَرْجُوحِ. قُلْت قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ التَّشَهِّي وَالْحُكْمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً وَيُشِيرُ إشَارَةً لَائِحَةً أَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ عِنْدَهُ فِيمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ وَالتَّرْجِيحِ فَيَحْتَمِلُ إذْ ذَاكَ قَوْلُهُ إذَا وَجَدَ الْمَشْهُورَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بِمَا قَوَّى دَلِيلَهُ فِي نَظَرِهِ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ التَّرْجِيحِ فِي وِرْدِهِ وَصَدْرِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَجَدَ الْمَشْهُورَ مِمَّا شَهَرَهُ غَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْهِرُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَنْبَطُ لِلْحُكْمِ نَفْسِهِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ فِي التَّشْهِيرِ كَمَا قَلَّدَهُ فِي نَفْسِ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ تَشْهِيرُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ لَا لِلْمُجْتَهِدِ نَفْسِهِ بَلْ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ يَقْتَدُونَ بِهِ فِي مَذْهَبِهِ وَيُشْهِرُونَ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي حَفِظُوهَا عَنْهُ مَا قَوِيَ دَلِيلَهُ عِنْدَ هَذَا الْمُشْهِرِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى هَذَا الْمُقَلِّدِ الْمُتَأَخِّرِ تَقْلِيدُ هَذَا الَّذِي سَبَقَهُ بِالنَّظَرِ وَالتَّفْتِيشِ فِي أَقْوَالِ الْإِمَامِ الَّذِي اشْتَرَكَ مَعَهُ فِي تَقْلِيدِهِ فِي الْأَحْكَامِ أَوْ يَكُونُ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ لَمَّا كَانَتْ لَهُ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى التَّرْجِيحِ فِي أَقْوَالِ مُقَلِّدِهِ وَيُمَيِّزُ بِهَا الْمَشْهُورَ وَالصَّحِيحَ صَارَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ اللَّاحِقُ مُسَاوِيًا لِلْمُتَقَدِّمِ

السَّابِقِ فِي تَشْهِيرِ قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ هَذَا السَّابِقِ بِحَالٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ مِثْلَ نَظَرِهِ قَدْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ غَيْرُ مَا تَرَجَّحَ عِنْدَ السَّابِقِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ تَقْلِيدُهُ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَعَلَى الِاجْتِهَادِ تَمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَهَذَا فَرَضْنَاهُ قَادِرًا عَلَى التَّرْجِيحِ فِي أَقْوَالِ إمَامِهِ فَلَا يُقَلِّدُ فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ. وَفِي السُّؤَالِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفُتْيَا عَنْ الْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفَاتِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ: هَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ أَوْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ. جَوَابُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ مُقَلِّدًا فِي رُجْحَانِ الْقَوْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ إمَامَهُ الَّذِي يُقَلِّدُهُ فِي الْفُتْيَا وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا فَحَرَامٌ إجْمَاعًا نَعَمْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ هَلْ يَتَسَاقَطَانِ أَوْ يَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يُفْتِي بِهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ فَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا يُفْتِي بِهِ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا يَحْكُمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَرْجَحَ عِنْدَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفُتْيَا شَرْعٌ عَامٌّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَالْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِذَا جَازَ الِاخْتِيَارُ فِي الشَّرَائِعِ الْعَامَّةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَالْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِالرَّاجِحِ وَغَيْرِ الرَّاجِحِ وَلَيْسَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى لَكِنْ بَعْدَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَحُصُولِ التَّسَاوِي وَأَمَّا الْفُتْيَا وَالْحُكْمُ بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَمُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ انْتَهَى. فَانْظُرْ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَ مَنَعَ الْمُجْتَهِدَ مِنْ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَأَجَازَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِالْمَشْهُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ وَلَا صَحِيحًا فِي نَظَرِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلنَّظَرِ وَعَارِفًا بِطُرُقِ التَّرْجِيحِ وَأَدِلَّةِ التَّشْهِيرِ وَالتَّصْحِيحِ فَإِذَا نَظَرَ وَرَجَحَ عِنْدَهُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ عِنْدَهُ إنْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا مَرْجُوحًا فِي نَظَرِهِ لِكَوْنِهِ يُقَلِّدُ فِي تَرْجِيحِ الْمَشْهُورِ إمَامَهُ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي الْفَتْوَى. فَإِنْ قُلْت لَفْظُ الْجَوَازِ يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمُقَلِّدِ مِنْ مُفْتٍ أَوْ عَالِمٍ أَنْ يُقَلِّدَ إمَامَهُ فِي رُجْحَانِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالٍ وَلَوْ رَجَحَ عِنْدَهُ الْإِمَامُ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَقْلِيدُهُ لِهَذَا الْإِمَامِ فِي أَصْلِ الْقَوْلِ لَازِمًا بَلْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ أَوْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ مَفْضُولًا فِي اجْتِهَادِهِ حَسْبَمَا هُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ قَضَاءً وَفَتْوَى إذْ لَا زَائِدَ فِي الْمَشْهُورِ سِوَى الرُّجْحَانِ قُلْت لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْمَرْجُوحِ عِنْدَهُ الرَّاجِحُ فِي

تعارضت الأدلة عند المجتهد وتساوت وعجز عن الترجيح

نَظَرِ إمَامِهِ أَوْ عَكْسُهُ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ فِي نَظَرِهِمَا مَعًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت قَوْلُ شِهَابِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ. . . إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَا مَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ الْقَوْلَيْنِ إجْمَاعًا تَدَافَعَ وَتَنَاقَضَ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْقَاضِي بُرْهَانُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَبْصِرَتِهِ وَبَيَانِهِ بِأَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. . . إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِأَحَدِهِمَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ يَنْظُرُ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا. [تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ] وَقَوْلُهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ. . . إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ إلَّا بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ هَلْ فِي الْقَوْلَيْنِ رَاجِحٌ أَوْ لَا حَتَّى يَعْجِزَ وَيَحْصُلَ التَّسَاوِي. قُلْت لَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَلَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ مَا كُلِّفَ فِيهِ بِالنَّظَرِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ فِي الْقَوْلَيْنِ رَاجِحٌ وَمَرْجُوحٌ وَالْمُقَلِّدُ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ، وَحَيْثُ أَجَازَ الْحُكْمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فَرَضَ الْقَوْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ لَا رَاجِحَ فِيهِمَا فِي نَظَرِهِ فَلَا تَدَافُعَ لِعَدَمِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ اتِّحَادُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ أَمَّا الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ وَمُدَافَعٌ لَهُ قُلْت الَّذِي حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَمَنْعِهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يُفْتِيَ بِالرَّاجِحِ فِي نَظَرِهِ وَلَا فِي نَظَرِ مُقَلِّدِهِ وَإِمَامِهِ مَعًا وَاَلَّذِي جَوَّزَ فِيهِ الْحُكْمَ وَالْفَتْوَى بِالْمَرْجُوحِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ رَاجِحًا فِي نَظَرِ مَتْبُوعِهِ مَرْجُوحًا فِي نَظَرِهِ هُوَ فَلَمْ يَخْرُجْ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ عَنْ الرَّاجِحِ جُمْلَةً وَفِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ جُمْلَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت قَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ صَاحِبُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُقَلِّدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُسْتَفْتِيَ عَلَى قَوْلٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى مَا لَيْسَ بِأَفْضَلَ وَإِنَّمَا الْمُفْتِي الْمُقَلِّدُ بِمَثَابَةِ مَنْ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ فِي بَيْتِهِ لِأَقْوَامٍ شَتَّى فَعَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَ كُلَّ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَصِيَّتِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَوْ تَرَكَ فَنَقُولُ هَذَا خِلَافٌ لِمَا قَدَّمْته وَمُبَايِنٌ لِمَا قَرَّرْته وَأَتْمَمْته قُلْت لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَحْمَلُ هَذَا عَلَى الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ الَّذِي لَا حَظَّ لَهُ فِي مَدَارِك التَّرْجِيحِ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَيْسَ مِنْ وَظِيفَتِهِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ النَّهْيِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَهَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الَّذِي الْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي جَوَابِهِ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى أَطْرَافِ التَّرْجِيحِ وَتَمْيِيزِ الْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالشَّاطِبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ فَتْوَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ لَا هُوَ مُمْسِكُهَا وَلَا هُوَ مُطَلِّقُهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَائِلُونَ يُؤْمَرُ

بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ فَلَمْ تَفْهَمْ الْمَرْأَةُ قَوْلَهُ فَأَعَادَتْ، وَقَالَتْ رَجُلٌ لَهُ زَوْجَةٌ لَا هُوَ مُمْسِكُهَا وَلَا هُوَ مُطَلِّقُهَا، فَقَالَ لَهَا يَا هَذِهِ قَدْ أَجَبْتُكِ عَنْ مَسْأَلَتُكِ وَأَرْشَدْتُكِ إلَى طَلِبَتِكِ وَلَسْتُ بِسُلْطَانٍ فَأَمْضِيَ وَلَا قَاضٍ فَأَقْضِيَ وَلَا زَوْجٍ فَأُرْضِيَ فَانْصَرِفِي فَانْصَرَفَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَفْهَمْ جَوَابَهُ وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمُفْتِي يُخْبِرُ الْمُسْتَفْتِيَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. فَأَجَابَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمُسْتَفْتِيَ إذَا اسْتَفْتَى الْمُفْتِيَ فَيُخْبِرُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ فِي أَيِّ الْأَقْوَالِ شَاءَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ أَبَا مُصْعَبٍ وَابْنَ وَهْبٍ فِي مَجْلِسٍ وَغَيْرَهُمَا كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَقْصِدَ أَيَّهُمَا شَاءَ فَيَسْأَلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ أَوْ يَخْتَارَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَمَّا مَنْ فِيهِ فَضْلُ الِاجْتِهَادِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلُ الِاخْتِيَارِ قَلَّدَ رَجُلًا يَقْوَى فِي نَفْسِهِ فَاخْتِيَارُ الرَّجُلِ كَاخْتِيَارِ الْقَوْلِ انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ الْمَيِّتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَحَكَى الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَصْحَابِهَا، وَلِهَذَا يُعْتَدُّ بِهَا عِنْدَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ، وَقَالَ شَرَفُ الدِّينِ التِّلْمِسَانِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَلَا هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ وَلَا يَنْسُبُ لَهُ قَوْلًا فِي الْحَالِ وَفَائِدَةُ تَدْوِينِ الْمَذَاهِبِ وَنَقْلُ الْأَقْوَالِ مَعْرِفَةُ طُرُقِ الْإِرْشَادِ وَكَيْفِيَّةِ بِنَاءِ الْحَوَادِثِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمَعْرِفَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ انْتَهَى. قُلْت وَبَعْدَ تَسْلِيمِ الْقَوْلِ أَيْضًا بِجَوَازِ فُتْيَا مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الشَّائِعُ الْفَاشِي فِي زَمَانِنَا هَذَا وَقَبْلَهُ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ فِيمَا بَلَغَنَا وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَآفَاقِ الْبِلَادِ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَآخِذِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِيهَا بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيغِ عَلَى تِلْكَ الْمَآخِذِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ وَالْمُنَاظَرَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ شَرْحِ التَّلْقِينِ لِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي يُفْتِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْحَرَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَأْوِيلِ الْأَشْيَاخِ لَهُمَا وَتَرْجِيحِهِمْ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ ظَوَاهِرَ وَاخْتِلَافِ مَذَاهِبَ وَتَشْبِيهِهِمْ مَسَائِلَ قَدْ سَبَقَ إلَى النَّفْسِ تَبَاعُدُهَا وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَسَائِلَ وَمَسَائِلَ قَدْ يَقَعُ فِي النَّفْسِ تَقَارُبُهَا وَتَشَابُهُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ؛ فَهَذَا لِعَدَمِ النُّظَّارِ يَقْتَصِرُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ اهـ. وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ الْعَاجِزُ عَنْ مَدَارِكِ التَّرْجِيحِ وَأَدِلَّةِ التَّشْهِيرِ وَالتَّصْحِيحِ وَهَذَا الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ غَرَضُ

سُؤَالِكُمْ وَصَرِيحُ إشَارَتِكُمْ وَفِي مَعْنَاهُ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُ بِجَهْلِهِ مَا هُنَالِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَذْهَبٌ مُعَيَّنٌ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ مَذْهَبٌ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ، وَيُقَلِّدَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ وَالْمُقَلِّدَ الصِّرْفَ هَلْ لَهُمَا مَذْهَبٌ أَمْ لَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُمَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ شَافِعِيٍّ أَوْ مَالِكِيٍّ أَوْ حَنْبَلِيٍّ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ أَنَّ لَهُ مَذْهَبًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يَنْتَسِبُ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ وَرَجَّحَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَالِكِيًّا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا مُخَالِفَ إمَامِهِ وَعَكْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَامِّيُّ وَالْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ مُنْتَسِبًا إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْمُزَكَّى وَبَنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ يَأْخُذُ رُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ أَمْ لَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّبَاعُ أَيِّ مَذْهَبٍ شَاءَ لَأَفْضَى إلَى أَنْ يَلْتَقِطَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ مُتَّبِعًا هَوَاهُ مُتَخَيِّرًا بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّجْوِيزِ وَفِي ذَلِكَ انْحِلَالُ رُتْبَةِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ الْمَذَاهِبُ الْوَافِيَةُ بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ مَهَّدْت وَعَرَّفْت فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اخْتِيَارِ مَذْهَبٍ يُقَلِّدُهُ عَلَى التَّعْيِينِ قَالَ وَنَحْنُ نُمَهِّدُ لَهُ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ فِي اجْتِهَادِهِ سَهْلًا فَنَقُولُ أَوَّلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّشَهِّي وَالْمَيْلِ لِمَا وَجَدَ عَلَيْهِ آبَاءَهُ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَإِنْ كَانُوا أَعْلَمَ وَأَعْلَى دَرَجَةً مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِتَدْوِينِ الْعِلْمِ وَضَبْطِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مَذْهَبٌ مُحَرَّرٌ مُقَرَّرٌ وَإِنَّمَا قَامَ بِذَلِكَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ النَّاقِلِينَ لِمَذْهَبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ الْقَائِمِينَ بِتَمْهِيدِ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ قَبْلَ وُقُوعِهَا النَّاهِضِينَ بِإِيضَاحِ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ اهـ. فَإِذَا وَقَعَ التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ ذَلِكَ لِلْعَامِّيِّ وَالْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ كَلِمَةُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الَّذِي قَلَّدَهُ الْعَامِّيُّ أَوْ الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ أَوْ لَا فَإِنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى الْمُسْتَفْتِي عَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَتَبَايَنَتْ مِنْهُمْ الْأَقْوَالُ وَلَمْ يَطَّلِعْ هَذَا الْمُقَلِّدُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ قَوْلٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ فَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِهَا فَيَأْخُذُ بِالْحَظْرِ دُونَ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ. ثَانِيهَا: يَأْخُذُ بِأَخَفِّهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ. ثَالِثُهَا: يُتَحَيَّرُ فَيَأْخُذُ بِقَوْلِ أَيِّهِمْ شَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَاخْتِيَارُ

ابْنِ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ لَكِنْ فِيمَا إذَا تَسَاوَى الْقَائِلَانِ فِي نَفْسِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ نَزَلْت بِالسُّلْطَانِ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ ابْنَ مَرْمُورٍ فَرَغِبَ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ فَتَرَكَ قَتْلَهُ فَأَرْسَلَ إلَى الْفَقِيهَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ أَبِي الْفَضْلِ رَاشِدٍ الْوَلِيدِ وَابْنِ يُوسُفَ الْجُزُولِيِّ فَاقْتَضَى نَظَرُ الْفَقِيهِ رَاشِدٌ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى السُّلْطَانِ مَا فِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ فَيَخْتَارُ مَا شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَكْثَرِهِمْ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ السَّبْعَةِ. خَامِسُهَا: أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي الْأَوْثَقِ فَيَأْخُذُ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ الْأَوْرَعِ وَيَبْحَثُ عَنْ الْأَرْجَحِ مِنْ الْقَائِلِينَ فَيَعْمَلُ بِهِ فَإِنَّهُ حُكْمُ التَّعَارُضِ، وَقَدْ وَقَعَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَنَصَّ عَلَى مِثْلِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقِبْلَةِ وَعِنْدَ هَذَا إمَّا أَنْ يَظْهَرَ الرُّجْحَانُ مُطْلَقًا أَوْ لَا يَظْهَرَ مُطْلَقًا أَوْ يَظْهَرَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَإِنْ ظَهَرَ مُطْلَقًا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْقَائِلِينَ أَعْلَمَ وَأَدْيَنَ وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الرُّجْحَانُ مُطْلَقًا فَهَذَا بَعْضٌ مِمَّا أَحَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ وُجُودَهُ عُرْفًا فَإِنْ فُرِضَ وُقُوعُهُ خُيِّرَ الْمُسْتَفْتِي وَإِنْ ظَهَرَ الرُّجْحَانُ مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الدِّينِ وَتَفَاوَتَا فِي الْعِلْمِ فَقَالَ قَوْمٌ يُخَيَّرُ وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْعِلْمِ وَتَفَاوَتُوا فِي الدِّينِ وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَدْيَنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَدْيَنَ قَالُوا يُرَجَّحُ قَوْلُ الْأَدْيَنِ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْأَعْلَمِ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الَّذِي يُطَّلَعُ بِهِ عَلَى دَلَائِلِ الْأَحْكَامِ دُونَ الدِّينِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ تَعَدُّدِ الْقَائِلِينَ وَأَمَّا مَعَ اتِّحَادِ الْقَائِلِ وَاخْتِلَافِ الْقَوْلِ فَالْعَمَلُ بِالْمَرْجُوعِ إلَيْهِ دُونَ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ إنْ عَلِمَ التَّارِيخَ لِأَنَّ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ نَاسِخٌ وَالْمَرْجُوعَ عَنْهُ مَنْسُوخٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ فِي الْفَرْضِ قَوْلًا يُفْتِي بِهِ أَوْ يَحْكُمُ خِلَافًا لِعِزِّ الدِّينِ وَظَاهِرُ الْأَجْوِبَةِ وَإِنْ جَهِلَ التَّارِيخَ تَسَاقَطَا وَعَلَى قَوْلِ عِزِّ الدِّينِ فَالتَّخْيِيرُ هُنَا أَحْرَى وَأَوْلَى وَهَذَا مَعَ عَدَمِ اطِّلَاعِ الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ، وَأَمَّا مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ أَحْبَارُ الْأَئِمَّةِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي التَّرْجِيحِ وَتَبَايَنُوا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّصْحِيحِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ الرُّجُوعُ إلَى صِفَاتِ الْمُرَجِّحِينَ فَيَقِفُ مَعَ تَشْهِيرِ الْأَعْلَمِ الْأَدْيَنِ إنْ كَانَ لِظُهُورِ الرُّجْحَانِ ثُمَّ كَذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ فِي التَّرْجِيحِ بِصِفَاتِ الْقَائِلِينَ وَالنَّاقِلِينَ وَيُعْلَمُ الْأَعْلَمُ وَالْأَدْيَنُ بِظُهُورِ آثَارِ الصَّلَاحِ وَإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَضِدُّهُ بِآثَارِ الْفُجُورِ وَإِعْرَاضِ النَّاسِ عَنْهُ. وَفِي إقْلِيدِ الْإِقْلِيدِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ عَنْ مَالِكٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ شُيُوخُ الْأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَّةَ إذَا تَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَقَالَ الْأَبْيَانِيُّ لَيْسَ فِي أَصْحَابِ مَالِكٍ مَنْ عَرَفَ مَذْهَبَهُ مِثْلَ مَا عَرَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَفِي أَحْكَامِ الْقَاضِي بْنِ

الْمُطَرِّفِ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْمُطَرِّفِ بْنِ بِشْرٍ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاضْطَرَبَتْ فُتْيَاهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَبِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ حَقِيقٌ بِالنَّكِيرِ عَلَيْهِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِهِ. وَفِي الطُّرَرِ عَلَى التَّهْذِيبِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ قَالُوا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا فَإِنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِهَا وَذَلِكَ لِصِحَّتِهَا قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي اصْطِلَاحِ الْمَغَارِبَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعِرَاقِيُّونَ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُونَ الْمَغَارِبَةَ فِي تَعْيِينِ الْمَشْهُورِ وَيُشْهِرُونَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ عَمَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارُ تَشْهِيرِ مَا شَهَّرَهُ الْمِصْرِيُّونَ وَالْمَغَارِبَةُ. وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ إنَّمَا يُفْتِي بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي النَّازِلَةِ فَبِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا وَإِلَّا فَبِقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَفِي أَخْبَارِ أَسَدٍ مِنْ مَدَارِكِ الْقَاضِي قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهَا كَلَامُ رَجُلٍ صَالِحٍ وَرِوَايَتُهُ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَوَّنَةَ مِنْ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا عَنْهَا، أَفْرَغَ الرِّجَالُ فِيهَا عُقُولَهُمْ وَشَرَحُوهَا وَبَيَّنُوهَا فَمَا اعْتَكَفَ أَحَدٌ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَدِرَاسَتِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ فِي وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَمَا عَدَاهَا إلَى غَيْرِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ وَلَوْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمَدًا مَا رَأَيْتُمُونِي أَبَدًا وَفِي أَوَّلِ مُقَدِّمَاتِ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هَذِهِ الْمُدَوَّنَةَ تَدُورُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمِصْرِيِّ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ وَسَحْنُونٍ وَكُلُّهُمْ مَشْهُورٌ بِالْإِمَامَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَفِي فَصْلِ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ شَرْحِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشُّيُوخِ كَانُوا إذَا نُقِلَتْ لَهُمْ مَسْأَلَةٌ مِنْ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِيهَا عَدُوُّهُ خَطَأً فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ مَا فِي غَيْرِهَا وَفِيهِ أَيْضًا بَيَانُ الْمَشْهُورِ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ الشَّاذِّ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ، فَإِنَّ أَهْلَ زَمَانِنَا إنَّمَا يَقُولُونَ فِي فَتْوَاهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا وَجَدُوهُ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ شَهِدَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِوُصُولِهِ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ أَوْ مَا قَارَبَ رُتْبَتَهُ وَمَا أَفْتَيْت قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَلَا أُفْتِي، وَأَهْلُ قُرْطُبَةَ أَشَدُّ فِي هَذَا وَرُبَّمَا جَاوَزُوا فِيهِ الْحَدَّ. قُلْت أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ وَرُبَّمَا جَاوَزُوا فِيهِ الْحَدَّ إلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ إنَّهُ كَانَ فِي سِجِلَّاتِ قُرْطُبَةَ لَا يُخْرَجُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وُجِدَ وَلِلْأُسْتَاذِ الطُّرْطُوشِيِّ الْفِهْرِيِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ اعْتِرَاضٌ طَوِيلٌ اسْتِقْصَاؤُهُ وَذِكْرُ مَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ إلَى الْبُعْدِ عَنْ غَرَضِ الْكِتَابِ. وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَحْكَامِ قُضَاةِ الْعَصْرِ إلَّا مَا لَا يُخَالِفُ الْمَشْهُورَ وَمَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي بَعْضِ فَتَاوَى شَيْخِنَا وَسَيِّدِنَا أَبِي الْفَضْلِ قَاسِمٍ الْعُقْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ يُنْظَرُ فِي الْحَكَمِ

الَّذِي عَدَلَ عَنْ الْمَشْهُورِ إلَى الشَّاذِّ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ لِمَظِنَّةِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ نُقِضَ حُكْمُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ الشَّاذُّ إلَّا أَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ يُدْرِكُ الرَّاجِحَ وَالْمَرْجُوحَ وَهَذَا يَعِزُّ وُجُودُهُ مَضَى حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ زُجِرَ عَنْ مُوَافَقَةِ مِثْلِ هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ الْقَضَاءِ إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ فَإِنَّ الْإِمَامَ الَّذِي قَدَّمَهُ وَاَلَّذِي قُدِّمَ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إنَّمَا يَرْضَوْنَ مِنْهُ الْحُكْمَ بِالْمَشْهُورِ اهـ. قُلْت لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْحُكْمَ يُفْسَخُ إذَا حُكِمَ بِالشَّاذِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ عَرَفَةَ فَوْقَهُ. وَفِي بَعْضِ فَتَاوَى شَيْخِنَا مَا نَصُّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُفْتٍ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا عَلِمَ الْمَشْهُورَ فِيهِ إلَّا بِالْمَشْهُورِ وَكَذَلِكَ حُكَّامُ زَمَانِنَا فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ فِي الْعِلْمِ هُنَالِكَ مَا أَفْتَيْتُ قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا كَانَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ فِي طَبَقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَتْوَى بِالْمَشْهُورِ وَلَا يَرْضَى حَمْلَ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُقَصِّرُ عَنْ تَلَامِذَتِهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى الشَّاذِّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي. وَفِي فَتَاوَى صَالِحٍ بِجَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ سَيِّدِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاغِلِيسِيِّ مَا نَصُّهُ: " لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَقَلَّدُ غَيْرَ الْمَشْهُورِ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْفُتْيَا مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلْتَعْمَلْ عَلَى جَادَّةِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَاحْذَرْ مُخَالَفَتَهُمْ وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا أُفْتِي بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَلَا أَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ قَلَّ الْوَرَعُ وَالتَّحَفُّظُ عَلَى الدِّيَانَةِ وَكَثُرَ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ وَيَتَجَاسَرُ عَلَى الْفَتْوَى فِيهِ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ وَلَوْ فُتِحَ لَهُمْ بَابٌ فِي مُخَالَفَةِ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ لَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ وَهُتِكَ حِجَابُ الْمَذْهَبِ وَهَذَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ الَّتِي لَا خَفَاءَ بِهَا وَهَذَا فِي زَمَانِهِ فَانْظُرْ فِي أَيِّ زَمَانٍ أَنْتَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اُنْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَسْتَجِزْ هَذَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى إمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ الْفَتْوَى بِغَيْرِ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَلَا بِغَيْرِ مَا عَرَفَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ مَصْلَحِيَّةٍ ضَرُورِيَّةٍ إلَى أَنْ قَلَّ الْوَرَعُ وَالدِّيَانَةُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَصِبُ لَبْثَ الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى فَلَوْ فُتِحَ لَهُمْ هَذَا الْبَابُ لَانْحَلَّتْ عُرَى الْمَذْهَبِ بَلْ جَمِيعُ الْمَذَاهِبِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لِلشَّيْءِ وَجَبَ لِمِثْلِهِ وَظَهَرَ أَنَّ تِلْكَ الضَّرُورَةَ الَّتِي اُدُّعِيَتْ فِي السُّؤَالِ لَيْسَتْ بِضَرُورَةٍ اهـ. فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُ الْمَازِرِيِّ لَمْ يُبَالِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ وَلَا وَقَفَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَأَفْتَى بِالشَّاذِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الدَّاوُدِيِّ عَنْ مَالِكٍ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِضَعْفِهَا وَشُذُوذِهَا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَخُرُوجِ الْإِبَّانِ وَخَالَفَ الْمَعْهُودَ مِنْ عَادَتِهِ مِنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْمَشْهُورِ وَمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ وَالْجُمْهُورُ. قُلْت لِلتَّشْدِيدِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَالْمُتَعَدِّينَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ، وَهُوَ مَأْلُوفٌ فِي الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَمِنْهُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ غَيْرُ نَظِيرٍ وَقَدْ أَتَيْت فِي بَعْضِ مَا قَيَّدْت مِنْ هَذَا الْمُصَنَّفِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ فَإِنَّا قَدْ

اسْتَفَدْنَا مِنْ النُّصُوصِ الْمَجْلُوبَةِ فَوْقَ هَذَا أَنَّ الْفُتْيَا بِغَيْرِ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ لَا تَجُوزُ فَمَا حُكْمُ الْفُتْيَا بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْ مُقَلِّدِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْأَنْدَلُسِ. قُلْت قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فَتْحُ الْبَابِ بِالْفُتْيَا فِي إقْلِيمِنَا بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا يُسَوَّغُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ سَحْنُونٌ وَالْحَارِثُ لَمَّا وَلِيَا الْقَضَاءَ فَرَفَعَا جَمِيعَ خِلَفِ الْمُخَالِفِينَ وَمَنَعَا الْفَتْوَى بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَنْعُ وَتَأْدِيبُ الْمُفْتِي بِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي آخِرِ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَأَوَّلِ مَدَارِكِ الْقَاضِي وَاللَّفْظُ لِلْمَدَارِكِ وَفِي كِتَابِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَنْصِرِ إلَى الْفَقِيهِ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَكَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ طَالَعَ الْكِتَابَ وَنَقَّرَ عَنْ أَخْبَارِ الرِّجَالِ تَنْقِيرًا لَمْ يَبْلُغْ فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَكُلُّ مَنْ زَاغَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ مِمَّنْ رِينَ عَلَى قَلْبِهِ وَزُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ، وَقَدْ نَظَرْت طَوِيلًا فِي أَخْبَارِ الْفُقَهَاءِ وَقَرَأْت مَا صُنِّفَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَلَمْ أَرَ مَذْهَبًا مِنْ الْمَذَاهِبِ غَيْرَهُ أَسْلَمَ مِنْهُ وَأَنَّ فِيهِمْ الْجَهْمِيَّةَ وَالرَّافِضَةَ وَالْخَوَارِجَ وَالْمُرْجِئَةَ وَالشِّيعَةَ إلَّا مَذْهَبَ مَالِكٍ مَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يَتَقَلَّدُ مَذْهَبَهُ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ فَالِاسْتِمْسَاكُ بِهِ نَجَاةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. وَلِغَيْرِهِ عَنْ الْخَلِيفَةِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَ مَالِكٍ بِالْفَتْوَى وَبَلَغَنَا خَبَرُهُ أَنْزَلْنَا بِهِ مِنْ النَّكَالِ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَجَعَلْنَاهُ عِبْرَةً لِغَيْرِهِ فَقَدْ اخْتَبَرْت فَوَجَدْت مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَفْضَلَ الْمَذَاهِبِ وَلَمْ أَرَ فِي أَصْحَابِهِ وَلَا فِيمَنْ تَقَلَّدَ بِمَذْهَبِهِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَلْيَسْتَمْسِكْ النَّاسُ بِهَذَا وَلْيُنْهَوْا أَشَدَّ النَّهْيِ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِمَذَاهِبِ جَمِيعِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ اهـ. ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِالنَّصِّ لَا بِالنَّظَرِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ جَاءَ مَنْ كَذَبَ عَلَى عَالِمٍ فَكَأَنَّمَا كَذَبَ عَلَى الرَّسُولِ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى الرَّسُولِ فَكَأَنَّهُ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَفِي مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ مَا نَصُّهُ " وَإِذَا رَجَعَ إلَى مُقَلِّدٍ رُجُوعَ اضْطِرَارٍ كَرَجُلٍ يَذْكُرُ الْمَسَائِلَ كَمَنْ يَحْفَظُ الْمُدَوَّنَةَ وَالْعُتْبِيَّةَ وَالْوَاضِحَةَ وَالْمَوَّازِيَّةَ وَمَا جَمَعَ مِنْهَا كَالنَّوَادِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَفْتَى مِثْلَ هَذَا فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ حَتَّى تَنْزِلَ حَسْبَمَا هِيَ فِي دِيوَانٍ مِنْهَا فَيَكْتُبُ الْجَوَابَ عَنْهَا حَاكِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَلَا نُقْصَانِ حَرْفٍ لَا فِي بِسَاطٍ وَلَا عُرْفٍ فَيَكُونُ كَمَنْ يُخْرِجُ الْوَصِيَّةَ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ إلَى رَجُلٍ عِنْدَ الْبَابِ فَإِذَا زَادَ أَوْ نَقَصَ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فَاتَهُ وَالِاجْتِهَادَ فَاتَهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَسْأَلَةً بِعَيْنِهَا وَنَصِّهَا مَسْطُورَةً فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْعَقْلِ فِيهَا قِيَاسًا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ السُّطُورِ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسٍ لَا فَارِقَ لِأَنَّ الْقَاصِرَ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَعْتَقِدَ مَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَتِمُّ فِي حَقِّ مَنْ عَرَفَ مَوَارِدَ الشَّرْعِ، وَمَصَادِرَهُ اهـ. وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَرْقِ

الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ قَوَاعِدِ شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَكْشِفُ الْغُمَّةَ وَيَشْفِي الْغَلِيلَ وَمِنْهَا وَمِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمِ جَرَاءَةِ أَهْلِ هَذَا الْوَقْتِ عَلَى الْفَتْوَى وَتَحَامُلِهِمْ عَلَى الْمَذْهَبِ بِمَا تَأْبَاهُ الدِّيَانَةُ وَالتَّقْوَى عَصَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ مِنْ مُتَابَعَةِ الْهَوَى وَمَنَّ عَلَيْنَا وَإِيَّاكُمْ بِجَنَّةِ الْمَأْوَى. وَلْنَرْجِعْ بَعْدَ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الشَّافِيَةِ الْجَامِعَةِ الْكَافِيَةِ إلَى تَتَبُّعِ أَلْفَاظِ السُّؤَالِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ وَالْأَقْوَالِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ نَعْتَصِمُ مِنْ كُلِّ مَا يَصِمُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ فَهَلْ يَجُوزُ لِهَذَا الْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ يُفْتِيَ بِهِ بِقَصْدِ التَّوْسِعَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وَلَفْظُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» وَالْأَخْذُ بِالرُّخَصِ مَحْمُودٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُقَلِّدَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الرَّاجِحِ أَوْ الْأَرْجَحِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ وَيَقْتَصِرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ وَالْعَمَلِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْقَاضِي الْمُحَقِّقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التُّونُسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الشَّاذَّ وَيَعْمَلَ بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ الْقَوْلُ الشَّاذُّ قَدْ يَنْصُرُهُ الْفَقِيهُ وَيَخْتَارُهُ وَيُقَلِّدُهُ الْعَامِّيُّ انْتَهَى. وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ كُلُّ مَا قَالَ رَجُلٌ قَوْلًا وَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ يُتَّبَعُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنْ قَالَ قُصُورِي وَقِلَّةُ عِلْمِي تَحْمِلُنِي عَلَى التَّقْلِيدِ قِيلَ لَهُ أَمَّا مَنْ قَلَّدَ فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ عَالِمًا يُتَّفَقُ لَهُ عَلَى عِلْمِهِ فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ عَمَّا يُخْبِرُهُ بِهِ فَمَعْذُورٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَأَدَّى مَا لَزِمَهُ فِيمَا نَزَلَ بِهِ لِجَهْلِهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ عَالِمٍ فِيمَا جَهِلَهُ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمَكْفُوفَ يُقَلِّدُ مَنْ يَثِقُ بِخَبَرِهِ فِي الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَتَهُ هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي شَرَائِعِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْمِلُ غَيْرَهُ عَلَى إبَاحَةِ الْفُرُوجِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَاسْتِرْقَاقِ الرِّقَابِ وَإِزَالَةِ الْأَمْلَاكِ وَتَصْيِيرِهَا إلَى غَيْرِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ صِحَّتَهُ وَلَا قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّ قَائِلَهُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ فِي ذَلِكَ رُبَّمَا كَانَ الْمُصِيبَ بِمَا خَالَفَهُ فِيهِ فَإِنْ أَجَازَ الْفَتْوَى لِمَنْ جَهِلَ الْأَصْلَ وَالْمَعْنَى بِحِفْظِهِ لِلْفُرُوعِ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ لِلْعَامَّةِ وَكَفَى بِهَذَا جَهْلًا وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَقَالَ تَعَالَى {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28] وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا لَمْ يُتَبَيَّنْ وَلَا يُسْتَيْقَنُ فَلَيْسَ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا انْتَهَى فَتَأَمَّلْ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فَإِنَّ فِيهِ دَلِيلًا وَاضِحًا أَنَّ مَنْ ذَكَرْت

لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ أَحَدًا مِنْ الْأَنَامِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ أَفْتَى بِالْمَشْهُورِ فَكَيْفَ بِالشَّاذِّ الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ، وَقَدْ أَوْجَبَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ زَمَانَنَا هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ عُقُوبَةَ الْمُفْتِي الْمُقَلِّدِ إنْ خَالَفَ الْمَشْهُورَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْعَوْدِ وَعَلَّلَهُ فِي تَعَلُّقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ فِي الْعَمَلِ بِالْمَشْهُورِ وَقَالَ وَإِنْ ارْتَكَبْتَ الشَّاذَّ فِي الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَجْنَبِيٍّ فَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ وَظِيفَتُك سَرْدَ الرِّوَايَاتِ وَتَعْيِينَ الْمَشْهُورِ فَحَمْلُك السَّائِلَ عَلَى الشَّاذِّ غِشٌّ لَهُ فِي أَمْرٍ دِينِيٍّ فَعُقُوبَتُهُ أَكْثَرُ وَأَوْجَبُ مِنْ عُقُوبَةِ النَّاسِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، وَقَدْ اقْشَعَرَّتْ الْبِلَادُ مِنْهُ انْتَهَى، وَهَذَا كُلُّهُ لَا مَزِيدَ فِيهِ عَلَى مَا اُسْتُفِيدَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَالْأَدَبِ الْوَجِيعِ وَلِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسْأَلَةِ إمْلَاءٌ عَرِيضٌ لَوْلَا الْإِطَالَةُ وَالْخُرُوجُ عَنْ غَرَضِ الِاخْتِصَارِ لَجَلَبْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَالْأَخْذُ بِالرُّخَصِ مَحْبُوبٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الرُّخَصِ الْمَعْهُودَةِ الْعَامَّةِ كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْفِطْرِ فِيهِ وَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَلَيْلَةِ الْمَطَرِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا تَتَبُّعُ أَخَفِّ الْمَذَاهِبِ وَأَوْفَقِهَا لِطَبْعِ الصَّائِرِ إلَيْهَا وَالذَّاهِبِ فَمِمَّا لَا يَجُوزُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَحْبُوبًا مَطْلُوبًا قَالَهُ الرِّيَاشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ بَيَانُ الْعِلْمِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ إنْ أَخَذْت بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيك الشَّرُّ كُلُّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا إجْمَاعٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَتَبُّعَ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فِسْقٌ لَا يَحِلُّ. وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْأَمْصَارِ لَمْ أَجْرَحْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَاذًّا مَا لَمْ يَأْخُذْ بِكُلِّ مَا وَافَقَهُ مِنْ كُلِّ قَائِلٍ وَعَلَّلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَأَبُو عُمَرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إلَى إسْقَاطِ التَّكْلِيفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا صَارَ الْمُكَلَّفُ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ عَنَّتْ لَهُ يَتَتَبَّعُ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ وَكُلَّ قَوْلٍ وَافَقَ فِيهَا هَوَاهُ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ التَّقْوَى وَتَمَادَى فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى وَنَقَضَ مَا أَبْرَمَهُ الشَّرْعُ وَأَخَّرَ مَا قَدَّمَهُ قَالَ وَقَدْ أَدَّى إغْفَالُ هَذَا الْأَصْلِ إلَى أَنْ صَارَ كَثِيرٌ مِنْ مُقَلِّدَةِ الْفُقَهَاءِ لَا يُفْتِي قَرِيبَهُ أَوْ صَدِيقَهُ بِمَا يُفْتِي بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ اتِّبَاعًا لِغَرَضِهِ وَشَهْوَتِهِ أَوْ لِغَرَضِ ذَلِكَ الْقَرِيبِ وَذَلِكَ الصَّدِيقِ، وَلَقَدْ وُجِدَ هَذَا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ فَضْلًا عَنْ زَمَانِنَا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ إنْ أَخَذْت بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيك الشَّرُّ كُلُّهُ قَالَ فَمِنْ هُنَا قَالُوا زَلَّةُ الْعَالِمِ مَضْرُوبٌ بِهَا الطَّبْلُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُمَرَ شَبَّهَ الْعُلَمَاءُ زَلَّةَ الْعَالِمِ بِانْكِسَارِ السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا إذَا غَرِقَتْ غَرِقَ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيْلٌ

لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ قِيلَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ لَمْ يَجِئْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَمْضِي فِي الِاتِّبَاعِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَيْضًا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالِمِ وَتَصِيرُ صَغِيرَتُهُ كَبِيرَةً مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ جَارِيَةً فِي الْعَادَةِ عَلَى مَجْرَى الِاقْتِدَاءِ فَإِذَا حُمِلَتْ زَلَّتُهُ عَنْهُ قَوْلًا كَانَتْ أَوْ فِعْلًا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ مَنَارٍ يُهْتَدَى بِهِ فَإِنْ عُلِمَ كَوْنُ زَلَّتِهِ صَغِيرَةً فِي أَعْيُنِ النَّاسِ وَجَسَرَ عَلَيْهَا النَّاسُ تَأَسِّيًا بِهِ وَتَوَهَّمُوا فِيهِ رُخْصَةً عَلِمَ هُوَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمُوهَا هُمْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ وَإِنْ جُهِلَ كَوْنُهُ زَلَّةً فَأَحْرَى أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُ مَحْمَلُ الْمَشْرُوعِ وَذَلِكَ كُلُّهُ رَاجِعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلَاثَةٍ قَالُوا وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ وَهَوًى مُتَّبَعٍ» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ اهـ. قُلْت وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَسَاهَلَ وَيَتَمَاسَكَ بِالشَّبَهِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ ضَرَّهُ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ. قَالَ أَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي فَاحْتَسَبَ فِي تَلَطُّفِهِ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَلَا تَجُرُّهُ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيُخَلِّصَ بِهِ الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ أَوْ نَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ اهـ. قُلْت وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِثْلُ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَخَافَ الْحِنْثَ فِي زَوْجَتِهِ بِالثَّلَاثِ فَلِلْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ لَهُ خَالِعْهَا قَبْلُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُكَ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَك مُرَاجَعَتُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مِنْ التَّرْخِيصِ وَالْحِيَلِ الَّتِي لَمْ تُخَالِفْ قَانُونَ الشَّرْعِ وَقَاعِدَتَهُ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْبَغِي إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ فِيهِ تَخْفِيفٌ أَنْ يُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصَّ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّلَاعُبِ بِالْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَتَقْوَاهُ وَعِمَارَتِهِ بِاللَّعِبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَرُّبِ لِلْخَلْقِ دُونَ الْخَالِقِ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ صِفَاتِ الْغَافِلِينَ اهـ. لَا يُقَالُ الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَيْته عَنْ ابْنِ حَزْمٍ وَأَبِي عُمَرَ يُنْتَقَضُ وَيُرَدُّ بِقَوْلِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ وَلِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِرُخَصِ الْمَذَاهِبِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ جَهْلٌ مِمَّنْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالرُّخَصِ مَحْبُوبٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَإِنْ قُلْنَا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَكُلُّ الرُّخَصِ صَوَابٌ وَلَا يَجُوزُ إنْكَارٌ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ فَالصَّوَابُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْعَزِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْأَخْذَ بِالْعَزِيمَةِ تَوَرُّعًا وَاحْتِيَاطًا وَاجْتِنَابًا لِمَظَانِّ الرِّيَبِ اهـ لَا سِيَّمَا وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ هَذَا مِمَّنْ لَا يَتَقَرَّرُ اتِّفَاقٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ بِاعْتِبَارِ

رَأْيِهِ وَرِوَايَتِهِ كَمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الثِّقَةُ الْعَدْلُ الضَّابِطُ الْمُحَقِّقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. لِأَنَّا نَقُولُ ابْنُ حَزْمٍ وَأَبُو عُمَرَ قَدْ حَكَيَا الْإِجْمَاعَ وَمُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ وَعِزُّ الدِّينِ لَمْ يُبَيِّنْ بِفَتْوَاهُ الْمُسْتَنَدَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا رَآهُ فَتَفَرَّدَ بِهِ أَوْ لَازِمَ قَوْلٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ إحْدَاثُ قَوْلٍ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا لِتَضَمُّنِهِ تَخْطِئَةَ الْأُمَّةِ وَتَخْطِئَتُهَا مُمْتَنِعَةٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَسَوَاءٌ قُلْنَا انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ أَمْ لَا. لَا يُقَالُ إجْمَاعَاتُ أَبِي عُمَرَ مَدْخُولَةٌ وَقَدْ حَذَّرَ النَّاصِحُونَ مِنْهَا وَمِنْ اتِّفَاقَاتِ ابْنِ رُشْدٍ وَاحْتِمَالَاتِ الْبَاجِيِّ وَاخْتِلَافِ اللَّخْمِيِّ. لِأَنَّا نَقُولُ غَايَةُ هَذَا نِسْبَةُ الْوَهْمِ إلَى أَبِي عُمَرَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَإِنْ سَلِمَ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَلَةِ فَمَا الَّذِي جَرَّحَ إجْمَاعَ ابْنِ حَزْمٍ لَا سِيَّمَا وَالشُّيُوخُ يَقُولُونَ أَصَحُّ الْإِجْمَاعَاتِ إجْمَاعَاتِهِ لَا يُقَالُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَوْعَبِ كُتُبِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ الْحَافِظِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْأَفْضَلِيَّةَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا إجْمَاعُ ابْنِ حَزْمٍ هَذَا فَأَيْنَ أَنْتَ مِمَّا نَقَلْت عَنْ الْأَشْيَاخِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا أَثْبَتَ ابْنُ عَرَفَةَ لِإِجْمَاعِ ابْنِ الْقَطَّانِ مَزِيَّةَ الْإِيعَابِ وَالِاسْتِقْصَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَزِيَّةِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْإِجْمَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حُصُولُهَا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى تَنْدَرِجَ الْأُضْحِيَّةُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَيْضًا فَابْنُ عَرَفَةَ إنَّمَا قَالَ مِنْ أَوْعَبِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَوْعَبُهَا نَعَمْ لَوْ نَقَلَ عِزُّ الدِّينِ مَا بِهِ أَفْتَى رِوَايَةً عَنْ مُتَقَدِّمٍ لَصَحَّ نَقْضُ الْإِجْمَاعِ وَخَرْقُهُ بِهَا لِأَنَّهُ ثِقَةٌ ضَابِطٌ رَاسِخُ الْقَدَمِ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - أَنَّ الْمُمْتَنِعَ إنَّمَا هُوَ تَتَبُّعُ رُخَصِ كُلِّ الْمَذَاهِبِ لَا الْوَاحِدِ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَا فَرْقَ إلَّا أَنَّ مَا عَلَّلُوا بِهِ الْمَنْعَ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ التَّكْلِيفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا إنَّمَا يَظْهَرُ كُلَّ الظُّهُورِ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ تَكُونُ مَمْنُوعَةً فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ بِاتِّفَاقٍ وَجَائِزَةً فِي غَيْرِهِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ بِاخْتِلَافٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا تَتَبُّعَ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ لَأَفْضَى إلَى لِمَا قَالُوهُ لِأَنَّ مَا تَتَّفِقُ فِيهِ الْمَذَاهِبُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا كَذَلِكَ تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ الْأَوَّلِ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُقَلِّدَ إمَّا أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ الْأَشَدِّ وَالْأَخَفِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ يَطَّلِعَ فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ فَالْحُكْمُ مَا مَرَّ مِنْ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّرْجِيحِ بِالْأَعْلَمِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ أَوْ بِالْأَشَدِّ وَالْأَثْقَلِ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الْأَخَفِّ أَوْ فِي جَانِبِ الْأَثْقَلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي جَانِبِ الْأَشَدِّ وَالْأَثْقَلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ إلَّا لِعَارِضٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا خِلَافًا لِعِزِّ الدِّينِ وَإِنْ كَانَتْ فِي جَانِبِ الْأَخَفِّ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْأَوْلَى ارْتِكَابُ الْأَشَدِّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْرَأُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الرُّجْحَانُ وَتَفَاضَلَ الْمُرَجَّحُونَ أَوْ تَكَافَئُوا فَعَلَى مَا مَرَّ هُنَالِكَ وَهُنَا. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ فَإِنْ

قُلْتُمْ لِهَذَا الْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنْ عُلَمَاءِ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَبَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةَ التَّقْلِيدِ هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ وَالتَّشَهِّي بِمَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَى الْمُكَلَّفِ إذَا وَافَقَ غَرَضُهُ الْعِلْمَ. فَجَوَابُهُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَسَعَةٌ وَجَائِزٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِي أَقَاوِيلِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَطَأٌ فَإِذَا بَانَ لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَسَعْهُ اتِّبَاعُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ جَازَ لَهُ اسْتِعْمَالُ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَوَابَهُ مِنْ خَطَئِهِ وَصَارَ فِي حَيِّزِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُقَلِّدَ الْعَالِمَ إذَا سَأَلَتْهُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ وَجْهَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا قَوْلٌ يُرْوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ فَقَالَ إنْ قَرَأْت فَلَكَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ تَقْرَأْ فَلَكَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَا بَرِحَ الْمُفْتُونَ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُحِلُّ هَذَا وَيُحَرِّمُ هَذَا فَلَا يَرَى الْمُحَرِّمُ أَنَّ الْمُحَلِّلَ هَلَكَ بِتَحْلِيلِهِ وَلَا يَرَى الْمُحَلِّلُ أَنَّ الْمُحَرِّمَ هَلَكَ بِتَحْرِيمِهِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ اجْتَمَعْنَا عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي جُمْلَةٍ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُمْ حَتَّى انْتَهَى إلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ فَيَقُولُ لَهُ قَالَ فُلَانٌ كَذَا، وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ قَدْ سَمِعَ الشَّيْخُ عِلْمَ الْوَاعِينَ بِرَأْيٍ وَالْحُجَّةُ لِهَؤُلَاءِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ قَدْ رَفَضَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ النَّظَرِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَقَدِّمِينَ وَمُتَأَخِّرِينَ يَمِيلُونَ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْبَابِ فَمَرَّةً قَالَ أَمَّا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ وَلَا أَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُنِي النَّظَرُ فِي أَقَاوِيلِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ دُونَهُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ جَعَلَ لِلصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ لِغَيْرِهِمْ وَأَظُنُّهُ مَالَ إلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الصَّيْرَفِيُّ: قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْأَلَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي أَقْوَالِهِمْ لِنَعْلَمَ مَعَ مَنْ الصَّوَابُ مِنْهُمْ فَتَتَبَّعْهُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت كَيْفَ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تُقَلِّدُ أَيَّهُمْ أَحْبَبْت قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَرَ النَّظَرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ خَوْفًا مِنْ التَّطَرُّقِ إلَى النَّظَرِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصْحَابِي

كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» فَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَحْسُنُ اسْتِدْلَالُكُمْ بِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْبَزَّارِ فَلَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ ضَعِيفٌ قَالَ لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَأَهْلُ الْعِلْمِ قَدْ سَكَتُوا عَنْ رِوَايَةِ حَدِيثِهِ وَعَلَى صِحَّتِهِ فَقَدْ قَالَ الْمُزَنِيّ مَعْنَاهُ عِنْدِي فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ فَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُ هَذَا وَأَمَّا مَا قَالُوا فِيهِ بِرَأْيِهِمْ فَلَوْ كَانُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ كَذَلِكَ مَا خَطَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ وَلَيْسَ هَذَا الصَّحِيحَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْفَرِدِينَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ جَهِلَ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلَهُ فَالتَّقْلِيدُ لَازِمٌ لَهُ بِأَمْرِ أَصْحَابِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ إذَا تَأَوَّلُوا تَأْوِيلًا سَائِغًا جَائِزًا مُمْكِنًا فِي أُصُولٍ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَجْمٌ جَائِزٌ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْعَامِّيُّ الْجَاهِلُ بِمَعْنًى يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ دِينِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْعَامَّةِ اهـ. فَعَلَى قَوْلِ الْبَزَّازِ وَتَفْسِيرُ الْمُزَنِيِّ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا فِي اسْتِدْلَالِكُمْ بِالْحَدِيثِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُمَرَ تَفْسِيرُهُ فَالِاسْتِدْلَالُ نَاهِضٌ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا مَيْزَ مَعَهُ وَلَا بَصَرَ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ ظَوَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ فِي تَعَارِيفِهِمْ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فَقَدْ بَرِئَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُمْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ أَبَا عُمَرَ قَالَ الِاخْتِلَافُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ عَلِمْته مِنْ فُقَهَاءِ الْأَعْصَارِ إلَّا مَنْ لَا بَصَرَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ الشَّاطِبِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ صَدْرَ هَذَا الْجَوَابِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ فَرَاجِعْهُ ثَمَّةَ وَطَالِعْهُ تَطَّلِعْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فَقَدْ بَرِئَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْنُونَ بِشُرُوطِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْقِيحَاتِ نَقْلًا عَنْ الرِّيَاشِيِّ فَانْظُرْهَا. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: وَكَقَوْلِهِمْ أَيْضًا فِي الْخَصْمَيْنِ إذَا رَضِيَا بِتَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فَإِنَّ رِضَاهُمَا بِهِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَرْفَعُ الْخِلَافَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِمَا إجْمَاعِيَّةً فَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّاذَّ حُجَّةٌ لِمَنْ قَلَّدَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ الْحُقُوقِ الدِّينِيَّةِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ وَرَعِ الْعُدُولِ الْأَقْوِيَاءِ فِي نَيْلِ الثَّوَابِ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ تَعْزِيرٌ وَلَا حَدٌّ وَإِنَّ أَمْرَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى حَدَّهُ وَتَعْزِيرَهُ إذَا أَقَرَّ بِالتَّعَمُّدِ لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُدْرَأُ كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّ رِضَا الْخَصْمَيْنِ بِالشَّاذِّ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ إلَخْ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ، وَالْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَنْزِعَ أَحَدُهُمَا. وَأَمَّا إنْ نَزَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ رِضَاهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَتَرَاضِيهِمَا أَوَّلًا بِتَقْلِيدِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُصَيِّرُهُ كَقَوْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَخَالَفَ

ابْنُ لُبَابَةَ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ فِي النَّازِلَةِ قَوْلَانِ هَلْ يُجَوِّزُ الْفَتْوَى مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَمْ لَا يُجَوِّزُهَا أَحَدٌ عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُكْمٍ يَرْضَيَانِ بِهِ أَوْ السُّلْطَانِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ فِيمَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّقْلِيدُ فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءٌ كَمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالنَّصِّ الصَّرِيحِ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّقْلِيدِ إلَّا إذَا كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ عَلَيْهَا أَعْنِي لِلْقَوَاعِدِ، وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ التَّقْلِيدُ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذَا كَانَ عَلَى وَفْقِ مُعَارِضِهَا الرَّاجِحِ إجْمَاعًا كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالسَّلَمِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ وَالنُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ لَكِنْ لَهَا أَدِلَّةٌ خَاصَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالنُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِ إمَامِ هَذَا الْمُقَلِّدِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ قَدْ عَابَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَشْيَاخِ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ أَبُو عِمْرَانَ وَأَبُو عُمَرَ وَعِيَاضٌ قَالَ عِيَاضٌ الْقَوْلُ بِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ لَا يُعَضِّدُهُ الْقِيَاسُ وَكَيْفَ يَتْرُكُ الْعَالِمُ مَذْهَبَهُ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ وَيُفْتِي بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِهِ هَذَا لَا يَسُوغُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّرْجِيحِ وَخَوْفِ فَوَاتِ النَّازِلَةِ فَيَسُوغُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ انْتَهَى. وَاخْتَارَ هَذَا أَيْضًا بَعْضُ الشُّيُوخِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ دَلِيلَيْ الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَعَارِضَيْنِ يَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ، وَهُوَ مَعْنَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ وَبِمُرَاعَاتِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَضَاءُ بِالرَّاجِحِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَرْجُوحِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَجِبُ الْعَطْفُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» قَالَ وَهَذَا مُسْتَنَدُ مَالِكٍ فِيمَا كَرِهَ أَكْلَهُ فَإِنْ حَكَمَ بِالتَّحْلِيلِ لِظُهُورِ الدَّلِيلِ وَأَعْطَى الْمُعَارِضَ أَثَرَهُ فَتَبَيَّنْ مَسَائِلَهُ تَجِدْهَا عَلَى مَا رَسَمْت لَك وَمَعْنَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّصِفَ بِأَعْمَالِ الصَّالِحِينَ وَصِفَاتِ الْأَبْرَارِ مِنْ تَوَقِّي الشُّبُهَاتِ رَاعَى قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ وَتَبَرَّأَ مِنْ الشُّبُهَاتِ، وَقِيلَ إنَّمَا يُرَاعَى الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَوِيًّا وَلَا يُرَاعَى إذَا كَانَ شَاذًّا ضَعِيفًا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا يُرَاعِي مِنْ الْخِلَافِ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَإِذَا حَقَّقَ فَلَيْسَ بِمُرَاعَاةٍ لِلْخِلَافِ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ إعْطَاءُ كُلٍّ مِنْ دَلِيلَيْ الْقَوْلَيْنِ حُكْمَهُ مَعَ وُجُودِ التَّعَارُضِ انْتَهَى. وَاخْتَلَفَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ فَمَرَّةً لَمْ يُرَاعِهِ جُمْلَةً، وَمَرَّةً رَاعَى الْقَوِيَّ، وَلَمْ يُرَاعِ الشَّاذَّ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَحْمَلَةُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَآخِذَ وَأُصُولًا ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِمُرَاعَاةِ الْمَشْهُورِ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَمَا الْمَشْهُورُ اخْتَلَفُوا

فِيهِ فَقِيلَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الصَّلَاةَ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ وَأَبَاحَ مَا فِيهِ حَقٌّ تُوفِيهِ مِنْ غَيْرِ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَجَازَ أَكْلَ الصَّيْدِ وَإِنْ أَكَلَتْ الْكِلَابُ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ خِلَافَ الْجُمْهُورِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاعَى عِنْدَهُ الدَّلِيلُ لَا كَثْرَةُ الْقَائِلِ انْتَهَى. وَقِيلَ الْمَشْهُورُ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَعَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ تَزِيدَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَقُولُ إنَّهُ يُرَاعَى الْمَشْهُورَ وَالصَّحِيحَ قَبْلَ الْوُقُوعِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ تَوَقِّيًا وَاحْتِرَازًا كَمَا فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْدَهُ تَبَرِّيًا وَإِنْفَاذًا كَأَنَّهُ وَقَعَ أَوْ فُتْيَا لَا فِيمَا يُفْسَخُ مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَلَا يُقَلَّدُ مِنْ الْخِلَافِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُرَاعَى الْخِلَافُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْحُكْمُ لَا يُرَاعَى فِيهِ إلَّا الْمَشْهُورُ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يُرَاعَى مِنْ الْخِلَافِ إلَّا الْمَشْهُورُ وَفِي الْإِمْضَاءِ بَعْدَ الْوُقُوعِ يُرَاعَى فِيهِ مَا دُونَهُ فِي الشُّهْرَةِ وَأَحْرَى الْمَشْهُورُ وَفِي دَرْءِ الْحَدِّ يُرَاعَى فِيهِ كُلُّ خِلَافٍ لِغَرَضِ الشَّارِعِ فِي الشَّبَهِ وَكَوْنِ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَقْوَى مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ. ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ مُطْلَقًا أَوْ الْمَشْهُورِ فَهَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ أَوْ خَاصٌّ بِالْمُجْتَهِدِ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَلْ مُرَاعَاتُهُ أَيْضًا مُطْلَقَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ أَوْ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا قُلْنَا بِتَصْوِيبِ كُلِّ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ فَلَا يُرَاعَى أَصْلًا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَلِلثَّانِي مَيْلُ الْأَكْثَرِ ثُمَّ شَرْطُ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ أَيْضًا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا أَنْ لَا يَتْرُكَ الْمَذْهَبَ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوَاجًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَمَذْهَبُهُ فِيهِ وَمَذْهَبُ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ أَنَّهُ فَاسِدٌ ثُمَّ يُطَلِّقُ فِيهِ ثَلَاثًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَلَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ لِاعْتِقَادِ فَسَادِ نِكَاحِهِمَا، وَنِكَاحُهُمَا عِنْدَهُ صَحِيحٌ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ فَاسِدٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ مَذْهَبَهُ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْعَهُ مِنْ تَزْوِيجِهَا أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةٌ لِلْخِلَافِ وَفَسْخِهِ ثَانِيًا لَوْ قِيلَ بِهِ كَانَ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. أَيْضًا فَلَوْ رُوعِيَ الْخِلَافُ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا لَكَانَ تَرْكًا لِلْمَذْهَبِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ قَبُولَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ بَشِيرٍ قَوْلَ الْقَرَوِيِّ بِوُضُوحِ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ فِرْقَةِ الْفَسْخِ، وَفِرْقَةِ الطَّلَاقِ وَالْحُكْمِ لِفِرْقَةِ الْفَسْخِ بِاللَّغْوِ فِي إيجَابِ بَعْضِ مَا يُوجِبُ وَقْتَ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَفْسُوخِ نِكَاحُهُمَا عَلَى نِكَاحِ الزَّوْجَةِ زَوْجًا آخَرَ فَضْلًا عَنْ كُلِّهِ وَالْحُكْمِ لِفِرْقَةِ الطَّلَاقِ بِنَقِيضِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنَّ كُلَّ

مَنْ طَلَّقَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ طَلَاقِهِ أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا تَمَامُ الثَّلَاثِ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ، وَإِذَا كَمُلَ الْوَاقِعُ مِنْهُ الثَّلَاثَ لَزِمَ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ سَوَاءٌ اجْتَرَأَ وَتَزَوَّجَهَا أَوْ لَا وَلَوْ كَانَتْ جَرَاءَتُهُ عَلَى تَزْوِيجِهَا بِلَا زَوْجٍ فِي طَلَاقِهِ إيَّاهَا ثَلَاثًا فِي نِكَاحِهِ الْفَاسِدِ تُوجِبُ لَغْوَ طَلَاقِهِ الثَّلَاثَ لَزِمَ ذَلِكَ فِي طَلَاقِهِ إيَّاهَا فِيهِ طَلْقَةً إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ أَنْ لَا يُفْسَخَ نِكَاحُهُ إيَّاهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ضَرُورَةً عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ طَلَاقِهِ فِيهِ وَإِلَّا صَارَ طَلَاقُهُ غَيْرَ لَازِمٍ وَالْفَرْضُ لُزُومُهُ هَذَا خَلَفٌ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَلَمْ يَزَلْ أَعْلَامُ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتَسَاهَلُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ إلَى آخِرِ مَا نَقَلْتُمْ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. فَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى فُصُولِ السُّؤَالِ وَفِي مُرَاجَعَتِهِ غُنْيَةٌ عَنْ التَّكْرَارِ وَالْإِعَادَةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَفِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ نَحْوُ مَا ذَكَرْتُمْ. وَنَصُّهُ " تَصَفَّحْت السُّؤَالَ وَوَقَفْت عَلَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ دُونَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ وَنَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ لَمْ يُخْطِئْ فَقَدْ تَسَاهَلَ فِي ذَلِكَ الْحُكَّامُ لِلِاخْتِلَافِ الْحَاصِلِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ تَقْلِيدِ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ أَلْبَتَّةَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ الْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ. وَأَمَّا مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ لِتَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ فَلَا يَنْهَضُ كُلَّ النُّهُوضِ إذْ الْقَائِلُ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ تَقْلِيدِ الْأَفْضَلِ وَالْأَوْلَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْأَوَّلِ مَظِنَّةُ الرُّجْحَانِ وَفِي الثَّانِي تَحْقِيقُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الْأَضْعَفِ إلْغَاءُ الْأَقْوَى لِأَنَّا نُجَوِّزُ مَعَ كَوْنِهِ أَعْلَمَ وَأَدْرَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَرْجُوحًا وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّجْوِيزُ مَرْجُوحًا لَكِنَّهُ كَافٍ فِي تَصَوُّرِ الْفَارِقِ وَلِأَنَّ أَدْنَى تَجْوِيزٍ يَمْنَعُ مِنْ الْجَزْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَيْكُمْ فِي جَعْلِ الرَّاجِحِ قَسِيمَ الْمَشْهُورِ مُنَاقَشَةً لَا تَخْفَاكُمْ إنْ قُلْنَا إنَّ الْمَشْهُورَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَمَعَ الْقَوْلِ أَيْضًا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ. فَجَوَابُهُ إنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَكِنَّ الْخَطَأَ يُمْكِنُ بِالْغَفْلَةِ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ وَبِالْحُكْمِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ وَبَذْلِ الْجَهْدِ وَالْأَعْلَمُ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ وَبِهَذَا احْتَجَّ أَبُو حَامِدٍ لِمَذْهَبِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِ الْأُصُولِيِّينَ وَفِي مَنْعِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّجْوِيزِ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ عَنْ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَتَجَاسَرْ الشَّيْخُ

أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ يُسْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِلُمَعِ الشِّيرَازِيَّةِ عَلَى الْجَزْمِ وَالْقَطْعِ بِبِنَاءِ هَذَا الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَوْ وَاحِدٍ كَمَا تَجَاسَرَ عَلَيْهِ عِزُّ الدِّينِ وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِلَفْظِ هَلْ الْمُقْتَضِي عَدَمُ الْجَزْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ أَنَّ الْأَئِمَّةَ إنْ اخْتَلَفُوا هَلْ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ تَرْجِعُ إلَيْهِ الظُّنُونُ فَيُصِيبُهُ بَعْضُهُمْ وَيُخْطِئُهُ آخَرُونَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ أَوْ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمٌ ظَاهِرٌ وَلَا مَغِيبٌ سِوَى مَا يَظُنُّهُ كُلُّ فَقِيهٍ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ فَيُخَاطِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَئِذٍ بِأَنَّ هَذَا حُكْمِي عَلَيْكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ الثَّانِي هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْهُذَيْلِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَسَالِكِ وَالْمَحْصُولِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّوَوِيِّ وَعِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ وَأَبِي حَامِدٍ فِي الْمُسْتَصْفَى قَالَ أَبُو حَامِدٍ لَا يَتَنَاظَرُ فِي الْفُرُوعِ إلَّا الضَّعِيفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَظُنُّ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا وَحِكَايَةُ الْمَازِرِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْفُرُوعِ الظَّنِّيَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ الْأَحْكَامَ تَابِعَةً لِلظُّنُونِ وَالظُّنُونُ هِيَ الْمُثْمِرَةُ لَهَا وَالْأَحْكَامُ هِيَ الثَّمَرَةُ كَالْمَعْلُومِ فِي كَوْنِهَا تَابِعَةً لِلْمَعْلُومِ عَلَى أَيِّ حَالٍ صَادَفَتْهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ لِابْنِ فُورَكٍ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَاخْتِيَارُ سَيْفِ الدِّينِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ التَّخْطِئَةُ وَالتَّصْوِيبُ وَرَأَيْت لِبَعْضِ شُيُوخِ الْأُصُولِيِّينَ مَا نَصُّهُ " لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْحُذَّاقِ مِنْ شُيُوخِ الْمَالِكِيِّينَ وَنُظَّارِهِمْ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ مِثْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبِي بَكْرٍ الطَّيَالِسِيِّ وَمَنْ دُونَهُمْ كَأَبِي الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُنْتَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الشُّيُوخِ وَالْمِصْرِيِّينَ الْمَالِكِيِّينَ كُلٌّ يَحْكِي أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ إذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْوِيلُ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا حَكَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَفِيمَا حَكَاهُ الْحُذَّاقُ مِنْ أَصْحَابِهِمْ مِثْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِثْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَاذِعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْجُرْجَانِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَأَيْنَا وَشَاهَدْنَا وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَخْطِئَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَنَظَرُ بَعْضِهِمْ فِي أَقْوَالِ بَعْضٍ وَتَعَقُّبُهَا فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ عِنْدَهُمْ صَوَابًا مَا فَعَلُوا ذَلِكَ، وَقَالَ أَشْهَبُ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَا الْحَقُّ إلَّا وَاحِدٌ قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا يَكُونَانِ صَوَابًا مَعًا مَا الْحَقُّ وَالصَّوَابُ إلَّا وَاحِدٌ

وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: إثْبَاتُ ضِدَّيْنِ مَعًا فِي حَالٍ ... أَقْبَحُ مَا يَأْتِي مِنْ الْمُحَالِ وَلَوْ كَانَ الصَّوَابُ فِي وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفِينَ مَا خَطَّأَ السَّلَفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي اجْتِهَادِهِمْ وَقَضَايَاهُمْ أَوْ فَتْوَاهُمْ وَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّ الصَّوَابَ تَصْوِيبُ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٌ الْإِمَامُ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَعَلَى هَذَا فَالْقَوْلَانِ فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ وَاحِدٍ صَحِيحَانِ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَرُبَّمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ. فَجَوَابُهُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ الَّذِي أَشَرْتُمْ إلَيْهِ عَلَى مَنْعِ التَّرْجِيحِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا كَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِالصُّحْبَةِ وَالْإِمَارَةِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَاَلَّذِي حَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِفَتْوَى عِزِّ الدِّينِ إنَّمَا هُوَ فِي تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْبَوْنِ مَا لَا يَخْفَاكُمْ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرَ مَا ظَهَرَ تَقْيِيدُهُ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَلَهُ الْمِنَّةُ بِكُلِّ حَالٍ انْتَهَى، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَافِعِيٍّ حَضَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَحَصَلَ لَهُ انْقِطَاعٌ فِي الرِّيفِ فَدَرَسَ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَلَقَّهُ عَنْ شَيْخٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّدْرِيسُ وَلَا الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ إذْ فِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُحْتَاجَةٌ لِقُيُودٍ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُقَيَّدَةٌ لَا مَفْهُومَ لِقُيُودِهَا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُمْ وَفِيهَا عِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ ظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَفِيهَا مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ غَامِضَةٌ لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا إلَّا بِالتَّلَقِّي وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ جَرَى الْعَمَلُ بِخِلَافِهَا وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَفِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمِدُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَلَقٍّ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ فَرْجٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِرَاقَةِ دَمٍ عَصَمَهُ اللَّهُ وَإِزَالَةِ مِلْكٍ أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَضِدِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي لَا تُحْصَى قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُعْنَ بِالْعِلْمِ وَلَا سَمِعَهُ وَلَا رَوَاهُ الْجُلُوسُ لِتَعْلِيمِهِ الْمُوَطَّأَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً وَلَوْ قَرَأَهَا وَتَفَقَّهَ عَلَى الشُّيُوخِ فِيهَا وَحَمَلَهَا إجَازَةً فَقَطْ جَازَ أَنْ يُعَلِّمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشُّيُوخِ مِنْ مَعَانِيهَا وَأَنْ يُقْرِئَهَا إذَا صَحَّحَ كِتَابَهُ عَلَى رِوَايَةِ شَيْخِهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا وَالْعَمَلُ بِمَا فِي الْكُتُبِ لِمَنْ لَا يَدْرِي لَا يُنَجِّي مِنْ الْخَطَأِ فِيهِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ النَّازِلَةَ لَا يَجِيءُ بِهَا نَصُّ الْكِتَابِ إلَّا نَادِرًا وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ شَبِيهٌ بِهَا وَبِتِلْكَ الْمُشَابَهَةِ يَغْلَطُ بَعْضُ النَّاسِ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ الْمَعْنَى وَيُخْرِجُهَا عَنْ سَبَبِهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْأُصُولِ الَّتِي قَالَهَا الْقَوْمُ فَيَخْرُجُ عَنْ

الْأَصْلِ وَيَقَعُ فِي الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ انْتَهَى. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا هَلْ يُسْتَفْتَى مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُسْتَعْمَلَةَ مِثْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ دُونَ رِوَايَةٍ أَوْ كُتُبَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّتِي لَا تُوجَدُ لَهَا رِوَايَةٌ أَمْ لَا. فَأَجَابَ مَنْ قَرَأَهَا عَلَى الشُّيُوخِ وَأَحْكَمَ مَعَانِيَهَا وَفَهِمَ أُصُولَهَا بِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْكَمَ وَجْهَ الْقِيَاسِ وَعَرَفَ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَسَقِيمَ السُّنَّةِ مِنْ صَحِيحِهَا وَفَهِمَ مِنْ اللِّسَانِ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْخِطَابَ جَازَتْ فَتْوَاهُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَسَائِلِ بِاجْتِهَادِهِ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ لَا تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي النَّوَازِلِ بِرَأْيِهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ عَالِمٍ بِرِوَايَةٍ فَيُقَلِّدُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي قِرَاءَتِهِ فَلَا يَحِلُّ اسْتِيفَاؤُهُ وَلَا تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ سَحْنُونٌ مُدَوِّنُ الْمُدَوَّنَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ اشْتَرَى كُتُبَ الْعِلْمِ أَوْ وَرِثَهَا ثُمَّ أَفْتَى بِهَا وَلَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى الْفُقَهَاءِ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ عُوقِبَ بِالسَّوْطِ وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ التَّابِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِبَعْضِ مَنْ يُفْتِي هَاهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَاضِي حَدِيثًا مَرْفُوعًا «لَا يُفْتِي أُمَّتِي الصَّحَفِيُّونَ وَلَا يُقْرِئُهُمْ الْمُصَحِّفُونَ» قَالَ مَالِكٌ لَا يُفْتِي الْعَالِمُ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ الْعُلَمَاءَ قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ تَعْلِيمُ النَّاسِ مِنْ الرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى أَحَدٍ لَا يَنْبَغِي انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ بِمَا يَرَى فِي الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الشَّيْخِ لَا يَحِلُّ لَهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ وَسَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا انْتَهَى، وَالْجُمْلَةُ فَيُنْهَى هَذَا الرَّجُلُ عَنْ التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَوَابِ عَمَلِ الصَّبِيِّ هَلْ هُوَ لَهُ خَاصَّةً أَوْ لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَبَوَيْهِ خَاصَّةً وَهَلْ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ التَّفَاوُتِ بَيِّنُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ ثَوَابَ عَمَلِ الصَّبِيِّ لَهُ خَاصَّةً وَلِوَالِدَيْهِ ثَوَابُ التَّسَبُّبِ فِيهِ قَالَ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي الْمَوَاقِيتِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي ذَلِكَ أَيْ خِطَابِ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَأَنَّ الصَّبِيَّ يُنْدَبُ لَهُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمَنْدُوبَاتِ إذَا فَعَلَهَا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ وَقِيلَ إنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ وَلَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِنَدْبٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ الْمُخَاطَبُ الْوَلِيُّ وَأَمْرُ الصَّبِيِّ بِالْعِبَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ كَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ لِحَدِيثِ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ أَخَصُّ مِنْ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ اهـ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ الصَّغِيرَ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ الْحَافِظُ

الإفتاء بغير علم

ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُفْيَانَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ سَيِّئَاتُهُ اهـ. وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَالَ عُمَرُ تُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ حَسَنَاتُهُ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ خِلَافُ هَذَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا أَيْ الصَّبِيَّ وَالْوَلِيَّ جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَتْ بِضَبْعَيْ الصَّبِيِّ وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» وَهَذَا وَاضِحٌ اهـ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَاخْتُلِفَ لِمَنْ أَجْرُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ فَقِيلَ لِوَالِدَيْهِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقِيلَ الثُّلُثُ لِلْأَبِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأُمِّ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا كُلَّهُ وَقَالَ إنَّمَا يَكُونُ لِلصَّبِيِّ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ «إنَّهُ لِوَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ إنَّ الصِّبْيَانَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَتَفَاوَتُ الْكِبَارُ» وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] اهـ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَلِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا طُلِبَ مِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ لِأَبَوَيْهِ ثَوَابُ التَّسَبُّبِ فَقَدْ وَرَدَ كَمَا فِي الْخِطَابِ وَغَيْرِهِ تَفَاوُتُ الصِّبْيَانِ بِالْأَعْمَالِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ عِلْمٍ] (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ فِي قُرَى الرِّيفِ يَدَّعِيَانِ الْعِلْمَ وَيُفْتِيَانِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ لِكَوْنِهِمَا لَمْ يَطْلُبَا عِلْمًا قَطُّ وَإِنَّمَا يُفْتِيَانِ لِكَوْنِ قَرِيبِهِمَا كَانَ يَعْرِفُ مَسَائِلَ وَمَاتَ فَهَلْ إفْتَاؤُهُمَا بَاطِلٌ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ مَنْعُهُمَا مِنْهُ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي النَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِمَا فَإِنْ رَآهَا كَذَلِكَ أَدَّبَهُمَا وَمَنَعَهُمَا بِالْمُنَادَاةِ عَلَيْهِمَا فِي الْأَسْوَاقِ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعِلْمُ لَيْسَ بِالْوِرَاثَةِ فَيَحْرُمُ الْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَعَلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ مَنْعُهُ مِنْ هَذَا الْمَنْصِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ عُمَرُ الْإِسْقَاطِيُّ الْحَنَفِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ مَنْعُ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الْإِفْتَاءِ حَيْثُ لَمْ يَكُونَا أَهْلًا لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعَا فَعَلَيْهِ زَجْرُهُمَا بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إعَانَةُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ فِي دَفْعِ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ فَسَادِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ يَوْمَ الْعَرْضِ {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ هَذَا وَلَكِنْ أَرَدْت زِيَادَةَ الْفَائِدَةِ وَالتَّبَرُّكَ بِآثَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَتَرَكَ ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَحْكَامَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَارِكًا لِكُتُبِ الْفِقْهِ مَائِلًا لِقَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ إدْرِيسَ بِذَلِكَ قَائِلًا إنَّ كُتُبَ الْفِقْهِ لَا تَخْلُو مِنْ الْخَطَأِ وَفِيهَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكَيْفَ تَتْرُكُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَتُقَلِّدُ الْأَئِمَّةَ فِي اجْتِهَادِهِمْ الْمُحْتَمَلِ لِلْخَطَأِ وَقَائِلًا أَيْضًا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ قَالَ اللَّهُ أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ قَالَ مَالِكٌ أَوْ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ خَلِيلٌ فَتُقَابِلُونَ كَلَامَ الشَّارِعِ الْمَعْصُومِ مِنْ الْخَطَأِ بِكَلَامِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ، وَمِنْ أَفْعَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي مَسَافَةِ نِصْفِ يَوْمٍ وَفِطْرُ رَمَضَانَ فِيهَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِلَا وُضُوءٍ وَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْقُنُوتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ جَهْرًا وَالْقَبْضُ فِيهَا وَتَأْخِيرُ الصُّبْحِ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ. وَمِنْهَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ نَزَلَتْ بِبَرْقَةَ وَبَنَتْ بِهَا زَاوِيَةً وَجَعَلَتْ لَهَا حِمًى مَدَّ الْبَصَرِ وَصَارُوا إذَا رَأَوْا فَرَسًا فِيهِ لِغَيْرِهِمْ رَبَطُوهَا بِلَا أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا يَفْدِيهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ تَمُوتُ صَبْرًا وَإِنْ رَأَوْا فِيهِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكُّوهُ وَأَكَلُوهُ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ صَاحِبُهُ وَيَفْدِهِ بِدَرَاهِمَ وَرَأَوْا ذَاتَ يَوْمٍ قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ بِهِ فَبَادَرُوا إلَيْهِ مُتَدَاعِينَ بِلَفْظِ الْإِخْوَانِ وَذَبَحُوا مِنْهُ جُمْلَةً وَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا ثُمَّ أَتَى رَبُّهُ فَوَقَعَ عَلَى شَيْخِهِمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ. وَمِنْهَا أَنَّ شَخْصًا أَعْمَى قَدِمَ إلَيْهِمْ بِأَوْلَادِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَقَامَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً فَلَمْ يُعْجِبْهُ حَالُهُمْ فَانْتَقَلَ عَنْهُمْ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى عَازِمًا عَلَى الرُّجُوعِ لِوَطَنِهِ فَأَرْسَلَ خَلْفَهُ شَيْخُهُمْ وَرَدَّهُ وَقَالَ لَهُ سَتُسَافِرُ فِي غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَقَاهُ شَيْئًا فَاشْتَكَى مِنْ حِينِهِ وَمَاتَ فِي ثَانِي يَوْمٍ وَلَمَّا قَدِمَ شَيْخُهُمْ إلَى مِصْرَ ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَدُ الْمَيِّتِ وَسَأَلَهُ عَنْ تَرِكَتِهِ فَقَالَ لَهُ إنِّي وَضَعْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ وَسَأَكْتُبُ لَهُ يُرْسِلُهَا لَك وَلَمَّا تَرَدَّدَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَعْطَاهُ خَمْسَةَ رِيَالَاتٍ لَا غَيْرَ. وَمِنْهَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ نَفَى عِصْمَةَ أَبِينَا آدَمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بَلْ وَكُلِّ نَبِيٍّ وَرَدَتْ فِيهِ آيَةٌ مُتَشَابِهَةٌ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِهَا زَاعِمًا أَنَّهُ نَصٌّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ نَثْرًا وَنَظْمًا. وَمِنْهَا أَنَّ شَيْخَهُمْ أَخْبَرَ أَهْلَ سِيوَى بِخُسُوفِ الْقَمَرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ مُوهِمًا لَهُمْ الْمُكَاشَفَةَ وَرَدَّهُمْ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُ بَعْضِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عَلَى شَيْخِهِمْ إنَّهُ الْمَهْدِيُّ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ نَبِيٌّ وَإِنَّ أَحَدَهُمْ أَعْلَى مَقَامًا مِنْ عَبْدِ الْقَادِرِ وَنَحْوِهِ وَيُسَمُّونَ طَرِيقَتَهُمْ الْمُحَمَّدِيَّةَ وَيَظْهَرُونَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ مَالِكِيَّةٌ فَهَلْ مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ ضَلَالٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْمُبَادَرَةُ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِعَامِّيٍّ أَنْ يَتْرُكَ تَقْلِيدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَأْخُذَ الْأَحْكَامَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ مُبَيَّنَةٌ فِي

الْأُصُولِ لَا تُوجَدُ فِي أَغْلِبْ الْعُلَمَاءِ وَلَا سِيَّمَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ الَّذِي عَادَ الْإِسْلَامُ فِيهِ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ مَا ظَاهِرُهُ صَرِيحُ الْكُفْرِ وَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْحَدِيثُ مَضَلَّةٌ إلَّا لِلْفُقَهَاءِ يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ يَحْمِلُ الشَّيْءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَهُ تَأْوِيلٌ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ أَوْ دَلِيلٌ يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ مَتْرُوكٌ أَوْجَبَ تَرْكَهُ غَيْرَ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا مَنْ اسْتَبْحَرَ وَتَفَقَّهَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا فَسَدَتْ الْأَشْيَاءُ حِينَ تُعُدِّيَ بِهَا مَنَازِلُهَا وَلَيْسَ هَذَا الْجَدَلُ مِنْ الدِّينِ بِشَيْءٍ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَفِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْأَمْرِ الْمَاضِي الْمَعْرُوفِ الْمَعْمُولِ بِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - السُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ سُنَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَيْرٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعَمَلُ أَثْبَتُ مِنْ الْأَحَادِيثِ قَالَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفٌ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ التَّابِعِينَ تَبْلُغُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ الْأَحَادِيثُ فَيَقُولُونَ مَا نَجْهَلُ هَذَا وَلَكِنْ مَضَى الْعَمَلُ عَلَى غَيْرِهِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ جَرِيرٍ رُبَّمَا قَالَ لَهُ أَخُوهُ لِمَ لَمْ تَقْضِ بِحَدِيثِ كَذَا فَيَقُولُ لَمْ أَجِدْ النَّاسَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّخَعِيُّ لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْت كَذَلِكَ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا إلَى الْمَرَافِقِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ فِي تَرْكِ السُّنَنِ وَهُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَأَحْرَصُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِمْ أَحَدٌ إلَّا ذُو رِيبَةٍ فِي دِينِهِ وَقَدْ بَنَى مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَذْهَبَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ آيَةٌ قُرْآنِيَّةٌ وَالثَّانِي حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَالِمٌ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الثَّالِثُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الرَّابِعُ اتِّفَاقُ جُمْهُورِهِمْ وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ التَّقْلِيدِ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ حَسْبَمَا فِي الدِّيبَاجِ لِلْإِمَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعُمْدَةِ الْمُرِيدِ لِلشَّيْخِ اللَّقَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. فَإِنْ قُلْت إنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ شَيْخَهُمْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ وَفَاقَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَيْسَ فِيهِ الشُّرُوطُ. قُلْت لَا بِمُشَاهَدَةِ عَدَمِهَا فِيهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُقْصِرُونَ وُجُوبَ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ بَلْ يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَعَلَى إرْخَاءِ الْعَنَانِ نَقُولُ لَهُمْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ وَاسْتَخْرِجُوا لَنَا أَحْكَامًا مِنْ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ غَيْرَ الْأَحْكَامِ الَّتِي اسْتَخْرَجَتْهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَهَذَا مَأْخَذُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] الْآيَةُ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. وَذَكَرَ عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ ادِّعَاءُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ إلَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ

وَالْمُزَنِيِّ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّمَا كَانَ اجْتِهَادًا مُنْتَسِبًا لِمَذْهَبٍ. وَقَوْلُهُمْ إنَّ كُتُبَ الْفِقْهِ لَا تَخْلُو مِنْ الْخَطَأِ إنْ أَرَادُوا أَنَّهَا تَتَّفِقُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَرْكِ جَمِيعِهَا فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهَادَتِهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْخَطَأِ وَتَضْلِيلٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ أَرَادُوا فِي بَعْضِهَا مُعِينًا فَلْيُنْهَ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ لَا عَنْ الْجَمِيعِ بَلْ الْوَاجِبُ بَيَانُهُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا غَيْرَ مُعِينٍ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْحَقُّ وَاحِدٌ قُلْنَا هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَفْرُوغٌ مِنْهَا فِي الْأُصُولِ وَمَنْ قَالَ الْحَقُّ وَاحِدٌ لَمْ يُنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ إذْ الْخَطَأُ غَيْرُ الْمُعِينِ لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ. وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّعْرَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَ جَمِيعَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ صَحِيحَةً دَائِرَةً عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَهُوَ كَلَامٌ مُنَوِّرٌ لِلْبَصَائِرِ وَمُزِيلٌ لِرَيْنِ الضَّمَائِرِ جَزَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ بِمَنِّهِ وَقَوْلُهُمْ فِيهَا أَحْكَامٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ لَا تَقْدَحُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَلَا تُوجِبُ تَرْكَهَا لِابْتِنَاءِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَثْبَتَ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَأَشَدُّ النَّاسِ تَمَسُّكًا بِهَا وَوُقُوفًا عِنْدَ حُدُودِهَا فَعَمَلُهُمْ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى نَسْخِهِ وَرُجُوعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَعَمَلُهُمْ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا عَمِلُوا بِهِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ النَّخَعِيِّ لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْت كَذَلِكَ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَهَلْ يَفْهَمُ أَحَدٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَأَحَادِيثِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَاشَا وَكَلَّا. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَانْظُرْ إلَى حِكْمَةِ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فِي هَذِهِ الْقُرُونِ وَكَيْفَ خَصَّهُمْ بِالْفَضِيلَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْقُرُونِ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْبَرَكَةُ وَالْخَيْرُ لَكِنْ اخْتَصَّتْ تِلْكَ الْقُرُونُ بِمَزِيَّةٍ لَا يُوَازِيهِمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّهُمْ لِإِقَامَةِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ فَالْقَرْنُ الْأَوَّلُ خَصَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخُصُوصِيَّةٍ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ أَنْ يَلْحَقَ غُبَارَ أَحَدِهِمْ فَضْلًا عَنْ عَمَلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ خَصَّهُمْ بِرُؤْيَةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُشَاهَدَتِهِ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ غَضًّا طَرِيًّا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ يَتَلَقَّاهُ مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَخَصَّهُمْ بِالْقِتَالِ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّهِ وَنُصْرَتِهِ وَحِمَايَتِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَإِخْمَادِهِ وَرَفْعِ مَنَارِ الْإِسْلَامِ وَأَعْلَامِهِ وَحَفَّظَهُمْ آيَ الْقُرْآنِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ نُجُومًا فَأَهَّلَهُمْ اللَّهُ لِحِفْظِهِ حَتَّى لَمْ يَضِعْ مِنْهُ وَلَا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَجَمَعُوهُ وَيَسَّرُوهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ وَفَتَحُوا الْبِلَادَ وَالْأَقَالِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَهَّدُوا لَهُمْ وَحَفِظُوا أَحَادِيثَ نَبِيِّهِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صُدُورِهِمْ وَأَثْبَتُوهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ عَدَمِ اللَّحْنِ وَالْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا شَكَّ فِي الْحَدِيثِ تَرَكَهُ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَرْنِهِمْ بَلْ مِنْ الْقَرْنِ الثَّانِي فَمَا بَالُك بِهِمْ وَهُمْ خَيْرُ الْخِيَارِ وَوَصْفُهُمْ فِي الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ أَحَدٌ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِمْ خَيْرًا لَقَدْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ تَعَالَى الدَّعْوَةَ وَذَبُّوا عَنْ دِينِهِ بِالْحَمِيَّةِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا وَأَحْسَنَهَا حَالًا اخْتَارَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ اهـ. وَقَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فَصْلٌ فِي بَيَانِ اسْتِحَالَةِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَنَوْا قَوَاعِدَ مَذَاهِبِهِمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مَرْتَبَتَيْ الشَّرِيعَةِ كَمَا بَنَوْا عَلَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَأَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِالْحَقِيقَةِ أَيْضًا لَا كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ فِيهِمْ فَكَيْفَ يَصِحُّ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَمَنْ نَازَعَنَا فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ بِمَقَامِ الْأَئِمَّةِ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كَانُوا عُلَمَاءَ بِالْحَقِيقَةِ وَالشَّرِيعَةِ مَعًا وَأَنَّ فِي قُدْرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْشُرَ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَمَذْهَبِ غَيْرِهِ بِحُكْمِ مَرْتَبَتَيْ الْمِيزَانِ فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ بَعْدَهُ إلَى النَّظَرِ فِي أَقْوَالِ مَذْهَبٍ آخَرَ لَكِنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا أَهْلَ إنْصَافٍ وَأَهْلَ كَشْفٍ فَكَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ الْأَمْرَ يَسْتَقِرُّ عَلَى عِدَّةِ مَذَاهِبَ مَخْصُوصَةٍ لَا عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ فَأَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ لِمَنْ بَعْدَهُ عِدَّةَ مَسَائِلَ عَرَفَ مِنْ طَرِيقِ الْكَشْفِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ فَتَرَكَ الْأَخْذَ بِهَا مِنْ طَرِيقِ الْإِنْصَافِ وَالِاتِّبَاعِ لِمَا أَطْلَعَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ كَشْفِهِمْ لَا مِنْ بَابِ الْإِيثَارِ بِالْقُرَبِ الشَّرْعِيَّةِ وَالرَّغْبَةِ عَنْ السُّنَّةِ. وَسَمِعْت سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ يَقُولُ لَا يَصِحُّ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ أَبَدًا عِنْدَ أَهْلِ الْكَشْفِ قَاطِبَةً وَكَيْفَ يَصِحُّ خُرُوجُهُمْ عَنْ الشَّرِيعَةِ مَعَ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَوَادِّ أَقْوَالِهِمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَمَعَ اجْتِمَاعِ رُوحِ أَحَدِهِمْ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُؤَالِهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ تَوَقَّفُوا فِيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ هَلْ هَذَا مِنْ قَوْلِك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ لَا يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً وَكَذَلِكَ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَبْلَ أَنْ يُدَوِّنُوهُ فِي كُتُبِهِمْ وَيُدِينُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَيَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَهِمْنَا كَذَا مِنْ آيَةِ كَذَا وَفَهِمْنَا كَذَا مِنْ قَوْلِك فِي الْحَدِيثِ الْفُلَانِيِّ كَذَا فَهَلْ تَرْضَاهُ أَمْ لَا وَيَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَإِشَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ تَوَقَّفَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَشْفِ الْأَئِمَّةِ وَمِنْ اجْتِمَاعِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَيْثُ الْأَرْوَاحُ قُلْنَا لَهُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ بِيَقِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُونَ أَوْلِيَاءَ فَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلِيٌّ أَبَدًا وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ

كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَقَامِ بِيَقِينٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرًا وَيُصَدِّقُهُمْ أَهْلُ عَصْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ كَسَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقُنَاوِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ الْمَغْرِبِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي السُّعُودِ بْنِ أَبِي الْعَشَائِرِ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الدُّسُوقِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْمَتْبُولِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّوَاوِيِّ الْبُحَيْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ ذَكَرْنَاهُمْ فِي طَبَقَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. وَرَأَيْت وَرَقَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ عِنْدَ أَحَدِ أَصْحَابِهِ هُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الشَّاذِلِيُّ مُرَاسَلَةً لِشَخْصٍ سَأَلَهُ فِي شَفَاعَةٍ عِنْدَ السُّلْطَانِ قَايِتْبَاي اعْلَمْ يَا أَخِي أَنِّي قَدْ اجْتَمَعْت بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى وَقْتِي هَذَا خَمْسًا وَسَبْعِينَ مَرَّةً يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً وَلَوْلَا خَوْفِي مِنْ احْتِجَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِّي بِسَبَبِ دُخُولِي لِلْوُلَاةِ لَطَلَعْت الْقَلْعَةَ وَشَفَعْتُ فِيك عِنْدَ السُّلْطَانِ وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ خُدَّامِ حَدِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ضَعَّفَهَا الْمُحَدِّثُونَ مِنْ طَرِيقِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنْ نَفْعَ ذَلِكَ أَرْجَحُ مِنْ نَفْعِك يَا أَخِي انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ مَا اُشْتُهِرَ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْمَادِحِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً وَلَمَّا حَجَّ كَلَّمَهُ مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ وَلَمْ يَزَلْ هَذَا مَقَامَهُ حَتَّى طَلَبَ مِنْهُ شَخْصٌ مِنْ التَّحْرَارِيَّةِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمِ الْبَلَدِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَجْلَسَهُ عَلَى بِسَاطِهِ فَانْقَطَعَتْ عَنْهُ الرُّؤْيَةُ فَلَمْ يَزَلْ يَتَطَلَّبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّؤْيَةَ حَتَّى تَرَاءَى لَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ تَطْلُبُ رُؤْيَتِي مَعَ جُلُوسِك عَلَى بِسَاطِ الظَّلَمَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ انْتَهَى. وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ وَتِلْمِيذِهِ الشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَوْ احْتَجَبَتْ عَنَّا رُؤْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَدَدْنَا أَنْفُسَنَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَ آحَادِ الْأَوْلِيَاءِ فَالْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ أَوْلَى بِهَذَا الْمَقَامِ وَكَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِمُقَلِّدٍ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَيُطَالِبَهُمْ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ فِي حَقِّهِمْ وَكَيْفَ يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ عَنْ الْعَمَلِ بِأَقْوَالٍ قَدْ بُنِيَتْ عَلَى صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ بِالْكَشْفِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ أَبَدًا فَإِنَّ عِلْمَ الْكَشْفِ إخْبَارٌ بِالْأُمُورِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهَا وَهَذَا إذَا حَقَّقْته وَجَدْته لَا يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ الشَّرِيعَةُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْبِرُ إلَّا بِالْوَاقِعِ لِعِصْمَتِهِ مِنْ الْبَاطِنِ وَالظَّنِّ انْتَهَى. وَسَمِعْت سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ مِرَارًا كَانَ

أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَارِثِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِلْمِ الْأَحْوَالِ وَعِلْمِ الْأَقْوَالِ مَعًا خِلَافَ مَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُجْتَهِدِينَ لَمْ يَرِثُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عِلْمَ الْقَالِ فَقَطْ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ جَمِيعُ مَا عَلِمَهُ الْمُجْتَهِدُونَ كُلُّهُمْ رُبُعُ عِلْمِ رَجُلٍ كَامِلٍ عِنْدَنَا فِي الطَّرِيقِ إذْ الرَّجُلُ لَا يَكْمُلُ عِنْدَنَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِي مَقَامِ وِلَايَتِهِ بِعُلُومِ الْحَضَرَاتِ الْأَرْبَعِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] وَهَؤُلَاءِ الْمُجْتَهِدُونَ لَمْ يَتَحَقَّقُوا بِسِوَى عِلْمِ حَضْرَةِ اسْمِهِ الظَّاهِرِ فَقَطْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِعُلُومِ حَضْرَةِ الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ وَلَا بِعِلْمِ الْحَقِيقَةِ انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ جَاهِلٌ بِأَحْوَالِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَوْتَادُ الْأَرْضِ فِي قَوَاعِدِ الدِّينِ وَسَمِعْتُ سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ يَقُولُ كُلُّ مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَجَدَ مَذَاهِبَ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ كُلَّهَا تَتَّصِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ الظَّاهِرِ بِالْعَنْعَنَةِ وَمِنْ طَرِيقِ إمْدَادِ قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَمِيعِ قُلُوبِ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ فَمَا اتَّقَدَ مِصْبَاحُ عَالِمٍ إلَّا مِنْ مِشْكَاةِ نُورِ قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعْته يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى مَا مِنْ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ إلَّا وَيَنْتَهِي سَنَدُهُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بِجِبْرِيلَ ثُمَّ بِحَضْرَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّتِي تَجِلُّ عَنْ التَّكَيُّفِ مِنْ طَرِيقِ السَّنَدِ الظَّاهِرِ وَالسَّنَدِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْحَقِيقَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْعِصْمَةِ فَمَنْ نَقَلَ عِلْمَهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ خَطَأٌ فِي قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْخَطَأُ فِي طَرِيقِ الْأَخْذِ عَنْهُ فَقَطْ فَكَمَا نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ مَا رَوَاهُ الْمُحَدِّثُونَ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ يَنْتَهِي سَنَدُهُ إلَى حَضْرَةِ الْحَقِّ - جَلَّ وَعَلَا - فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْكَشْفِ الصَّحِيحِ مِنْ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ مَصَابِيحِ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ قَدْ اتَّقَدَتْ مِنْ نُورِ الشَّرِيعَةِ فَمَا مِنْ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ إلَّا وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ لَا شَكَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَسَمِعْت أَخِي الشَّيْخَ أَفْضَلَ الدِّينِ وَقَدْ جَادَلَهُ فَقِيهٌ فِي مَسْأَلَةٍ يَقُولُ، وَاَللَّهِ مَا بَنَى أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ مَذْهَبَهُ إلَّا عَلَى قَوَاعِدِ الْحَقِيقَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْكَشْفِ الصَّحِيحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ أَبَدًا وَإِنَّمَا تَتَخَلَّفُ الْحَقِيقَةُ عَنْ الشَّرِيعَةِ فِي مِثْلِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الزُّورِ الَّذِينَ اعْتَقَدَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمْ فَلَوْ كَانُوا شُهُودَ عَدَالَةٍ مَا تَخَلَّفَتْ الْحَقِيقَةُ عَنْ الشَّرِيعَةِ فَكُلُّ حَقِيقَةٍ شَرِيعَةٌ وَعَكْسُهُ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَنَا بِإِجْرَاءِ أَحْوَالِ النَّاسِ عَلَى الظَّاهِرِ وَنَهَانَا أَنْ نَتْعَبَ وَنَنْظُرَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةً بِهَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» وَلَا تَسْبِقُ الرَّحْمَةُ الْغَضَبَ إلَّا بِكَثْرَةِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْمَعَاصِي وَالزُّورِ وَزِيَادَةِ ذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالصِّدْقِ فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَكُونُ إجْرَاءُ أَحْكَامِ النَّاسِ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَى الشَّرْعِ الْمُقَرَّرِ بِتَقْرِيرِ الشَّارِعِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ

اكْتِفَاؤُنَا مِنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ التَّكَالِيفِ ظَاهِرًا، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَاطِنِهِ زِنْدِيقًا عَلَى خِلَافِ مَا أَظْهَرَهُ لَنَا وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّارِعِ بِشَرِيعَتِهِ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ الظَّاهِرُ الْبَاطِنَ فَمَنْ شَهِدَ أَوْ صَلَّى غَيْرَ مُؤْمِنٍ فَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْعٍ مُطْلَقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى يُقَابَلَ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الدِّينِ وَقَدْ يَنْتَصِرُ الْحَقُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِمُنْصِفِ الشَّرْعِ فَيُنَفِّذُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَيُسَامِحُ شُهُودَ الزُّورِ فِي الْآخِرَةِ وَيَعْفُو عَنْهُمْ وَيُمَشِّي حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسْأَلَتِهِمْ كَمَا تَمْشِي شَهَادَةُ الْعُدُولِ وَيُرْضِي الْخُصُومَ كُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ - تَعَالَى - وَرَحْمَةٌ لِعِبَادِهِ وَسِتْرٌ عَلَى فَضَائِحِهِمْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَسَمِعْت سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ يَقُولُ لَا يَكْمُلُ إيمَانُ الْعَبْدِ بِأَنَّ سَائِرَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ إلَّا إنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْقَوْمِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْحُجُبِ الْكَثِيفَةِ مِنْ غَالِبِ الْمُقَلِّدِينَ فَمَنْ لَازَمَهُمْ سُوءُ الِاعْتِقَادِ فِي غَيْرِ إمَامِهِمْ وَيُسَلِّمُونَ لَهُ قَوْلَهُ وَفِي قَلْبِهِمْ مِنْهُ حَزَازَةٌ فَإِيَّاكُمْ أَنْ تُكَلِّفُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ الشَّرِيفِ فِي غَيْرِ إمَامِهِمْ إلَّا بَعْدَ السُّلُوكِ وَإِنْ شَكَكْت فِي هَذَا فَاعْرِضْ عَلَيْهِمْ أَقْوَالَ الْمَذَاهِبِ وَقُلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ اعْمَلْ بِقَوْلِ غَيْرِ إمَامِك فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيك فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ لَك أَنْتَ تُرِيدُ تَهْدِمُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ عِنْدَهُ بَلْ وَلَوْ سَلَّمَ لَك ظَاهِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْشِرَاحِ قَلْبِهِ بَاطِنًا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ جَمَاعَةً مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ يُفْطِرُونَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى الْجِدَالِ وَإِدْحَاضِ بَعْضِهِمْ حُجَجَ بَعْضٍ انْتَهَى. وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ مَا سُمُّوا بِذَلِكَ إلَّا لِبَذْلِ أَحَدِهِمْ وُسْعَهُ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الْكَامِنَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَهْدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إتْعَابِ الْفِكْرِ وَكَثْرَةِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِي جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ لَوْلَا اسْتَنْبَطُوا لِلْأُمَّةِ الْأَحْكَامَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا قَدَرَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَسَمِعْت شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَوْلَا بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُجْتَهِدِينَ لَنَا مَا أُجْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمَا قَدَرَ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ لَوْلَا بَيَّنَ لَنَا بِسُنَّتِهِ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ مَا اهْتَدَيْنَا لِكَيْفِيَّتِهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا قَدَرْنَا عَلَى اسْتِخْرَاجِهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالصَّلَوَاتِ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَبَيَانِ أَنْصِبَتِهَا وَشُرُوطِهَا وَبَيَانِ فَرْضِهَا مِنْ سُنَّتِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَرَدَتْ مُجْمَلَةً فِي الْقُرْآنِ فَلَوْلَا أَنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ لَنَا ذَلِكَ مَا عَرَفْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَسْرَارٌ وَحِكَمٌ يَعْرِفُهَا الْعَارِفُونَ انْتَهَى. قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ النَّاسَ الْآنَ يَصِلُونَ إلَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْكَشْفِ فَقَطْ لَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَقَامٌ لَمْ يَدَّعِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ ذَلِكَ وَجَمِيعُ مَنْ ادَّعَى

الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا مُرَادُهُ الْمُطْلَقُ الْمَذْهَبِيُّ الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَنْ قَوَاعِدِ إمَامِهِ كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبُغَ مَعَ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ مَعَ الشَّافِعِيِّ إذْ لَيْسَ فِي قُوَّةِ أَحَدٍ بَعْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَبْتَكِرَ الْأَحْكَامَ وَيَسْتَخْرِجَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا نَعْلَمُ أَبَدًا وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ قُلْنَا لَهُ اسْتَخْرِجْ لَنَا شَيْئًا لَمْ يَسْبِقْ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ اسْتِخْرَاجُهُ فَإِنَّهُ يَعْجِزُ انْتَهَى. وَكَانَ ابْنُ حَزْمٍ يَقُولُ جَمِيعُ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُجْتَهِدُونَ مَعْدُودٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ خَفِيَ دَلِيلُهُ عَنْ الْعَوَامّ وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَدْ نَسَبَ الْأَئِمَّةَ إلَى الْخَطَأِ وَأَنَّهُمْ يُشَرِّعُونَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَذَلِكَ ضَلَالٌ مِنْ قَائِلِهِ عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ لَوْلَا رَأَوْا فِي ذَلِكَ دَلِيلًا مَا شَرَعُوهُ انْتَهَى. وَكَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ يَقُولُ مَا ثَمَّ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ إلَّا وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ لَكِنْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ صَرِيحِ الْآيَاتِ أَوْ الْأَخْبَارِ أَوْ الْآثَارِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَنْطُوقِ أَوْ مِنْ الْمَفْهُومِ فَمِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا هُوَ قَرِيبٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَقْرَبُ وَمِنْهَا مَا هُوَ بَعِيدٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَبْعَدُ وَمَرْجِعُهَا كُلُّهَا إلَى الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهَا مُقْتَبَسَةٌ مِنْ شُعَاعِ نُورِهَا وَمَا ثَمَّ لَنَا فَرْعٌ يَتَفَرَّعُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ أَبَدًا، وَإِنَّمَا الْعَالِمُ كُلَّمَا بَعُدَ عَنْ عَيْنِ الشَّرِيعَةِ ضَعُفَ نُورُ أَقْوَالِهِ بِالنَّظَرِ إلَى نُورِ أَوَّلِ مُقْتَبِسٍ مِنْ عَيْنِ الشَّرِيعَةِ الْأُولَى مِمَّنْ قَرُبَ مِنْهَا وَكَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ إذَا سَأَلَهُ إنْسَانٌ عَنْ التَّقَيُّدِ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ الْآنَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا يَقُولُ يَجِبُ عَلَيْك التَّقَيُّدُ بِمَذْهَبٍ مَا دُمْتَ لَا تَصِلُ إلَى شُهُودِ عَيْنِ الشَّرِيعَةِ الْأُولَى فَهُنَاكَ لَا يَجِبُ عَلَيْك التَّقَيُّدُ بِمَذْهَبٍ لِأَنَّك تَرَى اتِّصَالَ جَمِيعِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ بِهَا وَلَيْسَ مَذْهَبٌ أَوْلَى بِهَا مِنْ مَذْهَبٍ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ عِنْدَك حِينَئِذٍ إلَى مَرْتَبَتَيْ التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ بِشَرْطِهِمَا انْتَهَى. وَسَمِعْت شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ مِرَارًا عَيْنُ الشَّرِيعَةِ كَالْبَحْرِ فَمِنْ أَيِّ الْجَوَانِبِ اُغْتُرِفَ مِنْهُ فَهُوَ وَاحِدٌ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إيَّاكُمْ أَنْ تُبَادِرُوا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَى قَوْلِ مُجْتَهِدٍ أَوْ تَخْطِئَتِهِ إلَّا بَعْدَ إحَاطَتِكُمْ بِأَمْثِلَةِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا وَمَعْرِفَتِكُمْ بِجَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ الَّتِي احْتَوَتْ عَلَيْهَا الشَّرِيعَةُ وَمَعْرِفَتِكُمْ بِمَعَانِيهَا وَطُرُقِهَا فَإِذَا أَحَطْتُمْ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ تَجِدُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ فِيهَا فَحِينَئِذٍ لَكُمْ الْإِنْكَارُ، وَأَنَّى لَكُمْ بِذَلِكَ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «إنَّ شَرِيعَتِي جَاءَتْ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ طَرِيقَةٍ مَا سَلَكَ أَحَدٌ طَرِيقَةً مِنْهَا إلَّا نَجَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . فَإِنْ قِيلَ فَمَا دَلِيلُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي زِيَادَاتِهِمْ الْأَحْكَامَ الَّتِي اسْتَنْبَطُوهَا عَلَى صَرِيحِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَلَّا كَانُوا وَقَفُوا عَلَى حَدِّ مَا رَأَوْهُ صَرِيحًا فَقَطْ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِحَدِيثِ «مَا تَرَكْت شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ إلَى اللَّهِ إلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلَا شَيْئًا يُبْعِدُكُمْ عَنْ اللَّهِ إلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ

عَنْهُ» . فَالْجَوَابُ: دَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَبْيِينِهِ مَا أُجْمِلَ فِي الْقُرْآنِ مَعَ قَوْله تَعَالَى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] فَإِنَّهُ لَوْلَا بَيَّنَ لَنَا كَيْفِيَّةَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا اهْتَدَى أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِمَعْرِفَةِ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا كُنَّا نَعْرِفُ عَدَدَ رَكَعَاتِ الْفَرَائِضِ وَلَا النَّوَافِلِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ لَنَا بِسُنَّتِهِ مَا أُجْمِلَ فِي الْقُرْآنِ فَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ بَيَّنُوا لَنَا مَا أُجْمِلَ فِي أَحَادِيثِ الشَّرِيعَةِ وَلَوْلَا بَيَانُهُمْ لَنَا ذَلِكَ لَبَقِيَتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى إجْمَالِهَا، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي أَهْلِ كُلِّ دَوْرٍ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّوْرِ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْإِجْمَالَ لَمْ يَزَلْ سَارِيًا فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَوْلَا ذَلِكَ مَا شُرِحَتْ الْكُتُبُ وَلَا عُمِلَ عَلَى الشُّرُوحِ حَوَاشٍ. وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْكَشْفِ يَقُولُ إنَّمَا يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى الْمُجْتَهِدُونَ بِالِاجْتِهَادِ لِيَحْصُلَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ التَّشْرِيعِ وَتَثْبُتَ لَهُمْ فِيهِ الْقَدَمُ الرَّاسِخَةُ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ سِوَى نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُحْشَرُ عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَحُفَّاظُ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ الْعَارِفُونَ بِمَعَانِيهَا فِي صُفُوفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَا فِي صُفُوفِ الْأُمَمِ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ أَوْ رَسُولٍ إلَّا وَبِجَانِبِهِ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَكُلُّ عَالِمٍ نَهِمٌ لَهُ دَرَجَةُ الْأُسْتَاذِيَّةِ فِي عِلْمِ الْأَحْكَامِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْمُنَزَّلَاتِ إلَى خِتَامِ الدُّنْيَا بِخُرُوجِ الْمَهْدِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ تَابِعُونَ لِلشَّارِعِ فِي التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فَيَا سَعَادَةَ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى عَيْنِ الشَّرِيعَةِ الْأُولَى كَمَا أَطْلَعَنَا وَرَأَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَيَا فَوْزَهُ وَكَثْرَةَ سُرُورِهِ إذَا رَآهُ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخَذُوا بِيَدِهِ وَتَبَسَّمُوا فِي وَجْهِهِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ يُبَادِرُ إلَى الشَّفَاعَةِ فِيهِ وَيُزَاحِمُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ مَا يَشْفَعُ فِيهِ إلَّا أَنَا وَيَا نَدَامَةَ مَنْ قَالَ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي مُخْطِئٌ فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ خَطَّأَهُمْ يَعْبِسُونَ فِي وَجْهِهِ لِتَخْطِئَتِهِ لَهُمْ وَتَجْرِيحِهِمْ بِالْجَهْلِ وَسُوءِ الْأَدَبِ وَفَهْمِهِ السَّقِيمِ فَاسْعَ يَا أَخِي فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْلَاصِ وَالْوَرَعِ وَالْعَمَلِ بِكُلِّ مَا عَلِمْت حَتَّى تُطْوَى لَك الطَّرِيقُ بِسُرْعَةٍ وَتُشْرِفَ عَلَى مَقَامَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَقِفَ عَلَى الْعَيْنِ الْأُولَى الَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا إمَامُك وَتُشَارِكَهُ فِي الِاغْتِرَافِ مِنْهَا فَكَمَا كُنْت مُتَّبِعًا لَهُ حَالَ سُلُوكِك مَعَ حِجَابِك عَنْ الْعَيْنِ الَّتِي يَشْهَدُ مِنْهَا كَذَلِكَ تَكُونُ مُتَّبِعًا لَهُ فِي الِاغْتِرَافِ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي اغْتَرَفَ مِنْهَا ثُمَّ إذَا دَخَلْت ذَلِكَ الْمَقَامَ فَاسْتَصْحِبْ شُهُودَ الْعَيْنِ وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْأَدْوَارِ تَصِيرُ تُوَجِّهُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تَرُدُّ مِنْهَا قَوْلًا وَاحِدًا إمَّا لِصِحَّةِ دَلِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَك مِنْ تَخْفِيفٍ أَوْ تَشْدِيدٍ وَإِمَّا لِشُهُودِك صِحَّةَ اسْتِنْبَاطِهِمْ وَاتِّصَالِهِمْ بِعَيْنِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ نَزَلْت فِي آخِرِ الْأَدْوَارِ. فَإِنْ قُلْت إذَا قُلْتُمْ إنَّ جَمِيعَ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ الشَّرِيعَةِ فَأَيْنَ

الْخَطَأُ الْوَارِدُ فِي حَدِيثِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» مَعَ اسْتِمْدَادِ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ مِنْ بَحْرِ الشَّرِيعَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَطَأِ هُنَا هُوَ خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ فِي عَدَمِ مُصَادَفَةِ الدَّلِيلِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَا الْخَطَأُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» انْتَهَى. وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّارِعُ لَهُ الْأَجْرَ فَمَا بَقِيَ إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا اجْتَهَدَ وَصَادَفَ نَفْسَ الدَّلِيلِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ عَنْ الشَّارِعِ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ التَّتَبُّعِ وَأَجْرُ مُصَادَفَةِ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَيْنَ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا صَادَفَ حُكْمَهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَجْرُ التَّتَبُّعِ فَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُنَا الْخَطَأُ الْإِضَافِيُّ لَا الْخَطَأُ الْمُطْلَقُ فَافْهَمْ فَإِنَّ اعْتِقَادَنَا أَنَّ سَائِرَ أُمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِمْ وَمَا ثَمَّ إلَّا قَرِيبٌ مِنْ عَيْنِ الشَّرِيعَةِ وَأَقْرَبُ وَبَعِيدٌ عَنْهَا وَأَبْعَدُ بِحَسَبِ طُولِ السَّنَدِ وَقِصَرِهِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِصِحَّةِ جَمِيعِ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ نَسْخِهَا مَعَ اخْتِلَافِهَا وَمُخَالَفَةِ أَشْيَاءَ فِيهَا لِظَاهِرِ شَرِيعَتِنَا فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِينَ اعْتِقَادُ صِحَّةِ جَمِيعِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِنْ خَالَفَ كَلَامُهُمْ ظَاهِرَ كَلَامِ إمَامِهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كُلَّمَا بَعُدَ عَنْ شُعَاعِ نُورِ الشَّرِيعَةِ خَفِيَ مَدْرَكُهُ وَنُورُهُ وَظَنَّ غَيْرُهُ أَنَّ كَلَامَهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَلَعَلَّ ذَلِكَ سَبَبُ تَضْعِيفِ الْعُلَمَاءِ كَلَامَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي سَائِرِ الْأَدْوَارِ إلَى عَصْرِنَا هَذَا فَتَجِدُ أَهْلَ كُلِّ دَوْرٍ يَطْعَنُ فِي صِحَّةِ قَوْلِ بَعْضِ الْأَدْوَارِ الَّتِي قَبْلَهُ وَأَيْنَ مَنْ يَخْرِقُ بَصَرُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ جَمِيعَ الْأَدْوَارِ الَّتِي مَضَتْ قَبْلَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى شُهُودِ اتِّصَالِهَا بِعَيْنِ الشَّرِيعَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ هُوَ مَحْجُوبٌ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ بَيْنَ الْمُقَلِّدِينَ الْآنَ وَبَيْنَ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَ دَوْرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فَلَمَّا أَنْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ طَاهِرِينَ عَقَبَهُمْ التَّابِعُونَ لَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَجَمَعُوا مَا كَانَ مِنْ الْأَحَادِيثِ مُتَفَرِّقًا وَبَقِيَ أَحَدُهُمْ يَرْحَلُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَالْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَضَبَطُوا أَمْرَ الشَّرِيعَةِ أَتَمَّ ضَبْطٍ وَتَلَقَّوْا الْأَحْكَامَ وَالتَّفْسِيرَ مِنْ فِي الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِثْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ سَلُونِي مَا دُمْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَإِنِّي أَعْرَفُ بِأَزِقَّةِ السَّمَاءِ كَمَا أَنَا أَعْرَفُ بِأَزِقَّةِ الْأَرْضِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ابْنِ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ» فَمَنْ لَقِيَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ كَيْفَ يَكُونُ عِلْمُهُ وَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ وَعَمَلُهُ فَحَصَلَ لِلْقَرْنِ الثَّانِي نَصِيبٌ وَافِرٌ أَيْضًا فِي إقَامَةِ هَذَا الدِّينِ، وَرُؤْيَةِ مَنْ رَأَى بِعَيْنِ رَأْسِهِ صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - فَلِذَلِكَ كَانُوا خَيْرًا مِنْ الَّذِينَ بَعْدَهُمْ

ثُمَّ عَقَبَهُمْ التَّابِعُونَ لَهُمْ، وَهُمْ تَابِعُو التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهِمْ حَدَّثَ الْفُقَهَاءُ الْمُقَلِّدُونَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِمْ فِي النَّوَازِلِ الْكَاشِفُونَ لِلْكُرُوبِ فَوَجَدُوا الْقُرْآنَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَجْمُوعًا مُيَسَّرًا وَوَجَدُوا الْأَحَادِيثَ قَدْ ضُبِطَتْ، وَأُحْرِزَتْ فَجَمَعُوا مِنْهَا مَا كَانَ مُفَرَّقًا وَتَفَقَّهُوا فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَاسْتَخْرَجُوا فَوَائِدَ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ وَاسْتَنْبَطُوا مِنْهَا فَوَائِدَ وَأَحْكَامًا وَبَيَّنُوا عَلَى مُقْتَضَى الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَدَوَّنُوا الدَّوَاوِينَ وَيَسَّرُوا عَلَى النَّاسِ وَأَزَالُوا الْمُشْكِلَاتِ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ مِنْ الْأُصُولِ وَرَدُّوا الْفَرْعَ إلَى أَصْلِهِ وَتَبَيَّنَ الْأَصْلُ مِنْ فَرْعِهِ فَانْتَظَمَ الْحَالُ وَاسْتَقَرَّ مِنْ الدِّينِ لِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِهِمْ الْخَيْرُ الْعَمِيمُ فَحَصَلَتْ لَهُمْ فِي إقَامَةِ هَذَا الدِّينِ خُصُوصِيَّةٌ أَيْضًا بِلِقَائِهِمْ مَنْ رَأَى صَاحِبَ الْعِصْمَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبْقُوا لِمَنْ بَعْدَهُمْ شَيْئًا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ بِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ مُقَلِّدٌ لَهُمْ فِي الْغَالِبِ وَتَابِعٌ لَهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ فِقْهٌ غَيْرُ فِقْهِهِمْ أَوْ فَائِدَةٌ غَيْرُ فَائِدَتِهِمْ فَمَرْدُودٌ كُلُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يَزِيدَ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَرَّرَتْ أَوْ يُنْقِصَ مِنْهَا فَذَلِكَ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا مَا اسْتَخْرَجَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْفَوَائِدِ غَيْرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ فَمَقْبُولٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْقُرْآنِ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ التَّرْدَادِ» فَعَجَائِبُ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لَا تَنْقَضِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلُّ قَرْنٍ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فَوَائِدَ جَمَّةً خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَضَمَّهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ بَرَكَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَمِرَّةً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمَّتِي مِثْلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَيُّهُ أَنْفَعُ أَوَّلُهُ أَمْ آخِرُهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْنِي فِي الْبَرَكَةِ وَالْخَيْرِ وَالدَّعْوَى إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَبْيِينِ الْأَحْكَامِ لَا أَنَّهُمْ يُحْدِثُونَ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ اللَّهُمَّ إلَّا مَا يَنْدُرُ وُقُوعُهُ مِمَّا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقَوْلِ، وَلَا بِالْبَيَانِ فَيَجِبُ إذْ ذَاكَ أَنْ يُنْظَرَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ عَنْهُمْ الْمُبَيَّنَةِ الصَّرِيحَةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى أُصُولِهِمْ قَبِلْنَاهُ فَلَمَّا أَنْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ طَاهِرِينَ ثُمَّ أَتَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يَجِدْ فِي هَذَا الدِّينِ وَظِيفَةً يَقُومُ بِهَا وَيَخْتَصُّ بِهَا بَلْ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا أَنْ يَحْفَظَ مَا دَوَّنُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ وَاسْتَخْرَجُوهُ وَأَفَادُوهُ فَاخْتَصَّتْ إقَامَةُ هَذَا الدِّينِ بِالْقُرُونِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ إلَّا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانُوا خَيْرًا مِمَّنْ أَتَى بَعْدَهُمْ وَلَا يَحْصُلُ لِمَنْ أَتَى بَعْدَ هَذِهِ الْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ خَيْرٌ إلَّا بِالِاتِّبَاعِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ صَاحِبُ الْعِصْمَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - بِالْخَيْرِ فَبَقِيَ كُلُّ مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ فِي مِيزَانِهِمْ وَمِنْ بَعْضِ حَسَنَاتِهِمْ فَبَانَ مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعُلِمَ فَكُلُّ مَنْ أَتَى

بَعْدَهُمْ يَقُولُ فِي بِدْعَةٍ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ ثُمَّ يَأْتِي بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ خَارِجٍ عَنْ أُصُولِهِمْ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ انْتَهَى. فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنَّ كُتُبَ الْفِقْهِ لَا تَخْلُو مِنْ الْخَطَأِ وَفِيهَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَيْفَ تَتْرُكُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَتُقَلِّدُ الْأَئِمَّةَ فِي اجْتِهَادِهِمْ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَأِ فَجَوَابُهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الْأَئِمَّةِ فِي اجْتِهَادِهِمْ لَيْسَ تَرْكًا لِلْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُ التَّمَسُّكِ وَالْأَخْذِ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَا وَصَلَ إلَيْنَا إلَّا بِوَاسِطَتِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَعْلَمَ مِنَّا بِنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَمُحْكَمِهِ وَأَسْبَابِ نُزُولِهِ وَمَعَانِيهِ وَتَأْوِيلَاتِهِ وَلُغَاتِهِ وَسَائِرِ عُلُومِهِ وَتَلَقِّيهِمْ ذَلِكَ عَنْ التَّابِعِينَ الْمُتَلَقِّينَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمُتَلَقِّينَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - الْمَعْصُومِ مِنْ الْخَطَأِ الشَّاهِدِ لِلْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ بِالْخَيْرِيَّةِ. وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ مَا وَصَلَتْ إلَيْنَا إلَّا بِوَاسِطَتِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَعْلَمَ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ بِصَحِيحِهَا وَحَسَنِهَا وَضَعِيفِهَا وَمَرْفُوعِهَا وَمُرْسَلِهَا وَمُتَوَاتِرِهَا وَآحَادِهَا وَمُعْضِلِهَا وَغَرِيبِهَا وَتَأْوِيلِهَا وَتَارِيخِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَأَسْبَابِهَا وَلُغَاتِهَا وَسَائِرِ عُلُومِهَا مَعَ تَمَامِ ضَبْطِهِمْ وَتَحْرِيرِهِمْ لَهَا وَكَمَالِ إدْرَاكِهِمْ وَقُوَّةِ دِيَانَتِهِمْ وَاعْتِنَائِهِمْ وَتَفَرُّغِهِمْ، وَنُورِ بَصَائِرِهِمْ فَلَا يَخْلُو أَمْرُ هَذِهِ الشِّرْذِمَةِ مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا نِسْبَةُ الْجَهْلِ لِلْأَئِمَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِمْ الْمُشَارِ لَهُ فِي أَحَادِيثِ الشَّارِعِ الصَّادِقِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِمَّا نِسْبَةُ الضَّلَالِ وَقِلَّةُ الدِّينِ لِلْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ الْمُعَظَّمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، وَقَوْلُهُمْ لِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا مَثَلًا نَقُولُ لَك قَالَ اللَّهُ أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتَ تَقُولُ قَالَ مَالِكٌ أَوْ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ خَلِيلٌ. . . إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُقَلِّدِ قَالَ مَالِكٌ إلَخْ مَعْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ فَاهِمًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ أَوْ مُتَمَسِّكًا بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْفَاهِمِينَ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ كَلَامَ رَسُولِهِ أَوْ الْمُتَأَسِّينَ بِفِعْلِ رَسُولِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ إلَخْ أَوْ أَنَّهُ فَهِمَهُ نَفْسُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ إلَخْ وَمَعْنَى قَوْلِهِ قَالَ خَلِيلٌ مَثَلًا أَنَّهُ نَاقِلٌ عَمَّنْ ذَكَرَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ مُجْمَعٌ عَلَى إمَامَتِهِمَا وَمِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ وَالتَّارِكُ لِلتَّقْلِيدِ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَقِلًّا بِفَهْمِهِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ ضَبْطِ الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ وَوَصْلِ السَّنَدِ فَضْلًا عَنْ عَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَظَاهِرِهِ، وَنَصِّهِ وَعَامِّهِ وَخَاصِّهِ وَتَأْوِيلِهِ وَسَبَبِ نُزُولِهِ وَلُغَاتِهِ وَسَائِرِ عُلُومِهِ فَانْظُرْ أَيَّهُمَا يُقَدِّمُ قَوْلَ الْمُقَلِّدِ. قَالَ مَالِكٌ: الْإِمَامُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ قَوْلُ الْجَهُولِ قَالَ اللَّهُ أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ هَذَا

الزَّيْغِ لِلظَّاهِرِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا ظَهَرُوا فِي الْأَنْدَلُسِ وَتَقَوَّتْ شَوْكَتُهُمْ مُدَّةً ثُمَّ مَحَا اللَّهُ آثَارَهُمْ فَشَرَعَتْ هَذِهِ الشِّرْذِمَةُ فِي إحْيَائِهَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَأَوَّلُ مَنْ طَعَنَ فِي الْمُدَوَّنَةِ سَعِيدُ بْنُ الْحَدَّادِ، فَفِي الْمَدَارِكِ أَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ صَحِبَ سَحْنُونَ أَوَّلًا وَسَمِعَ مِنْهُ وَنَزَعَ آخِرًا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُهُ وَيَعْتَمِدُ عَلَى النَّظَرِ وَالْحُجَّةِ وَكَانَ يُسَمِّي الْمُدَوَّنَةَ الْمُرُونَةَ وَيَنْقُضُ بَعْضَهَا. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ تَرَكَ النَّاسُ السُّنَنَ وَانْتَقَلُوا إلَى قَوْلِهِ قُلْت رَأَيْت فَرَفَضَهُ أَصْحَابُ سَحْنُونَ وَهَجَرُوهُ وَأَغْرَوْا بِهِ ابْنَ طَالِبٍ الْقَاضِيَ فَهَمَّ بِهِ ثُمَّ نَشَأَتْ بَيْنَهُمَا صُحْبَةٌ فَتَرَكَهُ وَبَقِيَ مَهْجُورَ الْبَابِ قَلِيلَ الْأَصْحَابِ إلَى أَنْ نَاظَرَ آخِرًا عَبْدَ اللَّهِ الشِّيعِيَّ وَأَخَاهُ الْعَبَّاسَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا بِدَعْوَةِ بَنِي عُبَيْدٍ الْقَيْرَوَانِ فَمَالَتْ إلَيْهِ قُلُوبُ الْعَامَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى فَضْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَامَ مَعَهُمْ مَقَامَ ابْنِ حَنْبَلٍ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَبَاعَ نَفْسَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَانَ نَافَ عَلَى سَبْعِينَ سَنَةً وَقَالَ قَتِيلُ الْخَوَارِجِ خَيْرُ قَتِيلٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَتَلُوا اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونَ وَأَرَادُوا حَمْلَ النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ رَوْعٌ كَبِيرٌ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى أَوْقَفَهُمْ وَسَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ. ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَوَارِيخِ الْأَنْدَلُسِ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ رَأْسَ الظَّاهِرِيَّةِ بِالْأَنْدَلُسِ قَالَ إنَّمَا أُشْهِرُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالْمَدَنِيِّينَ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ بِإِفْرِيقِيَّةَ دُخُولُ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ بِمَسَائِلِهِ فَوُلِّيَ الْقَضَاءَ بِهَا فَأَخَذَتْ عَنْهُ مَسَائِلَهُ لِأَجْلِ قَضَائِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَاشْتُهِرَ أَمْرُهُ وَاشْتُهِرَتْ مَسَائِلُ مَالِكٍ بِالْأَنْدَلُسِ لِدُخُولِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَنْدَلُسِ وَقُضَاتِهَا فَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَخْذُهَا وَالتَّمَذْهُبُ بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِرِيَاسَتِهِمْ فَتَرَكَ النَّاسُ السُّنَنَ وَاتَّبَعُوهُ. وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ ابْنِ حَزْمٍ بِمَيْرُوقَهَ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُطَالَبَاتٌ وَاحْتِجَاجَاتٌ آلَ أَمْرُهَا عَلَى مَا قَالَ إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِهِ وَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهُ إبْرَاهِيمَ بْنَ خَلَفٍ الْبَاجِيَّ لَقِيَ ابْنَ حَزْمٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ مَا قَرَأْت عَلَى أَخِيك فَقَالَ لِي كَثِيرًا أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَقَالَ أَلَا اخْتَصَرَ لَك الْعِلْمَ فَيُقْرِئَك مَا تَنْتَفِعُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْقَرِيبِ فِي سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَقَالَ لَهُ لَوْ صَحَّ هَذَا الْفِعْلُ فَقَالَ غَيْرُهُ يَنْفَعُك بِذَلِكَ فِي سَنَةٍ فَقَالَ أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَوْ فِي شَهْرٍ فَقَالَ ذَلِكَ أَشْهَى إلَيَّ فَقَالَ أَوْ فِي جُمُعَةٍ أَوْ دَفْعَةٍ فَقَالَ هَذَا أَشْهَى إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ إذَا وَرَدَتْ عَلَيْك مَسْأَلَةٌ فَاعْرِضْهَا عَلَى الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتهَا فِيهِ وَإِلَّا فَاعْرِضْهَا عَلَى السُّنَّةِ فَإِنْ وَجَدْت ذَلِكَ فِيهَا وَإِلَّا فَاعْرِضْهَا عَلَى مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَدْتهَا وَإِلَّا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ فَافْعَلْهَا فَقُلْتُ لَهُ مَا أَرْشَدْتَنِي إلَيْهِ يَفْتَقِرُ إلَى عُمُرٍ طَوِيلٍ وَعِلْمٍ جَلِيلٍ، لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِمَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُؤَوَّلِهِ وَظَاهِرِهِ وَمَنْصُوصِهِ وَمُطْلَقِهِ وَعُمُومِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَفْتَقِرُ أَيْضًا إلَى حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَمَعْرِفَةِ صَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا وَمُسْنَدِهَا وَمُرْسَلِهَا وَمُعْضِلِهَا وَتَأْوِيلِهِ وَتَارِيخِ

الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ وَتَتَبُّعِهَا فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ وَقَلَّ مَنْ يُحِيطُ بِهَذَا. قَالَ الْبَاجِيُّ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مَعَهُ قُوَّةُ عِلْمٍ وَلَا تَضَلُّعٌ فِي الِاحْتِجَاجِ وَلَكِنْ إلْمَامُهُ بِالْأُمُورِ الْفَارِغَةِ وَمُبْتَدِئِ الطَّلَبَةِ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ لِمَنْ حَضَرَهُ أَوْ السَّائِلِ مَا قُلْتَ أَنْتَ فِيهَا وَمَا ظَهَرَ لَك وَلَا يَزَالُ يَسْتَمِيلُ حَتَّى يَنْطِقَ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِهِ فَيُجَوِّدُ فِعْلَهُ وَيَسْتَحْسِنُ رَأْيَهُ وَيَقُولُ لَهُ قَوْلُك فِيهَا خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَيُزَيِّنُ لَهُ ذَلِكَ وَيُشَكِّكُهُ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَصِيرَ يَرَى رَأْيَ نَفْسِهِ وَيَتَعَاظَمَ وَيَقَعَ فِي مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ سُلِّطَتْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ كَثِيرٍ فَحَمَلَ أَمْرَهُ وَاسْتَجْهَلَهُ أَهْلُ الْفُرُوعِ بِالْأَنْدَلُسِ وَلَمْ يَزَلْ فِي خُمُولٍ وَعَدَمِ اعْتِنَاءٍ فِي مَذْهَبِهِ وَكَثُرَ أَهْلُ الشُّورَى وَالْفِقْهِ وَالْوَثَائِقِ بِالْأَنْدَلُسِ حَتَّى خَرَجَ الْمُوَحِّدُونَ وَأَخَذُوا مُرَاكِشَ مِنْ لَمْتُونَةَ حَضْرَةَ مَلِكِهِمْ فَوَجَدُوا فِيهَا كُتُبَ فِقْهٍ كَثِيرَةً فَاسْتَصْعَبُوهَا وَبَاعُوهَا مِنْ الشَّوَّاشِينَ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُقَهَاءِ الْفَرْعِيَّيْنِ وَلَمَّا أَنْ اطْمَأَنَّتْ بِالْأَمِيرِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الدَّارُ جَمَعَ الْفُقَهَاءَ إمَّا لِاخْتِبَارِ مَذْهَبِهِمْ أَوْ حَمْلِهِمْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَزْمٍ فَحَكَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَرْقُونٍ جَامِعَ الِاسْتِذْكَارِ وَالْمُنْتَقَى قَالَ كُنْت فِيمَنْ جَمَعَهُمْ فَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ كَاتِبُهُ وَوَزِيرُهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنِ عَطِيَّةَ فَخَطَبَ خُطْبَةً مُخْتَصَرَةً ثُمَّ رَدَّ رَأْسَهُ إلَى الْفُقَهَاءِ وَقَالَ لَهُمْ بَلَغَ سَيِّدُنَا أَنَّ قَوْمًا مِنْ أُولِي الْعِلْمِ تَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَصَارُوا يَحْكُمُونَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُفْتُونَ بِهَذِهِ الْفُرُوعِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ وَقَدْ أَمَرَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ وَنَظَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفُرُوعِ وَالْمَسَائِلِ عُوقِبَ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ وَفُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا وَسَكَتَ وَرَفَعَ الْأَمِيرُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ رَأْسَهُ إلَيْهِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ، وَقَالَ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ فَقَالَ لَهُ الطَّلَبَةُ نَعَمْ قَالَ وَسَمِعْنَا أَنَّ عِنْدَ الْقَوْمِ تَأْلِيفًا مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ يُسَمُّونَهُ الْكِتَابَ يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ وَأَنَّهُمْ إذَا قَالَ لَهُمْ قَائِلٌ مَسْأَلَةً مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ أَوْ مُخَالِفَةً لَهُ قَالُوا مَا هِيَ فِي الْكِتَابِ أَوْ مَا هُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ ثَمَّ كِتَابٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَأَرْعَدَ وَأَبْرَقَ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ وَالْفُقَهَاءُ سُكُوتٌ ثُمَّ قَالَ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَقْوَالًا بِرَأْيِهِمْ وَلَيْسَتْ مِنْ الشَّرْعِ أَوْ قَالَ مِنْ الدِّينِ فَيَقُولُونَ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ خَلَلٌ فِي صَلَاتِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَيَتَحَكَّمُونَ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِأَنَّهَا إمَّا صَحِيحَةٌ فَلَا إعَادَةَ أَوْ بَاطِلَةٌ فَيُعِيدُ أَبَدًا فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهُ فَصَمَتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ لِحِدَّةِ الْأَمْرِ وَالْإِنْكَارِ. قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ فَحَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ عَلَى أَنْ تَكَلَّمْت وَتَلَطَّفْت فِي الْكَلَامِ لَهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَا بِهِمْ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ وَأَمَاتَ الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْمَنْحَى، وَقُلْت إنْ أُذِنَ لِي فِي الْجَوَابِ تَكَلَّمْتُ وَأَدَّيْتُ نَصِيحَتِي وَهِيَ

السُّنَّةُ فَقَالَ كَالْمُنْكِرِ عَلَيَّ وَهِيَ السُّنَّةُ أَيْضًا وَكَرَّرَهَا فَقُلْتُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: ارْجِعْ وَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ لَهُ: إذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الْوَقْتِيَّةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ. فَعَلَى هَذَا بَنَى الْفُقَهَاءُ أَمْرَهُمْ فِيمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ خَلَلٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا أَصْغَى إلَيَّ اتَّسَعَ لِي الْقَوْلُ فَقُلْت لَهُ يَا سَيِّدِي جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اخْتَصَرَهُ الْفُقَهَاءُ تَقْرِيبًا لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ وَالطَّالِبِينَ فَانْطَلَقَتْ أَلْسِنَةُ الْفُقَهَاءِ الْحَاضِرِينَ حِينَئِذٍ وَوَافَقُونِي عَلَى مَا قُلْتُ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَقَامَ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ الْوَزِيرُ أَقَدِمْت عَلَى سَيِّدِنَا الْيَوْمَ يَا فَقِيهُ فَقُلْتُ لَوْ سَكَتُّ لَلَحِقَتْنِي عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَكُنْت أَدْخُلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ فَأَرَى مِنْهُ الْبِرَّ التَّامَّ وَالتَّكْرِمَةَ ثُمَّ سَكَتَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ أَيَّامُ حَفِيدِهِ الْأَمِيرِ يَعْقُوبَ فَأَرَادَ حَمْلَ النَّاسِ عَلَى كُتُبِ ابْنِ حَزْمٍ فَعَارَضَهُ فُقَهَاءُ وَقْتِهِ وَفِيهِمْ أَبُو يَحْيَى بْنُ الْمَوَّاقِ وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِالْحَدِيثِ وَالْمَسَائِلِ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ لَزِمَ دَارِهِ وَعَارَضَ وَأَكَبَّ عَلَى جَمْعِ الْمَسَائِلِ الْمُنْتَقَدَةِ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ حَتَّى أَتَمَّهَا وَكَانَ لَا يَغِيبُ عَنْهُ فَلَمَّا أَتَمَّهَا جَاءَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَغَيْبَتِهِ وَكَانَ ذَا جَلَالَةٍ عِنْدَهُ وَمُبِرًّا لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُنَا قَدْ كُنْتُ فِي خِدْمَتِكُمْ لَمَّا سَمِعْتُكُمْ تَذْكُرُونَ حَمْلَ النَّاسِ عَلَى كُتُبِ ابْنِ حَزْمٍ وَفِيهَا أَشْيَاءُ أُعِيذُكُمْ بِاَللَّهِ مِنْ حَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهَا وَأَخْرَجْتُ لَهُ دَفْتَرًا فَلَمَّا أَخَذَهُ الْأَمِيرُ جَعَلَ يَقْرَؤُهُ، وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَحْمِلَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذَا وَأَثْنَى عَلَى ابْنِ الْمَوَّاقِ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ ثُمَّ سَكَتَ الْحَالُ بَعْدُ فِي الْفُرُوعِ وَظَهَرَتْ وَقَوِيَتْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَهِيَ إذَا أَخَذْت مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً وَجَدْت كُلَّهَا رَاجِعَةً إلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْهَا خَارِجًا عَنْهَا؛ لِأَنَّ وَاضِعَهَا وَمُسْتَنْبِطَهَا مِنْ خِيَارِ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَعُدُولِهِمْ وَأَهْلِ التَّفَقُّهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالشَّرْعِ فَهُمْ قَوْمٌ غُذُّوا بِالتَّقْوَى وَرُبُّوا بِالْهُدَى فَهُمْ أَنْوَارُ الدُّنْيَا وَرَيَاحِينُهَا وَبَرَكَاتُ الْأُمَّةِ وَمَيَامِينُهَا عُدُولُ كُلِّ خَلَفٍ وَأَئِمَّةُ كُلِّ سَلَفٍ سَادَةٌ أَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي اسْتِنْبَاطِهَا وَتَحْقِيقِهَا بَعْدَ تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السُّنَنِ مِنْ السَّقِيمِ وَالنَّاسِخِ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِهَا وَدَوَّنُوهَا كُتُبًا وَجَعَلُوهَا أَبْوَابًا مُهَذَّبَةً مُقَرَّبَةً وَكَفَوْا مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ الْمُؤْنَةَ بِأَنْ تَرَكُوا الْأُصُولَ عَلَى أَصْلِهَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا فُرُوعَهَا مِنْ الْفِقْهِ تَقْتَضِيهَا وَمَسَائِلَ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَتَقْرِيبًا عَلَى النَّاظِرِ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ جَزَائِهِ كَمَا جَعَلَهُمْ وَرَثَةَ أَنْبِيَائِهِ وَحَفَظَةَ شَرْعِهِ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمُتَّبِعِينَ لَهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تَدُورُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمِصْرِيِّ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ وَسَحْنُونٌ وَكُلُّهُمْ

مَشْهُورُونَ بِالْإِمَامَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ الرَّقِيقِ وَالْمَدَارِكِ اهـ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَأَمَّا قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ فِي نِصْفِ يَوْمٍ فَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ وَفِطْرُ رَمَضَانَ فِيهِ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِلَا طَهَارَةٍ مَذْهَبٌ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ وَعَارَضَهُ الْحُفَّاظُ بِمَا خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ وَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْقَبْضُ وَالْقُنُوتُ جَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَتَأْخِيرُ الصُّبْحِ لِلْإِسْفَارِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَؤُلَاءِ تَرَكُوا تَقْلِيدَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَاتَّبَعُوا الْأَحَادِيثَ بِزَعْمِهِمْ فَتَارَةً وَافَقُوا بَعْضَ الْمَذَاهِبِ الصَّحِيحَةِ وَتَارَةً بَعْضَ الْمَذَاهِبِ الشَّاذَّةِ وَتَارَةً خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ وَهَذَا شُؤْمُ الْخُرُوجِ عَنْ الْمَذَاهِبِ وَالِابْتِدَاعِ قَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ. فَإِنْ قُلْت فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَحْجُوبِ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْنِ الْأُولَى التَّقَيُّدُ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ. فَالْجَوَابُ نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَضِلَّ فِي نَفْسِهِ وَيُضِلَّ غَيْرَهُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عَنْ الْخَوَّاصِ أَيْضًا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. وَالْحِمَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ سُنَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ مَنَعَتْهُ الشَّرِيعَةُ الْحَنِيفِيَّةُ وَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ حُرْمَتُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورِيَّةٌ فَإِنْ اسْتَحَلُّوهُ فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ سَقْيُ السُّمِّ اسْتَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَوَعِيدُهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْآيَةِ الْقُرْآنِيَّةِ وَنَفْيُ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ شَقَاءٌ مُؤَبَّدٌ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْإِصْرَارِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَالْإِخْبَارُ بِنَحْوِ خُسُوفِ الْقَمَرِ كِهَانَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا خُصُوصًا مَعَ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الْكَشْفِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَتَعَاطَى حِسَابَ سَيْرِ الْقَمَرِ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ شَيْخَهُمْ الْمَهْدِيَّ مُشَاهَدَةُ الْبُطْلَانِ كَمَا شُوهِدَ بُطْلَانُهَا مِنْ شَيْخِ شَيْخِهِمْ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِأَنَّ شَيْخَهُمْ نَبِيٌّ فَقَدْ ارْتَدَّ عَنْ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ وَرَدَ عَلَيَّ سُؤَالٌ مِنْ هَذِهِ الشِّرْذِمَةِ نَصُّهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ طَرِيقَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ هُدَاةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَفْتُونَا سَيِّدِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ - فِي سَدْلِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ مِنْ السُّنَّةِ وَوَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلُهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ أَوْ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مِنْ السُّنَّةِ فَاتَّبَعَهُ الْفُقَهَاءُ وَذَكَرُوا كَرَاهَةَ الْقَبْضِ فِي الْفَرْضِ أَمْ لَهُمْ دَلِيلٌ وَهَلْ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَفِي حَالَةِ مَرَضِهِ يَكُونُ حِينَئِذٍ حُجَّةً وَيُعْمَلُ بِهِ وَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ أَفِيدُونَا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ قَاطِعٍ وَحُجَّةٍ شَافِيَةٍ وَلَكُمْ النِّعْمَةُ الضَّافِيَةُ فِي الْجِنَانِ مَعَ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَصَرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالطَّرِيقَةَ الْمُنْجِيَةَ الْمُرْضِيَةَ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ذَوِي الرُّتَبِ الْعَلِيَّةِ وَأَبْقَاهَا بِفَضْلِهِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَجَعَلَ مُقَلِّدِيهِمْ ظَاهِرِينَ مَعْزُوزِينَ أَهْلَ سُنَّةٍ وَجَمَاعَةٍ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْقَائِلِ «إذَا ظَهَرَتْ الْفِتَنُ أَوْ الْبِدَعُ وَسُبَّتْ أَصْحَابِي فَلْيُظْهِرْ الْعَالِمُ عِلْمَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» . وَالْقَائِلُ «إذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَمَنْ كَتَمَ حَدِيثًا فَقَدْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيَّ» . وَالْقَائِلُ أَيْضًا «مَا ظَهَرَ أَهْلُ بِدْعَةٍ إلَّا أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِمْ حُجَّةً عَلَى لِسَانِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ» وَالْقَائِلُ أَيْضًا «أَهْلُ الْبِدَعِ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» وَالْقَائِلُ أَيْضًا «أَصْحَابُ الْبِدَعِ كِلَابُ النَّارِ» وَالْقَائِلُ أَيْضًا «مَنْ وَقَّرَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الْإِسْلَامِ» وَالْقَائِلِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَلَاةً وَلَا صَوْمًا وَلَا صَدَقَةً وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ» وَالْقَائِلُ «إذَا مَاتَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَقَدْ فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ» . وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ الْمُنْحَصِرِينَ فِي مُقَلِّدِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَرْكَانِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ فَاعْلَمْ أَنَّ سَدْلَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ بِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى جَوَازِهِ فِيهَا وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ عِنْدَ مُقَلِّدِيهِمْ حَتَّى صَارَ كَالْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ وَآخِرُ فِعْلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ فِعْلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ فَالْحَدِيثُ الَّذِي خَرَّجَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّ أَمْرَهُمْ بِالْوَضْعِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْدُلُونَ وَإِلَّا كَانَ أَمْرًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ عَبَثٌ مُحَالٌ عَلَى الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَادُوا السَّدْلَ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ إلَّا لِرُؤْيَتِهِمْ فِعْلَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ وَأَمَرَهُمْ بِهِ بِقَوْلِهِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ آخِرَ فِعْلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ اسْتِمْرَارُ عَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَعْرِفُهُ يَعْنِي الْوَضْعَ فِي الْفَرِيضَةِ إذْ لَا يَجُوزُ جَهْلُهُمْ بِآخِرِ حَالَيْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُخَالَفَتِهِ لِمُلَازَمَتِهِمْ لَهُ وَلِضَبْطِ أَحْوَالِهِ وَاتِّبَاعِهِ فِيهَا فَلِذَا ضَمَّ مَالِكٌ عَمَلَهُمْ لِلْآيَةِ الْمُحْكَمَةِ، وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّالِمِ مِنْ مُعَارَضَةِ الْعَمَلِ لَهُ وَالْإِجْمَاعِ، وَجَعَلَ الْأَرْبَعَةَ أُصُولَ مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فِي الْفَرِيضَةِ فَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ وَنَدْبِهِ وَإِبَاحَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ثُبُوتِ فِعْلِهِ وَالْأَمْرِ بِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَائِلُونَ بِنَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ

وَتَحْصُلُ فِيهِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ بَيَّنَهَا الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ وَحُجَّتُهُ فِيهَا تَرْكُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُ وَاسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى السَّدْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ حُكْمِ الْقَبْضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فَهُوَ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ الرَّسُولُ الْأَعْظَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْرِيَّةِ وَأَنَّهُ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إمَامَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَضَبْطِهِ وَدِيَانَتِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلَاحِهِ وَاتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ مَا يُخَالِفُهَا وَقَدْ تَلَقَّى الْأَئِمَّةُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ قَائِلِينَ وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهِيَ الْأَشْهَرُ عِنْدَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهِيَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا يُعَضِّدُهَا أَنَّ الْقَبْضَ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَوَجْهُهَا مَعَ وُرُودِ ذَلِكَ فِي فِعْلِ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوْنُ مُرَاعَاةِ الْمُصَلِّي دَوَامَهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ يُشْغِلُهُ غَالِبًا عَنْ مُرَاعَاةِ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَكَانَ إرْسَالُهُمَا مَعَ كَمَالِ الْإِقْبَالِ وَالْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ هَيْئَةٍ مِنْ الْعِيَانِ فَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَعَ الْقَبْضِ فَإِرْسَالُ يَدَيْهِ بِجَنْبَيْهِ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ: وَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ انْتَهَى. وَمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ كَانَ وَضْعُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ أَوْلَى وَبِذَلِكَ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ بَانَ لَكَ أَنَّ السَّائِلَ عَكَسَ الْأَمْرَ بِتَسْلِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالتَّوَقُّفِ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الضَّرُورِيِّ وَإِنْكَارِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَنَاقَضَ وَأَسَاءَ الْأَدَبَ إسَاءَةً يَسْتَحِقُّ بِهَا تَكْلِيفَهُ بِمَضْغِ لِسَانِهِ، وَرَضِّ بَنَانِهِ. أَمَّا التَّنَاقُضُ فَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً جَعَلَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ طَرِيقَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُفِيدَانِ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ الضَّالِّينَ ثُمَّ نَاقَضَهُ بِقَوْلِهِ وَجَعَلَ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ هُدَاةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ أَوْ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ إذْ لَمَّا وَجَدَ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ الْهَادِينَ خَوَّنَهُمْ وَتَرَدَّدَ بَيْنَ تَجْهِيلِهِمْ وَتَفْسِيقِهِمْ ثُمَّ نَاقَضَ هَذَا بِسُؤَالِهِ وَاسْتِفْتَائِهِ مِمَّنْ لَا يُسَاوِي التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ نِعَالُ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَمَّا إسَاءَتُهُ الْأَدَبَ فَفِي قَوْلِهِ أَوْ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَاتَّبَعَهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ الْهَادِينَ وَأَنَّهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ وَمُجَرَّدِ هَوَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ لِدَلِيلٍ وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ بَعْدَهُ يَتَّبِعُونَهُ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ وَمَنْ بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى وَأَنَّ أَمْرَهُمْ دَائِرٌ بَيْنَ الْجَهْلِ، وَقِلَّةِ الدِّينِ وَكَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ»

وَقَوْلُهُ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَقَوْلُهُ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ بِالْمَغْرِبِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» أَوْ كَمَا قَالَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهَذِهِ الْإِسَاءَةُ سَارِيَةٌ لِجَمِيعِ الْأَئِمَّةِ الْقَابِلِينَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ حَنَفِيَّةٌ وَمَالِكِيَّةٌ وَشَافِعِيَّةٌ وَحَنْبَلِيَّةٌ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْإِسَاءَةَ فِي حَقِّ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحْدَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ فَكَيْفَ بِالْإِسَاءَةِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ مَنْ تَبِعَهُ فَكَيْفَ بِهَا فِي حَقِّهِمْ وَحَقِّ مَنْ أَقَرَّهُمْ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ هُنَا إلَّا مَحْضُ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَضْعَ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الْفَرِيضَةِ وَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ لِطُولِ الْقِيَامِ يُعِينُ بِهِ نَفْسَهُ انْتَهَى. فَالْإِسَاءَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَالِكٍ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ حَدِيثُ «يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ» وَحَدِيثُ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَوْ كَمَا قَالَ وَحَدِيثُ الْقَبْضِ إنَّمَا تَلَقَّاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ يَدَيْ مَالِكٍ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مُوَطَّئِهِ وَمَعَ ذَلِكَ حَكَمَ بِكَرَاهَتِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى كُلِّ مَا يُخَالِفُهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ فَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ لِمَحْضِ هَوَى نَفْسِهِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَنَزُّهِهِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ وَحَمْلِهِمْ حَدِيثَ عَالِمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ إلَى وَقْتِنَا هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ نَسْخِ الْحَدِيثِ وَرَجَعَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ إلَى السَّدْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ لَا أَعْرِفُهُ يَعْنِي الْقَبْضَ مِنْ عَمَلِ التَّابِعِينَ فَكَانَ غَرَضُ ذَوِي النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ الْقَدْحَ فِي مَالِكٍ إمَامِ الْأَئِمَّةِ حَدِيثًا وَفِقْهًا وَعَمَلًا، وَوَرَعًا بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْقَدْحَ فِيهِ لَا يُسْمَعُ وَيَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْوَبَالِ فَجَعَلُوا ابْنَ الْقَاسِمِ سُلَّمًا لِذَلِكَ ظَنًّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لِغَالِبِ النَّاسِ وَأَنَّ الْقَدْحَ فِيهِ يُسْمَعُ كَلًّا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَقَرِينُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَدَرَجَتُهُ قَرِيبَةٌ مِنْ دَرَجَةِ مَالِكٍ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ النَّخَعِيِّ لَوْ رَأَيْتُ الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعِ لِتَوَضَّأْت إلَيْهِ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا إلَى الْمَرَافِقِ فَكَذَلِكَ أَقُولُ لَمَّا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْرَهُ الْقَبْضَ فِي الْفَرِيضَةِ تَرَكْته وَلَوْ كَانَ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ الِاقْتِصَارُ عَلَى حَدِيثِ الْأَمْرِ بِهِ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْحَبِيبِ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْغَضُ النَّاسِ إلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهْرِيقَ دَمَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَرْعَوُنَّ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ أَنْ تَذْكُرُوهُ فَاذْكُرُوهُ يَعْرِفْهُ النَّاسُ» رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَرْعَوُنَّ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ مَتَى يَعْرِفُهُ النَّاسُ اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ» رَوَاهُ ابْنُ

أَبِي الدُّنْيَا وَالْحَكِيمُ وَالْحَاكِمِ وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنِ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْسَرُ النَّاسِ صَفْقَةً رَجُلٌ أَخْلَقَ يَدَيْهِ فِي آمَالِهِ وَلَمْ تُسَاعِدْهُ الْأَيَّامُ عَلَى أُمْنِيَّتِهِ فَخَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا بِغَيْرِ زَادٍ وَقَدِمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ» رَوَاهُ ابْنُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي ثَلَاثًا زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَالتَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. (مَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ الذَّابِّينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ كُلَّ زَائِغٍ وَآفِكٍ) فِي رَجُلٍ ظَهَرَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ إلَى نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ يَنْزِلُونَ بِأَطْرَافِ الْبِلَادِ وَيَحُثُّونَ النَّاسَ عَلَى تَعْظِيمِ شَيْخِهِمْ وَالدُّخُولِ فِي طَرِيقَتِهِ وَيُبَالِغُونَ فِي الْأَدَبِ مَعَهُ زِيَادَةً عَمَّا يَفْعَلُهُ الْأَعْوَانُ مَعَ الْمُلُوكِ حَتَّى إنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَكَرُّرِ الِاسْتِئْذَانِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ طَرِيقَ الْقَوْمِ كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْوَافِدِينَ إلَيْهِ لَا يَشْهَدُونَ مَعَهُ صَلَاةً فِي جَمَاعَةٍ وَكُلَّمَا أَقَامَ بِبَلَدٍ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ بِهَا لَا يَحْضُرُ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَوْلًا وَكُلَّمَا أَتَتْهُ طَائِفَةٌ يَقُولُ لَهُمْ تَوَجَّهُوا إلَى فُلَانٍ يُعْطِكُمْ الْوِرْدَ فَيَكْتُبُ لَهُمْ ذِكْرًا مَخْصُوصًا بِبِطَاقَةٍ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ، وَيَقُولُ لَهُ الْزَمْ مَقَامَك الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ جَابِيًا لِلْمُكُوسِ فَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ مُنْكَرٍ أَقَامُوا عَلَيْهِ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ شَاذِلِيَّةٌ وَيَجْهَرُونَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْفَرْضِ وَيَسْكُتُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ سَكْتَةً وَبَعْدَ الْفَاتِحَةِ سَكْتَةً طَوِيلَةً وَيُوجِبُونَ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَيُطِيلُونَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ طُولًا يَخْرُجُ عَنْ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ يُؤَدِّي إلَى افْتِتَانِ الْوَافِدِ عَلَيْهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ وَيَقْنُتُونَ جَهْرًا مَعَ رَفْعِ أَيْدِيهِمْ وَيَقُولُونَ فِطْرُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِهِ فِيهِ وَيَجْمَعُونَ الصَّلَاةَ وَيُقْصِرُونَهَا حَالَ إقَامَتِهِمْ فِي بَلَدٍ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ وَلَوْ طَالَتْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مَالِكِيَّةٌ وَالْتَبَسَ الْأَمْرُ عَلَى الْعَوَامّ حَتَّى ظَنُّوا كُلَّ الظَّنِّ بِعُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ الْكِتْمَانَ أَوْ الْجَهْلَ بِقَوَاعِد الْمَذْهَبِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الْوَارِدَةُ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهَا بِدْعِيٌّ وَبَعْضُهُمْ إذَا دَخَلَ الصَّلَاةَ يَصِيحُ وَلَا يُفِيقُ حَتَّى يُتِمَّ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ وَيُصَلُّونَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ فُرُوضًا وَيَقُولُونَ لَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ إلَّا نَاقِضُ الْوُضُوءِ وَيُوجِبُونَ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ وَغَالِبُ أَتْبَاعِهِ الْأُمَرَاءُ وَالْوُجَهَاءُ وَأَعْوَانُهُمْ وَلَا يَنْزِلُونَ إلَّا عَلَى مَشَايِخِ الْعُرْبَانِ وَمَنْ تَحَقَّقَ تَحْرِيمَ مَالِهِ وَاسْتِغْرَاقَ ذِمَّتِهِ وَيَأْكُلُونَ وَيَتَزَوَّدُونَ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ وَمَنْ تَعَفَّفَ عَنْ ذَلِكَ يَقُولُونَ لَهُ إنَّك لَمْ تَبْلُغْ مَا بَلَغَ الشَّيْخُ وَأَتْبَاعُهُ فَيَا عُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ بَيَانَ الْحَقِّ وَإِيضَاحَ الشَّرِيعَةِ وَالرَّدَّ عَلَى كُلِّ آفِكٍ مُغْتَرٍّ فَبَيِّنُوا لَنَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الطَّرِيقَةِ وَالْإِمَامُ مَالِكٍ وَلَا تَسْتَدِلُّوا لَنَا إلَّا بِمَشْهُورِهِ وَخَاطِبُوا بِذَلِكَ الْأُمَرَاءَ

وَالْعَامَّةَ وَأَوْجِزُوا فِي الْجَوَابِ، فَلَعَلَّ اللَّهَ بِأَنْفَاسِكُمْ يُلْهِمُ لِطَرِيقِ الصَّوَابِ بِجَاهِ النَّبِيِّ الْأَوَّابِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مُصْطَفَى الْبُولَاقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا التَّحَجُّبُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ شَأْنُ جَبَابِرَةِ الظَّلَمَةِ وَدَعْوَى أَنَّ طَرِيقَةَ الصُّوفِيَّةِ هَكَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ وَافْتِرَاءٌ إنَّمَا طَرِيقُ الْقَوْمِ كَمَالُ الْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُجَاهَدَةُ النُّفُوسِ فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ وَقَدْ كَانَ سَيِّدُ الْمُتَوَاضِعِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - يَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الْوُصُولَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ حَتَّى الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَيَجْلِسُ مَعَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْكَارُ هَذَا الْأَمْرِ عِنَادٌ وَطَرِيقُ الْقَوْمِ لَا تَخْرُجُ عَنْ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ وَلَوْ خَرَجُوا لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ مُتَابَعَتُهُمْ وَمَا الْإِسْلَامُ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَكُلُّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِوُجُوبِهَا فَعَدَمُ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَعْظَمُ مَا يُقْدَحُ بِهِ فِي كَوْنِهِ صُوفِيًّا وَعَدَمُ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي الْبَلَدِ الْإِقَامَةَ الطَّوِيلَةَ فُسُوقٌ وَمَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ لَوْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ مَعَ النَّاسِ مَا هَذَا إلَّا حِرْمَانٌ مِنْ الْخَيْرِ وَسُقُوطٌ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ وَأَمْرُ عَوَامِّ النَّاسِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إذْ مُرَادُهُ تَرْكُ الْمَذَاهِبِ الْمُتَّبِعَةِ وَأَخَذَ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهَذَا ضَلَالٌ وَالْأَمْرُ بِهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْجَهْلِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ النُّصُوصَ مِنْهَا الْمَنْسُوخُ وَمِنْهَا الْمَرْدُودُ لِطَعْنٍ فِي رُوَاتِهِ وَمِنْهَا مَا عَارَضَهُ أَقْوَى مِنْهُ فَتُرِكَ وَمِنْهَا الْمُطْلَقُ فِي مَحَلٍّ وَقَدْ قُيِّدَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَمِنْهَا الْمَصْرُوفُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ وَمِنْهَا وَمِنْهَا وَلَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ إلَّا الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ وَأَعْظَمُ مَا حُرِّرَ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ مَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِكَثْرَةِ الْمُحَقِّقِينَ فِيهَا مَعَ سَعَةِ الِاطِّلَاعِ وَطُولِ الْبَاعِ فَالْخُرُوجُ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ ضَلَالٌ وَالْأَمْرُ بِهِ جَهْلٌ وَعِصْيَانٌ وَوَاجِبٌ تَقْلِيدُ حَبْرٍ مِنْهُمْ وَالْأَمْرُ لِكُلِّ أَحَدٍ بِطَرِيقِ الْقَوْمِ خُرُوجٌ عَنْ مَنْهَجِ السَّادَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ الْعَقَائِدِ أَوَّلًا ثُمَّ تَعَلُّمُ مَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِنْ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ ثُمَّ مَنْ طَلَبَ الطَّرِيقَ وَكَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِذَلِكَ أُخِذَ عَلَيْهِ الْعَهْدُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الرَّجُلَ جَاهِلٌ بِظَوَاهِر الشَّرْعِ فَضْلًا عَنْ الطَّرِيقِ وَمَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ يُحْرَمُ الْوَفَاءَ بِعَهْدِهِ لِأَنَّهُ كَأَخْذِ الدَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ طَبِيبٍ فَرُبَّمَا سَعَى الْإِنْسَانُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَقَوْلُ مُعْطِي الْوَرْدِ الْزَمْ مَقَامَك وَلَوْ كَانَ مَعْصِيَةً وَعَدَمُ اسْتِنَابَتِهِ وَعَدَمُ نَهْيِهِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَرَامٌ وَفَاعِلُهُ مَلْعُونٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78] {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] وَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالسُّكُوتُ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْدَهَا وَإِيجَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ وَإِطَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَالْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي بِأَيْدِينَا فَمَنْ نَسَبَهَا إلَيْهَا فَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَتَفْضِيلُ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ غَنِيٌّ عَنْ الرَّدِّ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَكَأَنَّ شُبْهَتَهُمْ فِيهِ حَدِيثُ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَالْأَئِمَّةُ حَمَلُوهُ عَلَى مَنْ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ لِجَهْلِهِمْ لَمْ يُحْسِنُوا التَّصَرُّفَ فِي الْأَدِلَّةِ فَخَالَفُوا مَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَقَصْرُهُمْ الصَّلَاةَ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ إنْ كَانَ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ أَوْ الْعِلْمُ بِهَا عَادَةً مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ وَصَلَاتُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَاطِلَةٌ وَزَعْمُهُمْ أَنَّهُمْ مَالِكِيَّةٌ مَعَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ لِنُصُوصِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَمْرٌ يُكَذِّبُهُ الْعِيَانُ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ وَعُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ لَمْ يَكْتُمُوا شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ وَلَا جَهِلُوهُ وَمَنْ ظَنَّ بِهِمْ هَذَا الظَّنَّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ ظَنُّ سُوءٍ بِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَاهُمْ هِيَ أَنَّ أَفْعَالَهُمْ هِيَ السُّنَّةُ وَأَنَّ خِلَافَهَا بِدْعَةٌ كَذِبٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ بَاطِلٌ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَعْلَمُ النَّاسِ بِالسُّنَّةِ وَأَهْلُ مَذْهَبِهِ أَشَدُّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَأَفْعَالُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مُخَالِفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَكُتُبُهُمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرَةٌ وَنُصُوصُهُمْ فِي رَدِّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ صَرِيحَةٌ وَمَنْ أَحَبَّ فَلْيُرَاجِعْ وَصِيَاحُ بَعْضِهِمْ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ تَلَاعُبٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَصَلَاةُ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَإِيجَابُ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَكَوْنُ غَالِبِ أَتْبَاعِ هَذَا الرَّجُلِ أَكَابِرَ النَّاسِ وَأَهْلَ الدُّنْيَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَلْبٌ مِنْ كِلَابِ الدُّنْيَا كَاذِبٌ فِي دَعْوَى التَّصَوُّفِ لِأَنَّ غَالِبَ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إنَّمَا هُمْ فُقَرَاءُ النَّاسِ وَضُعَفَاؤُهُمْ وَأَكْلُ الْمَالِ الْخَبِيثِ مَعْصِيَةٌ وَالِاحْتِجَاجُ عَلَى الْمُتَعَفِّفِ بِهَذَا الشَّيْخِ وَأَتْبَاعِهِ أَمْرٌ نَاشِئٌ عَنْ شِدَّةِ الْجَهْلِ وَالِاحْتِجَاجُ إنَّمَا يَكُونُ بِالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِفِعْلِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَإِنَّمَا هُمْ طُلَّابُ دُنْيَا وَفَعَلُوا هَذِهِ الْمُخَالَفَاتِ لِيَتَمَيَّزُوا بِهَا وَيَعْرِفُوا أَوَّلِيَّتَهُمْ إذْ ضَلُّوا تَرَكُوا النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ بِمَذَاهِبِهِمْ وَلَمْ يُضِلُّوهُمْ بِكَذِبِهِمْ عَلَى الْمَذَاهِبِ بَلْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ بِدِينِهِ وَالنَّجَاةَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَشَدَّ التَّبَاعُدِ. وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ قَدْ انْقَطَعَتْ مُنْذُ أَزْمَانٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَحَدٌ مِنْ الَّذِينَ بَلَغُوا دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَحِكَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَلَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَعَلَى فَرْضِ الْوُجُودِ هَلْ يَعْتَقِدُ عَاقِلٌ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ حَتَّى يَتَّبِعَ وَيَتْرُكَ مَا عَلَيْهِ الْأَوَائِلُ وَالْوَاجِبُ عَلَى

مسائل إزالة النجاسة

وُلَاةِ الْأُمُورِ وَكُلِّ مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ أَنْ يَزْجُرَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ إضْلَالِ النَّاسِ وَتَعْطِيلِ الْمَذَاهِبِ الْمُتَّبِعَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرُوا أُخْرِجُوا مِنْ الْبِلَادِ وَأُبْعِدُوا عَنْ الْعِبَادِ لِيَسْتَرِيحَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِمْ وَتَصْلُحَ أَحْوَالُهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] [حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (سُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْحُكْمِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَا الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَلِّي بِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَلِّي بِهَا عَامِدًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَوْلَانِ الْوُجُوبُ وَالسُّنِّيَّةُ، وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ ذَاكِرًا قَادِرًا أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ الرَّمَاصِيُّ وَالْحَطَّابُ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِنُصُوصٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا مَا نَقَلَهُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ أَوْ وُجُوبَ السُّنَنِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّمَكُّنِ لِنَصِّ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْإِزَالَةُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا كَمَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فِي الْوُضُوءِ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ لَعَلَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي تَأْثِيمِ الْعَامِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَعَدَمِ تَأْثِيمِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ قُلْت: صُرِّحَ فِي الْمَعُونَةِ بِأَنَّ الْعَامِدَ آثِمٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ فِي التَّوْشِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَأْثِيمِ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ بِهَا، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ وَاسْتَشْكَلَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ وَعِنْدِي أَنَّ التَّأْثِيمَ فِي السُّنَّةِ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَفِي الْوُجُوبِ

أثر الوشم الذي تعسر إزالته هل يعفى عنه للضرورة

عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ انْتَهَى. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْخِلَافُ حَقِيقِيٌّ وَأَنَّهُ تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي إعَادَةِ الذَّاكِرِ الْقَادِرِ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَاجِبَةٌ أَبَدًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ مَنْدُوبَةٌ أَبَدًا وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ وَتَلَامِذَتُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ غُسْلِ النَّجَاسَةِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِهَا مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَتَأْثِيمِ فَاعِلِ ذَلِكَ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي حُكْمِ الْإِعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ هَلْ هُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْخَلْفُ لَفْظِيٌّ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوُجُوبُ مَعْنَاهُ الْوُجُوبُ الشَّرْطِيُّ الَّذِي تُفْسِدُ مُخَالَفَتُهُ وَالسُّنَّةُ مَعْنَاهَا الْوُجُوبُ غَيْرُ الشَّرْطِيِّ الَّذِي تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ وَلَا تُفْسِدُ الْعِبَادَةَ هَذَا مَا فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَالْمُخَالِفُ فِي هَذَا إنْ كَانَ مُعَانِدًا أُدِّبَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ وَقِيلَ لَهُ إنَّك أَخَذْت لَفْظَ سُنَّةٍ مِنْ قَوْمٍ وَفَسَّرْتهَا بِاصْطِلَاحِ قَوْمٍ آخَرِينَ وَهَذَا غَلَطٌ وَتَخْلِيطٌ وَلَفْظُ سُنَّةٍ يُطْلِقُهُ الْمَالِكِيَّةُ أَحْيَانًا عَلَى مَا يَتَأَكَّدُ طَلَبُهُ وَلَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ وَتَارَةً عَلَى مَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ وَلَا تَفْسُدُ الْعِبَادَةُ بِتَرْكِهِ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا غَالِبًا بِقَوْلِهِمْ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ أَوْ وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا قَوْلُكُمْ فِي اشْتِرَاطِ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ الْقُدْرَةَ فِي وُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ هَلْ يَشْمَلُ الْقُدْرَةَ بِالْغَيْرِ كَحَلِيلَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَلِيلَةً وَمَا ضَابِطُهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْحَطَّابُ فِي الْمَدْخَلِ يَلْزَمُ الرَّجُلَ الَّذِي لَا تَصِلُ يَدُهُ إلَى مَوْضِعِ اسْتِنْجَائِهِ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِتَوَلِّيهِ شِرَاءَ جَارِيَةٍ لِذَلِكَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَصِلُ يَدُهَا لِذَلِكَ يَسْقُطُ الِاسْتِنْجَاءُ عَنْهَا إنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ زَوْجُهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْهُ وَالنَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ الَّتِي لَا يُعْفَى عَنْهَا قَلِيلُهَا كَكَثِيرِهَا. قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ غُسْلُ الْبَوْلِ وَلَوْ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ وَاَلَّذِي يُعْفَى عَنْهَا لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا يُنْدَبُ غُسْلُ مُتَفَاحِشِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَثَرِ الْوَشْمِ الَّذِي تَعْسُرُ إزَالَتُهُ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ] مَا قَوْلُكُمْ فِي أَثَرِ الْوَشْمِ الَّذِي تَعْسُرُ إزَالَتُهُ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَالْوِشَامُ مُخْتَلِطٌ بِدَمٍ وَالْمُتَجَسِّدُ لُمْعَةٌ فَإِنْ عَسُرَ فَعَفْوٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مسائل الاستبراء

[مَسَائِلُ الِاسْتِبْرَاءِ] [دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَحَسَّ بِبَوْلٍ فِي قَصَبَةِ ذَكَرِهِ] ِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَحَسَّ بِبَوْلٍ فِي قَصَبَةِ ذَكَرِهِ بِحَيْثُ إذَا تَنَزَّهَ بَرَزَ وَاسْتَمَرَّ بَقِيَّةَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيهِ وَهَكَذَا حَالُهُ فَهَلْ هَذَا سَلَسٌ مُغْتَفَرٌ فَلَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ مِنْهُ ثَانِيًا وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ هَذَا النَّازِلُ بَقِيَّةَ بَوْلٍ اخْتِيَارِيٍّ فَلَيْسَ سَلَسًا فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَوُضُوءُهُ قَبْلَهُ بَاطِلٌ إذْ شَرْطُهُ عَدَمُ الْمُنَافِي وَهُوَ مَوْجُودٌ إذْ السَّلَسُ خَارِجٌ ابْتِدَاءً بِلَا اخْتِيَارٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ حَبْسُهُ وَإِنْ كَانَ كَذَا فَسَلَسٌ فَإِنْ فَارَقَ أَكْثَرَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَحَسَّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بِنُقْطَةِ مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ أَوْ بَوْلٍ انْفَصَلَتْ إلَى قَصَبَةِ ذَكَرِهِ وَلَمْ تَبْرُزْ وَبَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ سَلَتَ ذَكَرَهُ وَنَتَرَهُ فَبَرَزَتْ فَهَلْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ لِلْقَصَبَةِ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَلِذَا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا إذَا لَازَمَهُ ذَلِكَ كُلَّ الزَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ نِصْفَهُ. فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّنْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيُحِسُّ بَلَلًا فَيَقْطَعُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ هَذَا فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَيَقْطَعُ فَيَجِدُ الْبَلَلَ كَيْفَ يَصْنَعُ وَهَلْ يُجْزِئُهُ التَّمَادِي عَلَى الشَّكِّ ثُمَّ يَخْتَبِرُ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَالَ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَسْتَبْرِئُ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى شَكِّهِ وَظَهَرَتْ السَّلَامَةُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَغَيْرُهُ يَرَى إعَادَتَهَا. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ الْمَاءِ وَتَوَضَّأَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ سَارَ إلَيْهَا فَوَجَدَ نُقْطَةً هَابِطَةً فَفَتَّشَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا أَوْ لَمْ يَجِدْهَا فَأَجَابَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَنْكَحَهُ ذَلِكَ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. [مَسَحَ ذَكَرَهُ مِنْ الْبَوْلِ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا] قَالَ وَسُئِلَ رَبِيعَةُ عَمَّنْ مَسَحَ ذَكَرَهُ مِنْ الْبَوْلِ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ بَلَغَ مِحْنَتَهُ وَأَدَّى فَرِيضَتَهُ أَيْ إذَا اسْتَنْكَحَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا نُقِضَ وُضُوءُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهَا سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يَسْتَنْجِي وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَهْبِطُ مِنْهُ نُقْطَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَقُومُ وَيَقْعُدُ وَيَهُزُّ نَفْسَهُ حَتَّى

مسألة من مسائل مسح الخف

تَهْبِطَ أَمْ لَا؟ جَوَابُهَا: لَا يَنْبَغِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا وَشَبَهَهُ مِنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ فَإِذَا لَمْ يَعْبَأْ بِهِ انْقَطَعَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْت: هَذَا إنْ كَانَ يَتَخَيَّلُ ذَلِكَ وَيَجِدُهُ تَارَةً وَلَا يَجِدُهُ أُخْرَى فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَقُومَ وَيَقْعُدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ. ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ الْجَوْزِيُّ فِي تَلْبِيسِ إبْلِيسَ أَنَّهُ إذَا يَئِسَ مِنْ فِتْنَةِ الْعِبَادِ أَتَاهُمْ مِنْ حَيْثُ دِينُهُمْ فَيُشَكِّكُهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ جُلُّ وَقْتِهِ وَهُوَ فِي عِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ وَرُبَّمَا أَخْرَجَتْهُمْ الْوَسْوَسَةُ إلَى تَرْكِ الْعِبَادَةِ أَوْ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا وَيَنْتَظِرُونَ انْقِطَاعَ الْمَادَّةِ مَعَ الطُّولِ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْبَوْلَ يَتَرَشَّحُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا تَزَالُ مَادَّتُهُ مُتَّصِلَةً. وَقَدْ شَاهَدْتُ وَسَمِعْتُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِجُمْلَةٍ مِنْ الصَّالِحِينَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ حَتَّى يَأْخُذَ أَكْثَرَ الْوَقْتِ وَإِذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ سَلَّمَ وَأَحْرَمَ، وَهَكَذَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى قُرْبِ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى طُلُوعِهَا بِالْفِعْلِ. وَرَأَيْت رَجُلًا غَسَلَ ذِرَاعَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً وَأَنَا وَآخَرُ نَنْظُرُ إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ أَدَّيْت مَا عَلَيْك وَنَحْنُ نَشْهَدُ لَك عِنْدَ اللَّهِ أَنَّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْك شَيْءٌ فَقَالَ لَا أَثِقُ بِشَهَادَتِكُمَا لِأَنِّي لَا أَثِقُ بِنَفْسِي فَكَيْفَ بِغَيْرِي فَهَذَا وَشَبَهُهُ مُبْتَلًى أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَنِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ مَسْحِ الْخُفِّ] [مَسْحِ الْخُفِّ الْمُزَرَّرِ بِحَدِيدٍ] مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ مَسْحِ الْخُفِّ (مَا قَوْلُكُمْ فِي مَسْحِ الْخُفِّ الْمُزَرَّرِ بِحَدِيدٍ) ؟ فَأَجَبْت عَنْهُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَصَّ شَارِحُو الْمُخْتَصَرِ عَلَى صِحَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ الْمُزَرَّرِ وَأَطْلَقُوا وَلَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَ أَزْرَارَهُ بِكَوْنِهَا غَيْرَ حَدِيدٍ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ جَوَازُ مَسْحِ مَا أَزْرَارُهُ حَدِيدٌ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ مَسْحِهِ وَهُوَ أَحْكَمُ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مِنْ أَزْرَارِهِ إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ جِدًّا وَقَدْ نَصُّوا عَلَى اغْتِفَارِهِ وَعَلَى أَنَّ مَسْحَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَعَلَى كَرَاهَةِ تَتَبُّعِ غُضُونِهِ وَتَجْدِيدِ الْبَلَلِ إنْ جَفَّتْ يَدُهُ قَبْلَ تَكْمِيلِ مَسْحِ الرَّجُلِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ بَقِيَ ثُلُثُهَا أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَهَلْ يَبْلُغُ الظَّاهِرُ مِنْ أَزْرَارِ الْحَدِيدِ قَدْرَ ثُلُثِ الرَّجُلِ لَا وَلَا قَدْرَ رُبْعِ عُشْرِهَا مَا هُوَ إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ جِدًّا مُغْتَفَرٌ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مسائل الوضوء

[مَسَائِلُ الْوُضُوءِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْوُضُوءِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ يَتَوَضَّأُ بِنَحْوِ خَمْسَةِ أَبْرِقَةٍ زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْهَا وَأَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تَعْتَرِي إلَّا الصَّالِحِينَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةً أَنَّ السُّنَّةَ تَقْلِيلُ الْمَاءِ وَإِحْكَامُ الْغَسْلِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِمُدٍّ وَاغْتَسَلَ بِصَاعٍ وَأَنَّهُ تَوَضَّأَ بِنِصْفِ مُدٍّ» . وَقَالَ مَالِكٌ رَأَيْت عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحَ الْفَقِيهَ الْفَاضِلَ يَجْعَلُ فِي الْقَدَحِ قَدْرَ ثُلُثِ مُدِّ هِشَامٍ وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيَفْضُلُ مِنْهُ وَيُصَلِّي فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ فَبَانَ بُطْلَانُ زَعْمِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا زَعْمُهُ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تَعْتَرِي إلَّا الصَّالِحِينَ فَقَالَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ لَكِنْ قَالُوا لَا تَدُومُ إلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ مُهَوَّسٍ. قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: الْوَسْوَسَةُ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ: لَا تَعْتَرِي الْوَسْوَسَةُ إلَّا صَادِقًا لِأَنَّهَا تَحْدُثُ مِنْ التَّحَفُّظِ فِي الدِّينِ وَلَا تَدُومُ إلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ مُهَوَّسٍ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَا اتِّبَاعٌ لِلشَّيْطَانِ وَآفَاتُ الْوُضُوءِ الْإِكْثَارُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا اتَّكَلَ عَلَيْهِ، وَتَرَكَ الدَّلْكَ وَأَنَّهُ يُبْطِئُ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرُهَا وَأَنَّهُ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ مِمَّنْ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ أَوْ غَيْرَهَا وَأَنَّهُ يَعْتَادُ ذَلِكَ فَلَا تُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَسَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْغُسْلِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْغُسْلِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي لَائِطٍ بَالِغٍ لَمْ يُنْزِلْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَهَلْ عَلَى مَلُوطِهِ غُسْلٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

الرجل المجبوب إذا ساحق امرأة وأنزل ماء أصفر أو دما بلذة معتادة فهل يجب عليه الغسل

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ إنْ أَطَاقَ مَلُوطُهُ وَعَلَيْهِ أَيْضًا إنْ بَلَغَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ إذَا اغْتَسَلَ بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ سَاخِنٍ يَمْرَضُ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَيْفٍ أَوْ شِتَاءٍ فَهَلْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ دَائِمًا وَلَا يَتَوَضَّأُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ يَمْرَضُ مِنْ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ جَسَدِهِ بِالْمَاءِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ غَسْلِ مَا عَدَا عُضْوًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَا دَامَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ وُجُوبًا إنْ خَافَ هَلَاكًا أَوْ أَذًى شَدِيدًا كَتَلَفِ حَاسَّةٍ وَجَوَازًا إنْ خَافَ مَرَضًا خَفِيفًا وَنَدْبًا إنْ خَافَ مَرَضًا شَدِيدًا مَأْمُونَ الْعَاقِبَةِ أَمَّا إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِ عُضْوَيْنِ فَأَكْثَرَ وَيَخَافُ الْمَرَضَ مِنْ غَسْلِ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَمْسَحُ الْبَاقِيَ مُبَاشَرَةً إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهَا الْمَرَضَ فَإِنْ خَافَ مِنْهَا فَعَلَى حَائِلٍ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الرَّجُلِ الْمَجْبُوبِ إذَا سَاحَقَ امْرَأَةً وَأَنْزَلَ مَاءً أَصْفَرَ أَوْ دَمًا بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الرَّجُلِ الْمَجْبُوبِ إذَا سَاحَقَ امْرَأَةً وَأَنْزَلَ مَاءً أَصْفَرَ أَوْ دَمًا بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ لَا لِعَدَمِ وُجُودِ مُوجِبٍ مِنْ مُوجِبَاتِهِ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْمَنِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَفِي قَائِمِ الذَّكَرِ مَقْطُوعِ الْأُنْثَيَيْنِ إذَا احْتَلَمَ وَأَنْزَلَ مَاءً أَصْفَرَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوَّلًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ مُوجِبِهِ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ يَقِظَةً بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ وَنَوْمًا مُطْلَقًا وَكَوْنُهُ أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَنِيِّ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ خَوَاصُّ الْمَنِيِّ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى: الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُورِ عَقِبَهُ. الثَّانِيَةُ: الرَّائِحَةُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ. الثَّالِثَةُ: الْخُرُوجُ بِتَدَفُّقٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا انْفَرَدَتْ اقْتَضَتْ كَوْنَهُ مَنِيًّا فَإِنْ فُقِدَتْ كُلُّهَا فَلَيْسَ بِمَنِيٍّ اهـ. أَفَادَهُ الْحَطَّابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ التَّيَمُّمِ] [مُقِيمٍ بِبَادِيَةٍ صَحِيحٍ لَا يَجِدُ مَاءً لِلْوُضُوءِ غَالِبًا هَلْ يَتَيَمَّمُ لِلنَّفْلِ اسْتِقْلَالًا] مَسَائِلُ التَّيَمُّمِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُقِيمٍ بِبَادِيَةٍ صَحِيحٍ لَا يَجِدُ مَاءً لِلْوُضُوءِ غَالِبًا هَلْ يَتَيَمَّمُ لِلنَّفْلِ اسْتِقْلَالًا وَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَإِلَّا تَعَطَّلَ عَلَيْهِ النَّفَلُ غَيْرُ التَّابِعِ لِلْفَرْضِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِلْمُقِيمِ بِالْبَادِيَةِ التَّيَمُّمُ لِلنَّفْلِ اسْتِقْلَالًا إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً كَافِيًا لِلطَّهَارَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ وَلَوْ جُنُبًا لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُسَافِرِ لَا بِالْحَاضِرِ.

دخل عليه وقت الصلاة ومعه رفقة معهم ماء يعطونه مجانا بكلفة

[دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ مَعَهُمْ مَاءٌ يُعْطُونَهُ مَجَّانًا بِكُلْفَةٍ] مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ مَعَهُمْ مَاءٌ يُعْطُونَهُ مَجَّانًا بِكُلْفَةٍ وَلَوْ لِلشُّرْبِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ مِنْهُمْ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: إنْ كَانَتْ الْكُلْفَةُ بِامْتِنَانٍ ظَاهِرٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ تَكَرُّهٍ وَاسْتِثْقَالٍ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ مِنْهُمْ كَمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [قَامَ مِنْ النَّوْمِ وَالْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ الصَّلَاةَ فَقَطْ أَوْ الْوُضُوءَ فَقَطْ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ وَالْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ الصَّلَاةَ فَقَطْ أَوْ الْوُضُوءَ فَقَطْ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ أَنَّ الشَّخْصَ الصَّحِيحَ الْوَاجِدَ لِلْمَاءِ الْكَافِي لِطَهَارَتِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ وُضُوءًا كَانَتْ أَوْ غُسْلًا إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي مُجَرَّدِ الْفَرَائِضِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ مُحَافَظَةً عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا إذْ لَا بَدَلَ لِلْوَقْتِ وَالطَّهَارَةُ الْمَائِيَّةُ لَهَا بَدَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْأَذَانِ] [الدُّعَاءِ حَالَ الْأَذَانِ] مَسَائِلُ الْأَذَانِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الدُّعَاءِ حَالَ الْأَذَانِ هَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضٌ أَنَّهُ يُورِثُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هُوَ مَطْلُوبٌ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ وَالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ فِرْيَةٌ مَا فِيهَا مِرْيَةٌ فَفِي مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَكُلُّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» اهـ. فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ ثُمَّ قَالَ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. وَقَاعِدَةُ الْبُخَارِيِّ إفَادَةُ الْحُكْمِ بِالتَّرْجَمَةِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «شَيْئَانِ مَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ فِيهِمَا الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يَلْتَحِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ» اهـ. وَفِي حِلْيَةِ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مَا دَعَا فِيهِنَّ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ أَوْ مَأْثَمًا حِينَ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ حَتَّى يَسْكُتَ وَحِينَ يَلْتَقِي الصَّفَّانِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، وَحِينَ يَنْزِلُ الْمَطَرُ حَتَّى يَسْكُنَ» اهـ. وَقَالَ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ الْكَلَامَ حَالَ الْأَذَانِ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فَكَيْفَ يَكُونُ الدُّعَاءُ مُورِثًا سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ قَالَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِسَالَتِهِ نَصِيحَةُ الْأَخْوَالِ بِاجْتِنَابِ الدُّخَانِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ: حَدَثَ أَيْ الدُّخَانُ فِي آخِرِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَأَوَّلُ مَنْ جَلَبَهُ لِأَرْضِ الرُّومِ الْإِنْكِلِيزُ وَلِأَرْضِ الْمَغْرِبِ يَهُودِيٌّ زَعَمَ أَنَّهُ حَكِيمٌ ثُمَّ جُلِبَ إلَى مِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْهِنْدِ وَغَالِبِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ بِهِ مِصْرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَارِجِيُّ سَفَّاكُ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمُهِينُ أَشْرَافِ مُلُوكِ الْمَغْرِبِ وَكَانَ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ الْعَارِفِينَ الْمُسْلَكِينَ وَهُوَ مَخْدُوعٌ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَزَائِمِ وَالِاسْتِخْدَامَات وَالسُّخْرِيَاتِ فَعَلَى الْفِتْنَةِ عَاشَ وَعَلَيْهَا مَاتَ وَسُئِلَ عَنْهُ أَيْ الدُّخَانُ شَيْخُنَا وَقُدْوَتُنَا الْعَلَّامَةُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ فَأَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى فَتْوَاهُ بِهِ إلَى مَوْتِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالرُّشْدِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ السُّودَانِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ ظَهَرَتْ أَوْرَاقُ شَجَرٍ فِي تنبكتو وَابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِحَرْقِهَا وَشُرْبِ دُخَانِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ زَاعِمِينَ أَنَّهَا دَوَاءٌ لِكُلِّ دَاءٍ وَاسْتَعْمَلَهَا خَاصَّتُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ وَسَلَاطِينُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ وَغَلَتْ أَثْمَانُهَا وَهَذَا مِنْ غِشِّ الشَّيْطَانِ وَتَلْبِيسِهِ وَتَزْيِينِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ تَكَاثُفِ دُخَانِهَا فِي أَجْوَافِهِمْ أَمْرَاضٌ وَعِلَلٌ، وَقَالَ جَالِينُوسُ اجْتَنِبُوا ثَلَاثَةً وَعَلَيْكُمْ بِأَرْبَعَةٍ وَلَا حَاجَةَ لَكُمْ إلَى الطَّبِيبِ اجْتَنِبُوا الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ وَالنَّتِنَ وَعَلَيْكُمْ بِالدَّسَمِ وَالطِّيبِ وَالْحَلْوَى وَالْحَمَامِ اهـ. وَتَكْرَارُ الدُّخَانِ يُسَوِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْحَرَارَةُ فَتَكُونُ دَاءً مُزْمِنًا مُهْلِكًا فَيَشْمَلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَأَفْتَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الرُّومِ بِتَحْرِيمِهِ وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً قَالَ فِي أَوَّلِهَا قَدْ أَنْكَرَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَشَدَّ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ أَمْرًا وَابْتَدَعَ مَا لَمْ يَعْهَدُوهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ صَغُرَ ذَلِكَ أَوْ كَبُرَ كَانَ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَوْ فِي الْعِبَادَاتِ اللَّقَانِيُّ هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي دُخُولِ الْبِدَعِ الْعَادِيَاتِ ثُمَّ قَالَ وَمَبْدَأُ خُرُوجِ الدُّخَانِ مِنْ أَرْضِ النَّصَارَى الْإِنْكِلِيزُ اسْتَعْمَلُوهُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ فَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ فَقَدْ أَحْيَا سُنَّتَهُمْ وَقَوَّى بِدْعَتَهُمْ وَهُوَ لَا شِفَاءَ فِيهِ أَصْلًا وَضَرَرُهُ مُشَاهَدٌ فِي أَكْثَرِ مُسْتَعْمِلِيهِ

وَأَدْنَى ضَرَرِهِ إفْسَادُهُ الْعَقْلَ وَالْبَدَنَ وَتَلْوِيثَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ الْمَأْمُورِ بِتَنْقِيَتِهَا شَرْعًا وَعَادَةً وَمُرُوءَةً كَمَا يُلَوِّثُ آلَةَ شُرْبِهِ. وَالظَّاهِرُ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ وَاسْتِعْمَالُ الْمُضِرِّ حَرَامٌ كَمَا فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ كِتَابِ الِاحْتِسَابِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَأَطْبَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ أَصْنَافَ الدُّخَانِ مُجَفَّفَةٌ، وَنَصَّ الْقَانُونَ وَأَصْنَافُ جَمِيعِ الدُّخَانِ مُجَفَّفَةٌ بِجَوْهَرِهِ الْأَرْضِيِّ وَفِيهِ نَارِيَّةٌ مَشُوبَةٌ بِجَوْهَرَةِ النَّارِيِّ وَلِذَا يُطْلَبُ الْعُلُوُّ مَا دَامَ مُخْتَلِطًا بِالْأَجْزَاءِ النَّارِيَّةِ اهـ. فَإِذَا كَانَ مُجَفَّفًا لِلرُّطُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَدْ أَدَّى إلَى حُصُولِ أَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ وَاحْتِرَاقِ الْكَبِدِ وَالدِّمَاغِ وَالْقَلْبِ وَيَتْبَعُهَا فِي ذَلِكَ سَائِرُ الْبَدَنِ فَهُوَ سَبَبٌ عَادِيٌّ لِلْهَلَاكِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا لَوْلَا الدُّخَانُ وَالْقَتَامُ لَعَاشَ ابْنُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ. فَإِنْ قِيلَ عَالَجَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ بَعْضَ الْأَمْرَاضِ بِدُخَانِ الزنجفرة وَشُوهِدَ نَفْعُهُ فَلَا يَتِمُّ مَنْعُ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الدُّخَانِ وَلَا أَنَّهَا مُجَفَّفَةٌ مُهْلِكَةٌ قُلْنَا لَا غَرَضَ فِي الْعُمُومِ عَلَى أَنَّهُمْ يُعَالِجُونَ بِهِ لَحْظَةً لَطِيفَةً مَعَ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَشَدَّ الْحَيْلُولَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ زَعَمَ اسْتِعْمَالَهُ تَدَاوِيًا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الْأَدْوِيَةِ، وَخَرَجَ بِهِ إلَى حَدِّ التَّفَكُّهِ وَالتَّلَذُّذِ وَادَّعَى التَّدَاوِي تَلْبِيسًا وَتَسَتُّرًا حَتَّى وَصَلَ بِهِ إلَى أَغْرَاضِ بَاطِنِهِ مِنْ الْعَبَثِ وَاللَّهْوِ وَالْإِسْطَالِ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ حُرْمَتُهَا وَعَرَّفُوا الْعَبَثَ بِأَنَّهُ فِعْلٌ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ وَالسَّفَهَ بِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا وَاللَّعِبُ فِعْلٌ فِيهِ لَذَّةٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحُرْمَةِ الْعَبَثِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ صَاحِبُ كِتَابِ الِاحْتِسَابِ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] وَصَاحِبُ الْكَافِي مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُوهُ الْمُؤْمِنُ حَرَامٌ إلَّا لَهْوَهُ بِعُرْسِهِ وَسَهْمِهِ وَفَرَسِهِ» ، وَمِنْ قَبَائِحِ الدُّخَانِ شَغْلُهُ عَنْ الصَّلَوَاتِ وَالْخَيْرَاتِ وَالْعِبَادَاتِ مَعَ نَتِنِ رِيحِهِ وَأَذِيَّتِهِ لِشَامِّيهِ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُ انْتَهَى. مَا انْتَقَيْنَاهُ مِنْ تِلْكَ الرِّسَالَةِ الَّتِي زَعَمَ نَاقِلُهَا أَنَّهُ نَادَى الْمَلِكَ بِهَا فِي مَدِينَتِهِ وَكَتَبَ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا إلَى نُوَّابِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَمَرَهُمْ بِزَجْرِ النَّاسِ عَنْهُ وَحَرْقِهِ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَمْصَارِ. وَأَقُولُ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَتَلَاهِي الْمُتْرَفِينَ وَالشَّيْطَانُ وَالنَّفْسُ لَهُمَا دَسَائِسُ وَوَسَاوِسُ فِي الْعِبَادَاتِ وَصُوَرِ الْخَيْرَاتِ فَكَيْفَ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ التَّعْوِيلُ فِي الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ وَيَدَّخِرُهُ النَّجَاةُ مِنْ سُوءِ الْحِسَابِ وَشِدَّةِ الْعَذَابِ وَأَنْ يَمِيلَ بِقَلْبِهِ إلَيْهِ إذَا خَلَا مِنْ التَّعَصُّبِ وَالِاعْتِسَافِ وَطَلَبِ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ وَلَا يَتَسَاهَلُ فِي اسْتِعْمَالِ مُسْتَعْمِلِيهِ بِالتَّأْوِيلِ فَقَدْ أَخْبَرَنِي ثِقَاتُ التُّجَّارِ وَالْفُقَهَاءُ وَالصُّلَحَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ طَافُوا فِي الْأَقْطَارِ وَرَكِبُوا الْبِحَارَ وَخَاضُوا فِي الْأَسْفَارِ

أَنَّ مِنْهُ مَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ النَّصَارَى وَالرُّومِ وَمِنْهُ مَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ السُّودَانِ وَبَعْضِ أَرْضِ الْمَغْرِبِ وَمِنْهُ مَا يُزْرَعُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَمَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ النَّصَارَى مِنْهُ مَا هُوَ مُطْبَقٌ وَمُسْقًى بِخَمْرٍ وَمَعْجُونٌ بِهَا. وَذَكَرَ لِي صَدُوقٌ أَنَّ كَبِيرًا مِنْ كِبَارِ الْإِنْكِلِيزِ أَحْضَرَ لَهُ إنَاءً فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ إنَّهُ أَحْسَنُ نَوْعٍ مِنْ الدُّخَانِ وَأَكْمَلُهُ لِأَنَّهُ مَرْشُوشٌ بِشَحْمِ خِنْزِيرٍ مَطْبُوخٌ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعَقَاقِيرِ سَمَّاهَا لِي وَنَسِيتهَا وَكَذَا مَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ سُودَانِ الْمَجُوسِ وَمَا يُجْلَبُ مِنْ الْمَغْرِبِ وَسُودَانِ الْمُسْلِمِينَ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ اجْتَمَعَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ حَرُمَ جَمِيعُهُ بِلَا شَكٍّ كَشَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُذَكَّاةٌ وَالْأُخْرَى مَيِّتَةٌ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى وَأَمَّا مَا انْفَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَعْجُونًا بِخَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فَدُخَانُهُ نَجِسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ مَعَ النِّسَاءِ غَيْرِ الْحَلَائِلِ وَالْمَحَارِمِ وَالْمُرْدِ وَمَعَ السُّفَهَاءِ وَالْأَرَاذِلِ وَالْإِخْلَالِ بِالْمُرُوءَةِ وَبِالْعِيدَانِ الْمَكْسِيَّةِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ خُصُوصًا مَنْ يَقْتَدِي بِهِ وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي إسْقَاطِ عَدَالَتِهِ خُصُوصًا إنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا شَهَادَةً لَيْسَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَمِنْ وُجُوهِ تَحْرِيمِهِ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ وَعَاقَبَ مُسْتَعْمِلَهُ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ وَحَرَقَ مَا وَجَدَ مِنْهُ فَإِنَّ امْتِثَالَ أَمْرِهِ وَاجِبٌ فِي غَيْرِ مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَمُخَالَفَتُهُ مُحَرَّمَةٌ وَإِنَّ سَلِمَ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَالْمُشَاهَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُسْتَعْمِلِيهِ عَدَمُ سُكْرِهِمْ بِهِ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ أَوْ مُخَدِّرٌ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَلَوْ قَلَّ زَمَنُ إفْسَادِهِ أَوْ تَخْدِيرِهِ وَإِنْ قُطِعَ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ وَتَخْدِيرِهِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ حَرُمَ وَلَا بُدَّ مِنْ سُؤَالِ الطَّبِيبِ الْعَارِفِ بِالْأَمْزِجَةِ وَمَا يُغَيِّرُهَا وَاسْتِعْمَالُهُ مَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَخُصُوصًا إنْ أَدَّى إلَى تَضْيِيعِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ إضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ عَاجِلًا وَآجِلًا وَإِلَّا فَهُوَ مُحَرَّمٌ لِوُجُوبِ حِفْظِهِ وَهِيَ إحْدَى الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. وَالْمُشَاهَدُ أَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُنْتِنَةَ تَخْرِقُ الْخَيَاشِيمَ وَتَصِلُ إلَى الْأَمْعَاءِ فَتَضُرُّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» فَكُلُّ رَائِحَةٍ مُؤْذِيَةٍ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ فَقَوْلُ الْمَفْتُونِ أَحْمَدَ الَّذِي سَبَقَ أَنَّهُ جَلَبَهُ مِنْ الْمَغْرِبِ هُوَ حَلَالٌ كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ النَّصِّ عَلَى مَنْعِ آكِلِ ذَلِكَ أَنْ يُؤْذِيَ الْمُسْلِمِينَ بِرِيحِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَقِيلَ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ وَقِيلَ بِكَرَاهَتِهِ. وَالرَّاجِحُ جَوَازُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِإِقْرَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا مِنْ الْمُصْلِحَاتِ لِلْمُقْتَاتِ وَمُقْتَاتَةٌ لِلْفُقَرَاءِ وَكَانَ غَالِبُ الْمُقْتَاتِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ الثُّومَ وَالْكُرَّاثَ حَتَّى قَرِحَتْ الْأَشْدَاقُ مِنْهُمَا وَالدُّخَانُ لَيْسَ مُقْتَاتًا وَلَا مُصْلِحًا لَهُ فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِمَا فَاسِدٌ عَلَى أَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ وَالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ إذْ الْمُنْتِنُ أَخَصُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَالثُّومُ

وَالْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ رِيحُهَا مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ مُنْتِنًا وَالدُّخَانُ رِيحُهُ مُنْتِنٌ كَرِيحِ الْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ، وَالْوِجْدَانُ شَاهِدُ صِدْقٍ بِذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْعُدُولُ الَّذِينَ اسْتَعْمَلُوا الدُّخَانَ وَتَرَكُوهُ وَاَلَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَكَمَ بِضَرَرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ شَكَّ فِيهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِاخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَالْحَالِ وَالْمَآلِ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ الْأَغْلَبَ وَالْفَرِيقَ الَّذِي جَانِبُ الْحَقِّ إلَيْهِ أَقْرَبُ لِزِيَادَةِ دِيَانَتِهِمْ وَحُسْنِ تَحَفُّظِهِمْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ وَتَحَرِّيهِمْ الصِّدْقَ فِي الْأَقْوَالِ وَظُهُورِ خَشْيَتِهِمْ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الْأَعْمَالِ بِحَيْثُ أَنَّهُمْ أَصْلَحُ الْمَوْجُودِينَ وَأَمْثَلُ مَا يَأْخُذُ الْحَازِمُ بِخَبَرِهِ مِنْ الْمُخْبِرِينَ مَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِضَبْطِ الْأُمُورِ وَعَدَمِ تَهَوُّرِهِمْ فِي الْأَخْبَارِ أَخْبَرُوا أَنَّهُ يُحْدِثُ قُوَّةً فِي الْجِسْمِ وَحِدَّةً فِي الْبَصَرِ وَهَضْمًا لِلطَّعَامِ وَنَشَاطًا فِي الْأَعْضَاءِ فِي ابْتِدَائِهِ وَيُورِثُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ غِشَاوَةً فِي الْبَصَرِ وَثِقَلًا فِي الْأَعْضَاءِ وَإِمْسَاكًا فِي الْهَاضِمَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مُجَفَّفٌ كَمَا مَرَّ فَيُورِثُ فِي ابْتِدَائِهِ مَا ذَكَرُوهُ أَوَّلًا وَفِي انْتِهَائِهِ مَا ذَكَرُوهُ ثَانِيًا. فَإِنْ قِيلَ الْإِنْكِلِيزُ لَازَمُوا اسْتِعْمَالَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عِلَّةً وَلَا ضَرَرًا قُلْت يُحْتَمَلُ كَتْمُهُمْ ذَلِكَ تَوَصُّلًا لِتَغْرِيرِ الْمُسْلِمِينَ لِسَلْبِ أَمْوَالِهِمْ وَتَضْيِيعِ صَلَوَاتِهِمْ وَإِتْلَافِ أَبْدَانِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَأَيْضًا قُطْرُهُمْ شَدِيدُ الْمَيْلِ عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ فَأَرْضُهُمْ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ وَغَلَبَتْ الرُّطُوبَةُ وَالْخَلْطُ الْبَلْغَمِيُّ عَلَى أَبْدَانِهِمْ فَلَا يُسْرِعُ فِيهَا الْجَفَافُ وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مَنْ اسْتَعْمَلَهُ لِتَقْوِيَةِ بَصَرِهِ وَتَغَالَى فِي مَدْحِهِ نَثْرًا وَنَظْمًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ صَارَ لَا يَنْظُرُ إلَّا بِالْقُزَّازِ ثُمَّ عَمِيَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ لِلْهَضْمِ وَإِزَالَةِ الثِّقَلِ عَنْ مَعِدَتِهِ فَزَادَ عَلَيْهِ الثِّقَلُ وَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ لِلسَّهَرِ فَأَخَذَهُ الدُّوَارُ فِي دِمَاغِهِ وَصَارَ يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلَ السَّكْرَانِ فَلَا تُعَوِّلُ يَا أَخِي عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ مُسْتَعْمِلِيهِ بِنَفْعِهِ، وَأَنَّهُ دَوَاءٌ فَقَدْ زَعَمُوا ذَلِكَ فِي الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ مَعَ إخْبَارِهِ بِنَفْعِهَا وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَسُلِبَ بِهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرٍ «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» عَلَى أَنَّ النَّفْعَ إذَا قَابَلَهُ الضَّرَرُ قُدِّمَ جَانِبُ الضَّرَرِ وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُمْ الْبَطَالَةُ وَالْجَهَالَةُ وَصُحْبَةُ أَهْلِهِ فَلَا تُمْكِنُهُمْ مُخَالَفَتُهُمْ وَكَانَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يُفْتِي بِتَحْرِيمِهِ جَهْرَةً عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَيَسْتَعْمِلُهُ سِرًّا مَعَ الْأَجْنَادِ وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] وَيَا عَجَبًا حَيْثُ لَزِمَ عَلَى دَعْوَاهُمْ كَوْنُ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ مَرْضَى بِمَرَضٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ وَإِنْ يُدَاوَى بِدَوَاءٍ وَاحِدٍ بِكَيْفِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مِمَّا تَشْهَدُ بِكَذِبِهِ الْعَجْمَاءُ وَتَكَادُ تَنْطِقُ بِكَذِبِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالُوا فَمَا بَالُ عِلَلِ الْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ مَعَ رَاحَةِ أَبْدَانِهِمْ وَطِيبِ مَآكِلِهِمْ وَمَشَارِبِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عِلَلِ غَيْرِهِمْ وَمَا بَالُهَا انْحَصَرَتْ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مَعَ تَنَوُّعِ أَغْذِيَتِهِمْ وَاقْتِصَارِ غَالِبِهِمْ عَلَى الْخُبْزِ وَالْمِلْحِ بَلْ أَغْلَبُ مَنْ يَقْتَاتُ هَذَا لَا عِلَّةَ بِهِ حَاصِلَةٌ وَلَا مُتَوَقَّعَةٌ

وَغَالِبُ مُسْتَعْمِلِي الدُّخَانِ لَا يَحْفَظُ بِهِ صِحَّةً حَاصِلَةً وَلَا يَجْلِبُ بِهِ صِحَّةً زَائِلَةً بَلْ لِلتَّلَذُّذِ وَالتَّفَكُّهِ وَهَذِهِ أَمَارَةُ الْإِسْطَالِ بِلَا إشْكَالٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي اسْتِعْمَالِهِ إلَّا تَسْوِيدُ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَكَرَاهَةُ الرِّيحِ وَالْأَنْتَانِ لَكَانَ زَاجِرًا لِلْعَاقِلِ عَنْهُ خُصُوصًا مَعَ ذَهَابِهِ بِذَلِكَ الْخَبَثِ إلَّا الْمَحَافِلَ وَالْجَمَاعَةَ لِلصَّلَوَاتِ. وَتَأَمَّلْ يَا أَخِي شَارِبِيهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَأُنُوفِهِمْ كَأَهْلِ النَّارِ وَمَنْ يَهْلِكُونَ آخِرَ الزَّمَانِ مِنْ الْأَشْرَارِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دُخَانٌ يَمْلَأُ الْأَرْضَ يُقِيمُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ مِنْهُ مِثْلُ الزُّكَامِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَبَاقِي مَنَافِذِهِ حَتَّى يَصِيرَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ كَعِجْلٍ حَنِيذٍ أَيْ مَشْوِيٍّ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِأَهْلِ النَّارِ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا هُوَ مِنْ نَوْعِ عَذَابٍ وَلَا مَا هُوَ مِنْ مَلَابِسِ أَهْلِ الْعَذَابِ كَخَاتَمٍ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ فَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ» وَكَالِاسْتِتَارِ فِي الصَّلَاةِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ وَكَالزُّنَّارِ وَالْغِيَارِ وَالصَّلَاةِ إلَى النَّارِ وَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّعَامَ الْحَارَّ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَمْ يُطْعِمْنَا نَارًا» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا إحْيَاءُ سُنَّةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَخْرَجُوهُ مِنْ أَرْضِهِمْ لِأَرْضِ الْإِسْلَامِ لِلْإِضْرَارِ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مُخَالِطِي الْإِنْكِلِيزَ أَنَّهُمْ مَا جَلَبُوهُ لِبِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ إجْمَاعِ أَطِبَّائِهِمْ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ وَأَمْرِهِمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ لِتَشْرِيحِهِمْ رَجُلًا مَاتَ بِاحْتِرَاقِ كَبِدِهِ وَهُوَ مُلَازِمُهُ فَوَجَدُوهُ سَارِيًا فِي عُرُوقِهِ وَعَصَبِهِ وَمُسَوِّدًا مُخَّ عِظَامِهِ وَقَلْبُهُ مِثْلُ سَفِنْجَةٍ يَابِسَةٍ وَفِيهِ ثُقَبٌ مُخْتَلِفَةٌ صُغْرَى وَكُبْرَى وَكَبِدُهُ مَشْوِيَّةٌ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ مُدَاوَمَتِهِ وَأَمَرُوهُمْ بِبَيْعِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِإِضْرَارِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا هَذَا لَكَانَ بَاعِثًا لِلْعَاقِلِ عَلَى اجْتِنَابِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَانَ كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ أَوْ حَاكَ فِي النَّفْسِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الدُّخَانِ مِمَّا أَرَابَ وَأَوْقَعَ الِاضْطِرَابَ وَلَوْ سُئِلَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ قَالُوا السَّفَهُ الْمُوجِبُ لِلْحَجْرِ تَبْذِيرُ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ عَنْ مُلَازِمِ اسْتِعْمَالِ الدُّخَانِ لَمَا تَوَقَّفُوا فِي وُجُوبِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَسَفَهِهِ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى مَا تَرَتَّبَ عَلَى إضَاعَةِ الْأَمْوَالِ فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَحِرْمَانِهِمْ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَفْسَدَهُ الدُّخَانُ عَلَى الْمُتَرَفِّهِينَ بِهِ وَسَمَاحَةِ أَنْفُسِهِمْ بِدَفْعِهَا لِلْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ أَعْدَاءِ الدِّينِ وَمَنْعِهَا مِنْ الْإِعَانَةِ بِهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَسَدِّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَلَا يَرْتَابُ فِيمَا قَرَّرْنَاهُ ذُو دِينٍ وَلَا صَاحِبُ صِدْقٍ مَتِينٍ فَخُذْ مَا آتَيْتُك وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ وَسَنَلْتَقِي مَعَ

مَنْ خَالَفَنَا يَوْمَ الدِّينِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَتَظْهَرُ الْمُخَبَّآتُ لِلْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ وَتَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ التَّجْرَ فِيهِ مَقْرُونٌ بِالْخَسَارَةِ وَمِمَّا جَرَّبَهُ أَهْلُهُ أَنَّ شَارِبَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْكَدَرِ وَالْحُزْنِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَأَخَذَا لَهُمْ بِنَفْسِهِ مَا دَامَ أَثَرُهُ مَعَهُ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْجُبْنَ وَالْخَوْرَ وَالنِّسْيَانَ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ خَالِدٌ الْمُدَرِّسُ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَشَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْحِجَازِيَّةِ عَنْ شُرْبِ الدُّخَانِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اسْتِعْمَالُ الدُّخَانِ حَرَامٌ كَأَصْلِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَالنَّارِ لِأَنَّهُ أَجْزَاءُ الْخَشَبِ وَهِيَ مَمْزُوجَةٌ بِأَجْزَاءٍ مِنْ النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ أَجْزَاؤُهُ لِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ النَّارِ وَيَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعُهُ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جَعَلَهُ عَذَابًا وَمَا يُعَذَّبُ بِهِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِإِذَايَتِهِ قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] . وَاَلَّذِي كَشَفَهُ عَنْهُمْ دُخَانٌ وَقَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ - يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11] عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى الْفِرَارِ مِنْ مَحَلِّ الْعَذَابِ كَبَطْنِ مُحَسِّرٍ فَالْفِرَارُ مِنْ الْعَذَابِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ قَدْ شُوهِدَ فِي الْقَصَبَةِ الَّتِي يُشْرَبُ بِهَا انْسِدَادُهَا بِشَيْءٍ فِي غَايَةِ النَّتْنِ كَالْعِلْكِ فَكَذَلِكَ يَسُدُّ مَجَارِيَ الْعُرُوقِ الَّتِي هِيَ مَزَارِيبُ الْبَدَنِ فَيَتَعَطَّلُ وُصُولُ الْغِذَاءِ مِنْهَا إلَى أَعْمَاقِ الْبَدَنِ فَيَمُوتُ مُسْتَعْمِلُهُ فَجْأَةً وَقَدْ شُوهِدَ ذَلِكَ مِرَارًا وَلِأَنَّهُ يَحْرُقُ الرُّطُوبَةَ الَّتِي فِي الْبَدَنِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ أَيْضًا لَا يُقَالُ هَذَا فِي غَيْرِ الْبَلْغَمِيِّ أَمَّا هُوَ فَيَنْتَفِعُ بِتَخْفِيفِ الرُّطُوبَةِ لِأَنَّا نَقُولُ حَدُّ الْقَدْرِ الْمُنْتَفَعُ بِهِ مَجْهُولٌ فَقَدْ يَزِيدُ الْمُسْتَعْمِلُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ لَا يُقَالُ هَذَا شَكٌّ فِي مَانِعٍ وَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَانِعٌ لَا يَتَحَقَّقُ ضَرَرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ نَفْعُهُ لَهُ وَوَقْتُهُ وَقَدْرُهُ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ دَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الدَّوَاءِ بَعْدَ زَوَالِ الْعِلَّةِ لِأَخْذِهِ مِنْ الْبَدَنِ حِينَئِذٍ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ نَهْيُ النَّاسِ عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ يُعَزَّرُ بِحَسَبِ حَالِهِ لِعِصْيَانِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْفَتْوَى بِجَوَازِهِ فَإِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِفْطَارُهُ الصَّائِمَ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَيْسَ بَيْنَ إفْطَارِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَبَيْنَ حُرْمَتِهِ وَعَدَمِهَا تَلَازُمٌ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ كَتَبَهُ خَالِدٌ الْمَالِكِيُّ بْنُ أَحْمَدَ خَادِمُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ حَامِدًا مُصَلِّيًا وَمُسْلِمًا. (وَهَذِهِ حِكَايَاتٌ) عَنْ مُسْتَعْمِلِي شُرْبِ الدُّخَانِ فِيهَا عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَمِنْهَا أَنِّي كُنْت قَدِمْت مِنْ جُدَّةَ إلَى السُّوَيْسِ فِي مَرْكَبٍ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى فَرَغَ الدُّخَانُ مِنْ مُسْتَعْمِلِهِ فَصَارَ يُولِعُ طَرَفَ الْعُودِ الَّذِي شَرِبَ فِيهِ الدُّخَانَ وَيَشْرَبُ دُخَانَهُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ حَتَّى أَفْنَاهُ. وَمِنْهَا أَنَّ جَمَاعَةً كَانُوا قَادِمِينَ مِنْ جُدَّةَ إلَى السُّوَيْسِ فِي مَرْكَبٍ وَفَرَغَ دُخَانُهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنْشَطُونَ فِي

عَمَلِ السَّفِينَةِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ إلَى الْبَرِّ وَاشْتَرَى مِنْ عَرَبِيٍّ مُلُوخِيَّةً نَاشِفَةً وَشَرِبُوا دُخَانَهَا وَقَالُوا هَذَا أَطْيَبُ مِمَّا شَرِبُوهُ قَبْلَهُ. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْكُرَمَاءِ تَرَدَّدَتْ عَلَيْهِ السُّفَهَاءُ وَالظَّلَمَةُ وَكَلَّفُوهُ بِشِرَاءِ الدُّخَانِ وَأَفْنَى مَالَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخَذَ وَرَقَ الْخَرْدَلِ وَأَمَرَ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ بِبَوْلِهِ عَلَيْهِ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَشَرِبُوهُ وَقَالُوا هَذَا دُخَانٌ أَصْلِيٌّ لِأَنَّ عَلَامَةَ عَدَمِ غِشِّ الدُّخَانِ شِدَّةُ نَتْنِ رِيحِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْجُنْدِ تَوَلَّعَ بِشُرْبِ الدُّخَانِ وَلَازَمَهُ وَأَنْفَقَ فِيهِ مَالًا كَثِيرًا لِكَثْرَةِ الشَّارِبِينَ مَعَهُ فَأَخَذَ وَرَقَ الْبِرْسِيمِ الْيَابِسِ وَخَلَطَهُ بِزِبْلِ الْفَرَسِ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَشَرِبُوهُ وَقَالُوا هَذَا خَيْرٌ مِمَّا شَرِبْنَا قَبْلَهُ وَأَلَذُّ وَأَنْشَطُ وَأَدْعَى لِلْبَاءَةِ وَأَكْمَلُ فِي الْإِنْعَاظِ وَأَكْثَرُوا مِنْ تَقْدِيمِ الدَّجَاجِ لَهُ ضِيَافَةً وَطَلَبُوا أَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْمَشْهُورِينَ بِالْمَالِ أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الدُّخَانِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِشِرَائِهِ فَأَخَذَ وَرَقَ الْقُلْقَاسِ وَتَرَكَهُ حَتَّى تَعَفَّنَ وَنَضَحَهُ بِخَلٍّ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَقَالُوا هَذَا مِنْ بُخْلِهِ لَمْ يَشْتَرِ إلَّا الدُّخَانَ الرَّدِيءَ فَاسْتَأْذَنَهُ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ فِي فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِهِ لِصِيَانَةِ عِرْضِهِ فَأَذِنَ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ مَا مَنَعَهُ الشَّرْعُ فَأَخَذَ تِبْنًا رَدِيءَ الرِّيحِ كَرِيهَ الطَّعْمِ تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ فُسَاءَ الْكِلَابِ وَعَفَّنَهُ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَاسْتَعْمَلُوهُ وَأَثَّرَ فِيهِمْ تَأْثِيرًا شَدِيدًا وَتَسَامَعَ بِذَلِكَ النَّاسُ وَقَالُوا لَا دُخَانَ إلَّا دُخَانَ تَابِعِ فُلَانٍ الْبَخِيلِ جَعَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِيهِ كَرَمًا عَظِيمًا مُضَادًّا لِبُخْلِ سَيِّدِهِ أَيْ شَخْصٌ تَسْمَحُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ الدَّرَاهِمَ الْكَثِيرَةَ يَشْتَرِي بِهَا هَذَا الصِّنْفَ مِنْ الدُّخَانِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ إلَّا الْمُلُوكُ. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُلَازِمِينَ شُرْبَهُ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَكُلَّمَا لُقِّنَ الشَّهَادَةَ قَالَ: هَذَا دُخَانٌ جَيِّدٌ مَعْجُونٌ بِخَمْرٍ زِيدُونِي مِنْهُ حَتَّى مَاتَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ. وَمِنْهَا أَنَّ يَهُودِيًّا لَمَّا رَأَى تَكَالُبَ النَّاسِ عَلَى الدُّخَانِ وَانْهِمَاكَهُمْ فِيهِ أَخَذَ وَرَقَ السِّلْقِ وَنَحْوِهِ الَّذِي تَعَفَّنَ عِنْدَ الْخُضَرِيِّينَ وَرَمَوْهُ عَلَى الْمَزَابِلِ وَجَفَّفَهُ وَبَالَ عَلَيْهِ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَشَرِبُوهُ فَعَطَسُوا وَدَمَعَتْ عُيُونُهُمْ وَقَالُوا مِمَّنْ اشْتَرَيْت هَذَا الدُّخَانَ النَّفِيسَ الْمُخْرِجَ لِلرُّطُوبَاتِ الدِّمَاغِيَّةِ فَقَالَ إنَّمَا جَاءَنَا هَدِيَّةً بِلَا ثَمَنٍ فَقَالُوا مِثْلُ هَذَا يَحْتَاجُ لِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مُسْتَعْمِلِيهِ مَرِضَ بِسَبَبِهِ وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَصَحَا بُرْهَةً وَقَالَ: أَنْصَحُكُمْ أَنْ لَا تَشْرَبُوا الدُّخَانَ فَإِنَّهُ مَا قَتَلَنِي إلَّا هُوَ وَقَدْ ضَيَّعْت فِيهِ جُمْلَةً مِنْ الْمَالِ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ فَقِيلَ بِحَضْرَتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ اُسْكُتُوا هَلْ هَذَا الدُّخَانُ قُبْرُصِيٌّ أَمْ مَغْرِبِيٌّ وَبِكَمْ الرِّطْلِ مِنْهُ وَهَلْ هُوَ مُطْبَقٌ بِخَمْرٍ وَشَحْمِ خِنْزِيرٍ أَمْ لَا وَكَرَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ إلَى أَنْ خَرَجَتْ رُوحُهُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إنْ أَرَادَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً أَنْ يَقْبِضَنَا غَيْرَ مَفْتُونِينَ وَأَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ النِّيَّةِ وَيَجْعَلَنَا مِنْ الْمُخْلِصِينَ وَيَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَيُجَنِّبَنَا الْفِتَنَ

مسائل الصلاة

مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ أَجْمَعِينَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي بَيَانِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ وَجَوْزَةِ الطِّيبِ وَالْمَعَاجِينِ الَّتِي تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِلَا نَشَاةٍ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ بَيْعِهَا لِمَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ مِنْهَا الْقَدْرَ الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَيُؤْمَنُ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ الْمَغْشُوشِ لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ يُبْقِيهِ وَلَا يَغُشُّ بِهِ، وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيْضِ الْمَذَرِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ أَكْلِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرِ أَكْلِهِ وَيُؤْمَنُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَأْكُلُهُ اهـ. [مَسَائِلُ الصَّلَاةِ] [قَبْضِ الْيَدَيْنِ فِي الْفَرْضِ] مَسَائِلُ الصَّلَاةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَبْضِ الْيَدَيْنِ فِي الْفَرْضِ هَلْ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يَقْصِدْ السُّنِّيَّةَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى غَيْرِهَا كَرَاهَتُهُ فِيهِ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَدَّرَ بِهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا يُفِيدُ اعْتِمَادَهُمَا لَهَا وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ كَرِهَ مَالِكٌ وَضْعَ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الْفَرِيضَةِ وَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْفَرِيضَةِ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أَعْرِفُهُ. . . إلَخْ لَا أَعْرِفُ جَرَيَانَ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فِي الْفَرِيضَةِ وَاَلَّذِي أَعْرِفُ جَرَيَانَ عَمَلِهِمْ بِهِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ السَّدْلُ. وَقَدْ خَرَّجَ الْإِمَامُ حَدِيثَ الْقَبْضِ فِيهَا فِي مُوَطِّئِهِ وَمِنْهُ تَلَقَّاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَا أَنْ يُقَالَ عَدَلَ عَنْهُ لِمُجَرَّدِ هَوَى نَفْسِهِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَنَزُّهِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ وَحَمْلِهِمْ حَدِيثِ عَالَمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ إلَى هَذَا الْحِينِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ بِالسَّدْلِ إذْ لَا يُمْكِنُ جَهْلُهُمْ آخِرَ أَمْرَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسائل سجود السهو

وَلَا مُخَالَفَتُهُمْ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي كَرَاهَةِ الْقَبْضِ فِي الْفَرْضِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فِي قَوْلِهِ لَا أَعْرِفُهُ مَعَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ بِهِ فِيهَا وَتَخْرِيجِهِ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلَاتِ وَالْأَجْوِبَةِ الَّتِي تَكَلَّفَهَا شُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُظْهِرُ قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إنْ قُصِدَ بِهِ الِاسْتِنَادُ فَإِنْ قُصِدَ بِهِ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ تَبِعَهُمْ الْعَدَوِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْلِ الْمُصَلِّي عَقِبَ سَلَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَوْلُهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَقِبَ سَلَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ. وَفِي مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ فَزِيَادَةُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فِي سَلَامِ الصَّلَاةِ خِلَافُ الْأَوْلَى إذْ لَيْسَتْ مِمَّا عَمِلَ بِهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِهَا الْحَدِيثُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةٍ حَكَى الْجُزُولِيُّ فِي زِيَادَةِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ الْجَوَازُ وَلَمْ يَعْزِهِ، وَهُوَ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ صَحِيحٌ وَعَلَى الرُّكْنِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ يَعْنِي أَنَّ السَّلَامَ شَرْطٌ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ زَادَهَا فَقَدْ زَادَهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الصَّلَاةِ فَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ. قَالَ التَّتَّائِيُّ صَاحَ ابْنُ شِهَابٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَشُيُوخِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى إمَامٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَهَا قَائِلًا لَهُ انْزَعْ مِنْهُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَإِنَّمَا هُوَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ إنَّمَا يَزِيدُ فِي سَلَامِ التَّحِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ زَرُّوقٌ لَكِنَّهُ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ إلَّا لِقَصْدِ الْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْحَنَابِلَةِ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْفَرْضِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْنِ عَلَى الْيَمِينِ وَعَلَى الْيَسَارِ وَيَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ سُجُودُ السَّهْوِ] [مَأْمُومِينَ أَدْرَكُوا الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودٌ قَبْلِي عَلَى ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسَجَدَهُ الْإِمَامُ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُونَ جَهْلًا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ سُجُودُ السَّهْوِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَأْمُومِينَ أَدْرَكُوا الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودٌ قَبْلِي عَلَى ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسَجَدَهُ الْإِمَامُ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُونَ جَهْلًا فَهَلْ تَبْطُلُ عَلَيْهِمْ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

سها عن رفع ركوع ركعة وتذكره بعد قيامه للتي تليها

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَبْطُلُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُبْطِلَاتِ وَبِتَرْكٍ قَبْلِي عَنْ ثَلَاثٍ وَطَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْمَسْبُوقِ وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةَ سَجَدَ وَلَوْ تَرْكُ إمَامِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُ السُّجُودَ عَنْ الْمَأْمُومِ وَنَصَّ الْمَوَّاقُ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ سَهَا إمَامٌ عَنْ سُجُودِ سَهْوِهِ سَجَدَهُ مَأْمُومُهُ. ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ كَانَ السُّجُودُ مِمَّا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى سُجُودِهِ بِالْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ عَمَّنْ خَلْفَهُ فَلَا يَكُونُ سَهْوُهُ عَنْهُ سَهْوًا لَهُمْ إذَا هُمْ فَعَلُوهُ وَهَذَا أَصْلٌ انْتَهَى، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ. . . إلَخْ فَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُ عَنْ مَأْمُومِهِ سُجُودَ السَّهْوِ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [سَهَا عَنْ رَفْعِ رُكُوعِ رَكْعَةٍ وَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ لِلَّتِي تَلِيهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ سَهَا عَنْ رَفْعِ رُكُوعِ رَكْعَةٍ وَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ لِلَّتِي تَلِيهَا وَاعْتِدَالِهِ فِيهِ، وَقَبْلَ عَقْدِهَا فَكَيْفَ يَتَدَارَكُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفِيَّةُ تَدَارُكِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ بِرُجُوعِ تَارِكِ الرَّفْعِ قَائِمًا أَنْ يَصْرِفَ الْقِيَامَ الَّذِي تَذَكَّرَهُ فِيهِ بِنِيَّتِهِ لِقِيَامِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَهْوِي مِنْهُ لِلسُّجُودِ وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِرُجُوعِهِ مُحْدَوْدِبًا إذْ لَوْ رَكَعَ وَرَفَعَ لَزَادَ رُكُوعًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَنَصُّهُ: بَقِيَ إذَا ذَكَرَ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَهُوَ قَائِمٌ نُقِلَ عَنْ مَيَّارَةَ أَنَّهُ نُظِرَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أَمَّا عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَنْحَطُّ لِلسُّجُودِ وَيَنْوِي أَنَّهُ رَجَعَ فِي قِيَامِهِ لِلرَّفْعِ الَّذِي تَرَكَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَصْرِفُهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ وَقَعَ فِي زِيَادَةِ رُكُوعٍ وَهِيَ مُبْطِلَةٌ كَمَا عَرَفْت آنِفًا فَلْيُنْظَرْ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [ضَابِطِ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ضَابِطِ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ وَفِي حُكْمِهِ وَهَلْ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ وَإِذَا اُسْتُنْكِحَ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ثُمَّ ابْتَدَأَهُ فِي رُكْنٍ آخَرَ أَوْ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَهَلْ يَلْحَقُ ذَلِكَ بِمَا اُسْتُنْكِحَ فِيهِ وَيَبْنِي فِيهِمَا عَلَى الْأَكْثَرِ وَهَلْ الِاسْتِنْكَاحُ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ أَوْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ كَالِاسْتِنْكَاحِ فِي جَمِيعِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ضَابِطُ اسْتِنْكَاحِ الشَّكِّ إتْيَانُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ إتْيَانِهِ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَأَنْ يَأْتِيَهُ يَوْمًا فِي نِيَّتِهِ وَيَوْمًا فِي تَكْبِيرَةِ إحْرَامِهِ وَيَوْمًا فِي الْفَاتِحَةِ وَيَوْمًا فِي الرُّكُوعِ وَيَوْمًا فِي السُّجُودِ وَيَوْمًا فِي السَّلَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنْ أَتَاهُ يَوْمًا وَفَارَقَهُ يَوْمًا فَلَيْسَ اسْتِنْكَاحًا وَحُكْمُهُ وُجُوبُ طَرْحِهِ، وَاللَّهْوُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْأَكْثَرِ لِئَلَّا يُعْنِتَهُ، وَيَسْتَرْسِلُ مَعَهُ حَتَّى لِلْإِيمَانِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ كَثِيرًا فِي كَثِيرٍ مِنْ

إمام قام لخامسة سهوا وتيقن جميع مأموميه انتفاء موجبها وسبح به بعضهم فهل تصح صلاة من لم يسبح

طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَيُنْدَبُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ سَمِعَ أَشْهَبَ مَالِكًا يَقُولُ وَمَنْ شَكَّ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ كَثُرَ هَذَا عَلَيْهِ لَهَا عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلْيَقْرَأْ وَكَذَا سَائِرُ مَا شَكَّ فِيهِ اهـ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَلْهَ عَنْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَوْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ كَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا اهـ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ الِاسْتِنْكَاحُ مِحْنَةٌ وَبَلِيَّةٌ وَدَوَاءُ ذَلِكَ الْإِلْهَاءُ عَنْهُ وَإِلْهَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ ثَلَاثًا صَلَّيْت أَوْ أَرْبَعًا فَيَقُولُ لَهُ أَرْبَعٌ وَإِذَا قَالَ اثْنَتَيْنِ صَلَّيْت أَوْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ صَلَّيْت أَوْ مَا صَلَّيْت فَيَقُولُ لَهُ صَلَّيْت وَإِنْ قَالَ لَهُ تَوَضَّأْت أَوْ مَا تَوَضَّأْت فَيَقُولُ لَهُ تَوَضَّأْت فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ اهـ. [إمَامٍ قَامَ لِخَامِسَةٍ سَهْوًا وَتَيَقَّنَ جَمِيعُ مَأْمُومِيهِ انْتِفَاءَ مُوجِبِهَا وَسَبَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يُسَبِّحْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي إمَامٍ قَامَ لِخَامِسَةٍ سَهْوًا وَتَيَقَّنَ جَمِيعُ مَأْمُومِيهِ انْتِفَاءَ مُوجِبِهَا وَسَبَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يُسَبِّحْ أَوْ تَكُونُ الصِّحَّةُ قَاصِرَةً عَلَى الْمُسَبِّحِ الْجَالِسِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ يَقِينُهُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ سَبَّحَ وَمَنْ لَمْ يُسَبِّحْ بِشَرْطِ الْجُلُوسِ وَعَدَمِ تَغَيُّرِ الْيَقِينِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَفِي مَفْهُومِ كُلٍّ مِنْ الشَّرْطَيْنِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَسُئِلَ شَيْخُنَا مُصْطَفَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ فَهَلْ الصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ أَمْ صَحِيحَةٌ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ فَمَا الْمُرَادُ بِالْكَوْرِ وَالْعِصَابَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْكُمْ تَوْضِيحُ الْمَقَامِ بَيْنَ الْعِصَابَةِ وَالْكَوْرِ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ زَادَ عَلَى كَطَاقَتَيْ رَفِيعٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ حَيْثُ كَانَ مَشْدُودًا عَلَى الْجَبْهَةِ وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا نَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ التَّتَّائِيُّ فِي كَبِيرِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالطَّاقَةُ هِيَ التَّعْصِيبَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ طَيَّاتٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ مَثَلًا إذَا كَانَ عَرْضُ الشَّاشِ ذِرَاعًا فَطَوَيْته عِشْرِينَ طَيَّةً فَجُمْلَةُ ذَلِكَ طَاقَةٌ فَإِذَا لَفَفْت ذَلِكَ عَلَى الْجَبْهَةِ مَرَّةً فَهِيَ تَعْصِيبَةٌ وَمَرَّتَيْنِ فَتَعْصِيبَتَانِ وَثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَهَكَذَا وَجُمْلَةُ الْعِمَامَةِ كَوْرٌ لِأَنَّهَا كَالْمَرَّةِ فِي الِاسْتِدَارَةِ فَإِذَا كَانَتْ التَّعْصِيبَاتُ عَلَى الْجَبْهَةِ كَطَاقَتَيْنِ فَالسُّجُودُ مَكْرُوهٌ وَلَا إعَادَةَ أَصْلًا وَإِنْ كَثُرَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْجَبْهَةِ أَعَادَ أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ ثَلَاثِ سُنَنٍ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ فِي بُطْلَانِهَا بِذَلِكَ وَعَدَمِهِ خِلَافٌ اسْتَظْهَرَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَجْمُوعِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ. قَالَ: وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ

مسائل إمامة الصلاة

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَالِكِيٍّ اقْتَدَى بِمُخَالِفٍ فِي الْفُرُوعِ يَرَى السُّجُودَ لِتَرْكِ الْفَضِيلَةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَلْ يَتْبَعُهُ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ فِي السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَرْكِ الْفَضِيلَةِ فَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهُ فِيهِ فَلَا تَبْطُلُ عَلَى الظَّاهِرِ أَفَادَهُ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ إمَامَةِ الصَّلَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ إمَامَةِ الصَّلَاةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي إمَامٍ رَاتِبٍ فِي مَسْجِدٍ انْتَقَلَ بِمَحَلٍّ آخَرَ وَتَرَكَ الْمَسْجِدَ لِوَلَدِهِ صَغِيرًا فَأَمَّ فِيهِ ابْنُ عَمِّهِ مُدَّةً ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْ أَخٍ فَتَنَازَعَ مَعَ ابْنِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَأَرَادَ ابْنُ الْأَوَّلِ مَنْعَ أَخِي الثَّانِي مِنْ الْإِمَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ التَّرَتُّبُ لِإِمَامَةِ الْمَسْجِدِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْوِرَاثَةِ مِنْ أَبٍ أَوْ أَخٍ وَلَا بِالتَّقْدِيمِ مِنْ الرَّاتِبِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ رَتَّبَهُ الْوَاقِفُ أَوْ النَّاظِرُ أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَحِينَئِذٍ فَلَا كَلَامَ لِهَذَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَالْوَاقِفُ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالنَّاظِرُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالسُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَنَائِبُهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الرَّاتِبُ مَنْ نَصَّبَهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ مِنْ وَاقِفٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ الْمَكْرُوهَ مَضَى وَكَذَا السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ لِأَنَّ كُلًّا إذَا أَمَرَ بِمَكْرُوهٍ تَجِبُ طَاعَتُهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ اهـ. وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْبَاقِي والشبرخيتي زَادَ وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ هُوَ الَّذِي أَقَامَهُ السُّلْطَانُ أَوْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَاتِبًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ أَوْ بَعْضِهَا اهـ. وَنَحَا نَحْوَهُ الْعَدَوِيُّ وَاسْتَظْهَرَ مَا لِلَّقَانِيِّ فِي الْحَاشِيَةِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [وَلِيَ الْإِمَامَةَ أَوْالْأَذَانَ أَوْ التَّدْرِيسَ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَهَلْ تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ أَوْ الْأَذَانَ أَوْ التَّدْرِيسَ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَهَلْ تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَهَلْ الْمَعْلُومُ لِلْمَوْلَى أَوْ لِلنَّائِبِ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَالْمَعْلُومُ لِلْمَوْلَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْإِجَارَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنِّي أَعْذُرُهُ لِضَرُورَتِهِ اهـ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: فَإِنْ اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْأَعْذَارِ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُ رِيعِ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ اهـ. قَالَ الْبَدْرُ مَعْنَاهُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً وَأَمَّا لَوْ عَمِلَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ شَيْئًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي اسْتِنَابَةِ الْمُقَرَّرِ فِي وَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَوْ أَذَانٍ أَوْ تَدْرِيسٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ تُمْنَعُ وَهَلْ الْمُرَتَّبُ لِلْمُقَرَّرِ أَوْ لِلنَّائِبِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُمْنَعُ اسْتِنَابَةُ الْمُقَرَّرِ فِي وَظِيفَةٍ بِلَا عُذْرٍ اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَتَّبِ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرَّرُ لِعَدَمِ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفَةِ وَلَا نَائِبُهُ لِعَدَمِ تَقْرِيرِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَنُوفِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ كُلَّهُ النَّائِبُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِنَابَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا يَأْخُذُهَا الْوَجِيهُ بِوَجَاهَتِهِ ثُمَّ يَدْفَعُ مِنْهَا شَيْئًا قَلِيلًا لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فَأَرَى الَّذِي أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ حَرَامًا لِأَنَّهُ اتَّخَذَ عِبَادَةَ اللَّهِ مَتْجَرًا وَلَمْ يُوفِ بِقَصْدِ صَاحِبِهَا إذْ مُرَادُهُ التَّوْسِعَةُ لِيَأْتِيَ الْأَجِيرُ بِذَلِكَ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ اهـ. قَالَ الْبَدْرُ: وَقَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمَعْلُومَ كُلَّهُ مُدَّةُ الِاسْتِنَابَةِ يَسْتَحِقُّهُ النَّائِبُ وَحْدَهُ وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ. وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْأَحْبَاسِ عَلَيْهَا إجَارَةً أَوْ إعَانَةً وَفُهِمَ كَوْنُهَا إجَارَةً مِنْ قَوْلِ الْمُوَثِّقِينَ فِي اسْتِئْجَارِ النَّاظِرِ فَلَعَلَّهُ فِيمَا حَبَسَ لِيَسْتَأْجِرَ مِنْ غَلَّتِهِ، وَأَحْبَاسُ زَمَانِنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ إنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ لِمَنْ قَامَ بِتِلْكَ الْمُؤْنَةِ اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ أَحْبَاسُ بَلَدِنَا قَطُّ مَا يَحْبِسُ الَّذِي يَحْبِسُ إلَّا عَلَى مَنْ يَقُومُ بِتِلْكَ الْمُؤْنَةِ لَا لِيَسْتَأْجِرَ مِنْ فَائِدَةِ الْحَبْسِ بِمَا يَقْدِرُ وَيَسْتَفْضِلُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةَ وَتَقَدَّمَهُ بِذَلِكَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ بِبَعْضِ الْمُرَتَّبِ وَيُمْسِكَ بَاقِيَهُ وَالْقَائِمُ بِالْوَظِيفَةِ لَيْسَ بِنَائِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ يَجِبُ لَهُ مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يَخُصُّ زَمَنَ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفَةِ وَبِذَلِكَ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِي الْمُفْتِينَ يُفْتِي فِي ثَمَرِ أَشْجَارٍ الَّتِي لَا تُؤْتِي ثَمَرَهَا إلَّا مَرَّةً فِي عَامَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ الْفَائِدَةَ يُوَزَّعُ عَلَى الْعَامَيْنِ مَعًا، وَيُقَسَّمُ الْقَائِمُونَ بِالْوَظِيفِ عَلَى حَسَبِ أَزْمِنَةِ قِيَامِهِمْ اهـ. وَنَصُّ مَا فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقُومُ

صلاة جماعتين فأكثر في محل واحد

بِوَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْخَطَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ عَنْهُ دَائِمًا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْأَعْذَارِ فَلَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ. أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اسْتِحْقَاقِهِ وَصِحَّةِ وِلَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُدَرِّسٌ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [صَلَاةِ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَلَاةِ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَهُ رَاتِبٌ أَوَّلًا وَوَقْتٌ وَاحِدٌ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ وَيُحْرِمُونَ بِهَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَقْرَءُونَ مَعًا الْفَاتِحَةَ أَوْ يَقْرَأُ بَعْضُهُمْ الْفَاتِحَةَ وَالْآخَرُ السُّورَةَ وَيَسْمَعُ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ بَعْضٍ أَوْ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ وَبَعْضُهُمْ يَرْكَعُ وَبَعْضُهُمْ يَسْجُدُ وَبَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ وَبَعْضُهُمْ يَهْوِي لِلرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ مُكَبِّرًا وَآخَرُ يَرْفَعُ مِنْ الرُّكُوعِ مُسْمِعًا وَتَخْتَلِطُ صُفُوفُ الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ فَيَجْتَمِعُ فِي الصَّفِّ الْوَاحِدِ إمَامَانِ فَأَكْثَرُ وَيَلْتَبِسُ عَلَى بَعْضِ الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ صَوْتُ إمَامِهِمْ بِصَوْتِ إمَامٍ غَيْرِهِ فَيَقْتَدِي بِإِمَامِهِ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي بَعْضِهَا أَوْ يَشُكُّ فِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ هَلْ هُوَ إمَامُهُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ يَقْتَدِي بِإِمَامِهِ فِي جَمِيعِهَا مَعَ اشْتِغَالِهِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَسْمِيعِهِ عَنْ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ إمَامِهِ فَهَلْ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ وَالْمُحْدَثَاتِ الْفَظِيعَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَأُولِي الْأَمْرِ إنْكَارُهَا وَهَدْمُ مَنَارِهَا وَهَلْ هُوَ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهَلْ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَوَامِّ يُسَوِّغُهُ أَوَّلًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ وَالْمُحْدَثَاتِ الْفَظِيعَةِ أَوَّلُ ظُهُورِهِ فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقُرُونِ الَّتِي قَبْلَهُ وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِمُنَافَاتِهِ لِغَرَضِ الشَّارِعِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَأْلِيفُهُمْ، وَعَوْدُ بَرَكَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَهُ شُرِعَ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَلِتَأْدِيَتِهِ لِلتَّخْلِيطِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالتَّلَاعُبُ بِهَا فَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ» ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَتِمُّوا الصُّفُوفَ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَفِي الْمُوَطَّأِ «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا أَصَلَاتَانِ مَعًا» وَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قُلْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي كَبِيرٌ ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَازِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ مِنْ رُخْصَةٍ قَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مَنْ عُذِرَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِهِ «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» . وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ» وَلِمَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْقِسْمَةِ حَالَ الْجِهَادِ وَتَلَاطُمِ الصُّفُوفِ وَتَضَارُبِ السُّيُوفِ بِجَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يُشَرَّعْ حَالَةَ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ يُشَرَّعُ حَالَ السَّعَةِ وَالِاخْتِيَارِ إنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِتَفْرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ يَأْذَنُ فِي تَفْرِيقِهِمْ وَهُمْ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ لِلصَّلَاةِ مُجْتَمِعِينَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ تَعَالَى يُنَادِي بِالصَّلَاةِ وَيَدْعُو إلَى الْفَلَاحِ فَلَا يُجِيبُهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَسَبُ الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ» وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ سَامِعِ الْأَذَانِ الْمُتَلَاهِي عَنْهُ فَكَيْفَ حَالُ سَامِعِ الْإِقَامَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالصَّلَاةِ الْمُتَلَاهِي عَنْهَا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ إجَابَةُ إقَامَتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَوْ شُرِعَتَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ إنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَرْفَجَةَ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَرَّقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ» وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاةٌ وَهَنَاةٌ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَهُمْ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ» وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاةٌ وَهَنَاةٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ» . وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ يُفَرِّقُ بَيْنَ أُمَّتِي فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا صَدَقَةً وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» وَعَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ كَبِيرٌ ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ لَا أَجِدُ قَائِدًا يُلَازِمُنِي أَتَجِدُ لِي رُخْصَةً فِي التَّخَلُّفِ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ قُلْت نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَلَّكُمْ سَتُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ لِلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً» . وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ الْأَشْيَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْت الْإِمَامَ يُصَلِّي بِهِمْ فَصَلِّ مَعَهُمْ فَهِيَ لَكَ نَافِلَةٌ» وَإِلَّا فَقَدْ أُحْرِزَتْ صَلَاتُك فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ وَلَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَأُولِي الْأَمْرِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْكَارُهَا وَهَدْمُ مَنَارِهَا وَجَرَيَانُ الْعَادَةِ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَوَامِّ لَا يُسَوِّغُهَا. وَقَدْ أَلَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحُبَابِ السَّعْدِيُّ الْمَالِكِيُّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيُّ الْمَالِكِيُّ وَبَسَطَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَأَجَادَا فَكَفَيَا مَنْ بَعْدَهُمَا مُؤْنَتَهَا - جَزَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنَ الْجَزَاءِ بِمَنِّهِ - فَذَكَرَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَفْتَى فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ إسْكَنْدَرِيَّةَ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُمْ شَدَّادُ بْنُ الْمُقَدِّمِ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَتِيقٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ وَبَالَغَ فِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَعَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِهِ وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ

لَا كَرَاهَةَ فِيهَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ وَأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً لِأَنَّ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَسْجِدٌ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَوْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ جَمَاعَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ فَأَرَادُوا إقَامَةَ تِلْكَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً. فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَأَمَّا حُضُورُ جَمَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيُصَلِّي وَأُولَئِكَ عُكُوفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ تَارِكُونَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مُتَشَاغِلُونَ بِالنَّوَافِلِ أَوْ الْحَدِيثِ حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلَاةُ الْأُولَى ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي يَلِيهِ وَتَبْقَى الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يُصَلُّونَ أَوْ تَحْضُرُ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ كَالْمَغْرِبِ فَيُقِيمُ كُلُّ إمَامٍ الصَّلَاةَ جَهْرًا يَسْمَعُهَا الْكَافَّةُ وَوُجُوهُهُمْ مُتَرَائِيَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِهِمْ مُخْتَلِطُونَ فِي الصُّفُوفِ وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قِرَاءَةَ الْآخَرِينَ وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ فَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي الرُّكُوعِ وَالْآخَرُ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ، وَالْآخَرُ فِي السُّجُودِ فَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً فَقَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهَا جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ إلَى حِينِ ظُهُورِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَكَفَانَا فِي الْمَسْأَلَةِ مُهِمَّةً فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ إقَامَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِجَمَاعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ حَكَى لَك أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ الَّذِينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إقَامَةَ صَلَاةٍ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِإِمَامَيْنِ رَاتِبَيْنِ يَحْضُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِمَامَيْنِ فَيُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي رُتِّبَ لِيُصَلِّيَ أَوَّلًا وَتَجْلِسُ الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى وَإِمَامُهُمْ عُكُوفًا حَتَّى يَفْرُغَ الْأَوَّلُ ثُمَّ يُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ فَهَذَا مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكِيَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا فِعْلًا وَلَا قَوْلًا فَكَيْفَ بِإِمَامَيْنِ يُقِيمَانِ الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَهْلُ الْقُدْوَةِ بِهِمَا مُخْتَلَطُونَ، وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِرَاءَةَ الْآخَرِ فَهَؤُلَاءِ زَادُوا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي لِسَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، وَفِي فِعْلِهِمْ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» وَلَمْ يَرْضَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُتَنَفِّلَيْنِ تَنَفَّلَا فِي الْمَسْجِدِ بَلْ لَمْ يَرْضَهُ لِمُقْتَدٍ اقْتَدَى بِهِ فَصَلَّى خَلْفَهُ فَكَيْفَ يَرْضَى ذَلِكَ لِإِمَامَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ هَذَا مِمَّا لَمْ نَعْلَمْ لَهُ نَظِيرًا فِي قَدِيمٍ وَلَا حَدِيثٍ. ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَسْتَحْسِنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ اسْتَقْبَحَهَا كُلُّ مَنْ يُسْأَلُ عَنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ بَادَرَ لِلْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا إذْنُ الْإِمَامِ فِي

إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب في وقت واحد

ذَلِكَ فَلَا يُصَيِّرُهُ جَائِزًا كَمَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ الْمَالِكِيُّ فِي بَيْعِ النَّبِيذِ أَوْ التَّوَضُّؤِ بِهِ أَوْ فِي أَنْ يَؤُمَّ وَلَا يَقْرَأَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ فِي نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيَّ وَالشَّيْخَ يَحْيَى الزَّنَاتِيَّ أَنْكَرَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَنَّهُمَا لَمْ يُصَلِّيَا خَلْفَ إمَامِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ رَكْعَةً وَاحِدَةً قَالَ وَكَانَ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَمْغُوصٍ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ، وَهُوَ رَزِينٌ فِي أَيَّامِ الزَّنَاتِيِّ وَالْقَابِسِيُّ فِي أَيَّامِ الطُّرْطُوشِيِّ قَالَ وَحَالُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ مَشْهُورٌ عَنْ أَقْرَانِنَا وَمَنْ قَبْلَنَا بِيَسِيرٍ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَرَدُوا إلَى مَكَّةَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَرَتِّبِينَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَعْهُودَةِ وَأَنَّهُ عَرَضَ مَا أَمْلَاهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِنْكَارِ إقَامَتِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْغَسَّانِيُّ إنَّ افْتِرَاقَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ عَلَى أَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ إمَامٍ سَاجِدٍ وَإِمَامٍ رَاكِعٍ وَإِمَامٍ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا دَانَ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَنْ صَحَّتْ عَقِيدَتُهُ وَلَا مَنْ فَسَدَتْ لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ وَلَا عِنْدَ تَلَاطُمِ السُّيُوفِ وَتَضَايُقِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ فَيَكُونَ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ اهـ. [إقَامَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ] وَسُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ إقَامَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَغْرِبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْبِدَعِ الْفَظِيعَةِ وَالْأُمُورِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي لَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ يُنْكِرُونَهَا فِي الْحَدِيثِ وَالْقَدِيمِ وَيَرُدُّونَهَا عَلَى مُخْتَرِعِهَا الْقَادِمِ مِنْهُمْ وَالْمُقِيمِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ الْحُبَابِ وَكَلَامِ الْغَسَّانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ كَفَانَا هَذَانِ الرَّجُلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيمَا نَقَلَهُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ كِفَايَةٌ قَالَ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِالشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ عَالِمِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُجْمَعِ عَلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَفَضْلِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرَفَةَ فِي حَجَّتِهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا عَلِمْت بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَبَشَاعَةُ ذَلِكَ وَشَنَاعَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِمَنْ أُلْهِمَ رُشْدَهُ وَلَمْ تَضِلَّ بِهِ عَصَبِيَّةٌ وَدَلَائِلُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ النَّبَوِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَلَقَدْ يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْمَوْسِمِ عَلَى الْمُصَلِّينَ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ لِلِاشْتِبَاهِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي يَجِبُ إنْكَارُهَا، وَالسَّعْيُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي خَفْضِ مَنَارِهَا، وَإِزَالَةِ شِعَارِهَا، وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ وَيُثَابُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَى

إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَيَنَالُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةَ، وَيُؤْجَرُ وَكُلُّ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْوَافِرُ وَالْخَيْرُ الْعَظِيمُ الْمُتَكَاثِرُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ وَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ إذْ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ مُنَاقِضٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ تَعُودَ بَرَكَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَلَمْ يَسْمَحْ الشَّارِعُ بِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ بِإِمَامَيْنِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ الشَّدِيدَةِ وَهُوَ حُضُورُ الْقِتَالِ مَعَ عَدُوِّ الدِّينِ بَلْ أَمَرَ بِقَسْمِ الْجَمَاعَةِ وَصَلَاتِهِمْ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لَمَّا اُتُّخِذَ لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِعْلُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ يُشْبِهُ فِعْلَ أَهْلِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا مَا كَانَ يُفْعَلُ فِي الْمَغْرِبِ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي حُرْمَتِهِ وَكَانَ سَيِّدِي الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُنْكِرُ ذَلِكَ غَايَةَ الْإِنْكَارِ. وَأَجَابَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِمَا صُورَتُهُ أَمَّا اجْتِمَاعُ إمَامَيْنِ بِجَمَاعَتَيْنِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْحُبَابِ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْغَسَّانِيُّ وَالْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ بِهَذِهِ الْبِدْعَةِ السُّكُوتُ عَلَيْهَا بَلْ وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ مُجَرَّحٌ فِي شَهَادَتِهِ مَقْدُوحٌ فِي إمَامَتِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَقَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي السَّفِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضُهُمْ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ فَيُقِيمُ الَّذِينَ بَقُوا فِي السَّفِينَةِ فَيُصَلُّونَ ثُمَّ يَجِيءُ الَّذِينَ كَانُوا نَزَلُوا فَيَجْمَعُونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَقَالَ بِرَأْسِهِ لَا فَرُوجِعَ فِيهَا، فَقَالَ إنَّهُ مِثْلُ الْجَمْعِ فِيهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ بِرَأْسِهِ: لَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَفَرَّقَ طَائِفَتَيْنِ فَتُصَلِّيَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ ذَلِكَ لِلْغُزَاةِ مَعَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشَرَعَ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ أَهْلُ السَّفِينَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَلَى طَائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ كُرِهَ لِلَّذِينَ نَزَلُوا إذَا جَاءُوا أَنْ يَجْمَعُوا الصَّلَاةَ لِأَنْفُسِهِمْ إذَا كَانَ الَّذِينَ بَقُوا قَدْ جَمَعُوا تِلْكَ الصَّلَاةَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الَّذِينَ بَقُوا إنَّمَا جَمَعَ بِهِمْ إمَامٌ رَاتِبٌ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي

زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ وَأَمَّا الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِإِمَامَيْنِ وَيَتْبَعُ كُلَّ إمَامٍ طَائِفَةً وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فَيُشْكَلُ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ هَلْ يَتْبَعُونَ إمَامَهُمْ أَوْ غَيْرَهُ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى مِمَّنْ صَارَ فِي شَكٍّ هَلْ اتَّبَعَ إمَامَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ تَبِعَ إمَامَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي شُغْلٍ مِنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ قَدْ شَغَلَهُ التَّكَلُّفُ فِيهِ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ إمَامٍ أَنْ يَتَبَاعَدَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ الْمُؤَدِّي لِفَسَادِ صَلَاةِ النَّاسِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِيمَا يُشَكِّكُ اهـ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ الْمَنْعُ مِنْ جَمْعِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَهُوَ الَّذِي شَاهَدْتُ شَيْخَنَا الْإِمَامَ ابْنَ عَرَفَةَ يُفْتِي بِهِ وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ اهـ قَالَ الْحَطَّابُ لَا يُقَالُ إنَّ جَمْعَهُمْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَتَقْرِيرِهِ فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ إذْنِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ لَا يُفِيدُ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ إذْنَ الْإِمَامِ فِي الْمَكْرُوهِ أَوْ الْحَرَامِ لَا يُبِيحُهُ اهـ. وَسَلَّمَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ وَالشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَتَلَامِذَتُهُمَا كَالْعَلَّامَةِ الْخَرَشِيِّ وَالْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَاقِي وَالْعَلَّامَةِ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الرَّمَاصِيُّ وَالْمُحَقِّقُ الْبُنَانِيُّ قَالَا وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْإِمَامُ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْخَرَشِيُّ والشبرخيتي وَلِلشَّارِعِ غَرَضٌ فِي تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ لِيُصَلِّيَ الشَّخْصُ مَعَ مَغْفُورٍ لَهُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَلِهَذَا أَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ وَحَضَّ عَلَيْهَا فَإِذَا عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهَا لَا تُجْمَعُ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّتَيْنِ تَأَهَّبُوا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ أَلَا تَرَى تَأَهُّبَهُمْ لِلْجُمُعَةِ وَمِنْ كَرْمِهِ - سُبْحَانَهُ - شَرَعَ الْجُمُعَةَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي الْجَمَاعَاتِ مَغْفُورٌ لَهُ وَالْجُمُعَةُ يَجْتَمِعُ لَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ شَرَعَ الْعِيدَ لِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْمُتَقَارِبَةِ ثُمَّ شَرَعَ الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ لِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْأَقْطَارِ وَفِيهِ اعْتِنَاءٌ بِالْعَبْدِ اهـ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَالْمُتَسَلِّطُ عَلَى أُمَّتِي بِالْجَبَرُوتِ لِيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ

دخل مسجدا فوجد به إماما يصلي ولم يدر هل يصلي ظهرا أو عصرا

وَيُعِزَّ مَنْ أَذَلَّهُ اللَّهُ، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَالتَّارِكُ لِلسُّنَّةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ» انْتَهَى. وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ أَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ اتِّحَادُ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَتَعَدُّدُهَا فِيهَا بِدْعَةٌ شَنِيعَةٌ وَضَلَالَةٌ فَظِيعَةٌ. وَفِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ «مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [دَخَلَ مَسْجِدًا فَوَجَدَ بِهِ إمَامًا يُصَلِّي وَلَمْ يَدْرِ هَلْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا فَوَجَدَ بِهِ إمَامًا يُصَلِّي وَلَمْ يَدْرِ هَلْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَهَلْ يَدْخُلُ مَعَهُ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا، وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ رَاتِبًا وَكَوْنِهِ غَيْرَهُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ رَاتِبًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ قَالَ الرَّمَاصِيُّ وَالْبَنَّانِيُّ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْحَطَّابُ وَسَالِمٌ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِ خَلِيلٍ - وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ - عَلَى مَنْ وَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي عَقِبَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ فِي صَلَاةِ ظُهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ وَعَلَى مُسَافِرٍ وَجَدَ إمَامًا فِي ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ أَوْ عِشَاءٍ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ أَحْرَمَ بِهَا تَامَّةً أَوْ مَقْصُورَةً فَيُحْرِمُ فِي كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَيُجْزِئُهُ مَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ ظُهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ تَامَّةٍ أَوْ مَقْصُورَةٍ لَا فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَادِرِ وَسَنَدِ اللَّخْمِيَّ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي السُّؤَالِ إجْمَالٌ إذْ لَمْ يُبَيِّنْ كَوْنَ الدَّاخِلِ صَلَّى الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهَا فَقِيلَ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ بِنِيَّةٍ وَيُتَابِعُهُ مُتَابَعَةً ظَاهِرِيَّةً غَيْرَ نَاوٍ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَقِيلَ يَقْتَدِي بِهِ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ نَفْلٍ، وَإِنْ كَانَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ

الإسماع خلف الإمام في كل حال كثرت الجماعة أو قلت

فَإِمَّا أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مُتَنَفِّلًا بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَإِمَّا أَنْ يَتَسَتَّرَ بِهَيْئَةِ الرَّاعِفِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ رَاتِبًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ فَلَا يَقْتَدِي بِهِ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيُصَلِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْإِسْمَاعِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ حَالٍ كَثُرَتْ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا اعْتَادَهُ غَالِبُ النَّاسِ مِنْ الْإِسْمَاعِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ حَالٍ كَثُرَتْ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا وَاحِدًا لَجَهَرَ بِتَكْبِيرِهِ وَقَوْلِهِ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَهَلْ مُوَافِقٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ: بِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ تَنْبَغِي بَلْ يَتَأَكَّدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَصُونَ صَلَاتَهُ الَّتِي هِيَ عِمَادُ دِينِهِ عَنْ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ وَلَا سِيَّمَا عَنْ أَمْرٍ تَصِيرُ بِهِ مُضْطَرِبَةً بَيْنَ صِحَّتِهَا وَبُطْلَانِهَا انْتَهَى. مُلَخَّصًا وَكَتَبْت بِحَوْلِهِ مَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي نَهْيُ النَّاسِ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ حَالَ اقْتِدَائِهِمْ بِالْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا صَحِيحًا فِي السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ، وَصَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَنْبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْتَدِيًا بِهِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ لِإِسْمَاعِ النَّاسِ فِي مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حُجَّةٌ لِجَوَازِهِ وَسَمِعَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَوْ جَهَرَ الْمَأْمُومُ بِالتَّكْبِيرِ وَبِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ جَهْرًا يُسْمِعُ بِهِ مَنْ يَلِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي إسْمَاعِ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَهُ أَجْرُ التَّنْبِيهِ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا. وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي الَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا إلَخْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ لِمَنْ أَرَادَ الْإِسْمَاعَ وَالْإِعْلَامَ لِلْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الذِّكْرَ كُلَّهُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ جَائِزٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ فَاعِلُهُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ ثُمَّ نَقَلَ بِسَنَدِهِ إلَى «ابْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الصَّفِّ وَخَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قَالَ فَرَفَعَ النَّاسُ رُءُوسَهُمْ وَاسْتَنْكَرُوا الرَّجُلَ وَقَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ مَنْ هَذَا الْعَالِي الصَّوْتِ فَقِيلَ هُوَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت كَلَامًا يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى فُتِحَ لَهُ»

مسائل الجمعة

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ فَفِي مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَتَعْرِيفِهِ النَّاسَ بِفَضْلِ كَلَامِهِ وَفَضْلِ مَا صَنَعَ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِذَلِكَ الذِّكْرِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَعْظِيمٌ لَهُ يَصْلُحُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ سِرًّا وَجَهْرًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ بِكَلَامٍ يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ سِرًّا مَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ جَهْرًا وَهَذَا وَاضِحٌ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ. ثُمَّ قَالَ وَكَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ يَقُولُ: إذَا جَرَى النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ وَلَهُ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ وَكَانَ لِلْإِنْسَانِ مُخْتَارٌ غَيْرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُخْتَارِهِ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ شَغَبًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَحِيرَةً فِي دِينِهِمْ. فَمِنْ شَرْطِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى أَنَّهُ مُنْكَرٌ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ نَصُّ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. قَالَ عِيَاضٌ فِي إكْمَالِهِ: لَا يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَإِنَّمَا يُغَيِّرُ مَا أُجْمِعَ عَلَى إحْدَاثِهِ وَإِنْكَارِهِ وَرَشَّحَ هَذَا النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ قَائِلًا مَا نَصُّهُ: أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْوُ هَذَا فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ نَصُّ عِزِّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ. قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ: وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي كَرَاهِيَتِهِ لَا فِي تَحْرِيمِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَرُبَّمَا يَئُولُ الْإِنْكَارُ إلَى أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْجُمُعَةِ] [الْعَدَد المشترط فِي الْجُمُعَةَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجُمُعَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْجَمَاعَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ إذَا كَانَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ شَافِعِيًّا وَنَوَى إعَادَةَ الْجُمُعَةِ فَهَلْ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ لِلْمَالِكِيِّينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ إنْ أَمْكَنَتْ أَوْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلْمَالِكِيِّينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا جُمُعَةً إنْ أَمْكَنَتْ وَإِلَّا فَظُهْرًا لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْبَعْضِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ قَلَّدَ إمَامَنَا مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَنْ سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ حَيْثُ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ نَاوِيًا إعَادَتَهَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْإِرْشَادِ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ

قَوْلِ أَبِي الضِّيَاءِ سَيِّدِي خَلِيلٍ وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ أَنْ يُعِيدَ مُفَوِّضًا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِعَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِيَّةِ بَعْدَمَا نَوَى فَرْضَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ طَرَأَتْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا وَأَمَّا إنْ حَصَلَتْ لَهُ حَالَ نِيَّةِ الْأُولَى فَلَا تُجْزِئُ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى مَا نَصُّهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَسْت أَنَا أَرَى ذَلِكَ بَلْ يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ مَكَانَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ طَاهِرًا. ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ لَمْ يُجْزَمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهَا فَرْضُهُ وَكَذَا إذَا أَعَادَهَا فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ لَمْ تَخْلُصْ النِّيَّةُ لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى أَنَّهَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ هُوَ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ فِي جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْزِئَهُ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَعَادَ بِوَقْتِ مَا يُنَاسِبُ هَذَا وَنَصُّهُ فِيهَا لِمَالِكٍ إذَا أَيْقَنْت أَنَّ الْإِمَامَ قَدَرِيٌّ أَوْ حَرُورِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُمْ وَلَا الْجُمُعَةَ فَإِنْ أَيْقَنْتَهُ وَخِفْتَهُ فَصَلِّ مَعَهُ وَأَعِدْ ظُهْرًا وَوَقَفَ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ ابْنُ يُونُسَ اُنْظُرْ قَوْلَهُ أَعِدْ ظُهْرًا مَعَ وُقُوفِهِ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى تَقِيَّةً صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَا تُجْزِئُهُ الْأُولَى. وَأَمَّا الَّذِي وَقَفَ فِيهِ مَالِكٌ فَقَدْ قَصَدَ الِائْتِمَامَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا فَرْضُهُ وَلَا يُعِيدُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اهـ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَا تُجْزِئُهُ الْأُولَى فَإِنَّهَا قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ مَسْأَلَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ الْأُجْهُورِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْمٍ قَلِيلِينَ نَزَلُوا فِي أَرْضِ زِرَاعَةٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ مِنْ قُرَى مِصْرَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي أَذِنَ فِي عِمَارَتِهَا الْحَاكِمُ وَتُسَمَّى أَبْعَدِيَّةً وَبَنَوْا قَرْيَةً، وَبَنَى مَعَهُمْ نَاسٌ مُتَغَرِّبُونَ مِنْ بِلَادِهِمْ وَبَنَوْا مَسْجِدًا فَهَلْ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت: نَعَمْ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ قُرَى مِصْرَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ غَالِبًا وَحِينَئِذٍ فَبَيْنَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمُحْدَثَةِ وَبَيْنَ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إحْدَاثِهَا بِقُرْبِهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ كَمَا نَقَلَهُ التَّتَّائِيُّ وَنَصَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا بِقُرْبِهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ اتِّفَاقًا وَفِي جَوَازِهِ بِأَزْيَدَ مِنْهَا أَوْ بِبُعْدِهَا بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ ثَالِثُهَا بَرِيدٌ لِلْبَاجِيِّ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ نَقْلِ الشَّيْخِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِّ لِكُلِّ قَرْيَةٍ أَنْ يَجْمَعُوا وَلَوْ قَرِبُوا وَلَا نَصَّ فِي مَنْعِهِ قُصُورٌ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

اللحن في الخطبة

مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَهْلِ بَلَدٍ تَخَرَّبَ جَامِعُهُمْ فَأَحْدَثُوا جَامِعًا آخَرَ وَأَقَامُوا فِيهِ الْجُمُعَةَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ثُمَّ أَصْلَحُوا الْجَامِعَ الْعَتِيقَ فَهَلْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي الْعَتِيقِ أَوْ فِي الْجَدِيدِ أَوْ فِيهِمَا وَالْحَالُ أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ يَكْفِيهِمْ جَامِعٌ وَاحِدٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ يُقِيمُونَهَا فِي الْعَتِيقِ وَحْدَهُ وَلَوْ لَمْ يُصْلِحُوهُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَخَرُّبُ الْجَامِعِ وَانْهِدَامُهُ لَا يُزِيلُ عَنْهُ الْحُكْمَ وَلَا الِاسْمَ اهـ فَإِنْ أَقَامُوهَا فِي الْجَدِيدِ وَحْدَهُ صَحَّتْ وَإِنْ أَقَامُوهَا فِيهِمَا صَحَّتْ لِأَهْلِ الْعَتِيقِ دُونَ أَهْلِ الْجَدِيدِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ جَامِعَانِ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْأَقْدَمِ فَإِنْ أُقِيمَتْ فِي الْأَحْدَثِ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْ فَإِنْ أُقِيمَتْ فِيهِمَا مَعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَتْ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْأَقْدَمِ وَأَعَادَهَا الْآخَرُونَ قَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اللَّحْنُ فِي الْخُطْبَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَطِيبٍ ادَّعَى بَعْضُ أَعْدَائِهِ مِنْ الطَّلَبَةِ أَنَّهُ يَلْحَنُ فِي خُطْبَتِهِ وَأَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ مِنْ الْخُطْبَةِ بِذَلِكَ يُرِيدُ ذَلِكَ الْمُدَّعِي أَنْ يَتَوَلَّاهَا هُوَ فَهَلْ عَلَى تَسْلِيمِ دَعْوَاهُ اللَّحْنَ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعَزْلِ أَوْ لَا خُصُوصًا وَالْجَمَاعَةُ يُحِبُّونَ خَطِيبَهُمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّحْنُ فِي الْخُطْبَةِ لَيْسَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا مُوجِبًا لِعَزْلِ الْخَطِيبِ كَيْفَ وَالرَّاجِحُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ اللَّحْنِ فِي نَفْسِ الْفَاتِحَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قَالَ وَصَحَّ بِلَا لَحْنٍ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ اللَّحْنِ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ مَنْدُوبَاتِهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا مِنْ سُنَنِهَا وَعَنْ كَوْنِهَا مِنْ وَاجِبَاتِهَا فَعَلَى الْجَمَاعَةِ أَنْ يُعْرِضُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ وَلَا يَلْتَفِتُوا لِكَلَامِهِمْ وَيَنْهَوْهُمْ عَنْ مُنْكَرِهِمْ إنْ ظَنُّوا الْإِفَادَةَ وَإِلَّا وَكَّلُوا أَمْرَهُمْ إلَى اللَّهِ فَسَيَنْتَقِمُ مِنْهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ عَتِيقٍ أُحْدِثَ لِعَدَاوَةٍ ثُمَّ خَرِبَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِوَظَائِفِهِ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَحْدَثُوهُ مَاتَ بَعْضُهُمْ وَتَسَحَّبَ بَعْضُهُمْ وَبَعْضُهُمْ فِي الْبَلْدَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ إذَا حَضَرَ مَنْ تَسَحَّبَ وَتَيَسَّرَ الْبَاقِي وَفِيهِمْ الْكِفَايَةُ لِأَعْدَائِهِمْ وَجَدَّدُوهُ لِلْعَدَاوَةِ الْكَامِنَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِمِنْ يَقُولُ لَا تَصِحُّ فِيهِ لِكَوْنِ حَاكِمِ مِصْرَ الْآنَ مَانِعَهُمْ مِنْ إظْهَارِ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ الْمُعْتَبَرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ إذَا كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ إظْهَارِ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ خَوْفًا مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي إبَاحَةِ إحْدَاثِ جَامِعٍ غَيْرِ الْعَتِيقِ خَوْفُ الْفِتْنَةِ لَا الْعَدَاوَةُ الْبَاطِنِيَّةُ الَّتِي لَا يُخْشَى مَعَهَا فِتْنَةٌ وَقِتَالٌ فِي الظَّاهِرِ كَمَا هُوَ

إمام صلى الجمعة وترتب عليه سجود قبلي عن ثلاث سنن وسجده المأموم دون الإمام جهلا

صَرِيحُ قَوْلِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْإِمَامِ الْأَمِيرِ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ إنْ اجْتَمَعُوا فِي مَسْجِدٍ تُبِيحُ التَّعَدُّدَ كَالضَّيِّقِ اهـ. وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ دَخَلَ الْجَامِعَ بَعْدَ أَنْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَدْخُلُ مَعَهُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِدُخُولِهِ مَعَهُ فَكَيْفَ يَصْنَعُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَدْخُلُ مَعَهُ وُجُوبًا نَاوِيًا الظُّهْرَ لِئَلَّا يَطْعَنَ عَلَى الْإِمَامِ وَبَعْدَ سَلَامِهِ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ اتِّفَاقًا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ فَإِنْ ظَنَّهَا الْأُولَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَاسْتَحَبَّ هُوَ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَوْ أَحْرَمَ فِي الْجُمُعَةِ إثْرَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ ظَانًّا أَنَّهُ فِي الْأُولَى فَبَانَ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَرَوَى مُحَمَّدُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَاسْتُحِبَّ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الْجُلُوسَ فَقَطْ صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ أَحْرَمَ انْتَهَى. ابْنُ رُشْدٍ لَا يُؤَخِّرُ إحْرَامَهُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَإِنْ أَدْرَكَ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ انْتَهَى. وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَكَبَّرَ الْمَسْبُوقُ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ بِلَا تَأْخِيرٍ قَالَ التَّتَّائِيُّ تَعْبِيرُهُ بِالْفِعْلِ يَظْهَرُ مِنْهُ الْوُجُوبُ لِخَبَرِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» اهـ. قَالَ الرَّمَاصِيُّ الْوُجُوبُ يُنْصَبُ لِقَوْلِهِ بِلَا تَأْخِيرٍ أَيْ يُكَبِّرُ عَاجِلًا وُجُوبًا وَلَا يُؤَخِّرُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَدَخَلَ مَنْ لَمْ يُعِدْ لَهَا وَإِنْ بِسُجُودٍ وَتَشَهُّدٍ اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [إمَامٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سُجُودٌ قَبْلِي عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسَجَدَهُ الْمَأْمُومُ دُونَ الْإِمَامِ جَهْلًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي إمَامٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سُجُودٌ قَبْلِي عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسَجَدَهُ الْمَأْمُومُ دُونَ الْإِمَامِ جَهْلًا فَهَلْ تَبْطُلُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِينَ كَمَا فِي إحْدَى الْمَسَائِلِ أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَبْطُلُ عَلَى الْجَمِيعِ لِمَا ذُكِرَ وَمَسَائِلُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي غَيْرِ مَا الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِيهِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَاقِي وَنَصُّهُ بَعْدَ عَدِّهَا إحْدَى عَشَرَةَ ثُمَّ الْإِحْدَى عَشَرَةَ فِي غَيْرِ مَا الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِيهِ وَإِلَّا كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ فِي بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ لِغَيْرِ عَدَاوَةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ تَشَاجُرٍ وَأُزِيلَ بَيْنَهُمَا فَهَلْ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ مَعَ وُجُودِ الْعَتِيقِ عَامِرًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ

الْمُحْدَثِ الْجُمُعَةُ مَعَ إقَامَتِهَا فِي الْعَتِيقِ لِقَوْلِ إمَامِنَا مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ، إنْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْعَتِيقِ وَالْجَدِيدِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَتْ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْأَقْدَمِ وَأَعَادَهَا الْآخَرُونَ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَلْدَةٍ حَدَثَتْ فِيهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ جَامِعٍ وَاحِدٍ وَزَاوِيَةٌ وَأَهْلُ الزَّاوِيَةِ يَخَافُونَ إنْ ذَهَبُوا لِلْجَامِعِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ إحْدَاثُ خُطْبَةٍ فِي تِلْكَ الزَّاوِيَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَسُوغُ لَهُمْ إحْدَاثُ خُطْبَةٍ فِي تِلْكَ الزَّاوِيَةِ إنْ خَافُوا بِذَهَابِهِمْ لِلْجَامِعِ الْقِتَالَ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْ عَشَرَ فَأَكْثَرَ مُسْتَوْفِينَ لِشُرُوطِ وُجُوبِهَا وَإِلَّا فَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنْهُمْ وَلَا يَسُوغُ لَهُمْ الْأَحْدَاثُ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَاعْلَمْ أَنَّ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ إنْ اجْتَمَعُوا فِي مَسْجِدٍ تُبِيحُ التَّعَدُّدَ كَالضَّيِّقِ وَأَمَّا خَوْفُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ وَلَا يُحْدَثُ لَهُ مَسْجِدٌ أَوْ يَأْخُذُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ الْوَاحِدِ أَحَدَ عَشَرَ فَأَقَلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ بَنَوْا مَسْجِدًا غَيْرَ الْعَتِيقِ لِعَدَاوَةٍ حَدَثَتْ بَيْنَهُمْ وَقُلْتُمْ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ هَلْ تَسْتَمِرُّ الصِّحَّةُ وَلَوْ زَالَتْ الْعَدَاوَةُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا زَالَتْ الْعَدَاوَةُ لَمْ يَجُزْ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مُتَوَطِّنٍ بِبَلَدِ جُمُعَةٍ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي بَلَدٍ أُخْرَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ فَهَلْ تَصِحُّ خُطْبَتُهُ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَصِحُّ خُطْبَتُهُ بِهَا إنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْقَصْرِ: السَّفَرُ هُنَا وَفِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَاحِدٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ إلَّا عَمَّنْ سَافَرَ الْقَصْرَ وَمَنْ سَافَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَ وَقْتَ النِّدَاءِ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ أَوْ مَارًّا بِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ لِمَنْ كَانَ مُسَافِرًا مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى بَيْنَهُمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي الْجُمُعَةِ فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي سَافَرَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ مُقِيمٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْمُقِيمِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُسَافِرٍ سَفَرَ الْقَصْرِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ جُمُعَةٍ سَفَرًا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي سَفَرِهِ هَذَا بِأَيِّ مَحَلٍّ حَلَّ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا لَا مُتَوَطِّنًا اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ

هل يشترط في الخطيب أن يفهم معنى ما يقول

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَرْيَةٍ فِيهَا مَسْجِدَانِ أَحَدُهُمَا عَتِيقٌ وَالْآخَرُ جَدِيدٌ وَالْجُمُعَةُ تُقَامُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ الْمَوْجُودُونَ فِيهَا الْآنَ لَا يَعْلَمُونَ السَّبَبَ فِي إحْدَاثِ الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى لَهُ مِنْ السِّنِينَ مِائَةُ سَنَةٍ وَزِيَادَةٌ فَهَلْ لَا يُكَلَّفُونَ بِمَعْرِفَةِ السَّبَبِ، وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ صَحِيحَةٌ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُكَلَّفُونَ بِالْبَحْثِ عَنْ سَبَبِ إحْدَاثِ الْجَدِيدِ وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ خُصُوصًا وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ وَطُولُ الْمُدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ عِلْمِ السَّبَبِ فَإِنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي أَمْرَيْنِ ضِيقِ الْعَتِيقِ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَوْسِعَتِهِ، وَالْعَدَاوَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُمَا حِسِّيَّانِ لَا يُجْهَلَانِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ جِدًّا وَأَمَّا حُكْمُ الْمُخَالِفِ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ سَبَبًا وَإِنَّمَا هُوَ مُصَحَّحٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّبَبَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ فَإِذَا حَصَلَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ وَأُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْجَدِيدِ لِأَجْلِهِ ثُمَّ زَالَ بِأَنْ قَلَّ أَهْلُ الْبَلَدِ وَوَسِعَهُمْ الْعَتِيقُ أَوْ زَالَتْ الْعَدَاوَةُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي الْعَتِيقِ. [هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى مَا يَقُولُ] (مَسْأَلَةٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى مَا يَقُولُ فَلَا تَصِحُّ خُطْبَةُ مَنْ لُقِّنَ أَلْفَاظًا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا لِعُجْمَةٍ وَنَحْوِهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ فَهْمُ الْخَطِيبِ مَعْنَاهَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْخَطِيبُ مَعْنَى مَا يَقُولُ فَلَا يَكْفِي أَعْجَمِيٌّ لُقِّنَ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَفْهَمُ فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْخُطْبَةِ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ مُسْتَقِلًّا أَوْ عَنْ الِاعْتِدَالِ فَخَطَبَ الْجُمُعَةَ وَاسْتَنَابَ عَلَى الصَّلَاةِ فَهَلْ لَا تَصِحُّ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تَصِحُّ لِقَوْلِ خَلِيلٍ وَبِكَوْنِهِ الْخَاطِبَ وَقَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ قَيَّدَهُ شَارِحُوهُ وَمُحَشُّوهُ بِالطَّارِئِ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ إذَا ضَعُفَ الْإِمَامُ عَنْ الْخُطْبَةِ فَلَا يُصَلِّي بِهِمْ وَيَخْطُبُ غَيْرُهُ وَلْيُصَلِّ الَّذِي

أَمَرَهُ بِالْخُطْبَةِ وَيُصَلِّي الْأَمِيرُ خَلْفَهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مُنْضَمَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَفَرَّقَا عَلَى إمَامَيْنِ بِالْقَصْدِ اهـ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ إنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ فَلْيَسْتَحْلِفْ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَجَدَ كَوْمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَرْيَةِ الْعَامِرَةِ فَرْسَخٌ وَنِصْفٌ فِي الْبَرِّ وَثُلُثَا فَرْسَخٍ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ نَاسٌ بَانُونَ وَقَاطِنُونَ فِيهِ فَبَنَى فِيهِ أَيْضًا دُوَّارًا وَأَنْشَأَ بُسْتَانًا وَحَضَرَ نَاسٌ وَبَنَوْا أَيْضًا، وَأَقَامُوا بِعِيَالِهِمْ وَبَنَى فِيهِ جَامِعًا وَمَدَافِنَ لِلْأَمْوَاتِ فَهَلْ يَصِحُّ لِلْمُقِيمِينَ بِتِلْكَ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي فِي الْكَوْمِ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ الذَّهَابُ إلَى مَسْجِدِ الْقَرْيَةِ الْعَامِرَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ فِي الْعِزْبَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّ بَيْنَ الْكَوْمِ الْمَذْكُورِ وَالْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا جَامِعُ الْجُمُعَةِ فَرْسَخًا وَنِصْفُهُ وَذَلِكَ مِقْدَارُ سَيْرِ الْإِبِلِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ سَاعَتَيْنِ وَرُبْعَ سَاعَةٍ وَكَذَا بَيْنَهُ وَكُلِّ قَرْيَةٍ غَيْرِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْقُرَى الْمُحِيطَةِ بِهِ الَّتِي فِيهَا جَامِعُ جُمُعَةٍ الْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ وَاسْتَوْطَنَهُ الْجَمَاعَةُ الْمُقِيمُونَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْوُونَ الِانْتِقَالَ مِنْهُ أَبَدًا وَكَانُوا يَأْمَنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَحَرِيمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ دَائِمًا حَالَ اسْتِيطَانِهِمْ لَهُ بِحَيْثُ يَدْفَعُونَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُمْ مِنْ الْأَعْدَاءِ غَالِبًا وَتَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِعَدَدٍ خَاصٍّ وَأَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْجَامِعِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَصَحَّتْ مِنْهُمْ بِاسْتِيفَاءِ بَاقِي شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ الذَّهَابُ إلَى جَامِعِ قَرْيَةٍ أُخْرَى وَالْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مِنْ قُرَى رِيفِ مِصْرَ الَّتِي فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ سَاعَةً غَالِبًا، وَقَدْ يَنْقُصُ أَوْ يَزِيدُ عَنْهَا قَلِيلًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّ بَيْنَ الْكَوْمِ الْمَذْكُورِ وَكُلِّ قَرْيَةٍ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ فَرْسَخًا وَنِصْفَهُ الْمُقَدَّرَ بِسَاعَتَيْنِ، وَرُبْعِ سَاعَةٍ وَهُوَ بَيْنَهَا فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا بِقُرْبِهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ اتِّفَاقًا وَفِي جَوَازِهِ بِأَزْيَدَ مِنْهَا أَوْ بِبُعْدِهَا بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ ثَالِثُهَا بِبَرِيدٍ لِلْبَاجِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ بَشِيرٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ نَقْلِ الشَّيْخِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ لِكُلِّ قَرْيَةٍ أَنْ يَجْمَعُوا وَلَوْ قَرِبُوا وَلَا نَصَّ فِي مَنْعِهِ قُصُورٌ انْتَهَى، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَهْلِ قَرْيَةٍ بِهَا جَامِعٌ عَتِيقٌ انْهَدَمَ فَتَرَكُوهُ ثُمَّ أَقَامُوا الْجُمُعَةَ فِي زَاوِيَةٍ مُدَّةً مِنْ السِّنِينَ ثُمَّ بَنَوْا جَامِعًا آخَرَ قَرِيبًا مِنْ الْعَتِيقِ وَنَقَلُوا الْجُمُعَةَ مِنْ الزَّاوِيَةِ إلَيْهِ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ ثُمَّ هَدَمُوهُ وَبَنَوْا الْعَتِيقَ وَضَيَّقُوهُ عَنْ أَصْلِهِ وَأَقَامُوا الْجُمُعَةَ فِيهِ مَعَ إقَامَتِهَا فِي الْجَدِيدِ فَمَا الْحُكْمُ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ فِي الْعَتِيقِ وَلَمْ تَصِحَّ فِي الْجَدِيدِ مَعَ إقَامَتِهَا فِي الْعَتِيقِ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ جَامِعَانِ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْأَقْدَمِ فَإِنْ أُقِيمَتْ فِي الْأَحْدَثِ وَحْدِهِ أَجْزَأَتْ فَإِنْ أُقِيمَتْ فِيهِمَا مَعًا مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَتْ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْأَقْدَمِ وَأَعَادَهَا الْآخَرُونَ قَالَهُ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ يَجْزِهِمْ جَامِعٌ جَازَ أَنْ يُصَلَّى فِي جَامِعِينَ اهـ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْجِدُ إذَا انْهَدَمَ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْحُكْمِ فِيهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ سَكَنُوا جَزِيرَةً وَسَطَ الْبَحْرِ وَبَنَوْا فِيهَا مَسْجِدًا وَفِي الْبَرِّ جَامِعٌ عَتِيقٌ لَا يُمْكِنُهُمْ الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا فِي سَفِينَةٍ فَهَلْ لَهُمْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ بِالْجَزِيرَةِ إنْ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا فِيهِمْ أَوْ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْجَامِعِ الْعَتِيقِ وَالْبَحْرُ يَعْلُو تِلْكَ الْجَزِيرَةَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْبَحْرُ حِينَ يَعْلُوهَا يَمْنَعُ مِنْ سُكْنَاهَا وَيُوجِبُ الِانْتِقَالَ مِنْهَا حَتَّى يَنْزِلَ عَنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَرْطُ الِاسْتِيطَانِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِحَالٍ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَامِعِ الْعَتِيقِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ أَوْ أَقَلُّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ صَحَّتْ فِي مَسْجِدِهَا إنْ اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَهْلُهَا الْمُخَاطَبُونَ بِهَا نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةٍ وَالْعَتِيقُ يَسَعُهُمْ وَزِيَادَةً وَأَرَادُوا إقَامَةَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ مُسْتَنِدِينَ لِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ، وَقَوْلُ الْعَدَوِيِّ الْعَمَلُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ فَهَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْجَدِيدِ مَعَ الْعَتِيقِ وَهَلْ إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهَا عَلَى مَذْهَبِهِ يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ وَتَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَدِيدِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّمَا هُوَ فِي مِثْلِ مِصْرَ وَبَغْدَادَ وَهُوَ قَوْلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مُقَابِلَةٍ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَلَكِنْ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي مِثْلِ مِصْرَ وَبَغْدَادَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْعَدَوِيِّ الْعَمَلُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ وَنُقِلَ عَنْ النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ أَنَّ قَوْلَ التَّوْضِيحِ لَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي مِثْلِ مِصْرَ وَبَغْدَادَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ فِي مِثْلِ مِصْرَ وَبَغْدَادَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّعَدُّدِ. قَالَ الْعَدَوِيُّ لَكِنَّ الْعَمَلَ الْآنَ جَارٍ بِقَوْلِ

صلى الجمعة خلف غير الخاطب لغير عذر هل صحت صلاته أوبطلت فيصليها ظهرا

يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بِجَوَازِهِ فِي مِثْلِ مِصْرَ وَبَغْدَادَ الْمُخَالِفِ لِلْمَشْهُورِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ يَحْيَى قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى مَسْجِدَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي نَصُّهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِوُجُودِ قَوْلٍ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مَنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَوْ وُجِدَ لَأَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ وَلَمْ يَحْتَجْ لِحِيلَةِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ لَخَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَحَصَرَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: مَنْعُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَجَوَازُهُ فِي مِثْلِ مِصْرَ وَبَغْدَادَ بِمَسْجِدَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَجَوَازُهُ كَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْجَانِبَيْنِ كَبَغْدَادَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَجَوَازُهُ بِمَسْجِدَيْنِ إنْ كَثُرُوا جِدًّا حَتَّى بَعُدَ الْمُصَلُّونَ فِي الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَنَصُّهُ وَلَا تُقَامُ فِي مَوْضِعَيْ مِصْرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ عَظُمَ كَمِصْرِ وَبَغْدَادَ فَلَا بَأْسَ بِهَا بِمَسْجِدَيْنِ ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ كَانَتْ ذَاتَ جَانِبَيْنِ كَبَغْدَادَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَثُرُوا وَبَعُدَ الْمُصَلُّونَ بِأَفْنِيَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي إنْ أُقِيمَتَا فَفِيهَا الصَّحِيحَةُ ذَاتُ الْعَتِيقِ اهـ. وَحُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِصِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ مَعَ الْعَتِيقِ لَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي الْبَلَدِ مُطْلَقًا فَهُوَ حُكْمٌ بَاطِلٌ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَهْلِ بَلَدٍ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ فِي مَسْجِدِهِ الْعَتِيقِ مَعَ تَهَدُّمِ بِنَائِهِ وَاتِّسَاعِهِ لَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْضُ قُدَمَائِهِمْ بِأَنَّ بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ أَقْدَمَ مِنْ هَذَا انْدَرَسَ وَاُتُّخِذَا دُورًا لِلسُّكْنَى فَهَدَمُوا تِلْكَ الدُّورَ وَحَفَرُوا مَوْضِعَهَا فَوَجَدُوا عَلَامَاتِ الْمَسْجِدِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مِنْ بِئْرٍ وَمَغْطِسٍ وَمَجَارٍ وَجُدْرَانٍ فَبَنُوهُ الْبِنَاءَ الْمُعْتَادَ لَهُمْ وَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ فِيهِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْمُتَهَدِّمِ الَّذِي كَانُوا مُقْتَصِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهِ قَبْلَ تَجْدِيدِ هَذَا ثُمَّ جَدَّدُوا الْمُتَهَدِّمَ أَيْضًا ثُمَّ أُحْدِثَ مَسْجِدٌ ثَالِثٌ وَصُلِّيَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَيْضًا مَعَ صَلَاتِهَا فِي الْأَوَّلَيْنِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسَعُ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي الْجَامِعِ الَّذِي كَانَ مُنْدَرِسًا وَجُدِّدَ مَا دَامَتْ تُصَلَّى فِيهِ وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهُجِرَ غَيْرُهُ صَحَّتْ سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي اثْنَيْنِ وَهُجِرَ الثَّالِثُ صَحَّتْ مِنْ أَهْلِ الْعَتِيقِ مِنْهُمَا وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا لِأَهْلِ الَّذِي جُدِّدَ بَعْدَ انْدِرَاسِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ غَيْرِ الْخَاطِبِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْبَطَلَتْ فَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ غَيْرِ الْخَاطِبِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ بَطَلَتْ فَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ الَّذِي صَلَّى الْجُمُعَةَ

صلى الجمعة خلف شافعي وأعادها الإمام ظهرا فما حكم صلاة المأموم المالكي

مَالِكِيًّا فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ بَاطِلَةٌ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ كَوْنَ الْإِمَامِ الْخَاطِبَ إلَّا لِعُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ شَافِعِيًّا مَثَلًا وَمَذْهَبُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فِيهَا فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ شَافِعِيٍّ وَأَعَادَهَا الْإِمَامُ ظُهْرًا فَمَا حُكْمُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الْمَالِكِيّ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ شَافِعِيٍّ وَأَعَادَهَا الْإِمَامُ ظُهْرًا فَمَا حُكْمُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الْمَالِكِيِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ الْمَالِكِيِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مُسَاوَاةَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ صَلَاةَ إمَامِهِ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ وَصِفَتِهَا إلَّا النَّفَلَ خَلْفَ فَرْضٍ وَالْعِبْرَةُ فِي شَرْطِ الِاقْتِدَاءِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ وَلَمَّا أَعَادَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ظُهْرًا اُحْتُمِلَ أَنَّ الظُّهْرَ هِيَ فَرْضُ الْإِمَامِ وَالْجُمُعَةَ غَيْرُ فَرْضِهِ فَلَمْ تُسَاو صَلَاتُهُ بِصَلَاةِ الْمَأْمُومِ فِي تَعَيُّنِ الْفَرْضِيَّةِ وَلَزِمَ أَنَّهُ صَلَّى فَرْضًا يَقِينًا خَلْفَ مُحْتَمِلٍ لِلْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَامِعِ جُمُعَةٍ هَدَمَهُ الْبَحْرُ فَهَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ مَهْدُومًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ مَهْدُومًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ لِأَنَّ هَدْمَهُ لَا يُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الْجَامِعِ وَلَا حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى جَامِعًا ابْتِدَاءً إلَّا بِالْبِنَاءِ نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَوَّاقُ وَالْحَطَّابُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَرْيَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ صَغِيرٌ لَا يُجَاوَزُ إلَّا بِسُفُنٍ صِغَارٍ وَإِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُهَا عَنْ الْأُخْرَى بَلْ كُلُّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَالْعَيْشِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُخْرَى وَفِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ جَامِعَانِ تُقَامُ الْجُمُعَةُ فِيهِمَا لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ مِنْهُمَا ثُمَّ بُنِيَ فِي الْقَرْيَةِ الْأُخْرَى جَامِعَانِ وَأُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِيهِمَا فَهَلْ بِفَصْلِهِمَا بِالنَّهْرِ الْمَذْكُورِ يُعَدَّانِ بَلَدَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ فَلَا يَلْزَمُ السَّعْيُ مِنْ إحْدَاهُمَا لِجَامِعِ الْأُخْرَى وَتَصِحُّ فِي الْجَامِعَيْنِ الْجَدِيدِ أَوْ فِي الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، الْفَصْلُ بِالنَّهْرِ لَا يُصَيِّرُهُمَا بَلَدَيْنِ كَمَا فِي بَغْدَادَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْجَامِعَيْنِ الْجَدِيدَيْنِ مَا دَامَتْ تُصَلَّى فِي الْعَتِيقَيْنِ وَالْجَامِعَانِ الْعَتِيقَانِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسَعُ أَهْلَ الْبَلَدِ وَلَمْ تُمْكِنْ تَوْسِعَتُهُ حَتَّى يَسَعَهُمْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ فِيهِمَا وَإِلَّا فَالْأَحْوَطُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَهْلُهَا الْمُخَاطَبُونَ بِالْجُمُعَةِ وَلَوْ نَدْبًا نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةٍ وَالْجَامِعُ يَسَعُهُمْ وَأَرَادُوا إقَامَةَ الْجُمُعَةِ فِي جَامِعٍ آخَرَ مَعَ إقَامَتِهَا فِي الْعَتِيقِ مُسْتَنِدِينَ لِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَقَوْلِ الْعَدَوِيِّ الْعَمَلُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ فَمَا مَعْنَى الْكَبِيرِ وَمَا مَعْنَى الْعَمَلِ وَإِذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ فَهَلْ يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّمَا هُوَ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ وَمِصْرَ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مُخَالِفَةٍ لِمَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ وَمِصْرَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْعَدَوِيِّ الْعَمَلُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ وَنَقَلَ الْعَدَوِيُّ عَنْ اللَّقَانِيِّ قَوْلُ التَّوْضِيحِ لَا أَظُنُّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ وَمِصْرَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخِلَافَ مَنْصُوصٌ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ وَمِصْرَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّعَدُّدِ. الْعَدَوِيُّ لَكِنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْمُخَالِفِ لِلْمَشْهُورِ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِوُجُودِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مَنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَوْ وُجِدَ لَأَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ وَلَمْ يَحْتَجْ لِحِيلَةِ التَّعْلِيقِ الَّتِي أَفْتَى بِهَا السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ وَقَدْ لَخَّصَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَحَصَرَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: مَنْعُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَجَوَازُهُ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ وَمِصْرَ بِمَسْجِدَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ، وَجَوَازُهُ كَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْجَانِبَيْنِ كَبَغْدَادَ قَالَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَجَوَازُهُ بِمَسْجِدَيْنِ إنْ كَثُرُوا جِدًّا وَبَعُدَ الْمُصَلُّونَ فِي الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا تُقَامُ بِمَوْضِعَيْ مِصْرَ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ عَظُمَ كَبَغْدَادَ وَمِصْرَ فَلَا بَأْسَ بِهَا بِمَسْجِدَيْنِ. ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ كَانَتْ ذَاتَ جَانِبَيْنِ كَبَغْدَادَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَثُرُوا وَبَعُدَ الْمُصَلُّونَ فِي أَفْنَيْته وَعَلَى الثَّانِي إنْ أُقِيمَتَا فَفِيهَا الصَّحِيحَةُ ذَاتُ الْعَتِيقِ اهـ. وَحُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِصِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ مَعَ إقَامَتِهَا فِي الْعَتِيقِ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ مَنْعِهِ التَّعَدُّدَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَهُوَ حُكْمٌ بَاطِلٌ لَمْ يَرْفَعْ الْخِلَافَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ فِي مَدِينَةِ بَرْبَرٍ وَفِيهَا جَامِعٌ عَتِيقٌ يَضِيقُ عَنْ الْمُصَلِّينَ فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِكَثْرَةِ الْوَارِدِينَ عَلَيْهَا لِلتِّجَارَةِ وَيُصَلُّونَ فِي طُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَهَلْ تَصِحُّ فِي الْجَدِيدِ لِضِيقِ الْعَتِيقِ وَهَلْ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ يَرَى صِحَّتَهَا فِيهِ بِصِحَّتِهَا فِيهِ يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ وَتَصِحُّ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ضِيقُ الْعَتِيقِ يُصَحِّحُ صَلَاتَهَا فِي الْجَدِيدِ مَعَ صَلَاتِهَا فِي الْعَتِيقِ بِشَرْطِ عَدَمِ إمْكَانِ تَوْسِعَةِ الْعَتِيقِ لِمُجَاوَرَتِهِ جَبَلًا أَوْ بَحْرًا أَوْ تَأْدِيَةِ تَوْسِعَتِهِ لِتَخْلِيطِ الصَّلَاةِ لِاتِّسَاعِهِ جِدًّا، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ اسْتِقْلَالًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لِصِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ مَعَ صَلَاتِهَا فِي الْعَتِيقِ إلَّا مَا أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ حِينَ أَحْدَثَ جَامِعَهُ بِمِصْرَ الْقَاهِرَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يُعَلِّقُ عِتْقَ رَقِيقٍ أَوْ صَدَقَةً عَلَى مُعَيَّنٍ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ مَعَ صَلَاتِهَا فِي الْعَتِيقِ وَبَعْدَ صَلَاتِهَا فِي الْجَدِيدِ يُرْفَعُ الرَّقِيقُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَيْهَا أَوْ الْمُعَيَّنُ لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ لِقَاضٍ حَنَفِيٍّ يَرَى صِحَّتَهَا فِي الْجَدِيدِ مَعَ الْعَتِيقِ بِلَا شَرْط فَيَحْكُمُ بِلُزُومِ الْعِتْقِ أَوْ الصَّدَقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَى صِحَّتِهَا فَيَسْرِي حُكْمُهُ لِصِحَّتِهَا فَتَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا لِرَفْعِ حُكْمِهِ الْخِلَافَ، وَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى حُكْمِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ مَعَ صَلَاتِهَا فِي الْعَتِيقِ وَلَا نَصَّ فِي مَذْهَبِنَا فِيمَنْ يَعْتَبِرُ الضِّيقَ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَرْيَةٍ فِيهَا نَحْوُ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ مُتَوَطِّنُونَ بِهَا وَبَاقِيهِمْ طَارِئُونَ عَلَيْهَا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى قَدْ أَحْدَثُوا مَسْجِدًا فِيهَا فَهَلْ تَجُوزُ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَجُوزُ وَلَا تَصِحُّ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِهِ اثْنَا عَشَرَ مُتَوَطِّنُونَ وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةً مُتَوَطِّنِينَ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْأَعْدَاءَ وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ فِي مَسْجِدٍ جَدِيدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتِيقِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ أَيْ مَسَافَةُ سَاعَةٍ وَنِصْفٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحِبَهُ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسْجِدٍ مُحْدَثٍ قَرِيبٍ مِنْ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ هُوَ كَالْمُحْدَثِ فِيهَا وَمَا قَوْلُكُمْ فِي قُرًى مُتَقَارِبَةٍ جِدًّا أُقِيمَتْ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهَا وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ قُرْبُهُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ فَهُوَ كَالْمُحْدَثِ فِيهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِأَزْيَدَ مِنْهَا فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْجُمُعَةُ الْمُقَامَةُ فِي الْقُرَى الْمَذْكُورَةِ تُعَادُ ظُهْرًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا أَيْ الْجُمُعَةِ بِقُرْبِهَا أَيْ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ اتِّفَاقًا فِي جَوَازِهِ بِأَزْيَدَ مِنْهَا أَوْ بِبُعْدِهَا بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ ثَالِثُهَا بِبَرِيدٍ لِلْبَاجِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ بَشِيرٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ

وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ نَقْلِ الشَّيْخِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ لِكُلِّ قَرْيَةٍ أَنْ يَجْمَعُوا وَلَوْ قَرِبُوا وَلَا نَصَّ فِي مَنْعِهِ قُصُورٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَبْلَ هَذَا فِيهَا مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحَمْدِيسُ وَلَا تُقَامُ بِمَوْضِعَيْ مِصْرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ عَظُمَ كَمِصْرِ فَلَا بَأْسَ بِهَا بِمَسْجِدَيْنِ ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ كَانَتْ ذَاتَ جَانِبَيْنِ كَبَغْدَادَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَثُرُوا وَبَعُدَ مَنْ يُصَلِّي بِأَفْنِيَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ أُقِيمَتْ فِيهَا فَفِيهَا الصَّحِيحَةُ ذَاتُ الْعَتِيقِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَوَّلُهُمَا صَلَاةً قَالَ سَنَدٌ لَوْ صُلِّيَتْ بِجَدِيدَيْنِ صَحَّتْ الْمُنْفَرِدَةُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَالسَّابِقَةُ إحْرَامًا فَإِنْ جُهِلَتْ أَعَادَ الْكُلُّ ظُهْرًا فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَعَادُوا جُمُعَةً وَاحِدَةً اهـ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي أَهْلِ بُيُوتٍ خَارِجَةٍ عَنْ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ بِمَسِيلِ مَاءٍ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ مِسَاحَتُهُ بِالذِّرَاعِ الْبَلَدِيِّ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ هَلْ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ فِي الْقَرْيَةِ بِهِمْ وَيُعَدُّونَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ أَمْ لَا وَتَجِبُ عَلَيْهِمْ تَبَعًا لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ تَبَعًا لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلَا يُعَدُّونَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَامِعٍ عَتِيقٍ انْهَدَمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ جُدْرَانِهِ إلَّا الْقَلِيلَ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ لِأَنَّ انْهِدَامَهُ لَا يُزِيلُ اسْمَ الْجَامِعِ عَنْهُ وَلَا حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى جَامِعًا ابْتِدَاءً إلَّا بِالْبِنَاءِ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ وَالْحَطَّابُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَامِعٍ بُنِيَ وَلَمْ يُسْقَفْ فَهَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ وَمِنَحِ الْجَلِيلِ وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ أَيْ الْمَحَلُّ الْمُعْتَادُ سَقْفُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ لَا نَحْوُ صَحْنِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهَا تَرَدُّدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ نَقْلُ الْمَوَّاقِ عَنْ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ فِي دَوَامِهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَامِعًا ابْتِدَاءً وَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مَسْقُوفًا فَإِذَا سُقِفَ وَزَالَ سَقْفُهُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ تَصِحُّ فِيهِ

مسائل الجنازة

وَذَكَرَ التَّتَّائِيُّ وَسَالِمٌ وَالْأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ الْقَوْلَيْنِ مُرَجَّحٌ فَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا عُمِلَ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي التَّشْوِيشُ عَلَى الْعَوَامّ بِالْآخَرِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْجِنَازَةِ] [حُكْمِ إعَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجِنَازَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حُكْمِ إعَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَمَاعَةً بَعْدَ فِعْلِهَا أَوْ لَا جَمَاعَةَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ: حُكْمُ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ وَتَكْرَارُهَا إلَّا جَمْعًا بَعْدَ فَذٍّ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْفَذُّ فَيُنْدَبُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَضَرَ عِنْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْفَضْلِ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا إمَامًا، وَالثَّانِي وَمَنْ حَضَرَ مَأْمُومًا، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ الثَّانِي الْمَذْكُورُ الَّذِي صَلَّى مَأْمُومًا، وَصَلَّى إمَامًا بِبَعْضِ الْمُصَلِّينَ الْأُوَلِ، وَغَيْرِهِمْ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي صَلَاةِ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ مَأْمُومًا وَصَلَاةِ مَنْ مَعَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: حُكْمُ اللَّهِ فِي صَلَاةِ هَذَا الْإِمَامِ الصِّحَّةُ، وَالْكَرَاهَةُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا التَّقَدُّمَ الْكِبْرَ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ فِيهَا التَّحْرِيمُ، وَالْبُطْلَانُ، وَفِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا، وَالتَّحْرِيمُ إنْ عَلِمُوا بِصَلَاتِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا أَنْ لَا يَكُونَ مُعِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ فَلَّاحِي الْأَرْيَافِ مِنْ كَوْنِهِمْ يَبْحَثُونَ مَقَابِرَ الْمُسْلِمِينَ لِيُخْرِجُوا مِنْهَا سَبْخًا لِزَرْعِهِمْ، وَيُمَزِّقُونَ أَجْزَاءَ الْأَمْوَاتِ، وَيَكْسِرُونَ عِظَامَهُمْ فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ الْإِثْمُ، وَالْأَدَبُ الشَّدِيدُ مِمَّنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ وَوَلَّاهُ الْحُكْمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّشْدِيدُ عَلَيْهِمْ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، وَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَالتَّأْدِيبِ لِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إقْرَارَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ

الدوران بالميت وهو في نعشه يمينا وشمالا وقهقرى واستقامة

الْعُلَمَاءُ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ مِنْهُ شَيْءٌ مَا مَوْجُودًا فِيهِ حَتَّى يَفْنَى فَإِذَا فَنِيَ فَحِينَئِذٍ يُدْفَنُ فِيهِ غَيْرُهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مَا مِنْ عِظَامِهِ فَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ لِجَمِيعِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ قَدْ غُصِبَ اهـ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ دَفَنَ أَرْبَعَةً مِنْ الْوَلَدِ فِي مَقْبَرَةٍ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ مِنْ دَفْنِهِ إيَّاهُمْ غَابَ الرَّجُلُ عَنْ الْبَلَدِ فَجَاءَ الْحَفَّارُ فَحَفَرَ عَلَى قُبُورِ أُولَئِكَ الْأَطْفَالِ قَبْرًا لِامْرَأَةٍ، وَدَفَنَهَا فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الْوَالِدُ مِنْ سَفَرِهِ بَعْدَ دَفْنِ الْمَرْأَةِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَجِدْ لِقُبُورِ بَنِيهِ أَثَرًا غَيْرَ قَبْرِ الْمَرْأَةِ فَأَرَادَ نَبْشَهَا، وَتَحْوِيلَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِيُقِيمَ قُبُورَ بَنِيهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْبُشَهَا، وَيَنْقُلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مَيِّتَةً كَحُرْمَتِهَا حَيَّةً فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْشِفَهَا، وَيَطَّلِعَ عَلَيْهَا، وَيَنْظُرَ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ لِمَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ إذْ لَا يُشَكُّ فِي تَغَيُّرِهَا فِيهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي آخِرِ بَابِ الْجَنَائِزِ، وَلِلْمَيِّتِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ قَبْرِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ نِسْيَانِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَإِلْحَاقُ دَفْنِ آخَرَ مَعَهُ بِأَبْوَابِ الضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ لِإِخْرَاجِهِ يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ وَبَسْطٍ طَوِيلٍ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الدَّوَرَانِ بِالْمَيِّتِ وَهُوَ فِي نَعْشِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَهْقَرَى وَاسْتِقَامَةً] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الدَّوَرَانِ بِالْمَيِّتِ، وَهُوَ فِي نَعْشِهِ يَمِينًا، وَشِمَالًا، وَقَهْقَرَى، وَاسْتِقَامَةً فَهَلْ يُعَدُّ كَرَامَةً إنْ كَانَ مِنْ نَفْسِ الْمَيِّتِ، وَيَحْرُمُ إنْ كَانَ مِنْ الْحَامِلِينَ، وَفِي الدَّوَرَانِ بِهِ عَلَى الْأَهَالِيِ، وَجَمْعِ الدَّرَاهِمِ بِهِ، وَغَيْرِهَا، وَتَأْخِيرِ دَفْنِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَهَلْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، وَأَكْلِ مَا جَمَعُوهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الدَّوَرَانُ بِالْمَيِّتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْحَامِلِينَ يَقِينًا بِالْمُشَاهَدَةِ، وَبِاعْتِرَافِهِمْ بِذَلِكَ فَلَا يُعَدُّ كَرَامَةً، وَلَا اسْتِدْرَاجًا نَعَمْ إنْ طَارَ بِنَعْشِهِ أَوْ مِنْهُ، وَفَارَقَ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ مُنَافٍ لِمَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ مِنْ الْإِسْرَاعِ بِالْمَيِّتِ، وَمُؤْذٍ لِلْمَيِّتِ، وَمُخِلٌّ بِحُرْمَتِهِ، وَجَمْعُ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا بِهِ حَرَامٌ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَتَأْخِيرُ دَفْنِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَغَيُّرِهِ وَهَتْكِ حُرْمَتِهِ خُصُوصًا مَعَ شِدَّةِ تَحْرِيكِهِ، وَاضْطِرَابِهِ فَتَخْرُجُ فَضَلَاتُهُ الَّتِي فِي جَوْفِهِ، وَتَخْبُثُ رَائِحَتُهُ، وَيَا لَهَا مِنْ فَضِيحَةٍ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ، وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، وَزَجْرُهُمْ، وَحَبْسُهُمْ، وَضَرْبُهُمْ إنْ لَمْ يَنْفَعْ فِيهِمْ الْكَلَامُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ إقْرَارُهُمْ عَلَى هَذَا الْبَاطِلِ الْفَظِيعِ، وَالْهَوَسِ الشَّنِيعِ.

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «إذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا؟ فَيَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ مَا يَعُمُّ غَسْلَهَا، وَتَكْفِينَهَا، وَحَمْلَهَا، وَالْمَشْيَ مَعَهَا مَشْيًا دُونَ الْخَبَبِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى ضَعَفَةِ مَنْ يَتْبَعُهَا، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ يَمْشُونَ بِهَا قَلِيلًا سَجِيَّةَ الْعَادَةِ، وَلَا يَدِبُّونَ بِهَا دَبِيبَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَكْرَهُونَ الْإِبْطَاءَ، وَيُحِبُّونَ الْعَجَلَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مِنْ مُخْتَصَرِ التَّذْكِرَةِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنُ يُونُسَ، وَلَا يُمْشَى بِالْجِنَازَةِ الْهُوَيْنَا، وَلَكِنْ مِشْيَةَ الرَّجُلِ لِلشَّابِّ فِي حَاجَةٍ نَقَلَهُ بَهْرَامُ، وَالْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: السُّنَّةُ فِي الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ كَالشَّابِّ الْمُسْرِعِ فِي حَاجَتِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: يُعَارِضُ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ حَدِيثَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ بِجَنَائِزِكُمْ» قُلْت: لَا مُعَارَضَةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَدُونَ الْخَبَبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْخَبَبَ؛ لِأَنَّ فِي شُمُولِهِ لِلْخَبَبِ مُنَافَاةٌ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا عَلِمْت، وَلِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِالْمَيِّتِ، وَإِضْرَارًا بِالْمُشَيَّعِينَ أَشَارَ لِذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ. ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ بِالْإِسْرَاعِ أَوْ بِالتَّأَنِّي فَضِدُّ الْمَخُوفِ أَوْلَى بَلْ وَاجِبٌ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَغَيُّرٌ اهـ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ " «إنَّ النَّاسَ يَتَبَاهَوْنَ بِأَكْفَانِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي «يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً» فَفِي أَيِّ مَحَلٍّ يَتَبَاهَوْنَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ جَمَعَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ كَسَا أَحَدًا فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَمْ يَكْسُ أَحَدًا فِيهَا مُسْتَنِدًا لِحَدِيثٍ، وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالثَّانِي عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مُسْتَنِدًا لِحَدِيثٍ مُصَرِّحٍ بِذَلِكَ، وَنَصُّهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَسَلَّمَ يَقُولُ «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. قَالَ: يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ مَنْ كَسَا لِلَّهِ كَسَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَا فِي الْحَدِيثِ عُرَاةً عَلَى مَنْ لَمْ يَكْسُ أَحَدًا فِي دَارِ الدُّنْيَا بَلْ رَأَيْت فِي كِتَابِ كَشْفِ عُلُومِ الْآخِرَةِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «بَالِغُوا فِي أَكْفَانِ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ أُمَّتِي تُحْشَرُ بِأَكْفَانِهَا، وَسَائِرَ الْأُمَمِ عُرَاةً» اهـ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَلَاةٍ عَلَى مَيِّتٍ حَالَ اسْتِتَارِ الشَّمْسِ بِلَا خَوْفِ تَغَيُّرٍ فَأَعَادَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ إلَى أَنْ تُصَلَّى الْمَغْرِبُ فَعَارَضَهُ آخَرُ بِقَوْلِ عَبْدِ الْبَاقِي تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَمَنْ الْمُصِيبُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ حَالِ الِاسْتِتَارِ، وَقْتَ الْغُرُوبِ فَكِلَاهُمَا مُصِيبٌ لِمُوَافَقَةِ الْأَوَّلِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِإِعَادَتِهَا مَا لَمْ تُدْفَنْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُوَافَقَةِ الثَّانِي قَوْلَ أَشْهَبَ لَا تُعَادُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الطِّرَازِ قَائِلًا إنَّهُ أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنَّ اسْتِدْلَالَ الْأَوَّلِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ إلَى أَنْ تُصَلَّى إلَخْ، غَيْرُ نَاهِضٍ إذْ هُوَ صَادِقٌ بِالْقَوْلَيْنِ، وَمُعَارَضَةُ الثَّانِي بِقَوْلِ عَبْدِ الْبَاقِي تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَخْ، فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا إذْ مَوْضِعُ كَلَامِ عَبْدِ الْبَاقِي فِعْلُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَنَصُّهُ، وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَقَبْلَ صَلَاتِهَا، صَرَّحَ بِالْأَوَّلِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَبِالثَّانِي أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ اهـ. ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ حَالِ الِاسْتِتَارِ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَالْمُصِيبُ هُوَ الثَّانِي إذْ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ عَدَمُ الْإِعَادَةِ، وَلَوْ عَلَى قَوْلٍ بِكَرَاهَتِهَا كَمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قُبُورٍ بِفِنَاءِ مَسْجِدٍ وَطَرِيقِ الدَّاخِلِ لِلصَّلَاةِ يَتَسَاقَطُ مِنْهَا عَظْمُ الْأَمْوَاتِ فِي الطَّرِيقِ، فَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُ مَا فِيهَا مِنْ الْعَظْمِ لِمَحَلٍّ آخَرَ وَحَفْرُهَا وَنَقْلُ تُرَابِهَا إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لِمَصْلَحَةِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَرَقِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ حَفْرُهَا وَنَقْلُ عِظَامِهَا وَتُرَابِهَا لِمَحَلٍّ آخَرَ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ الْخَطَّابُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ

من يغسل الخنثى المشكل إذا مات

النَّبْشِ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمَقْبَرَةِ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ إجْرَاءَ الْعَيْنِ الَّتِي جَانِبَ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ، وَلْيَنْبُشْهُ، وَلْيُخْرِجْهُ، وَلْيُحَوِّلْهُ قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا يَنْبُتُونَ اهـ مِنْ شَرْحِ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ اهـ، وَفِي الْمَوَّاقِ، وَانْظُرْ فِي حَدِيثٍ ثَالِثٍ عَنْ أَبِي رَحَّالٍ مِنْ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّبْشُ لِعُذْرٍ، وَأَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْرَجَ أَبَاهُ مِنْ قَبْرِهِ، وَدَفَنَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مُعَاوِيَةُ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَنْ يُغَسِّلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ إذَا مَاتَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ يُغَسِّلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ إذَا مَاتَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ ابْن أَخِي هِشَامٍ أَنَّهُ تُشْتَرَى لَهُ أَمَةٌ تُغَسِّلُهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَهِيَ أَمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَتَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ احْتِيَاطًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَسَّلَتْهُ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ لَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ، وَهَلْ تَسْتُرُهُ كُلَّهُ، وَلَا تُبَاشِرُهُ إلَّا بِخِرْقَةٍ أَوْ تَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ، وَرُكْبَتِهِ، وَلَا تُبَاشِرُهُ إلَّا بِهَا قَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَمَّمَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ لِمِرْفَقَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَمَّمَهُ رَجُلٌ لِكُوعَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ. [نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دُفِنَ بِقُرْبِ مَجْرَى الْمِيَاه، وَخُشِيَ عَلَيْهِ انْتِهَاكُ حُرْمَتِهِ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُهُ لِصِيَانَتِهِ، وَرَجَاءِ انْتِفَاعِهِ بِبَرَكَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ بَعْدَ تَمَامِ جَفَافِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَبَعْدَهُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى انْفِجَارِهِ، وَلَا هَتْكِ حُرْمَتِهِ قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي، وَيُشْتَرَطُ فِي النَّقْلِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَنْ يَتِمَّ جَفَافُهُ، وَأَنْ لَا يَنْفَجِرَ، وَلَا تُهْتَكَ حُرْمَتُهُ، وَأَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْبَحْرُ أَوْ تُرْجَى لَهُ بَرَكَةُ أَهْلِ الْمَوْضِعِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ مِنْ الصَّالِحِينَ أَوْ يُدْفَنُ بَيْنَ أَقَارِبِهِ بَلْ يُنْدَبُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ كَمَا فِي الطِّرَازِ أَوْ لِأَجْلِ قُرْبِ زِيَارَةِ أَهْلِهِ لَهُ اهـ. وَفِي شَرْحَيْ الْمَجْمُوعِ، وَجَازَ نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَهْتِكْهُ أَيْ لَمْ يُخِلَّ النَّقْلُ بِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَيُؤْذِهِ فَإِنْ هَتَكَهُ، وَأَخَلَّ بِحُرْمَتِهِ، وَآذَاهُ حَرُمَ النَّقْلُ قَبْلَ الدَّفْنِ. ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ الْمَيِّتُ مِنْ الْبَادِيَةِ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَمِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَا لِلْمَدِينَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَى لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمِصْرِ إنْ قَرُبَ، وَفِي خَبَرِ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَكَانَ

امرأة ماتت وفي بطنها جنين حي فهل يبقر عليه

فِي نَفْسِي حَاجَةٌ فَأَخْرَجَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا أَنْكَرْت مِنْهُ شَيْئًا إلَّا شَعَرَاتٍ فِي لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ فِيهِ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ اهـ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ مِصْرِيَّةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، وَنَقَلَهَا لِبَلَدِهِ بِالرِّيفِ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً، ثُمَّ تَمَرَّضَتْ، وَمَاتَتْ، وَدَفَنَهَا الزَّوْجُ بِبَلَدِهِ فَلَمَّا بَلَغَ أَقَارِبَهَا أَرَادُوا نَقْلَهَا عِنْدَهُمْ بِمِصْرَ لِدَفْنِهَا مَعَ أَهْلِهَا، وَقُرْبِ زِيَارَتِهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ نَقْلُهَا سِيَّمَا وَهِيَ مَدْفُونَةٌ بِتَابُوتٍ، وَمَضَى مُدَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى شَهْرَيْنِ بِحَيْثُ يُظَنُّ جَفَافُهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْهُ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتَمْكِينٍ أَهْلِهَا مِنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمْ نَقْلُهَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا إخْلَالَ فِيهِ بِحُرْمَتِهَا، وَلَا أَذَى فِيهِ لَهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْهُ يُقْضَى بِتَمْكِينِ أَهْلِهَا مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ لَا يُقْضَى لِلزَّوْجِ بِدَفْنِهَا فِي تُرْبَتِهِ حَيْثُ دَعَا عُصْبَتُهَا لِدَفْنِهَا فِي تُرْبَتِهِمْ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَالْأُجْهُورِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ فَهَلْ يُبْقَرُ عَلَيْهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ، وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ فَهَلْ يُبْقَرُ عَلَيْهِ؟ جَوَابُهُ: ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لَا يُبْقَر عَنْ جَنِينٍ يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ الشَّيْخُ عَنْ سَحْنُونَ إنْ كَمُلَتْ حَيَاتُهُ، وَرُجِيَ خَلَاصُهُ بُقِرَ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِكَوْنِهِ فِي السَّابِعِ أَوْ التَّاسِعِ أَوْ الْعَاشِرِ، وَعَزَاهُ أَيْضًا لِأَشْهَبَ، وَرَوَى إسْمَاعِيلُ يُخْرَجُ مِنْ مَحَلِّ الْوِلَادَةِ إنْ أَمْكَنَ، وَأَحَالَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْبَقْرِ قَالَ سَنَدٌ مِنْ خَاصِرَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْوَلَدِ، وَيَلِيهِ أَخَصُّ أَقَارِبِهَا، وَالزَّوْجُ أَحْسَنُ اهـ. وَاقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مُتَابَعَة الذمى لِجِنَازَةِ الْمُسْلِم] (مَا قَوْلكُمْ) فِي ذِمِّيٍّ تَبِعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ فَهَلْ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُ مِنْ الْمَشْيِ مَعَهُمْ فِي الْمَشْهَدِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ نَعَمْ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ، وَلِأَنَّهُ جُنُبٌ، وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ تَنْفِرُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَشْيِ فِي الْجِنَازَةِ الشَّفَاعَةُ لِلْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ لَا يَصْلُحُ لِلشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ عَدُوُّهُ، وَبَعِيدٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ أَوَّلِ كَرَامَاتِ الْمَيِّتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُغْفَرَ لِمَنْ مَشَى فِي جِنَازَتِهِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمَغْفِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] ، وَلِأَنَّ تَشْيِيعَ الْجَنَائِزِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَشَعَائِرِ الْإِسْلَام، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّ تَشْيِيعَ الْكَافِرِ جِنَازَةَ الْمُسْلِمِ جَمِيلٌ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، وَلِأَنَّ تَمْكِينَهُ مِنْ ذَلِكَ وِلَايَةٌ لَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى

بناء المسجد على المقبرة العافية

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْرِحُهُ، وَيُوجِبُ شَمَاتَتَهُ فِي الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ عَدُوُّهُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا إهَانَتُهُ، وَتَحْقِيرُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِلَلِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى الْبَصِيرِ الْخَبِيرِ بِأَحْكَامِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ". [بِنَاءُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْعَافِيَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْمَقَابِرِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَسْجِدِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيَةُ ظَاهِرِهَا، وَجَعْلُهَا مُسَاوِيَةً لِأَرْضِهِ، وَإِدْخَالُهَا فِيهِ لِتَوْسِعَتِهِ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِلَا كَرَاهَةٍ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْفِقْهِيِّ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ الْعَافِيَةِ، وَكَرَاهَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْعَافِيَةِ فَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَبْرَ حَبْسٌ، وَالْمَسْجِدَ كَذَلِكَ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ يُسْتَعَانُ بِبَعْضِهِ فِي بَعْضٍ اهـ. وَقَالَ الْمَوَّاقُ فِيمَا حَاذَى بِهِ الْمُخْتَصَرُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا بِنَاءُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْعَافِيَةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ وَالْمَسْجِدَ حَبْسَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَدَفْنِ مَوْتَاهُمْ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّدَافُنُ فِيهَا وَاحْتِيجَ أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ فِي بَعْضٍ عَلَى مَا النَّفْعِ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالنَّاسُ إلَيْهِ أَحْوَجُ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [جَعَلَ الْمَسْجِد الخرب مَقْبَرَة] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَلَدٍ فِيهِ مَقْبَرَتَانِ ضَاقَتَا عَنْ أَهْلِهِ، وَفِيهِ مَسْجِدَانِ خَرِبَانِ تُرْمَى بِهِمَا النَّجَاسَاتُ مُجَاوِرٌ أَحَدُهُمَا لِإِحْدَى الْمَقْبَرَتَيْنِ، وَفِي خَارِجِ الْبَلَدِ مَقْبَرَةٌ حَادِثَةٌ تَصِلُ السِّبَاعُ لِبَعْضِ مَوْتَاهَا فَهَلْ يَجُوزُ جَعْلُ الْمَسْجِدَيْنِ الْخَرِبَيْنِ مَقْبَرَةً أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ جَعْلُهُمَا مَقْبَرَةً؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَالْمَقْبَرَةَ لِلَّهِ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ فِي بَعْضٍ عَلَى مَا النَّفْعُ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالنَّاسُ إلَيْهِ أَحْوَجُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

كتاب الزكاة

[كِتَابُ الزَّكَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الزَّكَاةِ تُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى الْإِخْرَاجِ، وَعَلَى الْمُخْرَجِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَالَ الزَّكَاةُ مَصْدَرًا إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا، وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي، فَقَالَ، وَاسْمًا جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا، وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَنْ قَالَ إذَا بَلَغَ مَالِي عِشْرِينَ دِينَارًا فَعَلَيَّ لِلَّهِ دِينَارٌ مَثَلًا فَيَصْدُقُ عَلَى هَذَا الدِّينَارِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ. . . إلَخْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ فَهَذَا سَبَبٌ لَا شَرْطٌ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ فِي الزَّكَاةِ أَيْضًا لَا شَرْطٌ، وَتَعْبِيرُ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ تَسَامُحٌ اهـ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَدْ تَكَلَّفَ الْجَوَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الشَّرْطُ الذَّاتِيُّ يَعْنِي بِجَعْلِ الشَّرْعِ لَا بِإِيجَابِ الْمُكَلَّفِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَعْنَى فَقِيرُ الزَّكَاةِ هَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ قُوتُ الْعَامِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ كُتُبٍ، وَفَضْلِ مَنْزِلٍ، وَثِيَابٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ فَقِيرُ الزَّكَاةِ هُوَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ، وَيُعْتَبَرُ قُوتُ الْعَامِ زَائِدًا عَلَى مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ، وَأَمَّا مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ فَيَدْخُلُ فِي قُوتِ الْعَامِ فَإِنْ كَانَ يَكْفِيهِ فِيهِ فَهُوَ غَنِيٌّ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ بِوَصْفِ الْفَقْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ لَهُ دَارٌ أَوْ خَادِمٌ لَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهِمَا مِمَّنْ سِوَاهُمَا أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ لَمْ يُعْطَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فِيهِمَا فَضْلٌ يُرِيدُ فَضْلًا يُغْنِيه لَوْ بَاعَهُمَا وَاشْتَرَى غَيْرَهُمَا، ثُمَّ قَالَ، وَالْغِنَى الْمُرَاعَى الْعَيْنُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ أَوْ فَضْلَةٌ بَيِّنَةٌ عَنْ الْقِنْيَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ، وَخَادِمٌ لَا فَضْلَةَ فِيهِمَا أَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلَةٌ يَسِيرَةٌ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ فَضْلَةً بَيِّنَةً لَمْ يُعْطَ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ، وَالْخَادِمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةَ الثَّمَنِ فِيهَا فَضْلٌ اهـ. وَفِي ابْنِ يُونُسَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ الدَّارُ، وَالْخَادِمُ، وَالْفَرَسُ. أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ هَذَا فِي بَلَدٍ يَحْتَاجُ لِلْفَرَسِ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَلْ يُعْطَى مِنْهَا الْفَقِيهُ إذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَمَا يَحْتَاجُ الْمُجَاهِدُ لِلْفَرَسِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. الْبُرْزُلِيُّ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ إنْ كَانَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ يَأْخُذُهَا، وَلَوْ كَثُرَتْ كُتُبُهُ جِدًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَابِلِيَّةٌ فَلَا يُعْطَى

مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ تَكُونَ كُتُبُهُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ خَاصَّةً فَتُلْغَى، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَعَلَى الْمَنْعِ فَهِيَ كَالْعَدَمِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالشَّرْعُ لَا يُجْبِرُ عَلَى مَكْرُوهٍ. وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْجُزُولِيِّ، وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ هَلْ يُعْطَى أَوْ تُبَاعُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ كُتُبُ التَّارِيخِ تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلطِّبِّ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ طَبِيبٌ غَيْرُهُ بِيعَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ طَبِيبٌ غَيْرُهُ فَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْفِقْهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُرْجَى إمَامَتُهُ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُرْجَى إمَامَتُهُ تُبَاعُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا تُبَاع، وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مُشَارِكٍ لِجَمَاعَةٍ فِي عَشْرَةٍ مِنْ الْجِمَالِ، وَلَهُ النِّصْفُ فِيهَا كُلِّهَا فَهَلْ تُلَفَّقُ الْأَنْصَافُ الَّتِي لَهُ، وَيُزَكِّي أَمْ كَيْفَ الْحَالُ، وَفِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ لَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جَمَلًا عَلَى السَّوِيَّةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ شَيْءٌ فَهَلْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُلَفَّقُ الْأَنْصَافُ الَّتِي لَهُ، وَيُزَكِّي وُجُوبًا فَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ قِطَعُ أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةً أَوْ شَرِكَةً فِي أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يَبْلُغُ مَالُ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْهُمْ أَوْ قِطْعَةٍ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَانَتْ إذَا جُمِعَ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا، وَيُؤَدِّي زَكَاتَهَا كُلَّهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّرِيكَانِ كَالْخَلِيطِينَ، وَلَا تَرَادَّ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي: وَالشُّرَكَاءُ فِي كُلِّ حَبٍّ يُزَكَّى أَوْ تَمْرٍ أَوْ عِنَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّهُ مِنْهُمْ فِي النَّخِيلِ، وَالزَّرْعِ، وَالْكُرُومِ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ زَكَاةٌ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَرِّبِ، وَالشَّامِلِ فَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ، وَضَوْءِ الشُّمُوعِ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْإِخْوَةِ فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ جَمَلًا لِعَدَمِ بُلُوغِ حَظِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ النِّصَابَ كَمَا عَلِمْته مِنْ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَسَأَلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى عَنْ الْحَبِّ الْمُسَمَّى فِي بَلَدِ طَرَابُلُسَ الْمَغْرِبِ بِشَنَّةَ، وَهُوَ مُقْتَاتٌ مُدَّخَرٌ، وَيُسَمَّى بِالْحِجَازِ الدُّقْسَةِ هَلْ هُوَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَيَشْمَلُهُ اسْمُ الذُّرَةِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَبُّ الْمُسَمَّى عِنْدَكُمْ بِالْبِشَنَّةَ لَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا فَيُسْأَلُ عَنْهُ مَنْ رَآهُ مِنْ عُلَمَائِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَانْظُرْ عَمَلَ مَنْ مَضَى، وَاتَّبِعْ الْآثَارَ فَإِنَّك فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْقَرْنِ الثَّالِثِ عَشَرَ، وَلَا يَأْتِي آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا أَبَدًا، وَاَلَّذِي أَقُولُهُ إنَّهُ حَيْثُ كَانَ قُوتَ بِلَادِكُمْ، وَيُقْتَاتُ فِي الْحِجَازِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَلَا تَوَقُّفَ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ مَنْ عَدَّ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَجِبُ

غصب أرضا وزرعها فهل يطلب بزكاة الخارج منها

الزَّكَاةُ فِيهَا، وَأَنَّهَا عِشْرُونَ لَيْسَ أَمْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ التَّتَّائِيُّ فِي كَبِيرِهِ خِلَافًا كَثِيرًا فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ يُسَمَّى بِاسْمٍ فِي إقْلِيمٍ، وَيُسَمَّى بِاسْمٍ آخَرَ فِي إقْلِيمٍ آخَرَ، وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ لَا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا فَهَلْ يُطْلَبُ بِزَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْهَا] ، وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ غَصَبَ أَرْضًا، وَزَرَعَهَا فَهَلْ يُطْلَبُ بِزَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى مَنْ زَرَعَ أَرْضًا فَنَبَتَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَرَادِب، وَوَيْبَةٌ فَأَكْثَرُ بِكَيْلِ سَاحِلِ بُولَاقَ زَكَاةُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّتِي تُزَكَّى كَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ، وَنَحْوِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُسْتَحِقِّ الزَّكَاةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَخْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ كَانَ تَارِكًا لَهَا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ كَانَ تَارِكًا لَهَا اسْتَحَقَّهَا، وَجَازَ إعْطَاؤُهُ إيَّاهَا عَلَى وَجْهِ خِلَافِ الْأَوْلَى، وَالْأَوْلَى إعْطَاؤُهَا لِلْمُصَلِّي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُعْطَى تَارِكُ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَلَمْ يُجِزْ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُعْطَاهَا تَارِكُ الصَّلَاةِ، وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ مَنْ فَعَلَهُ، وَهَذَا قَوْلٌ انْفَرَدَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِي إذَا كَانَ فِيهِ الْحَاجَةُ الْبَيِّنَةُ اهـ. وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَالنَّوَادِرِ ابْنُ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ إعْطَاءِ قَلِيلِ الصَّلَاةِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ لَمَضَى - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. مَا قَوْلُكُمْ فِي إخْوَةٍ فِي عِيشَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَحَدُهُمْ مُشْتَغِلٌ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَيَزِيدُ مِنْهُمْ فِي الْكِسْوَةِ، وَالنَّفَقَةِ، وَلَوْ قَسَّمُوا أَخَذَ نَصِيبَهُ مِثْلَ أَحَدِهِمْ، وَقَدْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكَاةُ حَرْثٍ، وَعَيْنٍ، وَمَاشِيَةٍ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ، وَيَخُصُّ بِهِ نَفْسَهُ لِيَكْتَسِيَ مِنْهُ أَوْ يَشْتَرِيَ كِتَابًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ أَخْذِهِ فَهَلْ إذَا أَتَتْهُمْ مَظْلِمَةٌ غَيْرُ خَرَاجٍ، وَمُقَاطَعَةٍ لَهُمْ دَفْعُهَا فِيهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ أَخْذُ مَا وَجَبَ عَلَى إخْوَتِهِ فِي نَصِيبِهِمْ لِاتِّفَاقِ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَغِلِ بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا الزَّكَاةَ بِالْأَوْلَى مِمَّا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الدِّينِ لَهُ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِهِ مِمَّا فِيهَا أَمَّا مَا وَجَبَ فِي نَصِيبِهِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا فِي الْآيَةِ أَوْ مِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي الْمَظْلِمَةِ، وَإِنْ دُفِعَتْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَا الْوَاجِبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ

له مال لا يزكيه فكبر ولده وصار يزكيه بعلم أبيه وتارة بدونه فهل يجزئ عن أبيه

وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ دَيْنٌ، وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ فَهَلْ لَهُ حَسْبُ الدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُجْزِئُ حَسْبُ الدَّيْنِ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الزَّكَاةِ اتِّفَاقًا، وَفِي إجْزَاءِ حَسْبِ الدَّيْنِ عَلَى مَلِيءٍ قَوْلَانِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي طَالِبِ عِلْمٍ بَالِغٍ قَادِرٍ عَلَى الْكَسْبِ هَلْ يُجْزِئُ أَبَاهُ إعْطَاؤُهُ زَكَاةَ مَالِهِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجْزِئُ أَبَاهُ إعْطَاؤُهُ زَكَاةَ مَالِهِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ بِبُلُوغِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَاسْتِحْقَاقِهِ أَخْذَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَيْنٍ مُوصَى بِهَا لِمَنْ سَيُوجَدُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُوصِي مَثَلًا مَوْضُوعَةٍ بِيَدِ أَمِينٍ حَتَّى يُوجَدَ مُسْتَحِقُّهَا فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا فِي زَمَنِ الْإِيقَافِ كَالْعَيْنِ الْمَوْقُوفِ لِلسَّلَفِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي زَمَنِهِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا مِنْ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا فَائِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّلَفِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَسَوَاءً كَانَ الْمُوصِي مُعَيِّنًا كَمَا هُوَ فَرْضُ السُّؤَالِ أَوْ غَيْرَ مُعَيِّنٍ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [لَهُ مَالٌ لَا يُزَكِّيهِ فَكَبِرَ وَلَدُهُ وَصَارَ يُزَكِّيهِ بِعِلْمِ أَبِيهِ وَتَارَةً بِدُونِهِ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ أَبِيهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ مَالٌ لَا يُزَكِّيهِ فَكَبِرَ وَلَدُهُ، وَصَارَ يُزَكِّيهِ بِعِلْمِ أَبِيهِ، وَتَارَةً بِدُونِهِ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ أَبِيهِ؟ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلِابْنِ ذَلِكَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلِابْنِ، وَيُجْزِئُ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَتَقُومُ نِيَّةُ الِابْنِ مَقَامَ نِيَّةِ أَبِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [لَهُ زَوْجَةٌ لَهَا مَالٌ لَا تُزَكِّيهِ فَهَلْ يُخْرِجُهَا زَوْجُهَا كُرْهًا عَنْهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ لَهَا مَالٌ لَا تُزَكِّيهِ فَهَلْ يُخْرِجُهَا زَوْجُهَا كُرْهًا عَنْهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُخْرِجُهَا كَرْهًا عَنْهَا، وَتُجْزِئُهَا، وَتَكْفِيهَا نِيَّتُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَلَكَ نِصَابَ نَعَمٍ فَجَعَلَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ نَقْدًا مَعْلُومًا كُلَّ سَنَةٍ يَأْخُذهُ بِغَيْرِ اسْمِ الزَّكَاةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَلَكَ نِصَابَ نَعَمٍ فَجَعَلَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ نَقْدًا مَعْلُومًا كُلَّ سَنَةٍ يَأْخُذهُ بِغَيْرِ اسْمِ

الزَّكَاةِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الزَّكَاةَ، وَتَسْقُطُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَسُوغُ لَهُ نِيَّةُ الزَّكَاةِ بِهِ، وَإِنْ نَوَاهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ وَالْحَطَّابُ، وَقَدْ سُئِلَا عَمَّنْ تَقْدُمُ لَهُ سِلَعٌ مِنْ الْهِنْدِ، وَنَحْوِهِ فَيَبِيعُ بَعْضَهَا لِدَفْعِ الْمَكْسِ مِنْ ثَمَنِهِ فَهَلْ فِيهِ زَكَاةٌ، وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ أَمْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَقَدْ يَأْخُذُونَ سِلَعًا فِي الْعُشُورِ فَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ مَا أُلْجِئَ إلَى بَيْعِهِ لِلْمَكْسِ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَجْرُهُ فِيمَا ظُلِمَ فِيهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَأَجَابَ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ إنْ أَخَذُوا سِلَعًا فَلَا يَلْزَمُهُ تَقْوِيمُهَا، وَإِنْ أُلْزِمَ بِالْبَيْعِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَنْ يُزَكِّي عَنْهُ اهـ، وَبَحَثَ الْبَدْرُ بِأَنَّ جَبْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ كَجَبْرِهِ عَلَى أَخْذِ السِّلَعِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيهِ. وَسَأَلَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ عَمَّنْ دَفَعَ لَهُ السُّلْطَانُ فِضَّةً، وَأَخَذَ مِنْهُ صَرْفَهَا ذَهَبًا، وَصَرْفُهُ زَائِدٌ عَلَيْهَا فَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ الزِّيَادَةُ مِنْ الزَّكَاةِ الَّتِي عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِعَدَمِ حَسْبِهَا مِنْهَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي أَنَّهُ يُزَكِّي الزِّيَادَةَ أَوَّلًا، وَظَاهِرُ فَتْوَى النَّاصِرِ وَالْحَطَّابِ الْأَوَّلُ لَكِنْ فِي شَرْحِ السُّودَانِيِّ كُلُّ مَا يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالْجَائِحَةِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُسْتَوْهِبُ فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ لِخَوْفٍ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَدَمَةِ الْأُمَرَاءِ أَوْ الْعَرَبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَائِحَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِلَّا زَكَّى قَالَ الْبُنَانِيُّ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الَّذِي قَالَهُ السُّودَانِيُّ، وَالْبَرْزَلِيُّ هُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُوَافِقُهُ بَحْثُ الْبَدْرِ الَّذِي قَدَّمَهُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ خَرَصَ الْحَاكِمُ زَرْعَهُ فِي سُنْبُلِهِ، وَقْتَ حَصَادِهِ، وَأَخَذَ عُشْرَهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ، وَزَادَ الْحَبُّ عَلَى تَخْرِيصِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ عُشْرِ الزَّائِدِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ عُشْرِ الزَّائِدِ إنْ سَقَى بِلَا آلَةٍ، وَإِنْ سَقَى بِهَا فَنِصْفُ عُشْرِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى خَرْصِ عَارِفٍ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْكَاغَدِ الَّذِي فِيهِ خَتْمُ السُّلْطَانِ، وَيُتَعَامَلُ بِهِ كَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ هَلْ يُزَكَّى زَكَاةَ الْعَيْنِ أَوْ الْعَرَضِ أَوْ لَا زَكَاةَ فِيهِ؟ ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِانْحِصَارِهَا فِي النَّعَمِ، وَأَصْنَافٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالثِّمَارِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَمِنْهَا قِيمَةُ عَرَضِ الْمُدِيرِ، وَثَمَنُ عَرَضِ الْمُحْتَكِرِ، وَالْمَذْكُورُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَيُقَرِّبُ لَك ذَلِكَ أَنَّ الْفُلُوسَ النُّحَاسَ الْمَخْتُومَةَ

بِخَتْمِ السُّلْطَانِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى فُلُوسٍ عِنْدَهُ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا فَيُقَوِّمُهَا كَالْعُرُوضِ انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهَا، وَاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَعَلُّقِهَا بِقِيمَتِهَا. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي إخْرَاجِ عَيْنِهَا. قَالَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وَزْنُهَا، وَلَا عَدَدُهَا، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فَلَوْ وَجَبَتْ فِي عَيْنِهَا لَاعْتُبِرَ النِّصَابُ مِنْ عَيْنِهَا، وَمَبْلَغِهَا لَا مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا فِي عَيْنِ الْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ، وَالْحُبُوبِ، وَالثِّمَارِ فَلَمَّا انْقَطَعَ تَعَلُّقُهَا بِعَيْنِهَا جَرَتْ عَلَى حُكْمِ جِنْسِهَا مِنْ النُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، وَشِبْهِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَلَكَ مَرْكَبًا أُجْرَتُهَا فِي الْعَامِ لَا تَكْفِي قُوتَهُ فِيهِ، وَإِذَا بَاعَهَا كَفَاهُ ثَمَنُهَا فَهَلْ هُوَ غَنِيٌّ لَا يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ بِوَصْفِ الْفَقْرِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ هُوَ غَنِيٌّ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ إذْ الْمَرْكَبُ تُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي الدَّيْنِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا يَعْنِي دَارَ السُّكْنَى، وَالْخَادِمِ فَضْلٌ لَمْ يُعْطَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ فَضْلًا يُغْنِيهِ لَوْ بَاعَهُمَا، وَاشْتَرَى غَيْرَهُمَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُسْتَحِقٍّ لِلزَّكَاةِ عَاجِزٍ عَنْ السَّفَرِ لِمَحَلِّ وُجُوبِهَا، وَكَّلَ شَخْصًا سَافَرَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ لِمَحَلِّ وُجُوبِهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ لَهُ، أَوْ وَكَّلَ رَبَّ الْمَالِ لِيَأْتِيَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ عِوَضًا عَنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ الْإِتْيَانُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصًّا، وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَنْ سَافَرَ لِمَوْضِعِ وُجُوبِهَا لَأَخْذِهَا فَإِنَّ الْوَكِيلَ كَالْأَصِيلِ فَأَفْتَى السُّيُورِيُّ وَالْغُبْرِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَأَفْتَى أَكْثَرُ شُيُوخِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ يُعْطَى، وَاخْتَارَهُ الْبُرْزُلِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ جَزَّأَ مُعَشَّرَهُ قَتًّا عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، وَخَيَّرَ الْمُسْتَحِقَّ فِي وَاحِدٍ فَأَخَذَ وَاحِدًا مِنْهَا فَهَلْ يُجْزِئْهُ فِي الزَّكَاةِ أَفِدْنَا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ أَجْزَأَهُ مَا أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ فِيهَا. الْحَطَّابُ لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الزَّرْعِ بَعْدَ طِيبِهِ، وَقَبْلَ جُذَاذِهِ أَجْزَأَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ صَرَّحَ

بِهِ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ، وَنَصُّ النَّوَادِرِ. قَالَ مَالِكٌ. مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ زَكَاةُ زَرْعِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي سُنْبُلِهِ فَهُوَ يُجْزِئْهُ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ انْتَهَى، وَلَا كَرَاهَةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِيهَا بَعْدَ الْحَصَادِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] "، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَشْرَافٍ أَضَرَّهُمْ الْفَقْرُ، وَلَيْسَ لَهُمْ مُرَتَّبٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِعْطَاؤُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ، وَالْفَرِيضَةُ، وَبِهِ الْقَضَاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْفَاسِدِ الْوَضْعِ خَشْيَةً عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّيْعَةِ لَمَنْعِهِمْ مِنْ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى. فَأَمَّا الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ فَتَحِلُّ لَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا الصَّدَقَاتُ. وَأَمَّا الْغَنِيُّ مِنْهُمْ فَلَا تَحِلُّ لَهُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بِوَجْهٍ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ صَدَقَةُ الْفَرِيضَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ صِفَةٌ مِنْ بَقَايَا صِفَاتِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى " {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] " الْآيَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَارِئِ، وَالْأُمِّيِّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى، وَبِهِ الْعَمَلُ بِالْمَغْرِبِ الْعَدَوِيُّ قَدْ ضَعُفَ الْيَقِينُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فَإِعْطَاؤُهُمْ الزَّكَاةَ أَسْهَلُ مِنْ تَعَاطِيهِمْ خِدْمَةَ ذِمِّيٍّ أَوْ فَاجِرٍ أَوْ كَافِرٍ، وَلَا سِيَّمَا الْعَمَلَ جَرَى بِالْمَغْرِبِ بِهِ، وَبِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْأَشْرَافِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَأَخْذِهِمْ مِنْ صَدَقَاتِ الصَّالِحِينَ، وَغَيْرِهَا انْتَهَى، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ إلَّا أَنْ يُمْنَعُوا حَقَّهُمْ فَبِالْفَقْرِ. قُلْت فِي شَرْحِهِ مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ الِاضْطِرَارُ الْمُبِيحُ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ أَمْوَالٌ غَائِبَةٌ عِنْدَ عَامِلِي الْقِرَاضِ، وَالْمَدِينِينَ، وَالْمُودَعِينَ، وَتَحْضُر عِنْدَهُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهُوَ مُدِيرٌ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا حَضَرَ وَقْتَ حُضُورِهِ، وَيَصِيرُ حَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ يَوْمِ زَكَاتِهِ أَوْ يُزَكِّي الْجَمِيعَ عَلَى حَوْلِ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُزَكِّي كُلَّ مَا حَضَرَ وَقْتَ حُضُورِهِ، وَيَصِيرُ حَوْلُ كُلٍّ مِنْ يَوْمِ زَكَاتِهِ، وَيُزَكِّي كُلَّ مَالٍ مِنْهَا لِسَنَةِ حُضُورِهِ، وَلِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَهَا لِكُلِّ سَنَةٍ عَمَّا كَانَ فِيهَا، وَيَبْدَأُ بِزَكَاةِ سَنَةِ حُضُورِهِ، وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ لِلَّتِي قَبْلَهَا، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْ النِّصَابِ

استأجر أرض زراعة وخرج من زرعها ما يفي بما صرفه عليها فهل تجب عليه زكاة الخارج

فَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْمَالِ فِي سِنِي الْغَيْبَةِ، وَكَانَ النَّقْصُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الزِّيَادَةِ زَكَّى لِلسِّنِينَ السَّابِقَةِ بِحَسَبِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُزَكِّي الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا، وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ سَلَفًا فَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْ الْمَدِينِ فَيُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ يُزَكِّيهِ لِكُلٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ كَانَ ثَمَنَ عَرَضٍ مُدَارٍ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنَ مُحْتَكِرٍ فَيُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. [اسْتَأْجَرَ أَرْضَ زِرَاعَةٍ وَخَرَجَ مِنْ زَرْعِهَا مَا يَفِي بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْخَارِجِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ زِرَاعَةٍ، وَخَرَجَ مِنْ زَرْعِهَا مَا يَفِي بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْخَارِجِ إذَا كَانَ نِصَابًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَجِبُ زَكَاتُهُ إذَا كَانَ نِصَابًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [رَجُلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ فِطْرِهِ دَرَاهِمَ عَنْ الصَّاعِ فَهَلْ هَذَا الْإِخْرَاجُ صَحِيحٌ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ فِطْرِهِ دَرَاهِمَ عَنْ الصَّاعِ فَهَلْ هَذَا الْإِخْرَاجُ صَحِيحٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ الدَّرْدِيرِ فِي صَغِيرِهِ فِي إخْرَاجِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ، وَعَكْسِهِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَمْ لَا، وَلَا يَسْلَمُ هَذَا الشُّمُولُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا الْإِخْرَاجُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يُجْزِئُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ، وَلَا يَسْلَمُ ذَلِكَ الشُّمُولُ، وَقَدْ رَاجَعْت كَثِيرًا مِنْ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ، وَغَيْرِهَا فَلَمْ أَرَ مَنْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ، وَعِبَارَاتُهُمْ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ صَرِيحَةٌ فِي تَعَيُّنِ الطَّعَامِ، وَعَدَمِ إجْزَاءِ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَهْلِ بَلَدٍ يَخْلِطُونَ الْقَمْحَ بِالْفُولِ، وَالذُّرَةَ بِالشَّعِيرِ، وَيَقْتَاتُونَهُ غَالِبًا، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْفِطْرَةُ أَدَّوْهَا مِنْ الْمَخْلُوطِ فَهَلْ يُجْزِئُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُجْزِئُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ خَلْطُ الذُّرَةِ بِالشَّعِيرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ الَّتِي تُخْرَجُ مِنْهَا الْفِطْرَةُ، وَهِيَ الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسَّلْتُ، وَالذُّرَةُ، وَالدَّخَنُ، وَالْأُرْزُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ، وَفِي الْأُولَى، وَهِيَ خَلْطُ الْقَمْحِ بِالْفُولِ

مسائل الصيام

إنْ كَانَ الْفُولُ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِاغْتِفَارِهِمْ ثُلُثَ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقِ الْحَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُ وَالرَّمَاصِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتِرَاطٌ فِي إجْزَاءِ إخْرَاجِ غَيْرِ التِّسْعَةِ، وَمِنْهُ الْقَطَانِيُّ انْفِرَادُهُ بِالِاقْتِيَاتِ، وَالْوُجُودِ، وَالثَّانِي اُشْتُرِطَ فِيهِ انْفِرَادُهُ بِالِاقْتِيَاتِ فَقَطْ، وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وُجِدَ الْقَمْحُ، وَاقْتِيتَ مَعَ الْفُولِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ جَزَّأَ مُعَشَّرَهُ قَتًّا عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، وَخَيَّرَ الْمُسْتَحِقَّ فِي أَخْذِ وَاحِدٍ مِنْهَا فَهَلْ يُجْزِئْهُ فِي الزَّكَاةِ أَفِدْنَا الْجَوَابَ؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ أَجْزَأَهُ فِيهَا. [مَسَائِلُ الصِّيَامِ] [الِاعْتِمَاد فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ وَشَوَّالَ عَلَى حِسَابِهِ سَيْرَ الْقَمَرِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الصِّيَامِ (مَا قَوْلُكُمْ) : فِيمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ، وَالدِّيَانَةِ مِنْ اعْتِمَادِهِ فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ، وَشَوَّالَ عَلَى حِسَابِهِ سَيْرَ الْقَمَرِ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِالْبَصَرِ، وَاتَّفَقَ لَهُ مِرَارًا صَوْمُهُ قَبْلَ عُمُومِ النَّاسِ بِيَوْمٍ، وَفِطْرُهُ قَبْلَهُمْ كَذَلِكَ، وَيُظْهِرُ ذَلِكَ لِخَوَاصِّهِ، وَأَحْبَابِهِ، وَيُقَلِّدُونَهُ فِيهِ، وَرُبَّمَا تَعَدَّى الْأَمْرُ لِغَيْرِهِمْ فَقَلَّدَهُ أَيْضًا، وَكَادَ أَنْ يَتَّسِعَ هَذَا الْخَرَقُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ سَاكِتُونَ عَلَيْهِ فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مُوَافَقَتُهُمْ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ ضَلَالٌ يَجِبُ إنْكَارُهُ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ حَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَتَحْرُمُ مُوَافَقَتُهُمْ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِطَرِيقِ الصَّوَابِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَالْآلِ، وَالْأَصْحَابِ نَعَمْ هُوَ ضَلَالٌ تَحْرُمُ مُوَافَقَتُهُمْ فِيهِ، وَيَجِبُ إنْكَارُهُ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ إذْ هُوَ هَدْمٌ لِلدِّينِ، وَمُصَادِمٌ لِصَرِيحِ حَدِيثِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَوُقُوعُهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى جَهْلِهِ الْمُرَكَّبِ، وَعَدَمِ دِيَانَتِهِ، وَاخْتِلَالِ عَدَالَتِهِ، وَدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ، وَعَدَمِ مُرُوءَتِهِ، وَأَنَّ مَقْصُودَهُ الشُّهْرَةُ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] "، وَالْوَاقِعُ مِنْ هَذَا، وَأَتْبَاعِهِ لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُنَجِّي تَقْلِيدُهُمْ يَوْمَ الْأَهْوَالِ الْعُظْمَى، وَذَلِكَ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ فِي صَوْمِهِ، وَفِطْرِهِ عَلَى الْحِسَابِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ النَّظَرِ إلَى الْأَهِلَّةِ، وَإِنَّمَا

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَأُغْمِيَ الْهِلَالُ هَلْ لَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى حِسَابِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةٍ. وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنُّجُومِ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ سَمْتُ الْقِبْلَةِ، وَأَجْزَاءُ اللَّيْلِ جَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ. وَأَمَّا النَّظَرُ فِي أَمْرِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ مِنْ كَمَالِهَا دُونَ رُؤْيَةِ أَهِلَّتِهَا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ عَلَى ذَلِكَ فَيَسْتَغْنِي عَنْ النَّظَرِ إلَى الْأَهِلَّةِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ إذَا أُغْمِيَ الْهِلَالُ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا يُتَّبَعُ اهـ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كُنْت أُنْكِرُ عَلَى الْبَاجِيِّ نَقْلَهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِتَصْرِيحِ أَئِمَّتِهِمْ بِلَغْوِهِ حَتَّى رَأَيْتُهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَأَطَالَ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ، وَقَاعِدَةُ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِسَابِ قَالَ سَنَدٌ إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَا يَجُوزُ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] الِاهْتِدَاءُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ، وَلِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ قَالَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ قَالَ، وَالْحَاسِبُ، وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ، وَهُوَ مَنْ يَرَى أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعَ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا مَعًا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ. قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ أَيْ فِي ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ بِحِسَابِهِ أَيْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِشَرْطِ الْإِغْمَاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ لِفَرْقِ الْإِمَامِ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُمَا قَالَ، وَالْفَرْقُ هَاهُنَا، وَهُوَ عُمْدَةُ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى نَصَّبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ

بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ فَمَنْ عَلِمَ سَبَبًا بِأَيِّ طَرِيقٍ لَزِمَهُ حُكْمُهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ، وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَجْعَلْ خُرُوجَهَا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ بَلْ نَصَّبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» ، وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لَمَيْلِهَا اهـ. وَقَدْ قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْفَتْوَى، وَالْعَمَلِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ، وَطَرْحِ الشَّاذِّ، وَالضَّعِيفِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا نَذْكُرُ وُجُودَ رِوَايَةٍ بِجِوَارِ الْعَمَلِ بِالْحِسَابِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة بَلْ نَعْتَرِفُ بِهَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ، وَلَكِنَّهَا شَاذَّةٌ فِيهِمَا، وَمُقَيَّدَةٌ بِخَاصَّةِ النَّفْسِ، وَبِالْغَيْمِ فَبَانَ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ضَلَالٌ لَا يُوَافِقُ حَتَّى الرِّوَايَةَ الشَّاذَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَجَاهَرُونَ بِالصَّوْمِ أَوْ الْفِطْرِ قَبْلَ النَّاسِ، وَيَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ مَعَ الصَّحْوِ، وَعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ لِضَعْفِ نُورِ الْهِلَالِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ زَجْرُهُمْ، وَتَأْدِيبُهُمْ أَشَدَّ الزَّجْرِ، وَالْأَدَبِ لِيَنْسَدَّ بَابُ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْخَلَلِ فِي رُكْنِ الدِّينِ، وَمُخَالَفَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَعَ قَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا، وَيُطْرَحُ كَلَامُ أَهْلِ الْحِسَابِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ، وَيُطْرَحُ كَلَامُ أَهْلِ الْحِسَابِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ، وَنَصُّهُ: لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَقَالَ أَهْلُ الْحِسَابِ إنَّهُ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ، وَالشَّهَادَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ، وَقَدْ سُئِلَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ الْكَبِيرُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ رَدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُؤَيِّدُ الْمُنَازِعَ فَرْقُ الْقَرَافِيُّ الْمُتَقَدِّمُ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ ثَبَتَتْ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ، وَالْعِشْرِينَ الَّذِي تَلِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةُ فَهَلْ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَمْ لَا؟ لَمَّا اُشْتُهِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا لَمْ يُرَ الْقَمَرُ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ تَامًّا لَمْ يُرَ يَوْمَيْنِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُشْتُهِرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَنَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ مَغِيبِ الْقَمَرِ ثَالِثَ لَيْلَةٍ مِنْ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَهَلْ هُوَ قَادِحٌ فِي الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ابتلع ماء المضمضة وهو صائم

كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ لِسُقُوطِ الْقَمَر. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُقْدَحُ فِيهَا، وَيُعْمَلُ بِهَا، وَلَيْسَ فِي الْعَمَلِ بِهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا ذُكِرَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْغَالِبِ، وَالشَّارِعُ عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَنَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، وَأَلْغَى الْحِسَابَ بِالْكُلِّيَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ، وَلَا نَحْسِبُ الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ رَقِيقٌ، وَلَهُ لَوَازِمٌ تُؤَدِّي الرَّقِيقَ إلَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ مَعَ الصِّيَامِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْفِيفُ عَنْهُ فِي الْخِدْمَةِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُهُ مَعَ الصِّيَامِ، وَلَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ إلَّا مَا يُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَصْدِ الزَّرْعِ، وَإِنْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ فَعَلَى الْحَاكِمِ، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ زَجْرُهُ عَنْهُ، وَأَمْرُهُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ بِيعَ عَلَيْهِ قَالَ الْحَطَّابُ، وَأَمَّا الْخَادِمَةُ الَّتِي لِلْخِدْمَةِ، وَالْعَبْدُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِئْذَانُ السَّيِّدِ إذَا لَمْ يَضُرَّ الصَّوْمُ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ قَالَهُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْإِذْنِ، وَإِنْ صَامُوا بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَطِّرَهُمْ اهـ فَيُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَحْتَاجُ لِإِذْنٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَكْلِيفُهُ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْفِطْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ الْبُنَانِيُّ، وَحَصَادُ الزَّرْعِ إذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى الْفِطْرِ كُرِهَ مَا لَمْ يَضْطَرُّ الْحَصَادُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا رَبُّ الزَّرْعِ فَلَهُ الْخُرُوجُ لِلْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُضْطَرٌّ لِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ اهـ. [ابْتَلَعَ مَاءَ الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ صَائِمٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ابْتَلَعَ مَاءَ الْمَضْمَضَةِ، وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ، وَالْقَضَاءُ فَقَطْ فِي غَيْرِهِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ ابْتَلَعَهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ، وَالْقَضَاءُ فَقَطْ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ ابْتَلَعَهُ غَلَبَةً أَوْ نَسِيَانَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ فِي رَمَضَانَ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَابْتِلَاعُ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ لَا بَقَايَاهُ مَعَ الرِّيقِ بَعْدَ طَرْحِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ أَسْنَانُهُ غَلَبَةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَرْحُهُ، وَهَلْ يُؤْمَرُ بِغَسْلِ فَمِهِ مِنْهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ، وَهُوَ صَائِمٌ فَهَلْ يُفْطِرُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

رعف فأمسك أنفه فخرج الدم من فيه ولم يرجع إلى حلقه

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَثُرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَدَامَ بِهِ عُفِيَ عَنْهُ فَلَا يُؤْمَرُ بِطَرْحِهِ، وَلَا بِغَسْلِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِهِ، وَإِلَّا أُمِرَ بِطَرْحِهِ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ مِنْ الرِّيقِ، وَنُدِبَ غَسْلُ الْفَمِ حِينَئِذٍ إنْ كَانَ صَائِمًا أَوْ أَرَادَ صَلَاةً أَوْ أَكْلًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ ابْتَلَعَ الدَّمَ أَوْ الرِّيقَ الْمُتَغَيِّرَ بِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ أَفْطَرَ إنْ كَانَ عَامِدًا، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ، وَإِنْ كَانَ غَلَبَةً بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ طَرْحُهُ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ زَرُّوقٌ فِيمَنْ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ أَسْنَانِهِ غَلَبَةً قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْجَوَاهِرِ اهـ. وَمِنْ جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ لِلسَّنُوسِيِّ مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَغَيْرُهُ ابْنُ شَاسٍ، وَابْتِلَاعُهُ دَمًا خَرَجَ مِنْ سِنِّهِ غَلَبَةً لَغْوٌ، وَإِنْ ابْتَلَعَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى طَرْحِهِ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ، وَلَفْظُ ابْنِ قَدَّاحٍ، وَمَنْ وَجَدَ فِي فَمِهِ دَمًا، وَهُوَ صَائِمٌ فَمَجَّهُ حَتَّى ابْيَضَّ رِيقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ إلَى الْأَكْلِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَثُرَ عَلَيْهِ الدَّمُ إذَا كَانَ مِنْ عِلَّةٍ دَائِمَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا أَمْ لَمْ يَبْتَلِعْ اهـ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَغَالِبُ مَضْمَضَةٍ أَوْ سِوَاكٍ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَبَلَعَ رِيقَهُ الْبَاجِيُّ يُرِيدُ بَعْدَ زَوَالِ طَعْمِ الْمَاءِ مِنْهُ، وَفِي مَجِّهَا أَكْرَهُ غَمْسَ الصَّائِمِ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ اهـ الْمَشَذَّالِيُّ. وَسَأَلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ دَمِيَ فَمُهُ فَمَجَّ الدَّمَ، وَلَمْ يَغْسِلْ فَهَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِابْتِلَاعِهِ الرِّيقَ النَّجِسَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّائِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ ابْتِلَاعُ الرِّيقِ النَّجِسِ، وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ إنْ فَعَلَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي رِيقٍ يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ لِمَا فِي طَرْحِهِ مِنْ الْحَرَجِ، وَإِذَا كَانَتْ ابْتِلَاعُهُ مُحَرَّمًا فِي الصَّوْمِ، وَغَيْرِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ بِابْتِلَاعِهِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ التَّرْخِيصِ فِي ابْتِلَاعِهِ. الْمَشَذَّالِيُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا بَيِّنٌ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَثَرُ الدَّمِ، وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَا عَيْنُهَا قَالَ، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا حَكَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّلْوِ الَّذِي دُهِنَ بِزَيْتٍ، وَاسْتُنْجِيَ بِهِ أَنَّ الْمَاءَ كُلَّهُ نَجِسٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا كُلَّهُ نَجِسٌ، وَلَوْ انْقَطَعَ أَثَرُ الدَّمِ حَتَّى يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ كَمَا قَالَ هَذَا الشَّيْخُ اهـ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلَهُ فِي الصِّيَامِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ مَا نَصُّهُ: وَيَقْضِي إنْ جَاوَزَ حَلْقَهُ الدَّمُ، وَإِنْ بَصَقَهُ حَتَّى ابْيَضَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ لِلصَّلَاةِ، وَالْأَكْلِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ قَدَّاحٍ، وَهُوَ يَجْرِي عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ مَعَ غَيْرِ الْمَاءِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَضُرُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ حِينَئِذٍ كَالْمُتَكَرِّرِ غَلَبَةً كَالذُّبَابِ، وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ فِيهِ الْقَضَاءَ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى حَلْقِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ رَعَفَ أَوْ اسْتَنْشَقَ الْمَاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَمْسَكَ الدَّمَ أَوْ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ فَخَرَجَ

استنشق الدخان أو غيره وهو صائم هل يفطر

مِنْ فَمِهِ هَلْ يُفْطِرُ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ مَنْفَذَ الْأَنْفِ إلَى الْفَمِ دُونَ الْحَلْقِ قَالَ الْحَطَّابُ مَسْأَلَةٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى حَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قُلْت؛ لِأَنَّ مَنْفَذَ الْأَنْفِ إلَى الْفَمِ دُونَ الْحَلْقِ فَهُوَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [اسْتَنْشَقَ الدُّخَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اسْتَنْشَقَ الدُّخَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ، وَفِيمَنْ صَبَّ مَائِعًا فِي صِمَاخِ أُذُنِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ، وَفِيمَنْ اكْتَحَلَ نَهَارًا، وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ، وَفِيمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْلًا، وَوَصَلَ لِحَلْقِهِ نَهَارًا هَلْ يُفْطِرُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ اسْتَنْشَقَ الدُّخَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ صَائِمٌ فَقَدْ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَنْفَذٌ عَالٍ مُوَصِّلٌ إلَى الْحَلْقِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَلَوْ فِي رَمَضَانَ، وَالْأَدَبُ إنْ تَعَمَّدْهُ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ مِنْ أَنْفٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ يَمْنَعُ الِاسْتِعَاطَ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَذٌ مُتَّسِعٌ، وَلَا يَنْفَكُّ الْمُسْتَعِطُ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إلَى حَلْقِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي وُقُوعِ الْفِطْرِ اهـ. وَمَنْ اكْتَحَلَ نَهَارًا، وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولَ مَا اكْتَحَلَ بِهِ إلَى حَلْقِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ مُطْلَقًا، وَالْأَدَبُ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمَ الْوُصُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْأَدَبَ إنْ تَعَمَّدَ الِاكْتِحَالَ مَعَ اعْتِيَادِهِ الْوُصُولَ أَوْ اخْتِلَافِ عَادَتِهِ، وَمَنْ صَبَّ فِي أُذُنِهِ مَائِعًا، وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولَهُ لِحَلْقِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَقَدْ أَفْطَرَ فَيَقْضِي فَقَطْ مُطْلَقًا، وَيُؤَدَّبُ الْعَامِدُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَأُذُنٌ، وَعَيْنٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَكْتَحِلُ، وَلَا يَصُبُّ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِلْ إلَى حَلْقِهِ فَإِنْ اكْتَحَلَ بِإِثْمِدٍ أَوْ صَبْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَبَّ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا لِوَجَعٍ بِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ ذَلِكَ إلَى حَلْقِهِ فَلْيَتَمَادَ فِي صَوْمِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا يُكَفِّرُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَصِل إلَى حَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ اهـ مِنْ الْكَبِيرِ، وَقَوْلُهُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا غَلَطٌ، وَلَعَلَّهُ مِنْ النَّاسِخِ، وَصَوَابُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ ابْتِدَاءٌ فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصَّغِيرِ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ فَلْيَتَمَادَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا إنْ شَكَّ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنَّاءِ، وَالدُّهْنِ، وَغَيْرِهِ اهـ مِنْ الصَّغِيرِ. وَفِي

دهن جائفته وهو صائم هل يفطر

الْكَبِيرِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَصْلُ كُلِّ مَا يُعْمَلُ فِي الرَّأْسِ مِنْ حِنَّاءَ أَوْ دُهْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ فَلْيَقْضِ الشَّيْخُ، وَيَخْتَبِرْ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ اهـ، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْلًا، وَوَصَلَ نَهَارًا لِحَلْقِهِ لَمْ يُفْطِرْ. قَالَ الْحَطَّابُ تَنْبِيهٌ قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْكُحْلِ، وَالصَّبِّ فِي الْأُذُنِ، وَالِاسْتِعَاطِ، وَالْحُقْنَةِ: فَرْعٌ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْمَنْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ فَعَلَهُ نَهَارًا، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّهُ هُبُوطُهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ إذَا غَاصَ فِي أَعْمَاق الْبَاطِنِ لَيْلًا لَمْ تَضُرَّ حَرَكَتُهُ، وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ مَا يَنْحَدِرُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْفَمِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [دَهَنَ جَائِفَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَهَنَ جَائِفَتَهُ، وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ، وَفِيمَنْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ حِنَّاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ تَحَقَّقَ وُصُولَهُ لِجَوْفِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَقَدْ أَفْطَرَ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمَهُ لَمْ يُفْطِرْ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي جَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالْجَائِفَةُ كَالْحُقْنَةِ بِخِلَافِ دُهْنِ الرَّأْسِ، وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَسْتَطْعِمَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ فِي دُهْنِ الرَّأْسِ، وَلَوْ اسْتَطْعَمَ، وَلَمْ أَرَ الْأَوَّلَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَوَّلَ، وَانْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ مَسْأَلَةٌ مَنْ عَمِلَ فِي رَأْسِهِ الْحِنَّاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنْ اسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ قَضَى، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا مَنْ اكْتَحَلَ. قُلْت نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَدَمَ الْقَضَاءِ فِيمَا، وَصَلَ لِحَلْقِهِ مِنْ رَأْسِهِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ هُوَ فِي السُّلَيْمَانِيَّة، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ، وَثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفْلِ، وَالْفَرْضِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذِهِ مَنَافِذُ ضَيِّقَةٌ، وَإِيصَالُهَا إلَى الْحَلْقِ نَادِرٌ فَتَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ النَّادِرَةِ هَلْ يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ فِيهَا أَمْ لَا؟ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ حُقْنَةٍ بِمَائِعٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَتُكْرَهُ الْحُقْنَةُ، وَالسَّعُوطُ لِلصَّائِمِ فَإِنْ احْتَقَنَ فِي فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ فَلْيَقْضِ، وَلَا يُكَفِّرْ، وَقَالَ بَعْدُ، وَإِنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا أَوْ اسْتَدْخَلَ فَتَائِلَ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً بِدَوَاءٍ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِ مَائِعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ عِيَاضٌ الْحُقْنَةُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ دَوَائِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ اهـ أَبُو الْحَسَنِ، وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ، وَنَقْطَعُ أَنَّهُ يَصِلُ لِجَوْفِهِ، وَلَوْ قَطَعْنَا أَنَّهُ يَصِلُ كَانَ حَرَامًا أَوْ أَنَّهُ لَا يَصِلُ كَانَ مُبَاحًا فَلَمَّا تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ كَانَ مَكْرُوهًا ثُمَّ إذَا فَعَلَ فَإِنْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ

الاحتقان بالمائعات هل يقع به فطر أو لا يقع به

وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ شَكَّ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَكَلَ، وَهُوَ شَاكٌّ فِي الْفَجْرِ. اللَّخْمِيُّ. [الِاحْتِقَانِ بِالْمَائِعَاتِ هَلْ يَقَعُ بِهِ فِطْرٌ أَوْ لَا يَقَعُ بِهِ] وَاخْتُلِفَ فِي الِاحْتِقَانِ بِالْمَائِعَاتِ هَلْ يَقَعُ بِهِ فِطْرٌ أَوْ لَا يَقَعُ بِهِ، وَأَنْ لَا يَقَعَ بِهِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِلُ إلَى الْمَعِدَةِ، وَلَا إلَى مَوْضِعٍ يَتَصَرَّفُ مِنْهُ مَا يُغَذِّي الْجِسْمَ بِحَالٍ. عِيَاضٌ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ فِي الْحُقْنَةِ بِالْفَتَائِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْفِطْرِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُقْنَةِ الْمَائِعَةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحُقْنَةِ مُجْمَلًا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَائِعَاتِ فَلَا خِلَافَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ، وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَدْخَلَ فَتَائِلَ يَعْنِي فِي دُبُرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا دُهْنٌ أَمْ لَا اهـ، وَقَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ إذَا تَحَقَّقَ وُصُولَ الْحُقْنَةِ تَحْرُمُ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا يُضْطَرُّ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ لَهَا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَفْصِيلِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْحُقْنَةِ، وَتَشْبِيهِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْجَائِفَةَ بِهَا أَنْ قَالَ الْمُدَوَّنَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَائِفَةِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْوُصُولِ فَقَطْ أَمَّا فِي حَالِ عِلْمِ الْوُصُولِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي حَالِ الشَّكِّ الْخِلَافُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي التَّدَاوِي بِالْحُقْنَةِ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ جَائِزٌ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ تَعَيَّنَتْ لِلتَّدَاوِي بِهَا فَالتَّدَاوِي بِهَا جَائِزٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَإِلَّا كُرِهَ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابٍ لَهُ فِي الطِّبِّ كَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ هُرْمُزَ يَكْرَهُونَ الْحُقْنَةَ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ، وَيَقُولُونَ لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ، وَهِيَ مِنْ فِعْلِ الْعَجَمِ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَرِهَهَا، وَقَالَ هِيَ شُعْبَةٌ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ قَالَ عَبْدُ الْمَالِكِ سَمِعْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ يَكْرَهُهَا، وَيَقُولُ كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَكْرَهُونَهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَانَ مَنْ مَضَى مِنْ السَّلَفِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ التَّعَالُجَ بِالْحُقَنِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ لَا يُوجَدُ عَنْ التَّعَالُجِ بِهَا مَنْدُوحَةٌ اهـ. وَسَأَلَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الْحُقْنَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا. وَالْأَبْهَرِيُّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الدَّوَاءِ، وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلنَّاسِ، وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّدَاوِي، وَأَذِنَ فِيهِ قَالَ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ فَتَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ» اهـ خَلِيلٌ فَظَاهِرُهُ مُعَارَضَةُ النَّقْلِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا فَيُتَّفَقُ النَّقْلَانِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [سَافَرَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ سَافَرَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ، وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؟

جاء رمضان في وقت الحصاد والصيف فهل يجوز للأجير الخروج في ضرورة الفطر أو لا

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ تَأَوَّلَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَفْطَرَ بِسَفَرِ قَصْرٍ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ، وَإِلَّا قَضَى، وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَلَا كَفَّارَةَ. قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي فَقَدْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَهُ أَيْ الصَّوْمَ بِرَمَضَانَ بِسَفَرٍ فَيُكَفِّرُ بِفِطْرِهِ تَأَوَّلَ أَوْ لَا اهـ وَقَالَ الْحَطَّابُ فَرْعٌ. قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَيُفْطِرُ فِي السَّفَرِ الْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُبَاحِ، وَالْمَكْرُوهِ، وَالْمَحْظُورِ، وَالْمَشْهُورُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي الْمُبَاحِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَلَا فِي الْمَحْظُورِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رَمَضَانُ بِنَقْلٍ أَوْ رُؤْيَةِ مُنْفَرِدٍ، وَهُمْ لَا يَعْتَنُونَ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ بِحُكْمِ مُخَالِفٍ بِشَاهِدٍ، ثُمَّ لَمْ يُرَ الْهِلَالُ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا لِغَيْمٍ أَوْ عَدَمِ اعْتِنَاءٍ هَلْ يَسُوغُ لَهُمْ الْفِطْرُ، وَهَلْ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ قَبْلَهُمْ بِيَوْمٍ يَلْزَمُهُمْ قَضَاؤُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْفِطْرُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِثُبُوتِ شَوَّالَ فِي حَقِّهِمْ بِكَمَالِ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِذَا نَقَلَ لَهُمْ عَدْلَانِ أَوْ مُسْتَفِيضَةٌ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ قَبْلَهُمْ بِيَوْمٍ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ مُسْتَفِيضَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَعَمَّ إنْ نُقِلَ بِهِمَا عَنْهُمَا، وَكَذَا إذَا نَقَلَ لَهُمْ عَدْلٌ وَاحِدٌ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ رُؤْيَةً مُسْتَفِيضَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [جَاءَ رَمَضَانُ فِي وَقْتِ الْحَصَادِ وَالصَّيْفِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ الْخُرُوجُ فِي ضَرُورَةِ الْفِطْرِ أَوْ لَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَالِكِ الزَّرْعِ إذَا أَتَى رَمَضَانُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ، وَالْحَصَادِ، وَإِذَا صَامَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَصَادِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الضَّرَرُ أَمْ لَا، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَاذَا يَلْزَمُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى كَمَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ فِي لَيْلَةِ الْيَوْمِ الَّذِي اعْتَادَ الْحُمَّى أَوْ الْحَيْضَ فِيهِ، ثُمَّ حَصَلَتْ لَهُ الْحُمَّى أَوْ الْحَيْضُ فِيهِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ نِيَّةِ الصَّوْمِ، ثُمَّ إنْ اُضْطُرَّ لِلْفِطْرِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَفْطَرَ، وَإِلَّا أَتَمَّ يَوْمَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ إنْ تَوَقَّفَ مَعَاشُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْحَصَادِ الْمُؤَدِّي لِفِطْرِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ، وَيُبَاحُ لِلْحَصَّادِ الْخُرُوجُ الْمُؤَدِّي إلَى الْفِطْرِ إنْ اُضْطُرَّ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَيُبَاحُ لِرَبِّ الزَّرْعِ الْخُرُوجُ لِلْوُقُوفِ عَلَى زَرْعِهِ الْمُؤَدِّي لِفِطْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ لِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُلِيِّ، وَنَصُّهُ يَقَعُ السُّؤَالُ فِي زَمَنِنَا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فِي وَقْتِ الْحَصَادِ، وَالصَّيْفِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ

بيت نية الصوم معتمدا على رؤية من لا تقبل شهادته ثم ثبت رمضان برؤية من تقبل شهادته نهارا فهل تكفيه تلك النية

الْخُرُوجُ فِي ضَرُورَةِ الْفِطْرِ أَوْ لَا، وَكَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا لَصَنَعَتْهُ لِمَعَاشِهِ مَا لَهُ مِنْهَا بُدٌّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَأَمَّا مَالِكُ الزَّرْعِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ جَمْعِهِ زَرْعَهُ، وَإِنْ أَدَّى إلَى فِطْرِهِ، وَإِلَّا دَخَلَ فِي النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ احْتَاجَ لِطَلَبِ آبِقٍ أَوْ ضَالَّةٍ فِي رَمَضَانَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا أَفْطَرَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الطَّلَبُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَجُوزُ لَهُ الطَّلَبُ الْمُؤَدِّي إلَى الْفِطْرِ، وَلَكِنْ لَا يُفْطِرُ حَتَّى يَضْطَرَّ لِلْفِطْرِ هَذَا إنْ عَلِمَ وُجُودَهُ قَبْلَ تَمَامِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ إلَّا بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِلْمَحَلِّ الَّذِي تُقْصَرُ مِنْهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْفِطْرِ، وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ لَهُ إنْ لَمْ يُبَيِّتْ نِيَّةَ الصَّوْمِ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يُفْطِرُ حَتَّى يَضْطَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . [بَيَّتَ نِيَّةَ الصَّوْمِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُؤْيَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ نَهَارًا فَهَلْ تَكْفِيهِ تِلْكَ النِّيَّةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَيَّتَ نِيَّةَ الصَّوْمِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُؤْيَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ نَهَارًا فَهَلْ تَكْفِيهِ تِلْكَ النِّيَّةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَكْفِيهِ تِلْكَ النِّيَّةُ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَإِلَّا فَلَا تَكْفِيهِ، وَيَقْضِي يَوْمًا قَالَ الْعَدَوِيُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَةَ الْوَاحِدِ كَافِيَةٌ فِي مَحَلٍّ لَا اعْتِنَاءَ فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ، وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَثِقُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ، وَتَسْكُنُ بِهِ لِعَدَالَةِ الْمَرْأَةِ، وَحُسْنِ سِيرَةِ الْعَبْدِ كَمَا أَفَادَهُ عج، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ فِي لِثَتِهِ قُرُوحٌ يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَيَنْقَطِعُ فِي بَعْضٍ آخَرَ وَقَدْ يَسِيلُ مِنْهَا فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ أَوْ جُلِّهِ أَوْ أَقَلِّهِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ دَامَ الدَّمُ كُلَّ الْيَوْمِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ، وَعَسُرَ مَجُّهُ عُفِيَ عَنْهُ، وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ الْقَضَاءَ مِنْهُ، وَإِلَّا يُعْفَى عَنْهُ، وَيَجِبُ مَجُّهُ حَتَّى يَبْيَضَّ الرِّيقُ فَإِنْ بَلَعَهُ مُتَغَيِّرًا بِالدَّمِ فَسَدَ صَوْمُهُ. فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْحَطَّابِ إنَّ دَمَ الْأَسْنَانِ يُمَجُّ حَتَّى يَبْيَضَّ الرِّيقُ فَإِنْ دَامَ، وَعَسُرَ عُفِيَ عَنْهُ، وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ الْقَضَاءَ مِنْهُ اهـ، وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ. وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ دَمِيَ فَمُهُ، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمْ يَبْتَلِعْ الدَّمَ، وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ مِنْهُ هَلْ يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِهِ

وجبت عليه عشر كفارات لفطره في رمضان وأراد الإطعام ولم يجد ستمائة مسكين ووجد مسكينا واحدا

رِيقَهُ النَّجِسَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ ابْتِلَاعَ الصَّائِمِ الرِّيقَ النَّجِسَ لَا يَحِلُّ، وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي رِيقٍ يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ لِمَا فِي لَفْظِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فَإِذَا كَانَ ابْتِلَاعُهُ مُحَرَّمًا فِي الصَّوْمِ، وَغَيْرِهِ لِنَجَاسَتِهِ بَطَلَ الصَّوْمُ بِابْتِلَاعِهِ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ الْمُرَخِّصِ فِي ابْتِلَاعِهِ. قُلْت إنْ ذَهَبَ الدَّمُ جُمْلَةً، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُكْمُ النَّجَاسَةِ فِي الْفَمِ فَعِنْدِي أَنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إذَا غُسِلَتْ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ كَمَاءِ الدَّلْوِ الْمُزَيَّتِ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا حُكْمُ النَّجَاسَةِ خَاصَّةً فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَبْطُلُ، وَيَجْرِي حُكْمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَسَائِلِ التَّأْوِيلِ، وَأَمَّا لَوْ بَقِيَ بَعْضُ النَّجَاسَةِ فِي فَمِهِ، وَابْتَلَعَهُ فَإِنْ كَانَ غَالِبًا فَيَجْرِي عَلَى مَسَائِلِ الْغَلَبَةِ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ وَالْجَبَّاسِينَ، وَنَحْوِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا فَإِنَّهُ يَقْضِي، وَتَجْرِي الْكَفَّارَةُ عَلَى مَسَائِلِ مَا ابْتَلَعَهُ مِنْ الْفَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ وَأَرَادَ الْإِطْعَامَ وَلَمْ يَجِدْ سِتَّمِائَةِ مِسْكَيْنِ وَوَجَدَ مِسْكِينًا وَاحِدًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ، وَأَرَادَ الْإِطْعَامَ، وَلَمْ يَجِدْ سِتَّمِائَةِ مِسْكَيْنِ، وَوَجَدَ مِسْكِينًا وَاحِدًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ عَشْرَةِ أَمْدَادٍ لَهُ نَاوِيًا كُلُّ مُدٍّ مِنْ كَفَّارَةٍ، وَهَكَذَا إذَا وَجَدَ مِسْكِينًا آخَرَ حَتَّى تَتِمَّ الْكَفَّارَاتُ أَوْ لَا يَدْفَعُ لَهُ إلَّا مُدًّا وَاحِدًا، وَهَكَذَا إذَا وَجَدَ مِسْكِينًا آخَرَ حَتَّى تَتِمَّ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ جِدًّا، وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّيَامِ، وَالْعِتْقِ، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا، وَمَاتَ فَهَلْ يَخْلُصُ مِنْ الْإِثْمِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: إنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ عَشْرَةِ أَمْدَادٍ لِمَنْ وَجَدَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَتِمَّ الْكَفَّارَاتُ نَاوِيًا كُلُّ مُدٍّ مِنْ كَفَّارَةٍ، وَإِنْ مَاتَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ رَأَى نَحْوَ إيقَادِ النِّيرَانِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ لَا تُوقَدَ إلَّا بَعْدَ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَرَهُ، وَنَوَى الصَّوْمَ مُعْتَمِدًا عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَصِحُّ صَوْمُهُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: فِي الْحَطَّابِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ قُرَى الْبَادِيَةِ مُتَقَارِبَةً بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَنِيرُوا فَرَآهُ بَعْضُ أَهْلِ الْقُرَى فَنَيَّرُوا فَأَصْبَحَ أَصْحَابُهُمْ صَائِمِينَ، ثُمَّ ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ بِالتَّحْقِيقِ فَهَلْ يَصِحُّ صَوْمُهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ رُئِيَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت إذَا كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي فِيهِ النَّارُ يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُهُ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ جَعْلِ النَّارِ فِيهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ الْهِلَالُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ نَقْلِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا كَجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّهُ لَا تُوقَدُ الْقَنَادِيلُ فِي رُءُوسِ الْمَنَائِرِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْهِلَالِ فَمَنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ جَاءَ بِلَيْلٍ، وَرَأَى ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ

شرب الدخان في نهار رمضان عامدا فهل تلزمه الكفارة

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامَ الْحَطَّابِ فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الصَّوْمِ، وَالْفِطْرُ بِسَمَاعِ صَوْتِ الْمِدْفَعِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّهُ لَا يُضْرَبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَحُكْمُهُ بِهِ، وَإِعْلَامُهُ حَاكِمَ السِّيَاسَةِ بِذَلِكَ كَإِيقَادِ الْقَنَادِيلِ فِي الْمَنَائِرِ، وَكَذَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي الْفِطْرِ، وَالْإِمْسَاكِ كُلَّ لَيْلَةٍ لِتَوْكِيلِهِمْ عَلَى الْأَمْرِ بِضَرْبِهِ مُسْلِمًا عَارِفًا بِالْوَقْتِ فَصَارَ كَالْأَذَانِ بِحَيْثُ إنْ قُدِّمَ عَلَى الْوَقْتِ أَوْ أُخِّرَ عَنْهُ يُنْكِرُهُ النَّاسُ، وَصَارَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَالنَّاسُ مُعْتَمَدِينَ عَلَيْهِ أَشَدَّ مِنْ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْمِيقَاتِيِّ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. [شَرِبَ الدُّخَانَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ شَرِبَ الدُّخَانَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إنْ وَصَلَ لِجَوْفِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ، وَطْئًا، وَإِنْزَالًا، وَالْإِفْطَارُ بِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ اهـ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ، وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ عَبْدُ الْبَاقِي، وَوَصَلَ لِجَوْفِهِ وَقَالَ قِبَلَ الدُّخَانِ الَّذِي يُشْرِبُ مُفْطِرٌ إذْ هُوَ مُتَكَيِّفٌ، وَيَصِلُ إلَى الْحَلْقِ بَلْ إلَى الْجَوْفِ أَحْيَانًا، وَيُقْصَدُ اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَصِحَّتُهُ بِتَرْكِ مَا يَصِلُ الْمَعِدَةَ مُطْلَقًا أَوْ الْحَلْقَ مِنْ مَائِعٍ أَوْ دُخَانٍ، ثُمَّ قَالَ كَفَرَ مُنْتَهِكُ رَمَضَانَ بِإِدْخَالٍ مِنْ فَمٍ فَقَطْ، وَلَوْ دِرْهَمًا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَضْعِ الدُّخَانِ فِي الْفَمِ بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى، وَالْأَسْنَانِ، وَمَجِّ الرِّيقَ الْمُتَغَيِّرَ بِهِ هَلْ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ إنْ كَانَ عَمْدًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَضْعُ الدُّخَانِ فِي الْفَمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مُضَادٌّ لِحَقِيقَةِ الصِّيَامِ الَّتِي هِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ، وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَيُّفِ بِهِ تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ مَضْغًا، وَيَصِلُ طَعْمُهُ لِلْحَلْقِ، وَيَتَكَيَّفُ بِهِ الدِّمَاغُ مِثْلَ تَكَيُّفِهِ بِالدُّخَانِ الَّذِي يُمَصُّ بِالْعُودِ أَوْ يُتَنَشَّقُ بِهِ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ أَشَدُّ فَلَا شَكَّ فِي إفْطَارِهِ الصَّائِمَ، وَإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ الْكُبْرَى إنْ كَانَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ عَمْدًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، وَالْفِطْرُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْفِطْرِ بِدَهْنِ الرَّأْسِ إذَا وَصَلَ طَعْمُهُ لِلْحَلْقِ مِنْ الْمَسَامِّ، وَبِاسْتِنْشَاقٍ بِبُخَارِ الْقِدْرِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِلْعَوَامِّ، وَإِذَا سَمِعُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ أَوْ تَوَقُّفِهِ فِي ذَلِكَ اسْتَغْرَبُوهُ، وَنَسَبُوهُ لِلْجَهْلِ، وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ، وَمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ تَتَكَيَّفُ بِهِ دِمَاغُهُ تَكَيُّفًا شَدِيدًا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا، وَيَتَضَرَّرُ لِتَرْكِهِ تَضَرُّرًا شَدِيدًا يُشْرِفُ بِهِ عَلَى الْهَلَاكِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُفَطِّرُهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؟ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَضْغِ الْعِلْكِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّ الْعِلْكَ لَا حَرَارَةَ فِيهِ مِثْلَ الدُّخَانِ

وَالْأَطْرَوْنَ، وَلَيْسَ لَهُ بُخَارٌ يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِدَوَاءٍ، وَوَجَدَ طَعْمَ دُخَانِهِ فِي حَلْقِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ كَمَنْ اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، وَوَجَدَ طَعْم ذَلِكَ فِي حَلْقِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مَنْ اسْتَنْشَقَ بُخَارَ قِدْرِ الطَّعَامِ فَقَدْ أَفْطَرَ قَالُوا؛ لِأَنَّ بُخَارَ الطَّعَامِ لَهُ جِسْمٌ يَتَقَوَّى بِهِ الدِّمَاغُ فَيَحْصُلُ بِهِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَمَ أَقْرَبُ لِلْحَلْقِ مِنْ الْأَنْفِ، وَمِنْ مَسَامِّ الرَّأْسِ، وَأَوْسَعُ مِنْهُمَا، وَأَنَّ الْأَصْلَ، وَالْغَالِبَ، وَالْمُشْتَهَى الْإِيصَالُ مِنْهُ، وَأَنَّ الِانْتِهَاكَ بِهِ أَشَدُّ فَلِذَا قُصِرَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَادِثَةٍ فِي سَنَةِ إحْدَى وَثَمَانِينَ هِيَ أَنَّهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَضَرَ خَبَرٌ مِنْ الشَّامِ فِي التِّلِغْرَافِ لِبَعْضِ الثُّغُورِ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الشَّامِ رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَفْتَى مُفْتِيهِ بِالْعَمَلِ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَالْحُكْمِ بِثُبُوتِ الشَّهْرِ فِي ذَلِكَ الثَّغْرِ، وَحَكَمَ قَاضِيهِ بِذَلِكَ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ بَعْضِ حَوَاشِي التَّنْوِيرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَهْلُ الْقُرَى بِسَمَاعِ الْمَدَافِعِ أَوْ رُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ قَاضِي الْمِصْرِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعَمَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَيْرِ رَمَضَانَ بَعِيدٌ إذْ لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ عَادَةً لَيْلَةَ الشَّكِّ إلَّا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ اهـ. وَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْقُطْرِ الشَّامِيِّ عَارَضُوا ذَلِكَ غَايَةَ الْمُعَارَضَةِ، وَرَدُّوا الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةَ قَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ مُسْتَدِلِّينَ بِعِبَارَةٍ مَنْ الْكُتُبِ الْمُحَرَّرَةِ فَهَلْ يُعَوَّلُ عَلَى الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْمُعَارِضِينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ وَلَكُمْ الثَّوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعَوَّلُ عَلَى الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ سَلَاطِينَ الْمُسْلِمِينَ وَضَعُوا التِّلِغْرَافَ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ مِنْ الْبِلَادِ الْقَرِيبَةِ، وَالْبَعِيدَةِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا، وَأَقَامُوا لِأَعْمَالِهِ أَشْخَاصًا مُسْلِمِينَ، وَأَنْفَقُوا عَلَى ذَلِكَ أَمْوَالًا جَسِيمَةً، وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ السُّعَاةِ، وَإِرْسَالِ الْمَكَاتِيبِ غَالِبًا فَصَارَ قَانُونًا مُعْتَبَرًا فِي ذَلِكَ يُخَاطِبُ بِهِ السَّلَاطِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي مُهِمَّاتِ الْأُمُورِ، وَتَبِعَهُمْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْحَطَّابِ، وَغَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ انْتَظَرُوا هِلَالَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَرَوْهُ، وَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ وَقَدْ بَلَغَهُمْ بِالسِّلْكِ ثُبُوتُ رَمَضَانَ فِي مِصْرَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ بِهِ، وَإِنَّ الْحُكْمَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ

مسائل الحج

لِبُعْدِ تَأْوِيلِهِمْ لِاسْتِنَادِهِمْ فِيهِ لِجَهْلِهِمْ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْحَجِّ] [مُعْتَمِر مَرِضَ وَسَافَرَتْ رُفْقَتُهُ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ السَّعْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ صَحَّ فِي الطَّرِيقِ وَحَلَقَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْحَجِّ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُعْتَمِرٍ مَرِضَ، وَسَافَرَتْ رُفْقَتُهُ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ صَحَّ فِي الطَّرِيقِ، وَحَلَقَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ صَحَّ بِقُرْبِ مَكَّةَ حَلَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَصِلْ بَلَدَهُ فَإِنْ وَصَلَ بَلَدَهُ أَوْ تَبَاعَدَ حَلَقَ، وَأَهْدَى قَالَ الشَّيْخُ يَحْيَى الْحَطَّابُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي الْحِلَاقِ فِي الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فَمَنْ أَخَّرَهُ حَتَّى طَالَ أَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ رُكْنٌ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ لَهُ بَلْ يَفْعَلُهُ حَيْثُ هُوَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، وَلَا يَفُوتُ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ شَيْءٌ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ صَلَوَاتُ خَمْسٍ سِنِينَ، وَشَرَعَ يَقْضِي مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ حَاضِرَةٍ خَمْسًا مِنْ الْفَوَائِتِ بِحَيْثُ يُتِمُّ مَا فِي ذِمَّتِهِ فِي عَامٍ، وَنَوَى صِيَامَهُ تَطَوُّعًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَمَّ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ نَوَى حَجَّ الصَّرُورَةِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ فِي حَالِ سَفَرِهِ قَضَاءً، وَلَا صَوْمًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِقَامَةُ حَتَّى يُتِمَّ عَامَهُ بِقَضَاءِ مَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُؤَخِّرَ الْحَجَّ لِعَامٍ آخَرَ أَوْ لَهُ السَّفَرُ لِحَجِّ الصَّرُورَةِ، وَيُؤَخِّرُ قَضَاءَ مَا بَقِيَ مِنْ الْفَوَائِتِ حَتَّى يَرْجِعَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ، وَلَكُمْ الثَّوَابُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ مَا بَقِيَ بِذِمَّتِهِ مِنْ الْفَوَائِتِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي شَاذٌّ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ رَاجِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَرْجَحُ، وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ قُرْبَ الْفَجْرِ، وَعَارَضَ قَضَاؤُهَا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ قَدَّمَ قَضَاءَهَا عَلَى الْوُقُوفِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَحَكَوْا فِيهَا أَقْوَالًا أُخُرَ، وَحَمَلَ عَلَيْهَا بَهْرَامُ قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ، وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ، وَانْتَقَدَهُ الْحَطَّابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ

الْفَائِتَةِ عَلَى الْوُقُوفِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ فِي الْحَاضِرَةِ وُجُودُهُ فِي الْفَائِتَةِ بِالْأَوْلَى لِتَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ عَلَى الْحَاضِرَةِ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا. وَحُكْمُ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ هَذِهِ بِالْأَوْلَى لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ، وَتَقَدُّمِ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِهَا، وَعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ قَالَ الْحَطَّابُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاءَ إلَى عَرَفَةَ فَذَكَرَ صَلَاةً مَنْسِيَّةً إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَإِنْ ذَهَبَ إلَى الْوُقُوفِ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ لِعِظَمِ أَمْرِهَا فِي الشَّرْعِ، وَاسْتِحْقَاقِهَا لِلْوَقْتِ بِالذِّكْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَرَفَةَ مَضَى، وَوَقَفَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا صَلَّى، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِي إدْرَاكِ عَرَفَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا فَيُصَلِّي، وَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا فَيَمْضِي لِعَرَفَةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُقَدِّمُ عَرَفَةَ مُطْلَقًا لِمَا فِي فَوَاتِ الْحَجِّ مِنْ الْمَشَاقِّ وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ يُصَلِّي إيمَاءً كَالْمُسَايِفِ اهـ. تَنْبِيهَاتٌ (الْأَوَّلُ) لَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَنْسِيَّةٍ فَائِتَةٍ بَلْ، وَلَا مَنْ ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مَنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَاضِرَةِ إلَّا مَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ بَعْضِ نُقُولِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ إلَّا قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْسِيَّةِ، وَالْحَاضِرَةِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّهَا مَنْسِيَّةٌ، وَنَصُّهُمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَتَى قُرْبَ الْفَجْرِ وَقَدْ ذَكَرَ صَلَاةً فَإِنْ صَلَّاهَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَفَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ جِبَالِ عَرَفَةَ وَقَفَ، وَصَلَّى، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مَشَى إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ وَصَلَّى اهـ. فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاضِرَةِ. قُلْت إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ تَجِدْ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ، وَمَنْ أَتَى الْفَجْرَ، وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَاخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ قَاعِدَةُ الْمُضَيَّقِ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا وُسِّعَ فِي تَارِيخِهِ، وَمَا وُسِّعَ فِيهِ زَمَانٍ مَحْصُورٍ كَالصَّلَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا غَيَّاهُ بِالْعُمُرِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا رُتِّبَ عَلَى تَرْكِهِ الْقَتْلُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَتُقَدَّمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَجِّ إجْمَاعًا غَيْرَ أَنَّ فَضْلَ الصَّلَاةِ قَدْ عُورِضَ هَاهُنَا بِالدُّخُولِ فِي الْحَجِّ، وَمَا فِي فَوَاتِهِ مِنْ الْمَشَاقِّ فَأَمْكَنَ أَنْ يُلَاحَظَ ذَلِكَ اهـ. فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِلْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَجِّ إجْمَاعًا لِلْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرَهَا نَعَمْ ذَكَرَ فِي قَوَاعِدِهِ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَوْلَ عَبْدِ الْحَمِيدِ يُصَلِّي

رجل حج مع والدته ثم أراد الحج ثانيا ولا يأخذها معه وهي متشوقة له فهل يعد ذلك عقوقا

إيمَاءً كَالْمُسَايِفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَائِتَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ، وَاخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ، وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَنْسِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، وَفَرَضَهَا ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَاكِرِ الْعِشَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَاحِدٌ أَنَّهَا صَلَاةٌ مَنْسِيَّةٌ خَرَجَ، وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ، وَالضَّرُورِيُّ، وَفَرَضَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ قَالَ، وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا آخَرَ لَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ مَعْلُومٌ قَطْعًا فَإِذَا رَجَحَ الْجِنْسُ عَلَى الْجِنْسِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي الشَّخْصِ عَلَى الشَّخْصِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَلِاسْتِحْقَاقِهَا فَهُوَ جَيِّدٌ لَكِنْ عَلَى فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي حَقِّ مَنْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً قَدْ خَرَجَ، وَقْتُهَا فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا هَذَا الْوَقْتَ نَظَرٌ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَبِالْجُمْلَةِ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذْ يَبْعُدُ فِي حَقِّ الْمُسَايِفِ الْمُتَذَكِّرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَنْسِيَّةً أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَقْتِيَّةِ فِي تِلْكَ بِمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ إلَّا فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَرَافِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ، وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَسَاقَ الْحَطَّابُ نُصُوصَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ مَنْسِيَّةً خَرَجَ، وَقْتُهَا كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الْكَلَامُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَسَنَدٍ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا، وَمَالَ إلَيْهِ، وَوَجَّهَهُ، وَأَيَّدَهُ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ، وَبِالْجَوَابِ السَّابِقِ يَنْدَفِعُ تَنْظِيرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلٍ حَجَّ مَعَ وَالِدَتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الْحَجَّ ثَانِيًا وَلَا يَأْخُذُهَا مَعَهُ وَهِيَ مُتَشَوِّقَةٌ لَهُ فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عُقُوقًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَجَّ مَعَ وَالِدَتِهِ، ثُمَّ أَرَادَ الْحَجَّ ثَانِيًا، وَلَا يَأْخُذُهَا مَعَهُ، وَهِيَ مُتَشَوِّقَةٌ لَهُ فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عُقُوقًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَجُّهُ وَحْدَهُ بِدُونِ إذْنِهَا، وَرِضَاهَا عُقُوقٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَنْعُ الْوَالِدَانِ لَا الْجَدُّ مِنْ غَيْرِ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَلَوْ كَافِرَيْنِ

مسائل الذكاة

إلَّا فِي الْجِهَاد. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الذَّكَاةِ] [حَمَامِ الْأَبْرَاجِ هَلْ يُعْمَلُ فِيهِ الصَّيْدُ أَمْ لَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الذَّكَاةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَمَامِ الْأَبْرَاجِ هَلْ يُعْمَلُ فِيهِ الصَّيْدُ أَمْ لَا؟ ، وَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَمَامِ الْأَبْرَاجِ مَاذَا يَصْنَعُ إذَا وَجَدَ حَمَامًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ صَيْدُهُ هَلْ يَنْوِي الْجَمِيعَ، وَمَا وَقَعَ يُؤْكَلُ أَوْ لَا يَنْوِي، وَيُؤْكَلُ مَا وَقَعَ أَوْ يَنْوِي شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَلَا يُؤْكَلُ غَيْرُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَعْمَلُ فِيهِ الِاصْطِيَادَ؛ لِأَنَّهُ، وَحْشِيٌّ مَعْجُوزٌ عَنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ اصْطِيَادُهُ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْبُرْجِ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ، وَإِنْ اصْطَادَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُهُ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الصَّيْدُ فَأَمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجَمِيعَ أَوْ مَا يَقَعُ مِنْهُ، وَيُؤْكَلُ مَا صِيدَ فِيهِمَا اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ فَإِنَّهُ نَوَى وَاحِدًا مُعَيَّنًا أَكَلَ بِشَرْطِ أَنْ يُمْسِكَهُ الْجَارِحُ أَوَّلًا، وَلَا يُؤْكَلُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ نِيَّةِ ذَكَاتِهِ أَصْبَغُ مَنْ أَرْسَلَ عَلَى، وَكْرِ طَيْرٍ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ أَوْ شَجَرَةٍ، وَكَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ الْعَطَبَ يَجُوزُ أَكْلُهُ بِالصَّيْدِ اهـ. وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى جَمَاعَةِ صَيْدٍ، وَلَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهَا دُونَ الْآخَرَ فَأَخَذَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَكَلَ مَا أَخَذَ مِنْهَا اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْ بِأَنْ نَوَى الْجَمْعَ أَوْ نَوَى كُلَّ مَا يَصِيدُهُ، وَيَأْخُذُهُ هَذَا الْجَارِحُ سَوَاءً كَانَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ اهـ. وَفِي الْخَرَشِيِّ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى مُعَيَّنًا فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ إذَا قَتَلَهُ أَوَّلًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ قَبْلَهُ فَلَا يُؤْكَلُ هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ التَّعَدِّي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَبْرَاجِ وَالْأَجْبَاحِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يَصْطَادُونَ سَمَكًا بِآلَاتٍ مِنْ نَهْرٍ، وَبِشَاطِئِ النَّهْرِ نَاسٌ غَيْرُ صَيَّادِينَ فَفَطَّتْ سَمَكَةٌ بِشَاطِئِ النَّهْرِ فَتَنَازَعَ فِيهَا الصَّيَّادُونَ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ فَطِّهَا فَهَلْ تَكُونُ لِلْجَمِيعِ شَرِكَةً أَوْ يَخْتَصُّ بِهَا الصَّيَّادُ أَوْ لَاقِطُهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ فَطَّتْ مِنْ عِنْدِ الْآلَاتِ اخْتَصَّ بِهَا الصَّيَّادُونَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا مَا فَطَّتْ إلَّا بِسَبَبِهَا فَيَكُونُ الصَّيَّادُونَ هُمْ الْمُتَسَبِّبِينَ فِي

جمل وقع في بئر ولم يمكن نحره ولا ذبحه ورمي بآلة قطعت ذنبه

فَطِّهَا لِلشَّطِّ، وَإِنْ فَطَّتْ مِنْ مَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْهَا عُرْفًا بِحَيْثُ لَا يُقَالُ إنَّ الْآلَاتِ هِيَ السَّبَبُ فِي فَطِّهَا فَهِيَ لِمَنْ بَادَرَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ الصَّيَّادُونَ أَوْ خِلَافُهُمْ، وَإِنْ تَدَافَعُوا عَلَيْهَا فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَلَكَ الصَّيْدَ الْمُبَادِرُ لِأَخْذِهِ أَوْ تَعْطِيلِهِ لَا رُؤْيَتِهِ، وَإِنْ تَدَافَعَ قَادِرُونَ لَهُ فَبَيْنَهُمْ، دَفْعًا لِلنِّزَاعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ مُسَافِرِينَ فِي مَفَازَةٍ فِيهَا مَسَافَةُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا مَاءَ بِهَا، وَمَعَهُمْ مَاءٌ زَائِدٌ عَلَى حَاجَتِهِمْ فَنَامَ أَحَدُهُمْ فَتَرَكُوهُ نَائِمًا، وَذَهَبُوا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْتِيشٍ عَلَيْهِ، وَلَا تَحْلِيفِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمَاءٍ، وَرَاحِلَةٍ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَيَلْحَقَهُمْ مَعَهُ، ثُمَّ مَرَّتْ مِنْهَا قَافِلَةٌ أُخْرَى فَوَجَدَتْ الرَّجُلَ مَيِّتًا مِنْ الْعَطَشِ فَهَلْ تَلْزَمُ الدِّيَةُ رُفْقَتَهُ الَّتِي تَرَكَتْهُ فِي أَمْوَالِهَا أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَوْ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَلْزَمُ دِيَتُهُ رُفْقَتَهُ فِي أَمْوَالِهَا إنْ تَعَمَّدَتْ تَرْكَهُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ تَأَوَّلَتْ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مِنْ مُهْلِكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ كَإِتْلَافِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً اهـ. وَلَا يُقْتَلُونَ بِهِ، وَلَوْ تَرَكُوهُ عَمْدًا هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا زَالَ الشُّيُوخُ يُنْكِرُونَ حِكَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الزُّورَ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى قُتِلَ بِهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَالَ فَقَدْ قِيلَ يُقْتَلُ الشَّاهِدُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ اهـ. وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْخَرَشِيِّ، وَلَوْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِإِهْلَاكِهِ بِتَرْكِ تَخْلِيصِهِ قُتِلَ بِهِ غَيْرُ صَوَابٍ اهـ. بُنَانِيٌّ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْعَدَوِيُّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ النَّقْلِ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [جَمَل وَقَعَ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ نَحْرُهُ وَلَا ذَبْحُهُ وَرُمِيَ بِآلَةٍ قَطَعَتْ ذَنَبَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَلٍ وَقَعَ فِي بِئْرٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ نَحْرُهُ، وَلَا ذَبْحُهُ، وَرُمِيَ بِآلَةٍ قَطَعَتْ ذَنَبَهُ، وَتَحَرَّكَ، وَمَاتَ فَهَلْ لَا يُؤْكَلُ؟ فَأَجَبْتُ: بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ لَا يُؤْكَلُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ، وَشُبِّهَ فِي عَدَمِ الْأَكْلِ فَقَالَ كَالْحَيَوَانِ الْمُتَرَدِّي إنْسِيًّا كَانَ أَوْ، وَحْشِيًّا أَيْ السَّاقِطِ بِحُفْرَةٍ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا حِينَئِذٍ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَاةٍ أَكَلَتْ عَجِينًا كَثِيرًا، وَأَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا فَذُبِحَتْ، وَسَالَ دَمُهَا كَثِيرًا بِلَا شَخْبٍ، وَلَا حَرَكَةٍ إلَّا كَتِفُهَا، وَبَعْضُ، وَدَجِهَا فَأَفْتَى رَجُلٌ بِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ فَرُمِيَتْ فَهَلْ أَخْطَأَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ أَخْطَأَ فِي فَتْوَاهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إنْ انْتَصَبَ أَوْ تَوَلَّى رَمْيَهَا، وَإِلَّا فَغَارَّ غُرُورًا قَوْلِيًّا لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَيُزْجَرُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ اشْتِغَالٌ

رجل أضجع المذبوح الأرض وضربه بآلة الذبح ضربة واحدة في محل التذكية ناويا بها الذكاة مسميا

بِالْعِلْمِ أُدِّبَ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ، وَشُبِّهَ فِي الْأَكْلِ فَقَالَ كَسَيَلَانِهِ بِغَيْرِهِ أَيْ الشَّخْبِ فِي الْحَيَوَانِ الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ الَّذِي لَمْ يُضْنِهِ الْمَرَضُ لَا الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ مَرَضٌ اهـ. وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ، وَذَكَاةُ الْبَشَمِيِّ وَالْبَالِغ مِنْ الْفِرَاخِ مَثَلًا صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ الْمَحْرُوقَةِ، وَالْوَاقِعَةِ فِي الْمَاءِ اهـ. وَفِي صَغِيرِهِ أَوْ أَكَلَ عُشْبًا أَوْ نَحْوَهُ فَانْتَفَخَ، ذَكَرُهُ مِثَالًا لِمَا يُؤْكَلُ بِالذَّكَاةِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَأَكْلِ مَا لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلَهُ، وَلَوْ الْمُنْخَنِقَةُ، وَمَا مَعَهَا أَوْ مَرِيضًا أَيِسَ بِالذَّكَاةِ إنْ تَحَرَّكَ قَوِيًّا أَوْ سَالَ دَمُهُ بِشَخْبٍ كَغَيْرِهِ فِي الصَّحِيحِ اهـ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالْمُصَابَةُ بِأَمْرٍ غَيْرِ مَرَضٍ، وَلَا مَانِعٍ عَيْشَهَا غَالِبًا كَصَحِيحَةٍ، وَالْمُصَابَةُ بِمَا أَنْفَذَ مَقْتَلُهَا فِيهَا طُرُقٌ الْبَاجِيِّ ذَكَاتُهَا لَغْوٌ اتِّفَاقًا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَيَتَخَرَّجُ اعْتِبَارُهَا مِنْ سَمَاعِ زَيْدٍ ابْنُ الْقَاسِمِ قَتْلُ مَنْ أَجْهَزَ عَلَى مَنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ غَيْرُهُ، وَيُعَاقَبُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ سَحْنُونَ وَعِيسَى عَنْهُ عَكْسُهُ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ إنْفَاذُهَا بِمَوْضِعِ الذَّكَاةِ فِي الْأَوْدَاجِ لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ ثُمَّ قَالَ وَالْمَوْقُوذَةُ، وَمَا مَعَهَا مَا أَصَابَهُ مُطْلَقُ ضَرْبٍ أَوْ سُقُوطٍ لِأَسْفَلَ أَوْ نَطْحٍ أَوْ عَقْرٍ إنْ وَجَبَتْ حَيَاتُهَا فَكَصَحِيحَةٍ، وَإِنْ أَنَفَذَتْ مَقَاتِلَهَا فَكَمَا مَرَّ، وَإِلَّا فَإِنْ أَيِسَتْ حَيَاتُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا فَفِي حِلِّهَا كَمَرِيضَةٍ، وَحُرْمَتِهَا ثَالِثُهَا إنْ شَكَّ فِيهَا اهـ. [رَجُلٍ أَضْجَعَ الْمَذْبُوحَ الْأَرْضَ وَضَرَبَهُ بِآلَةِ الذَّبْحِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فِي مَحَلِّ التَّذْكِيَةِ نَاوِيًا بِهَا الذَّكَاةَ مُسَمِّيًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَضْجَعَ الْمَذْبُوحَ الْأَرْضَ وَضَرَبَهُ بِآلَةِ الذَّبْحِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فِي مَحَلِّ التَّذْكِيَةِ نَاوِيًا بِهَا الذَّكَاةَ مُسَمِّيًا فَحَصَلَ بِهَا قَطْعُ الْحُلْقُومِ، وَالْوَدَجَيْنِ أَوْ وَضَعَ آلَةَ الذَّبْحِ بِالْأَرْضِ، وَأَمَرَّ عَلَيْهَا رَقَبَةَ الْمَذْبُوحِ حَتَّى أَتَمَّ ذَكَاتَهَا فَهَلْ الضَّرْبَةُ فِي الْأُولَى، وَإِمْرَارُ رَقَبَةِ الْمَذْبُوحِ فِي الثَّانِيَةِ ذَكَاةٌ شَرْعِيَّةٌ تُبْنَى عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ذَلِكَ ذَكَاةٌ شَرْعِيَّةٌ تُبْنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ الشَّرْعِيَّ قَطْعُ مُمَيِّزٍ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ جَمِيعَ الْحُلْقُومِ، وَالْوَدَجَيْنِ بِنِيَّةٍ مِنْ الْمُقَدَّمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَطْعَ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَأُولَاهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِمْ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى شَرْطِ النِّيَّةِ فَلَوْ ضَرَبَ الْحَيَوَانَ غَيْرَ نَاوٍ ذَكَاتَهُ فَقَطَعَ حُلْقُومَهُ، وَوَدَجَيْهِ فَلَا يُؤْكَلُ لِعَدَمِ نِيَّةِ ذَكَاتِهِ، وَثَانِيَتُهَا جَرَتْ بِهِمَا عَادَةُ النِّسَاءِ فِي تَقْطِيعِ اللَّحْمِ إذَا لَمْ يَجِدْنَ مَنْ يُمْسِكُهُ لَهُنَّ نَعَمْ الْكَيْفِيَّتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ مَكْرُوهَتَانِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِسُنَّةِ الذَّبْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [ذَبَحَ بِمِنْجَلٍ مُضَرَّسٍ فَهَلْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ذَبَحَ بِمِنْجَلٍ مُضَرَّسٍ فَهَلْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ

رجل نحر بعيرا فوق اللبة بأربعة أصابع جاهلا محل النحر فقط

[رَجُلٍ نَحَرَ بَعِيرًا فَوْقَ اللَّبَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَصَابِعَ جَاهِلًا مَحَلِّ النَّحْرِ فَقَطْ] مَا قَوْلُكُمْ) - دَامَ النَّفْعُ بِكُمْ - فِي رَجُلٍ نَحَرَ بَعِيرًا فَوْقَ اللَّبَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَصَابِعَ جَاهِلًا مَحَلِّ النَّحْرِ فَقَطْ فَهَلْ يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَيُؤْكَلُ الْبَعِيرُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا كَانَ فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ أَصَابِعَ يُؤْكَلُ، وَمَا الْحُكْمُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَانِ لِلَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فَطَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ: إجْزَاءُ الطَّعْنِ فِي الْوَدَجِ بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَالْمَذْبَحِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ عَدَمُ إجْزَاءِ ذَلِكَ، وَتَعَيَّنَ الطَّعْنُ فِي اللَّبَّةِ، وَالظَّاهِرُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّبَّةُ هِيَ الْمَنْحَرُ وَالْبَاجِيُّ مَحَلُّ النَّحْرِ اللَّبَّةُ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ مَحَلُّ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مُطْلَقُ الطَّعْنِ فِي الْوَدَجِ بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَالْمَذْبَحِ يُجْزِئُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عُمَرَ أَمَرَ مَنْ نَادَى: النَّحْرُ فِي الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَالْمَذْبَحِ مَنْحَرٌ، وَمَذْبَحٌ فَإِنْ ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ أَجْزَأَ، وَلَا يُجْزِئُ الطَّعْنُ فِي الْحُلْقُومِ دُونَ وَدَجٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ بِهِ الْمَوْتَ ابْنُ رُشْدٍ عَبَّرَ عُمَرُ بِالنَّحْرِ عَنْ الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ جُلُّ فِعْلِهِمْ يَوْمئِذٍ، وَلِذَا سُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّخْيِيرَ فِي أَنَّ النَّحْرَ فِي الْحَلْقِ أَوْ اللَّبَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّحْرِ، وَالْحَلْقَ مَحَلُّ الذَّبْحِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَحَلَّ الْآخَرِ فَلَوْ نَحَرَ شَاةً فِي مَذْبَحِهَا فَلَا تُؤْكَلُ اتِّفَاقًا، وَحَمَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَهُ عَلَى التَّخْيِيرِ قَالَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مُطْلَقُ الطَّعْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا قَالَهُ فِي الضَّرُورَةِ كَمَا لَوْ سَقَطَ بِمَهْوَاةٍ انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. [الْبَقَرِ الَّذِي يُصِيبُهُ دَاءٌ يَقْطَعُ فِشَّتَهُ أَوْ يَذُبُّهَا حَتَّى تَصِيرَ قَيْحًا كَزَبَدِ الْبَحْرِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْبَقَرِ الَّذِي يُصِيبُهُ دَاءٌ يَقْطَعُ فِشَّتَهُ أَوْ يَذُبُّهَا حَتَّى تَصِيرَ قَيْحًا كَزَبَدِ الْبَحْرِ فَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْنَا حُكْمُهُ بِسَبَبِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمِعْيَارِ مِنْ أَنَّ الَّذِي انْفَصِلْ عَنْهُ الْبَحْثُ أَنَّ جُرْحَ الْقَلْبِ مِنْ الْمَقَاتِلِ، وَأَنَّ الرِّئَةَ، وَالْكُلْيَتَيْنِ فِي مَعْنَى الْقَلْبِ فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُفَرَّقًا أَوْ مُقَطَّعًا أَوْ مَجْرُوحًا فَلَا يُؤْكَلُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْعَدُوَّيْ عَلَى الرِّسَالَةِ كَرَاهَةُ فَاسِدِ الرِّئَةِ وَقَدْ يُعَافَى الْبَقَرُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاءِ، وَإِذَا ذُبِحَ وُجِدَ بِلَا رِئَةٍ أَصْلًا أَوْ بِرِئَةٍ نَاقِصَةٍ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمِعْيَارِ وَقَدْ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَأَقَرُّوهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ كَرَاهَةُ فَاسِدِ الرِّئَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِفَسَادِهَا مُجَرَّدُ الْتِصَاقِهَا بِالظَّهْرِ، وَالْيَهُودُ يَعْتَقِدُونَهُ مَقْتَلًا، وَلَا يَأْكُلُونَ مَا يَجِدُونَهُ كَذَلِكَ، وَيَبِيعُونَهُ لِلْمُسْلِمِينَ بِرُخْصٍ فَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ شِرَائِهِ، وَأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَاقِي، وَإِلَّا يَثْبُت تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا أَيْ لَمْ يُخْبِرْ شَرْعُنَا بِأَنَّهُ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا هُمْ أَخْبَرُوا أَنَّ شَرْعَهُمْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كَالطَّرِيفَةِ أَيْ فَاسِدَةِ

مسائل الضحية

الرِّئَةِ أَيْ مُلْتَصِقَةٍ بِظَهْرِ الْحَيَوَانِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ ذَلِكَ فِي شَرْعِهِمْ كُرِهَ لَنَا أَكْلُهُ، وَشِرَاؤُهُ اهـ. [مَسَائِلُ الضَّحِيَّةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الضَّحِيَّةِ وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ الْأُضْحِيَّةُ اسْمًا مَا تُقُرِّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جَزْعِ ضَأْنٍ يُجْزِئُ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ النَّعَمِ سَلِيمَيْنِ مِنْ بَيِّنِ عَيْبٍ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ فِي نَهَارِ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ تَالِيَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِ عِيدِهِ لَهُ وَقَدْرِ زَمَنِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ تَحَرِّيًا لِغَيْرِ حَاضِرِهِ فَتَخْرُجُ الْعَقِيقَةُ، وَالْهَدْيُ، وَالنُّسُكُ فِي زَمَنِهَا اهـ. قَوْلُهُ بِذَكَاتِهِ نَائِبُ فَاعِلِ تُقَرِّبَ، وَضَمِيرُهُ لِمَا وَقَوْلُهُ مِنْ جَذَعٍ إلَخْ بَيَانُ لِمَا وَقَوْلُهُ ثَنِيِّ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، وَكَسْرِ النُّونِ، وَشَدِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتٌ عَطْفٌ عَلَى جَذَعٍ بِأَوْ التَّنْوِيعِيَّةِ، وَسَائِرُ بِمَعْنَى بَاقِي وَقَوْلُهُ سَلِيمَيْنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ حَالٌ مِنْ جَذَعٍ، وَثَنِيٍّ وَقَوْلُهُ مِنْ بَيِّنٍ بِشَدِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتٌ صِلَةُ سَلِيمَيْنِ، وَإِضَافَتُهُ لِعَيْبٍ مِنْ إضَافَةِ مَا كَانَ صِفَةً أَيْ عَيْبٌ بَيِّنٌ أَيْ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ مَشْرُوطًا حَالٌ مِنْ مَا أَوْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ التَّقَرُّبِ أَيْ تَقَرُّبًا مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ أَيْ التَّقَرُّبِ وَقَوْلُهُ أَوْ تَالِيَيْهِ أَيْ الْعَاشِرُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ صِلَةٍ خَبَرًا لِكَوْنِ وَقَوْلُهُ صَلَاةُ إمَامٍ مِنْ إضَافَةِ اسْمِ الْمَصْدَر لِفَاعِلِهِ، وَمَفْعُولُهُ عِيدَهُ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْعَاشِرُ وَقَوْلُهُ لَهُ أَيْ الْإِمَامِ صِلَةُ مَشْرُوطًا وَقَوْلُهُ قَدْرٌ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ عَطْفٌ عَلَى صَلَاةٍ أَيْ، وَبَعْدَ قَدْرِ زَمَنِ ذَبْحِهِ أَيْ الْإِمَامِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ أَيْ الْإِمَامِ صِلَةُ مَشْرُوطًا وَقَوْلُهُ، وَلَوْ تَحَرِّيًا أَيْ، وَلَوْ كَانَ وُقُوعُ التَّقَرُّبِ بِالذَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ بَعْدَ قَدْرِ زَمَنِ ذَبْحِ الْإِمَامِ بِالتَّحَرِّي، وَالتَّخْمِينِ لِغَيْرِ حَاضِرِهِ أَيْ الْحَاضِرِ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ صِلَةُ تَحَرِّيًا وَقَوْلُهُ فَتَخْرُجُ الْعَقِيقَةُ إلَخْ أَيْ بِقَوْلِهِ مَشْرُوطًا إلَخْ لَكِنَّ الْعَقِيقَةَ، وَالنُّسُكَ بِقَوْلِهِ فِي نَهَارِ عَاشِرِ إلَخْ، وَالْهَدْيُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ فِي زَمَنِهَا أَيْ الضَّحِيَّةِ حَالٌ مِنْ الْعَقِيقَةِ، وَالْهَدْيِ، وَالنُّسُكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. سُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَدِيدِ الْأُضْحِيَّةِ يُخْلَطُ بِقَدِيدِ غَيْرِهَا، وَبِزَيْتٍ، وَيُدَّخَرُ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ الْأَجِيرُ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِيَسَارَتِهِ، وَلِكَوْنِهِ تَبَعًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْأَجِيرِ مِنْ أُجْرَتِهِ؟ . فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَكْلُ الْأَجِيرِ مِنْ لَحْمِ الضَّحِيَّةِ يَفْعَلُهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَلَوْ حُرِّمَ أَكْلُ الْأَجِيرِ لَحُرِّمَ أَكْلُ الزَّوْجَةِ، وَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ أَشَدَّ الضَّيِّقِ، وَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ كَرَاهَةِ أَكْلِ الْكَافِرِ إلَّا إذَا كَانَ فِي عِيَالِ الْمُضَحِّي، وَمَثَّلَهُ الشُّرَّاحُ بِالظِّئْرِ فَلَا كَرَاهَةَ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْأَجِيرِ إذْ كَيْفَ يَجُوزُ لِلْكَافِرِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَعَمْ إنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِلَحْمِ الضَّحِيَّةِ فَالتَّحْرِيمُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَجِيرُ

مسائل المباح

خِدْمَةٍ بِطَعَامٍ كَيْفَ كَانَ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ مِنْ لَحْمِ الضَّحِيَّةِ، وَالنَّاسُ جَمِيعًا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ السَّلَفُ، وَالْخَلَفُ فِي شَرْقِيِّ الْبِلَادِ، وَغَرْبِيِّهَا يُطْعِمُونَ الْأَجِيرَ، وَالْخَادِمَ، وَالرَّقِيقَ، وَالزَّوْجَةَ مِنْ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ إلَى، وَقْتِنَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ الْمُبَاحِ] [شُرْبِ الدُّخَانِ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْمُبَاحِ (مَا قَوْلُكُمْ) دَامَ فَضْلُكُمْ فِي فَقِيهٍ دَخَلَ بَيْتًا فَوَجَدَ فِيهِ جَمَاعَةً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَشْرَبُونَ الدُّخَانَ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ فَنَهَاهُمْ عَنْ شُرْبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَامْتَثَلُوا، وَتَابُوا، وَحَلَفُوا أَنْ لَا يَعُودُوا لِهَذَا الْأَمْرِ فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَسَبَّ النَّاهِيَ، وَاغْتَابَهُ، وَكَذَّبَهُ، وَرَدَّهُمْ جَمِيعًا إلَى شُرْبِهِ فَهَلْ الْحَقُّ مَعَ الْأَوَّلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الدُّخَانُ الْمَشْرُوبُ لَا نَصَّ فِيهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي زَمَنِهِمْ، وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْأَلْفِ، وَكَانَ حُدُوثُهُ فِي مِصْرَ فِي زَمَنِ اللَّقَانِيِّ وَالْأُجْهُورِيِّ فَأَفْتَى اللَّقَانِيُّ بِتَحْرِيمِهِ، وَنَسَبَ ذَلِكَ لِلشَّيْخِ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ، وَأَلَّفَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَتَبِعَهُ الْقُرَشِيُّ وَجَمَاعَاتٌ، وَعَلَّلَ بِتَعَالِيلَ مِنْهَا إضَاعَةُ الْمَالِ بِحَرْقِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَأَفْتَى الْأُجْهُورِيُّ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ، وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَاتٌ، وَاعْتَمَدَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامَ الْأُجْهُورِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ أَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ أَقْوَى، وَكُلُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَالْمَحَافِلِ، وَأَمَّا فِيهَا فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً كَرِيهَةٌ، وَإِنْكَارُهَا عِنَادٌ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَعَاطِي مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَحَافِلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَشْتَدُّ التَّحْرِيمُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ التَّعْظِيمِ، وَمَنْ أَنْكَرَ مِثْلَ هَذَا لَا يُخَاطَبُ لِجُمُودِهِ أَوْ عِنَادِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُفْتِي الْأَوَّلُ الَّذِي نَهَى عَنْ شُرْبِ الدُّخَانِ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ قَدْ أَصَابَ فِي نَهْيِهِ أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ، وَاَلَّذِي كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْكَاذِبُ فَهُوَ ضَالٌّ مُضِلٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا لِنَحْوِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ، - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّسَاهُلِ -، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْفَقِيرُ مُصْطَفَى الْبُولَاقِيُّ الْمَالِكِيُّ غُفِرَ لَهُ آمِينْ. [مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ هَلْ تَكُونُ فَضَلْتُهُ طَاهِرَةً] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَيَوَانٍ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاحٍ لِأَكْلٍ، وَمُحَرَّمِهِ فَهُوَ يُؤْكَلُ مُطْلَقًا كَانَ أَبُوهُ مِنْ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، وَأُمُّهُ مِنْ مُبَاحِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَاءَ عَلَى خِلْقَةِ الْمُحَرَّمِ أَوْ عَلَى خِلْقَةِ الْمُبَاحِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ يُؤْكَلُ مَا أُمُّهُ، وَهُوَ عَلَى خِلْقَةِ الْمُبَاحِ

شرب الدخان في مجلس القرآن

وَغَيْرُهُ لَا يُؤْكَلُ قَالَ عج مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمُبَاحِ، وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ هَلْ تَكُونُ فَضَلْتُهُ طَاهِرَةً أَوْ نَجِسَةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْأُمِّ لِقَوْلِهِمْ كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا اهـ. قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صُورَةُ مُحَرَّمٍ كَأَنْ وَلَدَتْ الْبَقَرَةُ بَغْلًا أَوْ حِمَارًا فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا كَمَا أَنَّهُ إنْ كَانَتْ صُورَتُهُ مُبَاحَةً، وَأُمُّهُ مُحَرَّمَةً أُلْحِقَ بِهَا احْتِيَاطًا اهـ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأُمِّ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا فَلَوْ وُجِدَ خِنْزِيرٌ بِبَطْنِ شَاةٍ أَوْ بَغْلٌ بِبَطْنِ بَقَرَةٍ لَمْ يُؤْكَلْ بِخِلَافِ شَاةٍ بِبَطْنِ بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ اهـ. قَالَ مُحَشِّيهِ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأُمِّ أَيْ بِأَنْ كَانَ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَ الْأُمِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فَلَوْ وُجِدَ خِنْزِيرٌ فِي بَطْنِ شَاةٍ فَلَا يُؤْكَلُ كَمَا إذَا وُجِدَتْ شَاةٌ بِبَطْنِ خِنْزِيرَةٍ فَلَوْ أَنَّ تِلْكَ الشَّاةَ كَبُرَتْ، وَوَلَدَتْ فَتُؤْكَلُ أَوْلَادُهَا حَيْثُ حَمَلَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ اهـ. [شُرْبِ الدُّخَانَ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ بِكَثْرَةٍ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ مِنْ شُرْبِ حَاضِرِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ الدُّخَانَ مُسْتَنِدِينَ لِفِعْلِ الْقُرَّاءِ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْرُمُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، وَفِعْلُ الْقِرَاءَةِ ضَلَالٌ لَا يُسْتَنَدُ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ شَيْخُنَا فِي الْمَنْهَلِ السَّيَّالِ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخَانَ الْمَذْكُورَ لَا نَصَّ فِيهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي أَزْمِنَتِهِمْ، وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ بِالْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فَقَالَ يَحِلُّ مَا لَا يَغِيبُ الْعَقْلُ مِنْهُ سَيِّدِي عَلِيُّ الْأُجْهُورِيُّ، وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً، وَاسْتَدَلَّ فِيهَا بِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَهُ، وَقَالَ بِحُرْمَتِهِ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ، وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً نَحْوَ الْكُرَّاسَتَيْنِ قَالَ فِيهَا قَدْ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ شَيْءٌ يُقَالُ لَهُ الدُّخَانُ، وَلِلْعَامَّةِ فِيهِ عِبَارَاتٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ الطَّابِغَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ التُّنْبَاكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ التُّتْن وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ التَّابِعَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ الدُّخَانَ أَوَّلُ مَنْ جَلَبَهُ إلَى بَرِّ الرُّومِ الْجِيلُ الْمُسَمَّى بِالْإِنْكِلِيزِ مِنْ النَّصَارَى، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ بِأَرْضِ الْمَغْرِبِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ يَزْعُمُونَهُ حَكِيمًا لَهُ فِيهِ نَظْمٌ، وَنَثْرٌ، وَذَكَرَ لَهُمْ فِيهِ مَنَافِعَ عِدَّةً، وَزَادَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْبَطَالَةِ كَثِيرًا، وَأَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَهُ بِبِلَادِ السُّودَانِ الْمَجُوسِ، ثُمَّ جُلِبَ إلَى مِصْرَ، وَالْحِجَازَ، وَالْيَمَنِ، وَالْهِنْدِ، وَغَالِبِ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ فَفِي أَوَائِلِ شُيُوعِهِ بِمِصْرَ دَخَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ تَافِيلَانِ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ يُقَالُ: لَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْهُ شَيْخَنَا، وَقُدْوَتَنَا الْعَلَّامَةُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ فَأَفْتَاهُ بِالتَّحْرِيمِ، وَلَازَمَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِفْتَاءَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ، وَشَاهَدْت ذَلِكَ مِنْهُ سَمَاعًا، وَكِتَابَةً، وَتَابَعَهُ عَلَى

رجل قال الاستمرار على شرب الدخان أشد من الزنا فماذا يلزمه

ذَلِكَ أَهْلُ الدِّينِ، وَالصَّلَاحِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّخَانَ فِي شُرْبِهِ خِلَافٌ بِالْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فَالْوَرَعُ عَدَمُ شُرْبِهِ، وَبَيْعُهُ، وَسِيلَةٌ لِشُرْبِهِ فَيُعْطَى حُكْمُهُ انْتَهَى. وَكُلُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَالْمَحَافِلِ، وَأَمَّا فِيهَا فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً، وَإِنْكَارُهَا عِنَادٌ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَعَاطِي مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَحَافِلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَشْتَدُّ التَّحْرِيمُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ التَّعْظِيمِ، وَمَنْ أَنْكَرَ مِثْلَ هَذَا لَا يُخَاطَبُ لِجُحُودِهِ أَوْ عِنَادِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يَصْنَعُ ذِكْرًا فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ اللَّيَالِي الْفَاضِلَةِ، وَيَدْعُو أَهْلَ الذِّكْرِ فَهَلْ إذَا تَوَجَّهَ غَيْرُهُمْ مَعَهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بِلَا دَعْوَةٍ، وَأَكَلَ مِمَّا يُجْعَلُ لَهُمْ فِيهَا كَالْعَكِّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الطَّعَامُ الْمَجْعُولُ لِلْفُقَرَاءِ الذَّاكِرِينَ خَارِجٌ مَخْرَجَ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ يَقْصِدُ بِهِ مُخْرِجُهُ كُلَّ حَاضِرٍ فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ يَحْضُرُ مَعَهُمْ تَنَاوُلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يَصْنَعُ، وَلِيمَةً لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَهَلْ إذَا حَضَرَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ بِلَا دَعْوَةٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ، وَلَوْ كَانَ تَابِعًا لِبَعْضِ الْمَدْعُوِّينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي عَقِبَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَلَا يَدْخُلُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ مَعَ حُرْمَةِ مَجِيئُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَدْعُوٍّ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ تَابِعِ ذِي قَدْرٍ عُرِفَ عَدَمُ مَجِيئُهُ، وَحْدَهُ لِوَلِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ عَبْدِ الْبَاقِي، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ أَيْ جَوَازُ الدُّخُولِ، وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ حُكْمًا بِدَعْوَةِ مَتْبُوعِهِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلٍ قَالَ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى شُرْبِ الدُّخَانِ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ: الِاسْتِمْرَارُ عَلَى شُرْبِ الدُّخَانِ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَلْزَمُهُ الْأَدَبُ اللَّائِقُ بِحَالِهِ مِنْ تَوْبِيخٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لِتَجَرُّئِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَغْيِيرِهِ لَهَا فَإِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا قَطْعِيَّةٌ إجْمَاعِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَفِي حُرْمَةِ الدُّخَانِ خِلَافٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِخَوْفِ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ التَّتَّائِيُّ عَنْ سَحْنُونَ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ إلَّا لِخَوْفِ الْقَتْلِ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَالْمَذْهَبُ تَعَلُّقُهُ بِهِ فَكَيْفَ بِمَا مَرَّ مِنْ خَوْفِ مُؤْلِمٍ إلَخْ، وَهُوَ قَوْلٌ لِسَحْنُونٍ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا مَا ذَكَرَهُ ثَبَتَ عَنْهُ، وَلَكِنْ رُبَّمَا يُسْتَبْعَدُ جَوَازُ تَنَاوُلِ الْخَمْرِ بِخَوْفِ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَأٍ قَالَهُ عج اهـ. عَبْدُ الْبَاقِي. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] الْآيَةَ، هَلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمْ فِي أَكْلِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا بَعْدَهُ فِي الْآيَةِ أَوْ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا ذُكِرَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ لَيْسَ مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ قَاصِرٌ عَلَى الْيَهُودِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ الْمُدَّعِينَ لِلْعِلْمِ إنَّمَا هِيَ حِكَايَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ نُسِخَتْ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] فَالْيَهُودُ يُبَاحُ لَهُمْ فِي شَرْعِنَا ذُو الظُّفُرِ، وَمَا بَعْدَهُ فِي الْآيَةِ مِثْلُنَا سَوَاءٌ، وَلَكِنْ لَا تُعْمَلُ ذَكَاتُهُمْ فِيهِ لِاعْتِقَادِهِمْ حُرْمَتَهُ فَإِنْ ذَكَّوْهُ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْنَا، وَعَلَيْهِمْ فَشَرْطُ إبَاحَتِهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ عَلَى أَنَّ {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ حِكَايَةٌ عَنْ شَرْعِهِمْ، وَكَذَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَزَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى نَسْخِهِ بِشَرْعِنَا، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ إنْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِشَرْعِنَا؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ شَرَعْنَا لَهُ قُوَّةٌ، وَإِنْ نُسِخَ بِشَرْعِنَا اهـ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ قِيلَ: فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] هُوَ سَمِينُ اللَّحْمِ، وَقِيلَ: هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي ذِي الظُّفُرِ، وَفِي قَوْلِهِ {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] ، وَلَيْسَ بِنَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ قَدْ نُسِخَتْ، وَلَكِنْ بِنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ كَانَ بِبَغْيِهِمْ، وَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ، وَالْحَبِيبَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَبِيبِ بِأَدْنَى ظُلْمٍ، وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا كَانُوا يُخْفُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِاَللَّهِ عَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْهُ إلَيْهِ اهـ. وَقَالَ الثَّعَالِبِيّ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] الْآيَةَ هَذَا خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا

حكم أكل الفسيخ

مَا حَرَّمَهُ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ، وَمَا جَانَسَهَا مِنْ آيَاتِ مَكَّةَ مُرْتَفِعٌ حُكْمُهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بَلْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِشَرِيعَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ، وَالنَّسَفِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] أَيْ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالشُّحُومِ، وَالثُّرُوبِ، وَالسَّمَكِ، وَلُحُومِ الْإِبِلِ، وَالْعَمَلِ فِي السَّبْتِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْعَهُ مَا كَانَ نَاسِخًا لِشَرْعِ مُوسَى، وَثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ بِشَرْعِنَا بِنَهْيِ الْقُرْآنِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ مِمَّا حُرِّمَ فِي شَرْعِهِمْ اهـ وَقَالَ النَّسَفِيُّ قَالَ يَمَانُ بْنُ رَبَابَ هِيَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ اللُّحُومِ، وَالشُّحُومِ، وَكُلِّ ذِي ظُفُرٍ. [حُكْمِ أَكْلِ الْفَسِيخِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حُكْمِ أَكْلِ الْفَسِيخِ الْمَعْرُوفِ بِمِصْرَ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حُكْمُهُ الْحُرْمَةُ لِنَجَاسَتِهِ بِشُرْبِهِ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ حَالَ وَضْعِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: " وَدَمٌ مَسْفُوحٌ وَإِنْ مِنْ سَمَكٍ فَمَا شَرِبَهُ مِنْ الْمِلْحِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ نَجِسٌ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَكْلِ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ وقَوْله تَعَالَى " {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] " الْآيَةُ حِكَايَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ الْمَنْسُوخَةِ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ لَهُ تَذْكِيَتُهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ إبَاحَتِهِ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ أَكْلُ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ مُبَاحٌ وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] الْآيَةُ إخْبَارٌ عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي إنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وَقَوْلِهِمْ " نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ " لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ شَيْئًا وَ {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] كَمَا أَطْبَقَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَعْبِيرُهُ تَعَالَى بِالْمَاضِي، وَتَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146] " فَإِنَّ الصِّدْقَ مِنْ خَوَاصِّ الْخَبَرِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ مَنْسُوخَةٌ بِشَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ هَذَا التَّحْرِيمُ الْمَحْكِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مَنْسُوخًا نَسْخًا مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] " الْآيَةُ نَصٌّ فِي نَسْخِهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] " وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ

أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَحَدُ إمَامَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِهِ عَقِبَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى " {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] وَمِنْ ذِي الظُّفُرِ مَا نَصُّهُ، وَلَيْسَ بِنَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ قَدْ نُسِخَتْ، وَلَكِنْ بِنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ كَانَ بِبَغْيِهِمْ، وَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ، وَالْحَبِيبَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَبِيبِ بِأَدْنَى ظُلْمٍ. وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا كَانُوا يُخْفُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِاَللَّهِ عَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْهُ إلَيْهِ اهـ. نَقَلَهُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَرَضُنَا مِنْهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ نُسِخَتْ، ثُمَّ نَقُولُ: بَلْ لَنَا بِذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّا، وَإِنْ أَبَحْنَا لَهُمْ ذَا الظُّفُرِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَذْكِيَتُهُ لِمَا سَتَعْلَمُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَالْعَدَوِيُّ وَالدُّسُوقِيُّ، وَصَرَّحَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ بِنَسْخِ التَّحْرِيمِ الْمَحْكِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا إبَاحَةُ أَكْلِ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ فِي الْآيَةِ فِي شَرِيعَتِنَا إبَاحَةً مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَبْحُهُ، وَلَا نَحْرُهُ، وَإِنْ ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَيْنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ التَّذْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَلَوْ مِنْ الْكِتَابِيِّ اتِّفَاقًا؛ وَلِذَا لَا تُؤْكَلُ مَوْقُوذَتُهُ الَّتِي صَادَفَتْ وَقْذَتُهُ فِيهَا هَيْئَةَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِيهِ لِاعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَهُ كَمَا لَا تُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي ذَبْحِ الْخِنْزِيرِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ؛ وَلِذَا شَرَطَ أَئِمَّتُنَا فِي صِحَّةِ ذَبْحِ، وَنَحْرِ الْكِتَابِيِّ فِعْلَهُ فِيمَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَهُ قَالُوا فَإِنْ ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَيْنَا إنْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ نُسِخَ كَذِي الظُّفُرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَهُودِ، وَأَلَّا يَثْبُتَ بِشَرْعِنَا بِأَنْ أَخْبَرَنَا هُوَ بِهِ فَقَطْ كُرِهَ لَنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي إخْبَارِهِ، وَأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ حِلَّهُ لَهُ فَيَتَأَتَّى مِنْهُ نِيَّةُ الذَّكَاةِ فِيهِ، وَاحْتِمَالُ صِدْقِهِ فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فِيهِ فَتَوَسَّطْنَا بِالْكَرَاهَةِ، وَلَوْلَا الِاضْطِرَابُ مِمَّنْ وُسِمُوا بِالْعِلْمِ، وَتَصَدَّوْا لِلتَّعْلِيمِ، وَأَفْنَوْا عُمُرَهُمْ فِيهِ مَا تَعَرَّضْت لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ " {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ أَجْمَعِينَ صَلَاةً، وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. كَتَبَ إلَيَّ بَعْضُ الْإِخْوَانِ مَا نَصُّهُ: إنَّك أَزَلْت فِي مَسْأَلَةِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ - غِطَاءَ جَهْلٍ كَانَ عَلَى آبَاءِ أَمْثَالِنَا، وَنَحْنُ عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ إلَى أَنْ كَشَفْتَهُ بِسَنَا نُورِكَ، وَفَيْضِ اللَّهِ عَلَيْكَ مِنْ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ عَلَى الْيَهُودِ بِشَرْعِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّكَ دَخَلْت بِهَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَلَكِنْ أَسْتَعْلِمُكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا وَرَدَ عَلَى فِكْرِي، وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ يُنَاقِضُهُ

قَوْله تَعَالَى " {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] لِأَنَّ ظُلْمَهُمْ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ نَقْضِهِمْ الْمِيثَاقَ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَبُهْتَانِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ وَقَوْلِهِمْ إنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ سَبَبٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَالتَّحْرِيمُ وَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا اقْتَضَاهُ آيَتُهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَظُلْمُهُمْ هَذَا بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَالسَّبَبُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُسَبِّبِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ {أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] أَيْ، وَكَانَ إحْلَالُهَا لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ اهـ. وَالتَّوْرَاةُ نَزَلَتْ جُمْلَةً لَمْ يَنْسَخْ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 93] الْآيَةَ لِقَوْلِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ نَزَلَ لَمَّا قَالَ الْيَهُودُ إنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا {كُلُّ الطَّعَامِ} [آل عمران: 93] الْآيَةَ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا " {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي ادِّعَائِهِمْ التَّحْرِيمَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وقَوْله تَعَالَى {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: 93] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّوْرَاةِ، وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] حِكَايَةً عَنْ التَّوْرَاةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ غَرَضِي بِالْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَحْرِيرَ كَوْنِ تَحْرِيمِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ وَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ سِوَاهَا إذَا لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ إنَّمَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُمَا إبْطَالَ مَا اعْتَقَدَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَقَدْ تَبِعْت فِي قَوْلَيْ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي إخْبَارٌ عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ - عِبَارَةَ الْإِمَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُنَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَهِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ فَتُوَافِقُ عِبَارَتِي فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَشَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ تَصْدُقُ بِمَا عُلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ بِمَا عُلِمَ مِمَّا نَزَلَ عَلَى مُوسَى بَعْدَهَا إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ تَحْرِيمَ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانِهَا عَلَى الْيَهُودِ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ حُرِّمَ عَلَى نُوحٍ قَبْلَهُمْ، وَأَنَّهُ دَامَ إلَى إبْرَاهِيمَ حَتَّى قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَتَسْتَحِلُّ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مِمَّا نَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَلَيْنَا الْيَوْمَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَكَذَّبَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ} [آل عمران: 93] الْآيَاتِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ فَكَانَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَحَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِآيَتَيْ النِّسَاءِ، وَالْأَنْعَامِ تَكْذِيبًا لَهُمْ، وَرَدًّا عَلَيْهِمْ فِي إنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا إنَّمَا حَرَّمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَرَعًا، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِوُقُوفِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ، وَنَصُّهُ وقَوْله تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران: 93]

مسائل الأيمان

قَالَ الْكَلْبِيُّ كَانَ يَعْقُوبُ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، وَكَانَ أَصْلُ وَجَعِهِ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ حَرَّانَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَلَقِيَهُ مَلَكٌ، وَهُوَ خَلْفَ الْأَثْقَالِ فَظَنَّ يَعْقُوبُ أَنَّهُ لِصٌّ فَعَالَجَهُ أَنْ يُصَارِعَهُ فَغَمَزَ الْمَلَكُ فَخِذَ يَعْقُوبَ فَكَانَ يَبِيتُ اللَّيْلَ سَاهِرًا، وَيَنْصِبُ نَهَارَهُ فَأَقْسَمَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا، وَكَانَا أَحَبَّ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ إلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَنَّ، وَلَدُهُ بِسُنَّتِهِ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيهَا لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا لِتَحْرِيمِ إسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ فَقَالُوا: كُلُّ شَيْءٍ أَصْبَحْنَا الْيَوْمَ نُحَرِّمُهُ فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى نُوحٍ حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 93] إلَى قَوْلِهِ {فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] فِي دَعْوَاكُمْ فَكَرِهُوا أَنْ يَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ. فِي التَّوْرَاةِ غَيْرُ الَّذِي حُرِّمَ بِظُلْمِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ فَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ حَلَالٌ الْيَوْمَ كَانَ حَلَالًا لِآدَمَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَمَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ فَبِظُلْمِهِمْ كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إذَا أَصَابُوا ذَنْبًا عَظِيمًا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ طَعَامًا طَيِّبًا وَصَبَّ عَلَيْهِمْ رِجْسًا، وَهُوَ الْمَوْتُ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام: 146] . وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَكَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ حَلَالًا لَهُمْ فَالْآيَةُ رَدٌّ عَلَى الْيَهُودِ أَيْضًا كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى دِينِنَا، وَالْمُحَرَّمَاتِ الْيَوْمَ مُحَرَّمَاتُ زَمَانِهِ، وَلَا يَرَوْنَ نَسْخَ الشَّرَائِعِ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُحَرَّمَاتِ زَمَنِ إبْرَاهِيمَ، وَلَسْتُمْ عَلَى دِينِهِ. ثُمَّ قَالَ، وَحُرِّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ مَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] الْآيَةَ، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا: كُلُّهُ كَانَ حَرَامًا مِنْ زَمَنِ نُوحٍ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] فَاسْتَحْضَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُحْضِرُوهَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، وَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ دَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ. [مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَحَلَفَ وَقَالَ، وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْرُبُهَا بِجِمَاعٍ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ تَعْلِيقَ لُزُومِ الْأَيْمَانِ لَهُ عَلَى جِمَاعِهَا فَهُوَ مُولٍ، وَحَالِفٌ عَلَى تَرْكِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِيهَا، وَفِي كُلِّ مَنْ فِي عِصْمَتِهِ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ، وَهَكَذَا مَنْ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ وَقَبْلَ، وَطِئَهَا فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ: يُنْجَزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ لَعَلَّهَا تَرْضَى بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْقَسَمَ بِالْأَيْمَانِ كَمَا يُقْسِمُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ فَإِنْ قَالَ بِصَوْمِ الْعَامِ وَجَعَلَ الصَّوْمَ مُقْسَمًا بِهِ كَمَا يُقْسِمُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا صَوْمُ الْعَامِ لَا فَعَلْت لَا شَيْءَ فِيهِ، وَكَانَ شَيْخُنَا - عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ - يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ كَثِيرًا يُوهِمُ السَّامِعَ أَنَّهُ حَلَفَ، وَمِنْ هُنَا لَوْ قَالَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ جَاعِلًا كُلًّا مِنْهُمَا مُقْسَمًا بِهِ كَمَا يُقْسِمُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ حَلَّ عِصْمَةٍ، وَلَا تَحْرِيرًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ شَيْخِنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَنَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ فَهَلْ يُنْجَزُ الثَّلَاثُ أَوْ يُضْرَبُ الْأَجَلُ لَعَلَّهَا تَرْضَى بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ - خِلَافٌ اهـ. قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ، وَيَلْزَمُ الْحَلِفُ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ عِتْقِ مَنْ يَمْلِكُ حِينَ الْحِنْثِ، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ، وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ، وَصَوْمُ سَنَةٍ إنْ كَانَ مُعْتَادًا لِلْيَمِينِ بِهَا، وَطَلَاقُ نِسَائِهِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِيهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ، وَجُلِّ فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَهُوَ الَّذِي أَسْتَحْسِنُهُ، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا فُقَهَاءُ طُلَيْطِلَة قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ فِي، وَثَائِقِهِ. وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ، وَأَقُولُ بِهِ إلْزَامُهُ الْوَاحِدَةَ، وَبِهِ قَالَ أَيْضًا الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْأَنْدَلُسِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ رَافِعٍ رَأْسَهُ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جُلُّ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ، وَفُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ. قَالَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبٍ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ الْحَالِفَ الْيَوْمَ بِهَا الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ الْيَوْمَ يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ التَّغْلِيظُ، وَالتَّشْدِيدُ وَقَدْ قَارَبَتْ الْفَتْوَى بِهَا الْيَوْمَ الْخُرُوجَ

رجل حلف بالله ليتوضأن فتوضأ ولم يستنج فهل يبر بفعله ذلك

مِنْ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِلْزَامَ الْحَالِفِ بِهَا الثَّلَاثُ، وَسُئِلَ عَنْهَا أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ فَقَالَ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الثَّلَاثَ وَقَدْ. قِيلَ: إنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا سِوَى الِاسْتِغْفَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ، وَحَكَى أَيْضًا عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: الَّذِي يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ حَكَى ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِيهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْإِشْبِيلِيِّ، وَالْقَوْلُ بِطَلَاقِ الثَّلَاثِ، وَطَلَاقِ السُّنَّةِ هُمَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ، وَأَشْبَهُ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ، وَالْقِيَاسِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ نِيَّتُهُ بِاتِّفَاقٍ إذْ هِيَ مِنْ الْكِنَايَاتِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: فَإِنْ جَرَى بِهَا عُرْفٌ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ عِنْدَ دَعْوَى النِّيَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعُرْفِ قَالَ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُهُمْ فِيهَا بِفَتْوَى غَرِيبَةٍ، وَهِيَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ، وَالصَّلَاحِ، وَلَمْ يَعْتَدْ الْحَلِفَ بِهَا، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ مِنْهُ عَلَى ضَجَرٍ فَتَلْزَمُهُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الدِّعَارَةِ، وَالشَّرِّ، وَمِمَّنْ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ عِنْدِي اهـ. كَلَامُ ابْنِ سَلَّمُونِ. [رَجُلٍ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَتَوَضَّأَنَّ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ فَهَلْ يُبِرُّ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَتَوَضَّأَنَّ فَتَوَضَّأَ، وَلَمْ يَسْتَنْجِ فَهَلْ يُبِرُّ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ بَرَّ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِدُونِ اسْتِنْجَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَطْرًا مِنْ الْوُضُوءِ، وَلَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ نَعَمْ يُنْدَبْ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنَا دَاخِلٌ دَارَ فُلَانٍ فَهَلْ إذَا دَخَلَهَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَلْزَمُهُ. الثَّلَاثُ، وَكَفَّارَةٌ فَقَطْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ اتِّفَاقًا إذْ هِيَ مِنْ الْكِنَايَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَالطَّلَاقُ كَعُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مُقْتَضَى الْحِنْثِ فِي كُلِّ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَبِفَرْعٍ فِي لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ إلَخْ هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ، ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ إلَخْ، وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ هَلْ لَا يَحْنَثُ مَنْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ بِفَرْعِ كُلٍّ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ فِي زَمَانِنَا بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي خُصُوصِ الْأَصْلِ لَا فَرْعِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

رجل تشاجر مع أولاده وحلف أن لا يأكل معهم فإذا أكل مع الإناث دون الذكور فما الحكم

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ، ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ إلَخْ يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَالْبِسَاطُ، وَلَكِنْ يَحْنَثُ مَنْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ مَثَلًا بِفُرُوعِ كُلٍّ إذَا لَيْسَ الْمُدْرَكُ إطْلَاقَ الطَّلْعِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْبُرِّ عَلَى فَرْعِهِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا مَنْسُوخَيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ عَدَمُ الْحِنْثِ الْآنَ بِفَرْعِ كُلٍّ لِعَدَمِ إطْلَاقِ كُلٍّ عَلَى فَرْعِهِ فِي زَمَنِنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُطْلَقُ عَلَى فُرُوعِهَا لُغَةً أَيْضًا، وَلَا شَرْعًا، وَلَا عُرْفًا مَنْسُوخًا إنَّمَا الْمُدْرَكُ إتْيَانُهُ بِلَفْظٍ مِنْ الْمُفِيدَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلِاسْتِغْرَاقِ نَصًّا فَالْمَعْنَى لَا آكُلُ شَيْئًا كَائِنًا مِنْ هَذَا الْأَصْلِ، وَهَذَا يَعُمّهُ، وَسَائِرُ فُرُوعِهِ لُغَةً، وَشَرْعًا، وَعُرْفًا مُسْتَمِرًّا خُصُوصًا، وَالْحِنْثُ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ، وَلِذَا إنْ لَمْ يَأْتِ بِمَنْ كَانَ حَلِفُهُ قَاصِرًا عَلَى الْأَصْلِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ خُصُوصَ الْأَصْلِ أَوْ. يَدُلَّ عَلَيْهِ الْبِسَاطُ، وَإِلَّا كَانَ قَاصِرًا عَلَيْهِ مَعَ مِنْ أَيْضًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ قَالَ عَلَيَّ الْيَمِينُ مَا أَخَذْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ نِسْيَانًا مِنْهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِصِيغَتِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ أَوْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ . فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُ هَذَا الرَّجُلَ مَا جَرَى بِهِ عُرْفُ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ، وَإِنْ جَرَى بِأَنَّهُ ثَلَاثَةٌ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بِالطَّلَاقِ أَصْلًا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ كَانَ جَازِمًا بِصِدْقِ نَفْسِهِ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ ظَانًّا ظَنًّا قَوِيًّا قَرِيبًا مِنْ الْجَزْمِ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عِنْدَ جَرَيَانِ الْعُرْفِ بِالطَّلَاقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَزْمِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِشَخْصٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنْ تَأْكُلَ مَعَنَا فَقَالَ عَلِمَ اللَّهُ أَلَّا آكُلَ مَعَكُمْ فَهَلْ هَذِهِ أَيْمَانٌ تُعْتَبَرُ، وَتَنْعَقِدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَتْ هَذِهِ صِيغَةُ يَمِينٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِمَا بِهَا يَمِينٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَصُّهُ مَخْرَجًا مِمَّا تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ لَا بَلَّكَ عَلَى عَهْدٍ أَوْ عَزَمْت عَلَيْكَ أَوْ يَعْلَمُ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَزِمَهُ إثْمُ الْكَذِبِ وَقَوْلُ الْعَامَّةِ مَنْ شَهَّدَ اللَّهَ كَاذِبًا كَفَرَ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَنَّهُ يُخْفِي عَلَيْهِ الْوَاقِعَ اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَلِمَ، وَيَعْلَمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عَيْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ وَقَوْلُهُ عَلِمَ. بِصِيغَةِ الْفِعْلِ لَيْسَ يَمِينًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ أَوْلَادِهِ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَهُمْ فَإِذَا أَكَلَ مَعَ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ فَمَا الْحُكْمُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ أَوْلَادِهِ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَهُمْ فَإِذَا أَكَلَ مَعَ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ

حلف على طعام مخصوص فقدمته له زوجته وأكله ناسيا فهل يحنث

فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا كَانَ تَشَاجُرُهُ مَعَ الْإِنَاثِ أَيْضًا حَنِثَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ مُعَمِّمَةٌ أَوْ مُخَصِّصَةٌ عَمِلَ بِهَا أَوْ بِسَاطٌ كَذَلِكَ عَمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ كَيَمِينِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ كَيَمِينِ فُلَانٍ لَأَفْعَلَنَّ، وَحَنِثَ فِيهِمَا، وَتَبَيَّنَ أَنَّ فُلَانًا حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ الطَّلَاقُ؟ أَفِيدُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ الطَّلَاقُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَفِيمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى مَشِيئَةِ غَيْرِهِ، وَفِيمَنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ، وَفِيمَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا رَأَيْت فِي الْتِزَامَاتِ الْحَطَّابِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ سُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: احْلِفْ، وَيَمِينِي مِثْلُ يَمِينِكَ فَحَلَفَ بِالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ إذَا أَنْكَرَهُ مَكَانَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ صَمَتَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْيَمِينُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا أَنْكَرَهُ مَكَانَهُ مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا ذَلِكَ عَلَى مَا فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَعَلَى مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ لِلْحَالِفِ زَوْجَةٌ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ عَبِيدٌ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالْعِتْقِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْحَالِفَ فِي يَمِينِهِ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْ هَذَا شَيْءٌ لَا أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِ مُحَاكَاةً لَهُ أَوْ يَقُولَ عَلَيَّ مِثْلُ مَا حَلَفْت بِهِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُفَسِّرَةٌ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ لَا يُحْمَلُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْخِلَافِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [حَلَفَ عَلَى طَعَامٍ مَخْصُوصٍ فَقَدَّمَتْهُ لَهُ زَوْجَتُهُ وَأَكَلَهُ نَاسِيًا فَهَلْ يَحْنَثُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى طَعَامٍ مَخْصُوصٍ فَقَدَّمَتْهُ لَهُ زَوْجَتُهُ، وَأَكَلَهُ نَاسِيًا فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْنَثُ إنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَحِينِ بَهِيمَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَطَحَنَ عَلَيْهَا حَبَّ شَخْصٍ فِي نَظِيرِ طَحْنِ

حلف لا يأكل من لبن جاموسة معينة ثم أكل فطيرا ملتوتا بلبنها فهل حنث

الْحَالِفِ حَبَّهُ عَلَى بَهِيمَتِهِ فَهَلْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِأَكْلِهِ مِنْ دَقِيقِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَحْنَثُ إنْ نَوَى قَطْعَ الْمَنِّ، وَإِلَّا فَلَا، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَعَ عِيَالِهِ، وَصَارَ يَنْفَرِدُ بِالْأَكْلِ فِي وِعَاءٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ طَعَامًا خَاصًّا فَهَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ نَوَى الِانْفِرَادَ بِطَعَامٍ أَوْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ خَرَجَ بِزَادٍ لِرِجَالٍ فِي شُغُلٍ فَتَزَاحَمَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَلَدِ بِأَزْوَادٍ يَأْخُذُهَا مَعَهُ فَحَلَفَ لَا يَأْخُذُ لِأَحَدٍ رَغِيفًا فَذَهَبُوا عَنْهُ، وَلَحِقَتْهُ امْرَأَةٌ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَدَفَعَتْ لَهُ حَمَامَتَيْنِ فِي خِرْقَةٍ فَأَوْصَلَهُمَا، ثُمَّ وَجَدَ مَعَهُمَا رُقَاقَتَانِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالزَّحْمَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَحْنَثْ لِدَلَالَةِ بِسَاطِ يَمِينِهِ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِحَالِ الزَّحْمَةِ الْمُؤَدِّيَةِ لِلثَّقْلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَبَنِ جَامُوسَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ أَكَلَ فَطِيرًا مَلْتُوتًا بِلَبَنِهَا فَهَلْ حَنِثَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَبَنِ جَامُوسَةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ أَكَلَ فَطِيرًا مَلْتُوتًا بِلَبَنِهَا فَهَلْ حَنِثَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ حَنِثَ قَالَ عج: وَإِذَا قَالَ لَا آكُلُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ طَلْعِ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فِي أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي كُلٍّ بِفَرْعِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي أَنَّ مَا قَبْلَ الْيَمِينِ كَمَا بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْإِشَارَةِ إلَى الشَّاةِ أَوْ النَّخْلَةِ، وَأَمَّا الْإِشَارَةُ إلَى اللَّبَنِ أَوْ الطَّلْعِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْيَمِينِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَدَخَلَ بِهِ شَخْصٌ آخَرُ نَاسِيًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَدَخَلَ بِهِ شَخْصٌ آخَرُ نَاسِيًا حَلِفَ رَبُّ الْبَيْتِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فَأَجَبْتُ: بِنَعَمْ لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا

مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَلَّمَ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَب مِنْهُ مَنْ يَمُوتُ عِنْدَهُ الْحَقَّ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، وَأَسْمَعَهُ كَلَامًا غَمَّهُ غَمًّا شَدِيدًا فَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ فَشَرَعَ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ، وَتَذَكَّرَ فِي أَثْنَائِهِ أَنَّ عِنْدَهُ دَرَاهِمَ فَقَالَ سِرًّا لَكَ عَقِبَ قَوْلِهِ مَا عِنْدِي دَرَاهِمُ، وَعَاشَرَ زَوْجَتَهُ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ سِنِينَ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ بِهَذِهِ الْيَمِينِ لِاسْتِثْنَائِهِ دَرَاهِمَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا مَعْنًى، وَلُغَةً، وَشَرْعًا بِنَعْتِهَا بِقَوْلِهِ لَك مُتَّصِلًا بِهَا مَنْوِيًّا مَقْصُودًا بِهِ حِلُّهَا مَنْطُوقًا بِهِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ مَا عِنْدِي دَرَاهِمُ إلَّا دَرَاهِمِي فَقَدْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَفَادَ بِكَإِلَّا فِي الْجَمِيعِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا، وَأَخَوَاتِهَا مِنْ خَلَا، وَعَدَا، وَنَحْوِهِمَا يُفِيدُ، وَيَنْفَعُ فِي جَمِيعِ مُتَعَلَّقَاتِ الْيَمِينِ مُسْتَقْبِلَةً، وَمَاضِيَةً مُنْعَقِدَةً أَوْ غَمُوسًا الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ مُتَعَلَّقَاتِ الْيَمِينِ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ اتَّصَلَ إلَّا بِعَارِضٍ، وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَقَصَدَ، وَنَطَقَ بِهِ، وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانٍ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ، وَنَحْوُهُمَا أَيْ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَايَةٍ أَوْ بَدَلِ بَعْضٍ نَحْوُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إلَّا يَوْمَ كَذَا أَوْ إنْ ضَرَبَنِي أَوْ ابْنَ عَمْرٍو أَوْ إلَى وَقْتِ كَذَا أَوْ لَا أُكَلِّمُ الرَّجُلَ ابْنَ عُمَرَ وَقَوْلُهُ قَصَدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَلَّ الْيَمِينُ أَيْ مِنْ أَوَّلِ النُّطْقِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِلَا فَصْلٍ كَمَا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ السَّامِعِ لِلْحَالِفِ قُلْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُهَا عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِلَا فَصْلٍ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ اتَّصَلَ أَيْ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ، وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَ بِالْمُقْسَمِ بِهِ أَيْ بِعَدَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي اتِّصَالُهُ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ بَهِيمَةٍ لِكَرَاهَةِ شَرِكَةِ غَيْرِهِ، وَمُنَازَعَتِهِ لَهُ فِيهَا، وَتَسَوَّقَا بِهَا فَلَمْ تُسَمْ سَوْمَ مِثْلِهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْحَالِفُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَا زَالَتْ يَمِينُهُ مُنْعَقِدَةً عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَ النَّصِيبَ الْمَحْلُوفَ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْبِسَاطُ هُنَا لِعَدَمِ شَرْطِهِ مِنْ عَدَمِ مَدْخَلِيَّةِ الْحَالِفِ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا فَعَلْت كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ وَقَالَ أَرَدْت الْقَسَمَ بِهِ لَا تَعْلِيقَهُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ لَوْ قَالَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ جَاعِلًا كُلًّا مِنْهُمَا مُقْسَمًا بِهِ كَمَا يُقْسِمُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ حِلَّ الْعِصْمَةِ، وَلَا تَحْرِيرًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ شَيْخِنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ كَتَعْلِيقِ الْإِنْشَاءِ إنْ كَانَ كَذَا

فَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ طَالِقٌ فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُ قَطْعًا. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَضَعَ مَالًا فِي مَحَلٍّ مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدْهُ فِيهِ فَسَأَلَ زَوْجَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: لَمْ أَرَهُ، وَلَمْ آخُذْهُ فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنَّكِ أَخَذْتِيهِ، وَتَعْلَمِيهِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: اُدْخُلِي فَتِّشِي فَعَسَى أَنْ تَجِدِيهِ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: لَهَا اُدْخُلِي أَنْتِ فَتِّشِي فَدَخَلَتْ الْمَرْأَةُ فَوَجَدَتْهُ فِي الْبَيْتِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ الزَّوْجُ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ إلَّا الزَّوْجُ، وَزَوْجَتُهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ حِينَ يَمِينِهِ جَازِمًا أَوْ ظَانًّا قَوِيًّا أَنَّهَا أَخَذَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فَفِي الْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِهِ، وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا، وَفَتَّشَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِلدَّفْنِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، وَلَهُ مَفْهُومٌ عِنْدَ الْبُرْزُلِيِّ، وَأَحْمَدَ فَاتَّهَمَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِأَخْذِهِ، وَحَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ كَمَا يُفِيدُهُ حَذْفُ الْمَعْمُولِ حَالَ كَوْنِهِ مُعْتَقِدًا أَيْ جَازِمًا أَوْ ظَانًّا أَنَّهَا أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ مَثَلًا أَخَذَتْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ ذَهَبَ فَأَنْتِ أَخَذْتِيهِ، وَأَوْلَى إنْ وَجَدَهُ عِنْدَهَا أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَإِنْ حَلَفَ شَاكًّا أَوْ جَازِمًا بِعَدَمِ أَخْذِهَا أَوْ ظَانًّا عَدَمَهُ أَوْ ظَانًّا أَخْذَهُ ظَنًّا ضَعِيفًا فَغَمُوسٌ لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَنَحْوِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِمَاضٍ، وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ عَبْدُ الْبَاقِي وَالْخَرَشِيُّ والشبرخيتي وَالنَّفْرَاوِيُّ، وَغَيْرِ مَكَانِهِ أَوْلَى فِي عَدَمِ حِنْثِهِ، طَرِيقَةُ الْبُنَانِيِّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْمُوَضِّحُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ مُقْتَضَيْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ الْحِنْثُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ، وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي مِنْهَا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ لَأَفْعَلَنَّ، وَلَا يَفْعَلُ أَوْ لَا فَعَلْت، وَيَفْعَلُ، وَلَمْ يَقُلْ تَلْزَمُنِي فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِهَا كَمَا يُقْسِمُ بِاسْمِ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْعَدَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَمْرٍ يَقُولُ، وَصَوْمِ الْعَامِ لَا أَفْعَلُهُ يُوهِمُ الطَّالِبَ أَنَّهُ حَلَفَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَأُكْرِهَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَلَى فِعْلِهِ فَهَلَّا يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ قَالَ

عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ أَحْمَدُ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِبِرِّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الدَّارِ فَأَتَاهَا سَيْلٌ أَوْ هَدْمٌ أَوْ أَمْرٌ لَا قَرَارَ لَهَا مَعَهُ أَوْ أَخْرَجَهَا أَهْلُ الدَّارِ، وَهِيَ بِكِرَاءٍ انْقَضَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي خُرُوجِهَا، وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ فِي الدَّارِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَيْهَا نَقَلَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ اهـ، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا حُكْمُ نَازِلَةٍ: وَهِيَ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَا خَرَجَتْ إلَّا بِإِذْنِي، وَسَافَرَ، وَنُودِيَ عَلَى فَتْحِ قَذَرٍ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ فَخَرَجَتْ لِخَوْفِهَا عَلَى جَنِينِهَا أَوْ رَضِيعِهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا قَرَارَ لَهَا مَعَهُ، وَيَحْتَمِلُ الْحِنْثَ؛ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ لِوُجُوبِ حِفْظِ نَفْسِهَا، وَرَضِيعِهَا اهـ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ، وَيَحْتَمِلُ الْحِنْثَ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْخُرُوجِ لِسَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ إخْرَاجِ أَهْلِ الدَّارِ إذْ وُجُوبُ الْخُرُوجِ فِي هَذَا كُلِّهِ شَرْعِيٌّ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ لَيَدْفَعَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانٍ عِنْدَ أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ دَفَعَ لَهُ ثُلُثَيْهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ ثُلُثُهُ فَهَلْ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ تت فِي شَرْحِ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا فِي الْيَوْمِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ إذَا قَالَ لِصَدْرِ شَهْرِ كَذَا فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ ثُلُثَاهُ أَوْ نِصْفُهُ ابْنُ مَالِكٍ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سَهْلٍ، وَحْدَهُ بِالثُّلُثِ لِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ لِأَجَلٍ سَمَّاهُ فَلَمَّا حَلَّ قَضَاهُ مِنْ حَقِّهِ صَدْرًا مِثْلَ الثُّلُثِ فَمَا فَوْقَهُ بَرَّ انْتَهَى أَوْ لَا يَبَرُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ آخَرُ قَالَ، وَأَمَّا كَلَامُ تت الْمَذْكُورُ فَهُوَ فِيمَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ رَبِّ الْحَقِّ وَقَالَ الْأَوَّلُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَبَرُّعِهِ بِالْيَمِينِ، وَاسْتِحْلَافِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَبَرَّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الثَّانِي لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْيَمِينِ، وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي، وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ بَعْضَهُ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ، وَلَوْ لُقْمَةً، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِرِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمِيعِ فَلَا يَبَرُّ بِالْبَعْضِ فَإِذَا قَالَ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ مَثَلًا فَلَا يَكْفِي فِي بِرِّهِ إلَّا أَكْلَ جَمِيعِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، ثُمَّ قَالَ فَقَوْلُهُ بِالْبَعْضِ أَيْ، وَالصِّيغَةُ صِيغَةُ بِرٍّ وَقَوْلُهُ عَكْسُ الْبِرِّ أَيْ، وَالصِّيغَةُ صِيغَةُ حِنْثٍ اهـ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا تت عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِيهَا تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ مَنْ حَلَفَ لِيُرْضِيَنَّ غَرِيمَهُ إلَخْ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي لَفْظِ صَدْرِ الشَّهْرِ اخْتِلَافُ ابْنِ سَهْلٍ سَأَلْت عَنْهُ ابْنَ الْعَطَّارِ فَقَالَ الثُّلُثَانِ، وَالنِّصْفُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْحَلِفِ عَلَى قَضَاءِ صَدْرِ الْحَقِّ قَالَ الصَّدْرُ الثُّلُثَانِ، وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ كَانَ قَوْلًا، وَالثُّلُثَانِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَسَأَلْت ابْنَ مَالِكٍ فَقَالَ يَتَّقِي فِي الْيَمِينِ الْحِنْثَ، وَالصَّدْرُ فِي الْعَقْدِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَكُونَ ثُلُثَ الشَّهْرِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ

مسائل النذر

حَلَفَ لِيُرْضِيَنَّ غَرِيمَهُ لِأَجَلِ كَذَا بَرَّ بِإِرْضَائِهِ بِقَضَائِهِ صَدْرَ مِثْلِ الثُّلُثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَمْ أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَدْ أَطْلَقَ الصَّدْرَ عَلَى الثُّلُثِ قُلْت، وَتَقَدَّمَتْ فِي الْأَيْمَانِ اهـ، وَنَصُّهُ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَسَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي شَعْبَانَ، وَرَمَضَانَ بَرَّ بِقَضَائِهِ كُلِّهِ فِي شَعْبَانَ أَوْ بَعْضِهِ فِيهِ، وَبَاقِيهِ فِي رَمَضَانَ، وَأُحِبُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ قَضَاهُ كُلِّهِ فِي رَمَضَانَ حِنْثٌ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ إنْ قَضَى خُمُسَهُ فِي شَعْبَانَ بَرَّ، وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا لِخُمُسِهِ قُدِّرَ، وَلَا يَبَرُّ فِي الْيَسِيرِ إلَّا بِالثُّلُثِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْكَثِيرَ مِثْلُهُ كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لِيُرْضِيَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ أَنَّهُ يَبَرُّ بِالثُّلُثِ. قُلْت فِي سَمَاعِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ يَبَرُّ بِالْبَعْضِ فَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالثُّلُثِ، وَتَقْيِيدِهِ حَسَنٌ، وَلَا يَلْزَمُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاءَ لَا يَحْصُلُ بِكُلِّ قَدْرٍ، وَمُسَمَّى الظَّرْفِيَّةِ يَحْصُلُ بِهِ بَلْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ قَضَاهُ كُلَّهُ فِي رَمَضَانَ حَنِثَ دَلِيلُ بَقَاءِ لَفْظِ الْبَعْضِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ كَثِيرًا لِخُمُسِهِ قَدْرٌ يُرَدُّ بِأَنَّ نِسْبَةَ كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَنِسْبَةِ مِثْلِهِ مِنْ آخَرَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عَقْلًا كَالْأَعْدَادِ الْمُتَنَاسِبَةِ، وَشَرْعًا كَالثُّلُثِ فِي الْوَصَايَا، وَعَطِيَّةِ الزَّوْجَةِ انْتَهَى. [مَسَائِلُ النَّذْرِ] [رَجُلٍ عِنْدَهُ بَقَرَةٌ فَمَرِضَتْ وَالْحَالُ أَنَّهَا حَامِلٌ فَقَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ بَقَرَتِي فَعَلَيَّ ذَبْحُ مَا فِي بَطْنِهَا] مَسَائِلُ النَّذْرِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ بَقَرَةٌ فَمَرِضَتْ وَالْحَالُ أَنَّهَا حَامِلٌ فَقَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ بَقَرَتِي فَعَلَيَّ ذَبْحُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي مَوْلِدٍ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَوَلَدَتْ أُنْثَى ثُمَّ تَرَاخَى عَنْ ذَبْحِهَا حَتَّى كَبِرَتْ وَحَمَلَتْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا بِعَيْنِهَا أَوْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ بَدَلِهَا أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَ مَوْلِدٍ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مَنْدُوبًا خُصُوصًا إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَكْرُوهٍ كَقِرَاءَةٍ بِتَلْحِينٍ أَوْ غِنَاءٍ، وَلَا يَسْلَمُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ ذَلِكَ وَمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْعَدَوِيُّ فِي مَبْحَثِ الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمَوْلِدِ الشَّرِيفِ فَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ عَمَلَ الْمَوْلِدِ مَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إنْفَاذُ الْوَصِيَّةِ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّامِيُّ اهـ. [رَجُلٍ سَمَّى ذَبِيحَةً لِوَلِيٍّ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ كُتُبٍ أَوْ مُصْحَفٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَمَّى ذَبِيحَةً لِوَلِيٍّ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ كُتُبٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ بَيْرَقٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

نذر ما يصح أن يهدى بلفظ جزور أو بعير

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا فِي مَوْضِعِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَهُ إبْقَاؤُهَا لِنَفْسِهِ وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ بِلَحْمٍ قَدْرَ لَحْمِهَا، وَهَذَا إنْ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ أَوْ عَلَيَّ ذَبْحُ أَوْ نَحْرُ هَذِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ قَاصِدًا إهْدَاءَ ثَوَابِهَا لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ. وَأَمَّا إنْ سَمَّاهَا لَهُ مِنْ غَيْرَ تَعْبِيرٍ بِإِحْدَى الصِّيغَتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ يَحْتَاجُ لِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَكَذَا إنْ عَبَّرَ بِإِحْدَى الصِّيغَتَيْنِ قَاصِدًا بِهِ التَّوْسِعَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ كَمَا هِيَ عَادَةُ فَلَاحِي مِصْرَ. قَالَ الْعَلَامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ لَا بُدَّ لِلنَّذْرِ مِنْ صِيغَةٍ وَهِيَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ اهـ. [نَذَرَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدَى بِلَفْظِ جَزُورٍ أَوْ بَعِيرٍ] قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَمَنْ نَذَرَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدَى بِلَفْظِ جَزُورٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ قَيَّدَ بِمَكَّةَ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ فَيَكُونَ هَدْيًا فَيَجْرِيَ فِيهِ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ جَعَلَهُ لِغَيْرِ مَكَّةَ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ أَوْ نَحْرُهُ بِمَوْضِعِ نَذْرِهِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَنْحَرَهُ وَيُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ قَدْرَ لَحْمِهِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ: قَوْلُهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ. . . إلَخْ أَيْ وَيَحْرُمُ بَعْثُهُ وَلَوْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ فَقَوْلُهُمْ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لِصَالِحٍ وَأَرَادَ بِهِ الْإِعْطَاءَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ بِمَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إلَيْهِمْ فِيمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدَى لَا فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدَى؛ لِأَنَّ سَوْقَهُ لِغَيْرِ مَكَّةَ ضَلَالٌ كَذَا أَفَادَهُ عج. وَأَمَّا مَا لَا يُهْدَى بِهِ كَثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَجَاجَةٍ أَوْ طَعَامٍ فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُلَازِمِينَ لِلْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَوْ لِقَبْرِ الْوَلِيِّ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ أَرْسَلَهُ لَهُمْ، وَإِنْ قَصَدَ نَفْسَ النَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ أَيْ الثَّوَابَ لَهُ تَصَدَّقَ لَهُ بِمَوْضِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ أَوْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِ قَصْدِهِ فَيُنْظَرُ لِعَادَتِهِمْ. وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَادَةٌ بِأَنْ كَانُوا تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْثُ سِتْرٍ، وَلَا شَمْعٍ، وَلَا زَيْتٍ يُوقَدُ عَلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ نَذَرَهُ، فَإِنْ بَعَثَهُ مَعَ شَخْصٍ وَقَبِلَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَاسْتَظْهَرَ تَعَيَّنَ فِعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكْرُوهَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ مَالِ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَالَهُ فَلَا يُسَوَّغُ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهُ كَذَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي. أَقُولُ: أَنْظُر قَوْلَهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ هُنَا يَحْرُمُ، وَلَا يُكْرَهُ اهـ. [نَذَرَ شَاةً لِوَلِيٍّ هَلْ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ نَذَرَ شَاةً لِوَلِيٍّ هَلْ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا صَرَّحَ فِي نَذْرِهِ بِلَفْظِ لِلَّهِ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ شَاةٌ لِلْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ إلَخْ - بَلَغَتْ سِنَّ الْأُضْحِيَّةِ أَمْ لَا - أَوْ لَا تَلْزَمُهُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِلُزُومِهَا فَهَلْ يَدْفَعُهَا حَيَّةً أَوْ يَذْبَحُهَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَبْحِهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ؟ وَهَلْ لَهُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ؟ وَهَلْ يَحْسِبُ نَفَقَتَهَا وَيَأْخُذُ مِنْ لَحْمِهَا بِقَدْرِهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّه نَعَمْ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ

فيما يقع في زيارة الأولياء من إتيان خادم الضريح للزائر بتراب ينثره عليه

صَرَّحَ فِي نَذْرِهِ بِلَفْظِ لِلَّهِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلنَّذْرِ صِيغَتَيْنِ: لِلَّهِ عَلَيَّ وَعَلَيَّ بِدُونِ لِلَّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا سِنَّ الضَّحِيَّةِ، وَلَا السَّلَامَةُ مِنْ عُيُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَإِهْدَاءُ ثَوَابِهِ لِرُوحِ الْوَلِيِّ، وَلَا يَدْفَعُهَا حَيَّةً بَلْ يَذْبَحُهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَلَا يُطْعِمُ مِنْهَا الْغَنِيَّ، وَلَا يَحْسِبُ نَفَقَتَهَا، وَلَهُ إبْقَاؤُهَا حَيَّةً وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ لَحْمِهَا وَيَفْعَلُ بِهَا حِينَئِذٍ مَا شَاءَ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهَا لِلْمَسَاكِينِ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَمَّا إنْ قَصَدَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ وَنَحْوَهُمْ كَمَا هِيَ عَادَةُ فَلَاحِي مِصْرَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرِيُّ بِمَا نَصُّهُ: وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ أَوْ لِوَلِيٍّ شَاةً الْأَكْلُ مِنْهَا وَإِطْعَامُ الْغَنِيِّ أَوْ لَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّذْرُ إنْ عَيَّنَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ جَازَ الْأَكْلُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْأَغْنِيَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ. [فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ أَوْ زَيْتٍ يَتَمَسَّحُ بِهِ يُوهِمُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ بَرَكَةً لِأَجْلِ غَرَضِ الدُّنْيَا فَهَلْ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الزَّيْتُ مِنْ الْوَقْفِ فَفِيهِ حُرْمَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: صَرْفُ الْوَقْفِ فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ فِيهِ الْوَاقِفُ، وَأَمَّا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ لِخَادِمِ ضَرِيحِ الْوَلِيِّ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ دَافِعِهِ الصَّدَقَةُ لَا الْمُعَاوَضَةُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا بَرَكَةَ فِي التَّمَسُّحِ بِتُرَابِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَبَقِيَّةِ الزَّيْتِ الَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ إنَّمَا الْبَرَكَةُ فِي التَّفَكُّرِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي مَبْحَثِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْ الزَّائِرِ أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ دَاخِلِ الدَّرَابِيزِ الَّتِي هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ مَحَلُّ احْتِرَامٍ وَتَعْظِيمٍ فَيُنَبِّهُ الْعَالِمُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ هُنَاكَ فَتَرَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَطُوفُ بِالْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ وَيُقَبِّلُهُ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ مَنَادِيلَهُمْ وَثِيَابَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَ سَبَبُ عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأَصْنَامَ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ التَّمَسُّحَ بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بِجُدْرَانِ الْمَسَاجِدِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَبَرَّكُ بِهِ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ وَلِمُخَالِفَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ التَّعْظِيمِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ عَظَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَتَّبِعُهُ فِيهِ

فَتَعْظِيمُ الْمُصْحَفِ قِرَاءَتُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ لَا تَقْبِيلُهُ، وَلَا الْقِيَامُ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَالْمَسْجِدُ تَعْظِيمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَا التَّمَسُّحُ بِجُدْرَانِهِ وَكَذَلِكَ الْوَرَقَةُ يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ فِيهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَرْفِيعُهُ إزَالَةُ الْوَرَقَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْمَهَانَةِ إلَى مَوْضِعِ تَرَفُّعٍ فِيهِ لَا تَقْبِيلُهَا، وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مُلْقًى بِالْأَرْضِ بَيْنَ الْأَرْجُلِ تَعْظِيمُهُ أَكْلُهُ لَا تَقْبِيلُهُ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ تَعْظِيمُهُ اتِّبَاعُهُ لَا تَقْبِيلُ يَدِهِ وَقَدَمِهِ، وَلَا التَّمَسُّحُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ تَعْظِيمُهُ بِاتِّبَاعِهِ لَا بِالِابْتِدَاعِ عِنْدَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تُدْعَى عِنْدِنَا بِالْفَقِيرَةِ تَدَّعِي أَنَّ الشَّيْخَ الْفُلَانِيَّ الْمَيِّتَ يَنْزِلُ عَلَيْهَا وَيَتَرَدَّدُ إلَيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ بِالزِّيَارَةِ وَالْإِهْدَاءِ فِي يَوْمٍ مَعْلُومٍ كَالْجُمُعَةِ وَعِنْدَ حُضُورِ الزَّائِرِينَ تُحْضِرُ لَهُمْ الشَّيْخَ وَيُكَلِّمُهُمْ بِمَا فِي أَسْرَارِهِمْ وَغَيْرِهِ فَهَلْ هَذَا حَقِيقَةٌ أَوْ كِهَانَةٌ كَمَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ سِحْرٌ، فَعَلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ مَنْعُهَا، وَأَخْذُهَا الدَّرَاهِمَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ كِهَانَةٌ أَوْ سِحْرٌ وَحَاشَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُطَهَّرِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنْ تَصْدُرَ عَنْهُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْقَبَائِحِ بَلْ هُمْ مُتَأَدِّبُونَ مَعَ الشَّرْعِ وَاقِفُونَ مَعَ حُدُودِهِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، عَلَى أَنَّ الْأَمْوَاتَ مِنْهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِي أُمُورِ الْأَحْيَاءِ لِانْتِقَالِهِمْ إلَى عَالَمٍ آخَرَ فِي غَايَةِ الْمُبَايَنَةِ لِعَالَمِ الْأَحْيَاءِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ فِي أُمُورِ الْأَمْوَاتِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَوْثِ سَيِّدِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّبَّاغُ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَنَصُّ الْإِبْرِيزِ عَنْهُ فِيمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَحْيَاءُ مِنْ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ دِيوَانَ الصَّالِحِينَ، ثَانِيهَا أَنَّهُ لَا تَقَعُ مَعَهُمْ مُشَاوِرَةٌ فِي أُمُورِ الْأَحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُمْ فِيهَا وَقَدْ انْتَقَلُوا إلَى عَالِمٍ آخَرَ فِي غَايَةِ الْمُبَايَنَةِ لِعَالَمِ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا تَقَعُ مَعَهُمْ الْمُشَاوَرَةُ فِي أُمُورِ عَالَمِ الْأَمْوَاتِ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَمَّنْ يَخُطُّ فِي الرَّمَلِ وَيُخْبِرُ بِالْمُغَيَّبَاتِ مَا نَصُّهُ: عَصَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَلَا عَدَلَ بِنَا رَبُّك عَنْ سَوَاءِ الْمَحَبَّةِ وَجَعَلَنَا لِكِتَابِهِ مُتَّبِعِينَ وَبِهَدْيِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُهْتَدِينَ لَا مُشَارِك لِلَّهِ تَعَالَى فِي غَيْبِهِ وَاسْتَأْثَرَ بِمَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْبِيَاءَهُ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ فَالتَّصْدِيقُ بِهِ كُفْرٌ وَقَدْ أَكْذَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُدَّعِيَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْمُسْتَبِدُّ بِعِلْمِ ذَلِكَ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ فَقَالَ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا الْآيَةَ، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الْآيَةَ وَقَالَ:

ضرب المندل وحضور الجن

{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] الْآيَةَ. وَفِي قِصَّةِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ} [آل عمران: 49] الْآيَةَ فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فَادِّعَاءُ مَعْرِفَةِ مَا يُسِرُّهُ النَّاسُ وَمَا يُفْطَرُونَ عَلَيْهِ وَمَا يَقَعُ مِنْ غَلَاءِ الْأَسْعَارِ وَرُخْصِهَا وَنُزُولِ الْمَطَرِ وَوُقُوعِ الْقَتْلِ وَالْفِتَنِ وَارْتِفَاعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْغَيْبِ مِنْ إبْطَالِ دَلِيلِ النُّبُوَّةِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا وَفِي بَعْضِهِمَا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ أَيْضًا حَاكِيًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِكَوْكَبِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ جَلْبُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ أَحَدٌ بِالْمُغَيَّبَاتِ إخْبَارًا مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ غَلَطٍ وَكَذِبٍ إلَّا مَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَبِيٍّ أَوْ رَسُولٍ فَاحْذَرْ الشَّكَّ فِي هَذَا وَأَنْ يَخْلِطَ عَلَيْك بَعْضُ مِنْ يَدَّعِي عِلْمَ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَلَا يَعْرِفُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَعَاطِيه وَهِيَ صَنْعَةُ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ وَيُشَارِكُهُمْ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ. وَمِنْهُ مَا وَقَعَ لِابْنِ صَيَّادٍ وَكَانَ يَتَكَهَّنُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] فَقَالَ هُوَ الدُّخُّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك. يُرِيدُ لَا يُمْكِنُك الْإِخْبَارُ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى تَفَاصِيلِهَا كَخَبَرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَمِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّ هِرَقْلَ نَظَرَ فِي النُّجُومِ فَرَأَى أَنَّ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَإِنَّمَا أُخْبِرَ بِجُمْلَةٍ قَدْ أَهَمَّتْهُ وَأَحْزَنَتْهُ وَكَدَّرَتْ حَتَّى خَلَعَ مَمْلَكَتَهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِنَظَرِهِ فِي النُّجُومِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ بَعْثَتُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذْ هُوَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ وَقَدْ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ كَمَا يَعْتَقِدُهُ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَلَا نَكْبَ بِنَا عَنْ الْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ. اهـ فَفِعْلُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ حَرَامٌ وَالذَّهَابُ إلَيْهَا حَرَامٌ وَدَفْعُ الْمَالِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ وَقَبُولُهَا لَهُ حَرَامٌ وَهُوَ مِنْ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ الَّذِي حَرَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْقَبَّابُ أَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِالْكِهَانَةِ بِضَرْبِ الْخَطِّ وَغَيْرِهِ فَذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْمَنَاكِرِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِهَانَةِ كُلِّهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِالنَّهْيِ عَنْهَا وَعَنْ سُؤَالِهِ وَتَصْدِيقِهِ وَقَالَ أَيْضًا أَمَّا الَّذِي يَضْرِبُ الْخَطَّ وَغَيْرَهُ وَيُخْبِرُ بِالْأُمُورِ الْمُغَيَّبَاتِ فَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ، وَلَا يَحِلُّ وَهُوَ فَاسِقٌ وَيُؤَدَّبُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [ضَرْبِ الْمَنْدَلِ وَحُضُورِ الْجِنِّ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ مِنْ ضَرْبِ الْمَنْدَلِ وَحُضُورِ الْجِنِّ وَنَظَرِ صَبِيٍّ فِي زُجَاجَةٍ وَإِخْبَارِهِ بِكَأَكْلِهِمْ فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَسَجْنِهِمْ فِي نَحْوِ قُمْقُمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ دَرَاهِمَ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ الْأَخْيَارِ، وَلَا وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ بَيِّنُوا لَنَا مَأْجُورِينَ.

مريض قال إن شفيت بعهد الله علي أن لا أشرب الدخان فشفي

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ جَوَابُ هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْتِنْزَالَ الرُّوحَانِيَّاتِ وَخِدْمَةَ مُلُوكِ الْجَانِّ مِنْ عِلْمِ السِّيمِيَاءِ وَهُوَ السِّحْرُ وَهُوَ الَّذِي أَضَلَّ الْحَاكِمَ الْعُبَيْدِيَّ لَعَنَهُ اللَّهُ حَتَّى ادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ وَلَعِبْت بِهِ الشَّيَاطِينُ حَتَّى طَلَبَ الْمُحَالَ وَهُوَ مَجْبُولٌ عَلَى النَّقْصِ وَفَعَلَ أَفَاعِيلَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْأَخِرَةِ، وَالْمَعْصِيَةُ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا، وَمُتَعَلِّقُ أَفْعَالِ خَدَمَةِ الْجِنِّ الْكُفْرُ وَكَبَائِرُ الْمَعَاصِي. اهـ وَفِي الْمِعْيَارِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقَبَّابِ وَأَمَّا الَّذِي يُعَالِجُ الْجِنَّ فَلَيْسَ بِسَاحِرٍ اهـ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الَّذِي يُعَالِجُ إخْرَاجَ الْجِنِّ مِنْ الْمَصْرُوعِينَ بِالرُّقَى فَلَا يُنَافِي كَلَامَ الْبُرْزُلِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ طَلُقَتْ وَتَزَوَّجَتْ أَخَّرَ ثُمَّ تَنَازَعَتْ مَعَهُ وَطَلَبَتْ طَلَاقَهُ فَأَجَابَهَا عَلَى شَرْطِ إنْ عَادَتْ لِلْأَوَّلِ يَكُونُ جَمِيعُ مَا تَمْلِكُهُ صَدَقَةً عَلَى الْمَسْجِدِ وَرَضِيَتْ بِالشَّرْطِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا بِهِ بَيِّنَةً ثُمَّ رَجَعَتْ لِلْأَوَّلِ فَمَا الْحُكْمُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَجِبُ عَلَيْهَا تَنْفِيذُ الصَّدَقَةِ بِثُلُثِ مَا كَانَتْ تَمْلِكُهُ حِينَ الرِّضَا بِالشَّرْطِ عَلَى الْمَسْجِدِ إنْ اسْتَمَرَّ مَالُهَا بِحَالِهِ فَإِنْ نَقَصَ فَثُلُثُ الْبَاقِي، وَإِنْ زَادَ فَلَا يَلْزَمُهَا ثُلُثُ الزِّيَادَةِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَثِمَتْ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ بِمَالٍ فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ. الْخَرَشِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ هَدْيٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ قُرْبَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَ مَالِهِ بَعْدَ حِسَابِ دَيْنِهِ وَمَهْرِ زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بَرًّا أَوْ حِنْثًا وَالْمُعْتَبَرُ قَدْرُهُ يَوْمَ الْحَلِفِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِاتِّفَاقٍ أَوْ تَفْرِيطٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْبَاقِي رِفْقًا بِهِ وَقَالَ فِي بَابِ الْهِبَةِ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيِّنِ. الْخَرَشِيُّ إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَدَارِي صَدَقَةٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ حَبْسٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ حِينَ الْيَمِينِ فِي الْمُعَيَّنِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ. الْمُصَنِّفُ وَفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلَانِ، الْخَرَشِيُّ يَعْنِي إنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ أَوْ يُؤْمَرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ؟ قَوْلَانِ مَحَلُّهُمَا فِي غَيْرِ الْيَمِينِ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى. [مَرِيضٍ قَالَ إنْ شُفِيت بِعَهْدِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَشْرَبَ الدُّخَانَ فَشُفِيَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَرِيضٍ قَالَ إنْ شُفِيت بِعَهْدِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَشْرَبَ الدُّخَانَ فَشُفِيَ فَهَلَّا يَجُوزُ لَهُ تَعَاطِيه مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَقَطْ؟

فيما يعطى لسدنة الكعبة ة المشرفة

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الدُّخَانُ لَمْ يُوجَدْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا فِي أَزْمَانِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ، وَلَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَا زَمَنِ التَّابِعِينَ، وَلَا فِي زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا فِي زَمَنِ أَصْحَابِهِمْ وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاؤُهُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِكَرَاهَتِهِ وَمِنْهُمْ مِنْ أَفْتَى بِإِبَاحَتِهِ وَاسْتَدَلَّ كُلٌّ عَلَى فَتْوَاهُ بِأَدِلَّةٍ فَهُوَ مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اتَّقَاهَا فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَلِذَا قَالَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ وَفِي الدُّخَانِ خِلَافٌ، فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ فَيَكُونُ تَرْكُهُ مَنْدُوبًا وَنَذْرُ الْمَنْدُوبِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الشَّخْصِ تَعَاطِيه لِنَذْرِهِ تَرْكَهُ الْمَنْدُوبَ مُعَلِّقًا عَلَى الشِّفَاءِ، وَقَدْ حَصَلَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ وَالْحَاجَةُ الْمَذْكُورَةُ إنْ كَانَتْ مَيْلَ النَّفْسِ وَمُجَانَسَةَ مَنْ يَتَعَاطَاهُ فَلَا تُبِيحُهُ لَهُ وَإِلَّا لَزِمَ إبَاحَةُ كُلِّ مَمْنُوعٍ لِذَلِكَ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ التَّدَاوِيَ بِهِ كَمَا قِيلَ بِهِ فَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ فَقَدْ نَصَّ حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ عَلَى أَنَّهُ يَضُرُّ، وَلَا يَنْفَعُ لِشَيْءٍ مِنْ الْعِلَلِ وَأَنَّهُ يُحْدِثُ عِلَلًا لَا تَسْكُنُ إلَّا بِهِ فَنَظِيرُ مُتَعَاطِيهِ مَنْ مَزَّقَ ثَوْبًا صَحِيحًا وَاحْتَاجَ إلَى تَرْقِيعِهِ وَيَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الدَّوَاءِ قَطْعَ الدَّاءِ وَكَرَاهَةَ النَّفْسِ لَهُ وَتَرْكَهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشِّفَاءِ وَلَيْسَ الدُّخَانُ كَذَلِكَ إذْ مَنْ اعْتَادَهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَرْكَهُ إلَّا إنْ كَانَ نَائِمًا فَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ إلَّا تَرْكُهُ وَاللَّهْوُ عَنْهُ كَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ اسْتَجَرْت مِنْهُ بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. [فِيمَا يُعْطَى لسدنة الْكَعْبَة ة الْمُشَرَّفَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يُعْطَى لِسَدَنَةِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ الَّذِينَ خَصَّهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَأَدَّاهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ «خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُوا مِمَّا يَصِلُ إلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ بِالْمَعْرُوفِ» وَقَدْ جَرَتْ عَادَتْهُمْ بِحِيَازَةِ رَئِيسِهِمْ الْمِفْتَاحَ وَتَوَلِّيهِ الْفَتْحَ وَالْغَلْقَ وَاسْتِلَامَ مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْبَيْتِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يُسَوَّى صَغِيرُهُمْ بِكَبِيرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ بِذَكَرِهِمْ أَوْ يُخَصُّ ذُكُورُهُمْ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتْهُمْ بِقِسْمَةِ مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِهِ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَزِيَادَةِ الرَّئِيسِ سَهْمًا فِي نَظِيرِ حِفْظِهِ الْمِفْتَاحَ وَمُبَاشَرَتِهِ الْفَتْحَ وَالْغَلْقَ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ وَالِاخْتِصَاصُ بِمَا يُعْطَاهُ لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا اعْتَادُوهُ فِي الْقِسْمَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُعْطِي إنَّهُ لَهُ خَاصَّةً لِجَهْلِهِ الشَّرْعَ وَالْعَادَةَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ دَحْلَانُ رَئِيسُ مُدَرِّسِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمُفْتِي الشَّافِعِيَّةِ بِهِ بِمَا نَصُّهُ: اعْلَمْ

رَحِمَك اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ فَتْحِهَا فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ دَخَلَ الْكَعْبَةَ زَادَهَا اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَسَأَلَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُعْطِيَهُ مِفْتَاحَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَدَفَعَ مِفْتَاحَهَا لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، «وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» وَبَقِيَ الْمِفْتَاحُ بِيَدِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إلَى وَفَاتِهِ عَامَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فَأَخَذَهُ ابْنُ عَمِّهِ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَتَوَارَثَهُ بَنُوهُ بَعْدَهُ وَلَمْ يُعْقِبْ عُثْمَانُ وَقِيلَ أَعْقَبَ وَاشْتَكَى عَقِبَهُ إلَى الْمَنْصُورِ الْعَبَّاسِيِّ الْخَلِيفَةِ أَنَّ بَنِي عَمِّهِمْ شَيْبَةَ مَنَعُوهُمْ مِنْ السِّدَانَةِ وَابْنُ جُرَيْجٍ يَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً فَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إلَى عَامِلِهِ بِمَكَّةَ إنْ شَهِدَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهَا فَشَهِدَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ فَجَعَلَهَا إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ. وَالْمَوْجُودُونَ الْآنَ كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حِجَابَةَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ لِبَنِي طَلْحَةَ لَا يَجُوزُ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ، وَلَا مُشَارَكَتُهُمْ فِيهَا وَعَلَى أَنَّ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ كَذَلِكَ، وَمُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ تَسْوِيَتُهُمْ فِيهِ وَتَخْصِيصُ ذُكُورِهِمْ وَلَكِنْ حَيْثُ تَرَاضَوْا عَلَى زِيَادَةِ رَئِيسِهِمْ سَهْمًا وَإِعْطَاءِ نِسَائِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَصِلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِرَئِيسِهِمْ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِمَّا يَأْتِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ الصِّلَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَيَكُونُ جَمِيعُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَلَوْ صَرَّحَ الْمُعْطِي بِأَنَّهُ لِرَئِيسِهِمْ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ السَّهْمَ الَّذِي زَادُوهُ لَهُ أُجْرَةٌ عَلَى حِفْظِهِ الْمِفْتَاحَ وَفَتْحِهِ وَغَلْقِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ إنَّمَا كَانَ لِهَذِهِ الْخِدْمَةِ وَلَوْلَاهَا مَا أُعْطِيَ شَيْئًا وَأَذْكُرُ نُصُوصَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِسِدَانَةِ الْبَيْتِ الْمُعَظَّمِ لِيُعْلَمَ مِنْهَا الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ بِتَمَامِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ فِي حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لِابْنِ الضِّيَاءِ الْحَنَفِيِّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ائْتِ بِالْمِفْتَاحِ قَالَ فَأَتَيْته بِهِ فَأَخَذَهُ مِنِّي ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيَّ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةٍ تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ» . وَعَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ أَخَذَ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَشْفَقُوا أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي شَيْبَةَ هَاكُمُ الْمِفْتَاحُ وَكُلُوا بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذِهِ وِلَايَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَزْعُهَا مِنْهُمْ وَلَا مُشَارَكَتُهُمْ فِيهَا. الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ، وَلَازَمُوا الْأَدَبَ فِي خِدْمَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِمْ وَمَعَهُمْ مُشْرِفٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَالتَّقْصِيرِ فِي خِدْمَتِهِ وَرُبَّمَا تَعَلَّقَ الْجَاهِلُ الْمَعْكُوسُ الْفَهْمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُوا بِالْمَعْرُوفِ فَاسْتَبَاحَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى دُخُولِ الْبَيْتِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبِدَعِ وَأَقْبَحِ الْفَوَاحِشِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إنْ صَحَّتْ اُسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى وُجُوبِ إقَامَةِ حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى خِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَيْهِمَا أَوْ مَا يَقْصِدُونَ بِهِ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ فَلَهُمْ أَخْذُهُ وَهُوَ أَكْلٌ بِالْمَعْرُوفِ لَا مَحَالَةَ. اهـ وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ لِلْحَطَّابِ الْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ نَزْعُ الْمِفْتَاحِ مِنْهُمْ لَا مَنْعُهُمْ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَمَا فِيهِ قِلَّةُ أَدَبٍ فَهَذَا وَاجِبٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْجَهَلَةُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ بِالْبَيْتِ مَا شَاءُوا فَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ مَنْسُوبٌ إلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ أَيْ وَفَتْحِهَا وَإِغْلَاقِهَا وَخِدْمَتِهَا يُقَالُ لَهُ وَلِأَقَارِبِهِ الْحَجَبِيُّونَ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ أَسْلَمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَدَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ ثُمَّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَأَقَامَ بِهَا إلَى وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا إلَى وَفَاتِهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعٌ قُرْبَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ اهـ فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي السِّدَانَةِ وَفِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَمَا زَالُوا جَارِينَ عَلَيْهِ سَلَفًا وَخَلْفًا عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ الْآنَ فِيمَا يُهْدَى لِرَئِيسِهِمْ وَمُقْتَضَى النُّصُوصِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ أَنَّهَا لَهُمْ جَمِيعًا. وَسُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْقُطْبِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمُفْتِي بِمَكَّةَ عَمَّنْ وُلِدَ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَاسْتَوْطَنَهَا بَعْدَ كِبَرِهِ وَأَثْبَتَ نِسْبَتَهُ إلَى بَنِي شَيْبَةَ وَأَرَادَ مُشَارَكَتَهُمْ فِي السَّدَانَةِ وَفِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ. فَأَفْتَى بِأَنَّهُ يَجِبُ إدْخَالُهُ مَعَهُمْ وَمُشَارَكَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِوِلَادَتِهِ بِغَيْرِ مَكَّةَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ «يَا عُثْمَانُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَأْمَنَكُمْ عَلَى بَيْتِهِ فَكُلُوا مِمَّا يَصِلُ إلَيْكُمْ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ إذْ هُوَ عَامٌّ شَامِلٌ لِمَنْ وُلِدَ بِهَا وَغَيْرِهِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ إدْخَالَهُمْ جَمِيعًا فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ ثَابِتٌ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَلَا إبْطَالُهُ، وَلَا مُعَارَضَتُهُ

بِحَالٍ. وَلِابْنِ حَجْرٍ الْهَيْتَمِيِّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَلَامٌ حَسَنٌ مُتَعَلِّقٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَنَصُّهُ: قَالَ أَيْ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وِلَايَةُ الْكَعْبَةِ وَخِدْمَتُهَا وَفَتْحُهَا وَإِغْلَاقُهَا وَنَحْوُهَا حَقٌّ لِبَنِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّينَ الْمَشْهُورِينَ الْآنَ بِالشَّيْبِيِّينَ أَيْ الْمَنْسُوبِينَ لِشَيْبَةَ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَبْقَى لَهُمْ وَلِذَرَارِيِّهِمْ وَقَدْ «أَخَذَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَجْهَهُ مِفْتَاحَهَا مِنْهُمْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَ مِنْهُ الْمِفْتَاحَ وَرَدَّهُ إلَيْهِمْ وَقَالَ خُذُوهَا تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» . ابْنُ حَجَرٍ أَفْهَمَ قَوْلُهُ لِبَنِي طَلْحَةَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لِجَمِيعِهِمْ كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِبَعْضِهِمْ، وَالْحَدِيثُ دَالٌ عَلَى ذَلِكَ إذْ الْأَصْلُ الْمُسَاوَاةُ حَتَّى يَرِدَ مُمَيِّزٌ وَلَمْ يَرِدْ فَمَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ كَبِيرَهُمْ سِنًّا هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ عَنْ بَاقِيهِمْ فِي الْمُرَتَّبِ وَالْمَنْذُورِ لَهُمْ لَمْ أَرَ لَهُ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْت لَعَلَّهُ شِدَّةُ مُنَازَعَتِهِمْ وَعَدَمُ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ ذَلِكَ قُلْتُ الْقِيَاسُ إمَّا الْمُهَايَأَةُ وَإِمَّا الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَإِلَّا أُجْبِرُوا عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْمَفْسَدَةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ الْعَامَّ عَلَى الْوُلَاةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْأَوْقَافِ، وَالنَّاظِرُ عَلَيْهَا بِشَرْطِ وَاقِفِهَا، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ دَفْعَ الْخِصَامِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَالنَّظَرَ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الْعَامَّةِ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ اصْطِلَاحَهُمْ لَهُ أَصْلٌ فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُ الْأَوْثَقِ وَالْأَعْلَمِ وَالْأَعْدَلِ عَلَى الْأَسَنِّ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ اصْطِلَاحِهِمْ عَلَى الْأَسَنِّ الْمُتَّصِفِ بِالْعَدَالَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَأَمَّا الْأَسَنُّ الَّذِي لَمْ يَتَّصِفَ بِهَا فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَصْلٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَحِلُّ تَفْوِيضُ شَيْءٍ مِنْ خِدْمَتِهَا لِغَيْرِهِمْ مَا وُجِدَ مِنْهُمْ صَالِحٌ لَهَا أَنَّ مَحَلَّ اسْتِوَائِهِمْ فِيهَا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ صَالِحِينَ لَهَا، وَأَنَّ غَيْرَ الصَّالِحِ لَهَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا لَا وَحْدَهُ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِالْبَنِينَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا بِنَفْسِهِنَّ، وَلَا بِنَائِبِهِنَّ وَأَنَّ بَنِي الْبَنَاتِ لَا حَقَّ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي شَيْبَةَ إذْ الْعِبْرَةُ بِالْآبَاءِ وَقَوْلُهُمْ مَا وُجِدَ مِنْهُمْ صَالِحٌ دَالٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ صَالِحٌ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِغَيْرِهِمْ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُمْ صَالِحٌ فَتَعُودَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ بِشَرْطِ وَاقِفِهِ يَأْتِي مِثْلُهُ هَاهُنَا لِلنَّصِّ عَلَى وِلَايَتِهِمْ مِنْ الشَّارِعِ. اهـ فَهَذِهِ النُّصُوصُ صَرِيحَةٌ فِي ثُبُوتِ وِلَايَتِهَا لِجَمِيعِهِمْ وَاشْتِرَاكِهِمْ جَمِيعًا فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَلَا إبْطَالُهُ فَلَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ

مَنْعُهُ مِنْهُ وَإِلْزَامُهُ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ مَعَهُ الْمِفْتَاحُ قَدْ جَرَى عَمَلُ الْمَاضِينَ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَلَا بِفَتْوَى تَاجِ الدِّينِ الْقَلَعِيِّ بِذَلِكَ لِمُخَالِفَتِهَا لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ. وَصُورَةُ السُّؤَالِ مَا قَوْلُكُمْ فِيمَا يُعْطَاهُ فَاتِحُ الْكَعْبَةِ هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا وُجِدَ صَكٌّ بِأَنَّ الْعَادَةَ قِسْمَةُ الْكِسْوَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى بَنِي شَيْبَةَ بِالسَّوِيَّةِ يُعْمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَا يُعْطَاهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فَهُوَ لَهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ بِرٌّ وَصَدَقَةٌ أَوْصَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَيْهِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ الْقَدِيمَةُ فَنَصَّ الْفَخْرُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ فَتْوَاهُ عَلَى أَنَّ دِيبَاجَ الْكَعْبَةِ إذَا صَارَ خَلَقًا يَبِيعُهُ السُّلْطَانُ وَيَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَمْرِهَا اهـ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ، وَلَا نَقْلُهُ، وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ، وَلَا وَضْعُهُ بَيْنَ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى عَنْ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمَا مَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَلَا يَأْخُذْهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي مَنْظُومَةِ الطُّوسِيِّ: وَمَا عَلَى الْكَعْبَةِ مِنْ لِبَاسٍ ... إنْ رَثَّ جَازَ بَيْعُهُ لِلنَّاسِ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَلَا لِلْفُقَرَاءِ وَقَالَ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ السُّلْطَانِ فَأَمْرُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَوْقَافِ فَهِيَ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَإِنْ جَهِلَ عَمِلَ فِيهَا بِمَا اُعْتِيدَ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ بَنِي شَيْبَةَ بِأَخْذِهَا فَيُبْقَوْنَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَلَا يُعْمَلُ بِالصَّكِّ الْمَذْكُورِ، فَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: وَالْحُجَّةُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ إقْرَارٌ أَوْ نُكُولٌ عَنْ يَمِينٍ أَوْ قَسَامَةٌ اهـ وَلَيْسَ مِنْهَا الصَّكُّ. وَفِي فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ لَا يُعْمَلُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْتَرِ، وَلَا بِمُجَرَّدِ الْحُجَّةِ أَيُّ صَكٍّ لِلْقَاضِي، فَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَطِّ وَعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ كَمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ مِنْ فَتَاوَى الْقَلَعِيِّ وَهَذِهِ الْفَتْوَى مُخَالِفَةٌ لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُ صَاحِبِ الْمِفْتَاحِ مِمَّا يُعْطَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا لَوْ لَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعَ ذِكْرِهِ النُّصُوصَ فِي الْكِسْوَةِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ الْمُسْتَنِدُونَ لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى اشْتَرَاك بَنِي شَيْبَةَ فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْكَعْبَةِ، فَلَوْ جَرَى عَمَلُهُمْ عَلَى اخْتِصَاصِ صَاحِبِ مِفْتَاحِهَا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ رَدُّهُمْ إلَى الِاشْتِرَاكِ فِيهِ عَمَلًا بِنَصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فِيمَا نَصَّ الْمُعْطِي عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ إعْطَاؤُهُ سَهْمًا زَائِدًا مِنْهُ فِي نَظِيرِ فَتْحِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْخِدْمَةِ فَهُوَ أُجْرَةُ عَمَلِهِ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ

عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَكُلُّ مَا جَاءَ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ. وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي مَبْحَثِ وُجُوبِ رَدِّ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ تَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدَتْ فِي بَيْتِك فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى لَك فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ مُطَابِقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَمَلُّكَهُ مَا أَهْدَى لَهُ بِهِ إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ عَامِلًا فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِهِ دُونَ أَصْحَابِ الْحُقُوقِ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحُقُوقَ الَّتِي عَمِلَ لِأَجْلِهَا هِيَ السَّبَبُ فِي الْإِهْدَاءِ لَهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بِمَنْزِلِهِ لَمْ يُهْدَ لَهُ شَيْءٌ فَلَا يَسْتَحِلُّهَا بِمُجَرَّدِ وُصُولِهَا إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ اهـ وَتَبِعَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. وَفِي عُمْدَةِ الْقَارِيّ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ يَجِبُ جَعْلُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ اهـ وَتَبِعَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَفِي حَاشِيَةِ السِّنْدِيِّ عَلَى صَحِيحِ أَبِي دَاوُد «مَا جَاءَ لِلْعَامِلِ مِنْ جِهَةِ عَمَلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَإِنْ سَمَّاهُ مُعْطِيهِ هَدِيَّةً» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَفِي صَحِيحِ أَبِي دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَمَا أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» . عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ. لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ قَبُولُ هَدِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِتَرْكِ بَعْضِ الزَّكَاةِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَرَضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ، وَلَهُ أُجْرَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ جِهَتَيْنِ وَمَا أُعْطِيَ لَهُ يَكُونُ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ الْمَالِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ عِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَطُولُ نَقْلُهَا وَفِيمَا ذَكَرْته كِفَايَةٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَدِيَّةَ الْعَامِلِ إنْ كَانَتْ لِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَرَضٍ آخَرَ جَازَ لَهُ قَبُولُهَا وَدَخَلَتْ فِي الْمَالِ الَّذِي عَمِلَ لَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا، وَأَنَّ هَدِيَّةَ عَامِلِ الزَّكَاةِ مَحَلُّهَا بَيْتُ الْمَالِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَا يَصِلُ لِصَاحِبِ الْمِفْتَاحِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَلَوْ قَالَ لَهُ مُعْطِيهِ هَذَا لَك خَاصَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذَا مُلَخَّصُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ زَيْنِيٍّ

مسائل الالتزام

مُفْتِي الشَّافِعِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةُ وَرَئِيسُ مُدَرِّسِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. [مَسَائِلُ الِالْتِزَامِ] [أَرْكَان الِالْتِزَام] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الِالْتِزَامِ (سُئِلَ) شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ الْتَزَمَ دَيْنًا عَلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهَا جَهْلًا مِنْهُ بِعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُ وَلَمَّا شُدِّدَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ قَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ لَا شَيْءَ لَك عَلَيَّ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ لَهُ فَهَلْ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَتْبَعُ رَبُّ الدَّيْنِ تَرِكَتَهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَنْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَهْلًا مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِ وَلَوْ عَلِمَ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا أَنَّ دَعْوَى الْجَهْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعِيدَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَعْلِيمٌ وَتَزْوِيرٌ فَلَا يَنْبَغِي سَمَاعُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْإِمَامُ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا نَصُّهُ وَرَتَّبْتُهُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَأَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَخَاتِمَةٍ، أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي بَيَانِ مَعْنَى الِالْتِزَامِ وَبَيَانِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِ كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا فَأَقُولُ مَدْلُولُ الِالْتِزَامِ لُغَةً إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ دَوَامًا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلِّقًا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ بِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْتِزَامُ الْمَعْرُوفِ بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي عُرْفِ النَّاسِ الْيَوْمَ. وَأَرْكَانُ الِالْتِزَامِ أَرْبَعَةٌ كَأَرْكَانِ الْهِبَةِ الْمُلْتَزِمُ بِكَسْرِ الزَّاي وَالْمُلْتَزَمُ لَهُ وَالْمُلْتَزَمُ بِهِ وَالصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُهُمْ، فَأَمَّا الرُّكْنُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُلْتَزِمُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمُكْرَهٍ فَلَا يُلْزَمُ الْتِزَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَالْمُكْرَهِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الِالْتِزَامِ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَزِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمُعَاوَضَةِ فَقَطْ وَذَلِكَ الرُّشْدُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ فَهُوَ مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ أَوْ يَمْلِكُ النَّاسُ الِانْتِفَاعَ بِهِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُلْتَزَمُ بِهِ فَهُوَ كُلُّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ أَمْ لَا إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ انْتِفَاءُ الْغَرَرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا الرُّكْنُ الرَّابِعُ وَهِيَ الصِّيغَةُ فَهِيَ

أقسام الالتزام

لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مِنْ إشَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَدُلُّ عَلَى إلْزَامِ الشَّخْصِ نَفْسَهُ مَا الْتَزَمَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِالْتِزَامَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهَ الْمُعَاوَضَةَ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ وَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلِفَلْسٍ قَبْلَهَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. [أَقْسَام الِالْتِزَامُ] [الْبَاب الْأَوَّل فِي الِالْتِزَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ] وَيَنْقَسِمُ الِالْتِزَامُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُعَلَّقٌ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّقٍ وَالْمُعَلَّقُ إمَّا مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّاي أَوْ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِفَتْحِ الزَّاي أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَانْحَصَرَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ فَفِي ذِكْرِ مَسَائِلِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَمَسَائِلِ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. (فَصْلٌ فِي الِالْتِزَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ) وَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالْحَبْسُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْعُمْرَى وَالْعَرِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَالْإِرْفَاقُ وَالْإِخْدَامُ وَالْإِسْكَانُ وَالنَّذْرُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَالضَّمَانُ وَالِالْتِزَامُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ أَعْنِي بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ إنَّمَا هُوَ بِأُمُورٍ اعْتِبَارِيَّةٍ اعْتَبَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُلِّ بَابٍ فَخَصُّوا الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ بِتَمْلِيكِ الرِّقَابِ وَجَعَلُوا الْأُولَى فِيمَا كَانَ لِقَصْدِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَالثَّانِيَةَ فِيمَا كَانَ لِقَصْدِ الثَّوَابِ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ لِوَجْهِ الْمُعْطِي لِصَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَخَصُّوا الْحَبْسَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الْإِسْكَانِ بِإِعْطَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّأْبِيدِ فَهُوَ الْحَبْسُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطِي فَهُوَ الْعُمْرَى، وَإِنْ كَانَ مَحْدُودًا بِمُدَّةٍ أَوْ غَيْرَ مَحْدُودٍ فَهُوَ الْعَارِيَّةُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقَارٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِسْكَانُ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَمَرَةٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَلَّةِ حَيَوَانٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْمِنْحَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِخْدَامُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَنَافِعَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِرْفَاقُ، وَحُضُورُ الضَّمَانِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ لَهُ أَوْ الْتِزَامُ إحْضَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ، وَخَصُّوا النَّذْرَ الْمُطْلَقَ بِالْتِزَامِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَالِالْتِزَامَ الْأَخَصَّ بِمَا كَانَ بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَخْرُجُ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ فِيهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَقْضِي بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَقْضِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا الْقِسْمُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ أَوْ يَمْرَضْ مَرَضَ الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ بِفَتْحِ الزَّايِ مُعَيَّنًا، وَلَا أَعْلَمُ فِي الْقَضَاءِ بِهِ خِلَافًا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ الْهِبَةِ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ بَعْدَ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَعْرُوفُ لُزُومُ الْهِبَةِ بِفَقْدِهَا. ابْنُ زَرْقُونٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ قَبْلَ حَوْزِهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَفِي قَوْلَةٍ شَاذَّةٍ عِنْدَنَا وَحَكَاهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهَا ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ. ابْنُ عَرَفَةَ تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ. اهـ هَذَا حُكْمُ مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ، وَالِالْتِزَامُ نَوْعٌ

التزم الإنفاق على شخص مدة معينة أو إلى أجل مجهول

مِنْهَا بَلْ رُبَّمَا كَانَ أَقْوَى مِنْ حَيْثِيَّةِ دَلَالَةِ لَفْظِ الِالْتِزَامِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْإِمْضَاءِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَشْهَدَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِمَا قَضَى بِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا لِفُلَانٍ وَهُمَا حَاضِرَانِ أَوْ غَائِبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ لَزِمَهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَمَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالَهُ عَلَى مَيِّتٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إذَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَ اهـ. قُلْت وَذِكْرُ الْإِشْهَادِ هُنَا لَيْسَ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ إنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِمَّا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ سَمِعْت مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِبَيِّعِهِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهُ قَوْلًا بَيِّنًا ثُمَّ رَجَعَ لَمْ أَرَ لَهُ ذَلِكَ وَرَأَيْتُهُ لَازِمًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك بِعْ وَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ، فَهَذَا أَمْرٌ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ أَوْ بَعْدَ مَا انْتَقَدَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ انْتَقِدْنِي وَبِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ اهـ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ النَّوْعِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَالْوَفَاءُ بِهَا لَازِمٌ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ وَفِيهَا مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ اهـ. وَقَدْ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَكِتَابِ الْمِدْيَانِ وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَنَسَبَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لِكِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ. [الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُنْفِقِ أَوْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَقْدُمَ زَيْدٌ أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَزِمَهُ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَعَدِّي أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ إنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا فَلَهُمَا الرِّبْحُ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرِّبْحُ لِلْمُتَعَدِّي وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ وَعَمِلَ مَعَهُ فَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا أَعَانَهُ، وَإِنْ رَضِيَ وَلَمْ يَعْمَلْ مَعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يُوجِبُ الرِّضَا دُونَ بَسْطٍ إلَيْهِ ضَمَانًا، وَلَا رِبْحًا إلَّا مِنْ وَجْهِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ لَك نِصْفُ مَا أَرْبَحُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ فَلَهُ طَلَبُهُ بِذَلِكَ

مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ كَتَبْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِي أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ فُلَانٍ هَذِهِ السَّنَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَمْرَضْ أَوْ يُفْلِسْ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْفُرُوعُ الْآتِيَةُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْقَضَاءِ بِذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تَدْخُلُ الْكِسْوَةُ فِي النَّفَقَةِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ زَرِبٍ فِي مَسَائِلِهِ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ وَأَبِي أَنْ يَكْسُوَهُ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الْإِنْفَاقَ لَا الْكِسْوَةَ وَطَلَبَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ الْكِسْوَةَ مَعَ النَّفَقَةِ فَشَغَلَتْ بَالِي مُدَّةً ثُمَّ ظَهَرَتْ لِي فَأَلْزَمَتْهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَكْسُوَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيَكْسُوهَا فَالْكِسْوَةُ دَاخِلَةٌ فِي النَّفَقَةِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي قَوْلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ يُحْكَمُ بِهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْآبَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْعَبِيدِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ إذَا كَثُرَ الْمَالُ وَالسَّفَرُ بَعِيدٌ، وَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى أَحَدٍ إحْسَانًا إلَيْهِ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الِاطِّعَامَ لَا الْكِسْوَةَ وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ الْتَزَمْت لِي إنْفَاقًا مُجْمَلًا فَاكْسُنِي كَمَا تُطْعِمُنِي فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ عِنْدِي بِدَلِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الْعَبْدُ السَّنَةَ عَلَى أَنَّ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ نَفَقَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ، فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَلَوْ شَرَطَ الْكِسْوَةَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَ الْكِسْوَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَقْتَضِي الْكِسْوَةَ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ مُقْتَضِيَةً لَهَا لَقَالَ لَهُ إذَا سَأَلَهُ عَنْهَا لَفْظُ النَّفَقَةِ يَقْتَضِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَقَالَ هَذَا الَّذِي أَرَدْت، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ لَصَدَقَ الْمُلْتَزِمُ وَمَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا. وَفِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مَأْبُورَةٌ أَوْ طَيِّبَةٌ وَقَالَ إنَّمَا تَصَدَّقْتُ بِالْأَصْلِ لَا الثَّمَرَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِلَا يَمِينٍ، وَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ يَتَخَرَّجُ مِنْ بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْلِفُ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ اسْتَرْعَى أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ عَبْدُهُ أَوْ مَتَى حَبَسَ دَارِهِ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا ثُمَّ أَعْتَقَ أَوْ حَبَسَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ الْبَيِّنَةُ ذَلِكَ وَصَدَقَ فِيمَا يَدَّعِيه وَيَذْكُرُهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ زَرِبٍ أَنَّ كُلَّ مُتَطَوِّعٍ مُصَدَّقٌ وَأَمَّا إنْ قَالَ مُلْتَزِمُ الْإِنْفَاقِ لَمْ تَكُنْ لِي نِيَّةٌ فِي مَطْعَمٍ، وَلَا مَلْبَسٍ إنَّهُ يُقَالُ لَهُ قُمْ بِهِمَا جَمِيعًا اهـ. مُخْتَصَرًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِدُخُولِ الْكِسْوَةِ فِي مُسَمَّى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ مُسَمَّاهَا لَزِمَ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ إنَّمَا أَرَدْت الْإِطْعَامَ كَمَا لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت إلَّا الْكِسْوَةَ لَمْ يُقْبَلْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ثُمَّ رَأَيْت لِلْمُتَيْطِيِّ إثْرَ قَوْلِهِ قُمْ بِهِمَا: لَعَلَّ جَوَابَ ابْنِ زَرِبٍ فِي هَذَا وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظُ النَّفَقَةِ

الْكِسْوَةَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى نِيَّةً فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِمَا نَوَى قَالَ الْمُتَيْطِيُّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ زَرِبٍ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَوْصَى بِنَفَقَةِ رَجُلٍ حَيَاتَهُ أَخْرَجَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ مَا يَقُومُ بِهِ مُنْتَهَى سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مَاءٍ وَحَطَبٍ وَطَعَامٍ وَكِسْوَةٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا وَاضِحٌ يَعْنِي كَلَامَ الْمُتَيْطِيِّ إلَّا قَوْلَهُ إنَّمَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا نَوَى بَلْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَفِيهَا فِي كِتَابَ الشَّرِكَةَ مَا نَصُّهُ: أَرَأَيْت الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَيْفَ يَصْنَعَانِ فِي نَفَقَتِهِمَا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُلْغَى نَفَقَتُهُمَا مَعًا وَفِي بَابِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمَّا قَالَ مَالِكٌ تُلْغَى النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَنْفَقُوا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَتُلْغَى الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ تُلْغَى النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ مِثْلُ النَّفَقَةِ. اهـ وَمَجْمُوعُهُ دَلِيلٌ لِابْنِ زَرِبٍ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ طَاعَ بِالْتِزَامِ نَفَقَةِ رَبِيبِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ طَلَّقَ أُمَّهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا هَلْ تَعُودُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الرَّبِيبِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَهَا الْكِسْوَةُ؟ فَأَجَابَ بِبَقَاءِ لُزُومِهَا مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ دُونَ الْكِسْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ زَرِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ يُوجِبُونَ الْكِسْوَةَ مَعَ الطَّعَامِ مُحْتَجِّينَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَلَا أَدْرِي ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تُعُورِفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ فِي الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ثُمَّ تَخَصَّصَتْ عِنْدَهُ عُرْفًا بِالطَّعَامِ فَقَطْ وَتَقَرَّرَ فِي مَبَادِئِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ. قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لَفْظَ النَّفَقَةِ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَعَلَى الطَّعَامِ فَقَطْ وَأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُلْتَزِمُ اللَّفْظَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَزِمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْآخَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالِي هَذَا يَرْجِعُ كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ وَالْمُتَيْطِيِّ غَيْرَ أَنَّ فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ مُسَامَحَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عِنْدَ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ نَوَازِلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ قَوْلُ الْمُحْبِسِ فَمَا كَانَ مِنْ نَصٍّ جَلِيٍّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ إنَّهُ أَرَادَ مَا يُخَالِفُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ، وَلَا يُخَالِفُ حَدَّهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ مُحْتَمِلٍ لِوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ أَظْهَرَهَا أَصْلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ بَاقِيهَا إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ قَدْ مَاتَ فَفَاتَ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ إذْ هُوَ أُعْرَفُ بِمَا أَرَادَ وَأَحَقُّ بِبَيَانِهِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا وَفَسَّرَ اللَّفْظَ بِأَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِهِ وَلَوْ كَانَ خِلَافَ الْأَظْهَرِ، وَلَا

طاع الزوج لزوجته بجميع مؤنة ولدها من غيره مدة الزوجية بينهما

يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الصَّرِيحِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خِلَافَ مَعْنَاهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِدُخُولِ الْكِسْوَةِ فِي مُسَمَّى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ مُسَمَّاهَا لَزِمَ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ إنَّمَا أَرَدْت الْإِطْعَامَ كَمَا لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت إلَّا الْكِسْوَةَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَفْظُ النَّفَقَةِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِطْعَامِ وَحْدَهُ وَادَّعَى الْمُلْتَزِمُ أَنَّهُ أَرَادَهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ مَرْجُوحًا؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَكُلُّ مُتَطَوِّعٍ مُصَدَّقٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ زَرِبٍ فَلَا يَلْزَمُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَرَادَ إذَا كَانَ لَفْظُهُ صَالِحًا لِمَا ادَّعَاهُ، وَأَمَّا إذَا قَالَ مَا أَرَدْت إلَّا الْكِسْوَةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النَّفَقَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْكِسْوَةِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا إثْرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ صَحِيحٌ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ النَّقْلُ عُمِلَ بِهِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي ثُبُوتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [طَاعَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ بِجَمِيعِ مُؤْنَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِنْ طَاعَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ بِجَمِيعِ مُؤْنَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ كِسْوَةٍ وَغَيْرِهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عَلَى الطَّوْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَوْ كَانَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِالدُّونِ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ رَجَعَتْ بِنَفَقَتِهِ بَقِيَّةَ الْأَجَلِ وَتَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَدَاقِهَا، وَإِنَّمَا تَأْخُذُهَا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَتْ. وَقَالَ ابْنُ زَرِبٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا وَيَفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. اهـ وَقَوْلُهُ فِي مُخْتَصَرِهَا أَوَّلًا وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِالدُّونِ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَصَوَابُهُ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى وَلَفْظُ الْمُتَيْطِيَّةِ وَلَوْ كَانَ يَعْنِي الشَّرْطَ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَطَّتْ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ، فَإِنْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى لَمْ تَنْقُصْ عَنْهُ. قُلْت، وَأَصْلُ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى ابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ أَوْ عَلَى مَنْ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ خَدَمِهَا أَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ شَرْطَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَثْبُتُ بَعْدُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ لِمَا وَضَعَتْ. وَعَنْ أَصْبَغَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ شَرْطَهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْفَسَادُ فِيهِ بَيِّنٌ لِاشْتِرَاطِهَا نَفَقَةً مَجْهُولَةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الشَّقَّاقِ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ هَذَا النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي

ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا أَدْرِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَعَلَّ الصَّبِيَّ لَا يَعِيشُ شَهْرًا أَوْ يَعِيشُ عِشْرِينَ سَنَةً فَعِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا أَمْ لَا، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ رُشْدٍ مَا قَالَهُ ابْنُ الشَّقَّاقِ قَائِلًا إذْ لَا وَجْهَ لِفَسَادِهِ إلَى الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ النَّفَقَةِ الْمُشْتَرَطَةِ عَلَى الزَّوْجِ اهـ مُخْتَصَرًا. وَقَوْلُهُ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ لِمَا وَضَعَتْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَضَعْ مِنْ صَدَاقِهَا لِلشَّرْطِ بِأَنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى مَعَ الشَّرْطِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ مَعَ إسْقَاطِ الشَّرْطِ وَلَعَلَّ ابْنَ زَرِبٍ لَحَظَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الشَّقَّاقِ يَمْنَعُهُ وَلَوْ كَانَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ بَلْ لَعَلَّ ابْنَ الشَّقَّاقِ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ زَرِبٍ فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ أَوْ يَكُونُ ابْنُ زَرِبٍ لَحَظَ مَا يَأْتِي عَنْ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوهُ لِمَوْتِ الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَ طَوْعًا أَوْ شَرْطًا وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ إذَا طَاعَ الزَّوْجُ بِنَفَقَةِ ابْنِ امْرَأَتِهِ أَمَدَ الزَّوْجِيَّةِ جَازَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ لِلْغُرُورِ وَفُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ وَمَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْمُدَّةِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الْأُمِّ وَتَأْخُذُهُ عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَتْ اهـ. . وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي صِفَةِ كَتْبِ الْوَثِيقَةِ فَإِنْ الْتَزَمَ الزَّوْجُ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ قُلْتُ وَتَطَوَّعَ الزَّوْجُ بِمُؤْنَةِ ابْنِ الزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ بِطُولِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا إلَى سُقُوطِ ذَلِكَ شَرْعًا وَذَلِكَ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ الْتَزَمَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُتَطَوِّعُ سَقَطَ الْمُتَطَوَّعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَبَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، وَلَا يُرْجَعُ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ مِنْهُ وَصِلَةٌ لِلرَّبِيبِ وَلَمْ تَتْرُكْ الْأُمُّ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا وَقَعَ ذَلِكَ لِلشُّيُوخِ فَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ شَرْطًا اهـ. قُلْت أَمَّا إذَا كَانَ تَطَوُّعًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ وَأَجَزْنَاهُ إذَا كَانَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى مَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ وَأَنْ يُحَلَّ بِمَوْتِ الزَّوْجِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَنْفَقَهُ بِالشَّرْطِ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ خَدَمِهَا إلَى حِينِ فَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ تَصْحِيحِهِ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي الطُّرَرِ رَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إنْ كَانَ الطَّوْعُ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ لِمُدَّةِ أَمَدِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّبِيبِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ سَلَّمُونِ وَنَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّوْعُ لِمُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّبِيبِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ

اختلف الزوج وزوجته في نفقة بنيها من غيره

عَلَى الْكَسْبِ قُلْت وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَقْيِيدًا لَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ فِي نَفَقَةِ بَنِيهَا مِنْ غَيْرِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ إنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ فِي بَنِيهَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَتْ شَرَطْت عَلَيْك الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيُّ وَلِابْنِ فَتْحُونٍ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ اهـ. قُلْتُ إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَإِلَّا فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ لِفَسَادِ النِّكَاحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْعُرْفُ لَهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الشَّرْطَ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ، وَإِنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيُجْرَى الْخِلَافُ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ وَهَبَهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي إيجَابِ دَعْوَى هِبَةِ مُعَيَّنٍ يَمِينُ الْوَاهِبِ قَوْلُ الْجَلَّابِ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَائِلًا دَعْوَى الْمَدِينِ هِبَةَ رَبِّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ تُوجِبُ يَمِينَهُ اتِّفَاقًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قُلْت: وَكَذَا هِبَةُ مَا بِيَدِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ اهـ. قُلْت وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الرَّعْبَنِيِّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَنَصُّهُ مَنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ هِبَةً لَهُ أَوْ صَدَقَةً أَوْ عَطِيَّةً أَوْ نِحْلَةً أَوْ عَارِيَّةً إلَى أَجَلٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ عُمْرَى أَوْ حَبْسًا أَوْ إخْدَامَ عَبْدٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَكَانَ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ وَإِذَا كَانَا أَخَوَيْنِ أَوْ خَلِيطَيْنِ بِأَيِّ خُلْطَةٍ كَانَتْ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِيَدِ الْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرْنَا وَقَامَ وَصَاحِبُهَا يُرِيدُ أَخْذَهَا فَادَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ حَلَفَ وَأَخَذَ مَتَاعَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ بِلَا يَمِينٍ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِنَخْلٍ وَهِيَ مُثْمِرَةٌ فَادَّعَى الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الثَّمَرَةَ وَقَالَ الْمُتَصَدِّقُ إنَّمَا تَصَدَّقْت بِالْأَصْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَكَانَتْ لَهُ دَعْوَاهُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَرُدَّ إلَى رَبِّهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِثَمَرَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الصَّدَقَةِ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُعْطِي، وَإِنْ كَانَتْ مَأْبُورَةً فَهِيَ لِلْمُعْطَى وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ تَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَيَقُومُ الْقَوْلَانِ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْكِتَابِ وَهُمَا مَنْصُوصَانِ فِي دَعْوَى الْهِبَةِ اهـ. وَتَفْصِيلُ الرُّعَيْنِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ فَلْيُعْتَمَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [امْرَأَةٌ لَهَا أَوْلَادٌ تَأْخُذُ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ امْرَأَةٌ لَهَا أَوْلَادٌ تَأْخُذُ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ

التزم نفقة من ليس بقريبه كالربيب أو من قريب

وَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ بَعْدَ تَطَوُّعٍ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ وَأَرَادَتْ الرُّجُوعَ بِذَلِكَ عَلَى أَبِيهِمْ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا مِنْ حُقُوقِهَا بِحَيْثُ لَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ وَإِسْقَاطُهُ لِزَوْجِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِنَفَقَتِهِمْ عَلَى أَبِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى أَبِيهِ بِشَيْءٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْأُصُولِ وَهُوَ شَيْءٌ وُهِبَ لِلْوَلَدِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ، وَالْأَوَّلُ مَالٌ وُهِبَ لِأُمِّهِ فَإِذَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى الْوَلَدِ رَجَعَتْ بِهِ عَلَى أَبِيهِ اهـ. قُلْت وَلِلْأَبِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَى الْوَلَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ لِفُلَانٍ طَعَامًا فَدَخَلَ ابْنُ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ خُبْزًا. . . إلَخْ وَهَذَا وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْتَزَمَ نَفَقَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَرِيبِهِ كَالرَّبِيبِ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَرِيبِهِ كَالرَّبِيبِ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِالْأَصَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ بِاتِّفَاقٍ. [زَوَّجَ عَبْدَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ هَلْ تُوقَفُ تَرِكَتُهُ لِذَلِكَ وَكَيْفَ إنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي تَرِكَةِ السَّيِّدِ إنْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَ الْمَوْتِ هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ وَلَوْ شُرِطَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ، وَقِيلَ لَا يُفْسَخُ قَبْلُ إذَا أُسْقِطَ الشَّرْطُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ الْغَرَرُ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِصْمَةِ رَجَعَتْ عَلَى الْعَبْدِ لَجَازَ وَلَوْ اخْتَلَفَا هَلْ كَانَ شَرْطًا أَوْ تَطَوُّعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الشَّرْطَ لِشَهَادَةِ الْعُرْفَ لَهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شَرْطِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَبِي الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَوَلِيِّ السَّفِيهِ حَتَّى يَرْشُدَ فَأَجَازَهُ مَرَّةً وَكَرِهَهُ أُخْرَى وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ ذَلِكَ وَزَادَ لُزُومُ ذَلِكَ مَا عَاشَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ مَوْلًى عَلَيْهِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إنْ لَمْ يَقَعْ بَيَانٌ إنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيُّ قَبْلَ رُشْدِ الْيَتِيمِ فَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ بِمَوْتِهِمَا هَلْ تَعُودُ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ تَعُودُ عَلَيْهِمَا إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَرُشْدِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ شُرِطَ عُودُهَا فِي مَالِهِمَا جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ شُرِطَ سُقُوطُهَا إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَرُشْدِ الْيَتِيمِ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخُلْفُ إنْ وَقَعَ النِّكَاحُ مُبْهَمًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ دَخَلَ جَازَ وَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قُلْت وَالْقَوْلُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ وَفَسْخِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ هُوَ

قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ شَرَطَ النَّفَقَةَ فِي نِكَاحِ الْكَبِيرِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِهِ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ تَرْضَى الزَّوْجَةُ بِكَوْنِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِظُهُورِ الْغَرَرِ وَالْفَسَادِ فِي هَذِهِ. وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى إعْطَاءِ حَمِيلٍ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمَهْرِ فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى إذْ لَمْ تَرْضَى بِالْمُسَمَّى إلَّا لِأَجْلِ مَا اشْتَرَطَهُ مِنْ الْحَمَالَةِ وَتَسْقُطُ الْحَمَالَةُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ بَيَانُ رُجُوعِهَا عَلَى الزَّوْجِ إنْ مَاتَ مَنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ مَا يُبْطِلُ النَّفَقَةَ عَنْهُ جَازَ النِّكَاحُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ خِلَافُ السُّنَّةِ وَيَمْضِي بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَإِلَيْهِ نَحَا الْأَبْهَرِيُّ وَمَا قُلْنَا أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ اهـ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِيمَنْ ضَمِنَ عَنْ ابْنِهِ نَفَقَةَ سِنِينَ سَمَّاهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ لَمْ يُسَمِّ دَنَانِيرَ إلَّا أَنَّهُ عَرَفَ وَجْهَ النَّفَقَةِ فَضَمِنَ نَفَقَةَ سِنِينَ وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يُرَادَ أَنْ يُقَامَ بِابْنِهِ لِيُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَضَمِنَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُوهُ أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ الْحَقُّ، وَكَذَا نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ إذَا ضَمِنَ الِابْنُ هَذِهِ حُقُوقٌ تُقْضَى قَدْ اُفْتُرِضَتْ وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي يَضْمَنُ فِي النِّكَاحِ النَّفَقَةَ، ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يُفْرَضْ وَلَمْ يَجِبْ، وَلَا أَمَدَ لَهُ وَمَجْهُولٌ كُلُّهُ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ وَمَتَى يَفْتَرِقَانِ أَوْ يَمُوتَانِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: جَعْلُ الضَّمَانِ بِالنَّفَقَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْحَيَاةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ فَمَا وَجَبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ لَزِمَهُ وَمَا وَجَبَ مِنْهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِخِلَافِ الْحَمَالَةِ لِمَا قَدْ وَجَبَ مِنْ الْحُقُوقِ ذَلِكَ يَجِبُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى عِوَضٍ وَهُوَ مَا رَضِيَ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ مِنْ تَرْكِ ذِمَّةِ غَرِيمِهِ وَأَمَّا إذَا تَحَمَّلَ فِي أَصْلِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَرْضَ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ إلَّا بِشَرْطِ الْحَمَالَةِ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْوَفَاةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ بَعْدُ اهـ. قُلْت قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا تَحَمَّلَ بِالنَّفَقَةِ فِي أَصْلِ عَقْدِ النِّكَاحِ. . . إلَخْ مُشْكِلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَتَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ حَمِيلٍ بِالنَّفَقَةِ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِلْغَرَرِ وَتَسْقُطُ الْحَمَالَةُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَالِاشْتِرَاطِ لَسَقَطَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي آخِرِ بَابِ النِّحْلَةِ لَمَّا سُئِلَ عَمَّنْ تَطَوَّعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى آخِرِ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مَا ثُمَّ مَاتَ الْمُتَطَوِّعُ فَقَامَ الْآخَرُ يَطْلُبُ النَّفَقَةَ فِي تَرِكَتِهِ

خالع امرأته على نفقة ابنه منها ثم راجعها بنكاح جديد

وَهَلْ إنْ كَانَ هَذَا سَفِيهًا أَوْ جَائِزَ الْأَمْرِ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ وَهَلْ تَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ. فَأَجَابَ إذَا مَاتَ الْمُتَطَوِّعُ بِالْإِنْفَاقِ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَرَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا أَحْفَظُهُ فِي الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَطَوِّعُ عَلَيْهِ سَفِيهًا أَوْ جَائِزَ الْأَمْرِ اهـ. [خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِهِ مِنْهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ] (فَرْعٌ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ عَنْهُ بِنَفَقَةِ ابْنِهِ مِنْهَا إلَى الْحُلُمِ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ هَلْ تَبْقَى النَّفَقَةُ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً هَلْ تَعُودُ عَلَيْهَا؟ فَأَجَابَ إذَا رَاجَعَهَا سَقَطَ مَا تَحَمَّلَتْ بِهِ، وَلَا تَعُودُ عَلَيْهَا إنْ طَلَّقَهَا إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ التَّحَمُّلَ اهـ. قُلْت وَهَذَا عَلَى الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْخُلْعِ عَلَى أَنْ تَلْتَزِمَ الْمَرْأَةُ نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْمَخْزُومِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَالْمَشْرِقِيُّونَ كُلُّهُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ نَقُولُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ وَقَالَهُ ابْنُ دِينَارٍ، قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ وَبِذَلِكَ جَرَى الْعَمَلُ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ وَمَنْ وَافَقَهُ الْعَمَلُ وَجَرَتْ الْفَتْوَى فِي جَوَازِ الْمُبَارَاةِ عَلَى الْتِزَامِ الزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا النَّفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ أَعْوَامًا تَزِيدُ عَلَى عَامَيْ الرَّضَاعِ وَعَلَيْهِ وَضَعَ الْمُوَثِّقُونَ وَثَائِقَهُمْ اهـ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ سَلَّمُونِ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ وَقَعَ تَمَّ الْخُلْعُ وَسَقَطَ الزَّائِدُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ قَالَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ وَرَضَاعَهُ مَا دَامَ فِي الْحَوْلَيْنِ جَازَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَتْ كَانَ الرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهَا، وَإِنْ مَاتَ الْغُلَامُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ اهـ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الرَّضَاعِ إذَا كَانَ إنَّمَا تُحْمَلَا عَلَى أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَئُونَةِ رَضَاعِهِ بِإِفْصَاحٍ وَبَيَانٍ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ الْإِبْرَاءُ مُبْهَمًا فَحَمَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَئُونَةِ رَضَاعِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَفِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لَوْ طَلَبَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ أَمَدًا سَمَّيَاهُ أَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ لِسَنَةٍ أَوْ سِنِينَ تَمَّ الْخُلْعُ وَلَزِمَهَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهَا مَا نَافَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَلَا مَا شَرَطَ الزَّوْجُ مِنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ يَلْزَمُهَا جَمِيعُ ذَلِكَ كَالْخُلْعِ بِالْغَرَرِ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ عَزْوِهِ قَوْلَ الْمَخْزُومِيِّ لِلْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ وَكَانَ ابْنُ لُبَابَةَ لَا يَرَى قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا رِوَايَتَهُ وَيَقُولُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَمَّا الْمُخَالَعَةُ عَلَى رَضَاعِ الْوَلَدِ خَاصَّةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِنْ الْتَزَمَتْ لَهُ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ إنْ ظَهَرَ بِهَا أَوْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ الظَّاهِرِ جَازَ، وَإِنْ الْتَزَمَتْ لَهُ مَعَ ذَلِكَ إرْضَاعَ الْوَلَدِ

وَمُؤْنَتَهُ إلَى فِطَامِهِ جَازَ وَلَزِمَهَا فَإِنْ مَاتَتْ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهَا، قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يُرِيدُ يُوقَفُ مِنْهَا قَدْرُ مُؤْنَةِ الِابْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي خِلَالِ الْعَامَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْتِزَامِهَا بَرَاءَةُ الْأَبِ مِنْ مُؤْنَةِ ابْنِهِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَوْتِ الْوَلَدِ، وَمِثْلُهُ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اهـ. (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الْخُلْعِ نَفَقَةً تَزِيدُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ أَوْ اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ ثُبُوتِ النَّفَقَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ كَثُبُوتِهَا قَبْلَهَا قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَعِبَارَةُ مُخْتَصَرِهَا إذَا اشْتَرَطَ نَفَقَةَ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ أَعْوَامًا مَعْلُومَةً عَاشَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ جَازَ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا جَازَ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ فِي الْخُلْعِ أَوْلَى. (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَمِمَّا يُجْمَعُ بِهِ أَيْضًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ حَكَى فِي كِتَابِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَارَأَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ سَلَّمَتْ وَلَدَهَا مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَخْذَهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهَا إلَّا بِأَنْ تَلْتَزِمَ نَفَقَتَهُ وَتُسْقِطَ عَنْ الْأَبِ مُؤْنَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ خُلْعٌ تَامٌّ لَازِمٌ وَحَكَى مِثْلَهُ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ فَضْلِ بْنِ سَلَمَةَ اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا رَاجَعَ زَوْجَتَهُ تَسْقُطُ عَنْهَا النَّفَقَةُ يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ وَمَنْ مَعَهُمْ الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى أَعْنِي إذَا شَرَطَ ثُبُوتَ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَثُبُوتِهَا قَبْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهَا بِالْمُرَاجَعَةِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي وَجْهِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْهَا بِمُرَاجَعَتِهِ إيَّاهَا فِيمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى الْحُلُمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فُهِمَ عَنْهَا أَنَّهَا إنَّمَا الْتَزَمَتْ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَةِ الزَّوْجِ، قُلْت وَفُهِمَ مِمَّا ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا الْتَزَمَتْ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا عَلَى أَنْ يَكُونُوا عِنْدَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ وُقِفَ مِنْ مَالِهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَأُجْرِيَ فِي نَفَقَةِ الِابْنِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ وَلِلزَّوْجِ مُحَاصَّةُ غُرَمَاءِ الْمَرْأَةِ بِنَفَقَةِ ابْنِهِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْخُلْعِ، فَإِنْ أَعْدَمَتْ الْأُمُّ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَعُودُ عَلَى الْأَبِ ثُمَّ إنْ أَيْسَرَتْ رَجَعَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَالِدُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ مُدَّةَ عَدَمِهَا أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتْبَعُهَا بِذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ وَحَكَى أَصْبَغُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا بِشَيْءٍ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا شَيْءَ

طلق امرأته وهي حامل فأقام شهرا ثم بارأها على أن عليها إرضاع ولدها

لِلْأَبِ عَلَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْتِزَامِهَا إبْرَاءُ الْأَبِ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَقِيلَ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ الْقَضَاءُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَجُلٍ اخْتَلَفَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَأَسْقَطَتْ عَنْهُ مُؤْنَةَ حَمْلٍ إلَى فِطَامِهِ ثُمَّ أَثْبَتَتْ أَنَّهَا عَدِيمَةٌ أَيَلْزَمُ الزَّوْجَ النَّفَقَةُ عَلَى الْحَمْلِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى تَضَعَ وَكَيْفَ إنْ كَانَتْ أَشْهَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا مَوْفُورَةُ الْمَالِ وَأَنَّهَا مَتَى أَثْبَتَتْ أَنَّهَا عَدِيمَةٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؟ فَأَجَابَ إنْ ثَبَتَ عَدَمُهَا لَزِمَ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا وَيَتْبَعُهَا بِمَا أَنْفَقَ إذَا أَيْسَرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَشْهَدَتْ بِالْوُفُورِ كَمَا ذَكَرَتْ فَلَا تَنْتَفِعُ بِمَا يَشْهَدُ لَهَا مِنْ الْعَدَمِ حَتَّى يَشْهَدُوا بِمَعْرِفَةِ ذَهَابِ مَالِهَا وَوُفُورِ حَالِهَا الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ اهـ. قُلْت وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَجْهُولَةً وَلَمْ يَشْهَدْ بِعَدَمِهَا إلَّا شَاهِدَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَمَّا إنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً بِالْإِعْسَارِ وَالْعَدَمِ بِحَيْثُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ غَالِبُ مَنْ يَعْرِفُهَا وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ مِنْ الْوُفُورِ كَذِبٌ مَحْضٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَشْهَدَتْ بِهِ مِنْ الْوُفُورِ، وَلَا إلَى قَوْلِهَا أَنَّهَا مَتَى أَثْبَتَتْ أَنَّهَا عَدِيمَةٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَارَأَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا إرْضَاعَ وَلَدِهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَارَأَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا إرْضَاعَ وَلَدِهَا فَطَلَبَتْهُ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى مِنْ الشُّهُورِ قَبْلَ الْمُبَارَأَةِ فَقَالَ ذَلِكَ لَهَا، قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت إذَا قَالَتْ لَهُ إنَّمَا بَارَأْتُك عَلَى رَضَاعِهِ فَأَمَّا نَفَقَةُ حَمْلِهِ فَلَا، قَالَ أَمَّا نَفَقَةُ حَمْلِهَا قَبْلَ الْمُبَارَأَةِ فَذَلِكَ لَهَا وَأَمَّا بَعْدَ الْمُبَارَأَةِ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَيُعْطِيهَا هَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ أَمَّا مَا مَضَى مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا قَبْلَ الْمُبَارَأَةِ فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ لَهَا عَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِمَا تَسْقُطُ بِهِ الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَمْلِ بَعْدَ الْمُبَارَأَةِ فَجَعَلَهَا تَبَعًا لِمَا الْتَزَمَتْ لَهُ مِنْ رَضَاعِهِ بِمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُرْفِ وَالْمَقْصِدِ، فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ مَسْكُوتًا عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَكْرَى دَارًا مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَاةً إنْ ذَكَرَ كِرَاءَ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ بَرَاءَةً لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يُخَالِعْهَا فَدَفَعَ لَهَا نَفَقَةَ الرَّضَاعِ لَكَانَ ذَلِكَ بَرَاءَةً لَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَلَمْ يُحْكَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ: وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِلْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْهُ هَلْ يَكُونُ لَهَا الْآنَ نَفَقَةُ الْحَمْلِ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا الْآنَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقَّيْنِ خَالَعَتْ عَلَى أَنْ

أَسْقَطَتْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُبَهُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ وَصَدَاقُهَا عَلَيْهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَا نَفَقَةُ حَمْلٍ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَرِطْ بَقَاءَهُ فَكَانَ الظَّاهِرُ إسْقَاطَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ عَنْهَا بِتَرْكِ مَا فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى زَادَتْ نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَنَّهَا قَدْ أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَبِأَنْ يَسْقُطَ مَا وَجَبَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَوْلَى كَمَا قُلْت فِي الصَّدَاقِ أَنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْحَوْلَيْنِ اقْتَضَى ذَلِكَ إسْقَاطَ الصَّدَاقِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَةً مُقَرَّرَةً وَهِيَ نَفَقَةُ الْحَوْلَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى الْإِسْقَاطُ إلَى غَيْرِهَا وَإِلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا، وَلَا وَجَبَ بِسَبَبِهَا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ فِي غَيْرِ مُدَّةِ الْحَوْلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَوْلَيْنِ وَاجِبَةٌ بِغَيْرِ سَبَبِهَا، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا سَقَطَ مِنْ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ وَجَبَ لَهَا وَتَقَرَّرَ وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا اهـ كَلَامُ الْبَاجِيِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى سُقُوطِ الصَّدَاقِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا إذَا خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَنَّ لِلزَّوْجِ الْعَشَرَةَ وَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا سَوَاءٌ قَالَتْ مُطْلَقًا أَوْ اشْتَرَطَتْ الْعَشَرَةَ مِنْ صَدَاقِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى عَشَرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي فَهَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ سُقُوطَ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَتَرُدُّ الصَّدَاقَ جَمِيعَهُ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ سُقُوطَ النِّصْفِ فَلَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ، وَلَهُ عَلَيْهَا الْعَشَرَةُ الَّتِي خَالَعَتْهُ عَلَيْهَا وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبَضَتْهُ فَيَكُونَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ جَوَابًا لَمَّا اسْتَحْسَنَ قَوْلَ أَشْهَبَ بِعَدَمِ سُقُوطِ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَقَالَ: لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْلَعْنِي أَوْ بَارِئْنِي أَوْ تَارِكْنِي إنَّمَا يَتَضَمَّنُ خَلْعَ النَّفْسِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْ الْعِصْمَةِ وَالْمُتَارَكَةَ فِيهَا فَلَيْسَ الِانْخِلَاعُ مِنْ الْمَالِ، وَلَا الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَلَا الْمُتَارَكَةُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَسَقَطَ عَنْهُ الصَّدَاقُ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ دُيُونِهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الِانْخِلَاعَ وَالْمُبَارَأَةَ وَالْمُتَارَكَةَ أَنَّهَا يُرَادُ بِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ النَّفْسُ دُونَ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهَا فِي النِّصْفِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَابِتًا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَتْ اخْلَعْنِي أَوْ بَارِئْنِي لَا خِلَافَ أَنَّ دَيْنَهَا بَاقٍ اهـ. فَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ مَنْ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى شَيْءٍ أَعْطَتْهُ لَهُ مِنْ مَالِهَا عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ

عمم المبارأة بعد عقد الخلع فهل ترجع لجميع الدعاوى كلها

وَسَكَتَتْ عَنْ الصَّدَاقِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا سَقَطَ صَدَاقُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لَمْ يَسْقُطْ صَدَاقُهَا وَلَمْ يُحْكَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ خَلِيلًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَنَّ صَدَاقَهَا لَا يَسْقُطُ مَا نَصُّهُ لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَمْ لَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ سَحْنُونٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا قَبَضَتْهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْهُ اهـ. فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْهُ لَمْ يَسْقُطْ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدُوسٍ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ قَوْلِ سَحْنُونَ وَبِهِ صَدَّرَ فِي الشَّامِلِ وَعَطْفُ الثَّانِي يُقْبَلُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ وَأَمَّا لَوْ قَبَضَتْهُ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهَا اهـ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ صَدَاقَ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى الزَّوْجِ لَا يَسْقُطُ وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى أَنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ فَأَحْرَى إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ مَا مَضَى مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَأَمَّا نَفَقَةُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْخُلْعِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا وَالرَّاجِحُ سُقُوطُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْفَرْعِ إنْ ذَكَرَ كِرَاءَ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ بَرَاءَةً لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ مُرَادُهُ بِذِكْرِ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ الْمَكْتُوبُ الشَّاهِدُ بِدَفْعِ كِرَاءِ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ. قُلْت: وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ بِوُصُولِ مَعْلُومِ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَنَّهُ شَاهِدٌ لِلدَّافِعِ بِوُصُولِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [عَمَّمَ الْمُبَارَأَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْخُلْعِ فَهَلْ تَرْجِعُ لِجَمِيعِ الدَّعَاوَى كُلِّهَا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْخُلْعِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إذَا عَمَّمَ الْمُبَارَأَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْخُلْعِ فَهَلْ تَرْجِعُ لِجَمِيعِ الدَّعَاوَى كُلِّهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْخُلْعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ، وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِّ تَرْجِعُ لِأَحْكَامِ الْخُلْعِ خَاصَّةً وَهُوَ عِنْدِي يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَامِّ إذَا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يَقْصُرُ عَلَى سَبَبِهِ أَوْ يَعُمُّ وَإِذَا تَعَقَّبَ الْجُمَلَ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ صِفَةٌ أَوْ قَيْدٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّ أَوْ بِالْبَعْضِ عَلَى مَاذَا يُحْمَلُ وَبَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ اهـ. وَنَصُّ مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَسُئِلَ فِي عَقْدٍ انْعَقَدَ بِخُلْعٍ فِي أَشْيَاءَ سُمِّيَتْ فِيهِ وَتَضَمَّنَ قَطْعَ الدَّعَاوَى بَيْنَهُمَا فِيهِ فَقَالَ إنَّمَا يَرْجِعُ قَطْعُ الدَّعَاوَى فِيهِ إلَى جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ مِمَّا سُمِّيَ فِيهِ وَمَا لَمْ يُسَمَّ وَقَالَ فِيهَا أَبُو الْقَاسِمِ أَصْبَغُ قَطْعُ الدَّعَاوَى بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مَا سُمِّيَ فِيهِ مِنْ الْخُلْعِ اهـ. [خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى الْحُلُمِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا] (فَرْعٌ) إذَا خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى الْحُلُمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا عَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ، وَلَوْ قَالَ إلَى حِينِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْ الْأَبِ لَزِمَتْ الْمَرْأَةَ النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ قَالَهُ

عقدت المرأة الخلع ثم ظهر ما يسقط التزامها

فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ: فَإِنْ عَقَدَ الْخُلْعَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهَا وَلِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجِهَا وَالطَّلَاقُ مَاضٍ وَهَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي عَقَدَ مَعَهُ الْخُلْعَ إذَا لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهُ الضَّمَانَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا. وَالثَّالِثُ لَهُ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ أَخًا أَوْ مَنْ لَهُ قَرَابَةٌ لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ اهـ. . وَنَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْخُلْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَائِنًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. [عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ ثُمَّ ظَهَرَ مَا يُسْقِطُ الْتِزَامَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ: وَإِنْ عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ وَضَمِنَ لِلزَّوْجِ وَلِيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَرَكٍ فِي الْخُلْعِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ ظَهَرَ مَا يُسْقِطُ الْتِزَامَهَا مِنْ ثُبُوتِ ضَرَرٍ أَوْ عُدْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الضَّامِنَ يَغْرَمُ لِلزَّوْجِ مَا الْتَزَمَهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: إذَا أَخَذَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَرْأَةِ ضَامِنًا بِمَا الْتَزَمَتْ لَهُ وَأَسْقَطَتْ عَنْهُ ثُمَّ أُعْدِمَتْ أَخَذَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى بَنِيهِ وَطَالَبَ الْحَمِيلَ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا فِي وِلَايَةٍ فَحَكَى فَضْلٌ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ سَفَهَهَا فَحَقُّهُ عَلَى الْحَمِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيمَا شَاءَ كَشْفُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْحَمِيلِ، وَلَا عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عَلِمَ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَلْزَمُ الْحَمِيلَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ لِلزَّوْجِ. [خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَحَمَّلَ بِالْوَلَدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ] (فَرْعٌ) إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَحَمَّلَ بِالْوَلَدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فِي الْحَوْلَيْنِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ أَوْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَقَالَ: أَيُشْتَرَطُ عَلَيْهَا تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ. أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَهَا لَا تَتَزَوَّجُ خَمْسِينَ سَنَةً وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا، وَلَا تَتَكَلَّمُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ الْمَذْكُورِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَيَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجَرْت نَفْسَهَا ظِئْرًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُصَالَحَةِ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَمَا فِي رَسْمِ الرُّهُونِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ

صالحته زوجته على شيء من مالها على أن لا ينكح أبدا

لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ لَمْ يُحَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ قَوْلٌ رَابِعٌ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهَا تَرْكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا كَمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ اهـ. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الرُّهُونِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ قَالَ فِي رَجُلٍ فَادَى امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ وَعَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا سَنَتَيْنِ هَلْ تَتَزَوَّجُ قَالَ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ خُلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لَمْ تُتْرَكْ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَرْضَعَ امْرَأَةً لَا زَوْجَ لَهَا وَأَرَادَتْ التَّزْوِيجَ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ نَصَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَلَّمُونِ عَنْ كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا بِدَلِيلِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ التَّزْوِيجِ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا الْتَزَمَتْ الْأُمُّ حَضَانَةَ ابْنِهَا وَتَزَوَّجَتْ فُسِخَ النِّكَاحُ حَتَّى يَتِمَّ أَمَدُ الْحَضَانَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ شَرْطُهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَتَتَزَوَّجُ إنْ أَحَبَّتْ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا فِي عَقْدِ الْخُلْعِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ مُدَّةَ الرَّضَاعِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَهُوَ الظَّاهِرُ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ سَلَّمُونِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [صَالَحَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ أَبَدًا] (فَرْعٌ) وَأَمَّا عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي رَسْمِ سَعْدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ فِي رَجُلٍ صَالَحَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى أَنْ يُفَارِقَهَا وَتُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ أَبَدًا فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ إلَيْهَا مَالَهَا، قَالَ مَالِكٌ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ بِالشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ أَنْ يَرُدَّ لَهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا إنْ نَكَحَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَئُولُ بِذَلِكَ إلَى فَسَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ إلَيْهَا فَيَكُونُ سَلَفًا أَوْ لَا يَرْجِعُ وَيَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الْمُخَالِعِ بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَنْ يُمْضِيَ الْخُلْعَ وَيَكُونَ لَهُ خُلْعُ مِثْلِهَا وَهَذَا إذَا عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَا خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْثَرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى دَفَعَتْ إلَيْهِ مَا خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ وَغَابَ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ الْخُلْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ فَسْخَهُ وَرَدَّهُ إلَى خُلْعِ مِثْلِهَا تَتْمِيمٌ لِلْفَاسِدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الشَّرْطُ اهـ. قُلْت: وَفِي قَوْلِهِ: " إنَّ فَسْخَهُ وَرَدَّهُ إلَى خُلْعِ مِثْلِهَا تَتْمِيمٌ لِلْفَاسِدِ " نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْفَاسِدِ بَعْدَ فَوْتِهِ بِالْقِيمَةِ تَتْمِيمًا لِلْفَاسِدِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخُلْعِ وَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا وَكَلَامَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ بِاخْتِصَارٍ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَسْأَلَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الْخُلْعِ بِالْغَرَرِ.

إعطاء الرجل زوجته أو أم ولده شيئا على أن لا يتزوج

[إعْطَاءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ] فَرْعٌ) وَأَمَّا إعْطَاءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَا يُمْنَعَانِ مِنْ الزَّوَاجِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِمَا أَخَذَتَا قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ جَازَ ذَلِكَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ عُزِلَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَأَخَذَتْهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ أُخِذَتْ مِنْهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ جَازَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ كَمَا جَازَ أَنْ تُعْطِيَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَهُمَا إلَّا أَنَّهُمَا مَنَعَا أَنْفُسَهُمَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالنِّكَاحِ لِانْتِفَاعِهِمَا بِالْمَالِ فَإِنْ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِمَا بِمَا أَخَذَا، وَقَوْلُهُ عُزِلَتْ قَالَ عِيَاضٌ: فَيَسْقُطُ إيصَاؤُهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا إلَّا بِالدُّخُولِ اهـ. [أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِعَرَضٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَبَاعَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ] (فَرْعٌ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِعَرَضٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَبَاعَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَفِعْلُهَا مَاضٍ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إذَا بَاعَتْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الثَّمَنُ قَالَ وَلَوْ ضَاعَ الْعَرَضُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَضْمَنْهُ. أَبُو الْحَسَنِ هَذَا إذَا مَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الضَّيَاعِ. [طَلَبَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفَقَةَ وَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِ فَادَّعَى أَنَّ أَبَاهَا الْتَزَمَ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ] (فَرْعٌ) إذَا طَلَبَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفَقَةَ وَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِ فَادَّعَى أَبُو الْوَلَدِ أَنَّ أَبَاهَا الْتَزَمَ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ أَنْفِقْ عَلَى وَلَدِك حَتَّى يَثْبُتَ لَك مَا تَدَّعِيهِ عَلَى أَبِي فَأَفْتَى أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ وَلِيدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ إلَى أَنْ يُنْظَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَدِّ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ. [فَصْلٌ الْتَزَمَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ السُّكْنَى فِي دَارٍ مُدَّةً فَأَسْكَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُلْتَزِمُ] (فَصْلٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الِالْتِزَامَ الْمُطْلَقَ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ أَوْ يَمْرَضْ وَهَذَا إذَا حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ قَبْلَ حَوْزِ الشَّيْءِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ فَإِنْ الْتَزَمَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ السُّكْنَى فِي دَارٍ مُدَّةً فَأَسْكَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُلْتَزِمُ لَمْ تَبْطُلْ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ قَدْ حَصَلَ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَالْتَزَمَ لِصِهْرِهِ الْإِسْكَانَ مُدَّةَ الْعِصْمَةِ ثُمَّ أَرْهَقَهُ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَ فَقَامَ أَرْبَابُ الدَّيْنِ يَطْلُبُونَ دُيُونَهُمْ وَذَهَبُوا لِبَيْعِ الدَّارِ وَإِبْطَالِ السُّكْنَى أَنَّهُ إذْ حَازَ الزَّوْجُ السُّكْنَى بِالْفِعْلِ قَبْلَ الدَّيْنِ وَجَبَتْ لَهُ، وَلَا تُبَاعُ الدَّارُ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِصْمَةِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ. [فَصْلٌ الْتِزَامُ الْمَجْهُولِ] (فَصْلٌ) يَصِحُّ الْتِزَامُ الْمَجْهُولِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَهِبَةُ الْمَجْهُولِ صَحِيحَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ كِتَابِ الْقِرَاضِ وَلَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ لِغَيْرِهِمَا جَازَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَلْ يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرَطُ لَهُ مُعَيَّنًا فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إنْ امْتَنَعَ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ إنْ امْتَنَعَ وَعَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ. خَلِيلٌ وَالْمَشْهُورُ مَذْهَبُ

رجل قال لرجل احلف ويميني مثل يمينك فحلف بالعتق والطلاق فأنكر

الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إذَا شَرَطَ الْمُتَفَاوِضَانِ عِنْدَ مُعَامَلَتِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ ذَلِكَ وَلَا أُحِبُّ لَهُمَا الرُّجُوعَ فِيهِ، وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْقِرَاضِ هَذَا كَمَنْ نَذَرَ لِمَسَاكِينَ مَالًا أَوْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ وَيَعْنِي إذَا كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ وَأَمَّا لَوْ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لَقُضِيَ اهـ. وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِلرَّجُلِ لَك نِصْفُ مَا أَرْبَحُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَهُ طَلَبُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَشْغَلْ الْعَامِلَ الْمَالُ حَتَّى نَهَاهُ رَبُّهُ عَنْ الْعَمَلِ فَتَعَدَّى فَتَجَرَ فِيهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَالرِّبْحُ لَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلْقِرَاضِ فَالرِّبْحُ لِلْقِرَاضِ، وَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ حُكْمَ الضَّمَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ الْتَزَمَ لِرَبِّ الْمَالِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعَامِلُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى شَرْطِ عَدَمِ الضَّمَانِ. قُلْت: وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاضِ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ فِي أَخٍ الْتَزَمَ لِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ مِثْلَ مَا الْتَزَمَ لَهُمَا أَخٌ رَابِعٌ فِي قَطْعِ دَعْوَاهُ عَنْهُمَا مِنْ مِيرَاثٍ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ الرَّابِعُ بَيَّنَ لِلْأَخِ جَمِيعَ مَا الْتَزَمَهُ فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةً لَا غَيْرُ فَأَفْتَى ابْنُ أَبِي عِيسَى وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا نَصَّ وَفَسَّرَ، وَقَالَ ابْنُ خَلَفٍ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ أَخُوهُ اهـ. قُلْت إنْ كَانَ الْأَخُ الْمُلْتَزِمُ أَوَّلًا ذَكَرَ لِأَخِيهِ بَعْضَ أَشْيَاءَ مِمَّا الْتَزَمَهُ وَأَفْهَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا الْتَزَمَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَزِمَ ثَانِيًا إلَّا مَا بَيَّنَ لَهُ، وَكَذَا إنْ دَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَالْبِسَاطِ عَلَى الْتِزَامِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ ذَكَرُوا لَهُ أَشْيَاءَ أَجْنَبِيَّةً مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ خَلَفٍ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا الْتَزَمَهُ أَخُوهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ احْلِفْ وَيَمِينِي مِثْلُ يَمِينِك فَحَلَفَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ] (فَرْعٌ) وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ سن مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ احْلِفْ وَيَمِينِي مِثْلُ يَمِينِك فَحَلَفَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَنْكَرَهُ مَكَانَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ صَمَتَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْيَمِينُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا أَنْكَرَهُ مَكَانَهُ مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا ذَلِكَ عَلَى مَا فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَعَلَى مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ لِلْحَالِفِ زَوْجَةٌ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ عَبِيدٌ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالْعِتْقِ عَلَى

التزام المتسلف التصديق في القضاء بدون يمين تلزم المسلف في دعوى القضاء

مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْحَالِفَ فِي يَمِينِهِ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْ هَذَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِ مُحَاكَاةً لَهُ أَوْ يَقُولَ عَلَى مِثْلِ مَا حَلَفْت بِهِ فَيَلْزَمَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُفَسِّرَةٌ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ لَا يُحْمَلُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْخِلَافِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ الْتِزَامِ الْمَجْهُولِ مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الْعِدَّةِ فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كَرْمًا فَخَافَ الْوَضِيعَةَ فَأَتَى الْمُشْتَرِي يَسْتَوْضِعُهُ فَقَالَ لَهُ بِعْ وَأَنَا أُرْضِيك وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِيهَا مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الْتِزَامِ الْمُتَسَلِّفِ التَّصْدِيقَ فِي الْقَضَاءِ بِدُونِ يَمِينٍ تَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اخْتَلَفُوا فِي الْتِزَامِ الْمُتَسَلِّفِ التَّصْدِيقَ فِي الْقَضَاءِ بِدُونِ يَمِينٍ تَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى الطَّوْعِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعْدٍ إنْ كَانَ شَرْطًا فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهَدِيَّةُ مِدْيَانٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ فِيمَنْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى دَرَاهِمَ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ وَلَيْسَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الطَّالِبَ إنْ كَانَ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَالَ مَالِكٌ هَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ قَيَّمَ حَلَفَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ لِمَا فِي آخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ إعْمَالِ الشَّرْطِ بِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ وَلِمَا فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَأْمُونِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَيَجْعَلُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: إعْمَالُ الشَّرْطِ وَإِبْطَالُهُ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَأْمُونِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ لِغَيْرِهِ وَبَيْنَ الَّذِي لَيْسَ بِمَأْمُونٍ وَيَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَلَكَ إسْقَاطُ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ قَدْ وَجَبَتْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِوُجُوبِهَا وَهَذِهِ إسْقَاطُ الْيَمِينِ فِيهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا، وَلَا يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِيهَا إلَّا بِالْمَعْنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ لَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ فَقِفْ عَلَيْهِ هُنَاكَ اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ هُوَ قَوْلِهِ فِيمَنْ بَاعَ رَقِيقًا بِالْبَرَاءَةِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ هُوَ قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الرَّقِيقِ بِالْبَرَاءَةِ أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ فِي الرَّجُلِ الْمَأْمُونِ وَفِي الَّذِي يَبِيعُ لِغَيْرِهِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْمُونِ إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ فَلَا يُفِيدُهُ الشَّرْطُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الَّذِي لَيْسَ بِمَأْمُونٍ إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَرَ الشَّرْطَ بِنَافِعٍ لَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَرَآهُ

نَافِعًا لَهُ فِي هَذَا السَّمَاعِ، قَالَ وَكَانَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ الَّتِي فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ سَوَاءٌ، فَيَأْتِي فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إعْمَالُ الشَّرْطِ وَإِبْطَالُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَأْمُونِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ لِغَيْرِهِ وَبَيْنَ الَّذِي لَيْسَ بِمَأْمُونٍ وَيَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُفْتَرِقَتَا الْمَعْنَى لَا تُحْمَلُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الَّتِي فِي هَذَا السَّمَاعِ أَعْنِي سَمَاعَ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كِتَابَ الْبَضَائِعِ اُشْتُرِطَ فِيهَا إسْقَاطُ يَمِينٍ إنْ كَانَتْ قَدْ وَجَبَتْ حِينَ الشَّرْطِ وَلَمْ يَعْلَمَا بِوُجُوبِهَا وَاَلَّتِي فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ اُشْتُرِطَ فِيهَا إسْقَاطُ يَمِينٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، فَالْأُولَى بِمَثَابَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنْ اشْتَرَى فُلَانٌ هَذَا الشِّقْصَ بِكَذَا فَقَدْ سَلَّمْت لَهُ الشُّفْعَةَ فَهَذَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى، وَالثَّانِيَةُ بِمَثَابَةِ أَنْ يَقُولَ إنْ اشْتَرَى فُلَانٌ الشِّقْصَ فَقَدْ سَلَّمْت لَهُ الشُّفْعَةَ فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ فَلَا يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ التَّصْدِيقِ فِي اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ دُونَ يَمِينٍ مِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَلَا فِيهَا نَصُّ خِلَافٍ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكُلُّ مَنْ وَضَعَ يَمِينًا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِيهَا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ. قُلْت فَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الَّذِي يَخْتَارُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ دُونَ يَمِينٍ الْمَنْصُوصُ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ وَالْيَمِينُ لَازِمَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَكَمَا قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَنْصُوصٌ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ فَذَلِكَ لَازِمٌ فِي الرَّجُلِ الْمَأْمُونِ وَفِي الَّذِي يَبِيعُ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْمُونِ إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْوَاضِحَةِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ أَيْضًا فِي شَرْطِ التَّصْدِيقِ فِي السَّلَفِ وَالْبَيْعِ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الشُّيُوخِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرَّهْنِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى شَرْطِ الْمُرْتَهِنِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ الْبَائِعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ يَشْتَرِطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي عَدَمِ قَبْضِ الثَّمَنِ هَلْ يُوَفَّى لَهُ أَمْ لَا أَوْ يُوَفَّى لِلْمُتَوَرِّعِينَ عَنْ الْأَيْمَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَعَلَى أَنَّهُ يُوَفَّى فَهَلْ يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْقَرْضِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَنْشَأُ عَنْهُ تَوَثُّقٌ فَكَانَ كَالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ اهـ. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ بَدَّلَ قَوْلَهُ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَالْحَقُّ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى حَقٍّ لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ

فصل الرجوع عن الوصية

شَاهِدَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمِدْيَانُ أَنَّهُ قَضَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قَضَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَدَمَ التَّصْدِيقِ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ دُونَ يَمِينٍ وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَأْمُونًا أَمْ لَا وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ يُعْمَلُ عَلَى الشَّرْطِ مُطْلَقًا فَلَا يَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَقِيلَ يَحْلِفُ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا اهـ. قُلْت وَذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرْطِ الْمَغِيبِ فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ وَفِي السَّلَمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّصْدِيقِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى الْمُطَّوِّعِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ اهـ بِالْمَعْنَى فَإِذَا كَانَ أَصْلَ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ إعْمَالِ الشَّرْطِ نَصُّ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَابْنُ رُشْدٍ يَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَرْجَحُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُقْرَأُ فِيهِ: أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الْمُسَلِّفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُتَسَلِّفِ إسْقَاطَ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ أَمَرَتْهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا وَقْتَ وُجُوبِ تَعَلُّقِهَا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ إسْقَاطَ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ هُوَ فِي كِتَابِ النُّكَتِ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرْطِ الْمَغِيبِ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ وَلَوْ زَادَ الْعَاقِدُ فِي الشَّرْطِ بِإِثْرِ قَوْلِهِ فَأَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى مِنْهُمْ سُقُوطَ الْيَمِينِ لِعِلْمِهِ وَتَحَقُّقِهِ بِثِقَةِ رَبِّ الدَّيْنِ وَأَمَانَتِهِ لَسَقَطَ الْيَمِينُ بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ اهـ. قُلْت فَكَانَ الْيَمِينُ عِنْدَهُ يَمِينَ تُهْمَةٍ فَحَيْثُ أَقَرَّ بِأَمَانَةِ رَبِّ الدَّيْنِ وَدِيَانَتِهِ سَقَطَتْ. (الثَّانِي) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرْطِ التَّصْدِيقِ فِي السَّلَمِ: وَقَوْلُنَا يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ هُوَ الَّذِي يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ مُصَدَّقٌ وَلَمْ يَقُلْ بِلَا يَمِينٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَمَرَّةً قَالَ يُصَدَّقُ وَيَحْلِفُ وَمَرَّةٍ قَالَ يُصَدَّقُ، وَلَا يَحْلِفُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا حَلَّفَهُ انْتَهَى. قُلْت وَالظَّاهِرُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ التَّصْدِيقَ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ] (فَصْلٌ) لِلشَّخْصِ الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَنْهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْفِقْهِيِّ فَلَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَفِي لُزُومِهِ خِلَافٌ بَيْنَ مُتَأَخِّرِي فُقَهَاءِ تُونُسَ، ابْنُ عَلْوَانَ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِعِتْقٍ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ فَإِنْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ

فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا قَالَ أَبْطَلْت كُلَّ وَصِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ إلَّا وَصِيَّةً قَالَ فِيهَا لَا رُجُوعَ فَلَا تَبْطُلُ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهَا. قُلْت: وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعَ وَلَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا رُجُوعَ لِي فِيهَا وَبَيْنَ الْتِزَامِهِ عَدَمَ الرُّجُوعِ وَلِذَا قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ وَلَوْ قَالَ لَا رَجْعَةَ لِي فِيهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ يَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا وَمَنْ شَرَطَ التَّصْدِيقَ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي اخْتِصَارِ الْحَوفِيِّ لَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْفِقْهِيِّ وَلِلْفُقَهَاءِ الْمَشَاهِيرِ بِإِفْرِيقِيَّةَ عَلَيْهَا أَجْوِبَةٌ مِنْهَا لِلْبَرْجِينِيِّ وَالْبَرْقِيِّ وَابْنِ الْبَرَاءِ وَابْنِ شُعَيْبٍ قَائِلًا: الْمَنْقُولُ لُزُومُ الِالْتِزَامِ انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ التُّونُسِيِّ وَصَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَالْمُتَيْطِيُّ اللُّزُومُ. قُلْت وَنَصُّ كَلَامِ التُّونُسِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّدْبِيرِ وَلَوْ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ لَا رُجُوعَ لِي فِيهَا أَوْ فُهِمَ مِنْهُ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ لَكَانَ كَالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى فَظَهَرَ أَنَّ اللُّزُومَ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا رُجُوعَ لِي فِيهَا وَالْتِزَامِ عَدَمِ الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التُّونُسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التُّونُسِيِّينَ أَلَّفُوا فِيهَا ثُمَّ قَالَ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَرْجِعَ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَأَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ أَيْ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ فَقَالَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَعْمَلُ عَلَى مَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ لَهُ الرُّجُوعُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا انْتَهَى. قُلْت وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ لَمَّا ذَكَرَ اشْتِرَاطَ التَّصْدِيقَ فِي قَبْضٍ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ الْعَاقِدُ فِي شَرْطِ التَّصْدِيقِ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ وَسُقُوطِهَا فَأَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى سُقُوطَهَا هَلْ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ رَبُّ الدَّيْنِ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ أَمْ لَا فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا قَضَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْيَمِينِ وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَتَخَيَّرَ عَلَى الْحَاكِمِ وَيَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى يَكُونَ الْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ النِّكَاحِ لَمَّا ذَكَرَ شَرْطَ الْمَغِيبِ ثُمَّ كَرَّرَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ أَيْضًا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ فِي قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَعَزَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِابْنِ الْهِنْدِيِّ وَالثَّانِيَ لِابْنِ الْعَطَّارِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ أَنَّهُ صَوَّبَ

الْأَوَّلَ. قُلْت: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّايِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَلَوْ الْتَزَمَهُ شَخْصٌ عَالِمٌ بِالْخِلَافِ مُقَلِّدًا لِلْقَوْلِ بِاللُّزُومِ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ أَمْ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا. وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي كِتَابِ الرَّهْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ اللُّزُومِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَعْنِي أَنَّ تَقْلِيدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْقَائِلِ بِاللُّزُومِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ إذَا كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَوَّلَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ شَخْصَانِ عَقْدًا يَعْتَقِدَانِ جَوَازَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا فَسْخَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى فَسْخَهُ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِالْفَسْخِ فَتَأَمَّلْهُ وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فَإِنَّ الرَّاجِحَ فِيهَا اللُّزُومُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَشَبَهُ مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ مَسْأَلَةُ اعْتِصَارِ الْأَبَوَيْنِ الْهِبَةَ مِنْ وَلَدِهِمَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُمَا الِاعْتِصَارُ فَلَوْ الْتَزَمَ الْوَاهِبُ مِنْهُمَا عَدَمَ الِاعْتِصَارِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْوَكَالَةُ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَلَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ عَزْلِهِ، وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَمَهْمَا شَرَعَ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَلَوْ بِحُضُورِهِمَا مَا نَصُّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعَزْلَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ عَنْ الْجَلَّابِ: إذَا وَكَّلْتَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَك عَزْلُ الْوَكِيلِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقٌّ لِلْغَيْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ لَك الْعَزْلَ كَسَائِرِ الْوَكَالَةِ اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُ مَنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ إلَّا بِإِذْنِ مُرْتَهِنِهِ اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَإِذَا الْتَزَمَ الْمُوَكِّلُ عَدَمَ عَزْلِ الْوَكِيلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ السَّلَمِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِفَوْرِ الْعَقْدِ أَوْ يُوَكِّلُ مَنْ يُوفِي لِلْمُسْلِمِ قَالَ مَا نَصَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَلْ مِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمُوَكِّلُ

فصل أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه

أَنْ لَا يَعْزِلَ الْوَكِيلَ حَتَّى يَقْضِيَ حَقَّ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا يُفْتَقَرُ لِذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقْتَضِيه بِسَبَبِ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ إلَى بَدَلٍ اهـ. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذْ الْتَزَمَ الْمُوَكِّلُ عَدَمَ عَزْلِ الْوَكِيلِ لَزِمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ] (فَصْلٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ صِيغَةَ الِالْتِزَامِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التُّونُسِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَمِنْهُ مَنْ أَعْتَقَ رَضِيعًا فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ حُرٌّ مَلِيءٌ كَانَ رَضَاعُهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ كَانَ مُعْدَمًا فَإِنَّ رَضَاعَهُ وَنَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ زَادَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَعْتَقَهُ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهُ اهـ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: " حَتَّى يَبْلُغَ " ظَاهِرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ الْآتِي قَرِيبًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ إلَى حِينِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْعُيُوبِ فِيمَنْ أَعْتَقَ رَضِيعًا وَبَاعَ أُمَّهُ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا نَصُّهُ: وَإِذَا انْقَضَى الرَّضَاعُ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْإِثْغَارِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَزِمَهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ بِنَفْسِهِ وَيَقْدِرَ عَلَى التَّكَسُّبِ عَلَيْهَا وَلَوْ بِالسُّؤَالِ. هَذَا مَعْنَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِيمَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا أَوْ لَقَطَ لَقِيطًا اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَعَلَيْهِ رَضَاعُهُ وَنَفَقَتُهُ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ فِيهِ عَلَى التَّكَسُّبِ وَصَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ إذَا بَلَغَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ قَرِيبًا، وَقَدْ نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ وَفِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ أَنَّ نَفَقَتَهُ تَلْزَمُ مَا دَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمَوُّلِ وَالْكَسْبِ اهـ. وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ مُمْكِنَةٌ فِي سِنِّ الْإِثْغَارِ فَهَذِهِ النُّقُولُ مُوَافِقَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي جَامِعِ الْبُيُوعِ قَالَ بَعْدَهُ اللَّخْمِيُّ الْقِيَاسُ أَنْ لَا نَفَقَةَ عَلَى سَيِّدِهِ وَتَكُونُ مُوَاسَاةً عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ سَيِّدُهُ أَحَدُهُمْ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَهُوَ الَّذِي فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ جَوَابَ مَالِكٍ فِي شَرْطِ السَّيِّدِ نَفَقَتَهُ وَقَالَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعٍ وَشَرْطٍ

وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ الْآتِي قَرِيبًا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ وَنَصُّهُ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا نَفَقَتَهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَكُونُ مُوَاسَاتُهُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَالسَّيِّدُ أَحَدُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَيْتُ مَالٍ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَتَحْصُلُ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيرِ إذَا أَعْتَقَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَالسُّؤَالِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهَا إلَى الْبُلُوغِ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَكِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ وَمِمَّا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى سَيِّدِهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الَّذِي فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ فِي سِنِّ الْإِثْغَارِ وَمَا بَعْدَهُ فَتَسْتَمِرُّ نَفَقَتُهُ إلَى الْبُلُوغِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ: وَزَمَانُ النَّفَقَةِ عَلَى هَذَا الصَّغِيرِ الْمُعْتَقِ أَقَلُّ الْأَجَلَيْنِ إمَّا بُلُوغُهُ الْحُلُمَ وَإِمَّا بُلُوغُهُ قَدْرَ مَا يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ مَا يَكْفِيه اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ بَلْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ بَحْثِهِ مَعَهُ فِي مَسْأَلَةٍ: وَزَمَنُ النَّفَقَةِ هُوَ كَمَا ذُكِرَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مُعْتِقِهِ إلَى حِينِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ إلَى الْبُلُوغِ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ عَاجِزًا وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُعْتَقِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ نَفَقَةَ هَذَا الصَّغِيرِ كَالدَّيْنِ لَمْ يُسْقِطْهَا بِالْفَلَسِ وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ اُنْظُرْ لَوْ فَلِسَ يَعْنِي مُعْتِقَ الصَّغِيرِ هَلْ تُبَاعُ أُمُّهُ وَيُشْتَرَطُ رَضَاعُهُ، وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَوْجَبَ مِنْ نَفَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ لَا يَتْرُكُ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ اهـ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَيَكُونَ قَدْ بَدَأَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَلَا يَبْطُلُ أَيْضًا حَقُّهُ جُمْلَةً بِتَبْدِئَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَهِبَةٍ لَمْ تُقْبَضْ حَتَّى قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْوَاهِبِ وَلَكِنْ يُحَاصُّ لَهُ الْغُرَمَاءُ بِمَبْلَغِ نَفَقَتِهَا الْوَاجِبَةِ لَهُ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَرَّ بِهِ فِي ذَلِكَ

أعتق الصغير وأمه مملوكة وأمها حرة فتنازعاه

فَصَارَتْ نَفَقَتُهُ كَالدَّيْنِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت وَإِذَا قَالَ بِذَلِكَ فِي الْفَلَسِ فَأَحْرَى فِي الْمَوْتِ فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ رَضَاعِهِ وَمُؤْنَتِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَيُوقَفُ ذَلِكَ لِيُصْرَفَ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهِ مَا وُقِفَ لَهُ رَجَعَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ يُوقَفُ فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ لِلْغُرَمَاءِ هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ وَاخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَرِكَتَهُ شَيْءٌ قُلْت وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، وَكَذَلِكَ عِنْدِي فِي مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَفِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ فَائِدَةٌ أُخْرَى فَلْنَذْكُرْهُ بِلَفْظِهِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ الْآتِي فِي الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ يَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ صَغِيرٍ لَا يَلْزَمُ الْمُوصِيَ نَفَقَتُهُ فِي تَرِكَتِهِ وَكَانَتْ نَزَلَتْ أَيَّامَ قَضَاءِ شَيْخِنَا ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُدَبَّرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ، وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ نَصٌّ فِيهَا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ فِي إيجَابِ نَفَقَتِهَا فِي ثُلُثِ مُدَبَّرِهَا قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ هُوَ فِي كِتَابِ الْحَضَانَةِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَوَقَعَتْ فِي عَصْرِنَا فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَنْ يَسْأَلَ فَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مُعْتِقِهِ مَا يُبَلِّغُهُ إلَى بُلُوغِهِ وَأَشُكُّ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِذَلِكَ وَيَجْرِي عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُ مَا يُبَلِّغُهُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى السُّؤَالِ وَكَانَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَرِكَتَهُ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْجُعَلِ فِي الَّذِي مَاتَ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ نَفَقَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا يَسْتَرْجِعُهَا الْوَرَثَةُ وَمَا وَجَبَ بِالنَّسَبِ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالِاقْتِرَافِ. وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَشْهَدُ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَزِمَ رَدُّ هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَهَذَا لَمَّا الْتَزَمَ الْعِتْقَ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ لَوَازِمَهُ لَكِنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِالْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ مُتَبَرَّعٍ بِهِ شَرْطُهُ الْحِيَازَةُ فِي الصِّحَّةِ وَلَيْسَ الْمَرَضُ وَالْمَوْتُ وَالتَّفْلِيسُ زَمَنَ حِيَازَةٍ فَلِهَذَا اخْتَرْنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَصِيرُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا إذَا افْتَقَرَ الْحُرُّ فَنَفَقَةُ وَلَدِهِ الصِّغَارِ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. قُلْت وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَهُ لَوُرِثَ عَنْهُ إذَا مَاتَ، وَلَا قَائِلَ بِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ شَيْئًا فَشَيْئًا مَا دَامَ الْمُعْتِقُ لَمْ يُفْلِسْ وَلَمْ يَمُتْ فَإِذَا فَلِسَ أَوْ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا وَمَاتَ وَخَلَّفَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَقَطْ وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا أَنَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ تُوقَفُ لِلصَّغِيرِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَيَتْرُكُ أَوْلَادَهُ بِلَا شَيْءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَنْ الْتَزَمَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةَ ابْنِهَا سِنِينَ سَمَّاهَا بِدَنَانِيرَ سَمَّاهَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [أُعْتِقَ الصَّغِيرُ وَأُمُّهُ مَمْلُوكَةٌ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ فَتَنَازَعَاهُ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلِمَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ أُعْتِقَ الصَّغِيرُ وَأُمُّهُ

مَمْلُوكَةٌ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ فَتَنَازَعَاهُ فَأُمُّهُ دَنِيَّةٌ أَحَقُّ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهِ وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، قُلْت وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا رَأَى أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ وَرَآهَا أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ جَدَّتِهِ الْحُرَّةِ لِأَجْلِ أَنَّ سَيِّدَهَا هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ صَغِيرًا أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا وَأُمُّهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا إلَّا مِمَّنْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ لِيَكُونَ مَعَ أُمِّهِ فِي نَفَقَةِ سَيِّدِهَا، وَلَا أَدْرِي لِمَ أَوْجَبُوا ذَلِكَ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَعَ أُمِّهِ وَتَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَرَضَاعُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فَيَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا إنَّمَا أَوْجَبَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا إلَّا مِمَّنْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ إذَا لَمْ يُرِدْ هُوَ أَنْ يُخْرِجَ نَفَقَتَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا فِي الَّذِي أَعْتَقَ الصَّغِيرَ وَأُمُّهُ عِنْدَهُ، وَلَهُ جَدَّةٌ حُرَّةٌ أَنْ تَكُونَ أَحَقَّ بِحَضَانَتِهِ إذَا رَضِيَ الْمُعْتِقُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهَا أَوْ رَضِيَتْ هِيَ بِالْتِزَامِ نَفَقَتِهِ فَانْظُرْ ذَلِكَ. وَقَالَ قَبْلَهُ: الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْجَدَّةُ الْحُرَّةُ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الْأُمِّ مِنْ أَجْلِ سَيِّدِهَا كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الْأُمِّ مِنْ أَجْلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّيِّدِ عَلَى أَمَتِهِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ اهـ. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْأَمْرِ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَدَمَ التَّفْرِقَةِ وَتَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ الْمُعْتِقِ وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ هِيَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا وَفِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَمَنْ بَاعَ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ حُرٌّ رَضِيعٌ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ رَضَاعَهُ وَنَفَقَتَهُ سَنَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَمَنْ أَعْتَقَ ابْنَ أَمَتِهِ الصَّغِيرَ فَلَهُ بَيْعُ أُمِّهِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْمُبْتَاعِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَمُؤْنَتُهُ وَأَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَزَادَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ بِيعَتْ لِغَيْرِ أَرْضِهَا فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَ الْوَلَدَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَمَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَلَمَّا كَانَتْ عَلَى الْبَائِعِ نَفَقَتُهُ وَلَمْ تَجُزْ لَهُ التَّفْرِقَةُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأُمَّ إلَّا مِمَّنْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ، يُرِيدُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّفْرِقَةِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعَشَرَةِ يُرِيدُ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ، هُوَ

النَّفَقَةُ إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّفْرِقَةِ حَتَّى يَبْلُغَ وَفِي جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ اخْتِلَافٌ أَجَازَهُ هُنَا فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْعَشَرَةِ اسْتِحْسَانًا لِئَلَّا يُتْرَكَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ فَيَهْلِكَ أَوْ يُمْنَعَ السَّيِّدُ مِنْ الْبَيْعِ فَيَضُرَّ بِهِ. قَالَ فَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ لَمْ يَجِبْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا كِفَايَةَ الْمُؤْنَةِ لَا التَّزَيُّدَ فِي الثَّمَنِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِنْ فَلَسٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يُدْرَى هَلْ يَعِيشُ الصَّبِيُّ إلَى حَدِّ التَّفْرِقَةِ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقِيلَ الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْإِثْغَارِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَضْمُونَةً إلَى حَدِّ الْإِثْغَارِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ ذَلِكَ لَجَازَ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَهَذَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَوْعُودُ بِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) حَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ مُبْهَمًا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَتَى الْبَائِعُ بِآخَرَ وَإِذَا مَاتَتْ الْأُمُّ أَتَى الْمُشْتَرِي بِأُخْرَى وَعَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا أَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ رَضَاعُ الصَّبِيِّ وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ لَمْ يَرْجِعْ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعَشَرَةِ وَهَذَا الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ وَخِلَافُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، وَقَبِلَ ابْنُ يُونُسَ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ، وَكَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ كَيْفَ نَسَبَاهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَفَسَّرَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ. وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ بِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ رَضَاعَ الصَّبِيِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُجَازَ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَتَى بِأُخْرَى وَأَنَّهُ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَتَى الْبَائِعُ بِآخَرَ وَأَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنْ مَاتَتْ أَتَى بِأُخْرَى اُخْتُلِفَ فِيهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمَضْمُونِ وَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهَا فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ، مِثْلُ أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعُ بِهِ وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعَشَرَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَالَ إنَّهُ بَعِيدٌ، قُلْت فَمَا ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ هُوَ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ الَّذِي فِي جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ فِي الْكَلَامِ

أعتق الأم وأراد بيع الولد

عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَضْمُونَةً إلَى حَدِّ الْإِثْغَارِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ ذَلِكَ لَجَازَ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقٍ مَا نَصَّهُ. قُلْت هُوَ مَعْنَى نَقْلِ الصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ شَرْطَ بَيْعِهِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِثْغَارِ أَتَى بِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ تَرْكُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ قُلْت؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فَقَبِلَ تَفْسِيرَ ابْنِ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ بِكَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبُ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي جَامِعِ الْبُيُوعِ مَعَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ أَيْضًا قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعٍ وَشَرْطٍ. الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّضَاعَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ أَتَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لِذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ وَأَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ رَدًّا لَهُ: إنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّضَاعَ أَيْضًا اهـ. قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الرَّضَاعُ مَضْمُونًا جَازَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْأُمَّ وَيَأْتِيَ بِمُرْضِعَةٍ لِلصَّبِيِّ خِلَافَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ رَضَاعِ الصَّبِيِّ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الثَّالِثُ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ سَافَرَ الْمُشْتَرِي بِالْأُمِّ سَافَرَ بِالْوَلَدِ مَعَهَا، وَالْكِرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُؤْنَتَهُ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ. [أَعْتَقَ الْأُمَّ وَأَرَادَ بَيْعَ الْوَلَدَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْوَلَدَ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَنَفَقَةُ الْأُمِّ عَلَى نَفْسِهَا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ وَأَخْرَجَهَا مِنْ حَوْزِهِ تَرَكَ الْوَلَدَ فِي حَضَانَتِهَا إنْ كَانَ لَا خِدْمَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خِدْمَةٌ كَانَ مَبِيتُهُ عِنْدَهَا وَيَأْوِي إلَيْهَا فِي نَهَارِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُهُ السَّيِّدُ لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ بَاعَهُ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ عِنْدَهَا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَافِرَ بِهِ وَتَتْبَعَهُ الْأُمُّ حَيْثُ كَانَ اهـ. قُلْت وَهَذَا إلَى زَمَنِ التَّفْرِقَةِ فَإِذَا انْقَضَى فَلَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَانْظُرْ إذَا تَزَوَّجَتْ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ يُسْقِطُ حَقَّ الْحَاضِنَةِ مِنْ الْحَضَانَةِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ إشَارَةٌ إلَى نَحْوِ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَقَامَ الشُّيُوخُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى السُّلْطَانِ اهـ. وَنَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، قُلْت وَاخْتَارَ صَاحِبُ الطِّرَازِ سُقُوطَ نَفَقَةِ الزَّمِنِ بِعِتْقِهِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ زَمَانَةُ الْعَبِيدِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْعِتْقِ إجْمَاعًا نَعَمْ لَوْ أَعْتَقَهُمْ السَّيِّدُ عِنْدَ زَمَانَتِهِمْ صَحَّ مِنْهُ عِتْقُهُمْ إجْمَاعًا، وَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ عَنْهُ؟ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَالْقِيَاسُ سُقُوطُهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْغَيْرَ الْمُؤَبَّدِ إذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا وَالنَّفَقَةُ غَيْرُ مُؤَبَّدَةٍ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِعِتْقِ الصَّحِيحِ وَمُوجِبُهَا الْمِلْكُ وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ إجْمَاعًا حَتَّى لَا يَجُوزَ وَطْءُ الْمُعْتَقَةِ وَنَظِيرُهُ الزَّوْجَةُ إذَا زَمِنَتْ فَطَلَّقَهَا سَقَطَتْ عَنْهُ مُؤْنَتُهَا لِزَوَالِ مِلْكِهِ مِنْ نِكَاحِهَا اهـ. قُلْت وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَلَكِنَّ الْجَارِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْكَسْبِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ النَّفَقَةِ عَلَى السَّيِّدِ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الرِّقِّ السَّابِقِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَيُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ الْمُرْضَعِ إذَا أَعْتَقَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَسْبَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَسْقُطَ عَنْهُ نَفَقَتُهُ اهـ. وَمَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرْطِ الْمُغَيَّبَةِ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ وَلَوْ زَادَ الْعَاقِدُ فِي الشَّرْطِ بِإِثْرِ قَوْلِهِ فَأَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى مِنْهُمْ سُقُوطَ الْيَمِينِ لِعِلْمِهِ وَتَحَقُّقِهِ بِثِقَةِ رَبِّ الدَّيْنِ وَأَمَانَتِهِ لَسَقَطَتْ الْيَمِينُ بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ اهـ. قُلْت فَكَانَ الْيَمِينُ عِنْدَهُ يَمِينَ تُهْمَةٍ فَحَيْثُ أَقَرَّ بِأَمَانَةِ رَبِّ الدَّيْنِ وَدِيَانَتِهِ سَقَطَتْ. (الثَّانِي) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرْطِ التَّصْدِيقِ فِي السَّلَمِ وَقَوْلُنَا مُصَدَّقٌ بِلَا يَمِينٍ هُوَ الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ الْيَمِينُ وَأَمَّا لَوْ قَالَ وَمُصَدَّقٌ وَلَمْ يَقُلْ بِلَا يَمِينٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، فَمَرَّةً قَالَ يُصَدَّقُ وَيَحْلِفُ، وَمَرَّةً قَالَ يُصَدَّقُ وَلَا يَحْلِفُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا حَلَّفَهُ اهـ. قُلْت وَالظَّاهِرُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ التَّصْدِيقِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ الِالْتِزَامِ مَا يَكُونُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ قَالَ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ: سُئِلَ

تزوجت وهي ساكنة في بيت لها فسكن الزوج معها

أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَمَّنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا مِنْ أَبُوهَا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَالْعَادَةُ الْجَارِيَةُ أَنَّهُ إذْ بَذَلَ الزَّوْجُ هَذَا الْعَدَدَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَبُ مِائَةً وَخَمْسِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدْفَعْ لِلزَّوْجِ شَيْئًا قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ فَارَقَهَا فَطَلَبَتْ مِنْهُ الْمِائَتَيْنِ فَطَلَبَ الْمِائَةَ وَالْخَمْسِينَ لِأَجْلِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْمِائَتَانِ وَهَلْ يَتْبَعُ تَرِكَةَ الْأَبِ بِالْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ؟ جَوَابُهَا إذَا كَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ لَا يَكْتُبُ الزَّوْجُ مِائَتَيْنِ إلَّا عَلَى إعْطَاءِ الْأَبِ مِائَةً وَخَمْسِينَ تَكُونُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ عَيْنًا أَوْ عَرَضَا بِهَا فَهُوَ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلُ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُعْطِيه الْأَبُ لِتَجْهِيزِ ابْنَتِهِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلِلزَّوْجِ الْقِيَامُ بِذَلِكَ وَأَمَّا مَسْأَلَتُك فَقَدْ مَاتَ أَبُو الزَّوْجَةِ وَرَضِيَ بِالْبِنَاءِ بِهَا فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدُ وَتَلْزَمُهُ الْمِائَتَانِ جَمِيعُ صَدَاقِهَا اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ بِمَوْتِ أَبِي الزَّوْجَةِ بَطَلَ الْتِزَامُهُ وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى النِّكَاحِ بِالصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ أَوْ يَرْجِعَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ، وَلَا كَلَامَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [تَزَوَّجَتْ وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي بَيْتٍ لَهَا فَسَكَنَ الزَّوْجُ مَعَهَا] (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي بَيْتٍ لَهَا فَسَكَنَ الزَّوْجُ مَعَهَا فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا سَاكِنَةٌ بِالْكِرَاءِ أَوْ تَقُولُ لَهُ إمَّا أَدَّيْت أَوْ خَرَجْت. قَالَ اللَّخْمِيُّ: لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ، وَإِنْ سَكَنَ بِهَا فِي مَسْكَنٍ لِأَبِيهَا أَوْ أُمِّهَا كَانَ كَمَسْكَنِهَا لَا شَيْءَ لَهُمَا عَنْ مُدَّةٍ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا مُشْكِلٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ وَالسُّنُونَ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمِثْلُهُ إذَا سَكَنَ عِنْدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ طَلَبَا الْكِرَاءَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَذَلِكَ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْمُكَارَمَةِ. وَاخْتُلِفَ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَطَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْأَصِيلِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَذَهَبَ ابْنُ عَتَّابٍ وَاللَّخْمِيُّ إلَى اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَارَمَةَ قَدْ زَالَتْ بِالطَّلَاقِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ الْقَوْلَيْنِ. قُلْت وَالظَّاهِرُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي الْعِصْمَةِ وَطَلَبَتْ مِنْهُ الْكِرَاءَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الِالْتِزَامُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ] (فَرْعٌ) وَقَدْ يَكُونُ الِالْتِزَامُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِيمَنْ عَزَلَ لِمِسْكِينٍ مُعَيَّنٍ شَيْئًا وَبَتَلَهُ لَهُ بِقَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ فَعَلَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ جَعَلَ لَهُ تَفْرِقَتَهُ. قَالَ وَلَوْ نَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ بِقَوْلٍ، وَلَا نِيَّةٍ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت وَمَعْنَى بَتَلَهُ لَهُ أَيْ جَعَلَهُ لَهُ مِنْ الْآنِ. [فَصْلٌ فِيمَنْ الْتَزَمَ لِحَمْلٍ بِشَيْءٍ] (فَصْلٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُلْتَزَمَ لَهُ مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ فَيَصِحَّ الِالْتِزَامُ لِلْحَمْلِ وَلِمَنْ سَيُوجَدُ كَمَا تَصِحُّ

قال لأمته في صحته كل ولد تلدينه فهو حر

الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَالْهِبَةُ فَمَنْ الْتَزَمَ لِحَمْلٍ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ وَوُقِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، فَإِنْ وُلِدَ حَيًّا وَعَاشَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا أَوْ انْفَشَّ الْحَمْلُ بَقِيَ الشَّيْءُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ، وَتَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ وُلِدَ حَيًّا نَفَذَ لَهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ حَيًّا وَاسْتَهَلَّ صَارِخًا وُرِثَتْ الصَّدَقَةُ عَنْ الْحَمْلِ، وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا أَوْ انْفَشَّ الْحَمْلُ بَقِيَ مَالُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى مَا كَانَ بِيَدِهِ اهـ. (فَرْعٌ) وَمَنْ الْتَزَمَ لِمَنْ سَيُوجَدُ بِشَيْءٍ صَحَّ الِالْتِزَامُ إذَا وُجِدَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ وَالْمُلْتَزِمُ حَيٌّ لَمْ يُفْلِسْ وَكَانَ الشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ بِيَدِهِ لَمْ يُفَوِّتْهُ كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ إنْ ظَهَرَ لِفُلَانٍ وَلَدٌ فَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ تَفْوِيتَهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدَ لَهُ ثَمَّ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ بَيْعُ مَا حَبَسَهُ مَا لَمْ يُولَدْ لَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ الْوَلَدِ قَالَ وَلَوْ أَجَزْت لَهُ أَنْ يَبِيعَ لَأَجَزْت لَهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَمَاتُوا أَنْ يَبِيعَ، وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يُولَدَ لَهُ. قَالَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ صَارَ مِيرَاثًا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُحْكَمُ بِحَبْسِهِ وَيُخْرَجُ إلَى يَدِ ثِقَةٍ لِيَصِحَّ الْحَوْزُ وَتُوقَفُ ثَمَرَتُهُ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ قَالَ الْبَاجِيُّ مُتَمِّمًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ وُلِدَ لَهُ رُدَّ الْحَبْسُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَائِزُ لِوَلَدِهِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَقَبِلَهَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. [قَالَ لِأَمَتِهِ فِي صِحَّتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ فِي صِحَّتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ لَزِمَهُ عِتْقُ مَا وَلَدَتْ وَاسْتَثْقَلَ مَالِكٌ بَيْعَهَا وَقَالَ كَيْفَ بِوَعْدِهِ وَأَنَا أَرَى بَيْعَهَا جَائِزًا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا حِينَ قَالَ ذَلِكَ أَوْ حَمَلَتْهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَقُولَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ أَوْ إذَا وَضَعْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّ الْأَمَةَ لَا تُبَاعُ حَتَّى تَضَعَ إلَّا أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعُ فِيهِ وَيَرِقُّ الْجَنِينُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الِاسْتِثْقَالُ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ وَأَبَاحَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَوْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ وَلَيْسَ فِي بَطْنِهَا شَيْءٌ فَلَمْ يَبِعْهَا حَتَّى حَمَلَتْ فَلَهُ بَيْعُهَا، وَلَا عِتْقَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِهَا حَمْلٌ، وَلَا يَدْرِي أَكَانَ بِهَا يَوْمَ الْقَوْلِ أَوْ حَدَثَ فَلَا عِتْقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَضَعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْقَوْلِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الرَّابِعِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت لِشَيْخِنَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فِيمَنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى الْوَضْعِ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَلَوْ مِنْ سِفَاحٍ، قَالَ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِوَطْءٍ جَائِزٍ وَأَمَّا وَضْعُهَا مِنْ زِنًا فَلَا يَعْتِقُ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ قُلْت لَهُ هَذَا مَنْقُوضٌ بِقَوْلِ الْمُشَاوِرِ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ طَلَاقَهَا إنْ تَزَوَّجَ

فصل كان الملتزم له غير معين

عَلَيْهَا فَزَنَى أَنَّ لَهَا الْأَخْذَ بِشَرْطِهَا فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْته مِنْ الْعُمُومِ اهـ بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا الْعُمُومُ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ شَيْخُهُ بَعِيدٌ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُشَاوِرِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَانْظُرْ إذَا أَرَادَ السَّيِّدُ الرُّجُوعَ عَمَّا الْتَزَمَهُ قَبْلَ حَمْلِ الْجَارِيَةِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَهُ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يُؤْخَذُ جَوَازُ ذَلِكَ وَمِمَّا سَيَأْتِي فِي الْخَاتِمَةِ عَنْ اللَّخْمِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَشَرَطَ لِلزَّوْجِ أَنَّ أَوْلَادَهَا أَحْرَارٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فَصْلٌ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ] (فَصْلٌ) وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ بِفَتْحِ الزَّايِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ، وَلَا يَقْضِي بِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ وَمَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ رَجُلٌ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَلْيُقْضَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا أَكْثَرُ الْمُخْتَصَرَيْنِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ فَلْيُخْرِجْهُ السُّلْطَانُ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَعَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَحَيْثُ قَالَ يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ لَيْسَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ آثِمًا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهَا وَهُوَ كَارِهٌ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَابِ الثَّانِي ثُمَّ ذَكَرَ فِيمَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ لِمَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلَيْنِ وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيِّنِ. وَفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلَانِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي اشْتِرَاطِ ثُلُثِ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ إنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَفِي لُزُومِهَا وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهَا اخْتِلَافٌ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهَا. قُلْت وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْحُكْمِ بِهِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا. (فَرْعٌ) مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ عَلَى غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ فِيمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا ثُمَّ غَلَا السِّعْرُ فَجَاءَ النَّاسُ يُخْبِرُونَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبِجَزَعِ النَّاسِ تَغْبِطُونَنِي أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ لِلنَّاسِ بِمَا أَخَذْته قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ لِلنَّاسِ بِمَا أَخَذْته دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلْحُكْرَةِ وَلَمْ يُصِبْهُ مِنْ حَرْثِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي وَقْتٍ لَا يَضُرُّ شِرَاؤُهُ بِالنَّاسِ إذْ لَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ

فصل قال كل ما أملكه صدقة على المساكين

يَضُرُّ شِرَاؤُهُ بِالنَّاسِ لَكَانَ مَا فَعَلَ مِنْ إعْطَائِهِ لَهُمْ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ احْتِكَارُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي وَقْتٍ يَضُرُّ احْتِكَارُهُ بِالنَّاسِ فَأَمَّا احْتِكَارُهَا فِي وَقْتٍ لَا يَضُرُّ احْتِكَارُهَا بِالنَّاسِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا إجَازَةُ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الثَّانِي الْمَنْعُ مِنْ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» وَهُوَ مَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. الثَّالِثُ إجَازَةُ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا مَا عَدَا الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ وَهُوَ دَلِيلُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ. الرَّابِعُ الْمَنْعُ مِنْ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا مَا عَدَا الْإِدَامَ وَالْفَوَاكِهَ وَالْعَسَلَ وَالسَّمْنَ وَالتِّينَ وَالزَّبِيبَ وَشِبْهَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ احْتِكَارُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَعْنَاهُ فِي الْمَدِينَةِ إذْ لَا يَكُونُ الِاحْتِكَارُ فِيهَا أَبَدًا إلَّا مُضِرًّا بِأَهْلِهَا لِقِلَّةِ الطَّعَامِ بِهَا فَعَلَى قَوْلِهِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مِنْ الِاحْتِكَارِ تَغْلِيَةُ الْأَسْعَارِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِاخْتِلَافِهِمْ بِاجْتِهَادِهِمْ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِهَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَا عَدَا الْأَطْعِمَةَ مِنْ الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَالْحِنَّاءِ وَشَبَهِهَا مِنْ السِّلَعِ يَجُوزُ احْتِكَارُهَا إذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (تَنْبِيهٌ) وَهَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ قُضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُقْضَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّذْرُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا نَذْرًا أَوْ لَا يَلْفِظُ بِذِكْرِ النَّذْرِ فَيَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِكَذِبٍ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّذْرَ، وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ النَّذْرَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِخْبَارِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا وَكَذَا عَلَى الْإِخْبَارِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى النَّذْرِ الَّذِي لَهُ فَائِدَةٌ وَفِيهِ طَاعَةٌ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ اهـ. [فَصْلٌ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ] (فَصْلٌ) وَهَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ قُضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُقْضَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى صَدَقَةِ ثُلُثِ مَالِهِ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ ثُلُثِهِ مِنْ عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَدَيْنٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ

الوفاء بنذر العتق

وَأَمَّا الْمُكَاتَبُونَ فَيُخْرِجُ ثُلُثَ قِيمَةِ كِتَابَتِهِمْ فَإِنْ رَقُّوا يَوْمًا مَا نُظِرَ لَقِيمَةِ رِقَابِهِمْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ كِتَابَتِهِمْ يَوْمَ أَخْرَجَ ذَلِكَ فَلْيُخْرِجْ ثُلُثَ الْفَضْلِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ ثُلُثَ مَالِهِ حَتَّى ضَاعَ مَالُهُ كُلُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَلَمْ يُخْرِجْ ثُلُثَهُ حَتَّى تَلِفَ جُلُّ مَالِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا إخْرَاجُ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى صَدَقَةِ ثُلُثِ مَالِهِ. عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَالِهِ يُرِيدُ أَنَّ تَعْيِينَهُ لِلصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى رَجُلٍ كَمَا لَوْ عَيَّنَ شَيْئًا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً أَنَّهُ يُخْرِجُهُ كُلَّهُ وَلَوْ كَانَ جَمِيعَ مَالِهِ. قَالَ وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْرَكُ لِمَنْ فَلِسَ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ ابْنُ الْمَوَّازِ كَالشَّهْرِ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ النُّذُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ النُّذُورِ الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَوْ امْتَنَعَ مَنْ جَعَلَ مَا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ إخْرَاجِ ثُلُثِهِ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي جَبْرِهِ عَلَيْهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَهُ مُعَيَّنٌ وَيَلْزَمُهُ فِي الزَّكَاةِ. وَأَجَابَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ لَهَا طَالِبًا مُعَيَّنًا وَهُوَ الْإِمَامُ اهـ. [الْوَفَاءُ بِنَذْرِ الْعِتْقِ] (فَرْعٌ) يَجِبُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ الْعِتْقِ، وَلَا يَقْضِي بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَنْذُورُ عِتْقُهُ مُعَيَّنًا كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدِي فُلَانًا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ، وَلَا يَقْضِي إلَّا بِالْبَتِّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي يَجِبُ الْعِتْقُ بِالنَّذْرِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلِّقًا كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ لَا كَقَوْلِهِ عَلَيَّ لِلَّهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَلَا يُقْضَى إلَّا بِالْبَتِّ أَيْ إذَا بَتَلَ الْعِتْقَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْنِي نُسَخَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يُقْضَى إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَيْ فِي النَّذْرَ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي أَوَّلِ عِتْقِ الْمُدَوَّنَةِ فَفِيهَا عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقِيقِي هَؤُلَاءِ فَلْيَفِ بِمَا وَعَدَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُمْ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِدَةٌ جَعَلَهَا لِلَّهِ مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ فَيُؤْمَرُ بِهَا، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُعْتِقُهُمْ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ أَنْ لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِهِمْ فَحَنِثَ أَوْ أَبَتَّ عِتْقَهُمْ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ نَذْرًا أَوْ مَوْعِدًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَفِيَ بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقِيقِي فَأُمِرَ بِعِتْقِهِمْ وَقَالَ لَا أَفْعَلُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِمْ، وَإِنْ قَالَ أَفْعَلُ يُتْرَكُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ لَمْ يُعْتَقُوا عَلَيْهِ فِي ثُلُثٍ، وَلَا غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِذَلِكَ وَهُوَ مُعَيَّنٌ، وَلَا سِيَّمَا وَذَلِكَ الْحَقِّ عِتْقٌ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ إلَيْهِ اهـ. كَلَامُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُقْضَ إلَّا بِبَتٍّ مُعَيَّنٍ اهـ. قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَيْمَانُ بِالْعِتْقِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَالْوَصِيَّةُ

بِالْعِتْقِ عِدَةٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهَا فَمَنْ أَبَتَّ عِتْقَ عَبْدِهِ أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي الْيَمِينِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ وَعَدَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ نَذَرَ عِتْقَهُ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأُمِرَ بِعِتْقِهِ وَقَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدِي فُلَانًا مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ لِلَّهِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا كَالْحِنْثِ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ نَذَرَ لَيَفْعَلَنَّ خَيْرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ قَوْلُهُ أَحَبُّ عَلَيَّ ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فَهُوَ تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً فَالْوَفَاءُ بِهَا عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَقَوْلُهُ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا مَعْنَاهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ لَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَالِقِهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَازِمٌ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ الْحِنْثِ إذْ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ مَا لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ بِالنَّذْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ وَأَشْهَبُ يَرْوِي أَنْ يُحْكَمَ بِالْعِتْقِ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ اهـ بِالْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَأُعْتِقَنَّكَ إنْ قَدِمْت مِنْ سَفَرِي فَهُوَ مَوْعِدٌ وَأَرَى أَنْ يُعْتِقَهُ. ابْنُ يُونُسَ لِمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ خُلْفِ الْمَوْعِدِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَرَادَ النَّذْرَ لِسَلَامَتِهِ وَقُدُومِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ بِالْفَتْوَى فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِالْقَضَاءِ إنْ امْتَنَعَ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ وَأَمَّا إنْ قَالَ أَنْت حُرٌّ إنْ قَدِمْت مِنْ سَفَرِي فَهَذَا يَعْتِقُ بِالْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِمَا. قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ قَدِمْت مِنْ سَفَرِي لَأُطَلِّقَنَّكِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ طَلَاقُهَا طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْمَرُ بِهَا وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اهـ. قُلْت فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي فُلَانٍ أَوْ عَبِيدِي أَوْ إنْ قَدِمْت مِنْ سَفَرِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يُقْضَى بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ فَهَذَا يَلْزَمُهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ إذَا حَنِثَ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ الْتَزَمْت أَنْ أُعْتِقَك الْآنَ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَقَدْ الْتَزَمْت إنْ أَعْتَقْتُك الْآنَ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَقَدْ الْتَزَمْت عِتْقَ عَبْدِي أَوْ عَبِيدِي ثُمَّ حَنِثَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ كَالنَّذْرِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَعْتَقْتُك بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَعْتَقْتُك أَنَّ ذَلِكَ عُدَّةٌ لِعِتْقٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ بِالْعِدَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا إذَا نَذَرَ عِتْقَهُ فَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَحَمَلَهُ أَشْهَبُ عَلَى الِالْتِزَامِ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي تَوْجِيهِ عَدَمِ جَبْرِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَجْبَرَهُ فَهُوَ بِخِلَافِ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنَّذْرِ لِلَّهِ الْقُرْبَةُ وَإِذَا أُجْبِرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِيَّةٌ، وَلَا ثَوَابٌ وَكَانَ ذَلِكَ تَفْوِيتًا لِنَذْرِهِ فَيُتْرَكُ وَمَا قَصَدَ فَلَعَلَّهُ

فصل في الوفاء بالوعد

يَفْعَلُهُ، وَأَشْهَبُ يَرَى إجْبَارَهُ إذَا قَالَ لَا أَفْعَلُ، وَإِنْ قَالَ أَفْعَلُ تُرِكَ وَهُوَ الْتِفَاتٌ إلَى تَعْلِيلِنَا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) يَجِبُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ الْعِتْقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ النَّاذِرِ حِينَئِذٍ مَا يُعْتِقُهُ. قَالَ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْهَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ مَنْ يُعْتِقُهُ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الصُّبْرَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ فِي رَجُلٍ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ قَالَ مَالِكٌ لِيُعْتِقْ رَقَبَةً، قِيلَ لَهُ أَيُجْزِئُهُ رَقَبَةٌ مِنْ الذَّبْحِ قَالَ لِيُعْتِقْ رَقَبَةَ أَقْرَبِ الرِّقَابِ إلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ لِلشَّرِيفِ فِي النَّسَبِ حُرْمَةً تُوجِبُ التَّنَافُسَ فِي الْعَبِيدِ مِنْ أَجْلِهَا وَالزِّيَادَةَ فِي ثَمَنِهَا، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ اهـ. [فَصْلٌ فِي الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ] (فَصْلٌ) وَأَمَّا الْعِدَةُ فَلَيْسَ فِيهَا إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا الْآنَ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إخْبَارٌ عَنْ إنْشَاءِ الْمُخْبِرِ مَعْرُوفًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَمِنْ كِتَابِ الْعِدَةِ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ فِيمَنْ هَلَكَ وَعَلَيْهِ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلَ ابْنَهُ أَنْ يَمْشِيَ عَنْهُ فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا إذَا وَعَدَهُ فَإِنِّي أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَا ذَلِكَ رَأْيٌ أَوْ يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ لَهُ إذَا وَعَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَفِيَ لِأَبِيهِ بِمَا وَعَدَهُ بِهِ مِنْ الْمَشْيِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ اسْتِحْبَابِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ فِي الْجَائِزَاتِ الَّتِي لَا قُرْبَةَ فِيهَا اهـ. فَالْوَفَاءُ بِالْعِدَةِ مَطْلُوبٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَفِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي كِتَابِ الْعِدَةِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَقِيلَ يُقْضَى بِهَا مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يُقْضَى بِهَا مُطْلَقًا وَقِيلَ يُقْضَى بِهَا إنْ كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمَوْعُودُ بِسَبَبِ الْعِدَةِ فِي شَيْءٍ كَقَوْلِك أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أَوْ أَنْ أَشْتَرِيَ كَذَا أَوْ أَنْ أَقْضِيَ غُرَمَائِي فَأَسْلِفْنِي كَذَا أَوْ أُرِيدُ أَنْ أَرْكَبَ غَدًا إلَى مَكَانِ كَذَا فَأَعِرْنِي دَابَّتَك أَوْ أَنْ أَحْرُثَ أَرْضِي فَأَعِرْنِي بَقَرَك فَقَالَ نَعَمْ، ثُمَّ بَدَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ أَنْ يُسَافِرَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْأَمْرَ الَّذِي وَعَدَك عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَسْأَلْهُ وَقَالَ لَك هُوَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَا أُسْلِفُك كَذَا أَوْ أَهَبُ لَك كَذَا لِتَقْضِيَ دَيْنَك أَوْ لِتَتَزَوَّجَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَيُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْضَى بِهَا إنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا إذَا قُلْت أَسْلِفْنِي كَذَا وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبًا أَوْ أَعِرْنِي دَابَّتَك أَوْ بَقَرَك وَلَمْ تَذْكُرْ سَفَرًا، وَلَا حَاجَةً فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَوْ قَالَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَا أُسْلِفُك كَذَا أَوْ أَهَبُ لَك كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَالرَّابِعُ يُقْضَى بِهَا إنْ كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ

وَدَخَلَ الْمَوْعُودُ بِسَبَبِ الْعِدَةِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْأَقْوَالِ. قَالَ فِي آخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ قَالَ أَصْبَغُ سَمِعْت أَشْهَبَ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كَرْمًا فَخَافَ الْوَضِيعَةَ فَأَتَى لِيَسْتَوْضِعَهُ فَقَالَ لَهُ بِعْ وَأَنَا أُرْضِيك قَالَ إنْ بَاعَ بِرَأْسِ مَالِهِ أَوْ بِرِبْحٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَ بِالْوَضِيعَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْضِيَهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا سَمَّاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ شَيْئًا أَرْضَاهُ بِمَا شَاءَ وَحَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ شَيْئًا يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ أَصْبَغُ وَسَأَلْت عَنْهَا ابْنَ وَهْبٍ فَقَالَ عَلَيْهِ رِضَاهُ بِمَا يُشْبِهُ ثَمَنَ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَالْوَضِيعَةِ فِيهَا. قَالَ أَصْبَغُ وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هُوَ أَحْسَنُ عِنْدِي وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا وَضَعَ فِيهَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ بِعْهُ وَأَنَا أُرْضِيك عِدَةٌ إلَّا أَنَّهَا عِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْعِدَةُ إذَا كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ لَزِمَتْ بِحُصُولِ السَّبَبِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِحَالٍ وَقِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُ إذَا كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا سَمَّاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرْضَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَذْهَبِهِ إذَا قَالَ أَرَدْت كَذَا، وَكَذَا لِمَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ شَيْئًا أَرْضَاهُ بِمَا شَاءَ وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَوَابُهُ هَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِ إذْ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْيَمِينُ فِي هَذَا يَمِينُ تُهْمَةٍ إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُسْتَوْضِعَ أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً فَيُحَقِّقَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ أَرَادَهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ مَا يَدْخُلُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ. وَأَمَّا ابْنُ وَهْبٍ فَأَخَذَهُ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَأَلْزَمهُ أَرِضَاءَهُ إلَّا أَنْ لَا يَرْضَى بِمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ أَنَّهُ أَرْضَاهُ فَلَا يُصَدَّقُ إنْ لَمْ يَرْضَ وَيُؤْخَذُ بِمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ أَنَّهُ أَرْضَاهُ هَذَا مَعْنَى وَلَوْ حَلَفَ لَيُرْضِيَنَّهُ لَمْ يَبِرَّ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مَا يَرْضَى بِهِ وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ أَنَّهُ أَرْضَاهُ وَقَدْ مَضَى مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ فِي الْحَالِفِ لَيُرْضِيَنَّ غَرِيمَهُ مِنْ حَقِّهِ اهـ. قُلْت وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِدَةِ إذَا دَخَلَ بِسَبَبِهَا فِي شَيْءٍ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَوَّلِ وَفِي كِتَابِ الْغَرَرِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَرَرِ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ وَأَنَا أُعِينُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْوَعْدُ اهـ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَقَوْلُ سَحْنُونَ فِي كِتَابِ الْعِدَةِ وَنَصُّهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى: قُلْت لِسَحْنُونٍ مَا الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْعِدَةِ فِي السَّلَفِ وَالْعَارِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هَدِّمْ دَارَك وَأَنَا أُسْلِفُك أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ وَأَنَا أُسْلِفُك أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَنَا أُسْلِفُك وَعَزَاهُ لَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي

قال له إن غرمائي يلزمونني بدين فأسلفني أقضهم فقال نعم ثم بدا له

رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْوَعْدِ اهْدِمْ دَارَك وَأَنَا أُسْلِفُك مَا تَبْنِي بِهِ أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ وَأَنَا أُسْلِفُك أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَنَا أُسْلِفُك؛ لِأَنَّك أَدْخَلْته بِوَعْدِك فِي ذَلِكَ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ لَمَّا ذَكَرَ حُجَّةً مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِلُزُومِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ مَا نَصُّهُ: لَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ هَذَا الشِّقْصَ وَالثَّمَنُ عَلَيَّ فَاشْتَرَاهُ لَزِمَ أَنْ يَغْرَمَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الشِّرَاءِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِهَا إذَا كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِسَبَبِهَا فِي شَيْءٍ هُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي كِتَابِ الْعِدَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ قَوِيٌّ أَيْضًا وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِهَا مُطْلَقًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَالْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ بِهَا مُطْلَقًا لَمْ يَعُزْهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَالَ لَهُ إنَّ غُرَمَائِي يُلْزِمُونَنِي بِدَيْنٍ فَأَسْلِفْنِي أَقْضِهِمْ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ] (فَرْعٌ) إذَا قَالَ لَهُ إنَّ غُرَمَائِي يُلْزِمُونَنِي بِدَيْنٍ فَأَسْلِفْنِي أَقْضِهِمْ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَ أَصْبَغُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَةِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ بِلُزُومِ الْعِدَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِسَبَبِهَا فِي شَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا اعْتَقَدَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ عَلَى مَوْعِدٍ أَوْ أَشْهَدَ بِإِيجَابِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالْعِدَةِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِسَبَبِهَا فِي شَيْءٍ وَلَوْ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي فَاعِلٌ أَوْ أَفْعَلُ فَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَنَّ الظَّاهِرَ اللُّزُومُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ فَعَلْت لَمَا وَقَفَ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ وَلُزُومِ الْقَضَاءِ بِهِ اهـ. [حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّ غَرِيمَهُ إلَى أَجَلٍ وَخَشِيَ الْحِنْثَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّ غَرِيمَهُ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا خَشِيَ الْحِنْثَ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَا تَخَفْ ائْتِنِي هَذِهِ الْعَشِيَّةَ أُعْطِيكَهَا فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ جَاءَهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ فَقَالَ لَهُ أَغْرَرْتَنِي حَتَّى خِفْت أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَتَرَاهُ لَهُ لَازِمًا فَقَالَ لَهُ لَا وَاَللَّهِ مَا أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ وَمَا هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَا مَحَاسِنِهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ قِيلَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَمَنَعَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِنَفْسِهِ بِمَا يَبَرُّ بِهِ مِنْ السَّلَفِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. قُلْت فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَنْ أَنَّ الْعِدَةَ لَا يُقْضَى بِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ وَدَخَلَ فِي السَّبَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعَارِيَّةِ، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا إذَا كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَهُ بِسَبَبِ الْعِدَةِ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَالِ لِنَفْسِهِ حَتَّى خَشِيَ الْحِنْثَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الفرق بين ما يدل على الالتزام وما يدل على العدة

[الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْعِدَةِ] تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْعِدَةِ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ إلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ بِحَيْثُ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَى الِالْتِزَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَلَزِمَتْ الْبَيْنُونَةُ إنْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَارَقْتُك أَوْ أُفَارِقُك إنْ فُهِمَ الِالْتِزَامُ أَوْ الْوَعْدُ إنْ وَرَّطَهَا فَالشَّرْطُ فِي قَوْلِهِ إنْ وَرَّطَهَا رَاجِعٌ إلَى الْوَعْدِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا لَوْ بَاعَتْ قُمَاشًا أَوْ كَسَرَتْ حُلِيَّهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِدَةِ وَالِالْتِزَامِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِتَمَامِهِ فَإِنَّ الِالْتِزَامَ قَدْ يَكُونُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ الْمَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا وَمِنْ كَلَامِ أَصْبَغَ الْآتِي فِي الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا، نَعَمْ صِيغَةُ الْمَاضِي دَالَّةٌ عَلَى الِالْتِزَامِ وَإِنْفَاذِ الْعَطِيَّةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْوَعْدُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى الِالْتِزَامِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ أَصْبَغُ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَةِ لَوْ سَأَلَك مِدْيَانٌ أَنْ تُؤَخِّرَهُ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا فَقُلْت أَنَا أُؤَخِّرُك لَزِمَك تَأْخِيرُهُ إلَى الْأَجَلِ قُلْت سَوَاءٌ قُلْت أَنَا أُؤَخِّرُك أَوْ قَدْ أَخَّرْتُك قَالَ نَعَمْ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عَلَيْك، غَيْرَ أَنَّ قَوْلَك أَنَا أُؤَخِّرُك عِدَةٌ تَلْزَمُك وَقَوْلُك قَدْ أَخَّرْتُك شَيْءٌ وَاجِبٌ عَلَيْك كَأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ حَقِّك لَمْ تَبْتَدِئْهُ السَّاعَةَ وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُك الْحُكْمُ بِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَك قَدْ أَخَّرْتُك أَوْجَبُهُمَا وَأَوْكَدُهُمَا اهـ. وَنَقَلَ هَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِدَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِسَبَبِهِ فِي شَيْءٍ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِ أَنَا أُؤَخِّرُك إذَا وَرَّطَهُ بِذَلِكَ أَوْ تَدُلُّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْخِيرَ لَا الْوَعْدَ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَهُوَ يُبَيِّنُ لَك مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ صِيغَةَ الْمَاضِي دَالَّةٌ عَلَى الِالْتِزَامِ وَصِيغَةَ الْمُضَارِعِ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ قَرِينَةٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ بَلْ قَالَ مَضَى تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِيهَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَيُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِدَةِ. [رَجُلٍ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَخَطَبَ أُخْتَهَا لِابْنِهِ فَقَالَتْ لَهُ عَمَّتُهَا عَلَى صَدَاقِ أُخْتِهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَخَطَبَ أُخْتَهَا لِابْنِهِ فَقَالَتْ لَهُ عَمَّتُهَا عَلَى صَدَاقِ أُخْتِهَا فَقَالَ لَنْ أُقَصِّرَ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَزَوَّجُوهُ ثُمَّ إنَّ الِابْنَ طَلَّقَهَا قَالَ أَيُقِرُّ هُوَ بِذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَدْ قُلْت هَذَا الْقَوْلَ وَوَعَدْتهمْ وَلَمْ أُوجِبْ عَلَى نَفْسِي صَدَاقًا فَرَأَيْته يَرَاهُ عَلَيْهِ وَقَالَ مَرَّةً فَيَصْطَلِحُوا وَكَأَنَّهُ يَرَاهُ عَلَيْهِ تَشْبِيهًا بِالْإِيجَابِ

الباب الثاني الالتزام المعلق على فعل الملتزم وهو نوعين

وَلَمْ يُبَيِّنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ إذَا زَوَّجُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ كَأَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَ عَلَى الْمُكَافَأَةِ قَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا كَانَ قَوْلُهُمْ قَدْ زَوَّجْنَاك جَوَابًا لِقَوْلِهِ لَنْ أُقَصِّرَ بِهَا عَنْ صَدَاقِ أُخْتِهَا فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ نُزَوِّجُك عَلَى أَنْ لَا تُقَصِّرَ بِهَا عَنْ صَدَاقِ أُخْتِهَا وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ وَالْأَظْهَرُ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الْعِدَةِ الْخَارِجَةِ عَلَى سَبَبٍ، وَفِي التَّفْسِيرِ لِيَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إيجَابَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى قَوْلَهُ لَنْ أُقَصِّرَ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عِدَةً لَا تَلْزَمُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إيجَابَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَلَفَ بِالتُّهْمَةِ دُونَ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى، وَلِذَلِكَ لَمْ تَرِدْ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ فَقَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْوَجْهَيْنِ انْتَهَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ وَهُوَ نَوْعَيْنِ] الْبَابُ الثَّانِي فِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ بِالِالْتِزَامِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَلَكَ أَلْفُ دِينَارٍ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ حُصُولَ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَيَكُونَ الشَّيْءُ الَّذِي الْتَزَمَهُ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى حُصُولِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمْت مِنْ هَذَا السَّفَرِ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ إنْ أَتْمَمْت هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هَذَا الْكِتَابَ فَعَلَيَّ كَذَا، وَهَذَا الثَّانِي مِنْ بَابِ النُّذُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ النَّذْرِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِ النُّذُورِ أَنَّ مَنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ أَوْ الْهَدْيَ، أَوْ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِلْكِ يَلْزَمُهُ. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ إذَا مَلَكَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا الْتَزَمَ عَطِيَّةَ شَيْءٍ إنْ مَلَكَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ. قُلْت: وَهَذَا فِي الْعِتْقِ لَازِمٌ وَيُقْضَى بِهِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ، فَإِنَّهُ لَازِمٌ وَلَا يُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَالْهَدَايَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَهِيَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْمَعْقُودُ لَهُ هَذَا الْبَابُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهَا الْقُرْبَةُ فَهِيَ لَازِمَةٌ وَيُقْضَى بِهَا إنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ وَلَا يُقْضَى بِهَا إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَاتِمَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْقُودُ لَهُ هَذَا الْبَابُ وَيُسَمَّى يَمِينًا وَاخْتُلِفَ فِي الْقَضَاءِ بِهِ

وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ سَوَاءً كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ بِفَتْحِ الزَّاي مُعَيَّنًا أَمْ لَا قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِتَمَامِهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَصَدَاقُهَا أَلْفَانِ لَمْ يَجُزْ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَإِنْ نَكَحَ بِأَلْفَيْنِ فَوَضَعَتْ عَنْهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَلْفًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَمَهْرُهَا أَلْفَانِ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْأَلْفُ، وَهُوَ كَالْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَخْرَجْتُك مِنْ الدَّارِ فَلَكَ أَلْفٌ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَا الْيَمِينَ وَمَا كَانَ مِنْ الْهِبَاتِ لِمَعْنًى عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الَّتِي يُقْضَى بِهَا لِمُعَيَّنٍ إنَّمَا هِيَ لِلَّتِي يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا مَعْنَى الْيَمِينِ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ إذَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِهِ بَطَلَ حُكْمُهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَ الْعَطِيَّةِ وَالْهِبَةِ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَهَذَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَمَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُقْضَى بِهِ عَلَى قَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ: إنْ قَدِمْت فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِيَمِينٍ وَلَا مُعَاوَضَةٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَأَلْفَانِ فَجَعَلَهُ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَمَهْرُهَا أَلْفَانِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ فَاسِدًا، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتَظْهَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْغَرَرِ فِي الْأُولَى بِالْبَحْثِ هَلْ لَهُ زَوْجَةٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا مُسْتَقْبَلٌ لَا يُدْرَى مَا يَكُونُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَظَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ رَسْمِ الْمُكَاتَبِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ قَالَ يَحْيَى بْنُ وَهْبٍ سَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ - وَهُوَ الَّذِي آخُذُ بِهِ -: إنَّ الصَّدَقَةَ إذَا كَانَ أَصْلُهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَطَلَبِ الْبِرِّ وَالْمُكَافَأَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي احْتِسَابِهِمْ، أَوْ حُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ، فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَإِنْ خَاصَمَهُ الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِهَا قَالَ: وَأَمَّا كُلُّ صَدَقَةٍ تَكُونُ فِي يَمِينِ الْحَالِفِ، أَوْ لَفْظِ مُنَازِعٍ، أَوْ جَوَابٍ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لَا يُقْضَى بِهَا لِلْمُتَصَدَّقِ بِهَا عَلَيْهِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ

وَمَا أَشْبَهَهَا إلَّا أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ بِهَا يُوعَظُ وَيُؤَثَّمُ، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِإِمْضَائِهَا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لَهُ، وَإِنْ شَحَّ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ فِيهَا بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ هَذَا فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَجْبُرُ السُّلْطَانُ عَلَى إخْرَاجِهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعُ مِمَّا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ لَا إلَى إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ لَكِنَّهُ إذَا فَعَلَ الَّذِي حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، فَقَدْ اخْتَارَ إخْرَاجَ الصَّدَقَةِ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ قَالَ يُوعَظُ وَيُؤَثَّمُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ آثِمًا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ إخْرَاجِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَارِهٌ فَيَذْهَبُ مِلْكُهُ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَصِيرُ إلَيْهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُحْكَمُ عَلَى مَنْ نَذَرَ نَذْرًا بِالْوَفَاءِ بِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا أَنَّ الصَّدَقَةَ بِالشَّرْطِ تَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ أَنْ اتَّخَذَهَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَكَانَتْ لَهَا صَدَقَةً بِالشَّرْطِ وَلِابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ خَاصَمْتُك فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك فَخَاصَمَهُ فِيهَا أَنَّ الصَّدَقَةَ تَلْزَمُهُ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ إنَّ الصَّدَقَةَ تَلْزَمُهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمُبَتَّلَةِ لِلَّهِ عَلَى غَيْرِ يَمِينٍ فَيُحْكَمُ بِهَا إنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. قُلْت: قَوْلُهُ فِي النَّذْرِ لَا يُحْكَمُ بِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِمُعَيَّنٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ النَّذْرِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيمَا كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ حَلَفَ بِحَبْسِ دَارِهِ، أَوْ بِحُمْلَانِ خَيْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ بِإِبِلِهِ بُدْنًا، أَوْ بَقَرِهِ، أَوْ غَنَمِهِ هَدْيًا ثُمًّ حَنِثَ أَقَرَّ بِذَلِكَ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يُكْرَهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ مَا نَصَّهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا يُقْضَى بِهِ وَضَرْبٌ يُقْضَى بِهِ، فَأَمَّا مَا لَا يُقْضَى بِهِ فَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ حَبْسٍ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْبِرَّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ اللُّجَجَ وَتَحْقِيقَ مَا نَازَعَ فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ وَمِثْلُهُ مَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ جَارِيَةٍ أَتَسَرَّى بِهَا عَلَيْك فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك، وَإِنْ وَطِئْت جَارِيَتِي هَذِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك فَتَسَرَّى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيد أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إذَا كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ

فرع اشترطت عليه امرأته إن تسرى عليها فالسرية صدقة على امرأته

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا حَكَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ يَلِي خُصُومَتَهُ لَا الْمَسَاكِينِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهَا كَالْأَحْبَاسِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ الْمُطَالَبَةَ بِهَا فَيُقْضَى لَهُ اهـ. قُلْت: وَمَا حَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ هَذَا الْقَوْلَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ التَّوْضِيحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا شَهَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَحِكَايَةُ الْبَاجِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْيَمِينِ غَيْرُ مَسْأَلَته لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي وَنَقَلَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ فِي أَخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ بِاخْتِصَارٍ مُخِلٍّ وَلَعَلَّ الْإِسْقَاطَ مِنْ النَّاسِخِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَهِيَ لِمُعَيَّنٍ دُونَ يَمِينٍ وَلَا تَعْلِيقٍ يُقْضَى بِهَا ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَعَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَذَلِكَ فِيهَا لَا يُقْضَى بِهَا، وَعَلَى مُعَيَّنٍ فِي يَمِينٍ، أَوْ تَعْلِيقٍ فِيهَا لَا يُقْضَى بِهَا ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ تَسَرَّى عَلَى امْرَأَتِهِ وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَابْنِ نَافِعٍ ثُمَّ قَالَ وَالْقَضَاءُ بِالْمُعَلَّقِ بِيَمِينٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ نَقَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ أَصْبَغَ وَالْمَعْرُوفِ اهـ. [فَرْعٌ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إنْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَى امْرَأَتِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَأَلَتْهُ عَنْ الرَّجُلِ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ إنْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ إنْ عَلِمَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَسَخَ، وَإِنْ بَنَى فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا صَدَقَةَ لَهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَلَا صَدَقَةَ لَهَا صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ بِيَمِينٍ لَا يُحْكَمُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَحُكِمَ لِلنِّكَاحِ بِحُكْمِ مَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِيهِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَبُثُّ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الشَّرْطِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ تَفْوِيضٍ دُونَ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ ثُمَّ سَمَّى لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَدَاقًا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالصَّدَاقُ الْمُسَمَّى لَازِمٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ الصَّدَقَةَ بِالشَّرْطِ تَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ أَنْ اتَّخَذَهَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَكَانَتْ لَهَا صَدَقَةً بِالشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطَ إنْ اتَّخَذَهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ حُرَّةٌ فَاِتَّخَذَهَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِهَا وَالصَّدَقَةِ بِهَا وَلِابْنِ نَافِعٍ فِيهَا إنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ خَاصَمْتُك فِيهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك فَخَاصَمَهُ فِيهَا أَنَّ الصَّدَقَةَ تَلْزَمُهُ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي لُزُومِ الصَّدَقَةِ بِالشَّرْطِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَالشَّرْطُ لَازِمًا كَسَائِرِ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ لِامْرَأَتِهِ إنْ

فرع أبت عتق عبده أو حنث بذلك في يمينه

تَسَرَّى عَلَيْهَا فَأَمْرُ السُّرِّيَّةِ بِيَدِهَا إنْ شَاءَتْ بَاعَتْهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَتْ أَمْسَكَتْهَا لَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ. فِيهَا خِلَافٌ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَوَجْهُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَلْزَمُهُ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ مُفْتَرَقٌ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ أَنَّهَا وَكَالَةٌ مِنْهُ لَهَا وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ وَكَالَتِهِ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الَّذِي حَفِظْنَاهُ عَنْ الشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَحْته عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهَا عِوَضًا فَيَلْزَمُهُ كَالْمُبَايَعَةِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَعَزَاهَا لِسَمَاعِ أَصْبَغَ، وَلَمْ أَرَهَا فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. قُلْت: وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ ابْنِ نَافِعٍ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ مَا يُكْتَبُ الْآنَ فِي مُسْتَنَدَاتِ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَ لِلْمُشْتَرِي مَتَى قَامَ وَادَّعَى فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ خَاصَمَ كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لِلْفُقَرَاءِ كَذَا وَكَذَا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَيْسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ آثِمٌ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَلْيُخْرِجْهُ كَمَا أَوْجَبَ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ مَالِكٌ لَا رُخْصَةَ لَهُ فِي تَرْكِهِ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ. وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا قَالَ فِي عَقْدٍ مَتَى قَامَ بِجَائِحَةٍ فَعَلَيْهِ كَذَا لِمَرْضَى قُرْطُبَةَ وَقَامَ بِهَا أَمْرٌ بِإِعْطَاءِ ذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَيَأْثَمُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ الْوَفَاءَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا الِاسْتِحْبَابَ مِنْ ظَاهِرِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْحَاجِّ وَمِثْلُهُ دَلَّالٌ الْتَزَمَ إنْ زَادَ شَيْئًا عَلَى نِصْفِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ لِلْمَرْضَى كَذَا فَثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ وَجَاءَ مَعَهُ وَكِيلُ الْمَرْضَى فَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ لُزُومِهِ وَيُؤْمَرُ بِذَلِكَ، وَهِيَ كَالصَّدَقَةِ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ الَّتِي فِي سَمَاعِ يَحْيَى اهـ. وَمُرَادُهُ بِسَمَاعِ يَحْيَى الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. [فَرْعٌ أَبَتَّ عِتْقَ عَبْدِهِ أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ] (فَرْعٌ) وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا عَدَا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَمِينٍ. قَالَ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ أَبَتَّ عِتْقَ عَبْدِهِ، أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ وَعَدَهُ بِالْعِتْقِ، أَوْ نَذَرَ عِتْقَهُ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَأُمِرَ بِعِتْقِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النَّذْرِ.

فرع قال لعبد إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر فاشتراه أو بعضه

[فَرْعٌ قَالَ لِعَبْدٍ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ أَوْ بَعْضَهُ] فَرْعٌ) ثُمَّ قَالَ فِيهَا، وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْت حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ، أَوْ بَعْضَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَرَدُّ الثَّمَنِ كَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الثَّوْبُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ وَرَدَّ الثَّمَنَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ وَمَالُ الْعَبْدِ هُنَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَجَبَ، وَقَدْ صَحَّ الْمَالُ لِلْبَائِعِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اسْتَثْنَى مَالَهُ كَانَ الْمَالُ تَبَعًا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي قَدْ انْتَقَضَ مِنْ أَجْلِ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ الْمَالُ وَالْبَائِعُ لَمْ يُبْقِهِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْعَبْدِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مَعَ ذَلِكَ إنْ ابْتَعْتُك فَأَنْت حُرٌّ فَابْتَاعَهُ، فَعَلَى الْبَائِعِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَهَنٌ بِيَمِينِهِ اهـ. [فَرْعٌ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الشَّيْءَ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَبَاعَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النُّكَتِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الشَّيْءَ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَبَاعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ هَذَا فِيمَا كَانَ بَتْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَتُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِهِ، فَهَذَا مُخْتَلِفٌ اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْهُ أَنَّ الْوَفَاءَ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَرْعٌ ادَّعَى حَقًّا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا كَفِيلٌ بِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ حَقًّا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا كَفِيلٌ لَك بِهِ إلَى غَدٍ، فَإِنْ لَمْ آتِك بِهِ غَدًا فَأَنَا ضَامِنٌ لِلْمَالِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيُسَمَّى وَعْدًا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي غَدٍ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ حَتَّى يَثْبُتَ الْحَقُّ بِبَيِّنَةٍ فَيَكُونَ حَمِيلًا بِذَلِكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ، فَإِنْ لَمْ أُوفِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلِي حَقٌّ، فَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. [فَرْعٌ الْخَصْمَانِ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يُوَافِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَى أَجْلٍ سَمَّيَاهُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يُوَافِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَى أَجَلٍ سَمَّيَاهُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا، أَوْ دَعْوَى خَصْمِهِ حَقٌّ إنْ كَانَ مُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَتَخَلَّفُ هَلْ يَلْزَمُهُ هَذَا الشَّرْطُ فَقَالَ لَا يُوجِبُ هَذَا الشَّرْطُ حَقًّا لَمْ يَجِبْ وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا قَدْ وَجَبَ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْخِيَارِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّوْبِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقُولُ: النَّاسُ الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَقْتَ كَذَا فَالْحَقُّ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْتَزَمَهُ اهـ. قُلْت: وَلَمْ أَقِفْ فِي هَذَا وَالْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى قَوْلٍ بِاللُّزُومِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي فِي الْيَمِينِ بِالصَّدَقَةِ فَلَا يَأْتِي

فرع الخصمان يتواعدان إلى الموافاة عند السلطان وهو على بعد منهما

فِيهِمَا قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ الْمُتَقَدِّمُ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَلِهَذَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إنْ لَمْ آتِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِمُسْتَنَدٍ فِي وَقْتِ كَذَا فَدَعْوَايَ بَاطِلَةٌ، أَوْ دَعْوَى خَصْمِي حَقٌّ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَلْزَمُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِبُطْلَانِهِ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ قَوْلٌ بِاللُّزُومِ فِيهِ، وَقَدْ كَثُرَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ جَهَلَةِ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ فَيَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ. وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوفِهِ حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي بُطْلَانِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحُ الرِّبَا وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، أَوْ مَنْفَعَةً، وَقَدْ رَأَيْت مُسْتَنَدًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ الْفُضَلَاءِ بِمُوجِبِ الِالْتِزَامِ وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ إلَّا غَفْلَةً مِنْهُ. وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ أَنَّهُ لَمْ يُوفِ حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانٍ أَوْ صَدَقَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَعْقُودِ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ يُقْضَى بِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَخْرَجْتُك مِنْ الدَّارِ فَلَكَ أَلْفٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ هَذَا الْبَابِ وَيَدْخُلُهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْخَصْمَانِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا وَسُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا أَخَافُ أَنْ يَخْلُفَنِي فَيَقُولُ إنْ أَخْلَفْتُك فَكِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَيَّ ثُمَّ يَخْلُفُهُ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لِلْأُخَرِ إنْ لَمْ أُوَافِك عِنْدَ السُّلْطَانِ فَكِرَاءُ دَابَّتِك عَلَيَّ وَكَانَ الْإِمَامُ فِي بُعْدٍ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ الشَّيْخُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: امْشِ لِلْقَاضِي، وَأَنَا أَلْحَقُك، فَإِنْ لَمْ أَلْحَقْك فَتِلْكَ الدَّابَّةُ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ كِرَاءَهَا ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي غُرْمِ مَالِهِ بِوَعْدِهِ، فَإِذَا أَخْلَفَهُ لَزِمَهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ، وَأَنَا أُعِينُك فِيهِ بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِيهِ بِوَعْدِهِ اهـ. قُلْت: لَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ هُوَ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ أَبِي الْحَسَنِ قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا أَدْخَلَهُ فِي غُرْمِ كِرَاءِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي غُرْمِ شَيْءٍ فَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ بِالِالْتِزَامِ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَالظَّاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْأَيْمَانِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ رَجُلٍ الْتَزَمَ النَّفَقَةَ عَلَى حَفِيدَيْهِ مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَسَكَّنَاهُمَا مَعَ أُمِّهِمَا وَشَرَطَ عَلَى أُمِّهِمَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ وَرَضِيَتْ وَالْتَزَمَتْ لِحَمَاهَا مَتَى تَزَوَّجَتْ

قَبْلَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ كَانَ لِحَمَاهَا عَلَيْهَا مِائَةُ دِينَارٍ صَدَقَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَتُجْبَرُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَوَجَبَتْ الْمِائَةُ لِلْحَمَى فَأَشْهَدَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى حَفِيدَيْهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ رُشْدِ الْوَلَدَيْنِ فَقَامَ وَرَثَتُهُ بِطَلَبِهَا إذْ لَمْ تَحُزْ عَنْهُ، وَقَالَ الْحَفِيدُ إنَّا لَمْ نَزَلْ فِي كَفَالَتِهِ وَلَا تُفْتَقَرُ لِحَوْزٍ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ الْتَزَمْت شَيْئًا لَا يَلْزَمنِي فَأَنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَاجِبِ الشَّرْعِ. فَأَجَابَ وَقَفْت عَلَى الْمَكْتُوبِ وَجَمِيعُهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَقُصَارَى مَا فِيهِ الْكَلَامُ عَلَى يَمِينِ الْمَرْأَةِ وَالْتِزَامِهَا لِحَمَاهَا وَتَزْوِيجِهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ، وَقَوْلُهَا تُؤْمَرُ وَتُجْبَرُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا بِلَا خِلَافٍ عَلِمَتْهُ إذَا كَانَ الْيَمِينُ كَمَا ذُكِرَ وَلَا تُجْبَرُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا سَقَطَ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت تَقَدَّمَ مُعَارَضَتُهَا إذَا كَانَتْ بِيَمِينٍ لِمَا فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ فَالشَّاةُ تُجْزِئُهُ، وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا، فَعَلَيَّ هَدْيٌ فَحَنِثَ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ بَدَنَةً إلَخْ وَيُعَارِضُهُ أَيْضًا إذَا الْتَزَمَ فِي مَسْأَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَانْظُرْ مَسَائِلَ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ وَمَا فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ فَلَا يَبْعُدُ جَرَى هَذَا عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: أَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ الْمُفْتِي فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ لَعَلَّهُ تَبِعَ فِيهِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوُ هَذِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى هُوَ وَابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ اللُّزُوم وَنَصُّهَا: " امْرَأَةٌ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى: إنْ حَطَّتْ عَنْهُ جَمِيع كَالِئِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْخُلْعِ، وَعَلَى أَنَّهَا: إنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عَامٍ مِنْ تَارِيخِ الْخُلْعِ فَعَلَيْهَا مِائَةُ مِثْقَالٍ، فَنَفَذَتْ الْفَتْوَى فِيهَا بِأَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ الْعَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ أَفْتَيْتُ أَنَا وَابْنُ رُشْدٍ اهـ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُعَارِضُ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ أَمَّا النَّذْرُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ جَارٍ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْتِزَامِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ الْمُعْتَقِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْحَالِفَة عَلِمَتْ أَنَّ الْتِزَامَ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُهَا عَلَى قَوْلٍ وَقَلَّدَتْ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَالْتَزَمَتْهُ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ " عَدَمُ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَقْلِيدَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ بِهِ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَأَمَّا الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ إذَا لَمْ تُعَلَّقْ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ تَمْلِيكٍ لِلْعِصْمَةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ الضَّابِطِ عَنْ امْرَأَةٍ الْتَزَمَتْ لِزَوْجِهَا أَنَّهَا مَتَى رُدَّتْ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمِائَةُ دِينَارٍ عَلَيْهَا وَقَبِلَهَا وَفِي ذِمَّتِهَا لِلزَّوْجِ الثَّانِي فَفَارَقَهَا الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ فَتَزَوَّجَتْ الْأَوَّلَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَزِمَهَا مَا الْتَزَمَتْهُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت هَذِهِ تُعَارِضُ الَّتِي

قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الِالْتِزَامَ لِلزَّوْجِ أَشَدُّ لِحَدِيثٍ إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ. . . إلَخْ فَلِهَذَا وَجْهٌ اهـ. قُلْت: أَمَّا مُعَارَضَتُهَا لِلَّتِي قَبْلَهَا فَظَاهِرَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَهَذِهِ جَارِيَةٌ عَلَى مُقَابَلَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي إنَّمَا هُوَ فِي اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ شُرُوطًا وَنَصُّ الْحَدِيثِ «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ نَحْوُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِاللُّزُومِ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَحَنِثَ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ وَشَرْحُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ أَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَهِيَ عَلَى خَلْعِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يُشْبِهُ عَقْدَ النِّكَاحِ إذْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا كَمَا يَمْلِكُ الْمَرْأَةَ بِالنِّكَاحِ زَوْجُهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تُلْزَمَ الشُّرُوطَ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَوْ تَرْكِ النِّكَاحِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّحْجِيرِ الْمُبَاحِ كَمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِعَقْدِ يَمِينٍ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: فَإِنْ فَعَلْت فَعَبْدُهَا حُرٌّ، أَوْ مَالُهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَيَلْزَمُهَا إنْ فَعَلَتْ حُرِّيَّةٌ الْعَبْدِ، أَوْ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهَا، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا كَذَا وَكَذَا الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَحَنِثَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَلَوْ قَالَتْ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا لِزَوْجِهَا كَذَا وَكَذَا لَبَطَلَ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى قِيَاسِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ سَعْدٍ بَعْدَ هَذَا، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَرَامٌ وَلَزِمَهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ طُولَ عِدَّتِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا كِرَاءً فَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَمَسْأَلَةُ رَسْمِ سَعْدٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ رَسْمِ سَعْدٍ صُورَتُهَا أَنَّ زَوْجَتَهُ خَالَعَتْهُ عَلَى أَنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ إلَيْهَا مَالَهَا فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ مَا أَخَذَ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَئُولُ بِذَلِكَ إلَى فَسَادٍ إذْ لَا تَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ إلَيْهَا فَيَكُونُ سَلَفًا، أَوْ لَا يَرْجِعُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَئُولُ إلَى فَسَادٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلْتَزِمَ الصَّدَقَةَ لِزَوْجِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِالصَّدَقَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَفِي

فرع وهبت زوجها هبة صحيحة وملكها أعواما وبقيت في ملكها ثم تشاجرا

كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِاللُّزُومِ لِابْنِ دِينَارٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ وَالْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُمَا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ أَنَّهُ إذَا خَالِعهَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَائِنًا وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَسْكَنِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَهَبَتْ زَوْجَهَا هِبَةً صَحِيحَةً وَمَلَكَهَا أَعْوَامًا وَبَقِيَتْ فِي مِلْكِهَا ثُمَّ تَشَاجَرَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مَسَائِلِ الْهِبَاتِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا هِبَةً صَحِيحَةً وَمَلَكَهَا أَعْوَامًا ثُمَّ أَعْمَرَ بِهَا الزَّوْجَةَ طُولَ حَيَاتِهَا وَمَلَّكَهَا لَهَا وَبَقِيَتْ فِي مِلْكِهَا ثُمَّ تَشَاجَرَا فَظَنَّ أَنَّ الزَّوْجَةَ مَنَّتْ عَلَيْهِ بِالْهِبَةِ فَأَقْسَمَ بِالْهِبَةِ صَدَقَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ قَبِلَهَا طُولَ حَيَاةِ الزَّوْجَةِ فَأَقْسَمَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَا مَنَّتْ عَلَيْهِ وَلَا عَرَضَتْ لَهُ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ بِالْهِبَةِ؟ وَهَلْ عَلَى الزَّوْجِ فِيهَا شَيْءٌ إنْ أَمْسَكَهَا؟ فَأَجَابَ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَتَتَعَلَّقُ بِالْهِبَةِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ رَدَّتْهَا إلَيْهِ فَقَبِلَهَا مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ اهـ. [فَرْعٌ طَلَبَتْ الْحَاضِنَةُ الِانْتِقَالَ بِالْأَوْلَادِ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ فَشَرَطَ الْأَبُ عَلَيْهَا نَفَقَتَهُمْ وَكِسْوَتَهُمْ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَضَانَةِ لَوْ طَلَبَتْ الْحَاضِنَةُ الِانْتِقَالَ بِالْأَوْلَادِ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ فَشَرَطَ الْأَبُ عَلَيْهَا نَفَقَتَهُمْ وَكِسْوَتَهُمْ جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ خَافَ أَنْ تَخْرُجَ بِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَشَرَطَ عَلَيْهَا إنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَنَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ عَلَيْهَا لَزِمَهَا ذَلِكَ قَالَهُ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ. قُلْت: لَا يُقَالُ إنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ بِالِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ أَعْنِي الِالْتِزَامَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا بِهِمْ إلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ لَيْسَ فِعْلًا مُبَاحًا لَهَا قَصَدَتْ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ بِالِالْتِزَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِهِمْ إلَّا بِإِذْنِ وَالِدِهِمْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَبَ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِهِمْ إلَى مَكَان بَعِيدٍ فَالْتَزَمَتْ الْأُمُّ نَفَقَتَهُمْ عَلَى أَنْ أَسْقَطَ الْأَبُ حَقَّهُ مِنْ مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِهِمْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهَا بِهِمْ إلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُوجِبُ نَفَقَتَهُمْ عَلَيْهَا لَا سِيَّمَا إنْ تَعَذَّرَ عَلَى الْأَبِ رَدُّهُمْ كَمَا قَالُوا فِي الزَّوْجَةِ إذَا هَرَبَتْ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا عَنْ زَوْجِهَا بَلْ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْ الْأَبِ إذَا خَرَجَتْ بِهِمْ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ الَّذِي يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِهِمْ إلَيْهِ وَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا. وَفِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ حَيْثُ قُلْنَا تَخْرُجُ بِهِمْ فَحَقُّهُمْ فِي النَّفَقَةِ بَاقٍ عَلَى أَبِيهِمْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى فِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ جَمَاهِرَ الطُّلَيْطِلِيِّ أَنَّ الْأُمَّ إذَا خَرَجَتْ بِبَنِيهَا إلَى الضِّيَافَةِ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْ أَبِيهِمْ مُدَّةَ مَقَامِهِمْ اهـ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَرَجَّحَ فِي الشَّامِلِ الْأَوَّلَ وَحَكَى الثَّانِيَ بِقِيلِ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ الْتَزَمَ لِإِنْسَانٍ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ الْتَزَمَ لِإِنْسَانٍ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ

فرع حكم الحاكم المالكي بموجب الالتزام

لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الِالْتِزَامِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ السَّفَرَ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ فَهَلْ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ، أَوْ بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ يَدْفَعُهُ عَنْهُ إذَا سَافَرَ، أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُوبُ الشَّيْءِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ إلَّا بَعْدَ سَفَرِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ حُدُوثِ عَائِقٍ لَهُ عَنْ السَّفَرِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَكِيلِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمِدْيَانِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَكَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ وَمَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ إذَا أَرَادَ زَوْجُهَا السَّفَرَ وَطَلَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ. [فَرْعٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمَالِكِيُّ بِمُوجِبِ الِالْتِزَامِ] (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّ الِالْتِزَامَ الْمُعَلَّقَ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ الَّذِي عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ الْمَذْكُورِ حَاكِمٌ أَمَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ، أَوْ بِلُزُومِهِ، فَقَدْ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِقَوْلٍ لَزِمَ الْعَمَلُ بِهِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيهَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمَالِكِيُّ بِمُوجِبِ الِالْتِزَامِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْحُكْمُ بِلُزُومِهِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِمُوجَبِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَاضِي الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ اللُّزُومَ لِمُوجَبٍ رَجَّحَ عِنْدَهُ الْقَوْلَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي جَاهِلًا، أَوْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حُكْمِهِ وَيُطْرَحُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَيًّا سُئِلَ عَنْ مُرَادِهِ وَيُعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيمَا عَدَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَرَةِ، فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافٍ فِي عَدَمِ لُزُومِهِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ وَهُوَ أَنْوَاعٍ] [النَّوْعُ الْأَوَّلُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ] الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ عَلَى سَبْعَةِ أَنْوَاعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا، أَوْ غَيْرَ اخْتِيَارِيٍّ وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، أَوْ حَرَامًا، أَوْ جَائِزًا وَالْجَائِزُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَاَلَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ لِلْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّايِ، أَوْ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ بِفَتْحِ الزَّايِ، أَوْ لِغَيْرِهِمَا. النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَلَدْتِ غُلَامًا فَلَكَ كَذَا وَكَذَا وَحُكْمُهُ إذَا وَجَدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمَ الِالْتِزَامِ الْمُطْلَقِ فِي اللُّزُومِ وَالْقَضَاءِ بِهِ قَالَ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ وَلَدْتِ غُلَامًا فَلَكَ مِائَةُ دِينَارٍ

النوع الثاني الالتزام المعلق على الفعل الواجب على الملتزم له

وَإِنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً فَأَنْت طَالِقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا الْمِائَةُ دِينَارٍ فَلَا أَرَى أَنْ يُقْضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ هَاهُنَا صَدَقَةً وَلَا هِبَةً وَلَا عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُ إنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ أَنْ يَعْجَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَارَثَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يُسْتَأْنَى بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمِائَةِ دِينَارٍ إنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا فَحَمَلَهُ مَحْمَلَ الْعِدَّةِ لَمَّا لَمْ يَقُلْ فِي مَالِي وَلَا ذَكَرَ أَنَّهَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا إذْ لَيْسَتْ عَلَى سَبَبٍ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَوْعُودِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ التَّبْتِيلُ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ فِي مَالِي مِائَةُ دِينَارٍ عَطِيَّةً فَيُحْكَمُ لَهَا عَلَيْهِ بِهَا مَا لَمْ يَذْهَبْ، أَوْ يَمُتْ، أَوْ يُفْلِسْ كَمَا قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الَّذِي يَقُولُ: لَك مَا أَرْبَحُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ أَنْ يَقُولَ: الرَّجُلُ أَنَا أَفْعَلُ، وَأَمَّا إذَا قَالَ قَدْ فَعَلْت فَهِيَ عَطِيَّةٌ وَقَوْلُهُ لَك كَذَا وَكَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ قَدْ فَعَلْت مِنْهُ بِأَنَا أَفْعَلُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ مَا لَمْ يَذْهَبْ مَالُهُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنْ لَوْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ وَلَدْتِ غُلَامًا فَلَكَ مِائَةُ دِينَارٍ فِي مَالِي أَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَزِمَهُ بِلَا كَلَامٍ، وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الِالْتِزَامِ الْمُطْلَقِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ الْمُلْتَزِمُ، أَوْ يَمُتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّوْعُ الثَّانِي الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ] ُ بِفَتْحِ الزَّايِ كَقَوْلِك إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ، أَوْ بِبَعِيرِي الشَّارِدِ، أَوْ بِمَتَاعِي الضَّائِعِ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا وَكَانَ الْعَبْدُ، أَوْ الْبَعِيرُ، أَوْ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ، أَوْ يَعْلَمُ مَكَانَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُلْتَزِمِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَرَدُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِمَوْضِعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا إذْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْجَعْلِ. وَقَدْ قَالُوا: إنَّ مِنْ شَرْطِ الْجَعْلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْفِعْلُ مِمَّا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ عَمَلُهُ وَمَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَلْزَمُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنْ غَسَّلْتَ هَذَا الْمَيِّتَ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَكَانَتْ صَرُورَةً ائْذَنْ لِي أَنْ أَحُجَّ، وَأَنَا أُعْطِيَك مَهْرِي الَّذِي عَلَيْك فَقَبِلَ وَتَرَكَهَا تَحُجُّ قَالَ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ، وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الدِّمْيَاطِيِّ عَنْهُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، وَأَمَّا إذَا عَلِمَتْ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْطَتْهُ مَالَهَا طَيِّبَةٌ بِذَلِكَ نَفْسُهَا وَقَوْلُهُ هَذَا مُفَسِّرٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا عَلِمْت أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ لَهَا، فَإِنَّمَا أَعْطَتْهُ مَالَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ، رَاضِيًا بِذَلِكَ غَيْرَ مُعَاتِبٍ لَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَجِّ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهِيَ صَرُورَةً فَحَلَّلَهَا زَوْجُهَا مِنْ حَجَّتِهَا، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَحَجَّتْ أَجْزَأَهَا ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ

وَعَنْ الَّتِي حَلَّلَهَا مِنْهَا زَوْجُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إذْ لَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إلَّا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إذَا أَحْرَمَتْ دُونَ الْمِيقَاتِ، أَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ قَبْلَ وَقْتِ خُرُوجِ الْحُجَّاجِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ لَلَزِمَهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ بِالْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ الْمُلْتَزِمُ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ الْيَوْمَ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَنْ وَجَدَ آبِقًا، أَوْ ضَالًّا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جَعْلَ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ مَكَانَهُ فَدَلَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ طَلَبَ مَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ فِي شُرُوطِ الْجَعْلِ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ عَمَلُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ آبِقًا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَيْهِ كَالْجَعْلِ عَلَى الْحَرَامِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ، وَمَنْ رَدَّ آبِقًا، أَوْ ضَالَّةً مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جَعْلَ لَهُ عَلَى رَدِّهِ وَلَا عَلَى دَلَالَتِهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجَعْلُ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ يَجْهَلُ مَكَانَهُ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ آبِقًا أَوْ ضَالًّا، أَوْ ثِيَابًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَى رَدِّهِ وَلَا عَلَى أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَكَانِهِ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا فَلَهُ الْجَعْلُ عَلِمَ بِمَا جُعِلَ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَ طَلَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهَا، وَإِنْ وَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ رَبُّهُ فِيهِ شَيْئًا فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ الْإِبَاقَ، وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَلَهُ جَعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ بَذَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا، أَوْ لَمْ يَبْذُلْ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا كَذَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ طَلَبُ الْإِبَاقِ فَلَا جَعْلَ لَهُ وَلَا نَفَقَةَ قَوْلًا مُجْمَلًا اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا فَمَنْ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّهُ عَلِمَ بِالْجَعْلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَهُ، أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ سَمِعَهُ فَلَهُ الْجَعْلُ سَوَاءٌ كَانَ شَأْنُهُ أَوْ لَا، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ أَيْ فَيَكُونَ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَوْلُهُ فِي النَّوَادِرِ

وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ رَبُّهُ فِيهِ شَيْئًا إلَخْ هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَعَادَتُهُ التَّكَسُّبُ بِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ تَعَبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّهُ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتَهُ فَلَهُ نَفَقَتُهُ فَقَطْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ رَبُّهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ اهـ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فِي رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ عَلَى الْأُخَر فَتَنَازَعَا فَسَبَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ صَاحِبَ الدَّيْنِ فَطَلَبَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ وَأَرَادَ أَخْذَ شَهَادَةِ مَنْ حَضَرَ فَرَغِبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ فِي الْعَفْوِ فَقَالَ لِلرَّاغِبَيْنِ لَهُ فِي الْعَفْوِ اعْقِدُوا لِي عَقْدًا وَتَشْهَدُونَ فِيهِ بِمَا عِنْدَكُمْ وَلَكُمْ عِنْدِي مَا تُرِيدُونَهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَشَهِدُوا لَهُ ثُمَّ اقْتَضَوْهُ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الْعَفْوِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِقَوْلِي لَكُمْ عِنْدِي مَا تُرِيدُونَهُ مِنْ وَجْهِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَبُ لَا فِي إسْقَاطِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي سَبْي فَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ يَلْزَمُهُ الْعَفْوُ إنْ سَأَلُوهُ إيَّاهُ بَعْدَ أَنْ شَهِدُوا لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلُوهُ أَوَّلًا فَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ لَكُمْ عِنْدِي مَا تُرِيدُونَهُ إنْ شَهِدْتُمْ لِي فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مِنْ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَهُ بِمَا سَمِعُوهُ وَاجِبَةٌ. فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ الْمُلْتَزِمَ كَانَ يَعْلَمُ بِوُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُمْ فَلِذَلِكَ أَلْزَمُهُ ابْنُ رُشْدٍ الِالْتِزَامَ كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَهْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوْ يُقَالُ لَمَّا سَأَلَهُمْ كِتَابَةَ الشَّهَادَةِ، وَأَنْ يَعْقِدُوا لَهُ بِذَلِكَ عَقْدًا لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إذَا طَلَبَهَا مِنْهُمْ لَا أَنْ يَكْتُبُوا لَهُ بِهَا عَقْدًا، أَوْ لَعَلَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَى الْجَمَاعَةِ الرَّاغِبِينَ لَهُ فِي الْعَفْوِ لِوُجُودِ غَيْرِهِمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي هِيَ الْعَفْوُ لَمَّا كَانَتْ لِغَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ صَارَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ اللُّزُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْجَعْلِ عَلَى الْآبِقِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْجَاعِلُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ جَاهِلَيْنِ بِمَوْضِعِهِ، فَإِنْ عَلِمَا بِمَوْضِعِهِ لَمْ يَجُزْ الْجَعْلُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْجَاعِلُ وَحْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْجَعْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْمَجْعُولُ لَهُ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَاعِلِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْطَى قَدْرَ عَنَائِهِ وَقَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَفِي قَوْلِهِ: " إذَا عَلِمَا مَوْضِعَهُ لَمْ يَجُزْ " نَظَرٌ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَوْضِعَ بَعِيدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَعْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إذَا جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا وَعَلِمَهُ الْآخَرُ فَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَعْلِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا إذَا عَلِمَا مَوْضِعَهُ.

النوع الثالث الالتزام المعلق على فعل محرم على الملتزم له

الثَّانِي) مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ إنْ أَسْلَمَتْ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا، فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعَطِيَّةِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْحِيَازَةِ، أَوْ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَعْطَى زَوْجَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ دَارِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا سَاكِنٌ عَلَى أَنْ تُسْلِمَ فَأَسْلَمَتْ فَلَا أَرَاهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَطِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ إسْلَامِهَا وَالْإِشْهَادُ يُجْزِئُهَا عَنْ الْحِيَازَةِ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فِيهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا أَرَاهَا إلَّا مِنْ الْعَطِيَّةِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحِيَازَةِ وَإِلَّا فَلَا صَدَقَةَ لَهَا. وَفِي الْمَدَنِيَّةِ لِابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا الْقَوْلَيْنِ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ لِلْحَوْزِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ قَالَ فِي نَوَازِلِهِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَارِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ عَلَى أَنْ تُسْلِمَ وَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ الدَّارَ فَهِيَ جَائِزَةٌ لَهَا وَلِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ ثَمَنٌ لِلدَّارِ اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلُزُومِ الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ لَمَّا كَانَ يَعْلَمُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّرْغِيبَ فِي الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا: لَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكَافِرُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ عَلَى دِينِهِ صَارَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْفِعْلِ الْجَائِزِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثُ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ تَرَكْت شُرْبَ الْخَمْرِ، أَوْ الزِّنَا فَأَنْت حُرٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ لَزِمَهُ الْعِتْقُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَكِنْ لَا يُصَدَّقُ الْعَبْدَ فِي قَوْلِهِ تَرَكْت ذَلِكَ حَتَّى يَظْهَرَ صِدْقُهُ قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ تَرَكْت شُرْبَ الْخَمْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ لَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ قَدْ تَرَكْت شُرْبَ الْخَمْرِ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَتَّى يُعْرَفَ لِلْعَبْدِ تَوْبَةٌ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَحَالَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُدَّعٍ لِمَا يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ صِدْقُهُ بِظُهُورِ صَلَاحِ حَالِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّوْعُ الثَّالِثُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ] (النَّوْعُ الثَّالِثُ) الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ كَقَوْلِهِ إنْ قَتَلْتَ فُلَانًا، أَوْ إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا وَحُكْمُهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ. وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَاتِمَةِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ قَتَلْتنِي فَلَكَ كَذَا، أَوْ إنْ قَتَلْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا أَنَّهُ لَا جَعْلَ لَهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ، أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فَأَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَقَالَتْ

النوع الرابع الالتزام المعلق على فعل الجائز الذي لا منفعة فيه لأحد

أَفْتَدِي مِنْك بِمَالِي عَلَى أَنْ لَا تُسْلِمَ حَتَّى أَمْلِكَ أَمْرِي، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك عَلَيَّ رَجْعَةٌ فَفَعَلَ ثُمًّ أَسْلَمَ قَالَ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَدَّ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا، وَهُوَ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِهِ. قَالَ: فَلَوْ كَانَتْ افْتَدَتْ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُسْلِمْ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَكَانَ يَكُونُ لَهُ الَّذِي افْتَدَتْ بِهِ مِنْهُ قَالَ لَا أَرَى لَهُ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَلَمَّا كَانَ طَلَاقُهُ بَاطِلًا غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ خُلْعُهُ مَرْدُودًا غَيْرَ ثَابِتٍ اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا قُلْتُ إنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ إنَّمَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِبُطْلَانِ الطَّلَاقِ. (تَنْبِيهٌ) لَا يَتَأَتَّى هُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ بِكَسْرِ الزَّايِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ التَّرْغِيبَ فِي إتْيَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَمَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ يَلْزَمُ مَنْ الْتَزَمَهُ، وَهَذَا مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مَنْ الْتَزَمَهُ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ الشَّيْءَ الْمُلْتَزَمَ بِهِ هَلْ يَرُدُّهُ عَلَى رَبِّهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ وَالْقَوَّادُ وَالْمُخَنَّثُ وَنَحْوُهُمْ هَلْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَخَذُوهُ عَلَى مَنْ أَعْطَاهُمْ، أَوْ يَتَصَدَّقُوا بِهِ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ وَابْنُ نَاجِي وَالشَّيْخُ زَرُّوقٌ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْت كَلَامَهُمْ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ وَعَدَمُ رَدِّهِ إلَى مَنْ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُرَدُّ لَهُ أَدَبًا وَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَنْفَعُ التَّحْلِيلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّوْعُ الرَّابِعُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلِ الْجَائِزِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ] ٍ كَقَوْلِهِ إنْ صَعِدْتَ هَذَا الْجَبَلَ فَلَكَ كَذَا، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْجَعْلِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَمَلِ الْمَجْعُولِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ الْمَشْهُورَ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي تَعْرِيفِ الْجُعْلِ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَجْرًا مَعْلُومًا وَلَا يَنْقُدُهُ إيَّاهُ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَهُ مَعْلُومٍ، أَوْ مَجْهُولٍ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ عَلَى خِلَافِ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَمِلَهُ كَانَ لَهُ الْجَعْلُ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ جَعَلَ لِرَجُلٍ جَعْلًا عَلَى أَنْ يَرْقَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمَّاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ الْجَعْلُ إلَّا فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَاعِلُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ

النوع الخامس الالتزام المعلق على الفعل الذي فيه منفعة للملتزم

(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِلْجَاعِلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَأَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ مَنْفَعَةٌ كَانَتْ لِلْجَاعِلِ، أَوْ غَيْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنْ جِئْتَ بِعَبْدِ فُلَانٍ الْآبِقِ فَلَكَ كَذَا لَكَانَ جَعْلًا صَحِيحًا وَالْتِزَامًا لَازِمًا؟ وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَةٍ لِلْجَاعِلِ إمَّا عَاجِلًا، أَوْ آجِلًا، أَوْ عَاجِلًا وَآجِلًا وَلِذَلِكَ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلْفِعْلِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ إلَّا بِنَحْوِ قَوْلِهِمْ أَصْعَدْ هَذَا الْجَبَلَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّوْعُ الْخَامِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ] ِ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْمُلْتَزَمِ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ، أَوْ لِغَيْرِهِ شَيْئًا وَتَمْلِيكُهُ إيَّاهُ نَحْوُ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك، أَوْ دَارَك، أَوْ فَرَسَك، فَقَدْ الْتَزَمْتُ لَك بِكَذَا أَوْ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا الشَّيْءُ الَّذِي يُسَمِّيه، أَوْ فَقَدْ أَسْقَطْتَ عَنْك الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك، أَوْ إنْ أَعْطَيْت ذَلِكَ لِفُلَانٍ، أَوْ إنْ أَسْقَطْت الدَّيْنَ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ فَلَكَ عَبْدِي الْفُلَانِيُّ، أَوْ دَارِي، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ بَابِ هِبَةِ الثَّوَابِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا سَمَّى فِيهَا الثَّوَابَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمِ عَلَيْهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَهْلِ وَالْغَرَرِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ مِمَّا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْضًا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا آبِقًا وَلَا بَعِيرًا شَارِدًا وَلَا جَنِينًا وَلَا ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَعَامَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَرْدَبًّا مِنْ الْقَمْحِ فَلَكَ عِنْدِي قِنْطَارٌ مِنْ السَّمْنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالطَّعَامَانِ حَاضِرَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ الْتَزَمَتْ لِي بِثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ فِي ذِمَّتِي عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، أَوْ إنْ أَسْقَطْت عَنِّي الدَّيْنَ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَلَكَ فِي ذِمَّتِي كَذَا وَكَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّلَ أَحَدُهُمَا بِأَجْلٍ مَجْهُولٍ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ مُمَيِّزًا وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَائِعًا رَشِيدًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتنِي، أَوْ إنْ مَلَكْتنِي، أَوْ إنْ وَهَبْتنِي، أَوْ إنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيَّ مِمَّا يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ حَتَّى لَفْظُ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يُقْضَى فِيهَا بِالثَّوَابِ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ لَزِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ

فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي الْمَرْأَةِ تَضَعُ عَنْ زَوْجِهَا مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهَا مَنْزِلَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ. (الثَّانِي) إذَا قَالَ الْمُلْتَزِمُ بِكَسْرِ الزَّايِ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك فُلَانًا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ قَدْ أَعْطَيْتُك ذَلِكَ أَوْ قَدْ فَعَلْت، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْعَطَاءِ، فَإِنْ أَجَابَهُ الْآخَرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ، فَقَدْ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا الْتَزَمَهُ بِالْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَالثَّوَابُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ لَا أَرْضَى، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَك هَلْ تَرْضَى أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ بِهِ مَا أَرَادَ إلَّا اخْتِبَارُهُ، وَلَمْ يُرِدْ إيجَابَ الِالْتِزَامِ، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَهُ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَوْقَفَ سِلْعَتَهُ لِلسَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ: قَدْ رَضِيَتْ فَقَالَ لَا أَرْضَى، فَإِنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ سَاوَمَ عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَيَبْرَأُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَكَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَبِيعُك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرِيهَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ لَا أَرْضَى، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَشْتَرِي مِنْك سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُك فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَرْضَى أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ انْقَضَى الْمَجْلِسُ ثُمَّ جَاءَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ وَقَالَ لَهُ قَدْ رَضِيت فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَزِمَ مَا الْتَزَمَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَتَى فِي الْتِزَامِهِ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي اللُّزُومَ، وَلَوْ انْقَضَى الْمَجْلِسَ كَقَوْلِهِ مَتَى أَعْطَيْتنِي هَذَا فَلَكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ أَيُّ وَقْتٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ أَقِفْ فِي جَمِيعِ هَذَا عَلَى نَصٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ بِالْقَوْلِ فَلِلْمُلْتَزَمِ لَهُ الِامْتِنَاع مِنْ التَّسْلِيم حَتَّى يُسْلَم لَهُ الْمُلْتَزِم مَا الْتَزَمَهُ كَالْبَيْعِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي هِبَة الثَّوَاب؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ صَرَّحَ بِالْعِوَضِ صَارَ حُكْمه حُكْم الْبَيْع عَلَى أَنَّ مَذْهَب الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْمَنْع مِنْ قَبَضَ الْهِبَة حَتَّى يَقْبِض الثَّوَاب خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ. (الرَّابِعُ) إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك أَوْ سِلْعَتَك فَلَكَ عَلَيَّ أَنْ أُرْضِيَكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ اشْتِرَاطُ الثَّوَابِ دُونَ تَعْيِينِهِ كَقَوْلِهِ أَهَبُك هَذَا عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا رَضِيَ بِهِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قَالَ لَا أَرْضَى بِهَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي أَعْطَاهُ، فَإِنْ كَانَ دُونَ قِيمَةِ سِلْعَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ قِيمَةِ سِلْعَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ: إنَّ فِيهِ إرْضَاءً لَهُ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْعِدَّةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) إذَا قَالَ لَهُ إنْ بِعْتنِي سِلْعَتَك بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا أَوْ، فَقَدْ الْتَزَمْت لَك كَذَا وَكَذَا

فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي سِلْعَةً بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْمُلْتَزِمِ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مِنْ دَارٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوُ إنْ أَسْكَنْتَنِي دَارَك سَنَةً، أَوْ سِنِينَ مُسَمَّاةً، أَوْ أَسْكَنْت فُلَانًا فِيهَا سَنَةً، أَوْ سِنِينَ مُسَمَّاةً فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ إنْ أَخَدَمْتنِي عَبْدَك، أَوْ إنْ أَعْطَيْتنِي ثَوْبَك أَلْبَسُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، أَوْ إنْ حَمَلْتنِي عَلَى دَابَّتِك إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَكَ كَذَا، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً وَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فَلَا يَجُوزُ إنْ أَسْكَنْتنِي دَارَك مُدَّةَ حَيَاتِي، أَوْ حَيَاتِك، أَوْ حَيَاةِ زَيْدٍ، أَوْ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ وَقُدُومُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا، أَوْ إنْ أَسْكَنْتنِي دَارَك فَلَكَ عَبْدِي الْآبِقُ، أَوْ بَعِيرِي الشَّارِدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَسْكَنْتُك دَارِي عَلَى أَنْ أَسْكُنَ دَارَك، لَا أَسْكَنْتُك دَارِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى أَنْ أَسْكُنَ دَارَك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ بِخَمْسَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يُبَيِّنَ مُدَّةَ السِّنِينَ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ عَمَلًا يَعْمَلُهُ الْمُلْتَزَمُ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ، أَوْ لِغَيْرِهِ نَحْوُ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ، أَوْ بَعِيرِي الشَّارِدِ، أَوْ إنْ حَفَرْت لِي بِئْرًا فِي أَرْضِي، أَوْ إنْ جِئْت بِعَبْدِ فُلَانٍ، أَوْ بَعِيرِهِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجَعْلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَحْصُلَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّايِ، أَوْ لِمَنْ اشْتَرَطَ الْعَمَلَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَأَنْ لَا يُضْرَبَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ، وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ مَعْلُومًا مِمَّا يَجُوزُ كَوْنُهُ جَعْلًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْجَعْلِ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ لِأَجْلِ مَا الْتَزَمَهُ لَهُ الْمُلْتَزِمُ نَحْوُ قَوْلِ الشَّخْصِ لِلْحَاضِنَةِ إنْ أَسْقَطْتِ حَقَّك مِنْ الْحَضَانَةِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا وَكَمَسْأَلَةِ إعْطَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْجَعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِنَذْكُرَ فُرُوعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ زَوْجَتُهُ مَالًا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا، فَإِنْ كَانَ فِرَاقُهَا بِقُرْبِ الْعَطِيَّةِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ، وَإِنْ كَانَ فِرَاقُهَا بَعْدَ أَنْ طَالَ الْأَمَدُ وَمَا يُرَى أَنَّهَا بَلَغَتْ الْغَرَضَ فِي مُقَامِهَا لَمْ تَرْجِعْ، وَإِنْ طَالَ، وَلَمْ تَبْلُغْ مَا يُرَى أَنَّهَا دَفَعَتْ الْمَالَ لِمِثْلِهِ كَانَ لَهَا مِنْ الْمَالِ بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ فِيمَا يُرَى. وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَسْقَطَتْ عَنْ زَوْجِهَا صَدَاقَهَا عَلَى أَنْ

لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَطَلَّقَهَا بِحَضْرَةِ ذَلِكَ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يُرَى أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا لِمَكَانِ ذَلِكَ لَمْ تَرْجِعُ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِحِدْثَانِ الْإِسْقَاطِ لِيَمِينٍ نَزَلَتْ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الْيَمِينَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ لِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَسْقَطَتْ صَدَاقَهَا لِمَعْنًى وَلِتَبْقَى زَوْجَةً فِي عِصْمَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا أَعْطَتْهُ، وَلَوْ أَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ قُرْبَ تَزْوِيجِهِ، أَوْ بَعْدَ اهـ. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هِبَةِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا وَقَبِلَاهُ. فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي الَّذِي سَأَلَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَقَالَتْ أَخَافُ أَنْ تُطَلِّقَنِي فَقَالَ مَا أَفْعَلُ فَتَضَعُ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَقَالَ مَالِكٌ أَرَى لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَالَ الزَّمَانُ وَتَبَيَّنَ صِحَّةُ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَ فَلَا أَرَى لَهَا شَيْئًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا سَأَلَهَا الزَّوْجُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَضَعَهُ عَنْهُ وَتَسْكُتَ، أَوْ تَقُولَ إنَّمَا أَضَعُهُ عَنْك عَلَى أَنَّك إنْ طَلَّقْتنِي رَجَعْتُ عَلَيْك، فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ طَلَّقَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُولَ لَهُ إنَّمَا أَضَعُهُ عَلَى أَنَّك لَا تُطَلِّقنِي أَبَدًا، أَوْ عَلَى أَنَّك مَتَى طَلَّقْتنِي رَجَعْت عَلَيْك بِصَدَاقِي فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا مَتَى طَلَّقَهَا كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، أَوْ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الَّتِي تَقُولُ لِزَوْجِهَا إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ عَلَيَّ فَصَدَاقِي عَلَيْك صَدَقَةٌ فَيَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بِالْقُرْبِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِصَدَاقِهَا بِخِلَافِ الَّذِي يَقُولُ: لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي لِي صَدَاقَك فَتَضَعُهُ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، وَقَدْ مَضَى الْفَرْقُ هُنَاكَ اهـ. وَمَسْأَلَةُ أَصْبَغَ الَّتِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهَا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فِيهَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْبَغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِيَمِينٍ إلَخْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالشَّيْخِ خَلِيلٍ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَزِدْ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا عَلَى أَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي مَعَهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الَّذِي يَقُولُ: لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي لِي صَدَاقَك فَقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَصَدَّقَتْ عَلَيْهِ بِالصَّدَاقِ عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يُوفِ لَهَا بِذَلِكَ وَطَلَّقَهَا بِالْقُرْبِ وَجَبَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي سَأَلَ زَوْجَتَهُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَتَضَعُهُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ قَدْ لَزِمَتْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الصَّدَاقَ فَتَرْكُهَا إنَّمَا هُوَ فِرَارٌ مِنْ تِلْكَ الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَنْظُرَ لِنَفْسِهَا فَتَقُولَ: لَا أَتْرُكُ لَك الصَّدَاقَ إلَّا عَلَى

فرع بيع الحضانة

أَنْ تُطَلِّقَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا بَيِّنٌ اهـ. وَأَمَّا إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى، أَوْ وَضَعَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا عَلَى ذَلِكَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ تَسَرَّى فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، أَوْ بَعْدَ بُعْدٍ وَسَيَأْتِي لَفْظُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ فَتْحُونٍ كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُمَا فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هِبَةِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا وَنَصُّهُ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتْحُونٍ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ يَتَسَرَّى، أَوْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا تَمَّتْ لَهُ مَا أَقَامَ عَلَى شَرْطِهِ وَلَهُ مُخَالَفَةُ شَرْطِهِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعْته اهـ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ فِي الشُّرُوطِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ كَمَا فَرَّقُوا فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي كَلَامُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ النِّكَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بِالْقُرْبِ، أَوْ بَعْدَ الْبُعْدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا أَعْطَتْهُ الزَّوْجَةُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَنَصَّ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ أَنَّهُ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ كَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بَيْعَ الْحَضَانَةِ] (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ أَعْطَى لِزَوْجَتِهِ شَيْئًا إنْ أَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ رُشْدٍ وَقِيلَ لَهُ: إنَّ فُقَهَاءَ تِلْكَ الْجِهَةِ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْحَضَانَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الشُّفْعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ زَوْجِهَا مِنْ الْحَجِّ فَبَذَلَتْ لَهُ مَالًا عَلَى أَنْ أَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ وَكَيْفَ إنْ تَعَلَّقَ بِالْعِوَضِ غَرَرٌ هَلْ يَجُوزُ وَيَجْرِي مَجْرَى الْخُلْعِ؟ فَأَجَابَ: الَّذِي أَرَاهُ عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لِلْأُمِّ فَيَلْزَمُهَا تَرْكُهَا لِلْأَبِ تَرَكَتْهَا عَلَى عِوَضٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْوَلَدِ لَا يَلْزَمُهَا تَرْكُهَا وَتَرْجِعُ فِيهَا تَرَكَتْهَا لَهُ بِعِوَضٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ فِي الْعِوَضِ إنْ كَانَتْ تَرَكْتهَا عَلَى عِوَضٍ، وَمَنْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى عِوَضٍ فَمَا أَبْعَدُ الْقِيَاسِ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْعِ الزَّوْجِ الْحَجَّ، فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْمَهْرُ بِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ

يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ إنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْإِذْنَ لَهَا فِي ذَلِكَ يَلْزَمُهُ، فَإِنْ عَلِمَتْ ذَلِكَ فَتَجُوزُ عَلَيْهَا الْوَضِيعَةُ وَالرِّوَايَةُ بِذَلِكَ مَنْصُوصَةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ وَضَعَتْ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَنْ تَحُجَّ تَطَوُّعًا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ مَا أَعْطَاهَا عَلَى أَنْ تَرَكَتْ حَضَانَةَ وَلَدِهَا مِنْهُ يَجُوزُ لَهَا إذْ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الَّتِي بَذَلَتْ لِزَوْجِهَا مَالًا عَلَى أَنْ يُبِيحَ لَهَا صِيَامَ الْأَيَّامِ الَّتِي نَذَرَتْ إنْ كَانَتْ أَيَّامًا يَسِيرَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ صِيَامِهَا إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ صِيَامِهَا لِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهَا عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ وَيَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ الْحَضَانَةَ عَلَى ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ إذَا لَيْسَ بِمُبَايَعَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ صُلْحٌ فِي غَيْرِ مَالٍ فَيُشْبِهُ الْخُلْعَ اهـ. قُلْت: وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى أَنْ تُسْقِطَ حَضَانَتَهَا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا سَقَطَتْ الْحَضَانَةُ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَهَا، وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ الْحَاضِنَةُ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَاتِمَةِ. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ جَوَازِ الْغَرَرِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا أَشْبَهَهُ وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ إذْنِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَالصَّوْمِ إعْطَاءُ الزَّوْجَةِ شَيْئًا لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا النَّوْعِ. (فَرْعٌ) وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ الْحَاضِنَةِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَبَ لِلْأَبِ أَخْذُ الْوَلَدِ مِنْهَا فَأَرَادَتْ إبْقَاءَهُ عِنْدَهَا عَلَى أَنْ تَلْتَزِمَ نَفَقَتَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ عَلَى الْتِزَامِ الْأُمِّ النَّفَقَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ قَالَ الرَّمَّاحُ إذَا الْتَزَمَتْ الْأُمُّ نَفَقَةَ الْبَنَاتِ عَلَى أَنْ لَا يُنْزَعْنَ مِنْهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجِهِنَّ وَيَكُونُ الْعَاقِدُ غَيْرَهَا فَيَجُوزُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ. قُلْت فِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْخُلْعِ بِالْغَرَرِ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ تَلْزَمُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْجَوَازِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي شَرْطِهَا، وَإِنْ تَزَوَّجْت وَبُدِّلَتْ الْأَزْوَاجُ مُسَافِرَةً كَانَتْ، أَوْ حَاضِرَةً، وَأَمَّا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُنَّ بِنَفْسِهَا فَفَاسِدٌ وَبِغَيْرِهَا فَقَالَ يَجُوزُ وَهَلْ

هُوَ مِنْ قَبِيلِ اللُّزُومِ وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْفُتْيَا أَوْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا وَتَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَسْقَطَتْ لِذَلِكَ كَمَا إذَا أَسْقَطَتْ لَهُ مِنْ صَدَاقِهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ عَلَى تَبْقِيَتِهَا فِي عِصْمَتِهِ، أَوْ يُعْطِيَهَا عَلَى الْأَثَرَةِ عَلَيْهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْعَمَلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ. قُلْت: أَمَّا إذَا الْتَزَمَتْ الْأُمُّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَى أَنْ لَا يَنْزِعَ مِنْهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ فَيَجْرِي الْكَلَامُ فِي لُزُومِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ مِنْ جَوَازِ الْخُلْعِ عَلَى الْغَرَرِ عَلَى الْتِزَامِ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، وَعَلَى اللُّزُومِ الْعَمَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ صِحَّةُ الْخُلْعِ عَلَى الْتِزَامِ النَّفَقَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَوْلَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْخُلْعِ عَلَى الْتِزَامِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُخَالِعُ الزَّوْجَةَ عَلَى أَنْ تَسْقُطَ حَضَانَتُهَا وَتُسَلِّمَ الْوَلَدَ لِلْأَبِ، فَإِنْ أَرَادَتْ أَخَذَ فَلَا يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ تَلْتَزِمَ نَفَقَتَهُ وَتَسْقُطَ عَنْ الْأَبِ مُؤْنَتُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ خُلْعٌ صَحِيحٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْخُلْعِ كَمَا إذَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ الزَّوْجَةِ بِزَوَاجٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ الْتَزَمَتْ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا عِنْدَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ إلَى الْبُلُوغِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَعَلَّ كَلَامَ الرَّمَّاحِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَتْ نَفَقَةَ الْبَنَاتِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي تَزْوِيجِهِنَّ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهَا تَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهَا فَلَا إشْكَالَ فِي فَسَادِهِ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى النَّظَرِ لَهَا فِي أَمْرِهِنَّ وَتُوَكِّلُ مَنْ يَعْقِدُ عَلَيْهِنَّ فَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ الْأَبِ عَلَى الْحَاضِنَةِ إنْ خَرَجَتْ بِالْأَوْلَادِ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ بَلَغَنِي أَنَّك تَشْتُمنِي فَقَالَ مَا قُلْت فَقَالَ احْلِفْ وَلَك كَذَا وَكَذَا هِبَةً مِنِّي فَحَلَفَ أَتَرَى أَنَّ لَهُ الْهِبَةَ؟ قَالَ نَعَمْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ تَرَكَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إجَازَةِ الْجَعْلِ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ وَقَالَ بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ أَجَازَهُ ابْنُ عُمَرَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ لِرَجُلٍ جَعْلًا عَلَى أَنْ يَرْقَى الْجَبَلَ فَأَجَازَهُ. قَالَ أَصْبَغُ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِهِ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ الْجَعْلَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: احْلِفْ لِي أَنَّك مَا شَتَمْتنِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَحَلَفَ فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ غُرْمَ مَا جَعَلَ لَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَهُوَ تَطْبِيبُ نَفْسِهِ مِنْ جِهَتِهِ وَتَحْسِينُ ظَنِّهِ بِهِ حَتَّى لَا يَعْتَقِدُ شَرًّا وَلَا مَكْرُوهًا فَيَأْثَمُ فِي اعْتِقَادِ

ذَلِكَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك وَلَك كَذَا وَكَذَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ مَنْ أَحَبَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ: وَلِّنِي نِكَاحَ ابْنَتِك وَلَك كَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْوَلِيَّةِ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَدَخَلَهُ الْغَرَرُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ هُنَاكَ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعْنِي قَوْلَ الرَّجُلِ احْلِفْ لِي وَلَك كَذَا مُعَارَضَةً لِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إنْ حَلَفَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَالِبٌ لِيَمِينِ الْحَالِفِ وَمَا الْتَزَمَهُ هِبَةٌ مِنْهُ لَهُ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الْحَلِفِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّمَا قَصْدُهُ التَّنْكِيتُ بِالْمُدَّعِي، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ وَلَيْسَ قَصْدُهُ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ مُعَلَّقٌ عَلَى أَمْرٍ لَا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ أَمْ لَا؟ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ الِالْتِزَامِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِخَصْمِهِ إنْ لَمْ أُوفِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدْعِيهِ حَقٌّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ، وَأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَغَرَرٌ. وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْإِقْرَارِ يَقُولُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَحْوُهُ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ إذَا شَاءَ فُلَانٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ شَاءَ فُلَانٌ، أَوْ لَمْ يَشَأْ؛ لِأَنَّهُ خَطَرٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ إنْ تَكَلَّمَ، أَوْ دَخَلَ الدَّارَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ سَحْنُونَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ، أَوْ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ، أَوْ دَخَلَ فُلَانٌ فِي دَارِنَا فَهُوَ بَاطِلٌ فِي إجْمَاعِنَا، وَلَوْ قَالَ إنْ حَمَلَ مَتَاعِي هَذَا إلَى الْبَصْرَةِ فَفَعَلَ، فَهَذِهِ إجَارَةٌ. وَلِنَذْكُرَ مَسْأَلَةَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْكَلَامِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ. قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْإِقْرَارِ بِشَرْطِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ: وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ، أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ، أَوْ حِينَ حَلَفَ، أَوْ مَعَ يَمِينِهِ، أَوْ مِنْ يَمِينِهِ، أَوْ بَعْدَ يَمِينِهِ فَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ وَنَكَلَ الْمُقِرُّ وَقَالَ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْمُقِرِّ فِي إجْمَاعِنَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ فِيهَا، أَوْ ادَّعَاهَا، أَوْ مَتَى حَلَفَ بِالْعِتْقِ، أَوْ الطَّلَاقِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، أَوْ قَالَ إنْ حَلَفَ مُطْلَقًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ بِهَذَا، وَإِنْ حَلَفَ الطَّالِبُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ، أَوْ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ، أَوْ إنْ أَعَارَنِي دَابَّتَهُ، أَوْ رِدَاءَهُ فَأَعَارَهُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ شَهِدَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ فَشَهِدَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي هَذَا كُلِّهِ. وَأَمَّا إنْ قَالَ بِهَا فُلَانٌ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ فَتَحَاكَمَا إلَيْهِ فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونَ وَلَكِنْ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ فَجَحَدَ فَقَالَ لَهُ احْلِفْ، وَأَنْت بَرِيءٌ، أَوْ قَالَ إذَا حَلَفْت، أَوْ مَتَى حَلَفْت، أَوْ كُلَّمَا حَلَفْت، أَوْ أَنْت بَرِيءٌ مَعَ يَمِينِك فَحَلَفَ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَطْلُوبُ وَلَوْ رَجَعَ لِلطَّالِبِ وَقَالَ لَا يَحْلِفُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ

إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ، وَأَنَا أَغْرَمُ ذَلِكَ فَحَلَفَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَلَوْ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَحْلِفُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ وَيَثْبُتَ لَهُ حَقُّهُ اهـ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْأَوَّلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ فُلَانٍ دَعْوَى، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ احْلِفْ وَخُذْهَا، فَهَذَا يَلْزَمُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ سَحْنُونَ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ اعْتَمَدَ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ فِيمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِقْرَارِ، أَوْ إنْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُنَاقَضَةَ الَّتِي فِي كَلَامِ سَحْنُونَ وَأَجَابَ عَنْهَا وَنَصُّهُ قَوْلُ سَحْنُونَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي قَوْلِهِ إنْ حَلَفَ فَحَلَفَ بِقَوْلِهِ: احْلِفْ، وَأَنَا أَغْرَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ حَمَّالَتِهَا احْلِفْ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَدْعِيهِ قِبَلَ أَخِي حَقٌّ، وَأَنَا ضَامِنٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ الشَّيْءِ إمْكَانُهُ، وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ إنْ حَلَفْت وَأَخَوَاتِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ مَلْزُومِيَّةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ لَا تَدُلُّ عَلَى إمْكَانِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ إتْيَانِهِ فِي لَفْظِهِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِمْكَانُ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ احْلِفْ لِإِتْيَانِهِ بِمَا دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ شَرْطِ اللُّزُومِ، وَهُوَ الْإِمْكَانُ لِدَلَالَةِ صِيغَةِ افْعَلْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَطْلُوبٍ عَادَةً مُمْكِنٌ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامَيْ سَحْنُونَ أَظْهَرُ وَالثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى احْلِفْ، وَأَنَا أَغْرَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا فَيَقُولُ لَهُ احْلِفْ عَلَى أَنَّ مَا ادَّعَيْت عَلَيْك لَيْسَ حَقًّا وَابْرَأْ فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ، فَإِذَا هَمَّ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لَا أَرْضَى يَمِينَك وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّك تَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَلْ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَكِنْ يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ وَيَحِقُّ حَقَّهُ عَلَى مَا أَحَبَّ الْآخَرُ، أَوْ كَرِهَ، فَقَدْ رَدَّ الْيَمِينَ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ يَكِلَّ عَنْهَا مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلَانِ مُحْتَمَلَانِ اهـ. وَقَوْلُهُ إنَّهَا مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ

فرع المدعى عليه إذا طلب المدعي يمينه

وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهَا بِنَحْوِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَقَالَ إنَّهَا ذُكِرَتْ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي الَّذِينَ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فِي الْقَسَامَةِ فَيَنْكُلُونَ ثُمَّ يَقُولُونَ بَعْدُ نَحْنُ نَحْلِفُ قَالَ كُلُّ مَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَأَبَاهَا، فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِتَرْكِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي تَرْكِهَا عُذْرٌ بَيِّنٌ قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ بِالْعُذْرِ مِثْلُ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْمَيِّتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ يَكُونَ أَوْصَى بِوَصَايَا وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ] (فَرْعٌ) مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَتِهِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَمِنْ الْحَزْمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ بَيِّنَتَهُ مَا عَلِمَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَعْلَمْ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْبَيِّنَةِ اهـ. وَكَذَا الِالْتِزَامُ مِنْ الْمُدَّعِي مُعَلَّقٌ عَلَى حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِي الْتِزَامَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. (فَرْعٌ) وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِحُقُوقٍ عَدَّدَهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى بَعْضِهَا وَلَهُ عَلَى بَعْضِهَا بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ وَطَلَب حَلِفَهُ عَلَى مَا لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَبَقَاءَهُ عَلَى مَا لَهُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى مَا لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّ لَهُ فِيهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ عَلَيْهِ يَمِينٌ، فَإِنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ حَلَّفَهُ الْآنَ عَلَى مَا زَعَمَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَعْجِلْ بِيَمِينِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَقَامَهَا وَإِلَّا جَمَعَ دَعَاوِيَهُ وَحَلَفَ لَهُ عَلَى الْجَمِيعِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي فَصْلِ: " مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ ". (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: وَلِّنِي إنْكَاحَ ابْنَتِك وَلَك كَذَا وَكَذَا، أَوْ يَجْعَلُ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ بِجَعْلٍ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ وَيَرُدُّ الْجَعْلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَهُ عَزْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إنْ شَاءَ، فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ رَدَّ الْجَعْلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَرَضِيَتْ بِالزَّوْجِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ كَانَتْ بِكْرًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَتْ مَالِكَةً، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا الزَّوْجُ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ فُسِخَ النِّكَاحُ إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا رَأَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا مِنْهَا. وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا فَوَّضَتْ إلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيُزَوِّجَهَا مِمَّنْ يَشَاءُ فَزَوَّجَهَا كُفُؤًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ سَمَّى لَهَا أَمْ لَا بِكْرًا كَانَتْ أَمْ ثَيِّبًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْجَعْلُ فِي هَذَا وَقَالَ إنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَصْلُحُ

مِنْ أَجْلِ أَنَّ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَعْلِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ فِيهِ لَجَازَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونَ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا الزَّوْجَ إذَا رَضِيَتْ بِالْأَمْرِ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ وَالثَّيِّبِ إذَا كَانَ سَمَّى لَهَا الزَّوْجَ وَعَرَفَتْهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الَّذِي أَعْطَى عَلَيْهِ الْمَالَ مِنْ تَزْوِيجِ وَلِيَّةِ الرَّجُلِ لِمَنْ يُحِبُّ تَمَّ لَهُ فَيَرْتَفِعُ الْغَرَرُ وَالْخَطَرُ. وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك بِكَذَا وَكَذَا وَلَك كَذَا وَكَذَا وَالْوَجْهُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِلْمَجْعُولِ لَهُ رُجُوعًا فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِي ذَلِكَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَ فِيهِ حَقٌّ لِلْوَلِيَّةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا يَزْهُو بِاسْتِنْبَاطِهِ إيَّاهُ وَاهْتِدَائِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ جُعْلٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ وَفِي الْبَيْعِ جُعْلٌ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ إذْ قَدْ يَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ الْجُعْلِ فَيَكُونُ قَدْ انْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي صَارَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَهُ الْوَلِيُّ مِنْ حِنَّاءٍ، أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلزَّوْجَةِ فَصَارَ قَدْ أَعْطَى الْجُعْلَ عَلَى مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ قَائِلِهِ إذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً فَبَاعَهَا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ لِرَبِّ السِّلْعَةِ كَمَا شَرَطَ الْوَلِيُّ عَلَى الزَّوْجِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا سِوَاهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ إذْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَذُكِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَلْزَمُهَا إذَا لَمْ تَرْضَ بِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا رَضِيَتْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقُرْبِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُعْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك وَلَك عِنْدِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قَالَ إذَا فَعَلَ وَسَمَّى لِلدَّارِ ثَمَنًا فَالْعَشَرَةُ لَازِمَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ وَسَمَّى لِلدَّارِ ثَمَنًا يَزِيدُ أَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادَ فِي بَيْعِهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ لَهُ الْعَشَرَةَ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ بَيْعِهَا لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْغَرَضِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا وَلَا فَوَّضَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادَ فِيمَا يَبِيعُهَا بِهِ لَمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَرْضَى أَبَدًا بِبَيْعِهَا بِمَا يُعْطِي فِيهَا فَتَذْهَبُ الْعَشَرَةُ الَّتِي أَعْطَى بَاطِلًا، أَوْ يَرُدُّ فَيَكُونُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِذَا وَلَّى لَهُ بَيْعَ الدَّارِ عَلَى مَا بَذَلَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْوَلِيَّةِ الْمُزَوَّجَةِ عَلَى مَا مَضَى فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ

مَالِكٌ مَنْ قَالَ: دُلَّ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي جَارِيَتِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَدَلَّ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ، وَمَنْ قَالَ دُلَّ عَلَى مَنْ أُؤَاجِرُهُ نَفْسِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ لَهُ، وَمَنْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَلَك كَذَا وَكَذَا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ سَحْنُونٌ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَأَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ فِي النِّكَاحِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ وَالصَّرْفُ مِنْ سَمَاعِهِ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ إنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَا مَنْ يَبِيعُ مِنْهُ وَلَا مَنْ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَيْ أَشِرْ عَلَيَّ بِامْرَأَةٍ تَعْلَمُ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِي، وَهَذَا لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُ دُونَ جُعْلٍ لَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» الْحَدِيثَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، فَإِنَّنِي مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَكِنْ لَا أُعْلِمُك بِهَا وَأَدُلُّك عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا لَمَا حَلَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ وَلَك كَذَا وَكَذَا فَدَلَّ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ الْجُعْلُ فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجُعْلَ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، أَوْ اسْعَ لِي فِي نِكَاحِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَإِنَّمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ إنَّ الْجُعْلَ يَلْزَمُ فِي قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّهُمَا فَهِمَا مِنْ قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ابْحَثْ لِي عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لِي وَدُلَّنِي عَلَيْهَا وَلَك كَذَا وَكَذَا فَأَوْجَبْنَا لَهُ الْجُعْلُ إذْ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَبْحَثَ لِلرَّجُلِ عَلَى مَنْ تَصْلُحُ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ فَيَدُلَّهُ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ إذَا اسْتَرْشَدَهُ فِي أَمْرٍ عَلِمَهُ أَنْ يَدُلَّهُ وَيَنْصَحَ لَهُ وَلَا يَكْتُمَهُ. وَلَوْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى مَنْ أَبِيعُ مِنْهُ سِلْعَتِي وَأُؤَاجِرُهُ نَفْسِي وَلَك كَذَا وَكَذَا لَكَانَ لَهُ الْجُعْلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَفِي هَذَا يَفْتَرِقُ الْبَيْعُ مِنْ النِّكَاحِ إذْ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَدُلَّ الرَّجُلَ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ سِلْعَةً إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالْفَرْقُ فِي هَذَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ وَالنِّكَاحَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا. وَلَوْ اُضْطُرَّ الرَّجُلُ الْغَرِيبُ فِي مَوْضِعٍ لَا سُوقَ فِيهِ إلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَقَالَ لِرَجُلٍ دُلَّنِي عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي سِلْعَتِي، وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَدُلُّك إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا لِوُجُوبِ ذَلِكَ، فَهَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَرْقٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ حَكَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجُعْلَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى النِّكَاحِ لَا يَلْزَمُ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إجَازَتَهُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمَاجِشُونِ إجَازَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، فَهَذَا تَأْوِيلٌ مِنْهُ فِي أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ وَتَأْوِيلُنَا أَظْهَرُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ عِيسَى قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ

فَإِنْ قَالَ اسْعَ لِي فِي نِكَاحِ بِنْتِ فُلَانٍ، أَوْ شَخِّصْ لِي فِي ذَلِكَ وَلَك كَذَا وَكَذَا قَالَ إذَا سَعَى فِي ذَلِكَ وَكَانَ حَيْثُ هُوَ فِي حَاضِرَتِهِ، وَلَمْ يُشَخِّصْ فِيهَا إلَى بَلَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْجُعْلَ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ لَا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ فِعْلُهُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَضَى فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِّنِي النِّكَاحَ وَلَّيْتُك النِّكَاحَ وَلَك كَذَا وَكَذَا، أَوْ وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك وَلَك كَذَا وَكَذَا وَبَيَّنْت الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَاضِرَتِهِ وَلَا يَشْخَصُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْجَاعِلِ فِي شُخُوصِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ إنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ النِّكَاحُ، وَهُوَ يَشْخَصُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ الْجُعْلُ بِتَمَامِهِ كَمَا يَشْخَصُ لِطَلَبِ الْإِبَاقِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَجِبُ لَهُ الْجُعْلُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ فِيهِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجُلِ يُجَاعِلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيْعِهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ انْتَفَعَ الْجَاعِلُ بِحَمْلِ سِلْعَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَسْبَمَا مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ هَذِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَجُوزَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قُلْت: هَذَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُعْلِ مَعَ عِلْمِ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ بِمَوْضِعِ الْآبِقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي رَجُلٍ أَرَادَ السَّفَرَ مَعَ أُمِّهِ فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ اُتْرُكْ السَّفَرَ مَعَ أُمِّك وَأُزَوِّجُك ابْنَتِي وَأُعْطِيك عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ فَتَرَكَ الْمَسِيرَ مَعَ أُمِّهِ ثُمَّ قَامَ عَلَى عَمِّهِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ يَطْلُبُهُ الْعِدَةَ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى عَمِّهِ بِدَفْعِ الْعَشَرَةِ مَثَاقِيلَ إلَيْهِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَقَدَ نِكَاحَهَا مَعَ أَحَدٍ فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عِدَةٌ قَارَنَهَا سَبَبٌ، وَهُوَ تَرَكَ الْمَسِيرَ مَعَ أُمِّهِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا اهـ. وَفُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَسَائِلِ بُيُوعٍ وَكِرَاءٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ سُؤَالِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكْفِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمِ سُؤَالِ الْجَمِيعِ، فَلَوْ قَالَ لِوَاحِدٍ كُفَّ عَنِّي وَلَك دِينَارٌ جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ، وَلَوْ قَالَ كُفَّ عَنِّي وَلَك نِصْفُهَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ لَجَازَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ إذَا أَعْطَاهُ النِّصْفَ عَلَى سَبِيلِ الْعَطِيَّةِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَاهُ عَلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَيَكُفُّ عَنْهُ مَا لَا يَمْلِكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ

الخلع من الأجنبي

صَحِيحٌ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّجْشِ وَقَالَ فِي إجَازَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لَيْسَ عَلَى الْكَفِّ لِذَاتِهِ بَلْ لِرَجَاءِ حُصُولِ السِّلْعَةِ وَهِيَ قَدْ لَا تَحْصُلُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ إنَّمَا يَجُوزُ فِي سُؤَالِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ التَّرْكُ تَفَضُّلًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ دُلْسَةٌ مَنَعَهُ بِالدِّينَارِ خِلَافَ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ اهـ. قُلْت: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ هِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةٍ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ وَمِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: الْمُبْتَاعُ لِرَجُلٍ حَاضِرٍ كُفَّ عَنِّي لَا تَزِدْ عَلَيَّ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ وَكُرِهَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: كُفَّ عَنِّي وَلَك نِصْفُهَا وَتَدْخُلُهَا الدُّلْسَةُ اهـ. [الْخُلْعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَكْفِي مَظِنَّتَهَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا يَتَوَقَّعُ فِيهِ مَصْلَحَةً وَلِذَلِكَ أَجَازُوا الْخُلْعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَجَعَلُوهُ لَازِمًا بَلْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلْسِ، فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِرَجُلٍ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَلَك عِنْدِي كَذَا وَكَذَا، أَوْ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَأَلَ عَنْ الرَّجُلِ الْحُرِّ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ أَنِفَ فَقَالَ لَهُ طَلِّقْهَا، وَأَنَا أَكْتُبُ لَك كِتَابًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ إذَا بَدَا لَك أَنْ تَتَزَوَّجَ فَطَلَّقَهَا وَكَتَبَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَأَقَامَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ لَا يَتَزَوَّجُ ثُمَّ إنَّ الْجَارِيَةَ أُعْتِقَتْ وَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَارْتَجَعَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ مَاتَ الَّذِي ضَمِنَ الْمَالَ أَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ قَدْ تَقَادَمَ ذَلِكَ فَلَا أَرَى لَهُ حَقًّا فِي مَالِهِ وَلَا أَرَى لَك أَنْ تَدْخُلَ فِي مِثْلِ هَذَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ: " قَدْ تَقَادَمَ هَذَا فَلَا أَرَى لَهُ حَقًّا " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ لَوَجَبَ لَهُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إذَا تَزَوَّجَ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ هِبَةً تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ فَصَارَ ثَمَنًا لِلطَّلَاقِ وَيَجِبُ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُحَاصِصْ الْغُرَمَاءُ بِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَفِي الْعَشَرَةِ لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي مَالِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ فَرَآهُ كَالْعَطِيَّةِ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ، وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يُعْطِي امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ دَارِهِ عَلَى أَنْ تُسْلِمَ هَلْ هِيَ ثَمَنٌ لِإِسْلَامِهَا فَلَا تَحْتَاجُ فِيهَا إلَى حِيَازَةٍ، أَوْ عَطِيَّةٌ تَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْمَسْأَلَةُ الْوَاقِعَةُ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ. قَوْلُهُ احْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَشْتُمنِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَيَدْخُلُهُ الْقَوْلَانِ قَالَ فَكَانَ الْأَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ تَجِبَ لَهُ الْمِائَةُ تَقَادَمَ الْأَمْرُ أَمْ لَمْ يَتَقَادَمْ لِقَوْلِهِ فِيهَا إذَا بَدَا لَك؛ لِأَنَّ إذَا ظَرْفٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ الزَّمَانِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعَطِيَّةَ بِالتَّزْوِيجِ دُونَ الطَّلَاقِ فَقَالَ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَكَ دَارِي الْفُلَانِيَّةُ، أَوْ فَلَكَ قِبَلِي كَذَا وَكَذَا لَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لَازِمًا لَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى حِيَازَةٍ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِالْقُرْبِ عَلَى هَذِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ إنْ تَزَوَّجْت فَأَنَا أُعْطِيَك

قال من جاءني به يعني العبد الآبق فله نصفه

كَذَا وَكَذَا كَانَتْ عِدَةً عَلَى سَبَبٍ تَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ عَلَّقَ الْعَطِيَّةَ بِالتَّزْوِيجِ " إلَى قَوْلِهِ: " لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى حِيَازَةٍ " مَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ، أَوْ يَمُوتَ هَذَا مِنْ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ وَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ السَّادِسِ الِالْتِزَامُ الَّذِي مِنْ بَابِ هِبَةِ الثَّوَابِ وَمِنْ بَابِ الْجُعْلِ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُطْلَبُ فِي الشَّيْءِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَا غَرَرَ فِيهِ. [قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِهِ يَعْنِي الْعَبْدَ الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ] (الثَّانِي) فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِهِ يَعْنِي الْعَبْدَ الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذْ لَا يَدْرِي مَا دَخْلُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِإِجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ عَلَى هَذَا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ رَأَيْت فِي مَسَائِلَ مُنْتَخَبَةٍ لِابْنِ لُبَابَةَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ بِهِ، وَأَنْ يُجْعَلَ جُعْلًا وَمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِئْجَارُ بِهِ وَلَا جَعْلُهُ جُعْلًا إلَّا خَصْلَتَيْنِ فِيمَنْ يَجْعَلُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ لَهُ أُصُولًا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ كَذَا ثُمَّ هِيَ وَالْأَصْلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ نِصْفَ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَفِيمَنْ يَقُولُ: اُلْقُطْ زَيْتُونِي فَمَا لَقَطْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ، فَهَذَا يَجُوزُ يُرِيدُ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي جَوَازِ اقْتَضِ لِي مِائَةً عَلَى فُلَانٍ وَمَا اقْتَضَيْت فَلَكَ نِصْفُهُ وَهُمَا سَوَاءٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: الْفَرْقُ أَنَّ فِي لَقْطِ الزَّيْتُونِ غَرَرًا؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ أَهْوَنُ مِنْ آخِرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَقَطَ عَلَى الْعُشْرِ وَأَقَلَّ، وَإِذَا كَانَ خَفِيفًا لَقَطَ عَلَى النِّصْفِ وَأَكْثَرَ وَلَا يَدْرِي الْجَاعِلُ هَلْ يُتِمُّ الْعَامِلُ الْعَمَلَ أَمْ لَا؟ فَالْأَظْهَرُ مَنْعُ الْجُعْلِ فِيهِ. وَأَمَّا الْمُجَاعَلَةُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِالْجُزْءِ مِمَّا يَقْتَضِي فَأَشْهَبُ لَا يُجِيزُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فِي الْعَنَاءِ، وَأَمَّا الْحَصَادُ وَالْجَذُّ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِ الْمُجَاعَلَةِ فِيهِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ: جُذَّ مِنْ نَخْلِي مَا شِئْت وَاحْصُدْ مِنْ زَرْعِي مَا شِئْت عَلَى أَنَّ لَك مِنْ كُلِّ مَا تَجُذُّ، أَوْ تَحْصُدُ جُزْءًا كَذَا الْجُزْءُ يُسَمِّيه اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ. قُلْت: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي لَقْطِ الزَّيْتُونِ الْجَوَازُ. وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَصَادِ قَوْلَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ. (فَرْعٌ) وَعَلَى جَوَازِ الْجُعْلِ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِجُزْءٍ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَالَ اقْتَضِ لِي مِائَةً مِنْ فُلَانٍ وَلَك نِصْفُهَا وَمَا اقْتَضَيْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَزِدْ وَمَا اقْتَضَيْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ. ابْنُ رُشْدٍ بِنَاءً عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْإِجَارَةِ، أَوْ الْجُعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مات الملتزم قبل أن يشرع الملتزم له في العمل

فَرْعٌ) لَوْ قَالَ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ خِدْمَتُهُ شَهْرًا وَعَمَلُهُ كَذَا كَانَ جُعْلًا فَاسِدًا لِجَهْلِ عِوَضِهِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِّ الْجُعْلِ. (فَرْعٌ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ مَنْ جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ جَاءَ بِعَبْدِهِ الْآبِقِ نِصْفَهُ فَجَاءَ بِهِ شَخْصٌ وَهَلَكَ بِيَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ لِرَبِّهِ فَهُوَ جُعْلٌ فَاسِدٌ وَلِلْمَجْعُولِ لَهُ عَلَى الْجَاعِلِ فِيهِ عَنَاؤُهُ فِي ذَهَابِهِ فِي طَلَبِهِ وَنِصْفُ قِيمَةِ عَنَائِهِ فِي رُجُوعِهِ إلَى وَقْتِ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَلِلْجَاعِلِ الْمَجْعُولِ لَهُ قِيمَةُ نِصْفِ عَبْدِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. (مَسْأَلَةٌ) سُئِلْتُ عَنْهَا وَهِيَ رَجُلٌ أَسْكَنَ شَخْصًا دَارًا لَهُ عَلَى أَنْ يُسْكِنَهُ الْآخَرُ دَارًا لَهُ وَرَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِسُكْنَاهُ فِي دَارِ صَاحِبِهِ عِوَضًا عَنْ سُكْنَى دَارِهِ وَالْتَزَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرِّضَا بِذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ. (فَأَجَبْتُ) بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لِكَوْنِهَا إلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَاتَ الْمُلْتَزِمُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ فِي الْعَمَلِ] (الثَّالِثُ) الِالْتِزَامُ هُنَا مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُلْتَزِمُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ فِي الْعَمَلِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ التَّمَادِي، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ تَمَّ الْعَمَلُ لَزِمَ الْجُعْلُ الْمُلْتَزِمَ، وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَبَعَّضُ كَطَلَبِ الْآبِقِ وَحَفْرِ الْآبَارِ، فَهَذَا لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ تَمَامِهِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَبَعَّضُ كَالْحَصْدِ وَاللَّقْطِ وَاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُ وَرَثَةَ الْمُلْتَزِمِ أَنْ يُبْقُوهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاقْتِضَاءُ يَحْتَاجُ إلَى شُخُوصٍ مِنْ الْبَلَدِ وَمَاتَ الْمُلْتَزِمُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ فِي الطَّلَبِ وَالشُّخُوصِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ فِي اقْتِضَاءِ مَا كَانَ قَامَ فِيهِ وَلِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ يَعْنِي الْمُلْتَزَمَ لَهُ الْقِيَامُ مَقَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ احْلِفْ لِي وَلَك كَذَا وَكَذَا هَلْ يَفْتَقِرُ لِلْحَوْزِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلْسِ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ لَك عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَأَشْهَدْت لَهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاك مِائَةً مِنْ الْأَلْفِ الْحَالَّةِ إلَى شَهْرٍ فَبَاقِيهَا سَاقِطٌ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْأَلْفُ كُلُّهَا لَازِمَةٌ لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَكُمَا لَازِمٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ إنْ أَتَى بِالْحَقِّ كُلِّهِ لِلْوَقْتِ فَذَلِكَ لَازِمٌ، وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ، أَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَا لَهُ بَالٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ. وَإِنْ أَتَى بِهِ لِلْوَقْتِ إلَّا دِرْهَمًا، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ

مسألة بيع الثنيا

قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ عَجَّلْت لِي حَقِّي، أَوْ إلَى شَهْرٍ فَلَكَ وَضِيعَةُ كَذَا فَيَجْعَلُهُ لِلْوَقْتِ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ الشَّيْءَ التَّافِهَ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ، أَوْ أَمَدٍ قَرِيبٍ أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَازِمَةٌ قَالَ مُطَرِّفٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي السَّلَمِ فِي ضَحَايَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ أَيَّامِ الْأَضْحَى بِيَوْمٍ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ، وَإِنَّ تَبَاعَدَ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ وَمَا بَعْدُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهَا، أَوْ يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَضِيعَةِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا جَاءَ بِالْحَقِّ بَعْدَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ، أَوْ نَاقِصَ دِرْهَمٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَ عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ كَقَوْلِ أَصْبَغَ: " إنَّ لَهُ شَرْطَهُ ". ابْنُ يُونُسَ جَيِّدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيَدْخُلُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَضَاحِيّ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيسَى هُوَ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَنَصُّهُ: وَسَأَلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِغَرِيمِهِ، وَقَدْ حَلَّ حَقُّهُ: إنْ عَجَّلْتَ لِي كَذَا وَكَذَا مِنْ حَقِّي فَبَقِيَّتُهُ عَنْك مَوْضُوعٌ إنْ عَجَّلْته لِي نَقْدًا السَّاعَةَ، أَوْ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيه فَعَجَّلَ لَهُ نَقْدًا، أَوْ إلَى الْأَجَلِ إلَّا الدِّرْهَمَ، أَوْ النِّصْفَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ تَكُونُ الْوَضِيعَةُ لَازِمَةً فَقَالَ مَا أَرَى الْوَضِيعَةَ تَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يُعَجِّلْ لَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَرَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى شَرْطِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَتَحَصَّلُ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَمِثْلُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ جَمِيعَ مَا شَرَطَ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي قَدْ سَمَّى، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَازِمَةٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَحْوُهُ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا فِي الَّذِي يُسَلِّفُ فِي ضَحَايَا لِيُؤْتَى بِهَا فِي الْأَضْحَى فَلَا يَأْتِي بِهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَخْذُهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي تَرْكِهَا، وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ يَنْعَقِدُ عَلَى تَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ فَيَتَأَخَّرُ النَّقْدُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ بِهُرُوبٍ مِنْ الْمُسَلِّمِ، وَهُوَ عَرْضٌ أَنَّ السَّلَمَ لَازِمٌ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَنْتَقِصَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ شَرْطِهِ، وَهُوَ عَلَى مَا رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُسَلِّفُ فِي ضَحَايَا عَلَى أَنْ يُؤْتَى بِهَا فِي الْأَضْحَى فَلَا يَأْتِيه بِهَا فِي الْأَضْحَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُ بِهَا بِقُرْبِ الْأَضْحَى بَعْدَ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْوَضِيعَةِ بِقَدْرِ مَا عَجَّلَ لَهُ مِنْ حَقِّهِ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ عَلَى قَوْلِ عِيسَى الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْحَقُّ حَالًّا، أَوْ حَلَّ أَجَلُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ لَهُ بَعْضَ الْحَقِّ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ وَضْعٌ وَتَعَجُّلٌ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْحَقُّ بَاقٍ إلَى أَجَلِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا عَجَّلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الثُّنْيَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثُّنْيَا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك هَذَا الْمِلْكَ، أَوْ هَذِهِ

السِّلْعَةَ عَلَى أَنِّي أَتَيْتُك بِالثَّمَنِ إلَى مُدَّةِ كَذَا، أَوْ مَتَى آتِيك فَالْمَبِيعُ مَصْرُوفٌ عَلَيَّ وَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَفَوْتُ الْأُصُولِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهِ وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الْيَمِينَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ قَالَ سَحْنُونٌ بَلْ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعٌ وَسَلَفٌ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا وَتَارَةً يَكُونُ سَلَفًا لَا أَنَّهُ يَكُونُ حُكْمَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فِي الْفَوَاتِ بَلْ فِيهِ الْقِيمَةُ مَا بَلَغَتْ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَاخْتُلِفَ إذَا أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ الثُّنْيَا شَرْطَهُ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَالشَّرْطَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ إذَا أَسْقَطَ شَرْطَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَدْ فَسَخَا الْأَوَّلَ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُخْتُلِفَ إذَا نَزَلَ هَلْ يَتَلَافَى بِالصِّحَّةِ كَالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ اهـ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ يَتَلَافَى أَنْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَسَأَلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِالثَّمَنِ كَانَ أَحَقَّ بِحَائِطِهِ وَكَانَ إلَيْهِ رَدًّا فَأَقَامَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي سِتَّ سِنِينَ يَسْتَغِلُّهُ فَجَاءَهُ بِالثَّمَنِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ حَائِطَهُ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الْحَائِطَ مَا أَنْفَقَ فِي الْحَائِطِ قَالَ مَالِكٌ أَصْلُ هَذَا الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا وَلَا حَسَنًا وَأَرَى لِلْمُشْتَرِي مَا أَكَلَ مِنْ الثَّمَرَةِ بِالضَّمَانِ وَأَرَى لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ مَا أَنْفَقَ فِي بُنْيَانِ جِدَارٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا الْبَيْعُ يُسَمُّونَهُ بَيْعَ الثُّنْيَا وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ إنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لِمَا شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ هُنَا وَفِي بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ مَا لَمْ يَفُتْ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَكَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ، فَإِنْ فَاتَ صَحَّ بِالْقِيمَةِ وَلِحَائِطٍ لَا يَفُوتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْبِنَاءِ الْيَسِيرِ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ الْمُبْتَاعُ فِي بُنْيَانِ جِدَارٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ، وَقَدْ قِيلَ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قَوْلٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ بِالسَّدَادِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ سَدَادٍ رَجَعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ عَلَى السَّدَادِ وَقِيلَ فِيهِ إنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً قَالَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَسْلَفَ الْبَائِعَ الثَّمَنَ عَلَى أَنْ يَغْتَلَّ حَائِطَهُ حَتَّى يَرُدَّ إلَيْهِ السُّلْفَةَ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرُدُّ الْغَلَّةَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنُ السَّلَفِ فَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ اهـ. (تَنْبِيهٌ) الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الثُّنْيَا هُوَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إنَّ بُيُوعَ الشَّرْطِ كُلَّهَا تُسَمَّى بُيُوعَ الثُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَمَّمَ ابْنُ رُشْدٍ بُيُوعَ الثُّنْيَا فِي بِيَاعَاتِ الشُّرُوطِ وَخَصَّصَهُ الْأَكْثَرُ

بِمُعِينِ قَوْلِهَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ فِي وَجْهِ الرَّبْعِ وَمُعْظَمِهِ فَلِذَلِكَ فَوْتٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلِّهِ وَأَتْفَهِهِ فَلَيْسَ بِفَوْتٍ وَيَرُدُّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا وَلَهَا قَدْرٌ فَاتَتْ النَّاحِيَةُ بِقِيمَتِهَا وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ اهـ. وَقَوْلُهُ الرَّبْعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْعَقَارُ، وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْرَ النَّاحِيَةِ الَّتِي تَفُوتُ بِالْغَرْسِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَأَنَّهَا الرُّبْعُ، أَوْ الثُّلُثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَلِلْمُبْتَاعِ مَا اغْتَلَّ فِي الْمِلْكِ قَبْلَ الْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأُصُولِ ثَمَرٌ مَأْبُورٌ وَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ الْأُصُولِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ مَكِيلَتِهِ إنْ عَلِمَهَا وَجَذَّهُ يَابِسًا وَالْقِيمَةُ إنْ جُهِلَتْ الْمَكِيلَةُ، أَوْ جَذَّهُ رُطَبًا اهـ. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا هَلْ هُوَ بَيْعٌ، أَوْ رَهْنٌ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْغَلَّةِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ بَيْعٌ قَالَ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ فَجَعَلَهُ بَيْعًا، وَأَنَّهُ ضَامِنٌ وَالْغَلَّةُ لَهُ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ رَهْنٌ قَالَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ، وَأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْمُشْتَرِي وَمَا كَانَ مِنْ سَبَبِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّهَانِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهَا فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ قَدْ قِيلَ إنَّ بَيْعَ الثُّنْيَا فَاسِدٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا فَاتَ، أَوْ لَمْ يَفُتْ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا تُرَدُّ فِيهِ الْبِيَاعَاتُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْأَحْبَاسُ، فَإِنْ وَقَعَ إلَى أَجْلٍ كَانَ فِيهِ الْكِرَاءُ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ، وَإِنْ وَقَعَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَلَا كِرَاءَ فِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ فِيهِ كَانَ إلَى أَجَلٍ، أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ وَبِذَلِكَ الْعَمَلِ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَصْلَ الشِّرَاءِ كَانَ رَهْنًا، وَإِنَّمَا عَقَدَا فِيهِ الْبَيْعَ لِتَسْقُطَ الْحِيَازَةُ فِيهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا عِنْدَ الشُّهُودِ حِينَ الصَّفْقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْمِلْكَ وَاغْتَلَّهُ ثُمَّ عَثَرَ عَلَى فَسَادِهِ، فَإِنَّهُ يَفْسَخُ وَيَرُدُّ الْأَصْلَ مَعَ الْغَلَّةِ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ ثَمَنَهُ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ بَلْ أَحْرَى مِنْهُ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنَّمَا هُوَ السَّلَفُ بِزِيَادَةٍ وَتَحَيُّلًا بِبَيْعِ الثُّنْيَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى الْبَيْعِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا كَمَا قَالَ حِينَ الصَّفْقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَاسْتَغَلَّهُ إمَّا بِكِرَاءٍ، أَوْ سُكْنَى، وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَذَلِكَ أَنَّ الشَّخْصَ يَبِيعُ الدَّارَ مَثَلًا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَهِيَ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ، أَوْ خَمْسَةً وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ رَدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ يُؤَجِّرُهَا الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ أَنْ يُخَلِّيَهَا الْبَائِعُ مِنْ أَمْتِعَتِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْبَائِعُ عَلَى سُكْنَاهَا إنْ كَانَتْ

مَحَلَّ سُكْنَاهُ، أَوْ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَإِجَارَتِهَا وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَاهُ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِالْغَلَّةِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الضَّمَانُ لِبَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْغَلَّةِ بَلْ لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَسَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ أَخْلَاهُ الْبَائِعُ ثُمَّ أَجَّرَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا لَغْوٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَآلَ الْحَالُ إلَى صَرِيحِ الرِّبَا، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الثُّنْيَا وَفِي الْمَجَالِسِ إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُبْتَاعُ وَتَرَكَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهُوَ كَالرَّهْنِ إذَا لَمْ يَقْبِضْ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِذَا قَبَضَ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَسْخٌ وَبَيْعٌ فِي الْحَقِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُؤَدِّي لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ اهـ. بَلْ سَمِعْت وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرَهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِلْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِفَسَادِهِ حَالَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَتَعَمَّدَهُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْصُوصًا وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ بَلْ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ وَالْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ حُكْمُ الْجَاهِلِ حُكْمُ الْعَامِدِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ذَكَرَهُ فِيمَا لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ عَكْسَ مَسْأَلَتِنَا، وَأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ الْجَاهِلُ فِيهَا بِسَبَبِ جَهْلِهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَإِلَّا لَقَالَ حُكْمُ الْجَاهِلِ فِيهَا حُكْمُ الْعَامِدِ إلَّا فِي كَذَا وَكَذَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنَّهُ إنْ جَاءَ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَالْمَبِيعُ لَهُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي تَفْوِيتُهُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، فَإِنْ فَعَلَ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ نَقَضَ إنْ أَرَادَهُ الْبَائِعُ وَرُدَّ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَّا عَلَى بُعْدٍ مِنْ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبَا لِذَلِكَ أَجَلًا فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي قُرْبِ الزَّمَانِ، أَوْ بُعْدِهِ مَا لَمْ يُفَوِّتْهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ فَوَّتَهُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ التَّفْوِيتَ فَلَهُ مَنْعُهُ بِالسُّلْطَانِ إذَا كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَنْعِ السُّلْطَانِ لَهُ رُدَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ السُّلْطَانُ نَفَذَ بَيْعُهُ اهـ. وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامِ الْمُتَيْطِيَّةِ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ سَلَّمُونِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُؤَقَّتَةِ إنْ جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي الْأَجَلِ، أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ الطَّوْعُ بِهَا - أَيْ بِالثُّنْيَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْضِ عِوَضِهِ دُونَ تَوْطِئَةٍ وَلَا مُوَاعَدَةٍ

وَلَا مُرَاوَضَةٍ مُؤَقَّتَةٍ وَمُطْلَقَةٍ - حَلَالٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَى الْفُرُوجِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْجَارِيَةِ إلَى اسْتِبْرَائِهَا اهـ. وَلَفْظُ نَوَازِلِ أَصْبَغَ فَذَلِكَ جَائِزٌ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ لَازِمٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ مَا عَدَا الْفُرُوجَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الشَّرْطُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ إلَى اسْتِبْرَائِهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ إلَى الْوَطْءِ فَيَجُوزُ، وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَأَرَى أَنْ يَبْطُلَ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهَا بِحَرَارَتِهَا عَلَى نَحْوِ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ يَخْلُ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُمَكَّنْ فَيُنَفِّذُ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا إهْمَالُهُمْ فِي السِّلَعِ غَيْرِ الْفُرُوجِ هَذَا الشَّرْطَ بِلَا وَقْتٍ فَذَلِكَ لَازِمٌ إنْ أَدْرَكَهَا فِي يَدِهِ، فَإِنْ خَرَجَتْ سَقَطَ، وَإِنْ وَقَّتَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَا يُحْدِثَ فِيهَا شَيْئًا يَقْطَعُ ذَلِكَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَقْدَ إذَا سَلِمَ مِنْ الشُّرُوطِ وَكَانَ أَمْرًا مُطَاعًا بِهِ بَعْدَهُ عَلَى غَيْرِ وَأْيِ وَلَا مُوَاطَأَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ مَالِكٍ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا عَدَا جَارِيَةَ الْوَطْءِ إذْ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَمَا عَدَا جِوَارِي الْوَطْءِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجَلٌ لَزِمَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُفَوِّتَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ فَذَلِكَ لَازِمٌ مَا لَمْ يُفَوِّتْهُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُفَوِّتَهُ بِفَوْرِ ذَلِكَ وَمِمَّا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قَطْعَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا فِي الثُّنْيَا الْمُنْعَقِدَةِ بِالطَّوْعِ أَنَّهَا كَانَتْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ حَلَفَ الْآخَرُ عَلَى نَفْيِهِ لِمَا عُرِفَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الْبَاطِنِ وَلَا يَسْقُطُ حَلِفُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ حَضَرَتْ ابْتِيَاعَهُ عَلَى الصِّحَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ حَضَرَتْ الْبَيِّنَةُ ابْتِيَاعَهَا أَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِهِ فِي وَثِيقَةِ التَّبَايُعِ لَا يُسْقِطُ هَذِهِ الْيَمِينَ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْوَثِيقَةِ يُسْقِطُهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَنَحْوُهُ حَكَاهُ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الرَّهْنِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ. قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ: فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَرْطًا فِي نَفْسِ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ كَانَ طَوْعًا فَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الطَّوْعِ مَعَ يَمِينِهِ وَقِيلَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ الَّتِي قَامَتْ لَهُ بِالطَّوْعِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِمِثْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْمُشَاوِرُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَرْطًا فِي نَفْسِ الصَّفْقَةِ حَلَفَ وَفَسَخَ الْبَيْعُ لِمَا جَرَى مِنْ عُرْفِ النَّاسِ وَبِذَلِكَ الْفَتْوَى عِنْدَنَا اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ فِيمَا تَطَوَّعَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالثُّنْيَانِ أَنَّ الْمَبِيعَ رَهْنٌ تَحَيَّلَ بِطَوْعِ الثُّنْيَا لِإِسْقَاطِ حَوْزِهِ فَفِي وُجُوبِ حَلِفِ الْمُبْتَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَثَبَتَ قَوْلُهُ وَسُقُوطُهُ بِبَيِّنَةِ الْعَقْدِ. ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُتَّهَمًا فَذَلِكَ. وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ وَالْعَمَلُ بِمِثْلِ هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَّا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلْمُتَيْطِيِّ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ قَائِلًا هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ الْمَاضِينَ مَعَ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ

قَائِلًا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَالْعَمَلُ بِهِ. وَالثَّالِثُ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَصْبَغَ. وَالرَّابِعُ قَوْلُ ابْنِ أَيْمَنَ مَعَ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَعَزَا ابْنُ غَازِيٍّ الثَّالِثَ لِسَحْنُونٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقَعُ فِي بَلَدِنَا هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا عَقَدَهُ دُونَ طَوْعٍ بَعْدَهُ بِالثُّنْيَا، وَهُوَ أَضْعَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَيَجْرِي فِيهَا غَيْرُ الرَّابِعِ اهـ. نَقَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ لِلثَّوَابِ وَالْهِبَةُ بِيَدِهِ فَهِيَ نَافِذَةٌ كَالْبَيْعِ وَلِلْمَوْهُوبِ قَبْضُهَا إنْ دَفَعَ الْعِوَضَ لِلْوَرَثَةِ فَرَاجِعْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ التَّوْضِيحُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ يُوَرَّثُ أَقَامَ مُحَمَّدٌ أَبُو صَالِحٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْخِيَارَ يُوَرَّثُ أَنَّ الثُّنْيَا أَيْ الْجَائِزَةَ تُوَرَّثُ إنْ مَاتَ الْمُتَطَوَّعُ لَهُ بِهَا وَاخْتَلَفُوا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي الَّذِي تَطَوَّعَ بِالثُّنْيَا هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، أَوْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَضْلِ رَاشِدٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَاحْتَجَّ أَبُو إبْرَاهِيمَ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَقُولُ: لِجَارِيَتِهِ إنْ جِئْتنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَمَاتَ أَنَّ الْعِتْقَ يَلْزَمُ وَرَثَتَهُ إنْ جَاءَتْهُمْ بِالْأَلْفِ. أَبُو الْحَسَنِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَطَّاعَةٌ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْكِتَابَةِ وَهِيَ لَازِمَةٌ وَفِي الْمُسْتَخْرَجَةِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْزَمُهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَبْقَى الدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ، وَإِنْ فَلَّسَ الْمَطْلُوبُ، أَوْ مَاتَ فَمَاتَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ بَعْدَهُ أَنَّ وَرَثَةَ الطَّالِبِ لَا يَلْزَمُهُمْ التَّأْخِيرُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثُّنْيَا لَا تَلْزَمُ وَرَثَةَ الْمُشْتَرِي اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَاتٍ عَنْ ابْنِ تَلِيدٍ مَنْ مَاتَ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ وُجُوبِهِ أَيْ لِلْبَيْعِ مَتَى جِئْتنِي بِالثَّمَنِ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْك لَزِمَ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ إذَا أَعْطَوْا الثَّمَنَ، وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ كَانَ هَذَا التَّطَوُّعُ ثُمَّ يَجْرِي مَجْرَى الْهِبَةِ فَهِيَ هِبَةٌ لَمْ تَجُزْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَ ابْنِ تَلِيدٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْعِدَةِ اهـ. قُلْت: وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ تَلِيدٍ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَضْلِ رَاشِدٌ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الثُّنْيَا إذَا كَانَتْ عَلَى الطَّوْعِ فَهِيَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَحْلِيلِ التَّقْيِيدِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهَا: " وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ لِلثَّوَابِ " قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا التَّازَغْدَرِيُّ كَلَامُ ابْنِ الْهِنْدِيِّ مُشْكِلٌ فِي نَفْسِهِ إذْ لَمْ يَجْعَلْ الْمَعْرُوفَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ مَعَ أَنَّهُ مَحُوزٌ بِحَوْزِ الدَّيْنِ فَانْظُرْ فِيهِ وَاَلَّذِي فِي طِرَازِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّ الثُّنْيَا تَلْزَمُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَا فِي ابْنِ عَاتٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الثُّنْيَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا

وَذَكَرَ النَّهْيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ قُلْت: لَا أَعْلَمُ مُسْتَنَدًا لِأَقْوَالِ الشُّيُوخِ بِصِحَّةِ الطَّوْعِ بِالثُّنْيَا بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا مَا فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ وَفِيهِ لِمَنْ أَنْصَفَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهَا إنْ عُدَّ مِنْ جِهَةِ الْمُبْتَاعِ عَقْدًا بَتًّا فَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ خِيَارٌ فَيَجِبُ تَأْجِيلُهُ لِقَوْلِهَا مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ جَعَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ لَزِمَهُمَا إنْ كَانَ يَجُوزُ مِثْلُهُ، وَهُوَ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ كَبَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ مَعَ قَوْلِهَا مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا بِالْخِيَارِ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَمَدًا جَازَ وَيُضْرَبُ لَهُ مِنْ الْأَمَدِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا عَقْدُ بَيْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا إنْ حَمَلْتنِي إلَى أُخْتِي فَمَهْرِي عَلَيْك صَدَقَةٌ فَبَدَا لَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا فَخَرَجَتْ إلَى أُخْتِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَتْ خَرَجَتْ مُبَادِرَةً لِقَطْعِ مَا جَعَلَتْ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ لَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الَّتِي وَضَعَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يَحْجُبَهَا أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِخِلَافٍ، وَأَنَّهَا إنْ وَضَعَتْ لَهُ صَدَاقَهَا عَلَى أَنْ يَحْجُبَهَا مِنْ مَالِهِ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَصَدَّقَتْ بِمَهْرِهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا لِأُخْتِهَا مِنْ مَالِهِ فَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا وَضَعَتْ لَهُ الصَّدَاقَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا وَلَا تَمْضِي مُفْرَدَةً لَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ مَالِهِ، أَوْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا فِي سَفَرِهِ سِوَى النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فِي مُقَامِهَا، فَإِذَا حُمِلَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا صَحَّتْ وَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلْأُصُولِ وَلَعَلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا فَكَأَنَّهَا بَذَلَتْ لَهُ الصَّدَاقَ عَلَى دَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهَا بِخُرُوجِهِ مَعَهَا. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْقَوْلُ عَلَى وَضْعِهَا الصَّدَاقَ عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ اهـ. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ قَالَ أَصْبَغُ سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْمَرْأَةِ تَضَعُ عَنْ زَوْجِهَا مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا. قَالَ هَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ. وَقَالَ أَصْبَغُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ فَسْخُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بِأَنَّهَا فَسَخَتْ مَالَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ فِي شَيْءٍ لَمْ تُنْجِزْهُ مِنْ إحْجَاجِهِ إيَّاهَا مِنْ مَالِهِ، إمَّا بِالشِّرَاءِ، وَإِمَّا بِالْكِرَاءِ وَالْقِيَامِ بِكُلِّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ ذَاهِبَةً وَرَاجِعَةً. وَقَدْ وَقَعَ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ مَسْأَلَةٌ مُعَارِضَةٌ لِهَذِهِ فِي الظَّاهِرِ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَنَّهَا خِلَافٌ لَهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُتَأَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الْأُصُولَ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ تَأَوَّلَهَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ.

النوع السادس الالتزام المعلق على الفعل الذي فيه منفعة للملتزم له

[النَّوْعُ السَّادِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ] ُ بِفَتْحِ الزَّايِ كَقَوْلِك لِشَخْصٍ إنْ بَنَيْت بَيْتَك أَوْ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَكَ كَذَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ فَهُوَ لَازِمٌ إذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا أَنَّهُمْ لَاحَظُوا فِي هَذَا كَوْنَهُ فِي مَعْنَى الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَجَعَلُوهُ لَازِمًا لَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْآنَ. قَالَ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَسَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ: أَصْلِحْ نَفْسَك وَتَعَلَّمْ الْقُرْآنَ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ فَيُصْلِحُ نَفْسَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَمُوتُ أَبُوهُ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْ الْحَوْزَ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِ أَبِيهِ هَلْ تَرَى الصَّدَقَةَ لَهُ جَائِزَةً؟ قَالَ: لَا إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ هَكَذَا إلَّا أَنْ يُعْرَفَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِقَوْمِ: اشْهَدُوا أَنَّهُ إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَقَدْ وَهَبْته، أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِعَبْدِي، أَوْ قَرْيَتِي فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ إذَا كَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَوْزًا لَهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيضِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلِابْنِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ قَوِيٍّ مِثْلِ مَا وَصَفْت لَك مِنْ الْإِشْهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ تَمْلِيكُهُ إيَّاهَا بِإِصْلَاحِهِ لِنَفْسِهِ وَتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ وَلَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ هَلْ يَمْلِكُ، أَوْ لَا يَمْلِكُ مَعَ إضَافَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَالَ لَهُ بِهَذِهِ اللَّامِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا لَامَ الْمِلْكِ فَقَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَقَالَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَمَالُهُ مِلْكًا لِأَبِيهِ فَلَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ قَرْيَتِي فُلَانَةُ تَسْكُنُهَا أَوْ تَرْتَفِقُ بِمَرَافِقِهَا، أَوْ تُنْفِذُ أَمْرَك فِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَنْقُلُ مِلْكَهُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِهَا، أَوْ وَهَبْتهَا لَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَتَجُوزُ لَهُ الْهِبَةُ وَتَصْلُحُ لَهُ حِيَازَةٌ إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَا أَوْجَبَ لَهُ الْقَرْيَةَ مِنْ إصْلَاحِهِ نَفْسَهُ وَتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ عِوَضًا لَهَا فَمَضَى لَهُ دُونَ حِيَازَةٍ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ أَعْطَى زَوْجَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ دَارِهِ عَلَى أَنْ تُسْلِمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِيهَا. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِابْنِهِ إنْ تَزَوَّجْتَ فَلَكَ جَارِيَتِي فُلَانَةُ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ إذَا تَزَوَّجَ فَهِيَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِذَلِكَ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ إنْ فَلَّسَ، وَإِنْ مَاتَ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا شَيْءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ قَالَ لَك مِائَةُ دِينَارٍ إنْ تَزَوَّجْتَ كَانَ هُوَ وَالْغُرَمَاءُ سَوَاءً فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ مِنْ

الْغُرَمَاءِ، وَأَنَّهُ يُحَاصِصُ بِالدَّيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَمَعْنَاهُ إذَا وُهِبَتْ لَهُ الْهِبَةُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْ السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنِّي وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ بِعْتهَا بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَيْتهَا مِنِّي فَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ وَتَحْصِيلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَقُولَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ. فَأَمَّا إنْ بَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ سِلْعَتَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ مِنْ الرَّجُلِ بِثَمَنٍ يُسَمِّيه لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ وَعَثَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَاتِ فَسَخَ، وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَ بِبَيْعٍ، أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ، أَوْ مَوْتٍ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَوْ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَقِيلَ إنَّهُ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بَيْعِهَا بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ رِبْحٍ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ فَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ إنْ مَاتَتْ وَتُرَدُّ إلَيْهِ إنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ أَسْوَاقٍ أَوْ عَيْبٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ وَيَكُونُ لَهُ الثَّمَنُ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ إنْ فَاتَتْ بِالْبَيْعِ، كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي بَيْعِهِ إيَّاهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْوَاضِحَةِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَوَّتَهَا الْمُبْتَاعُ بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ عِتْقٍ إنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ حَمْلٍ إنْ كَانَ أَمَةً فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَقِيلَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْهِبَةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ الْإِحْبَال مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهَا بَيْعُ فَاسِدٌ وَيَرَاهَا فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ إنَّهَا أَيْ السِّلْعَةَ تَكُونُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَتَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْقَبْضِ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي مَوْطِئِهِ اهـ. وَقَبِلَ الْبَاجِيُّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَتَأَمَّلْهُ.

فَرْعٌ) إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى صِفَةٍ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ فَأَرَادَ رَدَّهُ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ بِعْ وَلَا وَضَيْعَةَ عَلَيْك فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ فِيمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ فَلَمَّا ذَهَبَ يَقْبِضُهُ وَجَدَهُ مُسَوَّسًا فَسَخِطَهُ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ بِعْ وَلَا وَضَيْعَةَ عَلَيْك فَحَمَلَهُ فِي سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ حَادِثٌ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيُعْطِي الْمُشْتَرِيَ أُجْرَتَهُ فِيمَا حَمَلَهُ وَشَخَصَ بِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ عَلَى أَنْ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تَكُونُ الْمُصِيبَةُ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ الطَّعَامَ مُسَوَّسًا وَجَبَ نَقْضُ الْبَيْعِ فَقَوْله لَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ لَمَّا وَجَبَ رَدُّهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ اهـ. قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَقَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك أَيْ بِعْ وَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ فَهُوَ أَمْرٌ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ أَوْ بَعْدَمَا انْتَقَدَ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ: اُنْقُدْنِي وَبِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ إنَّهُ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ عُيُوبٌ وَخُصُومَاتٌ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ مَسْأَلَةٌ: قُلْت فَالرَّجُلُ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ طَعَامًا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَاسْتَغْلَاهُ فَقَالَ لِلْبَائِعِ فَقَالَ لَهُ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك ثُمَّ قَالَ لَهُ بِعْ عَشَرَةَ أَرَادِبَ فَمَا نَقَصَ مِنْهَا وَضَعْت لَك مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ بِحِسَابِ ذَلِكَ كَأَنْ اشْتَرَى مِنْهُ مِائَةَ إرْدَبٍّ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فَبَاعَ الْعَشَرَةَ بِدِينَارَيْنِ فَوَضَعَ عَنْهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ يَشْتَرِي طَعَامًا نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ مَعْنَاهُ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ طَعَامًا بِثَمَنٍ نَقْدًا، أَوْ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَسَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْ كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَوَضَعَ عَلَى الْمُبْتَاعِ الْعَشَرَةَ الَّتِي انْتَقَصَ فِي الطَّعَامِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَضِيعَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ

قَدْ قَبَضَ ثَمَنَ الطَّعَامِ مِنْهُ وَغَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّ إلَيْهِ مِنْهُ مَا انْتَقَصَ فِي ثَمَنٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّ مَا رُدَّ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ يَكُون سَلَفًا وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَكُونُ ثَمَنًا لِلطَّعَامِ فَيُتَّهَمَانِ عَلَى الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ أَوْ لَمْ يَكُونَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَهَذَا فِيمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْمَنْعِ مِنْ الذَّرَائِعِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُبْتَاعُ الْوَضِيعَةَ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَّهَمَانِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ، وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْعَشَرَةَ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَشَرَةَ وَلَا يَفْسَخُ الْبَيْعَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا قَصَدَا إلَيْهِ اهـ. فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُبْتَاعِ: بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: اُنْقُدْنِي الْآنَ الثَّمَنَ ثُمَّ بِعْ وَمَهْمَا نَقَصَ أُعْطِيك بَدَلَهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَدْ وَقَعَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ لِلْمُبْتَاعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يَكُونَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْوَضِيعَةِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَا لَمْ يَقْصِدَا الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ. وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَدْ وَقَعَ نَقْدًا ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ بِعْ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ وَلَا يُتَّهَمَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، فَإِنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِكَلَامِهِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ الثَّانِي حُكْمُ مَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ انْتَقِدْنِي الثَّمَنَ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك وَفَعَلَ ذَلِكَ وَنَقَدَهُ ثُمَّ بَاعَ بِنُقْصَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ، فَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ انْتَقَدَ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِدْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُغْبَنْ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا بَيِّنًا وَبَاعَ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ حَتَّى تَحُولَ الْأَسْوَاقُ، فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى حَالَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ أَشْهَبُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَسْأَلُ عَنْ الْمُبْتَاعِ يُقَالُ لَهُ بِعْ وَلَا وَضِيعَةَ عَلَيْك ثُمَّ يَقُولُ: وَضَعْت كَذَا وَكَذَا أَيُصَدِّقُ قَالَ إذَا جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي النُّقْصَانِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُصَدِّقَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسْتَنْكَرُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَأَبِقَ، أَوْ مَاتَ فَقِيلَ إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَقِيلَ إنَّهُ

النوع السابع الالتزام المعلق على الفعل الذي فيه منفعة لغير الملتزم والملتزم له

مَوْضُوعٌ عَنْهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ قَالَ فِيهِ: وَأَمَّا إنْ كَانَ ثَوْبًا، أَوْ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي تَلَفِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً إذَا رَضِيَ بِالشَّرْطِ وَقَبِلَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ وَطِئَ لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَتَعَدَّى عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ، فَقَدْ تَرَكَ مَا جُعِلَ لَهُ. [النَّوْع السَّابِع الِالْتِزَام الْمُعَلَّق عَلَى الْفِعْل الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَة لِغَيْرِ الملتزم والملتزم لَهُ] (النَّوْعُ السَّابِعُ) الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِغَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ كَقَوْلِك إنْ وَهَبْتَ عَبْدَك لِفُلَانٍ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا، أَوْ إنْ أَسْكَنْته دَارَك سَنَةً فَلَكَ عِنْدِي كَذَا، أَوْ إنْ جِئْت لِفُلَانٍ بِعَبْدِهِ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا، وَهُوَ كَالنَّوْعِ الْخَامِسِ فَهُوَ إمَّا مِنْ بَابِ هِبَةِ الثَّوَابِ، أَوْ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْجَعْلِ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَوْعٍ شُرُوطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَلِذَلِكَ أَجَازُوا أَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْتَقْت عَبْدَك فَلَكَ عِنْدِي كَذَا، أَوْ خُذْ كَذَا وَأَعْتِقْ عَبْدَك وَقَالُوا: إنَّهُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ خُذْ مِائَةً وَدَبِّرْ عَبْدًا وَاِتَّخِذْ أَمَتَكَ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَهُ التَّدْبِيرُ وَيَرُدُّ الْمَالَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ. (تَنْبِيهٌ) مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا بَذَلَ شَخْصٌ لِرَجُلٍ مَالًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ أَوْ الْتَزَمَ لَهُ بِمَالٍ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَذْلُ الْمَالِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَلِذَلِكَ شَرَطُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ إضْرَارَ الْمَرْأَةِ بِإِسْقَاطِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْمَذْهَبُ بِمَا إذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْ الْتِزَامِ الْأَجْنَبِيِّ لِلزَّوْجِ حُصُولَ مَصْلَحَةٍ، أَوْ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ تَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهِ إضْرَارُ الْمَرْأَةِ. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الزَّمَانِ فِي بَلَدِنَا مِنْ الْتِزَامِ أَجْنَبِيٍّ ذَلِكَ وَلَيْسَ قَصْدُهُ إلَّا إسْقَاطَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ عَلَى مُطَلِّقِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَفِي انْتِفَاعِ الْمُطَلِّقِ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ نَظَرٌ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَاذِلُ الْخُلْعِ مَنْ صَحَّ مَعْرُوفُهُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجَةِ مُسْتَقِلًّا. قُلْت: مَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَهَا بِإِسْقَاطِهِ نَفَقَةً فَيَنْبَغِي رَدُّهُ كَشِرَاءِ دَيْنِ الْعَدُوِّ وَفِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتَك وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ لَزِمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ اهـ. قُلْت: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِضْرَارِ بِالزَّوْجَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَتَكُونُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، أَوْ تَعُودُ إلَى الزَّوْجِ فَتَكُونُ مِنْ النَّوْعِ السَّادِسِ، أَوْ تَعُودُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ الْمُلْتَزِمِ فَتَكُونُ مِنْ النَّوْعِ الْخَامِسِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إلَّا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ بِمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ يَنْبَغِي رَدُّهُ أَنْ يَبْطُلَ الِالْتِزَامُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

الباب الرابع المعلق على غير فعل الملتزم والملتزم له

[الْبَابُ الرَّابِعُ الْمُعَلَّقُ عَلَى غَيْرِ فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ] ُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِالْتِزَامِ الْمُطْلَقِ فَيُقْضَى بِهِ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ مُعَيَّنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَلَا يُقْضَى بِهِ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُ مَسَائِلِهِ مِنْ بَابِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ وَبَابِ الضَّمَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ نَحْوَ إنْ شَفَانِي اللَّهُ مِنْ مَرَضِي فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى قَائِلِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ لَمْ يُوفِك فُلَانٌ حَقَّك فَهُوَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا تَلَوَّمَهُ لِذَلِكَ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى ثُمَّ أَلْزَمَهُ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ ضَرَبَهُ لِنَفْسِهِ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَمَنْ تَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرْكٍ فِي جَارِيَةٍ ابْتَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ، أَوْ دَارٍ، أَوْ غَيْرِهَا جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ حِينَ الدَّرْكِ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ، أَوْ عَدَمِهِ. قُلْت: وَمِثْلُ هَذَا مَا يُكْتَبُ الْيَوْمَ فِي مُسْتَنَدَاتِ الْبَيْعِ وَالْتَزَمَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ أَنَّهُ إنْ قَامَ عَلَيْهِ قَائِمٌ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَعَلَيْهِ نَظِيرُ مَا يَغْرَمُهُ فُلَانٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [فَرْعٌ قَالَ الشَّخْصُ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا] (فَرْعٌ) مِنْ ذَلِكَ إذَا قَالَ الشَّخْصُ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ، وَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ مُفْلِسٍ. قَالَ فِي رَسْمِ يُدَبِّرُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: خَمْسُونَ دِينَارًا صَدَقَةٌ عَلَيْك إلَى عَشْرِ سِنِينَ إلَّا أَنْ تَمُوتِي قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَك وَذَلِكَ لِوَلَدِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ عَلَى مَا قَالَ إنْ بَقِيَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ أَخَذَتْهَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ صَحِيحًا، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا وَهِيَ لِلْوَلَدِ إذَا جَاءَتْ الْعَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ حَيٌّ صَحِيحٌ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعَشْرِ فَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ وَلَا لِلْوَلَدِ، وَإِنْ أَتَتْ الْعَشَرَةُ، وَهُوَ مَرِيضٌ وَالْمَرْأَةُ بَاقِيَةٌ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَلَا شَيْءَ لَهَا فِي ثُلُثٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ بَيِّنَةٌ لَا إشْكَالَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ لِامْرَأَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ إنْ بَقِيَتْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ وَلَدِهِ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَشْرِ سِنِينَ، فَإِنْ أَتَتْ الْعَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ حَيٌّ صَحِيحٌ وَجَبَتْ الْخَمْسُونَ لَهَا كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ صَحِيحَةً

وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ لِوَلَدِهِ صَحِيحًا كَانَ الْوَلَدُ، أَوْ مَرِيضًا، وَإِنْ أَتَتْ الْعَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ مَرِيضٌ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَلَا لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ لَمْ تَجُزْ حَتَّى مَرِضَ، أَوْ مَاتَ اهـ. قُلْت: يُرِيدُ وَكَذَا لَوْ فَلَّسَ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ مَنْ قَالَ ثَلَاثُونَ دِينَارًا مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ عَبْدِي صَدَقَةٌ عَلَيْهِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَنَّهُ إنْ أَتَتْ الْعَشْرُ سِنِينَ وَالْمُتَصَدِّقُ حَيٌّ أَخَذَهَا كَانَتْ دَنَانِيرَ، أَوْ عَبْدًا، وَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا قَبْلَ الْعَشْرِ سِنِينَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ عَاجِلًا وَلَا لِلْعَشْرِ سِنِينَ، وَإِنْ اسْتَحْدَثَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا دَيْنًا قَبْلَ الْعَشْرِ سِنِينَ بِيعَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَبَطَلَتْ الصَّدَقَةُ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا بَيْعَهَا مِنْ غَيْرِ دَيْنٍ يَلْحَقُهُ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ يَطَأْهَا قَالَ: وَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِهَا قَبْلَ الْعَشْرِ سِنِينَ فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ. (فَرْعٌ) عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ إذَا عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ شَهْرٍ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ وَكَانَ الشَّيْءُ الَّذِي الْتَزَمَ إعْطَاءَهُ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ إنْ جَاءَ أَبِي، أَوْ فُلَانٌ الْغَائِبُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ أَبِي فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدَمَ أَبُوهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُوقَفُ لِيُنْظَرَ هَلْ يَقْدَمُ أَبُوهُ أَمْ لَا يَقْدَمُ؟ وَكَانَ يَعْرِضُ فِي بَيْعِهِ وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْعَهُ وَوَطْأَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً وَمَا هِيَ فِي هَذَا كَالْحُرَّةِ يَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ. وَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ آتِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ إلَى شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ، أَوْ إذَا مَاتَ فُلَانٌ، أَوْ إذَا حِضْتِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ قَالَ أَنْت حُرَّةٌ إنْ قَدِمَ أَبِي فَكَانَ مَالِكٌ يُصَرِّحُ بِإِجَازَةِ بَيْعِهَا وَيَعْرِضُ فِي بَيْعِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: إذَا قَدِمَ أَبِي ثُمَّ جَعَلَهُمَا سَوَاءً وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ " إنْ، وَإِذَا " فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّ " إذَا " كَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَجَلٍ يَكُونُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَذَلِكَ كَائِنٌ لَا بُدَّ، " وَإِنْ " أَغْلَبَ مَوْضِعِهَا لِلشَّرْطِ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْأَجَلِ فَحَمَلَ مَالِكٌ كُلَّ لَفْظٍ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَمْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَسَاوَى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَكَادُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ أَرَادَ أَنَّ أَجَلَ عِتْقِهِ وَقْتُ مَجِيئِهِ الْمُعْتَادِ الْمَجِيءِ فِيهِ فَيَكُونُ حُرًّا إذَا جَاءَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرًّا إلَى الْحَصَادِ، أَوْ إلَى مَجِيءِ الْحَاجِّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ نَفْيَ الْقُدُومِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: جَاءَنِي كِتَابَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدَمُ، أَوْ أَرَادَ بِهِ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى قُدُومِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

فرع تركت زوجها وولدا وبنتا منه وأبا وتركت متاعا وحليا وصداقا على زوجها

حَتَّى يَقْدُمَ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ سَوَاءً قَالَ " إنْ "، أَوْ " إذَا " عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي الْعِتْقِ فِي الْتِزَامِ الصَّدَقَةِ فَالْهِبَةُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَوَلَدًا وَبِنْتًا مِنْهُ وَأَبًا وَتَرَكَتْ مَتَاعًا وَحُلِيًّا وَصَدَاقًا عَلَى زَوْجِهَا] (فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا وَبِنْتًا مِنْهُ وَأَبَاهَا وَتَرَكَتْ مَتَاعًا وَحُلِيًّا وَصَدَاقًا عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ أَبُوهَا لِلزَّوْجِ إنْ تَصَدَّقْت بِنِصَابِك مِنْهَا مِنْ صَدَاقِهَا وَحُلِيِّهَا وَمَتَاعٍ وَغَيْرِهِ عَلَى وَلَدَيْهَا فَمِيرَاثِي مِنْهَا فِي جَمِيعِ مَا تَرَكْت صَدَقَةٌ عَلَيْهِمَا فَقَالَ الزَّوْجُ تَصَدَّقْت بِجَمِيعِ نِصَابِي عَلَيْهِمَا وَأَشْهَدُ لَهُمَا بِذَلِكَ فَمَاتَ الْجَدُّ، وَهُوَ أَبُو الزَّوْجَةِ وَمَاتَ أَبُو الْوَلَدَيْنِ وَالصَّبِيَّانِ طِفْلَانِ وَالْمَتَاعُ وَالْحُلِيُّ وَجَمِيعُ مَا تَرَكَتْ بِيَدِ أَبِيهِمَا وَالصَّدَاقُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَمَّا مَا تَرَكَتْ مِنْ الْمَتَاعِ وَالْحُلِيِّ فَهُوَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ حَوْزَ أَبِيهِمَا لَهُمَا حَوْزٌ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَلَيْسَ لَهُمَا مِنْهُ شَيْءٌ لَا مِنْ نَصِيبِ جَدِّهِمَا وَلَا مِنْ نَصِيبِ أَبِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ أَبُوهُمَا عَلَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ أَبُوهُمَا عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لَهُمَا مِنْ صَدَقَةِ جَدِّهِمَا شَيْءٌ إذْ لَمْ يَعْزِلْ ذَلِكَ لَهُمَا الْأَبُ وَيَجْعَلْهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِنَاضٍّ لَمْ تَجُزْ صَدَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ عَرَضًا مَضْمُونًا لَمْ يَجُزْ لَهُمَا مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمَا بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ، أَوْ سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ لَيْسَتْ بِعَيْنِهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهَا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُمَا مِنْهُ شَيْءٌ. وَلَوْ كَانَ لِلْأَبِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَبْدٌ مَوْصُوفٌ فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى ابْنِهِ جَازَتْ صَدَقَتُهُ، قَبَضَهَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ أَمَّا مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ حَظِّهِ الَّذِي يَجِبُ لَهُ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي عَلَيْهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرَضًا فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ إذَا مَاتَ الْأَبُ، وَهُوَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ إذْ لَا يَكُونُ حَائِزًا لِابْنِهِ مَا هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. فَلَوْ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي وَهَبَتْ لِابْنِي كَذَا وَكَذَا دِينَارًا أَوْجَبْتهَا فِي ذِمَّتِي لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَكَانَتْ بَاطِلًا إذَا مَاتَ وَهِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْضِرَهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْ جَعْلِهِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ يَكْفِي الطَّبْعَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثْلُهُ مَا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ لَهُ إنْ تَصَدَّقْت عَلَى ابْنِك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعَشَرَتِي الَّتِي عَلَيْك صَدَقَةٌ عَلَيْهِ فَقَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي تَصَدَّقْت عَلَى ابْنِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَابْنُهُ صَغِيرٌ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَتَرْجِعُ أَنْتَ فِي عَشَرَتِك؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يُفْرِزْ الْعَشَرَةَ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا، وَلَوْ وَضَعَهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ لَمْ يَكُنْ لَك أَنْ تَرْجِعَ وَكَانَتْ لِلِابْنِ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فرع زوج ابنته بمائة دينار على أن يشورها الأب بمائة دينار

[فَرْعٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يُشَوِّرَهَا الْأَبُ بِمِائَةِ دِينَارٍ] فَرْعٌ) مَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يُشَوِّرَهَا الْأَبُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَتَلْزَمُهُ الْمِائَةُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ أُتْبِعَ بِهَا دَيْنًا وَذُكِرَ قَبْلُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: أَوْ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ بِصَدَاقٍ وَكَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِأَنَّ الْأَبَ يُجَهِّزهَا بِضَعْفِ ذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلِلزَّوْجِ الْقِيَامُ بِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ فَوَائِدُ نَبَّهْنَا عَلَيْهَا هُنَاكَ. [فَرْعٌ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِفُلَانٍ] (فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى عُقْدَةِ الْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى غَرَرٍ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِفُلَانٍ، أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ نَاجِزًا إذْ لَا غَرَرَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ، أَوْ بِشَرْطِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّخِذَ الْأَمَةَ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَ الْمَبِيعَ لِفُلَانٍ، أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَجَلٍ بَعِيدٍ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَ الْعَبْدَ، أَوْ الْجَارِيَةَ مِنْ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مُفَصَّلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْخَاتِمَةِ فِي الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمُقْتَضَى الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ هَذَا الِالْتِزَامُ إذَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ وَكَانَ الِالْتِزَامُ مُقَارِنًا لِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ سَلَمٍ، أَوْ نَحْوِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مُدَّةً وَالْتَزَمَ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ فِيهَا خَلَلٌ كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، أَوْ بَعْضُهُ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالْتَزَمَ لِلْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ خَلَلٌ فِي دَارٍ لَهُ أُخْرَى كَانَ عَلَيْهِ عِمَارَتُهُ، فَهَذَا الْتِزَامٌ بَاطِلٌ وَالْعَقْدُ الْمُقَارِنُ لَهُ فَاسِدٌ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ عَنْ غَيْرِهِ إذَا حَنِثَ فَحَنِثَ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: مَنْ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ عَنْ غَيْرِهِ إذَا حَنِثَ فَحَنِثَ لَزِمَ الْمُلْتَزِمَ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ اهـ. قُلْت: قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ يُرِيدُ إنْ أَخْرَجَهَا الْمُلْتَزِمُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَامْتَنَعَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إجْبَارِهِ عَلَى إخْرَاجِهَا فَيَلْزَمُ الْحَالِفَ أَنْ يُخْرِجَهَا وَيَرْجِعَ عَلَى الْمُلْتَزِمِ مَتَى قَدِرَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ قَدْ لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ وَلَا الْمُلْتَزَمِ لَهُ فَهِيَ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةُ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَقَدَّمَتْ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ مَسْأَلَةُ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْعَفْوَ عَمَّنْ سَبَّهُ إذَا شَهِدَ لَهُ الشُّهُودُ بِالسَّبِّ فَرَاجِعْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ ضَمَانَ مَا ضَاعَ مِنْ شُورَةِ زَوْجَتِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَرَى أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجَلِ أَنَّهُ خَشِيَتْ عَلَيْهَا الزَّوْجَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ

فرع قال إن صار في ملكي فهو لك بكذا وكذا

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجَلِ أَنَّهُ هُوَ خَشِيَ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ لَمْ تُوجَدْ وَادَّعَى تَلَفَهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ اهـ. مِنْ نَوَازِلِهِ. [فَرْعٌ قَالَ إنْ صَارَ فِي مِلْكِي فَهُوَ لَك بِكَذَا وَكَذَا] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ فِي بَابِ أَجَلِ السَّلَمِ وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ إنْ صَارَ فِي مِلْكِي فَهُوَ لَك بِكَذَا وَكَذَا، وَلَمْ يَنْقُدْ، وَأَنْ يَجُوزَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا عَلَّقَ شَيْئًا عَلَى جِهَةِ الْإِقْرَارِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ إنْشَاءَ الْمَعْرُوفِ قَالَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ، شَاءَ فُلَانٌ أَوْ لَمْ يَشَأْ؛ لِأَنَّهُ خَطَرٌ كَمَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ تَكَلَّمَ، أَوْ إنْ دَخَلَ الدَّارَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. قُلْت: وَهُوَ كَمَنْ قَالَ فُلَانٌ مُصَدَّقٌ فِي شَهَادَتِهِ فَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ، أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ، أَوْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي إجْمَاعِهِمْ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ حَمَلَ مَتَاعِي إلَى مَنْزِلِي بِالْبَصْرَةِ فَفَعَلَ، فَهَذِهِ إجَارَةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ اهـ. فَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَالْمَعْرُوفِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [خَاتِمَةٌ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَسَائِلَ حُكِمَ فِيهَا بِإِسْقَاطِ اللُّزُومِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ] [إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ بَيْعِ الشَّرِيكِ] (خَاتِمَةٌ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَسَائِلَ حُكِمَ فِيهَا بِإِسْقَاطِ اللُّزُومِ لِكَوْنِهَا مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ، أَوْ لِكَوْنِ الِالْتِزَامِ فِيهَا مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهَا فَصْلَانِ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ بَيْعِ الشَّرِيكِ) قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا قِيَامَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُبْتَاعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَيْتَ، فَقَدْ سَلَّمْتُ لَك الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ، وَلَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بَطَلَ وَرُدَّ الْمَالُ وَكَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ مَنْ وَهَبَ مَا لَا يَمْلِكُ لَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ كَمَنْ أَذِنَ لَهُ وَرَثَتُهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فِي صِحَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيُخْتَلَفُ إذَا سَلَّمَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ، فَإِذَا اشْتَرَيْت فَلَا شُفْعَةَ لِي عَلَيْك، فَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ. وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَمَنْ جَعَلَ لِزَوْجَتِهِ الْخِيَارَ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَسْقَطَتْ ذَلِكَ الْخِيَارَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَنَفَّذَ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا، وَهُوَ فِي الشُّفْعَةِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْمُشْتَرِيَ فِي الشِّرَاءِ لِمَكَانِ التَّرْكِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِ فَأَشْبَهَ هِبَةً قَارَنَتْ الْبَيْعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ ذَلِكَ الشِّقْصَ وَالثَّمَنُ عَلَيَّ فَاشْتَرَاهُ لَلَزِمَهُ أَنْ يَغْرَمَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ

أجاز الورثة الوصية بأكثر من الثلث أو لبعض الورثة

فِي الشِّرَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَهُوَ فِي تَرْكِ الشُّفْعَةِ أَبْيَنُ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ جِئْتنِي بِمَا لِي عَلَيْك فَأَنَا أُطَلِّقُك فَجَاءَتْهُ بِهِ فَقَالَ مَرَّةً يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَفِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَإِنْ اشْتَرَى فُلَانٌ شِقْصَ كَذَا، فَقَدْ أُسْقِطَتْ عَنْهُ الشُّفْعَةَ أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ لِلَّهِ لَا يَمْلِكُ الْمُطَلِّقُ رَدَّهُ إنْ وَقَعَ، وَلَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِرَدِّهِ فَرَدَّهُ إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ لَهَا فَلَزِمَ بَعْدَ النِّكَاحِ كَمَا أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ قَبْلَهُ وَإِسْقَاطُ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لَهُ لَا لِلَّهِ يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِرِضَا الْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَيَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ صِحَّةُ تَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْحُبَابِ فَرْقًا أَطَالَ فِيهِ الْبَحْثَ فَلْيُرَاجِعْهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَهُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ إذَا قَالَ لَهُ إذَا وَجَبَتْ لِي الشُّفْعَةُ، فَقَدْ سَلَّمْتهَا لَك هَلْ هِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؟ قَالَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ. الشَّيْخُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ اهـ. وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ. (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ تَرَكَ الشُّفْعَةَ عَلَى شَرْطٍ فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْت ذَلِكَ الشِّقْصَ، فَقَدْ سَلَّمْت لَك شُفْعَتِي عَلَى دِينَارٍ تُعْطِيهِ إيَّايَ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ مِنْك فَلَا جَعْلَ لِي عَلَيْك جَازَ ذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَطَ النَّقْدَ لَمْ يَجُزْ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ اشْتَرَى هَذَا الشِّقْصَ بِكَذَا، فَقَدْ سَلَّمْت لَهُ الشُّفْعَةَ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى فُلَانٌ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَى فُلَانٌ الشِّقْصَ، فَقَدْ سَلَّمْت لَهُ الشُّفْعَةَ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ اهـ. [أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَلَهُمْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِجَازَتُهُمْ غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَنْ أَعْطَى شَيْئًا قَبْلَ مِلْكِهِ أَوْ قَبْلَ جَرَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ مَا أَرِثُ مِنْ فُلَانٍ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَفُلَانٌ صَحِيحٌ قَالَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِشَرْطِ حُصُولِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ بِمَا يَمْلِكُ إلَى أَجَلٍ، أَوْ بَلَدٍ سَمَّاهُ، أَوْ بِعِتْقِ ذَلِكَ

أَوْ بِطَلَاقِ مَا يَتَزَوَّجُ فِيهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الْمُوَطَّإِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ إنْ أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلصَّحِيحِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ إنْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتٍ لَا مَنْعَ لَهُمْ. أَبُو عُمَرَ هَذَا مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ. ابْنُ زَرْقُونٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ مَا أَرِثُ مِنْ فُلَانٍ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَفُلَانٌ صَحِيحٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ، فَهَذَا مِثْلُ ذَلِكَ. قُلْت: زَادَ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَهَذَا أَقْيَسُ كَمَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ بِمَا يَمْلِكُ إلَى أَجَلٍ، أَوْ فِي بَلَدٍ سَمَّاهُ، أَوْ بِعِتْقِ ذَلِكَ، أَوْ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِيهِ اهـ. وَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ عَرَفَةَ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْوَجْهِ تَبَعًا لِأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: فَإِنَّهُ قَالَ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُجِيزَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ لَمْ تَتَعَلَّقْ فِيهِ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ اهـ. وَصَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ أَيْضًا بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا أَذِنَ لِمُوَرِّثِهِ فِيهِ فِي صِحَّتِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. وَلَفْظُ ابْنِ يُونُسَ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَالْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلصَّحِيحِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ إنْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُمْ أَذِنُوا لَهُ فِي وَقْتٍ لَا مَنْعَ لَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي مُخَرَّجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوَّازِيَّةِ وَنَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إنْ أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلصَّحِيحِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَذِنُوا فِي وَقْتٍ لَا مَنْعَ لَهُمْ. وَفِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ مَا أَرِثُ مِنْ فُلَانٍ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَفُلَانٌ صَحِيحٌ قَالَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَهَذَا أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ بِمَا يَمْلِكُ إلَى أَجَلٍ، أَوْ فِي بَلَدٍ سَمَّاهُ، أَوْ بِعِتْقِ ذَلِكَ، أَوْ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِيهِ اهـ. قُلْت: كَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَرَّجَ الْقَوْلَ بِاللُّزُومِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوَّازِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَهَبْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَجَازَ فِعْلَ شَخْصٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ فِعْلِهِ الْآنَ كَمَا قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ: إنَّ الشَّخْصَ إذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ. وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَوَّازِيَّةِ الْوَارِثُ وَهَبَ نَصِيبَهُ، وَهُوَ مَا يَرِثُهُ إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَوْفًى. فَإِذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فِي الصِّحَّةِ بِسَبَبٍ كَالسَّفَرِ وَالْغَزْوِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ كُنْت أَقُولُ بِهَذَا ثُمَّ رَجَعْت إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمْهُمْ وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ وَأَصْبَغُ، وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ. قُلْت: وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اللُّزُومِ

الَّذِي رَجَّحَهُ أَصْبَغُ وَحَكَى فِي الشَّامِلِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ كَالْمَرِيضِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يَلْزَمُهُمْ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ. الْحَالُ الثَّانِي إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَخْلُو الْمَرَضُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا، أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِجَازَةِ فِي الصِّحَّةِ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ. وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مَخُوفًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَصِحَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَرَضِ، أَوْ يَمُوتَ فِيهِ، فَإِنْ صَحَّ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ الْإِجَازَةُ حَتَّى يَأْذَنُوا لَهُ فِي الْمَرَضِ الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي آخِرِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ لَكِنْ قَالَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفُوا مَا سَكَتُوا إلَّا عَنْ غَيْرِ رِضًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ، وَهُوَ بَعِيدٌ يَعْنِي إلْزَامُهُمْ وَجَعَلَ الرَّجْرَاجِيُّ قَوْلَ ابْنِ كِنَانَةَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَلْ مَاتَ فِيهِ فَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَالِغًا رَشِيدًا بَائِنًا عَنْ الْمُوصِي وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نَفَقَةَ بِلَا رُجُوعٍ لَهُ. وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَفِيهًا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ إذْنُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ، وَلَمْ يَحْكِ أَبُو الْحَسَنِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ خِلَافًا وَصَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي الثَّانِي، وَحَكَى فِي الْأَوَّلِ قَوْلَيْنِ قَالَ وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَنْ كَانَ رَشِيدًا، وَهُوَ فِي نَفَقَةِ الْمُوصِي كَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ فِي سُلْطَانِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْأَلَهُمْ فِي الْإِذْنِ أَوْ يَتَبَرَّعُوا لَهُ بِهِ، فَإِنْ تَبَرَّعُوا بِالْإِذْنِ فَفِي لُزُومِ ذَلِكَ لَهُمْ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهَا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمَنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَأَجَازَ وَرَثَتُهُ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَهُمْ الْمَيِّتُ، أَوْ طَلَبَهُمْ فَأَجَازُوا ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَائِنًا مِنْ وَلَدٍ قَدْ احْتَلَمَ، أَوْ أَخٍ، أَوْ ابْنِ عَمٍّ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَمَنْ كَانَ فِي عِيَالٍ مِنْ الْوَلَدِ قَدْ احْتَلَمَ وَبَنَاتُهُ وَزَوْجَاتُهُ فَذَلِكَ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْعَمِّ الْوَارِثُ إنْ كَانَ ذَا حَاجَةٍ إلَيْهِ وَيَخَافُ إنْ مَنَعَهُ وَصَحَّ أَضَرَّ بِهِ فِي مَنْعِ رِفْدِهِ إلَى أَنْ يُجِيزُوا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الْبِكْرِ وَالِابْنِ السَّفِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا اهـ. وَإِنْ سَأَلَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ يَجْرِي فِي ذَلِكَ أَيْضًا. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا قَالَ الْوَارِثُ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ فِي الْحَالِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إجَازَتُهَا لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي رَدُّ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ حَلَفَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ إجَازَةُ

ترك إرثه لشخص في حياة ذلك الشخص أو وهبه لشخص آخر

الْوَارِثِ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُنَفِّذُوهَا، فَإِنْ نَفَّذُوهَا ثُمَّ ادَّعَوْا الْجَهْلَ فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيمَا أَنْفَذَ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ جَهِلَ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الِابْنِ الَّذِي فِي عِيَالِ الرَّجُلِ فَأَذِنَ لَهُ فِي مَرَضِهِ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ نَفَّذَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْجَهْلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ إلَّا أَنْ يُحَقِّقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَذَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ جَهِلَ ذَلِكَ اهـ. الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ فِي مَرَضٍ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَهُ إلَّا لِتَبَيُّنِ عُذْرٍ بِكَوْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ، أَوْ دَيْنِهِ أَوْ سُلْطَانِهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ يَجْهَلُ مِثْلُهُ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لَا بِصِحَّةٍ، وَلَوْ لِكُفْرٍ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: إذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ إذْنُ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يَحْلِفُ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ أَبِيهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ خِيفَةً مِنْهُ أَنْ يَصِحَّ فَيَقْطَعُ عَنْهُ مَعْرُوفَهُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي الِابْنِ الْكَبِيرِ فِي عِيَالِهِ قَوْلَانِ، وَعَلَى الرُّجُوعِ يَحْلِفُ مَا أَجَازَ إلَّا خَوْفًا مِنْهُ اهـ. وَحُكْمُ غَيْرِ الِابْنِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثُ: إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ إذَا كَانَ الْمُجِيزُ مَالِكًا لِأَمْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرَكَ إرْثَهُ لِشَخْصٍ فِي حَيَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ وَهَبَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَنْ تَرَكَ إرْثَهُ لِشَخْصٍ فِي حَيَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، أَوْ وَهَبَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ مَا أَرِثُ مِنْ فُلَانٍ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَفُلَانٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَاسْتَوْهَبَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ فَفَعَلَتَا وَوَهَبَتَا لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ مَاتَ فَلِمَنْ تَرَاهُ قَالَ أَرَاهُ لِلْمَرْأَتَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَفْعَلَ الرَّجُلُ مِثْلَ هَذَا أَيَسْأَلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مِثْلُ مَا قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَنْ يُحِبُّ مِنْ وَرَثَتِهِ سِوَاهُمَا وَغَيْرِهِمَا إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى مِيرَاثِهِمَا مِنْهُ سِوَى ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى مَاتَ كَانَ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ وَرَثَتَهُ أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، أَوْ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَلْزَمْ فِيمَا أَذِنُوا لَهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَقَدْ مَضَى فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الْقَوْلُ مُسْتَوْفًى فِي هِبَةِ الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضٍ الْمَوْرُوثَ، أَوْ فِي صِحَّتِهِ اهـ. وَنَصُّ

مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ. وَلَا أَعْرِفُ نَصَّ خِلَافٍ فِي أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ جَائِزَةٌ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت أَظُنُّهُ يَسِيرًا لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ هَذَا الْقَدْرَ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ الْمَيِّتَ إذَا قَالَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ إنَّ فُلَانًا لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَهَبَ لِي مِيرَاثَك فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّاهُ لَهُ الْمَيِّتُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهَبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَهُ لَهُ الْمَيِّتُ، أَوْ لَا يُسَمِّيَهُ لَهُ وَمَا فِي رَسْمِ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إذَا مَرَرْنَا بِهِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا اسْتَأْذَنَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ فِي أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِهِمْ فَأَذِنُوا لَهُ لَزِمَهُمْ إذَا لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِحُكْمِ الْمَالِكِ لِلْمِيرَاثِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ التَّحْجِيرُ عَلَى مُوَرِّثِهِ، فَإِذَا رَفَعَ عَنْهُ التَّحْجِيرَ بِالْإِذْنِ لَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ يَقُومُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ إنَّ الْوَارِثَ إذَا وَهَبَ لِمُوَرِّثِهِ فِي مَرَضِهِ مِيرَاثَهُ مِنْهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ إذْ لَوْ أَجَازَ هِبَتَهُ لَهُ لَقَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثُهُ مِنْهُ. قَالَ فَكَمَا لَا تَجُوزُ لَهُ هِبَتُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ. لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ لِمُوَرِّثِهِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِيَرْفَعَ التَّحْجِيرَ عَنْهُ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ الْوَرَثَةِ إذْ لَا يَحْتَاجُ هُوَ إلَى هِبَةٍ إذَا صَحَّ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا إنْ مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ حَتَّى مَاتَ رَجَعَتْ إلَى الْوَاهِبِ، وَإِذَا وَهَبَ لِغَيْرِهِ، فَقَدْ مَلَّكَهُ بِالْهِبَةِ مَا وَهَبَهُ إيَّاهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَهَبَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِهِ الْآنَ، وَإِنَّمَا وَهَبَهُ لَهُ بِشَرْطِ مِلْكِهِ لَهُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ كَمَا قَالَ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ مَلَكْته فَهُوَ لِفُلَانٍ فَلَا فَرْقَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ بَيْنَ صِحَّةِ الْمَوْرُوثِ وَمَرَضِهِ فِي هِبَةِ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ مِنْهُ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ وَتَحْصُلُ عَلَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا اهـ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ قَالَ عِيسَى وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مَالِكٍ أَمْرَهُ تَصَدَّقَ عَلَى آخَرَ مِثْلِهِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ أَيَجُوزُ لَهُ فَقَالَ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا وَلَا أَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا كَمْ يَكُونُ دِينَارًا بَلْ لَا يَدْرِي مَا هُوَ، وَهُوَ أَعْلَمُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ مَعْنَاهُ لَا أَرَى أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَيْهِ: أَيْ لَا يَلْزَمُهُ

ذَلِكَ وَلَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا كَمْ يَكُونُ، وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ قَدْرَ مَا وَهَبَ لَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ إذَا لَمْ يَهَبْهُ الْيَوْمَ فَيَكُونُ قَدْ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ يَوْمَ يَمُوتُ أَبُوهُ فَيَجِبُ لَهُ مِيرَاثًا كَمَنْ قَالَ إنْ وَرِثْت فُلَانًا، أَوْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: هُوَ الْيَوْمَ حُرٌّ. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ خِلَافُ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت أَظُنُّ أَنَّهُ يَسِيرٌ، وَلَوْ عَلِمْت أَنَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مَا وَهَبْته وَشَبَهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَتَانِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِوَاهِبٍ لِمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاهِبٌ لَهُ إذَا مَلَكَهُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا مَاتَ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَدْرِ يَوْمَ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمْ يَكُونُ يَوْمَ الْمَوْتِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ يَكُونُ هَذَا الْمِقْدَارَ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ. وَمِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَى رِوَايَةِ أَصْبَغَ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا إنَّ الصَّدَقَةَ وَالْأَبُ بَاقٍ، فَإِنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ فِي بَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ فَتَجُوزُ فِيهِ هِبَتُهُ، وَإِنَّمَا لَهُ فِي مَرَضِهِ التَّحْجِيرُ عَلَيْهِ فِي أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ، أَوْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، فَهَذَا الَّذِي إذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ لَزِمَهُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا أَنْ يَهَبَهُ هُوَ لِأَحَدٍ فَلَا قَالَ وَفِي الْمُوَطَّإِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ مُوَرِّثِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ جَائِزٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ عِنْدِي فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَقَعَتْ فِي صِحَّةِ الْمُوَرِّثِ قَبْلَ مَرَضِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَّفِقَ لِلرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ بَعْضِهَا عَلَى التَّفْسِيرِ لِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَنَقُولُ عَلَى هَذَا: إنَّهُ إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي صِحَّةِ الْمَوْرُوثِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا نَصَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ بِالْمَعْنَى إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. وَإِذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَظُنُّهُ النِّصْفَ، أَوْ الرُّبْعَ فَيَكُونُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الَّذِي يَجْهَلُ قَدْرَ الْمَالِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَشُكُّ فِيمَا بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ قَدْ رَضِيَ بِهِبَةِ أَكْثَرِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ

يَقُولُ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ وَأَشْهَدَ لَهُ وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ بَدَا لِلْمُتَصَدِّقِ وَقَالَ إنِّي كُنْتُ حِينَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَا أَدْرِي مَا أَرِثُ نِصْفًا، أَوْ رُبْعًا وَلَا أَدْرِي مَا عَدَدُ ذَلِكَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَلَا مِنْ الرَّقِيقِ وَلَا مَا سَعَةُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِينَ وَعَدَدِ الْأَشْجَارِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِي مَوْرِثِي مِنْ أَبِي وَمَا أَرِثُ مِمَّا تَرَكَ رَأَيْت ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُنْت ظَنَنْت بِأَنَّهُ دُونَ ذَلِكَ، وَأَنَا لَا أُجِيزُ الْآنَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُسْرَ أَبِيهِ وَلَا وَفْرَهُ لِغِيبَةٍ كَانَتْ عَنْهُ رَأَيْت أَنْ يَحْلِفَ مَا ظَنَّ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِأَبِيهِ وَيُسْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ ذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَحَبَّ، أَوْ كَرِهَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى فِي سَمَاعِ عِيسَى. قُلْت: فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وَهَبَهُ فِي حَالِ مَرَضِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَزِمَهُ أَيْضًا وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ نَصُّ خِلَافٍ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ سَمَاع عِيسَى وَلَيْسَ الْأَخْذُ عِنْدَهُ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ وَهَبَهُ فِي صِحَّةِ مُوَرِّثِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُعْرَفُ نَصًّا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَحُمِلَ سَمَاعُ عِيسَى بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ: فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ إذَا وَهَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ اللُّزُومَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ وَهِيَ نَصٌّ فِي اللُّزُومِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَهَبَهُ مُوَرِّثُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ رُبُعٌ، أَوْ سُدُسٌ، أَوْ وَهَبَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ أَوْ جِدَارٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ لَا فِي الْبَيْعِ اهـ فَظَاهِرُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ حِينَ الْهِبَةِ، أَوْ مَرِضَ أَمَّا لَوْ كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ مَا وَهَبَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا وَلَا يَقْضِي بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ فِيهِ. وَلَوْ وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ إلَّا إذَا ظَنَّهُ يَسِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَثِيرٌ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ تَمَامَهُ. قُلْت: وَقَدْ أَوْمَأَ فِي قَوْلِهِ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ اللُّزُومِ، وَإِنْ كَثُرَ وَمَا أَحْسَنُ قَوْلِهَا، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْ وَقَوْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذْ لَوْ شَاءَ لَاسْتَثْبَتَ اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ الْهِبَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِجَهْلِ قَدْرِهِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْلَ بِقَدْرِ الْمَوْرُوثِ لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَنَصَّهُ مِنْ النَّوَادِرِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَعْرِفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ

جَائِزَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَجُوزُ هِبَةُ الْمَجْهُولِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ اللَّخْمِيُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ مَاضِيَةٌ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْعَطِيَّةِ خَوْفَ النَّدَمِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي لُزُومِ هِبَةِ مَا جُهِلَ قَدْرُهُ مِنْ إرْثٍ نَاجِزٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِلًا: وَلَوْ ظَهَرَتْ كَثْرَتُهُ. الثَّانِي: عَدَمُ اللُّزُومِ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالثَّالِثُ: اللُّزُومُ إنْ عَرَفَ قَدْرَ جَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ، وَلَوْ جَهِلَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَيِّتِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ إذَا جَهِلَ قَدْرَ الْمَالِ، وَلَوْ عَرَفَ قَدْرَ نَصِيبِهِ وَعَزَاهُ لِابْنِ فَتُّوحٍ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ قَالَ حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ فِي بَابِ الْقَطَائِعِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ رِوَايَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الْعَرَايَا حَكَى مُحَمَّدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ. وَقَالَ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ مِنْ الْمُلَقَّبِينَ بِالْفُقَهَاءِ: فِي هِبَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَهَبَ مَجْهُولًا وَقَالَ مَا ظَنَنْت هَذَا الْمِقْدَارَ هَلْ لَهُ رَدُّهُ أَمْ لَا اهـ. وَيَعْنِي ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا أَصْلٌ ثَانٍ لَا يَعُودُ بِالْخِلَافِ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي إلْزَامِهِ كُلَّ مَا ظَهَرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ مَا ظَنَّ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ وَهَبَهُ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَهَبُهُ مِنْ قَرِيبِهِ عَلَى الْجَزْمِ مِنْ الْآنَ، وَأَمَّا لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ وَقَالَ إنْ مَلَكْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (الثَّانِي) إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ لِمُوَرِّثِهِ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْوَاهِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَمَّى لَهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ الْوَجْهَ الَّذِي سَأَلَهُ إنْفَاذَهُ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ الْإِنْفَاذُ مِنْ الْوَاهِبِ الْوَارِثِ، وَلَوْ قَالَ أَعْطَيْته أَوْصِ بِهِ لِفُلَانٍ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِوَارِثٍ آخَرَ، فَإِنْ أَنْفَذَهُ مَضَى، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ فَهُوَ رَدٌّ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ: وَلَوْ وَهَبَ مِيرَاثًا فَأَنْفَذَ الْمَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْوَاهِبِ اهـ. (الثَّالِثُ) هِبَةُ الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ لِمُوَرِّثِهِ إنَّمَا تَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَسَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلُ

وهبت يومها لضرتها أو أسقطت حقها من القسم

امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ مَهْرَهَا أَوْ تَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا فَتَفْعَلُ ثُمَّ أَرَادَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ صَحَّ الرُّجُوعَ فِيهِ هَلْ تَرَى لَهَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمِيرَاثِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لَهَا صَحَّ، أَوْ مَاتَ قَضَى فِيهِ بِشَيْءٍ، أَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَيْسَتْ الصَّدَقَاتُ وَالدُّيُونُ فِي هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوَارِيثِ، وَهَذَا وَجْهُ الشَّأْنِ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ أَنَّ مَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا مِنْ مَالِهَا، أَوْ مِنْ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ فِي صِحَّتِهِ لَازِمٌ لَهَا وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْإِخَافَةِ وَالتَّهْدِيدِ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهَا ذَلِكَ فَتَأْبَى فَيَقُولَ وَاَللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلِي ذَلِكَ لَأُضَيِّقَنَّ عَلَيْك وَلَا أَدْعُك تَأْتِي أَهْلَك وَلَا يَأْتُوك عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ إكْرَاهَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إكْرَاهٌ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لَفْظٌ فِيهِ تَجَوُّزٌ وَلَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ يُعَبِّرُونَ بِالْمَكْرُوهِ عَنْ الْحَرَامِ. وَأَمَّا إذَا سَأَلَهَا فِي مَرَضِهِ أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهَا مِمَّا يَخْلُفُهُ أَوْ بَعْضَهُ فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَلَهَا أَنَّ تَرْجِعَ فِيهِ إذَا مَاتَ قَضَى فِيهِ بِشَيْءٍ، أَوْ لَمْ يَقْضِ بِخِلَافِ الِابْنِ الْبَائِنِ عَنْ أَبِيهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ مِمَّا يَخْلُفُهُ، أَوْ مِنْ بَعْضِهِ، فَهَذَا إنْ قَضَى فِيهِ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ اهـ. [وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا، أَوْ لِزَوْجِهَا، أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ فَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا رَضِيَتْ امْرَأَةٌ بِتَرْكِ أَيَّامِهَا وَفِي الْأَثَرَةِ عَلَيْهَا عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا جَازَ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ فَإِمَّا عَدَلَ، أَوْ طَلَّقَ اهـ. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ مُقَيَّدَةٌ بِوَقْتٍ، أَوْ لِلْأَبَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تُدْرِكُهَا فِيهِ الْغَيْرَةُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَهَبَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ تَقْيِيدٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هِبَتَهَا لِضَرَّتِهَا وَلِلزَّوْجِ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي فِي الْقَسْمَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ وَهَبَتْ ذَلِكَ لِضَرَّتِهَا أَوْ لِزَوْجِهَا قَالُوا: لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ عَادَةً وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَتْ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَمَا كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّهُ قَالَ وَلَهَا الرُّجُوعُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ قُلْت ظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ اهـ. قُلْت:

وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِهَا مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَبِذَلِكَ وَجَّهَهَا أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ لَهَا فَوَهَبَتْ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهَا مِلْكُهُ لَكِنَّهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الْمُطَالَبَةَ بِنَفَقَةِ حَمْلِهَا، أَوْ بِنَفَقَتِهَا هِيَ لَزِمَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَانْظُرْهُ اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ إسْقَاطِ النَّفَقَةِ فَرْقٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الضَّرَرِ هُنَا، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ فَيَجِيءُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ. قَوْلُهُ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا وَهَبَتْهُ الزَّمَنَ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ لَا رُجُوعَ لَهَا لِقَوْلِ عَارِيَّتِهَا إذَا رَجَعَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا يُعَارُ إلَى مِثْلِهِ وَقَوْلُهُمْ فِي السَّلَفِ إذَا طُلِبَ فِي الْحَالِ يُجَامِعُ الْمَعْرُوفَ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ مُدْرَكَ مَسْأَلَتِنَا رَاجِعٌ لِضَرَرٍ بَدَنِيٍّ وَلَا يُقَاوِمُهُ مَا يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ مَالِيٍّ اهـ. فَجَعْلُ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ أَنَّهُ حَكَاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ رُجُوعُهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَدْخُلْ ضَرَّتُهَا فِي شَيْءٍ كَمَا قَالُوا فِي اعْتِصَارِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ اهـ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُ التَّقْيِيدِ سَوَاءٌ عَلَّلْنَا الْمَسْأَلَةَ بِالضَّرَرِ، أَوْ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرُوا إدْخَالَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّرَاءِ وَكُلْفَتَهُ مَعَ أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ أَعْظَمُ مِنْ كُلْفَةِ الزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعُ فَرَجَعَتْ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الزَّوْجَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الرُّجُوعُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فَاتَ قَبْلَ بُلُوغِ خَبَرِ الرُّجُوعِ فَلَا يَقْضِي اهـ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا وَهَبَتْ وَاحِدَةٌ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا فَلِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ لَا لِلْمَوْهُوبَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَزِيدُ أَنَّ هِبَةَ الضَّرَّةِ لِضَرَّتِهَا يَوْمَهَا جَائِزَةٌ ثُمَّ لِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِ تِلْكَ الْهِبَةِ وَلَيْسَ لِلْمَوْهُوبَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالْوَاهِبَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ، فَلَوْ جَازَ لِلْمَوْهُوبَةِ قَبُولُ هَذِهِ الْهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَسَقَطَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي مُتْعَتِهِ بِالْوَاهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبِلَ الزَّوْجُ الْهِبَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ اهـ. قُلْت: لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الزَّوْجَاتِ الْأُخَرِ فَلَمَّا أَسْقَطَتْ إحْدَاهُنَّ يَوْمَهَا لِلْأُخْرَى وَرَضِيَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ، وَلَمْ يُنَبِّهْ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا لِلْمَوْهُوبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،

ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ قَدَّرَتْ كَالْعَدَمِ وَلَا يُخَصِّصُ هُوَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ يَعْنِي إذَا وَهَبَتْ لِضَرَّتِهَا بَقِيَتْ أَيَّامُ الْقَسْمِ عَلَى حَالِهَا وَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبَةِ يَوْمَانِ، وَأَمَّا إذَا وَهَبَتْ الزَّوْجَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ كَالْعَدَمِ وَلَا يُخَصِّصُ هُوَ بِذَلِكَ الْيَوْمِ غَيْرَهَا زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى هِبَتِهَا لِلزَّوْجِ إسْقَاطُ حَقِّهَا لَا أَنَّهَا جَعَلَتْ مَا كَانَ لَهَا بِيَدِهِ هَكَذَا قَالُوا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِلزَّوْجِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إسْقَاطِ يَوْمِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَخُصَّ بِهِ وَاحِدَةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قُلْت وَالْأَقْرَبُ سُؤَالُهَا عَنْ مُرَادِهَا بِالْهِبَةِ هَلْ الْإِسْقَاطُ، أَوْ تَمْلِيكُ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَرَادَتْ تَمْلِيكَ الزَّوْجِ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا فِي جَعْلِهِ لِمَنْ شَاءَ وَنَقْلِهِ عَمَّنْ جَعَلَهُ إلَيْهَا إذَا شَاءَ اهـ. وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْأَخِيرَ فَقَالَ وَيَنْبَغِي إذَا وَهَبَتْ الزَّوْجَ أَنْ تُسْأَلَ هَلْ أَرَادَتْ الْإِسْقَاطَ، أَوْ تَمْلِيكَ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَرَادَتْ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِيَوْمِهَا مَنْ شَاءَ اهـ. قُلْت: وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ هِبَةُ الْمَرْأَةِ يَوْمَهَا جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَأْبَى الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَهِبَتُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ يَوْمَهَا، وَلَمْ تَخُصَّ أَحَدًا عَادَ الْقَسْمُ أَثْلَاثًا، وَإِنْ خَصَّتْ بِهِ وَاحِدَةً كَانَ لَهَا وَبَقِيَ الْقَسْمُ أَرْبَاعًا، وَقَدْ «وَهَبَتْ سَوْدَةُ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» فَكَانَ لَهَا يَوْمَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنْ وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ فِيهِ وَيَكُونَ الْقَسْمُ أَثْلَاثًا، أَوْ يَخُصَّ بِهِ وَاحِدَةً وَيَكُونَ الْقَسْمُ أَرْبَاعًا اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فَأَجْحَفَ فِي اخْتِصَارِهِ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ إنْ أَسْقَطَتْ الْحُرَّةُ يَوْمَهَا أَوْ وَهَبَتْهُ لِضَرَّتِهَا فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا لَحَقِّهِ فِي الْمُتْعَةِ بِهَا، فَإِنْ وَافَقَهَا فَالْمُسْقِطَةُ كَالْعَدَمِ وَاخْتَصَّ الْقَسْمَ بِمَنْ سِوَاهَا وَلِلْمَوْهُوبَةِ يَوْمُهَا وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ وَاحِدَةً، أَوْ يَخُصَّ الْقَسْمَ بِمَنْ سِوَاهَا ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا كَهِبَةِ أَحَدِ الشُّفَعَاءِ حَقَّهُ لِلْمُبْتَاعِ وَأَحَدِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ حَقَّهُ لَهُ يَسْتَغْرِقُهُ مَنْ سِوَاهُ، أَوْ كَهِبَةِ أَحَدِ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ حَقَّهُ لِلْقَاتِلِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَالثَّانِي أَجْرَى عَلَى شِرَائِهِ ذَلِكَ اهـ. قُلْت: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ ارْتَضَاهُ وَإِلَّا لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فَصَحِيحٌ بَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي كَلَامِهِمَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ خِلَافَ ذَلِكَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ وَجَزَمَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْهُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ

الشَّامِلِ فَقَالَ وَقَدَّرَتْ عَدَمًا إنْ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لَهُ، أَوْ أَسْقَطَتْهُ وَلَا يُخَصِّصُ هُوَ لِضَرَّتِهَا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ لَا لِلضَّرَّةِ إنْ رَضِيَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ حَيْثُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَهِبَةِ أَحَدِ الشُّفَعَاءِ حَقَّهُ لِلْمُبْتَاعِ وَكَهِبَةِ أَحَدِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ حَقَّهُ لِلْمُفْلِسِ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ قَوْلَيْنِ أَرْجَحُهُمَا أَنَّ نَصِيبَ الْوَاهِبِ يَرْجِعُ لِبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ وَمَسْأَلَةُ التَّفْلِيسِ لَا شَكَّ أَنَّ الْغُرَمَاءَ يَقْسِمُونَ حِصَّةَ الْوَاهِبِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِلزَّوْجِ، أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا تَصِيرُ كَالْعَدَمِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَخُصَّ بِيَوْمِهَا وَاحِدَةً مِنْ الْبَوَاقِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا الْيَوْمَ وَشَبَهَهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا أُحِبُّ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ صَاحِبَتِهَا يَوْمًا وَلَا شَهْرًا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي لَيْلَةٍ خَفِيفًا قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَرْضَى إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِشَيْءٍ أَعْطَاهَا لِيَوْمِهَا لِيَكُونَ فِيهِ عِنْدَ الْأُخْرَى فَقَالَ إنَّ النَّاسَ لَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَمَحْمَلُ قَوْلِهِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَمَّا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ، وَعَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا طَالَتْ مُدَّتُهُ اهـ. وَانْظُرْ الْخِلَافَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ مَا هُوَ؟ فَإِنَّ الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِلضَّرَّةِ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ ضَرَّتِهَا يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا وَخَفَّفَ شِرَاءَ اللَّيْلَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي إرْضَاءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فِي يَوْمِهَا تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي شِرَاءِ الْيَوْمِ فَقَالَ أَوَّلًا لَا أُحِبُّ لَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ يَوْمَهَا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُرْضِي امْرَأَتَهُ بِشَيْءٍ لِيَكُونَ فِي يَوْمِهَا عِنْدَ الْأُخْرَى فَقَالَ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَفَّفَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَاءِ الزَّوْجَةِ يَوْمَ صَاحِبَتِهَا وَشِرَاءِ الزَّوْجِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ سُئِلَ عَمَّنْ يُرْضِي إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِعَطِيَّةٍ فِي يَوْمِهَا لِيَكُونَ فِيهِ عِنْدَ الْأُخْرَى قَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ قِيلَ لَهُ أَتَكْرَهُهُ قَالَ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ سُئِلَ فِي هَذَا الرَّسْمِ بِعَيْنِهِ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِي مِنْ صَاحِبَتِهَا يَوْمَهَا فَقَالَ مَا يُعْجِبُنِي، وَإِنِّي لَأَكْرَهَهُ أَرَأَيْت لَوْ اشْتَرَتْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ اللَّيْلَةُ خَفِيفَةً. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ امْرَأَتِهِ، أَوْ تَكُونَ صَاحِبَتُهَا هِيَ الَّتِي اشْتَرَتْهَا مِنْهَا فَجَعَلَ شِرَاءَ الْمَرْأَةِ اللَّيْلَةَ مِنْ صَاحِبَتِهَا أَشَدَّ فِي الْكَرَاهَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهَا بِمَا أَعْطَتْ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إذْ قَدْ يُصِيبُهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَقَدْ لَا يُصِيبُهَا وَالرَّجُلُ يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إذْ هُوَ مَالِكٌ لِلْإِصَابَةِ. وَأَمَّا اشْتِرَاءُ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَالْكَرَاهَةُ فِيهَا بَيِّنَةٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يَدْرِي هَلْ يَعِيشُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ هُوَ، أَوْ الَّذِي اشْتَرَى الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ اهـ. فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ

الأمة إذا كانت تحت العبد وقالت اشهدوا متى عتقت فقد اخترت زوجي أو اخترت نفسي

ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ شِرَاءَ اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ، أَوْ صَاحِبَتُهَا لَكِنَّ شِرَاءَ صَاحِبَتِهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَأَمَّا شِرَاءُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الزَّوْجُ، أَوْ الضَّرَّةُ وَانْظُرْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مَعَ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي الْجَائِزَاتِ وَشِرَاءِ يَوْمِهَا مِنْهَا، وَكَذَا قَوْلُ الشَّامِلِ وَشِرَاءُ لَيْلَتِهَا مِنْهَا فَجَعَلَ ذَلِكَ جَائِزًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَظَاهِرُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُشْتَرِي، أَوْ الضَّرَّةُ وَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصَّهُ وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ ضَرَّتِهَا، أَوْ مِنْ زَوْجِهَا. قُلْت: وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ سَوَاءٌ جَعَلَ الْعِوَضَ الْمَأْخُوذَ فِي ذَلِكَ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، أَوْ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى حِكَايَةِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ثُمَّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قُلْت: وَهَذَا خِلَافُ تَفْرِقَةِ ابْنِ رُشْدٍ اهـ. فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ سَوَّى بَيْنَ شِرَاءِ الرَّجُلِ وَالضَّرَّةِ اللَّيْلَةَ الْوَاحِدَةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ إسْقَاطُ حَقِّهَا فِي قَسْمِهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا كَالْعَزْلِ لَحَقِّهِ فِي الْوَلَدِ إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ يَائِسَةً، أَوْ حَامِلًا وَاسْتُحْسِنَ إنْ أَصَابَهَا مَرَّةً، وَأَنْزَلَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الْقَسْمِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطُّهْرِ ابْنُ عَرَفَةَ يُرَدُّ بِاحْتِمَالِ خَيْبَتِهَا فِيهَا وَرَجَائِهِ فِي تَكَرُّرِهِ اهـ. [الْأَمَة إذَا كَانَتْ تَحْت الْعَبْد وَقَالَتْ اشْهَدُوا مَتَى عتقت فَقَدْ اخْتَرْت زوجي أَوْ اخْتَرْت نفسي] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ وَقَالَتْ اشْهَدُوا مَتَى عَتَقْتُ، فَقَدْ اخْتَرْت زَوْجِي، أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ لَا أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهَا وَحَكَى ابْنُ حَرْثٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا قَالَ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بَيَانُ الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. [شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِيمَنْ شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ إنْ تَسَرَّى أَوْ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَتَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي مَتَى فَعَلَ زَوْجِي ذَلِكَ، فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي، أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ حَصَّلَ ابْنُ زَرْقُونٍ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي لُزُومِ مَا أَوْقَعْنَاهُ قَبْلَ حُصُولِ سَبَبِ خِيَارِهِمَا وَعَدَمِهِ. ثَالِثًا التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ لِابْنِ حَرْثٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَالْبَاجِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ مَعَ فَضْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمَعْرُوفِ قَوْلِ مَالِكٍ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا هِيَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ فِي فَصْلِ الرَّجْعَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي يُحْكَى عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَقَالَ لَهُ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ وَكَانَتْ دَارًا يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ

مُعَرِّضًا لَهُ بِقِلَّةِ التَّحْصِيلِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ وَتَوْبِيخًا لَهُ عَلَى تَرْكِ إعْمَالِ نَظَرِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَسْأَلَ إلَّا فِي أَمْرٍ مُشْكِلٍ، وَهَذَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ أَنْتَ حَتَّى السَّاعَةِ هَاهُنَا تَسْأَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا. وَلَعَمْرِي إنَّ مِثْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي فَهْمِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ لَحَرِيٌّ أَنْ يُوَبَّخَ عَلَى مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ خِيَارٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالشَّرْعِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزَّوْجَاتِ الْإِمَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ الْعَبِيدِ بِشَرْطِ عِتْقِهِنَّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ أَزْوَاجِهِنَّ وَبَيْنَ خِيَارٍ اشْتَرَطَهُ الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ لِزَوْجِهِ حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا خَيَّرَ اللَّهُ عِبَادَهُ فِيهِ عَلَى شَرْطٍ وَجَعَلَهُ شَرْعًا مَشْرُوعًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسْقِطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ بِحُصُولِ الشَّرْطِ وَيُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَخْذِ، أَوْ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ مُبْطِلًا لِلشَّرْعِ الَّذِي شَرَّعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي حَقِّهِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَنِيًّا قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي إنْ افْتَقَرْت فَلَا آخُذُ مِنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لِلْفُقَرَاءِ شَيْئًا، أَوْ إنْ افْتَقَرْت فَأَنَا آخُذُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ لِي مِنْ الْحَقِّ فِيهَا ثُمَّ افْتَقَرَ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ إنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّرْعِ وَمَا أَوْجَبَهُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْخِيَارُ فِي نَفْسِهَا بِشَرْطٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ يَجِبُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ زَوْجَهَا قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ بِشَرْطِ حُصُولِهِ أَنْ يَلْزَمَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهُوَ حَقٌّ لَهَا تَرَكَتْهُ إذْ لَا يَلْزَمُهَا قَبُولُ مَا أَعْطَاهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَعَلَى زَوْجِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ يَلْزَمُ بِحُصُولِهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ تَقُولَ هِيَ إذَا مَلَكْت الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ أَنَا طَالِقٌ إنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لِذَلِكَ الشَّرْطِ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اهـ. مِنْ أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ سَمَاعُ أَشْهَبَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مِنْ الْبَيَانِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ الثَّانِي. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَوَّلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ بَعْدَهُ سَمِعْت فِي صِغَرِي وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَأَظُنُّهُ شَيْخَهُ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ أَبَا يَحْيَى بْنَ جَمَاعَةَ، أَوْ الشَّيْخَ الْخَطِيبَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْبَرْجِينِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ تَعْرِيضٌ لَهُ بِتَقَدُّمِ دُخُولٍ كَانَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ لِدَارِ قُدَامَةَ، فَإِنَّهُ بِهِ عِلْمُ مَا سَأَلَ عَنْهُ مِنْ الْفَرْقِ وَنَحْوُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُ عِيَاضٍ قَالَ ابْنُ حَرْثٍ كَانَتْ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ نَفْسُ أَبِيهِ كَلَّمَهُ مَالِكٌ يَوْمًا بِكَلِمَةٍ خَشِنَةٍ فَهَجَرَهُ عَامًا كَامِلًا اسْتَقْضَى عَلَيْهِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ وَكَانَتْ دَارًا يَلْعَبُ فِيهَا الْأَحْدَاثُ بِالْحَمَامِ. وَقِيلَ: بَلْ عَرَّضَ لَهُ

بِالْعَجْزِ اهـ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ قِيلَ: إنَّ مَالِكًا رَمَى عَبْدَ الْمَلِكِ بِدَارِ قُدَامَةَ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ لِلصِّغَرِ وَاللَّعِبِ. وَقِيلَ: نَسَبَهُ لِلْبَلَهِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ بَيِّنَةٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَذَكَرَ مَا تَقْرِيرُهُ تَخْيِيرُ الْعِتْقِ مُوجِبٌ لَهُ شَرْعًا، فَلَوْ لَزِمَ سَابِقُ قَوْلِهَا عَلَى الْعِتْقِ بَطَلَ التَّخْيِيرُ بِهِ ضَرُورَةَ مُنَاقِضَةِ التَّخْيِيرِ وَاللُّزُومِ وَكُلَّمَا بَطَلَ التَّخْيِيرُ بَطَلَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ، فَلَوْ لَزِمَ سَابِقُ قَوْلِهَا بَطَلَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ قَطْعًا وَاخْتِيَارُ ذَاتِ الشَّرْطِ قَبْلَ حُصُولِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَلْزُومًا لِإِبْطَالِ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ لَزِمَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ أَمْرٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَلَوْ الْتَزَمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ فَكَذَلِكَ قَبْلَهُ كَقَوْلِ الزَّوْجِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ كَذَا. ثُمَّ اسْتَشْهَدَ عَلَى لَغْوِ الْتِزَامِ الْأَمَةِ تُعْتَقُ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ غَنِيًّا قَالَ إنْ افْتَقَرْت فَلَا آخُذُ الزَّكَاةَ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ إنْ افْتَقَرْت فَأَنَا آخُذُ ثُمَّ افْتَقَرَ لَمْ يُحَرَّمْ أَخْذُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهُ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت فِيمَا فَرَّقَ بِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَغْوُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْعِصْمَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ عَلَى حَرَامٌ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النِّكَاحَ سَبَبَ حِلِّيَّةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا فَإِلْزَامُهُ تَحْرِيمَهَا قَبْلَهُ مُنَاقِضٌ لِمُوجَبِ النِّكَاحِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ. الثَّانِي: مَنْعُ مُنَاقَضَةِ إلْزَامِهَا مَا الْتَزَمَتْ لِمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ خِيَارِهَا وَسَنَدُهُ أَنَّ اللُّزُومَ اللَّاحِقَ لَا يُنَاقِضُ التَّخْيِيرَ الْأَصْلِيَّ كَعَدَمِ مُنَاقَضَةِ الْوُجُوبِ الْعَارِضِ الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ. وَاسْتِشْهَادُهُ بِقَوْلِهِ لَوْ أَنَّ غَنِيًّا إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْتِزَامِ مَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ إنْ الْتَزَمَ مُعَلَّقًا وَمَا جَاءَ بِهِ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِحَالٍ، وَمَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ سُؤَالَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَنْ أَمْرٍ جَلِيٍّ وَلِذَلِكَ سَوَّى بَيْنَهُمَا مَالِكٌ مَرَّةً وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ وَفَرَّقَ الصَّقَلِّيُّ أَيْضًا بِأَنَّ خِيَارَ الْأَمَةِ إنَّمَا يَجِبُ لِعِتْقِهَا فَاخْتِيَارُهَا قَبْلَهُ سَاقِطٌ كَالشُّفْعَةِ وَإِسْقَاطُهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَالْمُمَلَّكَةُ جَعَلَ لَهَا الزَّوْجُ مَا كَانَ لَهُ إيقَاعُهُ وَلَهُ إيقَاعُهُ مُعَلَّقًا عَلَى أَمْرٍ فَكَذَا الزَّوْجَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُنْتِجُ هَذَا اللُّزُومُ مَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ طَلَاقٍ لَا مَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ اخْتِيَارِ زَوْجِهَا فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لِحُرٍّ يَقَعُ بِيَاءٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَدُونَهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ اهـ. وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فَقَالَ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدِي أَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يَجِبُ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ إذَا عَتَقَتْ وَالْعِتْقُ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، فَقَدْ سَلَّمَتْ أَوْ أَوْجَبَتْ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ لَهَا فَلَمْ يَجِبْ كَتَارِكِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْجِبَهَا وَالْحُرَّةُ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا الزَّوْجُ الشَّرْطَ إنْ فَعَلَ وَمَلَّكَهَا مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ اهـ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْبُرْزُلِيُّ وَقَالَ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَالْأَمَةُ لَمْ يَجِبْ وَلَا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ فَهُوَ أَبْعَدُ اهـ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الرَّجُلِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ

أبرأت زوجها من الصداق في نكاح التفويض

وَبَيْنَ إنْ اشْتَرَى فُلَانٌ شِقْصَ كَذَا، فَقَدْ أَسْقَطْت الشُّفْعَةَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْقَاطُهُ إذَا حَصَلَ مُوجِبُهُ وَالشُّفْعَةُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَهُ الرِّضَا وَالرُّجُوعُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. [أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا أَبْرَأَتْ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا مِنْ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِمَّا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْوُجُوبِ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَلْ يَلْزَمُ نَظَرًا لِتَقَدُّمِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هَاهُنَا الْعَقْدُ، أَوْ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا قَبْلَ وُجُوبِهِ وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْت فِي وَصَايَاهَا إنْ أَجَازَ وَارِثٌ فِي مَرَضِ مُوَرِّثِهِ وَصِيَّةً بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ وَفِي حَمَالَتِهَا أَنَّهُ إنْ أَخَّرَ الطَّالِبُ الْحَمِيلَ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَهُوَ تَأْخِيرٌ لِلْغَرِيمِ قُلْت فَهُوَ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَعْدَ سَبَبِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي شَرْطِ طَلَبِ الْحَمِيلِ بِتَعَذُّرِ الْأَصْلِ اهـ. [أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلِ فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ فِي لُزُومِ ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَجَّهَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ قَالَ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَكَالْمَرْأَةِ إذَا أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلِ عَنْ زَوْجِهَا هَلْ يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا قَدْ وُجِدَ، أَوْ لَا يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ رَاشِدٍ يَعْنِي الْقَفْصِيَّ وَكَعَفْوِ الْمَجْرُوحِ عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ الْجُرْحُ وَكَإِجَازَةِ الْوَارِثِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي مَرَضِ الْمُوصِي وَأَمْثِلَةُ هَذَا كَثِيرَةٌ. أَمَّا إنْ لَمْ يَجْرِ سَبَبُ الْوُجُوبِ لَمْ يَجِبْ بِاتِّفَاقٍ حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذِهِ النَّظَائِرَ وَذَكَرَ مَعَهَا مَسْأَلَةَ ذَاتِ الشَّرْطِ وَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ قَالَ: وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ اهـ. قُلْت: وَاقْتَصَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ وَحَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَصُّهُ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ وَقَبْلَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ التَّمَكُّنُ، أَوْ يُقَالُ التَّمَكُّنُ هُوَ السَّبَبُ خَاصَّةً، وَلَمْ يُوجَدْ، فَقَدْ أَسْقَطَتْ قَبْلَ السَّبَبِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ وَإِسْقَاطُ اعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يُتَّجَهُ، فَإِنَّ التَّمْكِينَ بِدُونِ الْعِصْمَةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا يُوجِبُ النَّفَقَةَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الطِّبَاعِ تَرْكُ النَّفَقَاتِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْإِسْقَاطَ لُطْفًا بِالنِّسَاءِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ، وَعَلَى التَّأْوِيلَيْنِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ

وَهِيَ تَعْلَمُ بِفَقْرِهِ. قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهَا طَلَبُ فِرَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ مَنْ تَعْلَمُ فَقْرَهُ، فَقَدْ سَكَنَتْ نَفْسُهَا سُكُونًا كُلِّيًّا فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الصَّبْرِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ مَجْبُوبًا، أَوْ عِنِّينًا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا لَفَرْطِ سُكُونِ النَّفْسِ اهـ. وَقَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَالَ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ وَمَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ ظَاهِرٌ اهـ. وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ ابْنُ غَازِيٍّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ: أَعْنِي قَوْلَهُ لَا إنْ أَبْرَأَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ، أَوْ أَسْقَطَتْ فَرْضًا قَبْلَ وُجُوبِهِ. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ وَقَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُوَثَّقِينَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ التَّطْلِيقَ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُسْقِطْهَا عَنْهُ وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ الَّتِي لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ قَالَ: الرَّابِعَةُ الَّتِي تَطْلُقُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ يَكْشِفُ الْغَيْبُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ الْجُورَائِيُّ فِي نَظَائِرِهِ فَقَالَ: وَمَنْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي النَّظَائِرِ. وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي فَصْلِ الْمَفْقُودِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي وَمِنْ الْوَاضِحَةِ إذَا رَفَعَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ فِي النَّفَقَةِ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ حَلَّفَهَا مَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ إلَيْهَا نَفَقَةً وَلَا وَضَعَتْهَا عَنْهُ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ لَمَّا تَكَلَّمَ عَنْ هِبَةِ الْمَرْأَةِ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا: وَإِنَّ لَهَا الرُّجُوعَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا أَسْقَطَتْ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا كَتَارِكِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا. مَا نَصَّهُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ نَظَرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِنَفَقَةِ حَمْلِهَا، أَوْ بِنَفَقَتِهَا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا احْتَاجَتْ لِلْوَقْتِ وَالْحَالِ؟ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَ لَزِمَهَا ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ وَسُئِلَ أَبُو زَكَرِيَّا الْبَرْقِيُّ عَمَّنْ الْتَزَمَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُبُهُ بِنَفَقَةٍ مَا دَامَ غَائِبًا عَنْهَا، وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ بَلَدِهَا وَهِيَ فِي صَفَاقُسَ فَغَابَ عَنْهَا وَمُسْتَقَرُّهُ تُونُسُ فَطَوَّلَ الْغَيْبَةَ، وَلَمْ تَعْلَمْ أَيْنَ هُوَ فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا وَشَكَتْ الضَّرُورَةَ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ

أسقطت الحاضنة حقها في الحضانة

وَطُولِ الْغَيْبَةِ هَلْ لَهَا قِيَامٌ لِلضَّرُورَةِ وَتَطْلُقُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إسْقَاطُ النَّفَقَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْخُرُوجِ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا لَهَا الرُّجُوعُ فِي الْإِسْقَاطِ وَلَهُ إخْرَاجُهَا هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَأَجَابَ الْمَرْجِينِيُّ بِأَنَّهُ يَسْأَلُ الشُّهُودَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ فَهِمُوا الْغَيْبَةَ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، أَوْ يَعْلَمُوا الْغَيْبَةَ الْمُعْتَادَةَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ وَإِقَامَتَهُ فِيهِ، أَوْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ غَيْبَةً مُعْتَادَةً مُسْتَمِرَّةً مَعْرُوفَةً، فَهَذِهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ وَيُعَضِّدُهُ فَهْمُ الشُّهُودِ لِذَلِكَ فَمَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ. [أَسْقَطَتْ الْحَاضِنَةُ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ] (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) إذَا أَسْقَطَتْ الْحَاضِنَةُ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَالَ لِي ابْنُ عَرَفَةَ الْفَتْوَى عِنْدَنَا فِيمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تُسْقِطَ هِيَ وَأُمُّهَا الْحَضَانَةَ أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ فِي الْجُدُدِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا لَمْ يَجِبْ ثُمَّ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ عَقْدُ تَسْلِيمِ الْأُمِّ ابْنَهَا إلَى أَبِيهِ، وَعَلَى أَنْ أَسْلَمَتْ إلَيْهَا ابْنَهَا مِنْهُ وَأَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا فِيهِ وَقَطَعَتْ أُمُّهَا فُلَانَةُ وَأُخْتُهَا فُلَانَةُ حُجَّتَهَا فِيمَا كَانَ رَاجِعًا إلَيْهَا مِنْ حَضَانَتِهِ. وَانْتَقَدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ الْفَخَّارِ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ قَطَعَتْ حُجَّتَهَا فِيمَا كَانَ إلَيْهَا مِنْ حَضَانَةٍ فَدَلَّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ الْجَدَّةَ قَطَعَتْ حُجَّتَهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَ لَهَا ذَلِكَ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ وَاَلَّتِي لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا، فَإِنَّهَا تَدُلُّ أَنَّهَا قَطَعَتْ حُجَّتَهَا قَبْلَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ لَهَا فَلَا يَلْزَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَتَفْرِقَةُ ابْنِ الْفَخَّارِ بَيْنِ الْعَاطِفَيْنِ ضَعِيفَةٌ فِي الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْهَا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا عَدَمُ اللُّزُومِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْأُمِّ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا وَإِلَّا كَانَ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَأَيْضًا فَالْحَضَانَةُ وَاجِبَةٌ لِلْأُمِّ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ وَمُسْتَحِقُّهَا وَأَبُو الْوَلَدِ زَوْجَانِ هُمَا وَفِي افْتِرَاقِهِمَا أَصْنَافٌ الْأَوَّلُ الْأُمُّ إلَخْ وَعَدَّ اللَّخْمِيُّ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ لِلْعَقْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهَا، وَأَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَصَحَّ بَعْدَهُ وَسَقَطَ الشَّرْطُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَازِمٌ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ حَاضِنٌ غَيْرُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. (الثَّانِي) إذَا خَالَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ صَالَحَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ حَتَّى تَضَعَ، فَإِذَا وَضَعَتْ

قال شخص لآخر إن قتلتني فقد وهبت لك دمي أو فقد أبرأتك

حَمْلَهَا أَسْلَمَتْهُ إلَى أَبِيهِ، فَإِنْ طَلَبَتْهُ بِنَفَقَتِهَا وَرَضَاعِهِ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْطِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ بِذَلِكَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ. قَالَ مَالِكٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ وَكُلُّ مَا شَرَطَ عَلَيْهَا جَائِزٌ إلَّا مَا اشْتَرَطَ أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ تَرْجِعُ إلَيْهِ، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَ عَلَيْهَا حَقٌّ لَهَا فَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَيْهَا حَاشَا الرَّجْعَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابٍ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْأُمَّ إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ بِشَرْطٍ فِي عَقْدِ الْمُبَارَأَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَلَا كَلَامَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُهَا إسْقَاطُ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُسْقِطَ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَتْ الْحَضَانَةَ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا وَسَوَاءٌ أَسْقَطَتْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ. (الْخَامِسُ) إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنْ تُسْقِطَ حَضَانَتَهَا فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا، وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ. [قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنْ قَتَلْتنِي فَقَدْ وَهَبْت لَك دَمِي أَوْ فَقَدْ أَبْرَأْتُك] (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنْ قَتَلْتنِي، فَقَدْ وَهَبْت لَك دَمِي، أَوْ فَقَدْ أَبْرَأْتُك فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحْسَنُهُمَا أَنْ يُقْتَلَ بِخِلَافِ عَفْوِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الَّذِي نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَذُكِرَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِسَحْنُونٍ وَنَصُّهَا: سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي أَجِدُ مَنْ يَقْتُلُنِي فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْهِدْ عَلَى نَفْسِك أَنَّك وَهَبْتنِي دَمَك وَعَفَوْت عَنِّي، وَأَنَا أَقْتُلُك فَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَقَتَلَهُ فَقَالَ لِي قَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ يُقْتَلَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ عَفَا عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِأَوْلِيَائِهِ وَلَا يُشْبِهُ مَنْ قَتَلَ فَأُدْرِكَ حَيًّا فَقَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ عَفَوْت عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُ، فَلَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ فَقَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَفْسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ جُرْحٌ اهـ.

وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَاخِرِ نَوَازِلِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُ سَحْنُونَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ قَدْ عَفَا لَهُ عَنْ دَمِهِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ تَبَاعَتُهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِشُبْهَةِ عَفْوِ الْمَقْتُولِ لَهُ عَنْ دَمِهِ وَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ قَالَ قُلْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ لَفْظِ سَحْنُونَ وَقَالَ الصَّقَلِّيُّ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَلَا جَعْلَ لَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لِلْأَوْلِيَاءِ قَتْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي وَلَك كَذَا وَكَذَا أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَتَلَهُ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ عَامًا، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَفَعَلَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا نَقَلَهُ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ عَنْهُ خِلَافَهُ. الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي، أَوْ يَدَ عَبْدِي عُوقِبَ الْمَأْمُورُ إنْ فَعَلَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَلَا فِي الْعَبْدِ. ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ اهـ. قُلْت: وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ سَقْطٌ وَنَصُّ مَا فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ لِمَالِكٍ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي، أَوْ يَدَ عَبْدِي أَوْ افْقَأْ أَعْيُنَهُمَا عُوقِبَ الْمَأْمُورُ إنْ فَعَلَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَلَا فِي عَبْدِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَعَفَا عَنْهُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ وَالْمَأْمُورَ ضَرْبُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ اهـ. مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) تَعْلِيلُهُمْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي مَسْأَلَةِ إنْ قَتَلْتنِي، فَقَدْ أَبْرَأْتُك بِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ بِالْعَفْوِ فِي مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ وَفِيهَا أَيْضًا إسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لِلْأَوْلِيَاءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْعَبْدِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا، وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلسَّيِّدِ لِشَبَهِهَا بِمَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ وَرُوعِيَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ حُرْمَةُ الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَوْلُ أَصْبَغَ إغْرَامُهُ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ إغْرَامَهُ الْقِيمَةَ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، وَإِذَا عُوقِبَ الْقَاتِلُ بِغُرْمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ أَنْ لَا يُعْطَى الْقِيمَةَ لِجُرْمِهِ فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِ عَبْدِهِ، وَلَوْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا أَغْرَمَهُ الْقِيمَةَ لِإِسْقَاطِهَا السَّيِّدُ قَبْلَ وُجُوبِهَا

إذا عفا عما يئول إليه جرحه

لَهُ إذْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ قَتْلِ الْعَبْدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ لُزُومَ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ. (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَنْكَحَ عَبْدَهُ حُرَّةً عَلَى أَنْ لَا تَبَاعَةَ لَهَا فِيمَا شَجَّهَا بِهِ إنْ شَجَّهَا فَلَا يَجُوزُ هَذَا وَلَهَا طَلَبُ حَقِّهَا اهـ. قُلْت: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِمَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ لَكِنْ إنَّمَا سَرَى ذَلِكَ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ قَتَلْتنِي، فَقَدْ أَبْرَأْتُك فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ قَطْعِ الْيَدِ هِيَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ قَطَعْت يَدِي، فَقَدْ أَبْرَأْتُك، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالنَّوَادِرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدِي فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ تَأْذَنْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا فِي أَنْ يَشُجَّهَا، وَإِنَّمَا أَشْهَدَتْ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ فَلَا تَبَاعَةَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [إذَا عَفَا عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ جُرْحُهُ] (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا عَفَا عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ جُرْحُهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ فِي إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ نَفَقَتَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِقَسَامَةٍ إنْ كَانَ عَفْوُهُ عَنْ الْيَدِ لَا عَنْ النَّفْسِ وَلِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَاتِلِهِ عَمْدًا، وَكَذَلِكَ فِي الْخَطَأ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثُ. الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إنْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْيَدِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْيَدِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قَالَ عَفَوْت فَقَطْ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَمَّا وَجَبَ لَهُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ اهـ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ، فَإِنْ عَفَا عَنْ الْجُرْحِ لَا عَنْ النَّفْسِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ مِنْ النَّفْسِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأ وَذَلِكَ بِقَسَامَةٍ قَالَ أَشْهَبُ وَلَوْ قَالَ فِي عَفْوِهِ عَفَوْت عَنْ الْجُرْحِ وَعَنْ كُلِّ مَا تَرَامَى إلَيْهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ وَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ إذَا خَرَجَتْ الدِّيَةُ مِنْ ثُلُثِهِ وَقَالَ بَعْدَهُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ الدِّيَاتِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ جُرْحِهِ الْعَمْدِ ثُمَّ نَزَّى فِيهِ فَمَاتَ فَلِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْ النَّفْسِ قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَفَوْت عَنْ الْجُرْحِ وَعَمَّا تَرَامَى إلَيْهِ فَيَكُونُ عَفْوًا عَنْ النَّفْسِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَقْتُولِ يَعْفُو عَنْ قَاتِلِهِ عَمْدًا فِي وَصِيَّتِهِ فَذَلِكَ لَهُ دُونَ أَوْلِيَائِهِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ إلَّا فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيَجُوزُ عَفْوُ الْمَقْتُولِ عَنْ دَمِهِ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ، وَكَذَلِكَ لَا قَوْلَ لِغُرَمَائِهِ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ اهـ. وَلَمْ يَحْكُوا

فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثِينَ الْقِصَاصُ لَهُ سَبَبٌ، وَهُوَ إنْفَاذُ الْمُقَاتِلِ، وَشَرْطٌ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ، فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ وَبَعْدَهُمَا مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت اهـ. قُلْت: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا فِيمَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ. نَعَمْ، وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْجُرْحِ وَمَا نَزَّى إلَيْهِ وَكَانَ الْجُرْحُ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِمَا شَاءَ أَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِرَاحِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الدِّيَاتِ بِيَسِيرٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ عَفْوَهُ لَازِمٌ بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِجَاجِهِ بِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) كَلَامُ الْقَرَافِيُّ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ إنْفَاذِ الْمُقَاتِلِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَقَطْعُ الْيَدِ لَيْسَ مِنْ الْمُقَاتِلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ جُرْحِهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَنْفَذَ الْمُقَاتِلُ، أَوْ لَمْ يُنْفِذْ، وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ غَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بَلْ عِبَارَةُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ كَعِبَارَةِ النَّوَادِرِ. (الثَّانِي) لَوْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ عَلَى الدِّيَةِ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ عَلَى الدِّيَةِ لَزِمَ وَرَثَتَهُ ذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا. (الثَّالِثُ) عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ، وَأَنْ يُقْتَلَ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُخَالِفُوا وَيَعْفُوا وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَعْفُوا، وَإِنْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ مِنْهُمْ كَانَ لَهُمْ الْعَفْوُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ عَفْوُهُمْ لِشُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فِي إيمَانِهِمْ اهـ. قُلْت: الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي النَّوَادِرِ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ قَالَ قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَاقْتُلُوهُ وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ دِيَةً فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَخْذَ الدِّيَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَقْسَمُوا ثُمَّ عَفَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ، وَإِنْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ حَتَّى يُقْسِمُوا جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَصْبَغَ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَصْبَغَ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَوَكَّلَ رَجُلًا فَوَّضَ إلَيْهِ

أعتق أمة على أن تتزوجه

أَمْرَ دَمِهِ وَأَقَامَهُ فِيهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَعَفَا عَنْ الدَّمِ وَأَبَى الْأَوْلِيَاءُ، أَوْ عَفَوْا وَأَبَى الْوَكِيلُ، فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ فَالْأَمْرُ لِلْوَكِيلِ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بِقَسَامَةٍ فَالْعَفْوُ وَالْقَتْلُ لِلْوُلَاةِ. قُلْت: هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ السَّابِقِ وَالْجَارِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ إذَا أَوْصَى بِالْقَتْلِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَلَا يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَنْكِحَهَا أَوْ تَنْكِحَ فُلَانًا فَامْتَنَعَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إذَا أُعْتِقَتْ سَقَطَ إجْبَارُ السَّيِّدِ إيَّاهَا، فَقَدْ أَسْقَطَتْ بِذَلِكَ حَقَّهَا مِنْ الْخِيَارِ قَبْلَ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهَا فَأَسْقَطَتْ الْحَقَّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يَصِحُّ كَالشَّفِيعِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ بَيْعِ الشِّقْصِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ يُرِيدُ بِعَقْدٍ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فِيهِ خِيَارٌ اهـ. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَمِلْكِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا النِّكَاحَ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ نَكَحَهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا فُسِخَ وَكَانَ لَهَا الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نِكَاحُهَا إنْ شَاءَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ اهـ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَعْتِقَ أَمَتَك وَتُزَوِّجَنِيهَا فَأَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَهُ وَالْأَلْفُ لِلرَّجُلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَلْفَ لَازِمَةٌ كُلَّهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا لِمَوْضِعِ النِّكَاحِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَاسْتَحْسَنَهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَسَاقُ التَّفْسِيرِ وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَلَى الْخِلَافِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَاسْتِحْسَانِ أَصْبَغَ وَوَقَفَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيهَا وَاسْتِحْسَانِ قَوْلِ أَصْبَغَ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَصْوَبُ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ فِي الْحُرِّيَّةِ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَلَا يَدْخُلُ اسْتِثْنَاءٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ. قُلْت: زَادَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مَا نَصَّهُ مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَعْتِقْهَا وَلَك خِدْمَةُ عِشْرِينَ سَنَةً فَأَعْتَقَهَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ وَلَا يُرْجَعُ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا دَفَعَ عَنْ الْخِدْمَةِ بِشَيْءٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى نَخْلًا وَفِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَابَ عِنْدَهُ فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ جَائِحَةٌ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ أَصْلِ النَّخْلِ قَلِيلًا أَرْبَعِينَ دِينَارًا، أَوْ أَقَلَّ فَأَتَمَّهُ مِائَةَ دِينَارٍ لِلثَّمَرَةِ لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِجَائِحَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ إنَّمَا

أسقط حقه المشتري من القيام بالعيب في عقدة البيع

يُقْطَعُ لِلْأَصْلِ وَالثَّمَرَةُ تَبَعٌ اهـ. قُلْت: وَحَمَلَ اللَّخْمِيُّ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَصُّهُ: إذَا قَالَ أَعْتِقْ جَارِيَتَك وَزَوِّجْنِيهَا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ وَأَبَتْ الْجَارِيَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَلْفُ لَازِمَةٌ لِلرَّجُلِ وَلِلْأَمَةِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَهُ. وَقِيلَ: لِلسَّيِّدِ مِنْ الْأَلْفِ قِيمَةُ الْأَمَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ تُفَضُّ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَةِ الْأَمَةِ، وَعَلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ فَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ مَا قَابَلَ قِيمَةَ الْأَمَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَك أَلْفٌ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ رَضِيَتْ الْأَمَةُ بِالنِّكَاحِ كَانَ لَهَا صَدَاقُهَا غَيْرَ مَا أَخَذَ السَّيِّدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ يَجْهَلُ وَيَظُنُّ أَنَّ الصَّدَاقَ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ فَتُفَضُّ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَصَدَاقِ الْمِثْلِ وَتُنْظَرُ قِيمَتُهَا إذَا بِيعَتْ بِشَرْطٍ وَلَيْسَ قِيمَتُهَا إذَا بِيعَتْ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْهَا وَزَوِّجْنِيهَا عَلَى الْأَلْفِ لَفُضَّتْ الْأَلْفُ عَلَى حِسَابِ مَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَك أَلْفٌ اهـ. بِلَفْظِهِ وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْبَاجِيُّ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنْ تَرَكَتْ حَضَانَةَ وَلَدِهَا فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ تُصَالِحُ الزَّوْجَ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَلَدِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ كَالْحُرَّةِ اهـ. مِنْ تَرْجَمَةِ الْقَضَاءِ بِالْحَضَانَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ عِيسَى هُوَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَفَرْضُهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ عَزَا لِسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِثْلَ سَمَاعِ عِيسَى وَاسْتَظْهَرَهُ وَعَزَا الْقَوْلَ الثَّانِي لِرِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يُرَدُّ إلَيْهَا مِثْلُ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَأَعَادَ ابْنُ رُشْدٍ ذِكْرَ الْقَوْلَيْنِ وَتَوْجِيهَهُمَا بِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ وَقَعَ الْإِسْقَاطُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعِتْقِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ وَالْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ قَبْلَ كَمَالِ صَاحِبِهِ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ وَالْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّهَا اخْتَارَتْ عِتْقَهَا عَلَى حَضَانَةِ وَلَدِهَا كَمَا اخْتَارَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا عَلَى ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَوِيَا اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ الْمُوَافِقَ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي اشْتِرَاطِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ، وَإِنْ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَقُومَ بِعَيْبٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَهُ الْقِيَامُ إذَا وَجَدَ عَيْبًا إلَّا أَنْ يُسَمَّى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَسَنَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [أَخَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الضَّامِنَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَخَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الضَّامِنَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ فَهُوَ تَأْخِيرٌ لِلْغَرِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ

أسقط القيام بالجائحة بعد عقد البيع وقبل حصول الجائحة

فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ. [أَسْقَطَ الْقِيَامَ بِالْجَائِحَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ حُصُولِ الْجَائِحَةِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) مَنْ أَسْقَطَ الْقِيَامَ بِالْجَائِحَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ حُصُولِ الْجَائِحَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. [أَسْقَطَ الْعُهْدَةَ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَسْقَطَ الْعُهْدَةَ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِهَا، فَقِيلَ: يُوَفِّي بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يُوَفِّي بِذَلِكَ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَيْضًا. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) نَظَمَ بَعْضُهُمْ غَالِبَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ: وَإِسْقَاطُ حَقِّ الْمَرْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ ... حَكَى فِيهِ خُلْفًا أَهْلُ مَذْهَبِ مَالِكِ وَيَجْرِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسَائِلُ ... يُحَقِّقُهَا أَهْلُ النُّهَى وَالْمَدَارِكِ شَرِيكٌ سَخَا طَوْعًا بِإِسْقَاطِ شُفْعَةٍ ... وَذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمُشَارِكِ وَتَارِكُ إرْثٍ أَوْ مُجِيزُ وَصِيَّةٍ ... بِصِحَّةِ مَوْرُوثٍ لَهُ غَيْرِ هَالِكٍ كَذَلِكَ مَنْ أَمْضَى وَصِيَّةَ مُنْفِقٍ ... عَلَيْهِ مَرِيضٍ قَدْ غَدَا فِي الْمَهَالِكِ وَرَاضِيَةٌ بِالْهَجْرِ لَيْلَةَ وَصْلِهَا ... وَمِنْ بَعْدُ أَمْسَى سِنُّهَا غَيْرُ ضَاحِكِ وَمُخْتَارَةٌ مِنْ قَبْلِ عِتْقٍ لِنَفْسِهَا ... تَرُومُ فِكَاكًا مِنْ فَتًى مُتَمَاسِكِ وَتَارِكَةٌ لِلشَّرْطِ مِنْ قَبْلِ عَقْدِهَا ... تَشَكَّتْ بِحَالٍ بَعْدَ ذَلِكَ حَالِكِ وَمُسْقِطُ حَقٍّ لِلْحَضَانَةِ لَمْ يَجِبْ ... كَذَا حُكْمُهُ احْذَرْ مَقَالَةَ آفِكِ وَعَافٍ صَحِيحٌ قَبْلَ قَتْلٍ يَنَالُهُ ... تَجَاوَزَ عَنْ جَانٍ عَلَيْهِ وَفَاتِكِ وَقَدْ كَمُلَتْ تِسْعًا وَأُحْكِمَ نَظْمُهَا ... فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ سَهْلَ الْمَسَالِكِ عَلَى أَنَّنِي إنْ أُلْفِ بَعْدُ زِيَادَةً ... فَلَسْت لَهَا يَا صَاحِ يَوْمًا بِتَارِكِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهَا هَذَا الْبَيْتَ: عَلَى أَنَّ مَشْهُورَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ... سُقُوطُ لُزُومٍ فَاعْتَمِدْ قَوْلَ مَالِكِ وَنَسَبَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِلدَّمَامِينِيِّ إلَّا الْأَخِيرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَشْهُورَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَخْ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي ذَلِكَ السُّقُوطُ مَا عَدَا مَسْأَلَةِ ذَاتِ الشَّرْطِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَادَ الشَّيْخُ التَّتَّائِيُّ بَعْدَهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ فَقَالَ:

الفصل الثاني في الشروط المناقضة لمقتضى العقد وفيه مسائل

وَمُسْقِطَةُ الْإِنْفَاقِ قَبْلَ وُجُوبِهِ ... وَمُنْكَحَةُ التَّفْوِيضِ يَا خَيْرَ نَاسِكِ إذَا أَبْرَأَتْ مِنْ قَبْلِ فَرْضٍ لَهَا، وَمَنْ ... عَفَا عَنْ مَآلِ الْجُرْحِ عِنْدَ الْمَهَالِكِ وَرَبَّةُ شَرْطٍ وَاحِدٍ أَوْ مُعَدَّدٍ ... إذَا أَبْرَأَتْ قَبْلَ الْوُقُوعِ لَمَاسِكِ الثَّانِي: هَذَا الْخِلَافُ فِي إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ قَبْلَ وُجُوبِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الَّذِي يَقُولُ: إنْ طَلَّقْت امْرَأَتِي يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ، فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يَرْتَجِعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةٍ بَيْنَ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ عَلَى الرَّجُلِ وَالرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ فَالْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ مَتَى الْتَزَمَهُ وَالْحَقُّ الَّذِي لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَقًّا قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي إسْقَاطِهِ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَالشُّفْعَةِ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا عَلَى اخْتِلَافٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْأَمَةِ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَقْدِيرِ عِتْقِهَا وَفِي اخْتِيَارِ ذَاتِ الشَّرْطِ نَفْسَهَا بِتَقْدِيرِ فِعْلِ زَوْجِهَا ذَلِكَ الشَّرْطَ إلَّا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ حُصُولِ الْعِتْقِ وَالشَّرْطِ وَبِالْتِزَامِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَسْقُطُ الْخِيَارُ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) ذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَحْنُونَ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَرَادَ سَفَرًا وَخَافَ أَنْ تُحْنِثَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَأَشْهَدَ أَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ رَجْعَةً وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ وَلَا إنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ إنْ دَخَلَتْ، فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ مَسَائِلُ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ] الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ. وَالشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَوْ يَكْسُوَهَا، أَوْ يَبِيتَ عِنْدَهَا أَوْ يَقْسِمَ لَهَا، أَوْ لَا يُؤْثِرَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَضُرَّ بِهَا فِي نَفَقَةٍ وَلَا كِسْوَةٍ وَلَا فِي عِشْرَةٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَا يُوقِعُ فِي الْعَقْدِ خَلَلًا وَلَا يُكْرَهُ اشْتِرَاطُهُ وَيُحْكَمُ بِهِ سَوَاءٌ شُرِطَ أَوْ تُرِكَ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ مُنَاقِضًا

لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَشَرْطِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا، أَوْ وَأَنْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَكْسُوَهَا، أَوْ لَا يُعْطِيَهَا وَلَدَهَا، أَوْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا لَيْلًا، أَوْ لَا يَطَأَهَا نَهَارًا، أَوْ أَنْ لَا إرْثَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّوْجَيْنِ بِالْخِيَارِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِمَا، أَوْ عَلَى إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لِكَذَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا مَتَى شَاءَتْ، أَوْ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَيَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ إنْ شُرِطَ فِيهِ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ. وَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: إنْ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ الشَّرْطِ شَرْطَهُ صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِهِ فُسِخَ. (تَنْبِيهٌ) : مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ مُطْلَقًا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ وَشَرَطَ أَنَّ مَا وَلَدَتْ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يُقَرَّ هَذَا النِّكَاحُ وَيَكُونُ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا الْمُسَمَّى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. وَقِيلَ: لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَهُوَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ وَقَعَ لِلْبُضْعِ وَلِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ مَجْهُولٌ فَوَجَبَ لِذَلِكَ صَدَاقُ الْمِثْلِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّمَا وَقَعَ لِلْبُضْعِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْوَلَدُ قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ نِكَاحَهَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ زَوَّجَهَا مِنْ حُرٍّ، أَوْ مِنْ عَبْدٍ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ الَّذِي أَعْتَقَهُ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ بِلَفْظٍ وَفِي ثَانِي نِكَاحِهَا مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّ مَا وَلَدَتْهُ حُرٌّ لَا يُقَرُّ نِكَاحُهُ بِحَالٍ، وَلَوْ دَخَلَ وَلَهَا الْمُسَمَّى. ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ يُنَصَّ عَلَى فَسْخِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ إنَّمَا قَالَ فِيهَا لَا يُقَرُّ هَذَا النِّكَاحُ بِرَدٍّ لِسَابِقِ نَصِّهَا وَلَعَلَّهُ اغْتَرَّ بِلَفْظِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُنْتَقَدِ بِتَرْكِ أَمْرٍ مُهِمٍّ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي فَسْخِهِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ اهـ. قُلْت: يَعْنِي الْخِلَافَ، يَدْخُلُهُ تَخْرِيجًا مِنْ الْخِلَافِ الْمُقْتَرِنِ بِشَرْطٍ لَا يُخِلُّ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ نَصُّ الْأُمِّ قَبْلَ تَرْجَمَةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّعْقِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ رَوَى مُحَمَّدٌ مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّ وَلَدَهَا أَحْرَارٌ فُسِخَ نِكَاحُهُ، وَلَوْ بَنَى، وَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ وَوَلَاؤُهُمْ لِسَيِّدِهِمْ وَلَا قِيمَةَ عَلَى أَبِيهِمْ فِيهِمْ. مُحَمَّدٌ إنْ بَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ فَوَلَدُهَا رَقِيقٌ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَبِعْهَا وَفَسَخَ الشَّرْطَ، أَوْ تَفَاسَخَاهُ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ حَمْلِهَا؛ لِأَنَّهُ رِضًا بِفَاسِدٍ رُدَّ قَبْلَ وُقُوعِهِ اهـ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ هَذَا جَمِيعَهُ لِمُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ إنْ بَاعَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ كَانَ مَا وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَقِيقًا

وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَهُ: وَكَذَلِكَ أَرَى إنْ لَمْ يَبِعْهَا وَفَسَخَ الشَّرْطَ، أَوْ تَفَاسَخَاهُ، أَوْ رَجَعَ السَّيِّدُ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ فَهُوَ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّهُ رِضًا بِفَاسِدٍ رُدَّ قَبْلَ وُقُوعِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَبِعْهَا إلَخْ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُمَا تَفَاسَخَا النِّكَاحَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ السَّيِّدُ فَسَخَ الشَّرْطَ وَرَجَعَ عَنْهُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ آخِرِ كَلَامِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَبَرَّعَ بِذَلِكَ لِأَمَتِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِهَا كَمَا نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ. (فَرْعٌ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الْأَمَةُ أَخْذَهَا الْمُسْتَحِقَّ وَجَمِيعَ وَلَدِهَا وَرَدَّ عِتْقِ مَا كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ رَدِّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ السَّيِّدِ لَا مِنْ الْأَبِ الْوَاطِئِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْوَلَدُ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرُدَّ الْعِتْقَ اهـ. (فَرْعٌ) فَإِنْ زَوَّجَهَا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ حُرٌّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَفِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ أَيْضًا أَبَدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ طَالَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ تَلِدْ أَوَّلَ وَلَدٍ، فَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى وَلَدَتْ كَانَ حُرًّا وَثَبَتَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ ذَهَبَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ أَنَّهُمَا إذَا صَحَّا قَبْلَ الْفَسْخِ ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا اهـ. وَحُكْمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِسَيِّدِهَا أَنْ يَبِيعَهَا، وَأَنْ يُصْدِقَهَا مَا لَمْ تَحْمِلْ بِأَوَّلِ وَلَدٍ وَيَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ حَمَلَتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ. وَقِيلَ: لَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَفِي جَوَازِ قِسْمَتِهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَالْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا بَاعَهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ، أَوْ أَصْدَقَهَا لِزَوْجَتِهِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ إنْ أَرَدْته فِي رَسْمِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ. (فَرْعٌ) إنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ مَا تَلِدُهُ الْأَمَةُ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ الْوَلَدَ بَيْنَهُمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَيَجِبُ لَهَا بِالدُّخُولِ مَهْرُ الْمِثْلِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنْ زَادَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسَمَّى، فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ الزَّائِدُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْفَرَجِ لَا يَسْقُطُ لِحُصُولِ غَرَضِ الزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُنَافِيهِ وَلِلزَّوْجَةِ فِيهِ غَرَضٌ كَشَرْطِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا

أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى، أَوْ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ مِنْ بَيْتِهَا، أَوْ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْهَا، فَهَذَا النَّوْعُ لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا يَقْتَضِي فَسْخَهُ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ تَمْلِيكٍ أَمْ لَا، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ تَمْلِيكٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ فَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ، أَوْ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، أَوْ بِيَدِ أَبِيهَا، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَمْرُ الدَّاخِلَةِ بِيَدِ الزَّوْجَةِ الْأُولَى أَوْ بِيَدِ أَبِيهَا، أَوْ إنْ تَسَرَّيْت عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ حُرَّةٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أَسْقَطَتْ مِنْ صَدَاقِهَا لِذَلِكَ شَيْئًا، أَوْ لَمْ تُسْقِطْ وَسَوَاءٌ شَرَطَتْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ الزَّوْجُ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ مَا شَرَطَ وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَسْقَطَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ حَصَلَ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت عَنْك مِائَةً مِنْ صَدَاقِي عَلَى أَنَّك إنْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَأَنَا طَالِقٌ، أَوْ فَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ، فَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَا رُجُوعَ لَهَا بِمَا أَسْقَطَتْ. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ لَا يَحِلُّ الشَّرْطُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ جَازَ النِّكَاحُ وَلَزِمَ الشَّرْطُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُكْرَهُ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ ابْتِدَاءً وَزَوَّجَ غُلَامَهُ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَرَقَ زَيْتُونَهُ كَانَ أَمْرُ امْرَأَتِهِ بِيَدِهِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى اللَّخْمِيِّ وُجُودَ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ فِعْلُ سَحْنُونٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَخَفُّ مِثْلُ هَذَا لِلضَّرُورَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ فِعْلَ أَحَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا مَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ. قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ تَزَلْ تَسْتَدِلُّ عَلَى مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ بِأَفْعَالِهِمْ لَا سِيَّمَا مِثْلُ سَحْنُونَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ وَرَعًا بَلْ فِعْلُ أَهْلِ الْوَرَعِ أَقْوَى فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ يُفْتِي الْغَيْرَ بِالْجَوَازِ وَيَتَوَرَّعُ هُوَ عَنْ فِعْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ إنَّ فِعْلَ أَحَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إنْ أَرَادَ بِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَصَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ الْجَوَازُ فَمَمْنُوعٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَكَذَلِكَ تَلَقَّى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ بِالْقَبُولِ اهـ. يَعْنِي قَوْلَهُ عَنْ سَحْنُونَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَعَقُّبَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى اللَّخْمِيِّ قَالَ الَّذِي وَجَدَتْهُ فِي التَّبْصِرَةِ هُوَ مَا نَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ إلَخْ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ فَتْوَى بِالْجَوَازِ وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الَّذِي فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ وَاحِدَةٌ مِنْهَا نُسْخَةٌ عَتِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالصِّحَّةِ عَلَيْهَا آثَارُ الْمُقَابَلَةِ وَاضِحَةٌ مَا نَصَّهُ وَأَجَازَ سَحْنُونٌ ابْتِدَاءً وَزَوَّجَ غُلَامَهُ أَمَتَهُ إلَخْ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ نَصًّا سَوَاءٌ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ. قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت نُسْخَةً مِنْ التَّبْصِرَةِ فِيهَا مِثْلُ مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا تَمْلِيكٍ فَالشَّرْطُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَلْزَمُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ

بِذَلِكَ وَسَوَاءٌ وَضَعَتْ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا أَمْ لَا وَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرَطَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَوَضَعَتْ عَنْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ بَعْضَ صَدَاقِهَا، فَإِنَّهُ إنْ خَالَفَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْهُ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى وَلَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ وَضَعَتْ عَنْهُ لِذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا لَمْ تَرْجِعْ وَبِهِ وَبَطَلَ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ عِتْقٌ، أَوْ طَلَاقٌ، وَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَوَضَعَتْ لِذَلِكَ بَعْضَ صَدَاقِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ لِذَلِكَ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَزَوَّجَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَلَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا تَمَّ لَهَا شَرْطُهَا اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى ثُمَّ فَعَلَ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَعْطَتْهُ كَمَا تَرْجِعُ بِمَا أَسْقَطَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إسْقَاطَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَمْرَهُ ضَعِيفٌ فَنَبَّهَ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدِّ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنَعَهُ فِي السُّلَيْمَانِيّ مَا يُعْطِيهِ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا قَالَ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْرٌ طَارِئٌ. (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ سَوَاءٌ خَالَفَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ تَحْقِيقًا لِلْعِوَضِيَّةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبَعْدِ كَمَا فَرَّقُوا إذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا فَوَضَعَتْ عَنْهُ مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ سَأَلَهَا الْحَطِيطَةَ فَقَالَتْ أَخَافُ أَنْ تُطَلِّقَنِي فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَحَطَّتْ عَنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ أَعْطَتْ زَوْجَهَا مَالًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا وَكَمَا لَوْ قَالُوا: إذَا سَأَلَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ الْإِقَالَةَ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي إنَّمَا مُرَادُك الْبَيْعُ لِغَيْرِي؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْتهَا بِرُخْصٍ فَيَقُولُ الْبَائِعُ مَتَى بِعْتهَا فَهِيَ لَك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ عَقِبَ الْإِقَالَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَلِلْمُبْتَاعِ شَرْطُهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ الطُّولِ أَوْ لِحُدُوثِ سَبَبٍ اقْتَضَاهُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ اهـ. قُلْت: كَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي رُجُوعِهَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُعْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إذَا أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ قَرُبَ تَزْوِيجُهُ، أَوْ بَعُدَ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ فَتْحُونٍ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَيُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ

المسألة الثانية في الشروط في الخلع

الْقُرْبِ وَالْبَعْدِ كَمَا إذَا سَأَلَهَا وَضْعَ صَدَاقِهَا فَوَضَعَتْهُ ثُمًّ طَلَّقَهَا فَيُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَيَأْتِي أَيْضًا الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهَا، وَإِنَّ هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْجَعْلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَجْعُولُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَدَمُ الزَّوَاجِ عَلَيْهَا، أَوْ التَّسَرِّي، أَوْ عَدَمُ إخْرَاجِهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ دَارِهَا فَمَتَى فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الْمَجْعُولُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَالْمَجْعُولُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ هُوَ تَرْكُ الطَّلَاقِ وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ مُرَادَهَا عَدَمُ الطَّلَاقِ الْآنَ، أَوْ فِيمَا قَارَبَ ذَلِكَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ فَتَأَمَّلْهُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى عَدَمِ الزَّوَاجِ عَلَيْهَا الْآنَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى إرَادَتِهَا عَدَمَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا فَيَتَسَاوَيَانِ وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمِ هُنَا فِي مَسْأَلَةِ أَعْطَاهَا عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِيهِ إجْمَالٌ، وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْخُلْعِ وَذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ. (الرَّابِعُ) : مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا وَضَعَتْ لِلشَّرْطِ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا فِي الْعَقْدِ هُوَ الْمَشْهُورُ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ صَدَاقَهَا أَلْفٌ ثُمَّ قَالَتْ لَهُ أَنَا أُسْقِطُ لَك مِائَتَيْنِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَسَرَّى، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ خَالَفَ. وَمُقَابِلُهُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ بِمَا وَضَعَتْ وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَقِيلَ: تَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا وَضَعَتْ أَوْ مِنْ تَمَامِ صَدَاقِ الْمِثْلِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَوَجَّهَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَشْهُورَ بِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ يَعْنِي فَكُلُّ مَا أَسْقَطَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ. (الْخَامِسُ) : إذَا كَانَ لَا رُجُوعَ لَهَا بِمَا وَضَعَتْهُ فِي الْعَقْدِ فَمِنْ بَابِ أَحْرَى إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْعَقْدِ مَا وَضَعَتْ، وَإِنَّمَا خَفَّفَتْ عَنْهُ الصَّدَاقَ لِمَا شَرَطَتْهُ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَتَزَوَّجُك بِمِائَةٍ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ وَعُلِمَ أَنَّ صَدَاقَ مِثْلِهَا مِائَتَانِ فَخَالَفَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا خَفَّفَتْ. وَقِيلَ: لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِتَمَامِ صَدَاقِ مِثْلِهَا. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ فِي الْخُلْعِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ فِي الْخُلْعِ) : كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي هِيَ بِهِ، فَإِنَّ الْخُلْعَ يَلْزَمُهُ وَتَبِينُ مِنْهُ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْمَسْكَنِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ مَسْكَنِهَا حَرَامٌ وَالْخُلْعُ عَلَى الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُ كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَيُرَاقُ الْخَمْرُ وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ، أَوْ فِي يَدِهَا إلَّا أَنْ يَتَخَلَّلَ الْخَمْرُ فَيَكُونَ حَلَالًا لِلزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالِعهَا عَلَى أَنْ تُسَلِّفَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَجِّرَهُ بِدَيْنٍ بِذِمَّتِهِ حَالٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَهُوَ حَرَامٌ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ

المسألة الثالثة في الشروط المتعلقة بالبيع

بَائِنًا وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُسَلِّفَهُ وَلَا أَنْ تُؤَجِّرَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مَالًا يَجِبُ قَبُولُهُ مِنْ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك. وَأَمَّا إنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا، فَإِنْ أَرَادَ إلْزَامَهَا كِرَاءَ الْمَسْكَنِ، وَهُوَ لِغَيْرِهِ، أَوْ لَهُ وَسَمَّى الْكِرَاءَ لَزِمَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَسْكَنِهِ تَمَّ الْخُلْعُ وَلَا تَخْرُجُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَرَى عَلَيْهَا الْأَقَلَّ مِنْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ، أَوْ مَا كَانَتْ تُكْتَرَى بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهَا لِمَسْكَنٍ لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا نَفَقَةَ نَفْسِهِ، أَوْ نَفَقَةَ غَيْرِهِ، أَوْ نَفَقَةَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ وَيَشْتَرِطَ الرَّجْعَةَ، أَوْ خَالَعَهَا وَشَرَطَ أَنَّهَا إنْ طَلَبَتْ شَيْئًا مِنْهُ عَادَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ شَرَطَ رَجْعَتَهَا فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَالْخُلْعُ يَلْزَمُهُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ إلَّا نِكَاحًا مُبْتَدَأً قَالَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَا يَحِلُّ سُنَّةَ الْخُلْعِ قَالَهُ مَالِكٌ اهـ. (فَرْعٌ) : وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابٍ فِيمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ لِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا فَأَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَهِيَ عَلَى خُلْعِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يُشْبِهُ عَقْدَ الْبَيْعِ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِهِ نَفْسَهَا كَمِلْكِهَا زَوْجَهَا بِالنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ الشَّرْطُ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ وَالْإِقَامَةِ فِيهِ، أَوْ تَرْكِ النِّكَاحِ وَشَبَهِهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمُبَاحِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ اهـ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ] وَقَدْ جَعَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ) شَرْطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْقِيَامِ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الْعِوَضِ عِنْدَ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ، أَوْ مَا لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ لِكَوْنِهِ لَا يَئُولُ إلَى غَرَرٍ وَفَسَادٍ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَلَا إلَى إخْلَالٍ بِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ وَبَيْعِ الدَّارِ وَاسْتِثْنَاءِ سُكْنَاهَا أَشْهُرًا مَعْلُومَةً، أَوْ سَنَةً وَكَبَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ إلَى مَكَان قَرِيبٍ، فَهَذَا الْقِسْمُ مِنْ الشُّرُوطِ صَحِيحٌ لَازِمٌ يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّرْطِ وَلَا يُقْضَى بِهِ بِدُونِ شَرْطٍ إلَّا مَا كَانَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَيَتَأَكَّدُ مَعَ الشَّرْطِ.

فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُظْلِمَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ فِيهَا فَالْتَزَمَهُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ لَازِمٌ اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذَكَرَهَا الْمُتَيْطِيُّ قَبْلَ بَابِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا. (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَاشْتِرَاطُ رَضَاعِ وَلَدِهَا وَنَفَقَتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي سَنَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَرْضَعَ لَهُ آخَرَ، وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِأُخْرَى تُرْضِعُ الْوَلَدَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الشَّرْطَيْنِ إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى، وَإِنْ مَاتَ الرَّضِيعُ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى كَوْنَ الرَّضَاعِ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ كَوْنَ الرَّضَاعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ مَا لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِخُلْفِهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ شَرَطُوا أَنَّ الرَّضَاعَ يَبْطُلُ بِمَوْتِهَا أَوْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ دَخَلَهُ التَّحْجِيرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَمَةِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لِذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطُوهُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَمَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي دَخَلَهُ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ. وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الشَّرْطِ نِيَّةٌ فَحَمَلَهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ بَعْدَهُ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَلَمْ يُجِزْهُ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولُوا: إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى بَلْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْمَضْمُونِ فَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ، مِثْلُ أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعَ فِيهِ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَهُ مَعَ كَوْنِ الرَّضَاعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَقَالَ كَيْفَ يُجِيزُ هَذَا، وَهُوَ لَا يُجِيزُ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ اعْتِرَاضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِزْهُ بَلْ حَمَلَ الْأَمْرَ فِي السُّكُوتِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا فِي عَيْنِ الْأَمَةِ اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَطَ الرَّضَاعَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرْضِعُهُ مَا دَامَتْ حَيَّةً، فَإِذَا مَاتَتْ أَتَى الْمُشْتَرِي بِخُلْفِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي أَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ رَادًّا لَهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِهَا بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّضَاعَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ هُوَ الظَّاهِرُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي رَضَاعَ الصَّبِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ الرَّضَاعَ

مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ رُشْدٍ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَأْتِيَ بِأُخْرَى تُرْضِعُ الصَّبِيَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ حَتَّى فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ كَوْنِ الصَّبِيِّ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا وَهْمٌ مِنْ مَالِكٍ، أَوْ أَمْرٌ رَجَعَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِقَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهَا فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَجَابَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْوَاهِمُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَسَبَ مَالِكًا إلَى الْوَهْمِ فِيهِ. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رَبَّ الْأَمَةِ أَعْتَقَ وَلَدَهَا ثُمَّ بَاعَهَا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَمْرِ رَضَاعِهِ إلَّا سَنَةٌ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ بَقِيَّةَ رَضَاعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. (الثَّانِي) قَالَ سَحْنُونٌ لَا أَدْرِي لِمَ جَوَّزَ مَالِكٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهُوَ لَا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهَا مَسْأَلَةُ ضَرُورَةٍ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ عِنْدِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْغَرَرَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ تَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ انْضَافَ إلَى أَصْلٍ جَائِزٍ، وَهُوَ بَيْعُ الْأُمِّ وَالْغَرَرُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الظِّئْرِ مُنْفَرِدٌ فَلَمْ يَجُزْ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ جُزَافًا فِي شَهْرٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَجَازَ كِرَاءَ نَاقَةٍ شَهْرًا وَاسْتِثْنَاءَ حِلَابِهَا فَالْغَرَرُ إذَا انْفَرَدَ يُمْنَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ تَبَعًا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» وَقَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَفِيهَا تَمْرٌ مُؤَبَّرٌ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ إذَا انْضَافَ إلَى الْأَصْلِ وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَلَمْ يُرَ قُطْنُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قُطْنِهَا مُفْرَدًا، وَهُوَ مَحْشُوٌّ فِيهَا اهـ. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَعَلَ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ كَالدَّيْنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَلَسِ وَتُقَدَّمُ عَلَى الْوَصَايَا وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِمَبْلَغِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ عَلَيْهِ لِعِتْقِهِ إيَّاهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ نِصْفِ الْأَمَةِ أَوْ الدَّابَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَقَتَهَا سَنَةً، وَأَنَّهُ إنْ مَاتَتْ، أَوْ بَاعَهَا فَذَلِكَ لَهُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى نَصِّهَا فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَوَصَلَ بِهَا أَنَّ سَحْنُونًا أَنْكَرَهَا. وَالْمَعْنَى عِنْدِي فِي مُخَالَفَةِ سَحْنُونَ لِمَالِكٍ أَنَّ مَالِكًا حَمَلَ قَوْلَهُ إنْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ فَطَعَامُهَا لَهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الطَّعَامِ بِمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ السَّنَةُ فَأَجَازَ ذَلِكَ إذْ لَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ فِيهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الْأَمَةِ، أَوْ الدَّابَّةِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى

وَنَفَقَتُهُ مَعْلُومَةٌ يَسْتَوْفِيهَا كَانَتْ الْأَمَةُ أَوْ الدَّابَّةُ بَاقِيَةً، أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَبَعْضُ ثَمَنِ نِصْفِهَا نَفَقَتُهَا الْمَعْلُومَةُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ لِانْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَحَمَلَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَتْ الْأَمَةُ، أَوْ الدَّابَّةُ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ حَالًّا، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ جَوَازَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِنَصٍّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الْأَمَةِ أَوْ نِصْفَ الدَّابَّةِ بِشَرْطِ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي سَنَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى النَّفَقَةِ شَيْئًا لَجَازَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ الثَّوْبِ، أَوْ الدَّابَّةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ الْآخَرَ إلَى شَهْرٍ، وَعَلَى مَا فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، فَإِنْ مَاتَتْ الْأَمَةُ، أَوْ الدَّابَّةُ قَبْلَ السَّنَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهَا يَوْمَ بَاعَهُ لِفَوَاتِهِ بِالْمَوْتِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لِمَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ نِصْفَ الرَّضِيعَةِ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَبِالنَّفَقَةِ عَلَى نِصْفِهَا الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ فِي السَّنَةِ. فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نِصْفَ السَّنَةِ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِنِصْفِ سُدُسِ قِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهَا يَوْمَ بَاعَهُ لِفَوَاتِهِ بِالْمَوْتِ كَانَ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاعَ نِصْفَ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَعَرْضُ قِيمَتِهِ دِينَارَانِ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ مِنْ النَّفَقَةِ بِمَوْتِ الرَّضِيعَةِ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَهُوَ عَرْضٌ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْعَشَرَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الْأَمَةَ، وَقَدْ أَعْتَقَ وَلَدًا لَهَا صَغِيرًا وَاشْتَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَثْغَرَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ فَيَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الشَّرْطُ كِفَايَةَ مُؤْنَةِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبُ بِهِ الزَّائِدَ فِي الثَّمَنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَئُولُ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَشَرْطِ مَا يُؤَدِّي إلَى جَهْلٍ وَغَرَرٍ فِي الْعَقْدِ، أَوْ فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي الْمَثْمُونِ أَوْ إلَى الْوُقُوعِ فِي رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ فِي رِبَا النَّسَاءِ كَشَرْطِ مُشَاوِرَةِ شَخْصٍ بَعِيدٍ، أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، أَوْ إلَى مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ شَرْطِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ شَرْطِ زِيَادَةِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي الْمَثْمُونِ، فَهَذَا النَّوْعُ يُوجِبُ فَسْخَ الْبَيْعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَاتَتْ السِّلْعَةُ، أَوْ لَمْ تَفُتْ وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي إمْضَائِهِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ قَائِمَةً رُدَّتْ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ قِيمَتُهَا بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُسَلِّفَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ، أَوْ الْعَكْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا دَامَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ مُتَمَسِّكًا بِهِ، فَإِنْ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَوَاءٌ أَخَذَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ السَّلَفَ وَغَابَ عَلَيْهِ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ مَا اشْتَرَطَهُ مِنْ السَّلَفِ وَيَغِيبُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ وَغَابَ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ ذَلِكَ وَرَدِّ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ مَا أَرَادَهُ مِنْ السَّلَفِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِيَدِ الْمُشْتَرِي. فَأَمَّا إنْ فَاتَتْ فَلَا يُفِيدُ الْإِسْقَاطُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، فَإِنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَإِنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَفُ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِسْقَاطُ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ، أَوْ بَعْدَ فَوَاتِهَا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ ثَمَنًا قَضَاهُ، وَإِنْ هَلَكَ وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ وَقَعَ هَذَا الشَّرْطُ وَفَاتَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَفْسُدُ بِهَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ الْفَسْخُ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ شَاءَا، أَوْ أَبَيَا وَيَصِحُّ فِي فَوَاتِهَا بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ إذْ قَدْ يَقُولُ كَثِيرًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْفَسْخُ: لَا أُحِبُّ هَذَا وَأَكْرَهُهُ وَشَبَهَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَزَادَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هَذَا حَرَامٌ وَيُرَدُّ، فَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَوْلُهُ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ صَرِيحًا مِنْ قَوْلِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " فَيَصِحُّ فِي فَوَاتِهَا بِالْقِيمَةِ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَصَوَابُهُ وَيُفْسَخُ فِي فَوَاتِهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ صَحَّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَضَى بِالثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ قُلْت الْأَظْهَرُ حَمْلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ مُقْتَضَى الْحُكْمِ فِي عَدَمِ الطَّلَبِ فِي الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، فَإِذَا مَاتَ عَدِيمًا فَلَا مَيْسَرَةَ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُمْ خِلَافُ مُقْتَضَى الْحُكْمِ عَلَى مَا قَالَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الْمَدِينِ، وَهَذَا عِنْدِي غَرَرٌ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُبَايَعَاتِ إنَّمَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَمَقْصُودُ النَّاسِ بِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ اهـ.

قُلْت: مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ. وَأَمَّا الدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَأْجِيلِهِ إلَى مَوْتٍ، أَوْ فِرَاقٍ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْمٍ مِنْهَا مَنْعُ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً إلَى الْمَيْسَرَةِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُلُولِ اهـ. وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فَهُوَ غَرَرٌ لَا يَحِلُّ اهـ. وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَ وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَافَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ حَالٌّ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ فَفِيهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ حَمِيلًا إنْ سَافَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ: وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا إلَى أَجَلٍ وَشَرَطَ إنْ لَمْ يُقْبِضْهُ الثَّمَنَ فِي الْأَجَلِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْعَبْدِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا عَتَقَ، وَإِنْ حَلَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رَقَّ وَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَاهَا مُدَّعٍ فَثَمَنُهَا رَدٌّ عَلَيَّ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا يُعْجِبُنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا فَاسِدًا لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَقَوْلُهُ اشْتَرَطَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ الْكِتَابُ وَقَرَّرَهُ الشَّرْعُ الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى دُونَ بَيِّنَةٍ اهـ. مُخْتَصَرًا. قُلْت: وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ تُرَدَّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمُوَظَّفَةِ أَيْ الَّتِي عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُسَلِّمُهُ الْمُشْتَرِي كُلَّ سَنَةٍ، وَقَدْ أَطَالَ الْمُوَثِّقُونَ الْكَلَامَ فِيهَا وَلَخَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا قُرِّرَ عَلَيْهَا عِنْدَ إحْيَائِهَا، أَوْ قُرِّرَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَقَالَ إنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَرْضِ الَّتِي قُرِّرَ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ إحْيَائِهَا قَالَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ

بِأَرْضِ الْخَرَاجِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي قُرِّرَ عَلَيْهَا شَيْءٌ بَعْدَ إحْيَائِهَا فَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْمُوَثِّقُونَ أَرْضَ الْوَظِيفَةِ وَأَرْضَ الطَّبْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلْجَهْلِ فِي الثَّمَنِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ) مَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهِيَ بُيُوعُ الشُّرُوطِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِبَيْعِ الثُّنْيَا قَالَ: مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُهَا، أَوْ لَا يَهَبُهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَ الْجَارِيَةَ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَعْزِلَ عَنْهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُرْكِبَهَا الْبَحْرَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّحْجِيرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ: فَهَذَا النَّوْعُ اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الشَّرْطَ صَحَّ الْبَيْعُ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَقُومَ السِّلْعَةُ بِالشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الْأَجْزَاءِ يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الثَّمَنِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْبُيُوعِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ وَتَكُونُ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الْفَوَاتِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ شِرَاءُ السِّلْعَةِ عَلَى الْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَمْضِي الْبَيْعُ إنْ رَضِيَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِذَلِكَ لَيْسَ بِتَرْكٍ مِنْهُ لِلشَّرْطِ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ لِلْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ الْفَاسِدِ اهـ. قُلْت: وَلِهَذَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَجَعَلْنَاهَا مِمَّا يُؤَدِّي إلَى خَلَلٍ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ هَذَا حُكْمُ هَذَا الْبَابِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، أَوْ صِيَامٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، فَهَذَا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتْرُكَ الشَّرْطَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا يَمِينٌ قَدْ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا عَنْهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ

ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَزَا الْأُولَى لِلْمُقَدِّمَاتِ وَالثَّانِيَةَ لِرَسْمِ الْعُشُورِ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُمَا جَمِيعًا فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُهُ فِيهِ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَبْيَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَكْمِيلٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَيْعُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ بِالشِّرَاءِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي الْعِتْقِ، أَوْ يَشْتَرِطُ الْعِتْقَ وَلَا يُفِيدُهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ قَالَ وَأَيُّ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي صِفَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَفِي شَرْطِ النَّقْدِ. فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا بِنَفْسِ الْبَيْعِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عِتْقٍ، وَإِنْ مَاتَ بِفَوْرِ الْعَقْدِ مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُوَرَّثُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ اهـ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي وَالْتَزَمَ ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ، فَإِنْ أَلَدَّ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُعْتَقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِعِتْقٍ جَدِيدٍ لَكِنْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ اشْتَرَى فَإِمَّا أَعْتَقَهُ وَإِلَّا أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَالنَّقْدُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ اهـ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي الْعِتْقِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بَيْعٌ وَتَارَةً سَلَفٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَدْرَ مَا يَسْتَخِيرُ فِيهِ وَيَسْتَشِيرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِتْقِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَرُدَّ عَبْدَهُ وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ، أَوْ يَتْرُكَ الشَّرْطَ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِيَارَ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِتْقِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ، فَإِنْ أَلَدَّ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَيَجُوزُ النَّقْدُ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ بِقُرْبٍ فَلَا كَلَامَ لِلْبَائِعِ وَسَوَاءٌ كَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ بَعْدَ قِيَامِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَطَلَبِهِ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ قَبْلَ حُصُولِ عَيْبٍ فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ

أَوْ بَعْدَ حُصُولِ الْعَيْبِ فِيهِمَا بَلْ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ قَبْلَ عِتْقِهِمَا بِقُرْبِ الْعَبْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا لَهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ، فَإِنْ قَامَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ قُرْبَهُ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ عَبْدِهِ، أَوْ أَمَتِهِ وَنَقْضُ الْبَيْعِ، أَوْ تَرْكُ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا لِأَجْلِ تَرْكِ الشَّرْطِ فَذَلِكَ لَهُمَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ صَحِيحَيْنِ لَمْ يَدْخُلْهُمَا عَيْبٌ، وَإِنْ دَخَلَهُمَا عَيْبٌ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَهُمَا مَعِيبَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ يَغْرَمَ لِلْبَائِعِ مَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ مِلْكًا لَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِتَأْخِيرِ الْعِتْقِ إلَى شَهْرٍ وَنَحْوِهِ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ عَالِمٍ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَرْضَى عِتْقَهُمَا مَعِيبَيْنِ وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُمَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْبَائِعُ بِقُرْبٍ بَلْ سَكَتَ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ كَثِيرًا كَالسَّنَةِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِعَدَمِ عِتْقِ الْمُشْتَرِي فَلَا قِيَامَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمُطَالَبَةَ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ يُؤْذِنُ بِإِسْقَاطِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا عِنْدِي الِاخْتِلَافُ الَّذِي فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ إذْنٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ صَحِيحَيْنِ، أَوْ دَخَلَهُمَا عَيْبٌ، أَوْ فَاتَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِذَلِكَ حَتَّى طَالَ الْأَمَدُ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ صَحِيحَيْنِ لَمْ يَدْخُلْهُمَا عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ يَدَعَهُمَا وَيَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ مِنْ ثَمَنِهِمَا، وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الطُّولِ لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ عَنْهُ الرُّجُوعَ بِمَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ قَالَ فِي الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْبَائِعُ قَصْدَهُ بِشَرْطِهِ مِنْ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ إذْ إنَّمَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ قَضَى وَطَرَهُ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِعِتْقِ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْوَطْءُ حَتَّى يُفَصِّلَ أَمْرَهُ مَعَ الْبَائِعِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ مِنْ ظِهَارٍ، أَوْ عِتْقٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ فِيهِمَا عَيْبٌ مُفِيتٌ، أَوْ بَعْدَ طُولٍ أَجْزَأَ. هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَكَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ غَالِبَ ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ وَيَجْرِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَيَنْزِلُ وَرَثَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ مَنْزِلَتَهُ، وَإِنْ دَخَلَهُمَا عَيْبٌ مُفِيتٌ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُمَا، وَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ مِنْ ثَمَنِهِمَا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى عِتْقِهِمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْبَائِعُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَقَدْ طَالَتْ إقَامَتُهُمَا بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُمَا فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَفُوتُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إلَّا بِالْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ. وَقِيلَ: يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورِ وَجْهُ الْعَمَلِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا نَقَصَ الشَّرْطُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ بِالشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ فَيُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُرْجَعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يُقَارِبَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَ بِهِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ قَرِيبَةً مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ بِكَثِيرٍ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ اهـ. قُلْت: مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِمَالِكٍ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ تَعَجَّلَ الشَّرْطَ بِمَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ غَرَرٌ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَعْتِقَ، فَإِنْ اشْتَرَى عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ لَزِمَهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِيجَابِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَكَانَ لِلْبَائِعِ تَرْكُ الْعِتْقِ وَتَمَامُ الْبَيْعِ، أَوْ يَرُدُّ الْبَيْعَ، فَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ فَلَهُ الْقِيمَةُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَرُدُّ الْبَيْعَ وَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ لِمَا شَرَطَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُكْمِلَ لِلْبَائِعِ مَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ لِمَكَانِ الْعِتْقِ وَقَوْلُهُ لَهُ الْقِيمَةُ يُرِيدُ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ اهـ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَبْيَنُ وَيُفَسَّرُ بِهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِتْقِ إلَى الْأَمَدِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ ابْتِدَاءً عَلَى تَأْخِيرِ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنْ وَقَعَ التَّرَاخِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَالتَّفْصِيلُ فِيهِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. (الثَّالِثُ) سَوَّى فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَالشِّرَاءِ وَالْعِدَةِ بِالْعِتْقِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمُسَاوَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ أَنْ يَقُولَ: الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ أَبِيعُهَا مِنْك بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُعْتِقَهَا وَالْعِدَةُ أَنْ يَقُولَ: الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْهَا مِنِّي، وَأَنَا أَعْتِقُهَا، أَوْ بِعْهَا مِنِّي بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَا أَعْتِقُهَا، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ فَبَاعَهُ الْبَائِعُ عَلَى مَا وَعَدَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَهُ إذْ لَمْ

يَبِعْهُ إلَّا عَلَى مَا وَعَدَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعِدَةَ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَلَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ. (الرَّابِعُ) هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ اتِّخَاذُ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلتَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِلْغَرَرِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ الْمَشْهُورُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ، فَإِنْ فَاتَ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَطْلَقَ، وَكَذَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَيَّدَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ أَيْ أَجَلُ بَعِيدٌ، وَأَمَّا الْقَرِيبُ جِدًّا فَكَحُكْمِ الْعِتْقِ النَّاجِزِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ تَقْيِيدٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا جِدًّا كَانَ مِنْ الْغَرَرِ الْخَفِيفِ الْمُغْتَفَرِ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ الْعَبْدِ وَاسْتِثْنَاءَ خِدْمَتِهِ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ كَالْعَشَرَةِ، أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا شَرَطَ الْعِتْقَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مَالًا عَلَى تَدْبِيرِ عَبْدِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى التَّدْبِيرُ وَيُرَدُّ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ جَوَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِمَّنْ يُدَبِّرُهُ، وَلَوْ أَخَذَ مَالًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ فَدَبَّرَهُ فَلْيَرُدَّ الْمَالَ وَيُنَفِّذَ التَّدْبِيرَ، وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَ عَلَى اتِّخَاذِ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ ثُمَّ اتَّخَذَهَا كَمَا يَرْجِعُ لَوْ بَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ يَرْجِعُ بِمَا وَضَعَهُ اهـ. مُخْتَصِرًا بِالْمَعْنَى. (السَّادِسُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ كَالْعِتْقِ، فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُلَانٍ وَالْتَزَمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ جَازَ الْعَقْدُ وَالنَّقْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي إنْفَاذِ الصَّدَقَةِ جَازَ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ وَيُخْتَلَفُ إذَا أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْتِزَامٍ وَلَا بِخِيَارٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ امْرَأَتِهِ خَادِمًا بِشَرْطِ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ بِالْحُكْمِ وَلِلْبَائِعِ بِالْخِيَارِ إنْ لَمْ تَتَصَدَّقْ هِيَ بِهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ تَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعٍ وَشَرْطٍ. قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ، أَوْ الْهِبَةُ مُنْجَزَةً، أَوْ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الْمُلْتَزَمُ فِي صَدَقَتِهِ، أَوْ هِبَتِهِ

مِمَّنْ يُؤْمَنُ بَقَاؤُهُ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ مِنْ جِهَةِ مَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَبْطُلَانِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَقَالَ إنْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا جُمْلَةً، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَحْدَهُ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ فِيهِ تَمْكِينٌ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ إذَا بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ حُكْمَ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ مَا نَصَّهُ: وَإِذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَيْعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَكَرِهَهُ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى كَرَاهَةِ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْبَائِعِ اهـ. قُلْت: فَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً مِنْ شَخْصٍ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الْمَذْكُورِينَ، فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يُرَدُّ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ غَايَةُ مَا نُقِلَ فِيهِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِيمَا إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَأَنَّهُ لَا يُبْقِيهَا فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْبَيْعَ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ فَهِيَ مِثْلُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى الشَّامِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَضَعَ الْبَائِعُ شَرْطَهُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مُبْتَاعُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ

الْبَائِعَ إنَّمَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ لِضَرَرٍ يَتَّقِيهِ مِنْ الْعَبْدِ إنْ هُوَ بَقِيَ، فَقَدْ يَكُونُ شِرِّيرًا، وَقَدْ يَكُونُ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِهِ، أَوْ مَوْضِعِ مَالِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ، أَوْ يَتَّقِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي طَارِئًا كَانَ أَبْيَنَ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اهـ. قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ خِلَافٌ لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: " وَهُوَ أَبْيَنُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الشَّامُ مَثَلًا فَفِيهِ تَحْجِيرٌ، وَأَمَّا الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا إخْرَاجَهُ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي بِيعَ فِيهَا فَقَطْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفِيفٌ فَالْجَوَازُ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ بَلْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ. وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ الشَّرْطُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إنْ أَقَامَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَلَدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَجَازَ ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الشَّامِ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بِالشَّامِ، وَالْوَجْهَانِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ سَوَاءٌ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ إلَّا أَنَّهُ زَادَ حِكَايَةَ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُرْكِبَهَا الْبَحْرَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَقَبِلُوهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُجِيزَهَا الْبَحْرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيُخْتَلَفُ إذَا شَرَطَ أَنْ يُجِيزَهَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ شَرَطَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا نَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بَيْعَ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ بَاعَهَا فَبَائِعُهَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ وَذَكَرَ فِيهِ إذَا وَقَّعَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَادَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ فَجَعَلَ هَذَا بَيْعًا فَاسِدًا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ. فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَلِابْنِ رُشْدٍ اخْتِيَارٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا يَكُونُ رَابِعًا.

تَنْبِيهٌ) وَالْإِقَالَةُ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ أَقَالَ مِنْ حَائِطٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهُ بَائِعُهُ الْمُسْتَقِيلُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهُ بِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ زَمَانٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ آخِرًا وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ قَالَ ابْنُ زَرِبٍ أَوْجَبَ مَالِكٌ لِلْمُقِيلِ أَخْذَ الْحَائِطِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ الْمُسْتَقِيلُ بَعْدَ زَمَانٍ لِقَوْلِهِ فِي الشَّرْطِ: " مَتَى بَاعَهُ؟ " لِأَنَّ " مَتَى " لَا تَقْتَضِي قُرْبَ الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ بِالثَّمَنِ وَكَأَنَّ الْمُقْبِلَ تَخَوَّفَ مِنْ الْمُسْتَقِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَالَهُ لِيَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ أُعْطِيهَا. وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَعَلَهُ مَعَهُ وَاشْتَرَطَ أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ فَلَزِمَ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ فِي سَمَاعِهِ أَنَّ الْإِقَالَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لَا تَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْإِقَالَةِ وَالْبَيْعِ، وَأَنَّهُ إذَا أَقَالَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي وَظُلْمًا لَهُ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا بَاعَهُ دُونَ حَقٍّ، وَإِنْ هُوَ اسْتَقَالَهُ، أَوْ سَأَلَهُ الْبَيْعَ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ أَخْشَى أَنَّك إنَّمَا سَأَلْتنِي الْإِقَالَةَ، أَوْ الْبَيْعَ لِرِبْحٍ أُعْطِيت فِي ذَلِكَ لَا لِرَغْبَةٍ فِيهِ فَقَالَ لَا أُرِيدُهُ إلَّا لِلرَّغْبَةِ فِيهِ فَأَقَالَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ بَاعَهُ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ إنْ بَاعَهُ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَالَهُ، أَوْ سَأَلَهُ الْبَيْعَ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ أَقَالَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بَيْعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُعْطَى فِيهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ بَابَهَا الْمَعْرُوفُ لَا الْمُكَايَسَةُ اهـ. مُخْتَصَرًا. وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اسْتَقَالَ مُبْتَاعَهُ فَقَالَ لَهُ أَخَافُ أَنَّك تُرِيدُ بَيْعَهَا لِرِبْحٍ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَرَدْتهَا لِنَفْسِي فَأَقَالَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ اسْتَقَالَهُ لِيَبِيعَهَا فَبَيْعُهُ مُنْتَقِضٌ غَيْرُ جَائِزٍ. وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ بَدَا لَهُ فِي بَيْعِهَا فَطَالَ زَمَانُهَا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنْ تَضَعَ لَهُ مَهْرَهَا فَقَالَتْ: أَخَافُ إنْ وَضَعْتُهُ طَلَّقْتَنِي، فَقَالَ مَا أَفْعَلُ فَوَضَعَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَتَبَيَّنَ صِحَّةُ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إنَّ الْبَيْعَ مُنْتَقِضٌ " إذَا عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَالَهُ لِيَبِيعَهَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَالَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا، فَإِنْ بَاعَهَا نُقِضَ الْبَيْعُ وَرُدَّتْ إلَيْهِ السِّلْعَةُ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ، وَإِذَا نُقِضَ الْبَيْعُ فِيهَا انْتَقَضَتْ الْإِقَالَةُ وَرُدَّتْ إلَى الْمُقِيلِ. وَلَوْ أَقَالَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ فَبَاعَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ لَرُدَّ الْبَيْعُ فِيهَا وَأَخَذَهَا الْمُقِيلُ عَلَى مَا مَضَى فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَتَنْظِيرُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا أَخَافُ إلَخْ مِثْلُ قَوْلِ الْمُبْتَاعِ أَخَافُ أَنْ أُقِيلَك إلَخْ، وَلَوْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا هَذَا

الْكَلَامُ، وَإِنَّمَا سَأَلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ الصَّدَاقَ فَوَضَعَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا بِالْقُرْبِ لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ إذْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ رَجَاءَ اسْتِدَامَةِ صُحْبَتِهِ، وَلَوْ سَأَلَ الْبَائِعُ الْمُبْتَاعَ الْإِقَالَةَ فَأَقَالَهُ دُونَ كَلَامٍ ثُمَّ بَاعَهَا الْبَائِعُ بِالْقُرْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ. فَهُنَا تَفْتَرِقُ الْمَسْأَلَتَانِ فَفِي وَضْعِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا إذَا سَأَلَهَا الزَّوْجُ ذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَضَعَهُ وَتَسْكُتَ، أَوْ تَقُولَ أَخْشَى إنْ وَضَعْته أَنْ تُطَلِّقَنِي فَيَقُولَ: لَا أَفْعَلُ، أَوْ تَقُولَ إنَّمَا أَضَعُهُ عَنْك عَلَى أَنَّك لَا تُطَلِّقُنِي أَبَدًا، وَعَلَى أَنِّي مَتَى طَلَّقْتَنِي رَجَعْت عَلَيْك بِهِ فَيَكُونَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ مَتَى طَلَّقَهَا كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، أَوْ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ اهـ. وَمَسْأَلَةُ سَحْنُونَ هَذِهِ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهٍ أَخَصَّ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي مَتَى بِعْتهَا فَهِيَ لَك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ سَحْنُونَ أَنَّهُ سَأَلَهُ الْإِقَالَةَ يُقَالُ إنِّي أَخَافُ أَنَّك تُرِيدُ بَيْعَهَا لِرِبْحٍ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَرَدْتهَا لِنَفْسِي فَأَقَالَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ مَتَى بِعْتهَا فَهِيَ لَك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَقَالَ بَعْدَهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ وَكَانَ ابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي هَذَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ هَذَا جَيِّدٌ مِنْ فُتْيَاهُ وَاسْتَحْسَنَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ هَذِهِ مَسْأَلَةُ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي شَرْحِهَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى الشُّرُوطِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونَ وَسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَمَّا ذَكَرَ الصَّقَلِّيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ قَالَ قَالَ الشَّيْخُ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ وَيُفْسِدُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَأَمَّا فِي الْإِقَالَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي الْإِقَالَةِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْأَمَةِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ يَبِيعُ أَرْضَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَسْتَقِيلُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْ وَطْئِهَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ مَا يَكُونُ الشَّرْطُ فِيهِ غَيْرَ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ خَفِيفٌ فَلَمْ يَقَعْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ وَيَشْتَرِطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ نَحْوُهَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا. وَمِثْلُ الَّذِي يَبْتَاعُ الْحَائِطَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْجَائِحَةِ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَوْ أَسْقَطَهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ

أَمْرٌ نَادِرٌ فَلَمْ يَقَعْ لِشَرْطِهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَلْزَمْ الشَّرْطُ إذْ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الرُّجُوعِ بِالْجَائِحَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اهـ. وَلْنَذْكُرْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فُرُوعًا: (الْفَرْعُ الْأَوَّلُ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ وَيَشْتَرِطَ لَهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهِ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ لِي مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَشَرْحِهَا كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَصَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: كَرَاهَةُ هَذَا الْبَيْعِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا وَكَأَنَّهُ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ عَلَى أَنَّهُ إنْ نَقَدَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، فَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَغَرِمَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَلَكِنَّ هَلَاكَ السِّلْعَةِ - وَإِنْ كَانَتْ حَيَوَانًا - مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَحْبِسُهَا بِالثَّمَنِ تِلْكَ هَلَاكُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ جَائِزٌ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ حَكَاهَا ابْنُ لُبَابَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ وَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ، فَإِنْ قَالَ أَبِيعُك عَلَى إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَك فَالثَّمَنُ حَالٌّ كَأَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا بَتًّا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ فَسْخَهُ بِتَأْخِيرِ النَّقْدِ فَيُفْسَخُ الشَّرْطُ وَيُعَجَّلُ النَّقْدُ، وَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النَّقْدِ إلَّا إلَى الْأَجَلِ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ الدِّمْيَاطِيِّ وَحَكَى الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَالرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَقَدَ مَضَى الْبَيْعُ وَإِلَّا رُدَّ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَيْضًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَالرَّبْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَيُكْرَهُ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ. وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ كَشَهْرٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُ التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَخْذُهَا كَانَ بَيْعُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَ الْأَجَلِ مَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَيَفْتَرِقُ فِيهِ أَمَدُ السِّلْعَةِ مِنْ أَمَدِ الدَّارِ

وَمُصِيبَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ أَخَذَ الْمَبِيعَ عَنْ الثَّمَنِ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا وَاخْتُلِفَ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، فَقِيلَ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَقِيلَ: جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقِيلَ: إنْ أَسْقَطَهُ جَازَ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِهِ فُسِخَ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ؟ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهَا أَكْثَرُهُمْ عَلَى الثَّانِي وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بَيْنَنَا وَيُجْبَرُ عَلَى التَّعْجِيلِ، وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَأْتِنِي فَيُؤَخَّرُ لِلْأَجَلِ وَعَزَاهُ لِلدِّمْيَاطِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُفَرَّعًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَاهُ الرَّجْرَاجِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهَاتِ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ هَلْ يَبْقَى الْبَائِعُ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ فِي الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ آخُذُ السِّلْعَةَ اهـ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ هُوَ الْقَوْلُ الْخَامِسُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فَيَتَحَصَّلُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّقْدِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ جَائِزٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيْعِ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ مِنْ الْأَجَلِ مَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ. (الثَّانِي) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلْأَجَلِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَجَلِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَالَ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي الْكِتَابِ إلَى يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ كَذَا عِنْدِي، وَكَذَا فِي أَصْلِ شُيُوخِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ ذَكَرَهَا عَنْهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ يَحْيَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوْ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ مَكَانَهَا. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى شَهْرٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَمَّا الدُّورُ وَالرِّبَاعُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَأَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ وَشَرْطُهُ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ نَافِذٌ

وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَجَدْت لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ إلَى شَهْرٍ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. وَالظَّاهِرُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْأَجَلِ وَقِصَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الشُّيُوخُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُغْرِبَاتِ الْمَسَائِلِ جُعِلَ حُكْمُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ حُكْمَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ حُكْمَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَمْضَاهُ بِالثَّمَنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ اهـ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ كَأَنَّهُ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً اهـ. (الْفَرْعُ الثَّانِي) إذَا بَاعَ الْحَائِطَ وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّ الْجَائِحَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَتَلْزَمُ الْجَائِحَةُ الْبَائِعَ إذَا نَزَلَتْ، وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ السَّابِقِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ وَالْجَوَائِحِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ بِنَحْوِ مَا تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَمْ يَزِدْ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْجَوَائِحِ وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَزَادَ بَعْدَهُ فِي السُّلَيْمَانِيَّة: الْبَيْعُ فَاسِدٌ قَالَ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ وَأَرَى أَنْ يُخَيَّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ شَرْطَهُ وَتَكُونَ الْمُصِيبَةُ مِنْهُ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ وَيَكُونَ لَهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ، أَوْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ مَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ مِنْ حَلَاوَةٍ وَنُضْجٍ مُشْتَرًى، وَإِنَّمَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَاشْتِرَاطُ الْجَائِحَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَرَ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَائِحِ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَالْخَمْسَ الَّتِي بَعْدَهَا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعَبْدِ يَتَنَاوَلُ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُتَيْطِيَّ وَغَيْرَهُ ذَكَرَا السَّنَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا السَّابِعَةَ لَكِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَائِحَةِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا فِي السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّهُ يُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ قَالَ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّظَائِرَ، وَإِنَّمَا اسْتَطْرَدَ مَسْأَلَةَ الْجَائِحَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ مَا بَقِيَ فَيَتَحَصَّلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ

فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ سَيِّدِي الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالثَّانِي: فِي السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ جَائِزٌ، وَهُوَ الَّذِي فِي السُّلَيْمَانِيَّة عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ. وَالرَّابِعُ: اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا عُرْيَانَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ السِّتِّ مَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ثُمَّ ذَكَرَهَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَأَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَاهَا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ زَائِدٌ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهَا لِابْنِ هَارُونَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْعُ الثَّالِثُ) مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ الَّتِي ذُكِرَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيهَا بِصِحَّةِ الْمَبِيعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَاَلَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِهَا لِابْنِ هَارُونَ مَا نَصَّهُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ أَرْضَهُ بِزَرْعِهَا، وَقَدْ طَابَ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ أَخْضَرَ فَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي زَكَاتَهُ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يُعْلَمْ مِقْدَارُهُ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُسْتَخْرَجَةِ هُوَ فِي رَسْمِ الْقَرْيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ زَكَاةِ الْحُبُوبِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَطِبْ فَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ الزَّرْعُ، فَإِذَا طَابَ الزَّرْعُ فَهِيَ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ أَمَّا إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ وَفِيهَا الزَّرْعُ لَمْ يَطِبْ فَاشْتَرَطَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مَجْهُولًا لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ وَلَا مَبْلَغُهُ، وَأَمَّا إذَا طَابَ الزَّرْعُ فَاشْتَرَى الْأَرْضَ بِزَرْعِهَا فَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ أَجْوَزُ لِلْبَيْعِ إذْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا بَاعَ جَمِيعَ الزَّرْعِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُزْءَ الزَّكَاةِ

فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ إلَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا كَلَامُ الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِهَا فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُشْتَرِطُ لِلزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاشْتِرَاطُ الْبَائِعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ طَابَ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ ذَلِكَ أَجْوَزُ لِلْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَطِبْ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْبَائِعُ فَاشْتِرَاطُهَا عَلَيْهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ مَشَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْعُ الرَّابِعُ) إذَا اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ أَنْ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكُرِهَ تَرْكُ الْمُوَاضَعَةِ وَائْتِمَانُ الْمُبْتَاعِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُمَا إنْ قَبَضَهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي أَوَّلِ دَمِهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا عَلَى شَرْطِ الْحِيَازَةِ وَسُقُوطِ الْمُوَاضَعَةِ كَالْوَخْشِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ اسْتِبْرَاءً فِي الْمُوَاضَعَةِ وَجَهِلَا وَجْهَ الْمُوَاضَعَةِ فَقَبْضُهَا كَالْوَخْشِ، وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ وَأَلْزَمْتهَا حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ إذَا اُشْتُرِطَ سُقُوطُ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا إسْقَاطَهَا وَلَا وُجُوبَهَا عَمْدًا، أَوْ جَهِلَا، وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكِتَابِ وَيَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ. فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا اشْتَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ. الشَّيْخُ: فَعَلَى هَذَا إذَا أَدَّبَهُمَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فَيَتَّفِقَانِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا شَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ وَعَزَاهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ نَقْدَ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ. وَالْخَامِسُ: إنْ تَمَسَّكَ الْبَائِعُ بِالشَّرْطِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ لِلَّخْمِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا شُرِطَ تَرْكُ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا إسْقَاطَ الْمُوَاضَعَةِ وَلَا وُجُوبَهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ وَيَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةُ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ، أَوْ مُبْهَمًا فَلَا يَضُرُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ

النَّقْدِ وَيُقْضَى بِالْمُوَاضَعَةِ وَيُنْزَعُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ اشْتِرَاطِ نَقْدِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مُقَابِلًا لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ حِينَئِذٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا الْمُوَاضَعَةَ وَشَرَطَ الْبَائِعُ النَّقْدَ، فَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَصِيرُ ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَمًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ فَلَمْ يَدْخُلَا عَلَى الْغَرَرِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْبَغُ مَا بِيعَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، أَوْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُوَاضَعَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّ شَرْطَ النَّقْدِ فِيهِ يُفْسِدُ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ. فَأَمَّا مَا يَقَعُ عَلَى الْبَتِّ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْمُوَاضَعَةَ مِثْلُ بَيْعِ أَهْلِ مِصْرَ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُهَا مِنْ الْبُلْدَانِ يَتَبَايَعُونَ عَلَى النَّقْدِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا وَلَا مُوَاضَعَةً فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ وَلَا يُفْسَخُ وَيُقْضَى عَلَيْهِمَا بِالْمُوَاضَعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ انْصَرَفَ بِهَا الْمُبْتَاعُ وَغَابَ عَلَيْهَا رُدَّ إلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ بِغَيْبَتِهِ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَدْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ نَقْدِ الْمُوَاضَعَةِ فِي عَقْدِ بَيْعِهَا فِيهَا يُفْسِدُهُ وَطَوْعُهُ بَعْدَهَا جَائِزٌ فِي بَيْعِهَا بَتًّا وَبِخِيَارٍ مَذْكُورٍ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ بَيْعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمُوَاضَعَةَ كَمِصْرٍ يَبِيعُونَ عَلَى النَّقْدِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا وَلَا مُوَاضَعَةً صَحِيحٌ وَيُقْضَى بِهَا وَيُنْزَعُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ إنْ طَلَبَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُوقَفُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَهْنِ مَا لَا يَعْرِفُ بِعَيْنِهِ مَطْبُوعًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فِي الْمُوَاضَعَةِ عَيْنُ حَقِّهِ اهـ. قُلْت: وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا وَلَا مُوَاضَعَةً مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَيَشْتَرِطُونَ تَعْجِيلَ النَّقْدِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ يُنْزَعُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُبْتَاعُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِجَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالنَّقْدِ فِي بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ يُرِيدُ، وَأَمَّا إنْ تَبْرَأَ مِنْ الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا فَلَا مُوَاضَعَةَ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا فَشَرْطُ الْبَرَاءَةِ فِيهِ الْبَيْعُ فِي الْعِلِّيَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْغَرَرِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَقِيلَ: الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ. (الثَّالِثُ) إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْمُوَاضَعَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ ذَلِكَ، وَلَوْ كَرِهَ الْبَائِعُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْمُبْتَاعِ قَبُولُهَا فِي الْمُوَاضَعَةِ قَبْلَ مَحِيضِهَا عَلَى الرِّضَا بِالْحَمْلِ إنْ كَانَ بِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ التَّبَايُعِ وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا كَمَا كَانَ

لِلْبَائِعِ وَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا مَكَانَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا أَرَادَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَصَحَّ عَقْدُ الْبَيْعِ تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ وَيَرْضَى بِالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَرِهَ الْبَائِعُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إنْ أُسْقِطَ الضَّمَانُ عَنْ الْبَائِعِ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ خِدْمَةَ الْجَارِيَةِ وَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ لَهُ النَّقْدَ بِمَا يُعَجِّلُ مِنْ خِدْمَةِ الْجَارِيَةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي صِحَّةِ إسْقَاطِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ قَائِلًا كَأَنَّهُ أَسْقَطَ ضَمَانَهَا عَنْ الْبَائِعِ بِمَا تَعَجَّلَ مِنْ خِدْمَتِهَا، وَكَذَا إنْ طَاعَا مَعًا بِذَلِكَ كَأَنَّهُ عَجَّلَ لَهُ الثَّمَنَ بِمَا تَعَجَّلَ مِنْ نَفْعِهَا فَهُوَ سَلَفٌ بِنَفْعٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ كَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ فَيَدْخُلُهُ ابْتِيَاعُ الضَّمَانِ اهـ. (الْفَرْعُ الْخَامِسُ) إذَا بَاعَ الْأَمَةَ الْعِلِّيَّةَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ الْخَفِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْعُ السَّادِسُ) إذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بِالْبَيْعِ عَلَى الْعُهْدَةِ وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ إسْقَاطَهَا عَنْهُ، فَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ وَلَا عُهْدَةَ لَهُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ الشَّرْطُ وَلَا يُوَفَّى لَهُ بِهِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ وَخَرَّجَ ثَالِثًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ التَّخْرِيجَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ اخْتِلَافًا مَشْهُورًا فَلَا يُوجِبُ فَسَادًا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ تَحْسُنُ مُرَاعَاتُهُ، وَأَمَّا إنْ شَذَّ وَضَعُفَ فَتَسْقُطُ مُرَاعَاتُهُ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ لَكِنَّهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مَا نَصُّهُ وَلِلْبَائِعِ قَبْلَهُ كَعَيْبِ غَيْرِهِ قَالَ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ يَعْنِي وَلِلْبَائِعِ إسْقَاطُ الْعُهْدَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا لَهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِ سَائِرِ الرَّقِيقِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا غَيْرَ هَذَا الْكَلَامِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَالْعَبْدُ يَشْمَلُ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ: النَّظَائِرَ الَّتِي يَصِحَّ فِيهَا الْبَيْعُ وَلَا يُوَفَّى بِالشَّرْطِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا وَلَا نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَاقْتَصَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَسُقُوطِ الشَّرْطِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ الْقَوْلَيْنِ وَصَدَّرَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يُوَفَّى بِالشَّرْطِ وَعَطَفَ الثَّانِي بِ قِيلَ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ لِلنَّظَائِرِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوِيٌّ مُرَجَّحٌ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَضَعِيفٌ بَلْ إنَّمَا هُوَ

تَخْرِيجٌ فَقَطْ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ. (الْفَرْعُ السَّابِعُ) إذَا بِيعَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ، فَإِنَّ ثِيَابَ الْمِهْنَةِ تَدْخُلُ تَبَعًا وَلَا يَدْخُلُ مَعَهَا مَا كَانَ لِلزِّينَةِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ثِيَابَ الْمِهْنَةِ، وَأَنَّهُ يَبِيعُ الْعَبْدَ عُرْيَانًا وَالْجَارِيَةَ عُرْيَانَةً فَهَلْ يُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَضَتْ بِهِ الْفُتْيَا، أَوْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ شَرْطُهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ فِي وَثَائِقِهِ وَبِهِ مَضَتْ الْفُتْيَا عِنْدَ الشُّيُوخِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَعَلَيْهَا ثِيَابُ الزِّينَةِ وَأَخَذَهَا فَهِيَ لِلْبَائِعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يَكْسُوَهَا كِسْوَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهَا لِلْبِذْلَةِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ لَزِمَ الْبَائِعَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ الْمُتَقَدِّمِ لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ مَا عَلَيْهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا إلَّا ثَوْبَانِ خَلَقَانِ فِي الْمَنْزِلِ فَجَاءَ بِهِمَا، فَإِذَا هُمَا لَا يُوَارِيَانِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَطَهُ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا ثَوْبًا يُوَارِيهَا، وَأَمَّا ثَوْبَانِ لَا يُوَارِيَانِهَا فَلَا، وَأَرَى أَنْ يُعْطِيَهَا إزَارًا قِيلَ: فَالْقَمِيصُ قَالَ لَا بَلْ إزَارًا وَثَوْبًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ النَّظَرُ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فَسَادُ هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ أَخْلَاقَ الثِّيَابِ تَخْتَلِفُ، وَلَوْ وَصَفَهُمَا لَهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَلَى اخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّهُمَا حَاضِرَانِ بِالْبَلَدِ اهـ. بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ. (الْفَرْعُ الثَّامِنُ) إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا مَالِيَّةَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ فَيَجِدُهُ كَاتِبًا، أَوْ أَنَّهُ جَاهِلٌ فَيَجِدُهُ عَالِمًا وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّرْطَ يُلْغَى وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُوَفَّى بِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَابْنُ زَرْقُونٍ فَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِشَرْطِ مَا لَا يُفِيدُ اهـ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ مَا لَا يُنْقِصُ وَلَا غَرَضَ فِيهِ بِوَجْهٍ لَغْوٌ وَتَخْرِيجُ ابْنِ بَشِيرٍ إيجَابَهُ الْخِيَارَ مِنْ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ تَخْرِيجٌ لِلشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَنْصُوصٌ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (الْفَرْعُ التَّاسِعُ) إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ بِمَا يَظْهَرُ فِيهِ

مِنْ الْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَجْهَلُهَا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً فَلَهُ ذَلِكَ إذَا طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْعُهْدَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْمُوَاضَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ وُجُودِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعُهْدَةَ وَالْمُوَاضَعَةَ حَقَّانِ يَجِبَانِ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَإِسْقَاطُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْوُجُودِ. وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْعَيْبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ إسْقَاطِ الْمُوَاضَعَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ لَا قِيَامَ لَهُ بِعَيْبٍ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي آخِرِ بَابِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ فَرَّقَ بَيْنَ مَا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ وَمَا لَا تَجُوزُ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ إذَا تَبْرَأَ مِنْ مَشَشٍ بِهَا وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمَا فِي الرِّوَايَاتِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ بِعِوَضٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بِهِ إلَّا حَيْثُ يُقِرُّ بِالْفَسَادِ عَلَى الْعَقْدِ اهـ. قُلْت: أَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ فَهِيَ فِي أَوَاخِرِهِ وَنَصُّهَا قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا ثُمَّ صَالَحَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عَلَى دَرَاهِمَ دَفَعَهَا إلَيْهِ قَالَ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْمُتَبَرِّئَ فِي الْعُقْدَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِالْعَبْدِ، أَوْ مَشَشٍ بِالدَّابَّةِ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يُرِيَهُ ذَلِكَ أَوْ يُبَيِّنَهُ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَعْهُ فِي ذَلِكَ الْبَرَاءَةُ وَيَجِبُ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْعَيْبِ اهـ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَذَكَرَهَا فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَنَصُّهَا وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ دَابَّةً ثُمَّ وَضَعَ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ دِينَارًا عَلَى عُيُوبِهَا فَوَجَدَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ قَالَ أَصْبَغُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِالْبَرَاءَةِ لَمْ تَنْفَعْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَرُدُّ الدِّينَارَ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بِعِوَضٍ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَظْهَرُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَقَدْ أَخَذَ الدِّينَارَ عَنْ شَيْءٍ مَجْهُولٍ، وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِحَةِ وَلَا يَسْقُطُ، أَوْ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَيَلْزَمُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ

هُنَاكَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ فَهُوَ مَوْجُودٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجْهَلُهُ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ، فَإِنَّ سَبَبَهَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فَتَأَمَّلْهُ. فَالْإِقَامَةُ صَحِيحَةٌ وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ سَلَّمُونِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا الْتَزَمَ عَدَمَ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لِمَنْ تَأَمَّلْهُ وَنَصُّهُ إنْ الْتَزَمَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَقُومَ بِعَيْبٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ إذَا وَجَدَ عَيْبًا إلَّا أَنْ يُسَمَّى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. قُلْت: وَفِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الصُّلْحِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ سَوَّى فِيهَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ يُنْظَرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمَشَشُ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَفْتُوحَةٌ: شَيْءٌ يَرْتَفِعُ فِي وَظِيفِ الدَّابَّةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حَجْمٌ وَلَيْسَ لَهُ صَلَابَةُ الْعَظْمِ الصَّحِيحِ. وَالْوَظِيفُ: مُسْتَدَقُّ الذِّرَاعِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ. (الْفَرْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ) إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ ثُمَّ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مِنْ صِنْفِ الدَّيْنِ وَصِفَتِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ يُقَاصِصَهُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَالسَّلَمِ الثَّانِي وَالْوَكَالَاتِ مِنْهَا وَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ بِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ إذْ اشْتَرَى مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مُقَاصَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَيُحْكَمُ بِالْمُقَاصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ. وَقِيلَ: الشَّرْطُ عَامِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تُؤُوِّلَتْ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّرْفَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ فَكَأَنَّهُمَا شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ. وَتَعْلِيلُهُ يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ. وَقِيلَ: إنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَ الْمُقَاصَّةِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالدَّيْنِ فَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ خَفِيفٌ إذَا لَمْ يَضْرِبْ لِلدَّيْنِ أَجَلًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَصْبَغَ رَاجِحًا فَتَأَمَّلْهُ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِبْطَالِ الشَّرْطِ وَكُرِّرَ الْكَلَامُ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَزَادَ فِيهِ مُفَرِّعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَالَ: وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ عَامِلٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ قَدْرَ مَا يَرَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُقَاصُّك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أُؤَخِّرُك إذْ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مُقَاصَّتَهُ ثُمَّ يُطَالِبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ كَاَلَّذِي يُسَلِّفُ الرَّجُلَ سَلَفًا حَالًّا ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ الْمُقَاصَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا ابْتَعْت سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ وَدَفَعْتهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَقَالَك قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك بِيَدِهِ وَشَرَطْت عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ قَالَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ

المسألة الرابعة في الشروط المتعلقة بالقرض

الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِيهِ خِلَافًا فَانْظُرْهُ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَرْضِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَرْضِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَفْسُدُ فِيهِ الْقَرْضُ وَقِسْمٌ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْقَرْضُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ. (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) كُلُّ مَا جَرَّ نَفْعًا لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ سَوَاءٌ جَرَّهُ لِلْمُقْتَرِضِ، أَوْ لِغَيْرِ الْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ: وَالْآجَالُ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَلَّ أَجَلُهَا فَيَعْسُرُ بِهَا فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: وَأَنَا أُسَلِّفُك عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الَّذِي يُعْطِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَسَلَفًا لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ السَّلَفُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ الْمُتَسَلِّفِ لَا مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَلَا مَنْفَعَةَ مَنْ سِوَاهُ اهـ. بِالْمَعْنَى. فَكُلُّ شَرْطٍ أَدَّى إلَى مَنْفَعَةِ غَيْرِ الْمُتَسَلِّفِ، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الْقَرْضُ كَشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ سَالِمًا بَدَلَ عَفِنٍ، أَوْ مُسَوَّسٍ، أَوْ شَرْطِ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُقْرِضِ بِحَمْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَيَفْسُدُ الْقَرْضُ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ رُدَّ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الْقَرْضُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَشَرْطِ الْمُقْرِضِ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ وَكَشَرْطِ الْمُسْتَقْرِضِ الْأَجَلَ، فَإِنْ اقْتَرَضَ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ لَزِمَ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَجَلًا رُجِعَ إلَى التَّحْدِيدِ بِالْعَادَةِ وَلَيْسَ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ قَبْلَهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَحَلَّ أَجَلُهُ، أَوْ حَالًّا وَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلَّذِي عَلَيْهِ أُؤَخِّرُك مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةِ التَّأْخِيرِ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ قَدْرَ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْفَرْعِ الْعَاشِرِ إذَا اشْتَرَطَ تَرْكَ الْمُقَاصَّةِ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا شَرَطَ فِيهِ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ كَمَا إذَا شَرَطَ رَدَّ الْمِثْلِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سَنَدٌ وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أُقْرِضُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ يَقْتَضِي إعْطَاءَ الْمِثْلِ لِإِظْهَارِ صُورَةِ الْمُكَايَسَةِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ قَصَدَ بِالْمِثْلِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، فَإِنْ قَصَدَ الْمُكَايَسَةَ كُرِهَ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ النَّفْعِ لِلْمُقْرِضِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ " إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا ": يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ جَوَازُ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمِقْدَارَ يُوجِبُهُمَا الْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا فِي الْفَرْضِ وَاخْتُلِفَ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ بِهِمَا إنْ وَقَعَ وَنَزَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا يُمْنَعُ فِي الطَّعَامِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا الْتَزَمَ الْمُتَسَلِّفُ تَصْدِيقَ الْمُسَلِّفِ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ دُونَ يَمِينٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ

المسألة الخامسة في الشروط المتعلقة بالرهن الوديعة والعارية

عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ. أَمَّا الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ فَهِيَ أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ، وَقِسْمٌ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقِسْمٌ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. (فَأَمَّا الْأَوَّلُ) فَكُلُّ شَرْطٍ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَشَرْطِ الرَّاهِنِ أَنَّ الرَّهْنَ يَبْقَى بِيَدِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُعَادُ إلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ فَلَّسَ دَخَلَ الْغُرَمَاءُ كُلُّهُمْ فِي الرَّهْنِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ مَا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَشَرْطِ كَوْنِ الرَّهْنِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يَدِ عَبْدِهِ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَى وَضْعِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ وَشُرِطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَكَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَصِحُّ كِرَاؤُهُ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَاجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ وَلَا بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ جَرَى ذَلِكَ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى مُبَالَغَةِ الْمِدْيَانِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَنْفَعَةُ مُدَّةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ انْتَفِعْ بِهِ حَتَّى أُعْطِيَك حَقَّك، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَمِنْ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ غَلَّةِ الرَّهْنِ عَنْ دَيْنِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ وَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ إذَا شَرَطَهُ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ لِلْجَهْلِ إذْ لَا يَدْرِي مَا يَقْتَضِي أَيَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمِنْ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَكَانَ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ جَازَ. (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ. قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ إنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ الضَّمَانُ سَاقِطٌ بِالشَّرْطِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ صَحِيحٌ لَا فَسَادَ فِيهِ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ شَرْطٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

لِأَنَّ تَطَوُّعَهُ بِالرَّهْنِ مَعْرُوفٌ مِنْهُ وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُهُ وَفِي لَغْوِ شَرْطِ الْمُرْتَهِنِ سُقُوطُ ضَمَانِهِ وَأَعْمَالِهِ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ وَصَوَّبَهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُمَا اُعْتُبِرَ؛ لِأَنَّ طَوْعَهُ بِالرَّهْنِ إلَخْ وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصُّهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَحْسُنُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي عَقْدِ بَيْعٍ، أَوْ سَلَفٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ لَهُ هُنَاكَ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ مَعْنَاهَا فِي السَّلَفِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الِاشْتِرَاطُ فِي رَهْنٍ تَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ هُنَا لَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِالرَّهْنِ هَاهُنَا كَالْهِبَةِ، فَإِذَا أَضَافَ إلَى هَذَا التَّطَوُّعِ إسْقَاطَ الضَّمَانِ فَهُوَ إحْسَانٌ عَلَى إحْسَانٍ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ فِيهِ. وَيُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا عِوَضَ فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ وَمَعْرُوفٌ وَنَحْوُهُ اللَّخْمِيُّ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَيَّدَهُ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ارْتَهَنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُصَدَّقٌ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَضَمِنَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي حُكْمَ أَصْلِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ أَصْلُهُ كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْوَدِيعَةِ أَنْ يَضْمَنَ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَوْ شَرَطَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ، وَأَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَقَالَ الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ شَرْطُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ اهـ. فَعُلِمَ تَعْلِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ بِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ فِي الْعَقْدِ أَوْ تَطَوُّعًا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَطَ الرَّاهِنُ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ وَضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِخَوْفِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْخَوْفِ، فَإِنَّهُ ضَامِنٌ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ الْقَرْيَتَيْنِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ لَوْ اشْتَرَطَ الْمُعِيرُ أَوْ الرَّاهِنُ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَكُلُّ أَصْحَابِهِ حَاشَا مُطَرِّفًا، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ شَرَطَ لِأَمْرٍ خَافَهُ مِنْ قَهْرٍ، أَوْ لُصُوصٍ وَشَبَهَهُ فَشَرْطُهُ لَازِمٌ إنْ عَطِبَ فِيمَا خَافَهُ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا شَرَطَ ضَمَانَ الْحَيَوَانِ أَنَّ شَرْطَهُ بَاطِلٌ وَيَجْرِي

فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ مُخْتَلَفٌ فِي ضَمَانِهِ فَالشَّرْطُ هَاهُنَا أَخْذٌ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ. (فَرْعٌ) حُكْمُ الْعَارِيَّةِ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الرَّهْنِ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ شَرْطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْمُعِيرِ نَفْيُ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: الْأُولَى: لِابْنِ الْجَلَّابِ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ شَرْطَهُ بَاطِلٌ وَالضَّمَانُ لَهُ لَازِمٌ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَمَنْ اسْتَعَارَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَيْضًا فِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ. وَعَلَى مَا حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ أَشْهَبَ فِي الصَّانِعِ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ يَنْفَعُهُ الشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الصَّانِعِ فَأَحْرَى أَنْ يَلْزَمَ فِي الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَعْرُوفَ مَعَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَالْأَظْهَرُ إعْمَالُ الشَّرْطِ وَمَا لِإِسْقَاطِهِ وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ إنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَارِيَّةِ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مَعْرُوفًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَالرَّهْنُ قَرِيبٌ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَمَا لِإِسْقَاطِهِ فِيهِمَا وَجْهٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ اهـ. قُلْت: وَلَمْ يُجَوَّزْ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا شَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ نَحْوُهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَاخْتُلِفَ إذَا شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِ الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَهُ شَرْطُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا لِيَكُونَ لَهُ رِبْحُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: إنَّهُ ضَامِنٌ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ شَرْطُهُ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَعْرُوفٌ وَإِسْقَاطَ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ أَصْلًا لِمُكَايَسَةٍ، أَوْ عَنْ مُعَاوَضَةٍ كَالرِّهَانِ وَالصُّنَّاعِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ

كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَابْنِ رُشْدٍ عَبَّرَ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ خِلَافُ نَقْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُمَا، وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَشَارِحِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فَنَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ الضَّمَانُ وَنَسَبَهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَضُمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ؟ تَرَدُّدٌ وَأَعْجَبُ مِمَّا تَعَجَّبَ مِنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَقَبِلَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الرَّهْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَقَبِلَهُ، وَكَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَالرَّجْرَاجِيُّ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ عَنْ أَشْهَبَ الْقَوْلَيْنِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَشْهَرَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْفَعُهُ وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ قَوْلَانِ أَيْضًا فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَعَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ فِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي بَابِ الرُّهُونِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُسْتَعِيرِ بِشَرْطِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْ لَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ إلَخْ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمْ يُعَلِّلْ ذَلِكَ إلَّا بِكَوْنِ الشَّرْطِ مُخَالِفًا لِأَصْلِ سُنَّةِ الْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْرِيحِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُسْقَطَ الَّذِي هُوَ ضَمَانُ الْمُرْتَهِنِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ لِلرَّهْنِ فَتَأَمَّلْهُ هَذَا حُكْمُ الصُّورَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ حَاشَا مُطَرِّفًا، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ خَافَهُ مِنْ طَرِيقٍ مَخُوفٍ، أَوْ نَهْرٍ، أَوْ لُصُوصٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَالشَّرْطُ لَازِمٌ إنْ عَطِبَتْ فِي الْأَمْرِ الَّذِي خَافَهُ وَاشْتَرَطَ الضَّمَانَ مِنْ أَجْلِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَعَرْت مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْك لَمْ تَضْمَنْهَا اهـ.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَجَعَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَجَمَعَهُمَا وَقَالَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ. قُلْت: وَفِي عَزْوِهِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ: إنَّ ضَمَانَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُعِيرُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَكَيْفَ إذَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ. (الثَّانِي) حُكْمُ الرَّهْنِ كَالْعَارِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَنَصُّهُ إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ، أَوْ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، أَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ حَاشَا مُطَرِّفًا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. قُلْت: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَيَنْبَغِي إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْزَمَ إجَارَةَ الْمِثْلِ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْعَارِيَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُخْرِجُ الْعَارِيَّةَ عَنْ حُكْمِهَا وَسُنَّتِهَا إلَى بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُحَرِّزَهَا فِي ضَمَانِهِ فَهُوَ عِوَضٌ مَجْهُولٌ يُرَدُّ إلَى الْمَعْلُومِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بَحْثًا. نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَجَعَلَهُ خِلَافَ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي تَلَفِهَا شَرْطُهُ بَاطِلٌ يُرِيدُ أَنَّهَا تَمْضِي عَلَى حُكْمِ الْعَارِيَّةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهِ وَرَآهَا إجَارَةً فَاسِدَةً، فَعَلَى قَوْلِهِ يُرَدُّ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ. وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْمُعِيرَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ أَسْقَطَ شَرْطَهُ وَإِلَّا رُدَّتْ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى إجَارَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبُ مَنَافِعَ وَالضَّيَاعُ تَارَةً يَكُونُ، أَوْ لَا يَكُونُ وَالسَّلَامَةُ أَغْلَبُ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْلَى. وَقَوْلٌ رَابِعٌ إنَّهَا مَضْمُونَةٌ كَمَا شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْتِزَامِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَجَعَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ. (فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا ضَاعَتْ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ سُنَّةِ الْوَدِيعَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.

فَرْعٌ) الصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ عَمِلُوهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْأَجْرِ الْمُسَمَّى بِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَقَالَ أَشْهَبُ يَنْفَعُهُ الشَّرْطُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ لَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَسْقَطَ مِنْهُ لَفْظَةَ يَنْبَغِي فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ: فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الثَّانِي الْمُسَمَّى اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ سَاقِطٌ، وَلَوْ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ مَا عَمِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَشْتَرِطَ بَيْنَ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ ثِيَابِهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ذُكِرَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لَهُمْ شَرْطَهُمْ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَثُرَ اشْتِرَاطُهُمْ سَقَطَ، وَلَمْ يُوَفِّ لَهُمْ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوَفَّى بِهِ، فَقِيلَ: الْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ. وَقِيلَ: إنْ أَسْقَطَ الصَّانِعُ الشَّرْطَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِهِ فُسِخَتْ إنْ لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ عَمِلَ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ إجَارَةِ الْمِثْلِ. وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ، وَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ وَيَكُونُ لَهُ مَعَ الْفَوَاتِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ رِوَايَةً وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَزْوُ ابْنِ شَاسٍ لِأَشْهَبَ لَا أَعْرِفُهُ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) الشَّرْطُ فِي الْقَرْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) مَا يَفْسُدُ بِهِ الْقِرَاضِ كَاشْتِرَاطِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِيَدِهِ، أَوْ أَنْ يُرَاجِعَهُ، أَوْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ أَمِينًا، أَوْ أَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ بِيَدِهِ مِنْ خِيَاطَةٍ، أَوْ خِرَازَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَاشْتِرَاطِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ ضَمَانَ الْمَالِ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْقِرَاضِ فَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، فَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ فَمِنْهَا مَا يُرْجَعُ فِيهِ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ وَمِنْهَا مَا يُرْجَعُ فِيهِ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهَذَا يُبَيَّنُ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ. (الثَّانِي) مَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الْقِرَاضُ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَمَا إذَا ضَاعَ بَعْضُ الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ قَبْلَ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ خَسِرَ، أَوْ أَخَذَهُ اللُّصُوصُ، أَوْ الْعَشَّارُ ظُلْمًا فَقَالَ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْمَالِ لَا أَعْمَلُ حَتَّى تَجْعَلَ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ وَتُسْقِطَ الْخَسَارَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَسْقَطَ الْخَسَارَةَ فَهُوَ أَبَدًا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ حَاسَبَهُ

وَأَحْضَرَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (الثَّالِثُ) مَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَكَمَا إذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ زَكَاةَ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَيَلْزَمُ، فَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أُخْرِجَتْ مِنْ حِصَّةِ مَنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ، فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِطِ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الشُّرُوطُ فِي الْوَقْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) مَا يَفْسُدُ بِهِ الْوَقْفُ كَشَرْطِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، أَوْ تَخْصِيصِ الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ. (الثَّانِي) مَا لَا يَفْسُدُ الْوَقْفُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ عِمَارَةَ مَا خَرِبَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَقْفِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ وَيُعْمَلُ مِنْ غَلَّتِهِ وَكَمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَبْدَأَ بِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ وَنَفَقَتِهِ. (الثَّالِثُ) مَا لَا يُفْسِدُ الْوَقْفَ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْوَقْفِ. (فَرْعٌ) الشُّرُوطُ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) مَا تَفْسُدُ بِهِ الْهِبَةُ كَشَرْطِ أَنْ لَا تُحَازَ مِنْ الْوَاهِبِ. (الثَّانِي) مَا يُخَيَّرُ الْوَاهِبُ فِي إسْقَاطِهِ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ أَوْ التَّمَسُّكُ بِهِ فَتَبْطُلُ. (الثَّالِثُ) مَا لَا يُفْسِدُهَا وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. (الرَّابِعُ) مَا لَا يُفْسِدُهَا وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ. الْأَوَّلُ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَيُمْضِيَ الصَّدَقَةَ، أَوْ الْهِبَةَ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمُتَصَدِّقُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ، أَوْ الْهِبَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ يُرِيدُ بِثَمَنٍ، أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ قَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِعَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهُ يَوْمَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ إنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ فَالْهِبَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الرَّدِّ مَا لَمْ يُجِزْهَا وَيُمْضِهَا بِتَرْكِ الشَّرْطِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّ هِبَتَهُ، أَوْ يَتْرُكَ الشُّرُوطَ وَوَرَثَتُهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَنْقَضِ أَمْرُهُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ فَيَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْإِجَازَةِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا الْوَاهِبُ، أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ قَبْلَ فَوَاتِهَا بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ طُولَ حَيَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ بَعْدَ هَذَا مِنْ سَمَاعِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي حَبَسَ الدَّارَ عَلَى وَلَدِهِ وَشَرَطَ أَنَّ مَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّتِهَا عَلَيْهِمْ أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ حَبْسًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ وَتَكُونُ مَرَمَّتُهَا مِنْ غَلَّتِهَا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا حِيزَ الْحَبْسُ وَفَاتَ بِمَوْتِ الْمُحْبَسِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَيُرَدُّ إلَّا أَنْ يَسْقُطَ الَّذِي حَبَسَهَا شَرْطُهُ وَتَأْوِيلُهُ بَعِيدٌ فِي اللَّفْظِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ لِلْمُحْبَسِ حَقًّا فِي شَرْطِهِ وَجَبَ أَنْ يَتَنَزَّلَ وَرَثَتُهُ مَنْزِلَتَهُ فِيهِ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَالْهِبَةَ مَاضِيَةٌ فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ بِيَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ وُرِثَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِهِ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ بِتَلِّهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَبَدًا، أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْمَنَافِعَ طُولَ حَيَاتِهِ وَجَعَلَ الْمَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَهُ يَقْضِي مِنْهُ دَيْنُهُ وَيَرِثُهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ لِمَا لَهُ

فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَضِ أَنْ يَسْتَدِيمَ الِانْتِفَاعُ بِمَا وَهَبَهُ وَيَرَى أَثَرَ هِبَتِهِ عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَوْلُ سَحْنُونَ يَكُونُ ذَلِكَ حَبْسًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَا شَرَطَ مِنْ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، فَإِذَا مَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَجَعَ ذَلِكَ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَقَوْلُ سَحْنُونَ هَذَا مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى رَجُلٍ بِعَبْدٍ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ سَنَةً، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَدْخُلُ فِي مَسْأَلَةِ سَمَاعِ سَحْنُونَ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ إنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ، أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ إلَّا قَوْلَ سَحْنُونَ هَذَا اهـ. قُلْت: يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَكُونُ حَبْسًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ نَوَازِلِ سَحْنُونَ أَعْنِي مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ سَنَةً ثُمَّ هُوَ لَهُ بَعْد السَّنَةِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ تَجْرِي فِيهَا الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا يَجْرِي فِيهَا قَوْلُ سَحْنُونَ إنَّهَا حَبْسٌ وَمِثْلُ مَسْأَلَةٍ بِرَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِعَبْدٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهُ يَوْمَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا رَأَى أَنَّ الشَّرْطَ يُفْسِدُ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ مِنْ خِدْمَتِهِ يَوْمَيْنِ كُلَّ جُمُعَةٍ، فَقَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي صَدَقَتِهِ بِالسَّفَرِ بِهَا وَالْوَطْءِ لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً وَالتَّفْوِيتِ فَصَارَ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَشَرَطَ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ جَازَ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَأَجَازَ ابْنُ كِنَانَةَ هَذَا الشَّرْطَ فِي الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّدَقَةَ بَلْ يَشُدُّهَا. وَالْمَعْنَى عِنْدِي فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ شَرِيكًا مَعَهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ بِمَا اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ وَلِذَلِكَ أَجَازَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ اهـ. فَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَجْرِي فِيهَا الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ. قُلْت: وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ؟ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا، أَوْ صَغِيرًا فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ لَمْ يَجُزْ كَانَ وَلَدَ الْوَاهِبِ أَوْ أَجْنَبِيًّا اهـ. فَتَكَلَّمَ عَلَى الْحُكْمِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ اُنْظُرْ بِمَاذَا يُفَسِّرُ الْكِتَابُ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْوَاهِبُ، فَإِنْ بَتَلَهَا وَإِلَّا نُقِضَتْ اهـ. وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا وَوَجَّهَهُ بِمَا وَجَّهَهُ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ وَجْهًا مِنْ النَّظَرِ ظَاهِرًا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدِي بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ اُنْظُرْ مَا مَعْنَاهُ وَالسَّفِيهُ وَالصَّغِيرُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَلَا هِبَتُهُمَا بِشَرْطٍ أَمْ لَا قَالَ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُبَاعَ عَلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّهِ بَيْعُ عُرُوضِهِ لِلنَّفَقَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُبَاعَ، وَيُبَاعُ غَيْرُهَا إنْ وُجِدَ قَالَ الْقَابِسِيُّ الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ كَالْحَبْسِ الْمُعَيَّنِ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِسَفِيهٍ أَوْ يَتِيمٍ وَشَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِوَصِيِّهِ فِيهَا نُفِّذَ ذَلِكَ الشَّرْطُ اهـ. قُلْت: فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ لَا تَجُوزُ وَإِطْلَاقَ يَدِ السَّفِيهِ عَلَى الْمَالِ إضَاعَةٌ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَالصَّوَابُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِجَارِيَتِهِ عَلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ وَطِئَهَا فَهِيَ لَهُ حَمَلَتْ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَعْنِي لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُوقِفَ الْمُتَصَدِّقُ إمَّا أَسْقَطَ

شَرْطَهُ، أَوْ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى ذَلِكَ تَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ وَرَثَتَهُ يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ فِي ذَلِكَ فَيُخَيَّرُونَ فِي إسْقَاطِ الشَّرْطِ، أَوْ رَدِّ الْجَارِيَةِ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْوَطْءِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِنْدَ أَصْبَغَ إنَّمَا تَفُوتُ بِالْحَمْلِ. وَالثَّانِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ الْجَارِيَةُ بِوَطْءٍ، أَوْ حَمْلٍ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى تُرَدَّ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي عَلَى الرَّدِّ حَتَّى تُجَازَ. وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ تَجُوزَ الصَّدَقَةُ وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَبْسِ يَعْنِي اشْتِرَاطَ التَّرْمِيمِ عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ اهـ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أَفَاتَهَا الْمُعْطِي بِعِتْقٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ بَيْعٍ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ مَا أُعْطِيت لَهُ اهـ. قَالَ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ إنْ كَانَ اشْتِرَاطٌ فِي أَصْلِ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَرُبَ فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ عَلَى مَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى صَغِيرٍ فَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَانَ الشَّرْطُ مَعَ الصَّدَقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ مَعَ الصَّدَقَةِ، أَوْ فِي فَوْرِهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهَذَا أَنْسَبُ الْأَقْوَالِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قُلْت: أَمَّا بُطْلَانُ الصَّدَقَةِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي أَصْلِ عَقْدِهَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَجْهُولَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ قَالَ إنْ مِتَّ أَنْت رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ أَنَا قَبْلُ كَانَ لَك، فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى مَا شَرَطَ وَكَانَتْ الْعَطِيَّةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ عُمْرَى وَوَصِيَّةً، فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلُ رُدَّتْ إلَى الْمُعْطَى؛ لِأَنَّهَا عُمْرَى، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلُ كَانَتْ فِي ثُلُثِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسَوَاءٌ حِيزَتْ الْعَطِيَّةُ، أَوْ لَمْ تُحَزْ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا وَسَائِرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَحْتَاجُ إلَى حَوْزٍ. قَالَ أَصْبَغُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا عَنْ حَالِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ كَالْمُدَبَّرِ. وَإِنْ قَالَ أَهَبُك الْعَبْدَ عَلَى إنْ مِتُّ أَنَا قَبْلُ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيَّ، وَإِنْ مِتَّ أَنْتِ قَبْلُ كَانَ لِوَرَثَتِك كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي كِتَابِ الْمَدَنِيِّينَ فِيمَنْ وَهَبَ أَمَةً وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ كُلَّ وَلَدٍ تَلِدُهُ فَهُوَ حَلَالٌ جَائِزٌ، وَقَدْ يَهَبُ الرَّجُلُ الْحَائِطَ وَيَشْتَرِطَ ثَمَرَتَهُ يُرِيدُ اشْتِرَاطَ الثَّمَرَةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا كَثُرَ وَيَجُوزُ فِي الْوَلَدِ، وَإِنْ طَالَتْ السُّنُونَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَنَافِعُ وَالْخِدْمَةُ وَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَقَدْ يَكُونُ، أَوْ لَا يَكُونُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَعْتَصِرُ الْأَبَوَانِ مَا تَصَدَّقَا بِهِ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ شَرَطَا الِاعْتِصَارَ الْمُتَيْطِيُّ إذَا شَرَطَ الْأَبُ فِي صَدَقَتِهِ الِاعْتِصَارَ فَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا فِي وَثَائِقِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ شَرْطُهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الِاعْتِصَارَ فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ لَا تُعْتَصَرُ؟ قِيلَ لَهُ وَسُنَّةُ الْحَبْسِ أَنْ لَا يُبَاعُ، فَإِذَا شَرَطَهُ الْمُحْبِسُ فِي نَفْسِ الْحَبْسِ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ. ابْنُ رُشْدٍ وَالِاعْتِصَارُ لَا يَكُونُ فِي الصَّدَقَاتِ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ. (فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ نَاقِلًا عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَحْكُمَ بِغَيْرِهِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْمُشْتَرِطِ، أَوْ مُخَالِفًا لَهُ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ كَانَتْ الْوُلَاةُ عِنْدَنَا بِقُرْطُبَةَ إذَا وَلَّوْا الْقَضَاءَ رَجُلًا شَرَطُوا عَلَيْهِ فِي سِجِلِّهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ اهـ. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ

مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ قَارَبَ الشَّرْطُ عَقْدَ الْوِلَايَةِ، أَوْ تَقَدَّمَ ثُمَّ وَقَعَ الْعَقْدُ. قَالَ وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ تَصِحُّ الْوِلَايَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَهَذَا الشَّرْطُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَانْظُرْ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ فِي زَمَانِنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. قُلْت: لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَدَّهُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ يَصِيرُ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ السَّاعَةَ مَثَلًا وَعَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلِ كَذَا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ هُوَ حُرٌّ السَّاعَةَ وَيُتْبَعُ بِالْمِائَةِ حَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حُرٌّ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ اهـ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ يَجِدُ لِهَذَا أَصْلًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَارِهٌ فَذَلِكَ لَازِمٌ كَمَا يُزَوِّجُهُ كَرْهًا وَيَنْزِعُ مَالَهُ كَرْهًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَكَمَالُهُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حُرِّيَّةٍ فَلَمْ تَزِدْهُ الْحُرِّيَّةُ إلَّا خَيْرًا اهـ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُرًّا مَتْبُوعًا أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِسْعَاءِ وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ سَنَةً أَنَّهُ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ جَازَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَلَا يُعْتَقَ حَتَّى يَخْدُمَ شَهْرًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ عَجَّلَ عِتْقَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْخِدْمَةُ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ لَزِمَتْ الْعَبْدَ الْخِدْمَةُ. مَالِكٌ: وَكُلُّ خِدْمَةٍ يَشْتَرِطُهَا السَّيِّدُ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ شَرَطَهَا فِي الْكِتَابَةِ فَأَدَّى الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِهَا سَقَطَتْ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَشْهَبَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَسْأَلُهُ عَمَّا أَرَادَ هَلْ تَعْجِيلُ الْعِتْقِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْأَلُهُ هَلْ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ أَوْ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ. وَأَشْهَبُ يَرَى أَنَّ الْعِتْقَ مُؤَخَّرٌ بَعْدَ الْخِدْمَةِ كَمَا هُوَ مُؤَخَّرٌ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيُعْتَقُ مَكَانَهُ وَتَسْقُطُ الْخِدْمَةُ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّ خِدْمَةٍ اشْتَرَطَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَبَاطِلٌ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ مِنْ بَقَايَا الرِّقِّ فَهُوَ كَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَيَسْتَتِمُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ فَأَدَّى الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِهَا سَقَطَتْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ كُلُّ مَا اشْتَرَطَهُ السَّيِّدُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ خِدْمَةِ بَدَنٍ، أَوْ عَمَلِ مُدَّةٍ فَأَدَّى الْكِتَابَةَ وَبَقِيَ ذَلِكَ الْعَمَلُ، أَوْ بَعْضُهُ، فَإِنَّهُ سَاقِطٌ وَلَا يُؤَدِّي لِذَلِكَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ بَدَنِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقِّهِ، فَإِذَا دَخَلَتْ الْحُرِّيَّةُ رَقَبَتَهُ سَقَطَ كُلُّ رِقٍّ بَقِيَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مِنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَجِّلَ عَلَيْهِ خِدْمَةً يَشْتَرِطُهَا؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقِّهِ فَلَمَّا كَانَ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ يَسْتَكْمِلُ عَلَيْهِ بَقِيَّتَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ فَكَذَلِكَ كُلُّ خِدْمَةٍ تَبْقَى عَلَى مُكَاتَبٍ بَتَلَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ فَهِيَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقِّهِ اهـ. وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا إرْضَاعَ صَبِيٍّ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَالشَّرْطُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدًا وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَتَهُ وَلَكِنْ يُعْتِقُهَا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ يَسْتَأْجِرُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ إجَارَتُهَا قَاصَّهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَهُ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ

دَنَانِيرَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَإِنْ كَرِهَ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً وَاشْتَرَطَ عَلَيْهَا دَنَانِيرَ بِرِضَاهَا، أَوْ أَلْزَمَهَا إيَّاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ جَازَ مَا قَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا عَلَى الرَّضَاعِ بِأُجْرَةٍ ثَابِتَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا وَجَبَتْ لَهَا أُجْرَةٌ بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الرَّضَاعِ قَاصَّهَا بِذَلِكَ فِيمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَيْهَا اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا قَالَ يَسْتَأْجِرُهَا بِدَنَانِيرَ وَيُقَاصُّهَا، وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَأْجِرُهَا بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدِّين عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ لَا تُفَارِقَنِي كَانَ حُرًّا وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَاحْمِلْ هَذَا الْعَمُودَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً، وَلَمْ يُعَجِّلْ الْحُرِّيَّةَ قَبْلَ الْخِدْمَةِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ يَنْكِحَهَا، أَوْ تَنْكِحَ فُلَانًا فَامْتَنَعَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَعْتِقَ أَمَتَك وَتُزَوِّجَنِيهَا فَأَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَهُ وَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لِلرَّجُلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ عِتْقِهَا عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَاتِمَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ مَالًا عَلَى أَنْ تَعْتِقَ مُدَبَّرَك وَوَلَاؤُهُ لَك وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَبِيعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَا أُحِبُّ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ أَمْ لَا وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَعُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ لَا يُبَاعُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَبَيْعِ الْعُمْرَى مِنْ الْمُعَمَّرِ لِتَخْلُصَ الرَّقَبَةُ لَهُ فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ مِنْ الْخِدْمَةِ لِتَخْلُصَ لَهُ رَقَبَتُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نَجْمُهَا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ فِي الْكِتَابَةِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ الْكِتَابَةُ، وَكَذَا إنْ أَعْتَقَ أَمَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَنَّ مَا وَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا فَهُوَ عَبْدٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ نَافِذٌ إلَى أَجَلِهِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ كَمَا لَا أَفْسَخُهَا مِنْ عَقْدِ الْغَرَرِ كَمَا أَفْسَخَ بِهِ الْبَيْعَ وَكُلُّ وَلَدٍ حَدَثَ لِلْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا يُرَقُّ بِرِقِّهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا، وَإِنْ كَاتَبَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا وَاشْتَرَطَ جَنِينَهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَتَمَّ الْعِتْقُ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّتِهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. وَقَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى مَا حَرَّرْته مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ وَانْتَجَزَ الْغَرَضُ الَّذِي قَصَدْته فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَقْسَامِ فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ كِتَابًا مُفِيدًا فِي بَابِهِ عَظِيمَ النَّفْعِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ مِنْ طُلَّابِهِ جَمَعْت فِيهِ فَوَائِدَ عَدِيدَةً وَتَحْقِيقَاتٍ مُفِيدَةً وَسَفَرْت فِيهِ عَنْ نُكَتٍ تُسْتَغْرَبُ وَتُسْتَبْدَعُ وَأَوْضَحْت فِيهِ مُشْكِلَاتٍ لَيْسَ لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ مَوْرِدٌ وَلَا مُشَرِّعٌ فَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ إلْهَامِ هَذَا التَّصْنِيفِ وَإِتْمَامِهِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ وَالتَّرْصِيفِ وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُسَهِّلَ تَحْرِيرَهُ وَإِتْقَانَهُ، وَأَنْ يَعْصِمَنَا فِيهِ مِنْ الْخَطَأ وَالزَّلَلِ، وَأَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِالتَّصَنُّعِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَهَذَا آخِرُ مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ مِنْ مُؤَلِّفِ هَذَا الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبَهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ الْتَزَمَ نَفَقَةَ يَتِيمٍ ذِي مَالٍ سَنَةً، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا وَتَرَكَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِبَاقِي السَّنَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. نَعَمْ، يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِنْفَاقِ

مسائل الجهاد

عَلَيْهِ بَاقِي السَّنَةِ وَذَكَرْت نَصَّ الْحَطَّابِ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ. قُلْت: وَكَلَامُ الْمُخْتَصَرِ فِي مَبْحَثَيْ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ صَرِيحٌ فِي الْقَضَاءِ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْجِهَادِ] [إقْلِيم مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَجَمَ الْكَافِرُ الْعَدُوُّ عَلَى بِلَادِهِمْ وَأَخَذَهَا وَتَمَلَّكَ بِهَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجِهَادِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي إقْلِيمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَجَمَ الْكَافِرُ الْعَدُوُّ عَلَى بِلَادِهِمْ وَأَخَذَهَا وَتَمَلَّكَ بِهَا وَبَقِيَتْ جِبَالٌ فِي طَرَفِ الْإِقْلِيمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَصِلْهَا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَهِيَ مَحْرُوسَةٌ بِأَهْلِهَا وَهَاجَرَ إلَيْهَا بَعْضُ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ الْمَذْكُورِ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ تَحْتَ حُكْمِ الْكَافِرِ وَفِي رَعِيَّتِهِ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ خَرَاجًا يُشْبِهُ الْجِزْيَةَ الْمَعْلُومَةَ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَفِيمَنْ هَاجَرَ بَعْضٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَفِيمَنْ بَقِيَ بَعْضٌ كَذَلِكَ فَصَارَ التَّشَاجُرُ بَيْنَ فَرِيقَيْ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ هَاجَرَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْجِبَالِ الْمَذْكُورَةِ يَقُولُ: الْهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ وَيُفْتِي بِأَنَّ مَنْ بَقِيَ تَحْتَ الْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهِجْرَةِ يُبَاحُ دَمُهُ وَمَالُهُ وَسَبْيُ أَهْلِهِ وَذَرَارِيِّهِ مُسْتَدِلًّا هَذَا الْقَائِلُ بِأَنَّ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ صَارَ مُعِينًا لَهُ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ وَسَاعِيًا فِي غَلَبَةِ الْكَافِرِ عَلَيْهِمْ وَبِأَدِلَّةٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي جُمْلَةِ مَنْ بَقِيَ تَحْتَ الْكَافِرِ، وَلَمْ يُهَاجِرْ يَقُولُ: الْهِجْرَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَيَسْتَدِلُّ بِدَلَائِلَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَأَفِيدُوا الْجَوَابَ الْوَافِيَ بِالدَّلِيلِ الشَّافِي الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَكُمْ الثَّوَابُ مِنْ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمِعْيَارِ إنَّ الْهِجْرَةَ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَذَلِكَ الْهِجْرَةُ مِنْ أَرْضِ الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ بِظَنٍّ، أَوْ فِتْنَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شِعَبَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمُوَطَّأُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقِيمُ أَحَدٌ فِي مَوْضِعٍ يُعْمَلُ فِيهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَلَدٌ إلَّا كَذَلِكَ قُلْنَا يَخْتَارُ الْمَرْءُ أَقَلَّهَا إنَّمَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَلَدٌ فِيهِ كُفْرٌ فَبَلَدٌ فِيهِ جَوْرٌ خَيْرٌ مِنْهُ، أَوْ بَلَدٌ فِيهِ عَدْلٌ وَحَرَامٌ فَبَلَدٌ فِيهِ جَوْرٌ وَحَلَالٌ خَيْرٌ مِنْهُ لِلْمُقَامِ، أَوْ بَلَدٌ فِيهِ مَعَاصٍ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَلَدٍ فِيهِ مَعَاصٍ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ، وَهَذَا الْأُنْمُوذَجُ دَلِيلٌ عَلَى مَا وَرَاءَهُ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فُلَانٌ بِالْمَدِينَةِ وَفُلَانٌ بِمَكَّةَ وَفُلَانٌ بِالْعِرَاقِ وَفُلَانٌ بِالشَّامِ امْتَلَأَتْ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا اهـ. وَلَا يُسْقِطُ هَذِهِ الْهِجْرَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَوْلَى الطَّاغِيَةُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَعَاقِلِهِمْ وَبِلَادِهِمْ إلَّا تَصَوُّرُ الْعَجْزِ عَنْهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَحَالٍ لَا الْوَطَنُ وَالْمَالُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُلْغًى فِي نَظَرِ الشَّرْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99] ، فَهَذَا الِاسْتِضْعَافُ الْمَعْفُوُّ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِهِ غَيْرُ الِاسْتِضْعَافِ الْمُعْتَذَرِ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَصَدْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبَلْ الِاعْتِذَارَ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ وَجْهٍ مَا وَعَفَا عَنْ ذِي الِاسْتِضْعَافِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مَعَهُ حِيلَةٌ وَلَا يُهْتَدَى سَبِيلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99] وَعَسَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ فَالْمُسْتَضْعَفُ الْمُعَاقَبُ فِي صَدْرِ الْآيَةِ هُوَ الْقَادِرُ مِنْ وَجْهٍ وَالْمُسْتَضْعَفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فِي عَجُزِهَا هُوَ الْعَاجِزُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. فَإِذَا عَجَزَ الْمُبْتَلَى بِهَذِهِ الْإِقَامَةِ

عَنْ الْفِرَارِ بِدِينِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ سَبِيلًا إلَيْهِ وَلَا ظَهَرَتْ لَهُ حِيلَةٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ وَكَانَ بِمَثَابَةِ الْمُقْعَدِ وَالْمَأْسُورِ وَكَانَ مَرِيضًا جِدًّا، أَوْ ضَعِيفًا فَحِينَئِذٍ يُرْجَى لَهُ الْعَفْوُ وَيَصِيرُ بِمَثَابَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى التَّلَفُّظِ بِالْكُفْرِ وَمَعَ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ قَائِمَةٌ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ وَتَمَكَّنَ لَهَاجَرَ وَعَزَمَ مُسْتَصْعِبٌ أَنَّهُ إنْ ظَفِرَ بِحِيلَةٍ وَقْتًا مَا فَيُهَاجِرُ. وَأَمَّا الْمُسْتَطِيعُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَبِأَيِّ حِيلَةٍ تَمَكَّنَتْ فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ إنْ أَقَامَ حَسْبَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] . وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118] ، وَقَالَ تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود: 113] وَقَالَ تَعَالَى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا - الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138 - 139] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57] {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56] ، وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97] {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99] وَقَالَ تَعَالَى {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ - وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 80 - 81] . وَالظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ إنَّمَا هُمْ التَّارِكُونَ لِلْهِجْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا حَسْبَمَا تَضْمَنَّهُ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] فَظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ إنَّمَا كَانَ بِتَرْكِهَا، وَهَذِهِ الْإِقَامَةُ مَعَ الْكُفَّارِ وَتَكْثِيرُ سَوَادِهِمْ وقَوْله تَعَالَى {تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [النساء: 97] فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُوَبَّخَ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى هَذِهِ الْإِقَامَةِ، وَأَنَّ مَنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَهَاجَرَ وَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، وَلَوْ بِالطَّرِيقِ فَتَوَفَّاهُ الْمَلَكُ خَارِجًا عَنْهُمْ يُرْجِي قَبُولَ تَوْبَتِهِ وَلَا يَمُوتُ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100] فَهَذِهِ الْآيُ الْقُرْآنِيَّةُ كُلُّهَا، أَوْ أَكْثَرُهَا مَا سِوَى قَوْله تَعَالَى {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ} [المائدة: 80] نُصُوصٌ فِي تَحْرِيمِ الْمُوَالَاةِ الْكُفْرَانِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] فَمَا أَبْقَتْ مُتَعَلِّقًا إلَى التَّطَرُّقِ لِهَذَا التَّحْرِيمِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57] وَتَكْرَارُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَجَرْيُهَا عَلَى نَسَقِ وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ مُؤَكِّدٌ

لِلتَّحْرِيمِ وَرَافِعٌ لِاحْتِمَالِ التَّطَرُّقِ إلَيْهِ. فَإِنَّ الْمَعْنَى إذَا نُصَّ عَلَيْهِ وَأُكِّدَ بِالتَّكْرَارِ، فَقَدْ ارْتَفَعَ الِاحْتِمَالُ لَا شَكَّ فَتَعَاضَدَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى هَذَا النَّهْيِ فَلَا تَجِدُ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةِ الْكُفْرَانِيَّةِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ الَّذِي «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» فَهُوَ تَحْرِيمٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ الدِّينِ كَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَخَوَاتِهِ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي أَطْبَقَ أَرْبَابُ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَرَامَ الْخِلَافَ مِنْ الْمُقِيمِينَ مَعَهُمْ وَالرَّاكِنِينَ إلَيْهِمْ بِجَوَازِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ وَاسْتَخَفَّ أَمْرَهَا فَهُوَ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ وَمُفَارِقٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحْجُوجٌ بِمَا لَا مَدْفَعَ فِيهِ لِمُسْلِمٍ وَمَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي لَا سَبِيلَ إلَى مُخَالَفَتِهِ وَخَرْقِهِ. قَالَ زَعِيمُ الْفُقَهَاءِ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ فَرْضُ الْهِجْرَةِ لَيْسَ سَاقِطًا بَلْ الْهِجْرَةُ بَاقِيَةٌ لَازِمَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِهَا حَيْثُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُشْرِكِينَ بَلْ يَهْجُرُهُ وَيَلْحَقُ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ» إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِ بِهَا الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ إنْ عَادَ إلَى دَارِ إيمَانٍ وَإِسْلَامٍ كَمَا حُرِّمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ لِلَّذِي ادَّخَرَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ الْفَضْلِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَإِذَا وَجَبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنْ يَهْجُرَهُ وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَثْوِي بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَيُقِيمُ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ لِئَلَّا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ فَكَيْفَ يُبَاحُ لِأَحَدٍ الدُّخُولُ إلَى بِلَادِهِمْ حَيْثُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ فِي تِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَسْكُنَ أَحَدٌ بِبَلَدٍ يُسَبُّ فِيهَا السَّلَفُ فَكَيْفَ بِبَلَدٍ يُكْفَرُ فِيهِ بِالرَّحْمَنِ وَتُعْبَدُ فِيهِ مِنْ دُونِهِ الْأَوْثَانُ لَا تَسْتَقِرُّ نَفْسُ أَحَدٍ عَلَى هَذَا إلَّا مُسْلِمٌ مَرِيضُ الْإِيمَانِ اهـ. فَإِنْ قُلْت الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ صُورَةُ طُرُوِّ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِقَامَةِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَالصُّورَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا هِيَ طُرُوُّ الْإِقَامَةِ عَلَى أَصَالَةِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بَوْنٌ فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْ حُكْمِهَا. قُلْت: تَفَقُّهُ الْمُتَقَدِّمِينَ إنَّمَا هُوَ فِي تَارِكِ الْهِجْرَةِ مُطْلَقًا وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِصُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ، وَهُوَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ، وَهَذِهِ الْمَسْئُولُ عَنْهَا أَيْضًا صُورَةٌ ثَانِيَةٌ مِنْ صُوَرِهِ لَا تُخَالِفُ الْأُولَى الْمُمَثَّلَ بِهَا إلَّا فِي طُرُقِ الْإِقَامَةِ خَاصَّةً فَالصُّورَةُ الْأُولَى الْمُمَثَّلُ بِهَا عِنْدَهُمْ طَرَأَ الْإِسْلَامُ فِيهَا عَلَى الْإِقَامَةِ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْمُلْحَقَةُ بِهَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا طَرَأَتْ الْإِقَامَةُ فِيهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَاخْتِلَافُ الطُّرُوِّ فَرْقٌ صُورِيٌّ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي اسْتِدْعَاءِ نَصِّ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَانْتِهَائِهِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى الْمُقْتَدَى بِهِمْ الْكَلَامَ بِصُورَةِ مَنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُوَالَاةَ الشِّرْكِيَّةِ كَانَتْ مَفْقُودَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعِزَّتِهِ، وَلَمْ تَحْدُثْ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مِئِينَ مِنْ السِّنِينَ وَبَعْدَ انْقِرَاضِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَحْكَامِهَا الْفِقْهِيَّةِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَبَغَتْ هَذِهِ الْمُوَالَاةُ النَّصْرَانِيَّةُ فِي الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ وَبَعْدَهَا مِنْ تَارِيخِ الْهِجْرَةِ وَقْتَ اسْتِيلَاءِ مَلَاعِينِ النَّصَارَى دَمَّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى جَزِيرَةِ صِقِلِّيَّةَ وَبَعْضِ كُوَرِ الْأَنْدَلُسِ. سُئِلَ عَنْهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَاسْتَفْهَمُوهُ عَنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَة بِمُرْتَكِبِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّ أَحْكَامَهُمْ جَارِيَةٌ مَعَ أَحْكَامِ مَنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ وَأَلْحَقُوا هَؤُلَاءِ الْمَسْئُولَ عَنْهُمْ وَالْمَسْكُوتَ عَنْ حُكْمِهِمْ بِهِمْ وَسُوِّيَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَلَمْ يَرَوْا فِيهَا فَرْقًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي مُوَالَاةِ الْأَعْدَاءِ وَمُسَاكَنَتِهِمْ وَمُدَاخَلَتِهِمْ وَمُلَابَسَتِهِمْ وَعَدَمِ مُبَايَنَتِهِمْ وَتَرْكِ الْهِجْرَةِ الْوَاجِبَةِ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْ فَرْضِهَا بِمَثَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَلْحَقُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْأَحْكَامَ الْمَسْكُوتَ عَنْهَا فِي هَؤُلَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ

بِالْأَحْكَامِ الْمُتَفَقَّهِ فِيهَا فِي أُولَئِكَ فَصَارَ اجْتِهَادُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مُجَرَّدِ إلْحَاقٍ لِمَسْكُوتٍ عَلَيْهِ بِمَنْطُوقٍ بِهِ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَدْلٌ مِنْ النَّظَرِ وَاحْتِيَاطٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَرُكُونٌ إلَى الْوُقُوفِ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَكَانَ غَايَةً فِي الْحُسْنِ وَالدِّينِ. وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ مِنْ السُّنَّةِ فَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» وَفِي الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ» . وَالتَّنْصِيصُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْمَقْصُودِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ نَظَرٌ سَلِيمٌ وَتَرْجِيحٌ مُسْتَقِيمٌ، وَقَدْ ثَبَتَا فِي الْحِسَانِ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ السِّتَّةِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا رَحَى الْإِسْلَامِ قَالُوا: وَلَا مُعَارِضَ لَهُمَا لَا نَاسِخَ وَلَا مُخَصِّصَ وَلَا غَيْرَهُمَا وَمُقْتَضَاهُمَا لَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِمَا هَذَا مَعَ اعْتِضَادِهِمَا بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَشَهَادَتِهِمَا لَهُمَا. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِنْ اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مَنْدُوبًا إلَيْهَا غَيْرَ مَفْرُوضَةٍ وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] نَزَلَتْ حِينَ اشْتِدَادِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ وَجَبَتْ الْهِجْرَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَأُمِرُوا بِالِانْتِقَالِ إلَى حَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونُوا مَعَهُ فَيَتَعَاوَنُوا وَيَتَظَاهَرُوا؛ لِأَنَّ حِزْبَهُمْ أُمِرَ وَلْيَعْلَمُوا أَمْرَ دِينِهِمْ وَيَتَفَقَّهُوا فِيهِ وَكَانَ عِظَمُ الْخَوْفِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةَ وَأُتْحِفَتْ بِالطَّاعَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ارْتَفَعَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ وَعَادَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَهُمَا هِجْرَتَانِ فَالْمُنْقَطِعَةُ مِنْهُمَا هِيَ الْفَرْضُ وَالْبَاقِيَةُ هِيَ النَّدْبُ، فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا إسْنَادُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ مُعَاوِيَةَ فِيهِ مَقَالٌ اهـ. قُلْت: هَاتَانِ الْهِجْرَتَانِ اللَّتَانِ تَضَمَّنَهُمَا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُمَا الْهِجْرَتَانِ اللَّتَانِ انْقَطَعَ فَرْضُهُمَا بِفَتْحِ مَكَّةَ فَالْهِجْرَةُ الْأُولَى هِجْرَةٌ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى الدِّينِ وَالنَّفْسِ كَهِجْرَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ الْمَكِّيِّينَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَرِيضَةً لَا يُجْزَى إيمَانٌ دُونَهَا. وَالثَّانِيَةُ الْهِجْرَةُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَارِهِ الَّتِي اسْتَقَرَّ فِيهَا، فَقَدْ بَايَعَ مِنْ قَصَدَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَبَايَعَ آخَرِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا الْهِجْرَةُ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ فَهِيَ فَرِيضَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ الذَّهَابُ فِي الْأَرْضِ يَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ: الْأُولَى: الْهِجْرَةُ وَهِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ السَّلَامِ وَكَانَتْ فَرْضًا فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ بَاقِيَةٌ مَفْرُوضَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاَلَّتِي انْقَطَعَتْ بِالْفَتْحِ هِيَ الْقَصْدُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ كَانَ، فَإِنْ بَقِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَصَى وَيُخْتَلَفُ فِي حَالِهِ وَانْظُرْ بَقِيَّةَ أَقْسَامِ الْهِجْرَةِ فِيهَا. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقِيمُوا بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ سَقَطَتْ الْهِجْرَةُ وَبَقِيَ تَحْرِيمُ الْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا وَأَقَامُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ إنَّمَا كَانَ اعْتِصَامُهُمْ فِي الْحَالِ نَعَمْ إنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَنْ بَادَرَ لِلْإِسْلَامِ إذَا رَأَى

أسلم وبقي بدار الحرب فقتل أو سبي أهله وماله

السَّيْفَ عَلَى رَأْسِهِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَكِنْ قُتِلُوا لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يَعْصِمُ، وَإِنَّمَا يَعْصِمُ الْإِيمَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا. وَإِمَّا لِأَنَّ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَعْصِمُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ «بَنِي خُزَيْمَةَ لَمَّا أَسْرَعَ خَالِدٌ فِيهِمْ الْقَتْلَ قَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَقَتَلَهُمْ فَوَدَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَطَأِ خَالِدٍ وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَعَامِلِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ» قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا وَدَاهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ عَلَى مَعْنَى الصُّلْحِ وَالْمَصْلَحَةِ كَمَا وَدَى أَهْلَ خُزَيْمَةَ بِمِثْلَيْ ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ. [أَسْلَمَ وَبَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ أَوْ سُبِيَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ] وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَسْلَمَ وَبَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ، أَوْ سُبِيَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ بِحَقْنِ دَمِهِ وَمَالُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ حَتَّى يَحْدُثَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحُوزُ مَالَهُ وَأَهْلَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُحَقَّقَةٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ هَلْ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا أَمْ لَا؟ وَأَنَّ الْعَاصِمَ هَلْ هُوَ الْإِسْلَامُ، أَوْ الدَّارُ؟ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» فَسَوَّى بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَأَضَافَهَا إلَيْهِمْ وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سَبِيلٌ. وَتَمَسَّكَ أَيْضًا مَنْ أَتْبَعَهُ مَالَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَاصِمَ إنَّمَا هُوَ الدَّارُ فَمَا لَمْ يَحُزْ الْمُسْلِمُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَمَا أُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ بِدَارِ الْكُفْرِ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَأَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بَلْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ حَلَالٌ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَدِمَائِهِمْ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَحُزْ مَالًا وَلَا وَلَدًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَكَانَ الْيَدُ لِلْكَافِرِ كَمَا أَنَّ الدَّارَ لَهُمْ وَلَيْسَتْ يَدُ صَاحِبِهِ الْإِسْلَامِيِّ يَدًا إذَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا الْعَاصِمُ لِدَمِ الْمُسْلِمِ الْإِسْلَامُ وَلِمَالِهِ الدَّارُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَاصِمُ لَهُمَا جَمِيعًا هُوَ الْإِسْلَامُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَاصِمُ الْمُقَوِّمُ لَهُمَا هُوَ الدَّارُ وَالْمُؤْثِمُ هُوَ الْإِسْلَامُ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ حَتَّى قُتِلَ، فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ وَلَوْ هَاجَرَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا دَمُهُ مَحْقُونٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَتْلُهُ خَطَأٌ لَا دِيَةَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ خَاصَّةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً. قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمُؤْمِنِ إنَّمَا هُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ؛ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ فِي قَوْمٍ أَعْدَاءٍ فَهُوَ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] فَهُوَ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ، فَلَمَّا ذَكَرَ الدِّيَةَ أَوَّلَ الْآيَةِ فِي الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ وَفِي آخِرِهَا فِي الْمُؤْمِنِ الَّذِي قَوْمُهُ تَحْتَ عَهْدِنَا وَمِيثَاقِنَا وَهُمْ الذِّمِّيُّونَ وَسَكَتَ عَنْهَا فِي هَذَا الْمُؤْمِنِ الَّذِي بَيْنَ الْأَعْدَاءِ دَلَّ عَلَى سُقُوطِهَا، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ خَاصَّةً هَذَا حُكْمُ دَمِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خُرَاسَانِيَّةٌ عَظْمًا لَمْ تَبْلُغْهَا الْمَالِكِيَّةُ وَلَا عَرَفَتْهَا الْأَئِمَّةُ الْعِرَاقِيَّةُ فَكَيْفَ بِالْمَفَازَةِ الْمَغْرِبِيَّةِ. احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْعَاصِمَ الدَّارُ بِأَنَّ التَّحَرُّزَ وَالِاعْتِصَامَ وَالِامْتِنَاعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحُصُونِ وَالْقِلَاعِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا صَارَ فِي دَارِنَا عُصِمَ دَمُهُ وَمَالُهُ فَصَارَ كَالْمَالِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ قَطْعٌ، وَإِذَا حَرَزَ بِحِرْزِهِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقَطْعِ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» الْحَدِيثَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ لِلنَّفْسِ وَالْمَالِ إنَّمَا تَكُونُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ

وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَالدَّارُ مَعْدُومَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْإِسْلَامَ عَاصِمٌ لِلنَّفْسِ دُونَ الْوَلَدِ وَالْمَالِ وَقَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ التَّحَرُّزَ وَالتَّعَصُّمَ يَكُونُ بِالْقِلَاعِ فَكَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعِصْمَةِ الْحِسِّيَّةِ الَّتِي يَكْتَسِبُهَا الْكَافِرُ وَالْمُحَارِبُ وَلَا يَعْتَبِرُهَا الشَّرْعُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى مَا يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَارِبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ يَتَحَصَّنَانِ بِالْقِلَاعِ وَدَمُهُمَا وَأَمْوَالُهُمَا مُبَاحَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالثَّانِي بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَسْتَقِرَّ وَلَا يَقَعَ وَيَتَمَادَى وَيَتَمَنَّعَ وَلَكِنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ إحْرَازُ صَاحِبِهِ لَهُ بِكَوْنِهِ مَعَهُ فِي حِرْزٍ. قُلْت: بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ حَسْبَمَا تَضَمَّنَ كَلَامُهُ الْآنَ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. وَأَجْرَى الْفَقِيهُ الْقَاضِي الشَّهِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَالَ هَذَا الْمُسْلِمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ الْمُقِيمِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَبْرَحْ عَنْهَا بَعْدَ اسْتِيلَاءِ الطَّاغِيَةِ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي مَالِ مَنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ فَرَّقَ ابْنِ الْحَاجِّ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اللَّاحِقَةِ بِأَنَّ مَالَ مَنْ أَسْلَمَ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَمْ تَزَلْ وَلَا يُعْزَى لَهُ فِي وَقْتِ مَا كَفَرَ مُبِيحٌ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا مِنْ سَبِيلٍ، وَهُوَ رَاجِحٌ مِنْ الْقَوْلِ وَاضِحٌ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ وَظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لِمَنْشَأِ الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَيُعْتَضَدُ هَذَا الْفَرْقُ بِنَصٍّ آخَرَ. مَسْأَلَةٌ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَلَفْظُهُ: وَسَأَلْته عَمَّنْ تَخَلَّفَ مِنْ أَهْلِ بَرْشِلُونَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الِارْتِحَالِ عَنْهُمْ بَعْدَ السَّنَةِ الَّتِي أُجِّلَتْ لَهُمْ يَوْمَ فُتِحَتْ فِي ارْتِحَالِهِمْ فَأَغَارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَفَرُّدًا مِمَّا يَخَافُ مِنْ الْقَتْلِ إنْ ظَفِرَ بِهِ. فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِ الَّذِي يَتَلَصَّصُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أُصِيبَ فَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ يَحْكُمُ فِيهِ بِمِثْلِ مَا يَحْكُمُ فِي أَهْلِ الْفَسَادِ وَالْحِرَابَةِ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلَا أَرَاهُ لِأَحَدٍ أَصَابَهُ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّهُمْ فِي إغَارَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِينَ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا حَارَبَ سَوَاءٌ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي بَلَدِ الْكُفْرِ الْحُكْمُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي مَالِهِ إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَصَابَهُ فَهُوَ خِلَافٌ ظَاهِرٌ. قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يَغْزُو الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الدَّارَ فَيُصِيبُونَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ إذَنْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ إذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجَيْشُ غَنَمَ مَالَهُ وَوَلَدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ اهـ. قُلْت: فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ مَعَاصِرُهُ وَبَلَدِيُّهُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشُّيُوخِ يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُلْحَقَةَ بِهِمْ فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَمْوَالِ جَارِيَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ مَعَ النَّصَارَى الْحَرْبِيِّينَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْخِلَافِ وَتَمَهَّدَ مِنْ التَّرْجِيحِ ثُمَّ إنْ حَارَبُونَا مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ تَرَجَّحَتْ حِينَئِذٍ اسْتِبَاحَةُ دِمَائِهِمْ، وَإِنْ أَعَانُوهُمْ بِالْمَالِ عَلَى قِتَالِنَا تَرَجَّحَتْ اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ تَرَجَّحَ سَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ بِالِاسْتِخْلَاصِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وانْشِبَابِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ آمِنِينَ مِنْ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ مَعْصُومِينَ مِنْ مَعْصِيَةِ تَرْكِ الْهِجْرَةِ. وَمَا ذَكَرْتُمْ فِي السُّؤَالِ مِنْ حُصُولِ النَّدَمِ وَالتَّسَخُّطِ لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِيِّينَ إلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا زَعَمُوا مِنْ ضِيقِ الْمَعَاشِ وَعَدَمِ الِانْتِعَاشِ زَعْمٌ فَاسِدٌ وَتَوَهُّمٌ كَاسِدٌ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ فَلَا يَتَوَهَّمُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَعْتَبِرُهُ وَيَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ إلَّا ضَعِيفُ الْيَقِينِ بَلْ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ هَذَا الْمَعْنَى وَيُدْلِي بِهِ حُجَّةً فِي إسْقَاطِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَفِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَعْلَى اللَّهُ كَلِمَتَهُ مَجَالٌ رَحْبٌ لِلْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَالثَّقِيلِ وَالْخَفِيفِ. وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى الْبِلَادَ فَيَسْتَجِيرُ بِهَا مَنْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الصَّدْمَةُ

الْكُفْرَانِيَّةُ وَالصَّاعِقَةُ النَّصْرَانِيَّةُ فِي الدِّينِ وَالْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ، فَقَدْ هَاجَرَ مِنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ مَكَّةَ جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَزُمْرَةٌ كَرِيمَةٌ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَالُ أَرْضِ الْحَبَشَةِ غَيْرُ مَقَرِّهِمْ وَهَاجَرَ آخَرُونَ إلَى غَيْرِهَا وَهَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَآبَاءَهُمْ وَنَبَذُوهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ وَحَارَبُوهُمْ تَمَسُّكًا مِنْهُمْ بِدِينِهِمْ وَرَفْضًا لِدُنْيَاهُمْ فَكَيْفَ بِعَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِهَا لَا يُخِلُّ تَرْكُهُ بِتَكَسُّبٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُؤَثِّرُ رَفْضُهُ فِي مُتَّسَعِ الْمُسْتَرْزِقِينَ وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْقُطْرُ الدِّينِيُّ الْمَغْرِبِيُّ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَزَادَهُ عِزًّا وَشَرَفًا وَوَقَاهُ مِنْ الْأَغْيَارِ وَالْأَكْدَارِ وَسَطًا وَطَرَفًا، فَإِنَّهُ مِنْ أَخْصَبِ أَرْضِ اللَّهِ أَرْضًا وَأَشْبَعِهَا بِلَادًا طُولًا وَعَرْضًا وَخُصُوصًا حَاضِرَةُ فَاسَ، وَأَنْظَارُهَا نَوَاحِيهَا مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَأَقْطَارِهَا. وَلَئِنْ سَلِمَ هَذَا الْوَهْمُ وَعَدِمَ صَاحِبُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْعَقْلَ الرَّاجِحَ وَالرَّأْيَ النَّاجِحَ وَالْفَهْمَ، فَقَدْ أَقَامَ عِلْمًا وَبُرْهَانًا عَلَى نَفْسِهِ الْخَسِيسَةِ الرَّدِيَّةِ بِتَرْجِيحِ عَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ حُطَامِي مُحْتَقَرٍ عَلَى عِلْمٍ دِينِيٍّ أُخْرَوِيٍّ مُدَّخَرٍ وَبِئْسَ هَذِهِ الْمُفَاضَلَةُ وَالْأَرْجَحِيَّةُ وَخَابَ وَخَسِرَ مَنْ آثَرَهَا وَوَقَعَ فِيهَا. أَمَا عَلِمَ الْمَغْبُونُ فِي صَفْقَتِهِ النَّادِمِ عَلَى هِجْرَتِهِ مِنْ دَارٍ يُدْعَى فِيهَا التَّثْلِيثُ وَيُضْرَبُ فِيهَا النَّوَاقِيسُ وَيُعْبَدُ فِيهَا الشَّيْطَانُ وَيُكْفَرُ بِالرَّحْمَنِ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا دِينُهُ إذْ بِهِ نَجَاتُهُ الْأَبَدِيَّةُ وَسَعَادَتُهُ الْأُخْرَوِيَّةُ وَعَلَيْهِ يَبْذُلُ نَفْسَهُ النَّفِيسَةَ فَضْلًا عَنْ جُمْلَةِ حَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15] وَأَعْظَمُ فَوَائِدِ الْمَالِ وَأَجَلِّهَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ إنْفَاقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَكَيْفَ يَقْتَحِمُ بِالتَّشَبُّثِ وَيَتَرَاءَى وَيَتَطَارَحُ، أَوْ يَتَسَارَعُ مِنْ أَجْلِهِ إلَى مُوَالَاةِ الْعُدَاةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52] وَالدَّائِرَةُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ فَوَاتُ التَّمَسُّكِ بِعَقَارِ الْمَالِ فَوُصِفَ بِمَرَضِ الْقَلْبِ وَضَعْفِ الْيَقِينِ، وَلَوْ كَانَ قَوِيَّ الدِّينِ صَحِيحَ الْيَقِينِ وَاثِقًا بِاَللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَمُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَيْهِ لَمَا أَهْمَلَ قَاعِدَةَ التَّوَكُّلِ عَلَى عُلُوِّ رُتْبَتِهَا وَنُمُوِّ ثَمَرَتِهَا وَشَهَادَتِهَا بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ وَرُسُوخِ الْيَقِينِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْت فِي الرُّجُوعِ وَلَا فِي عَدَمِ الْهِجْرَةِ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ مَهْمَا تَوَصَّلَ إلَى ذَلِكَ بِمَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ، أَوْ حِيلَةٍ دَقِيقَةٍ بَلْ مَهْمَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْ رِبْقَةِ الْكُفْرِ، وَهُوَ لَا يَجِدُ عَشِيرَةً تَذُبُّ عَنْهُ وَحَمَاةً يَحْنُونَ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِالْمَقَامِ بِمَكَانٍ فِيهِ الضَّيْمُ عَلَى الدِّينِ وَالْمَنْعُ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ وَمُنْخَرِطٌ فِي سِلْكِ الْمُلْحِدِينَ وَالْوَاجِبُ الْفِرَارُ مِنْ دَارِ غَلَبَ عَلَيْهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْخُسْرَانِ إلَى دَارِ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَلِذَلِكَ قُوبِلُوا فِي الْجَوَابِ عِنْدَ الِاعْتِذَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] : أَيْ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ الْمُهَاجِرُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَإِنَّهُ يَجِدُ أَرْضَ اللَّهِ وَاسِعَةً وَمُتَّصِلَةً فَلَا عُذْرَ بِوَجْهٍ لِمُسْتَطِيعٍ، وَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ فِي الْعَمَلِ، أَوْ فِي الْحِيلَةِ، أَوْ فِي اكْتِسَابِ الرِّزْقِ، أَوْ ضِيقٍ فِي الْمَعِيشَةِ إلَّا الْمُسْتَضْعَفُ الْعَاجِزُ رَأْسًا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدِي سَبِيلًا، وَمَنْ بَادَرَ إلَى الْفِرَارِ وَسَارَعَ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْبَوَارِ إلَى دَارِ الْأَبْرَارِ فَذَلِكَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الْحَالِ الْعَاجِلَةِ لِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ حَالُهُ فِي الْحَالِ الْآجِلَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُسِرَّ لَهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ كَانَ مَأْمُولًا لَهُ الظُّفْرُ وَالْفَوْزُ، وَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ الْعَمَلُ الْخَبِيثُ كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَالْخُسْرَانُ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ تَيَسَّرَ لِلْيُسْرَى وَانْتَفَعَ بِالذِّكْرَى وَمَا ذَكَرْت عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَبِيحِ الْكَلَامِ وَسَبِّ دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَمَنِّي الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَا تُصْدَرُ إلَّا مِنْ اللِّئَامِ يُوجِبُ لَهُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَنْزِلُهُمْ أَسْوَأَ

الْمَنَازِلِ. فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ مَكَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَيَسَّرَهُ لِلْيُسْرَى أَنْ يَقْبِضَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَيُرْهِقُهُمْ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ وَالتَّنْكِيلَ الْمُبَرَّحَ ضَرْبًا وَسِجْنًا حَتَّى لَا يَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِتْنَةَ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمَّةِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ فِتْنَةِ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وَنَهْبِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ هَلَكَ هَالِكٌ فَإِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرِيمِ عَفْوِهِ مَنْ هَلَكَ دِينُهُ فَإِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ سَخَطِهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمُوَالَاةِ الشِّرْكِيَّةِ وَالْمُسَاكَنَةِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْعَزْمِ عَلَى رَفْضِ الْهِجْرَةِ وَالرُّكُونِ إلَى الْكُفَّارِ وَالرِّضَا بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ إلَيْهِمْ وَنَبْذِ الْعِزَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالطَّاعَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْبَيْعَةِ السُّلْطَانِيَّةِ وَظُهُورِ السُّلْطَانِ النَّصْرَانِيِّ عَلَيْهَا وَإِذْلَالِهِ إيَّاهَا بِفَوَاحِشَ عَظِيمَةٍ مُهْلِكَةٍ قَاصِمَةِ الظُّهُورِ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - وَأَمَّا جُرْحَةُ الْمُقِيمِ وَالرَّاجِحِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْمُتَمَنِّي الرُّجُوعِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الْمَرَاتِبِ الْكَمَالِيَّةِ مِنْ قَضَاءٍ وَشَهَادَةٍ وَإِمَامَةٍ فَمِمَّا لَا خَفَاءَ وَلَا امْتِرَاءَ عَمَّنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٌ مِنْ الْفُرُوعِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَكَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ خِطَابُ حُكَّامِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَرْطُ قَبُولِ خِطَابِ الْقَاضِي صِحَّةُ وِلَايَتِهِ مِمَّنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ بِوَجْهٍ احْتِرَازًا مِنْ مُخَاطَبَةِ قُضَاةِ أَهْلِ الْجِبَالِ كَقُضَاةِ مُسْلِمِي بُلُنْسِيَةَ وَطَرْطُوشَةَ وَخَوْصَرَةَ عِنْدَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَحْكَامٍ تَأْتِي فِي زَمَانِهِ مِنْ صِقِلِّيَّةَ مِنْ عِنْدِ قَاضِيهَا أَوْ شُهُودِ عُدُولِهَا هَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَمْ لَا مَعَ أَنَّهَا ضَرُورَةٌ وَلَا تُدْرَى إقَامَتُهُمْ هُنَاكَ تَحْتَ أَهْلِ الْكُفْرِ هَلْ هِيَ اضْطِرَارٌ، أَوْ اخْتِيَارٌ. (فَأَجَابَ) الْقَادِحُ فِي هَذَا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ يَشْمَلُ الْقَاضِيَ وَبَيِّنَاتِهِ مِنْ نَاحِيَةِ اخْتِلَالِ الْعَدَالَةِ إذْ لَا يُبَاحُ الْمُقَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي قِيَادِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالثَّانِي مِنْ نَاحِيَةِ الْوِلَايَةِ إذْ الْقَاضِي مُوَلَّى مَنْ قِبَلِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْأَوَّلُ لَهُ قَاعِدَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشَبَهُهَا وَهِيَ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَمُبَاعَدَةُ الْمَعَاصِي عَنْهُمْ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا لِاحْتِمَالَاتٍ كَاذِبَةٍ وَتَوَهُّمَاتٍ وَاهِيَةٍ كَتَجْوِيزِ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ، وَقَدْ يَجُوزُ فِي الْخَفَاءِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً إلَّا مَنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَهَذَا التَّجْوِيزُ مَطْرُوحٌ وَالْحُكْمُ لِلظَّاهِرِ إذْ هُوَ الْأَرْجَحُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْحَالِ مَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ الْعَدَالَةِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ حِينَئِذٍ حَتَّى يَظْهَرَ بِأَيِّ وَجْهٍ زَوَالُ مُوجِبِ رَاجِعِيَّةِ الْعَدَالَةِ وَيَبْقَى الْحُكْمُ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَرَائِنَ مَحْصُورَةٍ فَيَعْمَلُ عَلَيْهَا وَقَرَائِنُ الْعَدَالَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَمْرٍ مُطْلَقٍ مُتَلَقًّى، وَقَدْ أَمْلَيْتُ مِنْ هَذَا طَرَفًا فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَذَكَرْتُ طَرِيقَةَ أَبِي الْمَعَالِي لَمَّا تَكَلَّمَ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَالْفِتَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَهَذَا الْمُقِيمُ بِبَلَدِ الْحَرْبِ إنْ كَانَ اضْطِرَارًا فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ صَحِيحًا مِثْلُ إقَامَتِهِ بِبَلَدِ الْحَرْبِ لِرَجَاءِ فَدَايَةِ الْحَرْبِ وَنَقْلِهِمْ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَاقِلَّانِيُّ وَكَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِ الدُّخُولِ لِفِكَاكِ الْأَسِيرِ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ التَّأْوِيلِ اخْتِيَارًا، فَهَذَا قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الدَّاخِلِ اخْتِيَارَ التِّجَارَةِ فَمَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ مِنْهُمْ وَشَكَّ فِي إقَامَتِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَالْأَصْلُ عُذْرُهُ؛ لِأَنَّ جُلَّ الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ تَشْهَدُ لِعُذْرِهِ فَلَا تُرَدُّ لِاحْتِمَالٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ تُوجَدَ قَرَائِنُ تَشْهَدُ أَنَّ إقَامَتَهُ كَانَتْ اخْتِيَارًا لَا لِوَجْهٍ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ لِلْقُضَاةِ وَالْأُمَنَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِحَجْزِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، فَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَقْلًا، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا تَوْلِيَةَ الْكَافِرِ لِهَذَا الْقَاضِي. وَإِمَّا بِطَلَبِ الرَّعِيَّةِ لَهُ، أَوْ إقَامَتِهِ لَهُمْ لِلضَّرُورَةِ لِذَلِكَ فَلَا يُطْرَحُ حُكْمُهُ وَيُنَفَّذُ كَمَا لَوْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ مُسْلِمٌ وَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لِيَقْضِينَك حَقَّك إلَى أَجَلٍ أَقَامَ شُيُوخُ الْمَكَانِ مَقَامَ السُّلْطَانِ عِنْدَ فَقْدِهِ لِمَا يَخَافُ مِنْ فَوَاتِ الْقَضِيَّةِ وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ وَغَلَبَ عَلَى بَلَدٍ

فَوَلَّى قَاضِيًا عَدْلًا فَأَحْكَامُهُ نَافِذَةٌ اهـ. قُلْت: وَأَفْتَى شُيُوخُ الْأَنْدَلُسِ فِيمَنْ فِي وِلَايَةِ الْعَاصِي الْمَارِقِ عُمَرَ بْنِ حَفْصُونٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا قَبُولُ خِطَابٍ وَاخْتُلِفَ فِي وِلَايَةِ وَقَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَمِيرِ غَيْرِ الْعَدْلِ فَفِي رِيَاضِ النُّفُوسِ فِي طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيِّ قَالَ سَحْنُونٌ اخْتَلَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ وَابْنُ غَانِمٍ قَاضِي إفْرِيقِيَّةَ وَهُمَا مِنْ رُوَاةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ ابْنُ فَرُّوخَ لَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ إذَا وَلَّاهُ أَمِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فَكَتَبَ بِهَا إلَى مَالِكٍ فَقَالَ مَالِكٌ أَصَابَ الْفَارِسِيُّ يَعْنِي ابْنَ فَرُّوخَ وَأَخْطَأَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ يَعْنِي ابْنَ غَانِمٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَجْعَلُوا قَبُولَ الْوِلَايَةِ لِلْمُتَغَلِّبِ الْمُخَالِفِ لِلْإِمَامِ جُرْحَةٌ لِخَوْفِ تَعْطِيلِ أَحْكَامٍ اهـ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمَّا الْأُخْرَوِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَنْ أَفْنَى شَيْبَهُ وَشَبَابَهُ فِي مُسَاكَنَتِهِمْ وَتُوَلِّيهِمْ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، أَوْ هَاجَرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِ الْكُفْرِ وَأَصَرَّ عَلَى ارْتِكَابِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ مُعَاقَبُونَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَلَّدِينَ فِي الْعَذَابِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْحَقُّ فِي انْقِطَاعِ عَذَابِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَتَخْلِيصِهِمْ بِشَفَاعَةِ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ حَسْبَمَا وَرَدَتْ بِهِ صِحَاحُ الْأَخْبَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] إلَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ سَاكَنَهُمْ، أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ شَدِيدٌ جِدًّا عَلَيْهِمْ» وَمَا ذَكَرْتُمْ عَنْ سَخِيفِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ مِنْ قَوْلِهِ إلَى هَاهُنَا يُهَاجِرُ فِي قَالِبِ الِازْدِرَاءِ وَالتَّهَكُّمِ، وَقَوْلُ السَّفِيهِ الْآخَرِ إنْ جَازَ صَاحِبُ فشتالة إلَى هَذِهِ النَّوَاحِي فَسِرْ إلَيْهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْبَشِيعِ وَلَفْظِهِ الشَّنِيعِ لَا يَخْفَى عَلَى سِيَادَتِكُمْ مَا فِي كَلَامِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّمَاجَةِ وَالتَّعْيِيرِ وَالْهُجْنَةِ وَسُوءِ النَّكِيرِ إذْ لَا يَتَفَوَّهُ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَبِيحُهُ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَفَقَدَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى حِسَّهُ وَرَامَ رَفْعَ مَا صَحَّ ذَمُّهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَمِيعِ مَعْمُورِ الْأَرْضِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إلَى مَغْرِبِهَا إلَّا لِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا وَهَنَ بِهَا وَلَا رَيْبَ فَلَا تَصْدُرُ هَذِهِ الْأَغْرَاضُ الْهَوْسِيَّةُ إلَّا مِنْ قَلْبٍ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَسُكْنَاهُ مِنْ الْأَوْطَانِ، وَمَنْ ارْتَبَكَ فِي هَذَا وَتَوَرَّطَ فِيهِ، فَقَدْ اسْتَعْجَلَ لِنَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ الْخِزْيَ الْمَضْمُونَ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَاوَى فِي الْعِصْيَانِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْمَقْتِ وَالسَّمَاجَةِ وَالْإِبْعَادِ وَالِاسْتِنْقَاصِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَلَامَةِ وَالْمَذَمَّةِ الْكُبْرَى التَّارِكِ لِلْهِجْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِمُوَالَاةِ الْأَعْدَاءِ وَالسُّكْنَى بَيْنَ أَظْهُرِ الْبُعَدَاءِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْحَاصِلِ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ عَزْمٌ، وَهُوَ التَّصْمِيمُ وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الْفِعْلِ وَهُمَا لَمْ يَفْعَلَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ الْأَشَاعِرَةُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ كَثِيرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ «إذَا اصْطَفَّ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ فَأَثِمُوا بِالْحِرْصِ» ، فَأُجِيبُ بِأَنَّ اللِّقَاءَ وَإِشْهَارَهُ السِّلَاحَ فِعْلٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحِرْصِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ يَقُولُ: الْقَاضِي قَالَ عَامَّةُ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِعَمَلِ الْقَلْبِ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْهَمِّ قِيلَ لِلثَّوْرِيِّ أَنُؤَاخَذُ بِالْهِمَّةِ قَالَ إذَا كَانَتْ عَزْمًا قَالُوا: إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِسَيِّئَةِ الْعَزْمِ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَسَيِّئَةِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ، فَإِنْ فُعِلَتْ كُتِبَتْ سَيِّئَةً ثَانِيَةً، وَإِنْ كُفَّ عَنْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً لِحَدِيثِ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ تَظَاهَرَتْ النُّصُوصُ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] وقَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الْحَسَدِ وَاحْتِقَارِ النَّاسِ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ اهـ. وَاعْتَرَضَ هَذَا الْأَشْيَاخُ بِأَنَّ الْعَزْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مَا لَهُ صُورَةٌ فِي الْخَارِجِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا مَا لَا صُورَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ كَالِاعْتِقَادَاتِ وَضَغَائِنِ النَّفْسِ مِنْ الْحَسَدِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ بِهِ وَقَعَ التَّكْلِيفُ فَلَا يُحْتَجُّ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي فِيهِ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرَ مَا ظَهَرَ كَتْبُهُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمُفِيدِ الْمُوَجَّهِ مِنْ قِبَلِ الْفَقِيهِ الْمُعَظَّمِ الْخَطِيبِ الْفَاضِلِ الْقُدْوَةِ الصَّالِحِ الْبَقِيَّةِ وَالْجُمْلَةِ الْفَاضِلَةِ النَّقِيَّةِ السَّيِّدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُطْبَةَ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى سُمُوَّهُ وَرُقِيَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجَمَ هَذَا الْجَوَابُ وَيُسَمَّى بِأَسْنَى الْمَتَاجِرِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ عَلَى وَطَنِهِ النَّصَارَى، وَلَمْ يُهَاجِرْ وَمَا يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَالزَّوَاجِرِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يُنَفِّعَ بِهِ وَيُضَاعِفَ الْأَجْرَ بِسَبَبِهِ، قَالَهُ وَخَطَّهُ الْعَبْدُ الْمُسْتَغْفِرُ الْفَقِيرُ الْمُسْلِمُ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفَقَّهَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ كَتْبِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ التَّاسِعَ عَشْرَ لِذِي الْقِعْدَةِ الْحَرَامِ عَامَ سَنَةٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَرَّفَنَا اللَّهُ خَيْرَهُ اهـ. وَنَصُّ السُّؤَالِ الْمُجَابِ عَنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ جَوَابُكُمْ يَا سَيِّدِي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - وَمَتَّعَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِكُمْ فِي نَازِلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَتَرَكُوا هُنَالِكَ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ وَالْجَنَّاتِ وَالْكُرُومَاتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأُصُولِ وَبَذَلُوا عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً كَثِيرَةً مِنْ نَاضِّ الْمَالِ وَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِ الْمِلَّةِ الْكَافِرَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ فَرُّوا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِيمَانِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا بَقِيَ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ بِأَيْدِي بَعْضِهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ وَاسْتَقَرُّوا بِحَمْدِ اللَّهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ تَحْتَ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَحُكْمِ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمَةِ نَدِمُوا عَلَى الْهِجْرَةِ بَعْدَ حُضُورِهِمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَسَخِطُوا وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ وَجَدُوا الْحَالَ عَلَيْهِمْ ضَيِّقَةً، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ هَذِهِ صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَسَ أَوْطَانَهَا وَنَصَرَ سُلْطَانَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّسَبُّبِ فِي طَلَبِ أَنْوَاعِ الْمَعَاشِ عَلَى الْجُمْلَةِ رِفْقًا وَلَا يُسْرًا وَلَا مُرْتَفِقًا وَلَا إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَقْطَارِ أَمْنًا لَائِقًا وَصَرَّحُوا فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْوَاعٍ مِنْ قَبِيحِ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى ضَعْفِ دِينِهِمْ وَعَدَمِ صِحَّةِ يَقِينِهِمْ فِي مُعْتَقَدِهِمْ، وَأَنَّ هَجَرْتهمْ لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِدُنْيَا يُصِيبُونَهَا عَاجِلًا عِنْدَ وُصُولِهِمْ جَارِيَةً عَلَى وَفْقِ أَهْوَائِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهَا وَفْقَ أَغْرَاضِهِمْ صَرَّحُوا بِذَمِّ دَارِ الْإِسْلَامِ وَشَأْنِهِ وَشَتْمِ الَّذِي كَانَ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْهِجْرَةِ وَسَبِّهِ وَبِمَدْحِ دَارِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ وَالنَّدَمِ عَلَى مُفَارِقَتِهِ وَرُبَّمَا حُفِظَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ لِلْهِجْرَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ هَذَا الْوَطَنُ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى هَاهُنَا يُهَاجَرُ مِنْ هُنَاكَ بَلْ مِنْ هَاهُنَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ إلَى هُنَاكَ. وَعَنْ آخَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ إنْ جَازَ صَاحِبُ فشتالة إلَى هَذِهِ النَّوَاحِي نَسْرِ إلَيْهِ فَنَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّنَا إلَى هُنَاكَ يَعْنِي إلَى دَارِ الْكُفْرِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَيْضًا يَرُومُونَ أَعْمَالَ الْحِيلَةِ فِي الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَمُعَاوَدَةِ الدُّخُولِ تَحْتَ الذِّمَّةِ الْكَافِرَةِ كَيْفَ أَمْكَنَهُمْ فَمَا الَّذِي يَلْحَقُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْمِ وَنَقْصِ رُتْبَةِ الدِّينِ وَالْجُرْحَةِ وَهَلْ هُمْ بِهِ مُرْتَكِبُونَ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي كَانُوا فَرُّوا مِنْهَا إنْ تَمَادَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَتُوبُوا، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَكَيْفَ بِمَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْحُصُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ بِالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، أَوْ بِمَعْنَاهُ شَهَادَةُ أَدَبٍ أَوْ لَا حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ بِالْوَعْظِ وَالْإِنْذَارِ عَنْ ذَلِكَ فَمَنْ تَابَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرْجَى لَهُ قَبُولُ التَّوْبَةِ، وَمَنْ تَمَادَى عَلَيْهِ أُدِّبَ، أَوْ يَعْرِضُ عَنْهُمْ وَيَتْرُك كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ وَمَا اخْتَارَهُ فَمِنْ ثَبَتَهُ اللَّه فِي دَار الْإِسْلَام رَاضِيًا فَلَهُ نِيَّته وَأَجْره عَلَى اللَّه سُبْحَانه وَمِنْ اخْتَارَ الرُّجُوع إلَى دَار الْكُفْر وَمُعَاوَدَة الذِّمَّة الْكَافِرَة يَذْهَب إلَى سَخَط اللَّه وَمِنْ ذَمّ دَار الْإِسْلَام مِنْهُمْ صَرِيحًا، أَوْ مَعْنَى تَرَكَ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ بَيَّنُوا لَنَا

حُكْم اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ كُلّه، وَهَلْ مِنْ شَرْط الْهِجْرَة أَنْ لَا يُهَاجِر إلَّا إلَى دُنْيَا مَضْمُونَة يُصِيبهَا عَاجِلًا عِنْد وُصُوله جَارِيَة عَلَى وَفَّقَ غَرَضه حَيْثُ حَلَّ أَبَدًا فِي نَوَاحِي الْإِسْلَام، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطِ بَلْ تُجِبْ عَلَيْهِمْ الْهِجْرَة مِنْ دَار الْكُفْر إلَى دَار الْإِسْلَام إلَى حِلُّو، أَوْ مَرَّ، أَوْ وَسِعَ، أَوْ ضَيِّق أَوْ يَسِرْ، أَوْ عُسْر بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصِدُ بِهَا سَلَامَةُ الدِّينِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ مَثَلًا وَالْخُرُوجُ مِنْ حُكْمِ الْمِلَّةِ الْكَافِرَةِ إلَى حُكْمِ الْمِلَّةِ الْمُسْلِمَةِ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُلْوٍ، أَوْ مُرٍّ، أَوْ ضِيقِ عَيْشٍ، أَوْ سِعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ بَيَانًا شَافِيًا مُجَرَّدًا مَشْرُوحًا كَافِيًا يَأْجُرُكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالسَّلَامُ الْكَرِيمُ يَعْتَمِدُ مَقَامَكُمْ الْعَالِيَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمِعْيَارِ عَقِبَ الْجَوَابِ السَّابِقِ مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ إلَى الْفَقِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا بِمَا نَصُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ جَوَابُكُمْ يَا سَيِّدِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَمَتَّعَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِكُمْ فِي نَازِلَةٍ وَهِيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ آفِلَةَ مَعْرُوفٌ بِالْفَضْلِ وَالدِّينِ تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ مَعَ أَهْلِ بَلَدِهِ لِيَبْحَثَ عَنْ أَخٍ لَهُ، فَقَدْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَبَحَثَ عَنْ خَبَرِهِ إلَى الْآنَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَأَيِسَ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ فَعَرَضَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لِسَانُ عَوْنٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الذِّمِّيِّينَ حَيْثُ سُكْنَاهُ وَلِمَنْ جَاوَرَهُمْ أَيْضًا مِنْ أَمْثَالِهِمْ بِقَرْيَةِ الْأَنْدَلُسِ يَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ مَعَ حُكَّامِ النَّصَارَى فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مَعَهُمْ مِنْ نَوَائِبِ الدَّهْرِ وَيُخَاصِمُ عَنْهُمْ وَيُخَلِّصُ كَثِيرًا مِنْهُمْ مِنْ وَرَطَاتٍ عَظِيمَةٍ بِحَيْثُ إنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ مِنْهُمْ أَكْثَرُهُمْ قَلَّ مَا يَجِدُونَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ إنْ هَاجَرَ وَبِحَيْثُ إنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ فِي فَقْدِهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ إنْ فَقَدُوهُ فَهَلْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعَهُمْ تَحْتَ حُكْمِ الْمِلَّةِ الْكَافِرَةِ لِمَا فِي إقَامَتِهِ هُنَالِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِأُولَئِكَ الْمَسَاكِينِ قَبْلَ الذِّمِّيِّينَ مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ مَتَى شَاءَ، أَوْ لَا يُرَخَّصُ لَهُ إذْ لَا رُخْصَةَ لَهُمْ أَيْضًا فِي إقَامَتِهِمْ هُنَاكَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفْرِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ سُمِحَ لَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ مَعَ أَنَّ الْأَكْثَرَ قَادِرُونَ عَلَيْهَا مَتَى أَحَبُّوا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يُرَخَّصُ لَهُ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ بِثِيَابِهِ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ إذْ لَا تَخْلُو فِي الْغَالِبِ عَنْ نَجَاسَةٍ لِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ النَّصَارَى وَتَصَرُّفِهِ بَيْنَهُمْ وَرُقَادِهِ وَقِيَامِهِ فِي دِيَارِهِمْ فِي خِدْمَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الذِّمِّيِّينَ حَسْبَمَا ذُكِرَ بَيِّنُوا لَنَا حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَأْجُورِينَ مَشْكُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّلَامُ الْكَرِيمُ يَعْتَمِدُ مَقَامَكُمْ الْعَالِيَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ بِفَضْلِهِ أَنَّ إلَهَنَا الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ قَدْ جَعَلَ الْجِزْيَةَ وَالصِّغَارَ فِي أَعْنَاقِ مَلَاعِينِ الْكُفْرِ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا يَطُوفُونَ بِهَا فِي الْأَقْطَارِ وَفِي أُمَّهَاتِ الْمَدَائِنِ وَالْأَمْصَارِ إظْهَارًا لِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَشَرَفِ نَبِيِّهِ الْمُخْتَارِ، فَمَنْ حَاوَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَصَمَهُمْ اللَّهُ وَوَفَّرَهُمْ انْقِلَابَ تِلْكَ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ فِي عُنُقِهِ، فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى سَخَطِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ وَحَقِيقٌ أَنْ يُكَبْكِبَهُ مَعَهُمْ فِي النَّارِ {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ السَّعْيُ فِي حِفْظِ رَأْسِ الْإِيمَانِ بِالْبُعْدِ وَالْفِرَارِ عَنْ مُسَاكَنَةِ أَعْدَاءِ حَبِيبِ الرَّحْمَنِ وَالِاعْتِلَالُ لِإِقَامَةِ الْفَاضِلِ الْمَذْكُورِ بِمَا عَرَضَ مِنْ عَرَضِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ الطَّاغِيَةِ وَأَهْلِ ذِمَّتِهِ مِنْ الذِّمِّيِّينَ الْعُصَاةِ لَا يَخْلُصُ مِنْ وَاجِبِ الْهِجْرَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ مُعَارَضَةُ مَا سُطِّرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ بِحُكْمِهَا الْوَاجِبِ إلَّا مُتَجَاهِلٌ أَوْ جَاهِلٌ مَعْكُوسُ الْفِطْرَةِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ خِبْرَةٌ؛ لِأَنَّ مُسَاكَنَةَ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالصِّغَارُ لَا تَجُوزُ وَلَا تُبَاحُ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ لِمَا تُنْتِجُهُ مِنْ الْأَدْنَاسِ

وَالْأَضْرَارِ وَالْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ طُولَ الْأَعْمَارِ: مِنْهَا أَنَّ غَرَضَ الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ الْحَقِّ قَائِمَةً عَلَى ظُهُورِهَا عَالِيَةً عَلَى غَيْرِهَا مُنَزَّهَةً عَنْ الِازْدِرَاءِ بِهَا وَمِنْ ظُهُورِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ عَلَيْهَا وَمُسَاكَنَتِهِمْ تَحْتَ الذِّلَّةِ وَالصِّغَارِ تَقْتَضِي وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الشَّرْعِيَّةُ الشَّرِيفَةُ الْعَالِيَةُ الْمُنِيفَةُ سَافِلَةً لَا عَالِيَةً وَمُزْدَرًى بِهَا لَا مُنَزَّهَةً وَحَسْبُك بِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأُصُولِ، وَمَنْ يَتَحَمَّلُهَا وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا طُولَ عُمْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا إكْرَاهٍ وَمِنْهَا إكْمَالُ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِي الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِعْلَانِ وَالظُّهُورُ لَا يَكُونُ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِكَمَالِ الظُّهُورِ وَالْعُلَا وَالنَّزَاهَةِ مِنْ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ فِي مُسَاكَنَةِ الْكُفَّارِ وَمُلَابَسَةِ الْفُجَّارِ تَعْرِيضُهَا لِلْإِضَاعَةِ وَالِازْدِرَاءِ وَالْهُزُؤِ وَاللَّعِبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] وَحَسْبُك بِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا. وَمِنْهَا إيتَاءُ الزَّكَاةِ وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ وَسَرِيرَةٍ مُسْتَنِيرَةٍ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لِلْإِمَامِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِ الْأَنَامِ وَحَيْثُ لَا إمَامَ فَلَا إخْرَاجَ لِعَدَمِ شَرْطِهَا فَلَا زَكَاةَ لِفَقْدِ مُسْتَحِقِّهَا، فَهَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مُنْهَدِمٌ بِهَذِهِ الْمُوَالَاةِ الْكُفْرِيَّةِ، وَأَمَّا إخْرَاجُهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْفَى أَيْضًا مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ لِلْمُتَعَبَّدَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كُلِّيًّا وَمِنْهَا صِيَامُ رَمَضَانَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَزَكَاةُ الْأَبَدَانِ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ابْتِدَاءً وَانْقِضَاءً وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ إنَّمَا تَثْبُتُ الرُّؤْيَةُ بِالشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ لَا تُؤَدَّى إلَّا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَخُلَفَائِهِمْ وَحَيْثُ لَا إمَامَ وَلَا خَلِيفَةَ فَلَا شَهَادَةَ فَيَكُونُ الشَّهْرُ إذْ ذَاكَ مَشْكُوكُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ فِي الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ وَمِنْهَا حَجُّ الْبَيْتِ، وَالْحَجُّ وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا عَنْهُمْ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَوْكُولَةٌ إلَيْهِمْ بِالْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ، وَمَحْوُ الْكُفْرِ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَعْمَالِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَعِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ وَلَا سِيَّمَا بِمَوَاضِعِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَمَا يُجَاوِرُهَا لِمِثْلِهِمْ إنَّمَا هُوَ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْعَازِمِ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْعَازِمُ عَلَى التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالتَّارِكِ قَصْدًا مُخْتَارًا، وَأَمَّا مُقْتَحِمُو نَقِيضِهِ بِمُعَاوَنَةِ أَوْلِيَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إمَّا بِالنُّفُوسِ. وَإِمَّا بِالْأَمْوَالِ فَيَصِيرُونَ حِينَئِذٍ حَرْبِيِّينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَحَسْبُك بِهَذَا مُنَاقَضَةً وَضَلَالًا، وَقَدْ اتَّضَحَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ نَقْصُ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَزَكَاتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَإِخْلَالِهِمْ بِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهَادَةِ الْحَقِّ وَإِهْمَالِهِمْ لِإِجْلَالِهَا وَتَعْظِيمِهَا وَتَنْزِيهِهَا عَنْ ازْدِرَاءِ الْكُفَّارِ وَتُلَاعِبْ الْفُجَّارِ فَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ مُتَشَرِّعٌ، أَوْ يَشُكُّ مُتَوَرِّعٌ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ مَعَ اسْتِلْزَامِهَا لِمُخَالَفَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْجَلِيلَةِ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهَا وَيَقْتَرِنُ بِهَذِهِ الْمُسَاكَنَةِ الْمَقْهُورَةِ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا مِنْ التَّنْقِيصِ الدُّنْيَوِيِّ وَتَحَمُّلِ الذِّلَّةِ وَالْمَهَانَةِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَعْهُودِ عِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَرِفْعَةِ أَقْدَارِهِمْ وَدَاعٍ إلَى احْتِقَارِ الدِّينِ وَاهْتِضَامِهِ وَمِنْ أُمُورٍ تُصَمُّ مِنْهَا الْمَسَامِعُ مِنْهَا الْإِخْلَالُ وَالِاحْتِقَارُ وَالْإِهَانَةُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» وَقَالَ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» وَمِنْهَا الِازْدِرَاءُ وَالِاسْتِهْزَاءُ وَلَا يَتَحَمَّلُهُمَا ذُو مُرُوءَةٍ فَاضِلَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَمِنْهَا السَّبُّ وَالْإِذَايَةُ فِي الْعِرْضِ وَرُبَّمَا كَانَتْ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ خِسَّةِ الْهِمَّةِ وَالْمُرُوءَةِ وَمِنْهَا الِاسْتِقْرَارُ فِي مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ وَالتَّعَرُّضِ لِمُلَابَسَةِ النَّجَاسَاتِ وَأَكْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُتَشَابِهَات وَمِنْهَا مَا يُتَوَقَّعُ مَخُوفًا فِي هَذِهِ الْإِقَامَةِ وَهِيَ أُمُورٌ أَيْضًا مِنْهَا نَقْضُ الْعَهْدِ مِنْ الْمِلْكِ وَالتَّسَلُّطُ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَهَى عَنْ الْإِقَامَةِ بِجَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رِبَاطًا لَا يُجْهَلُ فَضْلُهُ وَمَعَ مَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ وَوُفُورِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ نَهَى عَنْهُ خَلِيفَةُ الْوَقْتِ الْمُتَّفَقُ عَلَى دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَنَصِيحَتِهِ لِرَعِيَّتِهِ خَوْفَ التَّغْرِيرِ فَكَيْفَ بِمَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ

وَأَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ بِأَيْدِيهِمْ عِنْدَ قُوَّتِهِمْ وَظُهُورِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَوُفُورِ عَدَدِهِمْ اعْتِمَادًا عَلَى وَفَاءِ عَهْدِهِمْ فِي شَرِيعَتِهِمْ وَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ فَضْلًا عَنْ قَبُولِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَيْنَا وَكَيْفَ يُعْتَمَدُ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالْوَفَاءِ مَعَ مَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْمُتَوَقَّعِ وَمَعَ مَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ الْوَقَائِعِ عِنْدَ مَنْ بَحَثَ وَاسْتَقْرَأَ الْأَخْبَارَ فِي مَعْمُورِ الْأَقْطَارِ. وَمِنْهَا الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ أَيْضًا مِنْ شِرَارِهِمْ وَسُفَهَائِهِمْ وَمُغْتَالِيهِمْ هَذَا عَلَى فَرْضِ وَفَاءِ دَهَاقِينِهِمْ وَمَلَكِهِمْ، وَهَذَا أَيْضًا تَشْهَدُ لَهُ الْعَادَةُ وَيُقَرِّرُهُ الْوَاقِعُ وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ وَهَبْ أَنَّ الْكِبَارَ الْعُقَلَاءَ قَدْ يَأْمَنُونَهَا فَمَنْ يُؤَمِّنُ الصِّغَارَ وَالسُّفَهَاءَ وَضَعَفَةَ النِّسَاءِ إذَا اُنْتُدِبَ إلَيْهِمْ دَهَاقِينُ الْأَعْدَاءِ وَشَيَاطِينُهُمْ. وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ عَلَى الْأَبْضَاعِ وَالْفُرُوجِ وَمَتَى يَأْمَنُ ذُو زَوْجَةٍ، أَوْ ابْنَةٍ، أَوْ قَرِيبَةٍ وَضِيئَةٍ أَنْ يَعْثُرَ عَلَيْهَا وَضِيءٌ مِنْ كِلَابِ الْأَعْدَاءِ وَخَنَازِيرِ الْبُعَدَاءِ فَيَغُرَّهَا فِي نَفْسِهَا وَيَغْتَرَّهَا فِي دِينِهَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا وَتُطَاوِعُهُ وَيُحَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا بِلَا امْتِرَاءٍ وَالْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ مُكْنَةُ الْمُعْتَدِينَ عَادَ، وَمَنْ بِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ سَرَيَانِ سَيْرِهِمْ وَلِسَانِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ الْمَذْمُومَةِ إلَى الْمُقِيمِينَ مَعَهُمْ بِطُولِ السِّنِينَ كَمَا عَرَضَ لِأَهْلِ آيِلَةَ وَغَيْرِهِمْ وَفُقِدَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ جُمْلَةً، وَإِذَا فُقِدَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ جُمْلَةً فُقِدَتْ مُتَعَبِّدَاتُهُ وَنَاهِيَك مِنْ فَوَاتِ الْمُتَعَبِّدَاتِ اللَّفْظِيَّةِ مَعَ كَثْرَتِهَا أَوْ كَثْرَةِ فَضَائِلِهَا. وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ التَّسَلُّطِ عَلَى الْمَالِ بِإِحْدَاثِ الْوَظَائِفِ الثَّقِيلَةِ وَالْمَغَارِمِ الْمُجْحِفَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى اسْتِغْرَاقِ الْمَالِ وَإِحَاطَةِ الضَّرَّابِينَ الْكُفْرِيَّةِ بِهِ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي صُورَةِ ضَرُورَةِ فِتْنَةٍ، أَوْ دَفْعِ اسْتِنَادٍ إلَى تَلْفِيقٍ مِنْ الْعُذْرِ وَالتَّأْوِيلِ وَلَا يُسْتَطَاعُ مُرَاجَعَتُهُمْ فِيهِ وَلَا مُنَاظَرَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ مِنْ الضَّعْفِ وَوُضُوحِ الْوَهْنِ وَالْفَسَادِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَحْرِيكِ دَوَاعِي الْحِقْدِ وَدَاعِيَةً لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ الْوُقُوعُ عِنْدَ مَنْ بَحَثَ بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِ النَّازِلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَفِي غَيْرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْوَاقِعَةِ وَالْمُتَوَقَّعَةِ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْإِقَامَةِ وَخَطَرِ هَذِهِ الْمُسَاكَنَةِ الْمُنْحَرِفَةِ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَعَاضِدَةٍ مُؤَدِّيَةٍ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ بَلْ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ حُكْمَ هَذَا الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ لِقُوَّتِهِ وَظُهُورِهِ فِي التَّحْرِيمِ فَقَالَ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ آيَةَ الْهِجْرَةِ تُعْطَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي تَغَيُّرُ فِيهَا السُّنَنُ وَيُعْمَلُ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَضْلًا عَنْ الْخُرُوجِ وَالْفِرَارِ مِنْ بِلَادِ الْكَفَرَةِ وَبِقَاعِ الْهِجْرَةِ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَرَكْنَ لِأَهْلِ التَّثْلِيثِ أُمَّةٌ فَاضِلَةٌ تُوَحِّدُ وَتَرْضَى بِالْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْأَنْجَاسِ وَالْأَرْجَاسِ وَهِيَ تُعَظِّمُهُ وَتُمَجِّدُهُ فَلَا فُسْحَةَ لِلْفَاضِلِ الْمَذْكُورِ فِي إقَامَتِهِ بِالْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ وَلَا رُخْصَةَ لَهُ وَلَا لِأَصْحَابِهِ فِيمَا يُصِيبُ ثِيَابَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَالْأَخْبَاثِ إذَا الْعَفْوُ عَنْهَا مَشْرُوطٌ بِعُسْرِ التَّوَقِّي وَالتَّحَرُّزِ وَلَا عُسْرَ مَعَ اخْتِيَارِهِمْ لِلْإِقَامَةِ وَالْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَكَتَبَهُ مُسْلِمًا عَلَى مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَبْدُ الْمُسْتَغْفِرُ الْفَقِيرُ الْحَقِيرُ الرَّاغِبُ فِي بَرَكَةِ مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَنْتَهِي إلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. مِنْ خَدِيمِ الْمُجَاهِدِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحْيِي الدِّينِ إلَى سَادَتِنَا الْعُلَمَاءِ الْأَبْرَارِ الْأَفَاضِلِ الْأَخْيَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَأَرْضَاكُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَنْزِلَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ جَوَابُكُمْ عَمَّا فَعَلَهُ بِنَا سُلْطَانُ الْمَغْرِبِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تُتَوَقَّعُ مِنْ مُطْلَقِ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ أَعْيَانِهِمْ فَأَمْعِنُوا نَظْرَكُمْ فِيهَا شَافِيًا وَأَجِيبُونَا جَوَابًا كَافِيًا شَافِيًا خَالِيًا عَنْ الْخِلَافِ لِيَخْلُوَ قَلْبُ سَامِعِهِ عَنْ الِاعْتِسَافِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَى عَدُوُّ اللَّهِ الْفَرَانْسِيسُ عَلَى الْجَزَائِرِ وَخَلَتْ الْإِيَالَةُ عَنْ الْأَمِيرِ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ وَعُطِّلَتْ الْأَسْبَابُ وَطَالَتْ شَوْكَةُ الْكَافِرِ اجْتَمَعَ

ذَوُو الرَّأْيِ وَتَقَاضَوْا عَلَى أَنْ يُقَدِّمُوا رَجُلًا مِنْ سَادَاتِهِمْ يُؤَمِّنُ السُّبُلَ وَيَكُفُّ الظَّالِمَ وَيَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ لِلْجِهَادِ لِئَلَّا يَبْقَى الْكَافِرُ فِي رَاحَةٍ فَتَمْتَدُّ يَدُهُ فَاخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَقَدَّمُوهُ لِذَلِكَ فَتَقَدَّمَ وَعَمِلَ جَهْدَهُ فِيمَا قَدَّمُوهُ لَهُ فَتَأَمَّنَتْ السُّبُلُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَتَيَسَّرَتْ الْأَسْبَابُ بِعَوْنِهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، وَذَلِكَ مِنْ لَدُنْ سَنَةِ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ هَذِهِ وَلَنْ نَزَالُ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا بِسُلْطَانِ الْمَغْرِبِ فَعَلَ بِنَا الْأَفْعَالَ الَّتِي تُقَوِّي حِزْبَ الْكَافِرِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُضْعِفُنَا وَأَضَرّ بِنَا الضَّرَرَ الْكَثِيرَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ» وَلَا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ لِأَخِيهِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَلَا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ فَأَوَّلُ مَا فَعَلَ بِنَا أَنَّنَا لَمَّا كُنَّا حَاصَرَنَا الْكَافِرُ فِي جَمِيعِ ثُغُورِهِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَطَعْنَا عَلَيْهِ السُّبُلَ وَمَادَّةَ الْبُرِّ مِنْ الْحَبِّ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا تَضْيِيقًا عَلَيْهِ وَتَضْعِيفًا لَهُ خُصُوصًا مِنْ جِهَةِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ قَانُونَ عَسْكَرِهِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَأْكُلُوا اللَّحْمَ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً يَفِرُّونَ عَنْ طَاغِيَتِهِمْ وَلَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُلَامُونَ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَةُ الثَّوْرِ عِنْدَهُمْ مِائَةُ رِيَالٍ دورو، فَإِذَا بِالسُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ أَمَدَّهُمْ وَهُمْ فِي الضِّيقِ الشَّدِيدِ بِأُلُوفٍ مِنْ الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا. الثَّانِي أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ عَامِلِنَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ بُنْدُقَةٍ إنْجِلِيزِيَّةً. الثَّالِثُ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ وَكِيلِنَا أَرْبَعَمِائَةِ كِسْوَةِ جُوخٍ أَعْدَدْنَاهَا لِلْمُجَاهِدَيْنِ. الرَّابِعُ أَنَّ بَعْضَ الْمُحِبِّينَ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ رَعِيَّتِهِ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ لِيُعِينَ بِهِ الْمُجَاهِدِينَ، فَإِذَا بِالسُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ زَجَرَهُ وَنَزَعَهَا مِنْهُ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُجَاهِدْ وَأَيْضًا أَنَّ بَعْضَ الْقَبَائِلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ عَزَمُوا عَلَى إعَانَتِنَا بِأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَعَانَنَا آخَرُ مِنْ رَعِيَّتِهِ بِسُيُوفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحَبَسَهُ إلَى الْآنَ زَجْرًا لَهُ وَرَدْعًا لِغَيْرِهِ. الْخَامِسُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ لِهَذَا السُّلْطَانِ مُقَاتَلَتُهُ مَعَ الْفَرَانْسِيسِ أَيَّامًا قَلَائِلَ ثُمَّ تَصَالَحَا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْفَرَانْسِيسُ أَنْ لَا يُتِمَّ الصُّلْحَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا حَلَّ أَمْرُ هَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الْمُجَاهِدِينَ وَيَقْبِضُ رَئِيسَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَحْبِسَهُ طُولَ عُمْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ. وَإِمَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ يَدِ الْفَرَانْسِيسِ، أَوْ يُجْلِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَجَابَهُ السُّلْطَانُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ ثُمَّ أَمَرَنِي بِتَرْكِ الْجِهَادِ فَأَبَيْت؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ وِلَايَةٌ وَلَا أَنَا مِنْ رَعِيَّتِهِ ثُمَّ قَطَعَ عَنْ الْمُجَاهِدِينَ الْكَيْلَ حَتَّى هَامَ جُوعًا مَنْ لَمْ يَجِدْ صَبْرًا وَأَسْقَطَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ رُكْنًا ثُمَّ أَخَذَ يَسْعَى فِي قَبْضِي فَحَفِظَنِي اللَّهُ مِنْهُ، وَلَوْ ظَفِرَ بِي لَقَتَلَنِي، أَوْ لَفَعَلَ بِي مَا اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ الْفَرَانْسِيسُ، ثُمَّ أَمَرَ بَعْضَ الْقَبَائِلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ أَنْ يَقْتُلُونَا وَيَأْخُذُوا أَمْوَالَنَا وَكَأَنَّهُ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَأَبَوَا جَزَاهُمْ اللَّهُ خَيْرًا، فَإِذَا تَصَوَّرْتُمْ أَيُّهَا السَّادَاتُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَتَفَطَّرُ مِنْهَا الْأَكْبَادُ وَتَتَأَثَّرُ عِنْدَ سَمَاعِهَا الْعِبَادُ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا غَصَبَ وَيُقْتَلُ بِنَا إنْ قَتَلَنَا حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمِعْيَارُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِهَادِ وَزُبْدَتُهُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ الْكَافِرُ بِسَاحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ إنْ لَمْ تُعْطُونِي فُلَانًا، أَوْ مَالَهُ أَوْ يُقْتَلُ اسْتَأْصَلَتْكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَسْعَهُمْ ذَلِكَ وَلَا يُعْطُوهُ شَيْئًا مِمَّا طَلَبَ، وَلَوْ خَافُوا اسْتِئْصَالَهُ، فَإِنْ أَعْطَى مَالَهُ ضَمِنَهُ الْآمِرُ بِهِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّةِ، وَكَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الشَّيْخُ مَيَّارَةُ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الزَّقَّاقِ فِي آخِرِ بَابِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بَعْضَ أَعْوَانِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا فَفَعَلَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَعًا نَقَلَهُ الْمَوَّاقِ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ كَمُكْرَهٍ وَمُكْرَهٌ، فَإِنْ فَعَلَ الْمَأْمُورُ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ إنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرُ نَافِعٍ نَقَلَهُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا قَتْلَ مُسْلِمٍ وَقَطْعَهُ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ الثَّانِي وَنَصُّهُ فِي آخِرِ مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمِنْ هُدِّدَ بِقَتْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ

عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا، أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ، أَوْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ أَوْ يَبِيعَ مَتَاعِ رَجُلٍ فَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ عَصَى وَقَعَ بِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَيُغَرَّمُ مَا أَتْلَفَ وَيُحَدُّ إنْ زَنَى وَيُضْرَبُ إنْ ضَرَبَ وَيَأْثَمُ اهـ. وَهَلْ الْمُهَادَنَةُ الَّتِي أَوْقَعَهَا فَاسِدَةٌ، وَمَنْقُوضَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَهُ الْعَدُوُّ بِسَبَبِ قُرْبِنَا مِنْهُ وَعَجْزِنَا عَنْ الْجِهَادِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا عَائِدَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَوَبَالُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ حَسْبَمَا نُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِهَادِ فِي الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ التِّلِمْسَانِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوْقَعَ الصُّلْحَ مَعَ النَّصَارَى وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَرَوْنَ إلَّا الْجِهَادَ فَأَجَابَهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مُهَادَنَتَهُ مَنْقُوضَةٌ وَفِعْلَهُ مَرْدُودٌ وَنَقَلَ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصًا وَهَلْ يُحْمَلُ بَيْعُ الْبَقَرِ لَهُمْ فِي وَقْتِ حَصْرِهِمْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ الْخَيْلِ لَهُمْ وَالشَّعِيرِ وَآلَةِ الْحَرْبِ أَمْ لَا، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ تَسَعْهُ مُخَالَفَةُ الْفَرَنْسِيسِ فِيمَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِنَا وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِنَا وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاقْتَحَمَ الْأَمْرَ وَشَقَّ الْعَصَا وَجَاءَنَا بِالْجَيْشِ لِيَقْتُلَنَا وَيَأْخُذَ أَمْوَالَنَا وَيُفَرِّقُ جَمْعَنَا فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُ بِمُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَنَصُّهُ اُنْظُرْ إذَا خَلَا الْوَقْتُ مِنْ الْأَمِيرِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ رَأْيَهُمْ عَلَى بَعْضِ كُبَرَاءِ الْوَقْتِ لِيُمَهِّدَ سَبِيلَهُمْ وَيَرُدَّ قَوِيَّهُمْ عَنْ ضَعِيفِهِمْ فَقَامَ بِذَلِكَ قَدْرَ جَهْدِهِ وَطَاقَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَالْمُتَعَرِّضُ لَهُ يُرِيدُ شَقَّ عَصَا الْإِسْلَامِ وَتَفْرِيقَ جَمَاعَتِهِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ سَمِعْت عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ» وَبِسَنَدِهِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ تَفْرِيقَ جَمَاعَتِكُمْ فَاقْتُلُوهُ» اهـ. أَمْ لَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ وَنَتْرُكُ الْجِهَادَ لَيْسَ إلَّا جَوَابُكُمْ تُؤْجَرُونَ وَتُحْمَدُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فِي الْبَدْءِ وَالْخِتَامِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصَّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْمُهْتَدِينَ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَى السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ أَصْلَحَ اللَّهُ أَحْوَالَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا يَشُكُّ فِيهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَمَا كَانَ يَخْطُرُ بِبَالِنَا أَنْ يُصْدِرُ مِنْ مَوْلَانَا السُّلْطَانُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ مِثْلِكُمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا، وَأَنْتُمْ جِسْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ، وَإِنْ كُنَّا فِي اطْمِئْنَانٍ عَلَى إقْلِيمِهِ مِنْ اسْتِيلَاءِ عَدُوِّ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَقَاءِ أَهْلِهِ عَلَى الْحَقِّ حَقٌّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ مِنْهَا مَا وَجَدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ الْمُقْرِي وَنَصُّهُ مِنْ خَطِّ الْفَقِيهِ الْمُحَدِّثِ الْعَالِمِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيِّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَصُّهُ وَجَدْت فِي ظَهْرِ تَقْيِيدِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ بِخَطِّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ قَالَ ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ نَقْطِ الْعَرُوسِ عَنْ أَبِي مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَتَكُونُ بِالْمَغْرِبِ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا فَاسُ أَقَوْمُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قِبْلَةً وَأَكْثَرُهُمْ صَلَاةً أَهْلُهَا قَائِمُونَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» اهـ. وَكَذَا ضَمَانُهُ لَمَّا غَصَبَ ضَرُورِيٌّ لَا يَشُكُّ فِيهِ مُسْلِمٌ، وَكَذَا اسْتِحْقَاقُهُ الْقِصَاصَ مِنْهُ بِقَتْلِهِ مُؤْمِنًا عَمْدًا عُدْوَانًا مُبَاشَرَةً أَوْ بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَالنُّصُوصُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَالْمُهَادَنَةَ الَّتِي أَوْقَعَهَا فَاسِدَةً مَنْقُوصَةً وَمَا نَسَبْتُمْ لِلْمِعْيَارِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ وَبَيْعُ الْبَقَرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ وَكُلِّ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ

حَرَامٌ قَطْعًا إجْمَاعًا ضَرُورَةً لَا يَشُكُّ فِيهِ مُسْلِمٌ سَوَاءٌ فِي حَالِ حَصْرِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُمْ وَفِي حَالِ عَدَمِهِ إذْ قِتَالُهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَمِنْ قَرُبَ مِنْهَا كَأَهْلِ عَمَلِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ مُسْلِمٌ أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ جَائِزَةٌ مَعَ ذَلِكَ قَالَ الْحَطَّابُ: وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ يَعْنِي لِلْحَرْبِيِّينَ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَجُوزُ فِي الْهُدْنَةِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ اهـ وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَذْهَبُونَ بِهِ لِبِلَادِهِمْ فِيمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَقِتَالِ أَهْلِهِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَإِنْ اقْتَحَمَ الْأَمْرَ وَشَقَّ الْعَصَا وَأَتَاكُمْ بِجَيْشِهِ وَجَبَ عَلَيْكُمْ قِتَالُهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ كَالْعَدُوِّ وَالْبُغَاةِ الْمُتَغَلِّبِينَ الْفَاجِئِينَ الْقَاصِدِينَ الْأَنْفُسِ وَالْحَرِيمِ لِعُدْوَانِهِ وَتَجَارِبِهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ أَنْفُسُكُمْ وَحَرِيمُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَمَنَعَكُمْ مِمَّا هُوَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْكُمْ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ الْفَاجِئِينَ لَكُمْ وَالْمَقْتُولُ مِنْكُمْ فِي قِتَالِهِ كَالْمَقْتُولِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إلَّا طُلُوعُ الرُّوحِ فَصَمِّمُوا عَلَى قِتَالِهِ وَأَعِدُّوا لَهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ نَصَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ وَبَارَكَ فِيكُمْ وَفِي كُلِّ مَنْ أَعَانَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَخَذَلَ كُلَّ مَنْ عَادَاكُمْ وَخَذَلَكُمْ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَجَعَلَ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ. وَنَصُّ مَا فِي الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ تِلِمْسَانَ جَوَابُكُمْ سَيِّدِي عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا وَعَظُمَ مِنْ أَجْلِهِ الْخَطْبُ وَاتَّسَعَتْ فِيهِ الْمَقَالَاتُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَصْلَحَ اللَّهُ صَالَحَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذُوا سَوَاحِلَنَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ جِهَادَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ فَصَارُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ فَيَقْتُلُونَ وَيُضَيِّقُونَ بِهِمْ هَلْ ذَلِكَ طَاعَةٌ، أَوْ مَعْصِيَةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ أَجِيبُونَا أُرْشِدْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ. فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَ الدِّينَ الْمُحَمَّدِيَّ بِالْجِهَادِ وَوَعَدَ السَّاعِيَ فِيهِ بِالْوُصُولِ إلَى أَسْنَى الْمُرَادِ وَالشَّهِيدُ بِالْحَيَاةِ الْمَحْفُوفَةِ بِالرِّزْقِ وَالْحُسْنِ فِي بَرْزَخِ الْمَوْتِ وَالْإِمْدَادِ فَمَا مِنْ مَيِّتٍ إلَّا يَتَمَنَّى الْعَوْدَ إلَى الدُّنْيَا إلَّا الشَّهِيدُ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ فَيَطْلُبَهَا لِيُزَادَ لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَعْدَ الْمَعَادِ فَأَعْظِمْ بِهِ مِنْ وَصْفٍ لَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ إذْ قَدِمْت عَلَى نَوَافِلِ الْخَيْرِ الْمُعَلَّى نَوَافِلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْمَبْعُوثِ بِجَمِيلِ الْخَلَائِقِ الْقَامِعِ بِلِسَانِهِ وَسَيْفِهِ وَبُرْهَانِهِ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَالْعِنَادِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ وَازَرُوهُ عَلَى إظْهَارِ الْخِزْيِ عَنْهُ مِنْ الْأَضْدَادِ فَجَلَبُوا بِبَرَكَتِهِ لِأُمَّتِهِ الْمَصَالِحَ وَبَذَلُوا لَهُمْ النَّصَائِحَ وَدَفَعُوا الْفَسَادَ صَلَاةً وَسَلَامًا فَنَالَ بِبَرَكَتِهِمَا مِنْ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُعْتَادِ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَخُ الْكَرِيمُ مَسْجِدُهُ الْجَمِيلُ مُعْتَقَدُهُ، فَإِنَّ جَوَابَ سُؤَالِك يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ مُقَدِّمَةٍ بِتَقْرِيرِهَا يَتَبَيَّنُ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فَنَقُولُ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ حَيْثُ يَكُونُ الْجِهَادُ فَرْضَ كِفَايَةٍ. وَالثَّانِي حَيْثُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ طَالِبِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْحَرْبِيِّينَ فَالصُّلْحُ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا الْإِمَامُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْعُدُ فِي الْمُدَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ. وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَمَهْمَا

تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ طَالِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ يَفْجَأُ مَوْضِعَهُمْ، وَهُوَ ضِعْفُ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلُّ لَا شِدَّةَ وَعُدَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِمْ، وَمَنْ قَارَبَهُمْ دَفْعَهُمْ فِي الْحِينِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الدَّاوُدِيِّ فَرْضِيَّةَ الْجِهَادِ عَلَى مَنْ يَلِي الْعَدُوَّ وَيَسْقُطُ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ وَقَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِتَعَلُّقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَنْ حَضَرَ مَحَلَّ تَعَلُّقِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ لِعُسْرِهِ، فَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْجِهَادِ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. وَفِي تَلْقِينِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَنْ يَفْجَؤُهُمْ الْعَدُوُّ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونَ إنْ نَزَلَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجَمِيعِ كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَمْوَالَ وَجَبَ اسْتِنْقَاذُهُمْ عَلَى مَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَافُوا عَلَى أَنْفُسهمْ، أَوْ عَلَى أَهْلِيهِمْ بِرُؤْيَةِ سُفُنٍ، أَوْ خَبَرٍ عَنْهَا فَكُلُّ مَا نُقِلَ فِي تَعَيُّنِ فَرْضِ الْجِهَادِ مَانِعٌ مِنْ الصُّلْحِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِإِبْطَالِ فَرْضِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ الِاسْتِنْقَاذُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ أَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ افْتِدَاءُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ قَالَ نَعَمْ أَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَسْتَنْقِذُوهُمْ قَالَ بَلَى قَالَ فَكَيْفَ لَا يَفْدُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَفِي مِثْلِ هَذَا أَعْنِي حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ، حَكَى الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الذَّهَابِ إلَى حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ إنْ تَعَيَّنَ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ قَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَمَّا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ النُّصُوصِ لِلْأَئِمَّةِ تَعَيَّنَ بِهَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَيُمْتَنَعُ فِيهِ الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، فَقَدْ عَادَتْ عَلَى الْعَدُوِّ أَهْلَكَهُ اللَّهُ مَصْلَحَتُهُ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَفْسَدَتُهُ، وَإِنْ تَخَيَّلْت فِيهِ مَصْلَحَةً فَهِيَ لِلْعَدُوِّ أَعْظَمُ مِنْ وُجُوهٍ مُكَمِّلَةٍ، فَإِنَّهُ يَتَحَصَّنُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُكْثِرُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْعُدَّةِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاسْتِنْقَاذُ وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُ الْمُرَادِ بَعْدَ تَيَسُّرِهِ لَوْ سَاعَدَ التَّوْفِيقُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ الْمَسْئُولُ فِي هِدَايَتِهِ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ فَمَا وَقَعَ مِنْ الصُّلْحِ هُوَ مَفْسَدَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إبْرَامٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ يَجِبُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ غَيْرُ مُنْبَرِمٍ فَحُكْمُهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ كُلِّ مَنْ حَقَّقَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ لِهُدْنَةٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لَا يُقَالُ الصُّلْحُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ. وَالصُّلْحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ مِنْ إمَامٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَقَعَ ذَلِكَ عَقِبَ الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَهِيَ انْتِهَازُ الْعَدُوِّ دَمَّرَهُ اللَّهُ الْفُرْصَةَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَعَ تَوَفُّرِ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَدِ وَالْعَدُوُّ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَدَدٌ وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَقْصِرُونَ عَنْ ضِعْفِ الْعَدُوِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَدُوُّهُمْ ضِعْفَهُمْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ لِخَوْفِ اسْتِئْصَالِ الْكَافِرِينَ بَقِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْفَرْضَ وَالثَّانِي كَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْمُحَارِبِ بِالْفَرْضِ مَعَ إمْكَانِ انْقِسَامِ الْعَدَدِ وَاتِّصَالِ الْمُسْلِمِينَ بِحُصُولِ الْمَدَدِ فَالْوَاجِبُ الْقِتَالُ، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ ذَا جَلَدٍ وَمَعَهُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فَلَا يَدْخُلُ الصُّلْحُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَحُكْمُ الْجِهَادِ يُنْتَقَضُ إذَا تُبَيِّنَ فِيهِ الْخَطَأُ كَمَا نُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ وَطُولُ الْمُدَّةِ فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ خَطَأٌ فَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ وَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ لِيُسَكِّنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ مُمْتَنَع وَكُلُّ مُمْتَنِع غَيْرُ لَازِمٍ وَالْجِهَادُ فِي الْمَوْضُوعِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَزَلْ مُتَعَيَّنًا مِنْ زَمَنِ

حقيقة الصلح

الْوَخْزَةِ إلَى الْآنِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ طَمِعَ قَوْمٌ فِي فُرْصَةٍ فِي عَدُوٍّ قُرْبَهُمْ وَخَشُوا إنْ أَعْلَمُوا الْإِمَامَ يَمْنَعُهُمْ فَوَاسِعٌ خُرُوجُهُمْ وَأَحَبَّ إلَى أَنْ يَسْتَأْذِنُوهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إنْ نَهَى الْإِمَامُ عَنْ الْقِتَالِ لِمَصْلَحَةٍ حُرِّمَتْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا أَنْ يَزْحَمَهُمْ الْعَدُوُّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ طَاعَةُ الْإِمَامِ لَازِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ وَمِنْ الْمَعْصِيَةِ النَّهْيُ عَنْ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [حَقِيقَةِ الصُّلْحِ] وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُذَيَّلَ بِهِ مَا وَقَعَ مِنْ جَوَابِ السُّؤَالِ بَيَانُ حَقِيقَةِ الصُّلْحِ لُغَةً وَشَرْعًا وَبَيَانُ الْمُمْتَنَعِ مِنْهُ وَالْجَائِزِ بِمَالٍ، أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِالْمُهَادَنَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هَادَنَهُ صَالَحَهُ وَالِاسْمُ الْهُدْنَةُ، وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فِي الْعُرْفِ الْفِقْهِيِّ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَافُقِ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَرْبِيِّينَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ بَيْنَهُمْ مُدَّةً لَا يَكُونُ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَوْلُنَا الْإِمَامُ يَخْرُجُ مِنْ سِوَاهُ مَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ فَلَا يَتِمُّ، وَلَوْ كَانَ أَمِيرُ السُّرِّيَّة وَبَقِيَّةُ الرَّسْمِ مَخْرَجًا لِلْأَمَانِ وَالِاسْتِئْمَانِ وَذِكْرُ الْمُدَّةِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ مَا لَمْ تَطُلْ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ تَنْكِيرِهَا، فَإِنَّهَا لِلنَّوْعِيَّةِ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَالْجَوَازُ إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَنْعُ إنْ تَضَمَّنَ مَفْسَدَةً عَلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ رَجَا الْإِمَامُ فَتْحَ حِصْنٍ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ صُلْحُ أَهْلِهِ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى إيَاسٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِصُلْحِهِمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ كَصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ مَصْلَحَةً وَلَا مَفْسَدَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تُوهِينِ الْجِهَادِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ بَعْدَ عَقْدِهِ فَيُنْتَقَضُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونَ: وَلَوْ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُمْ غَرُّوا بِالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْبِذْهُ حَتَّى يَرُدَّ مَا أُخِذَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ بَانَ ذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُ وَلَا يَحْبِسُ مِنْ الْمَالِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَجَلِ. قَالَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَقْضُ الصُّلْحِ لِغَيْرِ بَيَانِ خَطَئِهِ فِيهِ، وَلَوْ رَدَّ مَا أُخِذَ إلَّا بِرِضًا مِنْ عَاقِدِهِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا الْمُهَادَنَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِينَا أَهْلُ الْحَرْبِ مَالًا كُلَّ عَامٍ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا «هَادَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ» هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ، أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بِمَالٍ يُعْطِيه الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يُهَادِنْ الْعَدُوَّ بِإِعْطَائِهِ مَالًا؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ مَصْلَحَةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ لِخَوْفِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ «، وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحَاطَتْ الْقَبَائِلُ بِالْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي أَنْ يَبْذُلَ الْمُسْلِمُونَ ثُلُثَ الثِّمَارِ لَمَّا خَافَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْصَارُ مَلَّتْ الْقِتَالَ فَقَالَا إنْ كَانَ هَذَا مِنْ اللَّهِ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَإِنْ كَانُوا رَأْيًا فَمَا أَكَلُوا مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةً إلَّا بِشِرَاءٍ فَكَيْفَ، وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزْمَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ تَرَكَ ذَلِكَ» فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ جَوَازُ إعْطَاءِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَوْصُوفِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُشَاوِرْ فِيهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِنَّهُ قَدْ شَاوَرَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ هُوَ أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ فِي دَفْعِ الْمَالِ مَلْزُومَةٌ لَهُمْ بِدَفْعِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى إعْطَائِهِ وَلَا يُهِمُّ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُمْتَنَعٍ، وَأَمَّا بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّة تِثْنَائِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَاَللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ الْمُوَفِّقُ بِفَضْلِهِ لَا رَبَّ سِوَاهُ انْتَهَى. [مَسَائِلُ الْجِزْيَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجِزْيَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَيَقْصِدُونَ بِهِ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنْ عَمَلِهِمْ الْأَفْرَاحَ

ذمي مشى بنعله على رداء مسلم بسطه وجلس عليه

وَزَفَّهُمْ أَوْلَادَهُمْ بِشَوَارِع الْمُدُنِ وَيُرَكِّبُونَهُمْ خُيُولًا عَلَى سُرُوجٍ نَفِيسَةٍ وَمَاذَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَقْصِدُ تَعْظِيمَ أَهْلِ تِلْكَ الْمِلَّةِ الْبَاطِلَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ وَوَلَّاهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ إذْ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَارٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَتَقْوِيَةٌ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُلْزِمَهُمْ بِإِظْهَارِ كُلِّ مَا فِيهِ مَذَلَّةٌ لَهُمْ مِنْ اللُّبْسِ الَّذِي يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِخْفَاءِ أَفْرَاحِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَجَنَائِزِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ وَسَائِرِ أُمُورِ دِينِهِمْ وَأَجْرُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ رُكُوبُ الْخَيْلِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، وَكَذَا نَفِيسُ الْبِغَالِ وَالسُّرُوجُ وَالْمَشْيُ بِوَسَطِ الطَّرِيقِ فَمَا بَالُك بِالرُّكُوبِ فِيهِ عَلَى سُرُوجٍ نَفِيسَةٍ عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ وَحَرَامٌ عَلَيْهِمْ إظْهَارُ أُمُورِ دِينِهِمْ وَمِنْهَا أَنْكِحَتُهُمْ الْفَاسِدَةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلُوا أَمْرَ الْحَاكِمِ فَهُمْ نَاقِضُونَ لِلْعَهْدِ يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ إلَخْ وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَاكِمِ تَمْكِينُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِنُ بِتَعْظِيمِهِمْ وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَقْصِدُ تَعْظِيمَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ فَهُوَ آثِمٌ فَاسِقٌ تَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فَوْرًا، وَإِنْ كَانَ لِرَفْعِ دِينِهِمْ تَعْظِيمُهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [ذِمِّيٍّ مَشَى بِنَعْلِهِ عَلَى رِدَاءِ مُسْلِم بَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ذِمِّيٍّ مَشَى بِنَعْلِهِ عَلَى رِدَاءِ مُسْلِم بَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ قَصَدَ إهَانَةَ الْمُسْلِمِ يُعَزَّرُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، أَوْ سَاهِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ النِّكَاحِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ النِّكَاحِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ ثَيِّبًا بَالِغَةً شَرِيفَةً لَا عَصَبَةَ لَهَا وَلَا كَافِلَ، وَهُوَ كُفْءٌ لَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ طَلَاقِهَا وَدَعْوَاهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فِي سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَتَعْيِينَ الزَّوْجِ وَالصَّدَاقَ لَهَا وَرِضَاهَا بِهِمَا وَإِذْنَهَا لِمُسْلِمٍ فِي تُوَلِّي عَقْدِهَا بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِذَلِكَ وَحَصَلَ الْعَقْدُ بِحُضُورِ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَدَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا فَقَامَ شَخْصٌ وَادَّعَى فَسَادَ عَقْدِهَا لِعَدَمِ تَوَلِّي الْقَاضِي الْعَقْدَ وَعَضَّدَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَرَفَعَ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ لِأَجْلِ فَسَخَ الْعَقْدِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا يَسُوغُ فَسْخُهُ عَلَيْهِ وَهَلْ قَوْلُهُمْ الْحَاكِمُ وَلِيٌّ حَيْثُ كَانَ لَا يَأْخُذُ عَلَى تَوَلِّي الْعَقْدِ دَرَاهِمَ وَإِلَّا فَهُوَ عَدِمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى نَفْسِ التَّوَلِّي، فَإِذَا وَكَّلَ آخَرَ وَأَخَذَ الدَّرَاهِمَ لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ عَنْهُ أَوْ مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ شَأْنُهُ الْأَخْذَ، وَلَوْ لَمْ يَتَوَلَّ بِنَفْسِهِ فَتَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ نَعَمْ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلَا يَسُوغُ فَسْخُهُ، وَإِنْ وَقَعَ لَا يَعْتَدُّ بِهِ وَيَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى صِحَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَاضِي الشَّرْعِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَلَّذِي فِيهِ اسْمٌ بِلَا مُسَمًّى فَلَا وِلَايَةً لَهُ أَصْلًا إنَّمَا الْوِلَايَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا فَقَدَ الْعَاصِبُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ أَكْثَرَ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَنِنَا أَسْمَاءٌ شَرِيفَةٌ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ خَسِيسَةٍ اهـ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَالْحَطَّابُ وَالْبَنَّانِيُّ وَأَقَرُّوهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ آدَابُ الْقَضَاءِ مَنْ يَقْبَلُ الْقَضَاءَ

خنثى مشكل أراد أن يتزوج امرأة فهل لا يصح نكاحه ويفسخ إن وقع

بِمُقَابَلَةٍ وَيُعْطِي عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ بِحَقٍّ. ثُمَّ قَالَ قُلْت هَذَا تَخْرِيجًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ اهـ وَنَقَلَهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْحَطَّابُ وَالْبَنَّانِيُّ وَالْعَدَوِيُّ وَأَقَرُّوهُ لِمُوَافَقَتِهِ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيمَنْ يُوَلَّى وَدَفْعُ الرِّشْوَةِ فِسْقٌ، فَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» . وَقَدْ قَالَ الْحَطَّابُ وَبَذْلُ الْمَالِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يُعِنْ عَلَى تَرْكِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ اهـ. وَنَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَى أَنَّ بَاقِيَ الشُّرُوطِ لَا تَكَادُ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِيمَنْ يُولَى مَنْصِبَ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ. وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ فِي الطُّرَرِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ فِي الْأَحْكَامِ شَيْئًا يَدْفَعُ بِهِ حَقًّا، أَوْ يُسَدِّدُ بِهِ بَاطِلًا، وَأَمَّا أَنْ يَدْفَعَ بِهِ عَنْ مَظْلُومٍ فَلَا بَأْسَ ابْنُ عَيْشُونَ: وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَمَنَعَ مِنْ إنْفَاذِهِ رَجَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ غَيْرُ جَائِزٍ نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهِ عَلَى التَّوَلِّي، أَوْ الْإِذْنِ إذْ الْكُلُّ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [خُنْثَى مُشْكِلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهَلْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خُنْثَى مُشْكِلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهَلْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَغَيْرُهُ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ السَّائِلَ مَالَ إلَى الصِّحَّةِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: هَلْ يَصِحُّ وَلَا يُفْسَخُ وَلَا يُلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرٍ أَنْ يَكُونَ أَبًا، أَوْ جَدًّا عَدَمُ الصِّحَّةِ اهـ. فَزِدْت عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ أَبًا، أَوْ جَدًّا عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَهُ أَبًا أَوْ جَدًّا لَازِمٌ لِلصِّحَّةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى نَفْيِ تَصَوُّرِ أُبُوَّتِهِ وَجُدُودَتِهِ بَلْ زَادُوا نَفْيَ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ زَوْجًا وَزَوْجَةً وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. صُورَةُ سُؤَالٍ أَزْكَى سَلَامِي عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْعُلَمَا ... يَا مَنْ جَعَلْتُمْ كِرَامًا فِي الْوَرَى عَظُمَا مَاذَا تَقُولُونَ فِي أُنْثَى لَقَدْ خُلِقَتْ ... مِنْ غَيْرِ فَرْجٍ فَسُبْحَانَ الَّذِي حَكَمَا أَهْلٌ لَهَا كُلُّهُمْ مَاتُوا وَقَدْ بَلَغَتْ ... تَبْكِي مِنْ الْجُوعِ دَمْعًا يَمْتَزِجُ بِدِمَا أَصِيلَةُ الْجَدِّ لَمْ تُسْأَلْ وَإِنْ خُدِمَتْ ... تَخَافُ عَادَ الَّذِي فِي بَيْتِهَا خَدَمَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا التَّزْوِيجُ إنْ وَجَدَتْ ... رَاضٍ بِهَا وَبِهَذَا الشَّرْطِ قَدْ عَلِمَا وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْتِهَا دُبُرًا ... أَوْ إنْ أَتَاهَا بِنَهْيِ الشَّرْعِ قَدْ أَثِمَا وَإِنْ يَكُنْ عَنْ رِضَاهَا وَهْيَ تَطْلُبُهُ ... هَلْ يَسْقُطُ الْإِثْمُ أَوْ بِالْحُكْمِ قَدْ لَزِمَا وَهَلْ إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا ... نِصْفُ الصَّدَاقِ يَكُنْ أَوْ لَا أَيًّا عُلِمَا وَإِنْ تَكُنْ طَلُقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهَلْ ... تَعْتَدُّ أَوْ لَا لِكَوْنِ الْحَيْضِ قَدْ عَدِمَا وَإِنْ حَكَمْتُمْ بِهَا تُعَدُّ آيِسَةً ... أَمْ كَيْفَ يَحْصُلُ وَحُكْمُ الْحَمْلِ مَا انْتَظَمَا أَفْتُونَنِي سَادَتِي فِي سَبْعِ أَسْئِلَةٍ ... يُثِيبُكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَرَمًا أَبْيَاتُ نَظْمِي بِهَذَا الْبَيْتِ عُدَّتُهَا ... اثْنَتَا عَشْرَ لَفْظُهَا بِالنَّظْمِ قَدْ عُلِمَا فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا الشَّخْصُ خُنْثَى

رجل مريض غائب عن زوجته أرسل يخيرها بإتيانها عنده في البلد أو تختار نفسها

لِأَنَّ حَقِيقَةُ الْخُنْثَى عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ اضْطَرَبَتْ عِبَارَاتُهُمْ شَخْصٌ لَمْ تُوَافِقْ أَحْوَالُهُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِمُفْرَدِهِ فَيَصْدُقُ بِمَا إذَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ طَرَفًا كَمَنْ لَهُ الْآلَتَانِ وَبِمَا إذَا لَمْ يُشَابِهْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا كَمَنْ لَهُ ثُقْبَةٌ فَقَطْ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ مَنْ لَا آلَةَ لَهُ وَلَا ثُقْبَةَ وَتَخْرُجُ فَضَلَاتُهُ مِنْ فَمِهِ وَالْخُنْثَى لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ عِنْدَنَا مَا دَامَ مُشْكِلًا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَّعَنَا بِهِ جَوَازًا نِكَاحُهُ بِإِحْدَى الْجِهَتَيْنِ ثُمَّ لَا يَنْتَقِلُ عَمَّا اخْتَارَهُ بِالْفِعْلِ، فَهَذَا الشَّخْصُ إنْ اتَّضَحَتْ أُنُوثَتُهُ بِثَدْيٍ كَثَدْيِ النِّسَاءِ، أَوْ حَيْضٍ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِذَكَرٍ مُحَقَّقٍ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهِ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَّعَنَا بِهِ وَلَا يَجُوزُ إتْيَانُهُ فِي دُبُرِهِ، وَلَوْ رَضِيَ بِهِ وَطَلَبَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَسْقُطُ بِالرِّضَا وَالطَّلَبِ، وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَطَلَاقُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَفَسْخِهِ، وَهُوَ سَقْطُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ وَطْئِهِ بِدُبُرِهِ لَزِمَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ دَفَعَ لَهُ شَيْئًا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِانْدِرَاجِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] وَفِي صَدَاقِ الْمَجْمُوعِ وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ، وَإِنْ فِي دُبُرٍ وَقَالَ أَيْضًا وَمَا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا شَيْءَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَتُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا بِالرَّأْيِ ثُمَّ قَالَ وَطَلَاقُهُ قَبْلَهُ كَهُوَ اهـ. وَقَالَ فِي خَاتِمَةِ الْمُخْتَصَرِ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخُنْثَى لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ فَهَلْ فِي وَطْئِهِ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّهُ يُشَدَّدُ فِي الْفُرُوجِ، أَوْ نِصْفُهُ قِيَاسًا عَلَى الْإِرْثِ وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَلَى غَاصِبِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ أَمَّا عَلَى جَوَازِ نِكَاحِهِ فَظَاهِرٌ تَرَتُّبُ الصَّدَاقِ أَوْ يُجْعَلُ وَطْؤُهُ مِنْ قُبَيْلَ التَّلَذُّذِ وَيَأْتِي قَوْلُهُ وَتُعَاضُ الْمُتَلَذِّذ بِهَا، أَوْ لَا شَيْءَ فِيهِ أَصْلًا إلْحَاقًا لَهُ بِالذَّكَرِ مَعَ الذَّكَرِ وَبِالْمَرْأَةِ مَعَ النِّسَاءِ، أَوْ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ [رَجُل مَرِيض غَائِب عَنْ زَوْجَتِهِ أَرْسَلَ يُخَيِّرُهَا بِإِتْيَانِهَا عِنْدَهُ فِي الْبَلَدِ أَوْ تَخْتَارُ نَفْسَهَا] (وَسُئِلَ) الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ مَرِيضٍ غَائِبٍ عَنْ زَوْجَتِهِ أَرْسَلَ يُخَيِّرُهَا بَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ عِنْدَهُ فِي الْبَلَدِ الَّتِي هُوَ بِهَا أَوْ تَخْتَارُ نَفْسَهَا بِالْبَلْدَةِ الَّتِي هِيَ بِهَا فَأَبَتْ الذَّهَابَ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضِ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهَا مَوْتُ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَهِيَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ فَهَلْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا صَحِيحٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ) بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتِيَارُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ تَخْيِيرِ زَوْجِهَا لَهَا بَتَّةٌ فَالْعَقْدُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ صَحِيحٌ وَلَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِمَوْتِ زَوْجِهَا إلَّا الرَّجْعِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [يَتِيمَة خِيفَ فَسَادُهَا فَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا رَجُلٌ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ وُجُودِ عَمِّهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي يَتِيمَةٍ خِيفَ فَسَادُهَا فَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا رَجُلٌ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ وُجُودِ عَمِّهَا فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ؟ ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهِ فَمَا حُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَيْسَ لِعَمِّهَا رَدُّهُ إنْ كَانَتْ دَنِيئَةً أَوْ شَرِيفَةً وَدَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا وَطَالَ الزَّمَنُ بَعْدَ دُخُولِهِ كَثَلَاثِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ وَإِلَّا فَلَهُ أَوْ الْحَاكِمُ إنْ غَابَ رَدُّهُ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَصَحَّ بِهَا أَيْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فِي دَنِيَّةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ كَشَرِيفَةٍ دَخَلَ وَطَالَ، وَإِنْ قَرُبَ فَلِلْأَقْرَبِ، أَوْ الْحَاكِمِ إنْ غَابَ الرَّدُّ، وَأَمَّا الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَطَّابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْخَرَشِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِنْ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ أَجْنَبِيٌّ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ مَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ كَالْأَبِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِجْبَارُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ، أَوْ دَنِيئَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ فَقَالَ مَالِكٌ مَا فَسْخُهُ بِالْبَيْنِ وَلَكِنَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَتَوَقَّفَ إذَا أَجَازَهُ بِالْقُرْبِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ إجَازَةُ ذَلِكَ وَرَدَّهُ مَا لَمْ يَبْنِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ دَخَلَ بِهَا عُوقِبَتْ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَالْمُنْكِحُ وَالشُّهُودُ إنْ عَلِمُوا، وَإِنْ كَانَتْ دَنِيئَةً فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ مُطْلَقًا وَالثَّانِي كَذَاتِ الْقَدْرِ اهـ. ، وَقَدْ عَدَّ فِي الْمُخْتَصَرِ الْيَتِيمَةَ فِي الْأَبْكَارِ الَّتِي لَا بُدَّ فِي رِضَاهَا

دخل بها وولدت منه أولادا ثم قدم أبوها وأراد فسخ نكاحها أو أخذ شيء من صداقها

مِنْ صَرِيحِ الْقَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [دَخَلَ بِهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا ثُمَّ قَدِمَ أَبُوهَا وَأَرَادَ فَسْخَ نِكَاحِهَا أَوْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا] وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بِكْرٍ غَابَ أَبُوهَا وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ وَعَدِمَتْ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَخَافَتْ الْفَسَادَ فَوَكَّلَتْ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَزَوَّجَهَا لِآخَرَ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا فَهَلْ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَإِذَا دَخَلَ بِهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا ثُمَّ قَدِمَ أَبُوهَا وَأَرَادَ فَسْخَ نِكَاحِهَا، أَوْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا فَلَا يُجَابُ لِذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ مَاضٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ، أَوْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ وَهِيَ دَنِيئَةٌ، أَوْ شَرِيفَةٌ وَدَخَلَ الزَّوْجُ وَطَالَ، وَإِذَا قَدِمَ أَبُوهَا فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ نِكَاحِهَا وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا لِقَوْلِ الشَّيْخِ: وَإِنْ فُقِدَ فَالْأَبْعَدُ يَعْنِي، أَوْ ذُو الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ ذُو الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اتِّفَاقِ الزَّوْجِ وَوَلِيِّ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَرْبَعُونَ رِيَالًا مَثَلًا وَيَذْكُرُونَ فِي حَضْرَةِ النَّاسِ أَنَّهُ أَلْفٌ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يُفْعَلُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ مِنْ اتِّفَاقِ الزَّوْجِ وَوَلِيِّ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَرْبَعُونَ رِيَالًا مَثَلًا وَيَذْكُرُونَ فِي حَضْرَةِ النَّاسِ أَنَّهُ أَلْفٌ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهَلْ إذَا تَنَازَعَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِدَفْعِ صَدَاقِ السِّرِّ، أَوْ الْعَلَانِيَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِتَأْدِيَتِهِ لِلنِّزَاعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قُضِيَ بِصَدَاقِ السِّرِّ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُعْلَنَ لَا أَصْلَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الزَّوْجَةِ الرُّجُوعَ عَنْ صَدَاقِ السِّرِّ وَإِلَّا فَلَهَا تَحْلِيفُهُ إنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ عَنْ صَدَاقِ السِّرِّ، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَقُضِيَ بِالْمُعْلَنِ، وَإِنْ نَكَلَتْ قُضِيَ بِالسِّرِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكُرِهَ صَدَاقُ السِّرِّ وَعُمِلَ بِهِ إنْ أَعْلَنَا غَيْرَهُ وَحَلَّفَتْهُ إنْ ادَّعَتْ الرُّجُوعَ عَنْهُ إلَّا لِبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُعْلَنَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يُفْعَلُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى مَهْرٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ كَخَمْسِينَ رِيَالًا ثُمَّ يَدْفَعُ الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ عَنْ ذَلِكَ جِهَازًا قِيمَتُهُ مِثْلُ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ثُمَّ يَكْتُبُونَ فِي الْوَثِيقَةِ النِّصْفُ مُقَدَّمٌ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُؤَخَّرٌ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهَلْ إذَا وَقَعَ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْوَثِيقَةِ، أَوْ بِقِيمَةِ الْجِهَازِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُعْمَلُ بِمَا فِي الْوَثِيقَةِ لَا بِقِيمَةِ الْجِهَازِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّ عُرْفَهُمْ جَرَى بِأَنَّ الزَّوْجَ يَدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ عَنْ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ عَرَضًا تَتَجَهَّزُ بِهِ، فَإِنْ دَفَعَ مَا قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةٌ فَذَاكَ، وَإِنْ دَفَعَ مَا قِيمَتُهُ زَائِدَةٌ، فَقَدْ تَكَرَّمَ وَتَبَرَّعَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ دَفَعَ مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ، فَقَدْ أَسْقَطَتْ عَنْهُ الْمَرْأَةُ، أَوْ وَلِيُّهَا بَعْضَ الْمَهْرِ، وَهُوَ جَائِزٌ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ أَنْ يُؤَخَّرَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ لَا بِنَحْوِ مَوْتٍ، أَوْ فِرَاقٍ وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَمْضِي بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْحَالِ وَصَدَاقُ الْمِثْلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفُسِخَ إنْ أُجِّلَ بِمَجْهُولٍ كَمَوْتٍ، أَوْ فِرَاقٍ وَجَازَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ ثُمَّ قَالَ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْلِ كَمِائَةٍ مَعَ خَمْرٍ، أَوْ مَجْهُولِ الْأَجَلِ وَأُلْغِيَا أَيْ الْحَرَامُ وَالْمَجْهُولُ وَأُعْمِلَ مَعْلُومُ الْأَجَلِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي صَغِيرَةٍ يَتِيمَةٍ لَا مَالَ لَهَا وَيُخَافُ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَهَلْ يَسُوغُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ تَزْوِيجُهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ اللَّه وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَسُوغُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ تَزْوِيجُهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ لَا جَبْرَ بَلْ لَا تَزْوِيجَ إلَّا لِبَالِغَةٍ، أَوْ يَتِيمَةٍ خِيفَ فَسَادُهَا بِزِنًا بَلْ، وَلَوْ بِفَقْرٍ، أَوْ لَمْ تَأْذَنْ فَتُجْبَرُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ عَشْرٍ وَلَا غَيْرُهُ مَتَى خِيفَ الْفَسَادُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَمَرَ امْرَأَةً بِأَنْ تُضَارِرَ زَوْجَهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا هُوَ هَلْ يَتَأَبَّدُ

الجمع بين المرأة وبنت بنت أخيها

تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَلِئَلَّا يَتَسَارَعَ النَّاسُ إلَى إفْسَادِ الزَّوْجَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْبِيدٌ مُقَيَّدٌ بِدَوَامِ أَثَرِ الْإِفْسَادِ لَا إنْ طَالَ الزَّمَنُ جِدًّا وَطَلَّقَهَا الْأَوَّلُ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَالَهُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْجَمْع بَيْن الْمَرْأَة وَبِنْت بِنْت أخيها] وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا نَصُّهُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مُتَزَوِّجٌ بِمَرْأَةٍ اسْمُهَا آمِنَةُ وَلَهَا أَخٌ مِنْ أُمِّهَا وَلَهُ بِنْتٌ وَلَهَا بِنْتٌ اسْمُهَا زَنُوبَةُ فَهَلْ لِمُحَمَّدٍ الْجَمْعُ بَيْنَ آمِنَةَ وَزَنُوبَةَ الَّتِي هِيَ بِنْتُ بِنْتِ أَخِي آمِنَةَ أَمْ لَا أُفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ بِنْتِ أَخِيهَا وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إنْ وَقَعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فِي الْبُرْزُلِيِّ) وَسُئِلَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَيْدٍ عَنْ صَبِيٍّ مُهْمَلٍ يَتِيمٍ عَقَدَ عَلَيْهِ صِهْرُهُ وَأَجْنَبِيُّونَ نِكَاحًا فَلَمَّا بَلَغَ رَضِيَ هَلْ يُقِرُّ هَذَا النِّكَاحُ، أَوْ لَا وَكَيْفَ لَوْ جَهِلَ فَرَضِيَ ثُمَّ أَنْكَرَ، أَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ رَضِيَ هَلْ يَصِحُّ هَذَا النِّكَاحُ أَمْ لَا. فَأَجَابَ بِأَنَّ رِضَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا يَجُوزُ كَانَ عَالِمًا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ قُلْت: كَالنِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لِاخْتِلَالِ أَحَدِ الْأَرْكَانِ، وَهُوَ رِضَا الزَّوْجِ فِي وَقْتٍ يَقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ وَسَوَاءٌ زُوِّجَ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي وَقْتِ صِبَاهُ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ اهـ. وَقَدْ كُنْت أَجَبْت بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ عَنْ مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ وَأَثْبَتهمَا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ (وَفِي الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ مَا نَصُّهُ) : وَأَبْدَوْا التَّحْرِيمَ فِي مُخَلَّقٍ ... وَهَارِبٍ سِيَّانِ فِي مُحَقَّقٍ قَالَ شَارِحُهَا هَذَا أَيْضًا مِمَّا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِفَاسَ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ خَلَقَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَيْ أَفْسَدَهَا عَلَيْهِ وَوَسْوَسَ إلَيْهَا فِي السِّرِّ حَتَّى نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى مُخَلِّقِهَا وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ كَمَا قِيلَ فِي النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ. [رَجُل خَبَّبَ عَلَى رَجُلٍ امْرَأَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا فَلَمَّا تَمَّتْ الْعِدَّةُ خَطَبَهَا الْمُتَّهَمُ بِتَخْبِيبِهَا] فَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ رَجُلٍ خَبَبَ عَلَى رَجُلٍ امْرَأَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا فَلَمَّا تَمَّتْ الْعِدَّةُ خَطَبَهَا الْمُتَّهَمُ بِتَخَبِّيهَا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ نِكَاحِهَا إنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِيِّ فَقَالَ يُمْنَعُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ هِلَالٍ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُحَلِّلْ الْمَبْتُوتَةَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ الْخِلَافُ فِي تَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَى الْمُحَلِّلِ وَقَالَ الْأَبِيُّ اُنْظُرْ مَا يُتَّفَقُ كَثِيرًا أَنْ يَسْعَى إنْسَانٌ فِي فِرَاقِ زَوْجَةٍ مِنْ زَوْجِهَا هَلْ يُمْكِنُ مِنْ تَزَوُّجِهَا إذَا ثَبَتَ سَعْيُهُ فِي ذَلِكَ فَأَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَنَقَلَ مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ وَافَقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ الْفَسَادِ وَاسْتَظْهَرَ الْفَسْخَ قَبْلَ الْبَاءِ وَبَعْدِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ. وَحَكَى الشَّيْخُ ابْنُ نَاجِي فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى التَّهْذِيبِ أَنَّ شَيْخَهُ أَبَا يَعْقُوبَ يُوسُفَ الزَّغَبِيَّ أَفْتَى أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ مِنْهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا، فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ، وَأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا مَهْدِيٍّ عِيسَى الْغُبْرِينِيَّ سَبَقَتْ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ فَمَنَعَهَا الْقَاضِي مِنْ التَّزْوِيجِ مِنْهُ فَتَزَوَّجَهَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ وَرَجَعَ بِهَا فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ ذَكَرَ الْأَبِيُّ مَسْأَلَةً مَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ يُفْسَخُ، وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ مَنْ سَعَى فِي فِرَاقِ امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ تَزْوِيجِهَا وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَ بِهَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ اهـ. وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ الْقَوْلَيْنِ التَّأْبِيدَ كَمَا فِي سَيِّدِي يُوسُفَ بْنِ عَمْرٍو عَدَمَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الْأَبِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ اسْتِظْهَارَ فَسْخِهِ بَعْدَهُ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ لَا يَقْتَضِي تَأْبِيدَ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفِيشِيِّ مَا نَصُّهُ، وَمَنْ أَفْسَدَ زَوْجَةَ رَجُلٍ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فُسِخَ نِكَاحُهُ وَلَا يَتَأَبَّدُ

العزل عن الزوجة والأمة خوفا من حملها

تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ. وَفِي بَعْضِ التَّأْلِيفِ وَسُئِلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الْفَرُّوجُ عَمَّنْ خَلَقَ امْرَأَةً فَهَرَبَتْ مَعَهُ وَهِيَ فِي عِصْمَةٍ وَكَانَتْ تَنْشِزُ عَنْ زَوْجِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا وَأَبِي أَهْلُهَا أَنْ يُزَوِّجُوهَا لِمَنْ هَرَبَتْ مَعَهُ فَأَجَابَ الَّذِي شَاهَدْت بِهِ الْفَتْوَى وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ مُنِعَ الْمُخَلَّقُ مِنْ تَزَوُّجِ مُخَلَّقَتِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ إنْ وَقَعَ اهـ. وَفِي نُسَخِهِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ هِلَالٍ مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ ابْنُ هِلَالٍ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا وَقَالَ لَهَا إنْ طَلُقَتْ مِنْهُ تَزَوَّجْتُك، وَهَذَا الْمُفْسِدُ ذُو جَاهٍ فَوَقَعَتْ الْمُشَاجَرَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِهِ وَطَلُقَتْ مِنْهُ وَتَزَوَّجَهَا الْمُفْسِدُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا فَمَا الْحُكْمُ فِي نِكَاحِهَا وَأَوْلَادِهَا فَأَجَابَ الْأَوْلَادُ لَاحِقُونَ بِهِ لَيْسُوا بِأَوْلَادِ زِنَا، وَقَدْ فَعَلَ فِعْلًا ذَمِيمًا تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَتَحْلِيلُ الْمُطَلِّقِ اهـ، فَهَذِهِ الْفَتْوَى جَارِيَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَدَمِ التَّأْبِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا بَعْضُ مَا قِيلَ فِي الْمُخَلَّقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَأَمَّا الْهَارِبُ، فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ: إنْ كَانَ عَنْ تَخْلِيقٍ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَصْبٍ وَفَرَّ فَفِي شَأْنِهِ قَالَ الْهِلَالِيُّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ تَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا إلَخْ وَالْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا عَدَمُ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ عَنْ السِّرَاجِ وَابْنِ هَارُونَ وَمَا وَقَعَ فِي آخِرِ الْكُرَّاسِ الثَّانِي مِنْ نِكَاحِ الْمِعْيَارِ فِي جَوَابِ لِأَبِي الْفَضْلِ رَاشِدٍ فِيمَنْ هَرَبَ بِصَبِيَّةٍ بِكْرٍ مُهْمَلَةٍ إلَى بَلَدِهِ فَتَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا بِزَعْمِهِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ بِالرِّضَا طَائِعَةً، وَإِنَّمَا أَظْهَرَتْ الرِّضَا تَقِيَّةً وَصُوِّبَ فَسْخُ النِّكَاحِ لَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ رِضَاهَا لِسَبْقِيَّةِ الْغَصْبِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ زَوَالُ الْإِكْرَاهِ وَعُلِمَ مِنْهَا الرِّضَا طَائِعَةً أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ فَيُحْمَلُ أَنْ تَكُونَ فَتْوَاهُ هَذِهِ جَرْيًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُقَابِلِ لِمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَرَيَانُ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ خَاصًّا بِالْهَارِبِ بِالْمُتَزَوِّجَةِ فَانْظُرْ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ السَّلْجِمَاسِيِّ شَارِحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ. [الْعَزْلِ عَنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ خَوْفًا مِنْ حَمْلِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْعَزْلِ عَنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ خَوْفًا مِنْ حَمْلِهَا هَلْ يَجُوزُ، أَوْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْعَزْلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إنْ رَضِيَتْ بِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً، أَوْ رَقِيقَةً وَيُشْتَرَطُ رِضَا مَالِكِ الرَّقِيقَةِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ تَحْمِلُ وَإِلَّا اسْتَقَلَّتْ بِالرِّضَا وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ الْعَزْلُ عَنْ أَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِزَوْجِهَا الْعَزْلُ إنْ أَذِنَتْ وَسَيِّدِهَا. قَالَ الْحَطَّابُ تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْعَزْلُ عَنْ السَّرَارِيِّ فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْبِسَاطِيُّ وَالْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ كَالْحُرَّةِ إنْ أَذِنَتْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ إنْ امْتَنَعَ حَمْلُهَا لِصِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَمْلٍ بِهَا اسْتَقَلَّتْ وَاسْتُحْسِنَ اسْتِقْلَالُهَا لِتَمَامِ طُهْرِهَا إنْ أَصَابَهَا مَرَّةً، وَأَنْزَلَ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضٍ كَرَاهَتُهُ وَرَآهُ مِنْ الْمَوْءُودَةِ. [أَخْذ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا عِوَضًا فِي إذْنِهَا لَهُ فِي الْعَزْلِ عَنْهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخْذِ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا عِوَضًا فِي إذْنِهَا لَهُ فِي الْعَزْلِ عَنْهَا هَلْ يَجُوزُ وَهَلْ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ وَهَلْ إذَا رَجَعَتْ يُرَدُّ جَمِيعُ الْعِوَضِ، أَوْ بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَخْذُ عِوَضٍ مِنْ زَوْجِهَا فِي نَظِيرِ إذْنِهَا لَهُ فِي الْعَزْلِ عَنْهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَلَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَتْ، وَإِنْ رَجَعَتْ، فَقِيلَ: تَرُدُّ جَمِيعَ الْعِوَضِ. وَقِيلَ: تَرُدُّ بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ. قَالَ الْحَطَّابُ فَرْعٌ مِنْهُ أَيْ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ لِلْحُرَّةِ أَخْذِ عِوَضٍ عَنْهُ لِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَشَارَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ إلَى أَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ كَحَقِّهَا فِي الْقِسْمَةِ فَقَالَ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ زَوْجِهَا مَالًا عَلَى أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا إلَى أَجَلٍ مَعْرُوفٍ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّتْ وَتَرُدُّ جَمِيعَ مَا أَخَذَتْ، وَهُوَ

الزوجة إذا أرادت إلزام زوجها العزل عنها فهل لها ذلك

عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ أَوَّلًا مَجْرَى الْمُعَاوَضَاتِ ثُمَّ نَقَضَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا رَجَعَتْ رَدَّتْ الْجَمِيعَ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَرُدَّ بِقَدْرِ مَا مَنَعَتْهُ مِنْ الْأَجَلِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الزَّوْجَةِ إذَا أَرَادَتْ إلْزَامَ زَوْجِهَا الْعَزْلَ عَنْهَا فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الزَّوْجَةِ إذَا أَرَادَتْ إلْزَامَ زَوْجِهَا الْعَزْلَ عَنْهَا فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ قَالَ الْحَطَّابُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُلْزِمَ زَوْجَهَا الْعَزْلَ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اسْتِعْمَالِ دَوَاء لِمَنْعِ الْحَمْلِ أَوْ وَضْعِ شَيْءٍ فِي الْفَرْجِ حَالَ الْجِمَاعِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي اسْتِعْمَالِ دَوَاءٍ لِمَنْعِ الْحَمْلِ، أَوْ وَضْعِ شَيْءٍ فِي الْفَرْجِ حَالَ الْجِمَاعِ لِذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ، وَإِذَا أَمْسَكَ الرَّحِمُ الْمَنِيَّ فَهَلْ يَجُوزُ اتِّفَاقُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى إسْقَاطِهِ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلزَّوْجَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهَا الزَّوْجُ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْمَنْعِ وَفَعَلَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَأَسْقَطَتْهُ هَلْ تَلْزَمُهَا الْغُرَّةُ أَمْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِأَمَتِهِ أَمْ لَا وَمَا حُكْمُ التَّسَبُّبِ فِي إسْقَاطِهِ بَعْدَ تَخَلُّقِهِ وَقَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ أَمَةٍ وَمَا حُكْمُ التَّسَبُّبِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ نَفْخِهَا فِيهِ وَهَلْ هُوَ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَمَا حُكْمُ التَّسَبُّبِ فِي قَطْعِ النَّسْلِ أَوْ تَقْلِيلِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ دَوَاءٍ لِمَنْعِ الْحَمْلِ، وَأَمَّا وَضْعُ شَيْءٍ كَخِرْقَةٍ فِي الْفَرْجِ حَالَ الْجِمَاعِ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ لِلرَّحِمِ فَأَلْحَقهُ عَبْدُ الْبَاقِي بِالْعَزْلِ فِي الْجَوَازِ بِشَرْطِهِ نَقْلًا عَنْ زَرُّوقٍ قَالَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَوَّاقُ قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْبُنَانِيُّ لَيْسَ فِي الْمَوَّاقِ، وَإِذَا أَمْسَكَ الرَّحِمُ الْمَنِيَّ فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجَيْنِ وَلَا لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِلسَّيِّدِ التَّسَبُّبُ فِي إسْقَاطِهِ قَبْلَ التَّخَلُّقِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا وَالتَّسَبُّبُ فِي إسْقَاطِهِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا، وَهُوَ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَالتَّسَبُّبُ فِي قَطْعِ النَّسْلِ، أَوْ تَقْلِيلِهِ مُحَرَّمٌ وَالْمُتَسَبِّبُ فِي إبْقَاءِ عَلَقَةٍ فَأَعْلَى عَلَيْهِ الْغُرَّةُ وَالْأَدَبُ سَوَاءٌ كَانَ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا إلَّا السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا جَعْلُ مَا يَقْطَعُ الْمَاءَ، أَوْ يُبَرِّدُ الرَّحِمَ فَنَصَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا اسْتِخْرَاجُ مَا حَصَلَ مِنْ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مَنْعُهُ مُطْلَقًا وَأَحْفَظَ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ مَا دَامَ نُطْفَةً كَمَا لَهُ الْعَزْلُ ابْتِدَاءً وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إذْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ الْمَوْءُودَةِ اهـ. وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا التَّسَبُّبُ فِي إسْقَاطِ الْمَاءِ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ الْوَطْءِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ جَائِزٌ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، وَحَكَى عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا خَارِجُ الْمَذْهَبِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَنَهَى عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ مَا يُقَلِّلُ نَسْلَهُ اهـ. وَقَالَ التَّتَّائِيُّ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ جَوَازُ الْعَزْلِ بِأَنَّ الْمَنِيَّ إذَا صَارَ دَاخِلَ الرَّحِمِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ جُزَيٍّ قَالَ وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَخَلَّقَ وَأَشَدُّ مِنْهُ إذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ إجْمَاعًا وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ يُكْرَهُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ يَحْتَمِلُ مُخَالَفَةَ مَا قَالَهُ ابْنُ جُزَيٍّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ وَمُوَافَقَتُهُ بِحَمْلِ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى الْكَرَاهَةِ اهـ. قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي وَالْبَرْزَلِيِّ جَرَيَانُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاللَّخْمِيِّ فِي الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا وَالْأَمَةِ، وَلَوْ بِشَائِبَةٍ حَيْثُ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَظَاهِرُهُمَا أَيْضًا، وَلَوْ مَاءَ زِنًا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ خُصُوصًا إنْ خَافَتْ الْقَتْلَ بِظُهُورِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْفَشْنِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ أَفْتَى ابْنُ يُونُسَ أَيْ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا أَنْ تَسْتَعْمِلَ دَوَاءً يَمْنَعُ الْحَبَلَ ذَكَرَهُ فِي الْعُجَالَةِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ وَمُفَادٍ النَّقْلِ يُرَجِّحُ كَلَامَ ابْنِ جُزَيٍّ بَلْ صَرَّحَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِتَرْجِيحِهِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِالْمَشْهُورِ فَقَالَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْعَزْلُ أَنَّ الْمَنِيَّ إذَا صَارَ دَاخِلَ الرَّحِمِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا

يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَفْعَلَ مَا يُسْقِطُ مَا بِبَطْنِهَا مِنْ الْجَنِينِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمِعْيَارِ إنَّ الْمَنْصُوصَ لِأَئِمَّتِنَا رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُبَرِّدُ الرَّحِمَ، أَوْ يَسْتَخْرِجَ مَا هُوَ دَاخِلُ الرَّحِمِ مِنْ الْمَنِيِّ وَعَلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ وَالنُّظَّارُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْوَلَدِ ثَلَاثُ أَحْوَالٍ حَالَةٌ قَبْلَ الْوُجُودِ يَنْقَطِعُ فِيهَا بِالْعَزْلِ، وَهُوَ جَائِزٌ وَحَالَةٌ بَعْدَ قَبْضِ الرَّحِمِ عَلَى الْمَنِيِّ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حِينَئِذٍ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالْقَطْعِ مِنْ التَّوَلُّدِ كَمَا يَفْعَلُهُ سَفَلَةُ التُّجَّارِ مِنْ سَقْيِ الْخَدَمِ عِنْدَ اسْتِمْسَاكِ الرَّحِمِ الْأَدْوِيَةَ الَّتِي تُرْخِيهِ فَيَسِيلَ الْمَنِيُّ مِنْهُ فَتُقْطَعُ الْوِلَادَةُ وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ انْخِلَاقِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَهَذَا أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ لِمَا رُوِيَ مِنْ الْأَثَرِ، وَأَنَّ السِّقْطَ يَظَلُّ مُحْبَنْطِئًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَقُولُ: لَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ، فَأَمَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ قَتْلُ النَّفْسِ بِلَا خِلَافٍ اهـ. وَانْفَرَدَ اللَّخْمِيُّ فَأَجَازَ اسْتِخْرَاجُ مَا فِي دَاخِلِ الرَّحِمِ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَوَافَقَ الْجَمَاعَةُ فِيمَا فَرَّقَهَا، فَإِذَا وَقَفْت عَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ الَّذِي تَقَدَّمَ جَلْبُهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي الْمُحَقِّقِ أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلِمْت قَطْعًا أَنَّ اتِّفَاقَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى إسْقَاطِ الْجَنِينِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَتَوَاطَأَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حَرَامٌ مَمْنُوعٌ لَا يَحِلُّ بِوَجْهٍ وَلَا يُبَاحُ، وَعَلَى الْأُمِّ فِي إسْقَاطِهِ الْغُرَّةُ وَالْأَدَبُ إلَّا أَنْ يُسْقِطُ الزَّوْجُ حَقَّهُ فِي الْغُرَّةِ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ وَالْمَعْنَى مَا سُئِلَ عَنْهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَسُوغُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَعْمِلَ أَدْوِيَةً لِتَمْتَنِعَ مِنْ الْحَمْلِ أَمْ لَا. فَأَجَابَ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَعْمِلَ مَا يُفْسِدُ الْقُوَّةَ الَّتِي بِهَا الْحَمْلُ وَإِيجَابُ الْغُرَّةِ عَلَى مُرَوِّعِ الْمَرْأَةِ الْحُبْلَى حَتَّى أَسْقَطَتْ، فَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مِثْلِهَا وَهِيَ رَجُلٌ أَدْخَلَ امْرَأَةً حَامِلًا خِدْمَةَ ظَالِمٍ فَاخْتَلَعَتْ فَأَسْقَطَتْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُرَّةُ، فَعَلَى هَذِهِ الْفَتْوَى لَا يَكُونُ الضَّرْبُ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْغُرَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْمِعْيَارِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً وَجَعَلَ لَهَا صَدَاقَهَا نِصْفَ بَقَرَةٍ وَمِائَةَ رِيَالٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَ النِّصْفِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ تَنَازَعَ الْمُشْتَرِي وَأَبُو الزَّوْجَةِ فِي الْبَقَرَةِ فَهَلْ يَمْضِي بَيْعُ الْخَاطِبِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الْعَقْدَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ بَيْعُ الْخَاطِبِ مَاضٍ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا تَمْلِكُهُ الزَّوْجَةُ إلَّا بِالْعَقْدِ، فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ لَكِنْ إنْ عَقَدَ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ نِصْفُ الْبَقَرَةِ وَالْمِائَةِ ثُمَّ اطَّلَعَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ نِصْفَهُ قَبْلَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ نِصْفِهِ الْبَاقِي وَالرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ جَمِيعِ النِّصْفِ وَبَيْنَ التَّمَاسُكِ بِهِ وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ دَارٍ بِعَيْنِهَا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ الدَّارِ فِيهِ ضَرَرٌ كَانَ لَهَا أَنْ تَرُدَّ بَقِيَّتِهَا وَتَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا، أَوْ تَحْبِسَ مَا بَقِيَ وَتَرْجِعَ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا مِثْلُ الثُّلُثِ، أَوْ الشَّيْءُ التَّافِهُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ رَجَعَتْ بِقِيمَتِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ يُسْتَحَقُّ مِنْهُمَا جُزْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّ بَقِيَّتَهُ وَتَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ جَمِيعًا، أَوْ تَحْبِسَ مَا بَقِيَ وَتَرْجِعَ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ وَانْظُرْ تَمَامَهُ فِي الْخَرَشِيِّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي يَتِيمَةٍ خِيفَ فَسَادُهَا هَلْ تُزَوَّجُ، أَوْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِهِ فَهَلْ إذَا كَانَ لَهَا عَمٌّ وَابْنُ أَخٍ وَرَكَنَ عَمُّهَا لِرَجُلٍ وَابْنُ الْأَخِ رَكَنَ لِآخَرَ يُعْتَبَرُ رُكُونُ ابْنِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى عَمِّهَا، وَلَوْ رَضِيَتْ بِفِعْلِ الْعَمِّ وَرُكُونِهِ لَكِنَّهَا رَجَعَتْ عَنْ رُكُونِهِ لِرُكُونِ ابْنِ الْأَخِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ وَلَكُمْ الثَّوَابُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُزَوَّجَ، وَلَوْ جَبْرًا عَلَى

زوجة ابن البنت هل تحرم على أبوها وأبي أبوها وإن علا

مَا ارْتَضَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ عَشْرٍ وَلَا غَيْرُهُ مَتَى خِيفَ الْفَسَادُ وَيُقَدَّمُ مَا رَكَنَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَخِ إنْ كَانَ كُفُؤًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ رُتْبَةً كَمَا يَفْهَمُهُ قَوْلُ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ تَنَازَعَ الْمُتَسَاوُونَ فِي الزَّوْجِ نَظَرَ الْحَاكِمُ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِالْكَفَاءَةِ مَا رَكَنَ إلَيْهِ الْعَمُّ قَدَّمَ، وَإِنْ تُسَاوَيَا فِي عَدَمِهَا قُدِّمَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ تَزْوِيجَ امْرَأَةٍ فَامْتَنَعَ وَلِيُّهَا مِنْ تَزْوِيجِهَا لَهُ فَرَآهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ فَخَطَفُوهَا وَأَدْخَلُوهَا بَيْتَ شَيْخِ الْبَلَدِ فَأَرْسَلَ لِوَلِيِّهَا وَأَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَامْتَنَعَ وَهَرَبَ فَأَمَرَ الْمَرْأَةَ تُوَكِّلُ مِنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَامْتَنَعَتْ ثُمَّ وَكَّلَتْ أَجْنَبِيًّا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهَا مِنْ الْخَلَاصِ فَعَقَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْهُرُوبِ هَرَبَتْ فَهَلَّا يَصِحُّ هَذَا النِّكَاحُ وَيُفْسَخُ أَبَدًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَصِحُّ هَذَا النِّكَاحُ وَيُفْسَخُ أَبَدًا حَيْثُ ثَبَتَ إكْرَاهُ الْمَرْأَةِ عَلَى تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ بِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا وَلَا لِوَلِيِّهَا إجَازَتُهُ كَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ وَلِلُزُومِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِخِيَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِكْرَاهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَنِيَّةً مَضَى النِّكَاحُ، أَوْ شَرِيفَةً وَدَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا وَطَالَ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، أَوْ وِلَادَةِ وَلَدَيْنِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْعَدَوِيُّ وَإِلَّا فَلِوَلِيِّهَا، أَوْ الْحَاكِمِ إنْ غَابَ رَدُّهُ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [زَوْجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ هَلْ تَحْرُمُ عَلَى أَبُوهَا وَأَبِي أَبُوهَا وَإِنْ عَلَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ هَلْ تَحْرُمُ عَلَى أَبُوهَا وَأَبِي أَبُوهَا، وَإِنْ عَلَا أَمْ لَا تَحْرُمُ وَهَلْ تَحْرُمُ أَمَتُهُ أَمْ لَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَحْرُمُ زَوْجَةُ ابْنِ الْبِنْتِ وَأَمَتُهُ عَلَى أَبِي أُمِّهِ، وَإِنْ عَلَا، فَقَدْ قَرَّرَ الْخَرَشِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ وَحَرَّمَ أُصُولَهُ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْأُصُولِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَقَوْلُهُ وَزَوْجَتُهُمَا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ، وَإِنْ عَلَوْا، أَوْ بَنِيهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَقَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَ الْخَرَشِيِّ وَلَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ الذَّكَرِ، وَإِنْ نَزَلَ الذَّكَرُ صِفَةٌ لِوَلَدِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بِمِلْكِ بِنْتِ بِنْتِهِ لِمَا قَالَهُ الشَّاعِرُ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ كَذَا كَتَبَ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَكَذَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي مِثْلُ شَارِحِنَا. وَفِي الشَّبْرَخِيتِيِّ الْعُمُومُ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُحَقِّقِينَ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ وَمَلَكَ فَرْعَهُ مُطْلَقًا اهـ. وَفِي الْبُنَانِيِّ وَنَحْوُ مَا لِعَبْدِ الْبَاقِي لِلتَّتَّائِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَاشِرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُرَادُ بِالْوَلَدِ كُلُّ مَنْ لِلْأَبِ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلِذَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ لَوْ قَالَ: أَوْ لِفَرْعِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ إذْ مِلْكُ وَلَدِ ابْنَتِهِ كَمِلْكِ وَلَدِ ابْنِهِ اهـ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَلْشَانِيِّ مَا نَصُّهُ: وَحُكْمُ الْجَدِّ حُكْمُ الْأَبِ، وَلَوْ كَانَ جَدُّ الْأُمِّ فَيَدْرَأَ عَنْهُمَا الْحَدَّ بِوَطْئِهِمَا جَارِيَةَ الْحَفِيدِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ الْجَدُّ كَالْأَبِ، وَإِنَّمَا تَقُومُ أَمَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدُ لِلْأَبَدِ اهـ. فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ إلَخْ يَشْمَلُ وَلَدَ الْبِنْتِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَصْوِيرِ مَحْرَمَتَيْ الْجَمْعِ مِنْ جِهَةِ الصِّهْرِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ النَّسَبِ وَالرِّضَاعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ قَاصِرٌ عَلَى جِهَتَيْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَلَا يَكُونُ فِي جِهَةِ الصِّهْرِ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ شَخْصٍ وَأُمِّهِ، أَوْ بِنْتِهِ وَبَيْنَ أُمَّيْنِ لِشَخْصَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا زَوْجَةٌ لِلْآخَرِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ ضَمِيرَ حَرَّمَ يَعْنِي مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَاثْنَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ أَيَّةَ ذَكَرًا حَرُمَ إنْ جُعِلَ رَاجِعًا لِلنِّكَاحِ كَانَ شَامِلًا لِلْمَرْأَةِ وَأَمَتِهَا فَيُفِيدُ

الجمع بين العمتين أو الخالتين

مَنْعَ الْجَمِيعِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِتَخْصِيصِ هَذَا الضَّابِطِ بِمَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُمَا لِقَرَابَةٍ، أَوْ صِهْرٍ، أَوْ رَضَاعٍ لَا بِمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا، وَإِنْ جُعِلَ رَاجِعًا لِلْوَطْءِ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ وَأَمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرَتْ الْمَالِكَةُ رَجُلًا جَازَ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ بِالْمِلْكِ كَمَا تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَبِنْتُ زَوْجِهَا أَوْ أُمُّ زَوْجِهَا سَوَاءٌ جُعِلَ الضَّمِيرُ فِي حَرُمَ الْوَطْءُ، أَوْ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُدِّرَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا لَمْ يَمْتَنِعْ وَطِئَ أُمِّ زَوْجَتِهِ وَلِابْنَتِهِ بِنِكَاحٍ وَلَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَبِنْتُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِلتَّقْيِيدِ السَّابِقِ وَنَظَمْت مَا يَحِلُّ جَمْعُهُمَا مِمَّا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مَنْعَهُ فَقُلْت: وَجَمْعُ امْرَأَةٍ وَأُمِّ الْبَعْلِ ... أَوْ بِنْتِهِ أَوْ رِقِّهَا ذُو حِلٍّ انْتَهَى وَتَبِعَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَعَبْدُ الْبَاقِي وَالْخَرَشِيُّ. قَالَ الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظُ الصِّهْرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا الضَّابِطَ الْمَذْكُورَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الصِّهْرَ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَاحْتَرَزْنَا بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا، أَوْ بِنْتِهِ اهـ. [الْجَمْع بَيْن العمتين أَوْ الْخَالَتَيْنِ] (لَطِيفَةٌ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ مَا نَصُّهُ رَأَيْت فِي بَعْضِ التَّقَايِيدِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد النَّهْيَ عَنْ جَمْعِ عَمَّتَيْنِ أَوْ خَالَتَيْنِ وَصُورَةُ الْعَمَّتَيْنِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلَانِ كُلٌّ أُمَّ الْآخَرِ، وَالْخَالَتَيْنِ: كُلٌّ بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ بِنْتٌ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةُ الْأُخْرَى فِي الْأُولَى، وَكُلٌّ خَالَةُ الْأُخْرَى فِي الثَّانِيَةِ. وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَلِي خَالَةٌ وَأَنَا خَالُهَا ... وَلِي عَمَّةٌ وَأَنَا عَمُّهَا فَأَمَّا الَّتِي أَنَا عَمٌّ لَهَا ... فَإِنَّ أَبِي أُمُّهُ أُمُّهَا أَخُوهَا أَبِي وَأَبُوهَا أَخِي ... وَفِي خَالَتِهَا كَذَا حُكْمُهَا فَأَيْنَ الْفَقِيهُ الَّذِي عِنْدَهُ ... عُلُومُ الدِّيَانَةِ أَوْ وَجْهُهَا يُبَيِّنْ لَنَا نَسَبًا خَالِصًا ... وَيَكْشِفْ لِلنَّفْسِ مَا غَمَّهَا اهـ قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَّتَيْنِ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا عَمَّتَانِ تَغْلِيبًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْخَالَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْبُنَانِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ غَابَ زَوْجُهَا عَنْهَا وَأَظْهَرَتْ فِي غَيْبَتِهِ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ مَذْكُورَةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِيهَا وَمَخْتُومًا عَلَيْهَا بِخَتْمٍ مَذْكُورٍ فِيهِ اسْمُ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَعْرِفْ هَذَا الْخَطَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهَا فَهَلْ يَسُوغُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إذَا وَفَّتْ الْعِدَّةَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي الْوَرَقَةِ وَخَتْمِ الزَّوْجِ أَوْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَهَلْ إذَا اقْتَحَمَ وَعَقَدَ عَلَيْهَا يُفْسَخُ أَبَدًا أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى الْخَطِّ وَالْخَتْمِ الْمَذْكُورَيْنِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِهِمَا إذْ الْخَطُّ الْمَجْهُولُ كَاتِبُهُ لَيْسَ مِنْ طُرُقِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخَتْمُ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَائِبَ تَرَكَهُ عِنْدَهَا أَوْ اسْتَكْتَبَتْهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِذَا اقْتَحَمَ وَعَقَدَ عَلَيْهَا يُفْسَخُ أَبَدًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ طَالَ أَوْ لَا إذْ هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مِصْرَ الْقَاهِرَةِ وَمَعَهَا مِنْهُ بِنْتٌ رَضِيعَةٌ فَذَهَبَتْ بِهَا إلَى الشَّامِ وَمَكَثَتْ بِهَا هُنَاكَ حَتَّى كَبِرَتْ الْبِنْتُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مِصْرَ فَتَزَوَّجَتْ بِأَبِيهَا غَيْرَ عَالِمَيْنِ فَهَلْ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ أَمْ لَا وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ أَمْ لَا وَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَمْ لَا وَهَلْ يَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ، وَإِذَا قُلْتُمْ يَرِثُ فَبِأَيِّ جِهَةٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ جَهْلُهُمَا بِالْقَرَابَةِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِتَخَلُّقِهِ مِنْ مَاءِ الشُّبْهَةِ وَتَلْزَمُ نَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَيَدْخُلَ زَوْجُ الْأُنْثَى بِهَا أَوْ يَدَّعِي لَهُ وَيَتَوَارَثَانِ بِجِهَتَيْ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ عَقَدَ لَهُ نَائِبُ الْقَاضِي نِكَاحَ امْرَأَةٍ ثُمَّ تَوَجَّهَ النَّائِبُ إلَى مَنْزِلِهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ لَهَا زَوْجًا بِالنِّظَامِ فَرَجَعَ سَرِيعًا إلَى مَنْزِلِ الْمَرْأَةِ وَأَمَرَ وَكِيلَهَا أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَامْتَنَعَ ثُمَّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ تَوَجَّهَ الزَّوْجُ مَعَ جَمَاعَةٍ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ وَأَخْبَرُوهُ بِمَا وَقَعَ مِنْ النَّائِبِ، وَأَنَّهُ مَا أَبْطَلَ الْعَقْدَ إلَّا لِقِلَّةِ الْمَعْلُومِ فَأَفْتَى بِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَأَمَرَهُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فَدَخَلَ بِهَا فَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُعَدُّ مَحْضَ زِنًا، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَقِيَّةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الزَّوْجِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَكَّ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَاتِ زَوْجٍ لَمْ تَطْلُقْ وَيُمْنَعُ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ كُلَّ الْمَنْعِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَالْمُفْتِي بِالْجَوَازِ جَاهِلٌ جَافٌّ ضَالٌّ مُضِلٌّ يُؤَدَّبُ عَلَى هَذَا التَّجَارُؤِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالْإِفْتَاءِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِالْجَهْلِ فَهُوَ زَانٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَبُو الْبَرَكَاتِ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ عَلَى يَدِ فَقِيهٍ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ لِي عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ أَرْبَعَةُ آلَافِ قِرْشٍ وَقَالَ الزَّوْجُ لَهَا أَلْفَانِ فَقَطْ فَقَالَ الْفَقِيهُ لِلزَّوْجِ اجْعَلْ لَهَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَرَضِيَا بِهَا ثُمَّ تَنَازَعَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْقَدْرَ الَّذِي تَصَالَحَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ عِنْدِي ذَلِكَ الْقَدْرُ وَدَفَعَ لَهَا بَعْضَهُ فَهَلْ إذَا أَرَادَ إبْطَالَ الصُّلْحِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ عِنْدِي ذَلِكَ الْقَدْرُ بِاعْتِقَادِهِ لُزُومَهُ لَهُ بِشَهَادَةِ الْفَقِيهِ يُجَابُ لِذَلِكَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ تَنَازَعَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَضِيَ الزَّوْجُ بِقَدْرٍ وَسَطٍ صُلْحًا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَزِمَهُ مَا رَضِيَ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ وَكَّلَ أَبَاهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى امْرَأَةٍ فَعَقَدَ عَلَيْهَا وَدَخَلَ الِابْنُ بِهَا وَطَلَبَ الْوَلِيُّ الصَّدَاقَ مِنْ الْأَبِ، وَلَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْأَبِ الصَّدَاقَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ فَهَلَّا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ مَلِيئًا وَالِابْنُ فَقِيرٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَحْلِفُ الْأَبُ إذَا عَقَدَ لِوَلَدِهِ أَنَّهُ مَا تَحَمَّلَ بِالصَّدَاقِ وَيَلْزَمُ الِابْنَ حَيْثُ كَانَ بَالِغًا بِالدُّخُولِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَحَلَفَ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ تَطَارَحَهُ أَبٌ عَقَدَ عَلَى السُّكُوتِ وَرَشِيدٌ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُ النَّاكِلَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَإِنْ دَخَلَ بَرِئَ الْأَبُ بِيَمِينٍ وَلَزِمَ الزَّوْجَ صَدَاقُ الْمِثْلِ وَلَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَارَتْ كَالْعَدَمِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَلَفَ الزَّوْجُ إنْ زَادَ الْمُسَمَّى لِإِسْقَاطِ زِيَادَتِهِ انْتَهَى. (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ كَامِلٍ بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَنْفِهِ الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ عَنْ ابْنِهِ هَذَا وَزَوْجَتِهِ وَأَخِيهِ فَمَنَعَ الْأَخُ الزَّوْجَةَ مِنْ مَهْرِهَا وَمِيرَاثِهَا زَاعِمًا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حَالَ الْعَقْدِ لِنَقْصِ مُدَّةِ حَمْلِهَا عَنْ الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ فَهَلَّا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَهْرِهَا وَمِيرَاثِهَا مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ عَلَى دَعْوَاهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ حَيْثُ أَتَتْ الزَّوْجَةُ بِوَلَدٍ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الدُّخُولِ لَحِقَ بِالزَّوْجِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي لُحُوقِهِ بِهِ مُكْثُهُ الزَّمَنَ الْمُعْتَادَ فِي الْحَمْلِ، فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ الِابْنُ الْمَذْكُورُ وَزَوْجَتُهُ وَلَهَا مَا سَمَّاهُ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَيُمْنَعُ الْأَخُ مِنْ تَعَلُّلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْكُثْ أَمَدَ الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْأَخِ لِعَدَمِ تَكْذِيبِ الزَّوْجِ وَعَدَمِ نَفْيِهِ لِلْحَمْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

تزوج امرأة بشرط كونها بكرا وعذراء وعرفهم ترادف البكر والعذراء وغيب الحشفة فيها فوجدها مفتضة

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ مُجْبَرَةً فِي غَيْبَةِ أَبِيهَا فَوْقَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَوَلَدَ مِنْهَا أَوْلَادًا ثُمَّ حَضَرَ الْأَبُ وَرَفَعَهُ لِقَاضٍ فَفَسَخَ النِّكَاحَ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِوِلَايَةِ الْأَبِ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ يُعَدُّ الْفَسْخُ طَلَاقًا وَيُضَمُّ لِلطَّلْقَتَيْنِ قَبْلَهُ فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَيَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي فَاسِدًا، أَوْ لَا يُعَدُّ طَلَاقًا وَيَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي صَحِيحًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعَدُّ الْفَسْخُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَفَسْخُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ طَلَاقٌ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إذْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْأَبَ لَا يَجْبُرُ الْبَالِغَةَ الْبِكْرَ أَوْ الَّتِي ثِيبَتْ بِحَرَامٍ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِوِلَايَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِحُضُورِهِ وَيُضَمُّ لِلطَّلْقَتَيْنِ قَبْلَهُ فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَيَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي الْحَاصِلُ بِوِلَايَةِ الْأَبِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا قَبْلَ زَوْجٍ وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا عَلَى مُطَلَّقَتِهِ قَبْلَ زَوْجٍ فَاسِدٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِكْرًا وَعَذْرَاءَ وَعُرْفُهُمْ تَرَادُفَ الْبِكْرِ وَالْعَذْرَاءِ وَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِيهَا فَوَجَدَهَا مُفْتَضَّةً] (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِكْرًا وَعَذْرَاءَ وَعُرْفُهُمْ تَرَادُفَ الْبِكْرِ وَالْعَذْرَاءِ وَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِيهَا فَوَجَدَهَا مُفْتَضَّةً فَهَلْ لَهُ رَدُّهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الصَّدَاقُ، أَوْ لَهَا الْمُسَمَّى، أَوْ نِصْفُهُ، وَإِذَا أَنْكَرَتْ كَوْنَهَا مُفْتَضَّةً فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعُرْفُ مَعْمُولٌ بِهِ الْآنَ فِي أَنَّ الْبِكْرَ هِيَ الْعَذْرَاءُ وَمَتَى تَلَذَّذَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ أَنْ تَلَذَّذَ فَالصَّدَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ وَتُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا شَيْئًا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ زِيَادَةً عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي شَأْنِ فَرْجِهَا بِيَمِينِهَا وَالنِّسَاءُ مَأْمُونَاتٌ عَلَى فُرُوجِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَالْعُرْفِ مُسَاوَاةُ الْبِكْرِ لِلْعَذْرَاءِ عِنْدَنَا الْآنَ وَاصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ قَدِيمًا الْبِكْرُ مَنْ لَمْ تُثَيَّبْ بِوَطْءٍ يَدْرَأُ الْحَدَّ، وَلَوْ زَنَتْ وَالْعَذْرَاءُ الْمَسْدُودَةُ ثُمَّ قَالَ وَصُدِّقَ بِيَمِينٍ فِي نَفْيِ الِاعْتِرَاضِ كَالْمَرْأَةِ فِي حَالِ فَرْجِهَا وَبَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْحُدُوثِ اهـ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، أَوْ بَكَارَتِهَا أَيْ أَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي أَنَّهَا بِكْرٌ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا وَأَزَالَ الزَّوْجُ الْبَكَارَةَ، فَإِنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّ بِهَا أَثَرًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ دِينَتْ وَحَلَفَتْ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا رُدَّتْ بِهِ دُونَ يَمِينٍ عَلَى الزَّوْجِ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ عَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ اهـ. [خَطَبَ امْرَأَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ثُمًّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَجَّحَ الْأَشْيَاخُ عَدَمَ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا وَلَكِنْ نَقَلَ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ عَنْ الْبَيَانِ إنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ الْخِطْبَةِ مِنْ جِهَتِهَا غَرِمَتْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَعْطَى لِأَجْلِ غَرَضٍ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ، فَإِنْ حَصَلَ شَرْطٌ، أَوْ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ طَارِئَةٍ أَخْبَرَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً وَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَصْلًا فَهَلْ تُصَدَّقُ وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ طَارِئَةً مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ تُصَدَّقُ، فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي إخْبَارِهَا بِمَوْتِ زَوْجِهَا، أَوْ طَلَاقِهِ، أَوْ بِعَدَمِ تَزَوُّجِهَا أَصْلًا وَلَا تُكَلَّفُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَكِنْ يَنْبَغِي سُؤَالُ صُلَحَاءِ رُفْقَتِهَا، فَإِنْ حَصَلَتْ رِيبَةٌ لَمْ تُزَوَّجْ، وَإِنْ كَانَتْ طَارِئَةً مِنْ بَلَدٍ قَرِيبٍ، فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِمَا أَدْلَتْهُ فَلَا تُزَوَّجُ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ الطَّارِئَةُ إذَا قَدِمَتْ فِي رُفْقَةٍ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ وَادَّعَتْ أَنَّهَا دُونَ زَوْجٍ وَخَشِيَتْ الْعَنَتَ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يُزَوِّجُهَا وَلَا يُكَلِّفُهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْهَا صُلَحَاءَ الرُّفْقَةِ، فَإِنْ اسْتَرَابَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا تَرَكَهَا، فَإِنْ كَانَتْ طَارِئَةً عَلَى الْبَلَدِ مُقِيمَةً فِيهِ فَلَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهَا طَارِئَةٌ، وَأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا وَلِيَّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّارِئَةِ حَتَّى يَثْبُتَ طَلَاقُ زَوْجِهَا لَهَا، أَوْ مَوْتُهُ

تزوج بكرا ووطئها فأفضاها فماذا يلزمه

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّارِئَةَ تُصَدَّقُ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَلَا تُصَدَّقُ الْمُقِيمَةُ، وَكَذَلِكَ فِي دَعْوَاهَا أَنَّهَا دُونَ زَوْجٍ اهـ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدَمُ الْمَدِينَةَ مَعَ الْحَاجِّ وَتَقُولُ خِفْت الْعَنَتَ وَأَرَدْت التَّزْوِيجَ وَلَا يُعْلَمُ هَلْ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا إلَّا مِنْ قَوْلِهَا وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْقَدْرِ وَالْأَوْلِيَاءِ هَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) تُزَوَّجُ وَلَا تُطْلَبُ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ لَا زَوْجَ لَهَا إذْ كَانَتْ غَرِيبَةً بَعِيدَةَ الْوَطَنِ وَأُحِبُّ سُؤَالَ أَهْلِ مَعْرِفَتِهَا وَبَلَدِهَا مِمَّنْ مَعَهَا فِي الرُّفْقَةِ سُؤَالًا مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ شَهَادَةٌ، فَإِنْ اسْتَرَابَ تَرَكَ تَزْوِيجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ كَمَنْ مَكَانُهَا قَرِيبٌ ابْنُ دَحُونٍ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَا يُتَّقَى مِنْ زَوْجٍ يَكُونُ لَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُ قَوْلِهَا لَمْ يُزَوِّجْهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْتِي بِامْرَأَةٍ وَمَعَهُ صَدَاقُهَا فَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّدَاقِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ قِبَلِي لِزَوْجَتِي هَذِهِ، وَقَدْ ضَاعَ صَدَاقُهَا فَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَلْيَشْهَدْ الشُّهُودُ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغُرَبَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْهُ قَالَ الْغَرْنَاطِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي تَجْدِيدِ الصَّدَاقِ يَذْكُرُ إشْهَادَ الزَّوْجِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ زَوْجَتَهُ ذَكَرَتْ تَلَفَ صَدَاقِهَا وَسَأَلَتْ تَجْدِيدَهُ وَأَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ وَإِقْرَارُهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَتَضْمِينُهُ مَعْرِفَةَ الزَّوْجِيَّةِ وَاتِّصَالِهَا إلَى حِينِ الْإِشْهَادِ فِي غَيْرِ الْغَرِيبِينَ وَيَذْكُرُ إشْهَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي التَّالِفِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدَمُ بَلَدًا وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَدِمَتْ وَلَا مَنْ هِيَ فَتَطْلُبُ التَّزْوِيجَ فَهَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ إثْبَاتٍ مُوجِبٍ، وَكَذَا لَوْ زَعَمَتْ أَنَّ لَهَا زَوْجًا مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا كَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَتَعَذَّرُ وُصُولُ الْجَوَابِ إلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تُرِيدُهُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبَهَا. ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ الضَّابِطِ عَنْ غَرِيبَةٍ ذَكَرَتْ أَنَّهَا مِنْ الْجَبَلِ لَهَا بِصَفَاقُسَ سَنَةٌ وَنِصْفٌ، وَلَمْ يَرَ جِيرَانُهَا مِنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَخْرُجُ وَذَكَرَتْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَأَرَادَتْ إذْنَ الْقَاضِي فِي تَزْوِيجِهَا وَهِيَ وَضِيعَةٌ. (فَأَجَابَ) إذَا كَشَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْجِيرَانِ عَنْ حَالِهَا وَذَكَرُوا صِدْقَهَا فِيمَا ادَّعَتْ زُوِّجَتْ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ. [تَزَوَّجَ بِكْرًا وَوَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَوَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَزْوَاجِ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَاسْتَظْهَرَ فِي تَوْضِيحِهِ لُزُومَ الدِّيَةِ بِالْأَوْلَى مِنْ الشَّفْرَيْنِ وَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْمَهْرِ كَالْبَكَارَةِ بِغَيْرِ الذَّكَرِ إلَّا الزَّوْجُ بَنَى فَتَنْدَرِجُ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ اهـ مَجْمُوعُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْإِفْضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْحَاجِزِ بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَمَحَلِّ الْجِمَاعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ مَا شَأْنُهَا بِالِاجْتِهَادِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ فِي مَالِهِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الثُّلُثَ مَعَ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالْحَدِّ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِزَوْجَتِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ، فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ هُنَا أَنْ يُغَرَّمَ مَا شَأْنُهَا عِنْدَ الْأَزْوَاجِ بِأَنْ يُقَالُ مَا صَدَاقُهَا عَلَى أَنَّهَا مُفْضَاةٌ وَمَا صَدَاقُهَا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُفْضَاةٍ وَيُغَرَّمُ النَّقْصَ وَلَا يَنْدَرِجُ الْإِفْضَاءُ تَحْتَ مَهْرٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الزَّوْجِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ اغْتَصَبَهَا بِخِلَافِ زَوَالِ الْبَكَارَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ الْمَهْرِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ إلَّا بِزَوَالِهَا فَهِيَ مِنْ لَوَاحِقِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْإِفْضَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُزِيلَ الْبَكَارَةَ بِأُصْبُعِهِ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَنْدَرِجُ وَالزَّوْجُ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ الَّتِي أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ انْتَهَى خَرَشِيٌّ قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ وَإِفْضَاءٌ أَيْ وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ فِي إفْضَاءٍ، وَكَذَا اخْتِلَاطُ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ حَيْثُ لَمْ تَمُتْ وَفِي الْحَطَّابِ مَا نَصُّهُ

دفع امرأة فسقطت عذرتها

قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الَّذِي افْتَضَّ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ رُوِيَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا، وَهُوَ كَالْخَطَأِ صَغِيرَةً كَانَتْ، أَوْ كَبِيرَةً وَعَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ الْأَدَبُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حَدَّ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ فِي الْكَبِيرَةِ وَدِيَةُ الصَّغِيرَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيُؤَدَّبُ فِي الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [دَفَعَ امْرَأَةً فَسَقَطَتْ عُذْرَتُهَا] (قَالَ الْحَطَّابُ) مَنْ دَفَعَ امْرَأَةً فَسَقَطَتْ عُذْرَتُهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَزْوَاجِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ، وَكَذَا لَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ وَالْأَدَبُ هُنَا أَشَدُّ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ، أَوْ غُلَامٌ، أَوْ امْرَأَةٌ هَذَا فِي غَيْرِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا الزَّوْجُ فَحُكْمُهُ فِي الدَّفْعَةِ مِثْلُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ إنْ فَارَقَهَا، وَلَمْ يُمْسِكْهَا، وَإِنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ بِأُصْبُعِهِ فَاخْتَلَفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الصَّدَاقُ، أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الصَّدَاقُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا شَأْنُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ إنْ طَلَّقَهَا، وَلَمْ يُمْسِكْهَا قَوْلَانِ اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ رَسَمَ سِلْعَةً سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنْ أَصَابَهَا بِأُصْبُعِهِ وَطَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَافْتَضَّهَا بِهِ، فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كُلُّ الْمَهْرِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مَا شَأْنُهَا مَعَ نِصْفِهِ. وَقِيلَ: إنْ رَأَى أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِمَهْرِ ثَيِّبٍ فَكَالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَكَالثَّانِي وَمَالُ أَصْبَغُ إلَى الثَّانِي وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ اهـ. بِاخْتِصَارِ مِنْهُ وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ غَيْرُ زَوْجِهَا فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَمَا شَأْنُهَا اهـ. ، وَإِذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يَتَكَمَّلُ الصَّدَاقُ بِوَطْئِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ جِنَايَةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ بِاخْتِصَارٍ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَأَعْطَاهَا أَمْتِعَةً أَمَانَةً مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا هِبَةٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ إذَا مَنَعَهُ الزَّوْجُ لَا يُعْتَبَرُ مَنْعُهُ وَيَرُدُّهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْأَبُ أَشْهَدَ حِينَ تَوْجِيهِ تِلْكَ الْأَمْتِعَةِ إلَى بَيْتِ الدُّخُولِ عَلَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْبِنْتُ بِكْرًا، أَوْ ثَيِّبًا سَفِيهَةً، أَوْ رَشِيدَةً وَسَوَاءٌ أَرَادَ أَخْذَهَا قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْعُ الزَّوْجِ ثَمَّ يُنْظَرُ لِلْبَاقِي عِنْدَ الْبِنْتِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الْجِهَازِ الْمُعْتَادِ، أَوْ الْمُشْتَرَطِ لَمْ يَتْبَعْ الْأَبَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ اتَّبَعَ الْأَبَ بِمَا يُتَمِّمُ الْجِهَازَ الْمُعْتَادَ، أَوْ الْمُشْتَرَطَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ بِكْرًا، أَوْ سَفِيهَةً وَقَامَ الْأَبُ قَبْلَ كَمَالِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْبِنَاءِ وَكَانَ مَا ادَّعَى عَارِيَّتَهُ زَائِدًا عَلَى الْجِهَازِ الْمُعْتَادِ، أَوْ الْمُشْتَرَطِ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا أَيْضًا، فَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ ثَيِّبًا رَشِيدَةً، فَإِنْ وَافَقَتْ الْأَبَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَمْتِعَةُ قَدْرَ ثُلُثِ مَالِهَا كَانَ لِلْأَبِ أَخْذُهَا وَلَا كَلَامَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْهُ كَانَ لِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ، أَوْ الزَّائِدِ، أَوْ الْإِجَازَةِ، وَإِنْ خَالَفَتْ الْأَبَ لَمْ يُجَبْ لِأَخْذِهَا. وَإِنْ قَامَ بَعْدَ السَّنَةِ لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَى عَارِيَّتَهُ لَيْسَ زَائِدًا عَلَى الْجِهَازِ الْمُعْتَادِ، أَوْ الْمُشْتَرَطِ وَالْحَالُ أَنَّ قِيَامَهُ فِي السَّنَةِ وَالْبِنْتُ مَحْجُورَةٌ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ أَصْلَ الْمَتَاعِ لَهُ فَيَحْلِفُ عَلَى إعَارَتِهِ وَيَأْخُذُهُ وَيَتْبَعُ بِتَمَامِ الْجِهَازِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْأَبُ الْعَارِيَّةَ فِيمَا جَهَّزَ بِهِ بِنْتَه زَائِدًا عَلَى النَّقْدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَيْسَتْ السَّنَةُ فِي ذَلِكَ بِطُولٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَيْشُونَ يَقُولُ: ذَلِكَ لَهُ إلَى السَّابِعِ لَا غَيْرُ. وَفِي الدِّمْيَاطِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ قَرُبَ، أَوْ بَعُدَ وَالْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الِابْنَةِ شَيْءٌ فِي فَوْتِ مَا فَوَّتَتْهُ إنْ امْتَهَنَتْهُ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ مَعَهَا، فَإِنْ قَامَ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَانَ الْأَصْلِ مَعْرُوفًا لَهُ أَمْ لَا وَلَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُ الِابْنَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ التَّجْهِيزِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ

عَارِيَّةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنَةِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا جَهَّزَ بِهِ بِنْتَه الثَّيِّبَ، وَهُوَ فِي مَالِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ الْأَبْكَارِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ مَعَ ابْنَتِهِ الثَّيِّبِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَالَهَا فِي يَدِهِ قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: فَإِنْ اشْهَدْ فِي الثَّيِّبِ عَلَى الشُّورَةِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ مَعَ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْمَالِكَةُ لِأَمْرِهَا أَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ فَتَضْمَنُ مَا تَلِفَ اهـ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَقَبِلَ دَعْوَى الْأَبِ فَقَطْ فِي إعَارَتِهِ لَهَا فِي السَّنَةِ بِيَمِينٍ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ الِابْنَةُ. قَالَ الْخَرَشِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الْبِكْرَ إذَا جَهَّزَهَا أَبُوهَا وَأَدْخَلَهَا بِهِ عَلَى زَوْجِهَا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجِهَازَ، أَوْ بَعْضَهُ عَارِيَّةٌ عِنْدَ ابْنَتِهِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ إمَّا أَنْ يُدْعَى ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ خَالَفَتْهُ الِابْنَةُ كَانَ مَا ادَّعَاهُ مِمَّا يُعْرَفُ لَهُ أَمْ لَا ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ، أَوْ اسْتَعَارَهُ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ كَانَ فِيمَا أَبْقَاهُ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ وَفَاءً بِمَا أَصْدَقَ الزَّوْجُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْلِفُ الْأَبُ وَيَأْخُذُهُ وَيُطَالِبُ بِإِحْضَارِ مَا فِيهِ كَفَافٌ بِمَا أَصْدَقَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ أَصْلَ الْمَتَاعِ لِلْأَبِ فَيَحْلِفُ وَيُتْبَعُ بِالْوَفَاءِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَالْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ فِيمَا عُرِفَ أَصْلُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى الْعَارِيَّةِ إلَّا مِنْ الْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا رِضَا لِلْأَبِ فِيمَا لَهَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمِثْلُ الْبِكْرِ الثَّيِّبِ الَّتِي فِي وِلَايَتِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبِكْرِ وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيِّ فِيمَنْ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ بِكْرٍ، أَوْ ثَيِّبٍ مُولًى عَلَيْهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ الَّتِي لَيْسَتْ فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا فَهُوَ فِي حَقِّهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إذَا خَالَفَتْهُمْ الْمَرْأَةُ، أَوْ وَافَقَتْهُمْ وَكَانَتْ سَفِيهَةً اهـ. وَالْبِكْرُ الْمُرْشِدَةُ كَالثَّيِّبِ الرَّشِيدَةِ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ هُنَا كَالْمُولَى عَلَيْهَا اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ فِي السَّنَةِ: أَيْ مِنْ يَوْمِ الْبِنَاءِ لَا الْعَقْدِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لَا يُخْفِي أَنَّ مَذْهَبَ الْمُوَثِّقِينَ أَنَّ دَعْوَى الْقَبُولِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي السَّنَةِ فَقَطْ لَكِنْ بِدُونِ يَمِينٍ، وَأَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ حَبِيبٍ تُعْتَبَرُ فِي السَّنَةِ وَزِيَادَةِ شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ لَكِنْ بِيَمِينٍ، فَقَدْ لَفَّقَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ مِنْ قَوْلَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنْ تَحْلِيفِ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَأَيْضًا هِيَ مِنْ حَقِّهِ إنْ شَاءَ حَلَّفَهَا، أَوْ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ قَوْلُهُ وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ فِي السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ الْبِنَاءِ لَا الْعَقْدِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ. ثَانِيهَا أَنْ يَبْقَى بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَارِيَّةِ مَا يَفِي بِجِهَازِهَا الْمُشْتَرَطِ أَوْ الْمُعْتَادِ، وَلَوْ أُزِيدَ مِنْ صَدَاقِهَا وَثَالِثُهَا كَمَا يَأْتِي أَنْ تَكُونَ مُجْبَرَةً، أَوْ سَفِيهَةً. (تَنْبِيهٌ) لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا مَلَكَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ هُوَ وَلَا عَلَى ابْنَتِهِ إنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعَارِيَّةِ، أَوْ عَلِمَتْ وَهِيَ سَفِيهَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ قَصَّرَ وَتَضْمَنُ الرَّشِيدَةُ إنْ عَلِمَتْ، وَلَمْ تُقِمْ لَهَا بَيِّنَةً قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مُقَابِلٌ لِكَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ أَيْ فَيُفِيدُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالْمَعْمُولُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَالْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ فِيمَا عُرِفَ أَصْلُهُ أَيْ، فَإِذَا ادَّعَى الْأَجْنَبِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ قَدْ اسْتَعَارَهُ وَلِيُّهَا وَعَرَفَ أَنَّهُ لَهُ فَيَأْخُذُهُ وَيُطَالِبُ الْوَلِيُّ بِإِحْضَارِ مَا فِيهِ كَفَافٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِلْأَبِ فَقَطْ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِلتَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ عُرِفَ أَصْلُهُ أَمْ لَا لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ مَا عُرِفَ أَصْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَبِ بِهِ، قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا رِضًا لِلْأَبِ أَيْ لَا كَلَامَ لَهُ فِي مَالِهَا بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّيِّبِ الرَّشِيدَةُ فَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ لَا يُخَالِفُ كَلَامَ التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ أَيْ، وَلَوْ أُمًّا كَذَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي وَتِلْكَ الْمُبَالَغَةُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْجَدَّةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ لَا فَرْقَ قَوْلُهُ وَالْبِكْرُ

تزوج امرأة فوجد محل الجماع والدبر مختلطين

الْمُرْشِدَةُ كَالثَّيِّبِ الرَّشِيدَةِ أَيْ فَلَا يُفِيدُ دَعْوَى الْأَبِ مَعَهَا. قَوْلُهُ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ أَيْ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ وَلَا مُقَدَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي سَفِيهَةً، أَوْ جُهِلَ حَالُهَا وَقَوْلُهُ كَالْمُولَى عَلَيْهَا مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْعَارِيَّةَ مَنْ عَقَدَ لَهَا، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ وَافَقَتْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ كَالرَّشِيدَةِ لَقُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَقُبِلَ دَعْوَى الْأَبِ لَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَصْلُ الْمَتَاعِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى جِهَازِ مِثْلِهَا وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقُ عَارِيَّةً فِي السَّنَةِ وَلَا يَمِينَ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ لَا بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَهَا. وَقِيلَ: يُقْبَلُ بِيَمِينٍ، وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَفَّقَ الْأَصْلَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ فَقَيَّدَ التَّصْدِيقَ بِالسَّنَةِ وَحَكَمَ بِالْيَمِينِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ خَطَبَ بِنْتًا مِنْ أَبُوهَا وَبَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا، وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا لَهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا بَعَثَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ فَاتَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنَّ اشْتَرَطَ الزَّوْجِ الرُّجُوعَ بِمَا بَعَثَهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَزْوِيجِهِ إيَّاهَا، أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْأَشْيَاخُ عَدَمُ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا وَلَكِنْ نَقَلَ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ عَنْ الْبَيَانِ إنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ الْخِطْبَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا بَعَثَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى لِغَرَضٍ لَمْ يُتِمَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَ مَحَلَّ الْجِمَاعِ وَالدُّبُرَ مُخْتَلِطَيْنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَ مَحَلَّ الْجِمَاعِ وَالدُّبُرَ مُخْتَلِطَيْنِ فَهَلْ هَذَا عَيْبٌ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِهَا بَعْدَ عِلْمِهِ وَأَرَادَ رَدَّهَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَيَأْخُذُ مَا دَفَعَهُ مِنْ الْمَهْرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا عَيْبٌ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بِوَطْءٍ وَلَا غَيْرِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهَا وَأَخْذَ الْمَهْرِ أُجِيبَ لِذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَالْوَلِيُّ غَيْرُ مُخَالِطٍ لَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا وَتَرَكَ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، أَوْ ذَاتَ وَلِيٍّ مُخَالِطٍ لَهَا، وَلَمْ تَحْضُرْ الْعَقْدَ رَجَعَ عَلَى الْوَلِيِّ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ حَضَرَتْهُ مَعَ الْمُخَالِطِ غَيْرُ الْمُجْبَرِ كَاتِمِينَ خَبَرِ الزَّوْجِ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى رُبْعِ دِينَارٍ، وَعَلَى الْوَلِيِّ بِالْجَمِيعِ قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَمِنْهَا أَيْ الْعُيُوبُ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الْمَرْأَةُ بِلَا شَرْطِ الْإِفْضَاءِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ مَسْلَكَيْ الذَّكَرِ وَالْبَوْلِ حَتَّى يَصِيرَا مَسْلَكًا وَاحِدًا وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ هُوَ زَوَالُ الْحَاجِزِ بَيْنَ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَمَخْرَجِ الْغَائِطِ اهـ. وَنُوزِعَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ تُرَدُّ بِهِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ وَجْهُ الْمُنَازَعَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ تَفْسِيرُ الْقَرَافِيُّ وَبَهْرَامَ بِالْأَوَّلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَوْلٌ فِي اللُّغَةِ فِي الْمِصْبَاحِ وَأَفْضَاهَا جَعَلَ مَسْلَكَيْهَا بِالِافْتِضَاضِ وَاحِدًا. وَقِيلَ: سَبِيلَ الْحَيْضِ وَالْغَائِطَ وَاحِدًا اهـ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا صَدَاقَ بِرَدٍّ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ بِعَيْبِهِ، فَعَلَى غَيْرِ الْعِنِّينِ الْمُسَمَّى وَبِعَيْبِهَا رَجَعَ بِالْمَهْرِ عَلَى الْمُجْبَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْبَرٌ، فَعَلَى وَلِيِّ تَوَلِّي الْعَقْدِ إلَّا أَنْ لَا يُخَالِطَهَا بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهَا فَعَلَيْهَا، وَإِنْ كَتَمَا حَاضِرِينَ خُيِّرَ وَرَجَعَ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا إنْ أَخَذَ مِنْهُ وَحَيْثُ رَجَعَ عَلَيْهَا تَرَكَ أَقَلَّ الْمَهْرِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَاكِنٍ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ فَحَصَلَ تَشَاجُرٌ بَيْنَهُمَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا وَكُلٌّ يَتَصَرَّفُ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْمَتَاعُ الْمُخْتَصُّ بِالرِّجَالِ كَالسِّلَاحِ وَالصَّالِحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْفُرُشِ وَالْأَوَانِي يُصَدَّقُ فِيهِ الرَّجُلُ بِيَمِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ فَقِيرًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَمْلِكَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ يَكُنْ الْمَتَاعُ فِي حَوْزِ الْمَرْأَةِ الْخَاصِّ بِهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِيهِمَا كَالْمُخْتَصِّ بِالنِّسَاءِ بِيَمِينٍ مَا لَمْ تَكُنْ فَقِيرَةً، أَوْ يَكُنْ الْمَتَاعُ فِي حَوْزِ الرَّجُلِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

رجل زوج ابنه الرشيد بإذنه وباشر العقد بنفسه ولم يبين هل الصداق على الزوج أو على أبيه

(تَنْبِيهٌ) مَثَلُ الزَّوْجَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ كَرَجُلٍ سَاكِنٍ مَعَ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تَنَازَعَ مَعَهَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَهُ الرَّشِيدَ بِإِذْنِهِ وَبَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الصَّدَاقُ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ عَلَى أَبِيهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَهُ الرَّشِيدَ بِإِذْنِهِ وَبَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الصَّدَاقُ عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَى أَبِيهِ وَدَخَلَ الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَبَ أَبُو الزَّوْجَةِ الصَّدَاقَ مِنْ أَبِي الزَّوْجِ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ الشُّيُوخِ عُمَرُ الطَّحَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ الصَّدَاقُ مُتَعَلِّقُ الزَّوْجِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِلصَّدَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: إنْ كَانَ فَاعِلُ بَاشَرَ ضَمِيرَ الرَّشِيدِ تَمَّ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَ ضَمِيرَ الْأَبِ فَهُوَ نَاقِصٌ قُيِّدَ حَلِفِ الْأَبِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا كَوْنَ الصَّدَاقِ عَلَى الِابْنِ وَفِي قَوْلِهِ الصَّدَاقُ مُتَعَلِّقٌ بِالزَّوْجِ إجْمَالًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ سَاوَى الْمُسَمَّى صَدَاقَ الْمِثْلِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ زَادَ صَدَاقُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسَمَّى غَرِمَ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ زَادَ الْمُسَمَّى عَلَيْهِ حَلَفَ الزَّوْجُ وَغَرِمَ صَدَاقَ الْمِثْلِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ تَطَارَحَهُ أَبٌ عَقَدَ عَلَى السُّكُوتِ وَرَشِيدٌ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُ النَّاكِلَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَإِنْ دَخَلَ بَرِئَ الْأَبُ بِيَمِينٍ وَلَزِمَ الزَّوْجَ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَارَتْ كَالْعَدَمِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَلَفَ الزَّوْجُ إنْ زَادَ الْمُسَمَّى لِإِسْقَاطِ زِيَادَتِهِ اهـ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ إنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى، أَوْ سَاوَاهُ وَبِيَمِينٍ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ لِإِسْقَاطِ الزَّائِدِ اهـ. الْخَرَشِيُّ: وَإِنَّمَا غَرِمَ صَدَاقَ الْمِثْلِ حَيْثُ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَلْغَى وَصَارَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةَ مَا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْجُ، وَهُوَ صَدَاقُ الْمِثْلِ فَلَا يُقَالُ لِأَيِّ شَيْءٍ دُفِعَ لِلزَّوْجَةِ مَا لَمْ تَدَّعِهِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَلِيٍّ خَاصٍّ كَأَخٍ امْتَنَعَ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى وَلِيَّتِهِ حَتَّى يَأْخُذَ دَرَاهِمَ وَامْتَنَعَ الْخَاطِبُ مِنْ دَفْعِهَا فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْعَقْدِ مَجَّانًا حَيْثُ رَكَنَتْ الْمَرْأَةُ لِلْخَاطِبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْغَرَضِ تَوْلِيَةُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى وَلِيَّتِهِ وَكَانَتْ ثَيِّبًا وَكَّلَتْ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهَا؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الثَّيِّبِ اهـ. وَأُجِيبُ حَامِدًا مُصَلَّيَا مُسَلِّمًا بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِأَخْذِهِ دَرَاهِمَ عَلَى تَوْلِيَةِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ وَبِأَمْرِهِ بِتَوَلِّيهِ مَجَّانًا، فَإِنْ فَعَلَ فَذَاكَ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَبْعَدُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ انْتَقَلَ الْحَقُّ لَهُ فَيُزَوِّجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَبْعَدُ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ خَلِيلٌ، أَوْ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِكُفْءٍ وَكُفْؤُهَا أَوْلَى فَيَأْمُرهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ زَوَّجَ. الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ إجَابَةُ الْمَرْأَةِ إلَى كُفْءٍ مُعَيَّنٍ دَعَتْ إلَيْهِ يُرِيدُ وَهِيَ بَالِغٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُجِبْ لِذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا مُضْطَرَّةً إلَى عَقْدِهِ كَانَ ذَلِكَ إضْرَارًا بِهَا إنْ دَعَا الْوَلِيُّ إلَى كُفْءٍ غَيْرِ كُفْئِهَا أُجِيبَتْ وَكَانَ كُفْؤُهَا أَوْلَى مِنْ كُفْئِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدُومُ لِلْعِشْرَةِ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ أَنْ يُزَوِّجَ مَنْ دَعَتْ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنْ فَعَلَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا رَدَّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا عُدَّ عَاضِلًا بِرَدِّ أَوَّلِ كُفْءٍ وَحِينَئِذٍ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ بَعْدَ ثُبُوتِ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ وَمَلَّكَهَا أَمْرَ نَفْسِهَا، وَأَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَفَاءَةُ الْخَاطِب كَمَا عِنْدَ الْبَاجِيِّ مَعَ بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْعَقْدَ لِغَيْرِ الْعَاضِلِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَزْوِيجَ الْحَاكِمِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْعَاضِلِ وَجَوَّزَ هَذَا الِاحْتِمَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ زَوَّجَ الْحَاكِمُ اهـ. الْعَدَوِيُّ وَكُفْؤُهَا أَوْلَيْ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ

كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَبَ يَجْبُرُ الْمُجْبَرَةَ إلَّا لِكَخَصِيٍّ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَةُ كُفْءٍ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ مُجْبِرٍ كَمُجْبِرٍ تَبَيَّنَ مِنْهُ عَضْلٌ قَالَ فِيك، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ ذِمِّيَّةً وَتَدْعُو لِمُسْلِمٍ فَلَا تُجَابُ لَهُ حَيْثُ امْتَنَعَ أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِكُفْءٍ عِنْدَهُمْ، قَوْلُهُ كَمَا عِنْدَ الْبَاجِيِّ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَزْوِيجَ الْحَاكِمِ إلَخْ إذْ دَقَقْت النَّظَرَ تَجِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ يَتَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ. ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ وَكِيلًا لَهُ إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ امْتِنَاعٌ كَأَنْ يَكُونَ غَائِبًا مَثَلًا اهـ. وَلَخَصَّ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِكُفْءٍ عَيَّنْته وَإِلَّا يَجِبُ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا يَأْخُذُهُ خَطِيبُ الْبَلَدِ عَلَى تَوْلِيَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ جَائِزٌ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْقَاضِي الْمُسْتَنِيبِ لِلْخَطِيبِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْخَطِيبِ أَخْذُ أُجْرَةٍ مُعْتَادَةٍ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي حَقٌّ فِي ذَلِكَ لِمَالِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ بَيَانَ كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا إنْ تَعَيَّنَتْ، أَوْ تَعَلَّقَتْ بِمَا فِيهِ خُصُومَةٌ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَإِلَّا فَأَجَازَهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ وَمَنَعَهَا اللَّخْمِيُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا فَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ لَكِنْ لَوْ أَتَى خَصْمَانِ إلَى قَاضٍ فَأَعْطَيَاهُ أَجْرًا عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا أَوْ أَتَى رَجُلٌ لِلْمُفْتِي فَأَعْطَاهُ أَجْرًا عَلَى فَتْوَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خُصُومَةٌ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُمَا هَذَا مِمَّنْ اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ فَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُجْسَرُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَمْنَعُ ذَلِكَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّشْوَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ أَحَدِ فُقَهَاءِ تُونُسَ وَمُفْتِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَيَطْلُبُهَا مِمَّنْ يُفْتِيهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا شَاعَ وَذَاعَ أَنَّ الْقُضَاةَ يَطْلُبُونَ أَجْرًا مِمَّنْ أَتَى إلَيْهِمْ مِنْ الْخُصُومِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْمُفْتِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ، وَهَذَا فِيمَا يَأْخُذُونَهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمَّا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ وَالْفَتَاوَى فَفِيهِ خِلَافٌ مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ كَبَيْعِ كُتُبِهَا وَشِرَائِهَا، وَأَمَّا أَخْذُ الْعَطَايَا وَالْمُرَتَّبَاتِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالَ، أَوْ مِنْ الْأَحْبَاسِ الْمَوْقُوفَةِ لِذَلِكَ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ جَائِزٌ قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَكَّلَتْ رَجُلًا فِي زَوَاجِهَا فَزَوَّجَهَا لِشَخْصٍ وَاسْتَلَمَ الصَّدَاقَ ثُمَّ تُوُفِّيَ الزَّوْجُ زَوَّجَهَا لِآخَرَ وَاسْتَلَمَ الصَّدَاقَ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَزَوَّجَهَا لِثَالِثٍ وَاسْتَلَمَ الصَّدَاقَ وَكُلُّ مَرَّةٍ تَطْلُبُ الصَّدَاقَ مِنْهُ فَيَقُولُ لَهَا هُوَ عِنْدِي مَحْفُوظٌ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْوَكِيلُ وَخَلَفَ ابْنًا وَأَمْتِعَةً مِنْ خَيْلٍ وَغَنَمٍ وَإِبِلٍ وَعَقَارٍ وَتُوُفِّيَتْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ أَيْضًا عَنْ وَلَدِهَا فَهَلْ لَهُ طَلَبُ وَلَدِ الْوَكِيلِ بِأَصْدِقَةِ أُمِّهِ، وَإِنْ ادَّعَى ابْنُ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ خَلَفَ مَا ذُكِرَ سَابِقًا وَأَتْلَفَهُ الْوَلَدُ فِي السَّرَفِ فَهَلْ تُؤْخَذُ الْأَصْدِقَةُ الَّتِي عَلَى وَالِدِهِ مِمَّا جَدَّدَهُ بَعْدَ الَّذِي أَتْلَفَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ لَا سِيَّمَا وَعَقَارُ وَالِدِهِ مَوْجُودٌ لِلْآنِ لَمْ يَهْلَكْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِبَقَاءِ الْأَصْدِقَةِ عِنْدَهُ وَمَوْتُهُ عَمَّا ذُكِرَ وَاسْتِيلَاءُ وَلَدِهِ عَلَيْهِ فَلِوَلَدِ الْمَرْأَةِ طَلَبُ وَلَدِ الْوَكِيلِ بِهَا مِنْ عَقَارِ وَالِدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا فَمِمَّا جَدَّدَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِ أَبِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ بِدُونِ الشُّهْرَةِ وَالْعِلْمُ بِالدَّيْنِ يَطْرَأُ غَرِيمُ أَخْذِ الْمَلِيءِ عَنْ الْمُعْدَمِ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ مَا قَبَضَهُ اهـ الْخَرَشِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَارِثِ إذْ

لَا إرْثَ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي الرِّيفِ مِنْ جَعْلِهِمْ عَلَى الزَّوْجِ دَرَاهِمَ يُسَمُّونَهَا الْعَشَاءَ غَيْرَ الصَّدَاقِ وَالشُّورَةِ يَدْفَعُهَا لِلزَّوْجَةِ أَوْ وَلِيِّهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَدْفَعُ لَهَا الْوَلِيُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَتِهَا فَهَلْ إذَا بَنَى الزَّوْجُ بِهَا قَبْلَ دَفْعِهَا وَامْتَنَعَ مِنْهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ جَرَى عُرْفُهُمْ بِأَنَّهُ فَوْرِيٌّ يَسْقُطُ بِالدُّخُولِ أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُقْضَى بِهِ عَلَى الزَّوْجِ مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفُهُمْ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِالدُّخُولِ قَبْلَهُ فَيُقْضَى بِسُكُوتِهِ عَنْهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ، وَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ جَرَى بِهَا عُرْفُ مِصْرَ أَيْضًا مُسَمَّاةً عَشَاءِ الْحَمَامِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقُضِيَ بِالْعُرْفِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْوَلِيمَةِ وَأُجْرَةِ الْمَاشِطَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَوْلَى الشَّرْطِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَغِيرٍ زَوَّجَتْهُ أُمُّهُ مِنْ مَالِهَا فَهَلْ نِكَاحُهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَنْ يَكُونُ وَوَلِيُّهُ فِي الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ حَيْثُ غَابَ وَالِدُهُ غَيْبَةً بَعِيدَةً نَحْوَ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَظْهَرْ خَبَرُهُ ظُهُورًا شَافِيًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ نِكَاحُهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ مَا دَامَ غَيْرَ رَشِيدٍ وَيَكُونُ وَلِيُّهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ الْحَاكِمَ الشَّرْعِيَّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَهُوَ مَاضٍ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَنْ كَثِيرٍ الْخَرَشِيِّ، وَكَذَا إنْ رَشَدَ قَبْلَ نَظَرِ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَصَدَرَ بِهِ ابْنُ سَلْمُونٍ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَنْتَقِلُ لَهُ إذَا رَشَدَ مَا كَانَ وَلِيُّهُ مِنْ النَّظَرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لَكِنْ نَقَلَ الْعَدَوِيُّ عَنْ اللَّقَانِيِّ تَضْعِيفَهُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِنْ لَمْ يُوفِهِ بِالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ الْوَلِيُّ حَتَّى خَرَجَ الزَّوْجُ مِنْ الْوِلَايَةِ لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُ ذَلِكَ حَكَى ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَوْلَى إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِهِ حَتَّى تَرَشَّدَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ قَالَ: وَكَذَلِكَ وَجَدْت لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي أُصُولٍ فِيمَا بَاعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، أَوْ اشْتَرَى إنْ رَشَدَ يُمْضِي أَفْعَالَهُ، وَقَدْ كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَعُودَ مَا كَانَ لِوَلِيِّهِ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ فَيُخَيَّرُ أَوْ يَرُدُّ وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ مِلْكِهِ أَمْرَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. وَفِي النَّوَادِرِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَدْخَلَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِهِ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ يَرُدُّوا مَا صَنَعَ فِي وِلَايَتِهِ كَمَا كَانَ لَهُ لَوْ وَلَّى أَمْرَ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَتْرُكْ بَعْدَ أَنْ يَلِيَ نَفْسَهُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَضِيَ وَمِثْلُهُ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ اهـ. وَقَالَ فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَلِوَلِيِّ صَغِيرٍ فَسْخُ عَقْدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ اهـ نَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَكِيلِ زَوْجَةٍ قَالَ فِي صِيغَةِ عَقْدِ نِكَاحِهَا لِوَكِيلِ الزَّوْجِ أَنْكَحَتْك مُوَكِّلَتِي فَقَالَ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لِمُوَكِّلِي فَهَلْ هَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَصِيغَةُ الْعَقْدِ مَعَ الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ: الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوَّجْت مِنْ فُلَانٍ وَلَا يَقُولُ: زَوَّجْت مِنْك وَلْيَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ قَبِلْت لَكَفَى إذَا نَوَى بِذَلِكَ مُوَكِّلُهُ اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَكَّلَ أَخَاهُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَفَرْضِ الصَّدَاقِ فَوَكَّلَ الْأَخُ وَكِيلًا آخَرَ عَلَى ذَلِكَ فَفَرَضَ

صَدَاقًا زَائِدًا عَلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ وَمِنْ ذَلِكَ جَارِيَةٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ جَمِيعُ مَا فَرَضَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا صَدَاقُ الْمِثْلِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهِ يَسِيرًا إلَى نِصْفِ الْعُشْرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَلْ تَحْكِيمُهَا، أَوْ الْغَيْرُ لَغْوٌ وَالْعِبْرَةُ بِالزَّوْجِ، فَإِنْ فَرَضَ الْمِثْلَ لَزِمَهَا، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجِ وَالْمُحَكِّمِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ الْعِبْرَةُ بِالْمُحَكِّمِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَا يَلْزَمُهَا، أَوْ أَكْثَرُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَقْوَالٌ اهـ وَقَالَ فِي الْوَكَالَةِ مُشَبِّهًا فِي تَخْيِيرِ الْمُوَكَّلِ كَشِرَائِهِ بِأَكْثَرَ لِفَوْقِ نِصْفِ الْعُشْرِ اهـ. وَنَقَلَ الْعَدَوِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِأَلْفٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ تَلْزَمُ الزَّوْجَ كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ وَخَمْسَةٍ فِي مِائَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ رَكَنَ لِخَاطِبِ بِنْتِهِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَنْ تَزْوِيجِهِ إيَّاهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ بِكَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ عَنْهُ لِخِطْبَةِ آخَرَ وَإِلَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ تَرْكُ مَنْ رَكَنَتْ إلَيْهِ بَعْدَ خِطْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ قَالَ بَعْضٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَوْ وَلِيِّهَا بَعْدَ الرُّكُونِ أَنْ يَرْجِعَا عَنْ ذَلِكَ الْخَاطِبِ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الرُّجُوعِ خِطْبَةَ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِلَّا حُرِّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَكَّلَ آخَرَ عَلَى قَبُولِ عَقْدِ نِكَاحٍ فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ لِلْوَكِيلِ أَنْكَحْتُك وَزَوَّجْتُك مُوَكِّلَتِي بِالصَّدَاقِ الْمُسَمَّى قَدْرُهُ كَذَا فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَنَوَاهُ لِنَفْسِهِ فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ أَمْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُجْبَرَةِ وَغَيْرِهَا فَيُقَالُ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِلْمُوَكِّلِ لِانْتِفَاءِ شَرْطَيْهِ وَهُمَا أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الْوَلِيِّ مَعَ وَكِيلِهِ أَنْكَحْت مُوَكِّلَك وَنِيَّةُ الْوَكِيلِ الْقَبُولُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ ثُمَّ لِيَقُلْ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ بِالْقَبُولِ زَوَّجْت مِنْ فُلَانٍ وَلَا يُقَالُ زَوَّجْتُك وَلْيَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ قَبِلْت لَكَفَى إذَا نَوَى ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ اهـ فَقَوْلُهُ لِيَقُلْ إلَخْ وَلَا يَقُلْ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنْ قَالَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْقَبُولِ زَوَّجْتُك لَمْ يَنْعَقِدْ لِلْمُوَكِّلِ وَقَوْلُهُ إذَا نَوَى إلَخْ مَفْهُومٌ إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بِأَنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ خَلَا ذِهْنُهُ فَكَذَلِكَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا لِلْوَكِيلِ أَيْضًا لِعَدَمِ نِيَّةِ الْوَلِيِّ تَزْوِيجَ الْوَكِيلِ بِهَا وَهِيَ شَرْطٌ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ التَّمْيِيزِ فِيهِ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ التَّمْيِيزِ فِي الْوَلِيِّ مَعْنًى وَلَزِمَ مُسَاوَاةُ غَيْرِ الْمُمَيَّزِ وَلَا يُرَدُّ انْعِقَادُهُ بِالْهَزْلِ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى نِيَّةِ التَّزْوِيجِ إلَّا أَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْهَزْلِ كَمَا يَفْهَمُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ مِنْ عِنْوَانِ هَزْلُ النِّكَاحِ جَدٌّ أَيْ النِّكَاحِ الْمَهْزُولِ بِهِ أَيْ الْمَنْوِيِّ بِعَقْدِهِ الْهَزْلَ وَاللَّعِبِ أَيْ الَّذِي قَصَدَ فِيهِ الْوَلِيُّ تَزْوِيجَ الزَّوْجِ عَلَى سَبِيلِ الْهَزْلِ وَقَصَدَ فِيهِ الزَّوْجُ الْقَبُولَ كَذَلِكَ فَفِيهِ نِيَّةُ التَّزْوِيجِ وَالْقَبُولِ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ هَزْلًا بِالنِّكَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ وَلِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَهَلْ يَسُوغُ لِذَلِكَ الْوَلَدِ التَّزَوُّجُ بِتِلْكَ الْبِنْتِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَسُوغُ لِلْوَلَدِ التَّزَوُّجُ بِتِلْكَ الْبِنْتِ إنْ لَمْ تُرْضِعْهَا أُمُّهَا بِلَبَنِ أَبِيهِ بِأَنْ انْقَطَعَ مِنْهَا قَبْلَ وِلَادَتِهَا لَهَا، فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ أَبِيهِ فَلَا يَسُوغُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ زَوْجَةِ أَبِيهِ

أراد أخوها الوصي تزويجها لكفء بمهر مثلها فامتنعت فهل له جبرها

الَّتِي لَمْ تَرْضَعْ بِلِبَانِ أَبِيهِ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الْأَبُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِرَجُلٍ وَأَوْلَدَهَا بِنْتًا فَهَلْ لِابْنِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذِهِ الْبِنْتَ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ وَاسْتَظْهَرُوا الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ احْتِيَاطًا اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَمَوْضُوعُهَا أَنَّ لَبَنَ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقَطِعْ وَقَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ وَالْمَنْعُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ خَلِيلٌ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ التَّتَّائِيُّ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا فَتَدَبَّرْ اهـ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ مَالُ تِجَارَةٍ بِيَدِ عَتِيقِهِ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَمَةً يَتَسَرَّى بِهَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِبَةٍ وَلَا قَرْضٍ فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَهَلْ تَكُونُ الْأَمَةُ مَمْلُوكَةً لِلْعَتِيقِ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ فِي شِرَاءِ أَمَةٍ مِنْ مَالِهِ يَتَسَرَّى بِهَا لَيْسَ هِبَةً وَلَا قَرْضًا لِلثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ تَحْلِيلٌ وَإِعَارَةٌ لِلْفَرْضِ فَلَا يَحِلُّ لِلْعَتِيقِ وَطْؤُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ تَجَرَّأَ وَوَطِئَهَا مَلَكَهَا وَغَرِمَ لِلسَّيِّدِ مِثْلَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ وَحَيْثُ مَاتَ السَّيِّدُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي اتِّبَاعِ الْعَتِيقِ بِعَيْنِ الْأَمَةِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا وَثَمَنُهَا إنْ وَطِئَهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ اشْتَرَى أَمَةً مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِك تَطَوُّعًا لَا تَحِلُّ لَهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَهَبَهُ الْمَالَ قَبْلَ ذَلِكَ وَسَمِعَ أَشْهَبُ، أَوْ يُسَلِّفُهُ إيَّاهُ اهـ. نَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ إنْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لِلْوَطْءِ مَلَكَهَا بِالثَّمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [أَرَادَ أَخُوهَا الْوَصِيُّ تَزْوِيجَهَا لِكُفْءٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَامْتَنَعَتْ فَهَلْ لَهُ جَبْرُهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَوْصَى ابْنَهُ الْبَالِغَ الرَّشِيدَ عَلَى بِنْتِهِ صَغِيرَةٍ يَتَصَرَّفُ لَهَا بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَزَوَاجٍ وَبَلَغَتْ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا وَأَرَادَ أَخُوهَا الْوَصِيُّ تَزْوِيجَهَا لِكُفْءٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَامْتَنَعَتْ فَهَلْ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ الْوَصِيُّ، وَإِنْ سَفَلَ كَالْأَبِ فِي الْجَبْرِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ لِغَيْرِ كُفْءٍ وَلَا بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجَبْرِ وَلَا عَيَّنَ الزَّوْجَ إنْ قَالَ عَلَى النِّكَاحِ، أَوْ الْبِضْعِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَعْيِينِ الزَّوْجِ الْفَاسِقِ لِبَنَاتِي، أَوْ بَعْضِهِنَّ بِدُونِ زَوَاجٍ، أَوْ بِضْعٍ فَلَا جَبْرَ، وَهُوَ فِي الثَّيِّبِ الْبَالِغِ وَلِيٌّ بِلَا جَبْرٍ وَقَدِمَ إنْ سَفِهَتْ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي الرَّشِيدَةِ بَعْدَ الِابْنِ عَلَى مَا يَأْتِي اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعَرَبِ عُرْفُهُمْ فَرَضَ الْأَبُ عَلَى الزَّوْجِ قَدْرًا مِنْ إبِلِ مُعَجِّلًا وَمُؤَخِّرًا صَدَاقًا لَبِنْتِهِ وَيَعُدُّ لَهَا جِهَازًا مِنْ مَالِهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ لَهَا مَعَ الدُّخُولِ وَتَدْخُلُ بِلَا جِهَازٍ وَلَا دَفْعِ مَهْرٍ وَبَعْدَ أُسْبُوعٍ تَزُورُ بَيْتَ أَبِيهَا وَمَعَهَا الْمُسَمَّى الْمُعَجَّلُ مِنْ الْإِبِلِ فَتَتْرُكُهُ لَهُ وَتَأْخُذُ الْجِهَازَ الَّذِي أَعَدَّهُ الْأَبُ لَهَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَتَذْهَبُ بِهِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا فَهَلْ إذَا مَاتَ أَبُوهَا تَرْجِعُ عَلَى تَرِكَتِهِ بِالْإِبِلِ الَّتِي تَرَكَتْهَا لَهُ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْجِهَازُ مُسَاوِيًا لِلْإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا قِيمَةً فَلَا تَرْجِعُ عَلَى تَرِكَةِ أَبِيهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجِهَازِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْإِبِلِ رَجَعَتْ عَلَيْهَا بِالْبَاقِي لَهَا؛ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بِدَوِيٍّ زَوَّجَ بِنْتَه وَأَخَذَ مُقَدَّمَ صَدَاقِهَا نَاقَةً وَجَمَلًا ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا وَزَوَّجَهَا بِآخَرَ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا وَمَاتَتْ فَطَلَبَ أَبُوهَا مِنْ زَوْجِهَا مِيرَاثَهُ مِنْ تَرِكَتِهَا فَطَلَبَ مِنْهُ الزَّوْجُ مِيرَاثَهُ مِنْ

أفسد زوجة على زوجها فطلقها وتزوجها في العدة فهل نكاحه فاسد

مُقَدَّمِ صَدَاقِهَا الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَصَرَّفَ الْأَبُ فِي بَعْضِهِ بِالْبَيْعِ فِي حَيَاةِ الْبِنْتِ وَعِلْمُهَا سَاكِتَةٌ وَبَعْضُهُ مَاتَ وَمَضَى عَلَى تِلْكَ نَحْوُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ كَانَ عُرْفُهُمْ أَخَذَ الْأَبِ صَدَاقَ بِنْتِهِ لِنَفْسِهِ مِلْكًا، وَلَوْ زَادَ عَلَى جِهَازِهَا، وَأَنَّهَا لَا تُشَاحِحْهُ فِيهِ، وَإِنَّ شَاحَّتْهُ يَلْحَقُهَا الْعَارُ وَالْهَجْرُ وَالْقَطِيعَةُ مِنْهُ بِحَيْثُ إذَا غَضِبَتْ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَأْوِيهَا وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِهَا وَلَا يُغِيثُهَا فَسُكُوتُهَا لَا يُسْقِطُ حَقَّهَا مِمَّا زَادَهُ مُقَدَّمُ صَدَاقِهَا عَلَى الْجِهَازِ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ جِدًّا؛ لِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مَغْلُوبَةٌ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ الْأَبُ جَمِيعَ مَا زَادَهُ صَدَاقُهَا الَّذِي قَبَضَهُ عَلَى جِهَازِهَا الَّذِي جَهَّزَهَا الْأَبُ بِهِ مِمَّا بَاعَهُ وَمِمَّا مَاتَ بِيَدِهِ لِوَضْعِهِ يَدَهُ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ التَّمَلُّكِ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ يَضْمَنُ حَتَّى السَّمَاوِيَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ فَيَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يُعْطِي الزَّوْجَ وَالْأَوْلَادَ مِيرَاثَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدِ عَلَى الْجِهَازِ وَلَا يُسْقِطُ حَقَّهُمْ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِي حَيَاةِ الْبِنْتِ وَسُكُوتِهَا وَطُولِ الْمُدَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَسَتَأْتِي نُصُوصُ فَتَاوِيهِمْ فِي بَابِ الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَاضٍ طَلَّقَ عَلَى غَائِبٍ أَرْسَلَ لِزَوْجَتِهِ زَادًا وَرَاحِلَةً لِتَنْتَقِلَ إلَيْهِ فِي بَلَدِ إقَامَتِهِ فَامْتَنَعَتْ وَتَزَوَّجَهَا الْقَاضِي فِي الْعِدَّةِ فَهَلْ نِكَاحُهُ فَاسِدٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهَلْ إنْ وَلَدَتْ لَا يُلْحَقُ بِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ اللَّه وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: نَعَمْ نِكَاحُ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِطَلَاقِهَا مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ، أَوْ مُعْتَدَّةٌ إنْ كَانَ لَهُ مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ، أَوْ رَجْعِيَّةً وَيَتَأَبَّدُ إنْ كَانَتْ بَائِنًا وَالْوَلَدُ يَلْحَقُ زَوْجَهَا الْغَائِبَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ مَا لَمْ تَكُنْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً جِدًّا فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَيَلْحَقُ الْقَاضِيَ إنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَفْسَدَ زَوْجَةً عَلَى زَوْجِهَا فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهَلْ نِكَاحُهُ فَاسِدٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَفْسَدَ زَوْجَةً عَلَى زَوْجِهَا فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهَلْ نِكَاحُهُ فَاسِدٌ وَهَلْ الْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ أَمْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ نِكَاحُهُ فَاسِدٌ إجْمَاعًا فَيَجِبُ فَسْخُهُ وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِصَاحِبِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ فِيهِ إنْ أَتَتْ بِهِ لِخَمْسِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِنْ طَلَاقِهِ، فَإِنْ لَاعَنَ فِيهِ، أَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالْمُفْسِدِ إنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ أَوْ مُضِيّ أَقَلُّ الْحَمْلُ مِنْ عَقْدِهِ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ زَوَّجَ بِنْتَه فِي أَرْضِ الْجَزَائِرِ وَهِيَ رَضِيعَةٌ ثُمَّ هَاجَرَ بِهَا إلَى دِمَشْقَ دُونَ الزَّوْجِ وَكَبُرَتْ الْبِنْتُ وَأَرْسَلَ أَبُوهَا إلَى زَوْجِهَا طَالِبًا مِنْهُ إمَّا الْهِجْرَةَ إلَيْهِ لِيَبْنِيَ بِزَوْجَتِهِ. وَإِمَّا إرْسَالَ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَرُدَّ لَهُ جَوَابًا وَأَرَادَ أَبُوهَا تَطْلِيقَهَا عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِهَا عَلَى الزَّوْجِ بِدُعَائِهِ لِلدُّخُولِ عَلَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْغَائِبِ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ دُعَاؤُهُ لِلدُّخُولِ وَيَكْفِي فِيهِ عَدَمُ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَأَنَّ لِلزَّوْجَةِ الْقِيَامَ بِنَفَقَتِهَا، وَلَوْ غَابَ زَوْجُهَا قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَفَنِيَ بِالْإِنْفَاقِ وَثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَالُ الزَّوْجِ فِي مُلَائِهِ، أَوْ عَدَمِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ حُكْمُ الْغَائِبِ وَلَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ حُكْمُ الْعَاجِزِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ الْبَعِيدَ

بنت بكر عقد نكاحها غير أبوها وهو غائب على مسافة يوم ونصف

الْغِيبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، أَوْ لَهُ مَالٌ لَا يُمْكِنُهَا الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاجِزِ الْحَاضِرِ وَلِخَوْفِ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْبِنْتِ مِنْ طُولِ الْغَيْبَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الْعَدْلُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ وَفِي كُلِّ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ فِيهِ إلَى الْحَاكِمِ، أَوْ يَكُونُ غَيْرَ عَدْلِ اهـ. [بِنْت بِكْر عَقَدَ نِكَاحَهَا غَيْرُ أَبُوهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَنِصْفٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بِنْتٍ بِكْرٍ عَقَدَ نِكَاحَهَا غَيْرُ أَبُوهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَنِصْفٍ مُعْتَمِدًا عَلَى إذْنِ أُمِّهَا الْحَاضِنَةِ لَهَا فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَتَعَيَّنُ فَسْخُ هَذَا الْعَقْدُ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَبُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفَسْخُ تَزْوِيجِ حَاكِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَأَخٍ وَجَدٍّ إذَا زَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُجْبَرَ بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً مَجْنُونَةً فِي غَيْبَةِ أَبِيهَا غَيْبَةً قَرِيبَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ نَحْوِهَا، فَإِنَّ التَّزْوِيجَ يُفْسَخُ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَأَجَازَهُ الْأَبُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ ضَرَرُ الْأَبِ بِهَا وَإِلَّا زُوِّجَتْ وَيَصِيرُ الْآنَ كَالْعَاضِلِ الْحَاضِرِ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إمَّا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا عَلَيْهِ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَمِثْلُ الْأَبِ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَيِّبٍ صَغِيرَةٍ زَوَّجَهَا أَخُوهَا مَعَ غَيْبَةِ أَبُوهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَبُوهَا تَوْكِيلٌ لِأَخِيهَا عَلَى ذَلِكَ فَهَلَّا يَنْفُذُ الْعَقْدُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَتَعَيَّنُ فَسْخُ هَذَا الْعَقْدِ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَبُ مَا لَمْ يَثْبُتْ إضْرَارُ أَبِيهَا بِهَا بِمَنْعِهَا مِنْ النِّكَاحِ وَإِلَّا فَلَا يُفْسَخُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ إنْ لَمْ يُحْبِلْهَا فِي مُدَّةِ ثَلَاثِ سِنِينَ أَخَذَتْ صَدَاقَهَا وَرَجَعَتْ لِأَهْلِهَا، وَإِنْ أَحْبَلَهَا فِيهَا مَكَثَتْ مَعَهُ فَهَلْ هَذَا مِنْ النِّكَاحِ لِأَجَلٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ هَذَا مِنْ النِّكَاحِ لِأَجَلٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَصُّهُ فَرْعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مُدَّةً ثُمَّ يُفَارِقُهَا إذَا سَافَرَ مَثَلًا أَيْ يَنْوِي فِرَاقَهَا إذَا سَافَرَ إذَا أَعْلَمَهَا بِذَلِكَ فَسَدَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهَا وَفَهِمَتْ ذَلِكَ جَازَ اهـ. عَبْدُ الْبَاقِي ثُمَّ ذَكَرَ الْمُتْعَةَ بِقَوْلِهِ وَفَسْخُ النِّكَاحِ مُطْلَقًا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ كَالنِّكَاحِ لِأَجَلٍ أَيْ فَسْخُ نِكَاحٍ شُرِطَ فِيهِ أَجَلٌ تَصْرِيحًا وَمَا أَشْبَهَهُ كَأَنْ أَعْلَمَ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ بِأَنَّهُ يُفَارِقُ بَعْدَ سَفَرِهِ كَمَا فِي تَزْوِيجِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ مِنْ مَكَّةَ قَالَهُ أَحْمَدُ وَيُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. وَقِيلَ بِطَلَاقٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مَجْمَعٌ عَلَى فَسَادِهِ عَلَى الرَّاجِحِ فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحَ مُتْعَةٍ، وَلَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا وَأَفْتَى بِهِ الْأُجْهُورِيُّ وَلَا حَدَّ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَوْ عَلَى الْعَالِمِ، وَلَكِنْ يُعَاقَبُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَفِيهِ الْمُسَمَّى بِالْوَلَدِ. وَقِيلَ: صَدَاقُ الْمِثْلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قُرْبِ الْأَجَلِ وَبُعْدِهِ كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْأَجَلَ الْبَعِيدَ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا لَا يَضُرُّ وَحَقِيقَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ مَعَ ذِكْرِ الْأَجَلِ مِنْ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ وَلِيِّهَا بِأَنْ يُعْلِمَهَا بِمَقْصُودِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ وَلَا اُشْتُرِطَ وَقَصَدَهُ الرَّجُلُ وَفَهِمَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَالَهُ مَالِكٌ وَصَدَرَ فِي الشَّامِلِ بِالْفَسَادِ إذَا فَهِمَتْ ذَلِكَ مِنْهُ وَظَاهِرُ الْأُجْهُورِيِّ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، وَلَمْ تَفْهَمْ فَلَيْسَ بِمُتْعَةٍ اتِّفَاقًا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَازِرِيُّ تَقَرَّرَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ اهـ وَمَا حَكَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ قَوْلِهِ بِجَوَازِهِ، فَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رُجُوعُهُ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ الْمَشْهُورُ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي بَقَاءِ خِلَافِ

ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافٌ أَبُو عُمَرَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ يَرَوْنَهُ حَلَالًا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عَقِيمٍ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْ أَبِيهَا فَامْتَنَعَ مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ لِعُقُمِهِ فَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَقَالَ أَبُوهَا لَا أُعْطِيهَا لَك إلَّا بِشَرْطٍ إنْ أَحْبَلْتَهَا فِي مُدَّةِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مَكَثَتْ مَعَك، وَإِنْ لَمْ تُحْبِلْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا وَتَعُودُ إلَيْنَا فَرَضِيَ الْخَاطِبُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِ الْعَشِيَّةِ عَلَى يَدِ بَيِّنَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُتِبَتْ وَثِيقَةٌ فِي صَبِيحَتِهَا بَيْنَهُمْ بِهَذَا الشَّرْطِ وَشَهِدَ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ أَيْضًا فَمَا حُكْمُ هَذَا النِّكَاحِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَاجِبُ الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَوَلَدَتْ الْأَوْلَادَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُوَرِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ الْمَجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ كَمَا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رُجُوعُهُ عَنْ تَجْوِيزِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ وَكَوْنُهُ نِكَاحَ مُتْعَةٍ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَصُّهُ: " قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مُدَّةً ثُمَّ يُفَارِقُهَا إذَا سَافَرَ مَثَلًا أَيْ يَنْوِي فِرَاقَهَا إذَا سَافَرَ إذَا أَعْلَمَهَا بِذَلِكَ فَسَدَ اهـ ". وَيُعْلَمُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عَبْدِ الْبَاقِي حَقِيقَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ مَعَ ذِكْرِ الْأَجَلِ مِنْ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ وَلِيِّهَا بِأَنْ يُعْلِمَهَا بِمَقْصُودِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ فِرَاقِهَا عِنْدَ سَفَرِهِ كَمَا فِي تَزْوِيجِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ مِنْ مَكَّةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي يَتِيمَةٍ مُهْمَلَةٍ لَهَا إخْوَةٌ وَعَمَّانِ وَلَا يُخْشَى فَسَادُهَا أُرِيدَ تَزْوِيجُهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا فَهَلْ يَجُوزُ وَيَمْضِي إذَا وَقَعَ أَوَّلًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْقُدُومُ عَلَى تَزْوِيجِهَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ وَبَطَلَ الزَّمَنُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِوِلَادَةِ وَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ، أَوْ مَضَى زَمَنٌ تَلِدُ فِيهِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ تَزْوِيجُ غَيْرِ الْبَالِغِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهَا إذَا خُشِيَتْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ وَكَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا وَرَضِيَتْ بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا وَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ تَزْوِيجَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ جَائِزٌ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، وَعَلَى الْمُشَاوِرِ إنْ وَقَعَ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَإِنْ بَلَغَتْ مَا لَمْ تَدْخُلْ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ إذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَقِيلَ: إنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ وَوَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَرَضِيَتْ بِزَوْجِهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَعَزَاهُ إلَى مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يُفْسَخُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنَّ النِّكَاحَ يُكْرَهُ، فَإِذَا وَقَعَ لَا يُفْسَخُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الْبِزْ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَقِيلَ: إنْ زُوِّجَتْ، وَقَدْ شَارَفَتْ الْحَيْضَ، وَأَنْبَتَتْ فَلَا يُفْسَخُ وَإِلَّا فُسِخَ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَرِيضٍ بِالْبَاسُورِ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ أَيَّامًا، وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِمَنْ يَعُولُهُ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَيَمْضِي إنْ وَقَعَ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ مَا لَمْ يُقْعِدْهُ وَيُضْنِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَرَضِ الْعِلَلُ الْمُزْمِنَةُ الَّتِي لَا يُخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ

مِنْهَا كَالْجُذَامِ وَالْهَرَمِ وَأَفْعَالُ أَصْحَابِ ذَلِكَ أَفْعَالُ الْأَصِحَّاءِ بِلَا خِلَافٍ اهـ. قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَوْنُ الْمَفْلُوجِ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ وَذِي الْقُرُوحِ مِنْ الْخَفِيفِ مَا لَمْ يُقْعِدْهُ وَيُضْنِهِ، فَإِنْ أَقْعَدَهُ وَأَضْنَاهُ وَبَلَغَ بِهِ حَدَّ الْخَوْفِ عَلَيْهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَخُوفِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا وَلَمَّا كَانَتْ مَوَانِعُ النِّكَاحِ أَرْبَعَةً: الرِّقُّ وَالْكُفْرُ وَكَوْنُ الشَّخْصِ خُنْثَى مُشْكِلًا وَالْمَرَضُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ (وَهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (الْمَخُوفُ) أَيْ الَّذِي لَا يُتَعَجَّبُ مِنْ صُدُورِ الْمَوْتِ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَغْلِبْ صُدُورِهِ عَنْهُ خِلَافًا لِلْمَازِرِيِّ: وَإِنْ لَمْ يُشْرِف (النِّكَاحَ) وَلَوْ مَعَ احْتِيَاجِهِ، وَإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ الرَّشِيدُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ مُوَرِّثِهِ وَكَوْنِ الْوَارِثِ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ لِلنَّهْيِ عَنْ إدْخَالِ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي النِّكَاحِ إدْخَالَ وَارِثٍ مُحَقَّقٍ وَلَيْسَ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ حَمْلٌ، أَوْ الْمَنْعُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلنِّكَاحِ، أَوْ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ لَمْ يُمْنَعْ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَارِثُ وَشَهَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلِذَا قَالَ (خِلَافٌ) قَبْلُ وَمَشْهُورُهُ الْأَوَّلُ وَيَلْحَقُ بِالْمَرِيضِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَحْجُورٍ مِنْ حَاضِرٍ صَفَّ الْقِتَالِ وَمُقَرَّبٍ لِقَطْعٍ خِيفَ مَوْتُهُ مِنْهُ وَمَحْبُوسٍ لِقَتْلٍ وَحَامِلٍ سِتَّةً فَلَا يُعْقَدُ عَلَيْهَا لِمَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بَعْدَ خُلْعِهِ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ حَامِلٌ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَرِيضَيْنِ لَاتَّفَقَ عَلَى الْمَنْعِ كَمَا يُرْشِدُ لَهُ الْمَعْنَى إذْ الْمَرِيضَةُ لَا تَنْفَعُ الْمَرِيضَ لِحَاجَتِهِ غَالِبًا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَوَّجَ رَجُلًا وَلِيَّتَهُ، وَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ بِاسْمِ شَخْصٍ يَعْرِفُ الْوَلِيَّ نَسَبَهُ وَبَيْتَهُ وَعَقَارَهُ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ وَشَهِدَ بِأَنَّهُ صَاحِبُ الِاسْمِ جَمَاعَةٌ ثُمَّ تُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَهَلْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَهَلْ يُؤَدَّبُ الزَّوْجُ وَالشُّهُودُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَاوِيًا لِصَاحِبِ الِاسْمِ فِي الْقَدْرِ، أَوْ أَعْلَى مِنْهُ فِيهِ فَهُوَ لَازِمٌ أَيْضًا وَإِلَّا فَلِلزَّوْجَةِ فَسْخُهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مُشَبِّهًا فِي أَنَّ لِلزَّوْجَةِ الرَّدَّ كَمَنْ انْتَسَبَ لِأَعْلَى مِنْهُ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ اهـ. وَيُؤَدَّبُ الزَّوْجُ وَالشُّهُودُ لِلتَّدْلِيسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زُوِّجَتْ صَغِيرَةً ثُمَّ تَأَيَّمَتْ كَذَلِكَ ثُمَّ زَوَّجَهَا أَبُوهَا جَبْرًا بَعْدَ بُلُوغِهَا فَهَلْ هُوَ فَاسِدٌ وَهَلْ فَسْخُهُ طَلَاقٌ، أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ خَافَ الْأَبُ فَسَادَهَا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَوْنِهَا فَعَقْدُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ ثُمَّ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ فَفَسْخُهُ طَلَاقٌ، وَإِنْ كَانَ مَجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَلَيْسَ فَسْخُهُ طَلَاقًا عَبْدُ الْبَاقِي بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ثَيِّبٌ بِنِكَاحٍ كَبِيرٍ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ حَيْثُ ظَهَرَ فَسَادُهَا وَعَجَزَ وَلِيُّهَا عَنْ صَوْنِهَا، فَإِنَّ الْأَبَ يَجْبُرُهَا أَيْضًا عَلَى النِّكَاحِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ رَفْعُ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِلْحَاكِمِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا دُونَ رَفْعٍ مَضَى ذِكْرُهُ التَّتَّائِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ مُقَابِلَهُ وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُهُ فَيُلْغِزُ بِهَا. الْعَدَوِيُّ اعْتَمَدَ بَعْضُ شُيُوخِنَا كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ أُعِيدَ السُّؤَالُ بِزِيَادَةِ أَنَّ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ رُفِعَ لِنَائِبِ قَاضٍ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَفَسَخَهُ وَعَقَدَ عَلَيْهَا بِإِذْنِهَا لِآخَرَ وَرُفِعَ لِقَاضٍ فَأَرَادَ فَسْخَهُ لِقَصْرِ فَسْخِ النِّكَاحِ عَلَى الْقُضَاةِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ (فَأَجَبْت) لَا لِقَوْلِ الشُّرَّاحِ الْحُصْرُ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يُحَكَّمُ فِي الرُّشْدِ إلَخْ الْقُضَاةُ إضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَالِي وَوَالِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْكُمُ فِيهَا، وَكَذَا نَائِبُ الْقَاضِي.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَزْوِيجِ رَجُلٍ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ لِخَادِمِهِ بِخِدْمَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ هُوَ فَاسِدٌ يُفْسَخُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هُوَ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الصَّدَاقِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي كَوْنِهِ مَنَافِعَ كَخِدْمَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ تَعْلِيمُهُ قُرْآنًا مَنَعَهُ مَالِكٌ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ، وَإِنْ وَقَعَ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ. فَمَفْهُومٌ قَوْلُهُ مُدَّةً مُعِينَةً أَنَّهُ إنْ لَمْ تُعَيَّنْ الْمُدَّةُ يُمْنَعُ اتِّفَاقًا وَفِي عِبَارَةِ الْخَرَشِيِّ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ إذَا وَقَعَ بِمَنَافِعِ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ عَبْدٍ فِي عَقْدِ إجَارَةٍ، أَوْ وَقَعَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ قُرْآنًا مُحَدِّدًا بِحِفْظٍ، أَوْ نَظَرٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ عَقْدِ إجَارَةٍ وَقَوْلُهُ مُحَدِّدًا بِحِفْظِ، أَوْ نَظَرٍ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ حُدِّدَتْ الْمَنْفَعَةُ بِزَمَنٍ، أَوْ عَمَلٍ وَإِلَّا فَسَدَ اتِّفَاقًا لِلْجَهْلِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ، وَإِنْ وَقَعَ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا نَسَبَهُ لِمَالِكٍ مِنْ الْمَنْعِ. وَأَمَّا عَلَى الْجِوَارِ وَالْكَرَاهَةِ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْإِمْضَاءِ، وَإِنَّمَا مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَمَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِمْضَاءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي حُكْمِهِ الْكَرَاهَةُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً الْمَنْعَ، وَإِذَا وَقَعَ صَحَّ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَسَبَ الْمَنْعَ لِمَالِكٍ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَشْهُورُ خِلَافَهُ اهـ. قَالَ الْبُنَانِيُّ لَكِنْ ابْنَ عَرَفَةَ مَعَ مَا عَلِمَ مِنْ حِفْظِهِ لَمْ يَحْكِ هَذَا الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا عَرَّجَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ اللَّقَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ حَصَلَ ابْنُ عَرَفَةَ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ الْكَرَاهَةُ فَيَمْضِي بِالْعَقْدِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. الثَّالِثُ إذَا كَانَ مَعَ الْمَنَافِعِ نَقْدٌ جَازَ وَإِلَّا فَالثَّانِي. الرَّابِعُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدٌ فَالثَّانِي وَإِلَّا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَضَى بَعْدَهُ بِالنَّقْدِ وَقِيمَةِ الْعَمَلِ. الْخَامِسُ بِالنَّقْدِ وَالْعَمَلِ اهـ. فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَنْقُلْ أَصْلًا الْقَوْلَ الَّذِي قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَفَسَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ ظَهَرَ لَهُ هُنَا أَنَّ الصَّوَابَ مَا فَهِمَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا مَا فَهِمَهُ هُوَ فِي التَّوْضِيحِ فَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ هُنَا إلَى ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ قَوْلُ عَبْدِ الْبَاقِي الْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ مَعَ الْمُضِيِّ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ كَرْدِفَانَ مِنْ طَمَعِهِمْ فِي بَنَاتِهِمْ إذَا خُطِبَتْ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَبُوهَا لِخَاطِبِهَا لَا أُعْطِيكهَا حَتَّى تُعْطِينِي خَمْسَ بَقَرَاتٍ مَثَلًا وَأُمُّهَا لَهَا بَقَرٌ يُسَمُّونَهُ حَقَّ الْحَضَانَةِ، فَإِذَا أَعْطَاهُمَا ذَلِكَ زَوَّجُوهَا لَهُ بِصَدَاقٍ آخَرَ فَهَلْ لِلْبِنْتِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَهَلْ لَهَا مُخَالَعَةُ زَوْجِهَا بِرَدِّهِ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِهِ

أعتقه سيده وزوجه جاريته ودخل بها وهو قادر على التزوج بحرة تعفه

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلْبِنْتِ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَهَا مُخَالَعَةُ زَوْجِهَا بِهِ إنْ لَمْ تَجُزْهُ لَهُمَا وَهِيَ رَشِيدَةٌ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِي عَلَيْهِ وَلَهَا أَيْ الزَّوْجَةِ أَخْذُهُ أَيْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَطِ عَلَى الزَّوْجِ قَبْلَ الْعَقْدِ إهْدَاؤُهُ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنْهُ أَيْ لِغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ رَشِيدَةٌ أَيْ تُمْضِي إهْدَاءَ الزَّوْجِ لِغَيْرِهَا فِي حَالِ رُشْدِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إجَازَتَهَا مُعْتَبَرَةٌ وَمَا أُهْدِي لِلْوَلِيِّ بَعْدَهُ أَيْ الْعَقْدِ لَهُ أَيْ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ لَيْسَ لِلنِّكَاحِ. [أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَزَوَّجَهُ جَارِيَتَهُ وَدَخَلَ بِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِحُرَّةٍ تُعِفُّهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَزَوَّجَهُ جَارِيَتَهُ وَدَخَلَ بِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِحُرَّةٍ تُعِفُّهُ، وَلَمْ يَخْشَ الزِّنَا بِعَيْنِهَا فَهَلْ لَا يَفْسَخُ وَهَلْ إنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْجَارِيَةَ لَا تُخَيَّرُ فِي فِرَاقِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُفْسَخُ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَلَا تُخَيَّرُ فِي فِرَاقِهِ إنْ أُعْتِقَتْ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ، فَإِنْ ابْتَدَأَ الْحُرُّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ الشَّرْطِ فَالْأَظْهَرُ مُضِيُّهُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ لِكَثْرَةِ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجُهُ حَتَّى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ جَوَازُهُ بِلَا شَرْطٍ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَانْظُرْ مَا يُجِيبُ بِهِ الْمُجِيزُ عَنْ الْآيَةِ هَلْ يَرَاهَا بَيَانًا لِلْكَمَالِ فَقَطْ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَسْخٌ حَرَّرَهُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَبَ مِنْهُ مَنْ يَمُوتُ عِنْدَهُ الْحَقُّ قَرْضَهُ دَرَاهِمَ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَأَسْمَعَهُ كَلَامًا غَمَّهُ غَمًّا شَدِيدًا فَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ فَشَرَعَ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ وَتَذَكَّرَ فِي أَثْنَائِهِ أَنَّ عِنْدَهُ دَرَاهِمَ فَقَالَ سِرًّا لَك عَقِبَ قَوْلِهِ مَا عِنْدِي دَرَاهِمُ وَعَاشَرَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ سِنِينَ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ بِهَذِهِ الْيَمِينِ لِاسْتِثْنَائِيِّهِ دَرَاهِمِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَحْلُوفِ عَلَى نَفْيِهَا مَعْنًى وَلُغَةً بِنَعْتِهَا بِقَوْلِهِ لَك مُتَّصِلًا بِهَا مَنْوِيًّا مَقْصُودًا بِهِ حَلَّهَا مَنْطُوقًا بِهِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ مَا عِنْدِي دَرَاهِمُ إلَّا دَرَاهِمِي، فَقَدْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ قَصَدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَلَّ الْيَمِينِ أَيْ مِنْ أَوَّلِ النُّطْقِ بِاَللَّهِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْيَمِينِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِلَا فَضْلٍ كَمَا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ السَّامِعِ لِلْحَالِفِ قُلْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُهَا عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِلَا فَصْلٍ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَيْضًا، وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ تَنَاقُضًا حَيْثُ لَمْ يَرِدْ الْإِخْرَاجُ أَوَّلًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَانْظُرْهُ مَعَ مَا قِيلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ قَبْلَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ

قال لآخر هبني بنتك فقال له وهبتك بنتي فقال قبلت ولم يذكرا صداقا

أَوْ قَبْلَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ الْمُقْسَمِ بِهِ قَوْلَانِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا قَوْلُ الْخَرَشِيِّ وَنَحْوُهُمَا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَفَادَ بِإِلَّا فِي الْجَمِيعِ يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا مِنْ خَلَا وَعَدَا وَنَحْوِهِمَا أَيْ مِنْ شَرْطٍ، أَوْ صِفَةٍ، أَوْ غَايَةٍ، أَوْ بَدَلِ بَعْضٍ نَحْوُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إلَّا يَوْمَ كَذَا، أَوْ إنْ ضَرَبَنِي، أَوْ ابْنَ عَمْرٍو، أَوْ إلَى وَقْتِ كَذَا، أَوْ لَا أُكَلِّمُ الرَّجُلَ ابْنَ عَمْرٍو اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ خَطَبَ لِابْنِهِ الْبَالِغَ بِنْتَ رَجُلٍ آخَرَ بِصَدَاقٍ مَعْلُومٍ وَوَكَّلَ الِابْنُ أَبَاهُ فِي قَبُولِ نِكَاحِهَا وَوَكَّلَ أَبُو الْبِنْتِ غَيْرَهُ فِي الْإِيجَابِ وَحَضَرَ الْوَكِيلَانِ بَيْنَ يَدَيْ فَقِيهٍ فَقَالَ لِوَكِيلِ أَبِي الْبِنْتِ قُلْ زَوَّجْت، وَأَنْكَحْت مَوْلَاةَ مُوَكِّلِي لِمُوَكِّلِك بِصَدَاقٍ قَدْرُهُ كَذَا فَقَالَهُ ثُمَّ قَالَ لِأَبِي الْمُزَوَّجِ قُلْ قَبِلْت نِكَاحَ وَتَزْوِيجَ مَوْلَاةِ مُوَكِّلِك لِمُوَكِّلِي بِالصَّدَاقِ الْمُسَمَّى بَيْنَنَا، وَقَدْرُهُ كَذَا فَقَالَهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ لَا يَعْلَمُونَ عَيْنَ الْبِنْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَلَهَا أُخْتٌ فَهَلْ الْعَقْدُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مُعَاشَرَتَهَا بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِ الشُّهُودِ عَيْنَهَا وَلِأَنَّ لَفْظَ مَوْلَاةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَتِيقَةِ وَهَلْ إذَا جَدَّدَ فَقِيهٌ آخَرُ عَقْدًا صَحِيحًا يَكُونُ فِي مَحَلِّهِ وَهَلْ يُطْلَقُ لَفْظُ مَوْلَاةٍ عَلَى الْبِنْتِ أَيْضًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا كَانَتْ الْخِطْبَةُ لِبِنْتٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ بِنْتَيْ الْمَخْطُوبِ مِنْهُ وَقَصَدَهَا الْوَكِيلَانِ بِالْعَقْدِ، فَقَدْ صَادَفَ مَحَلَّهُ وَصَحَّ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ عِلْمِ الشُّهُودِ الْحَاضِرِينَ عَيْنَهَا حِينَ الْعَقْدِ وَلَا تَسْمِيَتُهَا مَوْلَاةً، فَإِنَّ الْإِشْهَادَ حَالَ الْعَقْدِ مَنْدُوبٌ فَقَطْ وَيَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَكْفِي، وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَإِنَّ أَعْلَمَ الْمَذْكُورُونَ بِعَيْنِ الْبِنْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ غَيْرَهُمْ كَفَى وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا الْمَقَاصِدُ لَا الْأَلْفَاظُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِلَفْظِ مَوْلَاةٍ وَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ بِنْتٍ وَلَفْظُ مَوْلَاةٍ مَعْنَاهُ لُغَةً مَنْ لَك عَلَيْهَا وِلَايَةٌ مِنْ نَسَبٍ، أَوْ عِتْقٍ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَالْعَقْدُ الثَّانِي لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَلَكِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ ضَرَرًا فَهُوَ تَوْكِيدٌ كَجَمْعِ الْأَوَّلِ فِي الصِّيغَةِ بَيْنَ زَوَّجْت، وَأَنْكَحْت وَكَوَّنُوا أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ إخْوَانًا وَإِيَّاكُمْ وَالْجِهَادُ فِي الْإِخْوَانِ دُونَ الْأَعْدَاءِ وَاقْرَءُوا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10] وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قَالَ لِآخَرَ هَبْنِي بِنْتَك فَقَالَ لَهُ وَهَبْتُك بِنْتِي فَقَالَ قَبِلْت وَلَمْ يَذْكُرَا صَدَاقًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ هَبْنِي بِنْتَك فَقَالَ لَهُ وَهَبْتُك بِنْتِي فَقَالَ قَبِلْت، وَلَمْ يَذْكُرَا صَدَاقًا فَهَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ ذِكْرُ مَهْرٍ حَالَ الْعَقْدِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْعَقِدُ بِالْهِبَةِ إنْ ذَكَرَ مَهْرًا

وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ عَدَمُهُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا لِآخَرَ خَاطِبَا لِبِنْتِهِ لِلْأَوَّلِ، أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَجَابَهُ وَتَوَاعَدَا عَلَى الْعَقْدِ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ، وَأَرْسَلَ لَهَا كِسْوَةً ثُمَّ أَرْسَلَ لِأَهْلِهَا طَالِبًا الدُّخُولَ بِهَا فَجَهَّزُوهَا وَزَفُّوهَا إلَيْهِ وَدَخَلَ بِهَا بِلَا عَقْدٍ وَلَا إشْهَادٍ ظَانًّا حُصُولَهُمَا مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ حُصُولِهِمَا مِنْهُمَا فَأَفْتَى فَقِيهٌ بِالْفَسْخِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالْإِشْهَادِ وَعَدَمِ الْحَدِّ لِلْفَشْوِ وَآخَرُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ النِّكَاحِ عَلَى الشُّهْرَةِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَنْكِحَةِ السَّلَفِ كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ عَلَى التُّحْفَةِ، وَإِنَّ فَسْخَهُ أَوْلَى فَفَسَخَهُ وَعَقَدَ لَهُمَا عَقْدًا جَدِيدًا فَسُئِلَ هَلْ فَسْخُهُ طَلَاقٌ فَقَالَ لَا مُسْتَنِدًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ إشَاعَةَ النِّكَاحِ وَشُهْرَتَهُ مَعَ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ تَكْفِي عَنْ الْإِشْهَادِ وَعَادَةُ بَلَدِنَا أَنَّ الْخِطْبَةَ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْعَقْدِ إنَّمَا هِيَ تَوْطِئَةٌ لَهُ ثُمَّ تَارَةً يَقَعُ بَعْدَهَا لَيْلَةَ الْبِنَاءِ وَتَارَةً يَرْجِعُونَ عَنْهَا وَلَا يَعْقِدُونَ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَاجِبٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ فَسْخٌ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ فِيهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْعَلَّامَةُ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ سُئِلَ أَبُو سَالِمٍ إبْرَاهِيمُ الْكِئْلَالِيُّ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ تَوْجِيهِ الرَّجُلِ مَنْ يَخْطُبُ امْرَأَةً لِنَفْسِهِ، أَوْ لِوَلَدِهِ فَيُجِيبُهُ أَهْلُهَا بِالْقَبُولِ وَيَتَوَاعَدُونَ الْعَقْدَ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ لَهَا حِنَّاءً وَحَوَائِجَ فِي الْمَوَاسِمِ وَيُوَلُّونَ النِّسَاءَ عِنْدَ الْخِطْبَةِ وَيَسْمَعُ النَّاسُ وَالْجِيرَانُ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَيَزِيدُ أَهْلُ فَاسَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ ثُمَّ يَطْرَأُ مَوْتٌ، أَوْ نِزَاعٌ. فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِأَنَّ الْخِطْبَةَ وَإِجَابَتَهَا بِالْقَبُولِ إنَّمَا هُمَا تَوْطِئَةٌ لِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ، وَأَنَّهُ لَا إلْزَامَ بِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَارَاتٌ عَلَى مَيْلِ كُلٍّ لِصَاحِبِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِذَلِكَ وَعَدَمِ تَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُمْ جَارِيَانِ مَجْرَى الْعَقْدِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِينِ قَدْرِ الْمَهْرِ وَأَجَلِهِ وَتَحْقِيقِ مَا قُبِضَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ بِهِمَا وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِمَا أَحْكَامُهُ، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلُوا هَلْ أَرَادُوا الْوَعْدَ أَوْ الْإِبْرَامَ لَا يُجِيبُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمَزْدَغِيُّ انْعِقَادُ النِّكَاحِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ بِهِمَا وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ قَالَ التَّاوَدِيُّ وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الْخِطْبَةَ وَالْإِجَابَةَ بِالْقَبُولِ عَقْدٌ، وَلَوْ مِمَّنْ نَابَ عَنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ وَعَلِمَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَرَضِيَا بِهِ فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِذَلِكَ وَتُرَتَّبُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ قَبُولٍ وَسُكُوتٍ أَوْ وَعْدٍ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لِلْعَادَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ السُّكُوتِ أَمَّا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُوَاعَدَةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الشَّرْعِيَّ

تزوج صغيرة وأزال بكارتها بأصبعه وأراد وطأها فامتنعت وهربت منه

إنَّمَا يَكُونُ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ فَلَا إذَا هُوَ نَاسِخٌ لَهَا عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مَدَارُ النِّكَاحِ عَلَى الشُّهْرَةِ وَقَوْلُهُ إشَاعَةُ النِّكَاحِ وَشُهْرَتُهُ تَكْفِي عَنْ الْإِشْهَادِ فَمَوْضُوعُهُ حُصُولُ الْعَقْدِ بِصِيغَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ بِلَا إشْهَادٍ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ التَّاوَدِيُّ: قَالَ الشَّارِحُ شَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي شَرْطِ الْإِشْهَادِ حَتَّى كَأَنَّهُ عِنْدَهُمْ رُكْنٌ وَخُلُوُّ بَعْضِ الْأَنْكِحَةِ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الشُّهْرَةِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَفِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ الشُّهْرَةُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَمْ تَكُنْ أَنْكِحَةُ السَّلَفِ بِإِشْهَادٍ وَفِي جَوَابِ ابْنِ لُبٍّ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنِّكَاحِ وَشُهْرَتِهِ مَعَ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ تُكْفَى، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إشْهَادٌ وَهَكَذَا كَانَتْ أَنْكِحَةُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَزْوِيجِ عَمٍّ بِكْرَيْنِ بَالِغَتَيْنِ مَاتَ أَبُوهُمَا مُوصِيًا عَلَيْهِمَا غَيْرَهُ بِإِذْنِ قَاضٍ لِزَعْمِهِ خَوْفَ فَسَادِهِمَا بِدُونِ إذْنِهِمَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُمَا بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ فَأَجَازَتَا عَقْدَهُ عَلَى زَعْمِهِ ثُمَّ زَوَّجَ الْوَصِيُّ الْكَبِيرَةَ بِإِذْنِهَا ثُمَّ تَرَافَعَا لِقَاضٍ مَالِكِيٍّ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْعَمِّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ عَقْدُ الْعَمِّ الْمَذْكُورِ فَاسِدٌ مِنْ جِهَاتِ إقْرَارِهِ بِالتَّعَدِّي حَالَ الْعَقْدِ وَوُقُوعُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا وَتَأَخُّرُ إجَازَتِهِمَا نِصْفَ شَهْرٍ وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِصِحَّتِهِ بَاطِلٌ لَمْ يَرْفَعْ الْخِلَافَ وَعَقْدُ الْوَكِيلِ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَعْقُودٍ عَلَيْهَا عَقْدًا فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَوَجَبَ فَسْخُ الْعَقْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالِاسْتِبْرَاءُ ثُمَّ يُعْقَدُ لَهُمَا عَلَى مَنْ تَشَاءَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ وَأَرَادَ وَطْأَهَا فَامْتَنَعَتْ وَهَرَبَتْ مِنْهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ وَأَرَادَ وَطْأَهَا فَامْتَنَعَتْ وَهَرَبَتْ مِنْهُ فَطَلَبَهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَطَلَبَ مِنْهُ إمْهَالَهَا لِإِطَاقَتِهَا فَامْتَنَعَ مِنْهُ فَهَلْ يَلْزَمُ إمْهَالُهَا لِذَلِكَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ لَزِمَ زَوْجَهَا إمْهَالُهَا لِإِطَاقَتِهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ وَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهَا وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُطِيقَةً لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إمْهَالُهَا إلَّا إنْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ إمْهَالَهَا سَنَةً فَأَقَلَّ لِصِغَرٍ، أَوْ تَغْرِبَةٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَزِمَهُ مَا ذُكِرَ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ عَنْهُ الْأَبُ فِي نَظِيرِ الطَّلَاقِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتُمْهَلُ سَنَةً إنْ اُشْتُرِطَتْ لِتَغْرِبَةٍ، أَوْ صِغَرٍ وَإِلَّا بَطَلَ. قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ الزَّوْجَةِ إنْ شَرَطُوا عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ لِأَجْلِ صِغَرِهَا، أَوْ لِإِرَادَتِهِ

عقد النكاح بلا حضور شهود ثم يشهد الولي والزوج عليه قبل الدخول

تَغْرِبَتَهَا، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلَوْ دَفَعَ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ، فَإِنْ شَرَطُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الصِّغَرِ وَالتَّغْرِبَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَإِنْ شَرَطُوا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِتَغْرُبهُ، أَوْ صِغَرٍ بَطَلَ مَا شُرِطَ كُلُّهُ لَا الزَّائِدُ فَقَطْ، وَهَذَا فِي الصِّغَرِ غَيْرُ الْمَانِعِ مِنْ الْجِمَاعِ، وَأَمَّا الْمَانِعُ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَلِلْمَرَضِ وَالصِّغَرِ الْمَانِعَيْنِ لِلْجِمَاعِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَةَ إنْ كَانَتْ مَرِيضَةً مَرَضًا لَا تُطِيقُ مَعَهُ الْجِمَاعَ، أَوْ صَغِيرَةً صِغَرًا لَا تُطِيقُ مَعَهُ الْجِمَاعَ وَطَلَبَ الزَّوْجُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُمْهَلُ إلَى زَوَالِهِمَا وُجُوبًا وَلَا يُمَكَّنُ الزَّوْجُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ لَا مُجَرَّدَ فَضِّ الْبِكْرِ فَفِيهِ الْأَرْشُ. [عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا حُضُورِ شُهُودٍ ثُمَّ يَشْهَدُ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا حُضُورِ شُهُودٍ ثُمَّ يَشْهَدُ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ هُوَ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ دُونَ إشْهَادٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ صَحَّ بِاتِّفَاقٍ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [ثَيِّب رَشِيدَة وَكَّلَتْ أَبَاهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَيِّبٍ رَشِيدَةٍ وَكَّلَتْ أَبَاهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِذَلِكَ وَبِالْعَقْدِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ عَقْدِ الْمَرْأَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَا بِالتَّوْكِيلِ وَلَا بِالْعَقْدِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ عَبْدُ الْبَاقِي أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْعَقْدِ، وَلَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلِيِّ بِعَقْدِ وِلَايَتِهِ وَلَا بِتَوْكِيلِهَا، وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتْهَمُ فِي السَّتْرِ عَلَيْهَا اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُلَى مَنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ بَلْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ، وَلَوْ تَوَلَّى الْعَقْدَ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْمُتَوَلَّى؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَبْدٍ آبِقَ مِنْ سَيِّدِهِ مُدَّةً وَاكْتَسَبَ فِيهَا مَالًا وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيَصِحُّ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَطْءِ وَلِأَنَّ فِي تَزَوُّجِهِ ضَرَرًا عَلَى سَيِّدِهِ بِتَنْقِيصِ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ لِعَيْبِ التَّزَوُّجِ وَبِإِتْلَافِ الْمَالِ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ عَقْدُهُ وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ

فِي إمْضَائِهِ وَفَسْخِهِ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَقَعُ بَائِنَةً وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ إمْضَاءِ سَيِّدِهِ عَقْدَهُ لِشَبَهِهِ بِنِكَاحِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا لِمَنْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ رِقٍّ أَنْ يَتَزَوَّجُوا إلَّا بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ، أَوْ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَنْ فِيهِ شُعْبَةُ رِقٍّ مِنْ الذَّكَرَانِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ، أَوْ إجَازَتُهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحُّ ثُمَّ قَالَ وَهَلْ لِلسَّيِّدِ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ بِالْبَتَاتِ أَمْ لَا قَوْلَانِ ابْنُ رُشْدٍ إنْ دَخَلَ الْعَبْدُ بِزَوْجَتِهِ وَعَلِمَ السَّيِّدُ وَسَكَتَ، وَلَمْ يُنْكِرْ سَقَطَ حَقُّهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السُّكُوتِ هَلْ يُعَدُّ رِضًا أَمْ لَا، وَإِنْ بَاعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِنِكَاحِهِ فَهَلْ لَهُ فَسْخُهُ، وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَمْ لَا قَوْلَانِ، وَإِنْ وَهَبَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَيْبٌ لَهُ الْقِيَامُ بِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حِينَ الشِّرَاءِ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ صَارَ لَهُ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ كَالْمُشْتَرِي وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ، وَأَمَّا الْوَارِثُ فَلَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ أَيْضًا وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلزَّوْجَةِ اتِّبَاعُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِالصَّدَاقِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ السَّيِّدُ عَنْهُ حِينَ فَسَخَ النِّكَاحَ فَلَا يَكُونُ لَهَا اتِّبَاعُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَمَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ إذَا بَاشَرَتْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا، وَإِنْ قَدَّمَتْ لِذَلِكَ رَجُلًا عَقَدَ عَلَيْهَا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِإِجَازَةِ سَيِّدِهَا وَيَبْطُلُ بِرَدِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ سَافَرَ إلَى بِلَادِ السُّودَانِ وَرَجَعَ مِنْهَا مَرِيضًا بِبَاطِنِهِ فَوَجَدَ عَمَّهُ فِي مَرَضٍ شَدِيدٍ فَأَوْصَاهُ عَلَى أَبْنَائِهِ وَأَعْطَاهُ بِنْتَه وَقَبِلَهَا مِنْهُ ثُمَّ سَافَرَ إلَى طَرَابُلُسَ وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ سَافَرَ مِنْهَا إلَى الْحِجَازِ ثُمَّ مَاتَ بِهِ بَعْدَ الْحَجِّ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَهَلْ ذَلِكَ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَتَرِثُهُ الزَّوْجَةُ وَيَكْمُلُ لَهَا الصَّدَاقُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

تزوج امرأة بصداق بعضه حال وبعضه مؤجل بمعلوم وسكت عن بعضه

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ذَلِكَ النِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَتَرِثُ زَوْجَتُهُ الْمَذْكُورَةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الرُّبْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْعٌ وَارِثٌ وَلَا زَوْجَةٌ سِوَاهَا وَيَكْمُلُ لَهَا صَدَاقُهَا إنْ كَانَ سَمَّى لَهَا حَالَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ صَدَاقًا وَإِلَّا فَلَا صَدَاقَ لَهَا قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَرَضِ الْعِلَلُ الْمُزْمِنَةُ الَّتِي لَا يُخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ مِنْهَا كَالْجُذَامِ وَالْهَرَمِ وَأَفْعَالُ أَصْحَابِ ذَلِكَ أَفْعَالُ الْأَصِحَّاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَوْنُ الْمَفْلُوجِ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ وَذِي الْقُرُوحِ مِنْ الْمَرَضِ الْخَفِيفِ مَا لَمْ يُقْعِدْهُ وَيُضْنِيهِ، فَإِنْ أَقْعَدَهُ وَأَضْنَاهُ وَبَلَغَ بِهِ حَدَّ الْخَوْفِ عَلَيْهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَخُوفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. [تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ بِمَعْلُومٍ وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ بِمَعْلُومٍ وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: نَعَمْ سَقَطَ الْبَعْضُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِثَلَاثِينَ: عَشَرَةٍ نَقْدًا، وَعَشَرَةٍ لِأَجَلٍ، وَسَكَتَا عَنْ عَشَرَةٍ سَقَطَتْ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [زَنَى بِامْرَأَةٍ وَعَقَدَ عَلَيْهَا وَوَطِئَهَا فِي اسْتِبْرَائِهَا مِنْ مَائِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَعَقَدَ عَلَيْهَا وَوَطِئَهَا فِي اسْتِبْرَائِهَا مِنْ مَائِهِ. فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَأَقَرَّهُ الْعَدَوِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ رُكُونِهَا لِخَاطِبٍ قَبْلَهُ فَهَلْ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ رُكُونِهَا لِخَاطِبٍ قَبْلَهُ فَهَلْ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُفْسَخُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ وَفُسِخَ إنْ لَمْ يَبْنِ وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ الرَّشِيدَ الْمُعْسِرَ الَّذِي فِي عَائِلَتِهِ بِنْتَ ذِي قَدْرٍ وَفَرَضَ الْأَبُ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا وَضَمِنَهُ لِوَلِيِّهَا وَالْتَزَمَ بِهِ عَاجِلَهُ وَآجِلَهُ وَدَفَعَ جُلَّ الْعَاجِلِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْضَهُ بَعْدَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ لِضَمَانِهِ لَهُ وَالْتِزَامِهِ بِهِ مَعَ يُسْرِهِ وَيَلْزَمُهُ الْمُؤَجَّلُ أَيْضًا عَلَى تَنْجِيمِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ مَاتَ لِكَفَالَتِهِ لَهُ كَفَالَةَ غُرْمٍ، وَلَوْ انْعَزَلَ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ الْمُعْسِرِ الْمُزَوِّجِ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُ الْأَبَ بَقِيَّةُ الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ عَلَى تَنْجِيمِهِ، وَلَوْ عَزَلَ ابْنَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عَائِلَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ غَنِيَّةً حَسِيبَةً ذَاتَ قَدْرٍ مُتَجَهِّزَةً جِهَازَ أَمْثَالِهَا بِأَضْعَافِ مَهْرِهَا ثُمَّ تَدَايَنَ وَقَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَوَجَدَ مَا عِنْدَهُ لَا يُوَفِّي دَيْنَهُ فَطَلَب بَيْعَ أَثَاثِ مَنْزِلِهِ فَمَنَعَتْهُ الزَّوْجَةُ بِأَنَّهُ جِهَازُهَا لَيْسَ لِزَوْجِهَا فِيهِ حَقٌّ إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ وَلَوْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا بِطَلَاقٍ، أَوْ مَوْتٍ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِهِ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا وَلَا لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَهَلْ قَوْلُهَا الْمَذْكُورُ مَقْبُولٌ وَمَعْمُولٌ بِهِ شَرْعًا وَيُحْكَمُ لَهَا بِالْأَثَاثِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا وَلَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مُنَازَعَتُهَا فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. نَعَمْ قَوْلُهَا مَقْبُولٌ وَمَعْمُولٌ بِهِ شَرْعًا فَيُمْنَعُ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ طَلَبِ بَيْعِ أَثَاثِ بَيْتِهَا وَيُحْكَمُ لَهَا بِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ الْعَمَلُ بِالْعَادَةِ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِخِلَافِهَا، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ أَكَابِرِ مِصْرَ وَأَغْنِيَائِهِمْ بِتَجْهِيزِ بَنَاتِهِمْ بِأَضْعَافِ صَدَاقِهَا لِرَفْعِ قَدْرِهَا عِنْدَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ

وَدَوَامِ عِشْرَتِهَا مَعَهُ وَحُسْنِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ إنْكَارَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

باب الطلاق

[بَابُ الطَّلَاقِ] {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الطَّلَاقِ. ابْنُ عَرَفَةَ الطَّلَاقُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ مُوجِبًا تَكَرُّرَهَا مَرَّتَيْنِ لِلْحُرِّ وَمَرَّةً لِذِي رِقٍّ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَرْسُمْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَرْسُومَةٌ لِلْعَوَامِّ فَضْلًا عَنْ الْفُقَهَاءِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَشْعُورَ بِهِ لَهُمْ وُقُوعُهُ مِنْ حَيْثُ صَرِيحُ لَفْظِهِ أَمَّا حَقِيقَتُهُ فَلَا. عَبْدُ الْحَقِّ خَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَيُرْوَى مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ مُحَارِبِ بْنِ الْقَطَّانِ وَإِرْسَالُهُ مَرَّةً لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ إسْنَادِهِ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَطْلُقُ النِّسَاءُ إلَّا مِنْ رِيبَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ» . الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ فَمَنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ» وَفِي إسْنَادِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. أَبُو دَاوُد عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ» . النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ تَحْتِي امْرَأَةً جَمِيلَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ قَالَ: طَلِّقْهَا قَالَ: إنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ: فَأَمْسِكْهَا» وَذَكَرَهُ ابْنُ صَخْرٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ إنَّمَا كَنَّى عَنْ بَذْلِهَا الطَّعَامَ، وَمَا يُدْخِلْهُ عَلَيْهَا لَا غَيْرُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي تَرْجَمَةِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا وَقَوْلِهِ: جَمِيلَةً وَأَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ الْخِطَابِ حَدِيثُ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» يُصْرَفُ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ وَفَعَلَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْرَبُ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لِسَبَبٍ رَجَّحَهُ وَمَحْمَلُ كَوْنِهِ أَبْغَضَ أَنَّهُ أَقْرَبُ الْحَلَالِ إلَى الْبُغْضِ فَتَبْغِيضُهُ أَبْعَدُ عَنْ الْبُغْضِ فَيَكُونُ أَحَلَّ مِنْ الطَّلَاقِ كَقَوْلِ مَالِكٍ إلْغَاءُ الْبَيَاضِ أَحَلُّ، وَحَمَلَ اللَّخْمِيُّ مَا أَوْرَدَ فِي الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ فَقَالَ: الطَّلَاقُ عَلَى

أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مَكْرُوهٌ وَمُبَاحٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَوَاجِبٌ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى حَالِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْعِشْرَةِ، وَحَالِ الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا مِنْ الصِّيَانَةِ، وَالْفَسَادِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ عَلَى الْإِنْصَافِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مُؤَدٍّ لِحَقِّ صَاحِبِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] الْآيَةَ فَنُدِبَ إلَى إمْسَاكِهَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا، وَالْحَدِيثُ «أَبْغَضُ الْحِلَالِ» إلَخْ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِاطِّلَاعِ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَاطِّلَاعِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِمَايَةِ ذَلِكَ فَحَرَّمَ أَزْوَاجَهُ عَلَى غَيْرِهِ تَكْرِمَةً لَهُ فَكَانَ مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ حِفْظُ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَدِّيَةٍ لِحَقِّهِ نَاشِزًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا غَيْرَ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَيِّنَةٍ فِي نَفْسِهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ فِرَاقُهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهَا نَفْسُهُ لِحَدِيثِ إنَّ زَوْجَتِي لَا تَرُدَّ يَدَ لَامِسٍ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدَ غَيْرِهِ، وَإِنْ فَسَدَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ لَهُ دِينُهُ مَعَهَا، وَجَبَ الْفِرَاقُ إذَا لَمْ يَرْجُ صَلَاحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] الْآيَةَ، وَزَادَ ابْنُ بَشِيرٍ قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ حَرَامًا، وَهُوَ إذَا خِيفَ مِنْ وُقُوعِهِ ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَلَاقَةٌ إنْ فَارَقَهَا خَافَ ارْتِكَابَ الزِّنَا قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ إنْ وَقَعَ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَا لَا تَحْسُنُ بِهِ الصُّحْبَةُ، وَلَمْ يُؤَدِّ لِتَضْيِيعِ الْحُدُودِ، وَيَكُونُ مُبَاحًا إنْ خَافَ فَسَادَ الزَّوْجَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْفِرَاقُ، وَلَمْ تَتَشَوَّفْ نَفْسُهُ إلَيْهَا. وَتَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ أَنَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَلَى الْعَكْسِ قَالَ، وَالْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ مَمْنُوعَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّلَاقِ، وَلَا بِالْعَتَاقِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ، وَقَدْ يَحْنَثُ، وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] الْآيَةَ أَيْ لَا تُكْثِرُوا الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَبَرُّ، وَلَا يَتَّقِي، وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ اعْتَادَ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا جُرْحَةٌ، وَلَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ سُلْطَانٌ، وَلَا غَيْرُهُ وَيَنْهَى النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ، وَيُؤَدِّبُ مَنْ اعْتَادَ الْيَمِينَ بِهِ، وَيَزْجُرُهُ عَنْ إيقَاعِ الطَّلْقَتَيْنِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَدَبَ قَالَهُ الرَّمَّاحُ اهـ مِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ هُوَ الْوَاقِعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَدَبَ الشَّرْعُ إلَيْهِ وَشُرُوطُهُ: أَنْ يَكُونَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ، وَلَا يُرْدِفَهَا بِطَلْقَةٍ أُخْرَى، وَقِيلَ: إنْ طَلَّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا مِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ فَهُوَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَلَا بِدْعَةَ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ فَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: رَجْعِيٌّ وَمُمَلَّكٌ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ، وَثَلَاثٌ وَخُلْعِيٌّ. فَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَيَلْزَمُ الزَّوْجُ فِيهِ، وَفِي السُّنِّيِّ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لِلزَّوْجَةِ طُولَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيهَا دُونَ إذْنِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، فَإِنْ أَوْقَعَ هَذَا الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ، وَهِيَ فِي حَالِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَيَجْبُرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِهَا فَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَالِ حَيْضٍ، وَادَّعَى الطُّهْرَ، وَأَكْذَبَتْهُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلَهُ: وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا، وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا حِينَ ارْتَفَعَا إلَى الْإِمَامِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لَا قَوْلَهَا، وَذَكَر ابْنُ فَتْحُونٍ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ حَكَى عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ كَالْعُيُوبِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْبَائِنَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ أَنْ خَلَا بِهَا دُون مَسِيسٍ بِمُوَافَقَتِهِمَا وَإِقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ فَعَلَى الزَّوْجَةِ الْعِدَّةُ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ الْوَطْءَ

رجل تشاجر مع زوجته فقال لها أنت طالق ثلاثا ولم تكن له نية

وَادَّعَاهُ الزَّوْجُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْخَلْوَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْهُ وَأَقَرَّ هُوَ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ، وَتَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ وَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَلَا يُتَّهَم أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ لِتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ النَّسَبِ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا إذَا وَافَقَتْهُ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْعِدَّةُ لَازِمَةٌ لَهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً مَلَّكَهَا بِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا دُونَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّة، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إنَّهُ يَكُونُ طُلَقَةً رَجْعِيَّةً كَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ أَلْبَتَّةَ كَمَنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ حَبِيبٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا طُلَقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِهِ الْقَضَاءُ وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ يُفْتِي بِأَنَّ مَنْ بَارَأَ زَوْجَتَهُ هَذِهِ الْمُبَارَأَةَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَمُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَرَاهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَإِنْ طَلَّقَهَا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ. [رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ اهـ. وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كُلُّهُ بَائِنٌ، وَقَعَ عَلَى إسْقَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَإِنْ أَوْقَعَهُ طَلْقَةً بَعْدَ أُخْرَى مُفَرَّقًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ فَقِيلَ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا ذَكَرَ الثَّلَاثَ مُفَرَّقًا فَلَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ إلَّا كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَخَذَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زِنْبَاعٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَصْبَغُ بْنُ الْحُبَابِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَجُلُّ الْعُلَمَاءِ (وَسُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ عَنْ، وَثِيقَةٍ بِرَجْعَةٍ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ دُونَ زَوْجٍ. فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ جَاهِلٌ ضَعِيفُ الدِّينِ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ لَهُ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إذْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَسُوغُ لَهُ مُخَالَفَةُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِهِ، وَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُمْ بِرَأْيِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أُدِّبَ، وَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ تُسْقِطُ إمَامَتَهُ، وَشَهَادَتَهُ اهـ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ. [يَرُدُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَيَتَحَيَّلُ فِي جَعْلِهِ وَاحِدَةً] ، وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يَرُدُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا، وَيَتَحَيَّلُ فِي جَعْلِهِ وَاحِدَةً، وَرُبَّمَا، وَجَدَ خَطَّهُ بِرَدِّهَا عَلَى وَاحِدَةٍ بِوِلَايَةِ الْخَالِ، وَالْكَاتِبُ لَا يَجْهَلُ هَذَا الْقَدْرَ، وَهَلْ يُؤَدَّبُ الْخَالُ، وَالشُّهُودُ فِي ذَلِكَ، وَمَا تَقُولُ فِيمَنْ سَأَلَهُ عَدْلٌ عَنْ زَوْجَتِهِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لِي قَالَ: لَهُ لِمَ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنِّي طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، وَشَهِدَ عَلَيْهِ آخَرُ مَقْبُولٌ أَنَّهُ قَالَ لِهَذِهِ " الزَّوْجَةِ " الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ إنْ كُنْت لِي بِزَوْجَةٍ أَبَدًا هَلْ تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ أَمْ لَا، وَمَا أُدِّبَ مَنْ فَعَلَ هَذَا إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَالْكَاتِبُ بِرَدِّ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُفْتِي بِذَلِكَ جَاهِلٌ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ ضَعِيفُ

رجل قال لزوجته أنت طالق ثلاثا وكلما حللت حرمت فأراد شخص أن يردها له قبل زوج

الدِّينِ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ لَهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيُخَالَفُ بِهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَالْحَنَفِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَفَرْضُهُ تَقْلِيدَ عُلَمَاءِ وَقْتِهِ، وَلَا تَصِحُّ مُخَالَفَتُهُمْ بِرَأْيِهِ، وَالْوَاجِبُ نَهْيُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أُدِّبَ، وَكَانَتْ جُرْحَةً تُسْقِطُ شَهَادَتَهُ، وَإِمَامَتَهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ: لَا تَحِلُّ لِي امْرَأَتِي إلَخْ فَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الشَّهَادَةِ لَا تُلَفَّقُ فَإِنْ كَذَّبَ الشَّاهِدَيْنِ حَلَفَ عَلَى تَكْذِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَبْقَى مَعَ زَوْجَتِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَكْتُبُ بِمُرَاجَعَةِ الْمُثَلَّثَةِ، وَيَصِيرُ الْخَالُ وَلِيًّا فَالْوَاجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَدَّبُونَ كُلُّهُمْ، وَالشُّهُودُ إنْ عَلِمُوا إلَّا مَنْ يُعْذَرُ بِجَهْلٍ مِنْهُمْ فَيَسْقُطُ أَدَبُهُ اهـ. [رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَكُلَّمَا حَلَلْتِ حَرُمْتِ فَأَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ] (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَكُلَّمَا حَلَلْتِ حَرُمْتِ فَأَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ غَائِبَةً، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمَذْكُورِ قَبْلَ زَوْجٍ غَيْرِهِ بِشُرُوطِ الْإِحْلَالِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهَذَا الشَّخْصُ جَاهِلٌ كَاذِبٌ يُعَلَّمُ، وَيُزْجَرُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ ضَلَالِهِ يُخْشَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِتَغْيِيرِهِ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَمَعَانِيَ الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ الطَّلَاقِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الطَّلَاقِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَوَّلُ زَوْجَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَحَنِثَ بِفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَجُلًا لَهُ بِنْتٌ رَضِيعَةٌ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَلَى بِنْتِهِ الرَّضِيعَةِ عَقْدًا شَرْعِيًّا لِيَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقُ، وَتَنْحَلَّ الْيَمِينُ عَنْ الْمُعَلَّقِ فَفَعَلَا ذَلِكَ فَهَلْ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِذَلِكَ لِتَوَاطُئِهِمَا عَلَى حِلِّهَا بِهِ، وَهَلْ لَهُ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ بِلَغْوِ هَذَا التَّعْلِيقِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِفِعْلِهِمَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ تَوَاطُؤُهُمَا عَلَى حِلِّهَا بِهِ مَانِعًا مِنْهُ، وَكَلَامُهُمْ عَلَى مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا: يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَتَطْلُقُ عَقِبَهُ، وَلَوْ ثَلَاثًا، وَفَائِدَتُهُ حِلُّ الْيَمِينِ، وَحِلُّهَا لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا الْمُعَلَّقُ طَلَاقُهَا عَلَى عَقْدِهَا لَا يُتَصَوَّرُ عَقْدُهُ عَلَيْهَا لِحِلِّ الْيَمِينِ إلَّا بِتَوَاطُؤٍ، وَقَدْ جَعَلُوا الْحِلَّ فَائِدَةَ الْعَقْدِ، وَعَلَّلُوا بِهِ مَشْرُوعِيَّتَهُ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِهِ: وَلَهُ نِكَاحُهَا أَيْ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى زَوَاجِهَا فَيَخْرُجُ مِنْ الْيَمِينِ، وَقَدْ نَبَّهَ شَمْسُ الدِّينِ التَّتَّائِيُّ عَلَى أَنَّ لَغْوَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى مِلْكِ الْعِصْمَةِ لِمَالِكٍ أَيْضًا. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أُخَلِّيك عَلَى ذِمَّتِي ثُمَّ قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونِي طَالِقًا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا، وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أُخَلِّيك عَلَى ذِمَّتِي، ثُمَّ قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونِي طَالِقًا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يُكَمِّلُ الثَّلَاثَ، وَلَمْ يَنْوِهَا بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: رَجَّعْتُ زَوْجَتِي لِعِصْمَتِي فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ كَانَ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَهُ مُكَمِّلُ الثَّلَاثِ أَوْ نَوَاهَا بِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَاجٍ بِشُرُوطِهِ، وَبَرٍّ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّهِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ إنْ نَوَى بِهَا وَاحِدَةً أَوْ مُطْلَقَ

طَلَاقٍ، وَإِنْ نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ لَمْ يَبَرَّ فِيهَا بِهِ فَلَهُ حِلُّهَا بِالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ التَّطْلِيقِ ثَلَاثًا، وَالْكَفَّارَةُ بِإِطْعَامِ عَشْرِ مَسَاكِينَ، كُلُّ مِسْكِينٍ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ مِنْ الْقَمْحِ إلَّا إنْ تَقَدَّمَ لَهُ مَا يُكَمِّلُ الثَّلَاثَ فَيَبَرُّ بِهِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) دَامَ فَضْلُكُمْ فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ أُمُّهَا، وَسَبَّتْهُ فَقَالَ لَهَا مَا دُمْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَبِنْتك طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ فَخَرَجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْبَلْدَةِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ مَعَ إمْكَانِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ سَوَاءٌ خَرَجَتْ مِنْهَا فِي سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَكَانَ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ قَبْلَ ذَلِكَ لِخَوْفِهَا عَلَى نَفْسِهَا مَثَلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ أَخَّرَتْ الْخُرُوجَ مَعَ إمْكَانِهِ عَادَةً لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلًا لِيَمِينِهِ عَلَى الْعُرْفِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ تَعْلِيقَهُ عَلَى اسْتِمْرَارِهَا فِي الْبَلَدِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهَا الْخُرُوجُ أَمْ لَا، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَتَى تَرَاخَتْ أَمْكَنَهَا الْخُرُوجُ أَمْ لَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَعْلِيقَهُ عَلَى مُطْلَقِ اسْتِقْرَارِهَا فِيهَا، وَإِلَّا حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَهِيَ حَافِظَةٌ لِمَالِهَا دُونَ دِينِهَا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ بَاقِي صَدَاقِهَا فَخَالَعَهَا وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ رَاجَعَهَا لَهُ مَالِكِيٌّ جَهْلًا مِنْهُ، وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فَأَوْقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا فَهَلْ يَلْحَقُهُ هَذَا الثَّانِي عِنْدَنَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِاللُّحُوقِ فَمَا جَزَاءُ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ. الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَلْحَقُهُ الطَّلَاقُ الثَّانِي عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرَّجْعَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ إذْ طَلَاقُهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ رَجْعِيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الْخَطِيبُ فِي الْإِقْنَاعِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ مَحْجُورَةٌ بِسَفَهٍ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا، وَلَغَا ذِكْرُ الْمَالِ اهـ. وَمِنْ السَّفَهِ عِنْدَهُمْ تَضْيِيعُ الدِّينِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَالنِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ كَطَلَاقِهِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ تَشْبِيهٌ تَامٌّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ أَيْ الْفَسْخِ لَحِقَهُ الطَّلَاقُ اهـ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي الْمَجْمُوعِ، وَفَسْخُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ طَلَاقٌ، وَطَلَاقُهُ قَبْلَهُ أَيْ الْفَسْخِ كَهُوَ اهـ. وَجَزَاءُ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهِ الْأَدَبُ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ اشْتِغَالٌ، وَإِلَّا فَالزَّجْرُ، وَالتَّوْبِيخُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ غَابَ زَوْجُهَا عَنْهَا أَرْبَعَ سِنِينَ، وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ، وَلَمْ تَعْلَمْ جِهَتَهُ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالًا تُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَا أَقَامَ وَكِيلًا بِذَلِكَ، وَخَافَتْ الزِّنَا فَرَفَعَ وَلِيُّهَا أَمْرَهَا لِقَاضِي بَلَدِهَا، وَأَثْبَتَ عِنْدَهُ مَا ذَكَرَ، وَطَلَبَ طَلَاقَهَا فَطَلَّقَهَا الْقَاضِي، وَحَكَمَ بِهِ وَاعْتَدَّتْ، وَتَزَوَّجَتْ فَهَلْ طَلَاقُهَا وَزَوَاجُهَا صَحِيحٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ طَلَاقُهَا لِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَوْ خَوْفِ الْعَنَتِ صَحِيحٌ لَكِنَّ حُكْمَ الْقَاضِي بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَغَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ فِي رَفْعِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي وَلَّى قُضَاةَ مِصْرَ، وَنَحْوَهُمْ اسْتَثْنَى حِينَ تَوْلِيَتِهِمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ الْحُكْمِ فِيهَا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ تَقْرِيرًا، وَأَرْسَلَهُ لِسَائِرِ أَقْطَارِ عَمَلِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فَهُمْ مَعْزُولُونَ عَنْ الْحُكْمِ فِيهَا فَإِنْ حَكَمُوا فِيهَا لَمْ يُعْتَبَرْ حُكْمُهُمْ، وَلَمْ يَرْفَعْ خِلَافًا فَيَجُوزُ لِمَنْ يَرَى خِلَافَهُ نَقْضُهُ قَالَ الْخَرَشِيُّ، وَإِذَا قِيلَ: تَنْعَقِدُ عَامَّةً، وَخَاصَّةً فَيَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يَحْكُمَ فِي قَضِيَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ لَا يَحْكُمَ بَيْنَ فُلَانٍ

قال لزوجته أنت خالصة أو تكوني خالصة فهل يلزم الطلاق الثلاث

وَفُلَانٍ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَخْ أَيْ كَأَنْ يَقُولَ فَلَا يَقْضِ فِي الْأَمْوَالِ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَبَهُ شَيْخُ بَلَدِهِ لِشُغْلٍ مِنْ أَشْغَالِ الْمِيرِيِّ فَهَرَبَ فَأَمْسَكَهُ، وَحَبَسَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ، وَأَلْزَمَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِوَلَدِهِ أَوْ يَذْهَبَ بِنَفْسِهِ، وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ أَعْوَانِهِ فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: اضْرِبُوهُ لِئَلَّا يَهْرُبَ، وَقَالَ آخَرُ: حَلِّفُوهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى عَدَمِ الْهُرُوبِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى عَدَمِ الْهُرُوبِ، وَهَرَبَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: نَعَمْ لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ مَالِكٍ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى إيقَاعِهِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ عَلَى الْيَمِينِ بِهِ سَوَاءً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ يَحْنَثُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْإِكْرَاهُ فِي الْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ، وَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ بِالتَّخْوِيفِ بِمَا يُؤْلِمُ الْبَدَنَ مِنْ الضَّرْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالصَّفْعِ لِذِي الْمُرُوءَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ التَّخْوِيفُ بِقَتْلِ وَلَدٍ فَإِنْ كَانَ بِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ فَقَوْلَانِ، وَالتَّخْوِيفُ بِالْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إكْرَاهًا. وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ. وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ كَثِيرًا فَيَكُونَ إكْرَاهًا أَوْ يَكُونَ يَسِيرًا فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إكْرَاهًا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . [قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت خَالِصَةٌ أَوْ تَكُونِي خَالِصَةً فَهَلْ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت خَالِصَةٌ أَوْ تَكُونِي خَالِصَةً فَهَلْ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَوْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا قُلْتُمْ وَاحِدَةً فَهَلْ تَكُونُ رَجْعِيَّةً أَمْ بَائِنَةً؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. وَرَأَيْت الْجَوَابَ عَنْهُ مَعْزُوًّا لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبِي مُحَمَّدٍ مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. لَفْظُ خَالِصَةٍ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ الَّتِي عَدَّهَا الْفُقَهَاءُ لَكِنَّهُ أَقْرَبُ شَيْءٍ إلَى لَفْظِ خَلِيَّةٍ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا مِنْ أَقْرَبِ مَا يُقَاسُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ. نَعَمْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ، وَغَيْرُهُ تَقْيِيدَ لُزُومِ الثَّلَاثِ بِمَا إذَا جَرَى عُرْفٌ بِأَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِيهَا، وَالْعُرْفُ فِي خَلَاصِ الْمَرْأَةِ طَلَاقُهَا مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ فَلَمْ تَخْلُصْ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَلَفْظِ الْخُلْعِ، وَتَحِلُّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَرْدَفَ عَلَيْهِ طَلَاقًا لَزِمَهُ احْتِيَاطًا فِي الْفُرُوجِ، وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِ حَيْثُ أَتَى بِمَا فِيهِ تَلْبِيسٌ، وَلَيْسَ هَذَا غَرِيبًا بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ أَوْ خَلِيَّةٌ اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ خَالِصَةٌ كُنَّا نَسْتَظْهِرُ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا تَخْلُصُ عَنْ حُكْمِهَا بِالْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَ الْخَلَاصَ فِي مُطْلَقِ الطَّلَاقِ لَكِنَّ مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ أَحْوَطُ اهـ. [يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ وَيَنْوِي بِهِ الثَّلَاثَ] قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ، وَيَنْوِي بِهِ الثَّلَاثَ فَقِيلَ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَتْ الثَّلَاثُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ هَلْ يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَا قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ، وَاخْتُلِفَ بِمَاذَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ دُونَ النِّيَّةِ. ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَوْلِ، وَالنِّيَّةِ

طلاق الهازل

وَهَذَا فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ صَرِيحِ الْقَوْلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَاتِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَلَا أَرَادَهُ، وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهِ النِّيَّةُ. قَالَ: بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَلَا كِنَايَةٍ (فَأَمَّا الصَّرِيحُ) فَهُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى نِيَّةٍ وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: ظَاهِرٌ، وَمُحْتَمِلٌ. فَأَمَّا الظَّاهِرُ فَمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ طَلَاقٌ مِثْلُ سَرَّحْتُك، وَفَارَقْتُك، وَأَنْتِ حَرَامٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَبَائِنٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَكَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَوَهَبْتُك، وَرَدَدْتُك إلَى أَهْلِك، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُقْضَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ، وَاخْتُلِفَ مَاذَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ فِيهَا الثَّلَاثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ أَرَادَ أَلْبَتَّةَ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَبَائِنَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقِيلَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَأَمَّا الْمُحْتَمِلُ فَمِثْلُ اذْهَبِي، وَانْصَرِفِي، وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَالْحَقِي بِأَهْلِك، وَلَسْت لِي بِامْرَأَةٍ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِطَلَاقٍ فِي الْعُرْفِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ طَلَاقًا، وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِمَا نَوَاهُ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ اسْقِينِي مَاءً أَوْ نَاوِلِينِي كَذَا، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ حَتَّى يَنْطِقَ بِلَفْظٍ مِنْ صَرِيح الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَتِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَقَصَدَهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَلَا مِنْ كِنَايَتِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كُلُّ كَلَامٍ يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ بِهِ طَالِقٌ فَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ، وَنَطَقَ بِهِ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الْفَتْوَى. [طَلَاق الهازل] وَإِنْ طَلَّقَ هَازِلًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ بِهِ هَازِلًا لَمْ يَلْزَمْهُ. [طَلَاقِ السَّكْرَانِ] وَفِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ اخْتِلَافٌ قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ السَّكْرَانُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَسَكْرَانُ مُخْتَلِطٌ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَجْنُونِ الَّذِي رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ، وَلَا يُحَدُّ فِي زِنًا، وَلَا سَرِقَةٍ، وَلَا قَذْفٍ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي قَتْلٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ، وَلَا طَلَاقٌ، وَلَا بَيْعٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَجُوزُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَيْسَ بِسَكْرَانَ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَقِيَّةً مِنْ عَقْلِهِ يَدْخُلُ بِهِ فِي جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَرَى أَنْ يُجَازَ عَلَيْهِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْبَيْعِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

طلق زوجته طلاقا مختلفا فيه في المذهب

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَفْعَالُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ فَيُقْتَلُ بِمَنْ قَتَلَ، وَيُحَدُّ فِي الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُحَدُّ فِي الْقَذْفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ، وَلَا عِتْقٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ لِلَّهِ بِهِ حَقٌّ مِنْ الْإِقْرَارَاتِ، وَالْعُقُودِ إذَا لَمْ تَلْزَمْ الصَّبِيَّ، وَالسَّفِيهَ لِنُقْصَانِ عُقُولِهِمَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَ ذَلِكَ السَّكْرَانُ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِلَّهِ حَقٌّ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالسُّكْرِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَأَشْبَاهِهِمَا تَلْزَمُهُ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالسُّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي نِكَاحِ السَّكْرَانِ، وَلَا أَرَاهُ جَائِزًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّهَا رَأَتْ مِنْهُ اخْتِلَاطًا، وَلَمْ تَثْبُتْ الشَّهَادَةُ بِسُكْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَلَا يَلْزَمُهُ نِكَاحٌ، وَلَا غَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ يُطَلِّقُ، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْيَمِينِ، وَيَلْزَمُهُ النِّكَاحُ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ دَلِيلُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ. [طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي نَازِلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْرِهِ بِالْبَيْنُونَةِ، وَالرَّجْعَةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ نَظَرًا لِلْمُخَالِفِ كَمَنْ طَلَّقَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَيَكُونُ مَحَلُّ قَوْلِهِمْ الْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إذَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَلْحَقُ بِهِ نَظَرًا لِلْمَخَالِفِ وَاسْتِحْسَانًا، وَاحْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ إذَا كَانَ الْإِرْدَافُ فِي الْعِدَّةِ، وَقَوْلُهُمْ الْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَسَقًا مَخْصُوصًا بِالْمُتَّفَقِ فِيهِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ فَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ مَا نَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْ قَوْلِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً تَمْلُكِينَ بِهَا أَمْرَ نَفْسِك دُونِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَقِيلَ: إنَّهُ يَكُونُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً كَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ. ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تَكُونُ أَلْبَتَّةَ كَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ. وَالثَّالِثُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفْتِي بِأَنَّ مَنْ بَارَأَ زَوْجَهُ هَذِهِ الْمُبَارَأَةَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَمُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَرَاهُ رَجْعِيَّةً انْتَهَى. ، وَتَقَدَّمَ فِي جَوَابِ خَالِصَةٍ عَنْ خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرِ مَا نَصُّهُ: فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَلَفْظِ الْخُلْعِ، وَتَحِلُّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَرْدَفَ عَلَيْهِ طَلَاقًا لَزِمَهُ احْتِيَاطًا فِي الْفُرُوجِ، وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِ حَيْثُ أَتَى بِمَا فِيهِ تَلْبِيسٌ، وَلَيْسَ هَذَا غَرِيبًا بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بِالْأَحْوَطِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] وَقَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهَا مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ أَبَدًا فَقَدْ يُسْتَدَلُّ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ. وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ الْتَزَمَ لِزَوْجَتِهِ فِي صَدَاقِهَا أَنَّ زَوْجَتَهُ فُلَانَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا لَا قَبْلَ زَوْجٍ، وَلَا بَعْدَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَطَلَّقَ هَذِهِ ثُمَّ أَرَادَ مُرَاجَعَةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا فَقَالَ: يُسْتَفَادُ مِنْ شُهُودِ

رجل حلف بالطلاق ثلاثا لا يزني ثم وقع منه

الصَّدَاقِ فَلَعَلَّ عِنْدَهُمْ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا تَقَعُ بِهِ الْفَتْوَى فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَلَاءً فَيُحْتَمَلُ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ كَمَنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَ الزَّوْجُ: أَرَدْت وَاحِدَةً، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: بَلْ هِيَ الثَّلَاثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ مَا أَرَادَ تَحْرِيمَهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِذَلِكَ، وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَأَفْتَى أَصْبَغُ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَزَوُّجُهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ كَذِبَةٌ مِنْهُ، وَبِطَرِيقِ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِ الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ لَهُ. وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا جَاءَ الرَّجُلُ إلَى الْعَاقِدِ فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ لِي مُبَارَأَةً بِالثَّلَاثِ أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَكَتَبَهَا، ثُمَّ أَمْسَكَهَا الْآمِرُ عِنْدَهُ، وَأَبَى أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي أَمَرَ بِكَتْبِهِ إنْ كَانَ أَمَرَ الْعَاقِدُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي أَمَرَ بِكَتْبِهِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَأَقْصَى مَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ حِينَ أَمَرَ بِكَتْبِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَرَدْت بِكَتْبِهَا لِأُشَاوِرَ نَفْسِي كَمَا يُقَالُ فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ أَمْرَهُ بِكَتْبِ الْمُبَارَأَةَ خِلَافُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَكَانَ جَوَابُهُ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ قَدْ يَنْضَافُ إلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِلْعَاقِدِ: اُكْتُبْ لِي، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْكِتَابِ اهـ. [رَجُل حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَا يَزْنِي ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ] (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَا يَزْنِي، ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ، وَأَقَامَتْ زَوْجَتُهُ فِي بَيْتِهِ سَنَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَ لَهُ شَافِعِيٌّ مُحَلِّلًا، وَطَلَّقَهَا الْمُحَلِّلُ، وَعَقَدَ لَهُ شَخْصٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْمُحَلِّلِ جَهْلًا، وَاسْتَرْسَلَ عَلَيْهَا مُدَّةً، ثُمَّ أَخْبَرَهُ الْعَاقِدُ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ فَتَسَاهَلَ، وَاسْتَمَرَّ مَعَهَا حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَهَلْ تُلْحَقُ بِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) يَدِينُ هَذَا الرَّجُلُ فَإِنْ قَالَ: اعْتَقَدْت صِحَّةَ الْمُرَاجَعَةِ الْأُولَى وَوَطِئْت مُعْتَقِدًا الْحِلَّ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا، وَلَمْ أُصَدِّقْ الْخَبَرَ الثَّانِي وُكِّلَ إلَى دِينِهِ، وَكَانَ وَطْؤُهُ وَطْءَ شُبْهَةٍ وَلَحِقَتْ بِهِ الْأَوْلَادُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلُحُوقِ النَّسَبِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ وَطِئَ دَاخِلًا عَلَى الزِّنَا لَمْ تَلْحَقْ بِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ وَطْئِهِ بِالشُّبْهَةِ فِي الْعِدَّةِ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ سَبَّتْ الْمِلَّةَ هَلْ تَرْتَدُّ، وَإِذَا قُلْتُمْ تَرْتَدُّ فَهَلْ تَطْلُقُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ارْتَدَّتْ بِسَبَبِ سَبِّهَا الْمِلَّةَ؛ لِأَنَّ السَّبَّ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ رِدَّةٌ فَلْيَكُنْ السَّبُّ رِدَّةً بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْمِلَّةَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سَبَّهُ كُفْرٌ كَبَاقِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ كَمَا فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ، وَنَصُّهُ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ جَحَدَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ حَلَّ ضَرْبُ عُنُقِهِ، وَكَذَا جَحْدُ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ أَوْ كَفَرَ بِهَا أَوْ لَعَنَهَا أَوْ سَبَّهَا أَوْ اسْتَخَفَّ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ اهـ. وَطَلُقَتْ مِنْ زَوْجِهَا طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ تَتَعَمَّدَ الرِّدَّةَ لِذَلِكَ فَلَا تَطْلُقُ، وَتُعَامَلُ بِنَقِيضِ قَصْدِهَا. وَقِيلَ: رَجْعِيًّا، وَقِيلَ فَسْخٌ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِعُ لَهُ بِعَوْدِهَا لِلْإِسْلَامِ، وَهُوَ فُسْحَةٌ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَفِي شَرْحِ الْبَدْرِ الْقَرَافِيُّ عَلَى خَلِيلٍ فِي بَابِ الرِّدَّةِ عَنْ الشَّارِح فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا قَالَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِمَنْ قَالَ لَهُ: صَلِّ: إذَا دَخَلْت الْجَنَّةَ فَأَغْلِقْ الْبَابَ خَلْفَك فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الدِّينِ فَقَدْ ارْتَدَّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِلِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ، وَالْمُنْكَرِ فَفِي رِدَّتِهِ قَوْلَانِ. وَفِي الْأُجْهُورِيِّ عَنْ الْإِحْيَاءِ مَنْ قَالَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَشْرٌ أَوْ فَشْرُ رَجُلٍ جَرَى عَلَى حُكْمِ سَبِّ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

رجل قال لزوجته إن فعلت كذا فلست لي على ذمة وفعلت

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عَدَّ دَرَاهِمَ فِي مَوْضِعٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً عَمَّا يَعْلَمُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ عَدَّهَا ثَانِيًا فَوَجَدَهَا تَامَّةً لَا نَقْصَ بِهَا فَمَا الْحُكْمُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ جَازِمًا بِأَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا أَوْ ظَانًّا ذَلِكَ أَوْ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ كَانَتْ نَاقِصَةً فَقَدْ سُرِقَ مِنْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنْ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ جَازِمًا بِعَدَمِ السَّرِقَةِ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ ظَانًّا ذَلِكَ، وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ مَنْ دَفَنَ مَالًا فِي مَوْضِعٍ، وَبَحَثَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيهِ فَحَلَفَ أَنَّ زَوْجَتَهُ مَثَلًا أَخَذَتْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ، وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخَذْتِيهِ قَالَ: الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَفَنَ مَالًا ثُمَّ طَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ نَاسِيًا لِمَكَانِهِ الَّذِي دَفَنَهُ فِيهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَنَّ زَوْجَتَهُ أَخَذَتْهُ ثُمَّ أَمْعَنَ النَّظَرَ ثَانِيًا فَوَجَدَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي دَفَنَهُ فِيهِ وَأَوْلَى غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ إنْ كَانَ الْمَالُ ذَهَبَ فَمَا أَخَذَهُ إلَّا أَنْتِ، وَلَمْ يَذْهَبْ، وَهَذَا وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا أَخَذَتْهُ، وَإِلَّا فَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ اُنْظُرْهُ فِي الْكَبِيرِ انْتَهَى. قَالَ: الْعَدَوِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَارَةً يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ، وَتَارَةً يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ، وَتَارَةً يَتَبَيَّنُ أَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ غَيْرُهَا، وَتَارَةً لَا يَتَبَيَّنُ شَيْءٌ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بِمَوْضِعِهِ أَوْ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ فَإِنْ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا أَخَذَتْهُ أَوْ ظَانًّا أَوْ شَاكًّا فَلَا حِنْثَ كَانَتْ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ جَازِمًا بِعَدَمِ الْأَخْذِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ أَوْ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَغَمُوسٌ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ غَيْرَهَا أَخَذَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ جَازِمًا بِعَدَمِ الْأَخْذِ أَوْ شَاكًّا أَوْ ظَانًّا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِهِ غَمُوسًا، وَإِنْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ جَازِمًا بِالْأَخْذِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا حِنْثَ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ كَطَلَاقٍ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ غَيْرَهَا أَخَذَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِهِ لَغْوًا انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ، وَقَدْ لَخَصَّ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ: وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَحَلَفَ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا أَخَذَتْهُ الْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ، وَإِلَّا فَغَمُوسٌ، وَلَزِمَ غَيْرُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ثُمَّ، وَجَدَهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ كَانَ ذَهَبَ فَقَدْ أَخَذْتِيهِ، وَأَوْلَى إنْ وَجَدَهُ عِنْدَهَا فَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَلَغْوٌ لَا يُفِيدُ إلَّا فِي اللَّهِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ وَفَعَلَتْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ، وَفَعَلَتْ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ أَرَ نَصًّا لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ، وَلَكِنَّهَا أَقْرَبُ شَيْءٍ لِصِيغَةِ لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بِهَا الثَّلَاثُ مَعَ التَّعْلِيقِ وَإِرَادَةِ الطَّلَاقِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَنَوَى بِيَمِينٍ فِيهِ، وَفِي عَدَدِهِ فِي لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ فَالثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ اهـ. فَيَكُونُ اللَّازِمُ لِهَذَا الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ مَشَايِخِي الدُّسُوقِيِّ قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّ لَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ، وَأَنْتِ خَالِصَةٌ لَا نَصَّ فِيهِمَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ اسْتِظْهَارُ الْأَشْيَاخِ فِي اللَّازِمِ بِهِمَا فَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ لُزُومَ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَاسْتَظْهَرَ الدَّرْدِيرُ لُزُومَ الثَّلَاثِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ خَالِصَةً يَمِينُ سَفَهٍ، وَلَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ فِي عُرْفِ مِصْرَ بِمَنْزِلَةِ فَارَقْتُك يَلْزَمُ فِيهِ طَلْقَةٌ إلَّا لِنِيَّةٍ أَكْثَرَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَغَيْرِهَا، وَأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَبَائِنَةٌ فِي غَيْرِهَا.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ فِي بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ بَلَدِ إقَامَتِهِ مَعَ الْأَمْنِ، وَأَرَادَ نَقْلَتَهَا إلَيْهِ فَأَرْسَلَ لَهَا رَسُولًا، وَرَاحِلَةً، وَزَادًا، وَنَفَقَةً فَقَبَضَتْ النَّفَقَةَ، وَرَضِيَتْ بِالِانْتِقَالِ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْهُ، وَرَدَّتْ بَعْضَ النَّفَقَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْ الرَّسُولُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ، وَالْقَاضِي مَعَ وُجُودِهِمَا، وَبَعْدَ رُجُوعِ الرَّسُولِ لِلزَّوْجِ رَفَعَتْ الزَّوْجَةُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي، وَادَّعَتْ عَدَمَ النَّفَقَةِ، وَضَرَرَ عَدَمِ الْوَطْءِ، وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، وَطَلَّقَهَا الْقَاضِي، وَتَزَوَّجَتْ، وَقَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَهَلْ لَهُ تَكَلُّمٌ أَمْ لَا، وَهَلْ عَدَمُ رَفْعِ الرَّسُولِ مُضِرٌّ أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ التَّكَلُّمُ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهَا لَهَا أَوْ أَنَّهُ أَرْسَلَهَا، وَدَفَعَهَا لَهَا رَسُولُهُ أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ، وَهِيَ رَشِيدَةٌ فَلَهُ رَدُّ الطَّلَاقِ، وَإِبْقَاءُ زَوْجَتِهِ عَلَى عِصْمَتِهِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَعَدَمُ رَفْعِ الرَّسُولِ غَيْرُ مُضِرٍّ، وَنَصُّهُ مَعَ شَرْحِهِ لِشَيْخِ مَشَايِخِي سَيِّدِي أَحْمَدَ الدَّرْدِيرِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَتَزَوَّجَهَا ثَانٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَدَخَلَ، ثُمَّ ظَهَرَ إسْقَاطُهَا عَنْ الْمُطَلَّقِ عَلَيْهِ بِأَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ أَرْسَلَهَا لَهَا، وَأَنَّهَا، وَصَلَتْهَا أَوْ أَنَّهُ تَرَكَهَا عِنْدَهَا أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يُفِيتُهَا دُخُولَ الثَّانِي انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ سَنَةً، وَكَسْرًا مِنْ أُخْرَى، وَأَرْسَلَ لَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَبْدًا سُدَاسِيًّا لِنَفَقَتِهَا فَبَاعَتْهُ بِسَبْعَةٍ، وَثَلَاثِينَ رِيَالًا، وَفِي الْعَامِ الثَّانِي أَرْسَلَ لَهَا جَمَلَيْنِ لِحَمْلِهَا إلَيْهِ، وَثَمَانِيَةَ رِيَالَاتٍ مَصْرُوفًا، وَبَطَّةَ دُهْنِ وَدَكٍ، وَجِرَابَ سِمْسِمٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشْرَ مُدًّا، وَوَكَّلَ خَالَهُ عَلَى إيصَالِهَا إلَيْهِ فِي كَرْدِفَانَ فَامْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى زَوْجِهَا، وَأَخَذَتْ السِّمْسِمَ، وَرَدَّتْ الدُّهْنَ، وَالرِّيَالَاتِ فَرَجَعَ الرَّسُولُ إلَى الزَّوْجِ فَوَجَدَهُ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ لِدَارْفُورَ فَأَعْلَمَهُ بِمَا صَدَرَ مِنْهَا، وَرَفَعَتْ الزَّوْجَةُ أَمْرَهَا عَقِبَ رُجُوعِ الرَّسُولِ إلَى قَاضِي بَلَدِهَا، وَاشْتَكَتْ لَهُ مِنْ ضَرَرِ تَرْكِ الْوَطْءِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ فَأَنْهَى لِقَاضِي بَلَدِ الزَّوْجِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ، وَطَلَبَ مِنْهُ إعْلَامَ الزَّوْجِ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِالتَّوَجُّهِ لِزَوْجَتِهِ أَوْ تَطْلِيقِهَا فَبَحَثَ عَنْهُ الْقَاضِي الْمَنْهِيُّ إلَيْهِ فَأَخْبَرُوهُ بِسَفَرِهِ لِدَارْفُورَ، وَبِإِرْسَالِهِ لَهَا جَمَلَيْنِ لِحُضُورِهَا، وَامْتِنَاعِهَا، وَرَدِّهَا الدَّرَاهِمَ، وَالدُّهْنَ وَشَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ بِذَلِكَ فَكَتَبَ ذَلِكَ لِقَاضِي بَلَدِ الزَّوْجَةِ الْمُنْهَى، وَقَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ لِقَاضِي بَلَدِهَا طَلَّقَهَا، فَهَلْ لِلزَّوْجِ رَدُّ هَذَا الطَّلَاقِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْقَاضِي لِغَيْرِهِ، وَدَخَلَ بِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ، وَلَكُمْ الثَّوَابُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ وُصُولِ الْعَبْدِ السُّدَاسِيِّ لِلْمَرْأَةِ، وَوُصُولِ الرِّيَالَاتِ، وَالدُّهْنِ، وَالسِّمْسِمِ لَهَا أَيْضًا فَلِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ الْمُطَلَّقِ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ رَدُّ الطَّلَاقِ، وَفَسْخُ عَقْدِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا، وَقَدْ سَبَقَ نَصُّ الْمُخْتَصَرِ عَلَى هَذَا فِي جَوَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الْوَطْءِ فَلِأَنَّهُ لَا يُطَلَّقُ عَلَى غَائِبٍ لِأَجْلِهِ إلَّا بَعْدَ الْكَتْبِ إلَيْهِ، وَامْتِنَاعِهِ، وَالتَّلَوُّمِ إلَيْهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي عَلَى الْمُخْتَصَرِ: تَنْبِيهٌ طَلَاقُ امْرَأَةِ الْغَائِبِ عَلَيْهِ أَيْ الْمَعْلُومِ مَوْضِعُهُ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ شَهْوَتِهَا لِلْجِمَاعِ بَلْ هِيَ تَطَوُّلُ غَيْبَتِهِ جِدًّا أَيْ سَنَةً فَأَكْثَرَ عَلَى مَا لِأَبِي الْحَسَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى مَا لِلْغِرْيَانِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ فَيَكْتُبُ لَهُ إنْ كَانَتْ تَبْلُغُهُ الْمُكَاتَبَةُ إمَّا قَدِمَ أَوْ رَحَّلَ امْرَأَتَهُ إلَيْهِ، وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ كَمَا كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِقَوْمٍ غَابُوا بِخُرَاسَانَ إمَّا أَنْ يَقْدَمُوا أَوْ يُرَحِّلُوا نِسَاءَهُمْ إلَيْهِمْ أَوْ يُطَلِّقُوا. أَصْبَغُ فَإِنْ لَمْ

قال إن أبرأتني من صداقك طلقتك فأبرأته براءة صحيحة فلم يطلقها

يُطَلِّقُوا طَلَّقَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَى النِّسَاءُ بِعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ الْكَتْبِ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقُدُومِ تَلَوَّمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَبْرَأَتْهُ زَوْجَتُهُ فَطَلَّقَهَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا لَهُ شَخْصٌ جَهْلًا، وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَابِقًا، وَقَدْ كَانَ السُّؤَالُ مُشْتَمِلًا عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ حَافِظَةٌ لِمَالِهَا دُونَ دِينِهَا فَأَجَبْت: نَعَمْ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ الثَّانِي عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرَّجْعَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَزِدْت عَلَيْهِ قَالَ: الْخَطِيبُ فِي الْإِقْنَاعِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ مَحْجُورَةٌ بِسَفَهٍ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا، وَلَغَا ذِكْرُ الْمَالِ اهـ وَمِنْ السَّفَهِ عِنْدَهُمْ تَضْيِيعُ الدِّينِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. [قَالَ إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ صَدَاقِك طَلَّقْتُك فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً فَلَمْ يُطَلِّقْهَا] وَقَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ اللَّهِ الشَّرْقَاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ: وَلَوْ قَالَ: إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ صَدَاقِك طَلَّقْتُك فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً فَلَمْ يُطَلِّقْهَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَنْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِثْلُ أُطَلِّقُك فَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ رَجْعِيًّا نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ: طَلَّقْتُك أَنَّهَا طَالِقٌ عِنْدَ حُصُولِ الْإِبْرَاءِ، وَقَعَ بِهِ، وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ الْخِصَامِ أَبْرِئِينِي، وَأَنَا أُطَلِّقُك أَوْ تَقُولُ هِيَ ابْتِدَاءً أَبْرَأْتُك أَوْ أَبْرَأَك اللَّهُ قَالَ: الشبراملسي، وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ فِيهِ - وُقُوعُ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا، وَأَنَّهُ يَدِينُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك، وَيَقَعُ كَثِيرًا أَيْضًا أَنْ تَحْصُلَ مُشَاجَرَةٌ بَيْنَهُمَا فَتَقُولُ: أَبْرَأْتُك فَيَقُولُ: إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَتْ مُكَلَّفَةً رَشِيدَةً عَالِمَةً هِيَ، وَزَوْجُهَا بِالْقَدْرِ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ لَا بَائِنًا بِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ أَوْ سَفِيهَةً أَوْ جَاهِلَةً بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ شَيْءٌ لَوْ قَالَتْ أَبْرَأَك اللَّهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ الْمُسْتَحَقِّ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ بِأَنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا مَا لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ وُقُوعِهِ، وَإِلَّا فَلَا وُقُوعَ أَوْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَقَعَ بَائِنًا إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهَا السَّابِقَةُ، وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَيُصَدَّقُ فِي قَصْدِهِ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ اهـ ثُمَّ قَالَ: وَضَابِطُ الْبَابِ أَنَّهُ مَتَى صَحَّتْ الصِّيغَةُ، وَالْعِوَضُ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى أَوْ فَسَدَ الْعِوَضُ فَقَطْ بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ الصِّيغَةُ فَقَطْ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا إنْ تَجَزَّأَ، وَعُلِّقَ بِمَا وُجِدَ كَالْإِبْرَاءِ مَعَ وُجُودِ شُرُوطِهِ فَإِنْ عُلِّقَ بِمَا لَمْ يُوجَدْ كَالْإِبْرَاءِ عِنْدَ فَقْدِ شُرُوطِهِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الضَّابِطَ الْمَذْكُورَ: فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِإِبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ صَدَاقِهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ إلَّا إنْ وُجِدَتْ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ جَمِيعِهِ فَيَقَعُ بَائِنًا بِأَنْ تَكُونَ رَشِيدَةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ زَكَاةٌ خِلَافًا لِمَا أَطَالَ بِهِ الرِّيمِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْلِيقِهَا، وَعَدَمِهِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى رُؤْيَةِ جَارِيَةِ أُمِّ زَوْجَتِهِ فِي بَيْتِهِ حَيْثُ مَنَّتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ بِخِدْمَةِ الْجَارِيَةِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهَلْ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدَتِهَا أَوْ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ ظَهَرَ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَاسْتَخْدَمَهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ بِدُونِهَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إذَا

كتب زوجته فلانة طالق طلقة صادفت الثلاث لكنها لم تصادف الثلاث

اشْتَرَاهَا أَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى آخِرِ الْأَوْجُهِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ لِدَلَالَةِ بِسَاطِ تَعْلِيقِهِ عَلَى تَقْيِيدِ الْجَارِيَةِ بِكَوْنِهَا فِي مِلْكِ أُمِّ زَوْجَتِهِ، وَتَخْدُمُ فِي بَيْتِهِ مَجَّانًا فَهُوَ مُعَلِّقٌ الطَّلَاقَ عَلَى رُؤْيَتِهَا فِي بَيْتِهِ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِالتَّعْلِيقِ قَطْعُ الْمِنَّةِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا أَوْ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ ظَهَرَتْ حُرِّيَّتُهَا خَرَجَتْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا مُعَلَّقًا عَلَيْهَا لِانْقِطَاعِ الْمِنَّةِ بِذَلِكَ، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الْبِسَاطِ مُقَيِّدًا لِلْمُطَلِّقِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْمَعَانِي بِالْحَالِ، وَالْمَقَامِ، وَقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كَتَبَ زَوْجَتُهُ فُلَانَةُ طَالِقٌ طَلْقَةً صَادَفَتْ الثَّلَاثَ لَكِنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ الثَّلَاثَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَتَبَ: زَوْجَتُهُ فُلَانَةُ طَالِقٌ طَلْقَةً صَادَفَتْ الثَّلَاثَ لَكِنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ الثَّلَاثَ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَبَعْدَ قَوْلِهِ لَكِنَّهَا إلَخْ نَدَمًا فَيَكُونُ لَغْوًا هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي نَدَمٌ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ يَحْلِفُ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا تَكْرَارًا، ثُمَّ هُوَ عَلَى يَمِينِهِ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ أَبْيَنُ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا لِظَنِّهِ تَقَدُّمَ طَلْقَتَيْنِ مِنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ عَدَمَهُ، وَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِنْتَ شَخْصٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً مِنْ الزَّمَنِ، ثُمَّ أَرَادَ ذَلِكَ الشَّخْصُ طَلَاقَ ابْنَتِهِ مِنْ زَوْجِهَا قَهْرًا عَنْهُ، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا لَيَفْعَلَنَّ بِهِ مَا لَا يَنْبَغِي، وَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا بِالْمَدَاسِ، وَغَيْرِهِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ فَفَرَّ هَارِبًا فَنَهَبَ مَتَاعَهُ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ أَعْرَابًا مِنْ الْبَوَادِي لِيَقْتُلُوهُ فَصَارَ الْبَحْثُ عَلَيْهِ حَتَّى وَقَعَ فِي يَدِ أَبِي الزَّوْجَةِ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَأَكْرَهَهُ عَلَى التَّثْلِيثِ فَثَلَّثَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَثِيقَةً بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا رَغْبَةَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ فَهَلْ إنْ صَحَّ مَا ذُكِرَ يَكُونُ الطَّلَاقُ غَيْرَ وَاقِعٍ لِوُجُودِ الْإِكْرَاهِ خُصُوصًا مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْإِكْرَاهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إنْ صَحَّ مَا ذُكِرَ يَكُونُ الطَّلَاقُ غَيْرَ وَاقِعٍ لِوُجُودِ الْإِكْرَاهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنُ سَلْمُونٍ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَةَ رَجُلٍ آخَرَ بِحَضْرَتِهِ، وَهُوَ سَاكِتٌ فَهَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا مِنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا بِطَلَاقِ الْفُضُولِيِّ إيَّاهَا بِحَضْرَتِهِ، وَهُوَ سَاكِتٌ، وَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ لِإِجَازَةٍ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ، وَسُكُوتَهُ يُغْنِي عَنْهَا كَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَنْ الْفِيشِيِّ. وَنَصُّهُ: وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ كَبَيْعِهِ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَ بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ عَالِمٌ سَاكِتٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ، وَلَا يُتَوَقَّفُ اهـ. وَتَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ إنْ وَقَعَ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ حُضُورِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ، وَعَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا فِي حُضُورِهِ عَالِمًا بِهِ كِلَاهُمَا مَأْخُوذٌ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْبَيْعِ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى سَيِّدِي مُصْطَفَى الْبُولَاقِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ: مَا قَوْلُكُمْ فِي قَبِيلَةٍ مِنْ السُّودَانِ يَجْعَلُونَ الْحَرَامَ طَلْقَةً بَائِنَةً، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُونَ الْحَرَامَ إلَّا بِطَلَاقِ الثَّلَاثِ، وَطَرَأَ عَلَيْهِمْ بِإِفْتَاءِ عَالِمٍ مِنْهُمْ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْعَمَلَ جَرَى فِي الْمَغْرِبِ بِذَلِكَ فَهَلْ هَذَا الْعَمَلُ صَحِيحٌ يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ لِقَوْمٍ إلَّا بِعُرْفِهِمْ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ فَإِفْتَاءُ هَذَا الْمُفْتِي لِمَنْ عُرْفُهُمْ أَنَّ

الْحَرَامَ طَلَاقُ ثَلَاثٍ بِأَنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ضَلَالٌ مُبِينٌ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ جَهْلٌ إذْ لَا يُفْتَى لِقَوْمٍ بِعُرْفِ آخَرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَغَارَتْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنْ طَلَّقَهَا لَيَتَزَوَّجَنَّ أُخْرَى بِقَصْدِ إغَاظَتِهَا، وَالْمُكْثِ مَعَهَا فَهَلْ إذَا طَلَّقَ الثَّانِيَةَ، وَعَقَدَ عَلَى أُخْرَى تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالدُّخُولِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقَامَةِ مَعَهَا، وَهَلْ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْعَقْدِ، وَالدُّخُولِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَمْكُثَ مُدَّةً تَحْصُلُ بِهَا الْإِغَاظَةُ، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ طُولٍ نَحْوِ سَنَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تُشْبِهَ الْمَرْأَةُ نِسَاءَهُ، وَيَكُونَ مِثْلُهَا يَغِيظُ زَوْجَتَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولٍ بِوَطْءِ مُبَاحٍ مَعَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا لِعَدَمِ حُصُولِ مُكْثِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى لَطَفَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا فَقَالَ لَهَا: إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَهِيَ رَشِيدَةٌ فَهَلْ إذَا أَثْبَتَتْ أَنَّهُ كَانَ يُضَارِرُهَا بِالسَّبِّ، وَالضَّرْبِ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِصِدَاقِهَا، وَالطَّلَاقُ نَافِذٌ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لِرُشْدِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِفَتْوَى مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَلِّلًا بِالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ حَمَلَهَا عَلَى الْإِبْرَاءِ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ، وَفِعْلُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا أَثْبَتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ يُضَارِرُهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَالِ إلَيْهَا، وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَالْفَتْوَى بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ جَهْلٌ أَوْ ضَلَالٌ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَرَدُّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ نَصُّهَا يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ أَنَّهَا مَا خَالَعَتْهُ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ مَا خَالَعَهَا بِهِ، وَبَانَتْ مِنْهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَقُولُ: وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مَعَ رَدِّ الْمَالِ صِحَّةَ الْبَرَاءَةِ كَمَا فِي السُّؤَالِ، وَإِلَّا لَمْ يَرُدَّ الْمَالَ بَلْ ثُبُوتُ الضَّرَرِ فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ التَّطْلِيقَ بِهِ مَجَّانًا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فَهُوَ الْعِلَّةُ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ، وَرَدِّ الْمَالِ فَزَعْمُ الْمُفْتِي أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ إلَخْ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْحُكْمِ لِغَفْلَتِهِ عَنْ عِلَّتِهِ، وَالنَّصِّ عَلَيْهِ، وَكَانَ بَائِنًا لِوُقُوعِهِ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لَوْ أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ قِبَلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ سَأَلَتْهُ زَوْجَتُهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ لَهَا قَبْلَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ: إنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْت خَالِصَةٌ، وَدَخَلَتْ فَهَلْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةُ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ دَعْوَاهُ يَلْحَقُهُ الثَّلَاثُ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ اللَّازِمَ بِخَالِصَةٍ رَجْعِيٌّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ) : الْحَمْدُ لِلَّهِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ سَوَاءٌ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَاجَعَهَا بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ أَوْ لَا حَيْثُ اسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ خَالِصَةً طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ، وَأَنَّ الْوَطْءَ بِمُجَرَّدِهِ رَجْعَةٌ فَهِيَ مَعَهُ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ يَلْحَقُ فِيهِ الطَّلَاقُ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ، وَقَاعِدَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَقُولُ) ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَنَصُّهُ وَهُنَا مُهِمَّةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّخْصِ الْحَرَامُ فَيُرَاجِعُهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فَيُفْتِيهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ لُزُومِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَام طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ

وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فَيُجَدِّدُ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدًا، وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْحَقُهُ فِيهِ بَلْ، وَلَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا، وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي لُحُوقَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ رَجْعِيٌّ مَعَ قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ: إنَّ الْجِمَاعَ يَكُونُ رَجْعَةً مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا أَيْضًا كَيْفَ، وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: الْحَرَامُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ عِصْمَتِهِ، غَايَتُهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ - تَعَالَى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ رِقَّةِ الدِّيَانَةِ انْتَهَى، وَنَصُّهُ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ: مَسْأَلَةٌ يَضِلُّ فِيهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يُفْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحَرَامَ الْمَشْهُورَ فِيهِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ ثَلَاثٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَجَرَى الْعَمَلُ بِالْمَغْرِبِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَهُ رَجْعِيَّةً فَيَتَّفِقُ أَنْ يَقَعَ الْحَرَامُ مِنْ شَخْصٍ فَيُرَاجِعَ لَهُ الْمُفْتِي الشَّافِعِيُّ ثُمَّ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا فَيَقُولَ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا يَلْزَمُ الثَّلَاثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَمَا دَرَى أَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَبَعْضُهُمْ يُعَلِّمُ الرَّجُلَ إنْكَارَ الرَّجْعَةِ، وَلَا يُخَلِّصُهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا عَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى أَنَّ الْجِمَاعَ بِمُجَرَّدِهِ يَكُونُ رَجْعِيَّةً فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمُفْتِي انْتَهَى. (وَسُئِلَ) أَيْضًا - لَطَفَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ صَبِيٍّ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهَلْ تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ فَيَلْزَمُهُ طَلَاقُ زَوْجَتِهِ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ لُزُومِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ إنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ أَوْ شَرْطُ التَّكْلِيفِ يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُرْتَدِّ بَيِّنُوا لَنَا جَوَابًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ، رِدَّةُ الصَّبِيِّ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْقَتْلَ إنْ لَمْ يَتُبْ فَيُؤَخَّرُ لِبُلُوغِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ فِيهِ كَالْبَالِغِ فَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ، وَلَا تَرْجِعُ لَهُ إنْ رَجَعَ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ، وَلَمْ نَرَ مَنْ اسْتَثْنَى بَيْنُونَةَ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ مِنْ أَحْكَامِ رِدَّتِهِ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فِي صِحَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ الْمُوقَعِ، وَهَذَا طَلَاقٌ يَحْكُمُ بِهِ الشَّرْعُ عِنْدَ رِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ: بِصِحَّةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ فَمَا تَفْهَمُهُ فِي رِدَّةِ الزَّوْجَةِ افْهَمْهُ فِي رِدَّةِ الصَّبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْت) كَلَامُ الْخَرَشِيِّ نَصٌّ فِي بَيْنُونَةِ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ بِرِدَّتِهِ، وَأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّلَاقِ الْمُوقَعِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ نَائِبِهِ لَا فِي الطَّلَاقِ الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ لَا يُقَالُ: إذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ بَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ عَدَمِ وُقُوعِهِ مِنْ مُكَلَّفٍ لِأَنَّا نَقُولُ: الْبَيْنُونَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا أَنَّهُ هُوَ الْمُوقِعُ لَهَا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا: عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ مَا أَنْت قَاعِدَةٌ فِي الدَّارِ فَأَخَذَتْ حَوَائِجَهَا فِي مِقْدَارِ دَرَجَةٍ، وَذَهَبَتْ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا فَهَلْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَبِسَاطُ الْيَمِينِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِدَوَامِ الْبُغْضِ بَيْنَهُمَا، وَصَالَحَهَا لَهَا دُخُولُ الدَّارِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْبِسَاطُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ إذْ شَرْطُ اعْتِبَارِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَالِفِ مَدْخَلٌ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ فِي مَعْنَى مَا أَنْتِ قَاعِدَةٌ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ لَا تَسْكُنِي فِيهَا فَلَيْسَ لَهَا سُكْنَاهَا، وَمَتَى سَكَنَتْهَا لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ انْتِقَالَهَا مِنْهَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِانْتِقَالِهَا مِنْهَا، وَمُكْثِهَا خَارِجَهَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَيُنْدَبُ كَمَالُهُ، وَلَهَا

الرُّجُوعُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّهُ الْمَدْلُولُ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ، وَهِيَ تَعُمُّ فِي سِيَاقِ النَّفْي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ: وَشَرْطُ اعْتِبَارِهِ أَيْ الْبِسَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُثِيرَ لَهُ كَمَا لَوْ أَثَارَ النِّزَاعَ فَحَلَفَ، ثُمَّ زَالَ النِّزَاعُ اهـ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْرِي الْبِسَاطُ فِي جَمِيعِ الْحَلِفِ ... وَهُوَ الْمُثِيرُ لِلْيَمِينِ فَاعْرِفْ إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى وَزَالَ السَّبَبْ ... وَلَمْ يَكُنْ لِحَالِفٍ يُنْتَسَبْ وَفِي الطَّلَاقِ قَدْ نَفَعْ عَلَى الْأَصَحِّ ... إنْ شُرُوطًا قَدْ جَمَعْ قَالَ: فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَتَعْرِيفُ عَبْدِ الْبَاقِي، وَغَيْرِهِ الْبِسَاطَ بِالسَّبَبِ الْحَامِلِ عَلَى الْحَلِفِ تَعْرِيفٌ لَهُ بِالْغَالِبِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي عِلْمِ الْمَعَانِيَ بِالْمَقَامِ، وَقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ سَبَبًا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا الْمُقَرَّرِ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ قَامَتْ تُرِيدُ أَخْذَ صِدَاقَهَا مُحْتَجَّةً بِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ مُضَارَرَتِهِ لَهَا الْحَاصِلَةِ بِالضَّرْبِ، وَالْهَجْرِ فَهَلْ لَهَا أَخْذُ صِدَاقِهَا مِنْهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِبَرَاءَتِهَا حَيْثُ كَانَتْ صَادِرَةً لِمَحْضِ التَّخَلُّصِ مِمَّا ذَكَرَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهَا أَخْذُ صَدَاقِهَا مِنْهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِبَرَاءَتِهَا إذَا شَهِدَ بِالضَّرَرِ عَدْلَانِ سَوَاءٌ شَهِدَا بِمُعَايَنَتِهِ أَوْ بِالسَّمَاعِ بِهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْخَدَمِ فَقَطْ أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِمُعَايَنَتِهِ، وَحَلَفَتْ مَعَهُ، وَالطَّلَاقُ نَافِذٌ لَازِمٌ بَائِنًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَرَجَعَتْ إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِالضَّرَرِ، وَإِنْ سَمَاعًا، وَلَوْ فَشَا مِنْ غَيْرِ ثِقَاتٍ كَأَنْ حَلَفَتْ مَعَ شَاهِدٍ كَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ، وَلَا يَنْفِيَانِ سَمَاعًا عَلَى الْأَرْجَحِ اهـ قَالَ: الْخَرَشِيُّ، وَبَانَتْ مِنْهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ عَنْ إضْرَارٍ بِهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيمَا اخْتَلَعَتْ بِهِ، وَأَسْقَطَتْهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ دُونَ إكْرَاهٍ، وَلَا إضْرَارٍ، وَأَنَّهَا أَسْقَطَتْ الْبَيِّنَةَ الْمُسْتَرْعِيَةَ، وَغَيْرَهَا فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ الضَّرَرُ فَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ، وَقَالَ الزَّوْجُ: كَانَ ذَلِكَ عَنْ اخْتِيَارِهَا، وَرِضَاهَا، وَلَمْ تَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ، وَذَهَبَتْ إلَى إحْلَافِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينٌ إلَّا بِشُبْهَةٍ كَالشَّاهِدِ الْعَدْلِ قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ، وَيَثْبُتُ الضَّرَرُ بِوَجْهَيْنِ بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ، وَبِالسَّمَاعِ الْمُسْتَفِيضِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفِي الشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمَغْمَزِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقْطَعْ بِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ الْفَاشِي الْمُسْتَفِيضِ عَلَى أَلْسِنَةِ اللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ، وَالْخَدَمِ، وَالْجِيرَانِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ: فَإِذَا ثَبَتَ الضَّرَرُ حَلَفَتْ أَنَّ خُلْعَهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْإِضْرَارِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْيَمِينُ ذَكَرَهَا ابْنُ فَتْحُونٍ فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَابْنُ بَشِيرٍ فِي مَسَائِلِهِ، وَهُنَّ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِهِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ نَفْيِ الْيَمِينِ، وَعَدَمُ وُجُوبِهَا، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ يَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ، وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: لَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا شَيْئًا يُرَى لَهُ وَجْهٌ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَمْكَنَتْنِي مِنْ

نَفْسِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَشِبْهَهُ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَرْعَتْ الْمَرْأَةُ فِي الضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِ الْخُلْعِ، وَأَشْهَدَتْ بِذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقٍ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الضَّرَرَ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَقْطَعَ الشُّهُودُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْمَعْلُومُ مَا تَقَدَّمَ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فَتَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهَا، وَيُصْرَفُ عَلَيْهَا مَا أَسْقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَالٍ، وَالطَّلَاقُ مَاضٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِصَالِحَاتِ الْجِيرَانِ، وَالْخَدَمِ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ إلَيْهَا قَالَ: ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي مَقَالَاتِ ابْنِ مُغِيثٍ: وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى الْقَطْعِ، وَشَهِدَ مَعَهُ بِالسَّمَاعِ نَفَذَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَيُجْزِئُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي ذَلِكَ عَدْلَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالشُّهُودُ الْكَثِيرَةُ أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمَا نَفَذَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ ضَامِنُ التَّبَعَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا اخْتَلَعَتْ بِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ الضَّرَرُ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ الْقَيْرَوَانِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي، وَثَائِقِهِ لِلزَّوْجِ، وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَغَلَّطَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّامِنِ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ بِهَا لِفَسَادِ الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الضَّامِنُ بِالضَّرَرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الضَّرَرُ لِلزَّوْجَةِ، وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ فِي عَقْدِهَا فَهَلْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كَمَا تَفْعَلُ إذَا كَانَ لَهَا شَرْطٌ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهَا ذَلِكَ فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ حَتَّى تَشْهَدَ بِتَكْرَارِ الضَّرَرِ فَإِذَا شُهِدَ بِذَلِكَ، وَجَبَ لِلسُّلْطَانِ النَّظَرُ لَأَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ قَالَ: ابْنُ حَارِثٍ، وَلَيْسَ الضَّرْبُ، وَإِنْ صَحَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَا آثَارُهُ الظَّاهِرَةُ بِاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى الضَّرَرِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَدِّبَ مَمْلُوكَهُ كَمَا لِلْأَبِ أَنْ يُؤَدِّبَ ابْنَهُ، وَكَمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ، وَقَدْ شَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ زَوْجَتَهُ صَفِيَّةَ، وَكَمَا لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُؤَدِّبَ مُتَعَلِّمَهُ، وَكَمَا لِلْحُكَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِلنَّظَرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤَدِّبُوا الظَّالِمَ بِضُرُوبِ التَّأْدِيبِ، وَمَقَادِيرُ الذُّنُوبِ مُخْتَلِفَةٌ، وَكُلُّ سَنٍّ، وَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ، وَمُصَدَّقٌ فِيهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ تَعَدِّيهِ فَيُضْرَبَ عَلَى يَدَيْهِ. وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْتَكِي أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا، وَبِهَا أَثَرُ ضَرْبٍ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا عَلَى مُعَايَنَةِ ضَرْبِهَا فَقَالَ يُسْأَلُ جِيرَانُهَا فَإِنْ قَالُوا: إنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْزِعُ عَنْ ظُلْمِهَا، وَأَذَاهَا أَدَّبَهُ، وَحَبْسُهُ. قِيلَ: فَإِنْ سَمِعَ الْجِيرَانُ الصِّيَاحَ مِنْهَا، وَلَمْ يَحْضُرُوا ضَرْبَهُ إيَّاهَا فَقَالَ: لَا شَكَّ فِي هَذَا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ لَشَكَا هُوَ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ فَتْحُونٍ قَالَ غَيْرُهُ: وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَطْلُقُ عَلَى زَوْجِهَا إذَا صَنَعَ بِهَا مِنْ الْمُثْلَةِ مِثْلَ مَا يَعْتَقُ بِهَا الْمَمْلُوكُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَإِذَا تَرَدَّدَتْ الْمَرْأَةُ فِي شَكْوَى ضَرَرِ زَوْجِهَا بِهَا أُمِرَ جِيرَانُهَا أَنْ يَتَفَقَّدُوا أَحْوَالَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِيرَانِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَمَرَ بِالسُّكْنَى بِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُلَهَا مِنْ سُكْنَى الْبَادِيَةِ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِإِسْكَانِهَا حَيْثُ يُجَاوِرُهَا مَنْ يَشْهَدُ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي طَرَفِ الْحَاضِرَةِ أَمَرَ بِالسُّكْنَى بِهَا فِي مَوْضِعٍ يَتَبَيَّنُ فِيهِ حَالُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَتْ الْوَحْدَةَ، وَالْوَحْشَةَ، وَلَمْ تَشْكُ الضَّرَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى مَوْضِعٍ مُؤْنِسٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَرَفَتْ ذَلِكَ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ نَقْلُهَا فَإِنْ تَبَيَّنَّ الضَّرَرُ لِلْجِيرَانِ مِنْ الزَّوْجِ أَدَّبَهُ، وَزَجَرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْجِيرَانِ، وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ كُلَّ الْإِشْكَالِ، وَطَالَ تَرْدَادُهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ السُّكْنَى بِهَا فِي دَارٍ أَمِينٍ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ لُبَابَةَ الْأَمِينَةَ، وَقَالَ: لَا يَقْضِي بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقْضِي بِذَلِكَ إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْأَمِينَةِ عَلَى

رجل غاب عن زوجته ثلاث عشرة سنة في بلد على مسافة عشرين يوما

الزَّوْجَيْنِ، وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الضَّرَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَدَعَا إلَى دَارِ أَمِينٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِأَيْ وَجْهٍ ادَّعَى فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ لِلْأَمِينِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَهُ بَعَثَ فِيهِمَا الْحَكَمَيْنِ يَنْظُرُ لَهُمَا السُّلْطَانُ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا إنْ كَانَا، وَإِلَّا فَمِنْ غَيْرِهِمَا، وَيُوَجِّهُهُمَا إلَيْهِمَا فَيَسْأَلَانِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَالِهِمَا، وَعَمَّا نَقَمَ مِنْ الْآخِرِ، وَيَسْتَنْبِطَانِ حَالَهُمَا، وَيَدْخُلَانِ عَلَيْهِمَا الْمَرَّتَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ، وَلَا يَكُونَانِ مَعَهُمَا مُلَازِمِينَ حَتَّى يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ رَأَيَاهُ مِنْ إسْقَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى الْحُكْمِ، وَيُنَفِّذَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ. قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا إعْذَارَ فِي حُكْمِ الْحُكْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَحْكُمَا بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ، وَلَا يَقُومُ عَلَى الزَّوْجِ بِالضَّرَرِ أَبٌ، وَلَا، وَصِيٌّ، وَلَا غَيْرُهُمَا إلَّا بِتَقْدِيمِ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا الرِّضَا بِذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلَّمُونِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَا أَنْت قَاعِدَةً فِي الْبَيْتِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَخَذَتْ حَوَائِجَهَا فِي قَدْرِ دَرَجَةٍ، وَخَرَجَتْ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِرُجُوعِهَا إلَيْهِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْوُقُوعِ فَهَلْ لَهُ تَسْكِينُهَا، وَانْتِقَالُهُ مَعَهَا فِي بَيْتٍ آخِرِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ تَسْكِينُهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، وَرَاجَعَهَا، ثُمَّ تَشَاجَرَ مَعَهَا فَعَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى أَكْلِهِ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي تَصْنَعُهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ نَاسِيًا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِوُقُوعِهِ، ثُمَّ تَشَاجَرَ مَعَهَا ثَانِيًا فَقَالَ: لَهَا إنْ كُنْتِ لِي عَلَى ذِمَّةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَلْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّالِثُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَاسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّانِي لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي مُوجِبَاتِ الْحِنْثِ، وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّالِثُ أَيْضًا، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي إنْ اسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى ذِمَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْوَطْءُ الْمُجَرَّدُ عَنْ النِّيَّةِ رَجْعَةٌ فَهُوَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا فَهَلْ تَرْفَعُ زَوْجَتُهُ لِلْحَاكِمِ لِيُرْسِلَ لَهُ إمَّا أَنْ يَقْدَمَ أَوْ يَنْقُلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُطَلِّقَ، وَإِذَا رَفَعَتْ إلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِأَنْ قَالَ أَهْلُهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدَنَا، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُ مَحَلًّا فَهَلْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَرْفَعُ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إنْ كَانَ زَوْجُهَا مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَرْسَلَ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَقْدَمَ أَوْ يَحْمِلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُطَلِّقَ، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْمَكَانِ أَرْسَلَ إلَى الْجِهَاتِ الَّتِي يُظَنُّ ذَهَابُهُ إلَيْهَا فَإِنْ عُلِمَ مَحَلُّهُ فَكَالْأَوَّلِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ خَبَرِهِ أُجِّلَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ إنْ كَانَ حُرًّا، وَسَنَتَيْنِ إنْ كَانَ رِقًّا، وَإِذَا تَمّ الْأَجَلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ، وَفَاةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ إنْ شَاءَتْ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ تَخْشَ عَلَى نَفْسِهَا زِنًا

وَإِلَّا فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَاجِلًا بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالًا تُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَا أَقَامَ لَهَا وَكِيلًا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَا أَرْسَلَ لَهَا بِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَتَحَمَّلْ بِنَفَقَتِهَا مُدَّةَ غَيْبَتِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَصْلٌ فَإِنْ دَعَتْ الزَّوْجَةُ إلَى الْفِرَاقِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَوْ أَسِيرًا أَوْ مَفْقُودًا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَالْمَكَانِ فَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْمَكَانِ فَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَنَّ السُّلْطَانَ يَكْتُبُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَحْمِلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُفَارِقَهَا، وَإِلَّا طَلَّقْتُهَا عَلَيْك قَالَ: فَإِنْ أَطَالَ الْغَيْبَةَ، وَالنَّفَقَةُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: مَالِكٌ أَمَّا الْحِينُ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَنَنْتُ قَوْلَهُ: الْحِينُ السَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَإِنْ أَطَالَ الْغَيْبَةَ فَلْيَقْضِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ تَنَصُّرُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي تَنَصُّرِهِ عَلَى الطَّوْعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَيُوقَفَ مَالُهُ فِي تَنَصُّرِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى الِارْتِدَادِ فَيَكُونَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُرَاجِعَ الْإِسْلَامَ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا مَجْهُولَ الْحَالِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ إذَا ذَهَبَتْ إلَى الْفِرَاقِ فَلَهَا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ فَقْدُهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ يُؤَجَّلَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ مِنْ يَوْمِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَفْقُودِ لَا مِنْ يَوْمِ قِيَامِهَا فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ إنْ شَاءَتْ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِي عِدَّتِهَا، وَلَا فِي نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ نَفَّذَ بِالتَّأْجِيلِ، وَإِذَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِنْ أَحَبَّتْ الْمَقَامَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَشْرَعَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِبْطَالِ حُكْمِ الْأَجَلِ فَلَهَا ذَلِكَ ثُمَّ إنْ أَرَادَتْ فِرَاقَهُ ضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ آخَرُ، وَإِنْ قَدِمَ الزَّوْجُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ أَوْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَجَلِ، وَغَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ، وَقَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي الْأَحَقِّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَقَدْ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ، وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَتَأْخُذُ مَهْرَهَا كُلَّهُ، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا، وَقَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَرِثُهُ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِي. وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِي، وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ فَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ، وَأَشْهَدَ الْعُدُولَ عَلَى ضَرْبِ الْأَجَلِ جَازَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا عِنْدَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ. وَحَكَى ابْنُ مُغِيثٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا حُكْمَ فِيهِ، وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى صَالِحِي جِيرَانِهَا، وَكَشَفُوا عَنْ خَبَرِ زَوْجِهَا، وَضَرَبُوا لَهَا أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَمِ الْإِمَامِ كَفِعْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَابْنُ الْقَابِسِيِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ، وَأَمَّا مَالُهُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَحْصُرُهُ، وَيُقَدِّمُ مِنْ قَرَابَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ حَيَاتُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ أَمُدُّ تَعْمِيرِهِ، وَيَقُومَ هَذَا الْمُقَدَّمُ مَقَامَ الْمَفْقُودِ فِي قَبْضِ مَالِهِ، وَإِجْرَائِهِ فِيمَا يَجِبُ، وَدَفْعِ النَّفَقَاتِ، وَالدُّيُونِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَفْقُودِ قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِأَخْذِهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِتَمْوِيتِهِ بِخِلَافِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا كَانَ يَقُولُ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنَّهَا ضَاعَتْ أَوْ خُسِرَتْ فِي الْقِرَاضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ: وَنَزَلْت فَأَفْتَيْتُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقُومُ أَحَدٌ عَنْ الْغَائِبِ دُونَ تَقْدِيمٍ، وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ فِي إثْبَاتِ مُلْكٍ لَهُ أَوْ إحْدَاثِ عَيْبٍ عَلَيْهِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ لَهُ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَيَشْهَدُ الْقَاضِي بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ، وَلَا يَحْكُمُ بِإِخْرَاجِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مِنْ يَدِ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ فِي تَعَقُّبِهِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَبَ، وَالِابْنَ يُمَكَّنَانِ مِنْ الْإِثْبَاتِ، وَالْخُصُومَةِ عَلَى

الْغَائِبِ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُمَكَّنُونَ إلَّا مِنْ الْإِثْبَاتِ خَاصَّةً، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ قَالَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمٍ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ تَعْمِيرِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ رُدَّ مَا كَانَ وُقِفَ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى، وَوَرِثَ الْمَفْقُودُ، وَرَثَتَهُ الْأَحْيَاءَ عِنْدَ انْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ، وَالْمُتَوَفَّى وَرَثَتُهُ يَوْمَ مَاتَ، وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَ الْمَفْقُودِ، وَالْمُتَوَفَّى؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ التَّعْمِيرِ فَقِيلَ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: تِسْعُونَ سَنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَرَجَعَ إلَيْهِ أَيْضًا مَالِكٌ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ، وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى الْمِائَةِ، وَأَعْدَلُهَا عِنْدِي الثَّمَانُونَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ، وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ فَإِنْ بَقِيَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ لَهَا، وَاعْتِدَادِهَا مِنْهُ إلَى أَنْ انْقَضَى أَمَدُ تَعْمِيرِهِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى هُوَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهَا تَرِثُهُ، وَتَدْخُلُ مَعَ وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ هِيَ بَعْدَ اعْتِدَادِهَا، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ فَلْيُوقَفْ لِلزَّوْجِ مِيرَاثُهُ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ حَيَاتُهُ بَعْدَهَا، وَيَظْهَرَ خَطَأُ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، وَتَكُونَ هِيَ لَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ فَيَأْخُذَ مِيرَاثَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ، وَيُحْكَمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فِي حَقِّهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَفْقُودَ إذَا تَمَّتْ لَهُ الْأَرْبَعَةُ الْأَعْوَامِ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيَرِثُهُ، وَرَثَتُهُ إذْ ذَاكَ، وَيَقْتَسِمُونَ مَالَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَكَمَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ حُكِمَ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، وَقُسِّمَ مَالُهُ، وَتَرَتَّبَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْمَوْتِ كُلُّهَا إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ تَعْمِيرِهِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى قَسْمِ مَالِهِ، وَوَجْهُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ تَغْلِيبُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَفْقُودِ الْحَيَاةُ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ، وَالْبَحْثِ عَنْهُ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ أَنَّهُ مَاتَ فَرَجَحَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الزَّوْجَةِ، وَالْمِيرَاثِ لَكِنَّ مَالِكًا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ لَهَا، وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَانَ الْأَجَلُ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَبِتَمَامِهَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ جُعِلَتْ هُنَا أَقْصَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْقَطِعُ بِتَمَامِهَا حَيَاةُ الْمَفْقُودِ، وَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَلْحَظٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا مَفْقُودُ الْمُعْتَرَكِ فِي الْقِتَالِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمْ. فَإِنْ كَانَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ. أَحَدُهَا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ فَيُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلٌ أَرْبَعَةُ أَعْوَامِ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ تَعْمِيرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَسِيرِ فَلَا يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ أَجَلٌ، وَلَا يُورَثُ مَالُهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ أَجَلُ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُضْرَبُ لِلزَّوْجَةِ سَنَةٌ بَعْدَ الْبَحْثِ، وَالْيَأْسِ عَنْهُ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ. وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلٌ سَنَةً بَعْدَ الْبَحْثِ، وَالْيَأْسِ مِنْهُ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ، وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيَرِثُهُ إذْ ذَاكَ، وَيُقَسَّمُ مَالُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِهَا، وَحَكَمَ بِهِ ابْنُ الْأَيْمَنِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ

وَحَكَمَ بِهِ فِي، وَقْعَةِ قُتُنْدَةَ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَفِيهَا قَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَفِي أَرْضِ الْعَدُوِّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كَمْ تَقْعُدُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: سَنَةً فَقِيلَ: لَهُ تَعْتَدُّ بَعْدَ السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرًا فَقَالَ: نَعَمْ تَعْتَدُّ لَهُ، وَمَتَى يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ سَنَةً مِنْ يَوْمِ فَقْدِهِ أَوْ مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ قَالَ مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ تَرْجِيحُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَمْ تُعْلَمْ لَهُ حَيَاةٌ بِطُولِ الْأَجَلِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَوْتَ فَرَجَحَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَتَبَعَّضْ فِيهِ الْحُكْمُ فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ، وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، وَحُكْمُ هَذَا الْأَجَلِ السَّنَةِ حُكْمُ الْأَرْبَعَةِ الْأَعْوَامِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى أَنَّ هَذَا سَنَةٌ، وَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُهُ السُّلْطَانُ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يَلْزَمُ الْمَفْقُودَ نَفَقَتَهُ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ عِنْدَ ذَلِكَ زَوْجَتُهُ، وَتَرِثُهُ، وَرَثَتُهُ إذْ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا تَمَّ هَذَا الْأَجَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمَفْقُودِ حَيَاةٌ، وَلَا مَوْتٌ ثَمَّ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ إذْ ذَاكَ، وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ حُكْمٍ مِثْلُ الْأَجَلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَجَلُ فِي هَذَا سَنَةً؛ لِأَنَّ السَّنَةَ تُضْرَبُ فِي الشَّرْعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَأَجَلِ الْمُعْتَرِضِ، وَعُهْدَةِ السَّنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْغَالِبِ، وَتَرْجِيحِهِ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ فَقَطْ، وَبَقِيَ فِي الْمَالِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَرَجَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بَعْدَ السَّنَةِ فِي الزَّوْجَةِ، وَالْمَالِ، وَحَمَلَ الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بِهِ فِيهِ، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ: أَحَدُهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ بَعْدَهَا، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. وَالثَّالِثُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ يَوْمَ الْقِتَالِ فَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ يَوْمئِذٍ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُتَلَوَّمُ لَهُ أَجَلٌ أَمَدٌ يَسِيرٌ بِقَدْرِ مَا يَنْصَرِفُ مَنْ هَرَبَ أَوْ مَنْ انْهَزَمَ، وَيُقْسَمُ مَالُهُ، وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَتْ، وَالتَّرَبُّصُ فِي ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ فَعَلَ إذَا عُرِفَ الْحَالُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَجَلِ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إذَا كَانَتْ الْمَعْرَكَةُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ التَّرَبُّصُ سَنَةً، وَالْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِيهَا؛ إذْ هِيَ مِنْ يَوْمِ الْوَقِيعَةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ السَّنَةُ تَرَبُّصٌ لِلْفَحْصِ عَنْ حَالِهِ، وَلَيْسَتْ بِأَجَلٍ مَضْرُوبٍ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ مَعْرَكَةٍ تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَفْنِيَتِهِمْ فَيَقَعُ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ فَمَا تَقُولُ

رجل طلق زوجته طلقة رجعية ثم قال لها قبل خروجها من العدة إن كنت على ذمتي فأنت طالق

فِيمَنْ فُقِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَا يُعْرَفُ قَتْلُهُ، وَمَا يُفْعَلُ بِامْرَأَتِهِ، وَفِي مَالِهِ فَقَالَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُعَدَّلَةِ أَنَّهُ شَهِدَ الْمَعْرَكَةَ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَعْتَدُّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمُعْتَرَكُ، وَيُقَسَّمُ مَالُهُ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَإِذَا كَانُوا إنَّمَا رَأَوْهُ خَارِجًا مَعَ الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْمُعْتَرَكِ فِي الْقِتَالِ إلَّا أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَيْهِ خَارِجًا فِي جُمْلَةِ النَّاسِ فَإِنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمَفْقُودِ، وَيُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ أَجَلٌ أَرْبَعُ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إلَى الْأَمَدِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَيْهِ فَحَالُ هَذَا الْمَفْقُودِ فِي الْفِتَنِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُعْتَرَكِ غَيْرُ حَالِ الْمَفْقُودِ؛ إذْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَيِّتِ إذْ ذَاكَ لِمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ مَاتَ فِيهَا، وَذَلِكَ كَمَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ فِيهَا بِالْمُعَايَنَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ مَاتَ فِي الْمُعْتَرَكِ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَيِّتِ إذْ ذَاكَ. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ سُئِلَ سَحْنُونٌ فِي رَجُل شَهِدَ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الْمُسْتَفِيضِ أَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ فِي، وَقْعَةِ قُتُنْدَةَ، وَثَبَتَ عِنْدَ آخَرَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي الْعَسْكَرِ هَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَفْقُودِ أَوْ بِمَوْتِهِ الْآنَ فَقَالَ: يُحْكَمُ بِمَوْتِ الرَّجُلِ فِي تَارِيخِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ عَلَى السَّمَاعِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ يَوْمئِذٍ، وَلَا يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ الْآنَ، وَلَا يُعَمَّرُ كَمَا يُعَمَّرُ الْمَفْقُودُ، وَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةٌ فِي مَالِهِ، وَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا يُؤَجَّلُ مَفْقُودُ الْمُعْتَرَكِ سَنَةً ثُمَّ يُوَرَّثُ مَالُهُ بَعْدُ، وَيُقَسَّمُ مَالُ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَفُقِدَ، وَكَذَلِكَ الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ رُئِيَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ، وَلَا يُوَرَّثُ إلَّا بَعْدَ التَّعْمِيرِ، وَإِذَا نُعِيَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّ نِكَاحَ الثَّانِي يُفْسَخُ، وَتَسْتَبْرِئُ مِنْهُ، وَتُرَدُّ إلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ. قَالَ: أَبُو عِمْرَانَ: وَلَوْ ثَبَتَ مَوْتُهُ عِنْدَهَا بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَتَزَوَّجَتْ، وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ لَمْ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَكُونَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَإِذَا كَانَ الْمَفْقُودُ عَبْدًا ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجَلِ الْحُرِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا يُضْرَبُ لَهَا أَجَلٌ، وَهَلْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ، وَقَالَ: فِي الْمَجْمُوعِ لِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي، وَالْوَالِي، وَوَالِي الْمَاءِ، وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَتُؤَجَّلُ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَمْ تَخَفْ زِنًا، وَإِلَّا فَلَهَا تَعْجِيلُ الطَّلَاقِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لَهُ آخَرُ طَلِّقْ زَوْجَتَك مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ لَا مِنْ بَابِ الْإِكْرَاهِ فَقَالَ لَا أُطَلِّقُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الزَّوْجَةِ، ثُمَّ الْتَفَتَ لِزَوْجَتِهِ، وَقَالَ: لَهَا رُوحِي لِحَالِك، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْآمِرِ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيَصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ، وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ لُزُومُ الطَّلَاقِ بِهَا عَلَى النِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ إنْ كُنْتِ عَلَى ذِمَّتِي فَأَنْت طَالِقٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ قَالَ لَهَا: قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ إنْ كُنْتِ عَلَى ذِمَّتِي فَأَنْت طَالِقٌ فَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ هَذَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ لَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ بَانَتْ مِنْهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ

الطَّلَاقُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: الطَّلَاقُ مُضَادٌّ لِلنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا بَقَاءَ لِلضِّدِّ مَعَ وُجُودِ ضِدِّهِ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَيْسَتْ عَلَى ذِمَّةِ مُطَلِّقِهَا بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى كَوْنِهَا عَلَى ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَطَأْهَا بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِنْ وَطِئَهَا، وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ رَجْعَةً لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَهُ رَجْعَةً كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ لَيْسَتْ عَلَى الذِّمَّةِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ التَّشْبِيهُ، وَمَا ذَكَرْت مِنْ قَوْلِهِمْ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ لَسْت لِي عَلَى ذِمَّةٍ بَانَتْ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يُنْتَجُ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ عَلَى الذِّمَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ إنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى الْبَائِنِ احْتِيَاطًا، وَتَشْدِيدًا عَلَى مَنْ لَبَّسَ، وَطَلَّقَ بِغَيْرِ الصَّرِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ، وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ إنْ دَخَلَتْ أَنْت دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَتْهَا فَهَلْ تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا الدَّارَ أَوْ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِإِنْشَاءِ طَلَاقٍ بِاللَّفْظِ، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا فَهَلْ إذَا اعْتَقَدَ الْحَالِفُ جَهْلًا مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ، وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ خَلَصْتِ مِنِّي نَاوِيًا إخْبَارَهَا بِمَا اعْتَقَدَهُ أَوْ غَيْرَ نَاوٍ شَيْئًا تَطْلُقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا، وَيَدِينُ فِي نِيَّةِ الْإِخْبَارِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا حَمْلًا لَهُ عَلَى الْإِخْبَارِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ طَلَّقَ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت فَأَجَابَ فِي الرَّجْعِيَّةِ بِمُحْتَمَلِ الْإِنْشَاءِ فَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَظَاهِرِ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ، وَالنَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى الطَّلَاقِ إنَّك أَكَلْت بِيضًا، وَادَّعَى أَنَّهُ أَبْصَرَهَا تَأْكُلُهُ، وَقَالَتْ هِيَ: أَنَا لَمْ آكُلْهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ قَوْلُهَا، وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَدِينٌ إنْ ادَّعَى مُمْكِنًا كَهِلَالٍ لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى حَالِفَيْنِ تَنَاقَضَا كَطَائِرٍ يَقُولُ هَذَا غُرَابٌ، وَهَذَا حِدَأَةٌ، وَطَلَّقَ عَلَى غَيْرِ الْجَازِمِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ كَتَبَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فِي كِتَابٍ، وَهُوَ غَيْرُ عَازِمٍ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ، فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، غَيْرُ الْعَازِمِ صَادِقٌ بِالْمُتَرَدِّدِ، وَبِخَالِي الذِّهْنِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَزِمَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَمُجَرَّدِ إرْسَالٍ، وَلَوْ لَمْ يَصِلْ، وَكِتَابَةٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ الْكِتَابَ إلَّا مُسْتَشِيرًا فِي حَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْإِخْرَاجِ لَمْ يَصِلْ، وَعَدَمُ النِّيَّةِ مَحْمُولُ عَلَى الْعَزْمِ، وَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي الرَّمَاصِيِّ إنْ كَتَبَ إنْ وَصَلَ لَك كِتَابِي تَوَقَّفْ عَنْ الْوُصُولِ. وَفِي إذَا خِلَافٌ، وَقَوَّى التَّوَقُّفَ بِخِلَافِ كِتَابَةِ صِيغَةِ التَّنْجِيزِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِمَّا فِي الْخَرَشِيِّ، وَغَيْرِهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا، ثُمَّ طَلَّقَ مَنْ فِي عِصْمَتِهِ، وَتَزَوَّجَ

رجل مات وأحياه الله تعالى هل بانت زوجته أم لا

بِغَيْرِهَا، وَكَلَّمَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ فِي عِصْمَتِهِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي الثَّانِيَةِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ حِينَ الْحِنْثِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَتِهِ حِينَ التَّعْلِيقِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا فِي الْأُولَى إنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهَا قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَوْلِ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَفِي عَلَى أَشَدِّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ إلَخْ أَنْ يُطَلِّقَ نِسَاءَهُ أَيْ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا أَوْ يَمْلِكُهَا بَعْدَ الْيَمِينِ، وَقَبْلَ الْحِنْثِ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَوْمَ الْحِنْثِ اهـ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ فَلَوْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَيْنُونَتُهَا لَمْ يَلْزَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بِذِمَّتِهِ دَرَاهِمُ لِأَبِي زَوْجَتِهِ فَطَالَبَهُ بِهَا، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى مِصْرَ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا بِالْمَرْكَبِ، وَسَافَرَتْ دُونَهُ، وَأَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ أَمِينًا إلَيْهَا لِيُرْسِلَ لَهُ مَعَهُ مِائَةَ قِرْشٍ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ بِدُونِ هَذَا الْقَدْرِ تَكُونُ زَوْجَتُهُ فُلَانَةُ بِنْتُ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمُ خَالِصَةً بِالثَّلَاثِ، وَذَهَبَ مَعَهُ الْأَمِينُ فَلَمَّا، وَصَلَ لِلْمَرْكَبِ رَدَّهُ بِلَا شَيْءٍ فَهَلْ تَكُونُ زَوْجَتُهُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ رَجَعَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ دَرَاهِمِ وَقَعَ عَلَى الْحَالِفِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ زَوْجَتُهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ امْرَأَةٍ تَشَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى يَدِ مُفْتٍ مَالِكِيٍّ فَوَقَعَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ الْمُفْتِي بِرِدَّتِهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَبِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ تَوْبَةٍ، وَعَقْدٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ فَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ سَبٌّ أَوْ تَنْقِيصٌ لِرَسُولٍ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ فَلَا نَسْتَتِيبُهُ بَلْ إنْ بَادَرَ لِلْإِسْلَامِ قَتَلْنَاهُ حَدًّا، وَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ قَتَلْنَاهُ كُفْرًا، وَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا، وَلَا غَيْرِهِ لَا بَعْدَ تَوْبَةٍ، وَلَا قَبْلَهَا لِوُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ بِقَتْلِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (أَقُولُ) قَوْلُهُ فَلَا نَسْتَتِيبُهُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ لَكِنْ قَالَ: الْإِمَامُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ التَّوْبَةُ بَلْ الْمُرَادُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ اهـ فَقَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ لِقَتْلِهَا مَمْنُوعٌ، وَالظَّاهِرُ حِلُّهَا لِزَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ إنْ تَابَتْ، وَلَمْ تُقْتَلْ إذْ هِيَ مُؤْمِنَةٌ حِينَئِذٍ غَايَتُهُ تَرْكُ حَدِّهَا الْوَاجِبُ فَكَمَا أَنَّهَا لَوْ زَنَتْ، وَهِيَ مُحْصَنَةٌ، وَتُرِك رَجْمُهَا الْوَاجِبُ تَحِلُّ فَكَذَلِكَ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل مَاتَ وَأَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمْ لَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ، وَأَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بَانَتْ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ فَهَلْ، وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ، وَهَلْ تَكُونُ مَعَهُ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ وَهَلْ حُكْمُ الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ، وَأَحْيَاهَا اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ الرَّجُلِ أَمْ لَا كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا فُرِضَ مَوْتُهُ حَقِيقَةً، وَأَحْيَاهُ اللَّهُ لَهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ أَوْ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ فَقَدْ بَانَتْ زَوْجَتُهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بَعْدَ حَيَاتِهِ، وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْعَقْدِ فِي الْعِدَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنْ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا دُونَ الْغَايَةِ فَلَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ طَلَاقٌ يَبْلُغُ بِهَذِهِ

رجل قال ليست زوجتي على ذمتي ولم يرد إنشاء الطلاق

الْبَيْنُونَةِ ثَلَاثًا، وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ طَلْقَتَانِ، وَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ رَقِيقٌ كَانَتْ مَعَهُ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ تَامَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ طَلَاقٌ أَوْ تَقَدَّمَتْ لَهُ طَلْقَةٌ، وَهُوَ حُرٌّ، وَعَقَدَ عَلَيْهَا كَانَتْ مَعَهُ بِتَمَامِ الْعِصْمَةِ الْأُولَى، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ، وَأَحْيَاهَا اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ الرَّجُلِ، وَكُلُّ هَذَا إنَّمَا يُقَالُ: تَشْحِيذًا لِلْأَذْهَانِ، وَتَدْرِيبًا لِلْعِرْفَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل قَالَ لَيْسَتْ زَوْجَتِي عَلَى ذِمَّتِي وَلَمْ يُرِدْ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لَيْسَتْ زَوْجَتِي عَلَى ذِمَّتِي، وَلَمْ يُرِدْ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ بَلْ أَرَادَ الْكَذِبَ أَوْ إغَاظَتَهَا هَلْ تَطْلُقُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَا طَلَاقُهُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ بَيْنِي، وَبَيْنَك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عِتَابًا، وَإِلَّا فَبَتَاتٌ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَامَ يَضْرِبُهَا فَمَكَثَ فِيهِ فَجَاءَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ فَخَلَّصْنَهَا مِنْهُ فَحَصَلَتْ لَهُ حَمَاقَةٌ فَقَالَ لَهَا: رُوحِي طَالِقَةً، وَقَصَدَ امْرَأَةً أُخْرَى لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا تَزَوُّجٌ بِهِ فَهَلْ هَذِهِ النِّيَّةُ يُعْمَلُ بِهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ النِّيَّةُ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ تَعْلِيمًا، وَتَزْوِيرًا مِنْ بَعْضِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ بَعِيدَةٌ عُرْفًا فَلَا تُقْبَلُ، وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي الْفَتْوَى فَضْلًا عَنْ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَنَصُّ الْمَجْمُوعِ: وَلَا تُعْتَبَرُ الْبَعِيدَةُ، وَلَوْ بِفَتْوَى كَالْمَيِّتَةِ فِي زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ أَمَتِي حُرَّةٌ، وَكَنِيَّةِ كَذِبِهَا فِي أَنْتِ حَرَامٌ إلَّا لِقَرِينَةٍ اهـ. وَبَيْنَ قَوْلِك قَالَ لَهَا، وَقَوْلِك، وَقَصَدَ امْرَأَةً إلَخْ تَنَاقُضٌ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَإِيَّاكَ وَقِلَّةَ الدِّينِ الْمُوجِبَةِ لِخَزِّي الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ الْأَشَدِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَانِعٍ لَهُ أَجِيرَانِ فَخَانَ أَحَدُهُمَا، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ شَخْصٌ، وَأَخَذَ مَا بِيَدِهِ، وَأَعْطَاهُ لِلصَّانِعِ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يَخُنْ: لِمَ لَمْ تُخْبِرْنِي بِهَا فَقَالَ خَوْفًا مِنْ الْأَذِيَّةِ فَقَالَ الصَّانِعُ: أَنَا لَمْ أَحْتَجْ لِإِخْبَارِك، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنَّ الْمَسْرُوقَ بِعْته بِيَدِي قَاصِدًا تَحْقِيقَ الْخِيَانَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ بَاعَ الْبَعْضَ فَقَطْ فَهَلْ يُفِيدُهُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الْمَسْرُوقُ كُلُّهُ أَوْ جَمِيعُهُ، وَنَحْوُهُمَا مِنْ صِيَغِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَقَصَدَ مُجَرَّدَ تَحْقِيقِ الْخِيَانَةِ فَهُوَ بَارٌّ فِي يَمِينِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ أَمَّا إنْ كَانَ قَالَ كُلُّهُ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ نَوَى الِاسْتِغْرَاقَ بِأَلْ فَيَمِينُهُ لَغْوٌ، وَاللَّغْوُ لَا يُفِيدُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ بِأُمُورٍ فَاحِشَةٍ، وَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا فَتَوَجَّهَتْ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَأَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ تَرْضَ أَنْ تَذْهَبَ مَعَهُ فَخَيَّرَهَا بَيْنَ الذَّهَابِ مَعَهُ إلَى بَلَدِهِ أَوْ الطَّلَاقِ وَتَرْكِ حَقِّهَا، وَإِرْضَاعِ وَلَدِهَا فَلَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ فَوَكَّلَ أَخَاهَا عَلَى الرِّضَا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَضَرَبَهَا فَرَضِيَتْ بِتَرْكِ حَقِّهَا، وَإِرْضَاعِ وَلَدِهَا لِأَجْلِ الضَّرْبِ فَهَلْ لَهَا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بِهِمَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ

رجل طلق زوجته ثلاثا ببينة ثم ادعى أنه كان خالعها قبل إيقاع الثلاث

بِمَا تَرَكَتْهُ مِنْ حَقٍّ وَحَضَانَةٍ، وَإِرْضَاعٍ إنْ أَثْبَتَتْ إضْرَارَ الزَّوْجِ، وَالْأَخِ إيَّاهَا بِعَدْلَيْنِ، وَلَوْ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ أَوْ بِعَدْلٍ، وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَذَلِكَ، وَحَلَفَتْ كَمَا تَقَدَّمَ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ خَالَعَهَا قَبْلَ إيقَاعِ الثَّلَاثِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ خَالَعَهَا قَبْلَ إيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِذَلِكَ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ بِشُرُوطِهِ لِاتِّهَامِهِ عَلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ أَقَرَّ بِنَحْوِ وَطْئِهَا بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْخُلْعِ إذْ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْفِسْقِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُصَدَّقُ مَعَ أَنَّ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ حَرَّمَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَهُوَ فَاسِقٌ عَلَى هَذَا، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ بِالْمُعَاشَرَةِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَلَا يُصَدَّقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ كُلُّ مَا أَتَصَرَّفُ فِيهِ جِيفَةٌ هَلْ تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ، وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَهَلْ ثَلَاثًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ تَشْبِيهَ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْجِيفَةِ فِي الْخُبْثِ، وَنَتِنِ الرَّائِحَةِ، وَدَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي الزَّوْجَةِ، وَإِلَّا فَإِنْ حَاشَى الزَّوْجَةَ، وَأَخْرَجَهَا فِي نِيَّتِهِ مِمَّا يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا عَدَاهَا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولُ بِهَا، وَيَنْوِي فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إنْ تَشَاجَرْتِ مَعَ جِيرَانِك تَكُونِي خَالِصَةً، وَلَمْ يَقْصِدْ الثَّلَاثَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَنْعَهَا مِنْ الْمُشَاجَرَةِ بِخَالِصَةٍ فَهَلْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ خَالِصَةٌ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِوُقُوعِ خَالِصَةٍ فَهَلْ إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا عَلَى مُخْتَارِ الْإِمَامِ الْعَدَوِيِّ لَا يُفْسَخُ لِصِحَّتِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ خَالِصَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ فَيَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِيهِ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ الْمُشَاجَرَةِ، وَعَدَمِ كَوْنِهَا خَالِصَةً، وَنَقِيضُ هَذَا، وَهُوَ كَوْنُهَا خَالِصَةً لَازِمٌ لِلْمُشَاجَرَةِ لِتَعْلِيقِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ فَلَمْ يَجْتَمِعْ الْأَمْرَانِ الْمُتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى أَنَّهُ اسْتَقَرَّ اسْتِظْهَارُهُ عَلَى أَنَّ خَالِصَةً طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لِهَذَا الرَّجُلِ فِي هَذِهِ الْمَرْأَةِ طَلَاقٌ يُكْمِلُ ثَلَاثًا بِهَذِهِ، وَعَقَدَ عَلَيْهَا فَهُوَ صَحِيحٌ مَاضٍ لَا يُفْسَخُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَأَبْرَأَتْهُ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَبَاتَ مَعَهَا فِي الْمَنْزِلِ، ثُمَّ تَشَاجَرَ مَعَهَا فِي الصَّبَاحِ، وَقَالَ لَهَا اُسْكُتِي فَقَدْ طَلَّقْتُك، وَقْتَ الْبَرَاءَةِ فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَيَسْقُطُ صَدَاقُ الْمَرْأَةِ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُ الرَّجُلَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَقْتَ الْبَرَاءَةِ، وَلَا يَسْقُطُ الصَّدَاقُ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ سَاعَةَ الْبَرَاءَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ قَالَ لَهُ آخَرُ: أَنْت حَلَفْتَ بِالطَّلَاقِ لَا تَفْعَلْ كَذَا، وَفَعَلْتَهُ، وَصَارَتْ زَوْجَتُك مُطَلَّقَةً مِنْك فَقَالَ لَمْ أَحْلِفْ فَكَرَّرَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فَقَالَ الرَّجُلُ هَذَا اللَّفْظَ مُطَلَّقَةٌ اُسْكُتْ عَادْ فَهَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا اللَّفْظَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْ قَالَ: هِيَ مُطَلَّقَةٌ اُسْكُتْ عَادْ اهـ. وَسُئِلَ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ

أبرأته زوجته فقال لها روحي أو قال لها وأنت بالثلاث

طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، وَأَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا مُدَّعِيًا أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، وَاسْتَمَرَّ مُسْتَرْسِلًا عَلَيْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ ثَبَتَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَدَعْوَاهُ شَيْئًا خِلَافَ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ عَدَمَ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ لَا تَنْفَعُهُ، وَلَا يُعْمَلُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ. [أَبْرَأَتْهُ زَوْجَتُهُ فَقَالَ لَهَا رُوحِي أَوْ قَالَ لَهَا وَأَنْت بِالثَّلَاثِ] ، وَسُئِلَ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ أَبْرَأَتْهُ زَوْجَتُهُ فَقَالَ لَهَا رُوحِي أَوْ قَالَ: لَهَا، وَأَنْت بِالثَّلَاثِ أَوْ بِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ أَوْ قَالَ: بِالثَّلَاثِ فَقَطْ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ لَفْظٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ سَوَاءً أَتَى بِالْمُبْتَدَأِ أَوْ لَا. هَذَا إنْ قَالَ، وَأَنْتِ بِالثَّلَاثِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ: رُوحِي، وَسَكَتَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِيَعْزِلَنَّ مِنْ أَبِيهِ فَقَوَّمَا مَا عِنْدَهُمَا مِنْ الْمَوَاشِي، وَتَمَيَّزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ التَّقْوِيمُ، وَإِذَا سَكَنَ الْحَالِفُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ، وَلَمْ يَضْرِبَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا فَهَلْ يَبْرَأُ بِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَكْفِي ذَلِكَ التَّقْوِيمُ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ فَصْلِ الشَّرِكَةِ فِيهِ أَيْضًا، وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِسُكْنَاهُ مَعَ أَبِيهِ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا بَعْدَ فَصْلِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَاسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِنَفَقَتِهِ لِتَحَقُّقِ الْعَزْلِ عُرْفًا بِذَلِكَ مَعَ الْمُسَاكَنَةِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِهِ مَا يَعُمُّ عَدَمَ الْمُسَاكَنَةِ فَلَا بُدَّ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْتِقَالِ أَوْ ضَرْبِ الْجِدَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ، وَكَّلَ آخَرَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَهَلْ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ أَوْ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلزَّوْجِ رَدُّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ حَيْثُ بَادَرَ بِالْإِنْكَارِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ تَزَوُّجِهَا قِبَلَ زَوْجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَجَدَ زَوْجَتَهُ تَتَشَاجَرُ مَعَ أُمِّهِ مِنْ خُصُوصِ شَيْءٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ مَا وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَفْعَلْ هَذَا الشَّيْءَ فَهَلْ إذَا فَعَلَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ زَوَالِ التَّشَاجُرِ لَا حِنْثَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا حِنْثَ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهَا إيَّاهُ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ زَوَالِ الْمُشَاجَرَةِ إنْ لَمْ يَنْوِ عُمُومَ عَدَمِ الْفِعْلِ بَقِيَتْ الْمُشَاجَرَةُ أَوْ زَالَتْ لِدَلَالَةِ الْبِسَاطِ عَلَى تَقْيِيدِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِبَقَاءِ الْمُشَاجَرَةِ، وَصُدُورِ الْفِعْلِ عَنْ كَرَاهِيَةٍ، وَعَدَمِ طِيبِ نَفْسٍ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مُشَارِكٍ لِآخَرَ فِي دُخَانٍ وَلَهُ دُخَانٌ يَخُصُّهُ، وَتَبَرَّعَ مِنْ دُخَانِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ فَاتَّهَمَهُ شَرِيكُهُ بِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَحَلَفَ لَهُ بِاَللَّهِ إنَّهُ مِنْ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْحَرَامِ مِنْ زَوْجَتِهِ كَاذِبًا، وَأَشَاعَ ذَلِكَ فَقَالَ الْحَالِفُ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ: إنَّ زَوْجَتِي حُرِّمَتْ عَلَيَّ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْ الْغَيْرِ طَلَاقٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي إنَّهُ حَلَفَ بِالْحَرَامِ كَاذِبًا حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

قال لزوجته حال المشاجرة إن رحت دار أبيك تكوني خالصة

فَأَجَابَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْخَرَشِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْحَاكِيَ لِلَّفْظِ غَيْرِهِ طَلَاقٌ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا، وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ زَوْجَتَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِدُونِ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَزَوْجَتُهُ بَاقِيَةٌ بِعِصْمَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَهُ حَاكِمُ بَلَدِهِ، وَأَخَذَ مَالَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَبُو زَوْجَتِهِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَقَدْ، وُجِدَ فِيهِ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْحَلِفَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا ابْنُ أَخِيهِ شَهِدَا بِذَلِكَ، وَحَضَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَلَائِقُ كَثِيرَةٌ قَالُوا مَا سَمِعْنَاهُ حَلَفَ، وَرُفِعَ لِقَاضِي الْبَلَدِ فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ، وَرَقَةً، ثُمَّ لَمَّا اصْطَلَحَ الرَّجُلُ مَعَ الْحَاكِمِ سَأَلَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْقَاضِي أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الدَّعْوَى تَزْوِيرٌ، وَإِنَّمَا حَكَمْتُ بِذَلِكَ لِكَوْنِي وَجَدْتُ الْحَاكِمَ، وَالْأَهْلِينَ مَائِلِينَ عَلَيْك، وَقَدْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَا: إنَّمَا حَلَفَ عَلَى جَيْبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ، وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ لِاعْتِرَافِ الْقَاضِي بِبُطْلَانِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَرَقَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ، وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَاذِبًا أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعُدُولُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَالْمُكْرَهُ لَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ قَالَ: ابْنُ سَلْمُونٍ: وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ مَالِكٍ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى إيقَاعِهِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ عَلَى الْيَمِينِ بِهِ سَوَاءٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ فَكَيْفَ، وَقَدْ اعْتَرَفَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ حُكْمِهِ، وَعِلْمِهِ بِتَزْوِيرِ بَيِّنَتِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ نَقْضُ هَذَا الْحُكْمِ، وَتَقْطِيعُ الْوَرَقَةِ، وَرَدُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ، وَأَجْرُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَثِمُوا، وَأَمْرُهُمْ إلَى اللَّهِ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ بِعَدْلِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قَالَ لِزَوْجَتِهِ حَالَ الْمُشَاجَرَةِ إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك تَكُونِي خَالِصَةً] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ حَالَ الْمُشَاجَرَةِ: إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك تَكُونِي خَالِصَةً، ثُمَّ قَالَ لَهَا حَالَهَا بَعْدَ زَمَنٍ إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك تَكُونِي طَالِقًا بِالثَّلَاثِ، ثُمَّ أَخَذَهَا أَبُوهَا، وَأَدْخَلَهَا دَارِهِ قَهْرًا عَنْهَا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَوَاحُهَا لِبَيْتِ أَبِيهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهِ حُصُولُ الْمُعَلَّقِ سَوَاءٌ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ عُلِّقَ الْأَكْثَرُ فِي زَمَنٍ أَوْ زَمَنَيْنِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ فِي مَبْحَثِ الظِّهَارِ قَالَ: فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ لَا إنْ تَقَدَّمَ أَوْ صَاحَبَ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَا نَصُّهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الظِّهَارُ إذَا صَاحَبَهُ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِمَا لِانْتِفَاءِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ بِالْعَقْدِ فَتَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ثَلَاثًا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ اهـ. وَقَدْ صَوَّبَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ قَوْلَهُ إنَّ الْمُعَلِّقَ، وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ إلَخْ بِقَوْلِهِ لَعَلَّهُ

حلف لزوجته على عدم الخروج فخرجت قاصدة لحنثه

الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ، وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقَيْنِ عَلَى شَرْطٍ يَقَعَانِ عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الشَّرْطِ اهـ وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ وَقَعَ التَّعْلِيقُ فِي مَجْلِسٍ هُوَ قَوْلُهُ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَأَوْلَى لَوْ قَدَّمَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي عَلَيَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَوْلُهُ أَوْ مَجْلِسَيْنِ أَيْ بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّوْضِيحُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ اهـ. وَهَذَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَبَاهَا أَكْرَهَهَا عَلَى دُخُولِهَا دَارِهِ بِمُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ، وَضَرْبٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهَا مُكْرَهَةً عَلَى رَوَاحِهَا بَيْتَ أَبِيهَا كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ أَوْ أَكْرَهَ، وَلَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ، وَنَصُّهُ سَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَأَخْرَجَهَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَرَبِّ الدَّارِ أَوْ سَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ خَوْفٍ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَيَمِينُهُ حَيْثُ انْتَقَلَتْ بَاقِيَةٌ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا اهـ وَقَالَ: الْخَطَّابُ فَرْعٌ قَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَفِي حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلُ غَيْرَهُ كَذَا فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا نَقَلَ الْمَجْمُوعَةُ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فِي لَا خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ، وَعَنْ سَحْنُونَ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَكْرَهَهَا غَيْرُهُ عَلَى دُخُولِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَكْرَهَهَا هُوَ حِنْثِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْحِنْثِ، وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ فِي حُصُولِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِهِ أَوْ الْيَقِينِ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ نَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَسَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. [حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ قَاصِدَةً لِحِنْثِهِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ: الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي أَوَائِلِهِ بِنَحْوِ الْكُرَّاسِ لَوْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ قَاصِدَةً لِحِنْثِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ، وَمَالَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِكَثْرَتِهِ مِنْ النِّسْوَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ اهـ كَلَامُ الْخَطَّابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَغَضِبَتْ فَطَلَبَ مِنْ أُمِّهَا صُلْحَهَا فَقَالَتْ لَهُ: طَلِّقْهَا فَقَالَ ابْرَئِينِي فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهَا بِحَضْرَتِهَا أَبْرَأْنَاكَ مِمَّا عَلَيْك فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِالطَّلَاقِ أُمَّ زَوْجَتِهِ فَهَلْ تَبْقَى الزَّوْجَةُ عَلَى الْحِلِّ نَظَرًا لِهَذَا الْقَصْدِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَبْقَى الزَّوْجَةُ عَلَى الْحِلِّ، وَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيمًا، وَتَزْوِيرًا مِنْ بَعْضِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ بَعِيدٌ عُرْفًا فَلَا يُقْبَلُ، وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي الْفَتْوَى فَضْلًا عَنْ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَلَا تُعْتَبَرُ الْبَعِيدَةُ، وَلَوْ بِفَتْوَى كَالْمَيْتَةِ فِي زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ أَمَتِي حُرَّةٌ، وَكَنِيَّةِ كَذِبِهَا فِي أَنْتِ حَرَامٌ إلَّا لِقَرِينَةٍ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ لِبَيْتِ أُمِّهَا، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهَا أَنْ تُصْلِحَ لَهُ زَوْجَتَهُ فَأَبَتْ إلَّا الطَّلَاقَ فَقَالَ: ابْرَئِينِي فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهَا أَبْرَأَك اللَّهُ فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَقْصِدْ زَوْجَتَهُ، وَلَا أُمَّهَا بَلْ خَالِي الذِّهْنِ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَاطَبَتِهِ أُمَّ زَوْجَتِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَاطَبَتِهِ أُمَّ زَوْجَتِهِ، وَلَا بِقَوْلِهِ لَمْ أَقْصِدْ الزَّوْجَةَ، وَلَا أُمَّهَا، وَكُنْت خَالِيَ الذِّهْنِ فَإِنَّ هَذَا تَزْوِيرٌ، وَتَعْلِيمٌ مِنْ بَعْضِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ كَيْفَ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِي تَطْلِيقِ الزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِبْرَاءُ

حلف بالطلاق الثلاث أن لا يسكن في هذه البلدة فسكن بقرية بقربها بنصف ساعة فلكية أو بجزيرة في البحر بجوارها

مِنْ أَجْلِهِ فَكَيْفَ يَخْلُو ذِهْنُهُ عَنْهُ فَهُوَ قَاصِدٌ تَطْلِيقَ زَوْجَتِهِ تَحْقِيقًا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ، وَدَعْوَاهُ عَدَمَ الْقَصْدِ مَحْضُ كَذِبٍ، وَتَزْوِيرٍ، وَنَدَمٍ عَلَى مَا وَقَعَ نَشَأَ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ، وَضَعْفِ الْيَقِينِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِاسْمِهَا فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ عَلَيْهِ الَّتِي نَادَاهَا فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا تَوْجِيهَ الْخِطَابِ لِغَيْرِهَا مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ طَلَاقِهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَلَّمَ. [حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا يَسْكُنَ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَسَكَنَ بِقَرْيَةِ بِقُرْبِهَا بِنِصْفِ سَاعَةٍ فَلَكِيَّةٍ أَوْ بِجَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ بِجِوَارِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا يَسْكُنَ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَسَكَنَ بِقَرْيَةٍ بِقُرْبِهَا بِنِصْفِ سَاعَةٍ فَلَكِيَّةٍ أَوْ بِجَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ بِجِوَارِهَا فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَحْنَثُ بِسُكْنَى مَا ذُكِرَ، وَلَا يُبَرِّئُهُ مِنْ يَمِينِهِ إلَّا انْتِقَالُهُ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ عَادَ إلَى بَلَدٍ خَارِجٍ عَنْ فَرْسَخٍ مِنْ الْبَلَدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ بِبَلْدَةٍ فَيَنْتَقِلُ لِأُخْرَى عَلَى فَرْسَخٍ اهـ ثُمَّ رَأَيْت لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ الْجَوَابَ عَنْ عَيْنِ السُّؤَالِ، وَنَصُّهُ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ يَخْرُجُ لِأَيِّ بَلْدَةٍ غَيْرِهَا، وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا حَيْثُ أَطْلَقَ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَالنَّكِرَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ بِخِلَافِ لَأَنْتَقِلَنَّ فَيَمْكُثُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الِانْتِقَالُ اهـ لَكِنْ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ عَبْدِ الْبَاقِي أَحْوَطُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يُخَالِطُ شَخْصًا مُعَيَّنًا، وَلَا يَأْكُلُ مَعَهُ فَهَلْ إذَا خَالَطَهُ عَلَى مَائِدَةٍ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ خَالَطَهُ فِي زِرَاعَةٍ مَعَ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ أَوْ أَكَلَ مَعَهُ فِي وَلِيمَةٍ يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ مُخَصَّصَةٌ، وَلَا بِسَاطٌ مُخَصَّصٌ وَقَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ رَأَيْت هَذَا الْجَوَابَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ، وَنَصُّهُ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يُخَالِطُ شَخْصًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مَعَهُ فَخَالَطَهُ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ أَكَلَ مَعَهُ فِي جَمَاعَةٍ يَحْنَثُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا قَرِينَةَ بِسَاطٍ يُخَصِّصُ، وَقَدْ قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ فِي نِيَّتِهِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَرَوَّحِي عَلَى قَدْرِ بَرَاءَتِك جَوَابًا لِقَوْلِهَا لَهُ أَبْرَأْتُك، وَذَلِكَ فِي عُرْفِنَا حِلُّ عِصْمَةٍ، وَبَتَاتٍ فَهَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْعُرْفُ أَوْ يَقَعُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَيَقَعُ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ؛ لِأَنَّ صِيَغَ الطَّلَاقِ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: تَرَوَّحِي خَالِصَةً بِالثَّلَاثِ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَوَابًا لِقَوْلِهَا أَبْرَأْتُك فَهَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ اللَّفْظُ جَمِيعًا أَوْ لَفْظُ خَالِصَةً دُونَ الثَّلَاثِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ اللَّفْظُ جَمِيعُهُ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِشُرُوطِهِ

الْمُبَيَّنَةِ فِي مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَوَالِيَةَ أَوْ الْمُتَقَارِبَةَ كَلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ بِطَلَاقٍ لَزِمَهُ إنْ كَانَ نَسَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ قَالَ: بِالْحَرَامِ دُونَ لَفْظِ عَلَيَّ مَا أَفْعَلُ هَذَا الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ أَوْ لَا أَدْخُلُ هَذَا الْمَحَلَّ، وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إنْ جَرَى الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ أَوْ لَمْ يَجْرِ بِشَيْءٍ فَإِنْ جَرَى بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْبَائِنِ لَزِمَهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِهِ إذَا قَالَ: الْحَرَامُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلُ كَذَا، وَفَعَلَهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَعَادَةُ الْبَلَدِ أَنَّهَا عِنْدَهُمْ ثَلَاثٌ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الْقَائِلِ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَهِيَ لَازِمَةٌ اهـ وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَغَيْرِهَا كَذَلِكَ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً لَزِمَتْهُ فَقَطْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا كُلَّمَا يُحِلُّك شَيْخٌ يُحَرِّمُك أَلْفُ شَيْخٍ، وَكُلَّمَا تَحِلِّي تَحْرُمِي فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ وَضِّحُوا لَنَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا كُلَّمَا يُحِلُّك شَيْخٌ يُحَرِّمُك شَيْخٌ أَوْ كُلَّمَا تَحِلِّي تَحْرُمِي بَعْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ الرَّجْعَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ كُلَّمَا تَحِلِّي بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْك، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ تَحْرُمِي بِالطَّلَاقِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ وَأَصْلُ هَذَا الْجَوَابِ فِي الْخَطَّابِ، وَنَصُّهُ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سَرَّاحٍ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ إيقَاعِهِ الطَّلَاقَ: مَتَى حَلَّتْ حُرِّمَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَارَقَهَا زَوْجُهَا الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ يُرِيدُ رُجُوعَهَا هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَابَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَالَهُ ابْنُ سَرَّاجٍ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَتَى حَلَّتْ حُرِّمَتْ أَنَّهَا إذَا حَلَّتْ لَهُ بَعْدَ زَوَاجِهَا زَوْجًا غَيْرَهُ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّ تَزْوِيجَهَا لَا يُحِلُّهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الْمُفْتِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إذَا حَلَّتْ بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ حَرَامٌ فَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فِيهَا، وَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ إنْ، وَكُلَّمَا، وَمَتَى، وَيَأْتِي الْكَلَامُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَالِفَ لَمَّا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ حُرْمَةُ نِكَاحِهَا تَرْتَفِعُ بِزَوَاجِهَا أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا إذَا حَلَّ زَوَاجُهَا لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ تَصِيرُ عَلَيْهِ حَرَامًا كَمَا كَانَتْ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَرَّمَ تَزْوِيجَ امْرَأَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ مَسْأَلَةً تُشْبِهَ هَذِهِ أَوْ هِيَ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ قَالَ: وَكُتِبَ إلَيَّ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كُنْت لِي زَوْجَةً قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَهُ هَلْ تَحْرُمُ لِلْأَبَدِ، وَكَيْفَ إنْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَكَتَبَ ابْنُ عَتَّابٍ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَبَدَ، وَلَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ زَوْجٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ أَرَادَ هَذَا، وَعَقَدَ عَلَيْهِ حَلِفَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَقَالَ: ابْنُ الْقَطَّانِ مَتَى طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِالْبَتَّةِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ: ابْنُ مَالِكٍ إذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ بَعْدَ

قال لامرأته أنت علي حرام في الدنيا والآخرة

زَوْجٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ فَانْظُرْ جَوَابَ ابْنِ مَالِكٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا، وَتَأْخِيرًا، وَصَوَابُهُ إذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَجَوَابُ ابْنِ عَاتٍ أَتَمُّ مِنْ جَوَابَيْهِمَا، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي فِيهِ يَأْتِي فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِيهَا بَعْدَ زَوْجٍ إلَّا إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُجِيبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ عُمْدَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَنَصُّهُ سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، وَالْتَزَمَ عَدَمَ رَدِّهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَا تَكُونُ لَهُ زَوْجَةً مَا دَامَتْ الدُّنْيَا فَأَجَابَ إنْ قَالَ: لَا أَرُدُّهَا قَوْلًا مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا، وَلَا فَهِمَتْهُ الْبَيِّنَةُ عَنْهُ، وَلَا فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ، وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ كُلِّمَ فِي تَزْوِيجِ بَعْضِ قَرَابَتِهِ، ثُمَّ بَلَغَهُ عَنْ أَبُوهَا قَبِيحٌ فَقَالَ: مَتَى تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَرْدَفَ، وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ أَمْ لَا. فَأَجَابَ مَتَى مَا تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ نُظِرَ فِي قَوْلِهِ مَتَى مَا فَإِنْ أَرَادَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتهَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ، وَإِنْ أَرَادَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يَتَكَرَّرُ اهـ. وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَلَفٍ عَمَّنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمًّ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ فَقَالَ: هِيَ عَلَى حَرَامٌ، ثُمَّ أَرَادَ الْآنَ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا بَعْدَ زَوْجٍ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَابَ إنْ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ عِنْدَ مَا ذُكِرَ لَهُ ارْتِجَاعَهَا أَوْ عِيبَ عَلَيْهِ تَطْلِيقُهَا أَوْ رَأَى فِي الْخُصُومَةِ مَا يَكْرَهُهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ تَزَوَّجَهَا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِعَقْدِ نِكَاحِهَا ثَانِيَةً، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَكَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يَحْكِي بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ يُفْتِي بِعَدَمِ اللُّزُومِ قَالَ: لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَعْرِفُ التَّعْلِيقَ، وَلَا تَقْصِدُهُ، وَحَكَاهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ الْفَقِيهِ الْقَاضِي الصَّالِحِ أَبِي حَيْدَرَةَ، وَكَانَ أَوَّلًا يَخْتَارُ اللُّزُومَ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَيَقُولُ الْعَامَّةُ تَقْصِدُ التَّعْلِيقَ لَكِنْ لَا تَعْرِفُ أَنْ تُكَنِّي عَنْهُ، ثُمَّ شَاهَدْتُهُ رَجَعَ إلَى الْفَتْوَى بِهَذَا فِي وَسَطِ عُمْرِهِ، وَآخِرِهِ، وَرَأَيْت بِخَطِّهِ كَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَكَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: إنْ أَخَذَ السَّائِلُ بِالرُّخْصَةِ لَمْ أَعِبْهُ اهـ. [قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ] وَسُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو عَلِيٍّ الْقُورِيُّ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهُ نِكَاحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمُ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلَ أُمِّي اهـ. (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرَهَا فِي النَّوَازِلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرَهَا، وَهِيَ سُئِلَ ابْنُ سَرَّاجٍ عَنْ رَجُلٍ قَصَدَ غَشَيَانَ زَوْجَتِهِ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ فَقَالَ لَهَا فِي الْحِينِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَخَرَجَ عَنْ السَّرِيرِ فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ هَذَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ طَلَاقًا، وَلَا تَحْرِيمًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا فِي الْحَالِ فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ ابْنُ سَرَّاجٍ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ: الْبُرْزُلِيُّ مَنْ قِيلَ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ فَقَالَ: الذِّمَامَ لَا أَتَزَوَّجُهَا فَلَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ يَمِينٌ فَيُكَفِّرُ عَنْهَا إذَا تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ أَرَادَ ذِمَامَ النَّاسِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتَهُمْ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ اهـ كَلَامُ الْخَطَّابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَائِرِ الْأَحْبَاب. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ: عَيْشِي حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ عَيْشِي أَوْ عَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهِ أَوْ لَا

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ فِي دُخُولِ الزَّوْجَةِ فِي الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا، وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ لَغْوًا لَا يَلْزَمُهُ بِهَا شَيْءٌ قَوْلَانِ أَسْتَظْهِرُ ثَانِيَهُمَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى عَدَمَهُ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ مِنْ الْمُحَاشَاةِ، وَإِنْ نَوَاهُ فَكَذَلِكَ اهـ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَقِبَ الصِّيَغِ الَّتِي تَلْزَمُ بِهَا الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا، وَهَلْ كَذَلِكَ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك، وَعَلَى وَجْهِك بِالْجَرِّ أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ أَوْ لَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ قَوْلَانِ رَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْأَوَّلِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْأَخِيرِ الثَّانِيَ اهـ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمَسْأَلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَصُّ السُّؤَالِ، وَفِيمَنْ قَالَ: عِيشَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت هَذَا الشَّيْءَ، وَفَعَلَهُ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ، وَنَصُّ الْجَوَابِ، وَعِيشَةُ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ هُوَ كَقَوْلِهِ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ قِيلَ: لَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَقِيلَ: يَجْرِي عَلَى حُكْمِ السَّابِقِ بَيْنَ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ، وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَوَجَّهِي مِنْ بَيْتِي أَوْ تَفَضَّلِي فَمَا يَلْزَمُهُ إذَا قَصَدَ حَلَّ الْعِصْمَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَوَى بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ فِيهِ، وَفِي عَدَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَقَالَ: أَصْبَغُ ثَلَاثٌ مُطْلَقًا. وَفِي الْأُجْهُورِيِّ وَاحِدَةٌ، وَتَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي الْمَدْخُولِ بِهَا اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ فِي اذْهَبِي، وَانْصَرِفِي أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْك اهـ وَعِبَارَةُ الْحَاشِيَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ يَعْنِي الْخَرَشِيَّ مِنْ لُزُومِ الثَّلَاثِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ذَكَرَهُ أَصْبَغُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَفْتَى بِوَاحِدَةٍ إلَى أَنْ مَاتَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بَائِنَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَرَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُهُ اهـ الْأُجْهُورِيُّ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا فَسَأَلَهَا عَنْ الْحَمْلِ فَقَالَتْ لَيْسَ لِي حَمْلٌ، وَإِنْ ظَهَرَ بِي حَمْلٌ فَقَدْ أَسْقَطْت عَنْكِ نَفَقَتَهُ فَهَلْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إذَا كَانَ الْإِسْقَاطُ فِي ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ شَيْءٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهَا أَوَّلًا لَيْسَ بِي حَمْلٌ؛ لِأَنَّهَا تَجْهَلُ حَقِيقَتَهُ لِابْتِدَائِهَا فِيهِ، وَلَهَا الْمُحَاسَبَةُ بِمَا مَضَى بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحَمْلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إسْقَاطُ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُعْتَبَرٌ لَازِمٌ لَهَا لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى كَانَتْ رَشِيدَةً طَائِعَةً، وَهُوَ إسْقَاطُ الْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ الْعِلْمُ بِهِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَنَفَقَةُ حَمْلٍ إنْ كَانَ قَالَ: الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُخَالِعَ زَوْجَهَا عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مُدَّةَ حَمْلِهَا إنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ فَإِنْ أَعْسَرَتْ أَنْفَقَ هُوَ عَلَيْهَا، وَيَرْجِعُ إنْ أَيْسَرَتْ فَقَوْلُهُ إنْ كَانَ، وَأَوْلَى الْحَمْلِ الظَّاهِرِ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ أَيْ عَلَى فَرْضِ أَنْ لَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ اهـ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ عَطْفًا عَلَى مُتَعَلِّقٍ جَازَ، وَبِأَنْ كُنْتُ حَامِلًا فَعَلَيَّ نَفَقَتِي مُدَّةَ الْحَمْلِ، وَأَوْلَى إنْ ظَهَرَ الْحَمْلُ، وَلَا يَرْجِعُ إنْ انْفَشَّ اهـ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِابْنِ سَلْمُونٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ، ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ مِنْ زَوْجَةٍ لَهُ مُعَيَّنَةٍ، وَصَارَ لَا يَسْتَقِرُّ فِيهَا، ثُمَّ تَصَالَحَ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ، وَأَرَادَ الِاسْتِقْرَارَ فِيهَا عَلَى عَادَتِهِ فَهَلْ يَلْحَقُهُ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ مِنْ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْحَالِفِ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي الْبَلَدِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ سُكْنَاهُ خَرَجَ مِنْهُ بِزَوْجَتِهِ، وَأَمْتِعَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ عَادِيٍّ، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْكُنُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ، وَإِنْ سَكَنَهُ بَعْدَهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ اعْتِبَارِ الْبِسَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَالِفِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَارَ لَا يَبِيتُ فِيهَا، وَلَا يُقِيمُ فِيهَا مَعَ إبْقَاءِ زَوْجَتِهِ، وَأَمْتِعَتِهِ أَوْ بَعْضِهَا الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى الْعُودِ لَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ فِيهَا فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الزَّمَنِ الَّذِي يَنْتَقِلُ عَنْهَا فِيهِ بِزَوْجَتِهِ، وَجَمِيعِ أَمْتِعَتِهِ قَالَ: فِي الْمَجْمُوعِ عَاطِفًا عَلَى مُتَعَلَّقٍ حَنِثَ، وَبِبَقَائِهِ بَعْدَ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ لَا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ بَيْتًا، وَلَوْ لَيْلًا أَوْ فِي مَنْزِلٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ غَالٍ فِي لَا سَكَنْتُ لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ، وَلَيْسَ الْخَزْنُ بَعْدَ الْخُرُوجِ سُكْنَى بَلْ إبْقَاءُ مَالَهُ بَالٌ كَرَحْلٍ لَا كَمِسْمَارٍ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِجَارَةِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَحَصَلَ لَهَا غَيْرَةٌ، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَئِنْ طَلَّقْتُهَا لَأَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْك أُخْرَى بِقَصْدِ إغَاظَتِهَا، وَالْمُكْثِ مَعَهَا فَهَلْ إذَا طَلَّقَ الثَّانِيَةَ، وَعَقَدَ عَلَى أُخْرَى تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالدُّخُولِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقَامَةِ مَعَهَا، وَهَلْ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهَا يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهَا أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَام عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا بُدَّ فِي حَلِّ يَمِينِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ مَعَهَا الْمُدَّةَ الَّتِي نَوَاهَا حِينَ يَمِينِهِ أَوْ الَّتِي يَقُولُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ تَحْصُلُ بِهَا الْإِغَاظَةُ، وَسَبَقَ فِي جَوَابِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ التَّحْدِيدُ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهَا لَمْ تَنْحَلَّ يَمِينُهُ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْمَرْأَةُ تُشْبِهُ نِسَاءَهُ، وَتُشْبِهُ زَوْجَتَهُ الْمَحْلُوفِ لَهَا، وَمِنْ، وَطْءٍ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَتْ دَنِيَّةً بِالنِّسْبَةِ لَهُ أَوْ لَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا، وَطْئًا مُبَاحًا لَمْ تَنْحَلَّ يَمِينُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يَبَرُّ فِي لَأَتَزَوَّجَنَّ، إلَّا بِعَقْدٍ صَحَّ، وَلَوْ فَاسِدًا فَاتَ فَإِنَّهُ صَحَّ بِمَفُوتِهِ عَلَى مَنْ تُشْبِهُ نِسَاءَهُ، وَوَطْءٍ مُبَاحٍ لَا حَائِضًا أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنْ قَصَدَ كَيْدَ زَوْجَتِهِ فَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ تُشْبِهَهَا، وَيُقَاسُ التَّسَرِّي عَلَى النِّكَاحِ اهـ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَفَرْضُ مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ نَوَى الْمُكْثَ مَعَهَا كَمَا فِي السُّؤَالِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نِيَّةَ الْحَالِفِ تُعْتَبَرُ مُخَصِّصَةً لِلْعَامِّ، وَمُقَيِّدَةً لِلْمُطْلَقِ، وَمُبَيِّنَةً لِلْمُجْمَلِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي بِرِّهِ كَوْنُهُ نَكَحَهَا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، وَنُسِبَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ، وَبِبِرِّهِ لَوْ قَصَدَ بِالنِّكَاحِ مُجَرَّدَ حَلِّ الْيَمِينِ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِذَا حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ لَتَتَزَوَّجْنَ جَرَى فِيهَا مَا جَرَى فِي الرَّجُلِ إلَّا شَرْطَ كَوْنِهِ رَغْبَةً فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا اتِّفَاقًا أَفَادَهُ الْعَدَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِنْتًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِ، وَالِدُهَا أَنْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ دَارِهِ، وَحَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَهَلْ إذَا نَقَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

ألفاظ جرى بها عرف بعض البلدان كيمين سفه

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ أَطَأْكِ هَذَا الْيَوْمَ، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يَغْتَسِلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَام عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِمُجَرَّدِ حَلِفِهِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةَ إذْ هُوَ حَالِفٌ عَلَى جَمْعِ النَّقِيضَيْنِ؛ إذْ تَرْكُ الْغُسْلِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الصَّلَاةِ فَالْحَالِفُ عَلَى تَرْكُ الْغُسْلِ حَالِفٌ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ حَلَفَ أَيْضًا عَلَى الْإِتْيَانِ فِي وَقْتِهَا فَصَارَ حَالِفًا عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا، وَعَدَمِ فِعْلِهَا فِيهِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَعَدَمُهُ وَاجِبٌ مُحَقَّقٌ، وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مُحَقَّقٍ يُنْجَزُ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَنَجَزَ إنْ عَلَّقَ عَلَى وَاجِبٍ، وَلَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا، وَمِنْهُ امْتِنَاعُ الْمُمْتَنِعِ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبِلًا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالْحَرَامِ أَنَّهُ يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ، وَلَمْ يَحْجِزْهُ أَحَدٌ عَنْهَا فَتَعَرَّضَ لَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَحَجَزَهُ عَنْهَا فَهَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَيَقَعُ بَائِنًا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مُقَيَّدَةً بِوَقْتِ الْحَلِفِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً أَوْ بِسَاطًا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَنَوَى فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِوَقْتٍ فَيَمِينُهُ بَاقِيَةٌ، وَيُمْنَعُ مِنْ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَلْفَاظ جَرَى بِهَا عُرْفُ بَعْضِ الْبُلْدَان كَيَمِينِ سَفَهٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَلْفَاظٍ جَرَى بِهَا عُرْفُ بَعْضِ الْبُلْدَانِ كَيَمِينِ سَفَهٍ، وَلَا عَيْشَ لَك عِنْدِي، وَرُوحِي يَا فَرْدَةَ الْوَطَا مِنْ بَيْتِي أَوْ زُولِي مِنْ وَجْهِي فَمَا الْحُكْمُ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ جَرَى عُرْفُهُمْ بِالتَّطْلِيقِ بِصِيغَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ لَزِمَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَتَلْزَمُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَبَائِنَةٌ فِي غَيْرِهَا إنْ نَوَى الْوَاحِدَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ، وَكَذَا إنْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَهْمَا جَرَى عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً كَالْقَرَائِنِ اهـ. وَقَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ: وَيَمِينُ سَفَهٍ فِي عُرْفِ مِصْرٍ الطَّلَاقُ، وَتَكْفِي وَاحِدَةٌ فَإِنَّ بَابَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ السَّفَهُ فَإِنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَّا لِنِيَّةٍ أَكْثَرَ أَوْ عُرِفَ بِهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَمَرَتْهُ زَوْجَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِأَبِيهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهَا أَبُوهَا لِكَوْنِهَا اسْتَوْحَشَتْهُ فَفَعَلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الْفَتْوَى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُنْتُ طَلَّقْتُك أَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ رَأَى إحْدَى زَوْجَاتِهِ مُشْرِفَةً مِنْ كَوَّةٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا فَقَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك ثَلَاثًا فَبَاقِي نِسَائِي طَوَالِقُ ثَلَاثًا، وَأَدْخَلَتْ رَأْسَهَا، وَلَمْ تُعْلَمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُطَلِّقُ الْجَمِيعَ مِنْ بَابِ لَوْ شَكَّ فِيمَنْ طَلَّقَهَا، وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْأَبِيِّ تِلْمِيذِهِ تُمْسَكُ لَهُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْمُشْرِفَةَ

فَقَدْ طَلَّقَ صَوَاحِبَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمُشْرِفَةَ فَقَدْ طَلَّقَ الْمُشْرِفَةَ اهـ مِنْ ضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَوْ جِئْتنِي أَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك فَهَلْ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ جَائِزٌ كَلَوْ جِئْتَ قَضَيْتُك. الْخَرَشِيُّ يَعْنِي، وَكَذَلِكَ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى مَاضٍ مُمْكِنِ الْوُقُوعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْجَائِزِ، وَإِنْ وَجَبَ شَرْعًا كَحَلِفِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لِشَخْصٍ لَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك، وَإِنَّمَا نُجِّزَ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ، وَلَا يَقْدَمُ عَلَى فَرَجٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ عَلَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ لَوْ جَاءَ أَنْ يَقْضِيَهُ، وَأَنْ لَا يَقْضِيَهُ فَحَصَلَ الشَّكُّ اهـ لَكِنْ قَالَ: الْعَدَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَاضٍ جَائِزٌ شَرْعًا كَزَوْجَتِهِ طَالِقٌ لَوْ جِئْتنِي أَمْسِ لَأَعْطَيْتُك كَذَا الشَّيْءُ لَا يَجِبُ إعْطَاؤُهُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ أَيْ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَاضٍ وَاجِبٌ شَرْعًا كَقَوْلِهِ زَوْجَتِي طَالِقٌ لَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك حَيْثُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ خِلَافًا لِأَصْبَغَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِيهِمَا اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اخْتَفَى مِنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ آخَرَ فَأَلْزَمَهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ، وَأَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ قَتَلَهُ لِجَوْرِهِ، وَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. قَالَ: فِي الْمُخْتَصَرِ لَا أَجْنَبِيٍّ الْخَرَشِيُّ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى، وَلَدِهِ أَيْ لَا خَوْفَ قَتْلِ أَجْنَبِيٍّ فَإِذَا قَالَ ظَالِمٌ لِشَخْصٍ: إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِفُلَانٍ أَقْتُلُهُ، وَهُوَ عِنْدَك، وَتَعْلَمُ مَكَانَهُ، وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، وَإِلَّا قَتَلْتُ زَيْدًا مَثْلًا فَقَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ: فُلَانٌ لَيْسَ عِنْدِي، وَلَا أَعْلَمُ مَكَانَهُ، وَلَا أَنَا قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَأَحْلَفَهُ الظَّالِمُ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَالِفَ يَعْلَمُ مَكَانَ فُلَانٍ، وَقَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ لِذَلِكَ الظَّالِمِ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ، وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ تَحَقَّقَ الْحَالِفُ حُصُولَ مَا يَنْزِلُ بِزَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ، وَيَحْنَثُ، وَلَكِنْ يُثَابُ الْحَالِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَأُمِرَ بِالْحَلِفِ لِيَسْلَمَ أَيْ، وَأُمِرَ نَدْبًا بِالْحَلِفِ كَاذِبًا لِأَجْلِ سَلَامَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مَالِهِ، وَفَائِدَةُ الْحَلِفِ مَعَ كَوْنِهِ يَحْنَثُ، وَيُكَفِّرُ عَنْهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَمُوسًا بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا اهـ الْعَدَوِيُّ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مَا عَدَا النَّفْسَ، وَالْوَلَدَ، وَلَوْ أَخًا أَوْ أَبًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ، وَقُتِلَ الْمَطْلُوبُ فَهَلْ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ بِالْحَلِفِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى خَلَاصِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْيَمِينِ شَدِيدٌ، وَحَرِجٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَرْكِ الشَّهَادَةِ، وَنَحْوِهَا نَعَمْ إنْ دَلَّ الظَّالِمَ ضَمِنَ، وَقَالَ: اللَّقَانِيُّ يَنْبَغِي الْوُجُوبُ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الزَّوْجَةِ أَخَفُّ مِنْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا غُرْمُ الصَّدَاقِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ تَرْكُ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَأَرْمِيَنَّكِ فِي الْبَحْرِ فَهَلْ إذَا رَمَاهَا فِي نَهْرٍ صَغِيرِ يَبَرُّ أَوْ رَمَاهَا فِي حَافَّةِ الْبَحْرِ يَبَرُّ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ نَوَى حِينَ يَمِينِهِ رَمْيَهَا فِي نَهْرٍ صَغِيرٍ أَوْ حَافَّةِ الْبَحْرِ بَرَّ بِهِ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَهِيَ تُعْتَبَرُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا، وَالْقَضَاءِ فِيمَا عَدَا الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ الْمُعِينَ، وَإِنْ نَوَى، وَسَطَ الْبَحْرِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَهِيَ لَا تُحْسِنُ الْعَوْمَ لَمْ يَبَرَّ بِذَلِكَ، وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ رَمْيِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ أَزْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ قَبْلَ التَّنْجِيزِ. الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فَإِنَّهُ يُنْجَزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَتَجَزَّأَ، وَيَفْعَلَهُ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ بِاَللَّهِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ إلَخْ فَلِيُكَفِّرْ، وَلْيَمْشِ، وَلْيُطَلِّقْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعْتِقْ عَلَيْهِ إنْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ اجْتَرَأَ فَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ زَالَتْ أَيْمَانُهُ فِيهِ فَقَوْلُهُ أَوْ بِمُحَرَّمٍ أَيْ أَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ أَقَبْضَهُ إيَّاهُ فَحَلَفَ الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهَلْ يَحْنَثُ كُلُّ مِنْهُمَا أَوْ لَا يَحْنَثُ كُلُّ مِنْهُمَا حَيْثُ كَانَ عَلَى يَقِينٍ أَفْتُونَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْنَثُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيْثُ كَانَ مُتَيَقِّنًا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَانِثًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكَلَّفُ إلَّا بِيَقِينِ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَدِينَ إنَّ ادَّعَى مُمْكِنًا كَهِلَالٍ لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى حَالِفَيْنِ تَنَاقَضَا كَطَائِرٍ يَقُولُ هَذَا غُرَابٌ، وَهَذَا حِدَأَةٌ، وَطَلَّقَ عَلَى غَيْرِ الْجَازِمِ كَزَوْجَتِي مُتَنَاقِضٌ بِهِمَا اهـ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ: قَوْلُهُ مُمْكِنًا أَيْ مَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ قَلْبِ اللَّوْزَةِ قَوْلُهُ تَنَاقُضًا، وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مُخَاطَبٌ بِيَقِينِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ يَقِينُ غَيْرِهِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ حَلِفُ الرَّجُلِ بِالطَّلَاقِ لَقَدْ قُلْتَ لِي كَذَا فَحَلَفَ الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ مَا قُلْتُ لَك، وَحَلِفُهُ أَنَّ فُلَانًا يَعْرِفُ أَنَّ لِي حَقًّا فِي كَذَا فَيَحْلِفُ الْآخَرُ لَا يَعْرِفُ، وَحَلِفُهُ لَقَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَحَلَفَ الْآخَرُ مَا دَخَلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ تَنَاقُضَهُمَا فِي شَاةٍ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ لَحْمَهَا زِنَةُ كَذَا، وَالْآخَرُ خِلَافَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحْقِيقُ لِإِمْكَانِ الْحَزْرِ فِي ذَلِكَ كَتَخْرِيصِ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ كَقَلْبِ اللَّوْزَةِ، وَيَرْجِعُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إذَا تَنَاقَضَا فِي نَخْلَةٍ صَغِيرَةٍ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى هَلْ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ حَالًا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُفْتِي بِرَدِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِزَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ مُتَحَيِّلًا فِي ذَلِكَ إمَّا بِفَسَادِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ بِغَضَبِ الزَّوْجِ عِنْدَ طَلَاقِهِ لَهَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْتُ الْمَحْلُوفُ لِأَجْلِهِ شَرِكَةً بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَنِدَاتِ وَالتَّحَيُّلَاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ الدِّينِ الْقَوِيمِ فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْإِفْتَاءِ حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُهُ، وَاتِّبَاعُهُ لِلْحَقِّ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ مُحَمَّدٌ الْحَفْنَاوِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الْمُفْتِي ضَالٌّ مُضِلٌّ فَعَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُ مِنْ الْإِفْتَاءِ، وَزَجْرُهُ، وَتَعْزِيرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ الْحَفْنَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْمُفْتِي مَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا عَلَّامَةُ الْوَقْتِ

مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الْإِفْتَاءِ، وَمِنْ الزَّجْرِ، وَالتَّعْزِيرِ اللَّائِقَيْنِ بِحَالِهِ، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ مَنْعُ هَذَا الضَّالِّ مِنْ التَّعَرُّضِ لِحَوَادِثِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ هَذَا فَانْظُرْهُ أَوَّلَ الْبَابِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجٍ غَيْرِهِ، وَمَكَثَ مَعَهَا مُدَّةً، وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَهُ مِنْ كِسْوَةٍ، وَمُؤْنَةٍ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا حَيْثُ عَلِمَتْ بِالْحُرْمَةِ. فَأَجَابَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: إذَا رَاجَعَهَا بِفَتْوَى رَجُلٍ مُضِلٍّ فَهِيَ شُبْهَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ، وَالنَّفَقَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَبْرَأَتْهُ زَوْجَتُهُ فَقَالَ: لَهَا رُوحِي سِتِّينَ أَوْ أَنْت بِالثَّلَاثِ مَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَابَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهَا مُقَلِّدًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ بِامْرَأَةٍ فَأَسَاءَتْ عِشْرَتَهُ، وَضَرَبَتْهُ، وَشَتَمَتْهُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ، ثُمَّ طَلَبَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا فَامْتَنَعَ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا طَائِعَةً مُخْتَارَةً لَا عَنْ ضَرَرٍ، وَهِيَ عَالِمَةٌ بِقَدْرِ الصَّدَاقِ فَهَلْ بَرَاءَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِذَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ تُمْنَعُ قَهْرًا عَلَيْهَا، وَإِذَا قَهَرَهُ قَائِمُ مَقَامِ الْبَلَدِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ فَقِيهٌ وَثِيقَةً بِالصُّلْحِ عَلَى أَلْفٍ فِضَّةٍ يَدْفَعُهُ لَهَا يَكُونُ الصُّلْحُ بَاطِلًا، وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا دَفَعَ شَيْئًا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى قَائِمِ مَقَامِ الْبَلَدِ جَبْرُهُ عَلَى الصُّلْحِ، وَعَلَى الْفَقِيهِ إعَانَتُهُ عَلَى ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ إسَاءَةُ عِشْرَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَضَرْبِهَا، وَشَتْمِهَا، وَطَلَبَتْ الطَّلَاقَ مِنْهُ لَا عَنْ ضَرَرٍ لَحِقَهَا مِنْهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ طَلَاقِهَا، وَحَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا بِاخْتِيَارِهَا، وَطَوْعِهَا فَلَيْسَ لَهَا رُجُوعٌ فِيمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ خُصُوصًا، وَعِنْدَهَا عِلْمٌ بِالْقَدْرِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ، وَالطَّلَاقُ وَالْبَرَاءَةُ صَحِيحَانِ، وَإِذَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ بِالْقَهْرِ عَلَيْهِ بِالْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا، وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ شَرْعًا، وَجَمِيعُ مَا دَفَعَهُ لَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ أَوْ غَيْرَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْفَقِيهِ إعَانَةُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُطَلِّقِ الْمَذْكُورِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ النَّفْرَاوِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْحَصَافِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ الْحَنَفِيِّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ عَلَى بَرَاءَةٍ مِنْهَا لَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى فَقِيهٍ فَسَأَلَهُ هَلْ طَلَّقْت وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ: طَلَّقْت ثَلَاثًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ زَوْجٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَقَطْ بِمُوجِبِ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ بِالثَّلَاثِ مُعْتَقِدًا وُقُوعَ ذَلِكَ

ثُمَّ تَبَيَّنَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ ثَلَاثٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَمُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ لَغْوٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا وَاحِدَةً عَلَى بَرَاءَةٍ، ثُمَّ سَكَتَ زَمَنًا، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ مَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، إنْ كَانَ زَمَنُ سُكُوتِهِ يَسِيرًا عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ، وَالْمَجْمُوعُ كَلَامٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ سُكُوتِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ قَاطِعًا مَا بَعْدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَيَصِيرُ الثَّانِي كَلَامًا مُسْتَقِلًّا فَلَا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْبَرَاءَةِ بَائِنٌ، وَالْبَائِنُ لَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا إذَا كَانَ نَسَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ الْخُضَرِ نَحْوَ بَامِيَةٍ، وَمُلُوخِيَّةٍ، وَبَاذِنْجَانٍ، وَقَرْعٍ، وَخِيَارٍ، وَغَيْرِهَا، وَلَهُ زَوْجَتَانِ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِلْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا فَهَلْ إذَا أَكَلَ شَيْئًا مِنْهَا تَطْلُقَانِ عَلَيْهِ مَعًا أَوْ يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صَرِيحُ كَلَامِ الْخَرَشِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ رِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ الْمَشْهُورَةُ بِأَنَّهُمَا تَطْلُقَانِ مَعًا، وَرِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ بِأَنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلتَّطْلِيقِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَيْ أَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ لِزَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً فِي الْجَمِيعِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً، وَنَسِيَهَا طَلُقَتَا أَوْ طُلِّقْنَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَخْتَارُ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَسَوَّى الْمَدَنِيُّونَ فِي الِاخْتِيَارِ اهـ، وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا. وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ عَنْ الْفَائِقِ وَالْمِعْيَارِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَظَاهِرَهُ اتِّفَاقًا، وَلَكِنَّهُ بَحَثَ فِيهِ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْخَرَشِيِّ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ إحْدَاكُمَا وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مُطْلَقًا عَلَى شَيْءٍ، وَحَنِثَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحْلُوفًا بِهَا فَنُقِلَ عَنْ الْفَائِقِ وَالْمِعْيَارِ أَنَّهُ يَخْتَارُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ وَقَعَ لَفْظُهُ مُطْلَقًا، وَفِي تَقْيِيدِهِ بِإِحْدَاهُمَا زِيَادَةُ مَعْنَى، وَلَا يَخْفَاك التَّعَسُّفُ فِي هَذَا الْفَرْقِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَذْهَبَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْأَلْفَاظَ كَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الْمَعَانِي فَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةِ فَقَالَ لَهَا: اُسْكُتِي فَأَبَتْ، وَقَالَتْ لَهُ: أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي، وَالْحَالُ أَنَّهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا ضَرَرٌ مِنْهُ، وَهُنَاكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا أَفْتَاهُ بِمُرَاجَعَتِهَا فَرَاجَعَهَا، وَمَكَثَتْ مَعَهُ مُدَّةً ثُمَّ ذَهَبَتْ إلَى دَارٍ أَهْلِهَا، وَطَلَبَتْ مِنْهُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَيَكُونُ وَطْؤُهُ الثَّانِي وَطْءَ شُبْهَةٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ، وَتَكُونُ بَائِنَةً مِنْهُ عَلَى طَلَاقِهِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَالْمُرَاجَعَةُ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلَّهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ الْأَوَّلُ، وَالْوَطْءُ الثَّانِي شُبْهَةٌ لَهَا فِيهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَهِيَ طَالِقٌ مِنْهُ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ غَيْرِهِ، وَالْمُرَاجَعَةُ بَاطِلَةٌ، وَيُؤَدَّبُ

تشاجر مع زوجته وضربها ثم أبرأته وطلقها فهل تكون مكرهة في البراءة

الْمُفْتِي بِهَا الْأَدَبَ الشَّدِيدَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ بِشَرْطَيْنِ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ الرُّشْدُ، وَنُوَافِقُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُرَادُ مِنْهُ فَعِنْدَنَا حِفْظُ الْمَالِ فَقَطْ، وَعِنْدَهُمْ حِفْظُهُ، وَالدِّينِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّيْخُ فِي فَتْوَاهُ لِشُهْرَتِهِ، وَعِلْمُهَا بِقَدْرِ الْمُبْرَأِ مِنْهُ، وَلَا نُوَافِقُهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَبْرَأَتْهُ زَوْجَتُهُ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً، ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَعَاشَرَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا كُلَّمَا يُحِلُّك شَيْخٌ يُحَرِّمُك آخَرُ فَهَلْ لَا يَلْحَقُهُ هَذَا الطَّلَاقُ، وَلَهُ تَجْدِيدُ عَقْدٍ عَلَيْهَا، وَتَعُودُ لَهُ بَاقِيَةً عَلَى طَلْقَةٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ لَا يَكْفِي فِيهِ الرَّجْعَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ رَجْعَتُهُ بَاطِلَةً، وَطَلَاقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاغٍ فَلَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَتَكُونُ مَعَهُ بِطَلْقَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَتْ لَهُ أَبْرَأَك اللَّهُ فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ بِحَضْرَةِ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بِمَا ذَكَرَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهِهِ لِلْمَرْأَةِ، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مُكْرَهَةً فَهَلْ لَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهَا، وَتُمْنَعُ مِنْ مُعَارَضَةِ الرَّجُلِ قَهْرًا عَلَيْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرِيُّ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً أَيْ حَافِظَةً لِمَالِهَا، وَثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَلَيْسَ لَهَا مُعَارِضَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الْمَذْكُورِ، وَتُمْنَعُ مِنْ مُعَارَضَتِهِ قَهْرًا عَنْهَا، وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مُشْتَرِطًا عِلْمَ الْقَدْرِ، وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مُكْرَهَةً أَنَّهُ كَانَ مُضَارًّا لَهَا فَلَهَا إثْبَاتُهُ، وَالرُّجُوعُ بِالْمُبْرَأِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا إسْقَاطُ حَقِّهَا فِي ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَطَهُ، وَقَدْ كَانَتْ اسْتَرْعَتْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَسَلَّمَ. [تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَضَرَبَهَا ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ وَطَلَّقَهَا فَهَلْ تَكُونُ مُكْرَهَةً فِي الْبَرَاءَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَضَرَبَهَا، ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ، وَطَلَّقَهَا فَهَلْ تَكُونُ مُكْرَهَةً فِي الْبَرَاءَةِ، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ الضَّرْبِ بِمُهْلَةٍ أَمْ لَا. فَأَجَابَ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَضُرُّ زَوْجَتَهُ، وَأَبْرَأَتْهُ تَرْجِعُ فِيمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ حَيْثُ شَهَّدَتِ النَّاسَ عَلَى إضْرَارِهِ لَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ ذَهَبْتِ إلَى بَيْتِ أَبِيك تَكُونِي مُحَرَّمَةً عَلَيَّ] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ ذَهَبْتِ إلَى بَيْتِ أَبِيك تَكُونِي مُحَرَّمَةً عَلَيَّ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إذَا ذَهَبَتْ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَعْنِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَوْ نَوَى أَقَلَّ، وَفِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ اُنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: حِلُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا، وَكَلَّمَتْهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ حَاشَى الزَّوْجَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَاشَا الزَّوْجَةَ أَنَّهُ نَوَى اسْتِعْمَالَ الْحِلِّ فِيمَا عَدَاهَا فَصَارَ مِنْ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمَ. [حَلَفَ بِالسُّخَامِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَا تَفْعَلُ كَذَا وَفَعَلَتْ] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالسُّخَامِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَا تَفْعَلُ كَذَا، وَفَعَلَتْ هَلْ يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ

قال علي الطلاق ثلاثا إن كلمت زيدا تكوني طالقا

بِأَنَّ السُّخَامَ طَلَاقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا تَكُونِي طَالِقًا] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا تَكُونِي طَالِقًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ إنْ كَلَّمَتْ زَيْدًا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ تَكُونِي طَالِقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ هَذَا مِنْ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ يَتَوَقَّفُ لُزُومُ الثَّلَاثِ فِيهِ عَلَى مَجْمُوعِ شَيْئَيْنِ: كَلَامُهَا زَيْدًا، وَعَدَمُ طَلَاقِهَا، وَهِيَ تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الْكَلَامِ فَلَمْ يُوجَدْ مَجْمُوعُ الشَّيْئَيْنِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الْيَمِينُ مَا تَفْعَلِي كَذَا أَوْ الْيَمِينُ اللَّازِمُ أَوْ الْفَاسِدُ أَوْ الْكَبِيرُ، وَفَعَلَتْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَتَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ جَوَابُ شَيْخِنَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا جَرَى بِهِ عُرْفُ أَهْلِ بَلَدِهِ مِنْ طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَأَنَّ اللَّغْوَ يُفِيدُ فِيهِ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ سَمِعَ جَارُهُ تَشَاجُرَهُ مَعَهَا، وَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا قَالَ لَهُ: مَا فَعَلْتَ بِزَوْجَتِك فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا بِالسَّبْعِينَ فَهَلْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَمْ يَقَعُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ لِجَارِهِ طَلَّقْتُهَا بِالسَّبْعِينَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ أَوَّلًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، وَقَرُبَ زَمَنُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ أَوْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ، وَكَانَ الْأَوَّلُ بَائِنًا بَعُدَ زَمَنِهِ مِنْ الثَّانِي لَمْ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ طَلَّقَ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلْت فَأَجَابَ فِي الرَّجْعِيَّةِ بِمُحْتَمَلِ الْإِنْشَاءَ فَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَظَاهِرُ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ، وَالنَّصِّ اهـ. وَتَقَدَّمَ عَنْ الْعَدَوِيِّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: كُنْتُ طَلَّقْتُك، وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَكَلَّمَ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي شَأْنِ ضِيقِ الْمَعِيشَةِ فَقَالَتْ لَهُ احْمَدْ اللَّهَ فَقَالَ: مُرَادُك أَنِّي كُنْت فَقِيرًا، وَالْآنَ صِرْت غَنِيًّا عَلَيَّ الْيَمِينُ عَلَيَّ الْيَمِينُ إنَّكُمْ أَهْلُ فَقْرٍ قَاصِدًا لَهَا، وَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ فَقُلْت لِلسَّائِلِ، وَمَنْ مَعَهُ هَلْ الْوَاقِعُ أَنَّ النِّسَاءَ الثَّلَاثَةَ أَهْلُ فَقْرٍ فَقَالَا أَمَّا أُمُّهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا رَجُلٌ غَنِيٌّ، وَمَا زَالَ يَفْتَقِرُ إلَى أَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ كَفَنَهُ، وَأَمَّا أُخْتُهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا فُلَانٌ، وَهُوَ غَنِيٌّ، ثُمَّ افْتَقَرَ، وَأَمَّا الْحَالِفُ فَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ يَصِيرُ مَلِيئًا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ عَمِيَ، وَافْتَقَرَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ بِأَنَّ النِّسَاءَ الثَّلَاثَةَ أَهْلُ فَقْرٍ فَهُوَ بَارٌّ فِي يَمِينِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فِي بَلَدِهِ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِلَّا يَجْرِ عُرْفُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَنْوِهِ بِهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَأَعْطَاهَا مَالًا مِنْ عِنْدِهِ مُرَاضَاةً لِخَاطِرِهَا، وَهِيَ مُقِيمَةٌ بِغَيْرِ مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَامْتَنَعَتْ فَقَالَ لَهَا: إنْ لَمْ تَسْكُنِي فِي مَنْزِلِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ: خُذْ مَا أَعْطَيْته لِي، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيَّ، وَلَا أَذْهَبُ مَعَك فَأَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ

يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِعَدَمِ سُكْنَاهَا فِي مَنْزِلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بَلْ رَضِيَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فِي نَظِيرِ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا، وَكُلُّ طَلَاقٍ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ فَهُوَ بَائِنٌ، وَالْمَالُ الَّذِي أَعْطَاهُ لَهَا صَارَ مِلْكًا لَهَا بِمُجَرَّدِ إعْطَائِهِ لَهَا، وَقَبُولِهَا إيَّاهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَتْهُ الْمَالَ فِي نَظِيرِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقِهِ عَلَى شَيْءٍ، وَقَبِلَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَكَفَتْ الْمُعَاطَاةُ الْخَرَشِيُّ كَأَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا عَلَى وَجْهٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي نَظِيرِ الْعِصْمَةِ، وَكَأَنْ تَدْفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ، وَيَقْبَلَ مِنْهَا ذَلِكَ اهـ الْمَجْمُوعِ، وَكَفَتْ الْمُعَاطَاةُ حَيْثُ فُهِمَ الْخَلْعُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ امْتَنَعَتْ مِنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا، وَلَمْ تُعَاشِرْهُ مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَاتِ، وَامْتَنَعَتْ مِنْ دَفْعِ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ، وَامْتَنَعَ زَوْجُهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِدُونِ خُلْعٍ فَهَلْ تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا طَاعَةُ زَوْجِهَا، وَإِمَّا دَفْعُ مَا أَخَذَتْهُ أَوْ تَكُونُ نَاشِزًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُقَرُّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَعِظُهَا زَوْجُهَا فَإِنْ لَمْ يُفِدْ هَجَرَهَا مَا لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ إفَادَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ إنْ ظَنَّ الْإِفَادَةَ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى تَطْلِيقِهَا مَجَّانًا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ حَتَّى تَدْفَعَ لَهُ أَوْ تُسْقِطَ عَنْهُ مَا يَرْضَى بِهِ، وَمَحَلُّ تَوَلِّي الزَّوْجِ مَا تَقَدَّمَ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْخَبَرُ الْإِمَامَ أَوْ بَلَغَهُ، وَرَجَى صَلَاحَهَا عَلَى يَدِ زَوْجِهَا، وَإِلَّا تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ قَالَ الْخَطَّابُ: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ النُّشُوزَ مِنْ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ زَجْرَهَا هُوَ الزَّوْجُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ أَوْ بَلَغَهُ، وَرَجَى صَلَاحَهَا عَلَى يَدِ زَوْجِهَا فَإِنْ لَمْ يَرْجُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَوَلَّى زَجْرَهَا اهـ. نَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا نَفَقَتُهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ الْعَدَاءَ مِنْهَا، وَالنُّشُوزَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِهَا انْتَهَى أَبُو عِمْرَانَ، وَاسْتُحْسِنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُقَالَ لَهَا: إمَّا أَنْ تَرْجِعِي إلَى بَيْتِك، وَتُحَاكِمِي زَوْجَك، وَتُنْصِفِيهِ، وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَك لِتَعَذُّرِ الْأَحْكَامِ، وَالْإِنْصَافِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَيُؤَدِّبُهَا هُوَ أَوْ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ اهـ نَقَلَهُ الْخَرَشِيُّ. وَفِي أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ، وَاخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ النَّاشِزِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ، وَوَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى رَدِّهَا، وَلَوْ بِالْحُكْمِ مِنْ الْحَاكِمِ، وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ بِحَمِيَّةِ قَوْمِهَا، وَكَانَتْ مِمَّنْ لَا تُنَفَّذُ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ فَلَا نَفَقَةَ لِمَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُسْلِمَةٍ رَشِيدَةٍ زُوِّجَتْ بِمُسْلِمٍ رَشِيدٍ، وَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَاسْتَمَرَّتْ كَذَلِكَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ فَهَلْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَمَلَكَتْ أَمْرَ نَفْسِهَا، وَاسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ مَهْرِهَا، وَالتَّزَوُّجَ بِغَيْرِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمُجَرَّدِ ارْتِدَادِهَا، وَمَلَكَتْ أَمْرَهَا، وَاسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ مَهْرِهَا، وَالتَّزَوُّجَ بِغَيْرِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ ارْتَدَّتْ غَيْرَ قَاصِدَةٍ فَسْخَ النِّكَاحِ، وَالتَّخْلِيصَ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنْ قَصَدَتْ ذَلِكَ

لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، وَمَا زَالَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ لِدِينِ الْآخَرِ بَانَتْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ رَجْعِيَّةً، وَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الصَّدَاقُ، وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ عَلَى الْفِرَاقِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ النِّصْفُ حِينَئِذٍ، وَرَجَّحَ أَيْضًا إلَّا أَنْ تَقْصِدَهَا فَتَعَامَلَ بِضِدِّهَا. وَفِي الْخَطَّابِ إذَا ارْتَدَّ لِإِحْرَامِ، وَارِثِهِ عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَحَكَمُوا بِرِدَّةِ مَنْ أَفْتَى امْرَأَةً بِهَا لِتَبِينَ كَخَطِيبٍ آخَرَ مَرِيدِ الْإِسْلَامِ لِفَرَاغِ الْخِطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ اهـ. قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ: وَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ بِدَعْوَاهُ رِدَّتَهَا فَأَنْكَرَتْ فَتَبِينُ كَمَا لَوْ ادَّعَى إسْلَامَ زَوْجَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَنْكَرَتْ لِتَضْمَنَ دَعْوَاهُ أَنَّهَا رَجَعَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا حَصَلَ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتْقِنُ أَحْكَامَ الرِّدَّةِ، وَالْإِسْلَامِ قَوْلُهُ بَانَتْ، وَقِيلَ: فَسْخٌ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِعُ لَهُ بِعَوْدِهِ لِلْإِسْلَامِ، وَهُوَ فُسُحَةُ قَوْلُهُ كَخَطِيبٍ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْكُفْرِ كُفْرٌ كَالْأَمْرِ بِهِ، وَعَذَرَهُ بَعْضُهُمْ اُنْظُرْ عَبْدَ الْبَاقِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عَقَدَ لِوَلَدِهِ الْقَاصِرِ عَلَى بِنْتٍ قَاصِرَةٍ، وَدَخَلَ بِهَا، وَلَمْ يُزِلْ بَكَارَتَهَا ثُمَّ بَلَغَتْ الْبِنْتُ، وَكَرِهَتْ الْوَلَدَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ تَرَافَعَ وَلِيُّ الْوَلَدِ، وَوَلِيُّ الْبِنْتِ لِفَقِيهٍ مَالِكِيٍّ، وَحَكَّمُوهُ بَيْنَهُمَا فَأَخَذَ وَلِيُّ الْوَلَدِ دَرَاهِمَ مِنْ وَلِيِّ الْبِنْتِ لِوَلَدِهِ فِي نَظِيرِ طَلَاقِهَا، وَطَلَّقَ عَنْ، وَلَدِهِ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ، وَحَكَمَ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَنْ الْوَلَدِ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ الْبِنْتُ بِرَجُلٍ آخَرَ، وَدَخَلَ بِهَا فَهَلْ طَلَاقُ الْوَلِيِّ عَنْ، وَلَدِهِ صَحِيحٌ، وَالْعَقْدُ الثَّانِي صَحِيحٌ أَيْضًا، وَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَمَا الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ طَلَاقُ الْوَلِيِّ عَنْ وَلَدِهِ صَحِيحٌ إنْ كَانَ صَبِيًّا، وَالْعَقْدُ الثَّانِي صَحِيحٌ أَيْضًا، وَلَا عِدَّةَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهَا رَفَعَ الْخِلَافَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ نَقْضُهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَمُوجِبُهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ، وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ وَلِيَّ صَغِيرٍ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ غَيْرَهُمَا الْخَرَشِيُّ أَيْ كَمَا يُوجِبُهُ طَلَاقُ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ يُوجِبُهُ أَيْضًا، وَلِيُّ صَغِيرٍ أَيْ صُدُورُ طَلَاقٍ مِنْهُ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ، وَصِيًّا أَوْ سُلْطَانًا أَوْ مَقَامَ سُلْطَانٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فِي الْجَمِيعِ، وَيَلْزَمُ الصَّغِيرَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَمِثْلُ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونُ فَالنَّظَرُ لِوَلِيِّهِ اهـ الْعَدَوِيُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَهْرَامُ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنْ رَأَى الْوَلِيُّ لِلْمَحْجُورِ حُسْنَ النَّظَرِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَهُ جَازَ اهـ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ تَعْتَدُّ بِخَلْوَةِ بَالِغٍ، وَاحْتُرِزَ بِالْبَالِغِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا خَالَعَ عَنْهُ وَلِيَّهُ فَإِنَّ وَطْأَهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً عَلَى زَوْجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ اهـ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَمَضَى إنْ حَكَمَ صَوَابًا الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمُحَكَّمَ إذَا حَكَمَ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي إنْ كَانَ صَوَابًا، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا الْحَاكِمِ غَيْرِهِمَا أَنْ يَنْقُضَهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْقَاصِرَةَ بِمُوجَبِ بَرَاءَةٍ صَادِرَةٍ مِنْ وَالِدِهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ ذُكِرَتْ لَهُ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ

قال لزوجته إن سافرت مصر لأخلصك فهل إذا سافرت لا يقع عليه طلاق

الصَّادِرُ مِنْهُ أَوَّلًا فِي نَظِيرِ الْبَرَاءَةِ بَائِنًا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ، وَعَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا فَهَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لَازِمًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ قَالَ بِفَسَادِهِ، وَرَجَمَ الزَّوْجَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ حِينَ ذِكْرِهَا لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ طَلَاقِهَا فِي نَظِيرِ إبْرَاءِ وَالِدِهَا لَهُ مِنْ صَدَاقِهَا هِيَ طَالِقٌ بِالثَّلَاثِ هِيَ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ، وَالْبَائِنُ لَا تَطْلُقُ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا صَحَّ عَقْدُهُ، وَلَزِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ عَلَى الْخُلْعِ مَا يُكْمِلُ بِهِ ثَلَاثًا، وَمَنْ قَالَ بِفَسَادِهِ، وَرَجْمُ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ لِلْأَدَبِ اللَّائِقِ بِحَالِهِ مِنْ تَوْبِيخٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لِتَجَرُّئِهِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَخْلِيطِهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ قَوْلٌ فِي أَحَدِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ مُعْتَمَدٌ بِأَنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ وَاقِعٍ أَوْ رَجْعِيٌّ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ الصَّادِرُ مِنْ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَزِمَهُ تَمَامُ الثَّلَاثِ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ، وَكَانَ عَقْدُهُ الثَّانِي فَاسِدًا، وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ إلَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَجَازَ أَيْ الْخُلْعُ مِنْ الْغَيْرِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِهَا بِإِذْنِهَا كَبِغَيْرِهِ لِلْمُجْبَرِ، وَلَوْ وَصِيًّا. [قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ سَافَرْتِ مِصْرَ لَأُخَلِّصُك فَهَلْ إذَا سَافَرَتْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ سَافَرْتِ مِصْرَ لَأُخَلِّصُك، فَهَلْ إذَا سَافَرَتْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إذَا سَافَرَتْ مِصْرَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهَا تَعْلِيقُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا وُقُوعُهُ، فَإِنْ نَوَى بِهَا تَعْلِيقَ الْوُقُوعِ لَزِمَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [امْرَأَة جَاءَتْ بِوَرَقَةِ مَكْتُوبٌ فِيهَا طَلَاقُهَا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْ بِوَرَقَةٍ مَكْتُوبٌ فِيهَا طَلَاقُهَا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْوَرَقَةُ بِخَطِّ الزَّوْجِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَطِنَيْنِ عَارِفَيْنِ مُتَيَقِّنَيْنِ أَنَّهُ خَطَّهُ بِنَفْسِهِ عُمِلَ بِهَا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ وَثِيقَةَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ عَلَيْهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ، وَإِلَّا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَجَازَ عَدْلَانِ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ مُطْلَقًا، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَطَلَاقٍ إنْ تَيَقَّنَتْ أَنَّهُ خَطُّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْخُطُوطِ اهـ. وَفِي فَتَاوِيهِ أَنَّ وَثِيقَةَ الْقَاضِي الَّتِي عَلَيْهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ يُعْمَلُ بِهَا، وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ شُهُودُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الصَّبِيِّ الَّذِي فِي حِجْرِهِ لِمَصْلَحَةٍ فَهَلْ مِنْ الْمَصْلَحَةِ التَّكَلُّمُ فِي شَأْنِ زَوْجَتِهِ بِالْفَاحِشَةِ، وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ لِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ مِنْ الْمَصْلَحَةِ صِيَانَةُ عِرْضِهِ، وَإِبْعَادِهِ مِنْ الْمُتَكَلَّمِ فِيهَا بِهَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ الْوَلِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالسَّفِيهِ بِدُونِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ لَهُ إذْ قَدْ يَكُونُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَسَادًا لِأَمْرٍ جُهِلَ قَبْلَ نِكَاحِهِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجَةِ غَيْرَ مَحْمُودَةِ الطَّرِيقَةِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ مَاذَا يَلْزَمُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْتُ الْبَيْتَ، وَوَجَدْتُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك، وَلَمْ أُكَسِّرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ إلَّا هَوْنًا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تُخَصِّصُ الْمَتَاعَ بِمَا يُمْكِنُ كَسْرُهُ عَلَى الرَّأْسِ، وَلَا بِسَاطَ كَذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ فُرُوعِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَا بِسَاطَ يُفَوِّتُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لِمَانِعٍ عَادِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَبِلَ شَيْئًا مِنْ آخَرَ ظَانًّا هِبَتَهُ لَهُ، وَأَرَادَ آخَرُ أَخْذَهُ مِنْهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُعْطِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا قَهْرًا عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ دَافِعُ الشَّيْءِ، وَادَّعَى أَنَّهُ، وَدِيعَةٌ فَهَلْ إنْ أَعْطَاهُ لَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ مُعْتَقِدًا الْمِلْكِيَّةَ، وَهَلْ إنْ وَضَعَهُ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ جَيْبِهِ لَا يَحْنَثُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ أَعْطَاهُ لَهُ طَائِعًا حَنِثَ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ مُعْتَقِدًا الْمِلْكِيَّةَ لَغْوٌ، وَاللَّغْوُ لَا يُفِيدُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَلَا يَحْنَثُ بِوَضْعِهِ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ جَيْبِهِ لِدُخُولِهِمَا فِي مُسَمَّى الْيَدِ عُرْفًا، وَهُوَ الْمِلْكُ، وَالْحَوْزُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى خَادِمِهِ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ، وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا مَعَ بَقَائِهِ كَمَا كَانَ مِنْ الْمَعِيشَةِ سَوِيَّةً فَهَلْ يَنْفَعُهُ هَذَا الْقَصْدُ أَوْ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ الصَّادِرِ مِنْهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَنْفَعُهُ هَذَا الْقَصْدُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ لِتَبَادُرِ الْعُمُومِ مِنْ لَفْظِهِ فَالْخُصُوصُ الْمَقْصُودُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ تُقْبَلُ فِيهِ النِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ مُعَمِّمَةً كَمُخَصِّصَةٍ، وَمُقَيِّدَةً فِي اللَّهِ، وَغَيْرِهَا، وَإِنْ بِقَضَاءٍ إنْ أَمْكَنَتْ بِالسَّوَاءِ عُرْفًا كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا، وَفُلَانٌ فِي أَحَدِ عَبِيدِي فَإِنْ رَجَحَ عَدَمُهَا، وَقَرُبَتْ فِي الْجُمْلَةِ كَبِقَدَمِهِ فِي لَا يَطَؤُهَا، وَشَهْرٍ فِي لَا أُكَلِّمُهُ، وَتَوْكِيلُهُ فِي لَا يَفْعَلُ كَذَا، وَسَمْنُ ضَأْنٍ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا قُبِلَتْ إلَّا أَنْ تَرْفَعَهُ الْبَيِّنَةُ بِالْحَلِفِ، وَالْفِعْلِ أَوْ يُقِرَّ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَيَدَّعِي عَدَمَ الْحِنْثِ مُسْتَنِدًا لِهَذِهِ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ فَلَا تَنْفَعُهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا ثَمَنَهُ فَهَلْ إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ أَوْ مَا يَخُصُّ الشُّرَكَاءَ مِنْهَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا أَوْ هُوَ حَانِثٌ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ لِلتِّجَارَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُفَاوَضَةِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِبَاقِي الشُّرَكَاءِ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ أَقَالَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلْقُنْيَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْعِنَانِ، وَرُدَّتْ هِيَ أَوْ مَا يَخُصُّ الشُّرَكَاءَ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ بَلْ يَنْتَظِرُ

رجل طلق زوجته طلاقا بائنا ومهرها مؤجل عليه فهل يؤمر بتعجيله أو يبقى على التأجيل

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا: يَا فُلَانَةُ يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ أُخْتُك طَالِقًا ثَلَاثًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ قَصَدَ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ تَطْلِيقَ زَوْجَتِهِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِلَّا فَلَا لِكَوْنِهِ لَمْ يُسْنِدْ الطَّلَاقَ فِي لَفْظِهِ إلَيْهَا بَلْ إلَى أُخْتِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأَتَزَوَّجَنَّ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِمَنْ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نِسَائِهِ فَطَلَبَتْهُ الزَّوْجَةُ الْمَحْلُوفُ بِهَا بِمُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا، وَمَوَاشٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَطَلَبَهَا بِحُلِيٍّ لَهُ عِنْدَهَا فَتَصَالَحَا عَلَى إسْقَاطِ الْحُلِيِّ فِي الْمُؤَخَّرِ، وَالْمَوَاشِي، وَكَتَبَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَثِيقَةً أَنَّهُمَا صَارَا خَالِصَيْنِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِطَلَاقٍ، وَلَيْسَ عُرْفُ بَلَدِهِمْ تَطْلِيقًا بِدُونِ تَلَفُّظٍ فَهَلْ تَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى عِصْمَتِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِقَوْلِهِ أَسْقَطَتْ الْحُلِيَّ عَنْهَا فِي نَظِيرِ إسْقَاطِهَا الْمُؤَخَّرَ، وَالْمَوَاشِي عَنِّي طَلَاقًا، وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ قَصَدَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ لَزِمَكَ اسْقِينِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بِيَدِهِ حَبٌّ فَسَقَطَ مِنْهُ حَبَّتَانِ الْتَقَطَتْ إحْدَاهُمَا دَجَاجَةٌ، وَالْأُخْرَى إوَزَّةٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يُمِيتَ أَحَدَهُمَا مِيتَةً لَمْ يَمُتْهَا شَيْءٌ قَبْلَهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا مُحَالٌ إنْ أَرَادَ إمَاتَتَهُ إيَّاهَا إمَاتَةً لَمْ يَمُتْهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمُمِيتَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِمَّا مُحَرَّمٌ إنْ أَرَادَ شِدَّةَ التَّعْذِيبِ، وَكِلَاهُمَا مُقْتَضٍ لِلتَّنْجِيزِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَنُجِّزَ إنْ عَلَّقَ عَلَى وَاجِبٍ، وَلَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا، وَمِنْهُ امْتِنَاعُ الْمُمْتَنِعِ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ سَبَّتْ اللَّهَ تَعَالَى فَرَاجَعَهَا لِزَوْجِهَا فَقِيهٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثُمَّ حَصَلَ مِثْلُ ذَلِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً فَهَلْ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الرَّجْعَةُ، وَتَكُونُ الثَّالِثَةُ مُكَمِّلَةً لِلثَّلَاثِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ وَهَلْ لَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ تُعْتَبَرُ الرَّجْعَةُ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ، وَتَكُونُ الرِّدَّةُ الثَّالِثَةُ مُكَمِّلَةً لِلثَّلَاثِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ فِي الْمَذْهَبِ، وَخَارِجِهِ: إنَّ الرِّدَّةَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، وَالنِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَلَا تَعْذُرُ بِالْجَهْلِ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا وَمَهْرُهَا مُؤَجَّلٌ عَلَيْهِ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِتَعْجِيلِهِ أَوْ يَبْقَى عَلَى التَّأْجِيلِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَمَهْرُهَا مُؤَجَّلٌ عَلَيْهِ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِتَعْجِيلِهِ أَوْ يَبْقَى عَلَى التَّأْجِيلِ.

طلق زوجته ثلاثا ثم ارتدا قاصدين إسقاط الطلاق ثم تابا

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَبْقَى عَلَى التَّأْجِيلِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا بِغَيْرِ الْفِرَاقِ، وَلَمْ يَحُلْ أَجَلُهُ فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا بِالْفِرَاقِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهُ فَقَدْ حَلَّ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَضَرَبَهَا فَذَهَبَتْ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا، وَطَلَبَتْ الطَّلَاقَ فَذَهَبَ أَبُوهَا لِزَوْجِهَا مَعَ جَمَاعَةٍ، وَطَلَب مِنْهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ: إنْ طَلَّقْتُهَا لَا يَلْزَمُنِي صَدَاقُهَا، وَطَلَّقَهَا فَطَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَوْ يَلْزَمُ أَبَاهَا أَوْ يُضِيعُ عَلَيْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَلْزَمُ الزَّوْجَ صَدَاقُهَا إنْ كَانَ ضَرَبَهَا لَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُبَرِّحٍ بِسَبَبِ النُّشُوزِ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ إبْرَاءٌ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَهِيَ رَشِيدَةٌ ضَاعَ عَلَيْهَا أَوْ مِنْ أَبِيهَا، وَهِيَ مَحْجُورَةٌ لَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْجُورَةٍ لَهُ لَزِمَ الْأَبُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إبْرَاءٌ مِنْ أَحَدِهِمَا قَبْلَهُ فَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ حَتَّى تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الرَّشِيدَةِ أَوْ، وَلِيِّ الْمَحْجُورَةِ، وَإِنْ نَجَزَ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ، وَلَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ إنْ كُنْتُ أُطَلِّقُهَا لَا يَلْزَمُنِي صَدَاقُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ غَضِبَتْ امْرَأَتُهُ، وَخَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى مُدَّةً فَخَطَبَ امْرَأَةً أُخْرَى فَسُئِلَ هَلْ طَلَّقْت زَوْجَتَك فَنُزَوِّجُكَ فَقَالَ طَلَّقْتُهَا غَيْرَ قَاصِدٍ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ بَلْ الْإِخْبَارَ بِالْكَذِبِ لِيَرْغَبُوا فِي تَزْوِيجِهِ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ طَلَاقٌ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِهَا فِي الْفَتْوَى قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُنْت طَلَّقْتُك، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَابَ فَهَلْ يَسْقُطُ الطَّلَاقُ، وَتَحِلُّ لَهُ بِدُونِ مُحَلِّلٍ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الرِّدَّةُ لَا تُسْقِطُ الطَّلَاقَ إذَا كَانَتْ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا تُسْقِطُ طَلَاقًا إلَّا إنْ بَتَّهَا، وَيَرْتَدَّا، ثُمَّ يَرْجِعَا فَتَحِلُّ بِلَا زَوْجٍ اهـ. [طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّا قَاصِدَيْنِ إسْقَاطَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَابَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّا قَاصِدَيْنِ إسْقَاطَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَابَا، وَجَدَّدَا عَقْدًا فَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ طَالَ، وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا، وَهَلْ يُحَدَّانِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ طَالَ، وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا لِتَقْيِيدِ حِلِّهَا بِلَا زَوْجٍ إنْ ارْتَدَّا بَعْدَ بَتِّهَا بِعَدَمِ قَصْدِ ذَلِكَ. الشَّبْرَخِيتِيُّ فَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ حَلَّتْ لَهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَبُو عِمْرَانَ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِالرِّدَّةِ التَّحْلِيلَ، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَاهَا بِذَلِكَ فَلَا تَحِلُّ اهـ، وَيُرْجَمَانِ إنْ أَقَرَّا بِالْوَطْءِ، وَلَا يُعْذَرَانِ بِالْجَهْلِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِهِ أَوْ وَطِئَ زَوْجَةً مَبْتُوتَةً فَيُحَدُّ بَاتُّهَا بِوَطْئِهَا قَبْلَ زَوْجٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنْ بَتَّهَا فِي مَرَّةٍ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَالِكِيٍّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ دَارَ أَخِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ خَالَعَهَا، وَدَخَلَتْ، ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا، وَمَا زَالَتْ تَدْخُلُ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ؟

شهد عليه عدل بطلاق زوجته وهو منكر له

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَلَّدَ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَنَفَعَنَا بِهِ إذْ الْخُلْعُ يَرْفَعُ التَّعْلِيقَ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَحَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الدُّسُوقِيِّ، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ فَهَلْ يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ آخَرَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلٍ آخَرَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَلَفَ الزَّوْجُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ، وَرُدَّتْ شَهَادَةُ الْعَدْلِ، وَأَقَرَّ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالشَّاهِدِ، وَالنُّكُولِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَذَهَبَتْ لِبَيْتِ أَخِيهَا فَطَلَبَهَا فَحَلَفَ أَخُوهَا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا تَدْخُلُ أُخْتُهُ مَنْزِلَ زَوْجِهَا مَا دَامَتْ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَامْتَنَعَ زَوْجُهَا مِنْ طَلَاقِهَا فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ ثَبَتَتْ إسَاءَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بِشَتْمٍ أَوْ ضَرْبٍ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ، وَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ الطَّلَاقَ قُضِيَ عَلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقِهَا فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَهَا الْحَاكِمُ أَوْ أَمَرَهَا بِهِ، وَحَكَمَ بِهِ، وَإِلَّا تَثْبُتْ الْإِسَاءَةُ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ الزَّوْجَةُ الطَّلَاقَ فَلَا يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِهِ، وَيُقْضَى عَلَى الزَّوْجَةِ بِالرُّجُوعِ لِبَيْتِهِ، وَيَحْنَثُ الْأَخُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَوَّجَ بِنْتَهُ صَغِيرَةً، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَهَرَبَتْ لِعَدَمِ إطَاقَةِ الْوَطْءِ فَأُسْقِطَ عَنْ الزَّوْجِ مُؤَخَّرُ الصَّدَاقِ، وَطَلَّقَهَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَهَلْ تَأْخُذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا أَسْقَطَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ وَقْتَ مُخَالَعَةِ أَبِيهَا عَنْهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْ زَوْجِهَا بَاقِي صَدَاقِهَا فَتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْهَالُهَا إلَى أَنْ تُطِيقَ الْوَطْءَ فَعَدَمُهُ ضَرَرٌ مِنْهُ لَهَا التَّطْلِيقُ بِهِ مَجَّانًا، وَالْقَاعِدَةُ إذَا ثَبَتَ بَعْدَ الْخُلْعِ ضَرَرُ الزَّوْجِ قَبْلَهُ رُدَّ الْمَالُ، وَبَانَتْ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْ زَوْجِهَا بَاقِي صَدَاقِهَا، وَلَيْسَ لَهَا رُجُوعٌ بِهِ عَلَى تَرِكَةِ أَبِيهَا إذْ الشَّارِعُ أَجَازَ لَهُ الْمُخَالَعَةَ عَنْهَا مِنْ مَالِهَا بِالْمَصْلَحَةِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاتَ مَعَ أَخِيهِ فِي بَيْتِ شَعْرٍ لَهُمَا فَدَخَلَهُ بَعْضُ الدَّوَابِّ، وَأَفْسَدَ بَعْضَ الْأَمْتِعَةِ فَعَاتَبَهُ أَخُوهُ عِتَابًا لَا يَلِيقُ فَحَلَفَ عَلَى دُخُولِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يَنْوِ تَخْصِيصَهُ بِاللَّيْلِ، وَلَا بِالنَّهَارِ، وَلَا التَّعْمِيمَ فَهَلْ الْبِسَاطُ يَخُصُّهُ بِاللَّيْلِ أَوْ يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ مُطْلَقًا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْبِسَاطَ هُنَا الْعِتَابُ الَّذِي لَا يَلِيقُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ لَا التَّخْلِيصَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ اقْتِضَائِهِ التَّخْصِيصَ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذْ شَرْطُ اعْتِبَارِهِ مُخَصِّصًا أَوْ مُفِيدًا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَالِفِ مَدْخَلٌ فِيهِ، وَهُوَ هُنَا نَاشِئٌ عَنْ تَفْرِيطِهِ فِي رَبْطِ الدَّوَابِّ أَوْ إبْعَادِهَا عَنْ الْبَيْتِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا

مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (سُؤَالٌ) عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ الْمَفَاسِدُ، وَضَلَّ فِيهِ مَنْ يَتَنَاوَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَأَرْدَفَ الزَّوْجُ طَلَاقًا، وَسَأَلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَفْتَاهُ بِأَنَّ الرِّدَّةَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَصَارَ كُلُّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ يَتَحَيَّلُ بِالرِّدَّةِ إمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْ الزَّوْجَةِ لِأَجْلِ عَدَمِ لُحُوقِ الطَّلَاقِ فَهَلْ هَذَا فَاسِدٌ، وَإِفْتَاؤُهُمْ بِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ، وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ لَاحِقًا أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا فَاسِدٌ، وَإِفْتَاؤُهُمْ بِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِيهَا قَوْلٌ بِأَنَّهَا طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، وَقَوْلٌ بِعَوْدِ الْحِلِّ بِمُجَرَّدِ الْعَوْدِ لِلْإِسْلَامِ فَيُرْتَدَفُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ حَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ مُرَاعَاةً لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَاسْتِحْسَانًا، وَاحْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ إذَا كَانَ الْإِرْدَافُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُمْ الْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَسَقًا مَخْصُوصًا بِالْمُتَّفَقِ فِيهِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ، وَقَوْلُهُمْ النِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَجَوَابُ شَيْخِ مَشَايِخِنَا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ صِيغَةٍ خَالِصَةٍ، وَالْمُتَحَيِّلُ بِالرِّدَّةِ عَلَى إسْقَاطِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يُفِيدُهُ تَحَيُّلُهُ، وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِبَقَاءِ الْيَمِينِ، وَلُزُومِ الثَّلَاثِ إذَا حَنِثَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَنَصُّهُ، وَأُسْقِطَتْ مُطْلَقُ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يَرْتَدَّ لِذَلِكَ فَيُعَامَلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَفِيرٍ بِبَلْدَةٍ تَعَلَّقَ الدِّيوَانَ فَقَالُوا لَهُ: بِتْ عَلَى الْحَاصِلِ الَّذِي فِيهِ الْمَسْجُونُونَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا أَبِيتُ خَوْفًا مِنْ هُرُوبِ الْمَسْجُونِينَ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَنٍ فَبَعْدَ مُدَّةٍ بَاتَ عَلَى الْحَاصِلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَهَلْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ بَاتَ مُكْرَهًا لِعِلْمِهِ بِالْإِكْرَاهِ حَالَ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ خَدَّامَ الدِّيوَانِ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَمْتَثِلْ مَا يُؤْمَرُ بِهِ يُكْرَهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَلَدٍ تَشَاجَرَ مَعَ أَبِيهِ مِنْ جِهَةِ الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: الشَّيْءُ لَك، وَلِإِخْوَتِكَ فَقَالَ لَهُ الْوَلَدُ: أَنْتَ لَمْ تُبْقِ فِي الدَّارِ شَيْئًا، وَحَلَفَ الْوَلَدُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنَّهُ لَا يُشَارِكُ إخْوَتَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ أَبِيهِمْ فَهَلْ إذَا فَرَضَ لَهُ أَبُوهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ يُعْطِيهَا لَهُ مِنْ الْمَتَاعِ لِمَعَاشِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَبَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ إنْ قَاسَمَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ مَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَلَدِ الطَّلَاقُ بِأَخْذِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ مِنْ مَتَاعِ أَبِيهِ لِتَخْصِيصِ الْبِسَاطِ، وَالْعُرْفِ يَمِينُهُ بِالْمُشَارَكَةِ مَجَّانًا، وَإِنْ قَاسَمَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ فِي مَتَاعِهِ حَنِثَ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ إبْرَاءِ أَبِي الزَّوْجَةِ الْبَالِغَةِ، وَالْتِزَامِهِ حَقَّ بِنْتِهِ إنْ طَلَبَتْهُ فَهَلْ إذَا طَلَبَتْهُ يَلْزَمُ الْأَبُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إذَا قَامَتْ بِأَخْذِ حَقِّهَا يَلْزَمُ، وَالِدَهَا دَفْعُهُ لَهَا، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ شَيْءٌ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ إنْ وَقَعَ الْإِسْقَاطُ مِنْ الْأَبِ بِلَا إذْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ أَيْضًا. الثَّانِي أَنْ لَا يَثْبُتَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ كَانَ يُضَارِرُهَا فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِأَبِيهَا فِي الْإِسْقَاطِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ كَمَا يُفِيدُ الْمُخْتَصَرُ، وَشُرَّاحُهُ، وَغَيْرُهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ شَقَّتْ ثَوْبَهَا، وَقَالَتْ خَرَجَتْ مِنْ دِينِهَا فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا، وَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَفْتَى مَالِكِيٌّ بِرِدَّتِهَا، وَعَدَمِ لُحُوقِ الثَّلَاثِ قَائِلًا، وَقَوْلُ الْأَمِيرِ الْخُرُوجُ عَنْ الدِّينِ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ عَنْ كَمَالِهِ بِالْفِسْقِ لَا تَحْسُنُ إرَادَتُهُ إلَّا مِنْ عَارِفٍ، وَالنِّسَاءُ لَا يَعْقِلْنَ شَيْئًا فَكُلُّ مَنْ نَطَقَتْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَا تَقْصِدُ بِهَا إلَّا الْكُفْرَ، وَقَوْلُهُمْ: الطَّلَاقُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَلْزَمُ مَا أُرْدِفَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْعِصْمَةِ بِهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا أَوْجَبَتْهُ فَهَلْ مَا أَفْتَى بِهِ صَحِيحٌ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الرِّدَّةَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ بِشَقِّ الثَّوْبِ، وَالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِاحْتِمَالِهِ لَهَا، وَلِغَيْرِهَا كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَمِيرُ، وَالشَّقُّ، وَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَا يَقَعَانِ إلَّا مِنْ غَيْرِ عَارِفٍ نَاقِصِ عَقْلٍ وَدِينٍ فَحَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ مَسْخٌ، وَتَحْرِيفٌ، وَجَهْلٌ مَرْكَبٌ بِخَطَرِ الرِّدَّةِ، وَعَلَى فَرْضِ تَحَقُّقِ الرِّدَّةِ بِمَا ذُكِرَ فَفِيهَا الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا فَيُرْتَدَفُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَعَلَى فَرْضِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا بَائِنٌ فَالطَّلَاقُ هُنَا نَسَقٌ فَيُرْتَدَفُ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ الطَّلَاقُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إلَخْ كَذِبٌ مَحْضٌ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ حِلَّ الْعِصْمَةِ إلَخْ لَا يَنْتِجُ فَلَا يَحْكُمُ بِرِدَّةِ الْمَرْأَةِ إلَّا إنْ قَصَدَتْهَا، وَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَقَعَ عَلَيْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفَتْوَى هَذَا الْمُفْتِي بَاطِلَةٌ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ خَالَعَ زَوْجَتَهُ، وَأَرَادَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا فَامْتَنَعَتْ فَضَرَبَهَا أَخُوهَا بِيَدِهِ ضَرْبَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَسَكَتَتْ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، وَعَقَدُوا عَلَيْهَا، وَوَلَدَتْ مِنْهُ، وَلَدَيْنِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَاسْتَفْتَى رَجُلًا فَأَفْتَاهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ لِكَوْنِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَاهِ، وَقَالَ: إنَّ الْوَلَدَيْنِ، وَلَدَا زِنًا فَهَلْ مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ، وَالضَّرْبُ الْيَسِيرُ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا إلَّا فِي حَقِّ شَخْصٍ ذِي مُرُوءَةٍ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ أَشْرَافًا أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَالضَّرْبُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَشْرَافِ، وَذَوِي الْمُرُوآتِ فَهِيَ طَائِعَةٌ لَا مُكْرَهَةٌ، وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا صَحِيحٌ فَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَزِمَ الزَّوْجَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ بِشُرُوطِهِ، وَالْوَلَدَانِ ثَابِتَا النَّسَبِ لِلزَّوْجِ بَلْ عَلَى فَرْضِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَةِ، وَأَنَّهُ حَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ ضَرْبَهَا، وَتَحَقَّقَ إكْرَاهُهَا بِهِ لَكَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَازِمًا لِلزَّوْجِ أَيْضًا، وَالْوَلَدَانِ مَنْسُوبَيْنِ لَهُ لِإِجَازَةِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ، وَرِضَاهَا بِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، وَقَدْ قَالَ:

شَمْسُ الدِّينِ التَّتَّائِيُّ إنَّ ذَلِكَ مُصَحِّحٌ لِنِكَاحِ الْمُكْرَهِ، وَاسْتَنْبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ فَصَارَ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ مُخْتَلَفًا فِيهِ بِالصِّحَّةِ، وَضِدِّهَا، وَكُلُّ عَقْدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَالصَّحِيحِ اتِّفَاقًا فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَثُبُوتِ النَّسَبِ بَلْ عَلَى فَرْضِ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ الْوَلَدَانِ وَلَدِي زِنًا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فَمَا أَجْرَأَ هَذَا الْمُفْتِيَ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ إحْلَالِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِدُونِ مُحَلِّلٍ، وَقَذْفِ الْمُسْلِمِ بِقَطْعِ نَسَبِهِ، وَقَذْفِ الْمُسْلِمِ بِنِسْبَتِهِ لِلزِّنَا، وَتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْأَدَبِ الشَّدِيدِ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ السَّدِيدِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَدْ لَزِمَ الزَّوْجَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي رَجْعِيٍّ، وَلَا بَائِنٍ، وَاسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُدَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ طَلَاقُهُ الْأَوَّلُ رَجْعِيٌّ، وَيُرْتَدَفُ عَلَيْهِ الثَّانِي أَوْ بَائِنٌ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِالشِّقِّ الثَّانِي لِمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ، وَطَلَاقُهُ الثَّانِي ثَلَاثٌ أَوْ مَا يُكْمِلُهَا مُتَمَسِّكًا بِمَا فِي شُرَّاحِ التُّحْفَةِ عَنْ ابْنِ النَّاظِمِ مِنْ اسْتِظْهَارِ أَنَّهُ بَائِنٌ فَلَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ آخَرُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ طَلَاقُهُ الْأَوَّلُ رَجْعِيٌّ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَيُرْتَدَفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَرَى مُجَرَّدَ مُعَاشَرَتِهَا رَجْعَةً، وَالنِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي لَحَاقِ الطَّلَاقِ فَإِذَا تَمَّتْ الثَّلَاثَةُ جُبِرَ عَلَى فِرَاقِهَا، وَمُنِعَ مِنْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا الْمِصْرِيِّينَ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ لِقَوْلِ شُرَّاحِ التُّحْفَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا: وَمَوْقِعُ الطَّلَاقِ دُونَ نِيَّةٍ ... بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّةَ وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ ... وَالْأَوَّلُ الْأَظْهَرُ لَا سِوَاهُ مَا نَصُّهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا بَائِنَةٌ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ النَّاسِ الْيَوْمَ لِلطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَلَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهَا شَيْءٌ اهـ لِمُخَالَفَتِهِ لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ مِنْ كَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ خُلْعًا أَوْ بَالِغًا الْغَايَةَ، وَفِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ مِنْ لَحَاقِ طَلَاقِهِ كَالصَّحِيحِ، وَفِي نِيَّةِ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِأَيِّ لَفْظٍ مِنْ إيجَابِهَا لِلثَّلَاثَةِ، وَلِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي زَمَنِنَا مِنْ تَمْيِيزِ الْعَامَّةِ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ، وَالْبَائِنِ فَالتَّمَسُّكُ بِهِ فِي إسْقَاطِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جَهْلٌ مَرْكَبٌ، وَضَلَالٌ مُبِينٌ، وَتَحَيُّلٌ عَلَى تَحْصِيلِ عَرَضٍ يَسِيرٍ مِنْ دَنِيءِ الدُّنْيَا بِإِفْسَادِ الدِّينِ فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَأَيْت جَوَابًا لِبَعْضِ مُفْتِي الْمَغْرِبِ فِيهِ مَا نَصُّهُ: قَالَ: الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ رَحَّالٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التُّحْفَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ النَّاظِمِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ النَّاسِ الْيَوْمَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ مَا نَصُّهُ الصَّوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَّمَ الطَّلَاقَ إلَى بَائِنٍ، وَإِلَى رَجْعِيٍّ فَالْبَائِنُ مَا وُجِدَتْ فِيهِ أَسْبَابُهُ، وَغَيْرُهُ رَجْعِيٌّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ الشَّارِعُ بَيْنَ عَالِمٍ، وَجَاهِلٍ فَالصَّوَابُ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ هَذَا الَّذِي تَشُدُّ يَدَك عَلَيْهِ، وَلَا تُعَوِّلْ عَلَى مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً، وَعَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَطَلَبَهَا لِلسَّفَرِ مَعَهُ فَقَالَتْ أَنَا مُطَلَّقَةٌ مِنْكَ، وَالْعَقْدُ الَّذِي عَقَدْتَهُ فَاسِدٌ مُسْتَنِدَةً لِإِخْبَارِ شَخْصٍ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ: إنْ كَانَ لَمْ يُرْضِيك تَبْقِ طَالِقًا بِالتِّسْعِينَ فَأَفْتَى شَافِعِيٌّ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كَانَ إلَخْ تَعْلِيقٌ عَلَى عَدَمِ رِضَاهَا فَإِنْ رَضِيَتْ

فَلَا يَلْزَمُهُ، وَآخَرُ بِأَنَّهُ إنْشَاءُ مُكَافَأَةٍ لَهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ. قُلْت فِي الْجَوَابِ: قَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ خُصُوصًا إذَا جَرَى عُرْفُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِنْشَاءِ لِذَلِكَ أَوْ نَوَاهُ الزَّوْجُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ الْبِسَاطُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخٍ بَالِغٍ وَصِيٍّ عَلَى أَخِيهِ الصَّغِيرِ زَوَّجَهُ امْرَأَةً لِخِدْمَتِهِ فِي الْبَيْتِ فَشَاجَرَهُ الصَّغِيرُ، وَأُمُّهُ، وَقَالَا لَهُ: إنْ لَمْ تُطَلِّقْهَا انْعَزَلْنَا مِنْك فَطَلَّقَهَا عَنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهَلْ يَنْفُذُ هَذَا الطَّلَاقُ، وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الْكَبِيرُ بَعْدَهُ يَكُونُ عَقْدًا صَحِيحًا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَنْفُذُ هَذَا الطَّلَاقُ، وَيَصِحُّ عَقْدُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا لَمْ يَكُنْ لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرِ كَكَوْنِهَا ذَاتَ مَالٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ شَرَفٍ يَكْتَسِبُهُ أَوْ قَرَابَةٍ فَتَحْسُنُ عِشْرَتُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَبَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا فِي الْوَصِيِّ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا فَالْمَصْلَحَةُ فِي طَلَاقِهَا لِتَسْقُطَ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ عَبْدُ الْبَاقِي. وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا بِلَا عِوَضٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَفِي الْخَطَّابِ عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ سَلْمُونٍ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى السَّفِيهِ الْبَالِغِ، وَالصَّغِيرِ دُونَ شَيْءٍ يُؤْخَذُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَسَادَ الْأَمْرِ جَهِلَ قَبْلِ إنْكَاحِهِ أَوْ حَدَثَ بَعْدُ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجَةِ غَيْرَ مَحْمُودَةِ الطَّرِيقَةِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ. وَأَجَبْت عَنْهُ أَيْضًا بِمَا نَصُّهُ: ذَكَرَ أَئِمَّتُنَا أَنَّ وَصِيَّ الصَّغِيرِ لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ عَائِدَةٍ عَلَى نَفْسِ الصَّغِيرِ ظَاهِرَةٍ كَكَوْنِ الْمَرْأَةِ ذَاتَ مَالٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ قَرَابَةٍ لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ زَوَّجَهُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ كَذَلِكَ يَفْسَخُ، وَالْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِهَا نَظَرًا لِخِدْمَتِهَا فِي الْبَيْتِ، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ مَصَالِحِ الصَّبِيِّ إنَّمَا هِيَ مِنْ مَصَالِحِ الْوَلِيِّ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَسْخُ نِكَاحِ الصَّبِيِّ فَلَمَّا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ نَفَذَ طَلَاقُهَا، وَبَانَتْ مِنْ الصَّبِيِّ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الْكَبِيرُ لِنَفْسِهِ فَعَقْدُهُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَخٌ يَتِيمٌ مَعَهُ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ فَزَوَّجَهُ بِصَغِيرَةٍ قَرِيبَةٍ لَهُ ثُمَّ حَلِيَتْ فِي عَيْنِهِ فَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ، وَعَقَدَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ فَهَلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْيَتِيمِ، وَيُفْسَخُ عَقْدُ الرَّجُلِ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْهُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، وَتَأْدِيبُ مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجَةِ الصَّبِيِّ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَهِيَ مَصْلَحَةُ الصَّبِيِّ فَيَجِبُ فَسْخُ عَقْدِ الرَّجُلِ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَرَدُّهَا لِزَوْجِهَا الْيَتِيمِ، وَتَأْدِيبُ مَنْ أَفْتَى الرَّجُلَ بِتَطْلِيقِهَا عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْعَقْدِ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ التَّأْدِيبَ اللَّائِقَ بِمِثْلِهِ لِتَجَرُّئِهِ عَلَى الشَّرِيعَةِ الشَّرِيفَةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَأَلَ قَاضِيًا، ثُمَّ عَالِمًا عَنْ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَا تَدْخُلُ دَارَ أُمِّهَا، وَفِيهَا الْعَسْكَرِيُّ، ثُمَّ دَخَلَتْهَا، وَهُوَ فِيهَا فَأَفْتَيَاهُ بِالْحِنْثِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ لَا تَدْخُلُهَا

وَفِيهَا الْمَشَايِخُ مَعَ الْعَسْكَرِيِّ، وَحِينَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا الْعَسْكَرِيُّ، وَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَشَايِخَ حَالَ السُّؤَالِ خَوْفًا مِنْهُمْ، فَهَلْ إذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي، وَثَبَتَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ابْتِدَاءً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِدَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ، وَهَلْ يُدِينُهُ فِيهَا الْمُفْتِي؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إنْ رُفِعَ لَهُ، وَثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِدَعْوَاهُ، وَيُدِينُهُ الْمُفْتِي فِيهَا؛ لِأَنَّ سُؤَالَهُ ابْتِدَاءً تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِالْحَلِفِ، وَالْحِنْثِ، وَدَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةُ تَضَمَّنَتْ تَكْذِيبَهُ فِي إقْرَارِهِ بِالْحِنْثِ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ فِي الْقَضَاءِ، وَيُفِيدُ فِي الْفَتْوَى قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنْجَزُ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَسَرَّى، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى نُجِزْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْقَضَاءِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ لِإِقْرَارِهِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْفُتْيَا اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ صَدَقَ فِي الْفَتْوَى، وَمِنْهُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْحَلِفِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ لَا تَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِهِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ لِشَيْءٍ خَاصٍّ كَإِتْيَانٍ بِطَعَامٍ أَوْ إدَامٍ مِنْ السُّوقِ، ثُمَّ خَرَجَتْ لِشَيْءٍ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ يَكْفِي فِي حِلِّ يَمِينِهِ إذْنُهُ فِي الشَّيْءِ الْخَاصِّ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِخُرُوجِهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَكْفِي فِي حِلِّ يَمِينِهِ إذْنُهُ فِي خُرُوجِهَا لِشَيْءٍ خَاصٍّ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لِلشَّيْءِ الْآخَرِ بَعْدَ إذْنِهِ فِي خُرُوجِهَا لِلشَّيْءِ الْخَاصِّ كَمَا عُلِمَ مِنْ شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ عَبْدُ الْبَاقِي، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِإِذْنِي، وَأَذِنَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَزَادَتْ عَلَيْهِ أَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِيهِ أَوْ قَدِمَتْهُ عَلَى مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ فَيَحْنَثُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَمْ لَا، ثُمَّ إذَا قَالَ: اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت انْحَلَّتْ يَمِينُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَيْ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي، وَأَمَّا لَا تَخْرُجِي إلَى مَوْضِعٍ أَوْ زَادَ مِنْ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِإِذْنِي فَلَيْسَ قَوْلُهُ لَهَا اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت إذْنًا مُعْتَبَرًا فِيهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَالْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ بِإِلَى مَوْضِعٍ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إذْنًا خَاصًّا فِي كُلِّ مِنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ الصِّيغَةُ الْأُولَى اهـ. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلَا عِلْمٍ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَتَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ مَا نَصُّهُ، وَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ فَطَلُقَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَخَرَجَتْ ثَانِيًا بِغَيْرِ إذْنِهِ يَلْزَمُهُ أَيْضًا إنْ كَانَ نَوَى كُلَّمَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِي إلَى تَمَامِ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّكْرَارَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الْأُولَى قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ أَرَادَ زَوْجُهَا تَعْلِيمَهَا مَا يَلْزَمُهَا مِنْ الدِّينِ فَقَالَتْ: لَا أَتَعَلَّمُ؛ لِأَنَّهَا إفْرِنْجِيَّةٌ، وَنَصْرَانِيَّةٌ، وَعَاشَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ، وَلَمْ تَتُبْ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ ارْتَدَّتْ، وَبَانَتْ، وَهَلْ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ارْتَدَّتْ، وَبَانَتْ

طلق زوجته طلقتين وشك في الثالثة فهل له مراجعتها

وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ فِيهَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهَا عَادَتْ لِعِصْمَةِ زَوْجِهَا بِمُجَرَّدِ عَوْدِهَا لَهُ، وَعَدَمُ عَوْدِهَا لَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا خُصُوصًا الطَّوِيلَةَ، وَهِيَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ تَسْمَعُ الْأَذَانَ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي اللَّيْلَةِ، وَالْيَوْمِ، وَالْغَالِبُ عَلَى سَامِعِهِ حِكَايَتُهُ خُصُوصًا، وَزَوْجُهَا عَالِمٌ بِأُمُورِ الدِّينِ فَلِيَتَّقِ اللَّهَ الْمُسْتَفْتِي، وَيَتْرُكْ التَّحَيُّلَ عَلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ وَشَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَهَلْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ وَشَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَهَلْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إنْ كَانَ شَكُّهُ فِي تَنْجِيزِ الثَّالِثَةِ، وَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ فِي الْحِنْثِ فِيهَا، وَعَدَمِهِ مَعَ تَحَقُّقِ تَعْلِيقِهَا فَلَهُ رَجْعَتُهَا إنْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِعَلَامَةٍ دَالَّةٍ عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ مِنْ الْوَسْوَسَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِهِ مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ (لَا) يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ (إنْ شَكَّ) الزَّوْجُ (هَلْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ بِأَنْ شَكَّ هَلْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ، وَحَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ كَمَنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ، وَقَدْ بَنَوْا هُنَا عَلَى الْأَصْلِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ فَبَنَوْهَا عَلَى اعْتِبَارِهِ لِعِظَمِ أَمْرِ الصَّلَاةِ، وَسُهُولَةِ الطَّهَارَةِ (وَأَمَرَ بِهِ) أَيْ الْفِرَاقِ (إنْ شَكَّ غَيْرُ الْمُسْتَنْكِحِ) بِالْوَسْوَاسِ (فِي حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلَ زَيْدٌ دَارِي فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، ثُمَّ رَأَى شَخْصًا دَاخِلًا دَارِهِ، وَشَكَّ فِي كَوْنِهِ زَيْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ فَيُؤْمَرُ بِتَنْفِيذِ الطَّلَاقِ إزَالَةً لِلشَّكِّ. (وَ) إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ ف (هَلْ يُجْبَرُ) الزَّوْجُ عَلَيْهِ، وَيُنْجَزُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ (خِلَافٌ) ، وَالْمُسْتَنْكِحُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ، وَلَا يُجْبَرُ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ، ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ شَكَّهُ فِيهِ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَجَبْرِهِ مِثْلَ حَلِفِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ حَنِثَ لِسَبَبٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّكَّ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ، وَيُخْتَلَفُ هَلْ يُؤْمَرُ أَمْ لَا مِثْلَ شَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْمَرُ، وَلَا يُجْبَرُ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُؤْمَرُ، وَلَا يُجْبَرُ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يُجْبَرُ أَوْ لَا يُجْبَرُ مِثْلَ أَنْ يُطَلِّقَ، وَلَا يَدْرِي أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ يَحْنَثُ، وَلَا يَدْرِي أَحَلِفَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَائِضًا فَتَقُولُ: لَسْت حَائِضًا أَوْ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَبْغَضُنِي فَيَقُولُ أُحِبُّك، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ، وَلَا يَدْرِي حَقِيقَةَ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِي الْأُولَى بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى جَبْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا، وَكَذَا لِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِهِ، وَمِثْلَ شَكِّهِ فِي أَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْهِ طَلَّقَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهِمَا جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ هَلْ حَلَفَ، وَحَنِثَ أَمْ لَا فَهَذَا مَحْلُ الِاخْتِلَافِ هَلْ يُؤْمَرُ أَمْ لَا يُؤْمَرُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ مِنْ تَحَقُّقِ الْحَلِفِ، وَالشَّكِّ فِي الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْفِرَاقِ إنْ كَانَ لِسَبَبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ إنْ كَانَ شَكُّهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الْأَقْسَامَ الْخَمْسَةَ فَقَالَ:

ذُو الشَّكِّ فِي الْحِنْثِ بِلَا مُسْتَنَدٍ ... لَا أَمَرَ لَا جَبْرَ اتِّفَاقًا قُيِّدَ لَا جَبْرَ بَلْ يُؤْمَرُ مَنْ يَسْتَنِدُ ... بِالِاتِّفَاقِ قَالَ مَنْ يُعْتَمَدُ مَنْ شَكَّ فِي الْحِنْثِ وَفِي أَنْ حَلَفَا ... لَا جَبْرَ بَلْ فِي أَمْرِ هَذَا اُخْتُلِفَا ثُمَّ الَّذِي فِي جَبْرِهِ يُخْتَلَفُ ... ذُو الْمَشْي وَالْعَدَدِ وَذُو الْحَيْضِ اعْرِفُوا ذُو الشَّكِّ فِي الزَّوْجَةِ فِعْلَ أَمْسِ ... بِالِاتِّفَاقِ أَجْبُرُهُ دُونَ لُبْسِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ضَرَبَ، وَلَدُهُ امْرَأَةً فَاشْتَكَتْهُمَا لِظَالِمٍ يَتَجَاوَزُ الْأَدَبَ الشَّرْعِيَّ تَجَاوُزًا فَاحِشًا فَأَنْكَرَ فَهَدَّدَهُمَا بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَأَحْضَرَ الْعُدَّةَ أَمَرَ الْوَالِدُ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ضَرْبَ وَلَدِهِ الْمَرْأَةَ فَحَلَفَ كَذَلِكَ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَذَا الْحَلِفِ لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ كَانَ الْإِكْرَاهُ إيقَاعَهُ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ عَلَى الْيَمِينِ بِهِ سَوَاءً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ يَحْنَثُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْإِكْرَاهُ فِي الْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ، وَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ بِالتَّخْوِيفِ بِمَا يُؤْلِمُ الْبَدَنَ مِنْ الضَّرْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالصَّفْعِ لِذِي الْمُرُوءَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ التَّخْوِيفُ بِقَتْلِ وَلَدٍ فَإِنْ كَانَ بِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ فَقَوْلَانِ، وَالتَّخْوِيفُ بِالْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: كَوْنُهُ إكْرَاهًا. وَالثَّانِي: لَيْسَ إكْرَاهًا، وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ فَهُوَ إكْرَاهٌ، وَالْيَسِيرِ فَلَيْسَ إكْرَاهًا اهـ عَبْدُ الْبَاقِي، وَالْمُتَخَوَّفُ مِنْ وُقُوعِهِ إمَّا حَالًّا أَوْ مَآلًا، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَنْ هُدِّدَ، وَلِمَنْ لَمْ يُهَدِّدْ، وَطَلَبَ مِنْهُمَا الْحَلِفَ مَعَ التَّخْوِيفِ فَإِنْ بَادَرَ بِالْحَلِفِ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَالتَّهْدِيدِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إكْرَاهٌ أَيْضًا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَادِرْ هُدِّدَ، وَإِلَّا فَلَا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ غَيْرُ إكْرَاهٍ مُطْلَقًا فَإِنْ قَيَّدَ كَلَامَهُ بِمَا لِلَّخْمِيِّ، وَافَقَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَسُئِلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَهُ ظَالِمٌ فَحَلَفَ لَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ خَوْفًا مِنْ قَتْلِهِ أَوْ ضَرْبِهِ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الظَّالِمُ فَصَدَّقَهُ، وَتَرَكَهُ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ تَبَرَّعَ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ أَنْ يُنْجِيَهُ مِنْ ظُلْمِهِ فَقَدْ دَخَلَ فِي الْإِكْرَاهِ، وَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: سَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ هُوَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ بِالْمَدِينَةِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا، وَهُدِّدَ بِضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ، وَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِيدٌ بَيِّنٌ تَقَعُ مِنْهُ الْمَخَافَةُ أَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَهْدِيدٍ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اهـ. وَإِنْ اسْتَخْفَى رَجُلٌ عِنْدَ آخَرَ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَرَادَ دَمَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ عُقُوبَتَهُ فِي بَدَنِهِ فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ عَنْهُ فَسَتَرَ عَلَيْهِ، وَجَحَدَ كَوْنَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ: احْلِفْ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَك فَحَلَفَ إنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَدَمِهِ أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ اهـ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَسَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ: السِّجْنُ إكْرَاهٌ، وَالْقَيْدُ إكْرَاهٌ، وَالْوَعِيدُ الْمَخْلُوفُ إكْرَاهٌ، وَالرَّهَقُ لَا يَجُوزُ عَلَى صَاحِبِهِ مَعَهُ يَمِينٌ، وَلَا بَيْعٌ، وَقَالَهُ

أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اهـ. قَالَ يَحْيَى سَمِعْت أَبَا زَيْدٍ قَاضِيَ الْمَدِينَةِ يُسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَخَافُ اللُّصُوصَ فَيُغَيِّبُ مَالَهُ فَيَأْخُذُونَهُ فَيَقُولُونَ لَهُ غَيَّبَتْ عَنَّا مَالَك فَيَقُولُ مَا غَيَّبَتْ شَيْئًا فَيَقُولُونَ احْلِفْ لَنَا فَيَحْلِفُ لَهُمْ بِالطَّلَاقِ إنَّهُ لَمْ يُغَيِّبْ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَهُوَ إنْ لَمْ يَحْلِفْ عَذَّبُوهُ، وَإِنْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى مَالِهِ أَخَذُوهُ فَقَالَ: هَذَا مُكْرَهٌ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ اهـ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ. وَفِي التُّحْفَةِ: وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمٍ ... لِمُكْرَهٍ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَسَمِ ، وَقَالَ سَيِّدِي مَيَّارَةُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ مُكْرَهًا غَيْرَ طَائِعٍ بَلْ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَذَلِكَ مُكْرَهًا حَتَّى حَنِثَ فَإِنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُلْزِمُهُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ فَضَمِيرُ لَهُ لِلطَّلَاقِ، وَهُوَ مُتَعَلَّقٌ بِمُلْزِمٍ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ، وَالْيَمِينِ بَلْ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَقْوَالِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بِالتَّخْوِيفِ الْوَاضِحِ بِمَا يُؤْلِمُ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي التَّخْوِيفِ بِقَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلَانِ بِخِلَافِ قَتْلِ الْوَلَدِ، وَفِي التَّخْوِيفِ بِالْمَالِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ كَثِيرًا تَحَقَّقَ. وَفِي الْمُقَرِّبِ قُلْت لَهُ: فَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ، وَعِتْقُهُ، وَنِكَاحُهُ قَالَ: لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ اتَّفَقَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْيَمِينِ لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إذَا كَانَ إكْرَاهُهُ بِشَيْءٍ يَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ تَعْذِيبٍ أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ فِيمَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ، وَلَا مَعْصِيَةٌ، وَسَوَاءٌ هُدِّدَ فَقِيلَ لَهُ: إنْ لَمْ تَحْلِفْ فُعِلَ بِك كَذَا، وَكَذَا أَوْ اُسْتُحْلِفَ، وَلَمْ يُهَدَّدْ فَحَلَفَ فَرْقًا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْلِفْ هُوَ لَك مُتَطَوِّعًا بِالْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ اهـ. وَقَالَ التَّاوَدِيُّ (وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِمُلْزِمٍ لِمُكْرَهٍ) بِالْفَتْحِ (فِي الْفِعْلِ) أَيْ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ (أَوْ فِي الْقَسَمِ) أَيْ الْحَلِفِ كَقَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ أَوْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ، وَهِيَ الَّتِي اُمْتُحِنَ فِيهَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ لَا يُفْتِيَ بِذَلِكَ، ثُمَّ دَسَّ عَلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَأَفْتَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَكَانَ يَقُولُ ضُرِبْت فِيمَا ضُرِبَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَيَذْكُرُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أَغْبِطُ أَحَدًا لَمْ يُصِبْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَذًى، وَالْإِكْرَاهُ هَاهُنَا بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَأٍ أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ أَوْ لِمَالِهِ، وَهَلْ إنْ كَثُرَ تَرَدَّدَ اهـ. وَفِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَصْبَغُ: إنْ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: احْلِفْ، وَإِلَّا عَاقَبْت وَلَدَك فَحَلَفَ لَهُ كَاذِبًا حَنِثَ، وَإِنَّمَا يُعْذَرُ بِالْمُدَارَاةِ عَنْ نَفْسِهِ اهـ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَنْكَرَ اللَّبِيدِيُّ قَوْلَ أَصْبَغَ، وَأَجَابَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اسْتِشْكَالِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ بِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ أَصْبَغَ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُمَا قَصَدَا قَتْلَ النَّفْسِ لَا دُونَهَا يَعْنِي، وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِيمَا دُونَهَا أَفَادَهُ الرَّمَاصِيُّ وَالْبُنَانِيُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ قَتْلُ، وَلَدِهِ نَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِ أَصْبَغَ لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ: احْلِفْ عَلَى كَذَا، وَإِلَّا عَاقَبْت وَلَدَك أَوْ بَعْضَ مَنْ يَلْزَمُك أَمْرُهُ فَحَلَفَ كَاذِبًا فَهُوَ حَانِثٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدَّرْءِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَجَابَ الْمُوضِحُ بِأَنَّ ابْنَ شَاسٍ قَصَدَ قَتْلَ النَّفْسِ لَا مَا دُونَهَا وَأَصْبَغُ قَصَدَ مَا دُونَهَا هَذَا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ اللَّبِيدِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ مَا لِأَصْبَغَ، وَقَالَ: أَيُّ إكْرَاهٍ أَشَدُّ مِنْ رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَدَهُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ، ثُمَّ، وَفَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ

النَّازِلَ بِالْوَلَدِ قَدْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَتَعَدَّى لِلْوَالِدِ فَهُوَ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ مَعْرُوضٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْقَاصِرِ عَلَى الْوَلَدِ لَا فِي الْمُتَعَدَّى لِلْأَبِ، وَقَوْلُ اللَّبِيدِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَعَدَّى لِلْأَبِ أَمَّا فِي قَتْلِهِ فَلَا شَكَّ فِي لُحُوقِهِ لِلْأَبِ، وَالْأُمِّ، وَالْوَلَدِ، وَالْأَخِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ بَلْ عَلَى التَّفْصِيلِ بِحَسْبِ الْأَحْوَالِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْخُ بَلَدِهِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ آخَرَ فِي دَارِهِ، وَتَكَلَّمَ هُوَ، وَهَذَا الرَّجُلُ فِي حَقِّ شَيْخِ الْبَلَدِ الْمَذْكُورِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ، وَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ فَلِشِدَّةِ خَوْفِهِ مِنْ شَيْخِ الْبَلَدِ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنَّهُ مَا تَكَلَّمَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا فِي لَفْظِهِ، وَقَصَدَ أَنَّهُ مَا تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا فِي تِلْكَ الدَّارِ الْمُعَيَّنَةِ فَهَلْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ سِيَّمَا، وَهُوَ خَائِفٌ مِنْ حُصُولِ الضَّرْبِ، وَالسِّجْنِ لَوْ لَمْ يَحْلِفْ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِلْإِكْرَاهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِذَلِكَ، وَالنِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْإِكْرَاهِ قُبِلَتْ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهَا لِظَاهِرِ لَفْظِهِ مُخَالَفَةً قَرِيبَةً مِنْ الْمُسَاوَاةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ رَجَحَ عَدَمُهَا، وَقَرُبَتْ كَبِقَدَمِهِ فِي لَا يَطَؤُهَا، وَشَهْرٍ لَا فِي كَلَّمَهُ، وَتَوْكِيلِهِ فِي لَا يَفْعَلْ كَذَا، وَسَمْنُ ضَأْنٍ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا قُبِلَتْ إلَّا أَنْ تَرْفَعَهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ يُقِرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ أَبُوهَا: اُكْتُبُوا حَقَّهَا عَلَيَّ فَهَلْ يَسْقُطُ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَتَأْخُذُهُ مِنْ أَبِيهَا إنْ ثَبَتَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا لِعُرْفٍ، وَإِلَّا أَخَذَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُلْتَزِمُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا لِعُرْفٍ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا فَامْتَنَعَ، ثُمَّ اتَّهَمَهُ جَارُهُ بِشَيْءٍ، وَاسْتَحْلَفَهُ فَتَوَضَّأَ، وَأَرَادَ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِهِ فَقَالَتْ زَوْجَةُ الْحَالِفِ: هُوَ الَّذِي أَخَذَ الشَّيْءَ، وَحَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ الشَّيْءُ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَلْزَمُهُ الشَّيْءُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ شَهَادَةِ زَوْجَتِهِ لِقُصُورِهَا عَنْ النِّصَابِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ، وَهُوَ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَيَمِينٌ، وَلِعَدَاوَتِهَا لَهُ، وَاتِّهَامِهَا بِالرَّغْبَةِ فِي فِرَاقِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَا دَامَ مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَلَا عِبْرَةَ بِشَهَادَةِ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ، وَلَا بِحَلِفِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَدَيْنٌ إنْ ادَّعَى مُمْكِنًا فَلَا شَيْءَ عَلَى حَالِفَيْنِ تَنَاقَضَا، وَطَلَّقَ عَلَى غَيْرِ الْجَازِمِ اهـ. نَعَمْ إنْ عَلِمَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ أَخَذَ الشَّيْءَ، وَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ بَائِنًا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَوَجَبَ عَلَيْهَا الِافْتِدَاءُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا تَتَزَيَّنُ مَنْ عَلِمَتْ بِبَيْنُونَتِهَا إلَّا مُكْرَهَةً، وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ، وَهَلْ تَقْتُلُهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ خِلَافٌ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَا تَدْخُلِي مَحِلَّ كَذَا، وَدَخَلَتْهُ نَاسِيَةً مُتَوَجِّعَةً لِلْوِلَادَةِ، ثُمَّ وَلَدَتْ بِالْقُرْبِ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِصِيغَةِ الرَّجْعَةِ بِلَا عَقْدٍ، وَعَاشَرَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَعَاشَرَهَا فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّانِي لِعَدَمِ حِنْثِهِ بِدُخُولِهَا نَاسِيَةً عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِحَدِيثٍ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ

طلق زوجته طلاقا رجعيا وراجعها ثم طلقها في نظير البراءة وراجعها له شافعي وعاشرها ثم طلقها

وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَمُعَاشَرَتُهُ لَهَا عَقِبَ وِلَادَتِهَا نِكَاحٌ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَفَاسِدٌ عِنْدَنَا بَلْ لَيْسَتْ نِكَاحًا بِالْكُلِّيَّةِ، وَعِنْدَنَا النِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَرَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي نَظِير الْبَرَاءَةِ وَرَاجَعَهَا لَهُ شَافِعِيٌّ وَعَاشَرَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَرَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي نَظِيرِ الْبَرَاءَةِ، وَرَاجَعَهَا لَهُ شَافِعِيٌّ، وَعَاشَرَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ يَلْحَقُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: حَيْثُ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَحِقَهَا طَلَاقُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي شِدَّةِ مَرَضِهِ اسْقِينِي، وَلَمَّا أَتَتْهُ بِالْمَاءِ قَالَ: تَغِيبِي عَلَيَّ تَكُونِي طَالِقًا، ثُمَّ لَمَّا صَحَّ أَخْبَرَتْهُ هِيَ، وَامْرَأَةٌ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ بِهِ، وَذَهَبَ لِفَقِيهٍ رَاجَعَهَا لَهُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهَلْ يُعَدُّ ذَهَابُهُ لِلْمُفْتِي لِلرَّجْعَةِ إجَازَةً لِطَلَاقِهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ إذْ ذَاكَ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِذَلِكَ فَقَالَ: أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ كَأَنْ خَرَّفَ لِمَرَضٍ، وَلَا يُعَدُّ ذَهَابُهُ الْمَذْكُورُ إجَازَةً لَهُ لِبِنَائِهِ عَلَى اعْتِقَادِ اللُّزُومِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَقَامَ بِمِصْرَ مَعَ أَبِيهِ، وَأُمُّهُ فِي الرِّيفِ فَذَهَبَ لَهَا أَبُوهُ، وَرَجَعَ بِلَا شَيْءٍ، وَمَرِضَ عِنْدَهُ فَتَضَجَّرَ مِنْ كُلْفَتِهِ، وَقَالَ: جِئْت بِلَا شَيْءٍ خَوْفًا أَنْ آكُلَ مِنْهُ، وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنْ بَعَثَتْ أُمُّهُ شَيْئًا فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ فَهَلْ إذَا سَافَرَ، وَأَكَلَ مِمَّا عِنْدَهَا لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّدَ مِنْهُ أَوْ زَرَعَ أَرْضَهَا أَوْ أَرْضَ غَيْرِهَا بِبَذْرِهَا فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ نَوَى بِحَلِفِهِ قَطْعَ الْمِنَّةِ حَنِثَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالسِّيَاقُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْغَضَبِ، وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَامْتَنَعَتْ مِنْ الرُّجُوع لَهُ فَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَكِسْوَتُهَا مَا دَامَتْ كَذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى رَدِّهَا لِبَيْتِهِ، وَلَوْ بِالْحُكْمِ، وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا، وَلَا كِسْوَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِحَمِيَّةِ قَوْمِهَا، وَعَدَمِ نُفُوذِ الْحُكْمِ فِيهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتُهَا، وَكِسْوَتُهَا مَا دَامَتْ كَذَلِكَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ، وَوَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ، وَهَذَا إنْ لَمْ تَخْرُجْ لِظُلْمِ حَقِّهَا، وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَسْتَحْسِنُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُقَالَ لَهَا: إمَّا أَنْ تَرْجِعِي إلَى بَيْتِك، وَتُحَاكِمِي زَوْجَك، وَتُنْصِفِيهِ، وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَك لِتَعَذُّرِ الْأَحْكَامِ، وَالْإِنْصَافِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ خَرَجَتْ لِمَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ مَعْلُومٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا

وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ، وَهَذَا فِي بَلَدٍ لَا حُكْمَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ فِيهِ الْحُكْمُ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَرْفَعْهَا فَقَدْ رَضِيَ، وَالنُّشُوزُ أَنْ تَخْرُجَ لِأَوْلِيَائِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ تَمْنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُخَيَّرَةٍ تَخْيِيرًا مُطْلَقًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ فَاعْتَقَدَ زَوْجُهَا أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَسُئِلَ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقَدْ بَطَلَ التَّخْيِيرُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ الْخَرَشِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ تَخْيِيرًا مُطْلَقًا أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَدٍ فَأَوْقَعَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ خِيَارَهَا يَبْطُلُ، وَيَصِيرُ الزَّوْجُ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَ تَخْيِيرِهِ لَهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَدَلَتْ عَمَّا جَعَلَهُ الشَّارِعُ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا حِينَ تَشَاجُرِهِمَا أَعْطِنِي كَلِمَتِي فَقَالَ: لَهَا كَلِمَتُك مَعَك فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ أَنَا طَالِقٌ أَنَا طَالِقٌ فَوْرًا فَهَلْ يَكُونُ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ تَأْكِيدًا أَوْ تَأْسِيسًا، وَهَلْ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ تَأْسِيسٌ إنْ لَمْ تَنْوِ التَّأْكِيدَ فَإِنْ كَانَتْ نَوَتْهُ فَهُمَا تَأْكِيدٌ، وَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ إنْ كَانَ نَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ كَلِمَتُك مَعَك، وَبَادَرَ لِلْمُنَاكِرَةِ عِنْدَ سَمَاعِهِ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَحَلَفَ عَلَى تِلْكَ النِّيَّةِ، وَإِنْ عَدَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الْعِصْمَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ هَلْ مُرَادُهُمْ الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ، وَخَارِجِهِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ قُوَّةُ الْخِلَافِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ مُرَادُهُمْ الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ، وَخَارِجِهِ، وَيُشْتَرَطُ قُوَّةُ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ ابْنُ عَرَفَةَ سُئِلَتْ بِمَا حَاصِلُهُ اسْتِنَادُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَى رَعْيِ الْخِلَافِ، وَجَعْلِهِ قَاعِدَةً مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مُشْكِلٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: إنْ كَانَ حَجَّةً عَمَّ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَلَزِمَ ضَبْطُ تَخْصِيصِهِ بِمَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ. الثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَا دَلِيلُهُ شَرْعًا، وَعَلَى أَيِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْأُصُولِ يَنْبَنِي فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوهُ مِنْهَا. الثَّالِثُ: الْوَاجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعُ دَلِيلِهِ إنْ اتَّحَدَ أَوْ رَاجِحُهُ إنْ تَعَدَّدَ، وَقَوْلُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ إعْمَالٌ لِدَلِيلِ غَيْرِهِ دُونَ دَلِيلِهِ فَأَجَبْت بِقَوْلِي تَصَوُّرُ رَعْيِ الْخِلَافِ سَابِقٌ عَلَى مُطْلَقِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَرَعْيُ الْخِلَافِ عِبَارَةٌ عَنْ إعْمَالِ دَلِيلِ الْخَصْمِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ الَّذِي أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ كَإِعْمَالِ مَالِكٍ دَلِيلَ خَصْمِهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِ الشِّغَارِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ، وَمَدْلُولُهُ عَدَمُ فَسْخِهِ، وَلَازِمُهُ ثُبُوتُ الْإِرْثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ، وَهَذَا الْمَدْلُولُ أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ، وَهُوَ الْفَسْخُ دَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ فَسْخُهُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنْ نَقُولَ هُوَ حُجَّةٌ فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ، وَضَابِطُهُ رُجْحَانُ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ عَلَى دَلِيلِهِ فِي لَازِمِ مَقُولِ الْمُخَالِفِ كَرُجْحَانِ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ فِي ثُبُوتِ الْإِرْثِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى دَلِيلِ ذَلِكَ فِي لَازِمِ مَدْلُولِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ نَفْيُ الْإِرْثِ، وَثُبُوتُ الرُّجْحَانِ، وَنَفْيُهُ بِحَسَبِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا دَلِيلُهُ شَرْعًا فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ:

هل العدة تنقضي بمعاشرة الأزواج انقضاء كليا

وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ، وَهُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ فَلَا نُطِيلُ بِهِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي عَنْهُ يَا سَوْدَةُ» ، وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَاضِحَةٌ عِنْدِي بَعْدَ تَأَمُّلِ مَا قُلْنَاهُ، وَفَهْمِ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ إعْمَالٌ لِدَلِيلِهِ مِنْ وَجْهٍ هُوَ فِيهِ أَرْجَحُ، وَلِدَلِيلِ غَيْرِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَرْجَحُ عِنْدَهُ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ، وَحَسْبَمَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ فِيهِ أَرْجَحُ لَيْسَ إعْمَالًا لِأَحَدِهِمَا، وَتَرْكًا لِلْآخَرِ بَلْ هُوَ إعْمَالٌ لَهُمَا مَعًا حَسْبَمَا قَرَّرْنَاهُ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَلِّدِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَحَيَّرَ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [هَلْ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِمُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ انْقِضَاءً كُلِّيًّا] (مَا قَوْلُكُمْ) هَلْ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِمُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ انْقِضَاءً كُلِّيًّا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ، وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، وَأَرْدَفَ عَلَيْهَا طَلَاقًا فَلَا يَلْحَقُ أَوْ تَنْقَضِي فِي مَسَائِلَ مَخْصُوصَةٍ فَمَا هِيَ، وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا عِنْدَنَا رَجْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِنَا، وَعَاشَرَهَا بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ حَتَّى تَمَّتْ الْعِدَّةُ، وَأَرْدَفَهَا طَلَاقًا فَهَلْ يَلْحَقُهَا مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْغَيْرِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ قُوَّةُ الْخِلَافِ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا الِاطِّلَاعُ عَلَى الْخِلَافِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا الِاطِّلَاعُ عَلَى قُوَّتِهِ، وَهَلْ لَا يَسُوغُ لَنَا الْقُدُومُ عَلَى حُكْمٍ فِي مَذْهَبِنَا حَتَّى نَعْرِفَ أَنَّهُ خِلَافِيٌّ أَوْ وِفَاقِيٌّ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مُعَاشَرَةُ الْأَزْوَاجِ عِبَارَةٌ عَنْ الِاخْتِلَاءِ، وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَا يُعَدُّ رَجْعَةً عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ نِيَّتِهَا، وَتَنْقَضِي مَعَهُ الْعِدَّةُ، وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ، وَلَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَهُوَ مُعَاشِرٌ لَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاللَّيْثِ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ عَنْ النِّيَّةِ رَجْعَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو عِمْرَانَ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ مَعَ التَّصْحِيحِ فَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا، وَعَاشَرَهَا كَذَلِكَ بِلَا رَجْعَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ مُرَاعَاةً لِكَوْنِ الْمُعَاشَرَةِ كَذَلِكَ رَجْعَةً عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا عِنْدَنَا رَجْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِنَا، وَعَاشَرَهَا كَذَلِكَ بِلَا مُرَاجَعَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ كَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ قُوَّةُ دَلِيلِ مُخَالِفِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلَازِمِ مَدْلُولِهِ الَّذِي أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلًا آخَرَ لِقُوَّتِهِ عِنْدَهُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَيَعْمَلُ دَلِيلُ مُخَالِفِهِ فِي ذَلِكَ اللَّازِمِ فَلَا حِيرَةَ، وَلَا إشْكَالَ إلَّا عَلَى مَنْ جَهِلَ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَغَلِطَ فِي نَفْسِهِ ظَانًّا أَنَّهُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الْخِلَافَ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: هَلْ لَا يَسُوغُ لَنَا الْقُدُومُ إلَخْ إذْ يَجِبُ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِرَاجِحِ أَوْ مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ دَلِيلَهُ، وَلَا قُوَّتَهُ، وَلَا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا مَا دُمْنَا فِي رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ، وَنَظَرْنَا فِي الْأَدِلَّةِ، وَالِاتِّفَاقِ، وَالِاخْتِلَافِ فُضُولٌ إذْ وَظِيفَتُنَا مَحْضُ التَّقْلِيدِ، وَاتِّبَاعُ الرَّاجِحِ أَوْ الْمَشْهُورِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ الْبَاقِي مَازِجًا لِكَلَامِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى وَطْئِهَا بِلَا نِيَّةِ رَجْعَةٍ، وَمِثْلُهُ إذَا اكْتَفَى بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِمْرَارِ إنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِيهَا بِالثَّلَاثِ أَوْ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ بِصِحَّةِ رَجَعْتِهِ فَهُوَ كَمُطَلِّقٍ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَلْحَقُهَا إذْ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ

إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَإِنْ أَسَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ لَحِقَهَا اتِّفَاقًا قَالَهُ الْوَنْشَرِيسِيُّ: وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّلَذُّذَ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ بِلَا نِيَّةٍ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَلَاقَهُ اللَّاحِقَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يُكْمِلْ الثَّلَاثَ رَجْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَتَاتٍ، وَلَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَلَا بِلَفْظِ الْخُلْعُ، وَلَا فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَمَا كَانَ خَارِجًا عَمَّا ذَكَرَ رَجْعِيٌّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بَائِنٌ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِلْوَنْشَرِيسِيِّ، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ رَجْعِيًّا لُحُوقُ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الرَّجْعَةُ مَعَ جَعْلِ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ طَلَاقٌ بَعْدَهَا فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَا كِسْوَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِصَيْرُورَتِهِ بَائِنًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا، وَالنَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَانْظُرْ هَلْ تَأْتَنِفُ لِهَذَا الطَّلَاقِ عِدَّةٌ أَوْ تَكْتَفِي بِالْأُولَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ كَطَلَاقٍ وَقَعَ بَعْدَ رَجْعَةٍ، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ: لَنَا طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ لَحِقَ مُطَلَّقَةً رَجْعِيَّةً، وَائْتَنَفَتْ لَهُ عِدَّةٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي فِي تَدَاخُلِ الْعَدَدِ، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ لُوحِظَ فِيهِ كَوْنُهُ بَائِنًا تَارَةً، وَرَجْعِيًّا أُخْرَى، ثُمَّ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ اللَّاحِقِ لَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسَخَ نِكَاحَهُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ لَا يُرَاعَى مَرَّتَيْنِ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مُخْتَلَفٍ فِي فَسَادِهِ، وَقَدْ شَبَّهُوا مَا هُنَا بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بَائِنٌ إلَخْ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَائِلَ بِلُحُوقِ هَذَا أَبُو عِمْرَانَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ إلَّا بَائِنًا. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَلَزِمَ إقْرَارُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُهَا فَهُوَ بَائِنٌ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمُرَاعَاةِ مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ إنَّمَا هِيَ فِي مُجَرَّدِ لُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي عِدَّةٍ صَوَابُهُ كَطَلَاقٍ وَقَعَ بِكَافِ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ابْنُ عَرَفَةَ أَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَتَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا غَيْرَ مُرِيدٍ الرَّجْعَةَ، ثُمَّ حَنِثَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاللَّيْثِ قَالَ: وَعَلَى إلْغَاءِ وَطْئِهِ دُونَ نِيَّةٍ رَوَى مُحَمَّدٌ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْقَوْلِ، وَالْإِشْهَادِ، وَلَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا، وَبَنَى بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَفِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْأَبَدِ قَوْلَانِ عَلَى كَوْنِ تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ بِمُجَرَّدِ تَعْجِيلِ النِّكَاحِ أَوْ بِهِ مَعَ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بِأَنَّهُ لَا عَيْشَ فِي بَيْتِهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا عَيْشَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ لَهُ عَيْشًا مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَاشَرَهَا بِلَا رَجْعَةٍ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ إذْ الطَّلَاقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْعَيْشِ وَقَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ ذَلِكَ لَغْوٌ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ مَا يُوجِبُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ فِي زَوْجَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا بِلَا خُلْعٍ، وَلَا حُكْمٍ، وَهَذَا إنْ وَطِئَهَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْحَقُهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشَرْحِهِ لِعَبْدِ الْبَاقِي، وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى وَطْئِهَا بِلَا نِيَّةِ رَجْعَةٍ، وَمِثْلُهُ إذَا اكْتَفَى بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِمْرَارِ إنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِيهَا بِالثَّلَاثِ أَوْ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنْ تَلَذَّذَ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ بِلَا نِيَّةٍ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ رَجْعِيًّا فِي عِدَّتِهَا إنْ كُنْت عَلَى ذِمَّتِي فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ؛ إذْ الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ لَكِنْ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَالدُّخُولُ عَلَيْهَا، وَالْأَكْلُ مَعَهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَسَبَقَ فِي هَذِهِ النَّوَازِلِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَطَعَ الْعِصْمَةَ، وَأَخْرَجَ الْمَرْأَةَ عَنْ كَوْنِهَا عَلَى ذِمَّتِهِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ مَا هُنَا أَحْوَطُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْعِدَّةِ هَلْ تَنْقَضِي مَعَ الْمُعَاشَرَةِ، وَإِذَا قُلْتُمْ لَا تَنْقَضِي مَعَهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ، وَانْقَضَتْ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ بِظَاهِرِهِ يُفِيدُ الِانْقِضَاءَ مَعَ الْمُعَاشَرَةِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتَرَتُّبِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ بِأَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ بَلْ كَانَ لُحُوقُهُ مُطْلَقًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْعِدَّةُ لَهَا أَحْكَامٌ مِنْهَا مَنْعُ النِّكَاحِ، وَمِنْهَا لُحُوقُ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ مِنْ رَجْعِيٍّ، وَالْمُعَاشَرَةُ تَهْدِمُهَا، وَتَنُوبُ عَنْهَا فِي مَنْعِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمُعَاشَرَةِ لِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ فَإِذَا طَلَّقَهَا، وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَطْئًا حَرَامًا، وَتَمَّتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَحَدِهِمَا فَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى يَتِمَّ الِاسْتِبْرَاءُ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُنَا بِقَوْلِنَا: لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ مَعَ الْمُعَاشَرَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنْ طَرَأَ عِدَّةٌ أَوْ اسْتِبْرَاءٌ عَلَى مِثْلِهِ انْهَدَمَ الْأَوَّلُ، وَائْتَنَفَتْ لِلثَّانِي، ثُمَّ قَالَ: وَكَمُعْتَدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ وُطِئَتْ فَاسِدًا، وَهَلْ الْمُعَاشَرَةُ تَهْدِمُهَا، وَتَنُوبُ عَنْهَا فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ أَيْضًا أَوْ لَا؟ خِلَافٌ مَشْهُورُهُ الثَّانِي وَعَلَيْهِ إذَا تَمَّتْ الْعِدَّةُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَاسْتَمَرَّتْ الْمُعَاشَرَةُ أَوْ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَأَنْشَأَ طَلَاقًا أَوْ حَنِثَ بِهِ فَهَلْ يَلْحَقُهُ مُرَاعَاةً لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا قَوْلَانِ. فَمَعْنَى قَوْلِنَا لَا تَنْقَضِي مَعَ الْمُعَاشَرَةِ لَا يَزُولُ حُكْمُهَا، وَهُوَ مَنْعُ النِّكَاحِ بِفَرَاغِهَا حِسًّا مَعَ الْمُعَاشَرَةِ لِخَلْفِ الْمُعَاشَرَةِ عَنْهَا فِيهِ إذْ فَرَاغُهَا حِسًّا لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ، وَوُقُوعِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَانْقَضَتْ أَيْ فَرَغَتْ، وَتَمَّتْ حِسًّا بِتَمَامِ الْأَشْهُرِ أَوْ الْأَقْرَاءِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ انْقَضَتْ حُكْمًا بِحِلِّ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ فِي التَّدَاخُلِ إنْ طَرَأَ مُوجِبٌ عَلَى آخَرَ انْهَدَمَ الْأَوَّلُ، وَائْتَنَفَتْ لِلثَّانِي كَمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وُطِئَتْ فَاسِدًا فَلَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا قَبْلَهُ، وَتَمَّتْ عِدَّتُهُ قَبْلَ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِذَلِكَ فَهَلْ لَا يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَ مُعَاشِرًا لَهَا أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَ مُعَاشِرًا لَهَا أَمْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ ثَبَتَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَدَعْوَاهُ شَيْئًا خِلَافَ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ عَدَمَ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ لَا تَنْفَعُهُ، وَلَا يُعْمَلُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى، وَأَجَابَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا أَيْضًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إنْ اشْتَرَيْت كَذَا تَكُونِي خَالِصَةً فَوَكَّلَتْ

مَنْ اشْتَرَاهُ لَهَا فَمَا حُكْمُ هَذَا الطَّلَاقِ، وَمَاذَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حُكْمُ هَذَا الطَّلَاقِ اللُّزُومُ لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَبِتَوْكِيلِهِ فِي لَا يَفْعَلُهُ، ثُمَّ إنْ جَرَى الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ خَالِصَةٍ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ نَوَاهُ الْحَالِفُ بِهَا فَاللَّازِمُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ انْتَفَيَا فَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ أَنَّ اللَّازِمَ بِهَا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ فَتَحِلُّ لَهُ بِعَقْدٍ بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يَتِمُّ ثَلَاثًا بِهَذَا، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ فَلَمْ يَقَعْ لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مَجْمُوعِ شَيْئَيْنِ لَمْ يَحْصُلْ أَحَدُهُمَا الشِّرَاءُ، وَعَدَمُ كَوْنِهَا خَالِصَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ خَالِصَةً بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَهَذَا مِنْ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت إنْ دَخَلْت فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِهِمَا. قَالَ: الْأُجْهُورِيُّ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَفَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ تَعْلِيقٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ كَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ لِزَيْدٍ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِهَا مَعَ كَوْنِهَا لِزَيْدٍ، وَلَوْ عَلَى التَّحْنِيثِ بِالْأَقَلِّ اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ اخْتِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي إيلَائِهَا، وَفِي كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى التَّعْلِيقِ حَلِفًا عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ إنْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَيْنَ حِنْثِ الْيَمِينِ، وَحِنْثِ التَّعْلِيقِ أَوْ تَأْكِيدًا لِلتَّعْلِيقِ فَيُتَنَجَّزُ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حِنْثُ التَّعْلِيقِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَقَلِّهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنْ شَارَرْت أُمِّي، وَخَرَجْت مِنْ الدَّارِ إنْ خَرَجْت إلَّا كَخُرُوجِهَا فَشَارَرَتْهَا، وَخَرَجَتْ الْأُمُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِهَذَا أَفْتَى أَصْحَابُنَا، وَخَالَفَهُمْ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدِينَ، وَرَأَى أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَضَى بِهِ عَلَى الْحَالِفِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَفْتَى بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي نَازِلَةٍ كَثِيرَةِ الْوُقُوعِ، وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: بِاَللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا إنْ كُنْت لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ عَلَى الْمَشْيِ إنْ فَعَلْت كَذَا إنْ كُنْت لِي بِامْرَأَةٍ أَنَّ الطَّلَاقَ لَزِمَ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت لِي بِامْرَأَةٍ، وَلَا يَرَاهُمَا عَقْدَ يَمِينٍ قَائِلًا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ يَصِحُّ فِيهَا الْبِرُّ، وَالْحِنْثُ، وَمَعْنَاهَا، وَاَللَّهِ أَوْ عَلَى الْمَشْيِ إنْ فَعَلْت كَذَا لَأُطَلِّقَنَّكِ طَلَاقًا لَا تَكُونِينَ بِهِ امْرَأَةً فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ يُبَارِئَهَا بِطَلْقَةٍ تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا، وَتَرْتِيبُهُ عَلَى مُقَدَّرٍ بِإِنْ، وَنَحْوُهَا ظَاهِرٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَا فِي بَتِّهِ، وَلَا مُحْتَمَلَ لَهُمَا خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ اهـ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى التَّعْلِيقِ إذَا كَانَ حَلِفًا عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَانَ مِنْ أَفْرَادِ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ؛ إذْ هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ تَحَقُّقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ فَمَعْنَى عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إنْ اشْتَرَيْت كَذَا تَكُونِي خَالِصَةً إنْ اشْتَرَيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَكُونِي خَالِصَةً فَلَا يَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا بِالشِّرَاءِ مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ خَالِصَةٍ فَفَتْوَانَا، وَفَتْوَى الْأُجْهُورِيِّ ظَاهِرَةٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَيْضًا، وَلَا خَفَاءَ فِي ظُهُورِهِمَا عَلَى قَوْلِ الْأَقَلِّ إنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلتَّعْلِيقِ. فَإِنْ قُلْت: الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ تَأْكِيدٌ لَهُ فَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. قُلْت: بَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ إذْ الْحَلِفُ أَخَصُّ مِنْ التَّوْكِيدِ فَمَعْنَى قَوْلِ الْأَقَلِّ: إنَّهُ تَوْكِيدٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْحَلِفِ أَيْ: الْغَرَضُ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّوْكِيدِ لَا الْحَلِفُ، وَالتَّعْلِيقُ الْمُعَرِّضُ لِلْحِنْثِ، وَالْبِرِّ فَهُوَ كَالتَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ حِنْثِ الْيَمِينِ، وَحِنْثِ التَّعْلِيقِ إنْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَحَلَّهُ إنْ عَلَّقَ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ: عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَوْ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ الْكَفَّارَةُ إنْ فَعَلْت كَذَا لَأُطَلِّقَنَّكِ

أَمَّا إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ حَالِفًا عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَتَّى تَخْيِيرُهُ بَيْنَهُمَا إنْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إذْ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِهِ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ، وَبَرَّ فِي حَلِفِهِ فَلَا يَتَأَتَّى حِنْثُهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي كَافِلِ بِنْتِ أُخْتِهِ الْيَتِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ، زَوَّجَهَا لِخَوْفِ فَسَادِهَا، ثُمَّ أَبْرَأَ زَوْجَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ مِنْ مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا لِيُطَلِّقَهَا لِمُخَالَفَةٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ طَلَاقِهَا عَلَى ذَلِكَ طَلَبَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْمُؤَخَّرِ فَاتَّفَقَ الْمُفْتُونَ عَلَى غُرْمِهِ لَهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوعِهِ بِهِ عَلَى الْكَافِلِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَجَازَ مِنْ الْأَبِ عَنْ الْمُجْبَرَةِ فَهُوَ كَمَنْ خَالَعَ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ مَعَ عِلْمِهِ بِغَصْبِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: إنَّ عَقَدَ الْخُلْعَ عَلَى الْبِنْتِ أَوْ غَيْرِهَا وَلِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجِهَا، وَالطَّلَاقُ مَاضٍ، وَهَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي عَقَدَ مَعَهُ الْخُلْعَ إذَا لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ فِي صُلْحِ الْمُدَوَّنَةِ. ، وَالثَّانِي لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهُ الضَّمَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا أَيْضًا، وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي إرْخَاءِ سُتُورِهَا. ، وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ ابْنًا أَوْ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ قَرِيبًا لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ اهـ. قَالَ الْبَعْضُ الْأَوَّلُ: كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ مُجْمَلٌ فِي غَايَةِ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَبَ، وَالْوَصِيَّ الْمُجْبَرَ يَضْمَنَانِ إنْ خَالَعَا مَعَهُ عَنْ الْمُجْبَرَةِ فَبَيِّنُوا لَنَا الْحُكْمَ بَيَانًا شَافِيًا، وَفَصِّلُوا لَنَا كَلَامَ ابْنِ سَلْمُونٍ تَفْصِيلًا يُزِيلُ إشْكَالَهُ، وَأَيِّدُوهُ بِالنُّقُولِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَصُّ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ عَقَدَ الْخُلْعَ عَلَى الْيَتِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجِهَا، وَالطَّلَاقُ مَاضٍ، وَهَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي عَقَدَ مَعَهُ الْخُلْعَ إذَا لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهُ الضَّمَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَاب إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ أَخًا أَوْ مَنْ لَهُ قَرَابَةٌ لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ هَلْ مُرَادُهُ بِهِ غَيْرُ الْمُجْبَرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُمْضِيَ الْخُلْعَ فِيهَا دُونَ إذْنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي وِلَايَتِهِ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ فِي النِّكَاحِ كَالسَّيِّدِ فِي الْأَمَةِ، وَغَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ الْإِسْقَاطُ لِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَصِيِّ الْأَبِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ إجَازَةَ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْوَصِيِّ فِعْلُهُ فِي الْبِكْرِ، وَالْمَعْمُولُ بِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً دُونَ بُلُوغٍ زَوَّجَهَا أَبُوهَا، ثُمَّ مَاتَ، وَقَدْ أَوْصَى بِهَا فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهَا، وَإِنْ أَمْضَى ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَلَا يَسُوغُ لِوَصِيِّهَا فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَالْبِكْرِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ نَظَرًا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَحَاصِلُ

مَا أَفَادَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ أَنَّ خُلْعَ الْمُجْبِرِ مَاضٍ لَازِمٌ لِلزَّوْجَةِ فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ بِالْمُخَالَعِ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا عَلَى الْمُجْبِرِ، وَخُلْعُ غَيْرِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ لَازِمٍ لَهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ بِالْمُخَالَعِ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي رُجُوعِ الزَّوْجِ بِمَا غَرِمَهُ لَهَا عَلَى مَنْ عَقَدَ الْخُلْعَ مَعَهُ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ، وَعَاقِدُ الْخُلْعِ فِي النَّازِلَةِ لَيْسَ مُجْبَرًا فَخُلْعُهُ لَيْسَ لَازِمًا لِلزَّوْجَةِ فَلَهَا الرُّجُوعُ بِالْمُخَالَعِ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ رَجَعَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَفِي رُجُوعُهُ عَلَى الْكَافِلِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ. وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ: وَفِيهَا لِلْأَبِ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِإِسْقَاطِ كُلِّ الْمَهْرِ، وَإِنْ خَالَعَ بِهِ عَنْهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ قَبْلَ بُلُوغِهَا جَازَ عَلَيْهَا كَالْبِكْرِ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا تَأَيَّمَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ بَلَغَتْ فَقِيلَ: يَجْبُرُهَا عَلَى النِّكَاحِ فَعَلَيْهِ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهَا، وَقِيلَ: لَا يَجْبُرُهَا فَلَا يُخَالِعُ عَنْهَا، وَفِي خُلْعِ الْوَصِيِّ عَنْ يَتِيمَتِهِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا قَبْلَ إيصَائِهِ إلَيْهِ لِرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ إجَازَةَ مَالِكٍ ذَلِكَ إذَا كَانَ نَظَرًا مَعَ قَوْلِ أَصْبَغَ إنْ خَالَعَ عَمَّنْ فِي وِلَايَتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِفَسَادٍ وَقَعَ أَوْ ضَرَرٍ، وَلِرِوَايَتِهَا وَلِعِيسَى عَنْ رُجُوعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى جَوَازِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ، وَالسُّلْطَانِ عَلَى الصَّغِيرَةِ إنْ كَانَ حَسَنَ نَظَرٍ، وَهُوَ أَحْسَنُ، وَعَلَى الثَّانِي الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَالْمُتَيْطِيُّ: لِلْمَحْجُورَةِ أَنْ تُخَالِعَ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ وَصِيِّهَا، وَيَقُولُ بَعْدَ إذْنِهِ لِمَا رَآهُ مِنْ الْغِبْطَةِ. وَفِي اخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ قَالَ فَضْلٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ مُبَارَأَةُ الْوَصِيِّ عَنْ الْبِكْرِ بِرِضَاهَا. قُلْت فَالْأَرْجَحُ عَقْدُهُ عَلَى الْوَصِيِّ بِرِضَاهَا لَا عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ خِلَافَ قَصْرِهِ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْمُوَثِّقِينَ، وَأَظُنُّهُ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ لَوْ بَارَأَ غَيْرُ الْأَبِ عَنْ الْبِكْرِ قَالَ فِي اخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ: الطَّلَاقُ نَافِذٌ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا يَرُدُّهُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى مَنْ بَارَأَهُ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ضَمَانَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَلِّي، وَضْعَهُ عَنْهُ، وَفِي خُلْعِ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الثَّيِّبِ فِي حِجْرِهِ كَالْبِكْرِ، وَوَقْفِهِ عَلَى إذْنِهِ اخْتِيَارُ الْمُتَيْطِيِّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ زَمَنِينَ قَائِلًا عَلَيْهِ جَرَتْ عَادَةُ فُتْيَا شُيُوخِنَا، وَفُقَهَائِنَا، وَاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ، وَقَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُوَثِّقِينَ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ، وَلَا وَصِيٌّ مِنْ قِبَلِ أَبٍ أَوْ سُلْطَانٍ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَ مَا صَالَحَتْهُ بِهِ صُلْحُ مِثْلِهَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَحْنُونَ، وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدُونٍ فِي شَرْحِهِ لِرِزْمَةِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا اشْتَرَطَ فِي هَذِهِ الْيَتِيمَةِ الَّتِي لَا، وَصِيَّ لَهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْخُلْعُ عَلَى مَا وَقَعَ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ فَإِنَّ شَرْطُهُ يَنْفَعُهُ فَمَتَى طَلَبَتْ مَا أَخَذَ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ كَمَا كَانَتْ اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ إنْ صَالَحَتْ الصَّبِيَّةُ الَّتِي تُوطَأُ، وَلَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ بِمَالٍ دَفَعَتْهُ لِلزَّوْجِ جَازَ، وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَكَانَ لَهُ مَا أَعْطَتْهُ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَهُ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ، وَزَادَ إنْ أَعْطَتْهُ مَالًا يُخْتَلَعُ بِهِ مِثْلُهَا رُدَّ جَمِيعُهُ، وَنَفَذَ طَلَاقُهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ مُحَمَّدٍ مَعْرُوفُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا رَدُّ الْمَالَ، وَإِمْضَاءُ الْخُلْعِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَ مَا خَالَعَتْ بِهِ لَيْسَ خُلْعَ مِثْلِهَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي خُلْعِ مِثْلِهَا فَالْقَوْلُ بِنُفُوذِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ نَظَرٍ لَوْ ادَّعَى لَهُ الْوَصِيُّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ، وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَقِبَهَا قَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَرِهَتْ الْيَتِيمَةُ الْبَالِغَةُ زَوْجَهَا فَافْتَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ

نوى طلاق زوجته ثلاثا ولم يتلفظ بصيغته

الْبِنَاءِ بِمَا أَخَذَ مِنْهَا أَوْ حَطَّتْهُ عَنْهُ جَازَ، وَلَزِمَهَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْلُومُ قَوْلِ سَحْنُونَ أَنَّ الْبِكْرَ الَّتِي لَمْ يُوَلَّ عَلَيْهَا بِأَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَفْعَالُهَا جَائِزَةٌ إنْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ، وَقَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ثَانِي نِكَاحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَاهُ زِيَادٌ. قُلْت: زَادَ الصَّقَلِّيُّ قَالَ: فِي كِتَابِ ابْنِهِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ أُعَنِّفْهُ أَصْبَغُ لَا يَجُوزُ مَا بَارَأَتْ بِهِ الصَّغِيرَةُ أَوْ السَّفِيهَةُ، وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَمْضِي الطَّلَاقُ، وَيُرَدُّ مَا أَخَذَهُ الزَّوْجُ، وَلَوْ أَخَذَ حَمِيلًا بِمَا يُدْرِكُهُ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي بَارَأَتْ بِهِ غَرِمَهُ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْحَمِيلِ. قُلْت قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ إنْ أَخَذَ حَمِيلًا بِمَا الْتَزَمَتْهُ لَهُ أَوْ أَسْقَطَتْهُ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهَا فِي وِلَايَةٍ رَجَعَ الزَّوْجُ بِمَا يَغْرَمُهُ عَلَى الْحَمِيلِ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ سَفَهَهَا رَجَعَ عَلَى الْحَمِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيمَا لَوْ شَاءَ كَشَفَهُ، وَإِنْ عَلِمَ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ عَقَدَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَضَمِنَ لِلزَّوْجِ، وَلِيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَرَكٍ فِي الْخُلْعِ، ثُمَّ ظَهَرَ مَا يُسْقِطُ الْتِزَامَهَا مِنْ ثُبُوتِ ضَرَرٍ أَوْ عَدَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّامِنَ يَغْرَمُ لِلزَّوْجِ مَا الْتَزَمَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فِي وِلَايَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا دُونَ بُلُوغٍ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَخُلْعُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرٍ إذْنِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، وَيَلْزَمُهُ إذَا أَوْقَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ خُلْعُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ لَهُ دُونَ أَمْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّغِيرِ، وَلَا خُلْعُهُ، وَلَا طَلَاقُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إلَّا بِشَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ لَهُ بِلَا اخْتِلَافٍ اهـ. [نَوَى طَلَاقَ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِصِيغَتِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ نَوَى طَلَاقَ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِصِيغَتِهِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ مُجَرَّدَ الْقَصْدِ، وَالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِ إجْرَاءِ صِيغَةِ الطَّلَاقِ عَلَى الْقَلْبِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إجْمَاعًا،،، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا حَدِيثَ النَّفْسِ، وَالتَّكَلُّمَ بِصِيغَتِهِ بِكَلَامِ النَّفْسِ، وَإِجْرَاءَهَا عَلَى الْقَلْبِ فَفِي وُقُوعِهِ خِلَافٌ الرَّاجِحُ عَدَمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [نُهِيَ عَنْ شُرْبِ الدُّخَانِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يَشْرَبُهُ ثُمَّ شَرِبَ التُّنْبَاكَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ نُهِيَ عَنْ شُرْبِ الدُّخَانِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يَشْرَبُهُ، ثُمَّ شَرِبَ التُّنْبَاكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى حِينَ الْحَلِفِ الدُّخَانَ الَّذِي يُشْرَبُ فِي الْعُودِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدُّخَانِ يُطَلَّقُ عَلَى التُّنْبَاكَ أَيْضًا عُرْفًا مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهِ ضَرَرًا، وَتَأْثِيرًا، وَالنَّهْيُ تَنَاوَلَهُ أَيْضًا فَنِيَّةُ إخْرَاجِهِ بَعِيدَةٌ، وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا فِي الْفَتْوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ عَزَمَ عَلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا عَلَى عَدَمِ إسْقَاطِ وَلِيِّهَا بَعْضَ صَدَاقِهَا فَقَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فَوَضَعَ وَالِدُهُ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، وَمَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْكَلَامِ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءُ مِنْ مَهْرِهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا أَجَابَ بِهِ إمَامُنَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، وَسَكَتَ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى

قال لزوجته إن لم تذهبي إلى بيتي في هذه الليلة فأنت طالق

اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى أُمِّهِ فَقِيلَ: لَهُ خَالِعِ زَوْجَتَك تَنْحَلَّ يَمِينُك عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ: إنْ خَالَعْتُهَا لِهَذَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ خَالَعَهَا لِذَلِكَ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الَّذِي عَلَّقَهُ عَلَى الْخُلْعِ إذْ الْمُعَلَّقُ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ يَقَعَانِ مَعًا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْخُلْعِ فِي مَسَائِلَ رَدِّ الْمَالِ الْمُخَالَعِ بِهِ لِلزَّوْجَةِ، وَبَيْنُونَتِهَا: أَوْ قَالَ: إنْ خَالَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا الْخَرَشِيُّ يَعْنِي مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرَدُّ فِيهَا الْمَالُ لِلزَّوْجَةِ إذَا قَالَ لَهَا: إنْ خَالَعْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ مِنْهَا فَيَرُدُّهُ لَهَا لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا عَلَى خُلْعِهَا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَقَعْ الْخُلْعُ قَبْلَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ الْمَالُ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ قَبْلَ حُلُولِهِ طَلَّقَهَا بِقَصْدِ تَنْجِيزِ الْمُعَلَّقِ، ثُمَّ حَلَّ الْوَقْتُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَهَلْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ، وَيَقَعُ الْمُنْجَزُ فَقَطْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ جَاءَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُرَادَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعِيشَانِ إلَيْهِ عَادَةً فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الَّذِي عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِإِيقَاعِهِ بَعْدَهُ لَا قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَتَى ذَلِكَ فَأَنَا أُطَلِّقُك، وَطَلَّقَهَا قَبْلَهُ إلَى آخِرِ مَا فِي السُّؤَالِ كَفَى الطَّلَاقُ الَّذِي عَجَّلَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ فَلَا يُطْلَبُ بِتَطْلِيقٍ آخَرَ فَفِي الْمُخْتَصَرِ عَطْفًا عَلَى مَا يُنْجَزُ فِيهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ أَوْ مُسْتَقْبِلٌ مُحَقَّقٌ، وَيُشْبِهُ بُلُوغَهُمَا عَادَةً كَبَعْدِ سَنَةٍ أَوْ يَوْمِ مَوْتِي، ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْت طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ، وَإِلَّا قِيلَ لَهُ إمَّا عَجَّلْتهَا، وَإِلَّا بَانَتْ الْخَرَشِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ عَجَّلَ الطَّلْقَةَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَ الشَّهْرِ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ قَبْلَ الشَّهْرِ لَا يَضُرُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَذْهَبِي إلَى بَيْتِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَنْت طَالِقٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تَذْهَبِي إلَى بَيْتِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَنْت طَالِقٌ، وَانْصَرَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: أَنْت مُرَادُك وُقُوعُ الطَّلَاقِ رُوحِي طَالِقْ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ مَضَتْ اللَّيْلَةُ، وَلَمْ تَذْهَبْ إلَى بَيْتِهِ فِيهَا فَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَوْقَعَهُ، وَمَا عَلَّقَهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يَقَعُ إلَّا مَعَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ: لِزَوْجَتِهِ رُوحِي طَالِقًا بِالثَّلَاثِ أَوْ تَرُوحِي طَالِقًا بِالثَّلَاثِ فَهَلْ فِيهِ قَوْلٌ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ ضَعِيفًا.

فَأَجَابَ شَيْخَانِ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُقِيمِينَ بِالْجَامِعِ الْأَحْمَدِيِّ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالْبَحْثِ فِي كُتُبُ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا وُجِدَ نَصٌّ عَنْ الدُّلَجِيِّ وَالْمَحَلِّيِّ، وَهُوَ إنْ قَالَ لَهَا: رُوحِي طَالِقًا ثَلَاثًا كَانَ كِنَايَةً لَا وُقُوعَ بِهِ إلَّا بِالْقَصْدِ الْقَلْبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَالْمُشَاجَرَةِ، وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ بِتَصْحِيحِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الْإِيقَاعِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ فَلَوْ عَزَبَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَعَلَيْهِ لَا وُقُوعَ بِكِنَايَةٍ عَلَى الْعَوَامّ أَصْلًا لِعُسْرِ مُرَاقَبَتِهِمْ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: الْمَذْكُورُ قَبْلَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ الْحَلَبِيِّ وَالرَّمْلِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ، وَالْكِنَايَةُ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَوَّلِ اللَّفْظِ وَإِنْ عَزَبْت عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ بِاخْتِصَارٍ فَمِنْ كَوْنِ رُوحِي طَالِقًا ثَلَاثًا كِنَايَةً، وَمِنْ تَصْرِيحِ الْمِنْهَاجِ بِتَصْحِيحِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الْإِيقَاعِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ الْمُسْتَلْزِمِ ذَلِكَ عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى الْعَوَامّ بِكِنَايَةٍ أَصْلًا لِعُسْرِ مُرَاقَبَتِهِمْ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: يُعْلَمُ أَنَّ فِيهَا قَوْلًا ضَعِيفًا بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْعَامِّيِّ بِقَوْلِهِ: رُوحِي طَالِقًا ثَلَاثًا مَعَ قَصْدِ الْإِيقَاعِ لِعَدَمِ اسْتِصْحَابِ الْقَصْدِ مِنْهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ، وَمِثْلُهُ تَرُوحِي طَالِقًا بِالثَّلَاثِ وَلَكِنْ يُسْأَلُ الْعَامِّيُّ احْتِيَاطًا فِيهِمَا أَيْ فِي تَرُوحِي، وَرُوحِي، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ عَدَمَ اسْتِصْحَابِ الْقَصْدِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. وَأَمْلَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْإِفْتَاءَ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ نَعَمْ الْمُفْتَى بِهِ فِي رُوحِي طَالِقًا صَرَاحَةُ هَذَا اللَّفْظِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ عَامِّيًّا أَوْ عَالِمًا إذْ لَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ إلَّا فِي فِكَاكِ الْعِصْمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَفْهَمُهُ كُلُّ إنْسَانٍ مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِكَوْنِهِ كِنَايَةً إذْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. وَكُتِبَ عَلَى ظَهْرِ الْوَرَقَةِ الَّتِي فِيهَا جَوَابُ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَا نَصُّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُدَرِّسِي الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مَا نَصُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَالِبُ عَلَى الْعَوَامّ أَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَعْنِي رُوحِي أَوْ تَرُوحِي طَالِقًا إلَّا الطَّلَاقَ فَلَا يَسْتَعْمِلُونَهُ، وَيَقْصِدُونَ مِنْهُ إلَّا الطَّلَاقَ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً بِحَسَبِ، وَضْعِهِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ قَدْ صَرَفَهُ فَهْمُ الْعَوَامّ، وَاسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فِي الطَّلَاقِ إلَى لُحُوقِ الطَّلَاقِ بِهِ تَبَعًا لِقَصْدِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ إفْتَاؤُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ نَظَرًا لِفَهْمِهِمْ فَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْحَالِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى وَوَضَعُوا كُلُّهُمْ أَخْتَامَهُمْ عَلَى مَا كَتَبُوا عَلَيْهِ. أَقُولُ: الصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ الْأَزْهَرِيَّانِ وَأَمَّا فَتْوَى الشَّيْخَيْنِ الْأَحْمَدِيَّيْنِ فَهِيَ خَطَأٌ، وَإِضْلَالٌ، وَفَتْحٌ لِبَابٍ عَظِيمٍ مِنْ الشَّرِّ، وَإِفْسَادُ دِينِ الْعَوَامّ، وَحَمْلُهُمْ عَلَى التَّسَاهُلِ فِي تَطْلِيقِ زَوْجَاتِهِمْ بِالثَّلَاثِ، وَاسْتِمْرَارِ مُعَاشَرَتِهِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَاتِ، وَفِيهَا تَنَاقُضٌ فَإِنَّ قَوْلَهُمَا قَوْلًا ضَعِيفًا يُنَاقِضُ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُقْتَضِي اعْتِمَادَهُ، وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شُهْبَةَ، وَإِنْ عَزَبْت عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقَوْلُهُمْ لِعُسْرِ مُرَاقَبَتِهِمْ الْقَصْدُ الْمَذْكُورُ كَذِبٌ، وَمُكَابَرَةٌ، وَإِنْكَارٌ لِلْمَحْسُوسِ الْجَارِي بِهِ عُرْفُ الْعَوَامّ، وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ عَدَمِ دُخُولِ الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي تَعْرِيفِ الْكِنَايَةِ الَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الْحَلَبِيِّ وَالرَّمْلِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّ الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَا تَحْتَمِلَانِ غَيْرَ الطَّلَاقِ لِوَضْعِهِمَا لَهُ لُغَةً وَاسْتِعْمَالهمَا فِيهِ عُرْفًا دَائِمًا مِنْ الْعَوَامّ، وَالْعُلَمَاءِ، وَقَوْلُهُمَا وَلَكِنْ يُسْأَلُ إلَخْ يُنَاقِضُ جَزْمَهُمَا أَوَّلًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَيُنَاقِضُ الْفَتْوَى

بِالضَّعِيفِ، وَيَقْتَضِي أَنَّ الْفَتْوَى بِالضَّعِيفِ لَيْسَتْ احْتِيَاطًا، وَلَا، وَرَعًا، وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ وَقَوْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ إلَخْ كَذِبٌ، وَمُكَابَرَةٌ، وَإِنْكَارٌ لِلْمُشَاهَدِ مِنْ حَالِهِ، وَاعْتِرَافِهِ بِقَصْدِهِ الطَّلَاقَ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَاعْتِرَافُهُمَا بِضَعْفِ قَوْلِ ابْنِ شُهْبَةَ يُوجِبُ حُرْمَةَ فَتْوَاهُمَا بِهِ، وَاسْتِحْقَاقهمَا التَّأْدِيبَ الشَّدِيدَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ التَّنَاقُضِ، وَالْغَفْلَةِ، وَعَدَمِ الضَّبْطِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَكَتَبَ السَّيِّدُ الْبَاجُورِيُّ الشَّافِعِيُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَزْهَرِ: اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ نَوْعَانِ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَأَلْفَاظُ الصَّرِيحِ ثَلَاثَةٌ الطَّلَاقُ، وَالْفِرَاقُ، وَالسِّرَاحُ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى نِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا فَإِذَا تَلَفَّظَ بِإِحْدَى الصِّيَغِ الثَّلَاثِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ حِنْثًا، وَعَدَمَهُ، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَأَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ، وَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ حِنْثًا، وَعَدَمَهُ، وَمِنْهَا لَفْظُ عَلَيَّ الْحَرَامُ، وَلَكِنْ كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُفْتِي بِصَرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِلطَّلَاقِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِنَا ابْنُ قَاسِمٍ وَالْخَطِيبُ، وَالتَّحْرِيرُ، وَالْمَنْهَجُ، وَمَا كُتِبَ عَلَيْهَا، وَالتَّقَارِيرُ، وَالْمَسْمُوعُ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى مِنْ قَوْمٍ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، وَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ عَلَى الْمُتَلَفِّظِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بِالطَّلَاقِ كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا فِيهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى وَكَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الشَّافِعِيُّ الشَّامِيُّ: الطَّلَاقُ ضَرْبَانِ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الطَّلَاقِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ الطَّلَاقُ إذَا كَانَ مُبْتَدَأً نَحْوَ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ مَفْعُولًا كَأَوْقَعْتُ الطَّلَاقَ عَلَيْك أَوْ فَاعِلًا كَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ خَبَرًا كَأَنْتِ طَلَاقٌ أَوْ الطَّلَاقُ فَهُوَ كِنَايَةٌ. الثَّانِي مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ طَلَّقَك اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ يَا طَالِقُ. وَالثَّالِثُ: لَفْظُ الْخُلْعِ، وَالْمُفَادَاةِ إنْ ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ نَوَاهُ. وَالرَّابِعُ: الْفِرَاقُ، وَالسِّرَاحُ وَالْخَامِسُ: نَعَمْ فِي جَوَابِ أَطَلَّقْتَ زَوْجَتَك مُرَادًا بِهِ الْتِمَاسَ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَتَرْجَمَتُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحَةٌ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَالْكِنَايَةُ مَا احْتَمَلَ غَيْرَ الطَّلَاقِ، وَأَلْفَاظُهَا لَا تَنْحَصِرُ كَأَطْلَقْتُكِ، وَأَنْتِ طَلَاقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ وَخَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَبَائِنٌ، وَحَلَالُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ عَلَيْهِ الْحَرَامُ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُهُ أَوْ عَلَيْهِ الْحَلَالُ أَوْ اعْتَدِّي أَوْ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَوْ الْحَقِي بِأَهْلِك أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ لَا أُنَدِّهِ سِرْبَك وَاعْزُبِي، وَاغْرُبِي دَعِينِي، وَدَعِينِي أَوْ أَشْرَكْتُك مَعَ فُلَانَةَ الْمُطَلَّقَةِ مِنِّي أَوْ مِنْ غَيْرِي تَجَرَّدِي تَزَوَّدِي اُخْرُجِي سَافِرِي أَحْلَلْتُك تَقَنَّعِي تَسَتَّرِي الْزَمِي الطَّرِيقَ لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَنْتِ، وَشَأْنُك لَك الطَّلَاقُ عَلَيْك الطَّلَاقُ كُلِّي اشْرَبِي أَنَا طَالِقٌ أَنَا بَائِنٌ مِنْك أَنْتِ كَالْمَيْتَةِ اُبْعُدِي اذْهَبِي فَارْقِينِي لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك ذُوقِي بَارَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَك بِخِلَافِ بَارَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى فِيك، وَعَلَيْك، وَعَلَيْهِ السُّخَامُ أَوْ اللِّطَامُ قَوْمِي اُقْعُدِي أَطْعِمِينِي اسْقِينِي زَوِّدِينِي أَحْسَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى عَزَاك أَغْنَاك اللَّهُ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ، وَصَرِيحُ الْإِعْتَاقِ وَكِنَايَتُهُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ، وَمِنْهَا أَوْقَعْت الطَّلَاقَ فِي قَمِيصِك تَكُونِي طَالِقًا قَاصِدًا بِهِ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ لَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ فَوَعْدٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إنْ لَمْ يُعَلَّقْ عَلَى صِفَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ صَرِيحٌ، وَكُونِي طَالِقًا صَرِيحٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ، وَالْعَوَامُّ لَا يَقْصِدُونَ بِتَكُونِي طَالِقًا اسْتِقْبَالًا بَلْ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ حَالًّا اهـ مِنْ الْمَنْهَجِ، وَالتَّحْرِيرِ، وَحَوَاشِيهِمَا، وَغَيْرِهَا.

مسائل الرجعة

[مَسَائِلُ الرَّجْعَةِ] [طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَسَأَلَ بَعْضَ الْجَهَلَةِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَعَقَدَ عَلَيْهَا فَهَلْ يَكُونُ رَجْعَةً] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الرَّجْعَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَسَأَلَ بَعْضَ الْجَهَلَةِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَعَقَدَ عَلَيْهَا فَهَلْ يَكُونُ رَجْعَةً، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَكُونُ رَجْعَةً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ قَوْلٌ صَرِيحٌ فِي رَدِّهَا لِعِصْمَتِهِ، وَرَفْعِ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ مَعَ نِيَّةِ ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ لِاعْتِقَادِهِ لُزُومَهُ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ خَطَبَهَا تَابِعُ ذِي شَوْكَةٍ لَيْسَ كُفْأَهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ طَلَاقِهَا، فَقَالَتْ لَهُ بِحَضْرَةِ قَاضٍ إنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً ثُمَّ خَطَبَهَا كُفْؤُهَا قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فَأَجَابَتْهُ، وَأَخْبَرَتْ بِأَنَّهَا حَاضَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَلَى يَدِ الْقَاضِي فَهَلْ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهَا الْأَوَّلِ، وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْعَقْدِ حَتَّى تَتِمَّ سَنَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ عَلَى الثَّانِي، وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَعْتَمِدُ عَلَى خَبَرِهَا الْأَوَّلِ، وَيَمْنَعُهَا مِنْ التَّزَوُّجِ حَتَّى تَتِمَّ عِدَّتُهَا بِحَسَبِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ ادَّعَتْ طُولَهَا وَهُوَ حَيٌّ أَخَذْت بِإِقْرَارِهَا فِي أَحْكَامِ الْعِدَّةِ اهـ. وَأَصْلُهُ فِي الْخَرَشِيِّ وَعَبْدِ الْبَاقِي، وَنَصُّهُ: مَفْهُومُ مَاتَ أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ، وَهُوَ حَيٌّ طُولَ عِدَّتِهَا، وَعَدَمَ انْقِضَائِهَا فِيمَا تَنْقَضِي فِيهِ عَلَى عَادَتِهَا كَانَتْ بَعْدَ سِتَّةٍ أَوْ قَبْلَهَا صَدَقَتْ إنْ كَانَتْ بَائِنًا لِأَنَّهَا مُعْتَرِفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ رَجْعَتِهَا مُطْلَقًا، وَلَهَا النَّفَقَةُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا لِلْمُعْتَدَّةِ إنْ صَدَّقَهَا لَا إنْ كَذَّبَهَا اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلُقَتْ، وَهِيَ تُرْضِعُ، وَمَكَثَتْ كَذَلِكَ نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ خَطَبَهَا ذُو زَوْجَةٍ فَقَالَتْ أُمُّ الْمَخْطُوبَةِ: بِنْتِي لَمْ تَحِضْ أَصْلًا لِكَوْنِهَا مُرْضِعًا، وَشَاعَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ بَعْدَ نَحْوِ شَهْرَيْنِ وَنِصْفٍ رَضِيَتْ أُمُّهَا بِتَزْوِيجِهَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَأَحْضَرُوا فَقِيهًا، وَأَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِأَخِيهَا فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَعَقَدَ لَهُمَا الْفَقِيهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَأَرَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَسْخَ هَذَا الْعَقْدِ لِقَوْلِ أُمِّهَا الْمَذْكُورِ وَشُيُوعِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَذَّبَتْ الْأُمُّ نَفْسَهَا مُعْتَذِرَةً بِكَرَاهَةِ دُخُولِ بِنْتِهَا عَلَى ضَرَّةٍ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إذْ سُكُوتُ الْبِنْتِ عَلَى قَوْلِ أُمِّهَا الْمَذْكُورَةِ، وَتَكَلُّمُ النَّاسِ بِهِ بَعْدَ إقْرَارٍ مِنْهَا بِهِ، وَيُؤَيِّدُ صِحَّتَهُ إرْضَاعُهَا الْمُقْتَضِي لِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ عَادَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ طُولَ عِدَّتِهَا فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا أُخِذَتْ بِإِقْرَارِهَا فِي أَحْكَامِ الْعِدَّةِ، وَالِاعْتِذَارُ لِلْكَذِبِ بِكَرَاهَةِ الضَّرَّةِ لَا يُفِيدُ حَيْثُ لَمْ تَسْتَرْعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مُطَلَّقَةٍ أَرَادَتْ التَّزْوِيجَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُخْبِرَةً بِأَنَّهَا حَاضَتْ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَهَلْ تُصَدَّقُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُطَلَّقَةٍ أَرَادَتْ التَّزْوِيجَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُخْبِرَةً بِأَنَّهَا حَاضَتْ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَهَلْ تُصَدَّقُ وَتُمَكَّنُ مِنْهُ؟

مسائل الظهار

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ عَادَةُ نِسَاءِ بَلَدِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ حَيْضَهُنَّ ثَلَاثًا فِي مِثْلِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا صُدِّقَتْ بِلَا يَمِينٍ وَلَا سُؤَالِ نِسَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُنَّ ذَلِكَ فِيهَا نَادِرًا سُئِلَ النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدْنَ لَهَا صُدِّقَتْ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَإِلَّا فَلَا، فَفِي مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ بَعْدَ زَمَنٍ يَغْلِبُ الِانْقِضَاءُ فِيهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِبَلَدِهَا أَوْ يَحْتَمِلُهُ وَعَدَمُهُ عَلَى السَّوَاءِ بِحَسَبِهَا فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ، وَلَا سُؤَالِ نِسَاءٍ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ بَعْدَ زَمَنٍ يَنْدُرُ الِانْقِضَاءُ فِيهِ سُئِلَ النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدْنَ لَهَا صُدِّقَتْ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ ادَّعَتْهُ بَعْدَ زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ الِانْقِضَاءُ فِيهِ أَصْلًا فَلَا تُصَدَّقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ فَهَلْ لَهُ السُّكْنَى مَعَهَا فِي بَيْتٍ هُوَ فِي مَحَلٍّ مِنْهُ، وَهِيَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَمَعَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا كَمَحْرَمِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَهَلْ لَهُ إسْكَانُ زَوْجَتِهِ مَعَهَا بِرِضَاهُمَا، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ السُّكْنَى فِي بَيْتٍ جَامِعٍ لَهُمَا، وَلِغَيْرِهِمَا هُوَ فِي مَحَلٍّ مِنْهُ، وَهِيَ فِي مَحَلِّهَا الَّذِي كَانَتْ سَاكِنَةً فِيهِ مَعَهُ، وَلَهُ إسْكَانُ زَوْجَتِهِ مَعَهَا فِي مَحَلِّهَا إنْ رَضِيَتَا بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الظِّهَارِ] [رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا أَنْت مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ كَأُمِّي وَأُخْتِي وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الظِّهَارِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا أَنْت مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ كَأُمِّي وَأُخْتِي، وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهَلْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِلُزُومِ الظِّهَارِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ مُعَاشَرَتُهَا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الظِّهَارُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُعَاشَرَتُهَا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، وَلَا اسْتِمْتَاعٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا قَالَ الْخَرَشِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الظِّهَارُ يَعْنِي وَحْدَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ أَيْضًا: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَظِهَارٌ بِاتِّفَاقٍ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ اهـ. قَالَ الْخَرَشِيُّ فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ لُزُومِ الظِّهَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنْتِ حَرَامٌ، وَسَيَقُولُ الْمُؤَلِّفُ وَسَقَطَ أَيْ الظِّهَارُ إنْ تَعَلَّقَ، وَلَمْ يَتَنَجَّزْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ تَأَخَّرَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. الشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَأَخَّرَ. قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي لَمَّا عَطَفَ الظِّهَارَ عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَعْتَبِرْ لِبَيْنُونَتِهَا بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا مَا هُنَا فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي كَالْحَالِ مِمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ قَيْدٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْحَرَامِ مَخْرَجًا حَيْثُ قَالَ مِثْلَ أُمِّي اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْ صَرَفَ الْحَرَامَ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَجُعِلَ مُرَادٌ مِنْهُ الظِّهَارُ، وَقَوْلُهُ كَالْحَالِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَالٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ

رجل قال لزوجته إن دخلت الدار تحرمي علي كما حرم علي بز أمي

حَرَامٌ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ كَالْحَالِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعَهَا فِي بَيْتٍ فَجَائِزٌ إنْ أَمِنَ عَلَيْهَا، وَلَهُ النَّظَرُ لِوَجْهِهَا، وَرَأْسِهَا، وَأَطْرَافِهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا إنْ أَمِنَ عَلَيْهَا، وَمَفْهُومُ إنْ أَمِنَ عَدَمُ جَوَازِ الْكَيْنُونَةِ مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَاحِدٍ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَيْ قَصْدٍ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ، وَقَوْلُهُ وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا أَيْ لَا لِصَدْرِهَا أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدِ لَذَّةٍ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَهُ النَّظَرُ لِوَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا لِصَدْرِهَا، وَفِيهَا وَلَا لِشَعْرِهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ اهـ. وَيُفْهَمُ أَنَّ النَّظَرَ لِلصَّدْرِ وَالشَّعْرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ وَالْأَطْرَافُ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا لَهَا إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلرَّأْسِ نَظَرٌ لِشَعْرِهَا فَفِيهِ تَنَافٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ فَمَنْ يُعَبِّرُ بِالنَّظَرِ لِلرَّأْسِ أَيْ بِجَوَازِ النَّظَرِ لَهَا يَحْكُمُ بِجَوَازِ النَّظَرِ لِلشَّعْرِ، وَمَنْ يَحْكُمُ بِعَدَمِ جَوَازِ النَّظَرِ لِلشَّعْرِ يَحْكُمُ بِعَدَمِ جَوَازِ النَّظَرِ لِلرَّأْسِ. فَإِنْ قُلْت النَّظَرُ لِلرَّأْسِ أَيْ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ شَعْرٍ، وَشَعْرُهَا إذَا كَانَ فِيهَا شَعْرٌ فَرُؤْيَةُ الشَّعْرِ أَشَدُّ مِنْ رُؤْيَةِ الْجِلْدِ لِأَنَّهُ يَلْتَذُّ بِهِ فَهُوَ دَاعِيَةٌ لِلْوَطْءِ فَلَا تَنَافِيَ. قُلْت هُوَ قَرِيبٌ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. [رَجُل قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَحْرُمِي عَلَيَّ كَمَا حَرُمَ عَلَيَّ بِزُّ أُمِّي] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَحْرُمِي عَلَيَّ كَمَا حَرُمَ عَلَيَّ بِزُّ أُمِّي، وَفَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَالْعُرْفُ جَارٍ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي تَرْكِ كَلَامِهَا فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ نَوَى بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ الطَّلَاقَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الظِّهَارِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةٌ أَقَلُّ مِنْهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تُقْبَلُ نِيَّةُ الْأَقَلِّ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ فِيهِمَا، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ وَحْدَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ لَزِمَهُ الظِّهَارُ وَحْدَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكِنَايَتُهُ الظِّهَارِ مَا أَفْهَمَهُ غَيْرُ صَرِيحٍ بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ظَهْرٍ وَمُؤَبَّدٍ، وَصَدَقَ فِيمَا نَوَاهُ بِهَا كَنِيَّةِ كَرَامَةٍ أَوْ كِبْرٍ فِي أُمَّةِ فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَبَتَاتٌ إنْ دَخَلَ وَنَوَى فِي غَيْرِهَا كَقَوْلِهِ: كَابْنِي أَوْ غُلَامِي أَوْ كُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الْكِتَابُ، وَلَوْ نَوَى الظِّهَارَ ثُمَّ قَالَ وَسَقَطَ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْبَيْنُونَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْتِ حَرَامٌ كَأُمِّي بَلْ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ وَجْهَ الْحُرْمَةِ نَعَمْ لَوْ عَطَفَ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ اُعْتُبِرَتْ، وَلَوْ خَالَفَتْ الْعُرْفَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ جَرَيَانِ الْعُرْفِ بِحَمْلِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ تَحْرِيمَ الِاسْتِمْتَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ فَهَذَا هُوَ الظِّهَارُ، وَالْعُرْفُ حِينَئِذٍ مُوَافِقٌ الشَّرْعَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْكَلَامِ مَعَ الِاسْتِمْتَاعِ فَهُوَ عُرْفٌ فَاسِدٌ مُصَادِمٌ لِلشَّرْعِ فَيَجِبُ تَرْكُهُ، وَالْعَمَلُ بِالشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [مَسَائِلُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ زَعَمَتْ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَمَضَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ تَلِدْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَمَضَتْ مُدَّةٌ زَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَبَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ أَمَدِ الْحَمْلِ مِنْ وَطْئِهِ وَلَدَتْ وَلَدًا كَامِلًا، وَتَنَازَعَ فِيهِ الزَّوْجَانِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. نَعَمْ لَا يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهَا

امرأة اعتادت الحيض ثم انقطع عنها لرجعة ثم طلقت ثلاثا فبماذا تعتد

لَمَّا طَلُقَتْ، وَهِيَ تَزْعُمُ الْحَمْلَ لَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ بَلْ بِوَضْعِهِ إنْ تَحَقَّقَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ مِنْ الزَّمَنِ، وَبِمُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِهِ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ عَلَى الْخِلَافِ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا أَوْ مُوقِنَةً الْبَرَاءَةَ مِنْهُ إنْ شَكَّتْ فِيهِ، وَحَيْضُهَا فِي الْحَالَيْنِ لَغْوٌ لَا تَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ، وَالْحَامِلُ تَحِيضُ عِنْدَنَا، وَدَلَالَةُ الْحَيْضِ عَلَى عَدَمِ الْحَمْلِ ظَنِّيَّةٌ غَالِبَةٌ اكْتَفَى بِهَا الشَّارِعُ حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَمْلُ، وَلَمْ يَتَرَتَّبْ فِيهِ رِفْقًا بِالنِّسَاءِ، فَالثَّانِي نَكَحَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَحَامِلٌ مِنْهُ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمُضِيِّ أَقَلِّ الْحَمْلِ مِنْ عِنْدِ الثَّانِي لِفَسَادِهِ، وَيُحْكَمُ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِفِرَاشِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ، وَتَرَبَّصَتْ إنْ ارْتَابَتْ بِهِ، وَهَلْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا خِلَافٌ، وَفِيهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْخَمْسِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ لِخَمْسَةٍ لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ بِتَصَرُّفٍ، وَمَفْهُومِ الْخَمْسَةِ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعَةٍ فَأَقَلَّ لَحِقَ بِالْأَوَّلِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ ارْتَابَتْ بِحَمْلٍ فَأَقْصَاهُ، وَهَلْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ؟ خِلَافٌ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الرِّيبَةُ فَحَتَّى تَزُولَ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتَتْ بَعْدَهَا أَيْ الْعِدَّةِ بِوَلَدٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَقْصَى الْحَمْلِ مِنْ وَطِئَ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَقَلَّهُ مِنْ الثَّانِي لَحِقَ بِالْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ فَفِي غَيْرِ الْحَامِلِ، وَالْمُرْتَابَةِ، وَهِيَ الَّتِي تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ كَمَا شَرَحَ بِهِ شَمْسُ الدِّينِ التَّتَّائِيُّ، وَغَيْرُهُ إذْ مَفْهُومُ " وَلَمْ يَبْلُغْ أَقَلَّهُ مِنْ الثَّانِي " أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَقَلَّهُ مِنْهُ لَحِقَ بِالثَّانِي كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ قَالَ، وَأَمَّا لَوْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَمَا فِي حُكْمِهَا فَأَكْثَرَ مِنْ عَقْدِ الثَّانِي لَحِقَ بِهِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [امْرَأَةٍ اعْتَادَتْ الْحَيْضَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا لِرَجْعَةٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَبِمَاذَا تَعْتَدُّ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ اعْتَادَتْ الْحَيْضَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا لِرَجْعَةٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَبِمَاذَا تَعْتَدُّ، وَهَلْ لَهَا نَفَقَةٌ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ، وَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَعَلَى مَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِغَيْرِ رَضَاعٍ كَمَرَضٍ، وَلَوْ أَمَةً أَوْ اُسْتُحِيضَتْ، وَلَمْ تُمَيِّزْ تَرَبُّصَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً، وَهَلْ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ أَوْ ارْتِفَاعِ الْحَيْضِ خِلَافٌ ثُمَّ عِدَّتُهَا كَالْيَائِسَةِ لِكِبَرٍ، وَالْبَغْلَةُ خِلْقَةً، وَالصَّغِيرَةُ الْمُطِيقَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَالْعِبْرَةُ بِالْهِلَالِ إلَّا أَنْ يَنْكَسِرَ فَالْعَدَدُ، وَلَغَا يَوْمٌ سَبَقَ فَجْرُهُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ حَاضَتْ الْمُرْتَابَةُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَ أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ بَيْضَاءَ غَيْرَ مُلَوَّثَةٍ بِالدَّمِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ: وَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ إنْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِخُلْعٍ أَوْ بَتَاتٍ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ اهـ. وَقَالَ فِيهِ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [عَالِم أَتَاهُ امْرَأَتَانِ مِنْ الزَّانِيَاتِ وَتَابَتَا عَنْ الزِّنَا وَادَّعَيَتَا الِاسْتِبْرَاءَ مِنْهُ وَأَثْبَتَتَا الْخُلُوَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَمَعَهُمَا رَجُلَانِ يُرِيدَانِ التَّزَوُّجَ بِهِمَا وَطَلَبَتَا مِنْهُ الْعَقْدَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَالِمٍ أَتَاهُ امْرَأَتَانِ مِنْ الزَّانِيَاتِ، وَتَابَتَا عَنْ الزِّنَا وَادَّعَيَتَا الِاسْتِبْرَاءَ مِنْهُ، وَأَثْبَتَتَا الْخُلُوَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَمَعَهُمَا رَجُلَانِ يُرِيدَانِ التَّزَوُّجَ بِهِمَا، وَطَلَبَتَا مِنْهُ الْعَقْدَ، وَهُوَ يَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينِيًّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِمَا رَجَعَتَا لِلزِّنَا عَلَيْهِمَا فَعَقَدَ عَلَيْهِمَا لِلرَّجُلَيْنِ فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ، وَادَّعَى كَذِبَهُمَا فِي دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَنَّ الشَّاهِدِينَ مَجْهُولَا الْحَالِ فَهَلْ هَذَا الْعَقْدُ سَائِغٌ لِضَرُورَةِ خَوْفِ الرُّجُوعِ لِلزِّنَا، وَلَوْ تَحَقَّقَ جَهْلُ حَالِ الشَّاهِدَيْنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، هَذَا الْعَقْدُ

طلقت طلاقا بائنا ثم بعد مدة تنقضي فيها عدتها استفهمت عن انقضاء العدة فأخبرت بأن عدتها قد انقضت فتزوجت شخصا ثانيا

غَيْرُ سَائِغٍ، وَخَوْفُ الرُّجُوعِ لِلزِّنَا لَيْسَ ضَرُورَةً مُسَوِّغَةً لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ فَاسِدٌ إجْمَاعًا، وَالتَّلَذُّذُ الْمُسْتَنِدُ لَهُ يُؤَيِّدُ الْحُرْمَةَ عِنْدَنَا فَالتَّخَلُّصُ بِهِ مِنْ الرُّجُوعِ لِلزِّنَا كَغَسْلِ الْعَذِرَةِ بِالْبَوْلِ، وَقَوْلِهِمْ الْمَرْأَةُ أَمِينَةٌ عَلَى رَحِمِهَا، وَمُصَدَّقَةٌ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَاسْتِبْرَائِهَا قَيَّدُوهُ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُوجِبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهَا فَقِيلَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَقِيلَ شَهْرٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَهَذَا فِي عِدَّةِ، وَاسْتِبْرَاءِ الْأَقْرَاءِ، وَأَمَّا فِي عِدَّةِ الْوَضْعِ وَاسْتِبْرَائِهِ فَتُصَدَّقُ فِي وَضْعِهِ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ بَعْدَ الْمُوجِبِ بِيَوْمٍ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِ النِّسَاءِ وَالْجِيرَانِ لَهَا، وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِي ذَلِكَ، وَمَأْمُونَةٌ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ تَرْكِ الزِّنَا فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ هَذَا الْعَقْدَ، وَتَمَكَّنَ مِنْ فَسْخِهِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فَسْخِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ لِمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَتَأَبُّدُ تَحْرِيمِهَا بِوَطْءٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ رَجْعِيٍّ أَوْ مَوْتٍ، وَالْمُسْتَبْرَأَة مِنْ زِنًا أَوْ اغْتِصَابٍ غَيْرُهُ إذَا وُطِئَتْ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ فِي عِدَّتِهَا أَوْ اسْتِبْرَائِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَمْ لَا فَإِنَّهَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَى وَطْئِهَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ، وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُجْمَعٌ عَلَى فَسَادِهِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا الْمُسْتَبْرَأَةُ مِنْ زِنَاهُ اهـ. [طَلُقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا اسْتَفْهَمَتْ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأُخْبِرَتْ بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فَتَزَوَّجَتْ شَخْصًا ثَانِيًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ طَلُقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا اسْتَفْهَمَتْ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأُخْبِرَتْ بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فَتَزَوَّجَتْ شَخْصًا ثَانِيًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ مِنْ الْأَوَّلِ فَهَلْ تُصَدَّقُ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إنْ صُدِّقَتْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تُصَدَّقُ فِي إخْبَارِهَا ثَانِيًا بِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْعِبْرَةُ بِإِخْبَارِهَا الْأَوَّلِ بِانْقِضَائِهَا، وَتُعَدُّ نَادِمَةً وَكَارِهَةً لِلزَّوْجِ الثَّانِي، وَمُتَحَيِّلَةً عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فِي خَبَرِهَا الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصُدِّقَتْ فِي انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْقُرْءِ وَالْوَضْعِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ، وَسُئِلَ النِّسَاءُ، وَلَا يُفِيدُهَا تَكْذِيبُهَا نَفْسَهَا، وَلَا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ، وَلَا رُؤْيَةُ النِّسَاءِ لَهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَصُدِّقَتْ بِلَا يَمِينٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ وَضَعَا إلَّا أَنْ تُكَذِّبَهَا الْعَادَةُ فَإِنْ أَشْكَلَ سُئِلَ النِّسَاءُ، وَأَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ فَانْقَطَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ لَا إنْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ رَآهَا النِّسَاءُ فَوَافَقْنَهَا عَلَى قَوْلِهَا الثَّانِي فَالْعِبْرَةُ بِالْأَوَّلِ اهـ. [امْرَأَة حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ وَضَعَتْ فَأَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ وَضَعَتْ فَأَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَتَوَجَّهَتْ إلَى فَقِيهٍ مَالِكِيٍّ، وَأَخْبَرَتْهُ بِحَالِهَا فَأَفْتَاهَا بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ وَوَضْعِ حَمْلِهَا هَذَا بَعْدَ حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِنَسَبٍ فَتَرَكَتْهُ، وَتَوَجَّهَتْ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ مَالِكِيٍّ أَيْضًا، وَاسْتَفْتَتْهُ فَأَفْتَاهَا بِأَنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ حَمْلِهَا، فَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فَمَا الْحُكْمُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، أَيُّهَا السَّائِلُ، وَفَّقَنِي اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ أُطْلِقَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهَا خَلِيَّةً عَنْ النِّكَاحِ، وَمَا يَتْبَعُهُ حَالَ زِنَاهَا أَوْ بِكَوْنِهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ انْقَطَعَ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بِكَوْنِهَا فِي عِدَّةِ أَحَدِهِمَا، وَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً

عَنْهُمَا فَالْحَقُّ مَا أَفْتَى بِهِ الثَّانِي قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ فِي مَبْحَثِ عِدَّةِ الْحَامِلِ مَا نَصُّهُ: أَمَّا الزِّنَا فَوَضْعُهُ اسْتِبْرَاؤُهُ قَطْعًا اهـ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَبْحَثِ التَّدَاخُلِ: وَالْحَمْلُ مِنْ فَاسِدٍ يُخْرِجُهَا مِنْ اسْتِبْرَائِهِ اهـ. وَقَالَ أَبُو الضِّيَاءِ، وَشَارِحُهُ شَمْسُ الدِّينِ التَّتَّائِيُّ فِي مَبْحَثِ الِاسْتِبْرَاءِ: وَاسْتِبْرَاءُ الْحَامِلِ بِالْوَضْعِ لِحَمْلِهَا كُلِّهِ، وَإِنْ دَمًا اجْتَمَعَ كَالْعِدَّةِ فَلَا يَكْفِي بَعْضُهُ ثُمَّ قَالَ التَّتَّائِيُّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَامِلٍ مِنْ زِنًا وَغَيْرِهِ اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْعَلَّامَةِ الْحَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَ سَوْقُهُ فِي الْأَمَةِ، وَقَالَ أَبُو الضِّيَاءِ فِي التَّدَاخُلِ: وَهَدْمُ وَضْعِ حَمْلِ الْحَقِّ بِفَاسِدٍ أَثَرُهُ، وَلَفْظُهُ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَ سَوْقُهُ فِي مُعْتَدَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَطَلَّقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مَاتَ عَنْهَا كَذَلِكَ، وَوُجِدَتْ شُبْهَةٌ تُلْحِقُ الْوَلَدَ بِالزَّوْجِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِلِعَانٍ فَالْحَقُّ مَا أَفْتَى بِهِ الثَّانِي أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ بِحَيْثُ يَنْتَفِي عَنْهُ بِغَيْرِهِ لِنَحْوِ صِبَا الزَّوْجِ وَجَبِّهِ فَالْحَقُّ مَا أَفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ فِي خُصُوصِ الطَّلَاقِ أَمَّا فِي الْوَفَاةِ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الْأَمْرَيْنِ: الْأَشْهُرُ وَالْوَضْعُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْحَطَّابُ: تَنْبِيهٌ: إنَّمَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ لَاحِقًا بِأَبِيهِ. قَالَ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فَظَهَرَ بِامْرَأَتِهِ حَمْلٌ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَتَحِدُّ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ مَاتَ هَذَا الصَّبِيُّ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْ الْوَفَاةِ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، وَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ يَوْمِ مَاتَ، وَإِنَّمَا الْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ الْحَمْلُ الَّذِي يُثْبِتُ نَسَبَهُ مِنْ أَبِيهِ خَلَا الْمُلَاعَنَةِ خَاصَّةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالْوَضْعِ، وَأَنْ يَلْحَقَ بِالزَّوْجِ، وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زِنًا، وَكَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ، وَلَا يَلْحَقُ انْتَهَى. وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلٍ إنْ طَرَأَ مُوجِبٌ وَهَدَمَ وَضْعِ حَمْلٍ أُلْحِقَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ غَيْرُهُ وَبِفَاسِدٍ أَثَرُهُ، وَأَثَرُ الطَّلَاقِ لَا الْوَفَاةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ فِي الْعِدَّةِ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَضْعُ حَمْلِهَا إلَّا أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُ بِلَا لِعَانٍ فَالْأَبْعَدُ مِنْهُ وَمِنْ عِدَّةِ غَيْرِهَا طَلَاقًا وَوَفَاةً ثُمَّ فِي الْأَوَّلِ تَحْسِبُ النِّفَاسَ قُرْءًا انْتَهَى. وَفِي التَّدَاخُلِ وَالْحَمْلُ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ يُخْرِجُهَا مِنْ اسْتِبْرَائِهِ، وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ حَيْثُ الشُّبْهَةُ إمَّا مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ فَيُحْسَبُ قُرْءًا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَعَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ الْأَقْصَى انْتَهَى هَذَا وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطَأِ وَالرُّجُوعُ لِلْحَقِّ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْكَمَالِ: وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إلَّا لِنَسْيِهِ ... وَلَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ إنَّمَا الْعَارُ دُنْيَا وَأُخْرَى فِي الْإِصْرَارِ عَلَى الْخَطَأِ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَغَمْصُ الْحَقِّ وَرَدُّهُ، وَعَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهُمَا عَدَمُ التَّبَجُّحِ وَالدَّعْوَى، وَبَذَاءَةُ اللِّسَانِ الْمُؤَدِّيَةُ لِلتَّفَاقُمِ، وَلْيُجَادِلْ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْكَلَامِ اللِّينِ قَالَ تَعَالَى {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي أَعْلَاهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ» . وَقَالَ سَيِّدِي أَحْمَدْ زَرُّوقٌ: وَإِيَّاكُمْ وَالدَّعْوَى فِي الْعِلْمِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُكُمْ أَنَا عَالِمٌ، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْك، وَأَنَا قَارِئٌ، فَإِنَّهُ قَدْ هَلَكَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلُ مَرَّةٍ قَالَهَا إبْلِيسُ

وجبت عليها عدة وفاة أو طلاق وهي حامل ومات الجنين في بطنها

اللَّعِينُ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلَكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُ " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ "، وَالثَّانِي فِرْعَوْنُ الْخَسِيسُ قَالَ " أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى "، وَفِي ذَلِكَ أَقَاوِيلُ وَأَحَادِيثُ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَلَيَأْتِيَنَّ زَمَانٌ عَلَى النَّاسِ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَيَقْرَؤُنَهُ ثُمَّ يَقُولُونَ قَدْ قَرَأْنَا وَعَلِمْنَا فَمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنَّا فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ أُولَئِكَ قَالَ: أُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ إنِّي عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ» اهـ. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّجَارُؤَ عَلَى الْفَتْوَى فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَلَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ، وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ أَنَّهُ قَالَ: «عَرَضْت فَتْوَايَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاتَبَنِي عَلَى قَيْدٍ أَخْلَلْت بِهِ فَتَرَكْت الْفَتْوَى مِنْ ذَلِكَ» وَتَأَسُّوا بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي إكْثَارِهِ مِنْ " لَا أَدْرِي " حَتَّى قَالَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ لَوْ شِئْت أَنْ أَمْلَأَ أَلْوَاحِي مِنْ قَوْلِهِ لَا أَدْرِي لَفَعَلْت. وَأَتَاهُ سَائِلٌ وَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَنًا طَوِيلًا وَهُوَ يَقُولُ لَهُ لَا أَدْرِي، فَقَالَ لَهُ: إنِّي آتِيك مِنْ مَسَافَةِ شَهْرٍ ضَارِبًا كَبِدَ بَعِيرِي لِأَسْأَلَك عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا عُدْت إلَى قَوْمِي فَقَالُوا: مَاذَا قَالَ لَك مَالِكٌ فَأَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ لَهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ قَالَ لِي لَا أَدْرِي. وَلَا تَحِلُّ الْفَتْوَى إلَّا مِمَّنْ يَرَاهُ الْعُلَمَاءُ أَهْلًا لَهَا، وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَحَيْثُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَعَ أَهْلِيَّتِهِمْ يَتَطَارَحُونَ ثَلَاثًا الْإِمَامَةَ وَالْفَتْوَى وَالْوَدِيعَةَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْهِدَايَةُ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ. [وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَهِيَ حَامِلٌ وَمَاتَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَهِيَ حَامِلٌ، وَمَاتَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَاسْتَمَرَّ فِيهَا أَوْ نَزَلَ بَعْضُهُ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ وَضْعِ بَاقِيه، وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ تَخَرَّجَ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَوْتُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فِي بَطْنِهَا فَفِيهَا خِلَافٌ فَقَدْ نَقَلَ الْمَشَذَّالِيُّ وَابْنُ سَلْمُونٍ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمَوْتِهِ كَذَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَفِي عَبْدِ الْبَاقِي عَقِبَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ أَيْ وَلَوْ مَاتَ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا لِلْحَمْلِ، وَقَدْ مَاتَ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمَوْتِهِ اهـ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ وَتَقَدَّمَ لِلشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عِيسَى أَفْتَى فِي مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا بَائِنًا أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فِي بَطْنِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَوَقَعَتْ، وَحَكَمَ فِيهَا الْقَاضِي ابْنُ الْخَرَّازِ بِالنَّفَقَةِ، وَأَفْتَى بِهِ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى طَالَ عَلَى زَوْجِهَا الْإِنْفَاقُ فَاسْتَشَارَنِي فِي ذَلِكَ فَأَفْتَيْته بِالسُّقُوطِ إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ بَطْنَهَا صَارَ مَدْفِنًا لَهُ، وَإِنَّمَا النَّفَقَةُ لَهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا فَلَوْ تَرَكَتْ غِذَاءَهَا مَاتَ فَإِذَا اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهُ مَاتَ فَقَدْ صَارَ لَا غِذَاءَ لَهُ، وَإِنَّمَا صَارَ دَاءً فِي بَطْنِهَا تَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ عَنْهَا بِالدَّوَاءِ، وَقَبْلَ مَوْتِهِ حَيَاتُهُ مُتَّصِلَةٌ بِحَيَاتِهَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ حَامِلًا هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ لَهَا النَّفَقَةُ فَإِذَا مَاتَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. قُلْت: ظَاهِرُ هَذَا إذَا ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ طَالَتْ السُّنُونَ، وَعَلَيْهِ لَهَا السُّكْنَى، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، وَقِيلَ: إذَا جَاوَزَ السَّبْعَ سِنِينَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رِيحٌ وَتَزَوُّجٌ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا أَبَدًا مَا دَامَ التَّحْرِيكُ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي الْحُكْمُ فِي وُجُوبِ سُكْنَاهَا

أقر بطلاق في زمن سابق على زمن الإقرار بحيث تنقضي عدتها فيما بينهما وادعى أن له بينة على ذلك

وَكَذَا يَقَعُ النَّظَرُ إذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ فِي بَطْنِهَا فِي وُجُوبِ السُّكْنَى لَهَا، وَحُرْمَتِهَا عَلَى الْغَيْرِ، وَيَكُونُ حَدِيثُ " فَلَا يَسْقِي مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ " خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الْحَمْلِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ مُطْلَقًا» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ بَقَاءُ بَعْضِهِ فِي بَطْنِهَا فَقَدْ نَظَرَ فِيهَا الشَّبْرَخِيتِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ خُرُوجَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَنَصُّهُ: وَانْظُرْ لَوْ بَقِيَ فِي بَطْنِهَا عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْحَمْلِ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ بَعْضُهُ، وَقُطِعَ هَلْ عِدَّتُهَا بَاقِيَةٌ حَتَّى يَخْرُجَ مَا بَقِيَ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ اهـ. زَادَ عَبْدُ الْبَاقِي لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ رَحِمِهَا اهـ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِهِ يُسْتَفَادُ مِنْ الرَّجْرَاجِيِّ لَكِنْ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [أَقَرَّ بِطَلَاقٍ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَنِ الْإِقْرَارِ بِحَيْثُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَنِ الْإِقْرَارِ بِحَيْثُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ إذَا عُمِلَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَعُقِدَ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ عِدَّةٍ مِنْ يَوْمِ إقْرَارِهِ يَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَيُفْسَخُ، وَيُحْكَمُ بِتَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي إنْ تَلَذَّذَ بِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إذَا عَمِلَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْهُ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ عَلَى الْإِقْرَارِ تَنْقَضِي فِيهِ الْعِدَّةُ، وَعَقْدُهُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ بِدُونِ اعْتِدَادٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ يَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِكَوْنِهِ عَقْدًا عَلَى مُعْتَدَّةٍ لِكَوْنِ عِدَّتِهَا مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ لَا مِنْ يَوْمِ الْإِيقَاعِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فَيَجِبُ فَسْخَةُ أَبَدًا، وَيُحْكَمُ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي إنْ تَلَذَّذَ بِهَا، وَلَوْ بِالْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ كَالْإِنْشَاءِ، وَالْعِدَّةُ مِنْ الْآنَ لَا لِتَارِيخِ بَيِّنَةٍ، وَلَا يَرِثُ هُوَ إنْ انْقَضَتْ بِدَعْوَاهُ، وَشُهُودُ الطَّلَاقِ بَعْدَ مَوْتِهِ عُدِمَ فَتَرِثُ، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَبَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَرِثْ حَيْثُ لَمْ يَطْعَنْ فِي الْبَيِّنَةِ، وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ مُتَقَدِّمٍ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ إقْرَارِهِ، وَلَمْ يَرِثْهَا إنْ انْقَضَتْ عَلَى دَعْوَاهُ، وَوَرِثَتْهُ فِيهَا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لَهُ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ حَضَرَتْ مِنْ الْفَيُّومِ إلَى الْقَلْيُوبِيَّةِ وَقَالَتْ كُنْت مُتَزَوِّجَةً فِي الْفَيُّومِ، وَطَلَّقَنِي زَوْجِي مُنْذُ شَهْرَيْنِ، وَمَعَهَا وَثِيقَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ طَلَاقَهَا وَتَارِيخَهُ بِخَتْمِ نَائِبِ الْقَاضِي فِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، وَأَرَادَتْ التَّزَوُّجَ بَعْدَ وَفَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ تَارِيخِ الْوَثِيقَةِ فَهَلْ تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ فِي دَعْوَاهَا الطَّلَاقَ، وَانْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ خُصُوصًا، وَقَدْ تَرَجَّحَتْ دَعْوَاهَا بِوَثِيقَةِ الْقَاضِي هَذَا مُفَادُ النُّصُوصِ لَكِنْ يَنْبَغِي زِيَادَةُ التَّثَبُّتِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْآنَ لِمَا شُوهِدَ كَثِيرًا مِنْ تَخْلِيطِ النِّسَاءِ وَتَزْوِيجِهِنَّ أَزْوَاجًا مَعًا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَبْلَ دَعْوَى طَارِئَةٍ مِنْ بَعِيدٍ يَخْفَى التَّزَوُّجُ كَبُعْدِ طُولٍ يَنْدَرِسُ فِيهِ الْخَبَرُ وَيُمْكِنُ مَوْتُ الشُّهُودِ مِنْ حَاضِرَةٍ، وَإِنْ لَمْ تُؤْمَنْ فَخِلَافٌ مَعَ الطُّولِ اهـ قَالَ الْخَرَشِيُّ مِثْلُ دَعْوَى التَّزْوِيجِ دَعْوَى مَوْتِ أَوْ طَلَاقِ الزَّوْجِ، وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ الْمَرْأَةُ الطَّارِئَةُ إذَا قَدِمَتْ فِي الرُّفْقَةِ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَادَّعَتْ أَنَّهَا دُونَ زَوْجٍ، وَخَشِيَتْ الْعَنَتَ فَإِنَّ

زوجت قبل رؤيتها الحيض فحملت ووضعت وانقطع الإرضاع ولم تر الحيض وطلقت فبماذا تعتد

السُّلْطَانَ يُزَوِّجُهَا، وَلَا يُكَلِّفُهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْهَا صُلَحَاءَ أَهْلِ الرُّفْقَةِ فَإِنْ اسْتَرَابَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا تَرَكَهَا فَإِنْ كَانَتْ طَارِئَةً عَلَى الْبَلَدِ مُقِيمَةً فِيهِ فَلَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهَا طَارِئَةٌ، وَأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا وَلِيَّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّارِئَةِ حَتَّى يَثْبُتَ طَلَاقُ زَوْجِهَا لَهَا أَوْ مَوْتُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّارِئَةَ تُصَدَّقُ فِي الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا تُصَدَّقُ الْمُقِيمَةُ، وَكَذَلِكَ فِي دَعْوَاهَا أَنَّهَا دُونَ زَوْجٍ، وَقَالَ: وَصَدَقَتْ بِلَا يَمِينٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ وَضَعَا إلَّا أَنْ تُكَذِّبَهَا الْعَادَةُ فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ سُئِلَ النِّسَاءُ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [زُوِّجَتْ قَبْلَ رُؤْيَتِهَا الْحَيْضَ فَحَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَانْقَطَعَ الْإِرْضَاعُ وَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ وَطَلُقَتْ فَبِمَاذَا تَعْتَدُّ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زُوِّجَتْ قَبْلَ رُؤْيَتِهَا الْحَيْضَ فَحَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَانْقَطَعَ الْإِرْضَاعُ، وَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ أَيْضًا، وَطَلُقَتْ فَبِمَاذَا تَعْتَدُّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ تَرَبُّصِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ تَمَّتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَأْتِهَا حَيْضٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَقَدْ حَلَّتْ، وَإِنْ أَتَى حَيْضٌ فِيهَا انْتَظَرَتْ حَيْضَةً ثَانِيَةً أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ فَإِنْ تَمَّتْ مِنْ غَيْرِ دَمٍ حَلَّتْ، وَإِنْ حَاضَتْ انْتَظَرَتْ ثَالِثَةً أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ فَتَحِلُّ بِأَقْرَبِهِمَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِهِ، وَقَوْلُهُمْ عِدَّةُ الشَّابَّةِ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَقَطْ يَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى مَنْ لَمْ تَحْمِلْ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ لِأَنَّ الَّتِي تَحْمِلُ، وَلَا تَحِيضُ لَا تَدُلُّ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ إنَّمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهَا مُضِيُّ مُدَّتِهِ الْغَالِبَةِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِهِ، وَهِيَ التِّسْعَةُ الْأَشْهُرُ عَلَى أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ بِدَمٍ فَقَدْ حَاضَتْ لِقَوْلِ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ الْحَيْضُ غُسَالَةُ الْجَسَدِ يَنْبَعِثُ مِنْ الْعُرُوقِ لِلْفَرْجِ إذَا كَثُرَ فِي الْجَسَدِ فَإِذَا حَصَلَ الْحَمْلُ انْغَلَقَ عَلَيْهِ الرَّحِمُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ غَالِبًا، وَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ أَعْدَلِهِ لَحْمُ الْجَنِينِ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَنِيِّ، وَمَا يَلِيه فِي الِاعْتِدَالِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَبَنٌ يَتَغَذَّى مِنْهُ الرَّضِيعُ، وَيَجْتَمِعُ أَكْدَرُهُ فَيَخْرُجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ بِعَيْنِهِ انْحَبَسَ ثُمَّ خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بَعْدَهُ فَمَنْ وَلَدَتْ بِدَمٍ فَقَدْ حَاضَتْ، وَمَنْ حَاضَتْ فِي عُمُرِهَا، وَلَوْ مَرَّةً لَا تَكْفِيهَا ثَلَاثَةُ الْأَشْهُرِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا، وَأَمَّا لَوْ حَاضَتْ مَرَّةً فِي عُمُرِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا سِنِينَ كَثِيرَةً لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْ لَمْ تَلِدْ ثُمَّ طَلُقَتْ فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَقْرَاءِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ أَيْ أَوْ سَنَةً بَيْضَاءَ كَمَا فِي صَغِيرِ الْخَرَشِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ أُخْبِرَتْ حَالَ حَيْضِهَا فِي مَرَضِهَا بِمَوْتِ أُمِّهَا فَانْقَطَعَ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهِ الْمُعْتَادَةِ لِغَمِّهَا ثُمَّ لَمْ يَأْتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَمَكَثَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ بَعْدَهُ لَمْ تَرَ فِيهَا حَيْضًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَتَاهَا الْحَيْضُ مَرَّةً لَيْسَ عَلَى أَلْوَانِ الدِّمَاءِ ثُمَّ صَارَ يَأْتِيهَا دَمٌ فِي ثَدْيَيْهَا يُوَرِّمُهُمَا، وَيَنْزِلُ لِسُرَّتِهَا، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِهَا فَهَلْ يُعَدُّ حَيْضًا تَعْتَدُّ بِهِ أَوْ لَا، وَمَا الْحُكْمُ فِيهَا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نُزُولُ الدَّمِ لِلْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ عَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ قُبُلِهَا لَا يُعَدُّ حَيْضًا لِاعْتِبَارِهِمْ الْخُرُوجَ مِنْ الْقُبُلِ قَيْدًا فِي مَاهِيَّتِه فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ، وَعِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ سَنَةٌ، وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَمِنْ الثَّالِثِ سِتَّةٌ بَعْدَ الْحَبْسِ الَّذِي

أَتَاهَا إنْ كَانَ إتْيَانُهُ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِهَا أَيْضًا، وَالْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ دَمٌ وَمَاءٌ أَصْفَرُ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ وَمَاءٌ كَدِرٌ يَمِيلُ إلَى السَّوَادِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَعَلَى مَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِغَيْرِ رَضَاعٍ كَمَرَضٍ، وَلَوْ أَمَةً أَوْ اُسْتُحِيضَتْ، وَلَمْ تُمَيِّزْ تَرَبُّصَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً، وَهَلْ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ ارْتِفَاعِ الْحَيْضِ خِلَافٌ ثُمَّ عِدَّتُهَا كَالْيَائِسَةِ لِكِبَرٍ، وَالْبَغْلَةُ خِلْقَةً، وَالصَّغِيرَةُ الْمُطِيقَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَالْعِبْرَةُ بِالْهِلَالِ إلَّا أَنْ يَنْكَسِرَ فَالْعَدَدُ وَلَغَا يَوْمٌ سَبَقَ فَجْرَهُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ حَاضَتْ الْمُرْتَابَةُ قَبْلَ الْمُدَّةِ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَ أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ بَيْضَاءَ غَيْرِ مُلَوَّثَةٍ بِدَمٍ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَبْرَأَتْهُ زَوْجَتُهُ مِنْ صَدَاقِهَا فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَهُ مَالِكِيٌّ جَهْلًا مِنْهُ، وَوَطِئَهَا فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ عَلَيْهَا عَقْدًا لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعَلَيْهِ فَرَجْعَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَهُوَ بَائِنٌ، وَرَجْعَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَفِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ خِلَافٌ رَجَّحَ عَبْدُ الْبَاقِي الْوُجُوبَ وَالْعَدَوِيُّ وَالْبَنَّانِيُّ عَدَمَهُ، وَنَصَّ عَبْدُ الْبَاقِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَفِي إمْضَاءِ الْوَلِيدِ لِي أَوْ فَسْخِهِ تَرَدُّدٌ، وَإِذَا زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ وَلِيٍّ أَبْعَدُ امْرَأَةً شَرِيفَةَ الْقَدْرِ بِوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا غَيْرِ الْمُجْبَرِ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَلَمْ يُطِلْ وَخُيِّرَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ كَمَا مَرَّ فَاخْتُلِفَ فِي إيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي إمْضَاءِ الْوَلِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَاءِ الْفَاسِدِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ، وَمِثْلُهُ وَلِيُّ السَّفِيهِ، وَسَيِّدُ الْعَبْدِ إذَا أَمْضَيَا نِكَاحَهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَعَدَمُ إيجَابِهِ أَوْ فِي إيجَابِهِ فِي فَسْخِهِ، وَأَرَادَ تَزَوُّجَهَا بَعْدَهُ، وَعَدَمُ إيجَابِهِ تَرَدُّدٌ، وَالرَّاجِحُ وُجُوبُهُ فِي الْإِمْضَاءِ، وَأَوْلَى فِي فَسْخِهِ لِأَنَّ الْفَسْخَ مُوجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ، وَقَوْلِي: وَدَخَلَ بِهَا أَيْ وَإِلَّا فَلَا اسْتِبْرَاءَ، وَقَوْلِي: وَأَرَادَ تَزَوُّجَهَا بَعْدَهُ أَيْ أَرَادَ مَنْ فُسِخَ نِكَاحُهُ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَجْنَبِيٌّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ فَسْخِ الْوَلِيِّ فَإِنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِي نِكَاحِ الْمَغْرُورِ، وَفِي كُلِّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَسْخٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَا فِي فَاسِدٍ لِصَدَاقِهِ إذَا مَضَى بِالْبِنَاءِ، وَلَا فِي وَطْءٍ حَرَامٍ لِنَحْوِ حَيْضٍ، وَلَا فِيمَا طَرَأَ فِيهِ خِيَارٌ لِلزَّوْجَةِ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِحُدُوثِ جُذَامٍ بِالزَّوْجِ بَعْدَهُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ صَحِيحًا لَازِمًا بِخِلَافِ عَقْدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ابْتِدَاءً، وَإِنْ غَرَّ الْمَعِيبَ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبُهُ بَعْدَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الظَّاهِرِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ مَنْشَؤُهُ فَسَادُ الْمَاءِ، وَكَوْنُهُ مَاءَهُ، وَالْوَلَدُ الْمُتَخَلِّقُ مِنْهُ لَاحِقٌ بِهِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْأَوَّلِ أَوْجَبَ الِاسْتِبْرَاءَ، وَمَنْ نَظَرَ لِلثَّانِي نَفَاهُ، وَعَلَى هَذَا فَتَدْخُلُ صُورَةُ السُّؤَالِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَالرَّجْعَةُ فِيهَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمَدَارَ عَلَى الشُّبْهَةِ فَتَدْخُلُ فِي قَوْلِ عَبْدِ الْبَاقِي تَبَعًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَالْبَدْرِ، وَفِي كُلِّ فَاسِدٍ إلَخْ، وَقَدْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فِي مَسَائِلَ تَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مِنْهَا مَنْ اشْتَرَى أَمَةً، وَوَطِئَهَا ثُمَّ اسْتَلْحَقَتْ مِنْهُ فَاشْتَرَاهَا مِنْ مُسْتَحَقِّهَا. سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ كَوْنِهِ يَسْتَمِرُّ عَلَى، وَطْئِهَا أَوْ يَسْتَبْرِئُهَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا قَالَ الْبُرْزُلِيِّ، وَلَيْسَتْ كَالْمُودِعَةِ يَشْتَرِيهَا بَعْدَ حَيْضِهَا عِنْدَهُ لِأَنَّهَا مُسْتَبْرَأَةٌ، وَهَذِهِ هُوَ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ، وَانْظُرْهَا مَعَ مَسْأَلَةِ الْأَبِ يَطَأُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا هَلْ يَبْقَى مُرْسَلًا عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لِلْأَبِ شُبْهَةً فِي مَالِ وَلَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهَا مِلْكُهُ

امرأة شأنها الحيض طلقت وتأخر حيضها بلا سبب خمس سنين ولم ترتب في الحمل فهل تتزوج

وَهَذِهِ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلِهَذَا وَجْهٌ، وَمِنْهَا مَنْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الرَّجْعِيَّةَ بِلَا نِيَّةِ رَجْعَةٍ فَقَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَلَا يُرَاجِعُهَا حَتَّى يَتِمَّ وَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ انْقَضَتْ فَلَا يَنْكِحُهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الِاسْتِبْرَاءُ فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِيهِ فَسْخٌ، وَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهَا لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ فَلَيْسَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ كَالْعِدَّةِ مِنْ مَائِهِ الصَّحِيحِ إذْ مَنْ عَقَدَ عَلَى مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ لَا يُفْسَخُ عَقْدُهُ لِصِحَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَيُعَدُّ رَجْعَةً كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَمِنْهَا مَنْ وَطِئَ مُحَرَّمَتَيْ الْجَمْعِ كَالْأُخْتَيْنِ قَالُوا إنْ أَرَادَ بَقَاءَ الثَّانِيَةِ لِلْوَطْءِ اسْتَبْرَأَهَا، وَإِنْ أَبْقَى الْأُولَى لَهُ فَلَا إلَّا أَنْ يَعُودَ لِوَطْئِهَا بَعْدَ وَطْءِ الثَّانِيَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَاَلَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ إنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي كَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي مَوْضُوعِ الْخِلَافِ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ أَفْتَى فِيهَا بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَنْكَرَ وُجُوبَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ مَعَ دُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [امْرَأَة شَأْنُهَا الْحَيْضُ طَلُقَتْ وَتَأَخَّرَ حَيْضُهَا بِلَا سَبَبٍ خَمْسَ سِنِينَ وَلَمْ تَرْتَبْ فِي الْحَمْلِ فَهَلْ تَتَزَوَّجُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ شَأْنُهَا الْحَيْضُ طَلُقَتْ، وَتَأَخَّرَ حَيْضُهَا بِلَا سَبَبٍ خَمْسَ سِنِينَ، وَلَمْ تَرْتَبْ فِي الْحَمْلِ فَهَلْ تَتَزَوَّجُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهَا التَّزَوُّجُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِتَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ سِنِينَ، وَذَكَرْت نَصَّ الْمَجْمُوعِ الْمُتَقَدِّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَقَاءِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا لِخِدْمَةِ أَوْلَادِهَا مِنْهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِي بِهَا وَهُوَ مَأْمُونٌ، وَهِيَ لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا، وَتَخَافُ الضَّيْعَةَ إنْ خَرَجَتْ مِنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَقَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ جَائِزٌ قَالَ الْخَرَشِيُّ، وَلَهُ أَيْ الْمُطَلِّقِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا السُّكْنَى مَعَهَا أَيْ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فِي دَارٍ جَامِعَةٍ لَهَا وَلِلنَّاسِ، وَلَوْ أَعْزَبَ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَقَعَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ بِمَحْضَرِ زَوْجِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا رِدَّةٌ، وَوَطِئَهَا ثُمَّ أَخْبَرَ فَقِيهًا فَعَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، وَفِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت خَالِصَةٌ فَقَالَ لَهُ عَامِّيٌّ لَيْسَ هَذَا طَلَاقًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَخْبَرَ فَقِيهًا فَعَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ أَيْضًا فَهَلْ الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِيهِمَا، وَهَلْ لَهُ تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّتِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْعَقْدُ فِيهِمَا فَاسِدٌ فَيُفْسَخُ، وَتَسْتَبْرِئُ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ، وَبَعْدَ تَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ يَعْقِدُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ، وَفَسْخُهُ طَلَاقٌ لِلْخِلَافِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ مَنْ أَبْرَأَتْهُ إلَخْ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ لِعَبْدِ الْبَاقِي، وَلَا يَعْقِدُ أَحَدٌ عَلَيْهَا زَمَنَهُ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا فُسِخَ نِكَاحُهُ أَوْ طَلَّقَهَا أَيْ بَائِنًا زَمَنَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ امْتَنَعَ فِيهِ الِاسْتِمْتَاعُ امْتَنَعَ فِيهِ الْعَقْدُ إلَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ، وَمِثْلُهُمَا الصِّيَامُ وَالِاعْتِكَافُ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَفَرَّقَ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا فَطَلَبَتْ زَوَاجَهُ مَكَانَهَا زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ مِنْهُ، وَإِنْ كَرِهَ الْوَلِيُّ قَالَ سَحْنُونٌ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ لَوْ دَخَلَ فَلَا تُنْكَحُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ أَبُو عِمْرَانَ هَذَا أَصْلُ سَحْنُونَ لِقَوْلِهِ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إنَّ زَوْجَتَهُ تَسْتَبْرِئُ بَعْدَ إجَازَةِ سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ أُجِيزَ بِخِلَافِ مَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ، وَفَاتَ بِالْبِنَاءِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهِ، وَكَذَا كُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ فِي نِكَاحٍ

مسائل النفقات

صَحِيحٍ كَوَطْءِ الْحَائِضِ، وَالْمُعْتَكِفَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَطْءٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ اتِّفَاقًا، وَبِمُخْتَلَفِ فِيهِ أَمْضَى أَوْ فَسَخَ فِيهِ قَوْلَا سَحْنُونَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ، وَفَاسِدُ الْوَطْءِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَغْوٌ، وَفِي وَطْءِ الْمُمَلَّكَةِ قَبْلَ إعْلَامِهَا نَظَرٌ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وُجُوبُ اسْتِبْرَائِهَا اهـ. [مَسَائِلُ النَّفَقَاتِ] [رَجُل سَافَرَ بِزَوْجَتِهِ إلَى الْحَجِّ وَلَيْسَ مُتَبَرِّعًا عَلَيْهَا بِنَفَقَةِ السَّفَرِ وَلَا غَيْرِهَا فَهَلْ لَهَا عَلَيْهِ ذَاكَ أَمْ لَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ النَّفَقَاتِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَافَرَ بِزَوْجَتِهِ إلَى الْحَجِّ، وَلَيْسَ مُتَبَرِّعًا عَلَيْهَا بِنَفَقَةِ السَّفَرِ، وَلَا غَيْرِهَا فَهَلْ لَهَا عَلَيْهِ ذَاكَ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَهَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَنَفَقَةِ السَّفَرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَجَّةِ الْفَرْضِ، وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ تَوَجَّهَ إلَى الْحِجَازِ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ ذُكُورٍ بَالِغِينَ، وَذَكَرًا وَأُنْثَى قَاصِرَيْنِ وَزَوْجَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ فِي سَفَرِهِ فَهَلْ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ مُحَاسَبَةُ مَنْ حَجَّ بِمَا أَنْفَقُوا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُمْ الْمُحَاسَبَةُ فَهَلْ لِلْبَالِغِينَ مُحَاسَبَةُ الْقَاصِرِينَ وَالزَّوْجَتَيْنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُنْفِقَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ مُحَاسَبَتُهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَلَدًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ زَوْجَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا مَعَهُ أَوْ مُقِيمًا فِي الْبَلَدِ لِسُقُوطِ نَفَقَةِ مَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ وَانْتِقَالِ الْمَالِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ عَلَى حَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فَمَنْ أَنْفَقَ مِنْهُمْ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ إنَّمَا أَنْفَقَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَمِنْ حَقِّ الْغَيْرِ أَنْ يُحَاسِبَهُ بِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَرُدَّتْ النَّفَقَةُ مُطْلَقًا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ حَامِلًا أَمْ لَا اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ بِامْرَأَةٍ غَضِبَتْ مِنْهُ وَصَالَحَهَا وَاشْتَرَى لَهَا كِسْوَةً وَأَخَذَتْهَا وَمَكَثَتْ قَلِيلًا وَنَشَزَتْ فَهَلْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ مُدَّةَ النُّشُوزِ وَهَلْ يَأْخُذُ الْكِسْوَةَ الَّتِي أَخَذَتْهَا إذَا بَقِيَتْ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا كِسْوَةَ مُدَّةَ النُّشُوزِ إنْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا لِطَاعَتِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ لِتَغَلُّبِهَا عَلَيْهِ بِقَوْمِهَا الَّذِينَ لَا تَنْفُذُ عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهَا لَهَا، وَلَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَتَرَكَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَرَى بِهِ حُكْمُ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ، وَلَهُ أَخْذُ الْكِسْوَةِ إنْ حَصَلَ النُّشُوزُ الْمُسْقِطُ لَهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ حِينِ أَخْذِهَا إيَّاهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ فَهَرَبَتْ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ وَطْئِهِ إيَّاهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا، وَتَوَجَّهَتْ إلَى مَنْزِلِ أَبِيهَا لِشِدَّةِ مَا هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهَا مِنْ الْخَوْفِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ خَلَاصُهَا

مِنْهُ إلَّا بِبُعْدِهَا عَنْهُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلَهَا التَّمَتُّعُ بِكِسْوَتِهَا أَمْ لَا، وَهَلْ إذَا أَرَادَ أَخْذَهَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَقَلَهُ عَنْ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا اهـ. وَيَسْتَمْتِعُ مِنْهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَالرَّتْقَاءِ لِعَدَمِ حِلِّ وَطْءِ مَنْ لَا تُطِيقُهُ، وَهُرُوبُهَا مِنْ الزَّوْجِ خَوْفَ وَطْئِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ ثَبَتَتْ لَا يُعَدُّ نُشُوزًا لِأَنَّ النُّشُوزَ الِامْتِنَاعُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إضْرَارُ نَفْسِهِ، وَلَا تُسْلِمُ لَهُ مَا دَامَ يُخْشَى مِنْهُ هَذَا الْأَمْرُ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَخْصٍ كَبِيرٍ لَهُ كَسْبٌ، وَأَخَوَانِ صَغِيرَانِ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا، وَلَمَّا بَلَغَا زَوَّجَهُمَا فَهَلْ إذَا طَلَبَا مُقَاسَمَتَهُ فِي الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَسْبِهِ لَا يُقْضَى لَهُمَا بِذَلِكَ، وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمَا بِالنَّفَقَةِ، وَكُلْفَةِ الزَّوَاجِ يُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُقْضَى لَهُمَا بِمُقَاسَمَةِ أَخِيهِمَا فِيمَا اكْتَسَبَهُ وَحْدَهُ أَمَّا إنْ كَانَا اكْتَسَبَا مَعَهُ فَلَهُمَا مُقَاسَمَتُهُ فِيمَا تَحَصَّلَ فِي اكْتِسَابِهِمْ بِحَسَبِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ أَوْ لَهُمْ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْهُ حِينَ الْإِنْفَاقِ أَوْ عَلِمَهُ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ مَعَ تَيْسِيرِ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إنْ نَوَاهُ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ إنْ نَوَاهُ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ حَلَفَ، وَكَانَ غَيْرَ سَرِفٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَرَجَعَتْ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ سَرَفٍ، وَإِنْ مُعْسِرًا كَمُنْفِقٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إلَّا لِصِلَةٍ، وَعَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَعَلِمَهُ الْمُنْفِقُ، وَحَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَأَفَادَ الْخَرَشِيُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَفْيِ السَّرَفِ بِحَالِ الْإِنْفَاقِ، وَأَنَّ الزَّوْجَةَ وَالْمُنْفِقَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ يَحْلِفَانِ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ التَّبَرُّعِ إنْ لَمْ يُشْهِدَا عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ، وَأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي رُجُوعِ الْمُنْفِقِ عَلَى صَبِيٍّ مَعَ الْعِلْمِ بِمَالِهِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ، وَأَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْمَالُ إلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ سَرَفًا، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَبَ الْمُوسِرَ كَالْمَالِ قَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِهِ وَبِإِيسَارِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ إلَى حِينِ الرُّجُوعِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُعْتَمَدْ طَرْحُهُ، وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَلِيًّا عُلِمَ مُلَاؤُهُ أَمْ لَا، وَقَيْدُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِغَيْرِ الرَّبِيبِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَأَفَادَ الْعَدَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجَ مُقَابِلُ الصَّغِيرِ، وَأَنَّ الرَّبِيبَ كَغَيْرِهِ نَقْلًا عَنْ الْمِعْيَارِ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ مَحَلَّ حَلْفِ الْمُنْفِقِ عَلَى صَغِيرٍ إذَا لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَرَجَعَتْ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ سَرَفٍ، وَلَوْ مُعْسِرًا، وَحَلَفَتْ إنْ لَمْ تُشْهِدْ أَنَّهَا أَنْفَقَتْ لِتَرْجِعَ كَمُنْفِقٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تَشْبِيهٌ تَامٌّ كَالصَّغِيرِ إنْ عَلِمَ الْمُنْفِقُ أَنَّ لَهُ مَالًا، وَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ، وَبَقِيَ لِلرُّجُوعِ، وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ الْمُوسِرِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ أَبُوهُ عَنْهُ، وَعَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ فَصَارَ يَكْتَسِبُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ رَشَدُوا، وَتَجَدَّدَ لَهُ أَمْتِعَةٌ مِنْ كَسْبِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يُقَاسِمُوهُ فِيهَا، وَالْحَالُ أَنَّ أَبَاهُمْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَهَلْ تَسُوغُ لَهُمْ مُقَاسَمَتُهُ، وَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَاسِبُوهُ بِأُجْرَتِهِمْ، وَأَرَادُوا أَنْ يُحَاسِبَهُمْ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ، وَلَهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنِّي زِدْت فِيهِ، وَلَهُمْ مُحَاسَبَتُهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَأَخَّرَ عَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ فَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ، وَكَتَبَ نَفْسَهُ مَعَ عَسْكَرِ الْمَغَارِبَةِ، وَتَوَجَّهَ إلَى الشَّامِ، وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ بِلَا نَفَقَةٍ، وَمَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقَاهِرَةِ، وَأَرْسَلَ لِزَوْجَتِهِ فَحَضَرَتْ لَهُ وَمَعَهَا وَلَدُهُ وَبِنْتُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَكَسَاهَا وَأَعْطَاهَا وَابْنَتَهَا حُلِيًّا، وَتَوَجَّهُوا إلَى بَلَدِهِمْ، وَأَقَامُوا فِيهَا سَنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا، وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ، وَطَلَبَ مِنْهَا، وَمِنْ بِنْتِهَا الْكِسْوَةَ وَالْحُلِيَّ فَأَبَتْ مِنْ رَدِّهِمَا لَهُ وَطَلَبَتْهُ بِنَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ وَلَدِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كِسْوَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَتِهَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا أَوْ لَا بَائِنًا أَوْ لَا، وَمَا أَعْطَاهُ مِنْ الْحُلِيِّ لِلْبِنْتِ يُحْمَلُ عَلَى الْهِبَةِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا أَعْطَاهُ لِزَوْجَتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَارِيَّةِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّمْلِيكِ، وَوُقُوعُ الْإِعْطَاءِ بَعْدَ طُولِ الْغَيْبَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا، وَتُرَبِّي وَلَدَهَا، وَلَمْ تَفْعَلْ مَا يَفْعَلُهُ شِرَارُ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ تَطْلِيقِ نَفْسِهَا وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَقَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى قَصْدِ التَّمْلِيكِ فَلَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ بِشَيْءٍ مَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ أَقْوَى أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْعَارِيَّةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَعْطَاهُ لَهَا مِنْ الْحُلِيِّ، وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا مُدَّةَ سَفَرِهِ بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ سَكَتَتْ عَنْ مُطَالَبَتِهِ لِأَجْلِ الْحُلِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ غَابَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً، وَلَمَّا قَدِمَ طَلَبَتْهَا مِنْهُ فَأَبَى فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا أَوْ يُعَدُّ مُضَارًّا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا مُدَّةَ غِيبَتِهِ، وَلَمْ تَسْقُطْهَا عَنْهُ، وَإِنْ طَرَأَ عُسْرُهُ فَلَيْسَ لَهَا التَّطْلِيقُ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا إنْظَارُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ كَالدَّيْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ مَنَعَهَا نَفَقَةَ الْحَالِ أَمَّا الْمَاضِيَةُ فَيَنْظُرُ بِهَا كَالدَّيْنِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْمٍ جَرَتْ عَادَةُ نِسَائِهِمْ بِأَنَّهُنَّ يَمْلَأْنَ مِنْ الْبَحْرِ أَوْ الْبِئْرِ أَوْ السَّاقِيَةِ فَهَلْ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَشَاجُرٌ لِأَوْلِيَاءِ الزَّوْجَةِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ قَرُبَ الْبَحْرُ أَوْ الْبِئْرُ أَوْ السَّاقِيَةُ مِنْ الْبَيْتِ السَّاكِنَةِ فِيهِ الزَّوْجَةُ فَلَيْسَ لِأَوْلِيَائِهَا مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ فَلَهُمْ مَنْعُهَا مِنْهُ كَمَا لَوْ بَعُدَ مَا ذُكِرَ كَمَا يُفِيدُ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ خَلَفًا بَعْدَ خَلَفٍ مِنْ طَحْنِ الزَّوْجَةِ وَعَجْنِهَا وَخَبْزِهَا وَطَبْخِهَا وَغَزْلِهَا وَاسْتِقَائِهَا وَفَرْشِهَا النَّخَّ وَكَنْسِهَا لِلْبَيْتِ فَهَلْ يَنْظُرُ الْقَاضِي لِلْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ أَوْ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ قَوْمٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَنْظُرُ الْقَاضِي لِلْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ لَا لِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ قَوْمٍ مُخَالِفًا لَهَا. وَحَاصِلُ الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسَ شَأْنُهُمْ الْخِدْمَةَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا قَادِرًا عَلَى الْإِخْدَامِ فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ إلَّا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ مِنْ لَفِيفِ النَّاسِ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ الْخِدْمَةُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ الزَّوْجُ مِنْ الْأَشْرَافِ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ، وَعَلَى الزَّوْجِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِخَادِمٍ بِمِلْكٍ أَوْ

إجَارَةٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَشْرَافِ، وَالزَّوْجُ فَقِيرٌ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِخْدَامِ أَوْ كَانَتْ مِنْ اللَّفِيفِ، وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ، وَلَوْ مَلِيًّا فَعَلَيْهَا فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَطَبْخٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ مِنْ بِئْرٍ فِي الدَّارِ أَوْ خَارِجِهَا أَوْ بَحْرٍ بِشَرْطِ الْقُرْبِ، وَالِاعْتِيَادِ فِي الِاسْتِقَاءِ، وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ لَهَا أَوْ لَهُ إنْ اُعْتِيدَتْ، وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ، وَلَوْ اُعْتِيدَتْ وَمِثْلُهَا الْغَسْلُ، وَلَا يَلْزَمُهَا التَّكَسُّبُ بِنَحْوِ غَزْلٍ وَنَسْجٍ وَخِيَاطَةٍ، وَلَوْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لَأَنْ يَخْدُمَهَا زَوْجُهَا بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ بَلْ كَانَتْ مِنْ لَفِيفِهِمْ أَوْ كَانَ زَوْجُهَا فَقِيرَ الْحَالِ، وَلَوْ كَانَتْ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْخِدْمَةُ فِي بَيْتِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ وَطَبْخٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ مِنْ الدَّارِ، وَمِنْ خَارِجِهَا إنْ كَانَتْ عَادَةُ بَلَدِهَا ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِنْ الْأَشْرَافِ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ أَزْوَاجَهُمْ فِي الْخِدْمَةِ فَعَلَيْهِ الْإِخْدَامُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْدَارِ بِخِلَافِ النَّسْجِ وَالْغَزْلِ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَنْسِجَ لِزَوْجِهَا، وَلَا أَنْ تَغْزِلَ، وَلَا أَنْ تَخِيطَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِدْمَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَكَسَّبَ لَهُ إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَةُ نِسَاءِ بَلَدِهَا، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي الْمُفْلِسِ لَا يَلْزَمُهُ التَّكَسُّبُ انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِنْ أَشْرَافِ. . . إلَخْ. وَقَوْلُ الْخَرَشِيِّ، وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَاضِي يَنْظُرُ لِلْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ لَا لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مُخَالِفًا لَهَا كَمَا قُلْت. قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ مِنْ عَجْنٍ وَطَبْخٍ أَيْ لَهُ، وَلَهَا لَا لِضُيُوفِهِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهَا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِ شَيْخِنَا الْخِدْمَةُ لِأَوْلَادِهِ وَعَبِيدِهِ وَوَالِدَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ مِنْ خَارِجِهَا إنْ كَانَتْ عَادَةُ بَلَدِهَا إلَخْ فِي شَرْحِ الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مِنْ بِئْرِ دَارِهَا أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ، وَلَا أَنْ تَخِيطَ إلَخْ أَفَادَ بَعْضٌ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمُصَنِّفِ خِلَافَ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا، وَأَنَّ خِيَاطَةَ ثَوْبِهِ، وَثَوْبِهَا تَلْزَمُهَا، وَيَجْرِي عَلَى الْعُرْفِ، وَرَأَيْت مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا غَسْلُ ثِيَابِهِ، وَثِيَابِهَا فَقَالَ بَعْضٌ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي عَلَى الْعَادَةِ، وَالنَّصُّ فِي الْأَبِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَلَا يَلْزَمُهَا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِذَلِكَ فَهُوَ كَالْخِيَاطَةِ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ عَدَمِ لُزُومِ الْخِيَاطَةِ اهـ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ خِدْمَةِ زَوْجِهَا فَأَجَابَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ خِدْمَةِ بَيْتِهَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ فِي مَلَائِهِ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَزَادَ وَكَانَتْ هِيَ ذَاتَ قَدْرٍ فِي صَدَاقِهَا وَكَثْرَتِهِ فَلَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا مِنْ غَزْلٍ وَغَسْلٍ وَطَبْخٍ وَكَنْسٍ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدِمَهَا، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قَدْرٍ، وَلَيْسَ فِي صَدَاقِهَا مَا يَشْتَرِي بِهِ خَادِمًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا، وَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَطَبْخٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ إنْ كَانَ مَعَهَا فِي الدَّارِ، وَعَمَلِ الْبَيْتِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَلِيًّا، وَحَالُهُ مِثْلُهَا أَوْ أَشَقُّ مَا لَمْ يَكُنْ شَرِيفًا مِمَّنْ لَا يَمْتَهِنُ امْرَأَتَهُ فِي خِدْمَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ دُونَهُ فِي الْقَدْرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا غَزْلٌ، وَلَا نَسْجٌ بِحَالٍ، وَالْفَقِيرُ لَيْسَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا مُطْلَقًا، وَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ، وَلَوْ كَانَتْ شَرِيفَةً كَالدَّنِيَّةِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ يَتَعَاوَنَانِ فِي الْخِدْمَةِ فِي فَقْرِهِمَا ثُمَّ قَالَ، وَكَانَ نِسَاءُ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَخْدُمْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ فَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

كَانَتْ تَطْحَنُ، وَأَنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ تَسُوسُ فَرَسَ الزُّبَيْرِ، وَأُرَاهَا كَانَتْ تُسَرِّحُ بِهِ، وَتَخْدُمُهُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَكَانَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَحْمِلْنَ الْمَاءَ فِي الْقِرَبِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْخِدْمَةِ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْدِمَ خِدْمَةَ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ فَخِدْمَتُهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي مَصَالِحِ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ كَانَتْ دَنِيَّةً فَعَلَيْهَا الْكَنْسُ وَالْفَرْشُ وَطَبْخُ الْقِدْرِ، وَعَلَيْهَا اسْتِقَاءُ الْمَاءِ إنْ كَانَ عَادَةَ الْبَلَدِ قَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ مِنْ بِئْرِ دَارِهَا أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْ مَنْزِلِهَا وَيَحُفُّ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُهُ خِدْمَتُهُ التَّمْكِينُ مِنْ نَفْسِهِ اهـ كَلَامُهُ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ صِنْفِ الْحَضَرِ وَكَانَ قَاضِي أَنْكِحَةٍ تَشْكُو وَجَعَ يَدِهَا مِنْ الْعَجْنِ فَأَمَرَ زَوْجَهَا بِشِرَاءِ خَادِمٍ تَخْدُمُهَا، وَجَاءَتْهُ بَدْوِيَّةٌ تَشْكُو شِدَّةَ خِدْمَتِهَا مِنْ الطَّحْنِ وَحَمْلِ الْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خِدْمَةِ الْبَادِيَةِ، وَمَشَقَّتِهَا فَأَمَرَهَا بِأَنْ تَبْقَى مَعَهُ، وَتُعَاشِرَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ نِسَاءَ الْبَوَادِي دَخَلْنَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ هَذِهِ. قُلْت، وَلَعَلَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ إنْ كَانَتْ عَادَةً مُعْتَادَةً لَا تُخْلَفُ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْمَازِرِيِّ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ إسْكَانَ الزَّوْجِ مَعَ صِهْرِهِ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَكِرَاءٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةٍ اشْتَرَتْ مِنْ مَالِهَا مَاشِيَةً أَوْ طَيْرًا صَغِيرًا، وَرَبَّته فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى كَبِرَ فَأَرَادَ أَهْلُ زَوْجِهَا أَنْ يَدْفَعُوا لَهَا الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَتْ بِهِ مَا ذُكِرَ، وَيَخْتَصُّوا بِهِ لِأَنَّهَا رَبَّته مِنْ عَلَفِهِمْ فَهَلْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ، وَيَكُونُ مِلْكًا لَهَا، وَعَلَيْهَا النَّفَقَةُ فِيمَا مَضَى أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ، وَمَا اشْتَرَتْهُ مِنْ مَالِهَا مَاشِيَةً أَوْ طَيْرًا بَاقٍ عَلَى مِلْكِهَا، وَلَا رُجُوعَ لِزَوْجِهَا، وَلَا لِأَهْلِهِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فِي نَظِيرِ مَا عَلَفَتْهُ لَهُ مِنْ مِلْكِ زَوْجِهَا، وَهُوَ عَالِمٌ سَاكِتٌ لِحَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى التَّبَرُّعِ لَهَا بِهِ لَا سِيَّمَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَتْهُ عَلَى رَبِيبِهِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَصِلَةٌ لِلرَّبِيبِ اهـ وَمِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَنْفَقَهُ بِالشَّرْطِ عَلَى وَلَدٍ أَوْ عَلَى مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ خَدَمِهَا اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ الْفَقِيرِ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهُ، وَعَنْ بِنْتٍ وَتَرَكَ دَارًا فَهَلْ لِلْبِنْتِ الْمُحَاصَّةُ فِيهَا بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ صَدَاقِ أُمِّهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْوَلَدِ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَيُضَيِّعُ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى أَبِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْوَلَدِ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ حَيْثُ كَانَتْ تِلْكَ الدَّعْوَى مُجَرَّدَةً عَنْ الثُّبُوتِ، وَحِينَئِذٍ فَلِلْبِنْتِ الْمُحَاصَّةُ فِي دَارِ أَبِيهَا بِمَا يَخُصُّهَا مِنْ صَدَاقِ أُمِّهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً ثُمَّ قَدِمَ مُقِرًّا بِطَلَاقِهَا فِي زَمَنٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ

مِنْ مَالِهِ غَيْرِ سَرَفٍ لِتَفْرِيطِهِ لِعَدَمِ إعْلَامِهَا بِطَلَاقِهِ مَا لَمْ يُعْلِمْهَا بِهِ عَدْلَانِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَتْ الْمُطَلَّقَةُ، وَيَغْرَمُ مَا تَسَلَّفَتْ الْخَرَشِيُّ، وَمِثْلُ مَا تَسَلَّفَتْ مَا أَنْفَقَتْهُ مِنْ مَالِهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُخْبِرْهَا مَنْ يَثْبُتُ بِخَبَرِهِ الطَّلَاقُ مُحَمَّدٌ فَلَوْ قَدِمَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ يَشْهَدُ بِطَلَاقِهَا فَأَعْلَمَهَا أَوْ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا مَنْ يَحْكُمُ بِهِ السُّلْطَانُ فِي الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَالْوَارِثِ لِأَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ صَارَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ غَيْرِهِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِصَغِيرَةٍ، وَمَكَثَ مَعَهَا قَدْرَ شَهْرٍ، وَتَرَكَهَا عِنْدَ جَدَّتِهَا، وَغَابَ عَنْهَا سَنَتَيْنِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَهُوَ مَلِيءٌ ثُمَّ رَجَعَ فَأَرَادَتْ الْجَدَّةُ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ فِي الْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ تُجَابُ لِذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُجَابُ لِذَلِكَ بَعْدَ حَلِفِهَا عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، وَدَخَلَ بِهَا، وَلَهَا ابْنُ بِنْتٍ بَالِغٍ مُقِيمٍ مَعَهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَهَلْ إذَا تَضَرَّرَ مِنْهُ الزَّوْجُ يَكُونُ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا بِالْأُجْرَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ، وَأَمَّا أَخُوهَا وَعَمُّهَا وَخَالُهَا وَابْنُ أَخِيهَا وَابْنُ أُخْتِهَا فَلَهُ مَنْعُهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَالِبِ عِلْمٍ بِالْأَزْهَرِ، وَلَهُ أَبٌ وَعَمٌّ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْفَقَا عَلَيْهِ مُدَّةَ مُجَاوَرَتِهِ، وَكَتَبَ بِيَدِهِ كُتُبًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ تَشَاجَرَا مَعَهُ، وَأَرَادَا أَخْذَ الْكُتُبِ فِي النَّفَقَةِ فَهَلْ لَا يُجَابَانِ لِذَلِكَ، وَيَكُونُ إنْفَاقُهُمَا تَبَرُّعًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَيُمْنَعَانِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُجَابَانِ لِأَخْذِ عَيْنِ الْكُتُبِ، وَيُحْمَلَانِ عَلَى التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَهُمَا، وَيُمْنَعَانِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا أَشْهَدَ حَالَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ بِقَصْدِهِمَا الرُّجُوعَ أَوْ يَحْلِفَا عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مِصْرِيَّةٍ ذَهَبَتْ مَعَ أَهْلِهَا لِلشَّامِ، وَتَزَوَّجَتْ فِيهِ رَجُلًا، وَأَقَامَتْ مَعَهُ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَتْ لِمِصْرِ مَعَ أَهْلِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَهُوَ مُوسِرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي وَطَنِهِ، فَهَلْ لَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَأْمُونًا، وَبَلَدُ الزَّوْجِ تُقَامُ فِيهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَخَبَرُ الْمَرْأَةِ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا عَنْ زَوْجِهَا، وَإِلَّا فَلَهَا ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مسائل الرضاع

[مَسَائِلُ الرَّضَاعِ] [رَجُل تَزَوَّجَ بِبِنْتِ أُخْتِهِ رَضَاعًا وَالْحَالُ أَنَّ الرَّضَاعَ مُعْتَبَرٌ فَهَلْ يُفْسَخُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الرَّضَاعِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ أُخْتِهِ رَضَاعًا، وَالْحَالُ أَنَّ الرَّضَاعَ مُعْتَبَرٌ فَهَلْ يُفْسَخُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِفَسْخِهِ، وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُفْسَخُ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ النَّسَبِ {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَإِذَا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ إنْ ثَبَتَ الرَّضَاعُ بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ عَلَى إقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ صَدَّقَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ أَمَّا إنْ أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ لِاتِّهَامِهِ بِالْكَذِبِ لِيُفَارِقَهَا بِلَا غُرْمِ صَدَاقٍ فَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأَكْذَبَهَا الرَّجُلُ فَلَا يُفْسَخُ لِاتِّهَامِهَا عَلَى كَرَاهَتِهِ وَالْكَذِبِ لِفِرَاقِهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَفَسْخُ نِكَاحِ الْمُتَصَادِقَيْنِ عَلَيْهِ أَيْ الرَّضَاعِ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ إلَّا أَنْ تُعْلِمَ فَقَطْ فَكَالْغَارَّةِ أَيْ لَهَا رُبْعُ دِينَارٍ فَقَطْ، وَإِنْ ادَّعَاهُ فَأَنْكَرَتْ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ لَمْ يَنْدَفِعْ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَلَا نِكَاحَ إنْ أَقَرَّ بِهِ مُكَلَّفٌ إلَّا الزَّوْجَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ وَتُفْتَدَى وَلَا شَيْءَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ مَاتَ وَلَهَا إنْ فُسِخَ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى إلَّا أَنْ تُعْلِمَ فَقَطْ فَرُبْعُ دِينَارٍ كَالْغَارَّةِ فِي الْعِدَّةِ بِانْقِضَائِهَا، وَإِنْ أَقَرَّ وَحْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا النِّصْفُ وَفَسْخٌ، وَثَبَتَ بِرَجُلَيْنِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَا الْعَقْدَ سَاكِتَيْنِ فَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُمَا بَعْدُ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُفْشِ وَبِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَبِامْرَأَتَيْنِ إنْ فَشَا فِيهِمَا أَيْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ الْفُشُوِّ عَدَالَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ مِمَّا فِي الْأَصْلِ لَا بِامْرَأَةٍ، وَلَوْ فَشَا، وَنَدَبَ التَّنَزُّهَ مُطْلَقًا، وَعَمِلَ فِي غَيْرِ الرَّشِيدِ، وَلَا رُشْدَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغٍ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ أُمًّا عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ، وَأَوْلَى هُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُمَا بَعْدَهُ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فِي حَضَانَتِهَا بِنْتٌ رَضِيعَةٌ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَاسْتَمَرَّتْ فِي حَضَانَتِهَا، وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ حَتَّى بَلَغَتْ، وَلِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ أَرَادَ التَّزَوُّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ هَلْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَرْضَعَتْهَا بَعْدَ وَطْءِ أَبِيهِ مَعَ الْإِنْزَالِ، وَسِنُّهَا حَوْلَانِ وَشَهْرَانِ فَأَقَلَّ، وَقَبْلَ فَطْمِهَا فَاطِمًا تَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ اللَّبَنِ اسْتِغْنَاءً بَيِّنًا بِحَيْثُ إذَا رُدَّتْ لَهُ لَا يَقُومُ بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّ لَبَنَ أُمِّهَا انْتَسَبَ لِأَبِيهِ بِمُجَرَّدِ وَطْئِهِ إيَّاهَا مَعَ الْإِنْزَالِ، وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ فَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ بِهِ بَعْدَ وَطْئِهِ إيَّاهَا صَارَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَدْرُ وَلَدَاهَا، وَلِوَاطِئِهَا مِنْ الْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ وَلَوْ حَرَامًا لَا يَلْحَقُ حَمْلُهُ، وَإِنْ زِنًا وَهُوَ لَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ، وَاشْتِرَاكًا إنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا يَحْرُمُ رَضَاعُ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْ

حَوْلَيْنِ وَشَهْرَيْنِ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ بَيْنًا عَنْ اللَّبَنِ بِحَيْثُ لَا يَقُومُ بِهِ إذَا رُدَّ لَهُ فَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ فَطِيمٌ فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْإِرْضَاعُ حَرُمَ مُطْلَقًا لِمُدَّتِهِ مِثْلَ النَّسَبِ مَفْعُولُ يَحْرُمُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ صَبِيًّا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ ثَانٍ، وَاللَّبَنُ مُسْتَصْحَبٌ فَاللَّبَنُ لَهُمَا مَعًا، وَإِذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مُحْتَمَلٍ فَاللَّبَنُ لِمَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ مِنْ وَطْءٍ يُحَدُّ فِيهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَالرَّضَاعُ كَالنَّسَبِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ فَإِنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَحُرِّمَ عَلَيْهِ جَمِيعُ بَنَاتِهَا اللَّاتِي أَرْضَعَتْهُنَّ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ قَرَابَاتِهَا هُمْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَاتِ أُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ وَصَاحِبُ اللَّبَنِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهُ لِأَنَّهُنَّ عَمَّاتُهُ وَأُمُّهُ وَبَنَاتُهُ، وَإِنْ كُنَّ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ لِأَبِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ قَرَابَاتِهِ هُمْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَاتِ أَبِيهِ مِنْ النَّسَبِ فَقِسْ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُو الطِّفْلِ الْمُرْضَعِ مِنْ النَّسَبِ أُخْتَ الْمُرْضِعِ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ الطِّفْلُ الْمُرْضِع خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَرْضَعَتْ طِفْلًا كَانَ زَوْجُهَا حُرِّمَتْ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ، وَمَنْ أَبَانَ صَغِيرَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ مَنْ يُرْضِعُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَالرَّضَاعُ الَّذِي يُحَرِّمُ هُوَ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَمَا قَارَبَهُمَا كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَإِنْ فُطِمَ فِي نَفْسِ الْحَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُمَا، وَاسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ وَقَعَ الرَّضَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ. وَيُعْتَبَرُ مَا وَصَلَ لِلْجَوْفِ بِرَضَاعٍ أَوْ سَعُوطٍ أَوْ كُحْلٍ أَوْ وَجُورٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي الْحُقْنَةِ قَوْلَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ يَائِسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لِصِغَرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ، وَكَذَلِكَ لَبَنُ الذُّكُورِ وَالْبَهَائِمِ لَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِمَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَوَاءٍ حَتَّى اُسْتُهْلِكَتْ عَيْنُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسْتَهْلَكْ عَيْنُهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَيَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِشَاهِدَيْنِ، وَبِامْرَأَتَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاشِيًا مِنْ قَوْلِهِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاشِيًا فَقَوْلَانِ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُمَا، وَفِي الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فَاشِيًا مِنْ قَوْلِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسَخُ بِذَلِكَ، وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ ابْنُ فَتْحُونٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ التَّنَزُّهُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ بِقَوْلِ أَجْنَبِيَّةٍ فَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِذَلِكَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ كَانَ إقْرَارُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلًا فِي الْفَسْخِ بَعْدَهُ وَنِصْفٌ فِي الْفَسْخِ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ تُوَافِقَهُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ الزَّوْجَةُ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فُسِخَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يُفْسَخْ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ اهـ بِتَصَرُّفٍ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ فَطَمَتْ وَلَدَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَعَ كَوْنِ أَبِيهِ يَدْفَعُ لَهَا أُجْرَةَ الرَّضَاعِ فَحَصَلَ لِلْوَلَدِ ضَعْفٌ إلَى أَنْ مَاتَ فَهَلْ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ إرْضَاعُهُ وَاجِبًا عَلَيْهَا لِعَدَمِ وُجُودِ مُرْضِعٍ غَيْرِهَا أَوْ عَدَمِ قَبُولِ الْوَلَدِ غَيْرَهَا، وَشَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ ضَعْفَهُ مِنْ الْفِطَامِ فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَسَامَةُ وَتَغْرِيمُهَا دِيَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ النَّاصِرُ عَمَّنْ طَلُقَتْ وَمَعَهَا وَلَدٌ عُمُرُهُ سَنَةٌ وَشَهْرٌ، وَفَرَضَ أَبُوهُ لِرَضَاعِهِ فَرْضًا فَفَطَمَتْهُ بَعْدَ نَحْوِ عِشْرِينَ يَوْمًا

حكم إرضاع الولد

وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُ الْأُمَّ فِيهِ شَيْءٌ أَمْ لَا فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الْفِطَامِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّنِّ فَفَطَمَتْهُ، وَمَاتَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ مِنْ الْفِطَامِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ اهـ. قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ وَتَرْكُ مُوَاسَاةٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَتْرُكُ رَضَاعَ وَلَدِهَا اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [حُكْم إرضاع الْوَلَد] قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَيَلْزَمُ الْأُمَّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً أَوْ غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ أَوْ شَرِيفَةً لَا يُرْضِعُ مِثْلُهَا فَيَكُونَ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِمَنْ يُرْضِعُهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْأَبُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لَهَا أُجْرَةَ الرَّضَاعِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا فَرَضَ لَهَا كَانَ لِلْأَبِ أَخْذُهُ، وَيَدْفَعُهُ لِمَنْ تُرْضِعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أُجْرَةٍ كَانَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَوَجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ بِأُجْرَةٍ تَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُ بَاطِلًا، وَإِذَا أَبَتْ الْأُمُّ إرْضَاعَهُ، وَأَرَادَتْ دَفْعَهُ إلَى أَبِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَخْذِهِ حَتَّى يَجِدَ مَنْ تُرْضِعُهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ أُعْدِمَ الصَّبِيُّ وَالْأَبُ، وَسَبَقَ فِي الصَّوْمِ أَنَّ مَالَ الصَّبِيِّ مُقَدَّمٌ فَعَلَى الْآمِرِ إرْضَاعُهُ وَأُجْرَتُهُ إنْ عَدِمَتْ اللَّبَنَ كَدَنِيَّةٍ غَيْرِ بَائِنٍ رَجْعِيَّةٍ أَوْ فِي الْعِصْمَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ بَائِنًا فَلَهَا الْأُجْرَةُ، وَلَوْ وَجَدَ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ مَجَّانًا، وَوَجَبَ قَبُولُهَا أَيْ الْأُجْرَةِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ رَضَعَ مِنْ جَدَّتِهِ لِأَبِيهِ مَعَ إحْدَى بَنَاتِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ، وَلَهُنَّ بَنَاتٌ فَعَقَدَ لَهُ فَقِيهٌ عَلَى بِنْتٍ مِنْ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ اللَّاتِي صِرْنَ أَخَوَاتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ فَهَلْ هُوَ بَاطِلٌ فَيُفْسَخُ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الْعَقْدُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَيَجِبُ فَسْخُهُ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ حَيْثُ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ كُلُّ نِكَاحٍ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا نِكَاحُ الدِّرْهَمَيْنِ، وَفُرْقَةُ الْمُتَرَاضِعَيْنِ، وَالْمُتَلَاعِنِينَ، وَلَيْسَتْ صُورَةُ النَّازِلَةِ مِنْ فُرْقَةِ الْمُتَرَاضِعَيْنِ الْمُسْتَثْنَاةُ لِأَنَّهَا فِي إقْرَارِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [تَزَوُّجِ ابْنِ الزَّوْجِ بِنْتَ زَوْجَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَزَوُّجِ ابْنِ الزَّوْجِ بِنْتَ زَوْجَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ صَدَّرَ مِنْهَا بِالْجَوَازِ، وَحَكَى اسْتِظْهَارَهُ، وَثَنَّى بِالْمَنْعِ، وَثَلَّثَ بِالْكَرَاهَةِ مُعَلَّلَةً بِالِاحْتِيَاطِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ هَذَا وَاضِحٌ إذَا كَانَتْ الْبِنْتُ مَعَهَا، وَانْفَصَلَتْ مِنْ الرَّضَاعِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِأَبِيهِ، وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا الْأَبُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِرَجُلٍ، وَأَوْلَدَهَا بِنْتًا فَهَلْ لِابْنِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الْبِنْتِ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ، وَاسْتَظْهَرَ وَالْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ احْتِيَاطًا اهـ. وَمَوْضُوعُهَا أَنَّ لَبَنَ الْأَوَّلِ انْقَطَعَ قَبْلَ وِلَادَةِ الْبِنْتِ، وَإِلَّا فَالْمَنْعُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ أُمُّهَا إنَّهَا رَضَعَتْ مَعَهُ، وَأَشَاعَتْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا وَقَالَتْ كُنْت كَارِهَةً تَزَوُّجَهُ لَهَا فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُنْدَبُ لَهُ عَدَمُ تَزَوُّجِهِ بِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ أُمِّ أَحَدِهِمَا فَالتَّنَزُّهُ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي: أَنَّ أُمَّ أَحَدِهِمَا إذَا قَالَتْ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ هَذَا رَضَعَ مَعَ ابْنَتِي فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ التَّنَزُّهُ فَقَطْ، وَلَيْسَتْ كَالْأَبِ، وَلَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ قَائِلًا لِأَنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالْعَاقِدِ لِلنِّكَاحِ فَتَكُونُ كَالْأَبِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ وَتَقُولَ كُنْت كَاذِبَةً أَوْ تَسْتَمِرَّ عَلَى إقْرَارِهَا، وَسَوَاءٌ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ قَالَتْهُ اعْتِذَارًا أَمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ هَذَا، وَرَجَّحَ مُحَشِّي التَّتَّائِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْأُمِّ قَبْلَ الْعَقْدِ يُحَرِّمُ إنْ فَشَا مِنْ قَوْلِهَا، وَلَمْ تُكَذِّبْ نَفْسَهَا ظَاهِرُهُ، وَلَوْ وَصِيَّةً، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقِيلَ الْوَصِيَّةُ كَالْأَبِ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّمَاصِيِّ تَبَعُ التَّتَّائِيِّ فِي تَقْرِيرِهِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ أُمِّ أَحَدِهِمَا بِمَنْ أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا، وَقَوْلُهُ لَا بِامْرَأَةٍ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُدَوَّنَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أُمَّ أَحَدِهِمَا الَّتِي لَمْ تُكَذِّبْ نَفْسَهَا لَيْسَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْأُمُّ إنْ اسْتَمَرَّتْ تَقُولُ أَرْضَعْت فُلَانَةَ فَلَمَّا كَبِرَتْ أَرَادَ الِابْنُ تَزَوُّجَهَا فَلَا يَفْعَلُ اهـ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِهِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ، وَالْأُمُّ كَغَيْرِهَا ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ وَصِيًّا ثُمَّ قَالَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى إنْ فَشَا قَوْلُهَا حُرِّمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا فَقَدْ اعْتَضَدَ التَّحْرِيمُ بِمُوَافَقَةِ سَمَاعِ يَحْيَى فَهُوَ الرَّاجِحُ فَلِذَا قَيَّدَ التَّتَّائِيُّ قَوْلَهُ لَا بِامْرَأَةٍ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ إخْبَارَ أُمِّ الصَّغِيرِ بِالرَّضَاعِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: يُحَرِّمُ، لَا يُحَرِّمُ، يُحَرِّمُ إنْ كَانَتْ وَصِيًّا، وَمَحَلُّهَا إنْ لَمْ تَرْجِعْ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَا اتِّفَاقًا هَذَا تَحْرِيرُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ بِنْتَ خَلِيطِهِ فِي الْعِشْرَةِ مَعَ الشَّكِّ فِي أُخُوَّتِهِمَا رَضَاعًا، وَإِخْبَارِ أُمِّ الْبِنْتِ بِالرَّضَاعِ بَعْدَ إخْبَارِهَا بِعَدَمِهِ، وَإِخْبَارِ جَدَّةِ الِابْنِ بِهِ مَعَ تَرَدُّدِ أُمِّهِ فِيهِ بَعْدَ إخْبَارِهَا بِعَدَمِهِ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تُسْأَلُ أُمُّ الْبِنْتِ، وَجَدَّةُ الِابْنِ عَنْ الرَّضَاعِ الَّذِي أَخْبَرَتَا بِهِ فَإِنْ تَحَقَّقْنَاهُ، وَفَشَا مِنْ قَوْلِهِمَا فَلَا يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وُجُوبًا لِثُبُوتِ الرَّضَاعِ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقَاهُ فَعَقْدُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا شُبْهَةٌ يُسْتَحَبُّ اجْتِنَابُهُمَا، وَقَدْ «أَخْبَرَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ، وَقَالَ الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» . وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ شَهِدَ بِرَضَاعِ الزَّوْجَيْنِ أُمَّهَاتُهُمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فَشَا مِنْ قَوْلِهِمَا قَبْلَ النِّكَاحِ ابْنُ عَرَفَةَ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّتَيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَخَلِيلٍ، وَنَدَبَ التَّنَزُّهَ مُطْلَقًا عَبْدُ الْبَاقِي فِي كُلِّ شَهَادَةٍ لَا تُوجِبُ فِرَاقًا كَشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْ أَجْنَبِيَّةً أَوْ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَدْلًا أَوْ امْرَأَتَيْنِ بِلَا فُشُوٍّ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَمَعْنَى التَّنَزُّهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا إنْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الطَّعْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا لِابْنِ عَمِّهَا ثُمَّ قَالَتْ أُمُّهَا أَرْضَعْت الزَّوْجَ، وَلَمْ أَعْلَمْ بِعَقْدِهِ فَهَلْ

مسائل الحضانة

يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِقَوْلِهَا، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّهُ يَنْدُبُ لِلزَّوْجِ فِرَاقُ زَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَةِ احْتِيَاطًا وَاتِّقَاءً لِلشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ أُمِّهَا لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْحَضَانَةِ] [الْحَاضِنَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ عِلْمِ مَنْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ إلَيْهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْحَضَانَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، وَمَعَهَا طِفْلٌ مِنْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَالطِّفْلُ مَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَبُو الطِّفْلِ نَزْعَهُ مِنْهَا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَهَلْ إذَا ادَّعَى عَدَمَ عِلْمِهِ بِالتَّزَوُّجِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ نَزْعِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِدُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا وَسَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى تَأَيَّمَتْ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ لِتَأَيُّمِهَا قَبْلَ عِلْمِهِ. الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ عِلْمِ مَنْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ إلَيْهِ فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ لِلْحَاضِنَةِ، وَلَا مَقَالَ لِمَنْ بَعْدَهَا، وَمَفْهُومٌ قَبْلَ عِلْمِهِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ لَا مَقَالَ لَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَلْدَتِهِ إلَى أُخْرَى، وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهَا، وَمَكَثَ مَعَهَا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ حَتَّى وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَأَرَادَ التَّوَجُّهَ إلَى بَلْدَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ أَوْلَادِهِ الْقَاصِرِينَ مَعَهُ أَوْ لَا، وَيُمْنَعُ مِنْ أَخْذِهِمْ قَهْرًا، وَيَسْتَمِرُّونَ مَعَ أُمِّهِمْ، وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ نَفَقَتِهِمْ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ سِتَّةُ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ، وَأَرَادَ عَدَمَ الْعَوْدِ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ، وَامْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، وَأَمَّنَتْ الْمَسَافَةَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا، وَالْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُمْ، وَيَسْقُطُ حَقُّ أُمِّهِمْ فِي حَضَانَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَضِيعٌ زِيدَ شَرْطٌ، وَهُوَ قَبُولُهُ غَيْرَ أُمِّهِ، وَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُمْ، وَيَبْقَى حَقُّ أُمِّهِمْ فِي حَضَانَتِهِمْ فَيَسْتَمِرُّونَ مَعَهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ نَفَقَتِهِمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلِلْوَلِيِّ أَخْذُهُ، وَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَضَانَةِ إنْ سَافَرَ نَقَلَهُ لَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ، وَحَلَفَ عَلَيْهَا سِتَّةَ بُرُدٍ لَا أَقَلَّ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ: وَظَاهِرُهَا بَرِيدَيْنِ ضَعِيفٌ فِي أَمْنِ الْمَسَافَةِ وَالْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا، وَإِنْ رَضِيعًا قَبِلَ غَيْرَ أُمِّهِ، وَلَهَا السَّفَرُ مَعَهُ، وَسَفَرُهَا كَذَلِكَ نَقْلُهُ سِتَّةَ بُرُدٍ مُسْقِطٌ فَلَا تَأْخُذُهُ، وَتَحْلِفُ أَنَّهَا لَا تُرِيدُ النَّقْلَةَ لِتَأْخُذَهُ اهـ بِتَصَرُّفٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَاضِنَةٍ لِصَغِيرٍ هَرَبَتْ بِهِ مُدَّةً إلَى مَحَلٍّ لَا يَعْلَمُهُ وَلِيُّهُ أَوْ يَعْجَزُ عَنْ رَدِّهَا مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ طَالِبَةً نَفَقَتَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَهَلْ لَا تَلْزَمُ الْوَلِيَّ لِسُقُوطِهَا لِهُرُوبِهَا بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تَلْزَمُهُ لِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ مُشَبِّهًا فِي السُّقُوطِ كَنَفَقَةِ وَلَدٍ هَرَبَتْ بِهِ. عَبْدُ الْبَاقِي مُدَّةً ثُمَّ جَاءَتْ تَطْلُبُهَا فَلَا شَيْءَ

مسائل البيع

لَهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْضِعِهَا أَوْ عَلِمَ، وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا، وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ اهـ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ مُشْبِهًا فِي ذَلِكَ كَهَارِبَةٍ بِوَلَدِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَاصِرٍ مَاتَ أَبُوهُ، وَقَدْ أَوْصَى عَلَيْهِ وَصِيًّا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَرَادَتْ حَاضِنَتُهُ السَّفَرَ بِهِ إلَى طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ لِطَلَبِ مِيرَاثِهَا فِيهَا، وَالْتَزَمَتْ بِنَفَقَتِهِ، وَبَقَاءِ مَالِهِ بِيَدِ وَصِيِّهِ فَمَنَعَهَا الْوَصِيُّ مِنْ السَّفَرِ بِهِ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِلْوَصِيِّ مَنْعُهَا مِنْ السَّفَرِ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ قَرُبَ الْمَوْضِعَ كَالْبَرِيدِ، وَنَحْوِهِ فَلَهَا أَخْذُهُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ، وَنَحْوِهَا لَا إنْ بَعُدَ فَلَا تَأْخُذُهُ، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَنْتَقِلَ بِالْوَلَدِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ وَالِدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ إلَّا مَا قَرُبَ كَالْبَرِيدِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُبَلِّغُ الْأَبَ، وَالْوَلِيَّ خَبَرَهُ ثُمَّ لَهَا أَنْ تُقِيمَ هُنَاكَ عَبْدُ الْبَاقِي، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَاضِنَةِ بِسَفَرِهَا لِتِجَارَةٍ بَلْ تَأْخُذُهُ مَعَهَا، وَلَوْ بَعُدَ بِإِذْنِ أَبِيهِ فِيهِمَا، وَوَصِيِّهِ فِي الْبَعِيدِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آمِينَ. [مَسَائِلُ الْبَيْعِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يَمْلِكُونَ طَاحُونَةً عَنْ أَبِيهِمْ وَجَدِّهِمْ فَأَكْرَهَ شَيْخُ الْبَلَدِ أَحَدَهُمْ بِالْحَبْسِ عَلَى بَيْعِهَا لِأَجْنَبِيٍّ فَبَاعَهَا لَهُ فِي غَيْبَةِ شُرَكَائِهِ فَهَلْ يَكُونُ الْبَيْعُ غَيْرَ لَازِمٍ فِي نَصِيبِ الْبَائِعِ، وَلَهُمْ نَزْعُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ لِشَيْخِ الْبَلَدِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ دَفَعَهُ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا ثَبَتَ الْإِكْرَاهُ، وَكَانَ ظُلْمًا بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ، وَيَتْبَعُ بِهِ الْمُشْتَرِي الظَّالِمَ سَوَاءٌ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ، وَعَلِمَ دَفْعَهُ لِلظَّالِمِ أَوْ جَهِلَ الْحَالَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِهِ قَضَى عَلَيْهِ بِرَدِّ مِثْلِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْإِكْرَاهِ أَمْ لَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحُهُ، وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ غُرْمِ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِإِكْرَاهِهِ فَيَتْبَعُ الْمُكْرِهَ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِثَمَنِهِ، وَيَرُدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِهَا مَالَهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَيَّدَ بِهِ ابْنُ النَّاظِمِ كَلَامَ وَالِدِهِ فَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنَّهُ لَازِمٌ، وَأَفْتَى بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالسُّيُورِيُّ، وَاسْتَحْسَنَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ هِلَالٍ وَالْعَقَبَانِيُّ وَالسَّرَقُسْطِيُّ وَالْقِشْتَالِيُّ قَاضِي فَاسَ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا بِيعَ تَحْتَ الضَّغْطِ، وَالْإِكْرَاهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَرُدَّ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ عَلَى بَائِعِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مُشْتَرِي مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الضَّغْطِ إذَا كَانَ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ بِهِ، وَيَضْغَطُونَ ظُلْمًا أَوْ تَعَدِّيًا بِأَنْ كَانُوا فُقَرَاءَ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَتَيَسَّرُوا فَيُبَاعُ عَلَيْهِمْ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ بَيْعُهُ كَثَوْبٍ يَسْتُرُونَ بِهِ، وَشَبَهِهِ فَهَذَا يَلْزَمُ مُشْتَرِيه رَدُّهُ إلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ بِيعَ عَلَيْهِ ظُلْمًا، وَأَمَّا إنْ بِيعَ

فِي حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ تَحْتَ الضَّغْطِ وَالْإِكْرَاهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَائِغٌ لِمَنْ اشْتَرَاهُ، وَسَبِيلُ الْمَضْغُوطِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَيْعِ حَقِّهِ سَبِيلُ الذِّمِّيِّ فِي رَدِّ مَالِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ بَلْ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَمُطَرِّفٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَضْغُوطٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ، وَسَوَاءٌ وَصَلَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَى الْمَضْغُوطِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ لِلضَّاغِطِ أَوْ جَهِلَ هَلْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ أَدْخَلَهُ فِي مَنَافِعِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي مَنَافِعِهِ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ بِغَيْرِ حَقٍّ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَاَلَّذِي أَقُولُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْقُلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ غُرْمِ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَاعُ عَالِمًا بِضَغْطِهِ فَيَتْبَعُ الضَّاغِطَ بِالثَّمَنِ، وَيَرُدُّ عَلَى الْمَضْغُوطِ مَالَهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَالْجَوَابُ عِنْدِي أَنْ يُقْضَى لِلْقَائِمِ بِالدَّارِ الَّتِي قَامَ بِهَا، وَيَرُدَّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ فِيهَا إلَّا أَنْ يُثْبِتَ عَلَى الْمُقَوِّمِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ لَهُمَا الْعِلْمَ بِحَالِ الْبَائِعِ مِنْ الضَّغْطِ وَالْإِكْرَاهِ فَتُرَدُّ عَلَيْهِ الدَّارُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَيَتْبَعُ بِالثَّمَنِ الضَّاغِطَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي ابْتَاعَ لَهُمَا هُوَ الْعَالِمُ بِالضَّغْطِ دُونَهُمَا فَيَكُونُ لَهُمَا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ عَلَيْهِمَا بِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ الشُّهُودُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الِانْتِبَاهِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ فِي ذَلِكَ عَامِلَةٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْمَضْغُوطِ، وَالسِّجْنُ بِمُجَرَّدِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إكْرَاهٌ، انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ أَقْوَاهَا سَنَدُ الْأَوَّلِ فَلِذَا أَفْتَيْت بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَبَهُ شَيْخُ الْبَلَدِ لِأَخْذِ مَالٍ لِلدِّيوَانِ فَامْتَنَعَ لِعَدَمِهِ، وَلَهُ ثُلُثُ نَوْرَجٍ فَبَيَّعَهُ نِصْفَهُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ الْبَائِعُ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ رَدُّ الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ فِي نَصِيبِهِ مَجْبُورًا، وَفِي غَيْرِهِ فُضُولِيًّا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الرَّدِّ، وَلَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ وَلَا وَثِيقَةٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ بَاطِلًا أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَطْلُوبُ لِلدِّيوَانِ خَرَاجَ الْأَرْضِ الْحَقَّ فَالْبَيْعُ مَاضٍ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ رَدُّهُ لِأَنَّ الْجَبْرَ حِينَئِذٍ شَرْعِيٌّ، وَإِلَّا فَلَهُمْ رَدُّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا فِي الثُّلُثِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا السُّدُسُ الَّذِي فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَهُ رَدُّ بَيْعِهِ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي امْرَأَةٍ بِيعَتْ عَلَيْهَا مَمْلُوكَةٍ تَحْتَ الْإِكْرَاهِ وَالضَّغْطِ فِي مَالٍ الْتَزَمَتْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَامَ وَرَثَتُهَا فِيهَا عَلَى مُشْتَرِيهَا فَأَثْبَتَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الِابْتِيَاعَ كَانَ صَحِيحًا بَعْدَ الْإِكْرَاهِ بِنَحْوِ شَهْرَيْنِ، وَاسْتَفْتَى الْقَاضِي إذَا ذَاكَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِكْرَاهِ أَعْمَلُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَرَثَتِهَا، وَأَفْتَى فِيهَا أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِذَلِكَ قَائِلًا، وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ لَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ الْآنَ بِذَلِكَ، وَقَالَ مِثْلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ: وَأَمَّا إذَا بَلَغَهُ عَنْ مَالِهِ أَنَّهُ بِيعَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقُمْ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُغَيِّرْ وَلَمْ يُشْهِدْ عُدُولًا عَلَى الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَذَلِكَ رِضًا بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَسُئِلَ ابْنُ زَرِبٍ عَمَّنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ، وَهُوَ غَائِبٌ ثُمَّ عَلِمَ بِالْبَيْعِ، وَسَكَتَ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فِيهِ فَقَالَ الْقِيَامُ لَهُ فِيهِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ بِيعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَاضِرٌ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ الْبَيْعَ إذَا عَلِمَ، وَسَكَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ مَا قَارَبَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ تَكْثُرْ الْأَيَّامُ فَيَلْزَمُهُ قَالَ ابْنُ زَرِبٍ إذَا بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ، وَلَمْ يَحْضُرْ الْبَيْعَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فَسْخٍ

أَوْ أَخْذِ ثَمَنِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ سُكُوتُهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، وَأُشَاوِرُ نَفْسِي، وَإِذَا بِيعَ بِمَحْضَرِهِ وَسَكَتَ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا مِنْهُ بِالثَّمَنِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَمَنْ تَصَرُّفٍ بَعِيدًا كَانَ أَوْ قَرِيبًا ابْنًا أَوْ غَيْرَهُ بِكَبَيْعِ وَهِبَةٍ وَوَطْءٍ وَكِتَابَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا طُولُ زَمَنٍ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ السَّاكِتِ مَضَى، وَلَهُ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ، وَالْغَائِبُ لَهُ الرَّدُّ مَا لَمْ تَمْضِ فَالثَّمَنُ مَا لَمْ يَطُلْ بِالْحَوْزِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ بِالتَّفْوِيتِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يَصِحُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَّا فِيمَا خَلَصَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ إذْ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فَوَّتَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ الْأَقَلَّ أَوْ النِّصْفَ، وَمَا قَارَبَهُ فَأَمَّا إذَا فَوَّتَ الْكُلَّ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْمَحُوزُ عَلَيْهِ حَاضِرًا لِلصَّفْقَةِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ، وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى مَضَى الْعَامُ، وَنَحْوُهُ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَذْكُرُهُ مِنْ ابْتِيَاعٍ أَوْ مُقَاسَمَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ، وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ بِمَا ادَّعَاهُ بِدَلِيلِ حِيَازَتِهِ إيَّاهُ، وَأَمَّا إذَا فَوَّتَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ التَّدْبِيرِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَقَامَ حِينَ عَلِمَ كَانَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ، وَنَحْوِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ هُوَ شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا فَوَّتَهُ بِالْكِتَابَةِ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهَا هَلْ تُحْمَلُ مَحْمَلَ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا حَازَ الْكُلَّ بِالْوَطْءِ وَالِاتِّخَاذِ بِعِلْمِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَرَثَةِ فَهِيَ حِيَازَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فَانْظُرْهُ اهـ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأَخَاهُ، وَتَرَكَ نَخِيلًا فَبَاعَهُ أَخُوهُ مَعَ وُجُودِ الْبِنْتَيْنِ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الْبَيْعِ نَحْوُ ثَمَانِ سَنَوَاتٍ ثُمَّ مَاتَ الْبَائِعُ الْمَذْكُورُ فَقَامَتْ الْبِنْتَانِ تُرِيدَانِ أَخْذَ النَّخِيلِ وَتَدَّعِيَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ هَذَا النَّخِيلَ لِوَالِدِهِمَا فَهَلْ لَا تُصَدَّقَانِ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ النَّخِيلُ لِلْمُشْتَرِي، وَيُحْمَلَانِ عَلَى الْعِلْمِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ إذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّخِيلَ الْمَبِيعَ كَانَ لِوَالِدِهِمَا، وَحَلَفَتَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِذَلِكَ إلَّا الْآنَ أَوْ قَبْلَهُ بِأَقَلَّ مِنْ عَامٍ فَلَهُمَا رَدُّ الْبَيْعِ فِي حِصَّتِهِمَا، وَهِيَ الثُّلُثَانِ، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْهُ سُكُوتُهُمَا الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِعُذْرِهِمَا بِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَلَا يُحْمَلَانِ عَلَى الْعِلْمِ عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ بَلْ عَلَى عَدَمِهِ إنْ حَلَفَتَا، وَإِلَّا حُمِلَتَا عَلَى الْعِلْمِ، وَكَانَتْ النَّخِيلُ لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا قَامَ الرَّجُلُ بِعَقْدِ ابْتِيَاعٍ مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ قَبْلَهُ، وَتَارِيخُ الِابْتِيَاعِ قَبْلَ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ عَامًا فِي أَمْلَاكٍ بِيَدِ رَجُلٍ، وَتَصَيَّرَتْ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ فَقَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ لِي عِشْرُونَ سَنَةً أَتَمَلَّكُ هَذِهِ الْأَمْلَاكَ، وَأَنْتَ حَاضِرٌ، وَلَمْ تَقُمْ فَقَالَ لَمْ أَجِدْ وَثِيقَةَ ابْتِيَاعٍ إلَّا الْآنَ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحِيَازَةِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْقَائِمِ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا تَرَكْت الْقِيَامَ فِي الْأَمْلَاكِ تَسْلِيمًا مِنِّي لَهَا، وَلَا رِضًا بِتَرْكِ حَقِّي فِيهَا إلَّا لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ بِالْعَقْدِ وَلَمْ أَجِدْهُ، وَيَأْخُذُهَا

مِنْ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَبُو الْقَائِمِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْقَائِمُ مَا عَلِمْت بِشِرَاءِ أَبِي لَهَا إلَّا وَقْتَ قِيَامِي بِعَقْدِي ثُمَّ يَأْخُذُهَا، وَلَوْ قَالَ الْقَائِمُ إنْ اشْتَرَيْتهَا ثُمَّ أَعَمَرْتُك إيَّاهَا أَوْ أَكْرَيْتُهَا مِنْك أَوْ أَرْفَقْتُك بِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ أَقُمْ بِهَا لَكَانَ أَبْيَنَ فِي أَنْ يَحْلِفَ إذَا اسْتَظْهَرَ بِوَثِيقَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَقَلْت فِيهَا بَعْدَ أَنْ بِعْتهَا مِنْك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَتَبْقَى بِيَدِهِ الْأَمْلَاكُ فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَائِمُ أَنَّ دُخُولَ الْمُعْتَمِرِ فِي الْأَمْلَاكِ، وَابْتِدَاءَ نُزُولِهِ فِيهَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكِرَاءِ أَوْ الْإِمْكَانِ وَالْعَارِيَّةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُعْتَمِرِ بِهِ حُجَّةٌ، وَيَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُونَ وَرَثَةً فَلَا يَسْقُطُ قِيَامُهُمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الِاعْتِمَارُ بِحَضْرَةِ مُوَرِّثِهِمْ أَوْ يَثْبُتَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِذَلِكَ، وَسَكَتُوا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَحَالُ الْوَرَثَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا انْتَهَى مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ فِي مَبْحَثِ الْحِيَازَةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ جُعِلَتْ عَلَيْهِ ظُلَامَةٌ فَبَاعَ بِسَبَبِهَا أَرْضًا ثُمَّ تُوُفِّيَ، وَأَرَادَ وَرَثَتُهُ رَدَّ الْبَيْعِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ مَاضِيًا، وَلَيْسَ لَهُمْ تَعَرُّضٌ لِلْمُشْتَرِي أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَمَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَالْوَارِثُ مَمْنُوعٌ لَا حَقَّ لَهُ فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَيُمْنَعُ الْمُعَارِضُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ هَذِهِ الْفَتْوَى بِكَوْنِ السُّكُوتِ سَنَةً بَعْدَ الْعِلْمِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَانِحِ الصَّوَابِ صَرَّحَ فِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا نَصُّهُ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَ مَالَهُ بِسَبَبِ الْمُصَادَرَةِ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ الْمُزَارِعُ فِي أَرْضِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ وَتَرْكِهَا بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِهِ فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ أَخَذَهَا أَوْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ أَخْذِ دَرَاهِمَ بِاخْتِيَارِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، وَصَارَ الْحَقُّ لِلْمُسْقَطِ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْدَادُهَا، وَلَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ اهـ. فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ بَائِعِ الْقِطْعَةِ الطِّينِ الْمُطَالَبَةُ بِرَدِّ الْبَيْعِ، وَالْمَبِيعُ وَالْإِسْقَاطُ لِلْمُشْتَرِي صَحِيحَانِ، وَصَارَ الْحَقُّ فِي الْقِطْعَةِ الطِّينِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعِ أَحَدٍ، وَحِينَئِذٍ فَتُمْنَعُ وَرَثَةُ الْبَائِعِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمُشْتَرِي قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَطَلَبُهُمْ رَدَّ الْبَيْعِ عِنَادٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَلِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ كَتَبَهُ مَنْصُورٌ الْمَنْصُورِيُّ الْحَنَفِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأَخ، وَتَرَكَ نَخِيلًا فَبَاعَ الْأَخُ سِتَّ نَخَلَاتٍ لِآخَرَ ثُمَّ نَازَعَهُ بِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْبَيْعِ وَتَصَالَحَا عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ ثَلَاثَ نَخَلَاتٍ ثُمَّ بَاعَ الْأَخُ الثَّلَاثَ نَخَلَاتٍ الْمُصَالِحِ عَلَيْهَا الثَّالِثَ ثُمَّ مَاتَ الْأَخُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَقَامَتْ الْبِنْتُ تُرِيدُ أَخْذَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ النَّخِيلِ فَهَلْ تُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَوْ فُرِضَ عِلْمُهَا إنْ كَانَتْ تَخْشَى الْعَارَ وَنِسْبَةُ الْفُجُورِ إلَيْهَا بِقِيَامِهَا بِأَخْذِ حَقِّهَا فِي حَيَاةِ عَمِّهَا كَمَا هِيَ عَادَتُهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِهَا، وَإِذَا أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَكُونُونَ نُصَرَاءَ لَهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ نَعَمْ تُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ سُكُوتُهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِعُذْرِهَا بِمَا ذُكِرَ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ تَمْكِينِهَا مِنْ رُجُوعِهَا فِيمَا وَهَبَتْهُ مِنْ مَالِهَا لِأَقَارِبِهَا لِتِلْكَ الْخَشْيَةِ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا التَّاوَدِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ إنَّ هِبَاتِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِقَرَابَتِهِنَّ مَعَ اشْتِهَارِ عَدَمِ تَوْرِيثِهِنَّ بَاطِلَةٌ فَلَهُنَّ الرُّجُوعُ فِي حَيَاتِهِنَّ وَلِوَرَثَتِهِنَّ

الْقِيَامُ مِنْ بَعْدِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ لَوْ امْتَنَعْنَ مِنْ الْهِبَاتِ لَأَوْجَبَ ذَلِكَ إسَاءَتَهُنَّ وَقَطْعَهُنَّ وَالْغَضَبَ عَلَيْهِنَّ، وَعَدَمَ الِانْتِصَارِ لَهُنَّ إذَا أَصَابَهُنَّ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَجَالَّاتِ ذَوَاتِ الْأَوْلَادِ، وَغَيْرِهِنَّ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَهُ فِي الْمِعْيَارِ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ الْمَنْثُورَةِ، وَزَادَ أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي عَيْنِ مَا بِيعَ، وَيُقْبَلُ مِنْهَا أَنَّ سُكُوتَهَا لِجَهْلِ أَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُهَا اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الْفُولِ، وَرَآهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَبَاعَهُ الْبَائِعُ الْآخَرَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ يُكَلَّفُ بِمِثْلِهِ مُطْلَقًا أَوْ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَتًّا صَحِيحًا مُسْتَوْفِيًا لِلْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ فَقَدْ انْتَقَلَ مِلْكُ الْفُولِ بِمُجَرَّدِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَصَارَ الْبَائِعُ فُضُولِيًّا فِي بَيْعِهِ ثَانِيًا لِغَيْرِهِ لَكِنْ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إجَازَتُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِهِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ الْفُولُ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ فَسْخُ الْبَيْعِ الثَّانِي لِفَسَادِهِ لِذَا وَإِنْ فَاتَ بِهَا تَعَيَّنَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِقَدْرٍ مِنْ الْفُولِ مِثْلِهِ يُوفِيه لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا بِعَيْنِهِ فَفَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ فَتَعَدَّى الْبَائِعُ عَلَى الطَّعَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ فِي أَخْذِ دَنَانِيرِهِ اهـ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ أَهْلَكَ بَائِعٌ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ فَالْمِثْلُ تَحَرِّيًا لِيُوَفِّيَهُ، وَلَا خِيَارَ لَك قَالَ الْخَرَشِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَهْلَكَ الصُّبْرَةَ الَّتِي بَاعَهَا عَلَى الْكَيْلِ أَوْ أَفَاتَهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْلَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِصُبْرَةٍ مِثْلِهَا عَلَى التَّحَرِّي لِيُوَفِّيَ لِلْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ أَوْ يَتَمَسَّكَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِثْلَ صُبْرَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا لَمْ يُظْلَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ عَنْ بِنْتٍ، وَتَرَكَتْ مَنْزِلًا فَبَاعَتْهُ الْبِنْتُ لِرَجُلٍ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ نَحْوَ سِتِّ سِنِينَ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ، وَادَّعَى أَنَّ أُمَّ الْبِنْتِ عَمَّةُ أَبِيهِ يُرِيدُ أَخْذَ مَا يَخُصُّهُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ مَعَ الْبِنْتِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ حَاضِرٌ فِي النَّاحِيَةِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ حَيْثُ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ حَيْثُ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنِ أَخِي الْمَيِّتَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِلْمَهُ بِبَيْعِ بِنْتِ عَمَّةِ أَبِيهِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ قِيَامِهِ بِعَامٍ فَأَكْثَرَ، وَهُوَ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ بِحَقِّهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ فِي نَصِيبِهِ وَأَخْذُهُ وَلَهُ إمْضَاؤُهُ فِيهِ، وَأَخْذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ ثَبَتَ عِلْمُهُ بِهِ قَبْلَهُ بِعَامٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ فِيهِ، وَلَهُ أَخْذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ سَلْمُونٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ، وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ بِمَا ادَّعَاهُ بِدَلِيلِ حِيَازَتِهِ إيَّاهُ اهـ. وَتَقَدَّمَ عَنْهُ أَيْضًا، وَحَالُ الْوَرَثَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا انْتَهَى، وَلَعَلَّك أَيُّهَا السَّائِلُ تَتَنَبَّهُ لِمَا فِي قَوْلِك أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ مَنْزِلًا مِنْ امْرَأَةٍ وَكَتَبَ بِهِ وَثِيقَةً وَمَكَثَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِ مُدَّةً مِنْ

السِّنِينَ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِغَيْرِ إصْلَاحٍ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ فَقَامَ الْآنَ جَمَاعَةٌ يُرِيدُونَ نَزْعَهُ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي بَاعَتْهُ وَرَثَته عَنْ أُمِّهَا، وَهُمْ عَصَبَتُهَا فَهَلْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ حِينَئِذٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ حَاضِرُونَ بِالْبَلَدِ عَالِمُونَ بِالْبَيْعِ سَاكِتُونَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَزْعِ الْمَنْزِلِ مِنْ مُشْتَرِيه إنْ ثَبَتَ حُضُورُهُمْ مَجْلِسَ الْبَيْعِ سَاكِتِينَ بِلَا مَانِعٍ مِنْ رَدِّ الْبَيْعِ فِي نَصِيبِهِمْ، وَأَخَذَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَمْ يَحْضُرُوهُ وَثَبَتَ عِلْمُهُمْ بِهِ بَعْدُ، وَسُكُوتُهُمْ بَعْدَ الْعِلْمِ عَامًا فَأَكْثَرَ بِلَا مَانِعٍ، وَالنَّصُّ بِذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ جَارِيَةً لِآخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَدَّرَهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَ الْبَائِعِ ثَمَنَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَمَاطَلَهُ فَطَلَبَ الْبَائِعُ جَارِيَتَهُ بِعَيْنِهَا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَجَّزَ عِتْقَهَا فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ يَوْمَ طَلَبِهِ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُ عَيْنِ الْجَارِيَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِهِ لَهُ سَوَاءٌ أَثْبَتَ عِتْقَهُ الْجَارِيَةَ أَوْ لَمْ يُثْبِتْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَلِيٍّ بِهِ يَوْمَهُ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ عَيْنِ جَارِيَتِهِ، وَنَقْصُ عِتْقِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَبْلَهُ وَيَسْكُتُ، وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُ الْعِتْقِ بِاشْتِهَارِ الْجَارِيَةِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِهَا لَهَا بِالْإِرْثِ وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَبْحَثِ الْعِتْقِ إنَّمَا يَلْزَمُ عِتْقٌ بِلَا حَجْرٍ، وَإِحَاطَةِ دَيْنٍ، وَلَوْ لَمْ يَحْجُرْ، وَلِغَرِيمِهِ رَدُّهُ أَوْ بَعْضُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ، وَيَسْكُتَ أَوْ يَطُولَ لِأَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةُ الْعِلْمِ أَوْ إفَادَةُ مَالٍ أَوْ يُفِيدُ مَالًا، وَلَوْ قَبْلَ نُفُوذِ الْبَيْعِ لِلْعَبْدِ اهـ. وَقَالَ فِي مَبْحَثِ الْفَلَسِ: وَلِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ الْمَدْفُوعِ قَبْلَ الْفَلَسِ إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْمَيِّتُ، وَلَمْ تُفِدْهُ الْغُرَمَاءُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَوْ مَسْكُوكًا أَوْ آبِقًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ حَالَ سَوْقِهِ أَوْ صُبِغَ أَوْ دُبِغَ لَا ذُبِحَ أَوْ فُصِلَ أَوْ سَمِنَ أَوْ طُحِنَ أَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ مِثْلِهِ أَوْ تَتَمَّرَ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مَنْزِلًا، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى سَبْعِ سِنِينَ، وَوَقْتُ تَارِيخِهِ قَامَ رَجُلٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حِصَّةً فِي هَذَا الْمَنْزِلِ آلَتْ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ مِنْ عَمَّةِ أَبِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ هَلْ لَهُ أَخْذُ مَا يَخُصُّهُ مَجَّانًا، وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ، وَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إنْ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ الْحِصَّةَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَهُ أَخْذُ مَا يَخُصُّهُ مَجَّانًا، وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي عِلْمَهُ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ بِعَامٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَقَطَتْ تَبَاعَةُ الْقَائِمِ لَهُ، وَتَبِعَ الْبَائِعَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ، وَهُوَ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ فَإِنْ مَضَتْ لَمْ يَتْبَعْهُ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنُ سَلْمُونٍ بِهَذَا آنِفًا فِي الْجَوَابِ عَنْ نَحْوِ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الرِّيفِ يَبِيعُ الرَّجُلُ الْبَقَرَةَ بِنِتَاجِهَا أَوْ النَّعْجَةَ بِنِتَاجِهَا، وَلَمْ يُفَصِّلْ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ إذَا قَامَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْجَهْلِ

عَنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا لِعِلْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ الْبَقَرَةُ وَوَلَدُهَا مَثَلًا، وَلَا يُنَافِي هَذَا عَدَمَ تَفْصِيلِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْهَا، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَجْهُولِ التَّفْصِيلِ كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا فَمَفْهُومُهُ أَنَّ عَبْدَيْ رَجُلٍ بِكَذَا صَحِيحٌ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَمَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى أَيْضًا مِنْ قَوْلِ شُرَّاحِهِ مَحِلُّ الْمَنْعِ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ كَانَا مُشْتَرِكَيْنِ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةٍ مُخْتَلِفَةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُشْتَرِكًا بِالنِّصْفِ، وَالْآخَرُ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مَثَلًا أَمَّا إنْ كَانَا مُشْتَرِكَيْنِ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ النِّصْفُ فِي كُلٍّ أَوْ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ مَثَلًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِعَدَمِ الْجَهْلِ بِالتَّفْصِيلِ فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا بِالْأَوْلَى الصِّحَّةُ فِي عَبْدَيْ رَجُلٍ مَعَ عَدَمِ التَّفْصِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي غِلَالٍ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَالْغِلَالُ تَحْتَ يَدِهِ فَبَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَأَحَالَهُ عَلَى شَرِيكِهِ لِيُوَفِّيَهُ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ قَامَ الْمُشْتَرِي مُرِيدًا إبْطَالَ الْبَيْعِ، وَأَخْذَ الثَّمَنِ مُتَعَلِّلًا بِعَدَمِ الْكَيْلِ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ جَبْرًا عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا بِالْقَوْلِ، وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ، وَلَا لُزُومُهُ عَلَى قَبْضِ ثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ إلَّا إنْ كَانَ عَقْدُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِعْطَاءِ فَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَيْعُ بِمُفِيدِ الرِّضَا، وَيَلْزَمُ مُكَلَّفًا دَخَلَ فِيهِ الْمُعَاطَاةُ فِي حَقِيرٍ وَجَلِيلٍ حَيْثُ أَفَادَتْهُ عُرْفًا كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ، وَمِنْ جَانِبٍ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ الْآخَرِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَأَخَّرَ عَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ فَطَلَبَهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ، وَلَهُ نَخِيلٌ فَبَاعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ، وَقُلْتُمْ بِفَسَادِهِ فَهَلْ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ فَسْخَهُ فَوُجِدَ الْمُشْتَرِي جَذَّ بَعْضِ الثَّمَرِ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا فَسْخُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمَجْذُوذُ قَائِمًا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا رَدَّ مِثْلَهُ إنْ عَلِمَ وَزْنَهُ، وَإِلَّا رَدَّ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ جَذَّهُ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَالْعَدَوِيُّ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ لَا عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ أَيْ لَا يَبِيعُهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُنْفَرِدًا عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِجَذِّهِ، وَلَا تَبْقِيَتِهِ فَلَا يَصِحُّ وَيُفْسَخُ، وَضَمَانُ الثَّمَرَةِ مِنْ الْبَائِعِ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ فَإِذَا جَذَّهَا رُطَبًا رَدَّ قِيمَتَهَا وَتَمْرًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلَّا رَدَّ مِثْلَهُ أَيْ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا رَدَّ قِيمَتَهُ، انْتَهَى. قَالَ مُحَشِّيهِ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ كَانَ الرُّطَبُ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا عَلِمَ وَزْنَهُ أَمْ لَا، وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي التَّمْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يُوزَنُ فَيَرُدُّ عَيْنَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ عِنْدَ الْجَذَاذِ مَا فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرُّطَبِ اهـ أَقُولُ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَوْلَى حَاكِمًا، وَقَدْ اشْتَرَى فِي زَمَنِ حُكْمِهِ حَلَّةً لِصِنَاعَةِ السُّكَّرِ مِنْ رَجُلٍ

رجل اشترى بقرة من آخر فوجدها لا تحرث فهل يكون ذلك عيبا ترد به

لَيْسَ مِنْ بَلْدَتِهِ بِمِائَتَيْ رِيَالٍ ثُمَّ عُزِلَ مِنْ الْحُكْمِ، وَمَا زَالَ يَتَصَرَّفُ فِي تِلْكَ الْحَلَّةِ بِالْخِدْمَةِ لِلَوَازِمِ السُّكَّرِ بَعْدَ عَزْلِهِ مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْآنَ قَامَ الْبَائِعُ يُرِيدُ إبْطَالَ الْبَيْعِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ بَاعَهَا لَهُ بِالْجَبْرِ، وَأَنَّ الْمِائَتَيْ رِيَالٍ لَيْسَتْ قِيمَتَهَا بَلْ قِيمَتُهَا سِتُّمِائَةِ رِيَالٍ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ مَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ، وَمَا الْحُكْمُ فِي النَّازِلَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فَإِنْ تَرَكَ الْقِيَامَ بَعْدَ زَوَالِ التَّقِيَّةِ مُدَّةً مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ فَلَا قِيَامَ فِي ذَلِكَ وَلِابْنِ سَهْلٍ فِي كِتَابِهِ تَضْعِيفٌ ضَرَبَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي ذَلِكَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ قَالَ: وَالْعَامَانِ يَكْفِيَانِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِرْعَاءُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ، وَفِيهِ حَقٌّ لِلْمُبْتَاعِ، وَقَدْ أَخَذَ بِهِ ثَمَنًا فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِلَّا بِجَافَّةِ وَالتَّوَقُّعِ فَحِينَئِذٍ يُفْسَخُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِرْعَاءِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ سَحْنُونٌ: فَإِنْ أَقَامَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَاءِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ رَغَّبَ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الطَّوْعِ صَحَّ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْبَائِعُ بِأَعْدَلَ مِنْهَا أَنَّهُ رَغَّبَ إلَيْهِ فِي الشِّرَاءِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَحْمَةً وَاسِعَةً بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ مَرَّتَيْنِ فِي بَدَنٍ وَاحِدٍ مِثْلَ مَرَضِ الْبَقَرِ الَّذِي مَاتَ بِسَبَبِهِ، وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ أَنَّهُ مَرِضَ وَسَلِمَ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَمْ يُلْغَى، وَإِنْ مَاتَتْ الْبَهِيمَةُ مَثَلًا بِسَبَبِهِ هَلْ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِلْقِيمَةٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الشَّرْطُ يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ شُرِطَ فِيهِ عَرْضٌ وَمَالِيَّةٌ يَزِيدُ الثَّمَنُ وَيَنْقُصُ بِاعْتِبَارِهِ فَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ فَلِلْمُشْتَرِي مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ الرَّدُّ، وَيَنْدَرِجُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَغَيْرِهِ، وَرُدَّ بِعَدَمِ مَشْرُوطٍ فِيهِ غَرَضٌ وَمَالِيَّةٌ، وَإِذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ بِسَبَبِهِ، وَكَانَ الْبَائِعُ دَلَّسَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي إخْبَارِهِ بِحُصُولِهِ وَالسَّلَامَةِ مِنْهُ بِأَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بَعْدُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ رَاقَبَتْهُ مُدَّةَ كَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ زَمَنَ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا قِيمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْرَضْ مُعْرِضًا لِإِصَابَةِ الْمَرَضِ لَهُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا زَادَ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ مَرَضِهِ وَسَلَامَتِهِ. إنْ قُلْت قَالُوا إذَا هَلَكَ مِنْ عَيْبِ التَّدْلِيسِ غَرِمَ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْمُدَلِّسِ، وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ مِنْ عَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يَقَعْ بِهِ تَدْلِيسٌ غَرِمَ الْبَائِعُ الْأَرْشَ فَقَطْ وَهُنَا دَلَّسَ الْبَائِعُ، وَغَرِمَ الْأَرْشَ فَقَطْ كَمَا هُوَ مُحَصَّلُ الرُّجُوعِ بِمَا زَادَ لِأَجْلِ السَّلَامَةِ قُلْت هَلَاكُهُ هُنَا بِأَمْرٍ حَدَثَ بَعْدُ لَا بِأَمْرٍ قَدِيمٍ كُتِمَ أَمَّا إذَا ثَبَتَ مَرَضُهُ وَبُرْؤُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مَرِضَ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَمَاتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل اشْتَرَى بَقَرَةً مِنْ آخَرَ فَوَجَدَهَا لَا تَحْرُثُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا تُرَدُّ بِهِ] (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً مِنْ آخَرَ فَوَجَدَهَا لَا تَحْرُثُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا تُرَدُّ بِهِ، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهُ عَيْبٌ فَهَلْ يَكُونُ عَيْبًا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَوْ الْمُدُنِ، وَأَهْلُ الْمُدُنِ غَالِبًا يَقْصِدُونَ اللَّبَنَ دُونَ الْحَرْثِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْبَقَرَةُ إذَا وَجَدَهَا الْمُشْتَرِي لَا تَحْرُثُ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ حَرْثَهَا أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ كَشِرَائِهَا وَقْتَ الْحَرْثِ أَوْ لِيَتَّجِرَ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْحَرْثِ فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِنْ كَانَ بِقَصْدِ الْقُنْيَةِ لِلَّبَنِ فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

أَيْضًا بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَوَضَعَ الذُّكُورُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى التَّرِكَةِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْإِنَاثَ يَعْلَمْنَ بِالْبَيْعِ وَهُنَّ سَاكِتَاتٌ لَا يَتَكَلَّمْنَ فَهَلْ بَيْعُ الذُّكُورِ صَحِيحٌ مَاضٍ عَلَى الْإِنَاثِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِمُضِيِّهِ فَهَلْ لَهُنَّ نَصِيبُهُنَّ مِنْ الثَّمَنِ مُطْلَقًا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ، وَهَلْ لَهُنَّ قَسْمُ بَاقِي التَّرِكَةِ مَعَ الذُّكُورِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ تَصَرُّفُ الذُّكُورِ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ مَعَ سُكُوتِ الْإِنَاثِ مِنْهُمْ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ قَدْ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ لِلسَّدَادِ، وَأَلْهَمَنَا الرَّشَادَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْعَادَةُ كَالشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ نَزَّلُوا الْعَادَةَ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالْوَكَالَةِ فِي بَابِ الضَّحِيَّةِ فَحَكَمُوا بِصِحَّةِ ذَبْحِهَا ضَحِيَّةً مِنْ قَرِيبِ الْمُضَحِّي الَّذِي عَادَتُهُ تَعَاطِي أُمُورِهِ كَمَا قَالَ سَيِّدِي خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الضَّحِيَّةِ وَصَحَّ إنَابَةٌ بِلَفْظٍ أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ مَعَ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي الْعِبَادَاتِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حَيْثُ أَلْحَقُوا الْجَاهِلَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ بِالْعَامِدِ، وَجَعَلُوا الْغَلَّةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِذِي الشُّبْهَةِ عَذَرُوهُ بِجَهْلِهِ، وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ كَبِيرَ الْإِخْوَةِ الْقَاصِرِينَ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَصَرُّفِهِ لِإِخْوَتِهِ يَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ إيصَاءِ الْأَبِ لَهُ، وَبِمُضِيِّ تَصَرُّفِهِ مَعَ التَّشْدِيدِ الزَّائِدِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِنَاثَ لَا يُعَارِضْنَ الْإِخْوَةَ الذُّكُورَ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِنَّ خُصُوصًا فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ، وَأَوْلَادُ مَشَايِخِ الْعَرَبِ، وَالنَّاسُ الْأَغْنِيَاءُ، وَالْبُيُوتُ الْكِبَارُ يَسْتَقْبِحُونَ ذَلِكَ غَايَةَ الِاسْتِقْبَاحِ، وَلَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ مُشَاحَّةٌ بَلْ يَسْكُتُونَ، وَإِخْوَتُهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْزَلُوا مَنْزِلَةَ الْوُكَلَاءِ لِلْإِنَاثِ، وَلَا يَكُونُوا حَائِزِينَ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُنَّ بِذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمَالِ تَرِكَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ: وَالْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُقَوِّيه، وَلِذَلِكَ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ مِنْ الْحَائِزِ أَمَّا كَوْنُهُ يَأْتِي لِمَالٍ مَعْلُومٍ مَلَّكَهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ يَقُولُ هُوَ لِي بِحِيَازَتِي فَلَا، فَاَلَّذِي يَخْلُصُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حِيَازَةَ الذُّكُورِ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ إرْفَاقٌ وَإِمْتَاعٌ مِنْ الْإِنَاثِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِيَازَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى الْإِرْفَاقِ بِإِسْكَانٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْإِنَاثِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مِنْهُمْ بَيْعٌ مَثَلًا مَعَ سُكُوتِ الْإِنَاثِ فَيُنْزَلُونَ مَنْزِلَةَ الْوُكَلَاءِ عَلَيْهِنَّ نَظَرًا لِلْعَادَةِ كَمَا عَرَفْت فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلَهُنَّ نَصِيبُهُنَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَهُنَّ قَسْمُ بَاقِي التَّرِكَةِ مَعَ الذُّكُورِ. نَعَمْ إذَا ادَّعَى الذُّكُورُ دَفْعَ الثَّمَنِ لِلْإِنَاثِ جَرَى عَلَى دَعْوَى الْوَكِيلِ الدَّفْعُ أَوْ ادَّعَوْا الْمُسَامَحَةَ يَثْبُتُونَهَا فَهَذِهِ أَحْكَامٌ أُخْرَى، وَأَمَّا إسْقَاطُ حَقِّ الْإِنَاثِ بِمُجَرَّدِ حِيَازَةِ الذُّكُورِ، وَتَصَرُّفِهِمْ فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ أَفْتَيْت سَابِقًا بِعَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ لِلْإِنَاثِ إذَا كَانَ الْمَانِعُ لَهُنَّ مِنْ الْكَلَامِ لُحُوقَ الْعَارِ، وَخَوْفَ حُدُوثِ الْعَدَاوَةِ، وَتَرْكَ النُّصْرَةِ لَهُنَّ، وَلَعَلَّهَا لَا تُنَافِي فَتْوَى الْأُسْتَاذِ بِلُزُومِهِ لَهُنَّ لِحَمْلِهَا عَلَى سُكُوتِهِنَّ لِرِضَاهُنَّ، وَطِيبِ أَنْفُسِهِنَّ بِتَصَرُّفِ الذُّكُورِ لَا لِلْمَانِعِ الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ سِلْعَةً لِأَجَلٍ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ، وَبَاعَهَا لِآخَرَ، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ طَلَبَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَادَّعَى أَنَّ السِّلْعَةَ خَسِرَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَعْلَى أَصْنَافِ جِنْسِ السِّلْعَةِ، وَطَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْحَاضِرِ الْمَنْظُورِ لَا عَلَى أَعْلَى صِنْفِهَا، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ، وَهَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِبَيْعِ السِّلْعَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ لَهُ قَابِلًا لَهَا بِعَيْبِهَا بِالثَّمَنِ كُلِّهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ سُكُوتُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ظُهُورِ

باع نصف دابة والثمن من أولادها

الْعَيْبِ لَهُ، وَبَيْعُهُ السِّلْعَةَ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ فَيُجْبَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ صَارِيًا ثُمَّ بَاعَهُ لِآخَرَ، وَأَقَامَهُ الثَّانِي فِي مَرْكَبِهِ، وَبَعْدَ سِنِينَ قَامَ عَمُّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَالِكُ لِلصَّارِي، وَأَنَّ ابْنَ أَخِيهِ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ يُرِيدُ نَقْضَ الْبَيْعِ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ حُضُورِهِ، وَعَدَمِ عُذْرِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَهُ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّعِيَ الْمَذْكُورَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَسَكَتَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِلَا عُذْرٍ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُمْنَعُ قَهْرًا عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ جَارِيَةً، وَتَرَاضَى مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِثَمَنِهَا عَرْضًا بِعَقْدٍ آخَرَ، وَفَعَلَ، وَكَانَ بِيَدِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْجُذَامَ رَآهُ الْمُشْتَرِي، وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ ادَّعَى أَنَّهُ جُذَامٌ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجْهَلُهُ يَوْمَ رُؤْيَتِهِ، وَيَظُنُّهُ شَيْئًا آخَرَ، وَلِذَلِكَ رَضِيَ بِهِ، وَأَرَادَ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ فَهَلْ عِلْمُهُ بِكَوْنِ هَذَا مِنْ عُمُومِ الْعَيْبِ مَعَ جَهْلِ حَقِيقَتِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ رَدِّهَا، وَهَلْ عَقْدُ الْعَرْضِ بِثَمَنِهَا عَلَى فَرْضِ أَنَّ لَهُ رَدَّهَا لِصَاحِبِهَا فَسَخَهُ لِكَوْنِهِ غَبْنٌ فِيهِ لِأَجْلِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ بَدَلُ هَذَا الْعَرْضِ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا جُذَامٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ جُذَامٌ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ هُوَ جُذَامٌ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّهُ جُذَامٌ، وَلَهُ رَدُّ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا عَلِمَ الْعَيْبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ حَقِيقَتَهُ تَفْصِيلًا، وَإِلَّا كَانَ غَاشًّا، وَإِذَا رُدَّتْ الْجَارِيَةُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَرْضِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِهِ أَوْ بَدَلِهِ إنْ فَاتَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَرَطَا ذَلِكَ قَبْلَ الْبَيْعِ صَارَ الثَّمَنُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَعَادَ إلَيْهَا كَالْعَدَمِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي امْرَأَةٍ لَهَا أُخْتٌ قَاصِرَةٌ بَاعَتَا شَجَرًا لَهُمَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ الْقَاصِرَةُ، وَبَلَغَتْ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ السِّنِينَ، وَهِيَ بَالِغَةٌ سَاكِتَةٌ هِيَ، وَزَوْجُهَا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهَا مِنْ الرَّدِّ ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ فَهَلْ لَا تُجَابُ لِذَلِكَ، وَيُعَدُّ سُكُوتُهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ رِضًا مِنْهَا بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ سَكَتَتْ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ رُشْدِهَا بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ لَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَعَمٍّ، وَتَرَكَ دَارًا، وَعَلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ فَبَاعَتْ الزَّوْجَةُ الدَّارَ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي، وَصَارَ يَهْدِمُ وَيَبْنِي فِيهَا مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ، وَالْعَمُّ حَاضِرٌ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ، وَبَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَرَادَ إبْطَالَ الْبَيْعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَهَلْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ، وَيُمْنَعُ مِنْ تَعَرُّضِهِ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ عَلِمَ الْعَمُّ بِالْبَيْعِ، وَسَكَتَ بَعْدَ عِلْمِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَسُوغُ إبْطَالُ الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ بَاعَ نِصْفَ فَرَسٍ، وَشَرَطَ أَنَّ ثَمَنَهَا مِنْ ظَهْرِهَا، وَكُلْفَتَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ النَّيْلِ لِكَوْنِهَا لَهَا بَالٌ فَهَلْ إذَا رَدَّ هَذَا الْعَقْدَ قَبْلَ الْمَفُوتِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْكُلْفَةِ، وَإِنْ فَاتَ فَهَلْ يَمْضِي بِالثَّمَنِ، وَفَوْتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْكُلْفَةِ، وَإِذَا فَاتَ مَضَى بِالْقِيمَةِ، وَفَوَاتُهُ بِحَوَالَةِ السَّوْقِ أَوْ مُكْثِ الْحَيَوَانِ شَهْرًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاعَ نِصْفَ دَابَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ أَوْلَادِهَا] (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَمَّنْ بَاعَ نِصْفَ دَابَّةٍ، وَالثَّمَنُ مِنْ أَوْلَادِهَا. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ يُرَدُّ، وَهُوَ مِنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، وَإِذَا فَاتَ مَضَى بِالْقِيمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ بَيْعِ نِصْفِ حِصَّةِ زَرْعٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الطَّعَامِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي دَفْعَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ كُلَّ يَوْمٍ إلَى

تَمَامِ نِتَاجِ الزَّرْعِ وَسِقَايَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ وَجَمِيعِ عِلَاجِهِ إلَى أَنْ يَمْلِكَهُ لَهُ فَهَلْ هَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ إذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِهِ فَهَلْ يَمْضِي بِبُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَيُقْضَى لِلْمُشْتَرِي بِهِ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ خُصُوصًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ طَعَامًا لِأَنَّهُ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ، وَلَا يَمْضِي إلَّا إذَا سَلِمَ مِنْ الرِّبَا بِأَنْ كَانَ الْمُثَمَّنُ غَيْرَ طَعَامٍ، وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الزَّرْعَ، وَكَانَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْإِفْرَاكِ، وَقَبْلَ الْيُبْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَمَّنْ أَعْطَى نِصْفَ دَابَّةٍ فِي نَظِيرِ كُلْفَتِهَا (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ قَدْرًا أَوْ أَجَلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَمَّنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ السَّابِقُ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ عَلَى السَّبْقِيَّةِ، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَاعِدَةِ مَالٍ تَنَازَعَهُ اثْنَانِ، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى حَيَوَانًا بَتًّا مِنْ آخَرَ مِنْ بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَيَوَانَ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ يَمْرَضُ بِمَرَضٍ مَخْصُوصٍ فَيَمُوتُ بِهِ غَالِبًا، وَلَمْ يُعْلِمْهُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرِضَ الْحَيَوَانُ بِذَلِكَ الْمَرَضِ، وَمَاتَ فَهَلْ يَكُونُ الْبَائِعُ غَاشًّا، وَيَضْمَنُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الْبَائِعُ غَاشٌّ، وَمُدَلِّسٌ لِأَنَّ الْعُيُوبَ فِي الْمَبِيعِ بِحَسَبِ مَا عِنْدَ النَّاسِ لَا بِحَسَبِ حُكْمِ الشَّرْعِ فَمَتَى كَانَ الْمَبِيعُ بِحَالٍ لَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي لَزَهِدَ فِيهِ أَوْ قَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِيهِ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ بَيَانُهُ فَإِنْ كَتَمَهُ كَانَ مُدَلِّسًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الْحَيَوَانِ مِنْ بَلَدٍ كَثُرَ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ فِي حَيَوَانَاتِهِ أَمْرٌ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي لَزَهِدَ فِيهِ أَوْ قَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِيهِ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ الْقَدْرَ الَّذِي زَادَهُ ثَمَنُ هَذَا الْمُشْتَرِي الْغَيْرِ الْعَالِمِ بِمَا ذُكِرَ عَلَى ثَمَنِ مَنْ يَشْتَرِي بِهِ عَالِمًا بِهِ تَقْدِيرًا لَا جَمِيعَ الثَّمَنِ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ بِأَمْرٍ حَدَثَ لَا بِأَمْرٍ قَدِيمٍ كُتِمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرِ فَرَاجِعْهُ. وَفِي الْمِعْيَارِ سُئِلَ ابْنُ لُبٍّ عَنْ ثَوْبِ الْمَيِّتِ بِالْوَبَاءِ، فَأَجَابَ: تَوَهُّمُ كَوْنِهِ عَيْبًا فِي السِّلْعَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ قَدْ اشْتَهَرَ وَأَثَّرَ كَرَاهِيَةً فِي النَّفْسِ بِحَيْثُ إذَا ذَكَرَهُ الْبَائِعُ كَانَ ذِكْرُهُ عَائِدًا عَلَيْهِ بِنَقْصٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ يَزْهَدُ فِي السِّلْعَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ عَيْبٌ لِأَنَّ الْعُيُوبَ فِي السِّلَعِ بِحَسَبِ مَا عِنْدَ النَّاسِ لَا بِحَسَبِ حُكْمِ الشَّرْعِ انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ إذَا اسْتَشْعَرَ النَّاسُ قَطْعَ السِّكَّةِ، وَحَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسْرِعَ فِي إخْرَاجِهَا قَبْلَ قَطْعِهَا أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَتْ لِأَحَدٍ فَامْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا هَلْ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي أَمْ لَا فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِسْرَاعُ فِي إخْرَاجِهَا، وَيُلْزِمُ جَبْرًا مَنْ أَبَاهَا، وَعِنْدِي أَنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الْمِدْيَانِ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُفَلِّسُوهُ فَمَنْ يُجِيزُ الْأَخْذَ مِنْهُ خَشْيَةَ التَّفْلِيسِ يُجِيزُ هَذَا، وَمَنْ مَنَعَ يُمْنَعُ هَذَا، وَمَنْ يَقُولُ إذَا تَحَدَّثُوا فِي تَفْلِيسِهِ فَلَا يَجُوزُ هُنَا إذَا تَحَدَّثُوا فِي قَطْعِهَا إخْرَاجُهَا، وَإِذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ يَجُوزُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى لَطَفَ اللَّهُ بِهِ) عَمَّنْ بَاعَ نِصْفَ بَهِيمَةٍ لِآخَرَ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ يَكُونُ الثَّمَنُ فِي قَرْنِهَا أَوْ أَوْلَادِهَا، وَبَقِيَتْ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا فِي لَيْلَةِ حِلَابِ الْمُشْتَرِي نَصِيبَهُ مَعَ شَرْطِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّعْيَ وَالسَّقْيَ وَالْعَلْفَ لَهَا وَالْبَيَاتِ بِدَارِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا بَعْضُ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ ثُمَّ تَرَكَ الْمُشْتَرِي الْحِلَابَ وَغَيْرَهُ، وَبَقِيَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ يَسْتَبِدُّ بِمَنَافِعِهَا وَنَفَقَتِهَا، وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَتَصَرَّفَ فِيهَا فَمَنَعَهَا الْبَائِعُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَيَجِبُ فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ

فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَحَيْثُ بَقِيَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ فَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا مُطَالَبَةَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَا تَجْدِيدَ عَقْدٍ الْآنَ عَلَى وَجْهٍ يُوَافِقُ الشَّرْعَ فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا بَهِيمَةً تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، وَيَصْبِرَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهَا فَذَهَبَ، وَاشْتَرَى بِغَيْرِ حَضْرَةِ دَافِعٍ الدَّرَاهِمَ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْبَهِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا لِآخَرَ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ إلَّا النِّصْفَ بِنِصْفِ الدَّرَاهِمِ فَهَلْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ خَائِنٌ فَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ بَاطِلًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إشْهَادُ آخِذِ الدَّرَاهِمِ بِأَنَّ الْبَهِيمَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَافِعِ الدَّرَاهِمِ نِصْفَيْنِ يُثْبِتُ نِصْفَهَا لِدَافِعِ الدَّرَاهِمِ فَحَيْثُ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ غَيْرَ النِّصْفَ صَارَ لَا مِلْك لِآخِذِ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَهِيمَةِ أَصْلًا فَبَيْعُهُ بَيْعٌ فُضُولِيٌّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِشْهَادِ الثَّانِي لِتَبَيُّنِ كَذِبِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فَيُخَيَّرُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ، وَأَخْذِ نِصْفِ الْبَهِيمَةِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ، وَيُطَالِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَرَاهِمِ السَّلَفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا يَقَعُ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ يَبِيعُ الرَّجُلُ لِآخَرَ نِصْفَ الْبَهِيمَةِ الصَّغِيرَةِ، وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى النِّصْفَ هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِمَّا أَنْ تُبَاعَ، وَإِمَّا أَنْ تُتْرَكَ لَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَمُوتَ فَإِنْ بِيعَتْ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهَا قَوَّمَا النَّفَقَةَ الَّتِي أُنْفِقَتْ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ الْمُنْفِقُ قِيمَةَ نَفَقَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ تَرَكَهَا لَهُ، وَانْتَفَعَ بِهَا بِقَدْرِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَخَافُ مِنْ هَذِهِ الْكُلْفَةِ فَيُعْطِي نِصْفَهَا بِلَا ثَمَنٍ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهَا مَتَى شَاءَ، وَلَا كُلْفَةَ لِصَاحِبِهَا فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْعَادَةِ بِإِنْفَاقِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُجُوعَهُ كَاشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَهُوَ شَرْطٌ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ، وَيُفْسِدُ الْعَقْدَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَعُودُ لَهُ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ أَوْ غَلَّةً بِقَدْرِهِ أَوْ أَزْيَدَ، وَحَيْثُ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْفَوَاتِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعًا، وَإِنْ فَاتَ بِحَوَالَةِ سَوْقٍ فَأَعْلَى مُضِيٍّ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ، وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا يَنْوِيه مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِنْ اسْتَغَلَّ حُوسِبَ، وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ قَبْلَ الْفَوَاتِ، وَتَمْضِي بَعْدَهُ بِالْقِيمَةِ، وَيُنْفِقُ كُلٌّ عَلَى حِصَّتِهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَأْنِ أُنَاسٍ يَبِيعُونَ الْأَنْعَامَ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَظْهَرُ فِي بَاطِنِهَا غِشٌّ فَهَلْ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي لِرَدِّ الْبَيْعِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا رَدَّ بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَغَيُّرٍ لِلْمَبِيعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْعَلَامَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْغِشِّ فِيهَا بِوَاسِطَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الرَّدِّ فَهَلْ الْعُرْفُ الْجَارِي بِأَنَّ الْأَنْعَامَ إذَا بِيعَتْ وَظَهَرَ فِيهَا بِالْعَلَامَةِ الْمَذْكُورَةِ غِشٌّ بِالرَّدِّ فِي مِائَةِ يَوْمٍ وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْبَيْعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي لِلرَّدِّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَغَيُّرٍ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ لَكِنَّ الْعُرْفَ الْجَارِيَ بِالرَّدِّ بِهِ يُعْمَلُ بِهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ وَمَنْ تَبِعَهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الرَّدِّ بِهِ الَّذِي يَعْلَمُ بِهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ سَيِّدِي خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ شُرَّاحُ مُخْتَصَرِهِ وَسَلَّمُوهُ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَغَيُّرٍ كَسُوسِ الْخَشَبِ وَالْجَوْزِ وَمُرُّ قِثَّاءٍ يَعْنِي أَنَّ مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَى وُجُودِهِ إلَّا بِتَغَيُّرِ ذَاتِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا

عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا قِيمَةَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ كَخُضْرَةِ بَطْنِ الشَّاةِ، وَكُسُوسِ الْخَشَبِ بَعْدَ شَقِّهِ، وَفَسَادِ بَاطِنِ الْجَوْزِ، وَمُرِّ الْقِثَّاءِ، وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّدَّ بِهِ فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَضٌ، وَمَالِيَّةٌ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَالْعَادَةُ كَالشَّرْطِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الشَّبْرَخِيتِيِّ: وَلَا رَدَّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا أَيُّ عَيْبٍ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَغَيُّرٍ فِي ذَاتِ صَاحِبِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ كَخُضْرَةِ بَاطِنِ الشَّاةِ، وَكُسُوسِ الْخَشَبِ بَعْدَ شَقِّهِ، وَظَاهِرُهُ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ طَارِئًا مِنْ وَضْعِهِ فِي مَكَان نَدِيٍّ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ ثُمَّ قَالَ: وَكَفَسَادِ بَاطِنِ الْجَوْزِ هِنْدِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَالتِّينِ، وَمُرِّ قِثَّاءٍ، وَفَقُّوسٍ، وَخِيَارٍ، وَعَدَمِ اسْتِوَاءِ بِطِّيخٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّدَّ بِهِ فَيَعْمَلَ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ شَرَطٌ فِيهِ غَرَضٌ وَمَالِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ: وَانْظُرْ إذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ نَفْيِ الرَّدِّ فَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ إنْ وَجَدَهُ مُرًّا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ الرَّدَّ فِي الْبِطِّيخِ إنْ وَجَدَهُ غَيْرَ مُسْتَوٍ هَلْ يُوَفِّي بِشَرْطِهِ أَمْ لَا، وَالْأَظْهَرُ الْوَفَاءُ بِهِ انْتَهَى، وَالْعَادَةُ كَالشَّرْطِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفِيشِيِّ أَنَّ إنْكَارَ مَالِكٍ لِرَدِّهِ يُضْعِفُ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ إنْكَارَ الْإِمَامِ لِلرَّدِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَبَحْثُ الْمُصَنِّفِ مَعَ الشَّرْطِ، وَلِذَا قَالَ الْحَطَّابُ: وَانْظُرْ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرَّدِّ بِذَلِكَ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ فِي الْأُمِّ: وَأَهْلُ السُّوقِ يَرُدُّونَهُ إذَا وَجَدُوهُ مُرًّا، وَلَا أَدْرِي بِمَ رَدُّوا ذَلِكَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَامُوسَةً ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إنَّ بِهَا غِشًّا بِعَلَامَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ مِنْ سُهُولَةِ نَتْفِ شَعْرٍ أَوْ نَتْفِ فَرْجٍ أَوْ غُمَاصِ عَيْنٍ فَهَلْ إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِهِ مُسْتَنِدًا لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِالرَّدِّ، وَالْحَالُ أَنَّ الْجَامُوسَةَ حَيَّةٌ لَمْ تُذْبَحْ، وَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَى الْغِشِّ إلَّا بِتَغَيُّرِ ذَاتِهَا بِالذَّبْحِ يُجَابُ لِذَلِكَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ تَغَيُّرِ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْتَنِدُ لِلْعَلَامَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَبْحِهِ وَشَقِّ جَوْفِهِ حَيْثُ كَانَ الْعُرْفُ جَارِيًا بِالرَّدِّ بِهِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى الْبَتِّ، وَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ شَرْطٌ بِالْخِيَارِ ثُمَّ إنَّهَا مَكَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُدَّةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ بَاعَهَا الْآخَرُ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَصَابَهَا صَرْعُ جَانٍّ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ هَذَا الدَّاءَ كَانَ بِهَا، وَهِيَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَهَلْ لَا تُرَدُّ الْجَارِيَةُ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذَا الدَّاءَ كَانَ بِهَا، وَهِيَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَإِذَا نَطَقَ الْجَانُّ، وَقَالَ إنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ حَيْثُ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ حَيْثُ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِنُطْقِ الْجَانِّ، وَلَا شَهَادَتِهِ لِلْمُشْتَرِي إذْ يُمْكِنُ أَنَّهُ تَصَنُّعٌ مِنْ الْجَارِيَةِ لِكَرَاهَتِهَا الْمُشْتَرِي، وَعَلَى فَرْضِ تَحَقُّقِ أَنَّهُ مِنْ الْجَانِّ فَمِنْ أَيْنَ لَنَا إسْلَامُهُ وَعَدَالَتُهُ عَلَى أَنَّ فِسْقَهُ ثَابِتٌ بِتَعَدِّيهِ عَلَى الْأَمَةِ وَصَرْعِهِ إيَّاهَا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْيَارِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْمَصْرُوعِ كَلَامُ نَفْسِ الْمَصْرُوعِ لَا كَلَامُ الْجِنِّ إنَّمَا الْجِنُّ يَتَسَبَّبُ فِي خَيَالَاتٍ وَتَمْثِيلَاتٍ وَخَوَاطِرَ فِي

قَلْبِ الْمَصْرُوعِ يَتَكَلَّمُ بِحَسَبِهَا وَيَتَحَرَّكُ كَذَلِكَ كَالنَّائِمِ. قَالَ: وَأَمَّا إخْبَارُهُ بِالْغَيْبِ فَسَبَبُهُ أَنَّ مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ مَسْطُورٌ ثَابِتٌ فِي شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَارَةً يُسَمَّى لَوْحًا، وَتَارَةً إمَامًا، وَتَارَةً كِتَابًا، وَثُبُوتُ الْأَشْيَاءِ فِيهِ كَثُبُوتِ الْقُرْآنِ فِي دِمَاغِ الْحَافِظِ، وَلَيْسَ مِثْلَ الرُّقُومِ الْمَكْتُوبَةِ الْمَرْئِيَّةِ فِي جِسْمٍ مُثَنَّاةٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَنَاهِي لَا يُكْتَبُ فِي الْمُتَنَاهِي هَذِهِ الْكِتْبَةَ الظَّاهِرَةَ، وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْمِرْآةِ، وَاللَّوْحُ مِثْلُ الْمِرْآةِ بَيْنَ حِجَابٍ فَإِذَا ارْتَفَعَ الْحِجَابُ تَرَاءَى الصُّوَرَ الَّتِي فِي اللَّوْحِ، وَالْحِجَابُ هُوَ الشُّغْلُ، وَالْقَلْبُ بِالدُّنْيَا مَشْغُولٌ، وَأَكْثَرُ اشْتِغَالِهِ الْفِكْرُ فِيمَا يُورِدُهُ الْحِسُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ فِي شُغْلٍ دَائِمٍ فَإِذَا رَكَدَتْ الْحَوَاسُّ بِنَوْمٍ أَوْ صَرْعٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فَسَادِ الْأَخْلَاطِ شُغْلٌ آخَرُ بِالْبَاطِنِ رُبَّمَا تَرَاءَى فِي الْقَلْبِ بَعْضُ تِلْكَ الصُّوَرِ الْمَكْتُوبَةِ فِي اللَّوْحِ، وَتَحْقِيقُ هَذَا يَطُولُ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى مَا صَحَّ مِنْهُ فِي كِتَابِ عَجَائِبُ الْقَلْبِ، وَلِذَلِكَ يَظْهَرُ عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لِلْإِنْسَانِ مَوْضِعُهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَتَكُونَ الْبُشْرَى أَوْ مِنْ النَّارِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَتَكُونَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْحَوَاسَّ تَرْكُدُ فِي مُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ انْتَهَى، وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْعَمَلِ بِكَلَامِ الْجَارِيَةِ حَالَ صَرْعِهَا ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي نَفْيِ عَيْبِ السَّلِيمِ أَوْ قِدَمِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ، وَقِيلَ كُفَّارٌ وَفُسَّاقٌ لَا يَكْذِبُونَ قِيلَ لِتَعَذُّرِ الْغَيْرِ فِيهِمَا أَوْ فِي الْكُفَّارِ، وَالْوَاحِدُ كَافٍ إنْ أَرْسَلَهُ الْقَاضِي، وَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ لَمْ يَخْفَ عَيْبُهُ، وَإِلَّا فَعَدْلَانِ، وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ وَيَمِينِهِ بِعْته، وَزَادَ فِيمَا يُضْمَنُ بِالْقَبْضِ، وَأَقْبَضْته، وَمَا هُوَ بِهِ بَتًّا فِي الظَّاهِرِ الَّذِي قَدْ يَخْفَى، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُبْتَاعِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَامُوسَةً مِنْ آخَرَ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ، وَبَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَامَ وَالِدُ الْبَائِعِ، وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّ وَلَدَهُ سَرَقَهَا وَبَاعَهَا بِدُونِ إذْنِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا رَجُلٌ تَاجِرٌ قَدْ بِعْتهَا بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُكَلَّفُ الْأَبُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ أَقَامَهَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَأَخْذُهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَأَخْذُ قِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ سَاكِتًا، وَإِلَّا فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ فَلَّاحٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ فَجَبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهِ فَبَاعَ زَرْعَةَ قَصَبٍ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِرَجُلٍ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَخَدَمَهَا حَتَّى تَمَّ طَيْبُهَا، وَشَرَعَ فِي عَصْرِهَا فَقَامَ الْبَائِعُ يُرِيدُ أَخْذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ خُصُوصًا، وَقَدْ بَاعَهَا جَبْرًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةَ عَمَلِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةَ عَمَلِهِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ فَسَادِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ فَسْخُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى صُنْدُوقَ دُخَانِ نُشُوقٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ الْأَعْلَى وَوَجَدَ الْبَاقِي رَدِيئًا لَا يُبَاعُ، وَلَا يُشْتَرَى فَهَلْ يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الدُّخَانَ الْمَذْكُورَ مَعِيبٌ قَبْلَ الشِّرَاء بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي حَالَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ

رجل اشترى بقرة بشرط الحمل فولدت عنده فوجد في ضرعها شللا فأراد ردها فأبى البائع

بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا يَنْوِيه مِنْ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مَنْزِلًا، وَفِيهِ كُورَاتُ نَحْلٍ مَبْنِيَّةٌ، وَبَعْدَ شَهْرٍ أَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَهَا فَمَنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ تَكُونُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَقْدُ عَلَى الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ فِيهَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ، وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ كُلَّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. أَقُولُ يَبْقَى النَّظَرُ فِي النَّحْلِ الَّذِي يَأْوِي إلَى تِلْكَ الْكُورَاتِ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ نَقْلَهُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اصْطَادَ حَمَامَ الْأَبْرَاجِ يَرُدُّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ عِنْدَ تَمْكِينِ الْبَائِعِ مِنْ نَقْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَا يَرُدُّهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ بَلْ يَأْوِي فِي بُرْجِهِ الْيَوْمَ، وَغَدًا فِي بُرْجِ غَيْرِهِ عَدَمُ تَمْكِينِهِ مِنْهُ لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ أَوَى النَّحْلُ إلَى الْكُورَاتِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَاهُ أَوْ اصْطَادَهُ، وَوَضَعَهُ فِيهَا فَيُمَكَّنُ مِنْهُ حَتَّى عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ مَلَكَهُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَوَجَدَ فِي ضَرْعِهَا شَلَلًا فَأَرَادَ رَدَّهَا فَأَبَى الْبَائِعُ] (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَوَجَدَ فِي ضَرْعِهَا شَلَلًا فَأَرَادَ رَدَّهَا فَأَبَى الْبَائِعُ مِنْ قَبُولِهَا، وَقَالَ هَذَا الْعَيْبُ حَدَثَ عِنْدَك فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَشْهَدْ بِقِدَمِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَادَةٌ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ عَلَى تَفْصِلِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ مَكَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا فَأَكْثَرَ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ لِتَفْوِيتِهِ فَسْخَ الْفَاسِدِ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ ابْتِدَاءً أَمَّا إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ مُفَوِّتٌ غَيْرُهُ أَيْضًا فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الْمُشْتَرِي فِي الْقِدَمِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا اسْتَوْجَبَ الرَّدَّ بِالْفَسَادِ صَارَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا، وَالْمُشْتَرِي مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَالُوهُ مِنْ تَقْيِيدِ كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ فِي نَفْيِ قِدَمِ الْعَيْبِ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ سَلِيمًا أَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَتَنَازَعَا فِي حُدُوثِ غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْقِدَمِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ، والشبرخيتي عَنْ الْإِرْشَادِ: وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ: وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ فِي صُورَةِ الشَّكِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي انْبِرَامِ الْعَقْدِ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي حَلَّهُ، وَالْأَصْلُ انْبِرَامُهُ، وَلِذَا لَوْ صَاحَبَ الْعَيْبُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبْتَاعِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ الْبَائِعَ الرَّدُّ بِهَذَا الْقَدِيمِ مِنْ الْعَيْبِ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَذَا الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ أَيْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبْتَاعِ فَإِذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ لِمَا ادَّعَى حُدُوثَهُ أَرْشًا قَوْلُهُ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا إلَخْ أَيْ وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَيْ وَالْأَصْلُ قَبُولُ قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إنَّهُ قَدِيمٌ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ الشَّارِحُ. وَفِي عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ، وَمِثْلُهُ فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَكَذَا فِي بَهْرَامَ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاسْتَحْسَنَهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ بَقَرَةٌ، وَلَهَا نِتَاجٌ قَدْ مَاتَ ثُمَّ وَلَّفَ عَلَيْهَا عِجْلًا غَيْرَهُ فَقَبِلَتْهُ، وَصَارَتْ تُحْلَبُ عَلَيْهِ، وَبَاعَهَا لِشَخْصٍ وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ بِأَنَّ الْعِجْلَ لَيْسَ وَلَدَهَا فَأَرَادَ رَدَّهَا لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي حُجَّةٌ إلَّا كَوْنُ الْوَلَدِ لَيْسَ وَلَدَ الْبَقَرِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ هَذَا عَيْبًا إذَا الْكُلُّ بَهَائِمُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِكَوْنِ الْعِجْلِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً فِي حَالِ عَزْمِهِ عَلَى السَّفَرِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ دَفَعَ بَعْضَهُ، وَأَمْهَلَهُ الْبَائِعُ بِالْبَاقِي ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فَغَابَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمَّا حَضَرَ طَلَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ بِيَوْمَيْنِ مَرِضَتْ الْبَقَرَةُ فَأَوْدَعَهَا عِنْدَ أَمِينٍ، وَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَهُ بِمَوْتِهَا، وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ مَرِيضَةً عِنْدَ الْبَائِعِ مُرِيدًا عَدَمَ الدَّفْعِ فَقَالَ الْبَائِعُ بَقَرَتِي كَانَتْ نَاصِحَةً، وَبِعْتهَا لَك سَالِمَةً مِنْ الْمَرَضِ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الْبَاقِي، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَيْبِ هَلْ حَدَثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ كَانَ قَدِيمًا عِنْدَ الْبَائِعِ لِظُهُورِهِ بِقُرْبِ الشِّرَاءِ، وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي حُدُوثِهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ دَفْعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَتِلْكَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ مَلَكَ نَخْلًا فِي قَبَائِلَ شَتَّى فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ تِسْعَ نَخْلَاتٍ، وَأَنْكَرَ رَبُّ النَّخْلِ فَطَلَبَهُ عِنْدَ فَقِيهٍ فَطَلَبَ الْفَقِيهُ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَأَحْضَرَ رَجُلَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ لَهُ تِسْعَ نَخْلَاتٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْهَا الشَّاهِدُ مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ، وَسَأَلَهُ الْفَقِيهُ عَنْ قَدْرِ الثَّمَنِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، وَشَهِدَ الثَّانِي كَذَلِكَ فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي بَطَلَ بَعْضُهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ فَرْعٌ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَشَهِدَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ تُعَرِّفْ الثَّمَنَ فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ قَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ فَبِكَمْ بِعْتهَا فَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُبْتَاعُ أَدَّاهُ، وَإِنْ ادَّعَى دُونَهُ تَحَالَفَا، وَرُدَّتْ، وَإِنْ تَمَادَى الْبَائِعُ عَلَى إنْكَارِ الْبَيْعِ سُئِلَ الْمُبْتَاعُ عَنْ الثَّمَنِ فَإِنْ سَمَّى مَا يُشْبِهُ حَلَفَ، وَدَفَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ. وَعَدَمُ مَعْرِفَةِ الْبَيِّنَةِ أَعْيَانَ النَّخِيلِ لَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ تَعْيِينُ النَّخْلَاتِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْخَرَشِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْأَلُ الْمُتَنَازِعَانِ عَنْ النَّخْلَاتِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا نَخْلَاتٍ بِعَيْنِهَا، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ غَيْرُ مُعَيَّنَاتٍ فَفِي الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ يَتَخَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ بِيَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ، وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَفَاسَخَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَتَى قِيلَ يَتَحَالَفَانِ فَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَإِذَا قِيلَ الْقَوْلُ لِهَذَا بِيَمِينٍ فَعِنْدَ النُّكُولِ يُقْضَى لِلْآخَرِ إنْ حَلَفَ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِ الْمَبْدَأِ، وَلَا يَتَأَتَّى حَلِفُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ قَوْلُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ تَعْيِينُ النَّخْلَاتِ إنْ أَرَادَ، وَالْحَالُ أَنَّهَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَمَمْنُوعٌ إذْ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ حِينَئِذٍ غَرَرٌ شَدِيدٌ، وَجَهَالَةٌ عَظِيمَةٌ يَقْتَضِيَانِ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْضُوعِ كَلَامِ الْخَرَشِيِّ إذْ هُوَ فِي نَخْلَاتٍ مِنْ بُسْتَانٍ بَاعَهُ صَاحِبُهُ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ نَخْلَاتٍ ثُمَّ تَنَازَعَ مَعَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: اسْتَثْنَيْت نَخْلَاتٍ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَخْتَارُهَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مُعَيَّنَةً، وَالْغَالِبُ تَقَارُبُ نَخَلَاتِهِ فَالْغَرَرُ فِيهِ يَسِيرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ لِلدُّخُولِ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَجْوَدِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُمَا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ جَعْلِ الصَّدَاقِ عَبْدًا تَخْتَارُهُ الزَّوْجَةُ مِنْ عَبِيدِ الزَّوْجِ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ لِحَائِطِهِ شَرَطْت نَخْلَاتٍ اخْتَارَهَا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مُعَيَّنَةً فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ يَتَفَاسَخَانِ إنْ حَكَمَ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ فِي جَدِّ الْأُجْهُورِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ

شراء لحم الشاة المغصوبة بعد ذبحها

إنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ إنْ انْتَقَدَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَلِلْمُبْتَاعِ أَيْ بِيَمِينِهِ. ابْنُ نَاجِيٍّ هُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى لَا عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى اهـ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ نَخْلَاتٍ بِعَيْنِهَا، وَالْآخَرُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَهَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ لِمُدَّعِيهَا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّعْيِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [شِرَاءِ لَحْمِ الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا] (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ شِرَاءِ لَحْمِ الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَمُعَامَلَةِ مَنْ فِي مَالِهِ الْحَرَامُ، وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ هَلْ تَجُوزُ أَمْ لَا. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) شِرَاءُ لَحْمِ الشَّاةِ الَّتِي ذَبَحَهَا الْغَاصِبُ فِيهِ خِلَافٌ مَنَعَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَالْبَدْر الْقَرَافِيُّ، وَالنَّاصِرُ اللَّقَّانِيُّ، وَأَجَازَهُ ابْنُ نَاجِيٍّ، وَاعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمِعْيَارِ، وَغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ صَرِيحُ الْفِقْهِ. وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ مُلَخَّصًا أَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يُوجِبُ لِمَالِكِهِ الْخِيَارَ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ وَأَخْذِهِ مَذْبُوحًا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَخِيرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ حَيَوَانِهِ مَذْبُوحًا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُعَارَضَتُهُ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ فَلَهُ مَنْعُ الْغَاصِبِ مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ أَوْ يَتَوَثَّقَ مِنْهُ بِنُحُورِهِنَّ فَإِنْ مَنَعَ الْغَاصِبَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ شِرَاءٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ، وَمَنْ مَعَهُ، وَيَحِلُّ عِنْدَ ابْنِ نَاجِيٍّ، وَمَنْ مَعَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهَكَذَا كُلُّ مُقَوَّمٍ دَخَلَهُ مُفَوِّتٌ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَجَازَ تَمَلُّكُ مَا دَخَلَ ضَمَانَ الْغَاصِبِ بِمُفَوِّتٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَمَلَكَهُ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ أَوْ حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِهَا لِفَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَغْرَمْهَا بِالْفِعْلِ، وَلَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِهَا قَاضٍ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي اهـ لَكِنْ مَا لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ، وَالشَّيْخُ الْأَمِيرُ، وَبِالْجُمْلَةِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ شِرَاءَ لَحْمِ الشَّاةِ الَّتِي ذَبَحَهَا الْغَاصِبُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ رَبُّهَا لِإِرَادَةِ أَخْذِهَا أَوْ لِلتَّوَثُّقِ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمُعَامَلَةُ مَنْ فِي مَالِهِ الْحَرَامُ قَدْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَيْهَا ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينِ، وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ فِي مُعَامَلَةِ أَصْحَابِ الْحَرَامِ، وَيَنْقَسِمُ مَالُهُمْ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْحَرَامُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَلَا الْبَيْعُ بِهِ إنْ كَانَ عَيْنًا، وَلَا أَكْلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا، وَلَا لِبَاسُهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا، وَلَا قَبُولُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هِبَةً، وَلَا أَخْذُهُ فِي دَيْنٍ، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ بِكَوْنِ الْحَرَامِ قَدْ فَاتَ فِي يَدِهِ، وَلَزِمَ ذِمَّتَهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْحَلَالَ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُعَامَلَتَهُ، وَحَرَّمَهَا أَصْبَغُ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْحَرَامَ فَتَمْتَنِعَ مُعَامَلَتُهُ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالتَّحْرِيمُ عِنْدَ أَصْبَغَ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ كُلُّهُ حَرَامًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ مَالٌ حَلَالٌ حُرِّمَتْ مُعَامَلَتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَلَالٌ إلَّا أَنَّهُ اُكْتُسِبَ مِنْ الْحَرَامِ مَا أَرْبَى عَلَى مَالِهِ، وَاسْتَغْرَقَ ذِمَّتَهُ فَاخْتُلِفَ فِي مُعَامَلَتِهِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مُعَامَلَتِهِ بِعِوَضٍ فَتَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَبَيْنَ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَجُوزُ اهـ وَالْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَنْ اسْتَغْرَقَتْهُ التَّبِعَاتُ فِي مَالِهِ لَا يُتْرَكُ لَهُ إلَّا مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَمَالُهُ حَيْثُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِأَرْبَابِهِ صَدَقَةٌ أَوْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُرِهَ مُعَامَلَتُهُ إنْ غَلَبَتْ التَّبِعَاتُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَدَدًا مِنْ رَقِيقٍ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ تَمَامِ زَمَنِ الْعُهْدَةِ، وَبَعْدَ يَوْمَيْنِ، وَجَدَ بِبَعْضِ الْإِمَاءِ حَمْلًا ظَاهِرًا فَأَشْهَدَ رُفَقَاءَهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا وَصَلَ إلَى مُنْتَهَى سَفَرِهِ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ فَكُلُّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى حَمْلِهَا يَأْبَى شِرَاءَهَا ثُمَّ بَاعَهَا الشَّخْصُ فَأَسْقَطَهُ، وَبَاعَ الشَّخْصُ بِضِعْفِ مَا اشْتَرَاهَا

بِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ ابْنِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ عَامِلُ قِرَاضٍ، وَلَمَّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ سَفَرِهِ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِأَرْشِ الْحَمْلِ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِهِ لَهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَلِمَ الْحَمْلَ وَكَتَمَهُ حِينَ الْبَيْعِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّةٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ قَالَتْ أَطْلَعَنِي عَلَى الْجَارِيَةِ، وَأَخْبَرَتْهُ بِحَمْلِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَهَا بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ بِدُونِ رَفْعِ الْحَاكِمِ يُعَدُّ رِضًا مِنْهُ بِهِ فَهَلْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يَرْفَعَ لِقَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ الْبَائِعُ، وَلَا وَكِيلُهُ، وَلَا مَالُهُ، وَإِنْ ثَقُلَ عَلَيْهِ الرَّافِعُ لَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَهَلْ تَكُونُ الدَّعْوَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَلْ يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِإِحْضَارِ نِسَاءٍ يَشْهَدْنَ عَلَى الْحَمْلِ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا لِلرَّائِي بِدُونِ تَأَمُّلٍ أَوْ تَكْفِي شَهَادَةُ رُفَقَائِهِ، وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حِينَ الشِّرَاءِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْلِيبِ، وَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) حَيْثُ سَافَرَ الْمُشْتَرِي بِجَارِيَتِهِ يَوْمَيْنِ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَرْشِهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ تَبَعًا لِلْمُتَيْطِيِّ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الرَّدِّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالتَّمَاسُكِ، وَيَرْجِعُ بِأَرْشِهِ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ، وَرَدُّ مَبِيعٍ لِمَحِلِّهِ إنْ رُدَّ بِعَيْبٍ، وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا فَاتَ قَالَ الْخَرَشِيُّ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا فَإِنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدَّهُ إنْ نَقَلَهُ لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ فَإِنْ بَعُدَ فَاتَ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ، وَفَسَّرَ الْقُرْبَ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَا كُلْفَةَ فِيهِ، وَمِثْلُهُ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي، وَمِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الرُّجُوعَ بَعْدَ رُكُوبِ الْبَحْرِ بِيَوْمَيْنِ لِأَجْلِ عَيْبٍ بِجَارِيَةٍ فِيهِ أَعْظَمُ كُلْفَةً، وَمَشَقَّةً بَلْ لَا يَكَادُ يَقَعُ، وَقَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا فَاتَ هَذَا نَحْوُ مَا نَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ فَإِنْ حَمَلَ الْمَبِيعَ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى حَيْثُ أَخَذَهُ، وَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَانَ فَوْتًا يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ السِّلْعَةِ مَعَ الْقُرْبِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَوْ كَانَتْ سِلْعَةً فَأَدَّى فِي حَمْلِهَا ثَمَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَمْسِكَ أَوْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَحَمَلَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَلِّسٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا لِتَدْلِيسِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْإِقَالَةِ اهـ. فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَيَخْتَلِفُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُدَلِّسْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ نَقَلَ إلَى بَلَدٍ مَا فِي رَدِّهِ إلَى بَلَدِ الْبَائِعِ غُرْمٌ كَثِيرٌ رُفِعَ لِسُلْطَانِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ عَلَى شِرَاءِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ يُرِيدُ فِي الْجَارِيَةِ فَيَأْمُرُ بِبَيْعِ ذَلِكَ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَهُ فَضْلُهُ، وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ يَكُونُ نَقْلُهُ إلَى الْبَلَدِ الْأُخْرَى مُفَوِّتًا، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فِي الْبَلَدِ الْأُخْرَى، وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لَا يَتَكَلَّفُ فِي رُجُوعِهِ كِرَاءً، وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ فَلَا يَكُونُ نَقْلُهُ فَوْتًا اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ مَحِلُّهُ إذَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ الْغَائِبِ، وَإِلَّا فَلَا يَشْتَرِطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ، طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ تَبِعَ فِيهَا ابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ، وَصَاحِبَ الذَّخِيرَةِ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ

الْعَدَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْخَرَشِيِّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الرَّفْعَ لِلْقَاضِي مَنْدُوبٌ، وَحَقَّقَ الْبُنَانِيُّ أَنَّ تَضْعِيفَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِشْهَادِ، وَأَمَّا الرَّفْعُ لِلْقَاضِي فَلَا بُدَّ إنْ أُرِيدَ تَعْجِيلُ الرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ الْعَدَوِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْبَائِعَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ غَيْرُ مُدَلِّسٍ، وَقَدْ نَقَلَ الْمَبِيعَ عَنْ بَلَدِهِ، وَصَارَ فِي رَدِّهِ كُلْفَةً فَتَعَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَرْشُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَخُيِّرَ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَخْتَرْ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ قَدْ بَاعَ الْجَارِيَةَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَالْبَائِعُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّدْلِيسِ. قَالَ الْحَطَّابُ تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْبَائِعُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّدْلِيسِ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ يُقِرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ادَّعَى يَعْنِي الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ لَهُ، وَأَنْكَرَهُ أَحَلَفَهُ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ عَلِمْت الْعَيْبَ وَأُنْسِيته حِينَ الْبَيْعِ حَلَّفَهُ أَنَّهُ نَسِيَهُ اهـ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَسِيَ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ثُبُوتَ التَّدْلِيسِ لَا يَكْفِي فِيهِ امْرَأَةٌ، وَلَوْ مُسْلِمَةً، وَتَكُونُ الدَّعْوَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ اتِّفَاقًا، وَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ هَلْ يُدْعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ مَخْصُوصٌ بِالْعَقَارِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَالدَّعْوَى حَيْثُ تَعَلَّقَ الطَّالِبُ بِالْمَطْلُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِإِحْضَارِ نِسَاءٍ يَشْهَدْنَ لَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَرَادَ فِيهِ الْبَيْعَ فِي سَفَرِهِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِشْهَادَ بِالْعَيْبِ لَا يُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَلَا تَتَعَيَّنُ النِّسَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي الِاكْتِفَاءِ بِهِنَّ قَوْلَانِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي فِي الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى مَا بِدَاخِلِ جَسَدِ الْجَارِيَةِ غَيْرَ الْفَرْجِ وَالْبَقْرَ عَنْهُ، وَنَظَرَ الرِّجَالِ لَهُ قَوْلَانِ، وَأَمَّا مَا بِفَرْجِهَا فَامْرَأَتَانِ، وَنَحْوُهُ فِي التَّتَّائِيِّ. وَفِي الْحَطَّابِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ يُفِيدُ اعْتِمَادَهُ، وَقَدْ نَسَبَهُ التَّتَّائِيُّ لِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالْقَوْلُ بِالْبَقْرِ يَعْنِي شَقَّ الْقَمِيصِ لِسَحْنُونٍ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يُعْلَمُ بِرُؤْيَةِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ مِنْ الْبَطْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُدُولِ، وَغَيْرِهِمْ إنْ كَانَ الْمَعِيبُ حَاضِرًا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعُدُولِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَقِيلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ وَلَوْ مُشْرِكِينَ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي عَيْبِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي مَعْرِفَتِهِ غَيْرُ الْعُدُولِ، وَإِنْ مُشْرِكِينَ، وَلَوْ تَيَسَّرَتْ الْعُدُولُ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْخَبَرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ جُرْحَةِ الْكَذِبِ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافٍ إذَا أَرْسَلَهُمْ الْقَاضِي لِيَقِفُوا عَلَى الْعَيْبِ، وَكَانَ الْعَبْدُ حَيًّا حَاضِرًا أَمَّا إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا أَوْ وَافَقَهُمْ الْمُبْتَاعُ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ وَحُلُولِهِ فِي إيقَافِ الْمُبْتَاعِ انْتَهَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إسْقَاطَ حَمْلِ الْجَارِيَةِ خُسْرَانٌ، وَالرِّضَا بِهِ ضَلَالٌ، وَالْجَارِيَةُ هُنَا غَائِبَةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ تَسَبَّبَ فِي إسْقَاطِ حَمْلِهَا أَوْ رَضِيَ بِهِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ غَيْرِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْعُدُولِ، وَالْعَيْبُ إذَا كَانَ ظَاهِرًا لِغَيْرِ الْمُتَأَمِّلِ لَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ وَالشَّيْخُ الْأَمِيرُ رَدًّا عَلَى الْخَرَشِيِّ وَعَبْدِ الْبَاقِي، وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِي دَعْوَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ حَالَ الشِّرَاءِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ رَآهُ بِإِرَاءَتِهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَمْ يَحْلِفْ مُشْتَرٍ اُدُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى الْإِرَاءَةِ، وَلَا الرِّضَا بِهِ إلَّا بِدَعْوَى مُخْبِرٍ، وَذَكَرَ الْخَرَشِيُّ أَنَّ مِثْلَ

دَعْوَى الْإِرَاءَةِ مَا إذَا أَشْهَدَ الْمُشْتَرِي عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَلَّبَ، وَعَايَنَ أَوْ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُتَأَمِّلِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مُحَشِّيهِ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الَّذِي لَا يَخْفَى، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُتَأَمِّلِ لَا رَدَّ بِهِ أَصْلًا، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هُوَ بِالْعَيْبِ الْخَفِيِّ أَوْ الَّذِي يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَأَنَّهُ فِيهِمَا لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى الْإِرَاءَةِ هَذَا، وَوَطْءُ الْوَلَدِ جَارِيَةَ أَبِيهِ زِنًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ فِي بَابِ السَّرِقَةِ، وَلَا تَكُونُ الْأَمَةُ أَمَّ وَلَدٍ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَالِكُهَا بِوَطْئِهَا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ قَالَتْ أَنَا مُسْتَوْلَدَةٌ لَمْ تَحْرُمْ، وَلَكِنَّهُ عَيْبٌ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُبَيِّنَهُ إذَا أَرَادَ الْبَيْعَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَخٍ، وَبِنْتٍ، وَتَرَكَ نَخِيلًا فَبَاعَ الْأَخُ النَّخِيلَ فَتَوَقَّفَ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَذِنَتْ الْبِنْتُ فِي الْبَيْعِ، وَكَتَبَهَا مَعَ عَمِّهَا فِي وَثِيقَةِ الشِّرَاءِ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِ سِنِينَ قَامَتْ الْبِنْتُ تُرِيدُ إبْطَالَ الْبَيْعِ، وَأَخْذَ نَصِيبِهَا مَجَّانًا مُحْتَجَّةً بِأَنَّهَا إنَّمَا أَذِنَتْ فِي الْبَيْعِ حَيَاءً مِنْ عَمِّهَا لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْعَارِ لِمُخَالَفَتِهَا إيَّاهُ فَهَلْ تُمَكَّنُ إذَنْ مِنْ أَخْذِ مَا يَخُصُّهَا مَجَّانًا، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ لَهَا أَخْذُ الْبَاقِي شُفْعَةً، وَإِنْ كَانَ الْعَمُّ حَيًّا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُمَكَّنُ إذَنْ مِنْ أَخْذِ مَا يَخُصُّهَا مَجَّانًا، وَلَهَا أَخْذُ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمُّ حَيًّا، وَعَزَا هَذَا الْعَلَّامَةُ السَّلْجِمَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ نَوَازِلِ الْمَازُونِيِّ. وَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هِلَالٍ، وَصَاحِبُ الْمِعْيَارِ: وَنَصُّهُ الْأَوَّلُ يَعْنِي مِنْ التَّنْبِيهَاتِ مَنْ وَهَبَ هِبَةً ثُمَّ رَجَعَ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ حَيَاءً فَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَا أَوَّلًا عَنْ نَوَازِلِ الْمَازُونِيِّ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي الرُّجُوعِ، وَكَذَا ظَاهِرُ مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ فِي مَسْأَلَةِ أَبَوَيْنِ نَحَلَا ابْنَتَهُمَا كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا مَاتَ الْأَبُ، وَطُولِبَتْ الْأُمُّ بِنِصْفِهَا ادَّعَتْ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ حَيَاءً وَخَجَلًا مِنْ النَّاسِ، وَنَصُّهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُؤَدِّيَ الشُّهُودُ شَهَادَتَهُمْ عَلَى مَا فَهِمُوا مِنْ حَالِ الْأُمِّ فِي خَجَلِهَا، وَعَدَمِ طِيبِ نَفْسِهَا، وَتَحْلِفُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ عِمَارَةَ ذِمَّتِهَا، وَلَا تُعَلِّقُ شَيْئًا مِنْ النِّحْلَةِ بِمَالِهَا انْتَهَى الْغَرَضُ مِنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ هِلَالٍ، وَصَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي النِّكَاحِ، وَاَلَّذِي فِي نَوَازِلِ الْوَصَايَا، وَأَحْكَامِ الْمَحَاجِيرِ عَنْ الْقَاضِي أَيْ الْيَزْنَاسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةٍ مَحْجُورٌ وَقَعَ مِنْهُ إبْرَاءٌ بَعْدَ مَوْتِ وَصِيِّهِ ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ بِلَفْظِ الْإِكْرَاهِ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَيَاءِ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى، وَكَذَا فِي الدُّرَرِ عَنْ سَيِّدِي سَعِيدٍ الْعُقْبَانِيِّ فِيمَنْ سَلَّمَتْ لِأَخِيهَا فِي مِيرَاثِهَا فَأَنْكَرَتْ، وَادَّعَتْ أَنَّ سُكُوتَهَا عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ كَانَ حَيَاءً وَثَبَتَ التَّسْلِيمُ مِنْهَا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي قَالَ سَيِّدِي سَعِيدٌ الْمَذْكُورُ، وَقَوْلُهَا إنَّمَا سَكَتَتْ حَيَاءً مِنْ أَخِيهَا لَا يَنْفَعُهَا اهـ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَاتَيْنِ النَّازِلَتَيْنِ إنَّمَا فِيهِمَا دَعْوَى الْحَيَاءِ بِلَا دَلِيلٍ فَلِذَلِكَ أُلْغِيَتْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فِيهِ مَا يُصَدِّقُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ فَلَا خِلَافَ إذَنْ نَعَمْ وَجَدْت الْخِلَافَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي تَقْيِيدٍ كُنْت قَيَّدْته، وَلَا أَسْتَحْضِرُ الْآنَ أَصْلَهُ الَّذِي قَيَّدْته مِنْهُ، وَنَصُّهُ الَّذِي فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ إذَا أَدْخَلَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ جَمَاعَةً مِنْ النَّاسِ لِتَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَأَدْرَكَهَا الْحَيَاءُ وَالْحِشْمَةُ فَوَهَبَتْ لَهُ صَدَاقَهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ، وَفِي أَسْئِلَةِ الْقَابِسِيِّ لَا تَرْجِعُ، وَلَا عُذْرَ لَهَا فِي الْحَيَاءِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ذِي شَوْكَةٍ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَبَاعَهَا بِحَضْرَةِ ابْنِهِ الْبَالِغِ، وَأَبِيهِ وَزَوْجَاتِهِ

اشترى سلعة بعشرة ريالات وأراد دفعها من الفضة العددية فهل يجاب لذلك

الْأَرْبَعِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَرِضَاهُمْ فَهَلْ إذَا لَمْ يُجِيزُوا الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ غَيْرَ نَافِذٍ، وَلَهُمْ أَخْذُ التَّرِكَةِ مِمَّنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ جَبْرًا عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِسَبَبِ دَعْوَى عَلَيْهِ فَبَاعَ جَانِبًا مِنْ الطِّينِ، وَجَانِبًا مِنْ الْعَقَارِ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَكَتَبَ الْمُشْتَرِي حُجَّةً شَرْعِيَّةً بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَحَازَ الطِّينَ وَالْعَقَارَ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ مِنْ غَرْسِ شَجَرٍ وَزَرْعٍ وَتَصْلِيحٍ فِي الطِّينِ وَالْعَقَارِ، وَمَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ إذَا أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى الْإِكْرَاهِ، وَادَّعَى حُصُولَ مَانِعٍ لَهُ، وَكَذَّبَتْهُ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي، وَأَظْهَرَتْ لَهُ حُجَّةَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا تُسْمَعُ لَهُ دَعْوَى أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا تُسْمَعُ لَهُ دَعْوَى إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لِوَفَاءِ الْحَقِّ الثَّابِتِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ مَعَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَسُكُوتِ الْبَائِعِ بِلَا مَانِعٍ، وَلَوْ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ شَرْعِيٌّ، وَإِكْرَاهُ الشَّرْعِ طَوْعٌ فَيَلْزَمُ مَعَهُ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: وَأَمَّا إنْ بِيعَ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ تَحْتَ الضَّغْطِ وَالْإِكْرَاهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَائِغٌ لِمَنْ اشْتَرَاهُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ لِآخَرَ فِي أَرْدَبِّ ذُرَةً لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ عَجَزَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَنْ دَفْعِ الذُّرَةِ فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ، وَدَفَعَ لَهُ جَانِبًا فِي الذُّرَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُ قِطْعَةَ أَرْضٍ فِلَاحَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَيْعِ فَهَلْ بَيْعُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الذُّرَةُ الَّتِي دَفَعَهَا، وَالذُّرَةُ الَّتِي أَسْلَمَهُ فِيهَا. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ بَيْعُ الْأَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا الذُّرَةُ الَّتِي أَسْلَمَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ رِيَالَاتٍ وَأَرَادَ دَفْعَهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ] (وَسُئِلَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ رِيَالَاتٍ، وَأَرَادَ دَفْعَهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ لَا آخُذُ إلَّا الرِّيَالَاتِ الصَّحِيحَةَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ وَقَعَ عَقْدُ الْبَيْعِ بِالرِّيَالَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَيِّ نَوْعٍ مِنْهَا فَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الثَّمَنِ بِدَفْعِ الرِّيَالِ بِحِسَابِ صَرْفُهُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَهُوَ التِّسْعُونَ نِصْفًا، وَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ الدَّرْدِيرُ (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ بَلَدِهِ، وَبَاعَ ابْنُ أَخِيهِ فِي غَيْبَتِهِ بَعْضَ نَخِيلِهِ، وَحَازَهُ الْمُشْتَرِي سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ عَنْ ابْنِ أَخِيهِ الْبَائِعِ، وَعَاشَ بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ عَنْ وَلَدِهِ، وَسَكَتَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَهُوَ يَعْلَمُ الْبَيْعَ، وَتَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَامَ مُرِيدًا رَدَّ الْبَيْعِ الَّذِي صَدَرَ مِنْ أَبِيهِ، وَأَخْذَ النَّخِيلِ مِنْ مُشْتَرِيهَا فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَيُمْنَعُ قَهْرًا عَنْهُ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ مَاتَ الْمَالِكُ، وَانْتَقَلَ إرْثُهُ لِابْنِ أَخَاهُ، وَلَمْ يَنْقُضْ الْبَيْعَ الَّذِي كَانَ صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ فَلَا نَقْضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا لِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِخَطِّ الشَّيْخِ بَلْ بِخَطِّ وَلَدِهِ، وَتَحْتَهُ خَتْمُ الشَّيْخِ، وَهُوَ صَوَابٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَعْطَى آخَرَ قَدْرًا مِنْ الْقَمْحِ قَرْضًا شَرْعِيًّا، وَقَدْرًا آخَرَ رَهْنًا عَلَى طِينٍ، وَمَضَى

لِذَلِكَ مُدَّةٌ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُ الْقَمْحِ يَطْلُبُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا فَحَسَبَ ذَلِكَ الْقَمْحَ كُلَّهُ بِدَرَاهِمَ، وَأَعْطَاهُ فِي نَظِيرِهَا تِلْكَ الْأَرْضَ بَيْعًا وَشِرَاءً فَهَلْ هَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ مَاضٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الْمَدِينَ، وَهُوَ رَبُّ الْأَرْضِ بَاعَهَا، وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا لِرَبِّ الدَّيْنِ الْمُرْتَهِنِ لَهَا فِي نَظِيرِ مَا عَلَيْهِ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَمَكَّنَهُ مِنْهَا عَقِبَ الْإِسْقَاطِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَكَانَ إذْ ذَاكَ بَالِغًا عَاقِلًا رَشِيدًا كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ، وَالْإِسْقَاطُ صَحِيحًا لَازِمًا، وَكَانَ الْحَقُّ فِيهَا حِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِي الْمُسْقِطِ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيُقْضَى لَهُ بِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَسْقَطَ لِآخَرَ حَقَّهُ مِنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَتَصَرَّفَ الْآخَرُ فِيهَا بِالزِّرَاعَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ ثُمَّ تَعَرَّضَ لَهُ آخَرُ مُدَّعِيًا أَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا لِلْمُسْقِطِ، وَلَكِنَّهُ أَبْدَلَهَا مِنْهُ بِأَرْضٍ لَهُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى عَلَى غَيْرِ التَّأْبِيدِ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِطُولِ الْمُدَّةِ مَعَ حُضُورِهِ وَعِلْمِهِ بِتَصَرُّفِ الْمُسْقِطِ لَهُ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْقَطِ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْإِسْقَاطِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَسْقَطَ الرَّجُلُ حَقَّهُ فِي الطِّينِ الْمَذْكُورِ لِآخَرَ بِدَرَاهِمَ كَانَ الْإِسْقَاطُ صَحِيحًا، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ الطِّينِ صَارَ لِلْمُسْقَطِ لَهُ، وَلَا حَقَّ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكٌ لِلْمُسْقِطِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْإِسْقَاطِ الْمَذْكُورِ، وَتَصَرُّفِ الْمُسْقَطِ لَهُ فِيهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُ ذَلِكَ الْمُدَّعِي قَهْرًا عَنْهُ، وَتَمْكِينُ الْمُسْقَطِ لَهُ مِنْ الطِّينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ عَبْدُ الْبَاسِطِ الشَّافِعِيُّ. (وَسُئِلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ بِيَدِهِ أَرْضٌ وَرِزْقَةٌ بَعْضُهَا عَلَى خِدْمَةِ مَسْجِدٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى الْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا لِآخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَشَرَطَ خِدْمَةَ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُسْقَطِ لَهُ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ، وَيُمْنَعُ الْمُسْقِطُ وَوَارِثُهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْمُسْقَطِ لَهُ، وَإِذَا أَبْدَلَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ قِطْعَةَ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِقَدْرِهَا، وَشَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَفْعَ خَرَاجِ أَرْضِهِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ قَبْلَ الْمُبَادَلَةِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ يُمْنَعُ الْمُسْقِطُ وَوَرَثَتُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِمَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرِّزْقَةِ بِالْإِسْقَاطِ، وَعَلَيْهِ خِدْمَةُ الْمَسْجِدِ وَالْمُبَادَلَةُ فِي الْأَرْضِ جَائِزَةٌ، وَمَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْمُبَادَلَةِ فَهُوَ لَازِمٌ لِمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ سَابِقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ مُقَرَّرٍ فِي ثَلَاثَةِ أَفْدِنَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ رِزْقَةٍ مُرْصَدَةٍ عَلَى عَمَلٍ فِي مَسْجِدٍ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهَا بِعِوَضٍ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَمَلِ، وَقَرَّرَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فِي ذَلِكَ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا مُدَّةً قَائِمًا بِالْعَمَلِ ثُمَّ أَرَادَ أَوْلَادُ الْمُسْقِطِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَخْذَهَا مِنْهُ فَهَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ فِيهَا لَهُ دُونَهُمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ أَنَّ الرِّزْقَةَ الْمَذْكُورَةَ مُرْصَدَةٌ عَلَى جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ أَوْ جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، وَلَمْ تَكُنْ ذُرِّيَّةُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُسْقِطِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَثَبَتَ أَنَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ قَرَّرَ الرَّجُلَ الْمُسْقَطَ لَهُ فِي الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ لِيَقُومَ بِالْوَظَائِفِ وَالْعَمَلِ، وَكَانَ قَائِمًا بِذَلِكَ فَيَكُونَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَلَا حَقَّ لِوَرَثَةِ الْمُسْقِطِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ سَبَقَتْ لَنَا كِتَابَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عَلَى سُؤَالٍ فِيهَا مُخَالِفٍ لِمَوْضُوعِ هَذَا السُّؤَالِ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ، فَعَلَى مَنْ رُفِعَتْ لَهُ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ تَحْرِيرُهَا بِتَحْقِيقِ شُرُوطِ الْوَاقِفِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا بِمَا أَفَدْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ

رجل اشترى من آخر آلة لهو كالزمارة أو غير ذلك فوجد فيها عيبا

فَالْحُكْمُ مَا أَفَدْنَاهُ هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقَ كَانَ الْحُكْمُ مَا أَفَدْنَاهُ أَوَّلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ، وَأَخٍ، وَتَرَكَ نَخِيلًا فَبَاعَ الْأَخُ نِصْفَهُ ثُمَّ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ فَبَاعَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَمَا زَالَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَائِعٍ إلَى آخَرَ حَتَّى مَضَتْ زِيَادَةٌ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ أَرَادَتْ بِنْتُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ أَخْذَ مَا يَخُصُّهَا، وَالْحَالُ أَنَّهَا حَاضِرَةٌ سَاكِتَةٌ فَهَلْ تُجَابُ لِذَلِكَ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا بِيعَ مِلْكُ الشَّخْصِ، وَهُوَ حَاضِرٌ مَجْلِسَ الْبَيْعِ، وَسَكَتَ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ مَا لَمْ يَسْكُتْ سَنَةً فَإِنْ سَكَتَ سَنَةً لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَمْضِ عَشْرُ سِنِينَ فَإِنْ مَضَتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ حَائِزٍ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَزَرَعَ جَمَاعَةٌ نِصْفَهَا ذُرَةً بِالسَّقْيِ وَجَعَلُوا لَهُ الرُّبْعَ مِنْ الْخَارِجِ، وَدَفَعَ لَهُمْ رُبْعَ الْبَذْرِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ عُرْفِهِمْ، وَعَجَزُوا عَنْ زَرْعِ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ تَوْزِيعِ الطِّينِ عَلَى أَهْلِ النَّاحِيَةِ أَعْطَاهُ شَيْخُ الْبَلَدِ لِرَجُلٍ قَادِرٍ فَزَرَعَهُ فُولًا بِالْمِحْرَاثِ، وَلَمَّا بَدَا صَلَاحُ الذُّرَةِ نَازَعَ هَذَا الرَّجُلُ حَائِزَ الْأَرْضِ مُرِيدًا نَزْعَ تِلْكَ الْحِصَّةِ مِنْهُ مُتَعَلِّلًا بِأَنَّ شَيْخَ الْبَلَدِ قَهَرَهُ عَلَى زَرْعِ الْفُولِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا كَلَامَ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ مَعَ حَائِزِ الْأَرْضِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الذُّرَةِ أَصْلًا، وَتَعَلُّلُهُ بِقَهْرِ شَيْخِ الْبَلَدِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ لِأَنَّ شَيْخَ الْبَلَدِ لَا كَلَامَ لَهُ فِي نَزْعِ أَطْيَانِ النَّاسِ، وَإِعْطَائِهَا لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ جَمِيعَ الْأَرْضِ، وَقَهْرُهُ عَلَى الزَّرْعِ ظُلْمٌ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَمَا دَامَ وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ يَزْرَعُهَا، وَيَدْفَعُ خَرَاجَهَا لَا يَحِلُّ نَزْعُهَا مِنْهُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَتْحِ أَبْوَابِ الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ لِآخَرَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا أَوْ عَقَارًا مُنَاقَلَةً، وَيَدْفَعَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً عَلَى شَيْئِهِ لِصَاحِبِهِ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا رَدَّ لِأَحَدِهِمَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ فَلَا رَدَّ لِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْئَانِ الْمُنَاقَلُ بِهِمَا نَقْدَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ، وَلَا طَعَامَيْنِ كَذَلِكَ، وَالنِّسَاءُ وَالسَّلَفُ بِزِيَادَةٍ، وَالضَّمَانُ بِجُعَلٍ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَبَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بِأَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل اشْتَرَى مِنْ آخَرَ آلَةَ لَهْوٍ كَالزَّمَّارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَدَ فِيهَا عَيْبًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ آلَةَ لَهْوٍ كَالزَّمَّارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَدَ فِيهَا عَيْبًا فَهَلْ لَهُ رَدُّهَا بِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَفِيدُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ كَانَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ فَوَاتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِحَوَالَةِ سَوْقٍ فَأَعْلَى وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ بِرَدِّ الْآلَةِ لِلْبَائِعِ وَالثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي لِفَسَادِهِ بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيَنْظُرُ فِي الْمَذْهَبِ، وَسَائِرِ الْمَذَاهِبِ فَإِنْ اتَّفَقَتْ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِالْعَيْبِ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّهَا بِهِ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ كَانَ الْتَزَمَهُ عَلَى أَنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَامُوسَةً، وَاشْتَرَطَ كَثْرَةَ السَّمْنِ فَقَالَ الْبَائِعُ كُلُّ جُمُعَةٍ لَهَا رِطْلٍ

اشترى فرسا فوجد فيها عيبا وأراد ردها به

كَبِيرٌ، وَالْعُرْفُ عِنْدَنَا الرِّطْلُ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ مِصْرِيَّةٍ أَوْ شَرَطَ كَثْرَةَ الْأَكْلِ فَوَجَدَ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ أَفِيدُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ الرَّدُّ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا الْمَشْرُوطَ فِيهِ غَرَضٌ وَمَالِيَّةٌ، وَكُلُّ مَشْرُوطٍ فِيهِ غَرَضٌ وَمَالِيَّةٌ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِعَدَمِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَخِيَارُ النَّقِيصَةِ يُحْكَمُ بِهِ لِعَيْبٍ يَتَمَسَّكُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ يَرُدُّ، وَظَاهِرٌ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَشْرُوطٍ فِيهِ غَرَضٌ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى بَقَرَةً أَوْ ثَوْرًا، وَشَرَطَ أَنَّهَا تَحْرُثُ فَوَجَدَ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ، وَعَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ أَفِيدُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ الرَّدُّ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [اشْتَرَى فَرَسًا فَوَجَدَ فِيهَا عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهَا بِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى فَرَسًا فَوَجَدَ فِيهَا عَيْبًا، وَأَرَادَ رَدَّهَا بِهِ فَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمَنْصُوصَةِ أَوْ يَكْفِي قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إنَّهُ عَيْبٌ، وَلَوْ أَدْنَى شَيْءٍ كَنَخْلَةِ السَّعَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يُشْتَرَطُ فِي تَمْكِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَوْنُهُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمَنْصُوصَةِ، وَيَكْفِي قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إنَّهُ عَيْبٌ مُنْقِصٌ لِلْقِيمَةِ، وَالْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ، وَالْعُيُوبُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْكُتُبِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّمْثِيلُ لَا الْحَصْرُ فَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِمَّا تَقُولُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إنَّهُ عَيْبٌ بِشَرْطِ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ مِنْهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلِوُجُودِ مَا الْعَادَةُ عَدَمُهُ عَطْفٌ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوطٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَمْثِلَةَ [الْعُيُوبُ الَّتِي تُوجِبُ الرَّدَّ فِي الدَّوَابِّ] قَالَ فِي الْمِعْيَارِ: وَأَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي تُوجِبُ الرَّدَّ فِي الدَّوَابِّ فَالنِّفَارُ فِي الْفَرَسِ إذَا كَانَ مُفْرِطًا وَالْحَرْنُ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ، وَالِانْتِثَارُ، وَهُوَ انْتِفَاخُ الْعَصَبِ، وَالشَّظَى، وَهُوَ عَظْمٌ نَاتِئٌ فِي الذِّرَاعِ، وَالْجَرَدُ، وَهُوَ مَا يُصِيبُهُ فِي عُرْقُوبَيْهِ مِنْ تَزَيُّدٍ وَانْتِفَاخِ عَصَبٍ، وَالرَّهَصُ وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ فِي حَافِرِهِ، وَالزَّوَائِدُ، وَالسَّرَطَانُ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الرُّسْغِ، وَالصَّكَكُ، وَكَذَلِكَ الْمَشَشُ، وَهُوَ شَيْءٌ فِي الْحَافِرِ، وَأَنْ يَبُلَّ الْمِخْلَاةَ وَالشَّبَكَةَ، وَالتَّعْسِيلُ، وَالْبَيَاضُ فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى النَّاظِرِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَكْلُ الشَّكَلِ وَالْقُيُودِ وَالْأَزِمَّةِ، وَأَكْلُ أَرْوَاثِهَا وَالصُّهُولَةُ، وَالتَّنْكِيبُ، وَاَلَّذِي إذَا شَرِبَ خَرَجَ الْمَاءُ مِنْ أَنْفِهِ، وَالْقَاطِعُ الْمِخْلَاةَ الَّتِي يُعْلَفُ فِيهَا، وَتَبْدِيدُ الْعَلَفِ، وَالْغَامِدُ ذَكَرُهُ، وَالْفَارُّ مِنْ صَاحِبِهِ إذَا سَمِعَ صَوْتَهُ، وَاَلَّذِي لَا يَأْوِي إذَا رَأَى اللِّجَامَ عَلَيْهِ وَالْبَاطِئُ فِي سَيْرِهِ، وَاَلَّذِي تُقَرْقِرُ بَطْنُهُ، وَاَلَّذِي تَدْمَعُ عَيْنُهُ، وَاَلَّذِي يَرْقُدُ إذَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ثِقَلٍ، وَالتَّقْوِيسُ فِي الذِّرَاعَيْنِ، وَالْجُمُوعُ، وَهِيَ حُفْرَةٌ بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْحَارِكِ تُولَدُ بِهِ الدَّابَّةُ، وَالْجَمُوحُ إذَا كَانَ شَدِيدًا، وَهُوَ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ لَا يُثْنِيه شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَمْ يُرَدَّ بِهِ، وَالشِّرَادُ، وَالْعِثَارُ مَا لَمْ يَكُنْ خَفِيفًا، وَلَيْسَ عَدَمُ حَرْثِ الْبَقَرَةِ وَالثَّوْرِ بِعَيْبٍ عِنْدَ سَحْنُونٍ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ يُرِيدُ أَوْ اشْتَرَاهُ فِي الْإِبَّان، وَلَوْ شَرَطَ اضْطِرَابَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ بِرَأْسِهِ أَوْ بِعُنُقِهِ فَوَجَدَ بِعُنُقِهِ فَلَهُ رَدُّ ذُكُورِ الْبَقَرِ دُونَ إنَاثِهَا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فِيهَا، وَسُئِلَ بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ سَهْلٍ عَمَّنْ ابْتَاعَ شَاةً فَوَجَدَ بِلَحْمِهَا جَرَبًا فَقَالَ رَوَى بَعْضُ مَنْ سَمِعْت مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ بَعْدَهُ، وَقَوْلُنَا، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا رَدَّ بِهِ كَعَيْبِ بَاطِنِ الْخَشَبِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ

العيوب التي توجب الرد في الرقيق

[الْعُيُوبُ الَّتِي تُوجِبُ الرَّدَّ فِي الرَّقِيقِ] وَلْنُتِمَّ الْفَائِدَةَ بِنَقْلِ مَا فِي الْمِعْيَارِ مِنْ عُيُوبِ سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا فَنَقُولُ: فِي الْمِعْيَارِ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَلْحَقَ بِهَذَا الْمَحِلِّ شَيْئًا مِنْ عُيُوبِ الْمَبِيعَاتِ فَنَقُولُ بِاخْتِصَارِ الْعُيُوبُ الَّتِي تُوجِبُ الرَّدَّ فِي الرَّقِيقِ: الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْفَالِجُ، وَالْقَطْعُ، وَالشَّلَلُ، وَالْعَمَى، وَالْعَوَرُ، وَالْخَرَصُ، وَبَيَاضُ الْعَيْنِ، وَالْجَرَبُ، وَالْجَبُّ، وَالرَّتْقُ، وَالْإِفْضَاءُ، وَالْخِصَاءُ، وَزَعَرُ الْفَرْجِ، وَبَيَاضُ الشَّعْرِ، وَصِغَرُ الْقُبُلِ جِدًّا، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَالْقَمْلُ، وَالْإِبَاقُ، وَوَلَدُ الزِّنَا، وَالْعَفْلُ، وَالْبَخَرُ، وَالْخَيَلَانُ فِي الْوَجْهِ، وَالزَّوَاجُ، وَالْعِدَّةُ، وَالدَّيْنُ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْوَلَدُ، وَالْأَخُ، وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ إنْ فَارَقَ حَدَّ الصِّغَرِ جِدًّا، وَالْحَمْلُ، وَالِاسْتِحَاضَةُ، وَارْتِفَاعُ الْحَيْضَةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَجُذَامُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْجَدَّيْنِ، وَتَخَنُّثُ الْعَبْدِ، وَفُحُولَةُ الْأَمَةِ إنْ اشْتَهَرَتْ، وَقَلْفُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَخَتْنُ مَجْلُوبِهِمَا، وَكَيٌّ فَاحِشٌ يُنْقِصُ، وَشُرْبُ خَمْرٍ، وَعُسْرٌ، وَضَبْطٌ إنْ نَقَصَتْ الْيُمْنَى عَنْ الْيُسْرَى، وَحَدَثٌ مُطْلَقًا، وَزِيَادَةُ ظُفْرٍ وَسِنٍّ، وَسُقُوطُ سِنَّيْنِ فِي الْوَخْشِ، وَافْتِضَاضُ مَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَتَصْرِيَةُ الْأَمَةِ تُشْتَرَى لِلرَّضَاعِ، وَالشَّعْرُ فِي الْعَيْنِ، وَالظِّفْرَةُ، وَالْقَبَلُ فِي الْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، وَهُوَ مَيْلُ إحْدَى الْحَدَقَتَيْنِ لِلْأُخْرَى فِي نَظَرِهَا، وَكَوْنُ أَحَدِ الْخَدَّيْنِ مَائِلًا عَلَى الْآخَرِ لِلْأُذُنِ أَوْ لِلَّحْيِ، وَالصَّوَرُ، وَهُوَ مَيْلُ الْعُنُقِ عَنْ الْجِسْمِ لِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ، وَالزَّوْرُ، وَهُوَ مَيْلُ الْمَنْكِبِ لِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ، وَالصَّدَرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِوَسَطِ الصَّدْرِ إشْرَافٌ، وَالنَّبْطُ، وَهُوَ أَثَرُ الْجُمُوحِ، وَالْقُرْحَةُ بَعْدَ الْبُرْءِ إذَا خَالَفَ لَوْنَ الْجَسَدِ، وَالْعُجْرَةُ، وَهِيَ الْعُقْدَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَفِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْجَسَدِ، وَالْبُجْرَةُ نَفْخٌ كَالْعُجْرَةِ إلَّا أَنَّهَا لَيِّنَةٌ، وَالسِّلْعَةُ، وَهُوَ نَفْخٌ زَائِدٌ نَاتِئٌ مُتَفَاحِشٌ أَثَرُهُ، وَتَخْتَصُّ الرَّائِعَةُ دُونَ الْوَحْشِ بِصُهُوبَةِ الشَّعْرِ، وَجُعُودَتِهِ، وَالشَّيْبُ، وَزَوَالُ الْأُنْمُلَةِ، وَسُقُوطُ سِنٍّ وَاحِدَةٍ، وَسَوَادُ الْأَبِ. [عُيُوبُ الدَّارِ] ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا عُيُوبُ الدَّارِ فَالْحُفْرَةُ، وَالْبِئْرُ، وَالْمُطَوَّرَةُ بِقُرْبِ الْحِيطَانِ وَالْبُيُوتِ أَوْ تَحْتِهَا، وَالسُّقُفُ الَّتِي يُخْشَى سُقُوطُهَا، وَجَرَيَانُ مَاءِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا، وَاسْتِنْقَاعُ مَائِهَا فِيهَا، وَتَنْقِيَةُ مِرْحَاضِهَا عَنْ بَابِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مِرْحَاضٌ، وَكَثْرَةُ الْبَقِّ، وَوُجُودُ الْقَبْرِ لَا قَبْرَ سَقْطٍ، وَتَشَقُّقُ الْحِيطَانِ. وَنَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ: رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا قَرِيبَةً مِنْ وَادٍ فَحَمَلَ الْوَادِي فِي بَعْضِ السِّنِينَ حَتَّى بَلَغَ إلَيْهَا فَقَامَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَوَقَعَ الْحُكْمُ بِأَنَّ الْوَادِي إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ بَلَغَ إلَيْهَا فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، وَلَوْ مَرَّةً فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَوُجُودُ الْبِئْرِ زُعَاقًا. [عُيُوبُ الْعُرُوضِ] ، وَأَمَّا عُيُوبُ الْعُرُوضِ فَوُجُودُ الْبَقِّ فِي السَّرِيرِ عَيْبٌ، وَإِنْ صَحَّتْ، وَبِيعَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ، وَوُجُودُ السُّوسِ فِي الْخَشَبِ وَالثِّيَابِ عَيْبٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْفَرَّانِينَ يُتَرِّبُونَ وُجُوهَ الْأَفْرِنَةِ لِتَحْسُنَ، وَرُبَّمَا يَسْتُرُ بَعْضَ عُيُوبِهَا ذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ فَإِنْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِذَلِكَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَسْتُرُ بَعْضَ عُيُوبِهَا فَلَا رَدَّ لَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَجِدَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّتْرِيبِ فَلَهُ الرَّدُّ وَجَدَ عَيْبًا أَوْ لَمْ يَجِدْ عَلِمَ أَنَّ التَّتْرِيبَ عَيْبٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذَا كَانَ بِسَتْرِ بَعْضِ عُيُوبِهَا، وَفِي الْوَاضِحَةِ فِي الْجُبَّةِ تُبَاعُ أَوْ السَّاجُ، وَقَدْ قُلِبَ فَهُوَ عَيْبٌ، وَكَذَلِكَ ثَوْبٌ يُلْبَسُ أَسْمَرَ حِينًا ثُمَّ يَقْصُرُ فَهُوَ عَيْبٌ ابْنُ يُونُسَ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ فِي القُلُنْسُوةِ يَجِدُهَا مِنْ ثَوْبٍ لُبِسَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا مَعْمُولًا مِنْ الْخُلْقَانِ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ ابْنُ حَبِيبٍ، وَمَنْ وَجَدَ بَنَائِقَ الثَّوْبِ أَوْ مَقْعَدَةَ السَّرَاوِيلِ خِلَافَ بَاقِيه، وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ تَقَارَبَا فَلَا رَدَّ لَهُ، وَقَالَ فِي الْفَرْوِ يَكُونُ فِيهِ رُقْعَةٌ مَنْتُوفَةٌ فَيُجْعَلُ عَلَيْهَا رُقْعَةٌ مُصَوَّفَةٌ أَوْ تَكُونُ لَا جِلْدَ لَهَا فَيَجْعَلُ عَلَيْهَا جِلْدًا حَسَنَ الْوَجْهِ لَا صُوفَ فِيهِ فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ كَانَ فَرْوًا لَهُ قَدْرٌ

عيوب المثليات

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا رُقْعَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ جِدًّا. [عُيُوبُ الْمِثْلِيَّاتِ] وَأَمَّا عُيُوبُ الْمِثْلِيَّاتِ فَالْغَلَتُ الْكَثِيرُ فِي الطَّعَامِ، وَالْفَسَادُ فِي الْبَيْضِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ، وَيَظْهَرُ قَبْلَ كَسْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ إذَا كُسِرَ إنْ كَانَ مُدَلِّسًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُرِيدُ لِأَنَّهُ بِيعَ عَلَى أَنَّهُ يُكْسَرُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ كَسْرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ كُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ كَسْرِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى كَاسِرِهِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا رَدَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَعَ نَقْصِهِ، وَأَمَّا الْبَيْضُ يُوجَدُ فَاسِدًا قَدْ كُسِرَ فَلَا رَدَّ فِيهِ، وَأَرَى أَنْ يَرْجِعَ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْكَسْرِ، وَإِلَّا رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي الْبَيْضِ يُوجَدُ فَاسِدًا إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ لَمْ يَرُدَّهَا إذْ لَا يَدْرِي أَفَسَدَ عِنْدَهُ أَمْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا، وَالْحُمُوضَةُ فِي اللَّبَنِ عَيْبٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْمَرِيضَةِ، وَخَلْطُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِالنُّحَاسِ عَيْبٌ فَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا فَوَجَدَهُ سَمْنَ بَقَرٍ فَقَالَ مَا أَرَدْت إلَّا سَمْنَ الْغَنَمِ فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ أَطْيَبُ، وَكَوْنُ الدِّرْهَمِ مِنْ عَمَلِ الْكِيمْيَاءِ عَيْبٌ لَا يَشْتَرِيه حَتَّى يَبِينَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَانُونِ الْمَعْلُومِ فِي هَذَا فَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ الرَّدُّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى كَلَامُ الْمِعْيَارِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فَالْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ الْقَانُونِ الْمَعْلُومِ فِي هَذَا إلَخْ فَهُوَ نَصٌّ فِيمَا قُلْت، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ سَيِّدِي قَاسِمٌ الْعُقْبَانِيُّ) عَمَّنْ ابْتَاعَ حِمَارَةً فَأَلْفَاهَا عَاقِرًا هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) هُوَ عَيْبٌ يَجِبُ لَهُ بِهِ الرَّدُّ لِأَنَّهُ مِمَّا يُوجِبُ نَقْصَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِيلَادُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَغْرَاضِ الَّتِي يَقْصِدُ إلَيْهَا الْمُشْتَرُونَ فِي الْأُنْثَى لَكِنْ لَا يَقَعُ بِهِ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ إقْرَارِ الْبَائِعِ بِقِدَمِهِ أَوْ ثُبُوتِهِ، وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْعُقْمِ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي انْتَهَى مِعْيَارٌ (وَسُئِلَ سَيِّدِي مُوسَى الْعَبْدُوسِيُّ) عَمَّنْ ابْتَاعَ دَارًا فَأَلْفَى فِيهَا خَيَالًا، وَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ قُتِلَ بِهَا أَحَدٌ هَلْ هُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَقِفْ فِيهَا عَلَى نَصٍّ، وَعِنْدِي هُوَ عَيْبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مِعْيَارٌ: وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ اشْتِهَارَ الدَّارِ بِالشُّؤْمِ أَوْ سُكْنَى عَوَامِّ الْجَانِّ عَيْبٌ انْتَهَى مِعْيَارٌ. (وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ) عَمَّنْ قَامَ عَلَى بَائِعٍ بِعَيْبٍ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ وَالْبَيْعَ. (فَأَجَابَ) مِنْ حَقِّ الْقَائِمِ بِالْعَيْبِ تَحْلِيفُ الْمَقُومِ عَلَيْهِ عَلَى إنْكَارِ الْبَيْعِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ فَإِنْ حَلَفَ أَثْبَتَ الْبَيْعَ وَالْعَيْبَ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَأَثْبَت الْعَيْبَ لَا غَيْرُ انْتَهَى مِعْيَارٌ. (وَسُئِلَ بَعْضُ الصِّقِلِّيِّينَ) عَنْ الْعَبْدِ يُشْتَرَى فَيُوجَدُ بِهِ كَيُّ نَارٍ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ يَكُونُ لِعِلَّةٍ. (فَأَجَابَ) إنْ كَانَ بَرْبَرِيًّا لَمْ يُنْظَرْ إلَى قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ الْبَرْبَرِيِّ أَنَّهُ يُكْوَى لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَأَمَّا الرُّومِيُّ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِعِلَّةٍ فَيُرَدُّ خَوْفًا مِنْ عَوْدِ تِلْكَ الْعِلَّةِ اهـ مِعْيَارٌ (وَسُئِلَ) بَعْضُهُمْ عَمَّنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَزَعَمَ أَنَّهُ خُنْثَى مِنْ أَيْنَ يُنْظَرُ إلَيْهِ. (فَأَجَابَ) يُغَطَّى ذَكَرُهُ، وَيَنْظُرُ إلَى فَرْجِهِ النِّسَاءُ ثُمَّ يُغَطَّى فَرْجُهُ وَيَنْظُرُ إلَى ذَكَرِهِ الرِّجَالُ اهـ مِعْيَارٌ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ نِصْفَ دَابَّةٍ، وَاتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْ نِتَاجِهَا فَهَلْ هَذَا جَائِزٌ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَالْفَسْخِ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْكُلْفَةِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ لِلْفَسْخِ بِنَظَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا لَا يَجُوزُ، وَيُفْسَخُ إنْ لَمْ يَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى أَوْ مُكْثِ الدَّابَّةِ شَهْرًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَاتَ بِذَلِكَ مَضَى بِالْقِيمَةِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِكُلْفَةِ الدَّابَّةِ فِي صُورَةِ الْفَسْخِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْأَمِيرِ

بيع زهر القرطم قبل بدو صلاحه

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلدَّابَّةِ غَلَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهَا غَلَّةٌ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِكُلْفَتِهَا بَلْ تَضِيعُ عَلَيْهِ فِي نَظِيرِ أَخْذِهِ الْغَلَّةَ اسْتَوَيَتَا أَوْ لَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا لِلْمَوَّاقِ فِي الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَرَدَّ الْفَاسِدَ فَإِنْ مَاتَ مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِالثَّمَنِ، وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَوْ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ إنْ عُلِمَ أَمَّا الْجُزَافُ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ يَوْمَ التَّعَذُّرِ، وَالْفَوَاتُ بِتَغَيُّرِ سَوْقِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، وَالْعَقَارُ، وَيَمْكُثُ الْحَيَوَانُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي شَهْرًا عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ مِمَّا فِي الْأَصْلِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [بَيْعِ زَهْرِ الْقُرْطُمِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَيْعِ زَهْرِ الْقُرْطُمِ، وَهُوَ الْعُصْفُرُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِذَا وُجِدَ فِيهِ دُودٌ يَأْكُلُ الزَّهْرَ لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ بَدْو الصَّلَاحِ بَيِّنُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ زَهْرِ الْقُرْطُمِ قَبْلَ بَدْو صَلَاحِهِ بِانْفِتَاحِ أَكْمَامِهِ عَنْهُ، وَظُهُورِهِ مِنْهَا، وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، وَإِذَا وَقَعَ بَيْعُهُ بَعْدَ بَدْو صَلَاحِهِ، وَوُجِدَ فِيهِ دُودٌ يَأْكُلُ الزَّهْرَ فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَفِي ذِي النَّوْرِ بِانْفِتَاحِهِ، وَقَالَ: وَرُدَّ بِمَا الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ عِنْدَنَا فِي وَقْتِ زَرْعِ الشِّتْوِيِّ أَوْ الذُّرَةِ أَوْ الْقَيْظَيِّ مِنْ شِرَاءِ نِصْفِ رَجُلٍ بِأَرْدَبِّ غَلَّةٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَهَلْ هَذَا يَجُوزُ أَوْ فَاسِدٌ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا فَاسِدٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ رِبَا نَسَاءٍ مُطْلَقًا، وَرِبَا فَضْلٍ إنْ اتَّحَدَ الزَّرْعُ، وَالْغَلَّةُ جِنْسًا، وَهُمَا رِبَوِيَّانِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَيَصِحُّ بَعْدَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ مُبَيَّنٍ فِي مَحِلِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَصُورَةُ هَذَا السُّؤَالِ: أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي زَرْعٍ، وَقَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ يَعْجِزُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْقِيَامِ بِمُؤْنَةِ نَصِيبِهِ فَيَبِيعُهُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْغَلَّةِ أَوْ الدَّرَاهِمِ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَاَللَّه أَعْلَمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابُهُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي بِلَادِنَا مِنْ اشْتِرَاءِ بَقَرَةٍ أَوْ جَامُوسَةٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا، وَيُؤْتَى لَهَا بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْعَسَّاسُ فَيَقُولُ حَمْلُهَا فِي ثَلَاثَةٍ أَوْ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى فَهَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ الْجَسِّ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لِاسْتِزَادَةِ الثَّمَنِ فَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ فَيَجِبُ فَسْخُهُ، وَلَوْ وَافَقَ كَلَامُ الْبَائِعِ الْوَاقِعَ، وَشَهِدَتْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَا قَالَ فَلَا الْتِفَاتَ لِكَلَامِ الْعَسَّاسِ سَوَاءٌ أَثْبَتَ أَوْ نَفَى، وَالْجَسُّ إنْ كَانَ مِنْ خَارِجٍ عَلَى وَجْهٍ لَا إيلَامَ فِيهِ لِلْحَيَوَانِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَاخِلٍ بِحَيْثُ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي فَرْجِهَا أَوْ مِنْ خَارِجٍ، وَفِيهِ إيلَامٌ فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهِ إذْ هُوَ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ لِلْخَرَشِيِّ: وَكَبَيْعِ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ حَامِلٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لِاسْتِزَادَةِ الثَّمَنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ حِينَئِذٍ، وَهِيَ مِمَّنْ

يَزِيدُ الْحَمْلُ فِي ثَمَنِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَرَرٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ، وَمِنْ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ إنْ ظَهَرَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِمَا قَصَدَ فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِزَادَةِ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، وَكَذَا فِي الْآدَمِيِّ إذَا كَانَ الْحَمْلُ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا فَإِنْ كَانَ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهَا حُمِلَ عَلَى قَصْدِ التَّبَرِّي انْتَهَى. وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَكَشَرْطِ الْحَمْلِ لِاسْتِزَادَةِ الثَّمَنِ وَالْإِنْصَافُ الرُّجُوعُ لِلْقِيمَةِ مَعَ الْفَوَاتِ حَيْثُ ظَهَرَ عَدَمُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِيهِ خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ بَحْثًا انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حِصَّةٍ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ، وَكُتِبَ بَيْنَهُمَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَتَقْسِيطٌ دِيوَانِيٌّ بِاسْمِ الْمُسْقَطِ لَهُ، وَشَرْطُ الْمُسْقِطِ أَنَّهُ مَتَى رَدَّ لِلْمُسْقَطِ لَهُ الدَّرَاهِمَ أَخَذَ حِصَّتَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْقِطُ قَبْلَ رَدِّ الدَّرَاهِمِ لِلْمُسْقَطِ لَهُ فَأَرَادَ وَرَثَةُ الْمُسْقِطِ أَنْ يَرُدُّوا الدَّرَاهِمَ لِلْمُسْقَطِ لَهُ، وَيَأْخُذُوا الْحِصَّةَ مِنْهُ فَامْتَنَعَ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الدَّرَاهِمِ، وَرَدِّ الْحِصَّةِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْإِسْقَاطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسِدٌ بِسَبَبِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِتَأْدِيَتِهِ لِلسَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ فَيَجِبُ فَسْخُهُ بِرَدِّ الدَّرَاهِمِ لِلْمُسْقَطِ لَهُ، وَرَدِّ الْحِصَّةِ لِلْمُسْقِطِ إنْ كَانَ حَيًّا وَوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَيُجْبَرُ كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُجْبَرُ الْمُسْقَطُ لَهُ عَلَى قَبُولِ الدَّرَاهِمِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُسْقِطِ، وَرَدِّ الْحِصَّةِ لَهُمْ، وَيُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى رَدِّ غَلَّتِهَا لَهُمْ، وَإِلَّا تَمَّ رِبَا السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ لِرُجُوعِ مِثْلِ دَرَاهِمِهِ لَهُ، وَانْتِفَاعِهِ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْهُ أَيْ مِمَّا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ مُنَاقِضُ الْعَقْدِ كَتَحْجِيرٍ كَلَا تُجِيزُهَا الْبَحْرَ أَوْ إنْ بِعْتهَا فَأَنَا أَحَقُّ، وَأَوْلَى بَيْعُ الثُّنْيَا الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ بِبَيْعِ الْمَعَادِ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ تَرْجِيعَهُ لَهُ إنْ أَتَى بِالثَّمَنِ انْتَهَى قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ رُجُوعَهَا لَهُ فِيهِ لَمْ يَخُصَّ بِمَا إذَا بَاعَهَا قَوْلُهُ لِلْمَعَادِ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ عَادَ يَعُودُ، وَبِضَمِّهَا مِنْ أَعَادَهُ فَإِنْ كَانَتْ الثُّنْيَا تَطَوُّعًا جَازَتْ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي أَنَّهَا بِشَرْطٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْفَسَادُ كَمَا جَرَى بِهِ عُرْفُ مِصْرَ يَتَّفِقُونَ عَلَى الثُّنْيَا قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ يُكْتَبُ الْمَوْثِقَ، وَبَعْد تَمَامِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ تَبَرَّعَ بِهَا فَلَا عِبْرَةَ بِكِتَابَتِهِ، وَجَمِيعُ مَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ بَابُهُ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي تَصَرُّفٌ بِإِخْرَاجِهَا لِغَيْرِ الْبَائِعِ فِي الْمُتَطَوِّعِ بِهَا، وَلِلْبَائِعِ رَفْعُهُ لِلْحَاكِمِ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْحَاكِمُ وَتَصَرَّفَ فَلِلْبَائِعِ رَدُّ تَصَرُّفِهِ مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ تَبَعًا لِلْحَطَّابِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْبَاقِي. وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ حَاكِمٌ، وَتَصَرَّفَ بِعِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ نَفَذَ، وَإِنَّمَا لِلْبَائِعِ مَنْعُهُ إذَا قَامَ عِنْدَ إرَادَةِ التَّصَرُّفِ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْفِعْلِ إذَا أَحْضَرَ لَهُ الثَّمَنَ، وَكُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَضْرِبَا أَجَلًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ، وَاخْتَلَفَ فِي الْغَلَّةِ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا هَلْ يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ، وَهُوَ الْأَحْسَنُ كَمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي بَلْ الْوَاقِعُ الْآنَ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ عَلَى الرَّهْنِيَّةِ، وَيُسَمُّونَهُ بَيْعًا يَتَحَيَّلُونَ عَلَى الرِّبَا فَلَوْ فَازَ الْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ تَمَّتْ مُعَامَلَةُ الرِّبَا بَيْنَهُمْ اُنْظُرْ حَاشِيَةَ عَبْدِ الْبَاقِي: وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى ثَمَرَ نَخْلَةٍ، وَالْحَالُ أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ بِرَمْيِ بَلَحِهَا، وَلَمْ يُعْلِمْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا يُقَابِلُ مَا رَمَتْهُ النَّخْلَةُ مِنْ الثَّمَنِ إنْ بَلَغَ الْمَرْمِيُّ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ بِالْكَيْلِ فَأَعْلَى، وَهَذَا إنْ كَانَ

رجل اشترى قرظ سنط وأراد جنيه فأجيح

الطَّرْحُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْعَطَشِ فَإِنْ كَانَ بِسَبَبِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْمُقَابِلِ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُرْمَى ثُلُثَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ والمقاثي، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ أَوْ مِنْ عَرِيَّتِهِ أَوْ مَهْر إلَّا خَلْعًا عَلَى الظَّاهِرِ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ، وَالْأَصْنَافُ كَصِنْفٍ، وَاشْتُرِيَتْ وَحْدَهَا ابْتِدَاءً، وَلَوْ أُلْحِقَ أَصْلُهَا، وَلَا جَائِحَةَ بَعْدَ الطِّيبِ، وَأُلْحِقَ بِهَا تَأْخِيرُهَا لِتَحْسُنَ، وَالْوَضْعُ فِيمَا يُحْبَسُ أَوَّلُهُ لِآخِرِهِ بِالْمَكِيلَةِ، وَغَيْرُهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْجَائِحَةِ عَلَى أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي إبَانِهَا، وَإِنْ تَبِعَتْ الثَّمَرَةُ الْمُزْهِيَةُ غَيْرَهَا كَالدَّارِ فَقَوْلَانِ، وَهِيَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَمَاوِيٍّ وَجَيْشٍ، وَسَارِقٍ لَمْ يُرْجَ يُسْرُهُ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ خِلَافٌ، وَالتَّعْيِيبُ فِي الْقِيمَةِ كَذَهَابِ الْمَكِيلَةِ، وَتُوضَعُ مِنْ الْعَطَشِ، وَإِنْ قَلَّتْ كَمِنْ الْبُقُولِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالرَّيْحَانِ، وَالْقَرَظِ، وَوَرَقِ التُّوتِ، وَمَغِيبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ، وَلَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْعَطَشِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا يُبَاعُ نَحْوُ الْجَزَرِ بَعْدَ قَلْعِ شَيْءٍ مِنْهُ لِيُرَى كَمَا سَبَقَ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى وَرَقَ التُّوتِ لِدُودِ الْحَرِيرِ فَمَاتَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ كَمَنْ اكْتَرَى حَمَّامًا فَخَرِبَتْ الْقَرْيَةُ، وَأَمَّا عَلَفُ الْقَافِلَةِ فَلَمْ تَأْتِ فَفِي الرَّمَاصِيِّ أَنَّهُ لَازِمٌ لِإِمْكَانِ نَقْلِهِ، وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي بَاقِيهَا أَجْنَاسًا، وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ اشْتَرَى أَجْنَاسًا فَأُجِيحَ بَعْضُهَا وُضِعَتْ بِمِيزَانِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ الثُّلُثَ، وَأُجِيحَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ أُجِيحَ الثُّلُثَانِ أَوْ الثُّلُثُ الشَّائِعُ خُيِّرَ الْمُسَاقِي مُسْتَثْنًى كَيْلٌ مِنْ الثَّمَرَةِ تُجَاحُ بِمَا يُوضَعُ يَضَعُ مِمَّا اسْتَثْنَى فَإِنْ اسْتَثْنَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَضَعَ خَمْسَةً، وَالْجُزْءُ الْمُسْتَثْنَى كَالرُّبْعِ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الذَّاهِبِ مُطْلَقًا بَلَغَ الثُّلُثَ فَوُضِعَ أَوَّلًا، وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي نَفْيِهَا، وَلِلْمُشْتَرِي فِي قَدْرِهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُودِهَا انْتَهَى، وَعَدَّ بَعْضُهُمْ الْجَوَائِحَ سِتَّةَ عَشَرَ نَاظِمًا لَهَا فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ: قَحْطٌ وَثَلْجٌ ثُمَّ غَيْثٌ بَرْدُهَا ... رِيحٌ وَعَفَنٌ وَالْجَرَادُ وَفَارُهَا طَيْرٌ وَدُودٌ غَاصِبٌ ثُمَّ سَارِقٌ ... غَرَقٌ وَجَيْشٌ وَالْمُحَارِبُ نَارُهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَ نَبْقٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ، وَجَدَ فِيهِ دُودًا فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الدُّودُ فِي الثُّلُثِ فَأَعْلَى فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا يُقَابِلُ الْمُدَوِّدَ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَتَمَسَّكُ بِالْبَاقِي إنْ كَانَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلٍ اشْتَرَى قَرَظَ سَنْطٍ وَأَرَادَ جَنْيَهُ فَأُجِيحَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى قَرَظَ سَنْطٍ وَأَرَادَ جَنْيَهُ فَأُجِيحَ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَوْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَرْطِ بُلُوغِ الْمُجَاحِ الثُّلُثَ أَوْ كَوْنِهَا مِنْ الْعَطَشِ، وَلَيْسَ الْقَرَظُ مِمَّا نَصُّوا عَلَى وَضْعِ جَائِحَتِهِ مُطْلَقًا، وَالْعِلَّةُ الَّتِي اقْتَضَتْ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ عَدَمِ التَّوَصُّلِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثُّلُثِ لِأَخْذِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا لَا تَجْرِي فِي الْقَرَظِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَاعَ لِآخَرَ قَدْرًا مِنْ التِّبْنِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ لِآخَرَ بِزَائِدٍ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ لِلْأَوَّلِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الثَّمَنُ الثَّانِي أَوْ مِثْلُ التِّبْنِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ التِّبْنُ بَاقِيًا بِيَدِ

الْمُشْتَرِي الثَّانِي خُيِّرَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الثَّانِي، وَأَخْذِ التِّبْنِ، وَإِمْضَائِهِ، وَأَخْذِ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَإِنْ فَاتَ التِّبْنُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَيْضًا بَيْنَ إلْزَامِ الْبَائِعِ بِمِثْلِ التِّبْنِ، وَأَخْذِ ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى سَمْنًا مِنْ آخَرَ فَبَعْدَ قَبْضِهِ وَجَدَهُ مَغْشُوشًا بِكَشَحْمٍ فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَلَهُ التَّمَاسُكُ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ فَاتَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْغِشِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى عَسَلًا وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ مَحْلُولٌ بِالْمَاءِ وَالنَّارِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ وَجَوَابُهُ كَسَابِقِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى زِقَاقَ عَسَلٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَسَلًا مُقَوًّى صِنْفًا أَعْلَى، وَدَفَعَ ثَمَنَهُ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ عَسَلُ جَمْعِ صِنْفٍ أَدْنَى فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَأَخْذُ مَا زَادَ مِنْ دَرَاهِمِهِ أَوْ لَهُ عَسَلٌ عِوَضَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ. وَجَوَابُهُ كَسَابِقِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى حِصَّةً مِنْ كَرْمٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ أَنَّ عَلَيْهِ تَطْلِيعَ حِصَّةِ الْبَائِعِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي، وَوَارِثُهُ مِنْ بَعْدِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ (فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ) الشَّرْطُ الَّذِي وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّمَنِ فِي النَّخْلِ الْمَذْكُورِ مَعْمُولٌ بِهِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت إنْ كَانَ الْمُرَادُ اشْتَرَى حِصَّةً مِنْ الثَّمَرِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَتَذْكِيرُ حِصَّةِ الْبَائِعِ فَالشِّرَاءُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَفَسْخُهُ وَاجِبٌ فَكَيْفَ يُفْتِي بِلُزُومِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ اشْتَرَى حِصَّةً مِنْ الْأُصُولِ بِشَرْطِ تَذْكِيرِ حِصَّةِ الْبَائِعِ عَلَى الدَّوَامِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِلْجَهْلِ فِي الثَّمَنِ فَفَسْخُهُ وَاجِبٌ أَيْضًا فَكَيْفَ يُفْتِي بِلُزُومِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ مَنْزِلًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَلِلْبَائِعِ الْمِلْكُ الْمَفْتُوحُ فِيهِ بَابُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ إذَا اسْتَغْنَى الْمُشْتَرِي عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَسَدَّهُ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ حَيْثُ لَمْ يَتَنَاوَلْ عَقْدُ الشِّرَاءِ الِاسْتِطْرَاقَ بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِ أَذْرُعٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الدَّارِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا الْبَابَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إذَا سَدَّ الْبَابَ وَفَتَحَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الدَّارِ بِحُدُودِهَا، وَمَا فِيهِ الْبَابُ دَاخِلٌ فِي حُدُودِهَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مَنْعُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ارْتَهَنَ مِنْ آخَرَ فَدَّانًا ثُمَّ أَظْهَرَ وَثِيقَةً بِالشِّرَاءِ مِنْ الرَّاهِنِ مَعَ إنْكَارِ شُهُودِهَا لَهَا دُونَ كَاتِبِهَا فَهَلْ يَكُونُ الْفَدَّانُ عَلَى الرَّهْنِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَثِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَلَا بِشَهَادَةِ كَاتِبِهَا. (فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ) حَيْثُ كَانَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ يَشْهَدُ بِمَضْمُونِهَا كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَقْبُولَةً، وَلَا يَضُرُّ إنْكَارُ بَقِيَّةِ الشُّهُودِ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِمْ فَلِمُدَّعِي الِاشْتِرَاءَ أَنْ يُحَلِّفَ مَعَ ذَلِكَ

مبادلة الطين الموقوف بالطين الخراجي

الشَّاهِدَ، وَيَسْتَحِقَّ مَا ادَّعَاهُ إنْ لَمْ يَجِدْ شَاهِدًا ثَانِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَاعَ لِآخَرَ نِصْفَ بَقَرَةٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَأَسْقَطَهُ فِي نَظِيرِ كُلْفَتِهَا سَنَةً فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَيْعُ نِصْفِ الْبَقَرَةِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، وَإِسْقَاطُهُ فِي نَظِيرِ كُلْفَتِهَا سَنَةً لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْكُلْفَةِ الَّتِي أَسْقَطَ فِي مُقَابَلَتِهَا الثَّمَنَ الْمَعْلُومَ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعَا لِلْمُحَاسَبَةِ، وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ كَانَ كَاتِبًا فِي بَلَدٍ لِمَا يُقْبَضُ مِنْ أَهْلِهَا لِطَرَفِ الدَّوْلَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَتَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْهَا فَهَرَبَ فَبَاعَتْ زَوْجَتُهُ بَعْضَ طَاحُونٍ يَمْلِكُهُ، وَدَفَعَتْهُ فِيمَا عَلَيْهِ فَرَجَعَ، وَمَكَثَ مِقْدَارَ سَبْعِ سِنِينَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالْبَيْعِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرَّدِّ سَاكِتٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَدَّ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ عَلِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِالْبَيْعِ، وَسَكَتَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ، وَلَمْ يَرُدَّ كَانَ الْبَيْعُ مَاضِيًا، وَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ سُكُوتِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ، وَالْحَقُّ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مُبَادَلَةُ الطِّينِ الْمَوْقُوفِ بِالطِّينِ الْخَرَاجِيِّ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ طِينٌ خَرَاجِيٌّ، وَلِآخَرَ رِزْقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ فَتَبَادَلَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْآخَرِ فَهَلْ الْمُبَادَلَةُ بَاطِلَةٌ؟ ، وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الرِّزْقَةِ فَسْخَ الْمُبَادَلَةِ يُجَابُ لِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مُبَادَلَةُ الطِّينِ الْمَوْقُوفِ بِالطِّينِ الْخَرَاجِيِّ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى بَيْعٌ لِلْوَقْفِ فَيَجِبُ رَدُّ تِلْكَ الْمُبَادَلَةِ، وَأَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ طِينَهُ الْأَصْلِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ طِينُ مِصْرَ كُلُّهُ وَقْفٌ، وَالرِّزَقُ إقْطَاعَاتٌ لَا أَوْقَافٌ بِوَقْفٍ آخَرَ إذْ الْوَقْفُ لَا يُوقَفُ، وَقَدْ أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا بِالْإِرْثِ وَالشُّفْعَةِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ لِمَا لِوَاضِعِي الْيَدِ عَلَيْهَا مِنْ حَقِّ التَّعْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُبَادَلَةُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ آخِذَ طِينِ الرِّزْقَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخَرَاجُ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُقْطَعِ لَهُ وَبِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ يَنْتَقِلُ النَّظَرُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي إقْطَاعِهَا لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ مَجَّانًا أَوْ فِي نَظِيرِ شَيْءٍ أَوْ كِرَائِهَا لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَازَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَوْلَادِ عَمٍّ فَادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ تِلْكَ الْأَرْضِ مُنْذُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ سَاكِتٌ عَالِمٌ بِتَصَرُّفِ الْمُتَوَفَّى هَذِهِ الْمُدَّةَ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَوْ لَا، وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ أَوْلَادِ الْعَمِّ بِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ مِنْ الْقَائِمِ عِنْدَ الْمُتَوَفَّى فَهَلْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ الْقَائِمَ، وَإِذَا رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ مُعْتَذِرًا بِخَوْفِ مُشَارَكَةِ وَلَدَيْ الْعَمِّ لَهُ فَهَلْ يُعْذَرُ بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَهَلْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأَخِي زَوْجَتِهِ عَلَى أَبِيهِ بِشَيْءٍ مَقْبُولَةٌ أَوْ لَا، وَهَلْ لِلْمُلْتَزِمِ نَزْعُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ مِنْ رَجُلٍ، وَإِعْطَاؤُهَا لِغَيْرِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ خُصُوصًا، وَهُوَ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَبْلَ مَوْتِ وَاضِعِ الْيَدِ، وَإِقْرَارُ أَحَدِ أَوْلَادِ الْعَمِّ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي الطِّينِ الْمَذْكُورِ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَوْلَادِ عَمِّهِ، وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي شَيْءٌ فِي الْفَرْضِ

الْمَذْكُورِ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ، وَادَّعَى عُذْرًا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأَخِي زَوْجَتِهِ تُقْبَلُ إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ لَكِنْ لَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ أَبْطَلَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَزِمِ فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَعُمُومُ الْمَصْلَحَةِ نَزْعُ الطِّينِ الَّذِي بِيَدِ أَرْبَابِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ لِغَيْرِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْحِيَازَةِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْقَائِمُ إسْكَانَ الْحَائِزِ أَوْ رَهْنَهُ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ، وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ، وَنَحْوِهِ الْخَرَشِيُّ أَيْ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِإِسْكَانٍ مِنْهُ لِلْحَائِزِ أَوْ إعْمَارِ أَوْ إرْفَاقٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَبَيِّنَتُهُ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْحَائِزِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّبْصِرَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ انْتَهَى فَحَيْثُ ادَّعَى الْقَائِمُ الشِّرَاءَ وَالرَّهْنِيَّةَ عِنْدَ الْمَيِّتِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَتُطْلَبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَأَقَرَّ لَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ بِشُرُوطِهِ، وَاسْتَحَقَّ الْقَائِمُ نَصِيبَهُ الثَّانِي قَوْلُهُ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ السَّمَاعِ دَعْوَى الْقَائِمِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَصَوَابُهُ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ لِلْقَائِمِ كَمَا عَلِمْت. الثَّالِثُ قَوْلُهُ إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ صَوَابُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِأَخِي الزَّوْجَةِ خُصُوصًا عَلَى أَبِي الشَّاهِدِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ. الرَّابِعُ قَوْلُهُ لَكِنْ لَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ عُلِمَ مِنْ الْأَوَّلِ. الثَّانِي شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ لِأَخِي الزَّوْجَةِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ أَرْضَ زِرَاعَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ مَتَى تَأْتِنِي بِدَرَاهِمِي خُذْ أَرْضَك فَهَلْ هَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاسِدٌ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي زَرَعَهَا سِنِينَ فَهَلْ يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي أُجْرَتَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ قَالَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ مُتَطَوِّعًا بِهِ لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي مَا الْتَزَمَهُ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي قُرْبِ الزَّمَانِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُفَوِّتْهُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَوَّتَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ التَّفْوِيتَ فَلَهُ مَنْعُهُ بِالْحَاكِمِ إذَا كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ رَدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ هَذَا إنْ أَطْلَقَ الْمُشْتَرِي فِي الْتِزَامِهِ فَإِنْ قَيَّدَهُ بِأَجَلٍ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِنَحْوِ يَوْمٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي تَفْوِيتُهُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ فَإِنْ فَوَّتَهُ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ نُقِضَ إنْ أَرَادَهُ الْبَائِعُ، وَرُدَّ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَهُ حِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَاجِبُ الْفَسْخِ مَا لَمْ تَفُتْ الْأَرْضُ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ فَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ أَوْ يَفُوزُ بِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَهَذَا مَا لَمْ يُقِرَّ الْمُتَعَاقِدَانِ بِأَنَّهُمَا قَصَدَا السَّلَفَ بِمَنْفَعَةٍ فَإِنْ أَقَرَّا بِذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي كِتَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ قَالَ سَحْنُونٌ بَلْ

بيع دابة أمة أو بهيمة بشرط الحمل

سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعٌ وَسَلَفٌ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا، وَتَارَةً يَكُونُ سَلَفًا لَا أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فِي الْفَوَاتِ بَلْ فِيهِ الْقِيمَةُ مَا بَلَغَتْ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ انْتَهَى. (وَقَالَ) ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ قَدْ قِيلَ إنَّ بَيْعَ الثُّنْيَا فَاسِدٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ لِأَنَّهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا تُرَدُّ فِيهِ الْبِيَاعَاتُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْأَحْبَاسُ فَإِنْ وَقَعَ إلَى أَجَلٍ كَانَ فِيهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ، وَإِنْ وَقَعَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَلَا كِرَاءَ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ كَانَ إلَى أَجَلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ، وَبِذَلِكَ الْعَمَلُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَصْلَ الشِّرَاءِ كَانَ رَهْنًا، وَإِنَّمَا عَقَدَا فِيهِ الْبَيْعَ لِتَسْقُطَ الْحِيَازَةُ فِيهِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا عِنْدَ الشُّهُودِ حِينَ الصَّفْقَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْمِلْكَ، وَاغْتَلَّهُ ثُمَّ عَثَرَ عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَيُرَدُّ الْأَصْلُ مَعَ الْغَلَّةِ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَسْتَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ ثَمَنَهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَيْعُ دَابَّةٍ أَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ] (مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) فِي تَحْقِيقِ مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ بَيْعُ دَابَّةٍ أَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ الَّذِي عَدَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ مُضِيَّهُ بِالْقِيمَةِ إذَا فَاتَ، وَاسْتَظْهَرَ الْعَدَوِيُّ مُضِيَّهُ بِالثَّمَنِ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَالْأَمِيرُ بِالْقِيمَةِ لِئَلَّا يَسْتَضِرَّ الْمُشْتَرِي، وَيَأْكُلَ الْبَائِعُ مَا زَادَهُ لِلْحَمْلِ بَاطِلًا إذَا ظَهَرَ عَدَمُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَدَوِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَقُّ مَا قَالَهُ الْأَمِيرُ فَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَكُمْ فِيهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْهَادِي لِلصَّوَابِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَسَائِرِ الْأَحْبَابِ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ الَّتِي يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا الْحَمْلُ عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ، وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ إذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ، وَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا الْفِعْلِ فَوَجَدَهَا غَيْرَ حَامِلٍ فَقَالَ أَشْهَبُ يَرُدُّهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ إنْ بَاعَهَا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا حَامِلٌ فَإِذَا هِيَ غَيْرُ حَامِلٍ فَلَا يَرُدُّهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ بِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ الْفَحْلَ يَنْزُو عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَأَطْعَمَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ رَفِيعَةً يُنْقِصُهَا الْحَمْلُ فَبَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ، وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْحَمْلِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّبَرِّي انْتَهَى بِلَفْظِهِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ فَقَالَ أَشْهَبُ يَرُدُّهَا أَيْ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ بِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَقَدْ أَجْرَاهُ عَلَى حُكْمِ الْعَيْبِ، وَيُعْلَمُ مِنْهَا أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ يُحَطُّ عَنْهُ مَا زَادَ لِلْحَمْلِ، وَقَوْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ إنْ بَاعَهَا، وَهُوَ أَيْ الْبَائِعُ يَظُنُّ أَنَّهَا حَامِلٌ فَإِذَا هِيَ غَيْرُ حَامِلٍ فَلَا يَرُدُّهَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحَطُّ عَنْهُ مَا زَادَهُ لِلْحَمْلِ، وَلَعَلَّهُ لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ، وَعِنْدَ الْبَائِعِ بِظَنِّهِ الْحَمْلَ، وَإِذَا لَزِمَتْهُ مَعَ الْقِيَامِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَأَوْلَى مَعَ الْفَوَاتِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ أَشْهَبَ وَابْنَ أَبِي حَازِمٍ يَتَّفِقَانِ عَلَى مُضِيِّ الْبَيْعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إذَا وُجِدَ الْحَمْلُ، وَعَلَى إجْرَائِهِ عَلَى حُكْمِ الْعَيْبِ إذَا لَمْ يُوجَدْ، وَعَلِمَ الْبَائِعُ بِعَدَمِهِ، وَاخْتَلَفَا إذَا لَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ كَانَ الْبَائِعُ ظَنَّ وُجُودَهُ فَأَجْرَاهُ أَشْهَبُ عَلَى حُكْمِ الْعَيْبِ، وَأَلْغَاهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ هَذَا، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ زَرْقُونٍ: وَالتَّوْضِيحِ تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ. وَفِي نَقْلِ الْبَدْرِ عَنْ حلولو فَسْخُ الْبَيْعِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ: وَنَصُّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَيَنْفَسِخُ إنْ وَقَعَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَشْهُورُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِابْنِ النَّاظِمِ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ: وَيَشْمَلُهُ عُمُومُ

قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَرُدَّ، وَيَبْقَى حُكْمُهُ إذَا فَاتَ سَوَاءٌ ظَهَرَ الْحَمْلُ أَوْ عَدَمُهُ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا بِخُصُوصِهِ لِسِوَى الْأَشْيَاخِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ. وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُقَيِّدُ مُضِيَّهُ بِالْقِيمَةِ، وَنَصُّهُ وَفِيهَا قُلْت إذَا كَانَ ذَلِكَ يَعْنِي اطِّلَاعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فِي الْمَبِيعِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ، وَأَرَى إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْتَاعَهُ بَيْعًا حَرَامًا، وَنَقَدَ ثَمَنَهُ، وَلَمْ يَفُتْ بِحَوَالَةِ سَوْقٍ حُكْمٍ فِيهِ كَالصَّحِيحِ، وَإِنْ فَاتَ جَعَلَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ مَتَى الْتَقَيَا انْتَهَى. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ مَا يُفِيدُ مُضِيَّهُ بِالْقِيمَةِ أَيْضًا، وَنَصُّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَمَا فَسَادُهُ فِي ثَمَنِهِ فَهَذَا إذَا فَاتَ يَمْضِي بِالْقِيمَةِ انْتَهَى، وَمَعْلُومٌ صِدْقُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُثَمَّنِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارِيٌّ، وَأَنَّ الْفَسَادَ هُنَا فِي الْمُثَمَّنِ مِنْ جِهَةِ غَرَرِهِ فَإِنْ قُلْت قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ فَاتَ مُضِيُّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالثَّمَنِ يُفِيدُ مُضِيَّهُ بِالثَّمَنِ إذَا فَاتَ. قُلْت لَا يُفِيدُ ذَلِكَ لِتَقْيِيدِ الْأُجْهُورِيِّ مَا ذُكِرَ بِغَيْرِ الْمَعِيبِ قَالَ أَمَّا الْمَعِيبُ فَيَمْضِي إذَا فَاتَ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَلَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِاعْتِقَادِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْعَيْبِ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً إلَخْ، وَتَبِعَهُ تَلَامِذَتُهُ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْبَاقِي عِنْدَهُ أَيْضًا، وَأَعَادَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَقُوِّمَا بِتَقْوِيمِ الْمَبِيعِ يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي، وَنَقَلَ الْعَدَوِيُّ بَعْضَهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَلِقَوْلِ اللَّقَّانِيِّ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَمْثِلَتِهِمْ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمِثَالَ لَا يُخَصِّصُ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مُقَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الْعُمُومُ مَعْلُومًا، وَإِلَّا فَيُخَصَّصُ نَقَلَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لِاسْتِزَادَةِ الثَّمَنِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ يُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ، وَيَمْضِي بِالْقِيمَةِ مَعَ الْفَوَاتِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَسْخٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا فَاتَ الْمَبِيعُ قَامَتْ قِيمَتُهُ مَقَامَهُ، وَسَوَاءٌ ظَهَرَ الْحَمْلُ أَوْ عَدَمُهُ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، وَبِمَا تَقَدَّمَ تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْعَدَوِيِّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ فِي بَيْعِ الْأَجِنَّةِ لُزُومَهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَفُوتُ بِالثَّمَنِ انْتَهَى، وَمَا فِي قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ، وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَ الْقِيمَةِ إذَا عُدِمَ وَالثَّمَنِ إذَا وُجِدَ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا قَالَ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ، وَقَدْ كُنْت اقْتَفَيْت أَثَرَهُمَا لِعَدَمِ وُقُوفِي عَلَى نَصٍّ لِاقْتِصَارِي فِي الْمُرَاجَعَةِ عَلَى النَّظَرِ فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ: وَنَحْوِهَا عِنْدَ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ، وَاسْتَظْهَرْت كَلَامَ الْعَدَوِيِّ لِاسْتِنَادِهِ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ: وَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ عَلَيَّ بِمَا رَأَيْت رَجَعْت عَنْ جَمِيعِ مَا قُلْته فِي تِلْكَ الْفَتْوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي فَلَمَّا طَلَعَ بِهِ إلَى الْخَلَاءِ شَرَدَ مِنْهُ، وَضَاعَ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ شُرُودُهُ قَدِيمًا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا ثَبَتَ شُرُودُهُ قَدِيمًا عِنْدَ الْبَائِعِ، وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ هَلَكَ يَعْنِي الْمَبِيعُ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ أَوْ بِسَمَاوِيِّ زَمَنِهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ بَيْعِ الْبِضَاعَةِ الَّتِي تُوزَنُ فِي ظَرْفٍ مِنْ إسْقَاطِ وَزْنِ الظَّرْفِ تَحَرِّيًا وَإِسْقَاطِ قَدْرٍ مِنْ الْوَزْنِ أَيْضًا فِي نَظِيرِ مَا يُوجَدُ فِي الْمَبِيعِ دَنِيئًا أَوْ غَلَثًا فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ

لِأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمُغْتَفَرِ لِلْحَاجَةِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ، وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ يَبِيعُ سِلْعَةً بِظَرْفِهَا فَتُوزَنُ السِّلْعَةُ مَعَ الظَّرْفِ ثُمَّ يُسْقِطُ لِلظَّرْفِ وَزْنًا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ دُونَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَكَانَ الْبَائِعُ يُسَامِحُ الْمُشْتَرِي فِي الزَّائِدِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ أَمْ لَا. فَأَجَابَ بِأَنَّ شِرَاءَ مَا فِي الظَّرْفِ إذَا رَآهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ رَأَيَا أُنْمُوذَجَهُ، وَكَانَ الظَّرْفُ مُتَنَاسِبَ الْأَجْزَاءِ فِي الرِّقَّةِ أَوْ الثَّخَانَةِ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُسَامَحَةَ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ بَلْ يَقَعُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَاجْتِنَابُهُ أَوْلَى. قُلْت وَمِثْلُهُ الْيَوْمَ يَقَعُ فِي بِلَادِنَا فِي بَيْعِ الزَّيْتِ، وَقَطْعِ الْجَرَّةِ بِوَزْنٍ مَعْلُومِ بِحَسَبِ كِبَرِهَا وَصِغَرِهَا وَبَيْعِ الْوَدَكِ وَقَطْعِ ظَرْفِهِ، وَبَيْعِ التِّبْنِ، وَقَطْعِ ظَرْفِهِ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَبَيْعِ الطَّفْلِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا يَفْتَقِرُ لِلظَّرْفِ، وَقَطْعِ وَزْنِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَبَيْعِ الزُّبْدِ فِي الْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ، وَطَرْحِ وَزْنِ الْقَرْنِ، وَبَعْضِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ التَّمْحِيقِ فَيَجْعَلُونَ لِذَلِكَ وَزْنًا مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعُوا الْعِلَاكَ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعِطْرِيَّاتِ، وَيَطْرَحُونَ لِبَعْضِ مَا فِيهِ مِنْ الدَّغَلِ وَزْنًا مَعْلُومًا لِكُلِّ رِطْلٍ أَوْ قِنْطَارٍ فَإِنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ جَائِزٌ إذَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلُّ إلَّا بِيَسِيرٍ فِي وَزْنِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمُضَافِ إلَى الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ مُغْتَفَرٌ لِلَّخْمِيِّ أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فِي الزِّقَاقِ عَلَى أَنَّ الزِّقَاقَ دَاخِلَةٌ فِي الْوَزْنِ وَالْبَيْعِ قَالَ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ عَرَفُوا وَزْنَهَا، وَقَالَ فِي الْقِلَالِ إنَّهَا عَلَى الْمُتَعَارَفِ مِثْلُ الزِّقَاقَ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَمْرُ الْقِلَالِ وَاحِدٌ، وَالزِّقَاقُ مُخْتَلِفٌ فَزِقُّ الْفَحْلِ أَكْثَفُ وَأَوْزَنُ، وَالْخَصِيُّ دُونَهُ، وَهُوَ أَكْثَفُ مِنْ زِقِّ الْأُنْثَى. قُلْت، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ، وَالصَّوَابُ فِي هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ عِزُّ الدِّينِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى غِلَظِ الظَّرْفِ وَرِقَّتِهِ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ فِيهِ إلَى خِلَافٍ فِي شَهَادَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَوْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَدَثَ لَهُ دَاءُ الدَّوْرِ فَسَامَهُ الْجَزَّارُونَ بِتِسْعِينَ قِرْشًا فَلَمْ يَرْضَ الشَّرِيكَانِ، وَغَابَا فَجَاءَ الْجَزَّارُونَ لِزَوْجَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَقَالُوا لَهَا إنْ لَمْ تَبِيعِي الثَّوْرَ، وَإِلَّا مَاتَ عَاجِلًا فَوَكَّلَتْ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَبَاعَهُ لَهُمْ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فَلَمَّا حَضَرَ الشَّرِيكَانِ أَبَى غَيْرُ زَوْجِ الْمُوَكِّلَةِ، وَقَالَ هُوَ بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ مَا زَادَ أَوْ الْجَزَّارِينَ أَوْ الْمَرْأَةَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُ تَمَامُ الْقِيمَةِ إنْ زَادَتْ عَلَى الثَّمَنِ الْجَزَّارِينَ لِأَنَّهُمْ خَدَعُوا الْمَرْأَةَ، وَغَرُّوهَا مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهَا وَأَنَّهَا، وَوَكِيلَهَا فُضُولِيَّانِ قَالَ الْعَدَوِيُّ ضَمَانُ مَبِيعِ الْفُضُولِيِّ مِنْ الْمُشْتَرِي حَيْثُ أَجَازَ رَبُّهُ الْبَيْعَ، وَإِنْ رُدَّ كَانَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالتَّعَدِّي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغُصَّابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى جَامُوسَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ، وَأَنْ يَرُدَّهَا بِكُلِّ عَيْبٍ يَظْهَرُ فَخَرَجَتْ أُمُّ أَوْلَادِهَا قُرْبَ وِلَادَتِهَا فَهَلْ هُوَ عَيْبٌ يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ بِهِ أَوْ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِشَرْطِ الْحَمْلِ، وَإِذَا رُدَّتْ فَعَلَى مَنْ مُؤْنَتُهَا، وَلِمَنْ غَلَّتُهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ حَاكِمَةً بِأَنَّهُ عَيْبٌ فَهُوَ عَيْبٌ يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ بِهِ إنْ ثَبَتَ قِدَمُهُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى حُصُولِهِ عِنْدَهُ قُرْبَ وِلَادَةٍ سَابِقَةٍ، وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِشَرْطِ الْحَمْلِ لِاسْتِزَادَةِ الثَّمَنِ فَإِنْ قَامَ الْمُشْتَرِي بِحَقِّهِ

فِي الْعَيْبِ وَرَدَّ بِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ أَوْ حَوَالَةِ سَوْقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مَضَى بِالْقِيمَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ فَسْخُهُ، وَإِذَا رُدَّتْ لِلْعَيْبِ أَوْ الْفَسَادِ مُؤْنَتُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَهُ غَلَّتُهَا رَأْسًا بِرَأْسٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِوَقْفِيَّتِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْضَ بَيْعَهُ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا لِلْمَوَّاقِ فِي الْخِيَارِ، وَغَيْرِهِ، وَرَدِّ الْفَاسِدِ إلَخْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ تَابِعَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ لِيَشْتَرِيَ لَهُ مِلَاءَةً فَاشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَنَقَدَ ثَمَنَهَا، وَرَدَّهَا فِي السَّابِعِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ شَرْطَ الْخِيَارِ، وَادَّعَى الْبَتَّ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِخِلَافٍ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَفِي الْبَتِّ مُدَّعِيه الْخَرَشِيُّ يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الْبَتِّ وَالْخِيَارِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْبَتِّ، وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي بِيَاعَاتِ النَّاسِ مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْخِيَارِ فَقَطْ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْخِيَارِ، وَادَّعَاهُ كُلٌّ لِنَفْسِهِ فَقِيلَ يَتَفَاسَخَانِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا، وَقِيلَ يَكُونُ بَتَّا بَعْدَهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِخِيَارِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خِصَاءِ نَحْوُ الْبَقَرِ هَلْ يُبَاعُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ لَا يَقْتَنِي إلَّا لَحْمَهُ كَخَصِيِّ الْمَعْزِ أَوْ لَهُ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى يَسِيرَةٌ كَخَصِيِّ الضَّأْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ لِأَنَّهُ طَعَامٌ حُكْمًا فَيَلْزَمُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ، وَهُوَ نَسَاءٌ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ بِمَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ أَوْ قُلْت فَلَا يَجُوزَانِ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ كَخَصِيِّ ضَأْنٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَلَا يَحُوزُ بَيْعُ مَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ أَوْ قُلْت بِطَعَامٍ مِنْ قَمْحٍ، وَغَيْرِهِ لِأَجَلٍ لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً انْتَهَى، وَإِنْ كَانَ يُقْتَنَى لِمَنْفَعَةٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ لَحْمِهِ كَخَصِيِّ الْبَقَرِ بِمِصْرَ جَازَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ طَعَامًا حُكْمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ قِنْطَارَيْ بُنٍّ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَلَمْ يَزِنْهُمَا لَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ دَعْهُمَا عِنْدَك حَتَّى أُرْسِلَ لَك ثُمَّ أَرْسَلَ لَهُ فَسَلَّمَهُمَا لِرَسُولِهِ بِلَا وَزْنٍ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ وَزْنَهُمَا نَقَصَ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ النَّقْصَ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ صَدَقَك فِي وَزْنِهِمَا، وَتَرَكَهُمَا عِنْدَك أَمَانَةً فَعَلَيْك يَمِينٌ بِأَنَّك لَمْ تُنْقِصْهُمَا شَيْئًا فَإِنْ حَلَفْت بَرِئْت، وَإِلَّا لَزِمَك الْإِتْمَامُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصْدُقْك فِيهِ، وَأَخَذَهُمَا لِيَزِنَهُمَا فَعَلَيْهِ يَمِينٌ بِوُجُودِ النَّقْصِ، وَيَلْزَمُك الْإِتْمَامُ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا يَلْزَمُك قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَحَلِفُ مُدَّعِ عَدَمَ دَفْعٍ رَدِيءٌ وَنَاقِصٌ قَالَ الشُّرَّاحُ إنْ كَانَ الْقَبْضُ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ بِيَمِينٍ، وَاللَّفْظُ عَامٌّ، وَإِنْ فَرَضُوهُ فِي دَفْعِ الدَّرَاهِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ بَهِيمَةٍ صَغِيرَةٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ أَنْ يُرَبِّيَهَا وَيُكَلَّفَهَا، وَفَعَلَ ذَلِكَ سَنَةً ثُمَّ رَهَنَهَا الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ لِبَقَائِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَهَلْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ، وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ

البيوع من غير جريان صيغ اتكالا على جواز المعاطاة

بِعِوَضِ نِصْفِ الْكُلْفَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى شَرْطٍ مُخِلٍّ بِالثَّمَنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ، وَقَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَالْقِيمَةِ لِفَوَاتِ الْفَسْخِ بِطُولِ مُكْثِ الْحَيَوَانِ بِيَدِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعِوَضِ نِصْفِ الْكُلْفَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَمَكَثَ عِنْدَهُ أَيَّامًا قَلِيلَةً ثُمَّ أَخَذَ الْعَبْدُ بَعْضَ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَهَرَبَ بِهِ، وَفَتَّشَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ هَرَبَ مِنْ بَائِعِهِ مِرَارًا فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ إذْ الْهُرُوبُ عَيْبٌ فِي الرَّقِيقِ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْخَرَشِيُّ مُمَثِّلًا لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَبِمَا الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ كَالْإِبَاقِ، وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَهَلَاكِهِ مِنْ التَّدْلِيسِ فَإِذَا سَرَقَ الْمَبِيعَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ أَبَقَ فَهَلَكَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَلَّسَ بِإِبَاقِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ بِأَنْ عَلِمَ، وَكَتَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ فَمِنْ الْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْبُيُوعِ مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ صِيَغٍ اتِّكَالًا عَلَى جَوَازِ الْمُعَاطَاةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا هُوَ جَارٍ الْآنَ، وَشَائِعٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ صِيَغٍ اتِّكَالًا عَلَى جَوَازِ الْمُعَاطَاةِ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ جَائِزًا فَهَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ أَوْ عَامٌّ فِي الْمُحَقَّرَاتِ، وَغَيْرِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مَذْهَبُ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْإِعْطَاءَ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بِهِ فِي الْجَلِيلِ وَالْحَقِيرِ انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِيهِمَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِي الْحَقِيرِ دُونَ الْجَلِيلِ انْعَقَدَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّ الْوُقُوفُ عِنْدَ هَذَا فَإِنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ قَطُّ بِالْمُعَاطَاةِ فِي الْأَمْلَاكِ وَالْجَوَارِي وَنَحْوِهِمَا اهـ ثُمَّ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بِالْإِعْطَاءِ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهِيَ الْمُعَاطَاةُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْعَاقِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَنْحَلُّ إلَّا بِإِقَالَةٍ، وَإِنْ حَصَلَ مِنْ جَانِبٍ فَقَطْ، وَمِنْ الْآخَرِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ بِغَيْرِ الْإِعْطَاءِ انْعَقَدَ غَيْرَ لَازِمٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُلُّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِيَاعَاتُ زَمَانِنَا فِي الْأَسْوَاقِ إنَّمَا هِيَ بِالْمُعَاطَاةِ فَهِيَ مُنْحَلَّةٌ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَعْقِدُونَهَا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ بِحَالٍ انْتَهَى هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي وَالْبَنَّانِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى جَمَلًا، وَسَافَرَ بِهِ عِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ، وَأَثْبَتَهُ عِنْدَ قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِرَدِّهِ عَلَى بَائِعِهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، وَلَا حَاضِرًا عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْجَمَلُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي إلَى بَلَدِ الْبَائِعِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ أَوْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

مسائل الخيار

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ، وَكَتَمَهُ حِينَ الْبَيْعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِلَّا فَالْأَرْشُ فَقَطْ، وَنَصَّ الْمُخْتَصَرِ كَهَلَاكِهِ مِنْ التَّدْلِيسِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ فَالْأَرْشُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا مُرَادُ الشَّارِحِينَ) بِالْحَاضِرِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ أَوْ ثَبَتَ الْعَيْبُ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ قَالُوا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَمَا مَعْنَى الثُّبُوتِ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الْمَعِيبُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ الْحَاضِرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مُرَادُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مُقَابِلُ الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ قَرِيبَةً فَيَشْمَلُ الْحَاضِرَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَالْغَائِبَ عَنْهُ فِي الْبَلَدِ بِدَلِيلِ كَلَامِهِمْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِي فَتَلَوَّمَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ إنْ رَجَى قُدُومَهُ، وَمَعْنَى الثُّبُوتِ شَهَادَةُ بَيِّنَةٍ مُعْتَبَرَةٍ بِالْعَيْبِ، وَقِدَمِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَيْعِ نَحْوِ الزَّيْتِ بِوِعَائِهِ بِالْوَزْنِ، وَإِسْقَاطِ ثُلُثِ زِنَةِ الْمَجْمُوعِ فِي نَظِيرِ زِنَةِ الْوِعَاءِ مَعَ جَهْلِهَا الْمُتَبَايِعَانِ، وَاحْتِمَالِهَا لِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ عَنْهُ، وَقَدْ جَرَى بِذَلِكَ الْعُرْفُ فَهَلْ يَصِحُّ، وَيَجُوزُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ يَصِحُّ وَيَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَسِيرٌ مُغْتَفَرٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ إلَّا بَعْدَ تَجْرِبَتِهِ مِرَارًا، وَوُجُودُهُ كَذَلِكَ غَالِبًا، وَإِنْ نَدَرَ فِيهِ تَفَاوُتٌ فَبِشَيْءٍ يَسِيرٍ تُسَامِحُ فِيهِ النُّفُوسُ، وَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ فَفِي الْمُخْتَصَرِ: وَغَيْرِهِ وَاغْتُفِرَ غَرَرٌ يَسِيرٌ لِلْحَاجَةِ لَمْ يَقْصِدْ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْغَرَرَ الْيَسِيرَ يُغْتَفَرُ إجْمَاعًا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ كَأَسَاسِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ، وَإِجَارَتِهَا مُشَاهَرَةً مَعَ احْتِمَالِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَكَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَلِحَافٍ مَحْشُوٍّ بِحَشْوٍ مَعِيبٍ، وَشُرْبٍ مِنْ سِقَاءٍ، وَدُخُولِ حَمَّامٍ مَعَ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ فَخَرَجَ بِيَسِيرٍ الْكَثِيرُ كَبَيْعِ طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يُغْتَفَرُ إجْمَاعًا، وَمِنْهُ بَيْعُ نَحْوِ الطَّرَاحَةِ مَحْشُوَّةً بِمَغِيبٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَزْنِ، وَيَتَحَرَّى ظَرْفَهُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُلْغَى كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ السَّمْنِ بِظُرُوفِهِ، وَبِعَدَمِ قَصْدِهِ بَيْعَ الْأُنْثَى يَشْرِطُ حَمْلَهَا، وَقَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْخِيَارِ] [اشْتَرَى جَمَلًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْخِيَارِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى جَمَلًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَنْ يُرِيَهُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ سِوَى الْكَيِّ الظَّاهِرِ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْجَمَلَ فَمَاتَ بِسَمَاوِيٍّ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ ضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَلَيْسَ عَلَى مُشْتَرِيهِ شَيْءٌ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَلَيْسَ عَلَى مُشْتَرِيهِ شَيْءٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ وَلِلْبَائِعِ تَحْلِيفُهُ عَلَى عَدَمِ تَفْرِيطِهِ فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعٍ فَلَهُ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُشْتَرِي مَالَهُ وَالْغَلَّةُ وَأَرْشُ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا الْوَلَدُ وَالصُّوفُ تَمَّ أَوَّلًا فَلِلْمُشْتَرِي وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فَكَالرَّهْنِ يُضْمَنُ

مسائل الصرف والمبادلة والمراطلة

إذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ، أَوْ غُيِّبَ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَضْمَنْ مَا فَرَّطْت وَزَادَ الْمُتَّهَمُ وَقَدْ ضَاعَ وَالْمَضْمُونُ الثَّمَنُ إلَّا أَنْ يُخَيَّرَ الْبَائِعُ وَيَأْبَى الْمُشْتَرِي الْحَلِفَ عَلَى التَّلَفِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَالظَّاهِرُ حَيْثُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا اعْتِبَارُ الْبَائِعِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ الصَّرْفِ وَالْمُبَادَلَةِ وَالْمُرَاطَلَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الصَّرْفِ وَالْمُبَادَلَةِ وَالْمُرَاطَلَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ جَانِبًا مَعْلُومًا مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْقُرُوشِ وَدَفَعَ لَهُ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ وَوَاعَدَهُ الْبَائِعُ بِإِحْضَارِ الذَّهَبِ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَحْضَرَ الْبَائِعُ لَهُ الذَّهَبَ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَاقِي الثَّمَنِ فَهَلْ لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ حَيْثُ تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضِ الْبَيْعِ أَوَّلًا وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيَكُونُ لَهُ رَدُّ الذَّهَبِ حَيْثُ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوَّلًا قَبْلَ إحْضَارِ الذَّهَبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ لِافْتِرَاقِهِمَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ وَلَوْ مَصُوغًا بِالْفِضَّةِ وَلَوْ مَغْشُوشَةً صَرْفٌ وَالصَّرْفُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ عَدَمُ التَّأْخِيرِ لِلْعِوَضَيْنِ لَا لِأَحَدِهِمَا كُلًّا، أَوْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَذَلِكَ رِبًا نِسَاءً وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَمَّا تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الذَّهَبِ كُلِّهِ وَبَعْضِ الْقُرُوشِ تَحَقَّقَ الرِّبَا وَفَسَدَ الْعَقْدُ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَصَارِفَيْنِ فَسْخُهُ وَرَدُّ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ مَا دَامَ بَاقِيًا بِيَدِهِ إزَالَةً لِلْفَسَادِ وَإِذَا امْتَنَعَا، أَوْ أَحَدُهُمَا وَعَلِمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَجَبَ عَلَيْهِ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَى الْمُمْتَنِعِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ بَاقِي الْقُرُوشِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَتْمِيمٌ لِلْفَاسِدِ وَيَجِبُ رَدُّ الذَّهَبِ حَيْثُ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ مِنْ الْقُرُوشِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَلَا الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إلَّا نَقْدًا وَسَوَاءٌ كَانَا مَضْرُوبَيْنِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، أَوْ مَصُوغَيْنِ حُلِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. وَاخْتُلِفَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَشُوبَةِ مِنْ النُّحَاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَكَمَ لَهَا بِحُكْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ وَرَأَى مَا فِيهِمَا مِنْ النُّحَاسِ مُلْغًى لَا حُكْمَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ مَا فِيهِمَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ دُونَ النُّحَاسِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَلَا تَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ فِيهِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. [دَفَعَ لِآخَرَ قَدْرًا مِنْ الرِّيَالَاتِ الْفَرَنْسِيَّةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ قُرُوشًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ دَفَعَ لِآخَرَ قَدْرًا مِنْ الرِّيَالَاتِ الْفَرَنْسِيَّةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ قُرُوشًا عَنْ كُلِّ رِيَالٍ سِتَّةَ عَشَرَ قِرْشًا فَهَلْ هَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ وَيَقْضِي بِرَدِّ مِثْلِهَا فَرَنْسِيَّةً عَدَدًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا حَسَنٌ الْأَبْطَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ اشْتَرَطَا عِنْدَ الدَّفْعِ أَنْ يَرُدَّ الْآخِذُ بَدَلَ الْفَرَنْسِيَّةِ قُرُوشًا سَوَاءً عَنْ كُلِّ رِيَالٍ سِتَّةَ عَشَرَ قِرْشًا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ بَلْ يَجِبُ رَدُّهَا فَرَنْسِيَّةً مِثْلُ عَدَدِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْآخِذُ رَدَّ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرُوشِ مَثَلًا رَجَعَ بِهَا وَيُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ فَرَنْسِيَّةً بِعَدَدِ مَا أَخَذَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اشْتَرَى طَوْقَ فِضَّةٍ بِعِشْرِينَ رِيَالًا وَدَفَعَ عَنْهَا عَشْرَةَ زَكَائِبَ ذُرَةً عَنْ كُلِّ زَكِيبَةٍ رِيَالَانِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى طَوْقَ فِضَّةٍ بِعِشْرِينَ رِيَالًا وَدَفَعَ عَنْهَا عَشْرَةَ زَكَائِبَ ذُرَةً عَنْ كُلِّ

صرف الريالات بالقروش الأسطنبوليات

زَكِيبَةٍ رِيَالَانِ ثُمَّ ظَهَرَ فِي الطَّوْقِ غِشٌّ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الذُّرَةِ قَدْرًا وَصِفَةً، أَوْ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ رِيَالًا سِعْرُ الذُّرَةِ يَوْمَ أَخَذَهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الزَّرْقَانِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَيْعُ الطَّوْقِ الْفِضَّةِ بِالْعِشْرِينَ رِيَالًا فَاسِدٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَرُدُّ مِثْلَ الذُّرَةِ الَّتِي قَبَضَهَا قَدْرًا وَصِفَةً وَلَا يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ رِيَالًا هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَعَلَى الْحَاكِمِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الْعَمَلُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ خَالَفَ وَزْنُ الطَّوْقِ وَزْنَ الْعِشْرِينَ رِيَالًا؛ لِأَنَّهُ رِبَا فَضْلٍ أَمَّا إنْ اتَّفَقَ وَزْنُهُمَا فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ الطَّوْقِ لِغِشِّهِ وَرَدُّ مِثْلِ الذُّرَةِ الَّتِي قَبَضَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [صَرْفِ الرِّيَالَاتِ بِالْقُرُوشِ الأسطنبوليات] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَرْفِ الرِّيَالَاتِ بِالْقُرُوشِ الأسطنبوليات هَلْ يَجُوزُ، أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْعُرُوضِ، أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ مُبَادَلَةٌ لَا صَرْفٌ إذْ هِيَ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ عَدَدًا وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ عَدَدًا، وَهُوَ بَيْعُ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَهِيَ غَيْرُ جَائِزٍ لِعَدَمِ اسْتِيفَائِهَا شُرُوطَ الْمُبَادَلَةِ الْمُشَارِ لَهَا بِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ كَسِتَّةٍ فَأَقَلَّ تُعُومِلَ بِهَا عَدَدًا دُفِعَتْ فِي مِثْلِهَا وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ بِلَفْظِ الْبَدَلِ وَلَمْ يَرِدْ تَفَاضُلُهُمَا عَلَى السُّدُسِ انْتَهَى. وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ النَّقْدِ الْمَغْشُوشِ الَّذِي لَا يَرُوجُ رَوَاجَ النَّقْدِ الْخَالِصِ مِنْ الْغِشِّ لَا مِنْ قَبِيلِ الْعُرُوضِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [بَيْعِ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مُرَاطَلَةً بِمَسْكُوكٍ مِنْ جِنْسِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَيْعِ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مُرَاطَلَةً بِمَسْكُوكٍ مِنْ جِنْسِهِ هَلْ يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَدْفَعَ لِبَائِعِهِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى وَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فِي نَظِيرِ صِيَاغَتِهِ، أَوْ جَوْدَةِ جَوْهَرِيَّتِهِ وَإِنْ قُلْتُمْ بِالْمَنْعِ فَهَلْ بِاتِّفَاقٍ، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأُجِيبُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى وَزْنِهِ فِي نَظِيرِ صِيَاغَتِهِ أَوْ جَوْدَةِ جَوْهَرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِدُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ نَقْدًا كَانَ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ رِبَا فَضْلٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ وَلَا خِلَافَ عَلِمْته فِي ذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى عَدَمِ الْخِلَافِ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاطَلَ الصَّائِغُ دَرَاهِمَ بِفِضَّةٍ عَلَى أَنْ يَصُوغَهَا لَك بِأُجْرَةٍ وَهُوَ كَاَلَّذِي وَجَدَهَا مَصُوغَةً فَرَاطَلَهُ بِهَا وَأَعْطَاهُ أُجْرَةً ثُمَّ قَالَ وَلَا يَجُوزُ لِصَائِغٍ أَوْ سَكَّاكٍ أَنْ يَعْمَلَ لَك إلَّا فِضَّتَك، أَوْ ذَهَبَك وَأَمَّا عَمَلُ أَهْلِ السِّكَّةِ فِي جَمْعِهِمْ لِذَهَبِ النَّاسِ فَإِذَا فَرَغَتْ أَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ ذَهَبِهِ وَقَدْ عَرَفُوا مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ هَكَذَا قَالَهُ مَنْ لَقِيته مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ قَوْلَانِ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَصَائِغٌ يُعْطِي الزِّنَةَ وَالْأُجْرَةَ هَذَا صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ مِنْ صَانِعِ فِضَّةٍ بِوَزْنِهَا دَرَاهِمَ وَيَدْفَعَهَا لَهُ يَصُوغُهَا وَيُرْبِيهِ الْأُجْرَةَ عَنْ صِيَاغَتِهِ كَانَتْ نَقْدًا، أَوْ غَيْرَهُ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُرَاطِلَهُ الشَّيْءَ الْمَصُوغَ بِجِنْسِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَيَزِيدَهُ الْأُجْرَةَ وَالْحُكْمُ فِي الْأُولَى الْمَنْعُ وَإِنْ لَمْ يَزِدْهُ أُجْرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النِّسَاءِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالْحُكْمُ فِيهَا الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَزِدْهُ أُجْرَةً فَلَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِنَقْدٍ مُخَالِفٍ

بيع حلي الفضة بغير جنسه

لِنَقْدِ الصَّانِعِ جِنْسًا امْتَنَعَتْ الصُّورَةُ الْأُولَى لِلنِّسَاءِ وَجَازَتْ الثَّانِيَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [بَيْعِ حُلِيِّ الْفِضَّةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَيْعِ حُلِيِّ الْفِضَّةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَطَعَامٍ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مُسَاوَمَةُ الْحُلِيِّ بِالطَّعَامِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، أَوْ يَجُوزُ مُسَاوَمَتُهُ بِدَرَاهِمَ عَلَى شَرْطٍ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي عَنْهَا قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الطَّعَامِ بِحَسَبِ سِعْرِ الْوَقْتِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ حُلِيِّ الْفِضَّةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالطَّعَامِ مُسَاوَمَتُهُ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ يَجُوزُ مُسَاوَمَتُهُ بِدَرَاهِمَ قَدْرَ وَزْنِهِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ عَلَى شَرْطِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ عَنْهَا قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الطَّعَامِ بِحَسَبِ سِعْرِهِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِي الْوَقْفِ إذَنْ الْمُثَمَّنُ الْحُلِيُّ، وَالثَّمَنُ الطَّعَامُ وَالدَّرَاهِمُ الْمُسَاوَمُ بِهَا إنَّمَا هِيَ آلَةٌ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الطَّعَامِ وَقِيمَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا فِي الْعَقْدِ ابْتِدَاءً لِخُرُوجِهَا عَنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَلَا تُؤَدَّى الْمُسَاوَمَةُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِرِبَا الْفَضْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ السَّلَمِ] [رَجُلٍ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ فِي إرْدَبٍّ مِنْ الْقَمْحِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَعِنْدَ الْأَجَلِ عَجَزَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ السَّلَمِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ فِي إرْدَبٍّ مِنْ الْقَمْحِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَعِنْدَ الْأَجَلِ عَجَزَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَنْ دَفْعِ الْإِرْدَبِّ فَأَقَالَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُ وَأَخَذَ مِنْهُ نَخْلًا فِي نَظِيرِ الدَّرَاهِمِ حَالَ الْإِقَامَةِ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَلِيمِ الْفَيُّومِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ حَيْثُ عَجَزَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَنْ الْإِرْدَبِّ الْقَمْحِ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا دَرَاهِمُهُ وَإِنْ كَانَ عَجَزَ عَنْ الدَّرَاهِمِ وَدَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا فِي نَظِيرِهَا جَازَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَمْحَ لَيْسَ مِنْ الثَّمَرَاتِ الَّتِي لَهَا إبَّانٌ يَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُهَا فِي غَيْرِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عَجْزُهُ عَنْ الْقَمْحِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّرَاهِمِ فَمَتَى قَدَرَ عَلَى الدَّرَاهِمِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقَمْحِ فَيُكَلَّفُ بِشِرَائِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَتَوْفِيَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الثَّانِي كَذَلِكَ إذْ الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْإِبَّانِ فَمَتَى كَانَ عِنْدَهُ مُقَوَّمٌ، أَوْ مِثْلِيٌّ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا بِبَيْعِهِ فَلَوْ فَرَضَ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ عَجْزُهُ عَنْهَا وَعِنْدَهُ مَا ذُكِرَ وَأَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى آخِذِ النَّخْلِ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّ أَخْذَ النَّخْلِ مَمْنُوعٌ وَالْجَائِزَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَخْذُ الْإِرْدَبِّ وَإِمَّا الْإِقَالَةُ عَلَى الدَّرَاهِمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ انْقَطَعَ مَا لَهُ إبَّانَ مِنْ الْمُسْلِمِ الْحَقِيقِيِّ، أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ مَأْمُونَةٍ صَغِيرَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ لِقَابِلٍ، وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِالْمُحَاسَبَةِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُقَوَّمًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَلَا يَأْخُذُ بَدَلَ الْقِيمَةِ فِي سَلَمِ الطَّعَامِ كَمَا هُوَ السِّيَاقُ لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ عَلَى نَفْسِ الثَّمَنِ فَقَدْ سَبَقَ جَوَازُهَا وَإِنْ غَفَلَ لِقَابِلٍ فَلَا فَسْخَ كَأَنْ سَكَتَ الْمُشْتَرِي حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ لِتُهْمَةِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ اهـ. وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَأْخُذُ بَدَلَ الْقِيمَةِ إلَخْ وَفِي الْخَرَشِيِّ وَإِذَا تَرَاضَيَا بِالْمُحَاسَبَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِبَقِيَّةِ رَأْسِ مَالِهِ عَرَضًا وَلَا غَيْرَهُ

سلم جدي في حولي ضأن وسلم عنز في جذعة ضأن

لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالتُّونُسِيُّ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ غَلَّةً إلَى أَجَلٍ ثُمَّ إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ بَعْدَ مُدَّةٍ جَعَلَ هَذَا الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ سَلَمًا عَلَى غَلَّةٍ فَمَا الْحُكْمُ فِي هَذَا السَّلَمِ وَإِذَا اسْتَلَمَ مِنْهُ غَلَّةً فَمَا الْحُكْمُ فِيهَا، أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْبَسُومِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ السَّلَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَفِي هَذِهِ النَّازِلَةِ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الْغَلَّةِ الْمُشْتَرَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ اسْتَلَمَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَهُ أَخْذُهُ بِعَيْنِهِ، أَوْ يُحَاسِبُهُ بِأَثْمَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ نَقْدًا أَيْ مَنْقُودًا مَقْبُوضًا مُعَجَّلًا وَهَذَا الشَّرْطُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي أَمْثِلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَكَكَالِئٍ بِمِثْلِهِ فُسِخَ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، قَوْلُهُ لَهُ أَخْذُهُ إلَخْ الْمُنَاسِبُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَمِثْلُهُ إنْ فَاتَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [سَلَم جَدْيٍ فِي حَوْلَيْ ضَأْنٍ وَسَلَمِ عَنْزٍ فِي جَذَعَةِ ضَأْنٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي سَلَمِ جَدْيٍ فِي حَوْلَيْ ضَأْنٍ وَسَلَمِ عَنْزٍ فِي جَذَعَةِ ضَأْنٍ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ سَلَمُ جَدْيٍ فِي حَوْلَيْ ضَأْنٍ وَلَا سَلَمُ عَنْزٍ فِي جَذَعَةِ ضَأْنٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ حَوْلَيْ الضَّأْنِ أَغْلَى وَأَعْلَى مِنْ الْجَدْيِ وَجَذَعَةَ الضَّأْنِ أَغْلَى وَأَعْلَى مِنْ الْعَنْزِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُسَلَّمُ ضَأْنُ الْغَنَمِ فِي مَعْزِهَا وَلَا الْعَكْسُ إلَّا شَاةً غَزِيرَةَ اللَّبَنِ مَوْصُوفَةً بِالْكَرَمِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُسْلَمَ فِي حَوَاشِي الْغَنَمِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ لَا يَكُونَا مُتَفَاوِتَيْنِ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً فَلَا يَصِحُّ سَلَمُ رَدِيءٍ فِي جَيِّدٍ مِنْ جِنْسِهِ لِلسَّلَفِ بِنَفْعٍ وَلَا عَكْسُهُ كَذَلِكَ بِجُعَلٍ، أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ كَثْرَةً وَقِلَّةً فَلَا يَصِحُّ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ وَعَكْسُهُ حَالَ كَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِلسَّلَفِ بِنَفْعٍ، أَوْ الضَّمَانُ بِجُعَلٍ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ مَعَ تَفَاوُتِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً وَكَثْرَةً وَقِلَّةً مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ الْبُنَانِيُّ. أَوْجُهُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ: اخْتِلَافُ الْجِنْسِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا وَلَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ وَاتِّفَاقُهُمَا مَعًا وَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ فَيَكُونَ قَرْضًا وَاتِّحَادُ الْجِنْسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمَمْنُوعِ فَهُوَ جَائِزٌ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَنَافِعُ مَنَعَ وَمَنْ نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَجَازَ وَهُوَ الرَّاجِحُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ الْقَرْضِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْقَرْضِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ وَلَدَهُ وَهُوَ صَبِيٌّ لِقَوْمٍ فِي شَأْنِ سَلَفٍ فَدَفَعُوا لَهُ صُرَّةَ نَقْدٍ وَلَمْ يُعْلِمُوا الصَّبِيَّ بِقَدْرِ مَا فِيهَا وَأَمَرُوهُ بِتَسْلِيمِهَا لِوَالِدِهِ فَسَلَّمَهَا لَهُ وَعَاشَ وَالِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْوَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ بِبَقَاءِ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ وَسَكَتَ أَصْحَابُ الْقَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهِ نَحْوَ عِشْرِينَ عَامًا بِلَا مَانِعٍ ثُمَّ ادَّعَوْا عَلَى الْوَلَدِ بَقَاءَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّةِ وَالِدِهِ وَطَالَبُوهُ بِهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إذَا ثَبَتَ الْقَرْضُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارِ الْوَارِثِ الَّذِي يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ حَتَّى يَثْبُتَ وَفَاؤُهُ إيَّاهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارِ الْمُقْرِضِ بِالْكَسْرِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ طَلَبِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِيهِ سُكُوتُهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْحَقِّ لَا تَكُونُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا التَّصَرُّفُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْقَرْضِ وَثِيقَةٌ أَمْ لَا وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ وَفَّاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ لِلدَّيْنِ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ مَضَى زَمَنٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا مَعَ عَدَمِ مَانِعِ الطَّلَبِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرُّفٍ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ مَا نَصَّهُ قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ أَيْ دَعْوَاهُ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي غَيْرِ وَثَائِقِ الْحُقُوقِ وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِمَا فِيهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ انْتَهَى وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ مُفَرِّعًا عَلَى قَوْلِهِ يَتَصَرَّفُ كَالْمَالِكِ فَلَا حِيَازَةَ عَلَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ انْتَهَى. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ وَسَكَتَ بِلَا طَلَبِ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَهَلْ يَسْقُطُ وَلَا يَسُوغُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ حَيْثُ كَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ الْمَشْغُولَةَ بِهَا الذِّمَمُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ حِيَازَةٌ عَلَى دَيْنٍ أَيْ لَا يُقَالُ سَقَطَ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِوَثِيقَةٍ أَمْ لَا وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا غَيْرُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَمَّا إنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ بِوَثِيقَةٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَثِيقَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ مَضَى طَوْلٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا وَلَا مَانِعَ مِنْ الطَّلَبِ وَعَنْ مَالِكٍ الطَّوْلِ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقَالَ مُطَرِّفٌ عِشْرُونَ اهـ. وَهَذَا حَيْثُ لَمْ تُقَسَّمْ التَّرِكَةُ بِحُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَعِلْمِهِ سَاكِتًا بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا فَلَا قِيَامَ لَهُ قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ، أَوْ اسْتَحَقَّ مَبِيعٌ وَإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رَجَعَ بِالْحِصَّةِ، مَفْهُومُ قَوْلِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ غَرِيمٌ قَسَّمَ تَرِكَةً بَيْنَ وَرَثَةٍ أَوْ غُرَمَاءِ مَيِّتٍ عَالِمًا بِدَيْنِهِ سَاكِتًا بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ حَيْثُ حَصَلَ الْقَسْمُ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ بَقِيَ بِلَا قَسْمٍ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ لَمْ يَسْقُطْ قِيَامُهُ بِقَسْمِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ مَا عَلِمْت بِالدَّيْنِ إلَّا حِينَ وَجَدْت الْوَثِيقَةَ حَلَفَ وَكَانَ لَهُ الْقِيَامُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَرَثَةُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ حَقًّا وَلَمْ يُكَلَّفُوا الْحَلِفَ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ كَمَا إذَا قَامَ لِغَرِيمٍ شَاهِدٌ وَلَمْ يَحْلِفْ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ يَحْلِفُونَ مَا يَعْلَمُونَ عَلَيْهِ حَقًّا وَلَا يُكَلَّفُونَ الْحَلِفَ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فَإِنْ قَالَ: كُنْت أَعْلَمُ دَيْنِي وَلَكِنْ كُنْت أَنْتَظِرُ الذِّكْرَ، أَوْ الْبَيِّنَةَ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَانْظُرْ لَوْ سَكَتَ حَتَّى بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَالًا يَفِي بِدَيْنِهِ هَلْ لَهُ الْقِيَامُ أَمْ لَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ وَيَسْقُطُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَدِينَ مَيِّتٌ وَانْظُرْ لَوْ اعْتَقَدَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْبَاقِيَ يَفِي بِحَقِّهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ قَسْمُ جَمِيعِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَأَرْبَابُ الدَّيْنِ حَاضِرُونَ عَالِمُونَ بِهِ وَبِدَيْنِهِمْ سَاكِتُونَ بِلَا عُذْرٍ سَقَطَ حَقُّهُمْ فَلَا قِيَامَ لَهُمْ بَعْدُ وَإِلَّا يَحْصُلَ قَسْمٌ أَصْلًا، أَوْ بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِلَا قَسْمٍ وَثَبَتَتْ دُيُونُهُمْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ وَفَّاهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ بِدَيْنِهِمْ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الدَّيْنِ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ بِيَمِينٍ حَيْثُ مَضَى طَوْلٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ الْوَفَاءَ فَلَهُمْ الْقِيَامُ مُطْلَقًا وُجِدَتْ لَهُمْ وَثِيقَةٌ بِهِ أَمْ لَا، طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَدِينٍ وَهَبَ لِرَبِّ الدَّيْنِ رُبْعَ مَرْكَبٍ وَحَازَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ طَلَب رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ وَخَلَّصَهُ بِالشَّكْوَى وَالتَّعْيِينِ فَرَجَعَ الْوَاهِبُ فِي رُبْعِ الْمَرْكَبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ لِرَجُلٍ آخَرَ فَهَلْ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ مَا غَرِمَهُ لِلْمَدِينِ بِالشَّكْوَى وَإِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ حَقٌّ شَرْعِيٌّ بِبَيِّنَةٍ أَخَذَهُ وَإِلَّا فَلَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ مَالِكِيٌّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ الْبَسْيُونِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الشَّكْوَى تَلْزَمُ الشَّاكِيَ، وَجَمِيعُ مَا غَرِمَهُ صَاحِبُ رُبْعِ الْمَرْكَبِ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لَهُ شَرْعًا وَعَلَيْهِ دَفْعُ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِذِمَّتِهِ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَحَيْثُ أَمَرَهُ الْمُسْقِطُ أَنْ يُسْقِطَ رُبْعَ الْمَرْكَبِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَمَنْعُ الْمُعَارِضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَجَابَ حَنَفِيٌّ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الرَّجُلِ دَفْعُ الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي بِذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَتَلْزَمُهُ الشَّكْوَى وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي رُبْعِ الْمَرْكَبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَشَافِعِيٌّ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ الْقَيْسِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَوْهُوبِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ وَالِدًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَيُقْضَى عَلَى الْوَاهِبِ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَنَعَ مَعْرُوفًا بِغَيْرِ مُقَابِلٍ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت أَمَّا فَتْوَى الْمَالِكِيِّ فَهِيَ خَطَأٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَدِينِ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ لِرَبِّ الدَّيْنِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الرِّبَا أَمَّا فِي الْقَرْضِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلِأَنَّهَا رُبَّمَا حَمَلَتْ الْبَائِعَ عَلَى تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَنْ أَجَلِهِ وَهُوَ تَسْلِيفٌ بِنَفْعِ الْهِبَةِ فَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ رَدُّ رُبْعِ الْمَرْكَبِ لِلْمَدِينِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ إنْ فَاتَ وَيَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ دَفْعُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِرَبِّهِ وَإِنْ أَمْكَنَ رَبَّ الدَّيْنِ تَخْلِيصُ حَقِّهِ عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَظْلِمُ وَاشْتَكَاهُ لِظَالِمٍ أَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ قَدْرَ أُجْرَةِ الْعَوْنِ ضَاعَ عَلَى الْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ بِالْمَطْلِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَيْهَا فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَبَّ الدَّيْنِ تَخْلِيصُ حَقِّهِ إلَّا عِنْدَ الظَّالِمِ ضَاعَ الزَّائِدُ عَلَى الْمَدِينِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرَّمَ هَدِيَّتَهُ الْخَرَشِيُّ الضَّمِيرُ لِلْمِدْيَانِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ هَدِيَّةً وَيَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّأْخِيرِ بِزِيَادَةٍ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ هَدِيَّةُ الْمِدْيَانِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُقْتَرِضًا أَيْ آخِذًا لِلْقَرْضِ بَلْ بِقَيْدِ كَوْنِهِ مَدِينًا فَيَشْمَلُ مَدِينَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَجَبَ رَدُّهَا وَإِنْ فَاتَتْ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتِهَا يَوْمَ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ إنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً اهـ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ فِي أَجْوِبَتِهِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَشْيَاخُ فِي الشِّكَايَةِ أَنَّ مَنْ شَكَا لِظَالِمٍ، أَوْ دَلَّهُ عَلَى مَالٍ فَأَخَذَهُ الظَّالِمُ فَالضَّمَانُ ابْتِدَاءً عَلَى الظَّالِمِ لِمُبَاشَرَتِهِ لِلْأَخْذِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الظَّالِمِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ الشَّاكِي؛ لِأَنَّ الشَّكْوَى لِلظَّالِمِ ظُلْمٌ وَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَلْيَطْلُبْهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَظْلِمُ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَإِنْ ظَلَمَ فَرْضًا لَا يَظْلِمُ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ نَعَمْ ذَكَرُوا أَنَّ أُجْرَةَ الْعَوْنِ وَهُوَ رَسُولُ الْقَاضِي عَلَى الظَّالِمِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ ظُلْمُهُ بِمَطْلِهِ مَثَلًا وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْجَزَاءِ ظُلْمٌ لَا يَجُوزُ اهـ. وَأَمَّا فَتْوَى الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فَيُرْجَعُ فِيهِمَا لِمَذْهَبِهِمَا وَيُنْظَرُ هَلْ هُمَا كَفَتْوَى الْمَالِكِيِّ، أَوْ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

اقترض دراهم وسافر ثم مات مقرضه عن ورثة ثم مات في غيبته واستولى وارثه على تركته

[اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ وَسَافَرَ ثُمَّ مَاتَ مُقْرِضُهُ عَنْ وَرَثَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَاسْتَوْلَى وَارِثُهُ عَلَى تَرِكَتِهِ] مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ وَسَافَرَ ثُمَّ مَاتَ مُقْرِضُهُ عَنْ وَرَثَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَاسْتَوْلَى وَارِثُهُ عَلَى تَرِكَتِهِ فَهَلْ لِوَرَثَةِ مُقْرِضِهِ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَتِهِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَأَخْذُ مَا اقْتَرَضَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. . . إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَحْلِفُ وَرَثَةُ الْأَوَّلِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ وَيَأْخُذُونَ مَا لِمُوَرِّثِهِمْ قَهْرًا عَلَى الْوَارِثِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ تَنْفِيذُ ذَلِكَ وَيُقَسِّمُ ذَلِكَ الْمَالَ عَلَى وَرَثَةِ الْمُقْرِضِ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ حَسَنٍ الْجَبَرْتِيِّ الْحَنَفِيِّ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّءُوفِ السُّجَيْنِيِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسَائِلُ الرَّهْنِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الرَّهْنِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَوْلَادٍ عَلَى أَبِيهِمْ مُؤَخَّرُ صَدَاقِ زَوْجَتِهِ غَيْرِ أُمِّهِمْ فَلَمَّا مَاتَ الْأَبُ طَلَبَتْ مُؤَخَّرَ صَدَاقِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ لِكَوْنِ التَّرِكَةِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَرَهَنُوهَا دَارًا غَيْرَ مَسْكَنِهِمْ ثُمَّ مَاتَتْ تِلْكَ الزَّوْجَةُ وَخَلَّفَتْ بِنْتًا فَوَضَعَتْ الْبِنْتُ يَدَهَا عَلَى الدَّارِ وَبَاعَتْهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا مِلْكٌ لِأُمِّهَا فَهَلْ إذَا كَانَ لِلْأَوْلَادِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ وَأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ يَكُونُ لَهُمْ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا دَفْعُ الدَّيْنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُمْ رَدُّ الْبَيْعِ إنْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا دَفْعُ الدَّيْنِ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ فَأَكْثَرَ مَضَى وَلَزِمَ الْأَوْلَادَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءً إنْ لَمْ يَأْذَنُوا لَهَا فِيهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَإِنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ دُونَ مَشُورَتِهِ وَلَا سُلْطَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي الْوَثِيقَةِ أَقَامَهُ مَقَامَ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَالْوَصِيِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ دُونَ مَشُورَةِ السُّلْطَانِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَلَكِنْ إنْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَصَابَ وَجْهَ الْبَيْعِ نَفَذَ وَإِنْ نَصَّ فِي الْوَثِيقَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ الْوَصِيِّ مِنْ غَيْرِ مُشَاوِرَةِ السُّلْطَانِ وَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ عَنْ هَذَا التَّقْدِيمِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُمْنَعُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي الْوَثِيقَةِ وَكُلَّمَا عَزَلَهُ فَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَإِلَّا فَإِنْ عَزَلَهُ سَقَطَ التَّقْدِيمُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا لَا يُغْنِي التَّقْدِيمُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ دُونَ مَشُورَتِهِ وَلَا سُلْطَانَ إذَا كَانَ التَّقْدِيمُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ عَقْدٍ حَاوَلَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةُ إضْرَارٍ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لَجَازَ الشَّرْطُ وَعَمِلَتْ الْوَكَالَةُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهَا عَنْ طَوَاعِيَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو إذَا كَانَ هَذَا التَّقْدِيمُ وَالرَّهْنُ فِي قَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا إذْ قَدْ رَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمُؤْنَةَ فِي بَيْعِهِ وَمَشُورَةِ الْقَاضِي وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاوَرَةِ السُّلْطَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِلْأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ إنْ لَمْ يَقُلْ إنْ لَمْ آتِ كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ وَإِلَّا مَضَى فِيهِمَا قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ مَضَى فِيهِمَا كَانَ لَهُ بَالٌ أَمْ لَا يَخْشَى فَسَادَهُ أَمْ لَا نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُصِيبَ وَجْهَ الْبَيْعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْبَيَانِ أَمَّا إنْ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ فَلَهُ أَخْذُهُ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ كَالشَّفِيعِ اهـ. [طَلَبَ مِنْ آخَرَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فَمَاطَلَهُ فِيهِ فَغَصَبَ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَبَ مِنْ آخَرَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فَمَاطَلَهُ فِيهِ فَغَصَبَ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ

ادعى وكيل الوكيل سرقة الرهن فهل يضمنه الوكيل أو وكيله

الرَّهْنِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ إذَا تَلِفَ، أَوْ حُكْمَ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَا الرَّاهِنِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ سَيِّدِي خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا وَهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ وَبِهِ عُمِلَ، أَوْ عَلَى التَّحْوِيزِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ الرَّهْنُ كَالْبَيْعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الرُّكْنُ الْخَامِسُ الصِّيغَةُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا لَفْظُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ انْتَهَى. [ادَّعَى وَكِيلُ الْوَكِيلِ سَرِقَةَ الرَّهْنِ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ أَوْ وَكِيلُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَوَكَّلَ رَجُلًا عَلَى اقْتِضَاءِ دَيْنِهِ فَأَخَذَ الْوَكِيلُ رَهْنًا يُغَابُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ السَّفَرَ فَوَضَعَهُ عِنْدَ آخَرَ مَعَ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ وَقَالَ أَنْتَ بِمَنْزِلَتِي فِي خَلَاصِ الدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى وَكِيلُ الْوَكِيلِ سَرِقَةَ الرَّهْنِ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ، أَوْ وَكِيلُهُ، أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَضْمَنُهُ وَكِيلُ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى سَرِقَةِ الرَّهْنِ لَا الْوَكِيلُ وَلَا رَبُّ الدَّيْنِ لِعَدَمِ حِيَازَتِهِمَا لِلرَّهْنِ وَعُذِرَ الْوَكِيلُ بِالسَّفَرِ فَيَغْرَمُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ لِرَبِّهِ وَيَتْبَعُ وَكِيلُ الْوَكِيلِ بِقِيمَةِ رَهْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا فِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَكَّلَ آخَرَ فِي قَبْضِ دَرَاهِمَ لَهُ عَلَى آخَرَ فَتَعَذَّرَ ذَهَابُ الْوَكِيلِ لَهُ فَوَكَّلَ آخَرَ عَلَى قَبْضِهَا فَخَلَّصَهَا وَدَفَعَهَا لِآخَرَ لِيُوصِلَهَا لِرَبِّهَا فَصَرَّهَا فِي صُرَّةٍ وَوَضَعَهَا فِي جِرَابٍ مَعَ دَرَاهِمِهِ، وَوَضَعَهُ فِي الْمَرْكَبِ الَّتِي يُرِيدُ يُسَافِرُ فِيهَا وَلَمْ يَنَمْ فِيهَا فَضَاعَ الْجِرَابُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ وَيُعَدُّ مُفَرِّطًا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: يَضْمَنُ الْوَكِيلُ الثَّالِثُ حَيْثُ كَانَ وَضْعُهُ لَهَا فِي الْمَرْكَبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ خِلَافَ مَا يُفْعَلُ فِي مِثْلِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. [لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَاسِبَ الْمُرْتَهِنَ بِمَا أَكَلَهُ مِنْ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ رَهَنَ نَخْلَةً أَوْ نَبْقَةً تَحْتَ يَدِ آخَرَ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا فَهَلْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَاسِبَهُ بِمَا أَكَلَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَيُسْقِطَ مِنْ الدَّيْنِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَاسِبَ الْمُرْتَهِنَ بِمَا أَكَلَهُ مِنْ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَكَلَهُ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ وَبِقِيمَتِهِ إنْ جَهِلَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ الْمِثْلَ لَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْقِيمَةُ يَصِحُّ إسْقَاطُهَا مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُرْتَهِنُ أَكْلَ الثَّمَرَةِ فِي عَقْدِ الْمُدَايِنَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ هَدِيَّةِ الْمَدِينِ، أَوْ اشْتَرَطَهُ مَجَّانًا فِي عَقْدِ الْقَرْضِ لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ مَحْسُوبًا مِنْ الدَّيْنِ فِيهِ لِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ بِشَرْطٍ، أَوْ اشْتَرَطَهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا إذَا كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ وَاشْتَرَطَ أَكْلَ ثَمَرِهِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَالْمُشْتَرَطُ الثَّمَرَةُ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا خَاصَّةً جَازَ مُطْلَقًا أَيْ مَجَّانًا وَمَحْسُوبًا مِنْ الدَّيْنِ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ فِي قَرْضٍ، أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ حَيْثُ وَقَعَ الِاشْتِرَاطُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَعَقْدِ الْقَرْضِ وَكَذَا إنْ وَقَعَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَأَمَّا إنْ وَقَعَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ حَيْثُ عُيِّنَتْ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الثَّمَنِ قَبْلَ طِيبِهِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَمَنْ ارْتَهَنَ شَجَرًا وَاشْتَرَطَ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْعَامِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ سَلَفٍ لَمْ يَجُزْ

رجل ارتهن أرضا من آخر على دراهم وزرعها مدة من السنين وهو يدفع خراجها للملتزم

وَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ وَالثَّمَرَةُ قَدْ طَابَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ سَنَتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَحْسِبُ الْمَنْفَعَةَ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ يَحْسِبُهَا مِنْهُ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ حَيْثُ لَمْ تَفِ الْمَنْفَعَةُ بِهِ فِي الْأَجَلِ جَازَ وَكَذَا إنْ كَانَ عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ يَسْقُطُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي قَرْضٍ مُطْلَقًا، أَوْ فِي بَيْعٍ وَوَقَعَ الِاشْتِرَاطُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوفِيَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْأَجَلِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك الْجَوَابُ فِيمَا سَأَلْت عَنْهُ وَاشْتِرَاطُ الْمُرْتَهِنِ أَخْذُ حَمَامِ الْبُرْجِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ إذْ هُوَ بَيْعٌ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَبَيْعُ حَمَامِ الْبُرْجِ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - انْتَهَى كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَةٍ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ وَتَكُونُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ وَمُحَصِّلُهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَسَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا إنْ اُشْتُرِطَتْ مَجَّانًا وَسَلَفٌ وَإِجَارَةٌ إنْ أُخِذَتْ مِنْ الدَّيْنِ وَأَمَّا أَخْذُ الْغَلَّةِ فَجَائِزٌ فِيهِمَا مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهِ بِخِلَافِ ذَاتِ الْمَنَافِعِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الْجَهَالَةِ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ دَيْنِ الْبَيْعِ وَالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ هِبَةَ مِدْيَانٍ فِيهِمَا وَمُعَاوَضَةً يَجْرِي عَلَى مُبَايَعَتِهِ فَالْمُسَامَحَةُ حَرَامٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فِي بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَيُعَيَّنُ مُدَّتُهَا فِيهِمَا أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ تُشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، أَوْ يُطَاعَ بِهَا بَعْدَهُ فَيُمْنَعُ فِي سَبْعٍ وَتَجُوزُ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَجَّلْ فِي الْقَرْضِ بِالْأَجَلِ وَدَخَلَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِيَحْسِبَ مِنْ دَيْنِهِ فَأُجِيزُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجَهْلِ فِي الْأَجَلِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَا يَدْرِي الْمُنَاسِبَ إبْدَالَهُ بِأَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَهْلُ فِيهِ لِجَهْلٍ فِي الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إذَا أُجِّلَ كُلٌّ بِأَجَلٍ وَدَخَلَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ فَضْلَةٌ يُوفِيهِ بَقِيَّةَ الدَّيْنِ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ يَبِيعُ الرَّهْنَ أُجِيزُ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ يُوفِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ يُعْطِيهِ شَيْئًا مُؤَجَّلًا امْتَنَعَ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي الْمُؤَخَّرِ لَا فَرْقَ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْفَاضِلَ يُتْرَكُ لِلْمَدِينِ جَازَ فِي الْقَرْضِ دُونَ الْبَيْعِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل ارْتَهَنَ أَرْضًا مِنْ آخَرَ عَلَى دَرَاهِمَ وَزَرَعَهَا مُدَّةً مِنْ السِّنِينَ وَهُوَ يَدْفَعُ خَرَاجَهَا لِلْمُلْتَزِمِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ارْتَهَنَ أَرْضًا مِنْ آخَرَ عَلَى دَرَاهِمَ وَزَرَعَهَا مُدَّةً مِنْ السِّنِينَ وَهُوَ يَدْفَعُ خَرَاجَهَا لِلْمُلْتَزِمِ فَهَلْ لِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَتُحْسَبُ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُرْتَهِنِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ ذَلِكَ فَمَا مِثَالُ مَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهَلْ إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ وَلَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا تَضِيعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ دَرَاهِمُهُ فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْفَيُّومِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. . . لِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ بِالْأُجْرَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ وَلَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا فَلَا تَضِيعُ الدَّرَاهِمُ بَلْ لَهُ أَخْذُ الْأَرْضِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ -، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ طِينًا خَرَاجِيًّا عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَزَرَعَهُ الْمُرْتَهِنُ سَنَةً ثُمَّ تَرَكَهُ بِلَا حَرْثٍ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ مُدَّعِيًا عِلْمَ الرَّاهِنِ بِذَلِكَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَهَلْ خَرَاجُهُ يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. . . الْحَقُّ فِي غَلَّةِ الرَّهْنِ لِرَبِّهِ لَا لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَالُ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَتْ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَرْثِ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ شَيْءٌ

رهن الطين في الدراهم

مِنْ الْخَرَاجِ مُدَّةَ الْبَوَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ السِّجَاعِيُّ الشَّافِعِيُّ. [رَهْنُ الطِّينِ فِي الدَّرَاهِمِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رِزْقِهِ بَعْضُهَا عَلَى عَمَلٍ وَبَعْضُهَا عَلَى الْبِرِّ وَالصَّدَقَةُ رَهَنَهَا عِنْدَ آخَرَ فِي دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ وَعَقَارٍ لَا يُوفِي بِهَا فَهَلْ تَضِيعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ عَنْ مُدَّةِ زِرَاعَتِهِ فِيهَا زِيَادَةً عَنْ الْخَرَاجِ حَسْبَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَحَلِّ وَإِذَا فَدَى رَجُلٌ سِلْعَةً مِنْ نَحْوِ غَاصِبٍ بِدَرَاهِمَ قَاصِدًا الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى رَبِّ السِّلْعَةِ ثُمَّ تَنَازَعَا فَلِمَنْ يَكُونُ الْقَوْلُ مِنْهُمَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. . . رَهْنُ الطِّينِ فِي الدَّرَاهِمِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ الْآنَ بَيْنَ النَّاسِ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُحَاسَبُ الْمُرْتَهِنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى الْخَرَاجِ وَيَحْسِبُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ وَيَرْجِعُ الطِّينُ لِأَصْلِهِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ رَجَعَ بِهِ فِي التَّرِكَةِ وَيَرْجِعُ لِلْمُحَاسَبَةِ وَالْقَوْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُ دَافِعِ الدَّرَاهِمِ بِيَمِينِ أَنَّهُ دَفَعَ لِيَرْجِعَ بِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ يُمْكِنُ تَخْلِيصُ السِّلْعَةِ بِلَا شَيْءٍ أَخَذَهَا رَبُّهَا وَضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى الدَّافِعِ أَوْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهَا إلَّا بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يَأْخُذْهَا رَبُّهَا إلَّا إذَا دَفَعَهَا لِمَنْ خَلَّصَهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ -. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يُفْعَلُ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ مِنْ دَفْعِ الرَّجُلِ لِآخَرَ دَرَاهِمَ وَيَأْخُذُ مِنْهُ قِطْعَةَ أَرْضٍ يَزْرَعُهَا وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ رَهْنًا وَكُلَّمَا طَلَبَ رَبُّ الْأَرْضِ دَرَاهِمَ يَدْفَعُهَا لَهُ وَيَضُمُّهَا إلَى الدَّرَاهِمِ الْأُولَى فَإِذَا أَتَى رَبُّ الْأَرْضِ بِجَمِيعِ الدَّرَاهِمِ أَخَذَ أَرْضَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ، أَوْ فَاسِدٌ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْفَسَادِ فَهَلْ إذَا تَلِفَتْ الْأَرْضُ بِأَنْ أَخَذَهَا الْبَحْرُ يَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ تَضِيعُ عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ ذَلِكَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ وَإِذَا أَخَذَ الْبَحْرُ الْأَرْضَ فَضَمَانُهَا مِنْ رَبِّهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا دَخْلَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُ دَرَاهِمِهِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ لَكِنْ تُحْسَبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي زَرَعَهَا فِيهَا مِنْ ابْتِدَاءِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا إلَى أَخْذِ الْبَحْرِ إيَّاهَا فَيَتَقَاصَّانِ وَمَنْ زَادَ لَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ رَهَنَ طِينًا لِرَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الْآخَرَ رَهَنَ ذَلِكَ الطِّينَ وَصَارَ يَزْرَعُهُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي ثَمَانِ سِنِينَ فَهَلْ إذَا أَرَادَ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ دَفْعَ مَا رَهَنَ بِهِ الطِّينَ وَأَخَذَهُ يُجَابُونَ لِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُجَابُونَ لِذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِفَسَادِ الرَّهْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ صَرِيحُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَتُحْسَبُ أُجْرَةُ الثَّمَانِ سِنِينَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ دَيْنِهِ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ دَفَعَهُ لِوَرَثَةِ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ زَرَعَ قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ الثَّانِي وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ اسْتَوَى الدَّيْنَانِ الْمَرْهُونُ فِيهِمَا، فَإِنْ زَادَ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَةَ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ إلَّا مَا عَلَى مُوَرِّثِهِمْ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِبَاقِي دَيْنِهِ وَإِنْ زَادَ الْأَوَّلُ دَفَعَ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ مَا عَلَى مُوَرِّثِهِمْ وَهُوَ يَدْفَعُ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي مَا لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ لِلْمُرْتَهِنِ

مسائل الشركة

الثَّانِي قَدْرَ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فِي دَيْنٍ مِنْ بَيْعٍ وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَغَابَ الرَّاهِنُ إلَى انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَزِيَادَةٍ عَلَيْهَا وَمَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَأَرَادَ وَلِيُّ الْوَلَدِ أَخْذَ الْعَبْدِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَهَلْ لَهُ مُحَاسَبَتُهُ بِالْمَنْفَعَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَإِسْقَاطُهَا مِنْ الْقَدْرِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ مُحَاسَبَةُ الْمُرْتَهِنِ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَإِسْقَاطُهَا مِنْ الْقَدْرِ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَلِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَةٍ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ وَتَكُونُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ وَمُحَصِّلُهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ ثُمَّ قَالَ وَرَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الشَّرِكَةِ] [رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي غَرْسِ أَرْضٍ شَجَرًا ثُمَّ مَاتَ الشَّجَرُ وَصَارَتْ الْأَرْضُ بَرَاحًا ثُمَّ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الشَّرِكَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي غَرْسِ أَرْضٍ شَجَرًا ثُمَّ مَاتَ الشَّجَرُ وَصَارَتْ الْأَرْضُ بَرَاحًا ثُمَّ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِبَعْضِ الْأَرْضِ وَحَدَّدَتْهُ بِحُدُودٍ وَالْآخَرُ لَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَسُلِّمَ لِلْأَوَّلِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْجُزْءُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ النِّصْفَ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ قَضَى لِمُدَّعِي الْكُلِّ بِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَلِلْآخَرِ بِالرُّبْعِ؛ لِأَنَّ تَنَازُعَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي النِّصْفِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمَشْهُودُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا مَا زَادَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَحَيْثُ كَانَتْ الْأَرْضُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ الصَّالِحَةِ لِزِرَاعَةِ الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا فَالْقَضَاءُ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَةِ مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لِذَاتِهَا؛ لِأَنَّهَا وُقِفَتْ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ كَمِصْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي حَيَوَانٍ وَالْتَزَمَ أَحَدُهُمَا النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَبَعْدَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ أَرَادَ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ الرُّجُوعُ فَمَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَعَزَاهُ لِلْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْإِمَامِ مَا يَلْزَمُهُ، أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَسَأَلْت السَّائِلَ عَنْ صُورَةِ الشَّرِكَةِ هَلْ كَانَتْ بِاشْتِرَائِهِمَا، أَوْ قَبُولِهِمَا الْحَيَوَانَ مِنْ نَحْوِ صَغِيرٍ، أَوْ كَانَتْ بِدَفْعِ أَحَدِهِمَا حَيَوَانَهُ الصَّغِيرَ مَثَلًا لِيُرَبِّيَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ فَقَالَ كَانَتْ بِاشْتِرَائِهِمَا وَدَفَعَ لِي وَرَقَةً بِخَطِّ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ وَخَتْمِهِ فِيهَا مَا نَصُّهُ: سُئِلْت عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بَهِيمَةٍ وَالْتَزَمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ نَفَقَتَهَا ثُمَّ بَعْدَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ مُحَاسَبَةَ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى حِصَّتِهِ فِي الْبَهِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ فَأَجَبْت: بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ الْتَزَمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْإِنْفَاقَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ

لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ، أَوْ يَمُتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُنْفِقِ، أَوْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْلِسْ، أَوْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ، أَوْ يَمُتْ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الْبَهِيمَةِ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ لَا مُحَاسَبَةَ لَهُ لِلْمُنْفِقِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى وَأَسْلَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِاشْتِرَاءٍ فَالْوَاجِبُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنَّصُّ الَّذِي فِيهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْتِزَامَاتِ الْحَطَّابِ، وَلَيْسَ فِيهِ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْرِيجُ حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ فَالْمُفْتِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ بِخَيْرٍ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الْوُجُوهِ الْحِسَانِ سَبَبُهُ فَسَادُ التَّصَوُّرِ وَالْحَسَدِ. وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إنَّهُ لَدَمِيمٌ وَأَنْتَ أَيُّهَا السَّائِلُ يَلْزَمُك التَّوْبِيخُ وَالزَّجْرُ وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِدَفْعِ أَحَدِهِمَا حَيَوَانَهُ الصَّغِيرَ لِيُرَبِّيَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ فَلَيْسَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ بِصَحِيحٍ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لِلْمُنْفِقِ الْمُرَبِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى دَافِعِ الْحَيَوَانِ بِنَفَقَةِ وَأُجْرَةِ تَرْبِيَةِ الْجُزْءِ الَّذِي بَقِيَ لِلدَّافِعِ وَعَلَى الْمُنْفِقِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَةَ الْجُزْءِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ يَوْمَ الْعَقْدِ إنْ جَعَلَهُ لَهُ مِنْ حِينِهِ وَيَوْمَ تَمَامِ التَّرْبِيَةِ إنْ جَعَلَهُ لَهُ حِينَهَا وَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ بَلْ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَفَسَادُهَا لِلْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ رَضِيعٌ وَإِنْ مِنْ الْآنَ. قَالَ الْخَرَشِيُّ عَطْفٌ عَلَى ثَوْبٍ أَيْ وَكَذَلِكَ تَكُونُ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى إرْضَاعِ حَيَوَانٍ صَغِيرٍ صَامِتٍ، أَوْ نَاطِقٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ قَبَضَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الْآنَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَتَعَذَّرُ رَضَاعُهُ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهِ كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ بِشَرْطٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِلْغَرَرِ انْتَهَى قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْفَرَارِيجِ تُدْفَعُ لِمَنْ يُرَبِّيهَا بِجُزْءٍ كَالنِّصْفِ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ جَعَلَ الْمُعْطِي لِلْآخِذِ النِّصْفَ مِنْ الْآنَ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَتْ فَلِلْمُعْطَى قِيمَةُ النِّصْفِ يَوْمَ الْإِعْطَاءِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِنْ جَعَلَ لَهُ النِّصْفَ بَعْدَ التَّرْبِيَةِ وَفَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ التَّرْبِيَةِ أَيْضًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَهُ جَمِيعُ الْفَرَارِيجِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الرَّضِيعِ فَكَلَامُ التَّوْضِيحِ فِي الرَّضِيعِ تَجْرِي هَذِهِ عَلَيْهِ: وَفِي التَّتَّائِيِّ إنَّ إعْطَاءَ الْفَرَارِيجِ لِلْفَلَّاحِينَ عَلَى النِّصْفِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ مَلَّكُوهُمْ إيَّاهَا مِنْ الْآنَ، أَوْ بَعْدَ التَّرْبِيَةِ وَهِيَ مِلْكُ رَبِّهَا وَعَلَيْهِ لِلْمُرَبِّي أُجْرَةُ التَّرْبِيَةِ، كَذَا يَظْهَرُ وَمُقْتَضَى مَا فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الرَّضِيعِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الشَّبْرَخِيتِيِّ فَإِنْ مَاتَ الرَّضِيعُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ مَلَكَهُ مِنْ الْآنَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ يَدْفَعُهُ لِرَبِّهِ وَلَهُ أُجْرَةُ رَضَاعِ نِصْفِهِ أَيْ لَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي رَضَعَهَا وَإِنْ مَلَكَهُ لَهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا أَرْضَعَهُ وَمُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ

وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَأَمَّا إنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِطَامِ وَلَهُ أُجْرَةُ رَضَاعِ مِثْلِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْحَطَّابِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَاجِرٍ بِمِصْرَ أَرْسَلَ لَهُ شَرِيكُهُ رَقِيقًا مِنْ أَسْيُوطَ لِلتِّجَارَةِ فِي مَرْكَبٍ وَفِيهِ رَقِيقٌ أَرْسَلَهُ بَعْضُ تُجَّارِ أَسْيُوطَ لِشَرِيكِهِ بِمِصْرَ أَيْضًا، فَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْ التَّاجِرَيْنِ الْمُرْسَلَ لَهُمَا مَا أَرْسَلَهُ لَهُ شَرِيكُهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ فَمَرِضَتْ أَمَةٌ مِمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فَنَجَزَ عِتْقَهَا مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لِشَرِيكِهِ مَا يَخُصُّهُ فِيهَا مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا غَلِطَا فِي تَمْيِيزِ الْإِمَاءِ وَأَنَّ الْمُعْتَقَةَ لَيْسَتْ مِنْ إمَاءِ الْمُعْتِقِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ إمَاءِ الْآخَرِ فَمَا حُكْمُ هَذَا الْعِتْقِ ابْتِدَاءً وَبَعْدَ الْوُقُوعِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حُكْمُ هَذَا الْعِتْقِ ابْتِدَاءً مِنْ فُرُوعِ الشَّرِكَةِ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ مِنْ فُرُوعِ الِاسْتِحْقَاقِ فَأَمَّا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَعَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي الْكُلِّ وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ وَهَذَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ مَنْعِ عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى مَالٍ مِنْهُ وَنَصُّهُ كَكِتَابَةٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالِ الْخَرَشِيُّ تَشْبِيهٌ فِي الْمَنْفِيِّ أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ عَلَى مَالٍ مِنْ عِنْدِ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَخْذَهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِثْلُ الْقِيمَةِ فَأَكْثَرَ جَازَ كَبَيْعِهِ قَالَ الشَّارِحُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ عِتْقُهُ، وَيَلْزَمَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةُ حِصَّتِهِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ. وَهَذَا لَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ وَأَمَّا حُكْمُهُ بَعْدَ تَبَيُّنِ الْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَاءِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِمَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمَةَ لَهُ نَقْضُ عِتْقِهَا، فَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ قُلْت فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ بَنَى دَارِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَلَهُ هَدْمُهُ كَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ فَلِرَبِّهِ نَقْضُ الْعِتْقِ وَنَحْوُهُ لِلتَّتَّائِيِّ عَنْهَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي جَامُوسَةٍ وَدَفَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ ثَمَنِهَا وَوَضَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ بَاعَاهَا وَأَرَادَ وَاضِعُ الْيَدِ الِاسْتِبْدَادَ بِزَائِدِ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْكُلْفَةِ وَيُسَمُّونَهُ فِي الْعُرْفِ الْعَشَرَةَ أَحَدَ عَشَرَ وَهُوَ جَارٍ بِذَلِكَ فَهَلْ يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ وَهَلْ تُحْسَبُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأُجِيبُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرِيعَةِ وَيُقَسَّمُ الرِّبْحُ الزَّائِدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى حَسَبِ رَأْسِ الْمَالَيْنِ وَتُحْسَبُ الْكُلْفَةُ وَالْغَلَّةُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ زَادَتْ الْغَلَّةُ عَلَى التَّكْلِفَةِ اتَّبَعَ وَاضِعَ الْيَدِ بِنِصْفِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ زَادَتْ الْكُلْفَةُ اتَّبَعَ وَاضِعُ الْيَدِ الْآخَرَ بِنِصْفِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ وَالْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ خَالَفَهُ وَاحِدٌ مِمَّا ذَكَرَ فُسِخَتْ وَتَرَاجَعَا بَعْدَ الْعَمَلِ بِنِسْبَةِ الْمَالِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ مَعَ شَرْحِهَا لِلتَّتَّائِيِّ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ الْحَاصِلُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ يُفَضُّ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِقَدْرِ أَصْلِ الْمَالَيْنِ وُجُوبًا تَسَاوَيَا، أَوْ تَفَاوَتَا وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ عَقْدِهَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ خَمْسِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى النِّصْفِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَالُ نِصْفَيْنِ وَاشْتَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَإِنْ عَمِلَا فُضَّ الرِّبْحُ عَلَى الْمَالَيْنِ وَيَرْجِعُ إنْ قُبِضَ

وَلِكُلِّ أَجْرٍ عَمَلُهُ فَفِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ يَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَى ذِي الثُّلُثَيْنِ بِأُجْرَةِ السُّدُسِ عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعَمَلِ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. وَفِي مَسَائِلِ سَيِّدِي عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بَقَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا رُبْعُهَا وَبَاقِيهَا لِلْآخَرِ وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الرُّبْعِ يُمَوِّنُهَا دَائِمًا وَكُلَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا لَبَنٌ يَأْخُذُ نِصْفَهُ فِي نَظِيرِ مِلْكِهِ مِنْهَا وَفِي نَظِيرِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا وَلِلشَّرِيكِ الْآخَرِ نِصْفُ اللَّبَنِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ إذَا حَصَلَ مَا ذُكِرَ وَإِذَا سَكَنَ رَجُلٌ فِي دَارٍ مُدَّةً وَلَهُ شُرَكَاءُ أَعْرَضُوا عَنْهُ مُدَّةً وَلَمْ يُؤَجِّرُوهَا لَهُ وَلَا سَأَلُوهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا فَهَلْ لَهُمْ مُطَالَبَةٌ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَيْنِ فِي جَمَلٍ، أَوْ بَقَرَةٍ وَصَارَ أَحَدُهُمَا يُمَوِّنُ ذَلِكَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى حِصَّتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى هَذِهِ الْبَقَرَةِ، أَوْ هَذَا الْجَمَلِ أَمْ لَا شَيْءَ لَهُ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ الرُّجُوعُ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا أَنْفَقَهُ أَمْ الْقَوْلُ قَوْلُ شَرِيكِهِ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ جَعْلُ نِصْفِ اللَّبَنِ لِصَاحِبِ الرُّبْعِ فِي نَظِيرِ نَفَقَتِهِ وَفِي مِلْكِهِ وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ رَجَعَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ عَلَى صَاحِبِ الرُّبْعِ بِعِوَضِ رُبْعِ لَبَنِهِ وَيَرْجِعُ صَاحِبِ الرُّبْعِ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ زَائِدًا عَنْ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَالْغَلَّةَ لَهُمْ كَذَلِكَ وَلِلشُّرَكَاءِ فِي الدَّارِ مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ بِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى مُسَامَحَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا يَجِيءُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى تَبَرُّعِهِ بِذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فِيمَا يُشْبِهُ بِيَمِينِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَخْصَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بَهِيمَةٍ وَاشْتَرَطَا أَنْ تَكُونَ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا وَلَا كُلْفَةَ لَهَا أَصْلًا، أَوْ لَهَا كُلُّ عَامٍ كَذَا شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَا تَعْيِينَ لِحَدِّ زَمَنِ كُلْفَتِهَا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ إذَا وَقَعَ بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ غَلَّتُهَا مِنْ عَمَلٍ وَلَبَنٍ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَلِمَنْ الْتَزَمَ الْكُلْفَةَ الرُّجُوعُ عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَا مَضَى ثُمَّ وَإِنْ كَانَ مَنْ الْتَزَمَ بِالْكُلْفَةِ يَخْتَصُّ بِالْغَلَّةِ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِلْجَهَالَةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ، وَالْكُلْفَةُ عَلَيْهِمَا وَالْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ نَصِيبِ كُلٍّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي طَاحُونَةٍ فَتَغَلَّبَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَصَارَ يَسْتَغِلُّهَا وَيَمْنَعُ شَرِيكَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ قَهْرًا عَنْهُ نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ فَهَلْ لِلشَّرِيكِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الِاسْتِغْلَالِ مُطَالَبَةُ الشَّرِيكِ الْمُسْتَغِلِّ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَلَّةِ الْمَاضِيَةِ حَيْثُ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلشَّرِيكِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْغَلَّةِ الرُّجُوعُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُسْتَغِلِّ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ غَلَّةِ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ سُئِلَ شَيْخُنَا الزَّرْقَانِيُّ عَنْ رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا طَاحُونٌ، أَوْ مَنْزِلٌ فَسَكَنَ أَحَدُهُمَا

فِيهِ مُدَّةً دُونَ الْآخَرِ فَأَرَادَ الْآخَرُ إخْرَاجَهُ وَالسُّكْنَى بِقَدْرِ مَا سَكَنَ فَامْتَنَعَ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُسْكِنَ شَرِيكَهُ قَدْرَ مَا سَكَنَ وَإِذَا كَانَتْ سُكْنَاهُ الْمُدَّةَ الْمَاضِيَةَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلَهُ فِي حِصَّتِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُؤَجِّرَ لِلْآخَرِ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا أَكْرَى عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ مُشْتَرِكِينَ فِي عَقَارٍ وَغَيْرِهِ وَرِثُوهُ عَنْ أَبِيهِمْ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمْ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا ذُكِرَ وَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا وَفِي عِصْمَتِهِ الْآنَ وَاحِدَةٌ ادَّعَى أَنَّ لَهَا طَوْقًا وَخِزَامًا صَرَفَهُمَا فِي الدَّارِ وَكَتَبَ لَهَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ بَعْضَ الطِّينِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخَوَيْهِ فَهَلْ لَهُمَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا تَزَوَّجَ بِهِ النِّسْوَةَ وَمَا كَتَبَهُ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الطِّينِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِأَخَوَيْهِ مُحَاسَبَتُهُ بِمَا تَزَوَّجَ بِهِ النِّسْوَةُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ مَا كَتَبَهُ لِزَوْجَتِهِ مِنْ الطِّينِ وَلَا يَسْرِي عَلَيْهِمْ إقْرَارُهُ بِالطَّوْقِ وَالْخِزَامِ لَهَا لِاتِّهَامِهِ فِيهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ اكْتَسَبَا مَالًا فِي حَيَاةِ وَالِدِهِمَا وَعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَحَجَّ أَحَدُهُمَا بِعَائِلَتِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِمَا وَحَجَّ الْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِإِذْنِ أَخِيهِ وَرِضَاهُ بِمَا يُنْفِقُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَمَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ فَأَرَادَ عَمُّهُمْ الْحَاجُّ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِمَا الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَنْفَقَهَا أَبُوهُمْ فِي حَجِّهِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِتَبَرُّعِهِ لِأَخِيهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِمَّا أَنْفَقَهُ فِي حَجِّهِ حَيْثُ ثَبَتَ إذْنُهُ وَرِضَاهُ وَالتَّبَرُّعُ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْبَعَةِ إخْوَةٍ اكْتَسَبُوا مَالًا فِي حَيَاةِ أَبِيهِمْ وَكُلٌّ عَلَى حِدَتِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَرَادَ أَبُوهُمْ جَمْعَهُمْ فَخَلَطُوا أَمْوَالَهُمْ وَفِيهِمْ وَاحِدٌ عَاجِزٌ لَا يَكْتَسِبُ وَكَتَبُوا وَثِيقَةً بِأَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الْعُزْلَةَ لَا شَيْءَ لَهُ فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْعُزْلَةَ لَا شَيْءَ لَهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، أَوْ لَهُ مَالُهُ وَيُلْغَى الشَّرْطُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْعُزْلَةَ فَلَهُ مَالُهُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَمْوَالُ الَّتِي خَلَطُوهَا مُسْتَوِيَةً فَذَاكَ وَإِلَّا تَحَاسَبُوا فَمَنْ لَهُ زِيَادَةُ عَمَلٍ رَجَعَ بِأُجْرَتِهَا وَمَنْ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ رَجَعَ بِتَمَامِهَا وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ مُفْسِدٌ لِلشَّرِكَةِ وَمُوجِبٌ لِفَسْخِهَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَتَبَ فِي الْوَثِيقَةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ فِي الْمَالِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْأَمْوَالُ مُسْتَوِيَةً فِي الْوَاقِعِ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ وَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تَفْسُدُ إذَا وَقَعَتْ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عِشْرِينَ مَثَلًا وَالْآخَرُ عَشْرَةً وَشَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ وَالْعَمَلِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يُفْسَخُ وَبَعْدَ الْعَمَلِ يُقَسَّمُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْعِشْرِينَ بِفَاضِلِ الرِّبْحِ وَهُوَ سُدُسُهُ وَيَنْزِعُهُ مِنْ صَاحِبِ الْعَشَرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ لِيُكْمِلَ لَهُ ثُلُثَاهُ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ

الشركة في البهائم

الْعَشَرَةِ بِفَاضِلِ عَمَلِهِ فَيَأْخُذُ سُدُسَ أُجْرَةِ الْمَجْمُوعِ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ تَفْسُدُ الشَّرِكَةُ إذَا اسْتَوَى الْمَالَانِ وَشُرِطَ التَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَهُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَمَفْهُومُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَأَنَّهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ وَالتَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ فِي الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ قَبْلَهُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَلَاثَةِ رِجَالٍ مُشْتَرِكِينَ فِي جَمَلٍ عَلَى السَّوِيَّةِ يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ الْأَمْتِعَةَ فِي طَرِيقِ الْحِجَازِ فَوَصَلُوا دَارًا مَشْهُورَةً بِأَنَّ الْجِمَالَ إذَا أَكَلَتْ حَشِيشَهَا تَمُوتُ فَأَرَادَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلْفَ الْجَمَلِ مِنْهُ وَامْتَنَعَ الثَّالِثُ مِنْهُ فَعَلَفَاهُ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَأَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَتَرَكُوهُ فَهَلْ يَضْمَنَانِ لَهُ حِصَّتَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأُجِيبُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَضْمَنَانِ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ قِيمَةِ الْجَمَلِ يَوْمَ تَعَدِّيهِمَا عَلَيْهِ بِإِطْعَامِهِ مَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ كَمَا يَضْمَنُ الرَّاعِي بِمُخَالَفَةِ مَرْعًى شُرِطَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الشَّرِكَةِ فِي الْبَهَائِمِ] وَفِي الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ الزَّوَاوِيُّ عَنْ الشَّرِكَةِ فِي الْبَهَائِمِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْبَهَائِمِ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ بَهِيمَتِي عَلَى أَنْ تَخْدُمَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَك جُزْءٌ مَعْلُومٌ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ الْآنَ وَتَصَرَّفْ فِيهِ كَيْفَ شِئْت. الثَّانِي أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَا شَيْءَ لَك إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَالْأَوَّلُ جَائِزٌ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْخَلَفَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَذَلِكَ فَاسِدٌ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ عَدَمُ الْخَلَفِ، وَالثَّانِي فَاسِدٌ لِلتَّحْجِيرِ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهِ فَسَخَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السُّوقُ، أَوْ تَتَغَيَّرْ الْبَهِيمَةُ فِي ذَاتِهَا فَإِنْ فَاتَتْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْبَهِيمَةِ فِي ذَاتِهَا. وَالثَّالِثُ فَاسِدٌ لِلتَّحْجِيرِ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهِ فَسَخَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السُّوقُ، أَوْ تَتَغَيَّرْ الْبَهِيمَةُ فِي ذَاتِهَا فَإِنْ فَاتَتْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَالْوَاجِبُ رَدُّهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الْبَهِيمَةِ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ لَهُ الْبَاقِيَ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْخِدْمَةُ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. الثَّانِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْخَلَفُ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى غَيْرَ مُحْجَرٍ عَلَيْهِ. الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ لَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهَا إلَّا لِمَوَاضِعَ مَعْلُومَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ. الْخَامِسُ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْقِيَامَ بِنَسْلِهَا فَإِذَا سَقَطَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ يَجِبُ فَسْخُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْبَهِيمَةِ بِالْإِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْجُزْءِ الْمُشْتَرَى وَيَرْجِعُ بِإِجَارَةِ الْمِثْلِ عَلَى رَبِّهَا فِي الْبَاقِي. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ لَهُ جُزْءَ بَقَرَةٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ نَاقَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَلَفُ لِلْمُشْتَرِي وَيَدْفَعُ لِرَبِّ الْبَقَرَةِ، أَوْ الشَّاةِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ السَّمْنِ وَالزُّبْدِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ مِنْ عَيْنِ الزُّبْدِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ إبَّانِ اللَّبَنِ، أَوْ اللَّبَنُ فِي الْبَقَرَةِ، أَوْ الشَّاةِ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الزُّبْدِ مَعْلُومًا بِالْعَادَةِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ بِخَلَفٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ وَكَذَلِكَ أَنْ تُدْفَعَ لَهُ بَقَرَةٌ وَيَكُونَ لَهُ لَبَنُهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ زُبْدِهَا، أَوْ سَمْنِهَا انْتَهَى وَتَأَمَّلْهُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَمْسَةِ إخْوَةٍ وَرِثُوا مَالًا وَصَارُوا يَعْمَلُونَ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ ثُمَّ خَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَدًا

فَكَبِرَ وَأَخَذَ فِي النِّظَامِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ مَعَ إخْوَتِهِ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ مِنْ الدِّيوَانِ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ لِأَعْمَامِهِ حِصَّةٌ فِيهَا أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ حِصَّةٌ فِيهَا فَهَلْ يَقْسِمُونَ الْمَالَ وَيَأْخُذُ الْوَلَدُ حِصَّةَ أَبِيهِ مِنْ الْمَالِ وَرِبْحَهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا حَقَّ لِأَعْمَامِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ وَيُجْبَرُونَ عَلَى قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَيَأْخُذُ الْوَلَدُ حِصَّةَ أَبِيهِ بِرِبْحِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَارِثٌ سِوَاهُ وَإِلَّا قُسِمَتْ حِصَّتُهُ عَلَى حَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي مَوَاشٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ حِصَّتِهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ الْمَوَاشِي لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلْ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ الْمَوَاشِي يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَوَاشِيَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَيْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ أَوْ الْبَقَرِ الْمُشْتَرَكَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ بَلْ شَرِيكُهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا بَاعَ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي تِجَارَةٍ وَبَاعُوا بَعْضًا مِنْهَا وَقَبَضُوا فِي ثَمَنِهِ دَرَاهِمَ تَنْقُصُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ شِرَاءَ سِلْعَةٍ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَوْهُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ وَأَمَرُوهُ أَنْ يَدْفَعَهَا بِالْكَمَالِ وَأَلَّا يُبْقِيَهَا عِنْدَهُ حَتَّى يَرُدُّوهَا لِمَنْ قُبِضَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا فَلَمْ تَرْجُ مَعَهُ فَصَرَّهَا فِي صُرَّةٍ وَحْدَهَا وَوَضَعَهَا مَعَ دَرَاهِمِهِ فَضَاعَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ بِعَيْنِهَا فَهَلْ تَلْزَمُهُ وَحْدَهُ، أَوْ تَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى ضَيَاعِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَمِينٍ وَتَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ بِحَسَبِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ وَالْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ وَصُدِّقَ بِيَمِينٍ فِي التَّلَفِ وَالْخُسْرِ إلَّا لِقَرِينَةٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ شَرِيكٍ لِآخَرَ فِي نَاقَةٍ بَاعَهَا بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا جَمَلَيْنِ وَمَاتَا ثُمَّ أَعْلَمَ شَرِيكَهُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَرْضَ بِمَا فَعَلَهُ، فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَضْمَنُ الْبَائِعُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ النَّاقَةِ يَوْمَ بَيْعِهَا لِتَعَدِّيهِ بِالْبَيْعِ بِلَا إذْنٍ وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ سَلْمُونٍ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ أَرْضًا مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ غَائِبًا وَبَنَى فِيهَا الْمُشْتَرِي طَاحُونًا وَلَمَّا حَضَرَ الْغَائِبُ أَرَادَ الْبَيْعَ فِي نَصِيبِهِ وَأَخَذَهُ مَجَّانًا وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَزْعِ آلَةِ الطَّاحُونِ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ لَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَقْلِ الطَّاحُونِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ ثَبَتَ عِلْمُهُ بِحَقِّ الْغَائِبِ حِينَ الشِّرَاءِ فَلِمَنْ كَانَ

غَائِبًا إلْزَامُهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ وَنَقْلِ أَنْقَاضِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا مَطْرُوحًا مِنْهَا أُجْرَةُ مِثْلِ مَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَإِلَّا فَلَا طَرْحَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِلْمُهُ بِهِ فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ مُجَاوِرَةٌ لِأَرْضِ آخَرَ أَرَادَ أَحَدُهُمَا غَرْسَ أَرْضِهِ نَخْلًا وَالْآخَرُ بِنَاءَ أَرْضِهِ بَيْتًا وَطَلَبَ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ حَائِطًا يَتَمَيَّزُ بِهَا مِلْكُ كُلٍّ فَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَهُ خُصُوصًا إذَا خَافَ مِنْ اللُّصُوصِ وَأَرَادَ مَنْعَهُمْ بِالْحَائِطِ، وَإِذَا تَرَكَ أَحَدُ جَارَيْنِ فِي دَارَيْنِ دَارِهِ خَرِبَةً فَهَلْ يُلْزِمُهُ سُكْنَاهَا أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فَهَلْ إذَا أَرَادَ غَرْسَ دَارِهِ نَخْلًا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ خَافَ جَارَهُ تَوَصُّلَ اللُّصُوصِ لِدَارِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا سَقَطَ جِدَارٌ بَيْنَ جَارَيْنِ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ بِلَبِنٍ وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَبْنِيهِ مَعَك بِأَخَفَّ مِنْ اللَّبِنِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى بِنَاءِ اللَّبَنِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ . فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُ الْجَارَ مُشَارَكَةُ جَارِهِ فِي بِنَاءِ الْحَائِطِ السَّاتِرَةِ لِدَارِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَارَ أَيْضًا إسْكَانُ بَيْتِهِ وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ يَقَعُ مِنْهُ فِي حَالِ خُلُوِّهِ وَيَسُوغُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ غَرْسُهَا نَخْلًا وَلَا عِبْرَةَ بِتَوَقُّعِ خَوْفِ الْجَارِ إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ الْقَائِمُ بَيْنَ الْجَارَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا مَعًا إعَادَتُهُ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَإِلَّا كَانَ لَازِمًا لِرَبِّهِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ الْخَرِبَةِ فَعَلَى مَنْ بِجَنْبِهَا الِاحْتِرَاسُ كَمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي انْتَهَى. قَوْلُهُ بِتَوَقُّعِ خَوْفِ الْجَارِ فَإِنْ وَقَعَ الْمُتَوَقَّعُ وَصَارَ النَّخْلُ سُلَّمًا لِلُّصُوصِ قَضَى بِقَطْعِ مَا صَارَ سُلَّمًا مِنْهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِيمَا يُقْضَى بِإِزَالَتِهِ، أَوْ غُصْنِ شَجَرَةٍ وَإِنْ قَدِيمَةً عَلَى الرَّاجِحِ مِمَّا فِي الْأَصْلِ أَتَى لِلْجِدَارِ، أَوْ صَارَ سُلَّمًا لِلِّصِّ انْتَهَى قَوْلُهُ وَإِلَّا كَانَ لَازِمًا لِرَبِّهِ وَحْدَهُ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضَى بِإِعَادَةِ جِدَارِهِ إنْ سَتَرَ غَيْرَهُ وَهَدَمَهُ لِغَيْرِ إصْلَاحٍ لَا إنْ سَقَطَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرِكَةً انْتَهَى. وَسُئِلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَحْرِ أَرْضٌ لِآخَرَ فَطَلَبَ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي إجْرَاءَ الْمَاءِ فِي قَنَاةٍ مِنْ أَرْضِ الثَّانِي لِأَرْضِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُجْبَرُ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ مَجَّانًا وَأَرَادَ مَنْعَهُ إلَّا بَعُوضٍ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) يُجْبَرُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى إجْرَاءِ الْقَنَاةِ فِي أَرْضِهِ لِأَرْضِ الْآخَرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَمَّا مُدَّةُ الْعَشْرِ سِنِينَ الَّتِي مَضَتْ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ وَإِخْوَةٌ وَلَهُمْ طِينُ زِرَاعَةٍ فَاشْتَغَلَ الْأَوْلَادُ وَالْإِخْوَةُ بِالزِّرَاعَةِ وَالرَّجُلُ بِسَدَادِ مَطَالِبِ الدِّيوَانِ وَدَفْعِ الْخَرَاجِ وَاسْتَمَرُّوا مُدَّةً عَلَى ذَلِكَ وَيَأْكُلُونَ مَعَ بَعْضٍ وَلَا مُحَاسَبَةَ بَيْنَهُمْ وَنَشَأَ عَنْ تِلْكَ الزِّرَاعَةِ أَمْوَالٌ وَأَمْتِعَةٌ ثُمَّ إنَّ إخْوَةَ ذَلِكَ الرَّجُلِ طَرَدُوا أَوْلَادَهُ وَمَنَعُوهُمْ مِمَّا نَشَأَ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِلْأَوْلَادِ الْمُقَاسَمَةُ فِيمَا حَدَثَ بِحَسَبِ سَعْيِهِمْ وَزِرَاعَتِهِمْ مَعَهُمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلْأَوْلَادِ مُقَاسَمَةُ أَعْمَامِهِمْ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الزِّرَاعَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْتِعَةِ بِحَسَبِ سَعْيِهِمْ وَزِرَاعَتِهِمْ مَعَهُمْ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ جَبْرُ الْأَعْمَامِ عَلَيْهَا إنْ امْتَنَعُوا مِنْهَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ اشْتَرَكَ مَعَ آخَرَ فِي زَرْعٍ وَالْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْمَحَارِيثُ مِنْ

أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ فَقَطْ مِنْ الثَّانِي وَاشْتَرَطَا أَنَّ الْبَذْرَ وَالْخَرَاجَ يُخْرَجَانِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا بَقِيَ يَقْتَسِمَانِهِ بِحَسَبِ مَا اشْتَرَطَاهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْبَذْرَ أَوَّلًا وَاقْتَسَمَا الْبَاقِيَ كَأَنَّهُ سَلَّفَ صَاحِبَهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْبَذْرِ وَقَدْ لَا يَخْرُجُ إلَّا قَدْرُ الْبَذْرِ، أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الزَّرْعِ كَمَسْأَلَةِ الْخُمَاسِ، وَاجْتِمَاعُ الشَّرِكَةِ وَالسَّلَفِ لَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا غَيْرُ الْحَرْثِ لِلْجَهَالَةِ، وَالْحُكْمُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَجَمِيعُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْمَحَارِيثِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَرِيكَيْنِ فِي بُرْجِ حَمَامٍ بَرِّيٍّ انْهَدَمَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ فَبَنَاهُ أَحَدُهُمَا بِالْقَوَادِيسِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهَلْ لِصَاحِبِهِ قَوَادِيسُ مِثْلُ قَوَادِيسِهِ أَوْ قِيمَتُهَا، أَوْ يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْبُرْجِ كَمَا كَانَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ كَمَا كَانَ لَكِنْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ كُلْفَةِ الْبِنَاءِ مِنْ غَلَّةِ الْبُرْجِ إنْ كَانَ دَعَاهُ لِلْبِنَاءِ مَعَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَهُ وَالْإِذْنُ لَهُ فِيهِ وَاسْتَمَرَّ مُمْتَنِعًا إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ، أَوْ سَكَتَ حِينَهُ بَعْدَ مَنْعِهِ ابْتِدَاءً وَإِلَّا فَمِنْ يَوْمِ تَمَامِ الْبِنَاءِ وَيَرْجِعُ الْبَانِي عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ كُلْفَةِ الْبِنَاءِ فِي ذِمَّتِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْ حُكْمِ مَسْأَلَةِ الرَّحَى الَّتِي فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ شُرَّاحُهُ قَالَ فِيهِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إذْ أَبَيَا فَالْغَلَّةُ لَهُمْ وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي لَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي رَحًى فَانْهَدَمَتْ وَاحْتَاجَتْ إلَى الْإِصْلَاحِ فَأَقَامَهَا أَحَدُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَبَيَا مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ إصْلَاحِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْغَلَّةَ الْحَاصِلَةَ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فِي عِمَارَتِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ نَفَقَتَهُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَوْلُهُ أَحَدُهُمْ أَيْ أَحَدُ الْمُشْتَرِكِينَ وَقَوْلُهُ رَحًى أَيْ مَثَلًا، أَيْ أَوْ دَارًا، أَوْ حَمَّامًا وَقَوْلُهُ إذْ أَبَيَا أَيْ وَقْتَ إبَايَةِ شَرِيكَيْهِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ السِّيَاقِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَمَّرَ مَعَ الْإِذْنِ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا حَصَلَتْ غَلَّةٌ أَمْ لَا. فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ وَقَضَى عَلَى شَرِيكٍ إلَخْ وَالرَّحَى مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى قَوْلُهُ إذْ أَبَيَا قُلْت مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَى إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَتْ الْعِمَارَةُ بَعْدَ إبَايَتِهِمَا وَقَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِالْعِمَارَةِ، أَوْ الْبَيْعِ وَمَا مَرَّ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَمَسَائِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعٌ اُنْظُرْهَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ انْتَهَى. قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نُبَيِّنُهَا فَنَقُولُ الْأُولَى أَنْ يُعَمِّرَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ عِلْمِ صَاحِبِيهِ وَلَمْ يُطْلِعْهُمَا عَلَى الْعِمَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُبْهَمًا فِي الْعِمَارَةِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَنَابُهُمَا مِمَّا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ، أَوْ مِنْ قِيمَةِ مَا عَمَّرَهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا تَقْرِيرَانِ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُعَمِّرَ بِإِذْنِهِمَا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا مَا يُنَافِي إذْنَهُمَا لِانْقِضَاءِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنَابُهُمَا مِمَّا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ فِي ذِمَّتِهِمَا. الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يُعْلِمَهُمَا بِالْعِمَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُجِيزَانِ ذَلِكَ وَحُكْمُ هَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. الرَّابِعَةُ أَنْ يَسْكُتَا حِينَ يَسْتَأْذِنُهُمَا وَحِينَ عِمَارَتِهِ وَحُكْمُهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ. الْخَامِسَةُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمَا فَيَأْبَيَا وَيَسْتَمِرَّانِ عَلَى

ذَلِكَ حَالَ الْعِمَارَةِ أَيْضًا وَفِي هَذِهِ الْغَلَّةِ لَهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ مَا أَنْفَقَ. السَّادِسَةُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمَا فَيَأْبَيَا وَيَسْكُتَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمَا لِلْعِمَارَةِ وَحُكْمُهَا كَالْخَامِسَةِ وَلَا يُقَالُ إنَّ سُكُوتَهُمَا حَالَ الْعِمَارَةِ رِضًا مِنْهُمَا بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَإِذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِمَا أَنْ يَقُولَا نَحْنُ إنَّمَا سَكَتْنَا لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ مِنَّا أَوَّلًا بِالْمَنْعِ كَذَا فِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ يَشْمَلُهُمَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَنْطُوقًا. السَّابِعَةُ أَنْ يَأْذَنَا لَهُ فِي الْعِمَارَةِ وَيَمْنَعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ قَبْلَ اشْتِرَائِهِ مَا يُعَمِّرُ بِهِ فَإِنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ عِمَارَتِهِ بَعْدَ مَنْعِهِمَا ابْتِدَاءً وَاسْتِمْرَارهمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ مَا يُعَمِّرُ بِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِمَنْعِهِمَا لَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ كَذَا فِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ انْتَهَى. وَقَدْ لَخَّصَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ عَمَّرَ أَحَدُهُمْ رَحًى فَالْغَلَّةُ لَهُمْ وَرَجَعَ فِي ذِمَّتِهِمْ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ التَّعْمِيرِ قَبْلَ شِرَاءِ الْمُؤَنِ فَفِي الْغَلَّةِ يَرْجِعُ بِمَا عَمَّرَ مَبْدَأٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ أَخَوَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا بِامْرَأَتَيْنِ وَالْآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ زَوْجُ الْمَرْأَتَيْنِ وَخَلَّفَ وَلَدًا بَالِغًا رَشِيدًا فَطَلَبَ الْقِسْمَةَ مِنْ عَمِّهِ فَادَّعَى عَمُّهُ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا فِي الزَّرْعِ وَأَنَّهُ اسْتَدَانَ لِأَجْلِ الزَّرْعِ فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَى الْعَمِّ لِلشَّرِكَةِ وَالدَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْوَلَدِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَتَزَوَّجَ بِهِ زِيَادَةً عَلَى أَبِي الْوَلَدِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا ادَّعَى الْعَمُّ أَنَّ بَعْضَ خَيْلِ الشَّرِكَةِ وَدِيعَةٌ لِشَخْصٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ لَا يُقْبَلُ دَعْوَى الْعَمِّ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا وَأَنَّهُ اسْتَدَانَ لَكِنَّهُ يَكُونُ شَاهِدًا لِلشَّرِيكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي شَهَادَتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ، أَوْ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَلِلْوَلَدِ الرُّجُوعُ عَلَى الْعَمِّ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَتَزَوَّجَ بِهِ زِيَادَةً عَلَى أَبِي الْوَلَدِ إلَّا أَنْ تَمْضِيَ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ إلَى حِينِ الْمُنَازَعَةِ مُدَّةٌ وَيَدَّعِي الْعَمُّ رَدَّ مَا أَخَذَهُ لِمَالِ الشَّرِكَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ وَكَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَأَمَّا دَعْوَى الْعَمِّ أَنَّ بَعْضَ الْخَيْلِ وَدِيعَةٌ مَثَلًا فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ الشَّرِكَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِدَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَا عَدَمُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَاهِدًا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَ الْقَرَوِيُّونَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا ادَّعَى الشَّرِيكُ فِي شَيْءٍ بِيَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ فَإِنَّ سَمَّى أَهْلَهَا وَادَّعَوْهَا حَلَفُوا وَأَخَذُوهَا كَمَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَإِنْ نَكَلُوا أَخَذُوا نَصِيبَ الْمُقِرِّ وَأَخَذَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى شَرِكَتِهِمَا قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَدَالَةِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالشَّاهِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا حَلَّفَهُمْ اسْتِبْرَاءً انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَخٌ وَلَهُمَا طِينُ زِرَاعَةٍ فَاشْتَغَلَ الْأَوْلَادُ وَالْأَخُ بِالزِّرَاعَةِ وَالرَّجُلُ بِسَدَادِ مَطَالِبِ الدِّيوَانِ الْمِيرِيِّ وَدَفْعِ الْخَرَاجِ وَيَأْكُلُونَ مَعَ بَعْضٍ وَلَا مُحَاسَبَةَ بَيْنَهُمْ وَنَشَأَ عَنْ تِلْكَ الزِّرَاعَةِ أَمْوَالٌ وَأَمْتِعَةٌ ثُمَّ إنَّ أَخَا ذَلِكَ الرَّجُلِ مَنَعَ أَوْلَادَ أَخِيهِ مِمَّا نَشَأَ عَنْ الزِّرَاعَةِ فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِلْأَوْلَادِ الْمُقَاسَمَةُ فِيمَا حَدَثَ بِحَسَبِ زِرَاعَتِهِمْ مَعَ الْعَمِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِكَيْفِيَّةِ النَّظَرِ فِي الْعِبَارَاتِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ السُّؤَالِ أَنَّ أَخَا ذَلِكَ الرَّجُلِ مَنَعَ أَوْلَادَ أَخِيهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ فَهَلْ لِلْأَوْلَادِ إلَخْ أَنَّ الْمُنَازَعَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَعَمِّهِمْ وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِالْفِقْهِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الْأَوْلَادِ وَانْتِقَالِ حَقِّهِ لَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْفَهْمِ أَجَبْت

عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مَرَّتَيْنِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِي لِلْأَوْلَادِ مُقَاسَمَةُ أَعْمَامِهِمْ فِيمَا حَدَثَ إلَخْ وَهُوَ جَوَابٌ حَقٌّ صَحِيحٌ إجْمَاعِيٌّ ضَرُورِيٌّ لَا يُعْذَرُ فِي التَّوَقُّفِ فِيهِ إلَّا حَدِيثُ عَهْدٍ تَرَبَّى فِي شَاهِقٍ لَمْ تُقْسَمْ فِيهِ تَرِكَةٌ وَلَا شَرِكَةٌ كَيْفَ وَقِسْمَةُ التَّرِكَاتِ وَالْمُشْتَرَكَاتِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي سَائِرِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ وَفِي سَائِرِ الْعَادَاتِ حَتَّى مِنْ الزَّبَّالِينَ فِي كِمَامَةِ الْحَمَّامَاتِ، فَيَا فَضِيحَةَ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهَا وَطَلَبَ النَّصَّ عَلَيْهَا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ السَّادَاتِ مَعَ أَنَّ النَّصَّ بِهَا فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْإِرْشَادِ مُرَبِّي الْعَلَامَاتِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ تَوَقَّفَ أَذَاعَ أَنَّ أَبَا الْأَوْلَادِ حَيٌّ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أُعِيدَ عَلَى السُّؤَالِ ثَالِثَةٌ وَلَفْظُهُ كَلَفْظِ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ أُفْرِدَ فِيهِ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَجُمِعَا فِيهِمَا وَقَدْ عَلِمْت مَفْهُومَهُ فَيَا عَظِيمَ فَضِيحَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْإِذَاعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى خَبَالِ خَيَالِهِ وَعَدَمِ تَصَوُّرِهِ لِلْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ حَيْثُ تَصَوَّرَ أَنَّ الْحَرَّاثَ أَخَا الثَّوْرِ يَمْنَعُ الْمُمَارِسَ لِلدَّوَاوِينِ وَالْمُجَالِسَ لِلْحُكَّامِ مِنْ حَقٍّ ضَرُورِيٍّ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَنَامِ وَعَلَى إرْخَاءِ الْعَنَانِ وَفَرْضِ أَنَّ الْأَبَ حَيٌّ فَالْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَلَيْسَ لِأَوْلَادِهِ كَلَامٌ مَعَ أَخِيهِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَقِلُّ الْأَخُ بِمَا نَشَأَ مِنْ الزَّرْعِ وَيَدْفَعُ لِأَوْلَادِ أَخِيهِ أُجْرَةَ عَمَلِهِمْ كَمَا تَوَهَّمَهُ وَتَفَوَّهَ بِهِ مَنْ لَا إلْمَامَ لَهُ بِالْفِقْهِ بَلْ يَقْتَسِمُ الرَّجُلُ وَأَخُوهُ مَا نَشَأَ مِنْ الزَّرْعِ بِحَسَبِ شَرِكَتِهِمَا فِي الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ وَالْآلَةِ وَالْبَذْرِ وَالْعَمَلِ فَالْأَخُ يُحَاسَبُ بِعَمَلِ نَفْسِهِ وَالرَّجُلُ بِعَمَلِ أَوْلَادِهِ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ أَيْضًا لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُجْهُورِيِّ الْمَفْهُومَةِ مِنْ لَفْظِ السُّؤَالِ إذْ لَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُمْ مُقَاسَمَةَ أَخِيهِ مَا اسْتَحَقُّوهَا هُمْ إذْ إنَّمَا يَنْتَقِلُ لَهُمْ بِالْإِرْثِ مَا كَانَ حَقًّا لِأَبِيهِمْ وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُمْ إيَّاهَا فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِ أَبِيهِمْ إيَّاهَا عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةٌ بِعَيْنِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَوُزِّعَ الرِّبْحُ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ " مَا " عَامَّةٌ لِعَمَلِ الثِّيرَانِ وَالْآدَمِيِّينَ وَالْآلَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَتَسَاوَيَا. الْخَرَشِيُّ أَيْ فِي الرِّبْحِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ بِحَسَبِ مَا يُخْرِجُهُ فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إذَا تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ مَا أَخْرَجَاهُ وَشَرَطَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، أَوْ كَانَ مَا أَخْرَجَاهُ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَشَرَطَا أَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى التَّنْصِيفِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِزَائِدٍ عَمَّا لِلْآخَرِ بَعْدَ الْعَقْدِ اللَّازِمِ وَهُوَ الْبَذْرُ فَلَا يَضُرُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَّا التَّبَرُّعَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَيْ مِنْ غَيْرِ رَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ انْتَهَى. فَيَا عَظِيمَ فَضِيحَةِ هَذَا الْمُذِيعُ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَى إذَاعَتِهِ تَصْحِيحُ فَتْوَانَا بِمُوَافَقَتِهَا لِمَا فِي الْمُتُونِ وَبُطْلَانِ فَتْوَاهُ بِمُخَالَفَتِهَا لَهُ هُوَ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ كَيْفَ وَقَدْ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي قِرَاءَةِ الْمَتْنِ وَإِقْرَائِهِ فَإِنَّا لِلَّهِ مِنْ زَمَانٍ صَارَ فِيهِ الْحَقُّ الضَّرُورِيُّ غَرِيبًا بَعِيدًا وَالْبَاطِلُ الْفَظِيعُ الشَّنِيعُ مَقْبُولًا قَرِيبًا ثُمَّ بَعْدَ اقْتِسَامِ الْأَخَوَيْنِ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِمُعَاوَنَةِ الْأَوْلَادِ أَبَاهُمْ وَعَدَمِ مُشَاحَّتِهِ وَمُحَاسَبَتِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوْلَادِ عَلَى أَبِيهِمْ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِالْجُمْلَةِ الْأَخُ يُقَاسِمُ فِيمَا نَشَأَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ الْأَوْلَادِ وَبَاقِي الْمُخْرَجَاتِ سَوَاءٌ مَاتَ أَبُو الْأَوْلَادِ، أَوْ لَمْ يَمُتْ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ بِلَا ارْتِيَابٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَرِيكَيْنِ فِي بَقَرَةٍ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الدِّيَاسَةِ وَالطَّحْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَرَاضَيَا عَلَى وَضْعِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَسْتَقِلُّ بِمَنْفَعَتِهَا فِي نَظِيرِ مُؤْنَتِهَا وَإِذَا دَفَعَهَا وَاضِعُ الْيَدِ لِأَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ

لِيَنْتَفِعَ بِلَبَنِهَا وَغَيْرِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ دَرَاهِمَ وَشَرَطَ مُؤْنَتَهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَهَلْ تَكُونُ الدَّرَاهِمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهَا أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. . . لَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى اسْتِقْلَالِ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الْبَقَرَةِ بِمَنَافِعِهَا فِي نَظِيرِ كُلْفَتِهَا لِلْجَهَالَةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَيَجِبُ تَوْزِيعُ النَّفَقَةِ وَالْمَنْفَعَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ نَصِيبَيْهِمَا فَإِنْ تَبَرَّعَ وَاضِعُ الْيَدِ بِالنَّفَقَةِ وُزِّعَتْ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالدَّرَاهِمُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي نَظِيرِ الْمَنَافِعِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَلَّةِ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مِنْ الْمَجْعُولَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَمَلًا مَضْبُوطًا بِزَمَنٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ الْعَمَلِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ يَجِبُ فَسْخُهُ لِلْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَيَرْجِعُ الْأَجْنَبِيُّ بِدَرَاهِمِهِ، أَوْ مِثْلِهَا وَمِثْلِ نَفَقَتِهِ، أَوْ قِيمَتِهَا وَيَرُدُّ اللَّبَنَ، أَوْ مِثْلَهُ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ وَإِلَّا رَدَّ قِيمَتَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا أَخْذُ الْبَقَرَةِ تَحْلِبُ وَتُطْعِمُ فَفَاسِدٌ وَتَرَاجَعَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ وَنَصُّ مَا فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ وَشِرَاءُ اللَّبَنِ إلَخْ لَا مَا يَفْعَلُهُ الْفَلَّاحُونَ وَيُسَمُّونَهُ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ مَالِكُ الْبَهِيمَةِ بِمِثْلِ اللَّبَنِ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِكُلْفَةِ الْبَهِيمَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ عَبْدِ الْبَاقِي وَصُورَتُهَا أَنْ تَأْتِيَ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ وَتُعْطِيهِ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَتَأْخُذَ الْبَقَرَةَ تَأْخُذُ لَبَنَهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَالْكُلْفَةُ مِنْ عِنْدِك انْتَهَى، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ شَرِيكٍ لِآخَرَ فِي سِلْعَةِ ذَهَبٍ بِهَا عِنْدَ أَعْدَاءِ الْآخَرِ فَغَصَبُوهَا مِنْهُ فَهَلْ يَضْمَنُ حِصَّتَهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. (فَأَجَابَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ. . . الشَّرِيكُ الَّذِي أَخَذَ السِّلْعَةَ وَذَهَبَ بِهَا عِنْدَ أَعْدَاءِ شَرِيكِهِ ضَامِنٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ الشَّرِيكُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يَمْلِكُ قِيرَاطًا فِي طَاحُونَةٍ فَتَلِفَ جَمِيعُ آلَاتِهَا مِنْ الْأَخْشَابِ وَالْحِجَارَةِ وَبَقِيَتْ الْحِيطَانُ ثُمَّ قَامَ أَرْبَابُهَا وَاشْتَرَوْا لَهَا آلَةً وَوَضَعُوهَا فِي مَكَانِهَا دُونَ مَنْ لَهُ الْقِيرَاطُ الْمَذْكُورُ فَهَلْ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ مَعَهُمْ وَدَفْعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ثَمَنِ الْآلَةِ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ دَفَعَ لِآخَرَ ثَلَثَمِائَةِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا سَبْعَمِائَةٍ وَيَشْتَرِكَا فِي بَقَرَةٍ وَيَدْفَعُ لَهُ الْمِائَتَيْنِ بَعْدَ أَجَلِ كَذَا فَتَمَّمَ الْمَدْفُوعَ لَهُ بِالْأَلْفِ وَرَبَطَهَا بِطَرَفِ مِلَاءَتِهِ وَجَعَلَهَا أَمَامَهُ فِي خُفْيَةٍ وَتَوَجَّهَ إلَى السُّوقِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَوَصَلَ وَرَجَعَ مُدَّعِيًا ضَيَاعَهَا بِتَمَامِهَا فَمَاذَا يَكُونُ الْحُكْمُ إذَا طَلَبَ دَافِعُ الثَّلَثِمِائَةِ أَخْذَهَا وَطَلَبَهُ دَافِعُ السَّبْعِمِائَةِ الْمِائَتَيْنِ الْمُؤَجَّلَتَيْنِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ صَدَّقَ دَافِعُ الثَّلَثِمِائَةِ الْمَدْفُوعَ لَهُ عَلَى تَتْمِيمِ الْأَلْفِ وَضَيَاعِهَا مِنْهُ بِلَا تَفْرِيطٍ غَرِمَ لَهُ الْمِائَتَيْنِ الْمُؤَجَّلَتَيْنِ بَعْدَ مُضِيِّ أَجَلِهِمَا بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ اتَّهَمَهُ فِي التَّتْمِيمِ، أَوْ فِي الضَّيَاعِ، أَوْ عَدَمِ التَّفْرِيطِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ فَإِنْ حَلَفَ غَرِمَ لَهُ الْمُؤَجَّلَ بَعْدَهُ وَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّلَثِمِائَةِ فِي اتِّهَامِهِ فِي الضَّيَاعِ، أَوْ نَفْيِ التَّفْرِيطِ وَسَقَطَ عَنْهُ غُرْمُ الْمِائَتَيْنِ

فِي اتِّهَامِهِ فِي التَّتْمِيمِ فَقَطْ نَعَمْ يَغْرَمُ لَهُ مِائَةً حَالَّةً لِيَسْتَوِيَا فِي التَّالِفِ لِتَعَلُّقِ ضَمَانِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ بِمُجَرَّدِ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَزِمَتْ الشَّرِكَةُ بَدَلَهَا عُرْفًا وَالضَّمَانُ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ لَا يَخْلِطَا مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَغَيْرُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخَلْطُ وَيَشْمَلُ الْخَلْطَ الْحُكْمِيَّ كَجَعْلِ صُرَّتَيْهِمَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَالتَّالِفُ عَلَى رَبِّهِ ثُمَّ قَالَ وَصُدِّقَ أَيْ الشَّرِيكُ بِيَمِينٍ فِي التَّلَفِ إلَّا لِقَرِينَةٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ذَكَرَيْنِ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ وَخَلَّفَ عَقَارًا وَغَيْرَهُ وَصَارَ الْأَخَوَانِ الْبَاقِيَانِ يَتَصَرَّفَانِ مَعَ ابْنِ أَخِيهِمَا الْبَالِغِ فِيمَا يَخُصُّهُمَا وَفِيمَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ فَيَبِيعُونَ شَيْئًا وَيُجَدِّدُونَ غَيْرَهُ وَيَزْرَعُونَ الْأَرْضَ وَيَبِيعُونَ مَا يَفْضُلُ مِنْ رِبْحِهَا وَيَحُوزُونَ أَطْيَانًا يَسْقُطُ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ حَقُّهُ فِيهَا فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ يَدْفَعُونَهَا لَهُ وَيَكْتُبُونَ بِهَذَا الْإِسْقَاطِ وَثَائِقَ وَيَجْعَلُونَ لِوَلَدَيْ الْأَخِ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الثُّلُثَ عَلَى حُكْمِ مَا وَرِثَاهُ عَنْ أَبِيهِمَا وَلِكُلٍّ مِنْ الْعَمَّيْنِ الثُّلُثُ وَبَنَوْا سَاقِيَةً وَكَتَبُوا وَثِيقَةً بِمَا يَخُصُّ الْأَخَوَيْنِ وَمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَمَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْعَمَّانِ وَخَلَّفَ كُلٌّ ابْنًا وَبَقِيَتْ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ أَيْضًا فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَصَرَّفُونَ كَمَا كَانَ آبَاؤُهُمْ وَيَحُوزُونَ عَقَارًا وَبَنَوْا مُبِلَّةً لِعَطِنِ الْكَتَّانِ وَكَتَبُوا بِهَا وَثِيقَةً وَبَيَّنُوا فِيهَا لِلْأَخَوَيْنِ الثُّلُثَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدَيْ عَمَّيْهِمَا الثُّلُثَ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مِنْ السِّنِينَ ثُمَّ اقْتَسَمُوا وَأَخَذَ الْأَخَوَانِ الثُّلُثَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدَيْ الْعَمِّ الثُّلُثَ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ بُلُوغِ الْأَخِ الصَّبِيِّ طَلَبَ أَنْ يُقَاسِمَ أَخَاهُ فِي الثُّلُثِ الَّذِي خَصَّهُمَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فَامْتَنَعَ الْأَخُ الْبَالِغُ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ وَأَرَادَ أَنْ يَخْتَصَّ بِجَمِيعِ مَا تَجَدَّدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَهَلْ يُجَابُ الْأَوَّلُ، أَوْ الثَّانِي أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يُجَابُ الْأَوَّلُ لِلْقِسْمَةِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فِي جَمِيعِ الثُّلُثِ الَّذِي خَصَّهُمَا فِي مُقَاسَمَةِ وَلَدَيْ عَمَّيْهِمَا وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا الْبَالِغُ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ ثُمَّ إنْ جَرَى عُرْفُهُمْ بِعَدَمِ الْمُشَاحَنَةِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَعَمِلَ أَحَدُهُمْ لِلْآخَرِ مَجَّانًا فَلَا شَيْءَ لِمَنْ كَانَ بَالِغًا عَلَى مَنْ كَانَ صَبِيًّا وَإِنْ جَرَى بِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِأُجْرَةٍ رَجَعَ مَنْ كَانَ بَالِغًا عَلَى مَنْ كَانَ صَبِيًّا بِأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ لَهُ فِيمَا بَيْنَ مَوْتِ أَبِيهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِنَظَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَحِينَئِذٍ يُحْسَبُ عَلَى مَنْ كَانَ بَالِغًا مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي نَحْوِ زَوَاجٍ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي عَمَلِ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّهُ إذَا اتَّجَرَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ فَمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ فَهُوَ تَرِكَةٌ وَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَوَّلًا أَنَّهُ يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ بَيَّنَ أَوَّلًا كَانَتْ لَهُ الْغَلَّةُ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي تَرَكَهُ مُوَرِّثُهُمْ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْوَصِيَّ إنْ اتَّجَرَ فِي التَّرِكَةِ لِلصَّبِيِّ وَرَبِحَ ثُمَّ طَرَأَ وَارِثٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الصَّبِيَّ فِي التَّرِكَةِ وَرِبْحِهَا وَإِنْ طَرَأَ رَبُّ دَيْنٍ أَخَذَ التَّرِكَةَ وَرِبْحَهَا قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي انْفَصَلَ عَنْهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْأَيْتَامِ لَا لِرَبِّ الدَّيْنِ وَأَنَّ مَا فِي الرَّمَاصِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَهُ الْبُنَانِيُّ وَقَوَّاهُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سَلَفَهُ لِلْأَيْتَامِ كَسَلَفِهِ لِنَفْسِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَرَثَةِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا انْتَهَى

أحد شريكين رضي بزيادة شريكه عنه في الربح

وَانْظُرْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ سَلَفُهُ لِلْأَيْتَامِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَصِيُّ بِالْغَرِيمِ، أَوْ الْوَارِثِ الْغَائِبِ وَقْتَ التِّجَارَةِ. [أَحَدِ شَرِيكَيْنِ رَضِيَ بِزِيَادَةِ شَرِيكِهِ عَنْهُ فِي الرِّبْحِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَحَدِ شَرِيكَيْنِ رَضِيَ بِزِيَادَةِ شَرِيكِهِ عَنْهُ فِي الرِّبْحِ بِأَنْ قَالَ لَهُ تَصَرَّفْ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَاخْصِمْ لِنَفْسِك مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ تَرْبَحُهَا وَاحِدًا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ فَهَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. . . نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا فِي نَظِيرِ اسْتِقْلَالِ الْمَزِيدِ لَهُ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ حَالُ الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ نَظِيرُ الِاسْتِقْلَالِ بِالْعَمَلِ أَوْ الزِّيَادَةِ فِيهِ مَنْعٌ لِخُرُوجِهِ حِينَئِذٍ عَنْ مَعْنَى التَّبَرُّعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ امْتِنَاعِ قِسْمَةِ الرِّبْحِ عَلَى نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ وَالْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ خَلَّفَهُ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فُسِخَتْ وَتَرَاجَعَا بَعْدَ الْعَمَلِ بِنِسْبَةِ الْمَالِ وَلَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ التَّبَرُّعُ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ مَعَ غَيْرِهِ أَمَانَةً لِلتَّنْمِيَةِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ الْمُرْسَلِ فِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ دَعْوَاهُ، أَوْ لَا وَإِذَا دَفَعَ لَهُ الْأَمِينُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْمُرْسَلِ فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ فَأُجِيبُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ ثَبَتَ بِعَدْلَيْنِ، أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا وَيَمِينٍ أَنَّ الْمُدَّعِيَ شَرِيكٌ فِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ لِمُرْسَلِهَا يُمَكَّنُ وَلَا يَضْمَنُ الْأَمِينُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ فِي غَيْبَةِ الْمُرْسَلِ وَإِلَّا فَلَا يُمَكَّنُ وَيَضْمَنُ الْأَمِينُ إنْ سَلَّمَهَا لَهُ فِي غَيْبَتِهِ قَالَ فِي شَرِكَةِ الْمُخْتَصَرِ وَكُلٌّ أَيْ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ قَالَ الْخَرَشِيُّ عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَالْكِرَاءِ وَالِاكْتِرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِتَوَابِعَ مُعَامَلَةِ الْآخَرِ مِنْ اسْتِحْقَاقٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَقَالَ فِي وَكَالَتِهِ وَلَك قَبْضُ سَلَمِهِ لَك إنْ ثَبَتَ يُبَيِّنُهُ الْخَرَشِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَك يَا مُوَكِّلُ أَنْ تَقْبِضَ مَا أَسْلَمَهُ لَك وَكِيلُك بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهِ لَك بِذَلِكَ إذَا كَانَ لَك بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ لَك وَلَا حُجَّةَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ إذَا قَالَ لَا أَدْفَعُ إلَّا لِمَنْ أَسْلَمَ إلَيَّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ -، - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلَيْنِ عَقَدَا شَرِكَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ أَحَدُهُمَا فِي السَّمْنِ وَالْآخَرُ فِي الرَّقِيقِ فَخَالَفَ مَنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَيْهِ التِّجَارَةُ فِي الرَّقِيقِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ عَقَدَا شَرِكَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ أَحَدُهُمَا فِي السَّمْنِ وَالْآخَرُ فِي الرَّقِيقِ فَخَالَفَ مَنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَيْهِ التِّجَارَةُ فِي الرَّقِيقِ وَاتَّجَرَ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَادَّعَى أَنَّهُ خَسِرَ فِيهَا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْخَسَارَةُ وَحْدَهُ لِتَعَدِّيهِ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْخَسَارَةُ وَحْدَهُ لِتَعَدِّيهِ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْجَائِزِ اللَّازِمِ اشْتِرَاطُهُ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ النِّصْفَ فِي مِائَةِ ثَوْبٍ وَشَارَكَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى أَنْ يُسَافِرَ بِالْجَمِيعِ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ يَبِيعُ فِيهِ وَمَا حَصَلَ مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا فَذَهَبَ وَبَاعَ وَقَدِمَ وَقَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ شَرِيكِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ الْمَذْكُورَانِ فَاسِدَانِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلِلشَّرِكَةِ مُفْسِدٌ آخَرُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ كُلِّهِ عَلَى

مُشْتَرِي النِّصْفِ وَقَدْ فَاتَا فَيَمْضِي الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا شَرَطَا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّصْفِ وَلِلْعَامِلِ الرُّجُوعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ نِصْفِ عَمَلِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِدَفْعِ جَمِيعِ النِّصْفِ لَهُمْ ابْتِدَاءَ التَّبَرُّعِ لَهُمْ بِهَا وَأَنَّهُ كَانَ يَجْهَلُ اسْتِحْقَاقَهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ بِجَهْلِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَقَرْضٍ وَنِكَاحٍ وَشَرِكَةٍ وَجُعْلٍ وَمُغَارَسَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَقِرَاضٍ وَيُجْمَعُ غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْهَا جِصٌّ مُنَقَّشٌ انْتَهَى. وَفِيهِ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ وَالْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ خَالَفَهُ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فُسِخَتْ وَتَرَاجَعَا بَعْدَ الْعَمَلِ بِنِسْبَةِ الْمَالِ انْتَهَى الْخَرَشِيُّ. وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ كَرِهَهُ. ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ وَعَلَّلَ الْمَشْهُورَ بِتَنَافِي الْأَحْكَامِ فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ مَعَ الْقِيَامِ وَمَضَى مَعَ الْفَوَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ نِصْفُ بَهِيمَةٍ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي فَعَلِمَ شَرِيكُهُ وَأَرَادَ الْمُفَاصَلَةَ فَقِيلَ لَهُ إنَّ حِصَّتَك بَاقِيَةٌ عَلَى ذِمَّتِك عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَسَكَتَ ثُمَّ مَاتَتْ الْبَهِيمَةُ فَهَلْ يَكُونُ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ أَمْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَكُونُ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ لِرِضَاهُ بِشَرِكَةِ الْمُشْتَرِي بِعِلْمِهِ وَتَرْكِهِ الْمُفَاصَلَةَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ وَأَخِيهِ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ مَعَ الِاخْتِلَاطِ فِي الْمُؤْنَةِ فَاكْتَسَبَ دَرَاهِمَ وَبَعَثَهَا مَعَ أَبِيهِ لِرَجُلٍ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا بَقَرَةً فَاشْتَرَاهَا لَهُ بِهَا فَهَلْ تَكُونُ لَهُ وَحْدَهُ وَإِذَا تَنَازَعُوا فِيهَا وَتَرَافَعُوا لِنَائِبِ الْقَاضِي بِبَلَدِهِمْ فَحَكَمَ بِاشْتِرَاكِهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ زَاعِمًا أَنَّ جَمِيعَ مَا يَكْتَسِبُهُ أَحَدُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي السُّكْنَى وَالْمُؤْنَةِ يَكُونُ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ بَاطِلًا غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ شَرْعًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَكُونُ لَهُ وَحْدَهُ وَالْحُكْمُ بِأَنَّهَا مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُمْ بَاطِلٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ وَيَجِبُ نَقْضُهُ إذْ لَا قَائِلَ بِمَا زَعَمَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَأَب وَلَمْ تُقْسَمْ تَرِكَتُهُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ عَنْ ابْنَيْ ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ وَنَمَا الْمَالُ بِتَصَرُّفِ الِابْنِ الْبَاقِي فِيهِ وَطَلَبَ ابْنُ الِابْنِ الَّذِي مَاتَ ثَالِثًا مُقَاسَمَةَ عَمِّهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَنَمَائِهِ وَأَبَى عَمُّهُ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّمَا أُقَاسِمُك فِي أَصْلِ الْمَالِ لَا فِي نَمَائِهِ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ ابْنِ الِابْنِ، أَوْ قَوْلُ عَمِّهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْقَوْلُ قَوْلُ ابْنِ الِابْنِ فَيُجْبَرُ عَمُّهُ عَلَى مُقَاسَمَتِهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَنَمَائِهِ إلَّا إنْ كَانَ الْعَمُّ أَشْهَدَ بَيِّنَةً قَبْلَ التَّصَرُّفِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَلَا يُعْطِي ابْنَ أَخِيهِ شَيْئًا مِنْ نَمَائِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَمِّ فَيُجْبَرُ ابْنُ الْأَخِ عَلَى مُقَاسَمَتِهِ فِي أَصْلِ الْمَالِ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ عَنْ الْعَدَوِيِّ وَالْأَمِيرِ وَالدُّسُوقِيُّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

رجلين اشتركا بمالين متساويين بشرط عمل أحدهما وحده فيهما والربح بينهما نصفين

مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْبَعَةِ إخْوَةٍ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَّى الْحَاكِمُ أَحَدَهُمْ شَيْخًا عَلَى بَلَدِهِمْ وَعَيَّنَ لَهُ أَطْيَانًا يَزْرَعُهَا وَأَنْفَارًا يَسُوسُهَا فَلَمْ يَرْضَ أَبُوهُمْ بِذَلِكَ وَهَرَبَ مِنْ الْبَلَدِ فَزَرَعَ الشَّيْخُ الْأَطْيَانَ مُسْتَعِينًا بِإِخْوَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَرَجَعَ أَبُوهُمْ الْبَلَدَ وَانْعَزَلَ عَنْهُمْ بِزَوْجَتِهِ مُكْتَفِيًا بِطِينٍ لَهُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِمَا حَتَّى تُوُفِّيَ وَصَارَ الشَّيْخُ يَشْتَرِي بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ رِبْحِ الْأَطْيَانِ أَطْيَانًا وَغَيْرِهَا وَيَكْتُبُ حُجَجَهَا بِاسْمِهِ خَاصَّةً وَاشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ بِالِاكْتِسَابِ دُونَ إخْوَتِهِ مَعَ كَوْنِهِمْ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ مَا عَدَا وَاحِدًا فَقَدْ انْعَزَلَ عَنْهُمْ سَابِقًا وَأَرَادَ الْآنَ اثْنَانِ مِنْهُمْ مُقَاسَمَةَ الشَّيْخِ فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي عُيِّنَتْ لَهُ وَجَمِيعِ مَا تَجَدَّدَ لَهُ مِنْ رِبْحِهَا لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمَعِيشَةِ وَالْعَمَلِ وَأَرَادَ مَنْعَهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاكْتِسَابَ لَهُ وَهُمْ مُعِينُونَ لَهُ كَالْأَجَانِبِ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِلشَّيْخِ مَنْعُهُمَا مِنْ مُقَاسَمَتِهِ فِي الْأَطْيَانِ الْمَذْكُورَةِ وَكُلِّ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ رِبْحِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ عُرْفُهُمْ وَعَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ عَمَلُ الْأَخِ مَعَ أَخِيهِ بِلَا أُجْرَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَإِلَّا فَلَهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِهِمْ وَلَهُ مُحَاسَبَتُهُمْ حِينَئِذٍ بِنَفَقَتِهِمْ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِمْ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ حَالَ الْإِنْفَاقِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا بِمَالَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ بِشَرْطِ عَمَلِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ فِيهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا بِمَالَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ بِشَرْطِ عَمَلِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ فِيهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهَلْ شَرِكَتُهُمَا فَاسِدَةٌ وَإِذَا لَمْ تُفْسَخْ حَتَّى عَمِلَ أَحَدُهُمَا فِيهِمَا وَحْدَهُ فَمَا الْحُكْمُ فِيهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ شَرِكَتُهُمَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ كَوْنُ الْعَمَلِ فِيهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَجِبُ فَسْخُهَا إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمَا إلَّا بَعْدَ عَمَلِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْفَلَسِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْفَلَسِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَدِينٍ لِجَمَاعَةٍ فَقَامَ أَحَدُهُمْ وَشَدَّدَ عَلَيْهِ الطَّلَبَ حَتَّى أَخَذَ أَمْتِعَتَهُ فِيمَا لَهُ قَبْلَهُ فَهَلْ لِبَقِيَّتِهِمْ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَفِي بِمَا لَهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يُحَاصِصُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيمَا أَخَذَهُ، أَوْ يُحَاصِصُونَهُ فِيهِ وَفِيمَا عِنْدَ الْمَدِينِ إنْ كَانَ وَهَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَدِينِ شَيْءٌ يَقْضِي لِبَقِيَّتِهِمْ بِمُحَاصَّتِهِ فِيهِ قَهْرًا عَلَيْهِ وَهَلْ إذَا كَانَ تَحْتَ يَدِهِ رَهْنٌ يَفُوزُ بِمَا أَخَذَهُ وَلَا رُجُوعَ لِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ وَيَنْتَظِرُونَ يُسْرَ الْمَدِينِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا أَخَذَ الْقَائِمُ أَوَّلًا جَمِيعَ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ، أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يُعَامِلُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلِبَاقِي أَصْحَابِ الدَّيْنِ رَدُّ جَمِيعِ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلُ وَيَتَحَاصُّونَ فِيهِ جَمِيعًا بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ وَفِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ إنْ كَانَ أَحَبَّ

الْأَوَّلُ، أَوْ كَرِهَ وَلَهُمْ تَفْلِيسُ مَدِينِهِمْ إنْ كَانَ مَجْمُوعُ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلُ وَمَا أَبْقَاهُ أَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ دُيُونِهِمْ وَأَمَّا طَلَبُ دُيُونِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْلِيسٍ فَهُوَ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ مَا بِيَدِهِ أَضْعَافَ دُيُونِهِمْ بِشَرْطِ الْحُلُولِ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْأَوَّلِ رَهْنٌ فَازَ بِهِ لَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الْأَمْتِعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الرَّهْنِ وَالزَّائِدُ إنْ كَانَ يَتَحَاصُّ فِيهِ بَاقِيهِمْ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِ كُلَّ مَا بِيَدِهِ قَالَ الْخَرَشِيُّ مَعْنَى أَحَاطَ زَادَ، أَوْ سَاوَى. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمِدْيَانَ إذَا أَعْطَى كُلَّ مَا بِيَدِهِ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ لِلْبَاقِي أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَرُدُّوا فِعْلَهُ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْأَجَلُ قَدْ حَلَّ وَمِثْلُ الْكُلِّ مَا إذَا بَقِيَ بِيَدِهِ فَضْلَةٌ لَا يُعَامِلُهُ النَّاسُ عَلَيْهَا اهـ بِتَصَرُّفٍ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَلَوْ سَاوَى عَلَى الْأَظْهَرِ مُنِعَ إعْطَاؤُهُ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ مَا لَا يُعَامِلُ بَعْدَهُ كَكُلِّ مَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ وَفَلَّسَ الْحَاكِمُ إنْ طَلَبَ ذَلِكَ غَرِيمٌ وَحَلَّ الدَّيْنُ وَأَحَاطَ بِمَالِهِ وَلَمْ يَأْتِ بِحَمِيلِ مَالٍ وَمَطْلٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ اقْتَرَضَ مِنْ أُخْتِهِ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً وَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا وَطَالَبَتْهُ بِدَيْنِهَا فَعَرَضَ لَهَا الْجَارِيَةَ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ فَهَلْ لَهَا شِرَاؤُهَا وَهَلْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ وَطَالَبَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَحَاصَّ مَعَهَا أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ كَانَ حَمْلُ الْجَارِيَةِ سَابِقًا عَلَى تَعْرِيضِهَا لِلْبَيْعِ وَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلدَّيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَيِّتٍ عَنْ عَقَارٍ وَأَرْضِ زِرَاعَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ إلَّا أَرْضَ الزِّرَاعَةِ وَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ اسْتِيفَاءَ بَقِيَّةِ حَقِّهِمْ مِنْهَا فَهَلْ يُمَكَّنُونَ مِنْهُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يَمْلِكُونَ الْأَرْضَ، أَوْ يَنْتَفِعُونَ بِهَا إلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا بَقِيَّةَ حَقِّهِمْ وَإِذَا ادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنَّ الدَّيْنَ سَبَبُهُ أَرْضُ الزِّرَاعَةِ وَأَرَادَ أَخْذَ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ غَيْرِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَالدَّيْنُ يَكُونُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى أَرْضَ الزِّرَاعَةِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُمَكَّنُ الْغُرَمَاءُ مِنْ اسْتِيفَاءِ بَقِيَّةِ حَقِّهِمْ مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ جَبْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنْ تُكْرَى مُدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ يَأْخُذُهَا الْغُرَمَاءُ فِيمَا بَقِيَ لَهُمْ وَبَعْدَ تَمَامِهَا تَرْجِعُ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَكْتَرِيهَا كَذَلِكَ أُسْقِطَ الْحَقُّ فِيهَا فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ يَأْخُذُهَا الْغُرَمَاءُ، أَوْ فِي نَظِيرِ الدَّيْنِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَاجْتِهَادِ الْمُتَوَلِّي عَلَى التَّرِكَةِ إنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُمْ رُشَدَاءَ تَصَرَّفُوا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ كَيْفَ شَاءُوا، وَإِذْ أُسْقِطَ الْحَقُّ فِيهَا فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ، أَوْ الدَّيْنِ اخْتَصَّ بِهَا الْمُسْقَطُ لَهُ أَبَدًا وَلَا تَرْجِعُ لِوَرَثَةِ الْمَدِينِ يَوْمًا مَا وَقَدْ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ خُلُوِّ الْوَقْفِ وَهَذَا مِنْهُ وَقَدْ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَاقِي وَالْعَلَّامَةُ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الشَّاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ أَرْضَ الزِّرَاعَةِ تُورَثُ وَوَجَّهَ ذَلِكَ الشَّيْخُ عُمَرُ الطَّحْلَاوِيُّ بِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهَا بِالْخَلَوَاتِ وَبِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَالْمَصْلَحَةِ وَقَالَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرُ يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِالْإِرْثِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ خَالَفَتْ أَصْلَ الْمَذْهَبِ اتِّبَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ وَمُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ بِالْمِلْكِ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا عَنْوَةً وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا وُرِّثَ يُوَفَّى بِهِ الدَّيْنُ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِيهِ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَلَا يُمَكَّنُ بَعْضُ

مسائل الحجر

الْوَرَثَةِ مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَطَرْحِهِ عَلَى أَرْضِ الزِّرَاعَةِ؛ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الدَّيْنَ بِسَبَبِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْحَجْرِ] [صَغِيرٍ لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ وَلَهُ عَقَارٌ وَوَكَّلَ رَجُلًا صَالِحًا عَادِلًا مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَبَاعَهُ لِأَجْلِ مَعَاشِهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْحَجْرِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَغِيرٍ لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ وَلَهُ عَقَارٌ وَوَكَّلَ رَجُلًا صَالِحًا عَادِلًا مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَبَاعَهُ لِأَجْلِ مَعَاشِهِ فَهَلْ إذَا رَشَدَ الصَّبِيُّ لَا كَلَامَ لَهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا رَشَدَ الصَّبِيُّ فَلَهُ النَّظَرُ فِي إمْضَاءِ هَذَا الْبَيْعِ وَرَدِّهِ إنْ كَانَ الْعَقَارُ عَظِيمَ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِ الصَّغِيرِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَنْفَقَهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِثَمَنِهِ لِتَعَدِّيهِ فِي قَبْضِ مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَوْكِيلِ الصَّبِيِّ وَرِضَاهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ عَلَى صَبِيٍّ إلَّا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ تَافِهَ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِهِ نَفَذَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ فَلَا كَلَامَ لَهُ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ لَمْ يُوَلَّ عَلَيْهِ فَبَاعَ الْكِبَارُ فِي دَيْنٍ عَلَى أَبِيهِمْ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ وَلَمْ يُثْبِتْ فَإِنَّ الصَّغِيرَ يَأْخُذُ مَا بِيعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِي الْكِبَارَ بِالثَّمَنِ لِتَعَدِّيهِمْ فِي قَبْضِ مَا لَيْسَ لَهُمْ إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ عَلَى صَغِيرٍ إلَّا الْأَبُ، أَوْ وَصِيٌّ، أَوْ حَاكِمٌ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ يَوْمَ الْبَيْعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ لَيْسَ رِضًا وَمِثْلُهُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ فَإِنْ بَاعَ الْحَاضِنُ مَا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ يَعْنِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فُسِخَ وَلَمْ يَنْفُذْ وَفِي مُؤَلَّفِ ابْنِ لُبَابَةَ كُلُّ مَنْ بَاعَ عَلَى يَتِيمٍ مِنْ أَخٍ، أَوْ وَلِيٍّ غَيْرِ وَصِيٍّ مِنْ غَيْرِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنُ أَنْ يَأْخُذَ مَا بِيعَ عَلَيْهِ، أَوْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ فَاتَ، أَوْ لَمْ يَفُتْ وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبْت لَهُ بِالثَّمَنِ فَضْلًا وَابْتَعْت لَهُ كَذَا بِكَذَا فَالْيَتِيمُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجِدَ سِلْعَتَهُ فَيَأْخُذَهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ رَدَّ الْمِثْلَ انْتَهَى وَنَقَلَ الْعَدَوِيُّ أَوَّلَ بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ غَيْرُ بَاطِلٍ اتِّفَاقًا. فَإِنْ قُلْت لَيْسَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ فِي مِثْلِ النَّازِلَةِ قُلْت نَعَمْ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْته فِيهَا أَلَا تَرَى قَوْلَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ عَلَى صَغِيرٍ إلَّا الْأَبُ إلَخْ، وَقَوْلُ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ بَاعَ الْحَاضِنُ مَا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ فُسِخَ وَلَمْ يَنْفُذْ عَلَى أَنَّ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ مَا هُوَ نَصٌّ فِي نَحْوِ النَّازِلَةِ وَنَصُّهُ قَالَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ فِي الْبِكْرِ تَبِيعُ بَعْضَ عُرُوضِهَا وَتُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَقَارِبِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ الْعَقَارِ الصَّالِحِ رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ حَسَبْت الثَّمَنَ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ حُسِبَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي قُلْت عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ كَانَ مَا لَا قَدْرَ لَهُ نَفَذَ الْبَيْعُ ابْنُ الْعَطَّارِ قِيمَةُ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَدُونَهَا، أَوْ فَوْقَهَا بِيَسِيرٍ مِثْلُ بَيْعِ الْحَاضِنِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَنَحْوَهَا مِنْ التَّافِهِ انْتَهَى. فَمُحَصِّلُهُ أَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْبِكْرِ وَنَحْوِهَا، أَوْ بَعْضِ أَقَارِبِهَا لِلنَّفَقَةِ كَبَيْعِ الْحَاضِنِ الَّذِي جَرَى فِيهِ الْعَمَلُ بِالْمُضِيِّ فِي الْيَسِيرِ وَالرَّدِّ فِي الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَنَصُّ الْمَجْمُوعِ وَلَهُ أَيْ الْكَافِلِ تَصَرُّفٌ يَسِيرٌ وَالْأَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ فَيَخْتَلِفُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَمْوَالٌ وَتَحْتَ يَدِهِ أَطْيَانٌ وَلَهُ أَوْلَادٌ قَدْ حَرَّكُوا مَعَهُ ذَلِكَ مُدَّةً قَبْلَ بُلُوغِهِمْ وَبَعْدَهُ وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِمْ غَرَامَاتٌ فَدَفَعُوهَا مِنْ ذَلِكَ وَالْآنَ أَرَادُوا الِانْفِصَالَ عَنْ أَبِيهِمْ وَمُقَاسَمَتَهُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَطْيَانِ فَهَلْ يُجَابُونَ لِذَلِكَ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَلْزَمُ أَبَاهُمْ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَرَامَةِ، أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ نَعَمْ لَا يُجَابُونَ لِمُقَاسَمَةِ أَبِيهِمْ فِي أَمْوَالِهِ وَأَطْيَانِهِ بَلْ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ وَأَطْيَانِهِ لَهُ وَحْدَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ لِعَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْمُسَامَحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَمَنْ يَكْتَسِبُ مَعَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ فِي التَّكَسُّبِ وَالنَّفَقَةِ حُمِلَ الْجَمِيعُ عَلَى التَّبَرُّعِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ وَمَا غَرِمَهُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُتَبَرِّعُونَ بِعَمَلِهِمْ مَعَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا مِمَّا غَرِمَهُ عَنْهُمْ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْمُشَاحَّةِ وَالْمُحَاسَبَةِ فِيمَا ذُكِرَ حَاسَبَهُمْ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ وَمَا غَرِمَهُ عَنْهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْكَسْبِ وَحَاسَبُوهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِمْ بِنَظَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا لَهُمْ عَلَيْهِ وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ مَنْ لَهُ الزِّيَادَةُ بِهَا أَيًّا كَانَ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَسَّبُ مَعَهُ بَعْضُ أَوْلَادِهِ ثُمَّ يَمُوتُ الرَّجُلُ هَلْ يَخْتَصُّ الْمُتَكَسِّبُ بِشَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَنَصُّ الْجَوَابِ الْعَادَةُ مُحْكِمَةٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُسَامَحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَمَنْ يَكْتَسِبُ مَعَهُ فَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ التَّبَرُّعِ فِي مُعَاوَنَةِ الْأَبِ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِشَيْءٍ وَإِلَّا حَاسَبَ بِحَسَبِ تَكَسُّبِهِ بِنَظَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ انْتَهَى. وَلَهُ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا نَصُّهُ مَنْ تَكَسَّبَ مَعَهُ أَوْلَادُهُ وَالْمَالُ لِلْأَبِ فَلَهُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ الْأَوْلَادُ بِالْعَمَلِ فَلَهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِهِمْ وَيُحَاسِبُهُمْ بِنَفَقَتِهِمْ إنْ كَانَتْ اهـ. وَأَمَّا الْغَرَامَةُ فِي الْمُسْتَقِيلِ فَمَا كَانَ مَكْتُوبًا بِاسْمِ الْأَبِ فِي الدِّيوَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى الْأَوْلَادِ وَمَا كَانَ بِاسْمِ أَحَدِ الْأَوْلَادِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ لِلصُّلْحِ وَيَذْكُرَ لِلْأَبِ أَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنْ مُعِينٍ فَأَوْلَادُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِلْأَوْلَادِ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَغْرَمُوا فَمُعَاوَنَةُ الْأَبِ أَوْلَى وَيَأْمُرُهُ بِالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِمُطَاوَعَتِهِ وَيَأْمُرُ الْجَمِيعَ بِطَرْحِ كَلَامِ النِّسْوَةِ فَإِنَّهُنَّ كَفِئْرَانِ السَّفِينَةِ إنْ وَسَقَتْ أَكَلَتْ وَرَاثَتْ وَإِنْ خَلَتْ أَكَلَتْ مِنْ خَشَبِهَا وَرَاثَتْ وَإِنْ غَرِقَتْ نَطَّتْ لِلْبَرِّ أَوْ سَفِينَةٍ أُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَاشِيَةِ قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ مَا مُحَصِّلُهُ لَوْ عَمِلَ أَوْلَادُ رَجُلٍ فِي مَالِهِ مَعَهُ، أَوْ وَحْدَهُمْ وَنَشَأَ مِنْ عَمَلِهِمْ غَلَّةٌ كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْأَبِ وَلَيْسَ لِلْأَوْلَادِ إلَّا أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ يَدْفَعُهَا لَهُمْ بَعْدَ مُحَاسَبَتِهِمْ بِنَفَقَتِهِمْ وَزَوَاجِهِمْ إنْ كَانَ زَوَّجَهُمْ فَإِنْ لَمْ تَفِ أُجْرَتُهُمْ بِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِالْبَاقِي إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرَّعَ لَهُمْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالزَّوَاجِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوْلَادُ بَيَّنُوا لِأَبِيهِمْ أَوَّلًا أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ لَهُمْ، أَوْ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا عُمِلَ بِمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَزَوَّجَهُمْ وَخَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ وَلَدًا فَمَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ عَنْ ابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَبِيهِ فَهَلْ إذَا أَرَادَتْ الزَّوْجَةُ أَخْذَ مِيرَاثِهَا وَالْحَالُ أَنَّ زَوْجَهَا لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَخْتَصُّ بِهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ مَالِ أَبِيهِ لَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ أَبِيهِ شَيْءٌ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا شَيْءَ لَهَا

تبرع الصحيح في زمن الوباء

عِنْدَ أَبِيهِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ لَمْ يَكْتَسِبْ، أَوْ يَكْتَسِبُ وَعُرْفُهُمْ جَارٍ بِالْمُسَامَحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَمَنْ يَكْتَسِبُ مَعَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَالتَّبَرُّعِ فِي مُعَاوَنَتِهِ وَإِلَّا حُوسِبَ الْوَالِدُ بِحَسَبِ تَكَسُّبِ وَلَدِهِ مَعَهُ بِنَظَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَحُسِبَ لَهُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْوَلَدِ وَزَوْجَتِهِ بَعْدُ بُلُوغِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ؛ فَإِنْ زَادَ لِلْوَلَدِ شَيْءٌ فَلِزَوْجَتِهِ ثَمَنُهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [تَبَرُّعِ الصَّحِيحِ فِي زَمَنِ الْوَبَاءِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَبَرُّعِ الصَّحِيحِ فِي زَمَنِ الْوَبَاءِ هَلْ هُوَ لَازِمٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، تَبَرُّعُ الصَّحِيحِ فِي زَمَنِ الْوَبَاءِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ النَّاسِ كَتَبَرُّعِ الْمَرِيضِ عِنْدَ الْبُرْزُلِيِّ فَيَرُدُّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَعِنْدَ أَبِي مَهْدِيٍّ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِتُونُسَ لَازِمٌ فِي الْجَمِيعِ كَتَبَرُّعِ الصَّحِيحِ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْوَبَاءِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ لَا يُحْسِنُونَ التَّصَرُّفَ فَحَازَهُمْ أَخُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ فَبَلَغَ أَحَدُهُمْ رَشِيدًا وَأَرَادَ الْخُرُوجَ بِإِخْوَتِهِ عَنْ عَمِّهِ وَأَخْذَ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِنْ الْمَتَاعِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ أَخْذِ فَرَسٍ وَبَقَرَتَيْنِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ بَاعَهُمَا وَصَرَفَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْوَلَدُ فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ إنْ كَانَ الْعَمُّ ابْتَاعَهَا لِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ بَقَائِهَا تَحْتَ يَدِهِ تَعَقَّبَ ابْتِيَاعَهُ فَإِنْ كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مَضَى وَإِلَّا رُدَّ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَتَعَقَّبْ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكُرِهَ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا اشْتِرَاءٌ مِنْ التَّرِكَةِ وَتَعَقُّبٌ إلَّا قَلِيلًا وَقَفَ عَلَى ثَمَنٍ فِي التَّسَوُّقِ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ لِمُنْفِقٍ أَشْبَهَ بِيَمِينٍ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ انْتَهَى. وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الْعَمَّ الْمَذْكُورَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْلِيمِ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا جَمِيعَ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُسَلِّمَهُ نَصِيبَهُ خَاصَّةً وَيُبْقِيَ نَصِيبَ غَيْرِهِ تَحْتَ يَدِهِ إلَى بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ عُرْفُهُمْ جَارِيًا بِتَرْكِ الْإِيصَاءِ اتِّكَالًا عَلَى قِيَامِ الْأَخِ وَنَحْوِهِ بِأَمْرِ الْعِيَالِ فَهُوَ حِينَئِذٍ وَصِيٌّ بِالْعَادَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ فَيَفُكُّ الْحَجْرَ عَنْهُ وَيُسَلِّمُهُ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَوْلَادٍ بَالِغِينَ مُقِيمِينَ مَعَ أَبِيهِمْ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَكْتَسِبُونَ سَوِيَّةً فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ أَنْ يَنْعَزِلَ فِي مَعِيشَةٍ وَحْدَهُ وَطَلَبَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا تَحْتَ يَدِ أَبِيهِ مِنْ الْمَوَاشِي فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ مَتَى كَانَ أَصْلُ الْمَالِ لِلْأَبِ فَالْمَالُ وَنَمَاؤُهُ لِلْأَبِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ عَادَةُ بَلَدِهِمْ تَبَرُّعَ الْأَوْلَادِ بِالْعَمَلِ مَعَ الْأَبِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوْلَادِ عَلَى أَبِيهِمْ وَإِلَّا فَلَهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِهِمْ عَلَيْهِ وَلَهُ مُحَاسَبَتُهُمْ بِنَفَقَتِهِمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْكَسْبِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ زَوْجَتَيْنِ وَابْنٍ قَاصِرٍ وَأَخٍ وَتَرَكَ جَامُوسَتَيْنِ فَتَوَجَّهَ الْأَخُ مَعَ الزَّوْجَتَيْنِ إلَى فَقِيهٍ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَامُوسَةً فِي نَظِيرِ صَدَاقِهَا فَمَاتَتْ جَامُوسَةُ إحْدَاهُمَا عَنْ

زال عقله بكجنون أو جذب وعليه حق لآدمي قبل ذلك فهل يسقط عنه

قُرْبٍ وَمَكَثَتْ جَامُوسَةُ الْأُخْرَى مُدَّةً طَوِيلَةً وَصَارَ لَهَا نَسْلٌ مُتَعَدِّدٌ فَهَلْ إذَا بَلَغَ الِابْنُ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي تِلْكَ الْجَامُوسَةِ وَدَفْعَ صَدَاقَ مَنْ أَخَذَتْهَا مِنْ الْعَمِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُجَابُ لِذَلِكَ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الْعَادَةَ إذَا جَرَتْ بِتَصَرُّفِ الْأَخِ الْكَبِيرِ لِابْنِ أَخِيهِ الْقَاصِرِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَصِيِّ فَحَيْثُ صَادَفَ فِعْلُهُ الصَّوَابَ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَامُوسَةِ بِقَدْرِ الصَّدَاقِ وَقْتَ دَفْعِهَا مَضَى ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلِابْنِ رَدٌّ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [زَالَ عَقْلُهُ بِكَجُنُونٍ أَوْ جُذِبَ وَعَلَيْهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِكَجُنُونٍ، أَوْ جُذِبَ وَعَلَيْهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ مُسَامَحَتُهُ أَمْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ مُسَامَحَتُهُ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَقُّ مَالِيًّا أَقَامَ الْقَاضِي عَلَى مَالِ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهِ وَيَقْضِي عَنْهُ مِنْهُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ كَانَ بَدَنِيًّا كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ أَخَّرَ حَتَّى يَعُودَ لَهُ عَقْلُهُ فَيُقَامَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ لَهُ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ الْحَطَّابُ: فَرْعٌ فَإِنْ قَتَلَ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُسَلَّمُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ يَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ لَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يَصِحَّ لِأَنِّي أَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا أَقُولُ هَذَا فِي حُقُوقِ النَّاسِ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا هَذَا الْمَجْنُونَ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اتَّبَعُوهُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ فَهَلْ يُسَلَّمُ لِلْقَتْلِ أَوْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ قَوْلَانِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ انْتَهَى فَسَوَّى بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ لِابْنِ الْمَوَّازِ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَكْلِ شُرَكَاءِ الْيَتَامَى فِي الزَّرْعِ وَغَيْرِ شُرَكَائِهِمْ مِنْ مَالِهِمْ ضِيَافَةً] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ عِنْدَنَا مِنْ أَكْلِ شُرَكَاءِ الْيَتَامَى فِي الزَّرْعِ وَغَيْرِ شُرَكَائِهِمْ مِنْ مَالِهِمْ ضِيَافَةً وَمِنْ التَّصَدُّقِ مِنْهَا وَمِنْ اسْتِعْمَالِ دَوَابِّهِمْ وَمِنْ أَكْلِ الضُّيُوفِ وَالزَّائِرِ مِنْهَا إذَا كَانَ عَادَةَ آبَائِهِمْ وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ وَصِيٍّ شَرْعِيٍّ وَهَلْ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَكُونُ كَبِيرَةً أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِشُرَكَاءِ الْأَيْتَامِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ الْأَكْلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِيَافَةً وَلَا التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا اسْتِعْمَالُ دَوَابِّهِمْ وَلَا يَجُوزُ لِلضُّيُوفِ وَلَا لِلزَّائِرِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ عَادَةَ آبَائِهِمْ إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ كَبِيرَةً فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا وَغُرْمُ مِثْلِ الْمَأْكُولِ، أَوْ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ، أَوْ قِيمَتُهُ إلَّا مَا أُكِلَ فِي تَوْسِعَةِ نَفَقَةِ عِيدٍ وَخَتْنٍ وَعُرْسٍ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ لِلْيَتِيمِ وَصِيٌّ دَعَاهُ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [تَصَرُّفَاتِ السَّفِيهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يُوصِ عَلَيْهِ أَحَدًا وَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى صَارَ كَهْلًا وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ شَرْعًا وَبَاعَ أَرْضًا لِمُصَالَحَةٍ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ بَعْضُ عَشِيرَتِهِ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا

عَلَيْهِ الْبَيْعَ مُدَّعِينَ أَنَّهُ سَفِيهٌ مُتَمَسِّكِينَ بِمَا فِي الْمِعْيَارِ مِنْ جَرَيَانِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَدِّ تَصَرُّفَاتِ السَّفِيهِ فَهَلْ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْهُ عَمَلًا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ بِمُضِيِّ تَصَرُّفَاتِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ لَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ إذَا جُهِلَ حَالُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِرُشْدٍ وَلَا سَفَهٍ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ كَذَلِكَ لَمْ يُعْلَمْ بِرُشْدٍ وَلَا سَفَهٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْفِقُ لَيْسَ إلَّا، أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ اعْلَمْ أَنَّ الرُّشْدَ عِنْدَنَا مُجَرَّدُ حِفْظِ الْمَالِ وَعَدَمِ صَرْفِهِ فِي الشَّهَوَاتِ لَا التَّكَسُّبُ وَالِاشْتِغَالُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا وَالسَّفَهُ ضِدُّهُ فَهُوَ عَدَمُ حِفْظِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ فِي الشَّهَوَاتِ وَلَوْ مُبَاحَةً لَا تَرْكَ التَّكَسُّبِ وَعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِجَمْعِ الدُّنْيَا فَهَذَا الشَّخْصُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ مَعْلُومٌ بِالرُّشْدِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ لِمَالِهِ وَمُنْفِقٌ بِالْمَعْرُوفِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَسَّبْ وَلَمْ يَجْمَعْ الْمَالَ لَا سَفِيهٌ حَتَّى يَكُونَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلَا مَجْهُولٌ حَالُهُ وَطَرِيقَتُهُ هِيَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَصُلَحَاءِ الْخَلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَنْ تَوَهَّمَ فِيهِمْ السَّفَهَ فَهُوَ السَّفِيهُ الْخَاسِرُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مِنْ زَمَانٍ يَظُنُّ أَهْلُهُ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ الدُّنْيَا الدَّنِيئَةِ الْفَانِيَةِ الَّتِي لَا تَزْنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ أَنَّ الرُّشْدَ عُبُودِيَّةُ الدُّنْيَا وَالسَّعْيُ فِي الزِّيَادَةِ مِنْهَا الْمَذْمُومُ شَرْعًا وَأَنَّ السَّفَهَ ضِدُّ ذَلِكَ الْمَحْمُودِ شَرْعًا فَأَفْعَالُهُ مَاضِيَةٌ اتِّفَاقًا وَلَا يُمَكَّنُ مَنْ أَرَادَ رَدَّ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَكَانَ مَاضِيَ الْأَفْعَالِ اتِّفَاقًا أَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَغِيرٍ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ بَلَغَ وَسَكَتَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّ الْبَيْعِ مُحْتَجًّا بِالصِّغَرِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا إنْ سَكَتَ بَعْدَ رُشْدِهِ مُدَّةً تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ. وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ قَامَ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَجَدْت لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَا بَاعَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، أَوْ اشْتَرَى إنْ رَشَدَ يَمْضِي انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا لَمْ يَتْرُكْ بَعْدَ أَنْ يَلِيَ أَمْرَ نَفْسِهِ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا انْتَهَى اُنْظُرْ مَسَائِلَ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي إخْوَةٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ بَالِغِينَ وَقَاصِرِينَ احْتَاجُوا لِبَيْعِ قِطْعَةِ أَرْضٍ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِمْ فَبَاعَهُمْ الْبَالِغُونَ مُنِيبِينَ عَنْ الْقَاصِرِينَ أَحَدُهُمْ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَ نَصِيبِهِمْ فَبَلَغَ الْقَاصِرُونَ وَأَرَادُوا رَدَّ بَيْعِ حِصَّتِهِمْ مُقِيمِينَ عَلَى النَّائِبِ عَنْهُمْ بَيِّنَةً بِعَدَمِ الصَّرْفِ عَلَيْهِمْ فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ وَأَخْذُ نَصِيبِ الْبَالِغِينَ بِالشُّفْعَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجَابُونَ لِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّائِبُ عَنْهُمْ وَصِيًّا عَلَيْهِ مِنْ أَبِيهِمْ بِنَصٍّ وَلَا بِعَادَةٍ فَإِنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ بِنَصٍّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ بِعَادَةٍ بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِمْ بِتَرْكِ الْإِيصَاءِ عَلَى الصِّغَارِ اتِّكَالًا عَلَى تَصَرُّفِ أَخٍ رَشِيدٍ لَهُمْ، أَوْ جَدٍّ، أَوْ عَمٍّ كَذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِمْ فَلَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ مُؤْنَتُهُمْ مِنْ مَالِهِ وَكُلٌّ بِمَحَلٍّ فَتَكَسَّبَ بَعْضُهُمْ وَحَصَّلَ لِنَفْسِهِ طِينًا

مسائل الصلح

وَخِلَافَهُ ثُمَّ انْتَزَعَهُمَا مِنْهُ أَبُوهُ وَضَمَّهُمَا لِمَالِهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِمَا إلَى مَوْتِهِ فَأَرَادَ الْمُتَكَسِّبُ أَخْذَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَاخْتِصَاصَهُ بِهِ وَمَنَعَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ اكْتِسَابُهُ بِتَنْمِيَةِ مَالِ أَبِيهِ فَالنَّمَاءُ لِأَبِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَا انْتَزَعَهُ أَبُوهُ مِنْهُ وَلَا الِاخْتِصَاصُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَبَرُّعَ أَبِيهِ لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةٍ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ عَنْ ثُلُثِ مَالِهَا وَعَلِمَ زَوْجُهَا بِهِ وَسَكَتَ سَنَةً بِلَا مَانِعٍ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّ تَبَرُّعِهَا بِذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ لِاقْتِصَارِهِمْ فِي مَقَامِ بَيَانِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ رَدِّ تَبَرُّعِهَا بِزَائِدِ ثُلُثِهَا عَلَى طَلَاقِهَا وَمَوْتِهَا وَالِاقْتِصَارُ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الصُّلْحِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الصُّلْحِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ ابْنٍ صَبِيٍّ وَزَوْجَةٍ رَشِيدَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَطَلَبَتْ مَنَابَهَا مِنْ الْإِرْثِ وَمُؤَخَّرَ صَدَاقِهَا فَصَالَحَهَا وَالِدُهُ بِدَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ وَهِيَ عَقَارٌ وَعُرُوضٌ حَاضِرَةٌ فَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ طَلَبَتْ الدَّرَاهِمَ الْمُصَالَحَ بِهَا فَامْتَنَعَا مِنْ أَنْ يُعْطِيَاهَا شَيْئًا وَقَالَا إنَّ الْمُتَوَفَّى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَهَلْ الصُّلْحُ لَازِمٌ، أَوْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ لِلْإِرْثِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تُكَلَّفُ الزَّوْجَةُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِعَقَارِ زَوْجِهَا وَعُرُوضِهِ فَإِذَا أَقَامَتْهَا جُبِرَ الْأَبَوَانِ عَلَى تَمْكِينِهَا مِنْ مِيرَاثِهَا فِيهِمَا وَفِي سَائِرِ مَا يَثْبُتُ لِزَوْجِهَا وَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا بَلْ فَسْخُهُ وَاجِبٌ لِفَسَادِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّ مُؤَخَّرَ صَدَاقِهَا دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ قَبْلَ الْمِيرَاثِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ، أَوْ يُقَوَّمَ وَيُجْعَلَ فِي الصَّدَاقِ وَيُقْسَمَ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ، أَوْ يُصَالِحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ فَحَيْثُ صُولِحَتْ الزَّوْجَةُ عَنْ مَجْمُوعِ صَدَاقِهَا وَثَمَنِهَا مِنْ بَاقِي التَّرِكَةِ صَارَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُصَالَحُ بِهَا بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ جُزْءِ التَّرِكَةِ الَّذِي يُبَاعُ فِي الصَّدَاقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ ثَمَنِ الْبَاقِي وَهُوَ مَجْهُولٌ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَنْ الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ يَدْخُلُهُ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ وَالْكَالِئُ مِنْ الدَّيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُؤَدَّبَ وَيُعْرَفَ الْبَاقِي وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى حَظِّهَا فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ وَقَعَ الْجَهْلُ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَالَ أَشْهَبُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِثَالُ ذَلِكَ لَوْ تَرَكَ دَارًا فَقَالَ سَائِلُ الْوَرَثَةِ لِلزَّوْجَةِ خُذِي خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا عَنْ كَالِئِك وَمِيرَاثِك فِي الدَّارِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ الدَّارِ لِلْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الْمِيرَاثُ إذَا كَانَ الْكَالِئُ خَمْسَةً وَبِالْعَكْسِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الطِّرَازِ نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ

زوجة ورثت الثمن فصالحها باقي الورثة بأربعة فدادين من أرض زوجها

مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ لَهُ مُقَابِلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَقْرَضَ آخَرَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقْتَرِضُ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْمُقْرِضُ بَيِّنَةً بِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى إسْقَاطِ الْبَعْضِ وَتَأْخِيرِ الْبَعْضِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ رَجَعَ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْإِنْكَارِ فَهَلْ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَرَادَ الْمُقْرِضُ الرُّجُوعَ عَنْ الصُّلْحِ وَأَخْذَ جَمِيعِ الدَّرَاهِمِ الْمَشْهُودِ بِهَا لَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْبَعْضِ الْمُصَالَحِ بِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ الْمُقْرِضُ لِأَخْذِ الدَّرَاهِمِ كُلِّهَا وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْبَعْضِ الْمُصَالَحِ بِهِ وَيُجْبَرُ الْمُقْتَرِضُ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ حَالًا إنْ كَانَ مَلِيًّا إذَا ثَبَتَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى وَجْهٍ يَسُوغُ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ نَقْضُهُ وَإِنْ حَاوَلَاهُ وَذَهَبَا إلَى ذَلِكَ وَيُجْبَرَانِ عَلَى إمْضَائِهِ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ رُجُوعًا إلَى الْخُصُومَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ انْتَهَى وَالْهِبَةُ تَلْزَمُ الْوَاهِبَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ قَالَ الْعَدَوِيُّ إنْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَدَّ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقْبَلْ إبْرَاءَهُ مِنْ الْبَعْضِ فَلَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ وَأَخْذُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ عِنْدَ آخَرَ قَدْرًا مِنْ قَمْحٍ وَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُودَعُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُودِعِ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى قَدْرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَهَلْ هَذَا الصُّلْحُ جَائِزٌ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الصُّلْحُ جَائِزٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْأَخْذُ عَنْ مُسْتَهْلَكٍ بَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمُقْتَرِضِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الَّذِي قَبِلَهُ طَعَامٌ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَفٍ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الطَّعَامِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مِنْ صِنْفِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ وَيَجُوزُ أَيْضًا بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ مُعَجَّلًا وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ التَّأْجِيلِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَمٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ إلَّا مِنْ صِنْفِهِ وَعَلَى صِفَتِهِ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْأَجَلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [زَوْجَة وَرِثَتْ الثُّمُنَ فَصَالَحَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ بِأَرْبَعَةِ فَدَادِينَ مِنْ أَرْضِ زَوْجِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةٍ وَرِثَتْ الثُّمُنَ فَصَالَحَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ بِأَرْبَعَةِ فَدَادِينَ مِنْ أَرْضِ زَوْجِهَا وَزَرَعَتْهَا مُدَّةً ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ ابْنِ أَخٍ فَحَازَهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً وَمَسَحَتْ عَلَى صَاحِبِ الْأَثَرِ الْأَصْلِيِّ وَلَكِنْ أُضِيفَتْ عَلَى الْحَائِزِ بِدَفْتَرِ الصَّرَّافِ ثُمَّ أَرَادَ بَعْضُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ رَدَّ الْأَفْدِنَةِ وَنَقْضَ الصُّلْحِ مُتَعَلِّلًا بِأَنَّهَا أَثَرُهُ وَمَسَحَتْ عَلَيْهِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي تَرَكَهَا الزَّوْجُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَدَّانًا فَأَكْثَرَ مُطْلَقًا، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَحَضَرَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا وَقْتَ الصُّلْحِ وَقَرِيبُ الْغَيْبَةِ كَالْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أُعْطِيت الزَّوْجَةُ بَعْضَ إرْثِهَا وَوَهَبَتْهُمْ الْبَاقِيَ وَفِي الثَّانِي أَخَذَتْ حَقَّهَا فِي الْأَرْضِ وَبَاعَتْ حَقَّهَا فِي غَيْرِهَا بِالْأَرْضِ الزَّائِدِ عَنْ حَقِّهَا الَّتِي أَخَذَتْهَا مَعَهُ فَالصُّلْحُ فِي الْأَوَّلِ هِبَةٌ وَفِي الثَّانِي بَيْعٌ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ يَلْزَمَانِ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ، وَكَيْفَ وَقَدْ انْضَمَّ

لِذَلِكَ الْحِيَازَةُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَالْعَمَلِ بِالْوَثَائِقِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ صُلْحُ الْوَارِثِ مِنْ التَّرِكَةِ إنْ حَضَرَتْ كُلُّهَا، أَوْ لَمْ يَزِدْ صُلْحُهُ عَلَى إرْثِهِ مِنْ الْحَاضِرِ وَقُرْبُ الْغَيْبَةِ فِي الْعَرْضِ كَالْحُضُورِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَلْزَمْ بَيْعٌ وَصَرْفٌ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ حَيْثُ صَالَحَ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَمَّا فِيهِ الْآخَرُ بِأَنْ تَقِلَّ الدَّرَاهِمُ، أَوْ قِيمَةُ الْعَرْضِ عَنْ صَرْفِهِ لَا مِنْ غَيْرِهَا إلَّا بِعَرْضٍ إنْ عَلِمَاهَا أَيْ الْمُتَصَالِحَانِ التَّرِكَةَ وَحَضَرَتْ أَوْ بِذَهَبٍ عَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ وَعَكْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ يَجُوزُ إنْ اجْتَمَعَا فِي دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَكَبَيْعِهِ الصُّلْحَ عَنْهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ وَأَوْلَادِ ابْنٍ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ مَاتَ الِابْنُ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَتَرَافَعَتَا لِلْقَاضِي فَقَوَّمَ التَّرِكَةَ بِدَرَاهِمَ وَحَسَبَ مَا يَخُصُّ الْأُخْتَ مِنْ التَّرِكَتَيْنِ وَأَعْطَاهَا فِي نَظِيرِهَا فَدَّانًا مِنْ طِينِ أَبِيهَا وَكَتَبَ لَهَا بِهِ وَثِيقَةً ثُمَّ أَرَادَ أَوْلَادُ الِابْنِ أَخْذَ الْفَدَّانِ مِنْ عَمَّتِهِمْ وَإِعْطَاءَ الدَّرَاهِمِ لَهَا مُدَّعِينَ أَنَّ الْبَنَاتَ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الطِّينِ فَهَلْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ وَهَلْ أَخْذُ الْأُخْتِ الْفَدَّانَ بَيْعٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمْ شَيْئًا فِي تَرِكَةِ جَدِّهِمْ وَتَرِكَةِ عَمِّهِمْ وَقَوْلُهُمْ لَا حَقَّ لِلْبَنَاتِ فِي الطِّينِ كَلَامٌ بَاطِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفٍ فَاسِدٍ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَمُوَافِقٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ عَنْ عَدَمِ تَوْرِيثِ الْبَنَاتِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَدَّانُ الَّذِي أَخَذَتْهُ بِنْتُ الْأَوَّلِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الثَّانِي زَائِدًا عَلَى حَقِّهَا مِنْ الطِّينِ فَالْأَخْذُ شِرَاءٌ لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ عَنْ حَقِّهَا مِنْهُ بِمَا تَسْتَحِقُّهُ مِنْ بَاقِي التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَهُوَ صُلْحٌ بِبَعْضِ الْحَقِّ وَهِبَةٌ لِلْبَاقِي وَلَا يَخْفَاك أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَيْ التَّرِكَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهَا مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهَا الثُّلُثَ وَمِنْ تَرِكَةِ أَخِيهَا النِّصْفَ وَنِصْفُ الثُّلُثَيْنِ الثُّلُثُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَقَدْ كَانَ مَعَ أَخِيهِ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ مَشْهُورَيْنِ بِالْغِنَى وَبَقِيَ مَعَ عَمِّهِ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ هَذَا الْمَالُ الَّذِي بِيَدِي كُلُّهُ لِي جَدَّدْته بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك وَأَبُوك لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنْ صَدَّقْتنِي عَلَى ذَلِكَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ أَعْطَيْتُك أَرْبَعَةَ آلَافِ قِرْشٍ وَإِلَّا فَلَا أُعْطِيك شَيْئًا فَأَشْهَدَ ابْنُ الْأَخِ سِرًّا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ يُصَدِّقُ عَمَّهُ وَيُبَرِّئُهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَيَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ مُلْتَزِمًا لِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى أَخْذِ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنْ مُخَاصَمَتِهِ وَأَنَّهُ مَتَى تَمَكَّنَ مِنْهَا خَاصَمَهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ وَأَبْرَأهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَهَلْ تَنْفَعُهُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ وَيُمَكَّنُ مِنْ مُخَاصَمَتِهِ مَتَى أَمْكَنَتْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا التَّصْدِيقُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْإِشْهَادُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ تَنْفَعُهُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ وَيُمَكَّنُ مِنْ مُخَاصَمَتِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا التَّصْدِيقُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِمَا قَالَ الْخَرَشِيُّ الْخَامِسَةُ مَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ فَأَنْكَرَهُ فَأَشْهَدَ سِرًّا أَنَّ بَيِّنَتَهُ غَائِبَةٌ بَعِيدَةُ الْغَيْبَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ لِأَجْلِ بُعْدِ غَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ وَأَنَّهُ إنْ قَدِمَتْ قَامَ بِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِنُ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ صَالَحَهُ ثُمَّ قَدِمَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَيُنْقَضُ الصُّلْحُ كَمَنْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ ثُمَّ قَالَ وَاتَّفَقَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ

مسائل الضمان

وَشَيْخُهُ بُرْهَانُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ عَلَى أَنَّ لَهُ نَقْضَ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَهُ إبْرَاءٌ عَامٌّ فَيُقَيَّدُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَإِنْ أَبْرَأهُ فُلَانٌ مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ بَرِئَ مُطْلَقًا بِهَذَا. [مَسَائِلُ الضَّمَانِ] [رَجُل ضَمَّنَ آخَرَ فِي الْحَالَاتِ السِّتِّ وَبَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ طَلَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الضَّامِنَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الضَّمَانِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَمَّنَ آخَرَ فِي الْحَالَاتِ السِّتِّ وَبَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ طَلَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الضَّامِنَ فَطَلَبَ مِنْهُ الْوَثِيقَةَ فَأَحْضَرَهَا مَضْرُوبًا عَلَيْهَا وَمَكْتُوبًا تَحْتَهَا بِالْعَدَالَةِ أَشْهَدَ فُلَانٌ الْمَدِينُ أَنَّهُ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ أَعْلَاهُ كَذَا وَكَذَا فَهَلْ يَسْقُطُ الضَّمَانُ وَيُحْمَلُ الْمَضْمُونُ وَرَبُّ الدَّيْنِ عَلَى التَّوَاطُؤِ عَلَى إلْزَامِ الضَّامِنِ فِي غَيْرِ مَا ضَمِنَ فِيهِ وَلَا يَسْقُطُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَهُ تَحْلِيفُهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ حَيْثُ اُتُّهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالَهُ عَلَى مَيِّتٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ الْتَزَمَ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَثِيقَةً بِأَنَّهُ يَدْفَعُ كُلَّ شَهْرٍ قَدْرًا مَخْصُوصًا مِنْهُ وَأَبُوهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أَصْلًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالَهُ عَلَى مَيِّتٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إذَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ. الْحَطَّابُ لَا أَعْلَمُ فِي الْقَضَاءِ بِهِ خِلَافًا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الْخَرَشِيِّ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا عَنْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى صِحَّتِهِ وَلَزِمَهُ إنْ وَقَعَ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَحَّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُعْدِمِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ] [أَمَرَ خفير الْبَلَد بِأَخْذِ بَقَرَتِهِ وَتَطْحِينِهَا وَمَاتَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ أَنَّهُ أَمَرَ غَفِيرَ الْبَلَدِ بِأَخْذِ بَقَرَتِهِ وَتَطْحِينِهَا وَمَاتَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَمْرَ وَالطَّحْنَ فَهَلْ إذَا وَجَدَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَايَنَتْ الطَّحْنَ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْأَمْرِ تَكُونُ كَافِيَةً فِي تَضْمِينِهَا لِلْآمِرِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا تُعْلَمُ بِالْأَمْرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا تَشْهَدُ بِالْإِكْرَاهِ الْأَخَصِّ مِنْ الْأَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ، أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى تَلَفِ شَيْءٍ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ مَعًا هَذَا لِتَسَبُّبِهِ وَهَذَا لِمُبَاشَرَتِهِ لَكِنْ تَارَةً يَضْمَنَانِ مُتَرَتِّبًا كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الرَّمْيِ فَالْمُبَاشِرُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ فَلَا يُتْبَعُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَدِيمًا وَتَارَةً

يَضْمَنَانِ مَعًا كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الْمُكْرِهَ بِالْكَسْرِ وَالْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ سَوَاءٌ فِي تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ انْتَهَى وَأَمَّا الْأَمْرُ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَغُرُورٌ قَوْلِيٌّ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا عَلَى الْآمِرِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا مَحْجُورًا لَهُ، أَوْ رَقِيقًا لَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَفِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَلَا شَيْءَ عَلَى غَارٍّ بِالْقَوْلِ لَمْ يَأْخُذْ أَجْرَهُ انْتَهَى. وَفِيهِ فِي الْجِنَايَاتِ وَأَمْرُ السَّيِّدِ كَالْإِكْرَاهِ وَقَتْلِ أَبٍ وَمُعَلِّمٌ أَمَرَ صَغِيرًا انْتَهَى نَعَمْ إنْ كَانَ الْغَفِيرُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ إنْ خَالَفَ الْأَمْرَ كَانَ نَفْسُ الْأَمْرِ إكْرَاهًا فَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ تَنْبِيهٌ لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بَعْضَ أَعْوَانِهِ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا فَفَعَلَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَعًا انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ فَصَدَ وَلَدًا وَأَخَذَ قَيْحًا، أَوْ صَدِيدًا مِنْ مَجْدُورٍ وَجَعَلَهُ فِي تِلْكَ الْفَصْدَةِ فَمَاتَ الْوَلَدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ، أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَلْ هَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِجَوَازِهِ فَمَا وَجْهُهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ جَوَازِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ مَا طَرَأَ عَلَى الْوَلَدِ فَاعِلَ ذَلِكَ لَهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَلْزَمُهُ فَمَا وَجْهُهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِلُزُومِهِ فَهَلْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ، أَوْ الْخَطَأِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَلَا لِغَيْرِهِ فِعْلُهُ بِهِ وَلَوْ خَافَ الْوَلِيُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ظَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالُ ضَرَرٍ وَتَغْرِيرٌ بِنَفْسِ الطِّفْلِ وَأَطْرَافِهِ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ يَتَحَيَّلُونَ بِهِ بِزَعْمِهِمْ عَلَى تَطْوِيلِ الْحَيَاةِ وَرَدِّ الْقَضَاءِ وَإِنْ وَقَعَ وَمَاتَ الطِّفْلُ بِسَبَبِهِ فَهُوَ جِنَايَةٌ عُمِدَتْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِقَسَامَةٍ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا، أَوْ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ آخَرُ اُقْتُصَّ مِنْ الْفَاعِلِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ بِالطِّفْلِ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِلطِّفْلِ فَقَطْ، أَوْ مِثْلُهُ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ تَمَّ الْأَمْرُ وَإِلَّا يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ مَا حَصَلَ لِلطِّفْلِ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْفَصْدِ الْمَذْكُورِ مَوْتٌ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ اُقْتُصَّ مِنْ الْفَاعِلِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ أَيْضًا وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجْرِي عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِالطِّفْلِ أَحْكَامُ جِنَايَةِ الْعَمْدِ هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَئِمَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْحُكْمِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ الَّتِي عَمَّتْ فِيهَا الْبَلْوَى وَجَبَرَ الظَّلَمَةُ وَأَعْدَاءُ الدِّينِ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا وَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَصٍّ قَدِيمٍ فِيهَا فَلْيُلْحِقْهُ بِهَذَا وَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مُطَرِّفٌ إنْ قَالَ الْوَكِيلُ مَا فَعَلْته إلَّا خَوْفًا مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يُعْذَرْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» قَالَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَمَرَ بِفِعْلِهِ ظُلْمًا وَمَنْ قَطَعَ، أَوْ قَتَلَ، أَوْ جَلَدَ، أَوْ أَخَذَ مَالًا وَهُوَ يَخَافُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ نَزَلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا يَفْعَلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَالْغُرْمُ اهـ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا وَوَاحِدٌ عَلَيْهِ مَغْرَمٌ لِدِيوَانِ الصَّيَّادِينَ فَهَلْ إذَا أَرَادَ الْعُزْلَةَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا غَرِمَهُ وَحْدَهُ، أَوْ يُحْسَبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ سَوِيَّةً أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُحْسَبُ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يَمْلِكُونَ قَرْيَةً وَمَزَارِعَ حَوْلَهَا مِنْ جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ لَهَا حُدُودٌ مَعْلُومَةٌ ثُمَّ أَتَى عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ بِجُنُودِهِ فَنَهَبَهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا ثُمَّ أَتَى جَمَاعَةٌ آخَرُونَ فَسَكَنُوا بِجَانِبِ الْقَرْيَةِ مِنْ مَزَارِعِهَا وَبَنَوْا فِيهِ قَرْيَةً وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْمَزَارِعِ وَفَجَّرُوا فِيهَا عُيُونًا وَغَرَسُوا فِيهَا أَشْجَارًا ثُمَّ جَاءَتْ

رجل بنى في أرض غيره بلا إذن ولا شبهة

الْجَمَاعَةُ الْأُولَى لِقَرْيَتِهَا وَأَرَادُوا طَرْدَ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَحْدَثُوهَا وَمَنْعَهُمْ مِنْ الْمَزَارِعِ فَهَلْ يُجَابُونَ لِذَلِكَ وَالسَّائِلُ شَامِيٌّ وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِإِجَابَتِهِمْ لِذَلِكَ مُطْلِقِينَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَرْضُ الشَّامِ الصَّالِحَةُ لِلزِّرَاعَةِ وَأَرْضُ الدُّورِ وَقْفٌ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالْعِرَاقِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً وَالنَّاظِرُ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ وَنَائِبُهُ مِثْلُهُ يُكْرِيهَا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا وَيَقْبِضُ خَرَاجَهَا وَيَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ مِنْ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فَلَا مِلْكَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ عَلَيْهَا وَإِذَا أَكْرَاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ أَصْلَحَهَا فِيهَا وَعَمِلَ فِيهَا أَعْمَالًا شَاقَّةً فَلَيْسَ لَهُ نَزْعُهَا مِنْهُ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا لِلْخَرَاجِ وَقَادِرًا عَلَيْهِ سَدًّا لَبَابِ الْهَرَجِ وَالْفَسَادِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْخَرَاجِ لِلزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ أَيْضًا فَيُنْظَرُ فِي إخْرَاجِ الْحَاكِمِ الْجَمَاعَةَ الْأُولَى مِنْ الْقَرْيَةِ فَإِنْ كَانَ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ دَفْعِ الْخَرَاجِ الْحَقِّ، أَوْ لِقَطْعِهِمْ الطَّرِيقَ وَمُحَارَبَتِهِمْ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ وَلَا فِي مَزَارِعِهَا وَلَا يُجَابُونَ لِمَا أَرَادُوا وَالْحَقُّ فِيهِمَا لِلْحَاكِمِ يُقَرِّرُ مَنْ يَلْتَزِمُ الْخَرَاجَ وَعَدَمَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ، أَوْ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ ظُلْمًا مَحْضًا فَالْحَقُّ فِي الْقَرْيَةِ وَمَزَارِعِهَا لِلْجَمَاعَةِ الْأُولَى، فَيُجَابُونَ لِمَا أَرَادُوا مِنْ طَرْدِ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْقَرْيَةِ الْحَادِثَةِ وَمَزَارِعِهَا وَيُلْزِمُونَهُمْ بِقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَأَبْنِيَتِهِمْ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ أَوْ يَدْفَعُونَ لَهُمْ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا شُبْهَةٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا شُبْهَةٍ فَهَلْ لِرَبِّ الْأَرْضِ هَدْمُهُ، أَوْ إبْقَاؤُهَا وَدَفْعُ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلْزَامُ الْبَانِي بِهَدْمِ بِنَائِهِ وَنَقْلِ أَنْقَاضِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَلَهُ إبْقَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَدَفْعُ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا وَيُسْقِطُ مِنْهَا أُجْرَةَ مَنْ يَتَوَلَّى النَّقْضَ وَالتَّسْوِيَةَ إنْ كَانَ الْبَانِي لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَخَدَمِهِ وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَاهَا فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهَا فِيمَا مَضَى بَرَاحًا وَلَهُ إزَالَةُ بِنَاءٍ وَخِيَاطَةٍ، أَوْ أَخْذُ قِيمَةِ الشُّقَّةِ وَنَحْوِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ بِنَاءُ الْغَاصِبِ وَدَفْعُ قِيمَةِ النَّقْضِ فِيمَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا بِإِسْقَاطِ أُجْرَةِ الْإِزَالَةِ حَتَّى تُسَوَّى كَالْأَوَّلِ إنْ كَانَ يُؤَاجِرُ لَا إنْ كَانَ يَتَوَلَّاهَا الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَطْلَقَ بَعِيرَهُ عَلَى شَاطِئِ بَحْرٍ مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ مَخَافَةَ سُقُوطِهِ فِي الْبَحْرِ لِإِمْكَانِ التَّخَلُّصِ مَعَ عَدَمِ الْعَقْلِ فَجَاءَ آخَرُ وَعَقَلَهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ فَتَلِفَ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الْعَقْلِ فَهَلْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِعَقْلِهِ الْحِفْظَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ عَلَى عَاقِلِ الْبَعِيرِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ الضَّمَانُ لِتَعَدِّيهِ وَتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ الضَّمَانَ دَعْوَاهُ قَصْدَ الْحِفْظِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ وَضَمَانُهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرُوهُ أَنَّ مَنْ فَتَحَ بَابَهُ فَانْكَسَرَتْ جَرَّةُ زَيْتٍ أُسْنِدَتْ إلَيْهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا وَبِالْمُسَاوَاةِ

رجل دخل دار آخر فلم يجده فيها فأخذ منها جملا وحمله حمل أمثاله فعطب

ذَكَرُوهُ فِيمَنْ أَطْلَقَ حَيَوَانًا قُيِّدَ خَوْفَ شُرُودِهِ فَشَرَدَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَمِمَّا فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ فِي زَرْعِهِ حَيَوَانَاتٍ فَاسْتَاقَهَا إلَى دَارِهِ فَعَقَرَتْهَا السِّبَاعُ هَلْ هُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ عَقَرَتْهَا فِي الدَّارِ؟ فَقَالَ نَعَمْ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [رَجُل دَخَلَ دَارَ آخَرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيهَا فَأَخَذَ مِنْهَا جَمَلًا وَحَمَّلَهُ حِمْلَ أَمْثَالِهِ فَعَطِبَ] (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ دَارَ آخَرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيهَا فَأَخَذَ مِنْهَا جَمَلًا وَحَمَّلَهُ حِمْلَ أَمْثَالِهِ فَعَطِبَ بِذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ ضَامِنًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ أَخْذُ الْجَمَلِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ تَعَدٍّ وَالْمُتَعَدِّي يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ بِانْتِفَاعِهِ وَقَوْلُ الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتْ الذَّاتُ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ لَا دَخْلَ لِلْمُتَعَدِّي فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مِنْ زَارِعِي الذُّرَةِ مَرَّ بِزَرْعَتِهِ فَوَجَدَ جَامُوسَةً تَأْكُلُ فِيهَا فَطَبَّقَ عُودًا مِنْ الذُّرَةِ وَضَرَبَهَا كَيْ يُخْرِجَهَا فَبَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَلْقَتْ جَنِينَهَا فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ إذَا نَازَعَ رَبُّهَا الضَّارِبَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ إخْرَاجُهَا مِنْ الزَّرْعِ عَلَى ضَرْبِهَا بِمَا ذُكِرَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إنَّ إلْقَاءَهَا جَنِينَهَا مِنْ الضَّرْبِ قِيمَتُهُ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَمَاتَ مَعَ مَا نَقَصَتْهُ الْأُمُّ بَعْدَ الْبُرْءِ وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا ضَمِنَ الثَّانِيَ فَقَطْ وَإِنْ تَوَقَّفَ إخْرَاجُهَا مِنْهُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَائِلَةٌ وَدَفْعُ الصَّائِلِ عَنْ الْمَالِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالذِّمَّةُ الْبَرِيئَةُ لَا تُشْغَلُ إلَّا بِمُحَقَّقٍ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَيَجُوزُ دَفْعُ الصَّائِلِ مِنْ بَهِيمَةٍ، أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ كَبِيرٍ عَاقِلٍ، أَوْ غَيْرِ عَاقِلٍ عَنْ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ جَازَ قَتْلُهُ قَصْدًا ابْتِدَاءً وَإِلَّا فَلَا وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِجُرْحٍ، أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ كَجَنِينِ الْبَهِيمَةِ يَعْنِي أَنَّ الْبَهِيمَةَ إذَا ضُرِبَ بَطْنُهَا مَثَلًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَنَقَصَتْ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ سَالِمَةً وَمَعِيبَةً وَيَكُونُ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا سَلِيمَةً فَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ حُكُومَةٌ سَوَاءٌ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا لَكِنْ إذَا نَزَلَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ نَزَلَ حَيًّا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعَ مَا نَقَصَ الْأُمَّ كَمَا مَرَّ وَانْظُرْ هَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ الْآنَ، أَوْ بَعْدَ الْبُرْءِ كَمَا فِي الْجِرَاحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَكَتَبَ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِهِ تُقَوَّمُ سَالِمَةً أَيْ بَعْدَ الْبُرْءِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْقَانِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَذَكَرَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ مُنْذُ شَهْرَيْنِ مُسْتَنِدَةً فِي ذَلِكَ لِتَأَخُّرِ حَيْضِهَا وَلَمْ تَكُنْ حَمَلَتْ قَبْلُ فَقَالَ مُطَلِّقُهَا لَا أَدْفَعُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ تَوَجَّهَ وَكِيلُهَا لِنَائِبِ الْقَاضِي يُرِيدُ رَفْعَ مُطَلِّقِهَا لَدَيْهِ لِيُقَدِّرَ لَهَا شَيْئًا يَقُومُ الْمُطَلِّقُ لَهَا بِدَفْعِهِ عَمَّا مَضَى وَمَا يَأْتِي فَوَجَدَ النَّائِبَ غَائِبًا، فَلَمَّا حَضَرَ النَّائِبُ قَدِمَ الْمُطَلِّقُ عَلَيْهِ يُرِيدُ رَفْعَ الْوَكِيلِ لَدَيْهِ وَدَفْعَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُ فَحَضَرَ وَكِيلُ الْمُطَلَّقَةِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّ مُوَكِّلَتَهُ لَا حَمْلَ بِهَا وَإِنَّمَا اعْتَرَاهَا نُفَاخٌ وَزَالَ وَدَعْوَاهَا الْحَمْلَ إنَّمَا هِيَ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهَا بِهِ فَقَالَ مُطَلِّقُهَا بَلْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ وَأَلْقَتْهُ فَهَلْ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى فُرُوجِهِنَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُطَلِّقُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا فَعَلَتْ بِنَفْسِهَا مَا يُسَقِّطُهَا

حمام البرج هل يملك لصاحب البرج

وَأَنَّهَا لَزِمَتْ الْفِرَاشَ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الْإِسْقَاطِ وَعَلَى عَيْنِ السِّقْطِ فَتَغْرَمُ عُشْرَ دِيَتِهَا نَقْدًا، أَوْ غُرَّةً عَبْدًا، أَوْ وَلِيدَةً تُسَاوِيهِ إلَّا أَنْ يَحْيَا مِثْلُهُ فَالدِّيَةُ بِقَسَامَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْخَرَشِيُّ بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَصُدِّقَتْ فِي انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْقُرْءِ وَالْوَضْعِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِي الْجَنِينِ وَإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ وَلَوْ أَمَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى ضَرَبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً كَانَ الضَّارِبُ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الِانْفِصَالُ عَنْ ضَرْبٍ، أَوْ تَخْوِيفٍ، أَوْ شَمِّ شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا مِنْ التَّخْوِيفِ، أَوْ الشَّمِّ لَزِمَتْ الْفِرَاشَ إلَى أَنْ أَسْقَطَتْ وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى السَّقْطِ أَيْضًا اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ: قَالَ: فِي كَبِيرَةٍ وَجَدٍّ عِنْدِي مَا نَصُّهُ وَمِثْلُ الضَّرْبِ الرَّائِحَةُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَالسَّرَابِ لَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى السَّرَبَاتِيَّةِ وَعَلَى الصَّانِعِ لَا عَلَى رَبِّ الْكَنِيفِ فَلَوْ نَادَوْا بِالسَّرَابِ وَمَكَثَتْ الْأُمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [حَمَام الْبُرْجِ هَلْ يُمَلَّكُ لِصَاحِبِ الْبُرْجِ] (وَسُئِلَ نُورُ الدِّينِ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ حَمَامِ الْبُرْجِ هَلْ يُمَلَّكُ لِصَاحِبِ الْبُرْجِ وَإِذَا قُلْتُمْ يُمَلَّكُ لَهُ فَهَلْ يَجُوزُ صَيْدُهُ مِنْ الْجَرِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَرْعَى بِهَا وَهَلْ إذَا كَانَ بِاِتِّخَاذِهِ ضَرَرٌ عَلَى أَصْحَابِ الزَّرْعِ أَوْ الْجَرِينِ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ أَمْ يَجُوزُ وَهَلْ إذَا كَانَ حَمَامُ الْبُرْجِ لَا يُعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بُرْجٌ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) لَا يَجُوزُ صَيْدُ حَمَامِ الْبُرْجِ وَمَنْ صَادَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَلَا يَأْكُلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِ زَرْعٍ أَوْ الْجَرِينِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ اقْتِنَائِهِ وَعَلَى أَصْحَابِ الزَّرْعِ حِفْظُهُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ يَمْنَعُ اقْتِنَاءَهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالصَّوَابُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّ مَنْعَ أَرْبَابِ الْحَمَامِ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ أَرْبَابِ الزَّرْعِ وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ حَمَامُ الْبُرْجِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى آخِذِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى. وَفِي الشَّيْخِ سَالِمٍ عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَا نَصُّهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَوَى اللَّخْمِيُّ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ أَبْرِجَةِ الْحَمَامِ وَإِنْ عُمِّرَتْ مِنْ حَمَامِ النَّاسِ اللَّخْمِيُّ مَا لَمْ يَحْدُثْ الثَّانِي بِقُرْبِ الْأَوَّلِ قُلْت فِي ضَحَايَاهَا لَا يُصَادُ حَمَامُ الْأَبْرِجَةِ وَمَا صَادَهُ مِنْهَا إنْ عَرَفَ رَبَّهُ رَدَّ فَإِنْ جَهِلَ رَبَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ لَا يُمْنَعُ اتِّخَاذُهَا وَإِنْ أَضَرَّ بِزَرْعِ جِيرَانِهِ وَثِمَارِهِمْ وَأَكْرَهُ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدٌ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مَنَعَ اتِّخَاذَهَا هُنَاكَ وَعَنْ التُّونُسِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ لِأَصْبَغَ إجَازَتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُ اتِّخَاذِهَا وَإِنْ أَضَرَّتْ وَكَذَا الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ فَإِنْ دَخَلَ حَمَامُ بُرْجٍ فِي آخَرَ فَإِنْ عَرَفَ وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ رَدَّ اللَّخْمِيُّ اتِّفَاقًا ثُمَّ قَالَ الْأَحْسَنُ عَدَمُ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْأَوَّلِ إنَّمَا هِيَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيوَاءِ يَأْوِي الْيَوْمُ بِمَوْضِعٍ وَغَدًا بِآخَرَ قُلْت فَيَجُوزُ اصْطِيَادُهَا وَإِنْ عُرِفَتْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ صَارَتْ لَهُ ابْنُ حَبِيبٍ يَرُدُّ فِرَاخَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، أَوْ جَهِلَ عُشَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَمَامُ الْبُيُوتِ لُقَطَةٌ لَهُ بَيْعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَحَبْسُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ فَوَاسِعٌ لِاسْتِخْفَافِ مَالِكٍ حَبْسَ يَسِيرِ اللُّقَطَةِ التُّونُسِيُّ عَنْ سَحْنُونَ لَوْ تَزَوَّجَتْ حَمَامَةُ الْبُيُوتِ مَعَ ذَكَرٍ لَهُ رَدُّهَا وَنِصْفِ الْفِرَاخِ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي الْحَمَامِ سَوَاءٌ لِتَعَاوُنِهِمَا فِي زِقِّ الْفِرَاخِ وَتَرْبِيَتِهَا الشَّيْخَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَصَبَ جُبْحًا بِجَبَلٍ لَهُ مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ نَحْلٍ. أَشْهَبُ إنْ كَانَتْ جَبَلِيَّةً وَالْمَرْبُوبَةُ أُسْوَةٌ بَيْنَ أَرْبَابِهَا وَلَا أُحِبُّ نَصْبَهُ فِيهَا وَمَا بِهِ كَثِيرُ نَحْلٍ مَرْبُوبَةٍ وَكَثِيرُ نَحْلٍ غَيْرِ مَرْبُوبَةٍ لَهُ نَصْبُهُ بِهِ وَمَا دَخَلَهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لِقَوْمٍ فَيَرُدَّهُ لَهُمْ الْعُتْبِيُّ عَنْ سَحْنُونَ لَوْ ضَرَبَ فَرْخَ نَحْلٍ عَلَى آخَرَ بِشَجَرَةٍ، أَوْ فِي بَيْتٍ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَوَّلِ وَالْبَيْتِ اللَّخْمِيُّ لَوْ دَخَلَ فَرْخُ جَبْحٍ

قتل الهر المؤذي

فِي آخَرَ فَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ لِمَنْ دَخَلَ عِنْدَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْحَمَامِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا وَرَدِّ فِرَاخِهَا يَرُدُّ قَدْرَ مَا يَكُونُ مِنْ عَسَلِهَا قُلْت تَقَدَّمَ لَهُ إنْ جَهِلَ عُشَّ الْحَمَامِ لَمْ يُرَدُّ لَهَا فَرْخٌ وَمَحَلُّ النَّحْلِ مَجْهُولٌ أَبَدًا فَلَا يَرُدُّ عَسَلًا انْتَهَى بِاخْتِصَارِ بَعْضِهِ انْتَهَى كَلَامُ سَالِمٍ. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ عَلَى أَصْحَابِهَا أَنْ يَمْنَعُوهَا وَيَقْصُرُوهَا عَنْ إذَايَةِ مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ إذَا كَانَتْ طَائِرَةً لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهَا وَهِيَ كَالْمَاشِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مَقْصُورَةً فَهِيَ كَالْمَاشِيَةِ فَإِنْ فَتَحَ الْبَابَ وَسَيَّبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ مَا أَفْسَدَتْ وَالْكَرْكِيُّ كَذَلِكَ إلَّا إنْ تَفَلَّتَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ بِالنَّهَارِ الضَّمَانُ وَإِنْ عَقَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَ. وَفِي الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَأَلْت مُطَرِّفًا عَنْ النَّحْلِ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ بِالْقَرْيَةِ وَهِيَ تَضُرُّ شَجَرَ الْقَوْمِ إذَا نَوَّرَتْ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ اتِّخَاذِهَا وَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهَا وَالْبُرْجُ يَتَّخِذُ فِيهِ الرَّجُلُ الْحَمَامَ وَالْكُوَى لِلْعَصَافِيرِ تَأْوِي إلَيْهَا وَيَأْخُذُ فِرَاخَهَا وَهِيَ كَالْحَمَامِ فِي إيذَائِهَا وَإِفْسَادِهَا الزَّرْعَ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ أَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الضَّرَرِ وَأَرَى أَنْ يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْ اتِّخَاذِ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فِي زَرْعِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَلَا تُشْبِهُ الْمَاشِيَةَ؛ لِأَنَّ النَّحْلَ وَالْحَمَامَ طَائِرَةٌ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهَا كَمَا يُسْتَطَاعُ فِي الْمَاشِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الدَّابَّةِ الضَّارَّةِ إنَّهَا تُخْرَجُ وَتُبَاعُ عَلَى صَاحِبِهَا فَالنَّحْلُ وَالْحَمَامُ أَشَدُّ كَذَلِكَ الدَّجَاجُ الطَّائِرُ وَالْإِوَزُّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ فَأَمَّا مَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْمَاشِيَةِ لَا يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِإِخْرَاجِهِ وَقَالَ الْعُتْبِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ مِثْلَهُ أَبْرِجَةُ الْحَمَامِ وَإِنْ عُمِّرَتْ مِنْ حَمَامِ النَّاسِ اللَّخْمِيُّ مَا لَمْ يَحْدُثْ الثَّانِي بِقُرْبِ الْأَوَّلِ. قُلْت: وَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ أَصْبَغَ فَقَالَ لِي النَّحْلُ وَالْحَمَامُ وَالدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ عِنْدَنَا كَالْمَاشِيَةِ لَا يُمْنَعُ صَاحِبُهَا مِنْ اتِّخَاذِهَا وَإِنْ أَضَرَّتْ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ حِفْظُ زَرْعِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَيْسَ يُعْجِبُنِي وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَشْهَبُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُصِيبُ الْحَمَامُ مِنْ زَرْعِ النَّاسِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَا زَالَ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. وَالنَّحْلُ إذَا أَضَرَّتْ بِمَنْ يَبْنِي فِي مَنْزِلِهِ وَمَنَعَتْهُمْ مِنْ شُغْلِهِمْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهَا بِإِخْرَاجِهَا وَكَذَلِكَ إذَا أَضَرَّتْ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ أُمِرَ أَصْحَابُهَا بِإِخْرَاجِهَا إلَى حَيْثُ لَا تَضُرُّ إذَا ثَبَتَ أَذَاهَا وَضَرَرُهَا وَلَا تُتْرَكُ لِأَذَى النَّاسِ سَاكِنًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الدَّجَاجَةِ تَلْقُطُ الدَّرَاهِمَ وَاللُّؤْلُؤَ: إنَّهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّجَاجَةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يَذْبَحَهَا بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ، أَوْ اللُّؤْلُؤِ قِيمَتَهَا لِرَبِّهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا أَخْذَهَا مَذْبُوحَةً فَلَهُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ فِي الثَّوْرِ يُدْخِلُ قَرْنَيْهِ فِي فَرْعِ شَجَرَةٍ وَلَا يُطِيقُ أَحَدٌ نَزْعَهُ: إنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الثَّوْرِ وَقِيمَةِ الْغُصْنِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ الثَّوْرُ ذُبِحَ الثَّوْرُ مَكَانَهُ وَلَا يُقْطَعُ مِنْ الشَّجَرَةِ شَيْءٌ وَمُصِيبَتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الثَّوْرِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الشَّجَرَةِ لِيُخْرَجَ الثَّوْرُ قُطِعَ مِنْهَا مَا يُمْكِنُ بِإِخْرَاجِ الثَّوْرِ عَنْهَا وَقِيمَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْرِ انْتَهَى. [قَتْلِ الْهِرِّ الْمُؤْذِي] قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ لَهُ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ قَتْلِ الْهِرِّ الْمُؤْذِي هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا فَكَتَبَ وَأَنَا حَاضِرٌ إذَا خَرَجَتْ أَذِيَّتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ قُتِلَ فَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَمَّا هُوَ مِنْ طَبْعِ الْهِرِّ وَمِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ إذَا تُرِكَ عُرْيَانًا، أَوْ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُمْكِنُ رَفْعُهُ لِلْهِرِّ فَإِذَا رَفَعَهُ وَأَكَلَهُ فَلَا يُقْتَلُ وَلَوْ

رجل ذمي تعدى على جاموسة مسلم وضربها في جوفها بنبوت فألقت جنينها

تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَبْعُهُ وَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَتْلَهُ بَلْ الْقَتْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْيُوسِ مِنْ صَلَاحِهِ وَاسْتِصْلَاحِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا آذَتْ الْهِرَّةُ وَقُصِدَ قَتْلُهَا فَلَا تُعَذَّبُ وَلَا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسَى حَادَّةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» اهـ شَبْرَاخِيتِيٌّ. [رَجُل ذِمِّيّ تَعَدَّى عَلَى جَامُوسَةِ مُسْلِمٍ وَضَرَبَهَا فِي جَوْفِهَا بِنَبُّوتٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ذِمِّيٍّ تَعَدَّى عَلَى جَامُوسَةِ مُسْلِمٍ وَضَرَبَهَا فِي جَوْفِهَا بِنَبُّوتٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا وَمَرِضَتْ حَتَّى أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ فَبَاعَهَا رَبُّهَا لِلْقَصَّابِ بِعُشْرِ ثَمَنِهَا فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَرَتَّبَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِجِنَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ قِيمَةُ الْجَنِينِ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَمَاتَ وَمَا نَقَصَتْهُ قِيمَةُ الْأُمِّ مَرِيضَةً عَنْ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّانِي فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى) عَنْ جَمَاعَةٍ وَضَعُوا غِلَالَهُمْ فِي سَفِينَةٍ صَبَّةٍ وَاحِدَةٍ تَوَجَّهُوا بِهَا إلَى مِصْرَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ ظَالِمٌ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ مِنْهَا عِشْرِينَ إرْدَبًّا بِاسْمِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَهَلْ تُوَزَّعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الظَّالِمِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ يَضِيعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الظَّالِمِ إنَّمَا آخُذُ مَالَ فُلَانٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ يَرْعَى غَنَمًا فِي فَلَاةٍ فَمَرَّ عَلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ وَأَكْرَهَهُ عَلَى مُنَاوَلَةِ نَعْجَةٍ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَنَاوَلَهُ إيَّاهَا ثُمَّ حَضَرَ رَبُّ النَّعْجَةِ وَطَلَبَ الرَّاعِي بِقِيمَتِهَا فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ وَيُجْبَرُ الرَّاعِي عَلَى دَفْعِهَا لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) يَضْمَنُ الرَّجُلُ قِيمَةَ النَّعْجَةِ بِإِعْطَائِهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الطَّوْعَ وَالْإِكْرَاهَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، كَذَا فِي الْحَطَّابِ وَقَوَانِينِ ابْنِ جُزَيٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ خَيَّاطٍ عِنْدَهُ أَقْمِشَةٌ لِيَخِيطَهَا لِأَرْبَابِهَا بِأُجْرَةٍ ادَّعَى أَنَّ اللُّصُوصَ تَعَدَّتْ عَلَى مَنْزِلِهِ لَيْلًا وَأَخَذَتْ الْأَقْمِشَةَ فَأَرَادَ أَرْبَابُهَا تَضْمِينَهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَضْمَنُ الْخَيَّاطُ جَمِيعَ أَقْمِشَةِ النَّاسِ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ الصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ لِمَا اُسْتُصْنِعُوا فِيهِ إذَا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ سَوَاءٌ عَمِلُوا ذَلِكَ بِأَجْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي حَوَانِيتِهِمْ، أَوْ دُورِهِمْ فِي غَيْبَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْفَعُ الصَّانِعَ إذَا احْتَرَقَ حَانُوتُهُ، أَوْ سُوقُهُ، أَوْ سُرِقَ مَنْزِلُهُ دَعْوَاهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَصْنُوعَ كَانَ فِيهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [تَأْدِيبِ بَعْضِ نُقَبَاءِ الْأَوْرَادِ بَعْضَ الْمَرِيدِينَ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِإِخْوَانِهِ] (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ تَأْدِيبِ بَعْضِ نُقَبَاءِ الْأَوْرَادِ بَعْضَ الْمَرِيدِينَ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِإِخْوَانِهِ هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَيَسُوغُ لَهُ تَأْدِيبُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ . (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) تَأْدِيبُ النَّقِيبِ لِلْمُرِيدِ بِصُنْعِ الطَّعَامِ لِإِخْوَانِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، أَوْ اسْتِحْيَاءً لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الْأَكْلَ وَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاضِحَاتِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِحَلِيلَةِ آخَرَ ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ تَتَوَقَّفُ تَوْبَتُهُ عَلَى اسْتِسْمَاحِ حَلِيلِهَا وَهَلْ يَكْفِي الِاسْتِسْمَاحُ الْإِجْمَالِيُّ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا زَنَى رَجُلٌ بِطَائِعَةٍ لَهَا حَلِيلٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْحَلِيلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الطَّلَاقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَذْهَبَ لِلْحَاكِمِ وَيُقِرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، أَوْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِسِتْرِ اللَّهِ خِلَافٌ اخْتَارَ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ الثَّانِيَ وَأَمَّا حَقُّ الْمَخْلُوقِ

فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ عَلَى مُسَامَحَةِ الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا مِثْلُ هَذَا فَلَا كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَغَيْرُهُ نَعَمْ ذَلِكَ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَيَكْفِي الِاسْتِسْمَاحُ الْإِجْمَالِيُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِبْرَاءِ وَهُوَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَبَابِ الْإِقْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَحِينَئِذٍ إنْ سَامَحَ الْخَصْمُ مَعَ الْإِجْمَالِ كَفَى وَإِنْ امْتَنَعَ حَتَّى يُعَيَّنَ لَهُ نُظِرَ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى التَّعَيُّنِ أَمْرٌ أَعْظَمُ لَمْ يَجِبْ لِقَاعِدَةِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ وَجَبَ التَّعْيِينُ لِقَاعِدَةِ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِسْمَاحَ الْحَلِيلِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّوْبَةِ وَيَكْفِي فِيهِ الْإِجْمَالُ عَلَى مَا ذُكِرَ سَابِقًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَأَخَذَ غَنَمَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَبَاعَهَا وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينُ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ وَلَدَ الْمَدِينِ بَاعَهَا لَهُ وَقَاصَصَهُ بِثَمَنِهَا فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ الْبَيْعَ وَالْمُقَاصَّةَ وَلَا بَيِّنَةَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ آخِذَ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا يَوْمَهُ، أَوْ يَوْمَ الْحُكْمِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَكَالَةُ وَلَدِ الْمَدِينِ عَنْهُ وَبَيْعُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَرَبُّ الدَّيْنِ مُتَعَدٍّ عَلَى غَنَمِ الْمَدِينِ وَفُضُولِيٌّ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فِي يَدِ مَنْ اشْتَرَاهَا فَلِلْمَدِينِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَلَهُ فَسْخُهُ وَأَخْذُ الْغَنَمِ وَإِنْ فَاتَتْ فَلِلْمَدِينِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ وَعِبَارَةُ الْعَدَوِيِّ وَالْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ الْفُضُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ وَسَيَأْتِي وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ فَإِذَا فَاتَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ غَيْرِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ عَلَى الْفُضُولِيِّ فِيمَا بَاعَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَاصِبًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَأَصْلُهَا لِكَبِيرِ الْخَرَشِيِّ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّعَدِّي بِالْبَيْعِ وَفِي الْمَجْمُوعِ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَقْدِ فَلِمُنْكِرِهِ بِيَمِينٍ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي دَابَّةٍ فَاغْتَلَّهَا أَحَدُهُمَا مُدَّةً وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَغْتَلَّهَا كَذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْأَوَّلُ فَهَلْ يُعَدُّ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُعَدُّ غَاصِبًا إنَّمَا هُوَ مُتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِلَا سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَنْ قَصَدَ تَمَلُّكَ الذَّاتِ قَهْرًا تَعَدِّيًا مَعَ إمْكَانِ التَّخْلِيصِ وَالْمُتَعَدِّي مَنْ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ دُونَ تَمَلُّكِ الذَّاتِ قَهْرًا وَعُدْوَانًا مَعَ إمْكَانِ التَّخْلِيصِ وَالْأَوَّلُ يَضْمَنُ الذَّاتَ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى مَنْفَعَةٍ فَتَلِفَتْ الذَّاتُ بِلَا سَبَبِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ ظَالِمٌ أَنْ يُسَفِّرَهُ إلَى جِهَةٍ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ مِنْهَا فَدَفَعَ عَنْهُ شَخْصٌ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِهِ لِخَلَاصِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ عَنْهُ إنْ تَوَقَّفَ خَلَاصُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الرِّفَاقِ فِي أَرْضِ الْمَغْرِبِ تَعَرَّضَ لَهُمْ اللُّصُوصُ فَيُرِيدُونَ أَكْلَهُمْ فَيَقُومُ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ فَيُضَامِنُهُمْ عَلَى

مَالٍ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ مَعَهُ وَعَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْتِعَةِ فَيُرِيدُ مَنْ غَابَ أَنْ لَا يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا عُرِفَ مِنْ سُنَّةِ تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَاءِ يُخَلِّصُهُمْ وَيُنْجِيهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمَنْ حَضَرَ وَلِمَنْ غَابَ مِمَّنْ لَهُ أَمْتِعَةٌ فِي تِلْكَ الرِّفَاقِ وَعَلَى أَصْحَابِ الظَّهْرِ مَا يَنُوبُهُمْ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ لَا يُنْجِيَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ أَعْطَوْا وَكَانَ فِيهِمْ مَوْضِعٌ لِدَفْعِ ذَلِكَ فَمَا أُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَأَعْطَوْا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْتِعَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَفِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ لِلسَّلْجِمَاسِيِّ وَيُوَافِقُ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ رَجَاءِ الْخَلَاصِ مَجَّانًا مَا نَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ الْمَكْنُونَةِ عَنْ الْعُقْبَانِيِّ فِيمَنْ صَالَحَ الْأَعْرَابَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ بِمَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الْمَالِ عَلَى حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ مِنْ أَخْذِ الْغُصَّابِ قَالَ وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّصُ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يَنُوبُهُ فِي هَذِهِ الْمُحَاصَّةِ كَانَ لَهُ مَقَالٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمِعْيَارِ مِنْ نَوَازِلِ الْجِهَادِ وَنَوَازِلِ الصُّلْحِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. وَفِي الْمِعْيَارِ: وَسُئِلَ أَبُو صَالِحٍ عَنْ الَّذِينَ جَعَلُوا أَوْلَادَهُمْ رَهَائِنَ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ وَطَلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَخَافُوا الْغَلَبَةَ عَلَى أَهْلِ الْحِصْنِ فَجَعَلُوهُمْ رَهَائِنَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْحِصْنِ كُلُّ مَنْ اُحْتُصِرَ فِيهِ يَغْرَمُونَ الْفِدْيَةَ عَلَى قَدْرِ انْتِفَاعِهِمْ بِذَلِكَ قِيلَ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ سَوَاءٌ قَالَ يُعْطِي كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ الِانْتِفَاعِ انْتَهَى. وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ عَمَّنْ عَلَيْهِ مَغْرَمٌ مُقَرَّرٌ هُوَ وَآبَاؤُهُ يَغْرَمُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ ظُلْمًا فَيَغِيبُ بَعْضُهُمْ فَتَأْتِي الظُّلْمَةُ لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ فَتُمْسِكُهُ عَنْهُ وَتُغَرِّمُهُ ذَلِكَ الْمَغْرَمَ فَهَلْ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يُطَالِبُهُ قَرِيبُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا غَرِمَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي زَمَانِنَا هَذَا، أَوْ هِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِالْمَمْسُوكِ لِكَوْنِهِ أَدَّى عَنْهُ مَالًا يَلْزَمُهُ. فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اعْلَمْ أَنَّ الْغَارِمَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرِمَ عَنْهُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الْمَغْرَمُ مُعْتَادًا عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّبِيبِيُّ. وَفِي فَتَاوَى الْبُرْزُلِيِّ مَا يُفِيدُ اخْتِيَارَهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْبَزَمُونِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ أَدَّى عَنْ إنْسَانٍ مَالًا يَلْزَمُهُ لِظَالِمٍ حَبَسَهُ فِيهِ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَالْمِدْيَانِ وَالْحَوَالَةِ أَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْ إنْسَانٍ مَالًا يَلْزَمُهُ مِنْ ظُلْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَوَاضِعَ مَعْلُومَةً بِالظُّلْمِ كَالْعِشَارِ وَبَابِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرِمَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ التَّتَّائِيُّ كَلَامَ سَحْنُونَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُقَابِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ شَيْخُنَا: وَالرُّجُوعُ هُوَ الَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الْقَلْبُ وَإِلَّا لَمْ يُخَلِّصْ أَحَدٌ أَحَدًا فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤْخَذَ لِلنِّظَامِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ أُصْبُعِهِ وَفَقْءُ عَيْنِهِ أَمْ يَجُوزُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ أُصْبُعِهِ وَفَقْءُ عَيْنِهِ وَقَلْعُ سِنِّهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي آخِرِ مَقُولِهِ لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُبَاحُ لَهُ لِخَوْفِ قَتْلِهِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ انْتَهَى.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَادِمِ سَفِينَةِ الْبَاشَا يَجْلِبُ لَهُ فِيهَا قَمْحًا وَنَحْوَهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ مَغْصُوبًا وَسَوَاءٌ كَانَ السَّارِقُ مَظْلُومًا لَهُ، أَوْ لِخَدَمَتِهِ كَالْكَاتِبِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَجُوزُ لَهُ الْخِيَانَةُ فِيمَا أُمِنَ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مَظْلُومًا لَهُ، أَوْ لِخَدَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْلِمْ فَظَاهِرٌ وَإِنْ ظَلَمَ فَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالرَّذِيلَةِ، وَحِفْظُ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَاجِبٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ) عَنْ رَجُلٍ حَبَسَهُ الْمُلْتَزِمُ وَادَّعَى عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ شَرْعًا فَهَرَب وَدَفَعَ أَخُوهُ مَعَهُ جَانِبًا وَبَقِيَ جَانِبٌ أَخَذَ عَلَيْهِ وَثِيقَةً لِلْمُلْتَزِمِ الْمَذْكُورِ فَالْتَزَمَ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَأَخَذَ أَخَا الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ حَتَّى أَخَذَ مَا فِي الْوَثِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَخِيهِ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى أَخِيهِ فَهَلْ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ أَخْذَ مَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ مِنْ شَيْخِ الْبَلَدِ لَا يَلْزَمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أُخِذَ مِنْ الْأَخِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى أَخِيهِ وَإِنَّمَا رُجُوعُهُ عَلَى ظَالِمِهِ وَلَا يَلْزَمُ شَيْخَ الْبَلَدِ مَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ إلَّا إذَا كَانَ ضَمِنَهُمْ لِلْمُلْتَزِمِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً لِرَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ غَابَ الزَّارِعُ مُدَّةَ دَفْعِ الْخَرَاجِ فَتَمَّمَ الْحَاكِمُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ بِدَرَاهِمَ وَأَخَذَهَا مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهَلْ لِرَبِّ الْأَرْضِ الرُّجُوعُ عَلَى الزَّارِعِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ لَا يَلْزَمُ الزَّارِعَ إلَّا مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَى الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَإِذَا أَمْسَكَ الظَّالِمُ رَجُلًا وَسَجَنَهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ وَأَخَذَ الظَّالِمُ بَعْضَهَا مِنْ الْمَسْجُونِ ثُمَّ تَعَدَّى الظَّالِمُ عَلَى مَوَاشٍ لِابْنِ أَخِي الْمَسْجُونِ وَأَخَذَهَا وَقَالَ أَخَذْتهَا فِي بَاقِي الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لِابْنِ الْأَخِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْمَوَاشِي عَلَى الْعَمِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) لَا يَلْزَمُ الزَّارِعَ الْإِخْرَاجُ مِثْلُ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَهَا بِحَسَبِ عَادَةِ أَمْثَالِهَا وَلَيْسَ لِابْنِ الْأَخِ رُجُوعٌ عَلَى عَمِّهِ بِقِيمَةِ الْمَوَاشِي؛ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْهُ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْ الْعَمِّ فَإِنَّمَا حَقُّهُ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ ظُلِمَ فِي مِسَاحَتِهَا فَادَّعَى وَلَدُ أَحَدِهِمَا أَنَّ عَمَّهُ حَوَّلَ شَيْئًا مِنْ ظُلَامَةِ أَرْضِهِ إلَى ظُلَامَةِ أَرْضِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ فَهَلْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ وَلَوْ كَانَ مَا فِي الدَّفْتَرِ يُصَدِّقُهُ وَكَاتِبُهُ مُسْلِمٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ: فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأُصُولُ فَيَجِبُ جَرْيُ الْفُرُوعِ عَلَيْهِ وَيَسُوغُ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (وَسُئِلَا أَيْضًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ أَخَوَيْنِ لَهُمَا أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ اقْتَسَمَاهَا مُرَاضَاةً ثُمَّ قِيسَ نَصِيبُ كُلٍّ وَظُلِمَ أَحَدُهُمَا فِي الْقِيَاسِ زِيَادَةً عَنْ الْآخَرِ فَهَلْ إذَا أَرَادَ وَرَثَةُ وَلَدَيْ الْأَكْثَرِ ظُلَامَةً تَحْوِيلَ شَيْءٍ مِنْ ظُلَامَةِ نَصِيبِ جَدِّهِمْ عَلَى عَمِّ أَبَوَيْهِمْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا فِي الدَّفْتَرِ وَلَوْ كَانَ كَاتِبُهُ مُسْلِمًا، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (وَنَصُّ الْجَوَابِ لِلْأَوَّلِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ اقْتَسَمَا الْأَرْضَ مُرَاضَاةً مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ مُقَوِّمٍ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا لِذُرِّيَّةِ بَعْضِهِمَا عَلَى بَعْضٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأَنْصِبَاءُ مُخْتَلِفَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ

الدَّرْدِيرُ رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَمِيعَ. (وَسُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِي حَسَنٌ الْهَوَّارِيُّ الْمَالِكِيِّ) عَنْ رَجُلٍ حَبَسَهُ الْمُلْتَزِمُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى شَهْرَيْنِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ ظُلْمًا وَلِلرَّجُلِ الْمَحْبُوسِ أَخٌ أَخَذَ مِنْ آخَرَ طَوْقًا فِضَّةً دَفَعَهُ فِي الْمَظْلِمَةِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِ الطَّوْقِ بِذَلِكَ وَرَهَنَ عِنْدَهُ طِينًا مَحْبِسًا وَزَرَعَهُ مُدَّةً فَهَلْ يَضِيعُ الطَّوْقُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الطِّينِ وَيُطَالَبُ بِرِبْحِهِ وَيُمَكَّنُ مِنْهُ صَاحِبُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ حَيْثُ كَانَ الطَّوْقُ أَخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَدَفَعَهُ فِي الْمَظْلِمَةِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَضِيعُ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَهْنُ الطِّينِ الْمُحْبَسِ بَاطِلٌ وَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الطِّينِ الْمَرْهُونِ وَيُطَالَبُ بِرِبْحِهِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَاسْتِغْلَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ الرُّجُوعُ فَيَغْرَمُ آخِذُ الطَّوْقِ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ مَسْأَلَةٌ وَلَوْ تَسَلَّفَ الْمَضْغُوطُ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ لَزِمَهُ مَا تَسَلَّفَ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَمِيرٍ طَلَبَ مِنْ مَشَايِخِ بَلَدِهِ دَرَاهِمَ مِنْ الْخَرَاجِ فَأَخَذُوا الْمَطْلُوبَ مِنْ شَخْصٍ ثَمَنَ غَلَّةٍ وَفَرَدُوهَا عَلَى أَنْفَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ أَطْيَانِهِمْ فَغَابَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَفْرُودِ عَلَيْهِمْ فَأَقَامَ الْمَشَايِخُ وَكِيلًا عَلَى غِلَالِهَا لِيُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِمْ وَأَمَّنُوا رَجُلًا يَسْتَلِمُ الْغِلَالَ لِرَبِّهَا فَاسْتَلَمَ الْأَمِينُ الْبَعْضَ مِنْ الْغِلَالِ وَدَفَعَهَا لِرَبِّهَا ثُمَّ حَضَرَ الرَّجُلَانِ وَنَازَعَا الْأَمِينَ وَأَرَادَا إلْزَامَهُ بِغِلَالِهِمْ وَشَهِدَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ دَفَعَهَا لَهُ فَأَنْكَرَ فَهَلْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْوَكِيلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى فَرْضِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْأَمِينِ مَا ذُكِرَ لَا يُطَالَبُ بِمَا دَفَعَهُ لِرَبِّهِ بِأَمْرِ الْمَشَايِخِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا حَسَنٌ الْأَبْطَحِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِ الْعَاصِمِيَّةِ أَنَّ الْحَمَالَةَ إذَا كَانَتْ بِإِذْنِ الْمَظْلُومِ وَغَرِمَ الْحَمِيلُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا رُجُوعَ وَهَذَا الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْغَرِيمِ فِي الْحَمَالَةِ وَطَلَبَهُ لَهَا الْتِزَامٌ بِمَا يُؤَدِّيهِ الْحَمِيلُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِفَكِّهِ وَبِمَا أَصَابَهُ مِنْ أَصْلِهِ انْتَهَى فَإِذَا كَانَ أَخْذُ الْمَشَايِخِ الْمَطْلُوبَ مِنْ شَخْصٍ ثَمَنَ غَلَّةٍ وَتَوْزِيعُهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ بِإِذْنِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَهُمْ وَلَا رُجُوعَ حِينَئِذٍ لِلرَّجُلَيْنِ إلَّا الْهَارِبِينَ بِمَا أُخِذَ مِنْ غِلَالِهِمَا لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى الْأَمِينِ وَلَا عَلَى الْمَشَايِخِ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ الْجَمَاعَةُ لِلْمَشَايِخِ فِي الْأَخْذِ وَالتَّوْزِيعِ الْمَذْكُورَيْنِ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْمَشَايِخِ لَا عَلَى الْأَمِينِ الَّذِي خُزِّنَتْ عِنْدَهُ الْغِلَالُ وَسَلَّمَهَا لِرَبِّهَا وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْوَكِيلُ فِيمَا أَنْكَرَهُ الْأَمِينُ حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ الْقَوْلُ لِلْأَمِينِ بِيَمِينِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ إلَخْ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ مَسْأَلَةٌ لَوْ هَرَبَ الْمَضْغُوطُ فَأَخَذَ الْحَمِيلُ بِمَا تَحَمَّلَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعَهُ فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَضْغُوطِ؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا رُجُوعَ لِلْحَمِيلِ عَلَى الْمَضْغُوطِ مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَشَايِخِ بَلَدٍ جَعَلَ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ دَرَاهِمَ غَرَامَةً فَأَخَذُوهَا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَقَالُوا لَهُمْ وَقْتَ الدَّفْعِ نَدْفَعُ لَكُمْ بَدَلهَا قَمْحًا ثُمَّ دَفَعَ الْمَشَايِخُ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ دَرَاهِمَ إلَّا وَاحِدًا قَالَ لَا آخُذُ إلَّا قَمْحًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ مِثْلِ دَرَاهِمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ إلَّا رَدُّ بَدَلِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ يُوسُفُ الْمُعَيْصِرِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ قَبُولُ دَرَاهِمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ أَخَذَهَا دَفْعُ قَمْحٍ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَمْ يُوجَدْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحًا لِفَقْدِ شُرُوطِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا

رجل له مواش كثيرة أكلت زرعة شتوية أو قيظية لآخر

تَعْيِينُ الْأَجَلِ وَالصِّفَةِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ إلَى آخَرَ مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ وَحِينَئِذٍ يُمْنَعُ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ مُعَارَضَةِ آخِذِ الدَّرَاهِمِ مِنْ طَلَبِهِ قَمْحًا بَدَلَهَا وَالْمَانِعُ لَهُ الْحَاكِمُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمْ بَيَّنُوا الْأَجَلَ بِأَنَّهُ وَقْتُ دَفْعِ الْخَرَاجِ، وَالنَّوْعُ وَصِفَتُهُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُمْ بَيَّنُوا قَدْرًا وَإِنْ أَجْمَلَ فِي السُّؤَالِ فَالصَّوَابُ عَدَمُ جَبْرِهِ عَلَى قَبُولِ مِثْلِ دَرَاهِمِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأُجِّلَ بِمَا تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَسْوَاقُ كَبِالْحَصَادِ مَثَلًا وَاعْتُبِرَ وَقْتُ أَغْلَبِهِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَهَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَفْرِ سَاقِيَةٍ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِأَجْلِ زَرْعِ الْقَصَبِ أَوْ النِّيلَةِ، أَوْ الذُّرَةِ، أَوْ الْقُطْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أُمِرَ بِهِ فَهَلْ إذَا جَدَّدَ عَلَيْهَا شَجَرًا نَخْلًا أَوْ نَبْقًا، أَوْ سَنْطًا، أَوْ أَثْلًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْغَارِسِ، أَوْ لِلْحَاكِمِ الْآمِرِ بِذَلِكَ، أَوْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَضِّحُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ الْغَيْرِ لَيْسَ عُذْرًا مُبِيحًا لِلْمُكْرَهِ الْقَدُومُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مُسْقِطًا الْغُرْمَ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَإِنْ اقْتَحَمَ النَّهْيُ ضَمِنَ وَغَرِمَ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْهَا وَعَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا إذَا عَلِمْت هَذَا فَالْحَافِرُ الْغَارِسُ مُتَعَدٍّ لَا ذُو شُبْهَةٍ فَيُخَيَّرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ أَمْرِهِ بِإِزَالَةِ مَا أَحْدَثَهُ فِيهَا وَتَسْوِيَتِهَا وَبَيْنَ إبْقَائِهِ لِنَفْسِهِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مَحْطُوطًا مِنْهَا أُجْرَةُ الْقَلْعِ وَالتَّسْوِيَةِ إنْ كَانَ الْمُتَعَدِّي لَيْسَ شَأْنُهُ تُوَلِّي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَاتِّبَاعُهُ وَإِلَّا فَلَا حَطَّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل لَهُ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ أَكَلَتْ زَرْعَةً شَتْوِيَّةً أَوْ قَيْظِيَّةً لِآخَرَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ أَكَلَتْ زَرْعَةً شَتْوِيَّةً، أَوْ قَيْظِيَّةً لِآخَرَ، أَوْ مُطْلَقَ زَرْعٍ فَهَلْ يَضْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا رَاعٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِلزَّرْعِ حَارِسٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ أَكَلَتْ الْمَوَاشِي الزَّرْعَ لَيْلًا وَالْحَالُ أَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَرْبِطْهَا رَبْطًا يَمْنَعُهَا مِنْ الِانْطِلَاقِ وَلَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهَا غَلْقًا كَذَلِكَ ضَمِنَ رَبُّهَا قِيمَةَ مَا أَكَلَتْهُ عَلَى الْبَتِّ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عَلَى رَجَاءِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْجَائِحَةِ وَخَوْفِ إصَابَتِهَا لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَاعٍ بِاللَّيْلِ، أَوْ كَانَ وَحَلَفَ مَا فَرَّطَ فَإِنْ رُبِطَتْ الرَّبْطَ الْمَانِعِ، أَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا الْغَلْقَ الْمَانِعَ فَانْفَلَتَتْ وَأَكَلَتْهُ فَهَدَرٌ وَإِنْ أَكَلَتْهُ نَهَارًا فَإِنْ سَرَحَتْ بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ الْمَزَارِعِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ لَهَا فَرَجَعَتْ وَأَكَلَتْهُ فَهَدَرٌ أَيْضًا كَانَ لَهَا رَاعٍ، أَوْ لَا وَإِنْ سَرَحَتْ قُرْبَهَا فَالضَّمَانُ عَلَى رَبِّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَاعٍ، أَوْ كَانَ وَلَيْسَ فِيهِ كِفَايَةٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا رَاعٍ فِيهِ الْكِفَايَةُ وَفَرَّطَ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِنْ غَلَبَتْهُ فَهَدَرٌ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَأَمَّا الْمَوَاشِي فَمَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا فَأَصْحَابُهَا ضَامِنُونَ كَانُوا مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاقَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا أَفْسَدَتْ فِي الصَّحَارَى وَالْمَسَارِحِ الْبَعِيدَةِ مِنْ الزَّرْعِ وَعَلَى أَرْبَابِهِ حِفْظُهُ وَلَا يَلْزَمُ الرَّاعِيَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَعَمَّدَ فَأَلْقَاهَا فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَالضَّمَانُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِيمَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ بِالنَّهَارِ إذَا أُخْرِجَتْ عَنْ جُمْلَةِ مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ وَتَرَكَهَا فِي الْمَسْرَحِ وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَهَا لِلرَّعْيِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ عَنْ مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ دُونَ رَاعٍ يَذُودُهَا عَنْ الزَّرْعِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَفْسَدَتْ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا رُعَاتُهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ الضَّمَانُ

عَلَى الرُّعَاةِ إنْ فَرَّطُوا، أَوْ ضَيَّعُوا حَتَّى أَفْسَدَتْ شَيْئًا عَلَى هَذَا حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ بِحِفْظِهِ بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ مَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِرُعَاتِهَا أَوْ بِأَرْبَابِهَا تَكَلَّمْتُ فِيهَا مَعَ ابْنِ رُشْدٍ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِأَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَ أَجِيرٌ يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ وَلَا ضَيَّعَ وَيَغْرَمُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى أَرْبَابِهَا وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا بِقِيمَتِهِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا نَهَارًا إنْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ وَسَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَمْ لَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ مِنْ الْحَوَائِطِ وَالْكُرُومِ فِي اللَّيْلِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى رَبِّهِ لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْبَتِّ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَيَضْمَنُهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَإِنْ زَادَ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمُتْلَفِ عَلَى قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا قَالَهُ أَشْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ سَالِمًا وَعَلَى تَقْدِيرِ جَائِحَتِهِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا فَلَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ حَتَّى عَادَ الزَّرْعُ لِهَيْئَتِهِ سَقَطَتْ قِيمَتُهُ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْسِدُ وَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِيَةَ فِي قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَاشِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ الْجَانِي وَالْمَاشِيَةُ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً فَلَيْسَتْ هِيَ الْجَانِيَةُ وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِهَا بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاعٍ. الثَّانِي أَنْ تَسْرَحَ بَعْدَ الْمَزَارِعِ بِأَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ الزَّرْعِ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ لَهُ فَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، أَوْ قُرْبَهَا فَلَوْ سَرَحَتْ قُرْبَ الْمَزَارِعِ وَلَيْسَ مَعَهَا رَاعٍ فَإِنَّ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى أَرْبَابِهَا فَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي أَيْ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، أَوْ قُرْبَهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا لِابْنِ نَاجِي وَمُقْتَضَى مَا لِغَيْرِهِ أَنَّ فِعْلَهَا حَيْثُ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ هَدَرٌ سَوَاءٌ كَانَ رَاعٍ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُنَا الَّذِي يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ احْتِرَازًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ كَالْحَمَامِ وَالنَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُمْنَعُ أَرْبَابُهُ مِنْ اتِّخَاذِهِ وَعَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ حِفْظُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا وَقَوْلُنَا وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْعَدَاءُ عَلَى الزَّرْعِ فَإِنَّ ضَمَانَ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى رَبِّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ إنْذَارٌ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ إنْذَارٌ فَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ إنْذَارٌ وَيُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِإِمْسَاكِهِ، أَوْ بَيْعُهُ بِأَرْضٍ لَا زَرْعَ فِيهَا وَقَوْلُنَا مِنْ الزَّرْعِ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَطِئَتْ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - انْتَهَى قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى رَبِّهَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ أَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهَا ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَرْبُوطَةً أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا تَرَكُوهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ أَمَّا إذَا رَبَطُوهَا وَحَفِظُوهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا رُبِطَتْ الرَّبْطَ الَّذِي يَمْنَعُهَا عَادَةً، أَوْ قُفِلَ عَلَيْهَا الْقَفْلَ الَّذِي يَمْنَعُهَا عَادَةً فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا كَانَتْ عَادِيَةً أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تُرْبَطْ الرَّبْطَ الْمَذْكُورَ وَلَا قُفِلَ عَلَيْهَا الْقَفْلُ الْمَذْكُورَ فَإِنْ كَانَتْ عَادِيَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِيَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا دُونَ مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا وَقَوْلُهُ فَعَلَى رَبِّهَا سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَهَلْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، أَوْ عَلَى عَدَدِ الْمَوَاشِي قَالَهُ

تعدى على الزرع قبل بدو الصلاح

الْأَقْفَهْسِيُّ وَأَقُولُ الظَّاهِرِ الثَّانِي قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَصُونًا بِحَائِطٍ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا لَا فَرْقَ فِي الرَّاعِي بَيْنَ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا، أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا كَذَا فِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي وَفِي شَرْحِ الشَّبْرَخِيتِيِّ خِلَافُهُ وَنَصُّهُ وَقَوْلُهُ فَعَلَى الرَّاعِي إنْ كَانَ مُكَلَّفًا وَفَرَّطَ بِأَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا وَأَمَّا لَوْ نَامَ مُسْتَنِدًا فَلَيْسَ بِمُفَرِّطٍ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّفْرِيطِ وَعَدَمِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّفْرِيطِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَهَدَرٌ انْتَهَى ثُمَّ أَقُولُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ كَلَامُ عَبْدِ الْبَاقِي أَوَّلًا مِنْ التَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّ إفْسَادَهَا مَعَ الرَّاعِي كَإِفْسَادِهِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَمُقْتَضَى مَا لِغَيْرِهِ أَيْ الْأَقْفَهْسِيِّ. أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَانَ الرَّاعِي إنَّمَا يَكُونُ مَعَ التَّفْرِيطِ وَحَيْثُ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ أَيْ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ لِلْمَزَارِعِ فَلَا يُعَدُّ الرَّاعِي مُفَرِّطًا فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِمَادُ كَلَامِ غَيْرِ ابْنِ نَاجِي ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ فَفَتَنَتْهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا أَيْ إنْ أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهَا وَكَذَا مَا كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا أَوْ رَمَتْهُ بِرِجْلِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَعَهَا وَإِلَّا ضَمِنَ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ آلِهِ وَسَلَّمَ. [تَعَدَّى عَلَى الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى بَصَلٍ لِآخَرَ، أَوْ جَزَرٍ، أَوْ خَسٍّ، أَوْ دُخَانٍ أَوْ مُطْلَقِ زَرْعٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ وَهَلْ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَصَادِ، أَوْ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ تَعَدَّى عَلَى الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أُغْرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعَدِّي عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ كَمَا تَقَدَّمَ تَصْوِيرُهُ فِي كَلَامِ الْخَرَشِيِّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْعَدَوِيُّ مَا نَصُّهُ أَيْ فَهُوَ يُقَوَّمُ تَقْوِيمًا وَاحِدًا مَنْظُورًا فِيهِ لِحَالَتَيْنِ انْتَهَى. وَإِنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ حَتَّى رَجَعَ الزَّرْعُ لِحَالِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْقِيمَةُ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْسِدُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْخَرَشِيِّ وَإِنْ تَعَدَّى بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أُغْرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعَدِّي عَلَى الْبَتِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل لَهُ كَلْبٌ جَرَحَ آخَرَ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ عَقُورٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ كَلْبٌ جَرَحَ آخَرَ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ عَقُورٍ فَمَا الْحُكْمُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ فَهَلْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ، أَوْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا كَانَ الْكَلْبُ غَيْرَ عَقُورٍ وَاتُّفِقَ أَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ أَوْ جَرَحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِهِ سَوَاءٌ اتَّخَذَهُ فِي دَارٍ، أَوْ فُنْدُقٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَجْمَاءِ الَّتِي فِعْلُهَا جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ وَإِذَا كَانَ عَقُورًا وَاقْتَنَاهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ فِيهِ كَدَارٍ وَفُنْدُقٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِكُلِّ مَا جَنَاهُ إنْ أُنْذِرَ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ وَإِنْ اقْتَنَاهُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ فِيهِ كَزَرْعٍ وَمَاشِيَةٍ فَجِنَايَتُهُ - قَبْلَ الْإِنْذَارِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ - هَدَرٌ لَا يَضْمَنُهَا صَاحِبُهُ وَيَضْمَنُ مَا بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَمَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا عَقُورًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَى فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسُوغُ اتِّخَاذُهُ فَمَا أَصَابَ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَهُوَ هَدَرٌ وَبَعْدَ التَّقَدُّمِ ضَمَانٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، أَوْ اتِّخَاذُ كَلْبٍ عَقُورٍ وَكَذَلِكَ يُقْتَصُّ مِمَّنْ اتَّخَذَ كَلْبًا عَقُورًا وَقَدْ أُنْذِرَ عَنْ اتِّخَاذِهِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهَلَكَ وَإِنْ هَلَكَ غَيْرُهُ فَالدِّيَةُ قَالَ الْعَدَوِيُّ

رجل له شب جاموس مشهور بالعداء فافترس رجلا أو دابة

قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يُقْتَصُّ مِمَّنْ اتَّخَذَ كَلْبًا عَقُورًا لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلْبِ بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ كُلُّ حَيَوَانٍ مُؤْذٍ مُتَّخَذٍ وَالْجِدَارُ الْمَائِلُ وَالْعَقُورُ مَا يَعْقِرُ وَيُؤْذِي بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعَقْرِ وَهُوَ الْجَرْحُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِتَكَرُّرٍ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنَّ هَذَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ: قَدْ أُنْذِرَ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تُقُدِّمَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ مُسْتَتِرٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ تَقَدَّمَ الْإِنْذَارُ فِيهِ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَهُ لِإِهْلَاكِ مُعَيَّنٍ مُحْتَرَمٍ وَأَهْلَكَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ وُجِدَتْ الْمُكَافَأَةُ وَمَا يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَقُورًا أَمْ لَا أُنْذِرَ صَاحِبُهُ أَمْ لَا وَإِنْ أَهْلَكَ غَيْرَهُ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ لِإِهْلَاكِ مَنْ لَا يَجُوزُ إهْلَاكُهُ وَأَهْلَكَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا ضَمِنَ دِيَتَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ عَقُورًا أَمْ لَا اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا وَإِنْ أَهْلَكَ غَيْرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ لِإِهْلَاكِ مَنْ لَا يَجُوزُ إهْلَاكُهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقُورٍ فَلَا ضَمَانَ اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَجْمَاءِ الَّتِي فِعْلُهَا جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا فَإِنْ اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا اتَّخَذَهُ لِحِرَاسَةِ الدَّارِ ضَمِنَ إنْ أُنْذِرَ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ وَإِنْ اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ كَالزَّرْعِ وَالضَّرْعِ ضَمِنَ إنْ أُنْذِرَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَلَيْسَ مِثْلُ الْإِنْذَارِ هُنَا عِلْمُهُ أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ إنَّ عِلْمَهُ بِعُقْرِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِنْذَارِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَقَدَّمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اتَّخَذَهُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ وَبِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِعُقْرِهِ لِلنَّاسِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ وَالتَّقَدُّمِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِشْهَادُ وَلِذَلِكَ قَالَ مُحَشِّي التَّتَّائِيُّ: قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذُ كَلْبٍ عَقُورٍ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ قَيْدٍ تَقَدُّمِ الْإِنْذَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قَصَدَ الضَّرَرَ وَهَلَكَ الْمَقْصُودُ وَهَذَا لَا قَيْدَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْقَيْدُ حَيْثُ اتَّخَذَهُ لِمَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذٌ فِيهِ كَحِرَاسَةِ الزَّرْعِ وَالضَّرْعِ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اتَّخَذَهُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ حَتَّى يَتَقَدَّمَ فِيهِ إلَيْهِ إنْ اتَّخَذَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ فِيهِ كَالدُّورِ وَشِبْهِهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَقُورٌ ضَمِنَ مَا أَصَابَ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ اتَّخَذَهُ فِي دَارِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ إنْ تَقَدَّمَ فِيهِ إلَيْهِ انْتَهَى نَصًّا بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَعْلَ الْكَلْبِ لِحِرَاسَةِ دَارِهِ، أَوْ فُنْدُقِهِ مِنْ سَبِيلِ مَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ زَرْعِهِ، أَوْ ضَرْعِهِ فَيَجُوزُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ اتِّخَاذَهُ لِلدُّورِ وَالْفَنَادِقِ يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ اهـ كَلَامُ الْعَدَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ جَمَلٌ عَضَّ آخَرَ فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ وَسَاعَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَاءِ أَفِيدُوا، وَفِي رَجُلٍ لَهُ جَامُوسَةٌ نَطَحَتْ امْرَأَةً فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا فَمَاذَا يَلْزَمُ صَاحِبَهَا وَالْحَالُ أَنَّهَا غَيْرُ مَشْهُورَةٍ بِالْعَدَاءِ أَفِيدُوا، وَفِي جَامُوسَةٍ خَاضَتْ فِي غَنَمٍ فَشَقَّتْ جُلَّ بُطُونِهَا، أَوْ نَطَحَتْ أُخْرَى وَالْحَالُ أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ بِالْعَدَاءِ فَمَاذَا يَلْزَمُ رَبَّهَا وَضِّحُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْجَمَلِ فِي الْأُولَى وَلَا الْجَامُوسَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَيْثُ كَانَتْ جِنَايَتُهَا مِنْ نَفْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ فِعْلِ فَاعِلٍ مَعَهَا ضَمِنَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل لَهُ شَبٌّ جَامُوسٌ مَشْهُورٌ بِالْعَدَاءِ فَافْتَرَسَ رَجُلًا أَوْ دَابَّةً] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ شَبٌّ جَامُوسٌ مَشْهُورٌ بِالْعَدَاءِ فَافْتَرَسَ رَجُلًا، أَوْ دَابَّةً فَمَاذَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ

رجل سلط كلبه العادي فأتلف دابة أو رجلا

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَضْمَنُ صَاحِبُهُ دِيَةَ النَّفْسِ فِي مَالِهِ وَقِيمَةَ غَيْرِهَا كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ لَهُ إنْذَارٌ أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل سَلَّطَ كَلْبَهُ الْعَادِيَ فَأَتْلَفَ دَابَّةً أَوْ رَجُلًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَلَّطَ كَلْبَهُ الْعَادِيَ فَأَتْلَفَ دَابَّةً، أَوْ رَجُلًا وَهُنَاكَ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُقْتَصُّ مِنْ صَاحِبِ الْكَلْبِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ الْمُتْلَفُ مُكَافِئًا لَهُ وَتَوَفَّرَتْ سَائِرُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الدُّخَانِ الَّذِي يُشْرَبُ فِي الْقَصَبَةِ وَاَلَّذِي يُسْتَنْشَقُ بِهِ هَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَوِّلٌ فَإِذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ أَحَدِهِمَا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَوِّلٌ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِمَنْ اخْتَلَّتْ طَبِيعَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَصَارَ لَهُ كَالدَّوَاءِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَسَائِرِ الْعَقَاقِيرِ الَّتِي يُتَدَاوَى بِهَا مِنْ الْعِلَلِ وَلَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ مُتَشَرِّعٌ فِي أَنَّهَا مُتَمَوِّلَةٌ فَكَذَلِكَ هَذَانِ كَيْفَ وَالِانْتِفَاعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَالتَّنَافُسُ حَاصِلَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ قَالَ فِي الْإِبْرِيزِ نَقْلًا عَنْ الْغَوْثِ سَيِّدِي عَبْدِ الْعَزِيزِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ الدُّخَانُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ نَعَمْ يَحْدُثُ بِسَبَبِ شُرْبِهِ ضَرَرٌ فِي الذَّاتِ وَيَصِيرُ الدُّخَانُ بَعْدَ ذَلِكَ قَامِعًا لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَطَّعَ وَرَقَّعَ وَلَوْ لَمْ يَشْرَبْهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَحْصُلُ فِيهِ قَطْعٌ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى تَرْقِيعٍ فَيَظُنُّ أَرْبَابُهُ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا هَذَا قَالَ مُؤَلِّفُ الْإِبْرِيزِ سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ مُبَارَكٍ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَكَذَا سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ يَقُولُ إنَّهُ سَمِعَ مِنْ طَبِيبٍ مَاهِرٍ نَصْرَانِيٍّ انْتَهَى. فَإِذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ أَحَدِهِمَا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ بَيْعِ مُغَيِّبِ الْعَقْلِ بِلَا نَشْأَةٍ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُ مِنْهُ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ وَاسْتَظْهَرَ فَتْوَاهُ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَقَدْ نُقِلَتْ فِي مَسَائِلِ الْمُبَاحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. . (وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ قَطَعَ جِسْرَ بَلَدٍ مُدَّةَ النِّيلِ فَشَرِقَ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ خَرَاجُ الْبَلَدِ لِتَسَبُّبِهِ فِي شَرَاقِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ طَرَدَ بَهِيمَةً مِنْ زَرْعِهِ وَاسْتَمَرَّ يَطْرُدُهَا إلَى أَنْ رُمِيَتْ فِي الْبَحْرِ وَمَاتَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ عَلَيْهَا ظُلَامَةٌ تُوُفِّيَ عَنْ ابْنِ أَخٍ فَوَضَعَ الْأَخُ يَدَهُ عَلَيْهَا وَأَعْطَاهَا لِلرَّجُلِ يَزْرَعُهَا سِنِينَ وَشَرَطَ عَلَى الزَّارِعِ دَفْعَ نِصْفِ الظُّلَامَةِ وَصَارَ الْأَخُ الْمَذْكُورُ يَحْسُبُ مَا دَفَعَهُ مِنْ تِلْكَ الظُّلَامَةِ عَنْ ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ طَلَبَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الظُّلَامَةُ الَّتِي عَلَى الطِّينِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ عَلَى الِابْنِ الْمَذْكُورِ مِنْهَا شَيْءٌ سِيَّمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهَا نَفْعٌ وَيُمْنَعُ الْعَمُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ فَدَى مَالَ آخَرَ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ فَتَنَازَعَ رَبُّ الْمَالِ مَعَهُ وَادَّعَى مَرَّةً أَنَّهُ فَدَاهُ بِأَقَلَّ وَمَرَّةً أَنَّهُ خَلَّصَهُ بِلَا شَيْءٍ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْفَادِي بِيَمِينِهِ أَمْ رَبُّ الْمَالِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُصَدَّقُ الْفَادِي بِيَمِينِهِ مَا دَامَ الْمَالُ الْمُفْدَى بِيَدِهِ

وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْمَالَ الَّذِي دَفَعَهُ فِدَاءً حَيْثُ كَانَ يَتَعَذَّرُ تَخْلِيصُهُ بِأَقَلَّ، أَوْ بِلَا شَيْءٍ وَإِلَّا فَيَأْخُذُهُ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَيَضِيعُ الْفَدَّانُ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ دَفَعَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شُرَكَاءَ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ غَرَسَ أَحَدُهُمْ فِيهَا نَخْلًا بِلَا إذْنٍ مِنْ بَاقِيهِمْ مَعَ حُضُورِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ ثُمَّ طَلَبُوا قَسْمَ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَمَا الْحُكْمُ فِي النَّخْلِ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ غَرَسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شُرَكَائِهِ وَحِينَ قُسِمَتْ الْأَرْضُ جَاءَ فِي قَسْمِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا، أَوْ يَأْمُرُهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ وَهَذَا إنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ عَشْرَ سِنِينَ وَإِلَّا قُضِيَ لِلْغَارِسِ بِهِ قَائِمًا بِأَرْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْقَضَاءِ لِلْحَائِزِ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ وَهُنَا لَمْ يَدَّعِهَا بَلْ أَقَرَّ بِالْمُشَارَكَةِ وَقَاسَمَ، أَوْ أَرَادَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخَذَ مِنْ آخَر طَوْقًا وَدَرَاهِمَ وَدَفَعَهَا فِي مَظْلِمَةٍ لِمُلْتَزِمٍ حَبَسَ أَخَاهُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَرَهَنَ فِي الطَّوْقِ وَالدَّرَاهِمِ طِينَ الْمَحْبُوسِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِ الطَّوْقِ وَالدَّرَاهِمِ أَنَّهُمَا أُخِذَا مِنْهُ لِلدَّفْعِ فِي الْمَظْلِمَةِ فَهَلْ يَضِيعُ الطَّوْقُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَى صَاحِبِهِمَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِمَا عَلَى الْمَحْبُوسِ وَلَا عَلَى أَخِيهِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إنْ قَدَرَ وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الطِّينِ أَيْضًا وَيُطَالَبُ بِأُجْرَتِهِ مُدَّةَ زَرْعِهِ إيَّاهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ كَانَ الْحَبْسُ ظُلْمًا وَأَخَذَ أَخُو الْمَحْبُوسِ الطَّوْقَ وَالدَّرَاهِمَ مِنْ إنْسَانٍ وَدَفَعَ ذَلِكَ فِي الْمَظْلِمَةِ مَعَ عِلْمِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الدَّافِعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْبُوسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَخَاهُ وَلِرَبِّ الدَّرَاهِمِ الرُّجُوعُ بِهَا وَبِالطَّوْقِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ الْآخِذِ لَهَا ظُلْمًا إنْ قَدَرَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ لِلْمَحْبُوسِ طِينَهُ وَأَنْ يَدْفَعَ أُجْرَتَهُ مُدَّةَ زِرَاعَتِهِ لَهُ قَهْرًا عَنْهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. وَأَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِهِ أَحْمَدُ السَّنْتَرِيسِيُّ الشَّافِعِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْمُصَيْلِحِيُّ الشَّافِعِيُّ وَسَالِمٌ الْمَالِكِيُّ وَمُحَمَّدٌ النَّفْرَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ أَيْضًا لِلْهَوَّارِيِّ الْمَالِكِيِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْعَدَوِيُّ وَلِمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَلِمَا اخْتَارَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَجَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ أَخُو الْمَظْلُومِ أَخَذَ الطَّوْقَ مِنْ مَالِكِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ مِنْ الْمَالِكِ ضَاعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْهُ طَامِعًا فِي الثَّمَنِ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ الْمَظْلُومَ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ بِذَلِكَ وَطِينُهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ صَاحِبِ الطَّوْقِ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَهُوَ أَخُو الْمَظْلُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ تَبَعًا لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَتَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ رُجُوعُ صَاحِبِ الطَّوْقِ وَالدَّرَاهِمِ بِقِيمَةِ طَوْقِهِ وَمِثْلِ دَرَاهِمِهِ عَلَى الْمَحْبُوسِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لِأَخِيهِ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ تَوَقُّفِ خَلَاصِهِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَّالٍ أَخَذَ حِمْلَ قَتٍّ مِنْ غَيْطِ شَخْصٍ وَطَرَحَهُ عَلَى جُرْنِ غَيْرِهِ فَتَنَازَعَ صَاحِبُ الْحِمْلِ وَصَاحِبُ الْجُرْنِ فِي قَدْرِ الْحِمْلِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُصَدَّقُ صَاحِبُ الْجُرْنِ فِي قَدْرِ الْحِمْلِ الَّذِي وُضِعَ عَلَى جُرْنِهِ وَيُنْظَرُ لِمَا فِي الْحِمْلِ بِالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ صَاحِبُ الْجُرْنِ فِي قَدْرِهِ

بِيَمِينٍ إنْ أَشْبَهَ فَإِنْ أَشْبَهَ صَاحِبُ الْحِمْلِ وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ بِيَمِينٍ فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَقُضِيَ بِالْوَسَطِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَوْلُ لِلْغَارِمِ فِي التَّلَفِ وَالنَّعْتِ فَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ غَرِمَ مَا أَخْفَى وَالْقَدْرُ وَالْجِنْسُ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْفَرِدَ رَبُّهُ بِالشَّبَهِ فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ أَوْ يَنْتَفِي شَبَهُهُمَا فِي النَّعْتِ وَالْقَدْرِ فَيَحْلِفَانِ وَيُقْضَى بِالْوَسَطِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَرْضِ زِرَاعَةٍ خَرَاجِيَّةٍ شَائِعَةٍ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا قِسْمَةٌ فَتَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا بِغَرْسِ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَطَلَبَ شَرِيكُهُ مِنْهُ الْمُقَاسَمَةَ فِيهَا فَامْتَنَعَ مِنْهَا وَقَالَ لَهُ خُذْ مِنْ الْبَيَاضِ الْبَاقِي بِقَدْرِ مَا تَصَرَّفْت فِيهِ مِنْ الْأَرْضِ بِالْقِيَاسِ فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ بِالْقُرْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْغَارِسِ ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ الْأَرْضُ الْمَغْرُوسَةُ لِلْغَارِسِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرِ الْغَارِسِ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَنَقْلِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ دَفْعِهِ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا مُسْقِطًا مِنْهَا أُجْرَةَ مَنْ يَتَوَلَّى الْقَلْعَ وَالتَّسْوِيَةَ إنْ كَانَ الْغَارِسُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَخَدَمِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْقَوْلُ لِطَالِبِ الْقُرْعَةِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فَيُجْبَرُ مَنْ أَبَاهَا مَعَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ وَمَعَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ إيضَاحٌ لِقَوْلِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الِانْتِفَاعِ وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ. وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ وَسُئِلَ عَنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ إذَا بَنَى، أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ، أَوْ بِغَيْرِهِ مَعَ اطِّلَاعِهِمْ وَسُكُوتِهِمْ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ وَحْدَهُ، أَوْ شَرِكَةً بَيْنَهُمْ بِالْقِيمَةِ، أَوْ يَكُونُ كَالْغَاصِبِ فَأَجَابَ نَعَمْ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ شَرِكَةٌ لِلِبَانِي، أَوْ الْغَارِسِ وَيَدْفَعُ لَهُ قِيمَةَ حَظِّهِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مَنْقُوضًا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَقِيلَ قَائِمًا وَإِنَّمَا يُشَارِكُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا الثُّلُثُ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي الْبِنَاءِ، أَوْ الْغَرْسِ بِالثُّلُثِ لَا بِأَكْثَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِذَا بَنَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ غَرَسَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ شَرِيكَهُ وَإِذْنَهُ وَمَضَى لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ إلَى مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ إلَّا قِيمَةُ حَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ مَنْقُوضًا وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَذِنَ إلَى مِثْلِهَا كَانَ عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةُ حَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ قَائِمًا وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَا عِلْمِهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ تُوجِبُ لِشَرِيكِهِ أَخْذَ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ حَظِّهِ مِنْ النَّفَقَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ شُبْهَةً فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا قِيمَةُ ذَلِكَ مَنْقُوضًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ شَرِيكِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ كَالْإِذْنِ أَمْ لَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَالْإِذْنِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْذُونِ لَهُ إلَّا فِي وُجُوبِ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْإِذْنِ يَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ وَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ هُنَا وَاجِبٌ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنْ اقْتَسَمَا فَخَرَجَ ذَلِكَ فِي حَظِّ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا وَإِذَا تَدَاعَيَا الْقِسْمَةَ حَتَّى يَقَعَ الْفَصْلُ فِي الْبِنَاءِ، أَوْ الْغَرْسِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْبِنَاءِ، أَوْ الْغِرَاسَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَقْتَسِمَانِ، أَوْ يَتْرُكَانِ ذَكَرَ ذَلِكَ

رجل تعدى على جمل مدينه ورهنه في دينه

ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ مَتْرُوكِينَ فَتَعَدَّى أَحَدُهُمْ عَلَى نَاقَةِ شَخْصٍ بِضَرْبِهَا عَلَى رَأْسِهَا فَمَاتَتْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهَا فَدَفَعَ عَنْهُمْ قِيمَتَهَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ شَرِيكٌ لَهُمْ فِي الزَّرْعِ ثُمَّ أَرَادُوا الْمُقَاسَمَةَ وَالِانْعِزَالَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَأَنْ يُحَاسِبُوا الْجَانِيَ بِقِيمَةِ النَّاقَةِ لِيَدْفَعُوهَا لِلشَّرِيكِ فَامْتَنَعَ الْجَانِي مِنْ ذَلِكَ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَيْسَ لِغَيْرِ الْجَانِي مِنْ الْإِخْوَةِ مُحَاسَبَةُ الْجَانِي بِالْقِيمَةِ الَّتِي دَفَعَهَا عَنْهُ شَرِيكُهُمْ فِي الزَّرْعِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُقَاسَمَةُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخْرُجُ لَهُ بِتَمَامِهِ سَوَاءٌ غَيْرُ الْجَانِي وَالْجَانِي وَيَتْبَعُهُ وَحْدَهُ دَافِعُ الْقِيمَةِ بِهَا إنْ شَاءَ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَلَا يَحْتَاجُ لِنَصٍّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخْرَجَهُ حَاكِمُ بَلْدَتِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ قَهْرًا عَنْهُ وَجَبَرَهُ مَشَايِخُ النَّاحِيَةِ عَلَى عِمَارَتِهِ فَلَمَّا تَمَّ أَقَامَ فِيهِ الْحَاكِمُ سَنَتَيْنِ ثُمَّ حَضَرَ وَلَدُ رَبِّ الْمَنْزِلِ مِنْ النِّظَامِ وَأَعْرَضَ لِلْبَاشَا فِي ذَلِكَ فَحَكَمَ لَهُ بِإِخْرَاجِ الْحَاكِمِ مِنْ الْمَنْزِلِ فَلَمَّا خَرَجَ طَلَبَ الْمَشَايِخُ رَبَّهُ بِأُجْرَةِ الْعِمَارَةِ مِنْ أَخْشَابٍ وَغَيْرِهَا فَهَلْ لَا يَكُونُ لَهُمْ رُجُوعٌ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُجْبِرِ لَهُمْ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَيْسَ عُذْرًا مُبِيحًا لِلْمُكْرَهِ الْقُدُومَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مُسْقِطًا الْغُرْمَ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَإِنْ اقْتَحَمَ النَّهْيُ ضَمِنَ وَغَرِمَ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْهَا وَعَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا إذَا عَلِمْتَ هَذَا فَالْمَشَايِخُ مُتَعَدُّونَ فِي تَعْمِيرِهِمْ الْمَنْزِلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَنْزِلِ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِإِزَالَةِ مَا أَحْدَثُوهُ فِيهِ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ قَلْعِهِ كَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ وَالْآجُرِّ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَأَنْ يَدْفَعَ لَهُمْ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيُبْقِيهِ لِنَفْسِهِ مَطْرُوحًا مِنْهَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى الْقَلْعَ وَالتَّسْوِيَةَ وَإِنْ كَانَ شَأْنُهُمْ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ قَلْعِهِ كَالْجِيرِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي هُرُوبِ الرَّجُلِ مِنْ بَلَدِهِ تَارِكًا عَقَارَهُ فَيُجْبِرُ الْحَاكِمُ الْمُقِيمَ فِيهِ عَلَى زَرْعِ أَرْضِ الْهَارِبِ وَدَفْعِ مَالِهَا ثُمَّ يَعُودُ الْهَارِبُ لَهُ فَيَجِدُ الْمُقِيمُ تَصَرَّفَ فِي نَخِيلِهِ بِالْقَطْعِ وَالْبَيْعِ فَهَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ مَا قَلَعَ وَثَمَنَ مَا بَاعَ وَلَا يُعْذَرُ بِجَبْرِ الْحَاكِمِ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلْهَارِبِ تَغْرِيمُهُ قِيمَةَ مَا قَلَعَ وَثَمَنَ مَا بَاعَ وَلَهُ فَسْخُ بَيْعِهِ وَأَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَإِنْ فَاتَ غَرَّمَهُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَإِلَّا غَرَّمَهُ قِيمَتَهُ أَيْضًا وَلَا يُعْذَرُ الْمُقِيمُ بِجَبْرِ الْحَاكِمِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل تَعَدَّى عَلَى جَمَلِ مَدِينِهِ وَرَهَنَهُ فِي دَيْنِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى جَمَلِ مَدِينِهِ وَرَهَنَهُ فِي دَيْنِهِ ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ مَدِينُهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ مَا عَلَيْهِ أَحْضَرَ لَهُ الْجَمَلَ ضَعِيفًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ فَامْتَنَعَ الْمَدِينُ مِنْ قَبُولِهِ وَبَقِيَ الْجَمَلُ كَذَلِكَ مُدَّةً

ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ رَبُّ الدَّيْنِ الْمُتَعَدِّي. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَضْمَنُ رَبُّ الدَّيْنِ الْمُتَعَدِّي عَلَى الْجَمَلِ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ مِنْ رَبِّهِ الْمَدِينِ حَيْثُ كَانَ صَحِيحًا يَوْمَهُ وَحَدَثَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ابْنُ عَرَفَةَ التَّعَدِّي التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ فَوَثِيقَةُ الْأَرْيَافِ أَقْرَبُ إلَيْهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا لَا الْغَصْبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ التَّمَلُّكَ الْمُطْلَقَ وَلَكِنْ ظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّعَدِّي عَلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا تُضْمَنُ فِيهِ الذَّاتُ بَلْ تُضْمَنُ وَلَا غَلَّةَ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ الْمُحَشِّيَّ ذَكَرَ أَنَّ مَحَلَّ إطْلَاقِ ضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَقْسَامِ التَّعَدِّي نَعَمْ التَّعْيِيبُ الْيَسِيرُ فِيهِ الْأَرْشُ لَا الْقِيمَةُ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَلْيُنْظَرْ اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى فَرَسٍ وَرَكِبَهَا لَيْلًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا وَرَمَحَهَا أَكْثَرَ مِنْ فَرْسَخٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فِي فَجْرِ لَيْلَةِ الرَّمْحِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجَنِينِ وَأُمِّهِ إنْ تَلِفَتْ، أَوْ تَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ حَلَفَهَا فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا غَرِمَ قِيمَةَ الْجَنِينِ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَأَرْشَ نَقْصِ أُمِّهِ إنْ لَمْ تَمُتْ وَقِيمَتَهَا إنْ مَاتَتْ فَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ وَفِي الْأُمِّ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا فِي دَعْوَى الِاتِّهَامِ وَفِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ لَا يَغْرَمُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَطَعَ نَخْلَةً لَهُ مِنْ جَدْرِهَا وَلَمْ يُدَعِّمْهَا فَسَقَطَتْ عَلَى نَخْلَةٍ لِغَيْرِهِ فَأَسْقَطَتْهَا فَهَلْ يَضْمَنُهَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَضْمَنُهَا لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ رَبْطِهَا وَإِدْعَامِهَا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ؛ وَلِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِمْ مَنْ أَحْرَقَ فُرْنُهُ دَارَ جَارِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيُعْلَمُ بِقِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى تَأْجِيجِ نَارٍ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ وَبِقِيَاسِ الْأَوْلَى عَلَى سُقُوطِ جِدَارٍ ظَهَرَ مَيَلَانُهُ لِصَاحِبِهِ، أَوْ بِنَاءٍ كَذَلِكَ وَأُنْذِرَ صَاحِبُهُ وَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ الْمَحْكُومِ فِيهَا بِالضَّمَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَوْزِيعِ مَا يَجْعَلُهُ الْعُمَّالُ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَيَسْتَعْجِلُونَهُمْ فِيهِ وَيُلْزِمُونَهُمْ بِهِ فَهَلْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُوَزَّعُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْعَامِلِ إذَا رَمَى عَلَى قَوْمٍ دَنَانِيرَ وَهُمْ أَهْلُ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ لَهُمْ ائْتُونِي بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَلَمْ يُوَزِّعْهَا فَهَلْ لَهُمْ سَعَةٌ فِي تَوْزِيعِهَا بَيْنَهُمْ وَهُمْ لَا يَجِدُونَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا وَهَلْ يُوَزِّعُونَهَا عَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ، أَوْ عَدَدِ الرُّءُوسِ وَهَلْ لِمَنْ أَرَادَ الْهُرُوبَ حِينَئِذٍ وَيَرْجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ سَعَةٌ وَيَعْلَمُ أَنَّ حَمْلَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَلْ لَهُ سُؤَالُ الْعَامِلِ فِي تَرْكِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يَقُولُونَ لِلْعَامِلِ اجْعَلْ لَنَا مِنْ قِبَلِك مَنْ يُوَزِّعُهَا وَإِنْ فَعَلُوا خَافُوا أَيْضًا أَنْ يَطْلُبَهُمْ وَهَلْ تَرَى الشِّرَاءَ

لِشَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لِشَيْءٍ يَبِيعُونَهُ مِنْ أَجْلِ مَا رَمَى عَلَيْهِمْ، أَوْ يَتَسَلَّفُونَهُ وَهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَعْوَانٌ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ أَبْطَئُوا بِالْمَالِ أَتَتْهُمْ الْأَعْوَانُ. فَقَالَ إنْ أَجْمَعُوا عَلَى تَوْزِيعِهِ بِرِضًا مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ طِفْلٌ وَلَا مَوْلًى عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَلَا يَتَكَلَّفُ السَّائِلُ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَلْيُؤَدِّ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ وَتَوْزِيعُهُمْ إيَّاهُ عَلَى مَا جَعَلَهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إمَّا عَلَى الْأَمْوَالِ، أَوْ الرُّءُوسِ وَمَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ وَأَمَّا تَسَبُّبُهُ فِي سَلَامَتِهِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَسْأَلَ أَنْ يُعَافَى مِنْ الْمَغْرَمِ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ فِيهِ الْأَمْرُ وَأَمَّا بَيْعُ هَؤُلَاءِ لِعُرُوضِهِمْ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَخَذُوا بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَقَبْلَ الْأَخْذِ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ وَمَا تَسَلَّفُوهُ فِي حَالِ الضَّغْطَةِ فَلِمَنْ أَسْلَفَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَهَذَا اخْتِيَارِي قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَهَذَا وَاضِحٌ وَإِنْ تَعَرَّضَ السُّلْطَانُ فَجَعَلَهَا عَلَى الرُّءُوسِ، أَوْ الْأَمْوَالِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ فَيُقَدَّمُ مَا لِشَيْخِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيِّ وَمَا فَعَلْنَاهُ حِينَ قُفُولِنَا مِنْ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ لَكِنْ عَارَضَتْهُ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى وَقَدْ مَرَّتْ. وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَيْضًا عَمَّنْ رَمَى عَلَيْهِمْ السُّلْطَانَ مَالًا فَيَتَعَاوَنُ النَّاسُ فِي جَمْعِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْصَافِ، فَقَالَ نَعَمْ هَذَا مِمَّا يُصْلِحُهُمْ إذَا خَافُوا وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ اهـ. وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ فِي تَعَالِيقِهِ عَنْ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْغُرْمَ الَّذِي يَطْرَحُهُ السُّلْطَانُ عَلَى النَّاسِ فَهَلْ يَقْدَحُ فِي الْحَاضِرِينَ حِينَ رَمْيِهِمْ ذَلِكَ؟ قَالَ لَا؛ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَغَابَ عَنْ النَّاسِ وَغَابَ غَيْرُهُ فَرُبَّمَا جَاءَ الْأَعْوَانُ فَسَجَنُوهُمْ، أَوْ حَمَلُوا مَعَاشَهُمْ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ اهـ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَعْنَاهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي التَّوْظِيفِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا يَحْضُرُ صَامِتًا حَتَّى تُوَظِّفَ الْجَمَاعَةُ ذَلِكَ وَيُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْمُعَدَّلَةِ وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ فِي التَّوْظِيفِ فَلَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِيهِ فَيَكُونُ ظَالِمًا لِمَنْ أَخْطَأَ عَلَيْهِ. وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٌ هَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْأَدَاءِ إذَا خَلَصَ لَهُ الْجَاهُ أَوْ نَحْوُهُ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ خَلَاصُ نَفْسِهِ إلَّا قَبْلَ فَرْضِ الْمَالِ لِيَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ فِي أَدَائِهِ أَوْ يُحَاسِبُهُمْ السُّلْطَانُ بِهِ، وَسُئِلَ عَنْهَا أَبُو عِمْرَانَ أَيْضًا قِيلَ لَهُ رَجُلٌ يَكُونُ فِي قَوْمٍ تَحْتَ سُلْطَانٍ غَالِبٍ يَرْسُمُ عَلَيْهِمْ الْغُرْمَ وَيَكُونُ فِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ مَقَامٌ لَا يُؤَدِّي مَعَهُمْ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَهُمْ وَيُعِينَهُمْ إذَا كَانُوا إنَّمَا يُؤَدُّونَ مَخَافَةَ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ قَالَ وَلَا يَبْلُغُ بِهِمْ مَبْلَغَ الْإِثْمِ إنْ نَزَلَ ذَلِكَ وَعُوفِيَ وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ اهـ. وَسُئِلَ عَنْهَا الدَّاوُدِيُّ أَيْضًا فَقِيلَ لَهُ فَهَلْ تَرَى لِمَنْ قَدَرَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ دَفْعِ هَذَا الَّذِي يُسَمَّى بِالْخَرَاجِ إلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَفْعَلَ. قَالَ نَعَمْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ فَإِنْ وَظَّفَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ وَأَخَذَهُمْ بِمَالٍ مَعْلُومٍ يُؤَدُّونَهُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ هَلْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ وَهُوَ إذَا خَلَصَ أَخَذَ سَائِرَ أَهْلِ بَلَدِهِ بِتَمَامِ مَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ. قَالَ ذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] وَإِلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي السَّاعِي يَأْخُذُ مِنْ غَنَمِ الْخُلَطَاءِ شَاةً وَلَيْسَ فِي جَمِيعِهَا نِصَابٌ أَنَّهَا مَظْلِمَةٌ دَخَلَتْ عَلَى رَبِّهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ بِشَيْءٍ وَلَسْت آخُذُ فِي هَذَا بِمَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ فِي هَذَا لَا أُسْوَةَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي ظُلْمٍ مَخَافَةَ أَنْ يُضَاعَفَ الظُّلْمُ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَظَاهِرُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ إذَا دَخَلَ الْحَيَوَانُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي حَائِطِهِ وَإِذَا أَخْرَجَهُ فَلَا يُخْرِجُهُ إلَّا عَلَى غَيْرِهِ فَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَتَسَبَّبُ فِيهِ، أَوْ يَتْرُكُهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ. وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رُفْقَةٍ مِنْ بِلَادِ السُّودَانِ يُؤْخَذُونَ بِمَالٍ فِي الطَّرِيقِ لَا يَنْفَكُّونَ

عَنْهُ فَتَوَلَّى دَفْعَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَاقِينَ بِمَا يَخُصُّهُمْ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ الْخَلَاصَ إلَّا بِذَلِكَ وَهِيَ ضَرُورَةٌ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا وَأَرَاهُ جَائِزًا اهـ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَدَى مَالًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ وَالصَّحِيحُ لُزُومُهُمْ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَخَلَّصُوا إلَّا هَكَذَا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ كَالْخِفَارَةِ عَلَى الزَّرْعِ وَالْغَلَّاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى عَدَدِ الْأَحْمَالِ لَا عَلَى قِيمَتِهَا وَيُعَلِّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَخَافُ عَلَى مَنْ حِمْلُهُ غَالٍ مِنْ إجَاحَتِهِ وَقَصَدَ بِالْإِجَاحَةِ فِي الطَّرِيقِ وَقَدْ اخْتَرْته أَنَا حِينَ قَفَلْنَا مِنْ الْحَجِّ بِبِلَادِ بُرْقَةَ ضَرَبْنَا الْخِفَارَةَ مَرَّةً عَلَى عَدَدِ الْأَحْمَالِ وَمَرَّةً عَلَى عَدَدِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلَطَ عَلَيْنَا أَعْرَابُ أَفْرِيقِيَّةِ فَعَمِلْنَا عَلَى عَدَدِ الْإِبِلِ خَاصَّةً لَمَّا خِفْت عَلَى مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ غَالٍ فِي الرُّفْقَةِ أَنْ يُسْرِفَ لَهُ، أَوْ يُجَاحَّ قَصْدًا وَأَنَّهُ لَحَسَنٌ مِنْ الْفَتْوَى إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ قَلِيلًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا جِدًّا فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ اعْتِبَارُ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا يَحْسُنُ يُزَادُ بَعْضُ شَيْءٍ عَلَى مَنْ رَحْلُهُ غَالٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ) عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ يَحْتَسِبُ لِأَهْلِ بَلَدِهِ كِتَابَةَ أَسْمَائِهِمْ وَمَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا رَمَى السُّلْطَانُ عَلَيْهِمْ مَالًا لِيَقْتَضِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَيُدْفَعَ لَهُ (فَأَجَابَ) لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ غَيْرَهُ يَتَوَلَّاهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدِي بِاَلَّذِي يُسْقِطُ شَهَادَتَهُ لِتَوَلِّيهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مِثْلُهُ مَا يَقَعُ الْيَوْمَ فِي قُرَى تُونُسَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ وَظَائِفُ مَخْزَنِيَّةٌ ظُلْمِيَّةٌ فَيَطْلُبُونَ أَئِمَّتَهُمْ فِي كَتْبِهَا لَهُمْ إمَّا فِي بِطَاقَةٍ، أَوْ بَطَائِقَ وَتَارَةً يَطْلُبُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَتَارَةً يَدْفَعُونَهَا إلَى أَعْوَانِ السُّلْطَانِ، أَوْ الْعُمَّالِ، وَالثَّانِي أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَسْلِيطِ الْعُمَّالِ عَلَى آحَادِهِمْ وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إضْرَارِهِمْ وَأَمَّا لَوْ كَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ إلَى الْعُمَّالِ بِغَرَضِهِمْ، أَوْ بِغَرَضِ الْعُمَّالِ فَهَذَا لَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ بَلْ لَا يَجُوزُ نَظَرُ هَذِهِ الْأَزِمَّةِ وَلَا قِرَاءَتُهَا لِلدَّلَالَةِ وَأَمَّا لَوْ الْتَزَمَ عَامِلٌ مَالًا عَلَى سُوقٍ وَهُوَ مَوْظُوفٌ عَلَى مَا يَجْلِبُونَهُ وَعَلَى مَا يَجْلِبُهُ غَيْرُهُمْ لَكِنْ هُمْ الْأَكْثَرُ مَا مِثْلُ يُلْتَزَمُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ بِتُونُسَ كَالدَّبَّاغِينَ فَإِنْ طَلَبَ الْمُلْتَزِمُ كِتَابَتَهُ مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى جِبَايَةِ الْحَرَامِ وَلَوْ طَلَبَ الْجَمَاعَةُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَجْمَعُ هَذَا الْمَالَ وَدَفْعَهُ عَنْهُمْ وَالْتَزَمُوا أَدَاءَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُوَظِّفُونَهُ عَلَيْهِمْ كَالْغَرَامَاتِ فَهَذَا إنْ كَانَ لَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ فِيهِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ بَلْ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ وَيَسْلَمُ مِنْ هَذَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرُهُمْ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَغْرَمِ مِمَّنْ يُجْلَبُ إلَى ذَلِكَ السُّوق مِنْ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ كَسُوقِ الْجَزَّارِينَ بِتُونُسَ فَلَا يَحِلُّ الدُّخُولُ فِي مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُغَرِّمًا مَنْ يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الظُّلُمَاتِ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ كُرْهًا. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَلَدٍ تَرَاكَمَ عَلَيْهِ مَالُ الْمِيرِيِّ الْمُوَظَّفِ وَعَجَزَ أَهْلُهُ عَنْ وَفَائِهِ فَأَمَرَ الْأَمِيرُ بِنَهْبِ رَقِيقِهِمْ وَمَعَاتِيقِهِمْ فَهَجَمَ أَعْوَانُهُ عَلَى الْمَحَلَّاتِ وَأَخَذُوا مَا فِيهَا مِنْ الْمَعْتُوقِينَ وَكَتَبُوهُمْ فِي خَلَاصِ الْمَالِ الَّذِي عَلَى الْمَحْبُوسِينَ وَالْغَائِبِينَ وَمِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ وَلَا رِضَاهُمْ ثُمَّ ذَهَبَ الْأَمِيرُ فَقَامَ سَادَةُ الْمَعْتُوقِينَ عَلَى مَنْ كَتَبَ الْمُعْتَقِينَ فِي خَلَاصِ مَا عَلَيْهِمْ وَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْإِتْيَانَ بِهِمْ، أَوْ دَفْعَ دِيَاتِهِمْ فَبَعْضُهُمْ تَوَجَّهَ وَوَجَدَ مَنْ كَتَبَ فِي خَلَاصِهِ فَفَدَاهُ وَأَتَى بِهِ وَبَعْضُهُمْ تَوَجَّهَ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ كَتَبَ فِي خَلَاصِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا بِيعَ بِهِ وَدُفِعَ فِي خَلَاصِهِ، أَوْ مَا يَفْدِيهِ بِهِ لَوْ وَجَدَهُ، أَوْ دِيَةُ حُرٍّ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِسَادَاتِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا قِيمَةَ لَهُ فَيَغْرَمُهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ رُجُوعُهُ فَيَغْرَمُ دِيَتَهُ، أَوْ فِدَاءَهُ نَعَمْ دِيَتُهُمْ تَلْزَمُ الْأَعْوَامَ الَّذِينَ أَخَذُوهُمْ وَأَوْصَلُوهُمْ لِلْأَمِيرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَنْ فَعَلَ بِحُرٍّ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ رُجُوعُهُ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةُ عَمْدٍ وَرَجَعَ بِهَا إنْ رَجَعَ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَغَارُوا عَلَى إبِلٍ وَأَخَذُوهَا وَتَرَكُوا فَرَسًا لِعَطَبِهَا فَأَخَذَهَا بَعْضُ الْمُغَارِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ لَمْ تُؤْخَذْ إبِلُهُ وَدَاوَاهَا حَتَّى بَرِئَتْ فَأَرَادَ بَعْضُ مَنْ أُخِذَتْ إبِلُهُمْ أَخْذَهَا فِي إبِلِهِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ لَكِنْ لِبَاقِي مَنْ أُخِذَتْ إبِلُهُمْ مُحَاصَّتُهُ فِيهَا بِقِيَمِ إبِلِهِمْ الَّتِي أُخِذَتْ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغُرْمُ كُلٍّ عَنْ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا وَأُتْبِعَ كَالسَّارِقِ قَالَ شَارِحُهُ الْخَرَشِيُّ الْمُحَارَبُونَ كَالْحُمَلَاءِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ جَمِيعَ مَا أَخَذَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَا أَخَذَهُ أَصْحَابُهُ بَاقِيًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ جَاءَ الْمُحَارِبُ تَائِبًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَقَوَّى بِأَصْحَابِهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَالِ بَعْضِهِمْ كَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَاتِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلِّي اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي طَرِيقٍ عَامَّةٍ لِجَمِيعِ الْمَارِّينَ يَسْلُكُونَ فِيهَا مُدَّةٌ زَائِدَةً عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً بِجِوَارِ مَسْجِدٍ فَبَنَى فِيهَا رَجُلٌ مَنْزِلًا وَحَوَانِيتَ وَصَارَتْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مُنْتَفَعًا بِهَا فِي الْمَنْزِلِ وَسُدَّ شَبَابِيكُهَا الْمُنَوِّرَةُ لِلْمَسْجِدِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى هَدْمِ الْمَنْزِلِ وَالْحَوَانِيتِ وَنَقْلِ أَنْقَاضِهَا وَتَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ وَإِعَادَتِهَا إلَى حَالَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الطَّرِيقِ مِلْكًا لَهُ فَفِي مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَقَضَى بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِالطَّرِيقِ وَلَوْ مَسْجِدًا حَدَّهَا بَعْضٌ بِثَمَانِيَةِ أَشْبَارٍ وَآخَرُ بِثَمَانِيَةِ أَذْرُعٌ وَآخَرُ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَآخَرُ بِمُرُورِ جَمَلَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ بِأَعْظَمِ الْأَحْمَالِ إنْ أَضَرَّ بِالْمَارِّينَ اتِّفَاقًا بَلْ وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ الْبِنَاءُ بِطَرِيقِ الْمَارِّينَ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهَا وَقْفٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ شَغْلُهَا بِبِنَاءٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَطَعَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَفْنِيَتِهِمْ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» أَيْ جُعِلَ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ كَالطَّوْقِ مِنْ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ مَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ مِلْكًا لِشَخْصٍ بِأَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا دَارًا لَهُ مَثَلًا وَانْهَدَمَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا قَالَ اللَّقَانِيُّ قَيَّدَ هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ وَهُوَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ وَإِلَّا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا وَقُضِيَ بِهَدْمِ مَا بَنَاهُ فِيهَا بَعْدَ الطَّوْلِ أَفَادَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ فَرَسًا لِسَفَرٍ مُعَيَّنٍ وَلَمَّا وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ قَصَدَهُ مَرِضَتْ فَأَوْدَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِ الْمُعِيرِ فَوَجَدَهُ مَاتَ وَأَخْبَرَ وَرَثَتَهُ بِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ مُودَعَةٌ عِنْدَ فُلَانٍ فَطَلَبهَا الْوَرَثَةُ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَمَنَعَهَا مِنْهُمْ ثُمَّ بَاعَهَا وَأَتَى بِهَا الْمُشْتَرِي إلَى بَلَدِ الْوَرَثَةِ فَعَرَفُوهَا وَأَقَامُوا عَلَيْهَا بَيِّنَةً وَأَخَذُوهَا مِنْهُ وَكَتَبُوا لَهُ وَثِيقَةً بِذَلِكَ لِيَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ وَلَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةً مُسْتَغْرِقَةً لِثَمَنِهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ عَلَى يَدِ قَاضِي بَلَدِهِ وَكَتَبَ لَهُ بِهِ وَثِيقَةً وَسَافَرَ بِهَا إلَى

بَلَدِ الْوَرَثَةِ طَالِبًا مِنْهُمْ النَّفَقَةَ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى الْفَرَسِ بَعْدَ مَنْعِهَا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا، وَالْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ فِي غَلَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ ضَاعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَكَذَا زَائِدُهَا عَلَى الْغَلَّةِ وَإِنْ زَادَتْ الْغَلَّةُ أَتْبَعَ بِزَائِدِهَا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي مَسْجِدٍ وَبَقَاؤُهَا يَضُرُّ بِدَارِ جَارِهِ لِصَيْرُورَتِهَا مَأْوًى لِلْحُدَيَّاتِ وَالْأَغْرِبَةِ الْمَانِعِينَ مِنْ تَرْبِيَةِ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَسُلَّمًا لِلُّصُوصِ فَهَلْ غَرْسُهُ حَرَامٌ وَيُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهَا وَفِيمَنْ غَرَسَ شَجَرَةً قُرْبَ دَارٍ بِحَيْثُ تَصِيرُ كَذَلِكَ وَفِيمَنْ غَرَسَ سَنْطَةً بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ. فَأَجَبْتُ: بِأَنَّهُ حَرَامٌ وَيُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهَا فِي الْجَمِيعِ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَقُضِيَ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِطَرِيقٍ وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ ثُمَّ قَالَ، أَوْ غُصْنُ شَجَرَةٍ وَإِنْ قَدِيمَةً أَتَى لِلْجِدَارِ، أَوْ صَارَ سُلَّمًا لِلِّصِّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْوِقَةٍ عَلَى حَائِطِ مَسْجِدٍ وَعَلَيْهَا حِكْرٌ لَهُ فَبَنَى عَلَيْهَا ثَلَاثَةً أُخْرَى وَبَنَى بِجَانِبِهَا بِنَاءً آخَرَ بِلَا إذْنِ نَاظِرِ الْمَسْجِدِ فَهَلْ إذَا كَانَتْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ لَا تَتَحَمَّلُ ذَلِكَ يَكُونُ لِنَاظِرِهِ هَدْمُ الْبِنَاءِ الْمُحْدَثِ وَإِذَا هَدَمَ بَعْضَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِلنَّاظِرِ هَدْمُ بَاقِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلنَّاظِرِ هَدْمُ الْبِنَاءِ الْمُحْدَثِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ وَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ هَدْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَسْجِدَ وَالْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] فَيَجِبُ عَلَى الْمَذْكُورِينَ الْقِيَامُ بِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ الضَّرَرُ يَكُونُ فِي الْبَانِي وَالسَّاحَاتِ وَالْفَدَادِينِ وَالشَّجَرِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَمَنْ أَحْدَثَ ضَرَرًا عَلَى جَارِهِ فِي بِنَاءٍ، أَوْ غَرْسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مُنِعَ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ خَطَفَ حُلِيًّا مِنْ نَقْدٍ كَانَ عَلَى نَعْشِ مَيِّتٍ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ لَا يَعْرِفُونَ قَدْرَ ذَلِكَ الْحُلِيِّ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْخَاطِفُ فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ، أَوْ مَالِكُهُ كَذَلِكَ وَإِذَا أَنْكَرَ الْخَاطِفُ الْخَطْفَ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهُ فَهَلْ يُصَدَّقُ فِيهِ مَالِكُهُ كَذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ أَقَرَّ الْخَاطِفُ بِالْخَطْفِ وَادَّعَى قَدْرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِي الْقَدْرِ وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ مُطَرِّفٌ يُصَدَّقُ إنْ أَشْبَهَ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُهُ قَالَ التَّتَّائِيُّ يَدْخُلُ فِي تَخَالُفِهِمَا أَيْ الْغَاصِبِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْقَدْرِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى غَاصِبُ صُرَّةٍ يُلْقِيهَا فِي بَحْرٍ مَثَلًا وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَا فَتَحَهَا وَيَدَّعِي رَبُّهَا أَنَّ فِيهَا كَذَا وَيُخَالِفُهُ الْغَاصِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَابْنِ نَاجِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِ مَا فِيهَا بِعِلْمٍ سَابِقٍ، أَوْ بِجَسِّهَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَشْهَبُ الْقَوْلُ لِرَبِّهَا بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَحْقِيقًا وَالْآخَرُ تَخْمِينًا وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهَا وَقَالَ فِيهَا كَذَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي قَوْمٍ أَغَارُوا عَلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَذَهَبُوا بِمَا فِيهِ وَلَا يَشْهَدُونَ بِأَعْيَانِ الْمَنْهُوبِ لَكِنْ بِالْغَارَةِ وَالنَّهْبِ فَلَا يُعْطَى

مسائل الاستحقاق

الْمُنْتَهَبُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُحْتَجًّا لَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الصُّرَّةِ وَلِمُطَرِّفٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُغَارِ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ وَكَانَ مِثْلُهُ يَمْلِكُهُ اهـ. [مَسَائِلُ الِاسْتِحْقَاقِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الِاسْتِحْقَاقِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَجَدَ دَابَّةً فِي يَدِ آخَرَ فَادَّعَى أَنَّهَا ضَلَّتْ مِنْهُ وَادَّعَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَتَرَافَعَا لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فَطَلَبَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْأَوَّلِ فَأَتَى بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ وَزَكَّيَا ثُمَّ طَلَبَ مِنْ الثَّانِي بَيِّنَةً أَيْضًا فَأَتَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ شَهِدَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ أَيْضًا، ثُمَّ أَخَذَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ وَأَبْقَاهَا تَحْتَ يَدِهِ فَهَلْ يَحْلِفُ الْأَوَّلُ وَيَأْخُذُهَا أَوْ يَحْلِفُ الثَّانِي وَيَأْخُذُهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْلِفُ الْأَوَّلُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا بَعَثَ الدَّابَّةَ وَلَا فَوَّتَهَا وَلَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِي بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ حَتَّى الْآنَ وَيَأْخُذُهَا وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّهَادَةِ لِوَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الدَّابَّةِ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ الْقَائِمِ عَلَيْهِ إذْ ثُبُوتُ الشِّرَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ فِي كِتَابِهِ فِي الْقَضَاءِ فَصْلٌ فِي وَجْهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَكَيْفِيَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحُكْمِ التَّرَاجُعِ الْحُكْمُ فِي إطْلَاقِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَنْ يَتَقَرَّرَ الْعِلْمُ عِنْدَ الشُّهَدَاءِ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ مِمَّا بَاشَرُوهُ وَتَكَرَّرُوا عَلَيْهِ مِنْ حَوْزِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ مُخْلًى غَيْرُ مُعْتَرَضٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَرَّرُ بِهِ صِحَّةُ الْمِلْكِ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ أَحْضَرَ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السُّوقِ كَانَتْ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ فَقَدْ يَبِيعُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا وَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ لَا مُنَازِعَ لَهُ. وَسَوَاءٌ حَضَرُوا لِدُخُولِهَا فِي يَدَيْهِ أَمْ لَا فَلْيَشْهَدُوا بِمِلْكٍ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ غَنِمَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَشِبْهَهُ وَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ الْمِلْكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَوَجْهُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولُوا هُوَ مِلْكُهُ مَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا فَوَّتَهُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِدْفَعٌ إمَّا بِتَسْلِيمِهَا أَوْ عَجْزِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَالتَّلَوُّمِ فَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ مِمَّا عَدَا الرُّبَاعَ وَالْأُصُولَ أُحْلِفَ الْمُسْتَحِقُّ يَمِينَ الْقَضَاءِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا أَخْرَجَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَقَضَى لَهُ بِهِ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ الْعِلْمِ لِأَنَّ أَمْرَ الشُّهُودِ فِي تَحْقِيقِ مَا ظُنَّ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَمْرِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِظَاهِرِ أَمْرِهِ فِي اسْتِصْحَابِ حَالِهِ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَقَيَّدُوا الشَّهَادَةَ عَلَى عَمَلِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا عَلَى الْبَتِّ وَمَنَعَ مَالِكٌ شَهَادَةَ الْبَتِّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ هِيَ شَهَادَةُ زُورٍ وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ وَرَأَى ذَلِكَ عَائِدًا إلَى الْعِلْمِ وَاخْتَلَفَ إذَا لَمْ يَزِدْ الشُّهُودُ فِي شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ مَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الشَّهَادَةِ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشُّهُودِ حَتَّى يَسْأَلُوا وَأَمَّا إنْ وُجِدُوا فَإِنَّهُمْ يُسْأَلُونَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمْنَاهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ رِيعًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأُصُولِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهُمَا إيجَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَهَبَ كَمَا

المستحقات على نوعين أصول وغيرها

وَجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الرِّبَاعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا وَاحِدٌ فِي عِلْمِ الشُّهُودِ. الثَّانِي لَا يَجِبُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِي انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ الرَّبْعِ وَالْعَقَارِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا وَكَتْبِ الْوَثَائِقِ فِيهَا وَالِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَانْتِفَاءُ وُجُودِ ذَلِكَ مُقَوٍّ لِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي إبْقَاءِ الْمِلْكِ فَلَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ فَيُكَلِّفُهَا أَوْ لَا يَدَّعِي فَلَا يُكَلِّفُهَا يَعْنِي فِي رَبْعٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ سِلْعَةٍ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي النَّوَادِرِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْمُنَاصِفِ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ فَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ وَلَا بِأَيِّ وَجْهٍ يَمْلِكُهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ تَمَلُّكِهِ لَهُ. [الْمُسْتَحَقَّات عَلَى نَوْعَيْنِ أُصُولٌ وَغَيْرُهَا] وَالْمُسْتَحَقَّات عَلَى نَوْعَيْنِ أُصُولٌ وَغَيْرُهَا فَأَمَّا الْأُصُولُ فَيَكْتُبُ فِيهَا عَقْدًا يَعْرِفُ شُهُودَهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا جَمِيعَ الدَّارِ أَوْ الْمَوْضِعِ أَوْ الضَّيْعَةِ بِكَذَا حُدُودُهَا كَذَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِيهَا بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا وَلَا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ وَيَحُوزُونَ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُونَهُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ مَتَى دُعُوا إلَى ذَلِكَ وَقَيَّدُوا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ فِي كَذَا، وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُونَ وَرَثَةً فَيَكْتُبُ فِيهِ مَا نَصُّهُ يَعْرِفُ شُهُودَهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا جَمِيعَ الدَّارِ وَالْمِلْكِ بِكَذَا حُدُودُهُ كَذَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِيهِ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا وَلَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَأَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ زَوْجُهُ فُلَانَةُ وَبَنُوهُ مِنْهَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ وَلَا يَعْلَمُونَ لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ عَلَى حَسْبِهِ وَيَعْرِفُ مَنْ ذُكِرَ وَيَحُوزُ الْمِلْكَ بِعَيْنِهِ قَيْدٌ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتُهُ فِي كَذَا بَيَانٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الَّذِي مَضَى بِهِ الْعَمَلُ وَأَفْتَى بِهِ شُيُوخُنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ زَعَمَ أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِمَّنْ وَرِثَهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعَقَارَ وَوِرَاثَتِهِ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ. فَإِنْ أَنْكَرَ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي وَالْمِلْكُ مِلْكِي وَدَعْوَاهُ فِيهِ بَاطِلَةٌ اكْتَفَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْهُ وَكُلِّفَ الطَّالِبُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْهُ وَمَوْتُهُ وَوِرَاثَتُهُ لَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ سُئِلَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ وَكُلِّفَ الْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ إثْبَاتُهُ إنْ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ بِوَجْهٍ يَذْكُرُهُ كُلِّفَ إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِنْ أَثْبَتَهُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الدَّفْعِ فِي ذَلِكَ بَطَلَ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ قُضِيَ لِلطَّالِبِ بِهِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ أَحْفَظُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ أَنَّ الْفَتْوَى مَضَتْ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ إثْبَاتِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ لِمُوَرِّثِهِ الْجَوَابُ هَلْ صَارَ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي أَثْبَتَ مَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ بَعِيدٌ وَقَوْلُنَا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنْ قَالَ مَلَكَهُ خَاصَّةً أَوْ حَازَهُ أَوْ سَكَنَهُ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الشُّيُوخِ فَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ الشَّهَادَةُ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ غَيْرُ بَيِّنٍ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالشَّهَادَةِ فَهِيَ عَامِلَةٌ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَبُو الْمُطَرِّفِ هِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ وَقَوْلُنَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِيهِ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إذْ لَا يَسُوغُ عِنْدَهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَكَذَلِكَ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُعْطِي الْقَطْعَ وَالْبَتَّ فَهُوَ يُضَارِعُ الْغَمُوسَ وَالزُّورَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

وَإِنْ كُنْتُ لَا أُسَوِّغُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ إلَّا مَعَ حُصُولِ الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِذَلِكَ عِنْدَهُ فَلَا أُسَوِّغُ لَهُ أَنْ يَسُوقَ اللَّفْظَ إلَّا عَلَى النَّفْيِ لِلْعِلْمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَمْكَنَ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنْ نَصَّ الشَّاهِدُ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْعَقْدِ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ فَفِي إعْمَالِ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى تَرْكَ إعْمَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الشُّهُودِ وَحِيَازَتِهِمْ وَإِعْمَالَهَا عِنْدَ فَقْدِهِمْ وَعَدَمَ السَّبِيلِ عَنْ اسْتِفْسَارِهِمْ قَالَ، وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا فَلَمْ يَزِيدُوا شَيْئًا وَلَا فَسَّرُوا فَلَا يَجِبُ إعْمَالُ شَهَادَتِهِمْ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعَطَّارِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْبَتِّ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَهُوَ مِنْ بَابِ كَمَالِ الشَّهَادَةِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ وَيُسْأَلَ عَنْهُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي شَهَادَتِهِ بَطَلَتْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى تَوْقِيفِ الشُّهُودِ عَلَى ذَلِكَ وَسُؤَالِهِمْ عَنْهُ حَتَّى مَاتُوا أَوْ غَابُوا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ إذْ لَا يَصِحُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ وَلَا فَوَّتَ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِذَا قَالَ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْرُوثِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَرَثَةٌ مِنْ وَرَثَتِهِ الْمُحِيطُونَ بِمِيرَاثِهِ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَأَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْ أَحَاطَ فِي وِرَاثَةِ مَا تَخَلَّفَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ سَوَاءٌ وَمِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ تَوَصُّلُ مِلْكِ الْوَرَثَةِ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ بِأَنْ يَقُولُوا لَا يَعْلَمُونَ مِلْكَ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ زَالَ عَنْ ذَلِكَ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شُهُودُ الْمِلْكِ الْوَرَثَةَ فَيَكْتُبُ فِي الْعَقْدِ وَيَعْلَمُونَ مَالًا لِفُلَانٍ إلَى أَنْ مَاتَ فَقَطْ أَوْ إلَى أَنْ مَاتَ وَأُورِثَهُ مَنْ وَجَبَ لَهُ مِيرَاثُهُ وَلَا يُقَالُ وَأُورِثَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ الْمَذْكُورِينَ فِي غَيْرِ هَذَا فَإِنَّهُ تَنَاقُضٌ قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ مَالِكٍ قَالَا وَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ عَامِلَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحُكْمِ وَيَشْهَدُ بِالْوَرَثَةِ آخَرُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ وَإِذَا ثَبَتَ الْعَقْدُ. فَإِنْ اتَّفَقَ الْخَصْمَانِ عَلَى حُدُودِ الْمِلْكِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْحِيَازَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حَدَّيْنِ مِنْهَا فَأَكْثَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحِيَازَةِ يَتَوَجَّهُ الشُّهُودُ الْمَقْبُولُونَ فِي الْعَقْدِ مَعَ شَاهِدَيْنِ مَقْبُولَيْنِ يُوَجِّهُهُمَا الْقَاضِي مَعَهُمْ لِتَعْيِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا تَعْمَلُ الْحِيَازَةُ حَتَّى يَقُولَ الشُّهُودُ بِمَحْضَرِ الْحَائِزِينَ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ عَلَيْكُمْ وَعَيَّنَّاهُ لَكُمْ هُوَ الَّذِي شَهِدْنَا فِيهِ عِنْدَ قَاضِي مَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ كَانَ جَهْلًا مِنْهُمْ وَمِنْ الْمُوَجِّهِينَ إلَى الْحِيَازَةِ وَلَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ وَلَا الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقُولُوا ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ أُعْذِرَ لِلَّذِي الْمِلْكُ بِيَدِهِ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي شُهُودِ الْحِيَازَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا إعْذَارَ فِي شُهُودِ الْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ الْقَاضِي، وَإِنْ وَجَّهَ شَاهِدًا وَاحِدًا لِذَلِكَ أَجْزَأَ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى وَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ خَصْمُهُ مَا يُوجِبُهَا وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ ادَّعَى مِدْفَعًا أَجَّلَهُ ثُمَّ قَالَ وَيَلْزَمُ الْقَائِمُ بِالْعَقْدِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الشُّهُودَ وَيُعَرِّفَهُ بِهِمْ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ اعْتِقَالِ الْمِلْكِ الْمَشْهُودِ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا فَبِالْقُفْلِ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَبِالْمَنْعِ مِنْ حَرْثِهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْمِلْكِ غَلَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهَا لِلْقَائِمِ يَوْمَ الْحُكْمِ لَهُ بِالْأَصْلِ وَقِيلَ يَوْمَ ثُبُوتِهِ وَقِيلَ يَوْمَ تَوْقِيفِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا مُزْدَرَعَةً فَإِنْ كَانَ إبَّانَ الزِّرَاعَةِ بَاقِيًا فَالْكِرَاءُ لِلْمُسْتَحِقِّ يُؤَدِّيهِ لَهُ الزَّارِعُ، وَإِنْ كَانَ الْإِبَّانُ

قَدْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّارِعِ وَقَدْ وَجَبَ لَهُ زَرْعُهُ دُونَ كِرَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ إنْ كَانَتْ قَدْ طَابَتْ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ يَبِسَتْ وَقِيلَ إنْ كَانَ قَطَعَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ طَابَتْ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِاتِّفَاقٍ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا سَقَى وَعَالَجَ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْإِبَّانِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَقَالَ أَشْهَبُ هِيَ لَهُ مَا لَمْ تُجَذَّ وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ اُخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَحِقِّ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَجِبُ التَّوْقِيفُ بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَلَا تَجِبُ الْغَلَّةُ لَهُ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ فِي نَوَازِلِهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجِبُ تَوْقِيفُ الْأَرْضِ الْمُسْتَحَقَّةِ تَوْقِيفًا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا تَوْقِيفُ غَلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرِّبَاعَ لَا تُوقَفُ مِثْلُ مَا يَحُولُ وَيَزُولُ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهَا. وَالثَّانِي أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَتَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ وَيَجِبُ تَوْقِيفُهُ وَقْفًا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي مُوَطَّئِهِ وَقَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَتَجِبُ لَهُ الْغَلَّةُ وَالتَّوْقِيفُ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَالنَّفَقَةِ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ تُجْرَى عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُقْضَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا ضَمَانُهُ وَغَلَّتُهُ لَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ مُنْذُ وَقَفَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ. وَقَدْ فَرَّقَ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالضَّمَانِ وَالْغَلَّةِ فَقَالَ إنَّ النَّفَقَةَ مِمَّنْ تَصِيرُ إلَيْهِ وَالْغَلَّةُ لِلَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ التَّفْرِقَةُ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَكُونَا جَمِيعًا تَابِعَيْنِ لِلضَّمَانِ إمَّا مِنْ يَوْمِ وُجُوبِ التَّوْقِيفِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ فَإِنْ ذَهَبَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمِلْكُ إلَى إثْبَاتِهِ اعْتِمَارِهِ فَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ عَقْدًا يُعَرِّفُ شُهُودَهُ فَلَا وَيَعْلَمُونَهُ يَعْتَمِرُ الْمِلْك الْمَحْدُودُ بِكَذَا وَيَسْتَغِلُّهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مُنْذُ أَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ تَقَدَّمَتْ التَّارِيخَ حَتَّى الْآنَ وَفُلَانٌ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْآنَ فِيهِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِذَلِكَ سَاكِتٌ لَا يُغِيرُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَرِضُهُ وَلَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ بِطُولِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ تَارِكٌ لِلْقِيَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَعْلَمُونَهُ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ اتَّصَلَ بِهِمْ أَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ فِيهِ مُنْذُ كَذَا يَتَحَقَّقُونَ ذَلِكَ وَلَا يَشُكُّونَ فِيهِ وَيُجَوِّزُونَ الْمَوْضِعَ مَتَى دُعُوا إلَى ذَلِكَ وَقَيَّدُوا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتِهِمْ فِي كَذَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حَازَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ إذَا ثَبَتَ هَذَا الْعَقْدُ فِي الِاعْتِمَارِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَائِمِ فِيهِ مِدْفَعٌ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ لَهُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ عَقْدِ الْمِلْكِ وَيَبْقَى الْمَوْضِعُ لِلَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَيَحْكُمُ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَعْ فِيهِ بَيْعًا وَلَا غَيْرَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِلْقَائِمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ حَقًّا وَلَا يُكَلَّفُ بِأَنْ يُقَالَ بِأَيِّ شَيْءٍ صَارَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ لَهُ. وَإِنْ قَالَ إنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ كُلِّفَ إثْبَاتُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَعَلَى الْقَائِمِ الْيَمِينُ وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْمُشَاوِرُ

وَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ مَا دَفَعَ لَهُ ثَمَنًا عَنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الثَّمَنِ يُشْبِهُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْهُ إلَّا إلَى الْأَمَدِ الَّذِي لَا يَبْتَاعُ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِنَا فِي ذَلِكَ. وَفِي مَسَائِلَ ابْنِ الْحَاجِّ سُئِلَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ بِأَيِّ شَيْءٍ تَسْكُنُ دَارِي فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْ وَكِيلِك وَاسْتَظْهَرَ بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ سُكْنَاهُ لَهَا وَاعْتِمَارُهُ فَأَجَابَ إقْرَارَهُ بِالِابْتِيَاعِ مِنْ وَكِيلِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لَهُ بِالْمِلْكِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا اسْتَظْهَرَ بِهِ عَقْدَ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِالِابْتِيَاعِ لَهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهُ وَإِنَّمَا تَنْفَعُ الْحِيَازَةُ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ وَدُخُولُ السَّاكِنِ فِيهَا مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إذَا قَامَ الرَّجُلُ بِعَقْدِ ابْتِيَاعٍ مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ قَبِلَهُ وَتَارِيخُ الِابْتِيَاعِ قَبْلَ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ فِي أَمْلَاكٍ بِيَدِ رَجُلٍ وَتَصَيَّرَتْ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ فَقَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ لِي عِشْرُونَ عَامًا أَتَمَلَّكُ هَذِهِ الْأَمْلَاكَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ، وَلَمْ تَقُمْ فَقَالَ لَمْ أَجِدْ وَثِيقَةَ ابْتِيَاعٍ إلَّا الْآنَ فَالْوَاجِبُ أَنَّ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحِيَازَةِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْقَائِمِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا تَرَكْت الْقِيَامَ فِي الْأَمْلَاكِ تَسْلِيمًا مِنِّي لَهَا وَلَا رِضًا بِتَرْكِ حَقِّي فِيهَا إلَّا لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ بِالْعَقْدِ، وَلَمْ أَجِدْهُ وَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَبُو الْقَائِمِ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْقَائِمُ مَا عَلِمْت بِشِرَاءِ أَبِي لَهَا إلَّا وَقْتَ قِيَامِي بِعَقْدِي ثُمَّ يَأْخُذُهَا وَلَوْ قَالَ الْقَائِمُ إنِّي اشْتَرَيْتهَا ثُمَّ اعْتَمَرْتُك إيَّاهَا أَوْ اكْتَرَيْتهَا مِنْك أَوْ أَرْفَقْتُك بِهَا وَلِذَلِكَ لَمْ أَقُمْ بِهَا لَكَانَ أَبْيَنَ فِي أَنْ يَحْلِفَ إذَا اُسْتُظْهِرَ بِوَثِيقَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذَهَا وَلَوْ قَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَقَلْتَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ بِعْتهَا مِنْك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَتَبْقَى بِيَدِهِ الْأَمْلَاكُ فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَائِمُ أَنَّ دُخُولَ الْمُعْتَمِرِ فِي الْأَمْلَاكِ وَابْتِدَاءِ نُزُولِهِ فِيهَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكِرَاءِ أَوْ الْإِسْكَانِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُعْتَمِرِ بِهِ حُجَّةٌ وَيَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُونَ وَرَثَةٌ فَلَا يَسْقُطُ قِيَامُهُمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الِاعْتِمَارُ بِحَضْرَةِ مُوَرِّثِهِمْ أَوْ يَثْبُتُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِذَلِكَ وَسَكَتُوا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَحَالُ الْوَرَثَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا وَكَذَلِكَ إنْ أَثْبَتَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُخَاصِمُ فِيهَا وَيُطَالِبُ لَيْسَ أَنْ يُخَاصِمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَتْرُكَ نَفْعَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَعْهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ إذَا لَمْ يَزَلْ مُتَرَدِّدًا عَلَيْهِ بِالْقِيَامِ فِي الْأَشْهُرِ وَالْأَعْوَامِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِحُجَّتِهِ وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ. قَالَ سَحْنُونٌ لَا حِيَازَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ عَلَى حَقِّهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يَقُومَ طَالَتْ الْغَيْبَةُ أَوْ قَرُبَتْ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ عَلِمَ. وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ رَوَى عِيسَى أَنَّهُ إذَا كَانَ غَائِبًا عَلَى نَحْوِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَحِيزَ عَلَيْهِ أَرْضُهُ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ ثُمَّ قَدِمَ كَانَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ وَرُبَّ أَعْذَارٍ لَا تُعْرَفُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ بِطُولِ الْعِمَارَةِ لِمَغِيبِهِ قَالَ عِيسَى وَسَوَاءٌ بَلَغَهُ ذَلِكَ فِي مَغِيبِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ لَهُ الْقِيَامُ وَلَا قَطَعَ ذَلِكَ حَقَّهُ قَالَ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي مَغِيبِهِ فَلَمْ يَقْدَمْ، وَلَمْ يُوَكِّلْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حَتَّى حِيزَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ فَلَا حَقَّ فِيهَا قَالَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ قَالَ الْمُشَاوِرُ وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ عِيسَى فَإِنْ قَدِمَ رَبُّ الْمَوْضِعِ فَعَلِمَ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَهُ ثُمَّ قَامَ وَبَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْدَمْ فَهُوَ لَهُ حَتَّى يُقِيمَ الدَّاخِلُ فِي الْأَرْضِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِابْتِيَاعِ أَوْ الصَّدَقَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ إنَّمَا يَقُومُ الْقَائِمُ إذَا اتَّصَلَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْهَا إلَى وَقْتِ قِيَامِهِ وَأَمَّا مَنْ سَافَرَ وَبَقِيَ فِي سَفَرِهِ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا ثُمَّ قَامَ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمُغَيَّبُونَ فِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ يَغِيبُونَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ فَلَا قِيَامَ لَهُمْ.

وَالِاعْتِمَارُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَبَيْنَ الْقَرَابَاتِ، فَأَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ حَدَّ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَمِثْلُهُ لِرَبِيعَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التِّسْعَةَ الْأَعْوَامَ وَالثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ فِي ذَلِكَ كَالْعَشَرَةِ وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ فِي الِاعْتِمَارِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ هِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِالسُّكْنَى وَازْدِرَاعِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَامًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْحِيَازَةُ فِي ذَلِكَ الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا حَازَ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَقِيلَ إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْقَرَابَاتِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ بِذَلِكَ لِقَرَابَاتِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ، وَإِنْ كَانُوا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْرَفُ هَذَا فِيهِ فَهُمْ كَالْأَجْنَبَيْنِ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصْهَارِ وَالْمَوَالِي فَقِيلَ إنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَاتِ وَقِيلَ إنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَوَطْءِ الْإِمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الثَّانِي الزَّرْعُ وَالِاسْتِغْلَالُ وَالسُّكْنَى. الثَّالِثُ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ وَالْإِحْيَاءُ وَأَهْلُ الْحِيَازَةِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْأَوَّلُ الْأَبُ وَالِابْنُ فِيمَا بَيْنَهُمَا. الثَّانِي الْقَرَابَاتُ الْوَرَثَةُ وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثُ الْأَصْهَارُ وَالْمَوَالِي الرَّابِعُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شُرَكَاءُ وَغَيْرُ شُرَكَاءَ فَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِيَازَةِ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ إنْ قَامَ عَلَى قُرْبٍ، وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَى الْعَامُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِي ثَمَنٍ وَلَا مَثْمُونٍ وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْبَائِعُ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا انْفَرَدَ بِذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَامِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ كَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْبَائِعُ بِمَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ حَازَ ذَلِكَ بِالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَامَ حِينَ عَلِمَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ وَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْعُمْرَى وَالِاسْتِغْلَالِ فَيَخْتَلِفُ فَأَمَّا الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الزَّرْعُ وَالسُّكْنَى بَيْنَهُمَا حِيَازَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْحِيَازَةِ بَيْنَهُمَا بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إنْ ادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ فِي الْحِيَازَةِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا إلَى مَا تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ فِي الْجِدَارِ وَمُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَسَوَاءٌ كَانُوا شُرَكَاءَ أَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالزَّرْعِ وَالسُّكْنَى إلَّا مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاخْتُلِفَ فِي حِيَازَةِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَمَرَّةٌ قَالَ إنَّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ فِي ذَلِكَ حِيَازَةٌ وَمَرَّةٌ قَالَ إنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً كَحِيَازَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَالِابْنِ عَلَى أَبِيهِ قَالَ وَيَتَحَصَّل فِي الْقَرَابَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ

حِيَازَةٌ فِي الْإِشْرَاكِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحِيَازَةٍ فِيهِمَا إلَّا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشْرَاكِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ وَلَا تَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ قَالَ وَيَتَحَصَّلُ فِي الْمُوَالَى وَالْأَصْهَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بِنَاءٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ جِدًّا هَذَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ شِرْكَةٌ وَأَمَّا فِيمَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَمَرَّةً جَعَلَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ بِالْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ دُونَ تَهَدُّمٍ وَلَا بُنْيَانٍ وَمَرَّةً جَعَلَهُمْ مِثْلَ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمْ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّونَ فِيمَا لَا شِرْكَةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ حِيَازَةٌ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْجِدَارِ وَغَيْرِهِ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ أَنَّهَا حِيَازَةٌ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ شِرْكَةٌ فَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى الْوَرَثَةِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَبْلُغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْأُصُولِ. قَالَ أَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ وَمَا حَازَهُ الشَّرِيكُ أَوْ الْوَارِثُ عَمَّنْ وَرِثَ مَعَهُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَبِيدِ بِالْإِخْدَامِ وَاللِّبْسِ وَالِامْتِهَانِ مُنْفَرِدًا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لَهُ فَالْقَضَاءُ فِيهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ فِي ذَلِكَ عَامِلَةٌ وَالْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ عِنْدَ نُزُولِ ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَالْحِيَازَةُ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ إذَا كَانَ حَاضِرًا عَالِمًا بِذَلِكَ الْعَامِ وَالْعَامَانِ وَفِي الدَّابَّةِ الْعَامَانِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِالرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَهَا بِوَجْهِ الْمِلْكِ وَالْأَمَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بِعِلْمِ الْمُدَّعِي فَلَا يَعْتَرِضُ فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُولُ حِيَازَةٍ قَالَ وَالْعَبِيدُ وَالْعُرُوضُ فَوْقَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ. وَفِي كِتَابِ الْجِدَارِ قَالَ عِيسَى مَا حَازَهُ الْوَارِثُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالشَّرِيكِ عَلَى إشْرَاكِهِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْإِحْيَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ إلَّا فِي خَاصَّةِ مَالِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ إذَا مَضَى لِذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ فِي يَدُ حَائِزِهِ يَلِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ إشْرَاكِهِ وَلَا يُغِيرُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرُونَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِأَمْرٍ لَا يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَلَمْ يَدَّعِهِ مِلْكًا لِحِيَازَتِهِ إيَّاهُ فَقَطْ قَالَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَازَ بَعْضَهَا وَكَانَ الَّذِي حَازَ مِثْلَ سَهْمِهِ فَهُوَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا بَقِيَ شَيْءٌ إذَا ادَّعَى إشْرَاكَهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوهُ يَعْمُرُ هَذِهِ الْعِمَارَةَ لِيَكُونَ سَهْمُهُ فِيهِ وَسِهَامُهُمْ فِيمَا بَقِيَ وَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ دَعْوَاهُ فِي الَّذِي عَمَّرَ أَنَّهُ لَهُ دُونَهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ حَقُّهُمْ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَهْمِهِ كَانَ لَهُ وَأَتَمَّ سَهْمَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ لَهُ مِقْدَارُ سَهْمِهِ بِسَهْمِهِ وَالْبَاقِي بِالْحِيَازَةِ. قَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْبَيِّنَةُ دُخُولَهُمْ فِيمَا عَمَّرُوهُ وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الِابْتِيَاعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِثِهِمْ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتَيْنِ وَمِلْكًا، وَعَاشَتْ الْبِنْتَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى أَنْ تَزَوَّجَتَا وَوَلَدَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتَا وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا وَأَزْوَاجًا فَعَاشَ الْأَزْوَاجُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا طَلَبٌ فِي الْمِلْكِ الَّذِي تَرَكَهُ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ فَقَامَ الْآنَ أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ يَطْلُبُونَ نَصِيبَ أُمِّهِمْ فِي الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ وَعَاشَ أَخُو الْبِنْتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا مُدَّةَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ بِعِلْمِ الْأَزْوَاجِ وَبَنِي الْأُخْتَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَرِضَا فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ فَقَالَ إذَا كَانَ الِابْنُ قَدْ حَازَ الْمِلْكَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ

الشهادة على الصفة

الَّتِي ذُكِرَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ وَبَنُو الْأُخْتَيْنِ وَأَزْوَاجِهِمَا حُضُورٌ لَا يُعِيرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ وَلَا يَعْتَرِضُونَ وَادَّعَى أَنَّهُ صَارَ لَهُ بِمُقَاسَمَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ انْفَرَدَ بِهِ دُونَهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمِلْكُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي أَنَّ أَبَاهُ ابْتَاعَ الْمِلْكَ مِنْ الْقَائِمِ أَوْ مِمَّنْ يَدَّعِي الْقَائِمُ أَنَّهَا صَارَتْ إلَيْهِ بِشُبْهَةِ نَفْعِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِلِابْتِيَاعِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ كَالسِّتِّينَ سَنَةً وَجَوَّزَ ابْنُ الْعَطَّارِ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةً ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْعِشْرِينَ سَنَةً، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَمُّوا مِمَّنْ كَانَ الِابْتِيَاعُ أَوْ كَانَ فِي مُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَقُومُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا الَّذِي الْمِلْكُ بِيَدِهِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ شَيْئًا تَحْتَ يَدِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَدُ كَلَا يَدٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا أَوْ ذَا سُلْطَانٍ غَيْرَ مُقْسِطٍ وَثَبَتَ أَنَّهُ مَالُ الْقَائِمِ أُورِثَهُ عَلَى السَّمَاعِ أَوْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ تَصِيرُ إلَى الَّذِي تَمْلِكُهُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيُحْكَمُ بِذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ قَالَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ ابْنِ هُرْمُزَ مَعَ ابْنِ الرَّمَّاكِ أَثْبَتَ ابْنُ هُرْمُزَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِ ابْنِ الرَّمَّاكِ مَالُهُ عَلَى السَّمَاعِ وَأَنَّهُ كَانَ بِيَدِ ابْنِ عَبَّادٍ وَتَصِيرُ إلَى ابْنِ الرَّمَّاكِ مِنْ قَبْلِهِ فَأَخَذَهُ ابْنُ هُرْمُزَ وَاسْتَحَقَّهُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْأُصُولِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا فَيَكْتُبُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا عَقْدًا يُعَرِّفُ شُهُودَهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا أَوْ فَرَسًا أَوْ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا وَلَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ وَقَيَّدُوا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ عَلَى عَيْنِ الثَّوْبِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْجَارِيَةِ فِي كَذَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ وَنَصُّهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا بِعْتُ الْفَرَسَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الْجَارِيَةَ الْمَشْهُودَ لِي بِهِ فِيهِ وَلَا فَوَّتُّهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِي بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ حَتَّى الْآنَ وَمَنْ حَضَرَ الْيَمِينَ الْمَنْصُوصَةَ عَنْ الْإِذْنِ وَاسْتَوْعَبَهَا مِنْ الْحَالِفِ وَعَرَّفَهُ قَيَّدَ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتَهُ فِي كَذَا وَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَيْنِ الْفَرَسِ أَوْ الْجَارِيَةِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهَا فِي يَمِينِهِ وَفِي التَّارِيخِ بَيَانُ الْيَمِينِ فِي هَذَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمَعْمُولِ بِهِ بِخِلَافِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ فِيهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ وَحَكَى ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْخَصْمُ مَا يُوجِبُهَا وَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ وَأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ بَاعَهُ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ فَإِذَا حَلَفُوا يَمِينَ الْقَضَاءِ فَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ بِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ أَيْضًا. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ غَائِبَةً فَالشَّهَادَةُ فِيهَا عَلَى النَّعْتِ وَالِاسْمِ جَائِزَةٌ فَإِنْ وُجِدَتْ جَوَارٍ كَثِيرَةٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ كَلَّفَ الْحَاكِمُ الْمُسْتَحِقَّ أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهَا لَمْ يُكَلَّفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. [الشَّهَادَة عَلَى الصِّفَة] وَفِي مَسَائِلَ ابْنِ الْحَاجِّ سُئِلَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الصِّفَةِ فَقَالَ وَقَفْت عَلَى الْكِتَابَيْنِ فِي الْمَمْلُوكَةِ السَّوْدَاءِ الْمَوْصُوفَةِ بِهِمَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الصِّفَةِ فِيهِمَا عَامِلَةٌ وَالْحُكْمُ لَهُ فِيهَا وَاجِبٌ بَعْدَ أَنْ يُنْظَرَ وَيُسْأَلَ هَلْ فِي الْبَلَدِ مَمْلُوكَةٌ تُوصَفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَضَيْنَا لَهُ بِهَا وَأَسْلَمْنَاهَا إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ. وَسُئِلَ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَادَّعَاهُ وَأَتَى بِكِتَابٍ كَذَلِكَ وَقَدْ وَصَفَ فِيهِ الْكِتَابَ فَقَالَ الْحُكْمُ لِمُسْتَحِقِّ الشَّيْءِ لَيْسَ إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى عَيْنِهِ

وَالْإِعْذَارُ إلَى الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ دُونَ تَعْيِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِرْعَاءُ وَالْيَمِينُ أُعْذِرَ إلَى الَّذِي أَلْقَى ذَلِكَ بِيَدِهِ فَإِنْ ادَّعَى مِدْفَعًا أَجَّلَهُ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ مَا ثَبَتَ. وَإِنْ لَمْ يَدَعْ مِدْفَعًا وَذَهَبَ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ فَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ مَا نَصُّهُ أَعْذُرُ إلَى فُلَانٍ وَهُوَ الَّذِي أَلْقَى بِيَدِهِ الْفَرَسَ أَوْ الْجَارِيَةَ أَوْ الثَّوْبَ الثَّابِتَ فِي رَسْمِ كَذَا فِيمَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا وَجَبَ أَنْ يُعْذَرَ فِيهِ فَقَالَ إنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا مَقَالَ إلَّا الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فِي كَذَا فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ قُوِّمَ الْمُسْتَحَقُّ وَوُضِعَتْ قِيمَتُهُ عَلَى يَدٍ أَمِينٍ وَأَجَّلَ فِي ذَلِكَ وَدَفَعَ لَهُ الْمُسْتَحَقَّ لِيَرْجِعَ بِهِ وَذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي بَاعَ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جَارِيَةً فَلَا تُدْفَعُ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا وَإِلَّا دُفِعَتْ إلَى أَمِينٍ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ يَتَوَجَّهُ بِهَا مَعَهُ يَسْتَأْجِرُهُ هُوَ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَكَذَلِكَ نَفَقَتُهَا فِي ذَهَابِهَا وَرُجُوعِهَا وَأُجْرَةِ حَمْلِهَا هِيَ عَلَى الَّذِي يَذْهَبُ بِهَا وَيُؤَجِّلُ فِي ذَلِكَ أَجَلًا بِقَدْرٍ بَعْدَ الْمَوْضِعِ وَقَرَّبَهُ وَمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ رَجَعَ بِذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَإِلَّا قَبَضَ الْمَحْكُومُ لَهُ الْقِيمَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَقَدْ نَقَصَتْ فِي بَدَنِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ الَّذِي ثَبَتَتْ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا أَوْ تَرَكَهَا لَهُ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ زَادَتْ فَلَهُ أَخْذُهَا أَيْضًا وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَ أَعْلَى قِيمَتِهَا فَإِذَا قُوِّمَتْ فِي بَلَدٍ بِأَرْبَعِينَ وَفِي آخَرَ بِخَمْسِينَ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ وَالنَّمَاءُ فِي الْقِيمَةِ لَهُ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ فَمُصِيبَتُهَا مِمَّنْ خَرَجَ بِهَا وَلِلْمَحْكُومِ لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ. وَإِنْ تَلِفَتْ الْقِيمَةُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فَمُصِيبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهَا وَفِي سَمَاعِ عِيسَى إنْ ضَاعَتْ الْقِيمَةُ وَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ فَمُصِيبَةُ الدَّابَّةِ مِمَّنْ خَرَجَ بِهَا وَمُصِيبَةُ الدَّنَانِيرِ مِنْ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّابَّةِ، وَإِنْ جَاءَ بِهَا وَقَدْ تَلِفَتْ الْقِيمَةُ فَلَهُ أَخْذُ دَابَّتِهِ وَمُصِيبَةُ الْقِيمَةِ مِنْ صَاحِبِهَا. وَمَنْ ادَّعَى فِي عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ بِيَدِ آخَرَ الْمِلْكَ وَسَأَلَ تَوْقِيفَهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ ادَّعَى أَنْ يُقِيمَ ذَلِكَ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمِهِ وَشِبْهَهُ وَقَفَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ادَّعَى شُهُودًا حُضُورًا رَأَيْتُ أَنْ يُوقَفَ لَهُ فِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَنَفَقَتُهُ فِي التَّوْقِيفِ عَلَى الَّذِي يَقْضِي لَهُ بِهِ فَإِنْ قَالَ إنَّ بَيِّنَتَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ وَذَهَبَ إلَى أَنْ يَضَعَ الْقِيمَةَ وَيُعْطِيَ لِيَذْهَبَ بِهِ فَإِنْ قَامَ لَهُ سَبَبٌ مِثْلُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَوْ شَهِدَ لَهُ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ مَتَاعُهُ أَوْ أَبْقَى لَهُ وَضْعَ قِيمَتِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ لِيَذْهَبَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَمَنْ اسْتَحَقَّ دَابَّةً أَوْ عَبْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَغْنَمِ أَخَذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِلَا ثَمَنٍ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا أُخِذَ بِأَيْدِي اللُّصُوصِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ فَإِنْ فَدَى مِنْهُمْ شَيْئًا فَعَلَيْهِ فِدَاءُ مَا فَدَى بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهُ أَحَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ بِهِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ فَإِنْ قَدِمَ بِهِ مُسْتَأْمَنُونَ فَبَاعُوهُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْمُسْتَحَقِّ لَهَا وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبُوهُ لِأَحَدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي مَسَائِلَ ابْنِ الْحَاجِّ اعْتَرَفَ رَجُلٌ دَابَّةً فِي يَدِ نَصْرَانِيٍّ قَدِمَ فِي الرُّفْقَةِ فِي الْهُدْنَةِ وَأَثْبَتَهَا الْقَائِمُ بِهَا فَحُكِمَ لَهُ بِهَا ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى ابْنِ رُشْدٍ فَرَأَى أَنَّ الْحُكْمَ خَطَأٌ وَظَهَرَ لِي مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ حَادِثٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ صُلْحِيٌّ قَدِمَ بِمَالٍ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ أَعْطَى الْجِزْيَةَ. قَالَ وَنَزَلَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ رَجُلٌ اشْتَرَى رَمَكَةً بِطُلَيْطِلَةَ فَاعْتَرَفَهَا رَجُلٌ مِنْ قُرْطُبَةَ وَكَانَ هَذَا الْمُسْلِمُ قَدْ جَاءَ بِهَا مَعَ النَّصَارَى الَّذِينَ جَاءُوا لِلتِّجَارَةِ

فِي حَالِ الصُّلْحِ فَاسْتَفْتَانِي فِيهَا فَقُلْتُ يَثْبُتُ أَنَّهَا أُخِذَتْ فِي الصُّلْحِ فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أَخَذَهَا، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَلَا يَأْخُذُهَا وَقَالَ فِي رَجُلٍ أُسِرَ ثُمَّ هَرَبَ فِي اللَّيْلِ بِرَمَكَةٍ سَاقَهَا وَبَاعَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا الَّذِي أَخَذَهَا الْعَدُوُّ لَهُ وَأَثْبَتَهَا فَالْوَاجِبُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ فِيهَا وَيَرْجِعَ بِهِ هُوَ عَلَى الْأَسِيرِ الَّذِي بَاعَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَسِيرَ لَمْ يَمْلِكْ الرَّمَكَةَ وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْبَيْعَ يَمْضِي وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ إنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُصَالِحَ بِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَاسْتَحَقَّ قَلِيلَهُ لَزِمَ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ لُزُومُهُ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْكَثِيرَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ حَبْسِ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ رَدِّهِ لِذَهَابِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ جُلُّ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَإِنْ كَانَ اسْتَحَقَّ الْقَلِيلَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِبَقَاءِ أَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ اُنْتُقِضَتْ كُلُّهَا وَرُدَّ بَاقِيهَا لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ قَالَ وَيَحْرُمُ التَّمَسُّكُ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَهَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُعَيَّنِ وَالْعَيْبُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ إذَا اسْتَحَقَّ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَيُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَاسْتُصْحِبَ الْعَقْدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مَنْزِلًا وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى سَبْعِ سِنِينَ وَوَقْتُ تَارِيخِهِ قَامَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حِصَّةَ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ آلَتْ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ مِنْ عَمَّةِ أَبِيهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ مَا يَخُصُّهُ مَجَّانًا وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إنْ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَهُ الْحِصَّةَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَهُ أَخْذُ مَا يَخُصُّهُ مَجَّانًا وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي عِلْمَهُ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ بِعَامٍ وَهُوَ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ يَتِيمٍ أَعْطَاهُ جَدُّهُ مِنْ أَبِيهِ حِصَّةً مِنْ نَخِيلٍ وَنِصْفَ قِيرَاطٍ مِنْ طَاحُونٍ وَكَتَبَ لَهُ وَثِيقَةً بِذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَاسْتَمَرَّ فِي حِجْرِهِ حَتَّى مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ عَنْ وَلَدِ ابْنِهَا الْمَذْكُورِ وَبِنْتِهَا فَوَضَعَ شَيْخُ النَّاحِيَةِ يَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحِصَّةِ وَغَيْرِهَا مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ وَالْوَلَدُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مُهْمَلٌ فِي كَفَالَةِ الْأَجَانِبِ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا هَذَا الشَّيْخُ وَأُرْسِلَ الْوَلَدُ لِلنِّظَامِ عِوَضًا عَنْ نَفَرٍ هَرَبَ مِنْ ضَمَانَتِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ وَرُدَّ وَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ يَخْدُمُ رَجُلًا مِنْ فَلَّاحِي هَذَا الشَّيْخِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ خَرَجَ الْوَلَدُ مِنْ حِصَّةِ ذَلِكَ الشَّيْخِ وَمَلَكَ أَمْرَ نَفْسِهِ وَعَلِمَ بِمَالِ جَدِّهِ الَّذِي تَحْتَ يَدِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ فَادَّعَى الشَّيْخُ أَنَّ جَدَّ الْوَلَدِ مَاتَ وَعَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ وَطَالَبَ زَوْجَتَهُ بِهِ فَعَجَزَتْ فَأَقَامَ وَكِيلًا عَنْ هَذَا الْوَلَدِ وَبَاعَ الْوَكِيلُ لَهُ هَذِهِ الْحِصَّةَ وَنَقَدَ لَهُ ثَمَنَهَا وَدَفَعَهُ الْوَكِيلُ فِي الدِّيوَانِ فِيمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ جَدِّ هَذَا الْوَلَدِ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَكِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ فَلَّاحِي الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ لَا يَسْتَطِيعُ مُخَالَفَتَهُ فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ ذَلِكَ وَقَالَ مَاتَ جَدِّي، وَلَمْ يَكُنْ بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ لِلدِّيوَانِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْبَلَدِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلدِّيوَانِ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ وَبَعْدَ

ثُبُوتِ الدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ لَا كَلَام لِشَيْخِ الْبَلَدِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْ الْحَاكِمِ فَإِنْ وَكَّلَهُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَبِيعُ التَّرِكَةَ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي وَمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ التَّوْكِيلِ بَاطِلٌ وَشِرَاؤُهُ مِنْ الْوَكِيلِ غَيْرُ مَاضٍ وَدَعْوَاهُ دَفْعَ الثَّمَنِ لِلْوَكِيلِ وَأَنَّهُ دَفَعَهُ لِلدِّيوَانِ لَا عِبْرَةَ بِهَا وَطُولُ الزَّمَانِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ حِيَازَةً؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ ظَالِمٌ خُصُوصًا مَعَ صِغَرِ الْوَلَدِ وَشَتَاتِهِ فَيُنْزَعُ مِنْ شَيْخِ الْبَلَدِ كُلُّ مَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ لِلدِّيوَانِ دَيْنًا عَلَى التَّرِكَةِ رُجِعَ بِهِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ حِمَارًا لِآخَرَ وَبَاعَهُ الْآخَرُ لِآخَرَ ثُمَّ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ لَهُ وَإِذَا أَقَامَهَا وَأَقَامَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً تُعَارِضُهَا أَقْدَمَ تَارِيخًا مِنْهَا فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ لَهُ وَإِذَا أَقَامَهَا وَعَارَضَهَا بَيِّنَةٌ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَقْدَمُ تَارِيخًا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَلَى بَيِّنَةِ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ الَّتِي يُرْجَعُ لَهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَافَرَ وَتَرَكَ مَنْزِلًا لِعَمِّهِ ثُمَّ رَجَعَ وَسَكَنَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ فَادَّعَى رَجُلٌ حَاضِرٌ بِلَا مَانِعٍ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِ أُمِّ زَوْجَتِهِ اشْتَرَاهُ مِنْ الْعَمِّ وَقَدْ مَاتَ الْمُشْتَرِي عَنْ زَوْجَتِهِ قَاطِنَةً بِبَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ وَأَنَّهَا وَكَّلْته وَأَنَّ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَهِيَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَظَهَرَ تَعَصُّبُ الْبَيِّنَةِ وَعِنَادُهُمْ فَهَلْ لِلْمُدَّعِيَّ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ مُخَاصَمَتِهِ لِتَعَصُّبِهِ عَلَيْهِ بِأَهْلِهِ وَهَلْ لَهُ رَدُّ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي ظَهَرَ تَعَصُّبُهَا وَتَكْلِيفُ الْمَرْأَةِ أَنْ تُخَاصِمَ بِنَفْسِهَا أَوْ تُقِيمَ وَكِيلًا آخَرَ وَتُقِيمَ بَيِّنَةً أُخْرَى خَالِيَةً مِنْ الْمَوَانِعِ وَتَحْلِفَ مَعَهَا لِكَوْنِ الدَّعْوَى عَلَى مَيِّتٍ وَإِذَا عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ رُدَّتْ دَعْوَاهَا وَاسْتَمَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَاكِنًا فِي الْمَنْزِلِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ مِلْكًا لِلرَّجُلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ السُّؤَالِ وَتَرَكَهُ لِعَمِّهِ يَسْكُنُهُ صِلَةً وَمُوَاسَاةً فَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْمَرْأَةِ وَلَا وَكِيلِهَا وَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِاسْتِمْرَارِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَتُمْنَعُ الْمَرْأَةُ وَوَكِيلُهَا مِنْ مُنَازَعَتِهِ وَلَوْ كَانَ لَهَا بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ خَالِيَةٌ مِنْ الْمَوَانِعِ بِاشْتِرَائِهِ مِنْ عَمِّهِ لِتَعَدِّيهِ وَفُضُولِيَّتِهِ بِبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْعَمِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهَا لِيَمِينِ الْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى مَيِّتٍ إذْ يَمِينُ الْقَضَاءِ إنَّمَا يُحْتَاجُ لَهَا فِي الدَّعْوَى عَلَى مَيِّتٍ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَتْ بِدَيْنٍ وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي ظَهَرَ تَعَصُّبُهَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ رَدُّ شَهَادَتِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلَا أَنْ تَعَصَّبَ قَالَ الْخَرَشِيُّ أَيْ اتَّهَمَ الشَّاهِدَ عَلَى التَّعَصُّبِ أَيْ التَّحَامُلِ وَالْحَيْفِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْعَدَوِيُّ وَمَنْ ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِ مَيِّتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِيَمِينٍ وَمَحَلُّ يَمِينِ الْقَضَاءِ فِي الْمُصَنَّفِ عَلَى الْحَاضِرِ إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِأَنَّ الْغَائِبَ كَانَ أَقَرَّ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ بِكَذَا فَلَا يَحْتَاجُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي نَخْلٍ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ فَغَابَ مُدَّةً وَرَجَعَ مُرِيدًا أَخْذَ حِصَّةِ أَبِيهِ فِي النَّخْلِ فَأَخْبَرَهُ عَمُّهُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَمَكَثَ مُعْتَقِدًا أَنَّ عَمَّهُ لَا يُكَلَّفُ

رجل توفي وترك بنتين قاصرتين ونخلا فوضع أجنبي يده عليه مدعيا أن على الميت دينا له

بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ ثُمَّ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِدَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَهَلْ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى عَمِّهِ بِحِصَّةِ أَبِيهِ فِي النَّخْلِ وَمُحَاسَبَتِهِ عَلَى غَلَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يُثْبِتْ دَعْوَاهُ وَإِذَا بَاعَ الْعَمُّ بَعْضَ النَّخْلِ فَلَا يَمْضِي إلَّا فِي حِصَّتِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْوَلَدِ الْمَذْكُورِ الرُّجُوعُ عَلَى عَمِّهِ بِحِصَّةِ أَبِيهِ فِي النَّخْلِ وَمُحَاسَبَتِهِ عَلَى غَلَّتِهِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَا الْوَلَدِ قَدْ بَاعَ حِصَّتَهُ لِعَمِّهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْعَمِّ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا حَيْثُ كَانَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الثُّبُوتِ وَإِذَا بَاعَ الْعَمُّ بَعْضَ النَّخْلِ كَانَ الْبَيْعُ غَيْرَ مَاضٍ فِيمَا يَخُصُّ الْوَلَدَ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَيَمْضِي فِي حِصَّةِ الْعَمِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ دَفَعَ لِآخَرَ زَكِيبَةَ قَمْحٍ فِي زَكِيبَتَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ وَجَدَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا فَجَعَلَ عَلَيْهِ الزَّكِيبَتَيْنِ بِأَرْبَعِ زَكَائِبَ إلَى أَجَلٍ وَلَمَّا حَلَّ طَالَبَهُ بِالْأَرْبَعِ فَبَاعَهُ بِهَا حِصَّةً فِي نَخْلٍ وَبَاعَهَا رَبُّ الزَّكِيبَةِ لِآخَرَ وَحَازَهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَهَلْ لِلْمَدِينِ رَدُّهَا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ احْتَجَّ بِأَنَّ سُكُوتَهُ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحِصَّةُ فِي النَّخْلِ تَرْجِعُ لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ فَاسِدٍ وَرَبُّهَا مَعْذُورٌ فِي سُكُوتِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ لِرَبِّ الزَّكِيبَةِ إلَّا مِثْلُ زَكِيبَتِهِ لَا أَكْثَرُ وَلَا أَقَلُّ وَالْمُشْتَرِي لِلنَّخْلِ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ الَّذِي هُوَ الْمُرَابِي وَلَيْسَ لِلْمُرَابِي إلَّا زَكِيبَتُهُ عِنْدَ مَنْ أَخَذَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بَيْتًا وَأَوْدَعَ رَجُلٌ آخَرُ عِنْدَهُ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي الْبَيْتِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْبَيْتُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى رَفْعِ يَدِهِ عَنْ الْبَيْتِ وَتَحْوِيلِ الْغَلَّةِ الْمُودَعَةِ وَلَوْ غَابَ رَبُّهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْمُسْتَحِقِّ إخْرَاجُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَيْتِ وَلَوْ غَابَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ وَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ قَاصِرَتَيْنِ وَنَخْلًا فَوَضَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهُ عَلَيْهِ مُدَّعِيًا أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا لَهُ] (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ قَاصِرَتَيْنِ وَنَخْلًا فَوَضَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهُ عَلَيْهِ مُدَّعِيًا أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ شَرْعِيٍّ وَأَحْضَرَ بِنْتَيْ الْمُتَوَفَّى وَجَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبَ وَثِيقَةً بِبَيْعِ النَّخْلِ وَجَعَلَ الثَّمَنَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ مُدَّةً وَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ بَاعَهُ لِآخَرَ فَهَلْ لِبِنْتَيْ الْمُتَوَفَّى إذَا رَشَدَتَا الْقِيَامُ بِحَقِّهِمَا وَأَخْذُ النَّخْلِ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَرِ الَّذِي اسْتَغَلَّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلُّ دَعْوَى عَلَى مَيِّتٍ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَمِينٍ أَوْ إقْرَارِ مَنْ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَمَا ادَّعَاهُ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ النَّخِيلِ الْمَذْكُورِ وَيُحَاسَبُ بِمَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ ثَمَرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ وَبَيْعُهُ لَهُ ثَانِيًا بَاطِلٌ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يُمْضِيَا بَيْعَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا وَاطِّلَاعِهِمَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ وَلَدُهُ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ ذِمِّيٍّ حَازَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً عَنْ أَبِيهِ وَاسْتَغَلَّهَا نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ آخَرُ الْمُبَادَلَةَ بِأَرْضٍ مِثْلِهَا فَامْتَنَعَ فَادَّعَى الطَّالِبُ أَنَّ تِلْكَ الْأَرْضَ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ الذِّمِّيِّ وَأَنَّهَا مِلْكُهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَقُّ فِي الْأَرْضِ لِلذِّمِّيِّ الْحَائِزِ الْمُتَصَرِّفِ لَا لِمُدَّعِي الرَّهْنِيَّةَ حَيْثُ

أصلح أرضا لآخر بغير إذنه وزرعها فانتزعها ربها منه

تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ طَرِيقِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ وُجِدَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ يُثْبِتُ الرَّهْنِيَّةَ فَلَا عِبْرَةَ بِحِيَازَةِ الذِّمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ وَتَصَرُّفِهِ إذْ الرَّهْنُ يَبْقَى تَحْتَ الْمُرْتَهِنِ لِلتَّوَثُّقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ لِرَاهِنِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ الثَّابِتِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [أَصْلَحَ أَرْضًا لِآخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَزَرَعَهَا فَانْتَزَعَهَا رَبُّهَا مِنْهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَصْلَحَ أَرْضًا لِآخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَزَرَعَهَا فَانْتَزَعَهَا رَبُّهَا مِنْهُ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَامَ رَبُّهَا عَلَى الزَّارِعِ بَعْدَ فَوَاتِ الزِّرَاعَةِ لِجِنْسِ مَا زَرَعَ فِيهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَزِمَ رَبُّهَا إبْقَاءَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِلْمُتَعَدِّي حَتَّى يَنْتَهِيَ طَيِّبُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ كِرَاءَ سَنَةٍ سَوَاءٌ بَلَغَ الزَّرْعُ وَقْتَ الْقِيَامِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَمْ لَمْ يَبْلُغْ، وَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّرْعِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ خُيِّرَ رَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْذِهِ مَجَّانًا وَأُمِرَ الزَّارِعُ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ خُيِّرَ رَبُّهَا أَيْضًا بَيْنَ أَمْرِهِ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَتِهَا وَأَخْذِهِ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مَطْرُوحًا مِنْهَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى الْقَلْعَ وَالتَّسْوِيَةَ إنْ كَانَ الزَّارِعُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَإِبْقَائِهِ لِزَارِعِهِ وَأَخْذِ كِرَاءِ سَنَةٍ مِنْهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، وَإِنْ انْتَفَعَ فَلِرَبِّهَا قَلْعُهُ أَوْ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَوْ كِرَاءِ سَنَةٍ وَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ إنْ فَاتَ الْإِبَّانُ انْتَفَعَ بِهِ أَمْ لَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ كَانَ الزَّارِعُ ذَا شُبْهَةٍ أَوْ مَجْهُولًا وَاسْتُحِقَّتْ قَبْلَ الْفَوَاتِ أَيْ فَوَاتِ إبَّانِهَا تَشْبِيهٌ فِي كِرَاءِ الْمِثْلِ وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ الْأَرْضُ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا عَلَى ذِي الشُّبْهَةِ وَالْمَجْهُولِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي دَارَيْنِ لِمَالِكَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى مَاتَ مَالِكَاهُمَا وَاشْتَرَى الْعُلْيَا شَخْصٌ وَانْهَدَمَتْ فَأَرَادَ بِنَاءَهَا فَمَنَعَهُ مِنْهُ أَصْحَابُ السُّفْلَى مُدَّعِينَ أَنَّ الْفَرَاغَ لَهُمْ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَ وَضْعُ الْعُلْيَا عَلَى السُّفْلَى بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ لَا بِحُجَّةٍ وَلَا بِبَيِّنَةٍ فَهَلْ يُفْضِي بِهِ لِأَصْحَابِ السُّفْلَى أَوْ لِمُشْتَرِي الْعُلْيَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُقْضَى بِهِ لِمُشْتَرِي الْعُلْيَا وَيُجْبَرُ أَصْحَابُ السُّفْلَى عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ إعَادَةِ مِثْلِ بِنَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَارِيَ بِهِ عُرْفُ مِصْرَ كَوْنُ وَضْعِ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ بِوَجْهِ الشِّرَاءِ لَا بِوَجْهِ الْكِرَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ وَلَدَيْنِ فَسَكَنَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَالْآخَرُ لَمْ يَسْكُنْ فَهَلْ يُحَاسَبُ السَّاكِنُ بِالْأُجْرَةِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ سَكَنَ قَدْرَ نِصْفِهَا فَأَقَلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَكَنَ فِي حَقِّهِ وَمَا يَخُصُّهُ، وَإِنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ مَعْذُورًا بِنَحْوِ غَيْبَةٍ غَرِمَ السَّاكِنُ أُجْرَةَ مِثْلِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا سَكَنَهُ لِمَنْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي سُكُوتِهِ فَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ فَإِنْ جَرَتْ بِالْمُشَاحَّةِ وَالْمُحَاسَبَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَجْرِ بِشَيْءٍ حَاسَبَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ لِلْأُسْتَاذِ الدَّرْدِيرِ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْمَطْرُوءُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ كَأَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ أَوْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ

بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِالطَّارِئِ وَأَنْ يَكُونَ فِي نَصِيبِهِ مَا يَكْفِيهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الطَّارِئُ يَحْجُبُ الْمَطْرُوءَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَفُوتَ الْإِبَّانُ فِيمَا لَهُ إبَّانٌ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ إنْ كَانَ نَصِيبُهُ يَكْفِيهِ وَسَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ فَالشَّرْطُ إذَنْ أَنْ يَسْكُنَ قَدْرَ حِصَّتِهِ فَقَطْ كَمَا قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمَوَّاقُ - فَائِدَةٌ - لَوْ اغْتَلَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ وَلَوْ بِالْكِرَاءِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ وَلَا يُعَدُّ هِبَةً نَعَمْ يَحْلِفُ إنْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا تَتَوَجَّهُ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ إنْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ دَعْوَى التُّهْمَةِ فَلَا تَتَوَجَّهُ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ قَالَهُ فِي الْمِعْيَارِ انْتَهَى نَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ وَرِثُوا دَارًا كَبِيرَةً بَعْضُهَا عَامِرٌ وَبَعْضُهَا خَرَابٌ وَبَعْضُهُمْ حَاضِرٌ وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ فَسَكَنَ الْحَاضِرُ الدَّارَ وَعَمَّرَ الْخَرَابَ فَهَلْ لِلْغَائِبِينَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ وَهَلْ لَهُمْ نَقْضُ بِنَائِهِ وَإِذَا أَرَادُوا الْقِسْمَةَ وَأَرَادَ الْمُعَمِّرُ الِاخْتِصَاصَ بِمَا عَمَّرَهُ فَمَا الْحُكْمُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِهَا وَوَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِينَ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلْغَائِبِينَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَلَهُمْ نَقْضُ بِنَائِهِ أَوْ دَفْعُ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا مَطْرُوحًا مِنْهَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى النَّقْضَ وَالتَّسْوِيَةَ إنْ كَانَ الْبَانِي يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا طَرْحَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْقَوْلُ لِطَالِبِ الْقِسْمَةِ وَإِذَا أَرَادُوهَا نَظَرُوا فِي شَأْنِ الْبِنَاءِ أَوَّلًا إمَّا بِهَدْمِهِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ بِدَفْعِ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا ثُمَّ اقْتَسَمُوا إنْ شَاءُوا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّعَدِّي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَذَرَ حَبًّا فِي بَيْتِ جَارِهِ غَلَطًا هَلْ لَهُ مِثْلُ الْبَذْرِ أَمْ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْكِرَاءِ وَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ إعْطَائِهَا فَهَلْ يُجْبَرُ أَوْ لَا؟ وَإِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ أَخْذِ الْأَرْضِ فَهَلْ يَضِيعُ عَلَيْهِ الْبَذْرُ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ فَوَاتِ الْإِبَّانِ فَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ سَنَةٍ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى قَبُولِهِ وَصَاحِبُ الْبَذْرِ عَلَى دَفْعِهِ، وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الزَّارِعِ وَالزَّرْعُ لَهُ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ جَارِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ غَلِطَ فِيهَا فَالزَّرْعُ لِلزَّارِعِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الزَّارِعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَسْتَسْهِلُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ وَلَهُ الزَّرْعُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَرْضِ الْمَعْرُوفَةِ بِحُدُودِهَا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ بِجَهْلٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْفَدَادِينِ فَأَصْبَغُ يَعْذُرُهُ فِيهَا بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّهَا فِي فُحُوصٍ وَقَدْ تُجْهَلُ أَحْوَازُهَا لِاشْتِبَاهِهَا مَعَ قِلَّةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهَا وَسَحْنُونٌ لَا يَعْذُرُهُ فِي الْفَدَادِينِ أَيْضًا بِالْجَهْلِ وَلَا يُصَدِّقُهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْغَلَطِ فَالزَّرْعُ عِنْدَهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلزَّارِعِ مِثْلُ حَبِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا لَمْ يَتَحَاكَمَا، وَلَمْ يَعْلَمَا بِذَلِكَ حَتَّى حَبَّبَ الزَّرْعُ وَفَاتَ إبَّانُ الزَّرِيعَةِ فَيَكُونُ الزَّرْعُ لِزَارِعِهِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ وَفِي وَثَائِقِ

رجل له دراهم على آخر فصالحه عنها بجاموسة ثم ادعى رجل آخر أنه شريك في الجاموسة بالنصف

ابْنُ فَتْحُونٍ إنْ خَرَجَ لَيْلًا فَغَلِطَ فَزَرَعَ أَرْضَ جَارِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ وَغَلَطُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِقَوْمٍ فَدَادِينُ مُتَلَاصِقَةٌ فَزَرَعُوهَا وَاخْتَلَطَتْ عَلَيْهِمْ عِنْدَ حَصَادِهَا فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَذَرَهُ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ قَوْلُ أَصْبَغَ بِبَقَاءِ الْإِبَّانِ فَإِنْ فَاتَ فَالزَّرْعُ لِزَارِعِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مُشَبِّهًا فِي تَعَيُّنِ كِرَاءِ سَنَةٍ كَانَ الزَّارِعُ ذَا شُبْهَةٍ أَوْ مَجْهُولًا وَاسْتُحِقَّتْ قَبْلَ الْفَوَاتِ أَيْ فَوَاتِ إبَّانِهَا تَشْبِيهٌ فِي كِرَاءِ الْمِثْلِ وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ الْأَرْضُ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا عَلَى ذِي الشُّبْهَةِ وَلِمَجْهُولٍ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل لَهُ دَرَاهِمُ عَلَى آخَرَ فَصَالَحَهُ عَنْهَا بِجَامُوسَةٍ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْجَامُوسَةِ بِالنِّصْفِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَرَاهِمُ عَلَى آخَرَ فَصَالَحَهُ عَنْهَا بِجَامُوسَةٍ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْجَامُوسَةِ بِالنِّصْفِ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تُطْلَبُ مِنْ مُدَّعِي الشَّرِكَةِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَهَا وَسَلَّمَهَا الْحَائِزُ لِلْجَامُوسَةِ قَضَى لِلْمُدَّعِي بِنِصْفِهِ وَخُيِّرَ رَبُّ الدَّرَاهِمِ بِرَدِّ النِّصْفِ الْآخَرِ وَالرُّجُوعِ بِجَمِيعِ دَرَاهِمِهِ عَلَى الْمَصَالِحِ وَالتَّمَاسُكِ بِهِ فِي مُقَابِلِهِ وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَيُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَاسْتُصْحِبَ الْعَقْدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ أَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُتَّحِدًا كَدَارٍ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا قَلِيلَهَا أَوْ كَثِيرَهَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ فِي الرَّدِّ وَالْإِبْقَاءِ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ وَإِنْ قَلَّ، إذْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْمَبِيعِ شَائِعٌ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بَيْنَ التَّمَاسُكِ بِالْبَاقِي وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ وَبَيْنَ الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُعَيَّنًا وَهَذَا إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْمُدَّعِي مَجْلِسَ الصُّلْحِ، وَلَمْ يَسْكُتْ عَامًا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ حَضَرَ عَقْدَ الصُّلْحِ أَوْ سَكَتَ عَامًا بِلَا عُذْرٍ بَعْدَهُ فَلَا كَلَامَ لَهُ مَعَ الْحَائِزِ وَلَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْعَارِيَّةِ] [رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَعِنِّي بِبَقَرَتِك فِي الْحَرْثِ لِأُعِينَك بِبَقَرَتِي فِي الْحَرْثِ وَلَمْ يُعَيِّنَا مُدَّةً] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْعَارِيَّةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَعِنِّي بِبَقَرَتِك فِي الْحَرْثِ لِأُعِينَك بِبَقَرَتِي فِي الْحَرْثِ، وَلَمْ يُعَيِّنَا مُدَّةً وَدَفَعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَقَرَتَهُ حَرَثَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ دَفَعَ الْآخَرُ لِلْأَوَّلِ بَقَرَتَهُ لِيَحْرُثَ عَلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَمَاتَتْ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ فَهَلْ لَا يَضْمَنُهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ إعَارَةٌ بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَالْعِبَارَةِ وَإِجَارَةٌ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْنَى وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ عَدَمُ الضَّمَانِ لِمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ وَالثَّانِي عَدَمُهُ مُطْلَقًا وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ وَلَوْ فَاسِدًا بِعَدَمِ التَّعْيِينِ كَمَا فِي الْفَرْضِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَجَازَ أَعْنِي بِغُلَامِك لِأُعِينَك بِغُلَامِي إجَارَةً وَضَمِنَ الْمَغِيبَ عَلَيْهِ لَا غَيْرَهُ انْتَهَى. وَفِي الْمَجْمُوعِ

أعار زوجته حليا ثم بعد مدة طلبه منها فادعت الملكية ولم تقم بينة أفتسمع دعواها

وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَابِضٍ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ جَعَلَ عَلَى بِئْرِهِ سَبَّالًا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنَّمَا لَهُ عَلَى كُلِّ بَلَّاصٍ رَغِيفٌ أَوْ بَتَّاوَةٌ فَزَرَعَ تَحْضِيرَةً حَاوِيَةً لِمُلُوخِيَّةٍ وَبَامِيَةٍ وَبَاذِنْجَانٍ وَلُوبِيَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ لَا يَسُوغُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْخُضَرِ بِلَا ثَمَنٍ وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ الْأَرْضِ وَإِذَا ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ فَهَلْ هُوَ لِرَبِّهَا أَوْ لِلسَّبَّالِ أَوْ لَهُمَا وَضِّحُوا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ إعَارَةٌ لِلْبِئْرِ وَالْأَرْضِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْخُضَرِ بِلَا ثَمَنٍ وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ الْأَرْضِ أَيْ ثَوَابُهَا وَإِذَا ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنْبَاتٍ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ اسْتَنْبَتَهُ السَّبَّالُ فَهُوَ لَهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَمْرُهُ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَتُهَا أَوْ دَفْعُهُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَعَقْدُهَا أَيْ: الْعَارِيَّةِ بَدَلُهَا عُرْفًا وَلَوْ غَيْرُ قَوْلٍ ثُمَّ قَالَ وَلَزِمَ مَا شُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ أَوْ ظَنَّ الْإِعَارَةَ وَلَوْ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ إخْرَاجِهِ وَدَفْعِ مَا أَنْفَقَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمُحَشِّي وَغَيْرِهِ، وَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَكَالْغَاصِبِ يَأْتِي أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالنَّقْضِ أَوْ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَةَ الْمَقْلُوعِ إلَّا لِشَرْطٍ وَالْقَوْلُ لِرَبِّهَا أَنَّهُ أَيْ دَفَعَهَا كِرَاءً لَا عَارِيَّةً إلَّا أَنْ يَنْكُلَ وَتَحْلِفُ مَا لَمْ يَأْنَفْ مِثْلُهُ الْكِرَاءَ لِمِثْلِهَا عُرْفًا فَبِالْعَكْسِ الْقَوْلُ لَك أَنَّهَا إعَارَةٌ إلَّا أَنْ تَنْكُلَ وَحَيْثُ صَدَقَ رَبُّهَا فَلَهُ مَا سُمِّيَ مِنْ الْكِرَاءِ إنْ أَشْبَهَ، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَعَارَ زَوْجَتَهُ حُلِيًّا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ طَلَبَهُ مِنْهَا فَادَّعَتْ الْمِلْكِيَّةَ وَلَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً أَفَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَعَارَ زَوْجَتَهُ حُلِيًّا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ طَلَبَهُ مِنْهَا فَادَّعَتْ الْمِلْكِيَّةَ، وَلَمْ تُقِمْ بَيِّنَةً أَفَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى التَّمْلِيكِ فَفِي الْخَرَشِيِّ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الزَّوْجَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِمْتَاعِ انْتَهَى، قَالَ الْعَدَوِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْإِمْتَاعِ الِانْتِفَاعُ لَا التَّمْلِيكُ انْتَهَى وَتَبِعَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ سَكَنَ عِنْدَ آخَرَ فِي دَارِهِ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ نَحْوَ سَنَةٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَعْطِنِي أُجْرَةَ السُّكْنَى فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ سِيَّمَا وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ بِعَدَمِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِعَدَمِ الْإِجَارَةِ حَلَفَ السَّاكِنُ أَنَّهُ أَسْكَنَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِعَارَةِ وَبَرِئَ، وَإِلَّا حَلَفَ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَنَّهُ أَسْكَنَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي ادَّعَاهَا إنْ أَشْبَهَ، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهَذَا إنْ أَسْكَنَهُ مَعَهُ فِي دَارِ سُكْنَاهُ وَأَمَّا إنْ أَسْكَنَهُ بِغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ الْإِجَارَةِ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ مَنْ يَأْنَفُ مِثْلَهُ وَغَيْرَهُ فِيمَا إذَا أَسْكَنَهُ مَعَهُ فِي دَارِ سُكْنَاهُ وَأَمَّا إنْ أَسْكَنَهُ بِغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا إنَّهُ أَكْرَاهَا وَلَا يُرَاعَى كَوْنُ مِثْلِهِ ذَا قَدْرٍ وَرِفْعَةٍ أَمْ لَا وَمِثْلُ دَارِ سُكْنَاهُ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ الثِّيَابُ وَالْآنِيَةُ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ انْتَهَى.

مسائل الوديعة

[مَسَائِلُ الْوَدِيعَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْوَدِيعَةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَعَهُ حَمِيرٌ حَامِلَةُ تِبْنٍ فَبَاعَ مِنْهَا حِمْلًا لِرَجُلٍ آخَرَ وَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَبْقِ الْحِمَارَ عِنْدَك حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْك فَأَخَذَهُ مُشْتَرِي التِّبْنِ وَأَدْخَلَهُ مَكَانًا وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَتَسَرَّبَ الْحِمَارُ مِنْ الْمَكَانِ وَضَاعَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَمِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فَهَلْ يَضِيعُ عَلَى رَبِّهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ الْمَذْكُورِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَضِيعُ عَلَى رَبِّهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَاهُ الضَّيَاعَ بِلَا تَفْرِيطٍ بِلَا يَمِينٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا عِنْدَ النَّاسِ، وَلَمْ يُحَقِّقْ عَلَيْهِ رَبُّ الْحِمَارِ دَعْوَى عَدَمِ الضَّيَاعِ أَوْ التَّفْرِيطِ فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا أَوْ حَقَّقَ عَلَيْهِ دَعْوَى مَا ذُكِرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا لَكِنْ بِيَمِينٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَلَفَ أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ إنْ نُوكِرَ فِي الضَّيَاعِ أَوْ التَّلَفِ إنْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَوْ كَانَ مُتَّهَمًا عِنْدَ النَّاسِ وَفِي الرَّدِّ مُطْلَقًا وَلَا يُفِيدُ شَرْطُ أَنْ لَا يَمِينَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَلَوْ فِي دَعْوَى الِاتِّهَامِ كَمَا فِي الْمُحَشِّي تَبَعًا لِلرَّمَاصِيِّ انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا تَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ بِاتِّفَاقٍ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ خَاصَّةً عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إشْهَادٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلَيْنِ وَضَعَا أَمَانَةً عِنْدَ أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ وَقَالَا لَهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ يَأْخُذُ فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا وَجَاءَ الثَّانِي فَأَخَذَ الْبَاقِيَ ثُمَّ أَنْكَرَ الْأَوَّلُ بَعْضَ مَا أَخَذَ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْمُودِعُ بِيَمِينِهِ حَيْثُ اعْتَرَفَ الْآخَرُ بِالْإِذْنِ بِالدَّفْعِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يُصَدَّقُ الْأَمِينُ فِي دَعْوَى رَدِّ الْأَمَانَةِ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ وَيَحْلِفُ إنْ طَلَبَ تَحْلِيفَهُ فَيَبْرَأُ حِينَئِذٍ مِنْ جَمِيعِ الْأَمَانَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . [أَوْدَعَ جَارِيَةً عِنْدَ آخَرَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ شَيْئًا تَحْتَ نَفَقَتِهَا فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى فَحْلَةَ جَامُوسٍ وَوَضَعَهَا عِنْدَ وَالِدِهِ وَإِخْوَتِهِ وَصَارُوا يُنْفِقُونَ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ ذَاتَ لَبَنٍ وَأَوْلَادُهُمْ يَأْخُذُونَ لَبَنَهَا وَسَمْنَهَا فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَخْذَ الْجَامُوسَةِ وَأَوْلَادَهَا لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي نَظِيرِ غَلَّتِهَا أَوْ يُحَاسِبُونَهُ وَيُحَاسِبُهُمْ بِالْغَلَّةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ أَخْذُ الْجَامُوسَةِ وَأَوْلَادِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ عُرْفُهُمْ جَارِيًا بِعَدَمِ الْمُشَاحَّةِ وَالْمُسَامَحَةِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَلَا مُحَاسَبَةَ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ، وَإِلَّا فَلَهُمْ مُحَاسَبَتُهُ بِالنَّفَقَةِ وَلَهُ مُحَاسَبَتُهُمْ بِالْغَلَّةِ فَإِنْ صَدَّقَهُمْ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ عَلَى إدَامَةِ النَّفَقَةِ وَقَدْرِهَا الْمُشَبَّهِ كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَوَازِلِهِ وَنَصَّهُ وَسُئِلَ عَمَّنْ أَوْدَعَ جَارِيَةً عِنْدَ آخَرَ، وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ شَيْئًا تَحْتَ نَفَقَتِهَا فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَهَا فَهَلْ لِلْمُنْفِقِ الرُّجُوعُ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَهُ لِقِيَامِهِ بِوَاجِبٍ عَنْ سَيِّدِ الْجَارِيَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ يَصِيرُ مُتَبَرِّعًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَهَلْ تَكُونُ هَذِهِ قَاعِدَةً فِي كُلِّ مُنْفِقٍ عَلَى ذِي رُوحٍ تُمْلَكُ سَوَاءٌ كَانَ إنْسَانًا أَوْ دَابَّةً وَهَلْ اللُّقَطَةُ

كَذَلِكَ حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا أَمْ لَا. فَأَجَابَ نَعَمْ لِمَنْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا عَلَى رَبِّهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَإِنْ قَدَّرَهَا كَذَا حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّهَا فِي ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَدَّعِيهِ مُشَبَّهًا وَأَنْ لَا يَكُونَ سَرَفًا ثُمَّ إنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ لِرَبِّهَا تَرْكُهَا لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ فِي نَفَقَتِهِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُلْتَقَطَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ لِرَبِّهَا أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْمُلْتَقِطِ فِي نَفَقَتِهَا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ لَمَّا تَرَكَهَا تَحْتَ حِرْزِهِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَمَنْ الْتَقَطَ صَغِيرًا حُرًّا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَبِيهِ إنْ طَرَحَهُ عَمْدًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ لَهُمَا غَلَّةٌ فِي الْجَرِينِ فَتَرَكَاهَا وَهَرَبَا وَالْحَالُ أَنَّهُمَا مَطْلُوبَانِ بِقَدْرٍ مِنْ الْغَلَّةِ لِلدِّيوَانِ فَطَلَبَ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ مِنْ مَشَايِخِ النَّاحِيَةِ فَأَقَامُوا رَجُلًا مِنْ أَقَارِبِ الْهَارِبِينَ وَكِيلًا عَلَى الْغَلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَتُصَرَّفَ فِيهَا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَجَعَ الرَّجُلَانِ وَطَلَبَا الْغَلَّةَ مِنْ الْوَكِيلِ فَادَّعَى أَنَّهُ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أَمِينٍ فَأَنْكَرَ الْأَمِينُ ذَلِكَ فَهَلْ إذَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا حَسَنٌ الْأَبْطَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَدْلَانِ عَلَى الْأَمِينِ بِمَا اُدُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِشَهَادَةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ عَلَى رَبِّهَا دَيْنٌ لِآخَرَ وَهَرَبَ فَهَلْ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ الْوَدِيعَةِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا دَيْنَهُ وَلَا يَكُونُ الْمُودِعُ مُتَعَدِّيًا يَدْفَعُهَا لَهُ أَمْ لَا. فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ هَرَبَ الْمُودِعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثَابِتٌ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ أَخَذَ مِنْ ثَمَنِ الْوَدِيعَةِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَكُونُ الْمُودِعُ مُتَعَدِّيًا فِي دَفْعِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَعَرَّضَ لِصَبِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ مَتَاعًا وَدِيعَةً يَحْفَظُهَا لَهُ وَالْحَالُ أَنَّ وَلِيَّهُ أَرْسَلَهُ لِآخَرَ يُودِعُهُ عِنْدَهُ فَهَلْ إذَا ضَاعَ الْمَتَاعُ مِنْ عِنْدِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ لِتَعَدِّيهِ حَيْثُ اسْتَوْدَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ إذَا عَلِمَ الْوَلِيُّ بِالْإِيدَاعِ وَسَكَتَ حَتَّى ضَاعَ يَنْتَفِي عَنْهُ الضَّمَانُ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَضْعِهَا عِنْدَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَضَاعَتْ ضَمِنَهَا الْمُودَعُ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ نَعْجَةً عِنْدَ آخَرَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُسَرِّحَهَا مَعَ رَاعِي الْأَغْنَامِ فَسَرَّحَهَا مَعَهُ فَضَاعَتْ وَادَّعَى الرَّاعِي عَدَمَ مَجِيئِهَا إلَيْهِ وَالْمُودِعُ الْمَجِيءَ فَهَلْ الرَّاعِي مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَاهُ وَعَلَى الْمُودَعِ الضَّمَانُ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَلِيمِ الْفَيُّومِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ مَعَ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِالْإِعْطَاءِ لِلرَّاعِي ضَمِنَهَا الرَّاعِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ التَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطُ وَانْظُرْ مَا يَتَعَلَّقُ بِضَمَانِ الرَّاعِي فِي مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ

طلبت المودعة منها الدراهم فقالت دراهمك قد سرقت زمن سرقة منزلنا

[طَلَبَتْ الْمُودِعَةُ مِنْهَا الدَّرَاهِمَ فَقَالَتْ دَرَاهِمُك قَدْ سُرِقَتْ زَمَنَ سَرِقَةِ مَنْزِلِنَا] مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ أَوْدَعَتْ عِنْدَ أُخْرَى دَرَاهِمَ فَأَعْطَتْهَا الْمُودَعَةُ لِزَوْجِهَا ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّ مَنْزِلَهَا سُرِقَ فَطَلَبَتْ الْمُودِعَةُ دَرَاهِمَهَا فَقَالَتْ لَهَا دَرَاهِمُك عِنْدِي وَإِلَى أَجَلِ كَذَا أَدْفَعُهَا لَك وَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَتْ الْمُودِعَةُ مِنْهَا الدَّرَاهِمَ فَقَالَتْ دَرَاهِمُك قَدْ سُرِقَتْ زَمَنَ سَرِقَةِ مَنْزِلِنَا فَهَلْ لَا تَنْفَعُهَا هَذِهِ الدَّعْوَى وَيَلْزَمُهَا دَفْعُ الدَّرَاهِمِ إلَى الْمُودِعَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا تَنْفَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمُودَعَةَ بِالْفَتْحِ حَيْثُ لَمْ تُخْبِرْ الْمُودِعَةُ بِالْكَسْرِ بِسَرِقَتِهَا حِينَ طَلَبَتْهَا مِنْهَا أَوَّلًا فَيُحْكَمُ عَلَى الْمُودَعَةِ بِالْفَتْحِ بِدَفْعِ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ لِلْمُودِعَةِ بِالْكَسْرِ خُصُوصًا إذْ ثَبَتَ إعْطَاؤُهَا لِزَوْجِهَا قَبْلَ إشَاعَةِ سَرِقَةِ الْمَنْزِلِ بِإِقْرَارِهَا أَوْ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لِتَعَدِّيهَا بِدَفْعِهَا لِزَوْجِهَا إنْ كَانَ لِتَصَرُّفِهِ فِيهَا لِنَفْسِهِ بِنَحْوِ تَجْرٍ أَوْ لِيَحْفَظَهَا لَهَا، وَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِهِ فَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهَا بِهِ فَالضَّمَانُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى فَقَطْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ طَلَبَتْهَا يَعْنِي الْوَدِيعَةَ فَلَمْ يَدْفَعْ ثُمَّ قَالَ ضَاعَتْ قَبْلَ لَقْيِكَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَقُولَ، وَلَمْ أَعْلَمْ حِينَهُ وَقَالَ قَبْلَهُ وَتَضَمَّنَ بِإِيدَاعِهَا لِغَيْرٍ كَأَجِيرٍ وَزَوْجَةٍ وَرَفِيقِ أَمْنٍ وَاعْتِيدَ إيدَاعُهُ فَتَهْلِكُ عِنْدَهُ اهـ الْخَرَشِيُّ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ رَبِّهَا أَنْ يَقُولَ لَهُ سُكُوتُك عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِذَارِك دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهَا اهـ الْعَدَوِيُّ دَخَلَ فِي الْغَيْرِ الزَّوْجُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ شَأْنَ النِّسَاءِ الْحِفْظُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِنَّ غَالِبًا لِلنَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ بِاسْتِغْنَائِهِنَّ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِنَّ وَلَا كَذَلِكَ الرِّجَالُ لِاحْتِيَاجِهِمْ لِمَا يُنْفِقُونَهُ مِنْهُ فَهُنَّ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ غَيْرُ خَائِنَاتٍ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ دَفَعَ لِآخَرَ دَرَاهِمَ وَدِيعَةً وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا لِجَمَاعَةٍ أَرْسَلُوهَا لَهُ مَعَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ وَثِيقَةً بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْوَدِيعِ وَأَخَذُوا مِنْهُ وَثِيقَةً أُخْرَى بِأَنَّ الْأَمَانَةَ عِنْدَهُ وَذَهَبُوا لِلْحَجِّ ثُمَّ رَجَعُوا لَهُ وَرَدُّوا لَهُ الْوَثِيقَةَ الثَّانِيَةَ وَأَخَذُوا الْأَمَانَةَ ثُمَّ قَدِمَ الرَّسُولُ بِالْوَثِيقَةِ الْأُولَى فَدَفَعَ لَهُ الْمُودَعُ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ بِأَقَلِّ مَا دَفَعَهَا لِلْجَمَاعَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى الرَّسُولِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ فَادَّعَى الرَّسُولُ أَنَّهَا لَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا فَهَلْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَنَّهَا لَهُ لِإِقْرَارِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ وَيُجْبَرُ عَلَى رَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُودِعِ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ حَيْثُ صَحَّ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ جَبْرُ الرَّسُولِ عَلَى رَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُودِعِ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ لِلْجَمَاعَةِ إذْ لَا حَقَّ لِلرَّسُولِ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّهَا لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُودِعَ دَفَعَهَا لِلرَّسُولِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِتَوْكِيلِهِ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ لَقُضِيَ عَلَيْهِ بِغُرْمِهَا لَهُمْ لِتَعَدِّيهِ فِي الدَّفْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا غَرِمَهَا لَهُمْ قَضَى لَهُ بِالرُّجُوعِ عَلَى الرَّسُولِ وَجُبِرَ الرَّسُولُ عَلَى رَدِّهِ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَهَا لَهُ بَعْدَ دَفْعِهَا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا دَفْعُهَا لِلرَّسُولِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . [أُودِعَتْ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ ثُمَّ طُلِبَتْ مِنْهُ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أُودِعَتْ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ ثُمَّ طُلِبَتْ مِنْهُ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَقَالَ دَفَعْت بَعْضَهَا

لِأَخِي رَبِّهَا وَأَنْفَقْت الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِي وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَقَسَّطَهَا عَلَيْهِ رَبُّهَا عَلَى الْأَشْهُرِ بِوَثِيقَةٍ وَمَضَى بَعْضُهَا وَدَفَعَ قِسْطَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى جَحْدِهِ فَهَلْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ عَلَى حُكْمِ التَّقْسِيطِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْجَحْدُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا عَلَى حُكْمِ التَّقْسِيطِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَازَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ تَرِكَةَ زَوْجَتِهِ بَعْدَ تَبَرُّعِهِ وَأَبِيهَا بِنَصِيبِهِمَا مِنْهَا لَهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَنْكَرَ التَّبَرُّعَ وَالْحِيَازَةَ لَهُ فَهَلْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ وَهَلْ إذَا ادَّعَى تَلَفَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ بَعْدَ إنْكَارِهَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَيْضًا وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لَهُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْكَارُ التَّبَرُّعِ وَالْحِيَازَةِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِهِمَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى تَلَفِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ جَحَدَهَا أَيْ الْوَدِيعَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَا التَّلَفِ انْتَهَى. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَيْفٍ لِآخَرَ فَقَالَ رَبُّ الْمَنْزِلِ لِلضَّيْفِ إنَّ دَارِي لَا تَسَعُ الْحِمَارَ وَأَخَذَهُ بِإِذْنِ الضَّيْفِ وَأَدْخَلَهُ فِي دَارٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ثُمَّ ضَاعَ الْحِمَارُ فَهَلْ يَلْزَمُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ الذَّاهِبُ بِهِ أَوْ رَبُّهُ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ ثَبَتَ إذْنُ الضَّيْفِ لِرَبِّ الدَّارِ فِي إيدَاعِ الْحِمَارِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَضَمَانُ الْحِمَارِ مِنْ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَكِيلٌ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ عِنْدَهُ نَعَمْ لِرَبِّ الْحِمَارِ تَحْلِيفُ الْمُودَعِ عِنْدَهُ إنْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَوْ كَانَ مُتَّهَمًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَضَمَانُهُ مِنْ الذَّاهِبِ بِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُودَعٍ بِالْفَتْحِ جَعَلَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ أُمِّهِ الْمُعْتَادَةَ لَهُ بِحِفْظِ مَالِهِ فَضَاعَتْ مِنْهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَهَلْ لَا يُضَمِّنُهَا. فَأَجَابَ شَيْخُنَا مُصْطَفَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِأَنَّهُ لَا يُضَمِّنُهَا حَيْثُ ضَاعَتْ مِنْهَا بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ بِالْأَوْلَى مِنْ الرَّقِيقِ وَالْخَادِمِ وَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا بِعَادَةِ الشَّخْصِ لَا بِعَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ اهـ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُتَفَقِّهِينَ بِكَرْدِفَانَ تَوَقَّفَ فِي هَذِهِ الْفَتْوَى لِمُخَالَفَتِهَا لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ الدَّرْدِيرِ فِي أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَغَيْرُهُمَا شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ غَيْرِ مُعْتَادَيْنِ وَلِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَغَيْرِهِمَا مُطْلَقًا (قُلْتُ) يُؤَيِّدُ فَتْوَى شَيْخِنَا قَوْلُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَهُ جَعْلُهَا عِنْدَ زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَجْعَلُ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. فَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُمَا يَعُمُّ الْأُمَّ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالصَّدِيقَ الْمُعْتَادَيْنِ لِذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْمُخْتَصَرِ بِإِلْحَاقِ الِابْنِ بِالزَّوْجَةِ وَالْخَادِمُ وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الدَّرْدِيرُ فَهْمٌ لَهُ لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ مِنْ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ وَلَا غَيْرِهِمْ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ فَعَلَى مَا أَخْبَرْتُك فَقَالَ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُدْفَعُ لَهُ مِثْلُ الْخَادِمِ وَالْمَرْأَةِ (قُلْتُ) الَّذِي

فِي التَّهْذِيبِ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ مَالًا فَدَفَعَهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ لِتَرْفَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَمَنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ لَمْ يَضْمَنْ مَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ أَوْ رَفَعَهُ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ أَوْ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَهُوَ شِبْهُ الْعَبْدِ وَالْأَجِيرِ فَالزَّوْجَةُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَلَوْ لَمْ يَثِقْ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِجَارِيَتِهِ بِمَالِهِ فَرَفَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُمْ ضَمِنَ وَلَيْسَ لَهُ اخْتِبَارُهُمْ بِمَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَرَفَعَهَا عِنْدَ غَيْرِ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالَهُ لَضَمِنَ وَعَنْ أَشْهَبَ يَضْمَنُ إذَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا بِخِلَافِ مَا وَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَصُنْدُوقِهِ وَنَحْوِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ خِلَافٌ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوِفَاقِ بِمَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى عَنْهُ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ لَا فِيهَا اُنْظُرْهَا مِنْ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ شَرْحِ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَمَنْ تَأَمَّلَهُ عَلِمَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اعْتِيَادِ الْإِيدَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سَلْمُونٍ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَنَصُّهُ وَمَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَدَفَعَهَا إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ ابْنَتِهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ عِيَالِهِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ حِفْظَ أَسْبَابِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إنْ ضَاعَتْ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ مَنْ يَحْفَظْ أَسْبَابَهُ فَضَاعَتْ ضِمْنَهَا انْتَهَى نَقْلُهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ فَفَتْوَى شَيْخِنَا صَحِيحَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَفَعَ مَالَهُ بَلَّاصًا مَلْآنَ زَيْتَ زَيْتُونٍ لِيَحْفَظَهُ فَوَضَعَهُ فِي أُوضَةٍ يَسْكُنُهَا مَعَ آخَرَ وَأَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَهُ بَعْدَ نَحْوِ شَهْرَيْنِ فَوَجَدَهُ فَارِغًا فَقَالَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ لَمْ آخُذْهُ، وَلَمْ أَعْلَمْ مَنْ أَخَذَهُ وَرَأَيْتُ الْبَارِحَةَ وِكَاءَهُ مَحْلُولًا وَالْأُوضَةُ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُفْتَحُ مِنْ بَابِهَا الَّذِي يَخْرُجُ لِسُطُوحِ الْوَكَالَةِ وَعَادَتِي وَضْعُ مِفْتَاحِ الْبَابِ الَّذِي يَخْرُجُ لِلدَّوْرِ تَحْتَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ فَارِغًا فَهَلْ يَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَضْمَنُ الزَّيْتَ لِتَفْرِيطِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ حَالَ الْأُوضَةِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ إتْيَانِهِ لِأَخْذِ الزَّيْتِ وَيَسْكُتُ قَالَ الْخَرَشِيُّ قَوْلُ الْمُخْتَصَرِ إلَّا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ حَدَثَتْ عَمَّا إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَالْمُودِعُ بِالْكَسْرِ عَالِمٌ بِهَا فَلَيْسَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ إيدَاعُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ ضَمِنَهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ سَوَاءٌ ضَاعَتْ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَضِيعَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي خَافَهُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ ثُمَّ أَرَادَتْ سَفَرًا فَوَضَعَتْهَا مَعَ أَمْتِعَةٍ فِي ظَرْفٍ وَأَوْدَعَتْهُ امْرَأَةً أُخْرَى، وَلَمْ تُخْبِرْهَا بِأَنَّ فِيهِ الْأُوقِيَّةَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّجُلِ ثُمَّ رَجَعَتْ وَأَخَذَتْ مِنْهَا الظُّرُوفَ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ الْأُوقِيَّةَ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ أَمْكَنَ الْمَرْأَةَ الْأُولَى رَدُّ الْأُوقِيَّةِ لِلرَّجُلِ حَالَ شُرُوعِهَا فِي السَّفَرِ وَإِيدَاعِهَا عِنْدَ الثَّانِيَةِ ضَمِنَتْ مِثْلَ الْأُوقِيَّةِ لِلرَّجُلِ لِتَعْلِيمِهَا حِينَئِذٍ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا رَدُّهَا لَهُ حِينَ ذَلِكَ فَتُضَمِّنُهَا أَيْضًا لِتَفْرِيطِهَا

بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَى إيدَاعِهَا لِلثَّانِيَةِ عِنْدَ حُدُوثِ الْعُذْرِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَفْعَ الْأَمَانَةِ بِغَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الثَّانِيَةِ يَمِينُ أَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ الْأُوقِيَّةَ مِنْ الظَّرْفِ تُحَلِّفُهَا لِلْأُولَى وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ لَا تُرَدُّ فَإِنْ حَلَّفَتْهَا بَرِئَتْ، وَإِلَّا غَرِمَتْ مِثْلَ الْأُوقِيَّةِ لِلْأُولَى فَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَتَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ بِسَبَبِ إيدَاعِهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِغَيْرٍ كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ وَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ أُمِنَ بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمِيمِ نَائِبُهُ ضَمِيرُ نَحْوِ الْأَجِيرِ وَاعْتِيدَ إيدَاعُهُ أَيْ نَحْوُ الْأَجِيرِ فَتَهْلِكُ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ أَيْ غَيْرِهِ كَأَجِيرٍ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ وَلَوْ أَمِنُوا أَوْ أَوْدَعَهَا لِكَأَجِيرٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ أَوْ أَوْدَعَهَا لِكَأَجِيرٍ مَأْمُونٍ لَمْ يَعْتَدَّ إيدَاعَهُ فَإِنْ أَوْدَعَهَا لِكَأَجِيرٍ مَأْمُونٍ اعْتَادَ إيدَاعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرٍ كَأَجِيرٍ أُمِنَ وَاعْتِيدَ إيدَاعُهُ وَرَدَّهَا مِنْ عِنْدِهِ لِمَحِلِّهَا وَهَلَكَتْ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الشَّامِلِ وَصَدَقَ فِي دَفْعِهَا لِأَهْلِهِ وَحَلَفَ إنْ أَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ الدَّفْعَ إنْ اتَّهَمَ وَقِيلَ مُطْلَقًا فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَلَهُ تَحْلِيفُهَا وَلَهُ أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ إنْ حَدَثَ لَهُ سَفَرٌ وَكَانَ أَوْدَعَ بِحَضَرٍ بَلْ، وَإِنْ أُودِعَ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ بِسَفَرٍ أَيْ وَلَهُ إنْ حَدَثَ لِلْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَةُ عَوْرَةٌ أَيْ أَمْرٌ يُخْشَى مِنْهُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهِ كَانْهِدَامٍ وَجَارِ سَوْءٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ عَجَزَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا أَنْ يَثْبُتَ الْعُذْرُ الْحَادِثُ بِأَنْ يُحْضِرَ عَدْلَيْنِ وَيُشْهِدَهُمَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ السَّفَرَ وَتَهَيَّأَ لَهُ أَوْ يُرِيهِمَا انْهِدَامَ الْمَحَلِّ أَوْ جَارَ السَّوْءِ وَيُودِعُهَا عِنْدَ أَمِينٍ فَإِنْ سَبَقَتْ الْعَوْرَةُ الْإِيدَاعَ وَعَلِمَ بِهَا الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ حِينَهُ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْعُذْرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِيدَاعُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ تَعَيَّنَ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ دَعْوَى رَدِّ الشَّخْصِ الْمُؤْتَمَنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْوَدِيعَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ مِنْ وَارِثٍ أَوْ عَلَى وَارِثٍ لَا لِوَارِثِهِ وَلَا رَدَّ الْوَارِثَ وَلَا إنْ لَمْ يُؤْتَمَنْ بِأَنْ أَشْهَدَ رَبَّهَا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ دَعْوَى الرَّدِّ قَالَ الْخَرَشِيُّ الْمُرَادُ بِالرَّدِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْيَدِ الشَّامِلِ لِلرَّدِّ حَقِيقَةً وَلِدَفْعِ الرَّسُولِ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ مَا لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ الْمُرْسِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْبَاقِي زَادُوا عِلْمَ أَنَّ انْتِقَالَ الْمَالِ إمَّا مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أَوْ مِنْ أَمَانَةٍ لِأَمَانَةٍ أَوْ مِنْ ذِمَّةٍ لِأَمَانَةٍ أَوْ عَكْسُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالذِّمَّةُ فَرْضٌ أَوْ سَلَمٌ فَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ أَمَانَةٍ لِمِثْلِهَا فَفِي بَرَاءَةِ الدَّافِعِ بِإِقْرَارِ الْقَابِضِ بِقَبْضِهَا وَعَدَمِ بَرَاءَتِهِ قَوْلَانِ وَمِنْ أَمَانَةٍ لِذِمَّةٍ بَرِئَ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَهَلْ كَذَا إنْ أَعْسَرَ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا قَوْلَانِ وَمِنْ ذِمَّةٍ لِمِثْلِهَا بَرِئَ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ الْمَلِيءِ لَا الْمُعْسِرِ وَمِنْ ذِمَّةٍ لِأَمَانَةٍ لَمْ يَبْرَأْ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ مُطْلَقًا انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَرْسَلَ عُرُوضًا مَعَ جَمَّالٍ لِرَجُلٍ فَلَمْ يَجِدْ الْجَمَّالُ الرَّجُلَ فَأَوْدَعَهَا عِنْدَ آخَرَ فَوَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ فِي مَحَلٍّ وَفِي بِلَادِهِمْ الْأَرَضَةُ تُتْلِفُ الشَّيْءَ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُتَحَفَّظُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِرَفْعِهِ عَنْ الْأَرْضِ عَلَى خَشَبٍ وَنَحْوِهِ فَأَتْلَفَتْ الْأَرْضُ الْجُلُودَ الَّتِي فِيهَا الْعُرُوض وَأَتْلَفَتْ بَعْضَهَا أَيْضًا فَهَلْ يَلْزَمُ الرَّجُلَ الَّذِي اسْتَلَمَ الْعُرُوض مِنْ الْجَمَّالِ قِيمَةَ مَا تَلِفَ مِنْ الْجُلُودِ وَالْعُرُوضِ بِسَبَبِ الْأَرَضَةِ لِتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمُسْتَلِمَ الْعُرُوض مِنْ الْجَمَّالِ قِيمَةَ مَا تَلِفَ مِنْهَا وَمِنْ جُلُودِهَا بِسَبَبِ الْأَرَضَةِ لِتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهَا بِعَدَمِ رَفْعِهَا عَنْ الْأَرْضِ عَلَى الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ صَارَ حِفْظُهَا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِاسْتِلَامِهَا مِنْ الْجَمَّالِ وَقَبُولِ

مسائل الشفعة

إيدَاعِهَا عِنْدَهُ وَلَا يَلْزَمُ الْجَمَّالَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَمْ يُفَرِّطْ بَلْ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ إيدَاعِهَا عِنْدَ أَمِينٍ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمَأْمُورِ بِتَسْلِيمِهَا لَهُ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَبْسُ جِمَالِهِ مَعَ الْعُرُوضِ حَتَّى يَلْحَقَهُ إذْ لَا يَدْرِي مَتَى يَلْحَقُهُ وَفِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ قَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي الْعَارِيَّةِ وَحَلَفَ فِيمَا عَلِمَ أَنَّهُ بِلَا سَبَبِهِ كَسُوسٍ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَفَقُّدُ الْعَارِيَّةِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُودِعِ تَفَقُّدُ مَا فِي أَمَانَتِهِمْ مِمَّا يُخَافُ بِتَرْكِ تَفَقُّدِهِ حُصُولُ الْعَنَتِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ صِيَانَةِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ تَفْرِيطًا ضَمِنَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى بَيْعِ غَنَمٍ وَإِرْسَالِ ثَمَنِهَا لِمُوَكِّلِهِ فَبَاعَهَا وَقَبَضَ ثَمَنَهَا، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إرْسَالُهُ لِمُوَكِّلِهِ ثُمَّ أُخِذَ لِلُّومَانِ فَأَوْدَعَ الثَّمَنَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ وَأَعْلَمَهَا بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَسَافَرَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ إلَى الْمَغْرِبِ وَمَاتَتْ بِهِ وَضَاعَ الثَّمَنُ فَهَلْ لَا يَضْمَنُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَضْمَنُهُ حَيْثُ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مَأْمُونَةً وَاعْتَادَ وَضْعَ الْمَالِ عِنْدَهَا وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي دَفْعِهِ لَهَا بِيَمِينٍ إنْ اُتُّهِمَ وَقِيلَ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الشُّفْعَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الشُّفْعَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَاعَ مَنْزِلًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْأَخِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَخَذْتُ مَا بَاعَهُ عَمِّي بِالشُّفْعَةِ وَلَا أَبِيعُ نَصِيبِي وَدَفَعَ بَعْضَ دَرَاهِمَ لِعَمِّهِ فَأَخَذَ شَيْخُ الْبَلَدِ الدَّرَاهِمَ مِنْ عَمِّهِ وَرَدَّهَا إلَى ابْنِ الْأَخِ وَطَرَدَهُ مِنْ الْمَنْزِلِ وَأَسْكَنَ فِيهِ الْمُشْتَرِيَ قَهْرًا عَلَى ابْنِ الْأَخِ فَهَلْ نَصِيبُ ابْنِ الْأَخِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَأَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ صَحِيحٌ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ حِصَّةُ ابْنِ الْأَخِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ لِرَدِّهِ بَيْعَ عَمِّهِ إيَّاهَا، وَأَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ صَحِيحٌ لَازِمٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قَالَ أَخَذْتُ لَزِمَتْ فَحِصَّةُ عَمِّهِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ أَيْضًا فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي جَبْرًا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [غَائِب مُشَارِك لِمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ بَاعَتْ نَصِيبَهَا لِغَيْرِهِ فَهَلْ إذَا حَضَرَ وَأَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَقْضِي لَهُ بِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي غَائِبٍ مُشَارِكٍ لِمَرْأَةٍ فِي بَيْتٍ بَاعَتْ نَصِيبَهَا لِغَيْرِهِ فَهَلْ إذَا حَضَرَ وَأَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَقْضِي لَهُ بِهَا فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ حُضُورُهُ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ قَضَى لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِسُكُوتِهِ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ لَا أَقَلَّ وَلَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ إنْ حَضَرَ أَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ غَابَ غَيْرُهُ عَالِمٌ فَلَهُ حَيْثُ حَضَرَ حُكْمُ الْحَاضِرِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ غَابَ أَحَدُهُمْ غَيْبَةً بَعِيدَةً مِنْ طَرَابُلُسَ الْمَغْرِبِ

مسائل القسمة

إلَى مِصْرَ وَبَلَغَهُ بَيْعُ أَخَوَيْهِ ذَلِكَ الْعَقَارَ فِي غَيْبَتِهِ إمَّا جَمِيعُهُ أَوْ نَصِيبُهُمَا مِنْهُ فَقَطْ فَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِمَا إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمَا وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ أَنْ يَلْزَمَهُ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ فِي غَيْبَتِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَهُ تَأْخِيرُ أَخْذِ نَصِيبِهِمَا بِالشُّفْعَةِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا وَلَوْ زَادَتْ مُدَّةُ غَيْبَتِهِ عَلَى سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَوْكِيلُ مَنْ يَأْخُذُهُ لَهُ بِهَا فِي غَيْبَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَيْهِمَا قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ مِنْ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا ابْنُ سَلْمُونٍ وَالْغَائِبُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ فَإِذَا قَدِمَ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَاضِرِ مِنْ يَوْمِ قُدُومِهِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَمَنْ غَابَ غَيْرَ عَالِمٍ فَلَهُ حَيْثُ حَضَرَ حُكْمُ الْحَاضِرِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْقِسْمَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْقِسْمَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي مَالٍ مُدَّةً مِنْ السِّنِينَ وَصَارَا يُقَلِّبَانِ فِيهِ ثُمَّ اقْتَسَمَاهُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ ثُمَّ اطَّلَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَيْبٍ فِيمَا خَصَّهُ، وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ قَبْلَهَا وَهُوَ خَفِيٌّ ثَبَتَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي أَكْثَرِ نَصِيبِهِ خُيِّرَ بَيْنَ التَّمَاسُكِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَرَدَّ الْقِسْمَةَ فَإِنْ كَانَ النَّصِيبَانِ قَائِمَيْنِ رَجَعَا مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا، وَإِنْ فَاتَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ بِنَحْوِ صَدَقَةٍ أَوْ تَحْبِيسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ هَدْمٍ رَدَّ آخِذُهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ وَالْقَائِمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ فَاتَا تَقَاصَّا، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي رُبْعِ نَصِيبِهِ فَأَقَلَّ اشْتَرَكَا فِي الْمَعِيبِ بِحَسَبِ مَا لِكُلٍّ وَرَجَعَ وَاجِدُ الْعَيْبِ بِعِوَضِ الْجُزْءِ الَّذِي رَجَعَ مِنْ الْمَعِيبِ لِصَاحِبِ الصَّحِيحِ مِنْ قِيمَةِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ فِيمَا بَيْنَ الرُّبْعِ وَالْأَكْثَرِ كَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ تَمَاسَكَ بِهِ مَجَّانًا أَوْ رَدَّ نِصْفَ الْمَعِيبِ إنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِالنِّصْفِ وَأَخَذَ مِثْلَهُ مِنْ ذَاتِ الصَّحِيحِ هَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا خِلَافَ مَا فِي الْأَصْلِ أَفَادَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قِسْمَةُ الْوَرَثَةِ التَّرِكَةَ ثُمَّ تَنَازُعُهُمْ فِيهَا وَصُلْحُهُمْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَشَقِيقَةٍ فَوَكَّلَتْ الشَّقِيقَةُ وَلَدَهَا وَاقْتَسَمُوا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَنَازَعَتْ الْبِنْتُ وَالْوَلَدُ فِيمَا قَسَمُوهُ ثُمَّ صَالَحَتْ الْبِنْتُ الْوَلَدَ بِبَعْضِ عَقَارٍ بِشَرْطِ إنْ رَجَعَا لِلنِّزَاعِ يَرُدُّ لَهَا ثُمَّ قَدِمَ وَلَدُ ابْنِ الشَّقِيقَةِ مُدَّعِيًا أَنَّهَا أَوْصَتْ لَهُ بِوَصِيَّةٍ مُرِيدًا نَقْضَ الْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ فَهَلْ يَرْجِعُ لِلْبِنْتِ مَا صَالَحَتْ بِهِ أَوْ لَا وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْقَادِمِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الْبِنْتِ وَابْنِ الشَّقِيقَةِ لَازِمٌ لَهُمَا وَلِوَرَثَتِهِمَا وَقَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ بَيْنَهُمَا فِيمَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ نَقْضُهُ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِ الشَّقِيقَةِ إثْبَاتُ أَنَّهَا أَوْصَتْ لَهُ فَإِنْ أَثْبَتَهَا فَإِنْ كَانَتْ بِعَدَدٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ فَلَهُ نَقْضُ الْقِسْمَةِ مَا لَمْ تَدْفَعْ لَهُ الْبِنْتُ وَابْنُ الشَّقِيقَةِ

شريكين اقتسما عقارا وغيره وظهر فيها جور فنقضاها وأرادا القسمة ثانيا

ذَلِكَ الْعَدَدَ، وَإِنْ كَانَتْ بِجُزْءٍ فَلَهُ نَقْضُهَا فِي الْمُقَوَّمِ وَإِتْبَاعُ كُلٍّ بِمَا زَادَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِمَّا بِيَدِهِ فِي الْمِثْلِيِّ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى قِسْمَةُ الْوَرَثَةِ التَّرِكَةَ ثُمَّ تَنَازُعُهُمْ فِيهَا وَصُلْحُهُمْ وَهَذِهِ تَمَّ فِيهَا الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بِهِ وَالثَّانِيَةُ دَعْوَى الْوَصِيَّةِ وَهَذِهِ إنْ ثَبَتَتْ تَوَجَّهَتْ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لَا عَلَى خُصُوصِ الْبِنْتِ وَجَرَتْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِذَا قَسَّمَ الْوَرَثَةُ ثُمَّ طَرَأَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ ثَابِتٌ أَوْ وَصِيَّةٌ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ أَوْ الْوَصِيَّةَ فَلَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ اهـ الْخَرَشِيُّ الْمُعْتَمَدُ فِي صُوَرِ طُرُوِّ غَرِيمٍ أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَارِثٍ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ نَقْضَ الْقِسْمَةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْسُومُ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا عَلِمُوا بِهِ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ، وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمُ وَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ أَتْبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ الْخَرَشِيُّ إنْ كَانَ الْمَقْسُومُ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالْعَدَدِ عَلَى وَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ غَرِيمٌ عَلَى مُوصًى لَهُ بِالْعَدَدِ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ، وَإِنْ مِثْلِيًّا ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ نُقِضَتْ فِي الْمُقَوَّمِ وَأَتْبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ فِي الْمِثْلِيِّ اهـ. [شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَا عَقَارًا وَغَيْرَهُ وَظَهَرَ فِيهَا جَوْرٌ فَنَقَضَاهَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ ثَانِيًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَا عَقَارًا وَغَيْرَهُ وَظَهَرَ فِيهَا جَوْرٌ فَنَقَضَاهَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ ثَانِيًا ثُمَّ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَقْضِهَا وَأَرَادَ الْآخَرُ تَجْدِيدَهَا فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ إذْ الْقِسْمَةُ الْوَاقِعَةُ ابْتِدَاءً إنْ كَانَتْ قُرْعَةً فَحُكْمُهَا النَّقْضُ بِظُهُورِ الْجَوْرِ أَوْ الْغَلَطِ، وَإِنْ كَانَتْ مُرَاضَاةً فَقَدْ اصْطَلَحَا عَلَى نَقْضِهَا وَعَوْدِهِمَا لِلشَّرِكَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ بَالِغَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ بَالِغٌ وَهُمْ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ جَدَّدُوا أَمْوَالًا بِسَعْيِهِمْ مَعًا مِنْ مَوَاشٍ وَأَطْيَانٍ وَاقْتَسَمُوهَا مُثَالَثَةً بِتَرَاضٍ عَلَى يَدِ قَاضٍ وَأَخَذَ كُلٌّ نَصِيبَهُ وَكُتِبَتْ بَيْنَهُمْ وَثِيقَةٌ بِذَلِكَ وَأَرَادَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ نَقْضَ الْقِسْمَةِ الْآنَ فَهَلْ لَا يُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ لَا سِيَّمَا، وَلَمْ يَظْهَرْ فِي قِسْمَةٍ حَيْفٌ وَلَا غَبْنٌ، وَإِنْ اُتُّهِمَ مَنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا مِنْ الْأَخَوَيْنِ بِإِخْفَاءِ نَقْدٍ فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي عَدَمِهِ بِيَمِينِهِ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجْبَرُ الْأَخُ وَابْنُهُ عَلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَرُجُوعِهِمَا لِلِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْبَيْعِ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِي عَلَيْهِ وَهِيَ أَيْ الْقِسْمَةُ بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ: الْمُهَايَأَةُ وَالْمُرَاضَاةُ وَالْقُرْعَةُ لَازِمَةٌ إذَا وَقَعَتْ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا نَقْضُهَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَبَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ وَلِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ مَعْلُومٍ لِمَجْهُولٍ اهـ وَأَصْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَالْمُتَّهَمُ بِإِخْفَاءِ نَقْدٍ مِنْ الْمُشْتَرَكِ يُصَدَّقُ فِي عَدَمِهِ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ. ابْنُ سَلْمُونٍ إذَا كَانَ مَالٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهُ قِسْمَةَ مُتْعَةٍ وَادَّعَى الثَّانِي أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهُ قِسْمَةً بَتْلٍ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ قَوْمٌ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتْلِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَقْسِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَبِذَلِكَ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ لُبَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَائِلِينَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا بَتَّهُ وَالْآخَرُ الْخِيَارُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي بَتِّهِ وَلَا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ

وَفِي مَسَائِلَ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا اخْتَلَفَ الشَّرِيكَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَاسَمَ شَرِيكَهُ قِسْمَةَ مُتْعَةٍ وَالْآخَرُ قِسْمَةَ بَتٍّ فَيُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتُ مِنْك بَيْعَ بَتٍّ وَالْآخَرُ بَيْعُ خِيَارٍ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتِّ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَتَّابٍ فِي طُرَرِهِ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ شَرِيكَيْنِ فِي أَرْضٍ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةَ بَتْلَةٍ وَالْآخَرُ قِسْمَةَ مُتْعَةٍ وَاعْتِمَارٍ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتْلِ وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْمُشَاوِرُ إذَا قَسَّمَ الشُّرَكَاءُ أَمْلَاكَهُمْ وَبَقِيَتْ زَمَانًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قُسِّمَتْ قِسْمَةَ إرْفَاقٍ لَا قِسْمَةَ إمْضَاءٍ وَأَرَادَ نَقْضَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِإِقْرَارِهِمْ بِالْقَسْمِ وَادِّعَائِهِمْ مَا يَنْقُضُهُ فَلَا يُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي قِسْمَةِ الْبَتْلِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا غَبْنٌ وَكَانَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ نَصِيبِهِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ كَالْمُتَبَايِعِينَ يُقِرَّانِ بِالْبَيْعِ وَيَدَّعِي أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ وَادِّعَائِهِ مَا يُوجِبُ نَقْضَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِذَلِكَ وَعَلَى الْآخَرِ الْيَمِينُ وَيُتِمُّ الْبَيْعَ قَالَ وَإِذَا لَمْ يُقِرُّوا بِالْقَسْمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا اقْتَطَعَ كُلٌّ مِنَّا أَرْضًا يَعْمُرُهَا مِنْ غَيْرِ قَسْمٍ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الْقَسْمَ فَعَلَى مُدَّعِي الْقَسْمِ الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْآخَرِ الْيَمِينُ وَيَقْتَسِمُونَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضِ زِرَاعَةٍ لِرَجُلٍ خُمُسُهَا وَلِآخَرَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا فَأَرَادَ الثَّانِي قِسْمَتَهَا وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِخَوْفِ مَنْعِ الْمَاءِ عَمَّا يَخْرُجُ لَهُ وَتَعَطُّلُهُ عَنْ الزِّرَاعَةِ فَهَلْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَبْرِهِ وَهُوَ انْتِفَاعُهُ بِمَا يَخْرُجُ كَانْتِفَاعِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ الْخَرَشِيِّ بِمَا يَنُوبُهُ بِالْقِسْمَةِ انْتِفَاعًا تَامًّا كَالِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَاعَ نِصْفَ دَارِهِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَصَارَ الْبَابُ فِي نِصْفِ الْمُشْتَرِي وَاسْتَمَرَّ الْبَائِعُ يَمُرُّ مِنْهُ إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي مَنْعَ وَرَثَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُرُورِ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُمْ فَتْحُ بَابٍ مِنْ نِصْفِهِمْ لِإِحَاطَةِ عَقَارَاتِ غَيْرِهِمْ بِهِ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَمْكِينِهِمْ مِنْ الْمُرُورِ مِنْ الْبَابِ الَّذِي صَارَ فِي قَسْمِهِ أَوْ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَيُقْسَمُ الْبَابُ مَعَ بَاقِي الدَّارِ قِسْمَةً ثَانِيَةً أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ كَانُوا سَكَتُوا فِي الْقِسْمَةِ عَنْ الْبَابِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَمْكِينِ وَرَثَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُرُورِ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَحَّتْ إنْ سَكَتَ عَنْهُ وَلِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ. وَإِنْ كَانُوا قَسَمُوا عَلَى أَنَّ الْبَابَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ وَقَعَ الْبَابُ فِي قَسْمِهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ فَيَجِبُ فَسْخُهَا وَإِعَادَتُهَا بِحَيْثُ يَصِيرُ لِكُلِّ نَصِيبٍ مِنْ الْبَابِ يَمُرُّ مِنْهُ لِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَاطِفًا عَلَى مَا قِسْمَتُهُ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ أَوْ قَسَمُوا بِلَا مَخْرَجٍ مُطْلَقًا الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْقَوْمَ إذَا قَسَمُوا دَارًا أَوْ سَاحَةً أَوْ سُفْلًا وَعُلُوًّا بَيْنَهُمْ بِشَرْطِ أَنْ لَا مَخْرَجَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَسْمُهُمْ هَذَا سَوَاءٌ كَانَ بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَسْمِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْحِصَّةِ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَخْرَجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِيهِ مَخْرَجًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَسَلَّفَ مِنْ آخَرَ قَدْرًا مَعْلُومًا وَشَارَكَهُ بِمَالٍ وَبَعْدَ مُدَّةٍ أَرْسَلَ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا مِنْ طَرَفِهِ وَقَاسَمَ شَرِيكَهُ وَكَتَبَ حُجَّةً عَلَى نَفْسِهِ بِقَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخَطِّهِ وَخَتْمِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ

أراد إحداث باب لداره بطريق غير نافذ وليس مقابلا لباب أحد من أهله فهل يمكن من ذلك

بَعْدَ قَبْضِ مَالِهِ وَمُدَّةِ إحْدَى عَشَرَ سَنَةً ادَّعَى فَقَالَ إنَّ وَكِيلِي اشْتَرَطَ عِنْدَ الْمُقَاطَعَةِ خَلَاصَ ذِمَّةِ الشَّرِيكِ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّصْهَا فِيهِ تَرْجِعُ الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَمْ لَا وَيَكُونُ وَعْدًا وَإِذَا عَمِلَ بِهِ فَهَلْ يَطْلُبُ رِبْحَ الْمَالِ مِنْ الشَّرِيكِ الَّذِي قَبَضَهُ وَأَيْضًا حَبَسَ الْقَابِضَ رَحْلَ خُرَزٍ فِي نَظِيرِ دَعْوَاهُ فَهَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ رِبْحَهُ لِكَوْنِهِ عَطَّلَهُ عَنْ التِّجَارَةِ أَرْبَعَ سَنَوَاتٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، هَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ اجْتِمَاعُ الْقَرْضِ وَالشَّرِكَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ الثَّانِي الْقَرْضُ الْجَارِّ مَنْفَعَةً الثَّالِثُ كَوْنُ الْعَمَلِ لَيْسَ عَلَى حَسَبِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فَسْخَهَا وَرَدَّ جَمِيعِ الْمَالِ لِدَافِعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَمَّا وَقَعَ الْعَمَلُ فَالْحُكْمُ أَنَّ الرِّبْحَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ فَلِكُلِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَيَأْخُذُ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ نِصْفَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِيهِ بِحَسَبِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَانِ وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَا الرِّبْحِ وَعَلَيْهِ ثُلُثَا أُجْرَةِ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَعَلَيْهِ ثُلُثُ أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِكَيْفِيَّةٍ أُخْرَى وَشَرْطُ الْوَكِيلِ عَلَى الْعَامِلِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْقَرْضَ الْبَاقِيَ عِنْدَهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ تَعُودُ الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا شَرْطٌ بَاطِلٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ إذْ هُوَ شَرْطٌ لِلرِّبَا وَالزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ وَرَحْلُ الْخَرَزِ الَّذِي حَبَسَهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْعَامِلِ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَدُّهُ عَلَى الْعَامِلِ بِعَيْنِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي عَطَّلَهُ بِحَبْسِهِ عِنْدَهُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ عَمَّرَ بَيْتًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَائِبٍ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَهُوَ لَا يَنْقَسِمُ فَهَلْ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يُحَاسِبُهُ عَلَى مَا يَخُصُّهُ مِمَّا صَرَفَهُ فِي تَعْمِيرِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ مُحَاسَبَتُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِمَّا أَنْفَقَهُ فِي تَعْمِيرِهِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إلَخْ بَقِيَ مَا لَوْ عَمَّرَ أَحَدُهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ حَاضِرِينَ كَانُوا أَوْ غَائِبِينَ أَوْ بِعِلْمِهِمْ سَاكِتِينَ مِنْ الشُّرُوعِ فِي التَّعْمِيرِ إلَى تَمَامِهِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ ذِمَّتَهُمْ وَهَذِهِ كُلُّهَا شَمِلَهَا مَفْهُومُ أَبِيًّا اهـ. وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ الصُّورَةُ الْأُولَى أَنْ يُعَمِّرَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ عِلْمِ صَاحِبَيْهِ، وَلَمْ يَطَّلِعَا عَلَى الْعِمَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا قُمْنَا بِهِمَا فِي الْعِمَارَةِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَنَابُهُمَا مِمَّا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ أَوْ مِنْ قِيمَةِ مَا عَمَّرَ بِهِ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ رَحًى أَيْ مِثْلًا أَيْ أَوْ دَارًا أَوْ حَمَّامًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ. . [أَرَادَ إحْدَاثَ بَابٍ لِدَارِهِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لِبَابِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَرَادَ إحْدَاثَ بَابٍ لِدَارِهِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لِبَابِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُمَكَّنُ مِنْهُ جَبْرًا عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِيمَا لَيْسَ لِلْجَارِ الْمَنْعُ مِنْهُ وَبَابُ نَكَبٍ أَوْ بِنَافِذَةٍ ابْنِ سَلْمُونٍ يَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ الْبَابَ أَوْ تَحْوِيلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ

مسائل القراض

يَأْذَنَ جَمِيعُ أَهْلِ الزُّقَاقِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرِبٍ وَأَقَامَهُ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي دَارَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي جَوْفِ الْأُخْرَى وَلِأَهْلِ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ الْمَمَرُّ فِي الدَّارِ الْخَارِجَةِ فَقَسَّمَ أَهْلُ الدَّارِ الْخَارِجَةِ دَارَهُمْ وَأَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لِدَارِهِ بَابًا فِي الدَّارِ الْخَارِجَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْمَمَرُّ الَّذِي كَانُوا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ. وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُقَابِلْ بَابَ جَارِهِ وَمَا لَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْطَعُ عَنْهُ مُرْفَقًا كَانَ يُرْتَفَقُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ وَهْبٍ. وَالثَّالِثُ لَهُ تَحْوِيلُ بَابِهِ عَنْ صِفَتِهِ إذَا سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ وَلَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ بِحَالٍ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ الْبَاجِيِّ فِي النَّوَادِرِ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَتْ نَافِذَةً لِعُمُومِ النَّاسِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فَتْحُ بَابٍ فِيهَا إلَّا بِرِضَا جَمِيعِ أَهْلِ الدَّرْبِ فَهِيَ كَالْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَبِهَذَا الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الزَّنْقَةِ بَابٌ وَلَهُ فِيهَا حَائِطٌ مُصِمَّةٌ فَقِيلَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ بَابًا حِذَاءَ حَائِطِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الزُّقَاقُ غَيْرُ النَّافِذِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ بَابًا أَوْ سَقِيفَةً وَلَا رَوْشَنًا إلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهِ فَإِنْ أَذِنَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ أَذِنُوا فِي آخِرِ الزُّقَاقِ وَمَمَرُّهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُحْدَثِ فِيهِ فَإِذْنُهُمْ مَاضٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي جَارَيْنِ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ نَافِذٌ فَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا بَابًا أَوْ حَانُوتًا مُقَابِلَ بَابِ جَارِهِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ أَوْ يَخْرُجُ إلَّا وَيَنْظُرُهُ الْجَالِسُ فِي الْحَانُوتِ فَتَضَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الدَّارِ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَاتُهُ فَطَلَبَ سَدَّ ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ أُمِرَ أَنْ يُنَكِّبَ ذَلِكَ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ إلَيْهِ سَبِيلًا تُرِكَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَلْقِهِ وَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ بَابٍ أَوْ حَانُوتٍ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ الْجَارِ فِي الزُّقَاقِ النَّافِذِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْكُبَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَالْوَاسِعَةُ مَا كَانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. ابْنُ الْحَاجِّ إنْ كَانَتْ زَنْقَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ وَفِيهَا دَارٌ نَقْضُهَا لِشَخْصٍ وَقَاعَتُهَا لِآخَرَ وَأَرَادَ غَيْرُهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا سِرْبًا فَلِكُلٍّ مِنْ صَاحِبِ النَّقْضِ وَالْقَاعَةِ مَنْعُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَعِيبُ الْمَوْضِعَ وَقَالَ فِي رَجُلٍ لَهُ بَابٌ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَطَمَسَهُ ثُمَّ وَهَبَ الدَّارَ لِابْنَتِهِ فَأَرَادَتْ فَتْحَ الْبَابِ فَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ مَحَلَّ الْوَاهِبِ اهـ. [مَسَائِلُ الْقِرَاضِ] [رَجُل أَعْطَى آخَرَ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِرْشًا عَلَى سَبِيلِ الْقِرَاضِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَنْفَقَ الْعَامِلُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْقِرَاضِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَعْطَى آخَرَ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِرْشًا عَلَى سَبِيلِ الْقِرَاضِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَنْفَقَ الْعَامِلُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ فَهَلْ لَا تَلْزَمُ هَذِهِ النَّفَقَةُ رَبَّ الْمَالِ لِقِلَّتِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تَلْزَمُ هَذِهِ النَّفَقَةُ رَبَّ الْمَالِ لِقِلَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِنَا هَذَا وَهُوَ عَامُ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ صَرْفُ أَرْبَعَةِ بَنَادِقَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ بُنْدُقِيٍّ وَهُوَ الدِّينَارُ الشَّرْعِيُّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ وَقَدْ شَرَطُوا فِي إنْفَاقِ الْعَامِلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَثْرَتَهُ وَاحْتِمَالَهُ لَهُ

ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا السَّبْعُونَ يَسِيرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْخَمْسِينَ وَجُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِحَمْلِ الْأُولَى مِنْهُمَا عَلَى السَّفَرِ الْبَعِيدِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى الْقَرِيبِ قَالَ الْعَدَوِيُّ وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَرْجِعُ الرِّوَايَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ لِلْأُولَى وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِينَ وَالْخَمْسِينَ الدَّنَانِيرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي فِي النَّازِلَةِ قَلِيلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْفَاقَ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَلِيلِ اهـ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ وَمِنْ شُرُوطِ النَّفَقَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ يَحْتَمِلُهَا بِأَنْ كَانَ لَهُ بَالٌ فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ الْيَسِيرِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ قِرَاضًا وَعَمِلَ فِيهَا وَرَبِحَ وَأَخَذَ كُلَّ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهَا فَخَسِرَتْ فَهَلْ لَا يُجْبَرُ الْخُسْرُ إلَّا بِرِبْحٍ جَدِيدٍ وَلَا نَظَرَ لِمَا قُسِمَ مِنْ الرِّبْحِ السَّابِقِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَخَذَ مِائَةً قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهَا مِائَةً ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُمَا مِائَةً ثُمَّ اتَّجَرَ فِي الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَرَبِحَ مَالًا فَالْمِائَةُ فِي ضَمَانِهِ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ وَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَلَوْ ضَاعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمِائَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ ضَمِنَهَا لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا تُقَدَّرُ رِبْحًا؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ إلَّا بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ جَبْرُ الْخُسْرِ وَالتَّلَفِ بِالرِّبْحِ إلَّا بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّهِ ثُمَّ أَخْذِهِ وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ بِدُونِ رَدٍّ لَا عِبْرَةَ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْخُسْرِ حَتَّى يَتِمَّ رَأْسُ الْمَالِ وَنَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَ الْعَامِلُ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ وَلَا يُفْسِدُ بِهِ الْقِرَاضَ. قُلْتُ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ جَوَازَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُفَاصَلَةِ وَإِذَا كَانَ عِنْدَهَا وَوَقَعَتْ وَضَيْعَةً رَدَّ مَا أَخَذَ حَتَّى يَتِمَّ رَأْسُ الْمَالِ قَالَ وَيُلْغِي النَّفَقَةَ لِلْعَامِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَهِلَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ عَلِمَهُ اهـ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ عَامِلِ قِرَاضٍ بَاعَ عُرُوضَ التِّجَارَةِ وَأَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَصَرَفَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَوَضَعَهُ فِي جَيْبِهِ فَعَزَمَهُ شَخْصٌ فَذَهَبَ مَعَهُ مُتَوَجِّهًا إلَى بَيْتِهِ فَقُطِعَ جَيْبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي ضَيَاعِهَا؟ وَإِذَا اشْتَرَى عُرُوضًا بِبَاقِي رَأْسِ الْمَالِ وَاشْتَرَى قَبْلَ بَيْعِهَا جَانِبًا مِنْ قَمْحٍ وَتَسَلَّفَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ رَبِّ الْمَالِ وَبَاعَ الْعُرُوضَ وَحَاسَبَ رَبَّ الْمَالِ وَأَبْقَى بِيَدِهِ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ الْقَمْحَ لَهُ خَاصَّةً وَأَنَّهُ وَكَّلَ الْعَامِلَ عَلَى شِرَائِهِ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ وَإِذَا أَمَرَهُ رَبُّ الْمَالِ بِشِرَاءِ أَمْتِعَةٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ ثَمَنَهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْعَامِلُ وَإِذَا كَتَبَ عَلَيْهِ تَمَسُّكًا بِغَيْرِ اعْتِرَافِهِ وَرِضَاهُ بِجَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ فَهَلْ هُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْآدَمِيُّ حِرْزٌ لِمَا مَعَهُ فَحَيْثُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا يُعَدَّ ذَهَابُهُ لِلْعُزُومَةِ بِالدَّرَاهِمِ تَفْرِيطًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ إنْ اُتُّهِمَ وَمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْقَمْحِ وَتَسَلَّفَ ثَمَنَهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلَا يُصَدَّقُ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى شِرَائِهِ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ الْأَمْتِعَةُ بِحَسَبِ ثَمَنِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ إنَّهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ إلَّا بِإِثْبَاتٍ وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْمَالِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّمَسُّكِ الْمَكْتُوبِ

رجل أخذ من آخر دراهم قراضا واتجر فيها فخسرت

مِنْ غَيْرِ اعْتِرَافِ الْعَامِلِ وَلَا رِضَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ دَفَعَ لِآخَرَ مِثْلِيًّا لِيَبِيعَهُ لَهُ وَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ الثُّلُثُ وَاسْتَوْفَى الْمَدْفُوعُ لَهُ الْمِثْلِيَّ بِكَيْلِهِ وَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ قَبْضَ ذَلِكَ الثَّمَنِ مُنَاجَزَةً ثُمَّ غَابَ الْمُبْتَاعُ، وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ الْبَائِعُ مَوْضِعًا وَبَعْدَ مُدَّةٍ قَدِمَ مُعْسِرًا وَأَرَادَ رَبُّ الْمِثْلِيِّ تَغْرِيمَ صَاحِبِهِ الْبَائِعِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُمَكَّنُ رَبُّ الْمِثْلِيِّ مِنْ تَغْرِيمِ الْبَائِعِ حَيْثُ كَانَ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ بِإِذْنِهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يَبِيعُ أَيْ عَامِلُ الْقِرَاضِ مِنْ سِلْعَةٍ بِدَيْنٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ وَيَنُصَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ وَاَلَّذِي فِي السُّؤَالِ فَاسِدٌ لِكَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ عَرْضًا وَالشَّرْطُ كَوْنُهُ نَقْدًا مَضْرُوبًا إلَّا أَنَّ السُّؤَالَ إنَّمَا هُوَ عَنْ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ قِرَاضًا وَاتَّجَرَ فِيهَا فَخَسِرَتْ] (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ قِرَاضًا وَاتَّجَرَ فِيهَا فَخَسِرَتْ فَتَنَازَعَا لَدَى فَقِيهٍ مَالِكِيٍّ فَأَفْتَى بِأَنَّ الْخَسَارَةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَ لِلْعَامِلِ دَرَاهِمَ يَتَّجِرُ فِيهَا لِيَجْبُرَ رَبُّهَا الْخَسَارَةَ فَأَبَى فَكَتَبَ بَيْنَهُمَا وَثِيقَةً بِبَرَاءَةِ الْعَامِلِ مِنْ الْخَسَارَةِ ثُمَّ ذَهَبَ رَبُّ الْمَالِ لِفَقِيهٍ آخَرَ وَشَيْخِ الْبَلَدِ وَتَوَجَّهَا مَعَهُ إلَى الْفَقِيهِ الْأَوَّلِ وَأَحْضَرُوا الْعَامِلَ وَجَعَلُوا عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ الْخَسَارَةِ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ وَكَتَبُوا بِهِ وَثِيقَةً لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ فَمَاطَلَهُ سَنَتَيْنِ وَكُلَّمَا يَسْأَلُهُ يَقُولُ لَهُ أَعْطِنِي مَالًا أَتَّجِرْ فِيهِ حَتَّى أَجْبُرَ لَك الْخُسْرَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ شَيْءٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَثِيقَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ الْتَزَمَ الْعَامِلُ جُزْءًا مِنْ الْخُسْرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى قَدْرًا مِنْ الْغِلَالِ لِآخَرَ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى مِصْرَ وَيَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ سِلَعًا لِيَتَّجِرَ فِيهَا وَالرِّبْحُ بَعْدَ ثَمَنِ الْغِلَالِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فَبَاعَ الْغِلَالَ بِمِصْرَ وَدَفَعَ ثَمَنَهَا لِزَوْجَتِهِ لِتَحْفَظَهُ وَعَادَتُهَا ذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ مِنْهَا جَانِبٌ مِنْهُ وَاشْتَرَى بِالْبَاقِي سِلَعًا فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَيُجْبَرُ رَبُّ الْغِلَالِ عَلَى إبْقَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ تَحْتَ يَدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَتَّى يَجْبُرَ مَا ضَاعَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الْعَقْدُ قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَلِلْعَامِلِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي بَيْعِ الْغِلَالِ وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قِرَاضُ مِثْلِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْمَالُ الَّذِي ضَاعَ ضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا زَوْجَتَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ أَمِينٌ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ وَمَتَى صَارَ الْمَالُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ طَلَبَ الْمُفَاصَلَةَ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى إبْقَائِهِ وَلَا الْعَامِلُ عَلَى جَبْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا زِبْلَ حَمَامٍ وَزَرَعَ بِهِ بِطِّيخًا وَعَالَجَهُ بِيَدِهِ وَجَعَلَ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَ مَعَهُ فِي الرِّبْحِ فَلَمَّا أَثْمَرَ الْبِطِّيخُ طَلَبَ رَبُّ الْمَالِ الْمُقَاسَمَةَ فَمَنَعَهُ الْعَامِلُ وَقَالَ الزَّرْعُ زَرْعِي وَلَيْسَ لَك عِنْدِي إلَّا دَرَاهِمُك فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ بَيْنَهُمَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَدْفَعَ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ

رجل أخذ من آخر مالا ليعمل فيه قراضا بجزء معلوم من ربحه فاشترى به غلاما

عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّرَاهِمِ إلَّا دَرَاهِمُهُ وَالرِّبْحُ جَمِيعُهُ لِلْمُتَسَلِّفِ وَلَا عِبْرَةَ بِجَعْلِهِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ وَذَلِكَ رِبًا يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْطِي وَالْآخِذِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي السَّلَفِ وَالْقِرَاضِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي السَّلَفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، قَوْلُهُ إنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ. . . إلَخْ مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَزْرَعَ وَيُعَالِجَ بِيَدِهِ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْقِرَاضُ فَاسِدٌ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الدَّرَاهِمِ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَكَانَ يَخِيطُ أَوْ يَزْرَعُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَ يَدِ الْعَامِلِ وَالْقِرَاضُ فَاسِدٌ مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ زَادَهَا رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ وَهُوَ عَمَلُهُ فِي الزَّرْعِ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى أَنْ يُنْفِقَ الْمَالَ فِي الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِيَدِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَهُ وَجَاهَةٌ أَوْ يَكُونَ الزَّرْعُ مِمَّا يَقِلُّ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ الْمُحَشِّي وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ مِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا زِبْلَ حَمَامٍ لِيَزْرَعَ بِهِ بِطِّيخًا وَيَجْعَلَ لِرَبِّ الدَّرَاهِمِ الثُّلُثَ هَلْ تَكُونُ شَرِكَةً فَاسِدَةً وَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّرَاهِمِ إلَّا مَا دَفَعَهُ لَهُ وَالزَّرْعُ لِزَارِعِهِ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خُسْرُهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَهَا فِي الزَّرْعِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فَهَذَا قِرَاضٌ صَحِيحٌ إنْ خَسِرَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ رَبِحَ فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ الدَّرَاهِمَ يَزْرَعُ فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ لِرَبِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل أَخَذَ مِنْ آخَرَ مَالًا لِيَعْمَلَ فِيهِ قِرَاضًا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ فَاشْتَرَى بِهِ غُلَامًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ مَالًا لِيَعْمَلَ فِيهِ قِرَاضًا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ فَاشْتَرَى بِهِ غُلَامًا ثُمَّ طَلَبَ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ مَالًا آخَرَ يَعْمَلُ فِيهِ حُكْمَ الْأَوَّلِ فَأَعْطَاهُ قَدْرًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَحِمَارَةً لِيَبِيعَهَا وَيَضُمُّ ثَمَنَهَا لِلْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَيَجْعَلُ الْجَمِيعَ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ جَانِبًا مِنْ الْحَرِيرِ وَأَعْطَاهُ لِشَخْصٍ آخَرَ لِأَجْلِ أَنْ يُنَفِّذَهُ لَهُ مِنْ الْمَكَّاسِينَ فَضَاعَ ذَلِكَ الْحَرِيرُ مِنْهُ ثُمَّ حَصَلَ تَوَافُقٌ مِنْ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّهُ يَلْتَزِمُ لَهُ مَا قَدْ ضَاعَ فَالْتَزَمَهُ لَهُ وَحَسَبَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْمَالِ الْأَوَّلِ بَعْدَ نَضُوضِهِ وَجَعَلَ الْجَمِيعَ رَأْسَ مَالٍ لِلْقِرَاضِ، وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلْ فِيهِ الْعَامِلُ وَيَرْبَحُ وَيَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ مَا يَخُصُّهُ فِي رِبْحِ الْجَمِيعِ فَهَلْ إذَا أَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا الْتَزَمَهُ وَأَنْ يَرْجِعَ فِيمَا يَخُصُّ ذَلِكَ مِنْ الرِّبْحِ يُجَابُ لِذَلِكَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ لِتَعَدِّيهِ عَلَى الْمَالِ وَتَعْرِيضِهِ لِلضَّيَاعِ بِدَفْعِهِ لِمَنْ يُنَفِّذُهُ مِنْ الْمَكَّاسِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ تَعْزِيرٌ بِالْمَالِ إذْ الْغَالِبُ اطِّلَاعُهُمْ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُمْ جَمِيعَهُ أَوْ قَدْرَ مَكْسِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَلَا يُجَابُ الْعَامِلُ لِلرُّجُوعِ فِيمَا الْتَزَمَهُ وَلَا فِيمَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا أَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَتْبَعَ أَيًّا كَانَ وَرَأْسُ الْمَالِ مَا بَقِيَ وَلَا تُجْبَرُ الْجِنَايَةِ بِالرِّبْحِ أَصْلًا عَلَى الصَّوَابِ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي حُكْمِ

دفع لابنه وأجنبي دراهم ليعملا فيها قراضا بجزء الربح

دَفْعِ الْمَالِ الثَّانِي مَعَ الْحِمَارَةِ لِلْعَامِلِ ابْتِدَاءً وَبَعْدَ الْوُقُوعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ كَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ نَقْدًا مَسْكُوكًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ بَيْعَ الْحِمَارَة وَقِرَاضُ مِثْلِهِ فِيمَا يَخُصُّ ثَمَنَهَا مِنْ الرِّبْحِ وَبَقِيَ النَّظَرُ أَيْضًا فِي حُكْمِ ضَمِّ مَا الْتَزَمَهُ الْعَامِلُ لِلْمَالِ الْأَوَّلِ بَعْدَ نَضُوضِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ إنْ نَضَّ الْأَوَّلَ زَائِدًا بِرِبْحٍ أَوْ نَاقِصًا بِخُسْرٍ لِتُهْمَةِ التَّرْغِيبِ بِالْمُلْتَزَمِ فِي الرِّبْحِ أَوْ جَبْرِ الْخُسْرِ وَالْجَوَازُ إنْ نَضَّ مُسَاوِيًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ بِعَرْضٍ كَثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ الْعَامِلُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ الْبَيْعَ ثُمَّ قِرَاضُ الْمِثْلِ ثُمَّ قَالَ وَجَازَ دَفْعُ مَالَيْنِ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ قَبْلَ الشَّغْلِ بِالْأَوَّلِ إنْ شَرَطَ الْخَلْطَ فِي اخْتِلَافِ جُزْئِهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا بَرَّ، وَإِنْفَاقُهُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ كَبَعْدِهِ أَيْ دَفْعِ الثَّانِي بَعْدَ شَغْلِ الْأَوَّلِ جَازَ إنْ انْتَفَى الْخَلْطُ بِالْفِعْلِ وَشَرْطِهِ فَإِنْ نَضَّ الْأَوَّلَ مُسَاوِيًا فَعَلَى مَا سَبَقَ إنْ دَفَعَ ثَانِيًا مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ قِرَاضٍ، وَإِلَّا بِأَنْ نَضَّ أَزْيَدَ أَوْ نَاقِصًا مُنِعَ لِتُهْمَةِ التَّرْغِيبِ بِالثَّانِي فِي الرِّبْحِ أَوْ جَبْرِ الْخُسْرِ اهـ. بِتَصَرُّفٍ. [دَفَعَ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ دَرَاهِمَ لِيَعْمَلَا فِيهَا قِرَاضًا بِجُزْءِ الرِّبْحِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَفَعَ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ دَرَاهِمَ لِيَعْمَلَا فِيهَا قِرَاضًا بِجُزْءِ الرِّبْحِ ثُمَّ بَعْدَ الْعَمَلِ دَفَعَ الْأَجْنَبِيُّ جَمِيعَ الْمَالِ لِلِابْنِ مَا عَدَا حِصَّةَ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الرِّبْحِ ثُمَّ عَارَضَ الِابْنَ لُصُوصٌ أَخَذُوا مِنْهُ الْمَالَ فَهَلْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. فَأَجَابَ أَبُو الْبَرَكَاتِ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ وَكَّلَ ابْنَهُ فِي قَبْضِ الْمَالِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنِ وَلَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ عَلَى قَبْضِهِ فَالْأَجْنَبِيُّ مُفَرِّطٌ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِلِابْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [أَخَذَ دَرَاهِمَ مِنْ آخَرَ لِيَعْمَلَ بِهَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَاشْتَرَى بِهَا سِلَعًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخَذَ دَرَاهِمَ مِنْ آخَرَ لِيَعْمَلَ بِهَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَاشْتَرَى بِهَا سِلَعًا، وَأَرَادَ التَّوَجُّهَ بِهَا إلَى الْمَحْرُوسَةِ وَشَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ لَا تَرْبَحُ فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ وَقَالَ لَهُ مَالِي سَلَفٌ فِي ذِمَّتِك وَلَيْسَ لِي مَعَك فِي الرِّبْحِ شَيْءٌ فَإِنْ رَبِحَ الْمَالُ فَهُوَ لَك، وَإِنْ خَسِرَ فَهُوَ عَلَيْك فَرَضِيَ الْعَامِلُ بِذَلِكَ وَكُتِبَتْ بَيْنَهُمَا وَثِيقَةٌ بِهِ وَالْعَامِلُ يَجْهَلُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَخَسِرَ الْمَالَ فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِتِلْكَ الْوَثِيقَةِ وَيَكُونُ الْخُسْرُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ شَيْءٌ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ أَخُونَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ الصَّعِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَقْدُ الْقِرَاضِ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ فَلِكُلٍّ مِنْ رَبِّ الْقِرَاضِ وَعَامِلِهِ تَرْكُهُ وَالْحِلُّ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنْ حَصَلَ عَمَلٌ بِأَنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ سِلَعًا فِي الْحَضَرِ بِالْمَالِ أَوْ ظَعَنَ فِي السَّفَرِ لَزِمَ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فَإِنْ اتَّفَقَا مَعًا عَلَى الْفَسْخِ جَازَ إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ مَالِي فِي ذِمَّتِك سَلَفٌ وَلَا شَيْءَ لِي فِي السِّلَعِ فَرَضِيَ الْعَامِلُ بِذَلِكَ رِضًا مِنْهُمَا بِالْفَسْخِ وَحِينَئِذٍ فَالسِّلَعُ لِلْعَامِلِ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَعْلَمُ الْحُكْمَ لَكِنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ وَأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ السِّلَعَ إلَّا لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْجَهْلُ بِذَلِكَ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَالْخُسْرُ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَثِيقَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ شَيْءٌ مِنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ جَوَابُ شَيْخِنَا أَبِي يَحْيَى الْمُتَقَدِّمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَفَعَ مَالًا لِرَجُلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ بِنِصْفِ الرِّبْحِ ثُمَّ مُنِعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ شُغْلِ الْمَالِ وَعَمِلَ الْآخَرُ فِي الْجَمِيعِ فَهَلْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا رُبْعَ الرِّبْحِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا جُعِلَ لِكُلٍّ مِنْ الْعَامِلَيْنِ الرُّبْعُ وَمُنِعَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ إلَّا مَا جَعَلَهُ لَهُ وَهُوَ الرُّبْعُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخَذَ مِنْ شَخْصٍ ثَلَاثِينَ رِيَالًا مِنْ ضَرْبِ الْعَدُوِّ لِيَعْمَلَ فِيهَا قِرَاضًا بِنِصْفِ الرِّبْحِ وَأَخَذَ مِنْ آخَرَ عِشْرِينَ رِيَالًا كَذَلِكَ وَمِنْ آخَرَ عَشَرَةَ رِيَالٍ كَذَلِكَ وَذَهَبَ بِالسِّتِّينَ لِصَعِيدِ مِصْرَ وَتَسَوَّقَ مِنْهُ طَعَامًا بِهَا وَبِثَمَانِينَ رِيَالًا لَهُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ مَالِهِ عَنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَجَلَبَ الطَّعَامَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَبَاعَ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ جَارِيَةً فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَوْ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِ الْقِرَاضِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاضِ فَإِنْ رَبِحَتْ أَخَذَ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الرِّبْحِ بِالشَّرِكَةِ وَسُبْعَهُ وَنِصْفَ سُبْعِهِ بِعَمَلِ الْقِرَاضِ وَوَزَّعَ السُّبْعَ وَنِصْفَ السُّبْعِ الْبَاقِي عَلَى الثَّلَاثَةِ أَصْحَابِ رَأْسِ الْمَالِ بِحَسَبِ أَمْوَالِهِمْ فَلِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ نِصْفُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ سُبْعٌ وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ ثُلُثُهُ نِصْفُ سُبْعٍ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ سُدُسُهُ رُبْعُ سُبْعٍ، وَإِنْ خَسِرَتْ فَعَلَى الْعَامِلِ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ الْخُسْرِ بِالشَّرِكَةِ وَالْبَاقِي عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْعَامِلُ فِيهَا قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَاقِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَإِلَّا فَلِنَضُوضِهِ وَبِنَضُوضِهِ تَمَّ الْعَمَلُ إنْ نَضَّ بِبَلَدِ الْقِرَاضِ لَا بِغَيْرِهِ فَلَهُ تَحْرِيكُهُ ثَانِيًا كَبَلَدِ الْقِرَاضِ إنْ جَرَى عُرْفٌ بِتَحْرِيكِهِ مَرَّةً أُخْرَى فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ فَيُتْبَعُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَعُرْفُ الْقَاهِرَةَ تَحْرِيكُ الْمَالِ بَعْدَ النَّضُوضِ مَا دَامَ بِيَدِ الْعَامِلِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ زَادَ وَلَوْ لِلْقِرَاضِ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ شَارَكَ بِقِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ وَيُقَوَّمُ النَّقْدُ بِعَرْضٍ ثُمَّ هُوَ بِنَقْدٍ وَعَدَدٍ غَيْرِهِ فَمَا نَابَهُ اخْتَصَّ بِهِ وَغَيْرُهُ عَلَى حُكْمِ الْقِرَاضِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَفَعَ لِآخَرَ بِضَاعَةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا بِنِصْفِ الرِّبْحِ بِضَمَانِ شَخْصٍ فَبَاعَهَا بِدَيْنٍ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ وَتَلِفَ بَعْضُهَا فَأَرَادَ رَبُّ الْبِضَاعَةِ تَغْرِيمَ الضَّامِنِ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِرَبِّ الْبِضَاعَةِ تَغْرِيمُ الضَّامِنِ الدَّيْنَ الَّذِي تَعَذَّرَ قَبْضُهُ وَقِيمَةُ التَّالِفِ بِتَفْرِيطِ الْعَامِلِ لِتَعَدِّي الْعَامِلِ فِي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ بِلَا إذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَتَفْرِيطِهِ فِيمَا تَلِفَ وَالضَّمَانُ فِيهِمَا صَحِيحٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ لَهُ تَغْرِيمُهُ قِيمَةَ مَا تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطِ الْعَامِلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَمِنَ الْعَامِلُ إنْ بَاعَ بِدَيْنٍ بِغَيْرِ إذْنٍ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا إمَّا حَمِيلٌ إنْ فَرَّطَ فَجَائِزٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخَذَ قِرَاضًا وَاشْتَرَى بِهِ بِضَاعَةً وَسَافَرَ بِهَا لِبَلَدٍ آخَرَ وَاتَّجَرَ فِيهِ بِالْمَالِ نَحْوَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ بِهِ وَالْمَالُ وَرِبْحُهُ بِيَدِهِ فَهَلْ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذُ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ تَرِكَةِ الْعَامِلِ.

أخذ من آخر عرضا يتجر فيه بنصف ربحه وسافر به وباعه واتجر في ثمنه

فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذُ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ رِبْحِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْعَامِلِ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمِنْ قَبْلِهِ كَقِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ حَلَفَ رَبُّهُ وَأَخَذَ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَا إنْ طَالَ كَعَشْرِ سِنِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ قَدْرًا مَعْلُومًا يَتَّجِرُ بِهِ بِنِصْفِ رِبْحِهِ وَاتَّجَرَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى خُسْرَهُ فَتَرَكَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ بَعْضَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ الْمَالَ رَبِحَ فَهَلْ لِرَبِّ الْمَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا تَرَكَهُ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَبِنِصْفِ الرِّبْحِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لِرَبِّ الْمَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا تَرَكَهُ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِقَوْلِهِمْ مَنْ دَفَعَ مَالَهُ لِغَرَضٍ فَلَمْ يَتِمَّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَبِنِصْفِ الرِّبْحِ لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ فِي جَحْدِهِ وَقَدْ قَيَّدُوا تَصْدِيقَهُ فِيهِ بِمُوَافَقَةِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ الْقَرِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ فَالْبَيِّنَةُ أَوْلَى. . (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا مِنْ آخَرَ لِلتِّجَارَةِ بِهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَاشْتَرَى بِهِ مَاشِيَةً وَبَاعَهَا بِرِبْحٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ مَاشِيَةً فَهَلَكَتْ فَهَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا حِصَّةَ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مِنْ حِصَّةِ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي رَبِحَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ هَلَاكُ الْمَاشِيَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي صُوَرِ الضَّمَانِ أَوْ حَرَّكَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ حَرَّكَهُ بَعْدَ نَضُوضِهِ فِي حَيَاتِهِ فَخَسِرَ أَوْ تَلِفَ فَلَا يَضْمَنُ وَكُلٌّ وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَخَذَ مِنْ آخَرَ عَرْضًا يَتَّجِرُ فِيهِ بِنِصْفِ رِبْحِهِ وَسَافَرَ بِهِ وَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ فِي ثَمَنِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخَذَ مِنْ آخَرَ عَرْضًا يَتَّجِرُ فِيهِ بِنِصْفِ رِبْحِهِ وَسَافَرَ بِهِ وَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ فِي ثَمَنِهِ مِرَارًا حَتَّى نَمَا كَثِيرًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَشْهَدَ عَلَى مَا بَلَغَهُ مَالُ الْقِرَاضِ وَعَلَى أَنَّ لَهُ مَالًا آخَرَ خَاصًّا بِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ قَسَّمَ رَبُّ الْمَالِ مَا بَلَغَهُ الْقِرَاضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْعَامِلِ وَادَّعَى أَنَّ الْمَالَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْقِرَاضِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ لَهُ نِصْفَ الْعَرْضِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَشَارَكَهُ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ كَانَ لِلْعَامِلِ مَالٌ قَلِيلٌ وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِخَلْطِهِ عَلَى الْعَرْضِ فَامْتَنَعَ لِنَفَقَاتٍ لَازِمَةٍ لَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَفْضُلُ لَهُ مِثْلُ مَا عَيَّنَهُ لِنَفْسِهِ فَهَلْ الْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَهَلْ هَذَا قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَهَلْ الشَّرِكَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا رَبُّ الْمَالِ ثَانِيًا فَاسِدَةٌ وَمَا حُكْمُهُمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ الْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينٍ فَإِمَّا أَنْ يَحْلِفَهَا مَنْ يُظَنُّ عِلْمُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ تُرَدَّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْقِرَاضُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ صِحَّتِهِ مِنْ كَوْنِ رَأْسِ مَالِهِ عَيْنًا وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ أَنَّ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي سَفَرِهِ بِالْعَرْضِ وَبَيْعِهِ وَقِرَاضُ مِثْلِهِ فِي تَجْرِهِ بِثَمَنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالشَّرِكَةُ الْمَذْكُورَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا لِدُخُولِهِمَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الْعَمَلِ وَحُكْمُهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ قِسْمَةُ الرِّبْحِ عَلَى حَسَبِ رَأْسِ الْمَالِ وَرُجُوعِ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِنِصْفِ أُجْرَةِ

مسائل المزارعة

الْعَامِلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخَذَ مَالًا لِيَتَّجِرَ بِهِ بِنِصْفِ رِبْحِهِ فَاشْتَرَى بِهِ أَرْبَعَةً إبِلًا وَاشْتَرَى أَرْبَعَةً أُخْرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهَلْ رِبْحُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ يُقْسَمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ زَادَ وَلَوْ لِلْقِرَاضِ شَارَكَ بِقِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ وَعَدَدِ غَيْرِهِ وَهَذَا إنْ كَانَ الْعَامِلُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ وَأَبَى رَبُّ الْمَالِ مِنْ دَفْعِ ثَمَنِهَا لِلْعَامِلِ، وَإِلَّا قُسِّمَ رِبْحُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شُرِطَ كَمَا فِي مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْمُزَارَعَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْمُزَارَعَةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَكَ مَعَ آخَرَ فِي زِرَاعَةٍ وَالطِّينُ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ وَاشْتَرَطَا اخْتِصَاصَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ مِنْهَا وَجَرَى عُرْفُهُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ هَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ هَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ فَالزَّرْعُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ لَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِمَمْنُوعٍ وَهُوَ الطَّعَامُ وَلَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ كَعَسَلِ النَّحْلِ وَمَا أَنْبَتَتْهُ وَلَوْ غَيْرَ طَعَامٍ كَالْقُطْنِ لَا الْخَشَبِ وَالْمَغْرَةِ وَنَحْوِهِمَا وَوُزِّعَ الرِّبْحُ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ وَتَفْسُدُ بِالتَّفَاوُتِ إلَّا تَبَرُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا يُشْتَرَطُ خَلْطُ الْبَذْرِ فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا وَعَلِمَ فَإِنْ غَرَّ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ بَائِرِ الْأَرْضِ وَعَمَلُهُ وَنِصْفُ مِثْلِ النَّابِتِ، وَإِنْ لَمْ يَغِرَّ فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالنَّابِتُ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا فَالْجَائِزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْعَمَلِ أَوْ يُخْرِجُ هَذَا عَمَلًا وَالْآخَرُ أَرْضًا وَبَذْرًا أَوْ بَذْرًا فَقَطْ وَالْأَرْضُ لَهُمَا كَعَكْسِهِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ لِكُلِّ الْبَذْرِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْكُلُّ إلَّا الْحَرْثُ إنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ لَا الْإِجَارَةِ لِلْجَهَالَةِ أَوْ أَطْلَقَا كَأَنْ أَلْغَيَا كَبِيرَ الْأَرْضِ وَاشْتَرَكَا فِي غَيْرِهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ وَعَمَلٌ وَفِي الْفَاسِدَةِ اشْتَرَكَا فِي الزَّرْعِ عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ إلَّا مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا وَاحِدًا كَأَرْضٍ أَوْ عَمَلٍ فَأُجْرَتُهُ أَوْ بَذْرٌ فَمَكِيلَتُهُ وَالزَّرْعُ لِلْآخَرِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

مسائل الإجارة

[مَسَائِلُ الْإِجَارَةِ] [رَجُل اسْتَأْجَرَ آخَرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ عجز] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْإِجَارَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ آخَرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ كُلُّ شَهْرٍ خَتْمَةٌ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا فَقَرَأَ مُدَّةً ثُمَّ حَصَلَ لَهُ تَعَبٌ وَعَجَزَ عَنْ قِرَاءَتِهَا فِيهِ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ بِتَمَامِهَا كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَمَامِ الْخَتْمَةِ مَعَ مُدَاوَمَةِ الْقِرَاءَةِ وَهَلْ تِلْكَ الْأُجْرَةُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهَلْ لَهُ بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ مِنْ الثَّوَابِ أَوْ لَهُ الثَّوَابُ كُلُّهُ وَهَلْ وَرَدَ تَحْدِيدٌ فِي أُجْرَةِ الْخَتْمَةِ كَمَا وَرَدَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ فِي أُجْرَةِ خَتْمَةِ الْقُرْآنِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَارِئُ مِنْ الْأُجْرَةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي الشَّهْرِ فَإِنْ قَرَأَ النِّصْفَ مَثَلًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأُجْرَةِ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْقَدْرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ لَا، يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَعَلَى تَقْدِيرِ نَقْصِ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يُبَاحُ لَهُ مِنْهُ إلَّا بِحَسَبِ مَا يَقْرَأُ مِنْهَا لِرِضَاهُ بِهِ فِي الْجَمِيعِ، وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فِي مُضِيِّ الْغَبْنِ وَجَوَازِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَّا ثَوَابُ الدَّرَاهِمِ وَدُعَاءُ الْقَارِئِ لَهُ وَثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَلَا أَعْلَمُ وُرُودَ تَحْدِيدٍ لِأُجْرَةِ قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابِهِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا أَتْبَاعِهِمْ بَلْ وَلَا أَعْلَمُ تَحْدِيدًا فِي أُجْرَةِ خَتْمَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ كَيْفَ وَإِمَامُ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ لَأَنْ يُؤَاجِرَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ اللَّبِنِ وَالْحَطَبِ وَسُوقِ الْإِبِلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ بِأُجْرَةٍ وَهَذِهِ دَارُ الْهِجْرَةِ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ عَنْ أَحَدٍ وَلَا أَذِنَ فِيهِ اهـ. [كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) إذَا جَرَى عُرْفُ بَلَدٍ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَنَزَلَ فَهَلْ زَكَاةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى الْمُكْتَرِي أَوْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَاسِدٌ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَالزَّرْعُ جَمِيعُهُ لِلزَّارِعِ فَهُوَ الَّذِي يُزَكِّيهِ وَإِنَّمَا لِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاؤُهَا دَرَاهِمَ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ وَبِالْعَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ كِرَاؤُهَا بِالدَّرَاهِمِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ عِيسَى بْنَ مِسْكِينٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قُضَاةِ أَصْحَابِنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ حَكَمُوا بِأَنَّهُ يُعْطِي لَهُ فِيهِ الْجُزْءَ الَّذِي يَقَعُ لَهُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَهَا بِالْمَغْرِبِ قِيمَةً بِالْعَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ قِيمَةَ كِرَائِهَا يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الْأَرْضِ إذَا لَمْ يُصِبْ فِيهَا شَيْئًا. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ أَرْضُ الْأَنْدَلُسِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ الْكِرَاءُ فِيهَا مَعْرُوفٌ فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَ فِيهَا بِكِرَاءِ الْمِثْلِ (قُلْتُ) وَكَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَرْضِ تُونُسَ وَفِي قَوْلِهِمْ يُنْظَرُ إلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ ثُلُثٌ أَوْ رُبْعٌ دَرَاهِمَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُزْءِ وَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَيَجِبُ لَغْوُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ فِيهِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا بِالْجُزْءِ أَنْ لَوْ جَازَ فِيهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ

انْتَهَى نَصُّ الْحَطَّابِ فَتَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الزَّرْعَ كُلُّهُ لِلْمُكْتَرِي وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاؤُهَا بِالدَّرَاهِمِ إنْ عَرَفَ، وَإِلَّا قُوِّمَتْ بِطَعَامٍ ثُمَّ الطَّعَامُ بِدَرَاهِمَ وَتُعْطَى لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا يُعْطَى طَعَامًا عَلَى كُلِّ حَالٍ بَلْ الطَّعَامُ جَمِيعُهُ لِلْمُكْتَرِي فَهُوَ الَّذِي يُزَكِّيهِ إذْ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْخَرَشِيِّ أَنَّ مَحَلَّ فَسَادِ كِرَاءِ الْأَرْضِ لِزِرَاعَةٍ بِطَعَامٍ إذَا أَمْكَنَ كِرَاؤُهَا بِغَيْرِهِ وَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ اهـ وَحِينَئِذٍ إذَا أُكْرِيَتْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ فَزَكَاةُ كُلٍّ عَلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الزَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّةِ الْمُكْتَرِي فَزَكَاةُ الزَّرْعِ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَا أُكْرِيَتْ بِهِ تَامًّا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ أَجِيرٍ لِسَقْيِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ حَبِّهِ يُجَاحُ الزَّرْعُ هَلْ يُنْقَصُ بِهَا مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَكَانَتْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَثُلُثٍ وَرُبْعٍ وَبَرَزَ الزَّرْعُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَجَزَ رَبُّهُ عَنْهُ وَخِيفَ هَلَاكُهُ، وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ كَانَتْ مُسَاقَاةً صَحِيحَةً كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَا تَلِفَ عَلَيْهِمَا وَمَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ حَبِّهِ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ أَتَمَّهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، وَإِنْ كَانَتْ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ وَكَانَ السَّقْيُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً أَوْ عَدَدًا مَعْلُومًا وَعَرَفَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ عَادَةٍ فَهِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ لَازِمَةٌ، وَإِنْ تَلِفَ الزَّرْعُ أَوْ سَقَاهُ الْمَطَرَ تَحَاسَبَا كُلُّ ذَلِكَ فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ بَعْضُهُ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَبَعْضُهُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَرَاجِعْ إنْ شِئْتَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اكْتَرَى نَاقَةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ وَذَهَبَ بِهَا مِنْ طَرِيقٍ ضَيِّقٍ بِجِوَارِ حُفْرَةٍ وَهِيَ عَوْرَاءُ وَهُنَاكَ طَرِيقٌ آخَرُ وَاسِعٌ طَوِيلٌ فَسَقَطَتْ النَّاقَةُ فِي الْحُفْرَةِ فَانْكَسَرَتْ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكَةُ يَمُرُّ مِنْهَا غَالِبُ النَّاسِ بِالْأَحْمَالِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ ذَهَبَ فِيهَا بِالنَّاقَةِ وَانْكَسَرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يَمُرُّ فِيهَا بِالْجَمَالِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ أَحَدٌ كَانَ الْمَارُّ مُتَعَدِّيًا وَمُفَرِّطًا فَيَضْمَنُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ مُلْتَزِمٍ أَجَّرَ حِصَّةً لِرَجُلٍ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مَا عَلَى الْحِصَّةِ مِنْ الْمَالِ وَالْغِلَالِ أَرَادَ الْمُؤَجِّرُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِرَدِّ دَرَاهِمِهِ وَغِلَالِهِ إلَيْهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَاعٍ يَرْعَى عِنْدَنَا بِالدَّوَابِّ فَيَضُمُّ جَامُوسَ الْبَلَدِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَيَجْعَلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أُجْرَةً مَعْلُومَةً جَمْعًا أَوْ مُشَاهَرَةً فَإِذَا ادَّعَى الضَّيَاعَ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ عَلَى نَفْيِ التَّفْرِيطِ وَالتَّعَدِّي إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ أَوْ التَّعَدِّي قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ وَلَا فَرَّطَ وَأَقْصَى مَا عَلَيْهِ فِيمَا ضَلَّ وَهَلَكَ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ وَلَا تَعَدَّى، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَرُدَّتْ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِيمَا رَعَى، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ كَانَتْ الْغَنَمُ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الرَّاعِيَ الَّذِي يُلْقِي

النَّاسُ أَغْنَامَهُمْ إلَيْهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا تَلِفَ مِنْهَا وَرَآهُ كَالصَّانِعِ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَمَلٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ: ضَمَانُ رَاعِ غَنَمِ النَّاسِ رَعَى ... أَلْحِقْهُ بِالصَّانِعِ فِي الْغُرْمِ تَعِ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّلْجِمَاسِيُّ فِي شَرْحِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَرَى الْعَمَلُ بِفَاسَ بِتَضْمِينِ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ لِمَا تَلِفَ أَوْ ضَاعَ عِنْدَهُ إلْحَاقًا لَهُ بِالصَّانِعِ الْمُجْمَعِ عَلَى ضَمَانِهِ لِمَصْنُوعِهِ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ رَاعِ غَنَمِ النَّاسِ أَيْ الَّذِي نَصَّبَ نَفْسَهُ لِرَعْيِ غَنَمِ كُلِّ مَنْ أَتَاهُ بِغَنَمِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ خِلَافَ رَاعِي غَنَمٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ غَنَمٌ وَمِثْلُهُ رَاعِي الْبَقَرِ وَرَاعِي الدَّوَابِّ وَالْأَصْلُ فِي الْأَجِيرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَاعٍ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْأَئِمَّةُ وَضَمَّنُوهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ كَالصَّانِعِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الرَّاعِيَ عَلَى أَصْلِ الْأَمَانَةِ مُشْتَرَكًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ إلَّا فِيمَا تَعَدَّوْا عَلَيْهِ أَوْ فَرَّطُوا فِيهِ فِي جَمِيعِ مَا رَعَوْهُ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ لِأُنَاسٍ شَتَّى أَوْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَضْمَنُ مَا سُرِقَ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ضَيَّعَ لِتَفْرِيطٍ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْيَمِينُ اهـ وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مَنْقُولٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ نَقْلًا عَنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّاعِي الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ كُلُّ رَاعٍ مُشْتَرَكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطْ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إنَّهُ الرَّاعِي الَّذِي لِرَجُلٍ خَاصٍّ فَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرَجِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالصَّانِعِ الَّذِي أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ عَلِمْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى تَضْمِينِهِ وَكَذَلِكَ رَاعِي الدَّوَابِّ الَّذِي تُجْمَعُ إلَيْهِ بِحِرَاسَتِهَا فِي رَعْيِهَا عَلَى أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ دَابَّةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ يَوْمٍ انْتَهَى. وَلَمَّا عَدَّ فِي التُّحْفَةِ الرَّاعِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ لَا يَضْمَنُونَ شَرَحَهُ الشَّيْخُ مَيَّارَةَ بِبَعْضِ كَلَامِ ابْنِ سَلْمُونٍ الْمُتَقَدِّمِ فَكَتَبَ عَلَيْهِ سَيِّدِي يَعِيشُ الشَّاوِيُّ فِي طُرَرِهِ مَا نَصُّهُ قُلْتُ بِهَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ جَرَى الْعَمَلُ بِفَاسَ وَقَوْلُهُ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي فِي بَلَدِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَهِيَ الْأَنْدَلُسُ وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّانِعِ انْتَهَى. وَقَالَ الْيَزْنَاسِيُّ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ كُنْت فِي زَمَنِ وِلَايَتِي بِتِلْمِسَانَ كَثِيرًا مَا أَحْكُمُ بِتَضْمِينِ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ عِنْدَمَا يَظْهَرُ لِي مَخَايِلُ كَذِبِ الرُّعَاةِ وَتَعَدِّيهِمْ وَتَفْرِيطِهِمْ وَذَلِكَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمْ وَرَأَى أَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ تَضْمِينِهِمْ يُؤَدِّي إلَى تَلَفٍ كَثِيرٍ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ لِاضْطِرَارِهِمْ إلَيْهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي مِنْ أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُرَاعَاتُهَا وَنَقَلَ الْقَلْشَانِيُّ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ نَصْرٍ رَجَعَ إلَى تَضْمِينِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ حَيْثُ كَثُرَ شَاكُوهُ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْيَزْنَاسِيُّ قُلْت لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ الْحَمَّامِيِّ بِاعْتِبَارِ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ بَلْ هِيَ فِي الرَّاعِي أَحَقُّ بِالْمُرَاعَاةِ ثُمَّ قَالَ فَالرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ أَوْلَى بِالْقَوْلِ الشَّاذِّ مِنْ الْحَمَّامِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّادَلِيُّ وَالْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ عَدَمُ ضَمَانِ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ كَثْرَةُ خِيَانَةِ الرُّعَاةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ هُوَ ضَمَانُهُ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ فِيهِ وَفِي سِمْسَارِ الدَّوَابِّ اهـ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ الْوَنْشَرِيسِيُّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا وَأَلَّفَ فِيهِ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ: إضَاءَةُ الْحَلِكِ وَالْمَرْجِعُ لِلدَّرَكِ عَلَى مَنْ أَفْتَى مِنْ

فُقَهَاءِ فَاسَ بِتَضْمِينِ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمِعْيَارِ قَبْلَ مَسَائِلِ السَّمَاسِرَةِ بِثَلَاثِ وَرَقَاتٍ وَمُرَادُهُ بِمَنْ أَفْتَى مِنْ فُقَهَاءِ فَاسَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَبْدُوسِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ وَفَرَّقَ الْوَنْشَرِيسِيُّ بَيْنَ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ وَالصَّانِعِ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ أَجْرَوْا الرَّاعِيَ مَجْرَى الْحَمَّالِ إذَا حَمَلَ غَيْرَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ تَعَدِّيهِ وَبِأَنَّ الرَّاعِيَ لَا يُؤَثِّرُ فِي أَعْيَانِ الْغَنَمِ مَثَلًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمِينِ وَلَا يُشْبِهُ الصَّانِعَ وَبِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَقْدِرُ عَلَى الرَّعْيِ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَتْ الضَّرُورَةُ عَلَى الرَّاعِي كَالضَّرُورَةِ فِي الصَّانِعِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَنْ احْتَجَّ بِفَتْوَاهُمَا فِي إضَاءَةِ الْحَلِكِ. . . إلَخْ وَهُوَ طَوِيلٌ ذَكَرَ فِيهِ مَا يَزِيفُ بِهِ فَتْوَى الشَّيْخَيْنِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ وَالظَّنُّ بِعُلَمَائِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ عِنْدَهُمْ مَا يُقَاوِمُ الْأُمُورَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْوَنْشَرِيسِيُّ عَلَى رَدِّ فَتْوَى الشَّيْخَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُشْتَرَكِ وَأَمَّا الْمَخْصُوصُ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْأَمَانَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ. الثَّانِي يَجِبُ تَقْيِيدُ تَضْمِينِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ انْتَهَى كَلَامُ السَّلْجِمَاسِيِّ بِاخْتِصَارٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَجَرَ آخَرَ عَلَى حِرَاسَةِ الْفُولِ الْأَخْضَرِ أَوْ الْقَمْحِ مِنْ الزُّرْزُورِ أَوْ الْحَمَامِ فَأَكَلَهُ مِنْهُ فَهَلْ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ وَيَسْتَحِقُّ الْمَجْعُولَ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الْعَقْدُ الصَّحِيحُ إنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْإِجَارَةِ وَخَلَا عَنْ مَوَانِعِهَا يَسْتَحِقُّ الْمَجْعُولَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا تَلِفَ إلَّا إذَا ثَبَتَ تَفْرِيطُهُ فِي الْحِرَاسَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ حَارِسًا لِزَرْعِهِمْ فَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَنَا الْتَزَمَ فُلَانٌ حِرَاسَةَ زَرْعِ قَرْيَةِ كَذَا الصَّيْفِيِّ فِي عَامِ التَّارِيخِ مِنْ الْبَهَائِمِ السَّائِبَةِ وَالْأَيْدِي الْعَادِيَةِ وَالصَّيْدِ الْجَافِي وَالْقِيَامِ عَلَى ذَلِكَ لَيْلًا وَنَهَارًا بِأَبْلَغِ طَاقَتِهِ وَأَقْصَى مَجْهُودِهِ مِنْ الْآنَ إلَى نَضُوضِهِ بِأُجْرَةٍ مَبْلَغُهَا كَذَا مِنْ الطَّعَامِ يَسْتَوْفِيهَا مِنْ أَرْبَابِ الزَّرْعِ عِنْدَ دِرَاسَتِهِ أَوْ قَبَضَ مِنْهَا كَذَا وَالْبَاقِي لِأَمَدِ كَذَا وَعَلَيْهِ النَّصِيحَةُ فِي ذَلِكَ وَالِاجْتِهَادُ وَرَضِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَكَتَبُوا لَهُ شَهَادَتَهُمْ هُنَا بِخُطُوطِهِمْ لِتَكُونَ شَاهِدَةً عَلَيْهِمْ بِرِضَاهُمْ بِذَلِكَ فِي تَارِيخِ كَذَا. (بَيَانٌ) لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ فِي الْعَقْدِ الْأُجْرَةَ هَلْ هِيَ بِنِسْبَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مُجْمَلًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَاتِ فَقِيلَ إنَّهَا تَكُونُ عَلَى الرُّءُوسِ وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ الزَّرْعِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْحَارِسُ لَا يَتَكَلَّفُ إلَّا النَّظَرَ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ مَعَ ذَلِكَ عَمَلًا فِي الزَّرْعِ سِوَى النَّظَرِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي أَقِيس وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ نُصَيْرٍ فِي الرُّفْقَةِ يَسْتَأْجِرُونَ مَنْ يَحْرُسُهُمْ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَالْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ النَّاضِّ وَالْمَتَاعِ وَعَلَى قِيمَةِ الْمَتَاعِ. وَفِي مَسَائِلَ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا اتَّفَقَ الْجِيرَانُ عَلَى رَجُلٍ يَحْرُسُ جَنَّاتِهِمْ وَكُرُومَهُمْ أَوْ حَوَانِيتِهِمْ فَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ مَعَهُمْ قَالَ وَكَذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ فِي الدُّورِ يَتَّفِقُ الْجِيرَانُ عَلَى إصْلَاحِهَا وَيَأْبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْكَرْمِ أَنَا أَحْرُسُهُ أَوْ يَحْرُسُهُ غُلَامِي أَوْ أَخِي فَلَهُ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَفْتَيْتُ وَسُئِلْتُ

استؤجر على حراسة بستان ليلا فحصل له التلف فهل يلزمه

مِنْ سَبْتَةَ عَنْ قَوْمٍ لَهُمْ زَرْعٌ اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَحْرُسُهُ فَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مَعِي مَنْ يَحْرُسُ زَرْعِي وَزَرْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يَحْرُسْ لَهُ أَحَدٌ حَتَّى كَمَلَ الزَّرْعُ فَأَفْتَيْتُ بِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، قَالَ وَأَمَّا الْأُجْرَةُ عَلَى الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ فَمَنْ أَبَاهَا مِنْ الْجِيرَانِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ فِي أَصْلِهَا وَلِأَنَّ مُشَاهَدَتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ انْتَهَى. وَلَا تَنْسَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ وَمَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ ضَمَانِ الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ أَوْ يَتَعَدَّى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِرَاسَةِ الْقَمْحِ أَوْ مُطْلَقِ زَرْعٍ مِنْ الْمَوَاشِي فَأَكَلَتْهُ مِنْهُ فَهَلْ لَهُ الْأُجْرَةُ الْمَجْعُولَةُ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ وَضِّحُوا؟ فَأَجَبْتُ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا أَجَبْتُ بِهِ عَنْ سَابِقِهِ. [اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِرَاسَةِ بُسْتَانٍ لَيْلًا فَحَصَلَ لَهُ التَّلَفُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِرَاسَةِ بُسْتَانٍ لَيْلًا فَحَصَلَ لَهُ التَّلَفُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ يَلْزَمُهُ فَهَلْ يَنْظُرُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ . فَأَجَبْتُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ. [اسْتِئْجَارِ جَزَّارٍ عَلَى تَذْكِيَةِ حَيَوَانٍ وَسَلْخِهِ وَتَقْطِيعِهِ بِجَانِبٍ مَعْرُوفٍ مِنْ لَحْمِهِ كَرَقَبَتِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي اسْتِئْجَارِ جَزَّارٍ عَلَى تَذْكِيَةِ حَيَوَانٍ وَسَلْخِهِ وَتَقْطِيعِهِ بِجَانِبٍ مَعْرُوفٍ مِنْ لَحْمِهِ كَرَقَبَتِهِ فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا فَيَتَعَيَّنُ اسْتِئْجَارُهُ بِدَرَاهِمَ مَثَلًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ بِجَانِبٍ مِنْ لَحْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ بِصِفَةِ اللَّحْمِ وَالْغَرَرِ إذْ لَا يَدْرِي هَلْ تَصِحُّ ذَكَاتُهَا أَمْ لَا وَيَتَعَيَّنُ بِنَحْوِ الدَّرَاهِمِ قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِجَارَةُ بِجِلْدِهَا أَوْ قِطْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَى سَلْخِهَا لَا تَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَبْحِهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَطْفًا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ أَوْ ذَبْحٍ بِجُزْءٍ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [اسْتِئْجَارِ النَّجَّارِ وَالْحَدَّادِ وَالْحَلَّاقِ وَالسَّبَّالِ وَالْفَحَّارِ عَلَى عَمَلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حِرَفِهِمْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَادَةِ بِلَادِنَا مِنْ اسْتِئْجَارِ النَّجَّارِ وَالْحَدَّادِ وَالْحَلَّاقِ وَالسَّبَّالِ وَالْفَحَّارِ عَلَى عَمَلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حِرَفِهِمْ طُولَ السَّنَةِ بِقَدْرٍ مَجْهُولٍ مِنْ الْغَلَّةِ يَأْخُذُونَهُ فِي أَوَانِ حَصْدِ الزَّرْعِ أَفَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيُعْمَلُ بِهِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ وَيَتَعَيَّنُ اسْتِئْجَارُهُمْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَلَّةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ وَيَتَعَيَّنُ اسْتِئْجَارُهُمْ عَلَى عَمَلٍ مَضْبُوطٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِهِمْ وَيَرُدُّونَ مَا أَخَذُوا مِنْ الْغَلَّةِ بِعَيْنِهِ إنْ بَقِيَ وَمِثْلَهُ إنْ فَاتَ وَعُلِمَ قَدْرُهُ، وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ، قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَأَجْرٌ كَالْبَيْعِ وَشَرْطُ الْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ مِنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا اهـ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا - أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً، ثَانِيهَا - أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَوْصُوفًا مُقَدَّرًا بِأَجَلٍ

سكن دارا أو دكانا وعمر فيها عمارة تارة بإجازة المالك وتارة بغير إجازته

مَعْرُوفٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَجَلِ فِي الْمَسَافَةِ فِيمَا يَحُدَّانِهِ كَتَحْدِيدِ الْعَمَلِ بِتَمَامِهِ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ، ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَوْصُوفًا أَوْلَهُ عُرْفٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمُتَاجِرَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحُدِّدَتْ بِعَمَلٍ أَوْ زَمَنٍ فَإِنْ جَمَعَهُمَا فَسَدَتْ إلَّا أَنْ يَزِيدَ الزَّمَنُ عَلَى الْأَقْرَبِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي بِلَادِنَا فِي وَقْتِ زَرْعِ الشَّتْوِيِّ أَوْ الذُّرَةِ أَوْ الْقَيْظِيِّ مِنْ شِرَاءِ نِصْفِ عَمَلِ رَجُلٍ بِإِرْدَبٍّ غَلَّةٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَهَلْ هَذَا يَجُوزُ أَوْ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَهَالَةً وَغَرَرًا وَضِّحُوا؟ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ حَدَّدَ نِصْفَ عَمَلِ الرَّجُلِ بِزَمَنٍ كَأَنْ يُقَالَ أَسْتَأْجِرُك عَلَى أَنْ تَعْمَلَ عِنْدِي فِي الزَّرْعِ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلزَّوَالِ أَوْ مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ جَازَ لِعَدَمِ الْجَهْلِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ لِلْجَهْلِ وَالْغَرَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ سَكَنَ دَارًا فَأَصْلَحَهَا وَعَمَّرَ فِيهَا عِمَارَةً بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَهَلْ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْهَا قَهْرًا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّهَا بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا وَيُخَيَّرُ رَبُّهَا بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَخْذِ عَيْنِ شَيْئِهِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ لَهُ مَقْلُوعًا قَالَ الْخَرَشِيُّ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُكْتَرِي مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا فِي إصْلَاحِ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْعَدَوِيِّ وَلَوْ طَاعَ الْمُكْتَرِي بِالْإِصْلَاحِ مِنْ مَالِهِ أَيْ لَا لِيَحْسِبَهُ مِنْ الْكِرَاءِ جَبَرَ رَبَّهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْعِهِ مُضَارٌّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ انْقَضَتْ الْوَجِيبَةُ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا اهـ. . [سَكَنَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا وَعَمَّرَ فِيهَا عِمَارَةً تَارَةً بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ وَتَارَةً بِغَيْرِ إجَازَتِهِ] (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ سَكَنَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا وَعَمَّرَ فِيهَا عِمَارَةً تَارَةً بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ وَتَارَةً بِغَيْرِ إجَازَتِهِ وَصَارَتْ أُجْرَتُهُ بِرِيَالَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ بِرِيَالٍ فَلَوْ خَرَجَ السَّاكِنُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا عَلَى الْمَالِكِ وَإِذَا أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ قَهْرًا عَلَيْهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا عَلَى الْمَالِكِ أَيْضًا وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُهُ بِالشَّرْعِ وَإِذَا تَوَاطَأَ السَّاكِنُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ وَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا فِي نَظِيرِ كُلْفَتِهِ وَخَرَجَ مِنْ الْمَكَانِ وَسَكَنَهُ لَهُ هَلْ يَفُوزُ بِالْمَالِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعِمَارَةُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ يُحَاسَبُ بِهَا سَكَنَ أَوْ خَرَجَ وَلِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ مِنْ الْأُجْرَةِ فَهُوَ نَقْدٌ بِمِقْدَارِهَا لَا يُخْرِجُهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي الْعِمَارَةَ بِالْإِجَازَةِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّنْ يَسْكُنُهُ فِي نَظِيرِ كُلْفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ وَمَا فِيهِ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ أَعْنِي الدَّارَ وَالْعِمَارَةَ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَمِّرُ شَيْئًا فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَذِنَ الْمَالِكُ لِلسَّاكِنِ فِي وَضْعِ شَيْءٍ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ السَّاكِنِ فَلِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ أَوْ شَيْأَهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُشَاهَرَةً، وَلَمْ يَنْقُدْ الْأُجْرَةَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَخْذُ دَرَاهِمَ مِمَّنْ يَتَوَاطَئُونَ مَعَهُ عَلَى السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى بَاعَهُ مَا يَسْتَحِقُّ فَيَصِيرُ حُكْمُ دَافِعِ الدَّرَاهِمِ مَعَ الْمَالِكِ كَحُكْمِ السَّاكِنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ قِيمَتَهُ وَأَمَّا الْعِمَارَةُ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ فَلَا يُحَاسَبُ بِهَا وَلَهُ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ أَوْ قِيمَتِهِ بَعْدَ قَلْعِهِ وَلِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَازِمًا لَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعِمَارَةُ ضَرُورِيَّةً لَا بُدَّ مِنْهَا

فِي هَذَا الْمَكَانِ وَكَانَ الْمَكَانُ مَوْقُوفًا فَيُحَاسَبُ بِهَا مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَرَيَانُ الْعَمَلِ يَجْبُرُ الْمَالِكَ عَلَى الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ فِي الْمَكَانِ الْمُسْتَأْجَرِ غَيْرِ الْوَقْفِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ اهـ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُمْ أَغْنَامٌ جَمَعُوهَا فِي الْمَيِّتِ وَتَنَاوَبُوا فِي السَّهَرِ لِحِفْظِهَا مُشْتَرِطِينَ أَنَّ مَنْ ضَاعَ فِي سَهْرَتِهِ شَيْءٌ مِنْهَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَهَلْ إذَا ضَاعَ شَيْءٌ مِنْهَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الشَّرْطُ بَيْنَ سَاهِرِي الْغَنَمِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ حَيْثُ غَلَبَ النَّوْمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَلَمْ يَتَعَدَّ فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْرُثَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ بِغُرُوبِ الرَّابِعِ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَاتَتْ صَبِيحَةَ الْخَامِسِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا وَقْتَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِكَوْنِ رَبِّهَا بَعِيدًا عَنْ بَلَدِ الْمُكْتَرِي، وَلَمْ يَخْرُجْ فِيمَا اكْتَرَاهَا لَهُ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَهَلْ لَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي ضَامِنًا لَهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُوجِبُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي ضَامِنًا لَهَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَابِضٍ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ كَانَ مُؤَجِّرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا إلَّا مِنْ حَمْلِ نَحْوِ الطَّعَامِ مِمَّا تَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْأَيْدِي وَشَرْطٌ أَنْ يَأْتِيَ بِسِمَةِ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا ضَمْنٌ فَاسِدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ يُرَدُّ لِأَجَلِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَسْقُطْ قَبْلَ التَّمَامِ وَحَلَفَ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ مَا فَرَّطَ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الضَّيَاعِ عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ وَزَادَ لِمُتَّهَمٍ عَلَى إخْفَائِهِ وَقَدْ ضَاعَ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلِ نَفْيِ الضَّمَانِ كَرَبْطٍ بِبَالِي الْأَحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ فِعْلِيٌّ وَسَبَقَ أَنَّ الْقَوْلِيَّ لَا ضَمَانَ بِهِ إلَّا صَيْرَفِيًّا أَخَذَ أُجْرَةً كَمَا فِي الْمُحَشَّى وَمَشَى بِالْمُزَالِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْرُثَ عَلَيْهَا ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْمُكْرِي فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْمُكْتَرِي أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ الْمُكْرِي لَمْ أُكْرِهَا إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَنْتَ تَعَدَّيْت بِزِيَادَةِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَمَا الْحُكْمُ وَإِذَا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ وَأَرَى لِلْمُكْرِي تَضْمِينَ الْمُكْتَرِي فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَحْكِيمُ الْعَادَةِ فَإِنْ شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ سَوَاءٌ حَصَلَ التَّنَازُعُ بَعْد قَبْضِ الْأُجْرَةِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُمَا مَعًا فَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرِي بِيَمِينٍ. وَإِنْ حَصَلَ قَبْلَهُ فَلِلْمُكْتَرِي كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَفَا وَقَضَى بِكِرَاءِ الْمِثْلِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ هَذَا وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُكْرِيَ لَا يُجَابُ لِتَضْمِينِ الْمُكْتَرِي إلَّا إنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ لِلْمُكْرِي وَحْدَهُ وَحَلَفَ لِثُبُوتِ تَعُدِّي الْمُكْتَرِي حِينَئِذٍ فَلِلْمُكْرِي تَضْمِينُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أُجْرَةَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَوْ قِيمَتَهَا فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمَسَافَةِ حَلَفَا وَفُسِخَ إلَّا لِسَيْرٍ كَثِيرٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْتَرِي بِيَمِينٍ إنْ أَشْبَهَ كَانَ أَشْبَهًا، وَلَمْ يَنْقُدْ الْأُجْرَةَ فَإِنْ حَلَفَ الْجَمَّالُ أَيْضًا فَلَهُ الْحِصَّةُ وَفُسِخَ الْبَاقِي، وَإِنْ أَشْبَهَ الْمُكْرِي أَوْ هُمَا وَنَقَدَ فَقَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَ وَفُسِخَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى اهـ وَقَالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ حَاصِلُ

الْفِقْهِ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي إنْ انْفَرَدَ بِالشَّبَهِ وَحَلَفَ نَقَدَ أَمْ لَا، وَإِنْ انْفَرَدَ الْمُكْرِي بِالشَّبَهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ انْتَقَدَ أَمْ لَا، وَإِنْ أَشْبَهَا مَعًا فَإِنْ حَصَلَ انْتِقَادٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْرِي، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي إنْ حَلَفَ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَفَسَخَ وَقَضَى بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ زَادَ مَسَافَةً وَلَوْ قُلْت فَكِرَاؤُهُ إنْ سَلَّمْت، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي بَدَلَ كِرَاءِ الزَّائِدِ وَلَهُ كِرَاءُ مَا قَبْلَ التَّعَدِّي مُطْلَقًا وَأَرْشُ الْعَيْبِ كَالْقِيمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَرِبَةٍ فِي وَسَطِ الْعُمْرَانِ يُخَافُ مِنْهَا اللُّصُوصُ فَهَلْ يُجْبَرُ رَبُّهَا عَلَى بِنَائِهَا أَوْ بَيْعِهَا أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، الَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ عَدَمُ جَبْرِ رَبِّهَا عَلَى بِنَائِهَا وَلَا عَلَى بَيْعِهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِجَبْرِهِ عَلَى بِنَائِهَا أَوْ بَيْعِهَا وَنَصَّ الْخَرَشِيُّ وَأَخَذَ بَعْضٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ، مَنْ لَهُ خَرِبَةٌ بِجِوَارِ شَخْصٍ يَحْصُلُ مِنْهَا ضَرَرٌ كَسَارِقٍ وَنَحْوِهِ عَلَى عِمَارَتِهَا وَلَا بَيْعِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ جَاءَ اللُّصُوصُ مِنْهَا إلَى الْجِيرَانِ وَعَلَى ذَوِي الْعُمْرَانِ حِفْظُ مَتَاعِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَالشَّيْخُ سَالِمٌ اهـ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاخِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ مَنْ لَهُ خَرِبَةٌ بِجِوَارِ شَخْصٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا ضَرَرٌ كَسَارِقٍ وَنَحْوِهِ عَلَى عِمَارَتِهَا وَلَا بَيْعِهَا وَيُقَالُ لَهُ اعْمَلْ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْك وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا إنْ صَعِدَ مِنْهَا سَارِقٌ لِبَيْتِ جَارِهَا وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ نَظْمًا وَكَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِ نَظْمًا أَيْضًا مُوَافِقًا لِجَوَابِهِ فِي الْفَتْوَى الشَّيْخَ سَالِمًا السَّنْهُورِيُّ وَيَدُلُّ لَهُ مَسْأَلَةُ عَدَمِ إعَادَةِ السَّاتِرِ وَمَسْأَلَةُ مَا أَضَرَّ مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِلُزُومِ رَبِّ الْخَرِبَةِ بِفِعْلِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ جَارِهِ مِنْ عِمَارَتِهَا أَوْ بَيْعِهَا لِمَنْ يُعَمِّرُ وَرُبَّمَا يَدُلُّ لَهُ مَسْأَلَةُ إجَارَةِ دَارِ الْفَاسِقِ وَبَيْعِهَا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُمْكِنُ تَحَرُّزُ جَارِهِ عَنْ فِسْقِهِ بِخِلَافِ الْخَرِبَةِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا بِتَعْلِيَةِ بِنَائِهِ انْتَهَى. وَنَصُّ السُّؤَالِ الَّذِي سَأَلَهُ بَعْضُهُمْ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَظْمًا: مَا قَوْلُ مَنْ بِصِفَاتِهِمْ أَتَرَنَّمُ ... وَأَنَا الَّذِي لَهُمْ مُحِبٌّ مُغْرَمُ فِيمَنْ لَهُ مِلْكٌ خَرَابٌ بَلْقَعُ ... مَأْوَى لِلِصٍّ جَاءَ إلَيْهِ يَغْنَمُ بِجِوَارِهِ مِلْكٌ لِآخَرَ عَامِرُ ... مَلْآنَ فِيهِ لِكُلِّ لِصٍّ مَغْنَمُ جَاءَتْ لُصُوصٌ لِلَّذِي هُوَ عَامِرُ ... مِنْ ذِي الْخَرَابِ وَمَا ارْعَوَوْا بَلْ أَقْدَمُوا فَاسْتَأْصَلُوا مَا بِالْعَمَارِ وَبَالَغُوا ... فِي الْأَخْذِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ نُوَّمُ أَوْ لَا وَلَكِنْ أَظْهَرُوا نَوْمًا لَهُمْ ... خَوْفًا وَلَمْ يُبْدُوا وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فَإِذَا شَكَوْا رَبَّ الْخَرَابِ لِحَاكِمٍ ... فَرَأَى اللُّزُومَ لَهُ فَهَلْ ذَا يَلْزَمُ وَكَذَا لَهُمْ إلْزَامُهُ بِعِمَارَةٍ ... بِالْجَبْرِ حَتَّى مِنْ لُصُوصٍ يَسْلَمُوا رُدُّوا جَوَابًا لِلْفَقِيرِ تَفَضُّلًا ... نَظْمًا بَلِيغًا عَاجِلًا لَا تَسْأَمُوا

فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: حَمْدًا لَكَ اللَّهُمَّ وَفِّقْنِي إلَى ... صَوْبِ الصَّوَابِ لَهُ أُجِيبُ وَأَنْظِمُ رَبُّ الْخَرَابِ وَلَوْ جِوَارٌ مُعَمَّرُ ... بِعِمَارَةٍ لِخَرَابِهِ لَا يَلْزَمُ وَلِمَنْ يُعَمِّرُ لَيْسَ يَلْزَمُ بَيْعُهُ ... بَلْ لَيْسَ لِلْجِيرَانِ أَنْ يَتَحَكَّمُوا فِيهِ بِإِحْدَاثِ بِنَاءٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ ... يَرْضَى وَإِنْ مِنْهُ السَّلَامَةُ تُعْلَمُ بَلْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا ضَاعَ إنْ جَا ... اللِّصُّ مِنْ ذَاتِ الْخَرَابِ لِيَغْنَمُوا وَعَلَى ذَوِي الْعُمْرَانِ حِفْظُ مَتَاعِهِمْ ... فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يُرِيدُوا يَسْلَمُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا أَحْمَدُ ... نَجْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ أَحْمَدَ فَاعْلَمُوا وَأَجَابَ الشَّيْخُ سَالِمٌ تَحْتَ جَوَابِهِ بِمَا نَصُّهُ: حَمْدًا لَك اللَّهُ الْعَلِيمُ الْمُحْكِمُ ... رَبُّ الْعِبَادِ بِهِمْ رَءُوفٌ مُنْعِمُ وَجَوَابُنَا مِثْلُ الَّذِي رَسَمُوا بِلَا ... نَقْصٍ وَلَا زَيْدٍ بِهَذَا يُعْلَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ مِنْ الْخَطَا ... فَهُوَ الَّذِي مِنَّا بِذَلِكَ أَعْلَمُ وَأَنَا الْفَقِيرُ سَالِمٌ أُدْعَى وَمَا ... لِي عُمْدَةٌ إلَّا الْإِلَهُ الْأَكْرَمُ وَلِمَالِكٍ قَلَّدْت لَا لِخِلَافِهِ ... فَهُوَ الْمُضِيءُ إذَا بَدَتْ لَك أَنْجُمُ انْتَهَى شَبْرَاخِيتِيٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اسْتَخْدَمَ بَالِغًا رَشِيدًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةً زَائِدَةً عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا وَزَوَّجَهُ وَدَفَعَ عَنْهُ الصَّدَاقَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا رَبَّاهُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ تَشَاجَرَ مَعَهُ فَطَلَبَ الْخَدَّامُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجَابُ لِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى مُسْتَخْدِمِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلِمُسْتَخْدِمِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا دَفَعَهُ عَنْهُ صَدَاقًا وَبِقِيمَةِ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ زَادَ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ زِرَاعَةٍ فِيهَا سَاقِيَةٌ مَهْجُورَةٌ وَأَصْلَحَهَا مَعَ آخَرَ بِلَا إذْنِ الْمُؤَجِّرِ وَغَرَسَا عَلَيْهَا شَجَرًا؛ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَجِّرُ أَرْضَهُ فَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَشَرِيكُهُ فِي الْعِمَارَةِ مِنْ تَسْلِيمِ السَّاقِيَةِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ وَيُجْبَرَانِ عَلَى تَسْلِيمِ السَّاقِيَةِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَمْرِهِمَا بِقَلْعِ شَجَرِهِمَا وَمَا جَدَّدَاهُ لِلسَّاقِيَةِ وَنَقْلِهِ مِنْ أَرْضِهِ وَتَسْوِيَتِهَا وَبَيْنَ إبْقَائِهِمَا لِنَفْسِهِ وَيَدْفَعُ لَهُمَا قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا مُسْقِطًا مِنْهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِمَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ إنْ كَانَا لَا يَتَوَلَّيَانِهِ بِأَنْفُسِهِمَا وَلَا بِخَدَمِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا إسْقَاطَ كَمَا تَقَدَّمَ

رجل منع معلم أولاده القرآن حلاوة ختمه فهل يقضى عليه بها

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل مَنَعَ مُعَلِّمَ أَوْلَادِهِ الْقُرْآنَ حَلَاوَةَ خَتْمِهِ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَنَعَ مُعَلِّمَ أَوْلَادِهِ الْقُرْآنَ حَلَاوَةَ خَتْمِهِ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِهَا ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْضِي بِالْحَذْقَةِ فِي النَّظَرِ وَالظَّاهِرُ بِقَدْرِ حَالِ الْأَبِ وَيُسْرِهِ وَقُوَّةِ حِفْظِ الْوَلَدِ وَتَجْوِيدِهِ؛ لِأَنَّهَا مُكَارَمَةٌ جَرَى النَّاسُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَبُ تَرْكَهَا اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَمَوَاهِبِ الْقَدِيرِ وَقُضِيَ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْمُعَلِّمِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ الرَّشِيدِ وَوَلَّى غَيْرَهُ بِالْإِصْرَافَةِ وَهِيَ مَا يَأْخُذُهُ الْمُعَلِّمُ زِيَادَةً عَلَى الْأُجْرَةِ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ أَوْ الْعُرْفِ وَحَالِ الْمُتَعَلِّمِ أَوْ وَلِيِّهِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَتَوَسُّطٍ بَيْنَهُمَا وَحَالِ الْمُتَعَلِّمِ مِنْ حِفْظٍ وَعَدَمِهِ وَتَجْوِيدِ وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْجُعَلِ] [رَجُل جَعَلَ لِآخَرَ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَحَلِّ كَذَا فَافْتَرَسَهُ السَّبُعُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجُعَلِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ جَعَلَ لِآخَرَ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَحَلِّ كَذَا فَافْتَرَسَهُ السَّبُعُ أَوْ تَعَرَّضَ لَهُ جَانٌّ فَأَوْرَثَ فِي عَقْلِهِ خَلَلًا أَوْ أَتْلَفَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا شَيْءَ عَلَى الْجَاعِلِ حَيْثُ كَانَ الْمَجْعُولُ لَهُ حُرًّا بَالِغًا فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ آخِرَ بَابِ الشُّرْبِ مُشَبِّهًا فِي الْهَدَرِ كَإِتْلَافِهَا مُمْسِكًا إلَّا صَبِيًّا وَعَبْدًا فَعَلَى أَمْرِهِمَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ جَاعَلَ آخَرَ عَلَى أَنْ يَمْلَأَ لَهُ هَذَا الرِّيَّ مِنْ مُورِدَةِ كَذَا وَالْحَالُ أَنَّ بِهَا تِمْسَاحًا عَادِيًا فَافْتَرَسَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ يَلْزَمُهُ فَهَلْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَفِيدُوا، وَفِي رَجُلٍ جَاعَلَ آخَرَ عَلَى إخْرَاجِ دَلْوٍ مِنْ بِئْرٍ فَمَاتَ فِيهَا بِسَبَبِ جِنٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَهَلْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَفِيدُوا. وَجَوَابُهُمَا: كَسَابِقِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل طَلَّاعِ نَخْل يَجْنِيهِ بِأُجْرَةِ مِنْ ثَمَرِهِ وَذَلِكَ صَنْعَتُهُ فَسَقَطَ فَمَاتَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلِ طَلَّاعِ نَخْلٍ يَجْنِيهِ بِأُجْرَةٍ مِنْ ثَمَرِهِ وَذَلِكَ صَنْعَتُهُ فَهَلْ إذَا سَقَطَ فَمَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ فَاعِلٍ يَكُونُ هَدَرًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَكُونُ هَدَرًا لَا دِيَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ذِي عِيَالٍ أَرَادَ سَفَرًا فَقَالَ لِأَخِيهِ قُمْ عَلَى عِيَالِي وَتَصَرَّفْ لَهُمْ بِمَالِهِمْ وَأَحْسِنْ بِهِمْ فِي ذَلِكَ غَايَةَ الْإِحْسَانِ وَأَكْتُبُ لَك جُزْءًا مِنْ مَالِي فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَكَتَبَ وَثِيقَةً بِخُمُسِ مَالِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ فَأَكَلَ الْأَخُ الْمُوَكَّلُ عَلَى الْعِيَالِ مَا تَرَكَهُ لَهُمْ أَخُوهُ، وَلَمْ يُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا مِنْهُ وَأَحْوَجَهُمْ إلَى خِدْمَةِ النَّاسِ وَشَاعَ خَبَرُهُمْ فِي الْبِلَادِ حَتَّى صَارَ النَّاسُ يُعَايِرُونَ أَبَاهُمْ فِي غُرْبَتِهِ فَأَرَادَ

مسائل إحياء الموات

الرُّجُوعَ فِيمَا كَتَبَهُ لِأَخِيهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَأَيْضًا قَدْ أَوْقَفَ عَبْدًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ لَهُ إخْرَاجُهُ لِخِيَانَةِ أَبِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ قِيَامِهِ بِذَلِكَ وَعَدَمِ حُصُولِ غَرَضِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُ لِأَجْلِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ فِي الْعَمَلِ الْمَجْعُولِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ تَعْيِينِهِ وَعَدَمِ تَحْدِيدِهِ بِزَمَنٍ خَاصٍّ وَفِي الْمَالِ الْمَجْعُولِ فِي نَظِيرِهِ بِعَدَمِ بَيَانِ قَدْرِ أَصْلِهِ وَكُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَفَسْخُهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ ابْنِ أَخِيهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ لِخِيَانَةِ أَبِيهِ إذْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَحْيَا مَوَاتًا بِعَمَلِ طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وَبَنَى عَلَيْهِ بَلَدًا وَمَسْجِدًا بِمَنَارٍ وَسَكَنَهُ إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ سَكَنَهُ أَوْلَادُهُ إلَى مَوْتِهِمْ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ لِشِدَّةِ الْفِتَنِ بِتِلْكَ الْجِهَةِ وَلَمَّا زَالَتْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ لَهُ وَالِاخْتِصَاصَ بِهِ وَبِحَرِيمِهِ وَأَرَادَ جَمَاعَةٌ مُشَارَكَتَهُمْ فِيهِ لِكَوْنِهِمْ حَرَثُوا فِيهِ مَعَ الْأَوْلَادِ زَمَنَ الْفِتَنِ فَهَلْ لِهَذَا الْبَلَدِ حَرِيمٌ يَخْتَصُّ أَوْلَادُ الْمُحْيِي بِهِ وَمَا قَدْرُهُ وَهَلْ انْتِقَالُ الْخَلَفِ الْمَذْكُورِ بِوَصْفِهِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْبِنَاءَ قَائِمٌ إلَى الْآنَ وَهَلْ يَعْمَلُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَحَرِيمَهُ لِجِدِّ الْأَوْلَادِ وَالْحَالُ أَنَّ الَّذِينَ أَرَادُوا مُشَارَكَتَهُمْ مُتَغَلِّبُونَ وَمُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الْمَاءَ لِلْخَلَفِ الْمَذْكُورِ وَانْتِقَالُهُمْ لَيْسَ دَائِمًا بَلْ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْفِتَنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِهَذَا الْبَلَدِ حَرِيمٌ مِنْ الْمَوَاتِ الْمُحِيطِ يَخُصُّ أَوْلَادَ الْمُحْيِي وَهُوَ مَا يَحْتَاجُونَ لَهُ فِي مُحْتَطَبِهِمْ وَرَعْيِ دَوَابِّهِمْ، وَقَدْرُهُ كُلُّ مَا يَصِلُونَ إلَيْهِ وَيَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ مِنْهُ وَيَرْجِعُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِبَلَدِهِمْ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ حَرِيمًا لِلْبَلَدِ فَلَا يَخْتَصُّونَ بِهِ وَانْتِقَالُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُمْ فِي الْبَلَدِ وَلَا فِي حَرِيمِهِ كَمَا فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ لِعُذْرِهِمْ وَعَدَمِ إعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَعَدَمِ تَرْكِهِ لِغَيْرِهِمْ إنَّمَا انْتَقَلُوا عَنْهُ لِضَرُورَةِ الْخَوْفِ وَيُعْمَلُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي نَظْمِ ابْنِ رُشْدٍ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ عَنْ قَصْرٍ غَابَ عَنْهُ أَهْلُهُ أَمَدًا طَوِيلًا ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُ وَرَثَةِ أَهْلِهِ فَسَكَنُوهُ، وَلَمْ يَعْرِفُوا أَمْلَاكَهُمْ وَأَسْكَنُوا مَعَهُمْ أَجَانِبَ ثُمَّ جَاءَ وَرَثَةُ الْبَاقِينَ فَمَنَعَهُمْ الْأَوَّلُونَ وَأَرَادُوا أَيْضًا إخْرَاجَ الْأَجَانِبِ فَمَا حُكْمُهُمْ مَعَهُمْ وَمَعَ الْوَرَثَةِ الْبَاقِينَ؟ فَأَجَابَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا قَدِيمًا وَالرَّدُّ عَلَى بَعْضِ مَشْهُورِ الْمُفْتِينَ فِيهَا وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ جَمِيعَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَجَانِبِ فِيهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِمُلَّاكِهِ وَوَرَثَتِهِمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى التَّجَاهُلِ فِي ذَلِكَ فَلْيَتَحَلَّلُوا أَوْ يَقْتَسِمُوهُ بِالسَّوَاءِ إذَا لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ وَنَازَعَهُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ لِتُخَرَّجَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي دَعْوَى النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ تَعْيِينَ مَوْضِعٍ وَشَكَّ الْآخَرُ جَرَى عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُتَيَقِّنِ وَالشَّاكِّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُتَيَقِّنِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِحْلَافِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَثِيرًا مَا يَنْزِلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ

رجل يعلم الصبيان القرآن العزيز في المسجد ويشرب فيه الدخان فهل يحرم عليه ذلك

يَرْتَحِلُ قَوْمٌ عَنْ قَرْيَةٍ فَيَخْلُفُهُمْ آخَرُونَ وَيَأْخُذُونَ دِيَارَهُمْ وَعِمَارَتَهُمْ وَرُبَّمَا جَرَى ذَلِكَ لِلْوَاحِدِ وَالْقَلِيلِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَوَّلُونَ وَيَطْلُبُونَ رَبْعَهُمْ فَإِنْ ثَبَتَتْ أَمْلَاكُهُمْ بِبَيِّنَةٍ فَهِيَ لَهُمْ وَلَهُمْ إخْرَاجُ مَنْ خَلَفَهُمْ، وَإِلَّا كَانُوا غُصَّابًا، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا شَيْئًا أَوْ ثَبَتَ أَنَّ الرِّقَابَ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِمَنْ مَلَكَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْرَابِ أَوْ الْوُلَاةِ أَوْ الْجُنْدِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا النَّقْضُ خَاصَّةً إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَوْ كَانَ فِي شَرْطِهِمْ أَنَّ مَنْ خَرَجَ فَلَيْسَ لَهُ فِي النَّقْضِ وَلَا فِي الْعِمَارَةِ شَيْءٌ لَكَانَ كِرَاءً فَاسِدًا يُسْلَكُ فِيهِ مَسْلَكَ ذَلِكَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِيهِ مُدَّةً أَوْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا خَرَجَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ، وَلَمْ يُسَلِّمُوهُ لِغَيْرِهِمْ وَلَوْ أَسْلَمُوهُ لِمَنْ يَأْتِي لَكَانَ لَهُ وَنَحْوُهُ مَا جَرَى فِي الْقَيْرَوَانِ حِينَ جَلَى عَنْهَا أَهْلُهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ وَنَزَلَ فِي بَعْضِ مَنَازِلِ الْخَارِجِينَ وَلَوْ لَمْ يَدْرِ هَلْ خَرَجُوا عَلَى وَجْهِ الْإِسْلَامِ أَوْ الرُّجُوعِ لِتُخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ أَسْلَمَ مَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَسْلَمَهُ فَانْظُرْهَا فِي شَرْحِ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ غَرَسَ فِي مَسْجِدٍ شَجَرًا وَحَوَّطَ عَلَيْهِ فَضَاقَ الْمَسْجِدُ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى قَلْعِ الشَّجَرِ وَهَدْمِ الْبِنَاءِ وَنَقْلِ ذَلِكَ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرْسَ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِهِ عَنْ هَيْئَتِهِ وَتَحْفِيرِهِ وَتَقْذِيرِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَمَّا أَوْقَفَهُ وَاقِفُهُ لَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَكَذَا التَّحْوِيطُ وَتَضْيِيقُهُ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ جَبْرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَجِبُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ جَبْرُهُ عَلَى ذَلِكَ. [رَجُل يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَشْرَبُ فِيهِ الدُّخَّانَ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَشْرَبُ فِيهِ الدُّخَّانَ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِتَشْوِيشِهِ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَتَنْجِيسِ الْأَوْلَادِ الْمَسْجِدَ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْخُرُوجِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إخْرَاجُهُ قَهْرًا عَنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَشْوِيشِهِ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَتَنْجِيسِ الْأَوْلَادِ الْمَسْجِدَ وَتَقْذِيرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شُرْبُ الدُّخَّانِ فِيهِ لِقُبْحِ رَائِحَتِهِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ بِالْحُكْمِ تَأْدِيبُهُ وَإِخْرَاجُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِهِ فَهُوَ شَرِيكُهُ فِي الْإِثْمِ، قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ: وَالْمَذْهَبُ مَنْعُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ الصَّحِيحُ اهـ وَقَالَ الْعَدَوِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ كَمَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ الصَّحِيحُ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى وَيُرِيدُ مَنْعَ بَعْضِ النَّاسِ الْحَاصِلُ مِنْهُمْ الْإِيذَاءُ بِكَشُرْبِ دُخَانٍ وَحَدِيثٍ وَتَعْفِيشٍ فَهَلْ لَهُ الْمَنْعُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الْمَنْعُ بَلْ يَجِبُ لِمَنْ أَرَادَ شُرْبَ الدُّخَانِ وَنَحْوِهِ فِي خُبْثِ الرَّائِحَةِ وَيَجِبُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ إعَانَتُهُ

أرض انكشف البحر عنها هل تكون فيئا للمسلمين

عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ لِإِخْلَالِهِ بِحُرْمَتِهِ وَإِيذَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ السَّالِمِينَ مِنْ دَاءِ شُرْبِ الدُّخَانِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ لِحَدِيثِ الدُّنْيَا الْمُبَاحِ وَمَنْ يَحْصُلُ مِنْهُ التَّعْفِيشِ بِطَاهِرٍ يَابِسٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَكْرُوهَانِ لِإِخْلَالِهِمَا بِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إنْ كَانَ الْحَدِيثُ حَرَامًا فَيَجِبُ الْمَنْعُ كَالْأَوَّلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِلْمُشْتَغِلِينَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَدِيثِ الدُّنْيَا اُسْكُتُوا يَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَسْكُتُوا قَالُوا لَهُمْ اُسْكُتُوا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَسْكُتُوا قَالُوا لَهُمْ اُسْكُتُوا وَعَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ» أَوْ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [أَرْض انْكَشَفَ الْبَحْرُ عَنْهَا هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضٍ انْكَشَفَ الْبَحْرُ عَنْهَا هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِمَنْ تَلِيهِ هِيَ أَوْ لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَكُونُ لِمَنْ تَلِيهِ هِيَ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ وَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ كَذَا فِي الْعَدَوِيِّ عَنْ الْبَدْرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْوَقْفِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْوَقْفِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَقِيقٍ لِيَتِيمٍ قَائِمٍ بِأَمْرِهِ وَمَوْهُوبٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ هِبَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ هَلْ يَكُونُ وَقْفًا بِذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصَدَّقْت وَوَهَبْت حَيْثُ حَصَلَ الْقَيْدُ وَبَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ بَاعَتْ الْأُمُّ الرَّقِيقَ فِي صِغَرِ الْيَتِيمِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ شَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ لِبَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالرَّقِيقُ خَمْسَةُ رُءُوسٍ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَمَّا رَشَدَ الْيَتِيمُ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى يَدِ بَعْضِ الْقُضَاةِ فَأَمْضَى الْبَيْعَ وَحُكِمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ لِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْحُكْمُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِنَقْضِهِ فَهَلْ يَتْبَعُ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ عَالِمٌ بِغَلَّتِهِ؟ وَمَاذَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ بِمَا تَقَدَّمَ جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا لِغَيْرِ الْحَقِّ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَكُونُ الرَّقِيقُ وَقْفًا عَلَى الْوَلَدِ وَعَقِبِهِ، وَإِنْ انْقَرَضَ رَجَعَ حَبْسًا لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ الْمُحْبِسَيْنِ وَلِامْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عُصِّبَتْ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصَدَّقْت وَوَهَبْت حَيْثُ تَحَقَّقَ قَيْدُ إرَادَةِ التَّحْبِيسِ مِنْ شَرْطِ عَدَمِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ حَسْبَمَا فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَنَصُّهُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ لَا يَهَبَ وَلَا يَبِيعَ أَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ فَإِنْ انْقَرَضَ عَقِبُهُ رَجَعَ حَبْسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْمُحْبِسِ يَوْمَ يَرْجِعُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّقِيقَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ حَبْسٌ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ يَجِبُ نَقْضُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِمْضَائِهِ جَهْلًا أَوْ تَعَمُّدًا لِلْبَاطِلِ وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ حَكَمَ كَذَلِكَ وَوَجَبَ عَزْلُهُ وَتَأْدِيبُهُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ وَوَلَّاهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِيَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِوَقْفِيَّتِهِ بِغَلَّتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِوَقْفِيَّتِهِ عَلَى

مَنْ لَمْ يَرْضَ بَيْعَهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَا الرَّشِيدِ وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا لِلْمَوَّاقِ فِي الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَبْسِ فَبَاعَهُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعَ وَعَلَى الْبَائِعِ الْأَدَبُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ حَبْسٌ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِالْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ؟ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ حَبْسٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ وَدَلِيلُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْغَلَّةُ وَالْكِرَاءُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَبْسِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشُّيُوخُ وَتَقَلَّدُوهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ إنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَائِعُ وَكَانَ مَالِكُ أَمْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَاخِذَ الْمُبْتَاعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ. وَإِنْ عَلِمَ حِينَ ابْتَاعَهُ أَنَّهُ حَبْسٌ وَقَدْ نَزَلْتُ بِقُرْطُبَةَ فَأَفْتَيْت بِذَلِكَ وَخَالَفَنِي فِي ذَلِكَ غَيْرِي، وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَنْفَذَهُ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ أَيْنَ يَأْخُذُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْحَبْسِ حَيَاةَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ رَجَعَ الْحَبْسُ إلَى مَرْجِعِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ لِابْنِ هَارُونَ تَلْخِيصٌ قَالَ الشُّيُوخُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ يَأْتِي وَغَيْرُ الْمَضْمُونِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ أَدَّى فِيهِ ثَمَنًا وَالثَّانِي لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ ثَمَنًا فَمَا أَدَّى فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ لَهُ بِالثَّمَنِ كَالرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ، ثُمَّ يُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ بِحَبْسٍ فَقِيلَ الْغَلَّةُ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ فِي عَدَمِ الْبَائِعِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِيمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْأُصُولِ بِالْحَبْسِ وَقِيلَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ غَلْقَ الْغَلَّةِ فِيهَا بِالضَّمَانِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ ثَمَنًا كَالْوَارِثِ، ثُمَّ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْوِرَاثَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا اخْتَلَّ أَوْ سَكَنَ لِانْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا سَكَنَ، وَأَتَى مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ لَا مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحَبْسُ إذَا اغْتَلَّهُ أَوْ سَكَنَهُ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ الْمُنْفَرِدُونَ بِهِ، ثُمَّ أَتَى مَنْ يُشَارِكُهُمْ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَلَا بِالْغَلَّةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِمَا، وَهُوَ جَارٍ عَلَى رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالسُّكْنَى، وَلَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الِاسْتِغْلَالِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، وَهُوَ لَمْ يُؤَدِّ ثَمَنًا، وَلَا هُوَ ضَامِنٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَارِثَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ يَحِلَّانِ مَحَلَّ مَنْ صَارَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْغَلَّةِ فَلَوْ كَانَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ بِكَوْنِهِ غَاصِبًا لَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّاهَا إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبْدَأُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْغَاصِبِ فَإِنْ أُعْدِمَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الَأَكْرِيَةِ الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ الْغَيْرِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقِيلَ لَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ يَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ يَزِيدُ، وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ يَبْتَاعُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْغَاصِبِ وَيَأْكُلُهُ فَإِنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ فِي اتِّبَاعِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا

وَهُوَ تَمْثِيلٌ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ بِضَمَانِهِ فَيَتَنَزَّلُ الْمَوْهُوبُ مَنْزِلَتَهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ هَارُونَ وَقَالَ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ فَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْمُعْطِي شَرْطَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ الْإِسْقَاطِ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهُ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلٍ فِيهِمَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ فِي اسْتِرْجَاعِ هِبَتِهِ أَوْ يَتْرُكُ الشَّرْطَ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَالْعَطِيَّةُ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى تُرَدَّ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الرَّدِّ. الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّرْطَ وَالْهِبَةَ مَاضِيَانِ فَتَكُونُ الْعَطِيَّةُ عَلَى هَذَا بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ لَا يَبِيعُ، وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ وُرِثَتْ عَنْهُ كَمَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَهُوَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ الْخَامِسُ: قَوْلُ سَحْنُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَجَعَ ذَلِكَ لِلْمُعْطِي أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ أَوْ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضٍ نَحْوُ أَلْفِ ذِرَاعٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِمَدِينَةِ إسْنَا بِأَقْصَى صَعِيدِ مِصْرَ طَرَحَ النَّاسُ أَتْرِبَةً وَأَقْذَارًا فِيهَا حَتَّى صَارَتْ تَلًّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ فَأَجَرَهَا نَائِبُ الْقَاضِي تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سَنَةً لِمَنْ يَنْقُلُ مَا فِيهَا مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَقْذَارِ وَيَبْنِيهَا خَانًا كُلَّ سَنَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَرْطَالِ زَيْتٍ لَا غَيْرَ، وَأَزَالَ الْمُكْتَرِي مَا فِيهَا وَأَصْلَحَهَا فَحَصَلَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا بِزَائِدٍ عَنْ تِلْكَ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تُفْسَخُ تِلْكَ الْإِجَارَةُ وَيَصِيرُ الْأَنْفَعُ لِلْوَقْفِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُفْسَخُ إنْ وُجِدَ حِينَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَمَّا ذُكِرَ أَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ حِينَ الْعَقْدِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بِزَائِدٍ عَمَّا ذُكِرَ فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ، وَلَا تُعْتَبَرُ الرَّغْبَةُ فِي إجَارَتِهَا بِزَائِدٍ عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ بِهِ الْحَادِثَةُ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَنَقْلِ مَا فِيهَا وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ إجَارَةِ الْوَقْفِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ وَيَخْتَصُّ بِزَائِدِ غَلَّتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي وَقْتِهَا وَجَرَى الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُمْ إلَى الْآنَ فِي مِصْرَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْخُلُوِّ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلًا لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيه نَاظِرُهُ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلًا يُكْرَى بِثَلَاثِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْخُلُوُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَوْ وَقَعَ الْإِيجَارُ عَلَى سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ كَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَكِنْ شَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ الرِّيعُ يُعَمَّرُ بِهِ انْتَهَى. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ حَبَسَ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي إِسْحَاقَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهُ بِثَمَنٍ، ثُمَّ خَافَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ الْبَيْعُ لِشُهْرَةِ الْحَبْسِ فَعَقَدَ لَهُ عَلَى اكْتِرَائِهِ خَمْسِينَ عَامًا وَتَمَلَّكَهَا الْمُكْتَرِي أَعْوَامًا وَتُوُفِّيَ فَقِيمَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَظْهَرُوا

عَقْدَ الشِّرَاءِ فَأُخِذَ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَظْهَرُوا عَقْدَ الْكِرَاءِ وَتَعَلَّقُوا بِهِ إلَى آخِرِ مُدَّتِهِ أَوْ مَوْتِ الْمُكْرِي فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْكِرَاءُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَمْ لَا وَهَلْ تَحْبِيسُهُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي إِسْحَاقَ كَالتَّحْبِيسِ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ كَالْحَبْسِ عَلَى الْمَسَاجِدِ. فَأَجَابَ إنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى النَّقْدِ فُسِخَ وَفِي جَوَازِهِ عَلَى غَيْرِ النَّقْدِ قَوْلَانِ: الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدِي الْمَنْعُ وَهَذَا فِيمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي كَمَسْأَلَتِك، وَأَمَّا الْحَبْسُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَسَاكِينِ وَشَبَهِهِمَا فَلَا يُكْرِيهِ النَّاظِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ إنْ كَانَ أَرْضًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ دَارًا، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ وَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ فَإِنْ أَكْرَاهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَضَى إنْ كَانَ نَظَرًا عَلَى مَذْهَبِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ اهـ. قُلْت وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَتْ بِبَطْلَيُوسَ اكْتَرَى أَرْضًا مُحْبَسَةً خَمْسِينَ عَامًا، ثُمَّ قَامَ النِّسْوَةُ الْمُكْرِيَاتُ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِنَّ عَلَى الْغَارِسِ يَطْلُبْنَ فَسْخَ الْكِرَاءِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَامْتَنَعَ الْمُكْتَرِي مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَبُو شَاكِرٍ أَحَدُ فُقَهَاءِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَكَتَبَ إلَيَّ بِهَا أَبُو شَاكِرٍ وَقَاضِيهَا ابْنُ خَالِصٍ وَكَتَبْت جَوَابَهَا لِأَبِي شَاكِرٍ وَكَانَ أَنْكَرَ عَلَيَّ فَسْخَ الْكِرَاءِ فَأَجَبْته: مِنْ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهَا لِغَيْرِهِ هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ قَدِيمًا فِي مَجَالِسِ شُيُوخِنَا الَّذِينَ تَفَقَّهْنَا عِنْدَهُمْ وَعِلَّةُ ذَلِكَ اعْتِمَادُ النَّاسِ فِي الْمَغْرِبِ عَلَيْهِمَا حَتَّى أَنِسَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَلِفَتْ مَعَانِيَهَا وَتَقَرَّرَتْ عِنْدَهُمْ صِحَّةُ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَمَا سَبَقَ لِلنَّفْسِ أَلِفَتْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ وَالْوَقَارُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْحَبْسِ إلَّا إلَى سَنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الدُّورِ السَّنَةَ وَفَوْقَ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ وَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ رِزْقٍ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ الْكِرَاءِ سَبْعِينَ عَامًا فَيُبْطِلُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا سَمِعْته، وَلَا رَأَيْته وَإِنَّمَا حُكِيَ لِي عَنْ الْمَنْصُورِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّهُ اكْتَرَى مَوْضِعًا حَبْسًا إلَى سَبْعِينَ عَامًا وَهَذَا لَوْ صَحَّ نَقْلُهُ فَلَا يَصِحُّ أَصْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ قُبَالَاتِ أَرْضِ الْأَحْبَاسِ لِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، وَهَذَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ بِقُرْطُبَةَ وَدُورِ الْأَحْبَاسِ وَالْحَوَانِيتِ إنَّمَا تُكْرَى عَامًا فَعَامًا وَشَاهَدْنَا ذَلِكَ مِنْ قُضَاتِهَا بِمَحْضَرِ فُقَهَائِهَا مِرَارًا وَقَدْ رَأَيْت مَسْأَلَةً نَزَلَتْ بِقَاضِي الْجَمَاعَةِ حَفِيدِ ابْنِ زَرِبٍ أَقْبَلَ بَيَاضًا وَفِيهَا سَوَادٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَذَكَرَ أَنَّهُ شَاوَرَ الْفُقَهَاءَ فَاخْتَلَفُوا فِي نَقْضِهَا لِطُولِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفْسَخُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْضِي وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَالْوَاقِعُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ بِتُونُسَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي أَحْبَاسِ قِرْطَاجَنَّةَ بَقَاءُ الْمُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَرَأَيْت كَذَا فِي قَاعَةِ دَارٍ خَمْسِينَ سَنَةً مِنْ الْحَبْسِ وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي شَاكِرٍ وَمَنْصُورِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يَتَقَبَّلُهَا إلَّا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ فَاغْتَفَرُوا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ كَالْتِزَامِ الْجَزَاءِ عَلَى أَرْضِ الْجَزَاءِ أَبَدًا لِضَرُورَةِ حَاجَةِ بَيْتِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِأَصْلٍ جَائِزٍ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا الْأَحْبَاسُ إلَخْ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَطَّابِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ جَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقَ بِتَمَامِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَجَازَ كِرَاءُ بُقْعَةٍ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِتُبْنَى دَارًا وَعُمِلَ بِهَا اهـ. قَالَ الْخَرَشِيُّ، ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى مَا شَرَطَهُ وَبِمَا إذَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَمَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْقَاضِي ابْنِ بَادِيسَ بِالْقَيْرَوَانِ أَنَّ دَارًا حَبْسًا

رجل له أولاد وبنات وأراد التحبيس على أولاده الذكور دون الإناث

عَلَى الْفُقَرَاءِ خَرِبَتْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا تُصْلَحُ بِهِ فَأَفْتَى بِأَنَّهَا تُكْرَى السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ كَيْفَ تَيَسَّرَ بِشَرْطِ إصْلَاحِهَا مِنْ كِرَائِهَا وَأَبَى أَنْ يَسْمَحَ بِبَيْعِهَا، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ الْعَدَوِيُّ: قَوْلُهُ الْكَثِيرَةَ أَيْ وَأَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا أَيْ مَعَ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ لِيُعَمَّرَ بِهَا اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّبْرَخِيتِيِّ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَإِلَّا جَازَ مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَلَوْ أَزْيَدُ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ تَفْوِيتِهَا بِالْبَيْعِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ إذَا صَدَرَتْ إجَارَتُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ جَاءَ شَخْصٌ يَزِيدُ فِيهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَإِنْ صَدَرَتْ إجَارَتُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تُقْبَلُ مِمَّنْ أَرَادَهَا كَانَ حَاضِرًا لِلْإِجَارَةِ الْأُولَى أَوْ كَانَ غَائِبًا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْكِرَاءِ كِرَاءَ الْمِثْلِ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ اُنْظُرْ تَمَامَهُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَلَا يَكُونُ عَقْدُ الْكِرَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ إلَّا لِلْعَامِ وَالْعَامَيْنِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُكْرَى مِمَّنْ يَكُونُ مَرْجِعُهُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ إلَى أَكْثَرَ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ وَأَكْرَى نَاظِرُهُ إنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَالسَّنَتَيْنِ وَلِمَنْ مَرْجِعُهُمَا لَهُ كَالْعَشْرِ اهـ قَالَ الْمَوَّاقُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ إسْقَاطُ الْكَافِ الْمُتَيْطِيُّ يَجُوزُ كِرَاءُ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ رِيعٌ مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ الْأَعْقَابِ لِعَامَيْنِ لَا أَكْثَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْقَضَاءُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَقَفَ دَارًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى، ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ أَجَرَ وَلَدُهُ الدَّارَ لِرَجُلٍ آخَرَ مُدَّةَ تِسْعِينَ سَنَةً وَأَخَذَ أُجْرَتَهَا مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْبِنَاءِ بِهَا وَأَنَّ كُلَّ مَا بَنَاهُ يَكُونُ مِلْكًا وَحَكَمَ بِصِحَّتِهَا قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَبَنَى فِيهَا بِنَاءً، ثُمَّ مَاتَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَخَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَادًا فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَوْلَادُ الْمُؤَجِّرِ فَسْخَ الْإِجَارَةِ يُجَابُونَ لِذَلِكَ، وَإِذَا قُلْت بِالْفَسْخِ فَمَا الْحُكْمُ فِي الْبِنَاءِ الَّذِي بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِذْنِ الْمُؤَجِّرِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُمَا حَكَمَ فِيهَا شَافِعِيٌّ بِالصِّحَّةِ يَرْجِعُ فِيهَا لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَنَا أَنَّ نُفْتِيَ بِالْفَسَادِ لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِحُكْمِهِ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَحُكْمِ الْبِنَاءِ وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَانْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ وَالْبِنَاءُ مِلْكٌ لِلْبَانِي فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ لَا يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ وَإِلَّا فَيُوَفِّي لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ قَطْعًا أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل لَهُ أَوْلَادٌ وَبَنَاتٌ وَأَرَادَ التَّحْبِيسَ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ وَبَنَاتٌ وَأَرَادَ التَّحْبِيسَ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ ظَاهِرًا وَأَشْهَدَ خُفْيَةً أَنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّخْصِيصُ بِالذُّكُورِ إنَّمَا هُوَ خَوْفٌ مِنْهُمْ، وَلَا يَمْضِي، ثُمَّ خَصَّصَ وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ لَا يَمْضِي لِلْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَمْضِي تَخْصِيصُ الْحَبْسِ بِالذُّكُورِ لِبَيِّنَةِ الِاسْتِرْعَاءِ بِالتَّعْمِيمِ وَعَدَمِ الْتِزَامِ التَّخْصِيصِ بَاطِنًا قَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَالِاسْتِرْعَاءِ يَنْفَعُ فِي كُلِّ تَطَوُّعٍ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَبْسِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَبَبَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ وَالْعُمْرَى مِنْ التَّطَوُّعَاتِ فَتَنْفَعُ فِيهَا بَيِّنَةُ الْإِيدَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ

قَوْلِ الْمُعَمِّرِ بِالْكَسْرِ فَمَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارِهِ مَثَلًا لِزَيْدٍ أَوْ أَعْمَرَهَا لَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ مِنْ جِهَةِ كَذَا فَإِنَّ لَهُ إذَا وَهَبَ أَوْ أَعْمَرَ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُعَرِّفَ الْبَيِّنَةُ السَّبَبَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِهِ كَمَا فِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ، وَأَمَّا فِيمَا خَرَجَ عَلَى عِوَضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ السَّبَبِ فَإِذَا أَشْهَدَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ غَرِيمَهُ لِإِنْكَارِهِ وَأَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ لَهُ رَجَعَ بِجَمِيعِ مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ إنْكَارُهُ فَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ إنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ لَهُ بِذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْمُعَمِّرُ بِغَلَّةِ مَا أَعْمَرَ أَوْ أُجْرَتَهُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَوَازِلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ إمَامِ مَسْجِدٍ لَهُ أَوْقَافٌ تَحْتَ يَدِهِ نَخْلٌ وَزَيْتُونٌ وَغَيْرُهُمَا يَصْرِفُ مِنْهَا لِكَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَيَأْكُلُ الْبَاقِيَ فَهَلْ يُخْرِجُ زَكَاةَ ذَلِكَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَهُ وَهَلْ بَيْعُهُ لِلثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ وَلَوْ كَرِزْقِ قَاضٍ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحُكْمُ فِيهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ إنْ بَلَغَ الثَّمَنُ نِصَابًا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ كَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ إلَّا أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ حَيْثُ بَلَغَتْ الْجُمْلَةُ نِصَابًا مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْإِمَامُ الَّذِي وَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ وَتَصَرَّفَ بِالْبَيْعِ وَالْعِمَارَةِ إنْ كَانَ مُنَصَّبًا مِنْ طَرَفِ الْوَاقِفِ أَوْ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ نَاظِرٌ وَبَيْعُهُ لِلثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ جَائِزٌ وَالثَّمَنُ مَقْبُوضٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَى الْوَقْفِ وَأَكْلُهُ لِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ إنْ كَانَ بِنَصٍّ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنَافِعِ الْجَامِعِ صَرَفَ فِي الْعِمَارَةِ وَالْحُصْرِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُعْطَى مِنْهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَفِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ الصَّغِيرِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ مَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنَافِعِ مَسْجِدٍ صَرَفَهَا عَلَى مَنَافِعِ الْمَسْجِدِ مِنْ بِنَاءٍ وَحُصْرٍ وَبِنَاءِ مَا رَثَّ مِنْ الْجُدَرَانِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنْ صُرِفَ لِلْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْبِسَ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّحْبِيسِ، وَلَا عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ حَكَمَنَا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِذَا قَبَضَ شَيْئًا لَمْ نُغَرِّمْهُ إيَّاهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْمُحْبِسَ قَدْ أَرَادَ بِحَبْسِهِ خِلَافَ ظَاهِرِ لَفْظِهِ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُتَقَرِّرَ الَّذِي يَعْلَمُهُ الْوَاقِفُ كَنَصِّهِ، وَأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ أَحْبَاسٍ بِطَرَابُلُسَ الْغَرْبِ تُسَمَّى بِالْجَارِيَةِ تُبَاعُ غَلَّاتُهَا وَيُتَصَدَّقُ بِهَا فِي رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي كَتَأْسِيسِ مَسْجِدٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا مِنْهَا مَا يُخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَأَكْلُ مُتَوَلِّيهِ أَوْ صَرْفِهِ لَهُ فِي غَيْرِ نَصِّ الْوَاقِفِ أَمْ لَا؟ . (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) صَرْفُ رِيعِ الْوَقْفِ فِي وَقْفٍ آخَرَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ قَالَ السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي مَا نَصُّهُ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ فِي رِيعِ الْوَقْفِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ حَالًا وَمَآلًا لِكَثْرَةِ ذَلِكَ هَلْ يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِوَجْهِ اللَّهِ يُسْتَعْمَلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَعَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَعَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إبْقَاءَ غَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ ابْتِغَاءِ الثَّوَابِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْخِيَانَةِ بِسَرِقَةِ الرِّيعِ أَوْ يُشْتَرَى بِهِ

رجل حبس ملكه وملك زوجته بغير إذنها لكونها معه في عصمته

أُصُولٌ وَعَلَيْهِ الْقَرَوِيُّونَ ا. هـ. ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل حَبَسَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا لِكَوْنِهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ] (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَبَسَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا لِكَوْنِهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ وَحَائِزًا لِمِلْكِهَا فَهَلْ لَا يُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ مِنْهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنَّمَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَالِكِ مَا يَمْلِكُهُ فَتَحْبِيسُ الزَّوْجِ مِلْكَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا فِي مِلْكِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى سَبِيلٍ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَرَطَ وَاقِفُهَا أَنْ لَا تُبَاعَ، وَلَا تُسْتَبْدَلَ بِغَيْرِهَا، ثُمَّ اسْتَبْدَلَ نَاظِرُ السَّبِيلِ تِلْكَ الْأَرْضَ بِأَرْضٍ أُخْرَى مِنْ أَرَاضِي الدِّيوَانِ بِأَنْ دَفَعَ أَرْضَ الْوَقْفِ لِرَجُلٍ مِنْ الْفَلَّاحِينَ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَرْضًا مِنْ أَرَاضِي الدِّيوَانِ وَصَارَ النَّاظِرُ يَدْفَعُ مَصَارِيفَ الْوَقْفِ وَالْفَلَاحُ يَدْفَعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ فَهَلْ هَذِهِ الْمُبَادَلَةُ بَاطِلَةٌ؟ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ رَدُّ أَرْضِ الْوَقْفِ بِعَيْنِهَا تَحْتَ يَدِهِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ وَأَطْلَقَ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ النَّاظِرِ بَاطِلَةً وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ رَدُّ أَرْضِ الدِّيوَانِ لِصَاحِبِهَا وَأَخْذُ أَرْضِ الْوَقْفِ بِعَيْنِهَا وَمَنْ امْتَنَعَ فَعَلَى الْحَاكِمِ زَجْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ غَارُوقَةٍ عَلَى قِطْعَةٍ رِزْقَةٍ مُرْصَدَةٍ عَلَى ضَرِيحِ وَلِيٍّ، ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَقَامَ أَوْلَادُ الرَّاهِنِ يُرِيدُونَ أَخْذَهَا مَجَّانًا فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ قِطْعَةً مِنْهَا وَمَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَقُلْتُمْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِي الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ الْمُبْتَاعُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَيْعُ الْأَرْضِ الثَّابِتُ تَحْبِيسُهَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ رَهْنُهَا وَحِينَئِذٍ يَجِبُ رَدُّ مَا بِيعَ مِنْهَا وَمَا رُهِنَ لِلْجِهَةِ الْمُحْبَسَةِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ بِمَا لَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَنْ أَقْبَضَهَا لَهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالرَّاهِنِ وَعَلَى تَرِكَتِهِ إنْ مَاتَ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُشْتَرِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا فِيمَا مَضَى لِجِهَةِ الْحَبْسِ وَيُجْبَرُ كُلٌّ عَلَى رَدِّ الْأَرْضِ لِلْجِهَةِ الْمُحْبَسَةِ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ: مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ قِطْعَةُ طِينٍ رِزْقَةٍ بَعْضُهَا عَلَى عَمَلٍ وَبَعْضُهَا عَلَى الْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ غَرَسَ فِيهَا نَخْلًا وَبَنَى فِيهَا مَنْزِلًا، ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَ النَّخْلِ وَالْمَنْزِلِ فَهَلْ لِلزَّوْجَةِ أَخْذُ صَدَاقِهَا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِضَيَاعِهِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْخُلُوِّ يُقْطَعُ فِيهِ الْإِرْثُ وَوَفَاءُ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ لِفَاعِلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَكِنْ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ يَكُونُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أُجْرَةٌ لِلَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ وَقْفُ الْأَرْضِ يُسَمَّى عِنْدَنَا بِمِصْرَ حِكْرًا لِئَلَّا يَذْهَبَ الْوَقْفُ بَاطِلًا فَتَحْصُلُ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ بِنَاءٍ وَغَرْسٍ يُمْلَكُ وَيُورَثُ وَتُوَفَّى مِنْهُ الدُّيُونُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَقْفِ مِنْ حِكْرٍ أَيْ أُجْرَةٍ تُصْرَفُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بَعْدَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ عُلَمَاؤُنَا، وَوَقَعَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَنَا

وقف عليه كتب ينتفع بها فهل له إعارتها أم لا

بِمِصْرَ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَجِبُ تَقْيِيدُ هَذَا الْجَوَابِ بِمَا إذَا بَيَّنَ الْمِلْكِيَّةَ أَمَّا إنْ بَيَّنَ التَّحْبِيسَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا فَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَقْفٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا حَقَّ فِيهِمَا لِوَرَثَةِ الْبَانِي وَالْغَارِسِ فَلَا يَرِثُونَهُمَا عَنْهُ، وَلَا تُوَفَّى مِنْهُمَا دُيُونُهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ بَنَى مُحْبَسٌ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيَّنْ فَهُوَ وَقْفٌ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ رِيعٌ مَثَلًا فَبَنَى فِيهِ بُنْيَانًا فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ حَبْسٌ أَوْ مِلْكٌ عَمِلَ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَبْسٌ، وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَوْلُهُ فَهُوَ وَقْفٌ أَيْ لِلْوَاقِفِ لَا يُقَالُ إنَّهُ وَقْفٌ غَيْرُ مَحُوزٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إنَّمَا بَنَى لِلْوَاقِفِ وَمَلَكَهُ فَهُوَ مَحُوزٌ بِحَوْزِ الْأَصْلِ وَمَفْهُومُ مُحْبَسٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَنَى الْأَجْنَبِيُّ فِي الْوَقْفِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا كَمَا فِي النَّوَادِرِ وَالْغَرْسُ كَالْبِنَاءِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكًا لَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ فِي الْوَاقِفِ مَا يَدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ مَا بَنَاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَاقِفُ وَإِلَّا فَيُوَفِّي مِنْ الْغَلَّةِ قَطْعًا بِمَنْزِلَةِ مَا بَنَاهُ الْمُنَاظِرُ انْتَهَى. قَالَ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ قَوْلُهُ مُحْبَسٌ عَلَيْهِ أَيْ بِالشَّخْصِ أَوْ بِوَصْفٍ كَإِمَامِهِ. قَوْلُهُ فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ حَبْسٌ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ قَوْلُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَبْسٌ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ قَوْلُهُ وَمَلَكَهُ فِعْلٌ مَاضٍ أَيْ مَلَكَ الْوَاقِفُ مَا بَنَاهُ. قَوْلُهُ فَلَهُ نَقْضُهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ إصْلَاحَ بَيْتٍ نَحْوُ إمَامٍ عَلَى الْوَقْفِ لَا عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ وَأَخْرَجَ السَّاكِنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى لِيُكْرِيَ لَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَقْفِ رِيعٌ يُبْنَى مِنْهُ، قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ مَا بَنَاهُ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا خُصُوصِ مَا يَلِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. [وُقِفَ عَلَيْهِ كُتُبٌ يُنْتَفَعُ بِهَا فَهَلْ لَهُ إعَارَتُهَا أَمْ لَا] (وَسُئِلَ أَبُو الْإِرْشَادِ الْعَلَّامَةُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ وُقِفَ عَلَيْهِ كُتُبٌ يُنْتَفَعُ بِهَا فَهَلْ لَهُ إعَارَتُهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إعَارَتُهَا، وَأَمَّا إنْ وَقَفَهَا لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهَا فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهَا كِتَابًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَلَكِنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِلْبَرْزَلِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَإِخْوَتِهِ كُتُبًا، ثُمَّ إنَّ شَخْصًا عَالِمًا يُسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ الشَّوْبَرِيَّ حَكَمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ فَأَجَازَ الْكِبَارُ الْوَقْفَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَعْمَامِهِمْ وَبِيعَتْ حِصَّةُ الصِّغَارِ مِنْ الْكُتُبِ، ثُمَّ مَاتَ الْكِبَارُ وَالْأَعْمَامُ وَلَهُمْ أَوْلَادٌ وَطَلَبَ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ الصِّغَارُ أَخْذَ الْوَقْفِ مِنْ بَنِي إخْوَتِهِمْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَغِلُونَ بِعِلْمٍ وَيُخَافُ عَلَى الْكُتُبِ مِنْهُمْ وَفِي أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ وَيَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِلْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا وَهَلْ حُكْمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) الْحُكْمُ الْوَاقِعُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ كَانَ الْوَاقِفُ فِي الصِّحَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَحَيْثُ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْكُتُبِ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَنْزِعُهَا مِنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بِيَدِ مَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادُ الْإِخْوَةِ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ إذَا كَانُوا مَأْمُونِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ الَّتِي أَبْطَلَ الْحَاكِمُ تَحْبِيسَهَا وَرَدَّهَا لِلدِّيوَانِ هَلْ لَا يُعْتَبَرُ إبْطَالُهُ وَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى تَحْبِيسِهَا لَا تُبَاعُ، وَلَا تُرْهَنُ، وَلَا تُورَثُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَرْضُ مِصْرَ الصَّالِحَةُ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ وَأَرْضُ الدُّورِ وُقِفَتْ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا عَنْوَةً قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ كَمِصْرِ وَالْوَقْفُ لَا يُوقَفُ إنَّمَا يُوقَفُ الْمَمْلُوكُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ فَالْأَرْضُ لَيْسَتْ مُحْبَسَةً تَحْبِيسًا آخَرَ

مَخْصُوصًا بِهَا إنَّمَا هِيَ مُقْطَعَةٌ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْإِمَامُ لَا يَقْطَعُ مَعْمُورَ الْعَنْوَةِ مِلْكًا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إنَّمَا يَقْطَعُهَا إمْتَاعًا وَانْتِفَاعًا فَلَا يَبِيعُهَا الْمُقْطَعُ لَهُ، وَلَا تُورَثُ عَنْهُ وَتَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَقْفًا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ يَقْطَعُهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَيُكْرِيهَا لِمَنْ شَاءَ وَيَجْرِي فِي الْمُقْطَعِ لَهُ ثَانِيًا مَا جَرَى فِي الْمُقْطَعِ لَهُ أَوَّلًا وَهَكَذَا الْأَمْرُ مَا دَامَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ نَافِذًا فَالْحَاكِمُ لَمْ يُبْطِلْ تَحْبِيسَ مُحْبَسٍ إنَّمَا رَدَّ الْمَقْطَعَاتِ الَّتِي انْتَهَى إقْطَاعُهَا بِمَوْتِ الْمُقْطَعِ لَهُمْ إلَى مَحَلِّهَا مَعَ بَقَائِهَا عَلَى وَقْفِيَّتِهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فَلَا تُبَاعُ، وَلَا تُرْهَنُ، وَلَا تُورَثُ هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ وَنُصُوصُهُ لَكِنْ أَفْتَى الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي وَالشَّيْخُ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَالشَّيْخُ يَحْيَى الشَّاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهَا تُورَثُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ وَقَدْ سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ شَيْخَ الْمَشَايِخِ عُمَرُ الطَّحْلَاوِيُّ عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ وَقُلْت لَهُ مَا وَجْهُ الْإِرْثِ فِي الْوَقْفِ فَقَالَ: إنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْخَلَوَاتِ (قُلْت) وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ حَصَلَ مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ أَثَرٌ فِيهَا كَإِصْلَاحٍ بِإِزَالَةِ شَوْكِهَا أَوْ حَرْثِهَا أَوْ نَصْبِ جِسْرٍ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْحَقُ بِالْبِنَاءِ فِي الْأَوْقَافِ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لِمَصْلَحَةٍ فَيَكُونُ خُلُوًّا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيُمْلَكُ وَرُبَّمَا يُشِيرُ لِمَا قُلْنَا تَعْبِيرُ الْفَلَّاحِينَ عَنْهُ بِطِينِ الْأَثَرِ فَكَأَنَّهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَظَرُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ الْأَمْرُ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَوْ دَفْعِ مَغَارِمَ فِي نَظِيرِ التَّمْكِينِ مِنْ الطِّينِ كَالْحُلْوَانِ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُلْتَزِمُ لِلسُّلْطَانِ فِي نَظِيرِ التَّمْكِينِ مِنْ الْمَحْلُولِ وَقَدْ أَثْبَتُوا بِذَلِكَ حَقًّا لِلْمُلْتَزِمِينَ حَتَّى أَفْتَوْا لَهُمْ بِالشُّفْعَةِ إذَا أَسْقَطَ شَرِيكَهُ وَتَمْكِينُ الْمُلْتَزِمِ لِلْفَلَّاحِينَ نَظِيرُ تَمْكِينِ السُّلْطَانِ، وَإِنْ لَمْ يُفْتُوا بِالْإِرْثِ فِي الِالْتِزَامِ لِشَبَهِهِ بِإِجَارَةِ الْمُسَانَاةِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ بِدَلِيلِ التَّقْسِيطِ وَالتَّحْوِيلِ كُلَّ سَنَةٍ فَبِالْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِرْثِ لَكِنْ الَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ اتِّبَاعُ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْإِرْثِ لِمَا عَرَفْت؛ وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلنِّزَاعِ وَالْفِتَنِ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْآنَ مُلْتَزِمٌ شَرْعِيٌّ فِي الْوَاقِعِ يُفْتِي بِأَنَّ الطِّينَ لَهُ فَإِنَّ الْمُلْتَزِمَ الشَّرْعِيَّ مَنْ يَلْتَزِمُ بِدَفْعِ الْمَظَالِمِ عَنْ النَّاحِيَةِ وَحِمَايَتِهَا مِمَّا يَضُرُّهَا، وَلِذَلِكَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ الْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ فَإِنْ لَمْ تَحْمِهِ تُجْبِهِ وَالتَّقَاسِيطُ السُّلْطَانِيَّةُ مَشْرُوطٌ فِيهَا عَلَى الْمُلْتَزِمِينَ عَدَمُ الظُّلْمِ وَرَفْعُهُ وَهَذَا كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْكَاشِفِ مَنْ يَكْشِفُ عَلَى الْجِهَاتِ لِيَرْفَعَ عَنْهَا الْمَضَرَّاتِ. وَأَوَّلُ مَنْ رَتَّبَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْآنَ صَارَ الدَّوَاءُ دَاءً وَلِيَقُومَ أَيْضًا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَرْضُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَيَدْفَعَ الْخَرَاجَ لِبَيْتِ الْمَالِ لِيَصْرِفَ فِي جِهَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا مَفْقُودٌ الْآنَ وَإِنَّمَا الْمُلْتَزِمُ يَسْلُبُ الْأَمْوَالَ وَيُؤْذِيَ الْفَلَّاحِينَ وَيَتَوَقَّفُ فِي دَفْعِ مَا عَلَيْهِ الْمُسَمَّى بِالْمَيْرَى لِجِهَاتِ بَيْتِ الْمَالِ وَيَصْرِفُ الْخَرَاجَ الَّذِي يُجْبِيهِ فِي جِهَاتٍ تُغْضِبُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَكَّنَهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ بَلْ لَوْ وَقَعَ التَّمْكِينُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ فَاسِدٌ شَرْعًا فَإِنَّ قُصَارَى السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ وُكَلَاءُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالْوَكِيلُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ فَلَوْ قُلْنَا الْآنَ الطِّينُ لَلْمُلْتَزِمِ لَحَرَمَ مِنْهُ الْفُقَرَاءَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ مَالًا كَثِيرًا مِنْ الْأَغْنِيَاءِ مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ، وَالطِّينُ وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ وَالْخَلْقُ عِبَادُ اللَّهِ وَعِيَالُ اللَّهِ فَيُلْفَتُ بِالْإِرْثِ فِي مَنْفَعَةِ الطِّينِ وَإِسْقَاطِهَا بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَالْمُلْتَزِمُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْخَرَاجُ مِنْ بَابِ مَنْ اشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ خُصُوصًا، وَقَدْ قَالَ بِالْمِلْكِ حَقِيقَةً وَالْإِرْثِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا عَنْوَةً وَلَيْسَ لِلْمُلْتَزِمِ الزِّيَادَةُ الْفَاحِشَةُ فِي الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ مَا عَلَى هَذَا

الْتَزَمَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ الِاخْتِصَاصُ بِالطِّينِ رَأْسًا وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ لِعُمُومِ مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ فَائِضٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَدْفَعُهُ مِنْ أَصْلِ الْخَرَاجِ فِي نَظِيرِ تَعَبِهِ فِي الْإِصْلَاحِ وَهَؤُلَاءِ الْمُلْتَزِمُونَ يَنْهَبُونَ وَيُؤْذُونَ وَيَضْرِبُونَ، وَلَا يَنْفَعُونَ، ثُمَّ يَأْتُونَ يَسْتَفْتُونَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُ الْفَلَاحِ عَنْ أَثَرٍ، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُ الْبَنَاتِ مِنْهُ وَلَوْ جَرَى عُرْفٌ بِمَنْعِهِنَّ فَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ بَلْ رُبَّمَا كُنَّ أَحْوَجَ وَأَحَقَّ بِمَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْ جِهَاتِ بَيْتِ الْمَالِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُفْتِي عَارِفًا وَأَتْبَعَ فَتْوَاهُ مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ مُرَاعَاةِ النُّصُوصِ وَإِمْعَانِ النَّظَرِ حَسَنٌ وَتَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقَضِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا يُحْدِثُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ عَنْ طِينِ زِرَاعَةٍ مُسِحَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُورَثُ عَنْهُ وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا أَسْقَطَ الرَّجُلُ حَقَّهُ مِنْ الطِّينِ لِآخَرَ فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا لَهُ يَأْخُذُ الطِّينَ وَيَكْتُبُ وَثِيقَةً شَرْعِيَّةً بِذَلِكَ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الطِّينِ أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَنْصُوصُ أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَنَّ أَرْضَ الزِّرَاعَةِ مِنْهَا مَوْقُوفَةٌ لِمُهِمَّاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاظِرُ عَلَيْهَا نَائِبُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَأَنَّهَا لَا تُورَثُ بَلْ الْحَقُّ لِمَنْ يُقَرِّرُهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهَا مُكْتَرَاةٌ وَالْخَرَاجُ كِرَاؤُهَا، وَلَا حَقَّ لِلْمُكْتَرِي فِي مِثْلِ هَذَا فَيُورَثُ عَنْهُ هَذَا أَصْلُ الْمَذْهَبِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِأَنَّ الْأَرْضَ تُورَثُ فَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ الْفَتْوَى يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمَا أَفَادَهُ الْعَالِمُ الْفُلَانِيُّ أَوْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ فُلَانٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَمِنْ الْمُشْكِلَاتِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ إنَّهَا بَاطِلَةٌ مَكْذُوبَةٌ عَلَى مَنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ فَلَا تُورَثُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَدْرُ فِي مَوَاضِعَ وَوَقَعَتْ الْفَتْوَى بِالْإِرْثِ قِيلَ إلْحَاقًا بِالْخَلَوَاتِ، وَالْخَرَاجُ كَالْكِرَاءِ انْتَهَى. وَذَكَرَ شَيْخُنَا الدُّسُوقِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى بِالْإِرْثِ إمَّا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ لِمَا فِي مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْهَرَجِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُزَارِعِينَ فِيهَا حَقٌّ يُشْبِهُ الْخُلُوَّ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيكِهِمْ الْأَرْضَ وَالْعِلَاجِ فِيهَا وَالْخُلُوُّ يُورَثُ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ رَاعَى الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ بِعَدَمِ الْإِرْثِ وَمَنْ رَاعَى مُقَابِلَهُ قَالَ بِالْإِرْثِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهَا خَصْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ لَا تَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ اسْتَظْهَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الدَّرْدِيرُ وَالرُّجُوعُ لِلْحَقِّ أَحَقُّ وَالضَّرُورَةُ لَهَا أَحْكَامٌ بِقَدْرِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ مُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَسَدُّ أَبْوَابِ الْفِتَنِ مَا أَمْكَنَ وَأَخْذُ الدَّرَاهِمِ لِأَجْلِ إسْقَاطِ الْحَقِّ وَمَتَى قَدَرَ الْآخِذُ عَلَى رَدِّهَا رَجَعَ فِي حَقِّهِ، وَرَدُّهَا عَقْدٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِبًا فَاعِلُهُ مَلْعُونٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَالْآخِذُ وَالدَّافِعُ وَالْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَيَجِبُ فَسْخُ هَذَا الْعَقْدِ مَتَى اُطُّلِعَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّا انْكَشَفَ مِنْ الطِّينِ الَّذِي تَحْتَ بَحْرِ النِّيلِ وَقُلْتُمْ إنَّهُ لِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ فَهَلْ إذَا كَانَ مَكْتُوبًا لِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ أَخَذَهُ النِّيلُ وَأَخْرَجَهُ لِآخَرِينَ يَكُونُ لِمَنْ أَخْرَجَهُ لَهُمْ بِحَيْثُ كَانَ قَرِيبًا وَهَلْ لِمَنْ لَهُ الِالْتِزَامُ أَنْ يَنْزِعَ طِينَ شَخْصٍ وَيُعْطِيَهُ لِآخَرَ وَهَلْ الْمِسَاحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الشَّخْصِ لِلْإِنَاثِ تَوَارُثُهَا مَعَ الذُّكُورِ بِالْقِسْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ

وَإِذَا قَرَّرَ الْمُلْتَزِمُ فِيهِ شَخْصًا هَلْ لَهُ الِاخْتِصَاصُ بِهِ وَمَنْعُ الْإِنَاثِ وَهَلْ يَصِحُّ نَزْعُهُ وَإِعْطَاؤُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الطِّينُ الَّذِي يَنْكَشِفُ عَنْهُ الْبَحْرُ قِيلَ لِلْأَقْرَبِ إلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي التَّمْكِينِ مِنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ لِتَمْكِينٍ جَدِيدٍ بَلْ لَا تَمْكِينَ لَهُ مُسْتَقِلٌّ وَقِيلَ لِبَيْتِ الْمَالِ يَبْتَدِئُ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ تَمْكِينًا لِمَنْ شَاءَ بِمَا يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ وَالْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَكُلُّ هَذَا فِيمَا كَانَ تَحْتَ الْبَحْرِ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقٌ لِأَحَدٍ فَأَمَّا إنْ مَالَ الْبَحْرُ عَلَى أَرْضِ قَوْمٍ وَجَرَى فِيهَا، ثُمَّ انْكَشَفَتْ قِطْعَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِعَيْنِهَا بِآثَارٍ وَعَلَامَاتٍ أَوْ بِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَتِلْكَ الْقِطْعَةُ لِأَرْبَابِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ طَرَأَ وَزَالَ فَأَمَّا التَّعْوِيضُ بِقَدْرِهَا مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا انْكَشَفَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ أَرَاضِي الْبَحْرِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْمُسَامَحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى شَخْصٍ فَإِنْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَسْمُوحٌ تَبَرَّعَ بِهِ الْمُلْتَزِمُ مِنْ فَائِضِ الْخَرَاجِ يُدْفَعُ لِشَخْصٍ فَهَذَا الْمَرْجِعُ فِيهِ لِمَا نَصَّ الْمُلْتَزِمُ عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّهُ وَرَضِيَ بِهِ مِنْ تَخْصِيصِ الذُّكُورِ أَوْ شَرِكَتِهِمْ مَعَ الْإِنَاثِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا صَدَرَ مِنْ مُلْتَزِمٍ مُلْتَزِمًا آخَرَ إلَّا إذَا رَضِيَهُ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ لِنَفْسِ الْمُلْتَزِمِ الْأَوَّلِ قَطْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِعْطَاؤُهُ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْفِعْلِ مِنْ بَابِ الْوَعْدِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ حَيْثُ لَمْ تَصْدُرْ صِيغَةُ نَذْرٍ وَالْتِزَامٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ تَخْفِيفًا عَنْ شَخْصٍ فِي خَرَاجِ طِينِهِ كَطِينِ الْمَشَايِخِ الَّذِي لَا يُصْرَفُ فِي الْوَادِي الْبَحْرِيِّ فَهَذَا إنْ كَانَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ فَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَظِيرِ الْقِيَامِ بِأَعْمَالٍ كَانَ وَظِيفَةَ عَمَلٍ يَتْبَعُ الْعَمَلَ وَيُقَرِّرُ فِيهِ الْمُلْتَزِمُ مَنْ شَاءَ حَيْثُ كَانَتْ الْأَعْمَالُ خِدْمَةً وَمُعَاوَنَةً لَهُ كَالْمَشْيَخَةِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ آثَارٍ وَأُمُورٍ صَدَرَتْ مِنْ صَاحِبِ الْمَسْمُوحِ تَتَعَلَّقُ بِالْمَزَارِعِ جَرَى عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِمَنْفَعَةِ الْخَلَوَاتِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَعَدَمِ النَّزْعِ مِنْهُ، وَمَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَهُوَ لِوَارِثِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْأَخِيرِ انْتَهَى. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ طِينٌ رِزْقَةً بِالْأَرْضِ الْمِصْرِيَّةِ بِمُوجَبِ تَقَارِيرَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَهَلْ تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْمِلْكِ مِنْ تَوَارُثٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي التَّقَارِيرِ أَنَّهَا تُمْلَكُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ كَانَ الطِّينُ الْمَذْكُورُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمِلْكِ عَلَى مَا هُوَ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ وَالْعُرْفُ مَعْمُولٌ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ صَدَرَتْ الْفَتْوَى بِالتَّوْرِيثِ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا مَعَ أَنَّ النَّصَّ عِنْدَنَا أَنَّهَا وَقْفٌ لَكِنَّهُمْ أَلْحَقُوهَا بِالْخَلَوَاتِ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي تُمْلَكُ وَتُورَثُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ وَلَهُ طِينٌ أَعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ بِتَمَسُّكٍ شَرْعِيٍّ لِلْجَمِيعِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَخَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَدًا فَأَعْطَى الْأَبُ الْمَذْكُورُ وَلَدَيْ وَلَدَيْهِ مَا كَانَ لِوَالِدَيْهِمَا وَكَتَبَ لَهُمَا تَمَسُّكًا شَرْعِيًّا بِذَلِكَ فَهَلْ يَفُوزَانِ بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمَا جَدُّهُمَا؟ وَإِذَا ادَّعَى عَمُّ الْوَلَدَيْنِ بِطِينٍ زَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي أَعْطَاهُ لَهُ أَبُوهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَفُوزُ الْوَلَدَانِ بِمَا حَازَاهُ بِتَمْكِينِ جَدِّهِمَا وَفَرَاغِهِ لِأَبِيهِمَا وَلَهُمَا، وَإِذَا ادَّعَى الْعَمُّ بِزَائِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ مَلَكَ طِينًا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ عَنْ أُصُولِهِ مَعَ تَمْكِينِ الْمُلْتَزِمِينَ فَأَعْطَى بَعْضَهُ لِرَجُلٍ فِي نَظِيرِ خِدْمَتِهِ لَهُ وَزَرَعَهُ مُدَّةً زَائِدَةً عَلَى مُدَّةِ الْحِيَازَةِ، وَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِلْخِدْمَةِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَزَرَعَهُ وَرَثَتُهُ مُدَّةً مَعَ الْخِدْمَةِ أَيْضًا، ثُمَّ تَرَكُوا

رجل حبس مالا على ابنه وبني ابنه في حال صحته ثم مات عن ابنه المذكور وعن أمه

الْقِيَامَ بِالْخِدْمَةِ فَأَرَادَ وَرَثَةُ الْمُعْطِي أَخْذَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُعْطَى لَهُ بَعْدَ تَمْكِينِ الْمُلْتَزِمِ وَرَثَةَ الْمُعْطَى لَهُ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) لَا يُعْتَبَرُ تَمْكِينُ الْمُلْتَزِمِ الثَّانِي بَعْدَ تَمْكِينِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي رَفْعِ الْأَوَّلِ وَتَمْكِينِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ مِنْ نُوَّابِ السُّلْطَانِ وَالسُّلْطَانُ وَنُوَّابُهُ لَا يَمْضِي تَصَرُّفُهُمْ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلِوَرَثَةِ صَاحِبِ الطِّينِ أَخْذُهُ وَدَفْعُ خَرَاجِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ بِجِوَارِ الْبَحْرِ وَلِرَجُلٍ آخَرَ أَرْضٌ بَعِيدَةٌ عَنْهُ فَطَلَبَ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ قِطْعَةَ أَرْضٍ يَحْفِرُ فِيهَا سَاقِيَّةً يَسْقِي مِنْهَا أَرْضَهُ فَوَهَبَ لَهُ قِطْعَةً قَدْرَ السَّاقِيَّةِ وَمَرْبِطَ الدَّوَابِّ وَلِلْوَاهِبِ سَاقِيَّةٌ بِجَانِبِهَا، ثُمَّ حَفَرَ ابْنُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي مَحِلِّ رَبْطِ الدَّوَابِّ فَوَجَدَ سَاقِيَّةً قَدِيمَةً مَبْنِيَّةً فَتَنَازَعَا فِيهَا فَهَلْ الْحَقُّ فِيهَا لِمَالِكِ الْأَرْضِ الدَّافِعِ لِخَرَاجِهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ وَقْفُ النَّظَرِ فِيهَا لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ دَفِينٍ أَوْ بِنَاءٍ قَدِيمٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ أَمْرُهُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَهُوَ لِمَنْ مَكَّنَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّذِي يَدْفَعُ الْخَرَاجَ لِجِهَةِ بَيْتِ الْمَالِ، وَتَبَرُّعُ مُسْتَحِقِّ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقِطْعَةٍ مِنْهَا يَرْبِطُ فِيهَا دَوَابَّهُ لَا يَسْرِي إلَى الْبِنَاءِ الْقَدِيمِ الْمَدْفُونِ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ طِينِ فِلَاحَةٍ لِآخَرَ سَنَةً فَأَكْثَرَ وَالْتَزَمَ الْمُسْقَطُ لَهُ دَفْعَ الْخَرَاجِ لِلْمُلْتَزِمِ وَجَعَلَ لِلْمُسْقِطِ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ تَارَةً مِنْ نَوْعِ مَا يَزْرَعُ وَتَارَةً مِنْ جِنْسِ الْحُبُوبِ وَيُسَمُّونَ هَذَا الْقَدْرَ فِي عُرْفِهِمْ بِالرِّشْوَةِ فَهَلْ هَذَا جَائِزٌ لَازِمٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا يُجْعَلُ لِصَاحِبِ الطِّينِ فِي نَظِيرِ إسْقَاطِ حَقِّهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الطِّينِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي مَنْعَ كَوْنِ الْمَجْعُولِ طَعَامًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا) عَمَّنْ أَعْطَى أَرْضَ فِلَاحَةٍ لِرَجُلٍ لِيَغْرِسَهَا شَجَرًا وَجَعَلَ لِلْغَارِسِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ، وَالْخَرَاجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِحُكْمِ الْأَرْضِ بَعْدَ فَنَاءِ الشَّجَرِ الَّذِي يُغْرَسُ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا صَاحِبُ الْأَثَرِ وَحْدَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْغَرْسِ أَوْ تَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ مُدَّةَ الْغَرْسِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ أَرْضُ الْفِلَاحَةِ بَعْدَ فَنَاءِ الْغَرْسِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَثَرِ وَيَدْفَعُ خَرَاجَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَخَلَفَ طِينَ فِلَاحَةٍ وَطِينَ رِزْقَةٍ بِرٍّ وَصَدَقَةٍ وَرِزْقَةٍ فِي نَظِيرِ عَمَلٍ وَعَقَارٍ وَعُرْفُ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ تَوْرِيثُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَهَلْ تَخْتَصُّ الذُّكُورُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَهُ دُونَ الْإِنَاثِ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ تَوْرِيثُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ عُرْفٌ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَلَا تَخْتَصُّ الذُّكُورُ إلَّا بِمَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى عَمَلٍ خَاصٍّ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [رَجُل حَبَسَ مَالًا عَلَى ابْنِهِ وَبَنِي ابْنِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ ابْنِهِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ أُمِّهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَبَسَ مَالًا عَلَى ابْنِهِ وَبَنِي ابْنِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ ابْنِهِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ أُمِّهِ فَهَلْ لِأُمِّهِ نَصِيبٌ فِي الْمَالِ الْمُحْبَسِ عَلَى ابْنِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ إنْ تَمَّتْ وَقَفِيَّةُ هَذَا الْمَالِ بِحِيَازَتِهِ عَنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ الْمَوَانِعِ فَلَا نَصِيبَ لِأُمِّهِ فِيهِ وَإِلَّا بَطَلَ وَرَجَعَ مِيرَاثًا فَلَهَا نَصِيبٌ فِيهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ مَسْأَلَةِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِيهَا فِي الْمَرَضِ وَفِي هَذِهِ فِي الصِّحَّةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْوَارِثِ فِي مَرَضِ مَوْتِ الْوَاقِفِ بَاطِلٌ وَسَوَاءٌ

حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةُ وَقْفٍ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ أَوْ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ فَإِنْ صَحَّ الْوَاقِفُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْوَقْفُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ نَاظِرِ أَوْقَافِ مَسْجِدٍ مَحَلَّاتٍ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ مُدَّةً نَحْوَ خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الْعِمَارَةِ وَالْخُلُوِّ وَالسُّكْنَى كَمَا هِيَ عَادَةُ الشُّهُودِ فِي كِتَابَةِ الْحُجَجِ، ثُمَّ أَوْقَفَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَحَلَّاتِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَمَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَضَتْ بَعْدَهَا مُدَّةٌ تَزِيدُ عَلَى سِتِّينَ سَنَةً فَهَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الْمَحَلَّاتُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَلَيْهَا وَاسْتَغَلَّهَا يُحَاسِبُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ الْأَوَّلُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْحُجَّةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَرْجِعُ هَذِهِ الْمَحَلَّاتُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ وَتَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ كَوْنِهَا وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ مِلْكًا وَلَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ مُحَاسَبَةُ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الْغَلَّةِ، وَلَا أَخْذُهَا مِنْهُ إنَّمَا لَهُ الْحِكْرُ الْمُوَظَّفُ عَلَيْهَا كُلَّ شَهْرٍ أَوْ حَوْلٍ. وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِمَا نَصُّهُ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فِي خَلَوَاتِ الْحَوَانِيتِ الَّتِي صَارَتْ عُرْفًا بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَغَيْرِهَا وَبَذَلَتْ النَّاسُ فِي ذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا حَتَّى وَصَلَ الْحَانُوتُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ ذَهَبًا فَهَلْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ شَرْعِيٌّ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِهِ عَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ يُوَفَّى ذَلِكَ مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَعَمْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ شَرْعِيٌّ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِهِ عَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ، وَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُوَفَّى مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ كَتَبَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ الْمَالِكِيُّ حَامِدًا مُصَلِّيًا مُسْلِمًا. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخُلُوُّ اسْمٌ لَمَا يَمْلِكُهُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي دَفَعَ الدَّرَاهِمَ فِي مُقَابَلَتِهَا انْتَهَى. قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ عِمَارَةً كَأَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْفِ أَمَاكِنُ آيِلَةً لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيهَا نَاظِرُهُ لِمَنْ يُعَمِّرُهَا وَيَكُونُ مَا صَرَفَهُ خُلُوًّا لَهُ، وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَاقِفِ بِمَا زَادَتْهُ عِمَارَتُهُ مَثَلًا كَانَتْ الْأَمَاكِنُ الَّتِي عُمِّرَتْ تُكْرَى قَبْلَ الْعِمَارَةِ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ أَنْصَافٍ وَبَعْدَ الْعِمَارَةِ تُكْرَى كُلَّ يَوْمٍ بِعِشْرِينَ نِصْفًا فَيَكُونُ الَّذِي عَمَّرَ شَرِيكًا بِالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِحَسَبِ مَا وَقَعَ فِي الشَّرْطِ فَإِنْ احْتَاجَتْ تِلْكَ الْمَحَلَّاتُ إلَى الْعِمَارَةِ ثَانِيًا كَانَ عَلَى الْوَقْفِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ وَعَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ مَا يَخُصُّهُ وَقَدْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ عِمَارَةٍ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ عَائِدَةً عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ كَوَقِيدِ مِصْبَاحٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَاقِفِ وَنَاظِرِهِ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ الْحَوَانِيتِ لِمَنْ هُوَ مُسْتَأْجَرٌ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَتُورَثُ عَنْهُ شَرْعًا إذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةً بِشُرُوطِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ حِينَ يُرِيدُ بِنَاءَ مَحَلَّاتٍ لِلْوَقْفِ يَأْتِي لَهُ أَشْخَاصٌ يَدْفَعُونَ لَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ مَحَلٌّ مِنْ تِلْكَ الْمَحَلَّاتِ يَسْكُنُهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ يَدْفَعُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ بَاعَهُمْ حِصَّةً مِنْ الْمَحَلَّاتِ

فصل في شروط صحة الخلو

قَبْلَ التَّحْبِيسِ وَحَبَسَ الْبَاقِيَ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَحَلَّاتِ إلَّا بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ كُلَّ شَهْرٍ، وَكَأَنَّ دَافِعَ الدَّرَاهِمِ شَرِيكٌ لِلْوَاقِفِ بِتِلْكَ الْحِصَّةِ، ثُمَّ قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ وَفَتْوَى النَّاصِرِ مُخَرَّجَةٌ عَلَى النُّصُوصِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَاشْتُهِرَتْ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَانْحَطَّ الْأَمْرُ عَلَيْهَا، وَهُوَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهَا إلَى نَصٍّ صَرِيحٍ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِنَادِ الْمُفْتِي لِلنَّصِّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْحَادِثَةِ تَخْرِيجُهَا عَلَى النُّصُوصِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ. وَقَدْ سُئِلَ نُورُ الدِّينِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ جَوَابِ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ، وَلَا مَرْجِعٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ كَفَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلَوَاتِ وَجَوَازِهَا هَلْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى أَنَّهُ لِلْمُفْتِي الْمَالِكِيِّ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِ وَيَتَّخِذَهُ حُجَّةً وَمُسْتَنَدًا وَدَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الْخَلَوَاتِ مَعَ عَدَمِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ لِلْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْحَادِثَةِ أَنْ يُخَرِّجَهَا عَلَى النُّصُوصِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الِاسْتِحْضَارِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَقَوَاعِدِ الْإِجْمَاعِ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ حَفِظَ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَلِمَ مُطْلَقَهَا وَمُقَيَّدَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا وَعَلِمَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَكِتَابَ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامَهُ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَمَوَانِعَهُ وَشَرَائِطَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَرِّجَهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ وَشَيْخُ عَصْرِهِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسُوغُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهَا جَوَازُ الْإِفْتَاءِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَقَدْ أَطْبَقَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يُفْتِي بِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْمَذْهَبِ ثِقَةً بِهِ وَاعْتِقَادًا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ أَخُوهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ اللَّقَانِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِعُلَمَاء مَذْهَبِنَا الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِمْ كَابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيِّ وَابْنِ نَاجِي الْعَمَلُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ شُيُوخِهِمْ مِمَّا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا خَرَّجَهُ غَيْرُهُ عَلَى النُّصُوصِ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّخْرِيجِ مِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ» يَعْنِي أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمُقْتَضَى الْحَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ هِيَ أَنَّ حَوَانِيتَ الْأَوْقَافِ بِمِصْرَ جَرَتْ عَادَةُ سُكَّانِهَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْخُرُوجَ مِنْ الدُّكَّانِ أَخَذَ مِنْ الْآخَرِ مَالًا عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِالسُّكْنَى فِيهِ وَيُسَمُّونَهُ خُلُوًّا وَجَدَكًا وَيُتَدَاوَلُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَيْسَ يَعُودُ عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَافِ نَفْعٌ أَصْلًا غَيْرَ أُجْرَةِ الْحَانُوتِ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ أَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِسَبَبِ مَا يَدْفَعُهُ الْآخِذُ مِنْ الْمَالِ وَاَلَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ السَّاكِنُ الَّذِي أَخَذَ الْخُلُوَّ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْحَانُوتِ مُدَّةً فَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِيَدِهِ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ النَّاظِرِ أَوْ الْوَكِيلِ بِشُرُوطِهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهُوَ سَائِغٌ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ لِصُدُورِ الْأُجْرَةِ مُوَافِقَةً لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ بِإِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِخُلُوِّهِ وَيُؤَجِّرُهُ النَّاظِرُ لِمَنْ شَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى مَنْ دَفَعَهَا لَهُ. [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ] (فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الْمَدْفُوعَةُ عَائِدَةً عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِهِ فَمَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ صَرْفِ النَّاظِرِ الدَّرَاهِمَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ

مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ رِيعٌ يَفِي بِعِمَارَتِهِ مِثْلُ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ خُلُوٌّ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَمِنْهَا ثُبُوتُ الصَّرْفِ فِي مَنَافِعِ الْوَقْفِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ صَدَقَهُ النَّاظِرُ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَصْرِفِ الْوَقْفِ حَيْثُ كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَفَائِدَةُ الْخُلُوِّ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمِلْكِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ وَالْإِرْثُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَسُئِلَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْخَلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَكُونُ لَازِمًا مُنْبَرِمًا مَعَ شَرْطِ اللُّزُومِ كَالْحَوْزِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَالدَّيْنِ كَوَقْفِ صَحِيحِ الْإِمْلَاكِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَرَهْنُهُ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَعَارِيَّتُهُ كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحُ وَلِوَاقِفِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ كَوَقُودِ مِصْبَاحٍ وَتَفْرِقَةِ خُبْزٍ وَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُصُّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَيَرَاهُ وَيَشْتَرِطُ فِيهِ مَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ عَمَلًا بِمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فِي فَتْوَاهُ انْتَهَى. وَقَدْ بَحَثَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ حَاصِلُهُ أَنَّ الْخُلُوَّ هُوَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ الْحَبْسُ بِهِ لَا يُحْبَسُ وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوقَفُ مَا فُتِحَ مِنْ الْأَرْضِ عَنْوَةً وَلَوْ لِمَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ صَارَتْ وَقْفًا فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا شَرْعًا، وَلَا عَقْلًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلَانَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ، وَأَمَّا أُجْرَتُهُ فَيَصِحُّ تَحْبِيسُهَا لَكِنَّهُ يَبْطُلُ تَحْبِيسُهَا بِمَوْتِ الْمُحْبِسِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَتَكُونُ أُجْرَتُهَا لَهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ فِعْلَ مَوْرُوثِهِ انْتَهَى. وَقَدْ بَالَغَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَلَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ كَثِيرًا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى بُطْلَانِهِ ضَيَاعُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةُ الْخِصَامِ الْمُؤَدِّي لِلتَّفَاقُمِ انْتَهَى كَلَامُ الْغَرْقَاوِيِّ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ مَنْفَعَةً وَلَوْ خُلُوَّ وَقْفٍ آخَرَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ يُصَوَّرُ بِصُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلًا لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيهِ نَاظِرُ الْوَقْفِ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلًا يُكْرَى بِثَلَاثِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْخُلُوُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَوْ وَقَعَ عَقْدُ الْإِيجَارِ عَلَى سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ كَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَكِنْ شَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا حَوَانِيتُ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ لِتَكْمِيلٍ أَوْ عِمَارَةٍ وَيَكُونُ الدُّكَّانُ يُكْرَى الشَّهْرُ بِثَلَاثِينَ نِصْفًا مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ رِيعٌ يُكَمَّلُ بِهِ الْمَسْجِدُ أَوْ يُعَمَّرُ بِهِ فَيَعْمِدُ النَّاظِرُ إلَى السَّاكِنِ فِي الْحَوَانِيتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ يُعَمَّرُ بِهِ الْمَسْجِدُ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْحَانُوتِ الْمَذْكُورَةِ شَرِكَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَالنَّاظِرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ كَمَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ. الثَّالِثَةُ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ مُحْبَسَةً فَيَسْتَأْجِرَهَا مِنْ النَّاظِرِ وَيَبْنِيَ فِيهَا دَارًا مَثَلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ ثَلَاثِينَ نِصْفًا

فِضَّةً، وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ نِصْفَ فِضَّةٍ مَثَلًا فَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُقَابِلُ الثَّلَاثِينَ الْأُخْرَى يُقَالُ لَهَا خُلُوٌّ، وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ جَمَاعَةٌ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ بَيْعَ حِصَّتِهِ فِي الْبِنَاءِ فَلِشُرَكَائِهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَإِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي الْبِنَاءِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْإِصْلَاحُ عَلَى النَّاظِرِ وَصَاحِبِ الْخُلُوِّ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ وَفِي الْأَخِيرَةِ عَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَحْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ إذْ مَالِكُ الِانْتِفَاعِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَلَا يُؤَجِّرُ، وَلَا يَهَبُ، وَلَا يُعِيرُ وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَهُ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ مَعَ انْتِفَاعِهِ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَالِكَ الِانْتِفَاعِ يَقْصِدُ ذَاتَه مَعَ وَصْفِهِ كَإِمَامٍ وَخَطِيبٍ وَمُدَرِّسٍ وُقِفَ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ مَالِك الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الِانْتِفَاعُ بِالذَّاتِ بِأَيِّ مُنْتَفَعٍ كَمُسْتَعِيرٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إعَارَتِهِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهُ الْغَيْرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَالْخُلُوُّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَلِذَلِكَ يُورَثُ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُشَاهَرَةً وَالْإِجَارَةُ لِغَيْرِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُرْفَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُسْتَمِرَّةٌ لِلْأَبَدِ، وَإِنْ عُيِّنَ فِيهَا وَقْتُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً فَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ خُصُوصَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالْعُرْفُ عِنْدَنَا كَالشَّرْطِ فَمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا مُدَّةً وَمَضَتْ فَلَهُ أَنْ يَبْقَى وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَمْرُ الْأَرْضِ إخْرَاجُهُ نَعَمْ إنْ حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ عَلَى زَمَنِ الْإِجَارَةِ لَا عَلَى الْأَبَدِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ نَحْوُ: إنَّ مُدَّةَ الِاحْتِكَارِ كَذَا وَكَذَا. (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُلُوَّ اسْمٌ لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهَا الدَّرَاهِمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْفَ الْأُجْرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُجْهُورِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَمُخَالَفَةُ الْأُجْهُورِيِّ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هِيَ فِي وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَقُّ مَعَ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ بَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخُلُوِّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَمَّا إنْ كَانَ لِذِمِّيٍّ خُلُوٌّ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى كَنِيسَةٍ مَثَلًا قَطْعًا بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ هَذِهِ عِبَارَةُ الْحَاشِيَةِ وَقَوْلُهُ بِالْعَقْلِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَصْلِيَّ حَامِلٌ لِمَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْمِلَ الْمَسْجِدَ لِلْكَنِيسَةِ وَالنَّقْلُ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذْلَالُ الْكُفْرِ وَهَذَا يُنَافِيهِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ وَقْفَ الْأُجْرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ نَاشِئَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْأُجْهُورِيِّ مِنْ تَأْبِيدِ الْحِكْرِ وَلَوْ ذُكِرَ أَجَلٌ كَسِتِّينَ سَنَةً يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ عَلَى هَذَا يَصِيرُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ضَرَبَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَقْبُوضِ وَمَعَهُ تَأْبِيدُ الْحِكْرِ فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ عُجِّلَتْ فِي نَظِيرِ شَيْئَيْنِ: الْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ وَالتَّأْبِيدُ بِالْحِكْرِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْخُلُوَّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدَكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الْخُلُوُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمِلْكِ قِيلَ لَهُ إذَا صَحَّ فِي وَقْفٍ فَالْمِلْكُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَفْعَلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ نَعَمْ بَعْضُ الْجَدَكَاتِ بِنَاءٌ أَوْ إصْلَاحُ أَخْشَابٍ فِي الْحَانُوتِ مَثَلًا بِإِذْنٍ وَهَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْخُلُوِّ ظَاهِرٌ خُصُوصًا وَقَدْ اسْتَنَدُوا فِي تَأْبِيدِ الْحِكْرِ لِلْعُرْفِ وَالْعُرْفُ حَاصِلٌ فِي الْجَدَكِ وَبَعْضُ الْجَدَكَاتِ وَضْعُ أُمُورٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي الْمَكَانِ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ فِيهِ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَحَوَانِيتِ الْقَهْوَةِ بِمِصْرَ فَهَذِهِ بَعِيدَةٌ عَنْ الْخَلَوَاتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهَا وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ مَا نَصُّهُ: قَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا عَبْدُ الْبَاقِي بِإِبْطَالِ وَقْفِ الْخُلُوِّ فَرَاجَعَهُ

رجل وقف نصف دار سكناه ونصف ساقيته بما اتصل بها من الأرض على أولاده الذكور دون الإناث

وَلَدُهُ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ بِفَتْوَى الشَّيْخِ السَّنْهُورِيِّ وَبِفَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِرْثِهِ فَرَجَعَ عَنْ فَتْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى. وَفَتْوَاهُ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا تَبِعَ فِيهَا شَيْخَهُ الْأُجْهُورِيَّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَقْفِ وَقْفٌ فَلَوْ صَحَّ وَقْفُ الْخُلُوِّ لَزِمَ وَقْفُ الْوَقْفِ وَأَيْضًا فَشَرْطُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَقْفَ وَالْحَقَّ فِي الْمَنْفَعَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْوَقْفُ الثَّانِي لِلْخُلُوِّ الَّذِي حَصَلَ بِالتَّعْمِيرِ مَثَلًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ وَقْفُهَا فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُمْنَعُ مَنْ فِعْلِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ لِمَانِعٍ كَمَنْعِ وَقْفِ مَنْ مَلَكَ عَبْدًا عَلَى مَرَضِيٍّ بِقَصْدِ الضَّرَرِ وَمَنْعِ مَالِكِ آلَةِ الْحَرْبِ مِنْ بَيْعِهَا لِحَرْبِيٍّ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَمَنْعِ مَالِكِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ مِنْ بَيْعِهِ لِكَافِرٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الْوَقْفِ بِمَنْفَعَتِهِ يَمْنَعُ وَقْفَهَا لَمَا بَيَّنَّا مِنْ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ جَوَابَهُ مِنْ اخْتِلَافِ مَحَلِّ الْوَقْفَيْنِ وَالْحَقَّيْنِ نَعَمْ يَظْهَرُ كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صُوَرِ الْخُلُوِّ السَّابِقَةِ فِي كَلَامِ الْحَاشِيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عِمَارَةً إنَّمَا أَخَذَ الدَّرَاهِمَ عَمَّرَ بِهَا الْمَسْجِدَ وَجَعَلَ الْحَانُوتَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِثَلَاثِينَ فَصَارَتْ مَنْفَعَةُ الْحَانُوتِ الْوَقْفِ بِعَيْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَالنَّاظِرِ فَكَيْفَ يُوقِفُهَا ثَانِيًا فَتَدَبَّرْ انْتَهَى كَلَامُ ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ حَبْسٌ مُعَقَّبٌ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي بَاعَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ لِأَمِيرٍ لَيُوَلِّيَهُ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ وَعُرْفُهُمْ جَارٍ بِبَيْعِ الْحَبْسِ، ثُمَّ قَامَ أَوْلَادُ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِدَعْوَى الْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ وَبِأَنَّ بَيْعَ أَبِيهِمْ كَانَ ثِنْيًا لِأَدَائِهِ الْوَظِيفَةَ الْمُقَرَّرَةَ عَلَيْهِ لِلْأَمِيرِ وَعُرْفُهُمْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي التَّحْبِيسَ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْوَثِيقَةِ وَالثِّنْيَا، وَادَّعَى أَنَّ الْبَيْعَ بَتٌّ وَتَمَسَّكَ بِطُولِ زَمَنِ حِيَازَتِهِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا ثَبَتَ الْحَبْسُ بِالسَّمَاعِ فَبَيْعُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَوْلَادِ الْبَائِعِ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَسْخُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِعُرْفِهِمْ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ، وَلَا بِعَدَمِ الْوَثِيقَةِ وَبَيِّنَةِ الْبَتِّ وَسَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْبَتِّ أَوْ الثَّنِيَّا وَهَذَا أَزْيَدُ فَسَادًا، وَلَا عِبْرَةَ بِطُولِ زَمَنِ حِيَازَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَنْفَعُ فِي الْوَقْفِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الْحَوْزِ إلَّا بِكَالْإِسْكَانِ وَالْإِمْتَاعِ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ إذَا جُهِلَ كَيْفِيَّةُ دُخُولِ الْحَائِزِ أَوْ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا حِيَازَةَ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَقَالَ الْعَدَوِيُّ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي غَيْرِ وَثَائِقِ الْحُقُوقِ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِمَا فِيهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَبْسُ لَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ بَلْ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الطُّرُقُ وَالْمَسَاجِدُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا بَلْ تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل وَقَفَ نِصْفَ دَارِ سُكْنَاهُ وَنِصْفَ سَاقِيَّتِهِ بِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَقَفَ نِصْفَ دَارِ سُكْنَاهُ وَنِصْفَ سَاقِيَّتِهِ بِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَحَازَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فَهَلْ هَذَا الْوَقْفُ صَحِيحٌ وَجَائِزٌ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ صَدَرَ مِنْهُ هَذَا الْوَقْفُ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَحَازُوهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا فَهُوَ صَحِيحٌ مَاضٍ فَيَخْتَصُّونَ بِهِ عَنْ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كُرِهَ ابْتِدَاءً قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكُرِهَ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَقْوَالِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

قسمة العقار المحبس من نخيل وشجر قسمة اغتلال

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قِسْمَة الْعَقَارِ الْمُحْبَسِ مِنْ نَخِيلٍ وَشَجَرٍ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُحْبَسِ مِنْ نَخِيلٍ وَشَجَرٍ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ بِحَيْثُ يَضَعُ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ يَدَهُ عَلَى بَعْضِهِ يُعَالِجُهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّأْبِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَيَسْتَقِلُّ بِغَلَّتِهِ وَيَضَعُ بَعْضٌ آخَرُ يَدَهُ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ كَذَلِكَ صِيَانَةً لِثَمَرَتِهِ مِنْ الضَّيَاعِ وَلِلْأُصُولِ مِنْ التَّعْطِيلِ بِاتِّكَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَهَلْ تَسُوغُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ جَرَى بِهَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ نَوَاحِينَا يَقْتَسِمُونَهُ بَتًّا وَيَقُولُونَ: إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ فَهَلْ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ فِي الْمَذْهَبِ وَلَوْ شَاذًّا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَسُوغُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ وَانْتِفَاعٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ وَأَفْتَى بِهِ الْأُجْهُورِيُّ مِرَارًا وَحِينَئِذٍ فَيُتْرَكُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَلَا يُشَوَّشُ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا قِسْمَتُهُ بَتًّا بِحَيْثُ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ، وَلَا يُنْقَضُ الْقَسْمُ بِاخْتِلَافِ عَدَدِهِمْ أَوْ الْحَبْسُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَلَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَلَمْ أَعْلَمْ لِعَمَلِ بَعْضِ نَوَاحِيكُمْ فِيهَا مُسْتَنَدًا فِي الْمَذْهَبِ لَا مَشْهُورًا، وَلَا شَاذًّا وَنَصَّ الْأُجْهُورِيُّ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ الْقِسْمَةُ فِي مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ وَفِي الْغَلَّةِ صَحِيحَةٌ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مُخَالَفَةٌ لِمَا اعْتَبَرَهُ الْوَاقِفُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَوَابٍ آخَرَ قَسْمُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمْلِكُ مَا خَرَجَ لَهُ بِالْقَسْمِ أَوْ يَبْقَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْحَبْسِ بِنَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ امْتَنَعَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ مَا دَامَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُ الْحَبْسِ فَإِنْ تَغَيَّرَ جَرَى فِيهِ التَّغْيِيرُ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَازَ ا. هـ. وَقَالَ فِي جَوَابٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْحَبْسِ، وَلَا بَعْضِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَخْتَصُّ بِمَا صَارَ لَهُ وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ كَمَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَأَمَّا قَسْمُهُ مُهَايَأَةً عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ مَوْضِعًا وَالْآخَرُ مَوْضِعًا لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَخَذَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَسْمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ انْتَهَى. [حَائِط مُحْبَسٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَرَادَا اقْتِسَامَهُ لِلِاغْتِلَالِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا] وَفِي الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَنْ حَائِطٍ مُحْبَسٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَرَادَا اقْتِسَامَهُ لِلِاغْتِلَالِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْحَبْسِ لِلِاغْتِلَالِ، وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَقِبَهُ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ قَسَمَهُ لِلِاغْتِلَالِ وَمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ مِنْ قِسْمَةِ الْغَنَمِ لِلَّبَنِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ بِحَيْثُ لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْرِيَ هُنَا أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ لَنَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ فِي قِسْمَةِ الْحَبْسِ اخْتِلَافٌ مَوْجُودٌ فِي مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ حَبَسَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَلَمْ يُجِزْ الْكِبَارُ حَتَّى مَاتَ أَوْ فَلَّسَ بَطَلَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَا الْهِبَةُ، وَرَوَى عَلِيٌّ أَنَّ الصَّدَقَةَ يَجُوزُ مِنْهَا حَظُّ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهَا تُقَسَّمُ وَيَبْطُلُ الْحَبْسُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَسَّمُ وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ: يُقَسَّمُ الْحَبْسُ عَلَى عَدَدِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ انْقَرَضَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ قُسِّمَ نَصِيبُهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَعَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طُولٌ وَلِابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيهَا كُتُبٌ وَفِي الْمُقَرَّبِ فِيهَا بَيَانٌ وَذَكَرْتهَا لِأَجْلِ الْقِسْمَةِ فِي الْحَبْسِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ اخْتَلَفَ ابْنُ أَيْمَنَ وَابْنُ الْأَعْبَسِ فِي قِسْمَةِ الْحَبْسِ فَقَالَ الْأَوَّلُ: يُقَسَّمُ وَيَكْتُبُ بِهِ

محبس عليه أرض بنى أو غرس فيها وبين أنه ملكه

وَثِيقَةً وَقَالَ الْآخَرُ: لَا يُقَسَّمُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةٍ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ وَاخْتِلَافُهُمَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قِسْمَةِ الْحَبْسِ فِي الْمَرَضِ قِسْمَةُ انْتِفَاعٍ لَا قِسْمَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا مَنْ أَبَى وَالْمَمْنُوعُ مِنْهَا قِسْمَةُ الْبَتَاتِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ قِسْمَةَ الِانْتِفَاعِ جَائِزَةٌ عَلَى الظَّاهِرِ أَوْ اتِّفَاقًا وَأَنَّ قِسْمَةَ الْبَتَاتِ مَمْنُوعَةٌ اتِّفَاقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مُحْبَس عَلَيْهِ أَرْضٌ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُحْبَسٍ عَلَيْهِ أَرْضٌ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَقُلْنَا لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ نَقْضُهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَاسْتَغَلَّ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَ وَارِثُهُ النَّقْضَ فَهَلْ يُحَاسَبُ بِالْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا مَوْرُوثُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُحَاسَبُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ لِمُوَرِّثِهِ بِالتَّحْبِيسِ وَالْأَنْقَاضُ مِلْكُهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُحَاسَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَمَا قَوْلُكُمْ) فِي الْعَقَارِ الْمُحْبَسِ يُوشِكُ أَنْ يَخْرُبَ أَوْ يَخْرُبَ بِالْفِعْلِ فَيَدْفَعُهُ مُسْتَحِقُّهُ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِسُكْنَاهُ لِمُدَّةٍ كَثَمَانِينَ سَنَةٍ وَدَرَاهِمَ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا زِيَادَةً عَلَى السُّكْنَى فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهَلْ إذَا مَاتَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ وَانْتَقَلَ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ تُفْسَخُ تِلْكَ الْعُقْدَةُ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ يُفْسَخُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَيُكْرَى وَيُدْفَعُ لِلِبَانِي قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا مِنْ كِرَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. [بَيْعِ الْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حُكْمِ قُضَاتِنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ الْحَاجَةَ الشَّدِيدَةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَسُدُّ خَلَّتِهِ سِوَاهُ وَلَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ تَكْفِيهِمْ وَاعْتَمَدَ الْقُضَاةُ الْمَذْكُورُونَ عَلَى نَقْلِ الْعُمَيْرِيِّ شَارِحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ عَلَى الْمِعْيَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَبْسِ لِعَارِضِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ وَنَسَبَهُ لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مَحْسُودٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ تُقَرَّرُ أَحْكَامُهُمْ بِذَلِكَ أَوْ تُنْقَضُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُمْ بِذَلِكَ وَفَتْوَى ابْنِ مَحْسُودٍ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلِمَا ظَهَرَ لَهُ بُطْلَانُهَا رَجَعَ عَنْهَا كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ الْعَمَلِيَّاتِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ النَّاظِمِ: بَيْعُ الْمُحْبَسِ عَلَى الْمِسْكِينِ لَمْ ... يَقَعْ مِنْ الْحَاجَةِ عِنْدَ مَنْ حَكَمَ يُرِيدُ أَنَّ الْحُكَّامَ أَيْ الْقُضَاةَ لَمْ يُرَخِّصُوا فِي بَيْعِ مَا حُبِسَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ أَجْلِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ كَالْجُوعِ مَثَلًا إذَا وَقَعَ وَخِيفَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَكُنْ فِي غَلَّةِ الْحَبْسِ مَا يَسُدُّ خَلَّتَهُمْ وَيَرُدُّ جَوْعَتَهُمْ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَهُوَ مِنْ نَمَطِ مَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَرَهْنُ مَنْفَعَةِ حَبْسِ الْبَيْتِ مِنْ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إذَا ضَاعَ فِي زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَاضْطُرَّ لِبَيْعِ الْحَبْسِ لَمْ يَفْتَحْ لَهُ قُضَاةُ الْوَقْتِ بَابًا إلَى ذَلِكَ، وَكَأَنَّ النَّاظِمَ قَصَدَ بِهَذَا الْبَيْتِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ فَتْوَى الشَّيْخِ ابْنِ مَحْسُودٍ بِجَوَازِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ بِهَا عَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ اقْتَصَرَ عَلَى نَقْلِهَا مُسَلَّمَةً فَقَدْ قِيلَ إنَّ ابْنَ مَحْسُودٍ

بينة السماع بالحبس هل يشترط معرفتها لحدوده

رَجَعَ عَنْهَا ثُمَّ قَالَ وَسُئِلَ الْفَقِيهُ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْ أَقْوَامٍ بَاعُوا حَبْسًا مُؤَبَّدًا وَفَرَّقُوا أَثْمَانَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَرُبَّمَا بَاعُوهُ بِمَا يُسَاوِي الثَّمَنَ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَزَعَمُوا أَنَّ الْفَقِيهَ ابْنَ مَحْسُودٍ أَبَاحَهُ لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِهِ وَاَلَّذِي كُنَّا نَعْرِفُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَفُتْيَاهُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِ الْمَسَاكِينِ حَبْسًا كَانَ أَوْ صَدَقَةً فَهَلْ يَنْفُذُ بَيْعُهُمْ لِذَلِكَ أَمْ يُنْقَضُ؟ وَكَيْفَ يُفْعَلُ بِالثَّمَنِ الَّذِي فُرِّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ؟ فَأَجَابَ لَا تُبَاعُ الْأَحْبَاسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَتْ لِجَمْعٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ وَقُلْتُمْ إنَّ الشَّيْخَ ابْنَ مَحْسُودٍ كَانَ أَفْتَاهُمْ بِذَلِكَ فَمَا عَلِمْت ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا أَنَّ أَبَا يَحْيَى ذَكَرَ لَهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ كِتَابِهِمْ هَذَا أَنَّهُ كَانَ أَفْتَى بِمَا ذُكِرَ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ فَإِنْ بِيعَ شَيْءٌ مِنْهُ نُقِضَ الْبَيْعُ وَيَقْضِي الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِمَّا وَجَبَ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَمِنْ غَلَّةِ هَذَا الْحَبْسِ، وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ حَبْسٌ فَيَكُونُ حَبْسًا نُقِلَ إلَّا حَبْسٌ، وَإِنْ بِيعَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ. وَوَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يَنْتَصِفُ أُخِذَ الثَّمَنُ فَجُعِلَ فِي حَبْسِ مِثْلِهِ، وَلَا يُؤْكَلُ الثَّمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَاحْذَرْ خِلَافَ ذَلِكَ، وَلَا تُرَخِّصْ فِي بَيْعِهِ انْتَهَى. وَأَصْلُ مَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ الصَّيْدَلَانِيُّ مِنْ نَقْضِ الْبَيْعِ إنْ وَقَعَ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ آخِرَ الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ وَنَصُّهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ فِي مَنْزِلٍ حُبِسَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ فَجَهِلَ وَبَاعَهُ وَفَرَّقَ ثَمَنَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَرَأَى أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَنْزِلَ حَبْسًا كَمَا كَانَ، وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ غَلَّةِ الْحَبْسِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ خَطَأَ السُّلْطَانِ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى الِاجْتِهَادِ هَدَرٌ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حُبِسَتْ عَلَيْهِ أَرْضٌ فَغَرَسَ بَعْضَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى قَصْدِهِ مِلْكَ الْغَرْسِ، ثُمَّ جَعَلَهُ عِوَضًا فِي بَاقِي الْأَرْضِ فِي التَّحْبِيسِ، ثُمَّ بَاعَ الْبَاقِيَ فَهَلْ تُنْقَضُ مُعَاوَضَتُهُ وَبَيْعُهُ. فَأَجَبْت: بِأَنَّهُمَا يُنْقَضَانِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُحْبَسٍ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُجَاوِرَةٌ لِدُورِ سُكْنَاهُ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ دُورًا أُخْرَى يَتَّسِعُ بِهَا فِي السُّكْنَى وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِ تَمْيِيزِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَكِتَابَةِ وَثِيقَةٍ بِذَلِكَ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْحَبْسِ الثَّابِتِ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي وَلَهُ وَثِيقَةٌ نَاقِصَةٌ بَعْضُ الشُّرُوطِ بِحَيْثُ يُوجِبُ النَّقْصُ بُطْلَانَ الْحَبْسِ فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَى السَّمَاعِ وَيُصْرَفُ النَّظَرُ عَنْ الْوَثِيقَةِ أَوْ يُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْوَثِيقَةِ وَيُلْغَى السَّمَاعُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعْتَمَدُ عَلَى السَّمَاعِ وَيُصْرَفُ النَّظَرُ عَنْ الْوَثِيقَةِ لِنَصِّ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ مِمَّا أُثْبِتَ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [بَيِّنَة السَّمَاعِ بِالْحَبْسِ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا لِحُدُودِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَيِّنَةِ السَّمَاعِ بِالْحَبْسِ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا لِحُدُودِهِ، وَإِذَا أُمِرُوا بِبَيَانِ حُدُودِهِ

عامل يأتي من طرف السلطان ويجعل مالا على بلادنا يسمونه بالسنوية

فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِمْ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْعَقَارَ الْفُلَانِيَّ حَبْسٌ، وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ قَطُّ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا لِذَلِكَ، وَلَا بَيَانُهَا لَهُ وَيُكْتَفَى بِمَا ذُكِرَ وَقَدْ بَيَّنَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ شُرُوطَ بَيِّنَةِ السَّمَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [عَامِل يَأْتِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ وَيَجْعَلُ مَالًا عَلَى بِلَادِنَا يُسَمُّونَهُ بِالسَّنَوِيَّةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي عَامِلٍ يَأْتِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ وَيَجْعَلُ مَالًا عَلَى بِلَادِنَا يُسَمُّونَهُ بِالسَّنَوِيَّةِ فَيُوَزِّعُونَهُ عَلَى الْعَقَارَاتِ وَالْحَالُ أَنَّ جُلَّهَا مُحْبَسٌ، وَلَا يَجِدُ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مِنْ أَيْنَ يَدْفَعُ مَنَابَ مَا صَارَ إلَيْهِمَا مِنْ تَوْزِيعِ ذَلِكَ الْعَامِلِ وَلَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ تَفِي بِمَا يُصْلِحُهُ وَبِذَلِكَ الْمُوَزِّعُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ يَصِيرُ فِيهِ الْعَذَابُ الْأَكْبَرُ مِنْ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ وَرُبَّمَا يَئُولُ لِلنَّفْسِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ تِلْكَ الْعَقَارَاتِ الْمُحْبَسَةِ لِأَجْلِ مَا يَقْضِي بِهِ مَا وُزِّعَ عَلَيْهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ إمَّا أَنْ يَقَعَ لَهُ الْعَذَابُ فِي بَدَنِهِ أَوْ يَغْصِبُونَ الْعَقَارَ أَصْلًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْحَبْسِ لِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَيَدْفَعُ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْغَلَّةِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهَا لِلْإِصْلَاحِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ يُخْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا بَدَا لَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَبْسٍ مُعَقَّبٍ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَحَكَمَ بِهِ الْحُكَّامُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، ثُمَّ رَامَ بَعْضُ مَنْ فِي عَصْرِنَا مِنْ الْمَوْسُومِينَ بِالْعِلْمِ إبْطَالَهُ وَنَقْضَهُ وَخُلِطَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْبَاسِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ حُكَّامِ السِّيَاسَةِ وَاشْتَدَّ الْكَرْبُ عَلَى النَّاسِ بِذَلِكَ فَهَلْ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِمَّا رَامَهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَتَشْوِيشِهِ عَلَى النَّاسِ وَفَتْحِهِ بَابَ هَرَجٍ وَفِتْنَةٍ وَلِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَا حَكَمَتْ بِهِ الْحُكَّامُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا فَكَيْفَ، وَهُوَ هُنَا الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا وَيُكْرَهُ لِمَنْ حَبَسَ أَنْ يُخْرِجَ الْبَنَاتَ مِنْ تَحْبِيسِهِ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَلَا يُفْسَخُ اللَّخْمِيُّ فَعَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ إنْ نَزَلَ مَضَى ابْنُ عَرَفَةَ إنْ نَزَلَ الْمَكْرُوهُ مَضَى، وَلَا يُفْسَخُ الْمُخْتَصَرُ وَاتَّبَعَ شَرْطَهُ، وَإِنْ كُرِهَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ وَلَهُ حَقٌّ فِي وَقْفٍ مُعَقَّبٍ قَالَ وَاقِفُهُ وَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا بِحَيْثُ يَحْجُبُ كُلُّ أَصْلٍ فَرْعَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ لِإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْوَقْفِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَعَمْ يُشَارِكُ أَوْلَادُ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ أَوْلَادَهُ فِي نَصِيبِهِ الَّذِي مَاتَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَاقِفُ لِقَوْلِ الْوَاقِفِ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا بِحَيْثُ يَحْجُبُ كُلٌّ فَرْعَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ جَعْلَ التَّرْتِيبِ تَرْتِيبَ آحَادٍ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ أَوْ فِيهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ بِقَرِينَةِ تَصْرِيحِهِ أَوَّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ تَرْتِيبُ آحَادٍ. وَسُئِلَ الْأُجْهُورِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ عَقَارًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ طَبَقَةً بَعْد طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ عَنْ أَوْلَادٍ، ثُمَّ مَاتَ وَالِدُهُ عَنْ بِنْتٍ وَعَنْ أَوْلَادِ وَلَدِهِ الْمَذْكُورِينَ فَهَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْوَلَدِ مَعَ عَمَّتِهِمْ فِي الْوَقْفِ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالدُّخُولِ فَهَلْ بِقَدْرِ حِصَّةِ وَالِدِهِمْ أَوْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْوَلَدِ مَعَ عَمَّتِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ فِي الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ فَيُعْمَلُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ الْأُجْهُورِيُّ أَيْضًا عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَعَقِبِهِ وَنَسْلِهِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ الْعُلْيَا مِنْهُمْ تَحْجُبُ السُّفْلَى، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَنْ بِنْتٍ وَأَوْلَادِ ابْنٍ فَهَلْ تَكُونُ حِصَّتُهُ بَيْنَ بِنْتِهِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ أَوْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ ابْنِهِ مَعَ عَمَّتِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّةِ وَالِدِهِمْ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَكُونُ حِصَّتُهُ بَيْنَ بِنْتِهِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ وَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَأْخُذُ الذَّكَرُ مِنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ مِثْلَ حَظَّيْ عَمَّتِهِ حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِلَّا فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ الْأُجْهُورِيُّ) عَنْ حَبْسٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ أَوْ لِأَخَوَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ وَقَدْ مَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ وَمَاتَ الثَّانِي عَنْ اثْنَيْنِ وَمَاتَ الثَّالِثُ عَنْ ابْنٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِكُلِّ فَرْعٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ لِأَصْلِهِ أَوْ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَوْلَادُهُمْ كَمَا اسْتَوَى فِيهِ آبَاؤُهُمْ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الْبَعْدِيَّةَ الْوَاقِعَةَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ فِي نَحْوِ هَذَا مُعْتَبَرَةٌ بَيْنَ كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعِهِ فَقَطْ أَيْ، ثُمَّ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِّ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِّ وَدَلِيلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ نَقْلنَا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا بَيْنَ أَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِفَرْعِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ بِيَدِهِ وَلَوْ مَاتَتْ بَقِيَّةُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِبَنِيهِ الثَّلَاثَةِ وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي لِوَلَدِهِ كَمَا حَقَّقَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا نَاصِرُ الدِّين اللَّقَانِيُّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ نَحْوِ هَذَا فَأَجَابَ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْحَطَّابُ وَقَالَ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ يَسْتَوُونَ بَعْدَ انْقِرَاضِ آبَائِهِمْ كَمَا اسْتَوَى آبَاؤُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ مَسَائِلَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ظَهَرَ لِي قَالَ فِيهَا: وَسُئِلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَقْدٍ تَضَمَّنَ حَبْسَ فُلَانٍ عَلَى بَنِيهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى عَقِبِهِمَا حَبْسًا مُؤَبَّدًا وَتَمَّمَ التَّحْبِيسَ عَلَى

وَاجِبِهِ وَحِيزَ وَمَاتَ الْأَبُ وَالِابْنَانِ بَعْدَهُ وَتَرَكَا عَقِبًا كَثِيرًا وَعَقِبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عَقِبِ الْآخَرِ وَفِي بَعْضِهِمْ حَاجَةٌ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْوَاجِبُ فِي هَذَا الْحَبْسِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْت أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى أَعْقَابِ الْوَلَدَيْنِ جَمِيعًا عَلَى عَدَدِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَقِبُ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ عَقِبِ الْآخَرِ بِالسَّوَاءِ إنْ اسْتَوَتْ حَاجَتُهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فُضِّلَ ذُو الْحَاجَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ عَلَى حَسَبِ قِلَّةِ الْعِيَالِ وَكَثْرَتِهِمْ، وَلَا يَبْقَى بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ بِيَدِ أَبِيهِ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَعَرَضَ مَا قَالَهُ الْحَطَّابُ عَلَى اللَّقَانِيِّ فَكَتَبَ اعْلَمْ أَنَّ لَنَا مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى وَلَدَيْهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا. وَالثَّانِيَةُ وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَأَمَّا الْأُولَى فَحُكْمُهَا أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدَيْهِ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ فَقَطْ دُونَ أَوْلَادِ أَخِيهِ بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعِهِ فَقَطْ لَا بَيْنَ جُمْلَةِ الْأُصُولِ وَجُمْلَةِ الْفُرُوعِ فَلَا يَسْتَحِقُّ فَرْعٌ مَعَ أَصْلِهِ، وَلَا فَرْعُ غَيْرِهِ مَعَ فَرْعِهِ بَلْ يَنْحَصِرُ اسْتِحْقَاقُ نَصِيبِ كُلِّ أَصْلٍ فِي فَرْعِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَاجَةٌ بَلْ فَقِيرُ كُلِّ فَرْعٍ وَغَنِيُّهُ سَوَاءٌ وَلَوْ أَتَى الْمَوْتُ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالْخُرُوجُ عَنْ هَذَا إذَا تَفَاوَتُوا أَيْ الْفُرُوعُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى السَّوِيَّةِ خُرُوجٌ عَمَّا شَرَطَ الْوَاقِفُ حَيْثُ رَتَّبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُصُولِهِمْ بِثُمَّ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ التَّهْذِيبِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمْ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَبْسِ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُرَتَّبَاتٍ وَأَوْقَافٍ عَلَى ضَرِيحِ وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يُؤَدَّى مِنْهَا جَمِيعُ مَا يَلْزَمُ الضَّرِيحَ وَمَا بَقِيَ يُصْرَفُ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ زَادَتْ تِلْكَ الْمُرَتَّبَاتُ وَالْأَوْقَافُ وَأَرَادَ بَعْضُ الذُّرِّيَّةِ وَهُمَا النَّاظِرَانِ أَنْ يَخْتَصَّا بِجَمِيعِ الْمُرَتَّبَاتِ هُمَا وَأَخَوَاتُهُمَا وَيَمْنَعُوا بَاقِيَ الذُّرِّيَّةِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَهَلْ لَا يَجُوزُ اخْتِصَاصُهُمْ دُونَ بَاقِيهَا خُصُوصًا وَفِي الذُّرِّيَّةِ الْفَقِيرُ وَالْأَرَامِلُ بَلْ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ لِجَمِيعِهَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا فَقِيرٌ دُونَ آخَرَ، وَلَا نَاظِرٌ دُونَ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَصُّ الْوَاقِفِ عَلَى تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ، وَإِذَا تَرَكَ بَعْضُ الذُّرِّيَّةِ اسْتِحْقَاقَهُ لِآخَرَ وَاسْتَقَلَّ بِهَا الْآخَرُ مُدَّةً لِصَلَاحِهِ وَكَرَمِهِ، ثُمَّ مَاتَا وَخَرَجَتْ ذُرِّيَّتُهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَطَلَبَ كُلٌّ حَقَّهُ لَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مُتَعَلِّلًا بِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقْبِضُهُ مُسْتَقِلًّا حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ وُجِدَ كِتَابُ الْوَاقِفِ عُمِلَ بِمَا فِيهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ كِتَابِ الْوَاقِفِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَمَنْ أَرَادَ مُخَالَفَتَهَا وَالِاخْتِصَاصَ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُ مِنْهُ وَزَجْرُهُ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَعْزِلُ النَّاظِرَ الَّذِي أَرَادَ ذَلِكَ لِثُبُوتِ خِيَانَتِهِ وَعَدَمِ تَصَرُّفِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَفَتْحِهِ بَابَ الْفِتْنَةِ وَالْهَرَجِ وَالشَّرِّ، وَإِنْ تَرَكَ بَعْضُ الذُّرِّيَّةِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَتْرُوكُ لَهُ حَالَ حَيَاةِ التَّارِكِ وَبِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ يَرْجِعُ لِبَاقِي الذُّرِّيَّةِ عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا وَقْفًا مِنْ نَاظِرِهِ بِدُونِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، ثُمَّ مَاتَ النَّاظِرُ وَتَوَلَّى آخَرُ فَهَلْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى تَتْمِيمِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ مُدَّةَ سُكْنَاهُ السَّابِقَةِ وَلِلنَّاظِرِ الثَّانِي إجَارَتُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى تَتْمِيمِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ الَّتِي يَقُولُهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ حِينَ اسْتِئْجَارِهِ أَوْ أُعْدِمَ النَّاظِرُ الَّذِي أَجَرَهُ لَهُ وَإِلَّا فَالتَّتْمِيمُ عَلَى النَّاظِرِ وَلِلنَّاظِرِ الثَّانِي إجَارَتُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ قَالَ الْخَرَشِيُّ فَإِنْ صَدَرَتْ إجَارَتُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تُقْبَلُ مِمَّنْ أَرَادَهَا كَانَ حَاضِرًا الْإِجَارَةَ الْأُولَى أَوْ غَائِبًا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْكِرَاءِ كِرَاءَ الْمِثْلِ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ كِرَاءِ الْمِثْلِ وَقْتَ الْعَقْدِ قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُسْتَأْجِرُ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ أَحَقُّ وَمَا لَمْ يُزِدْ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَيَتَزَايَدَانِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْحَلَّ حِينَئِذٍ وَإِثْبَاتُ كَوْنِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ وَقَعَ الْعَقْدُ بِالنِّدَاءِ وَالِاسْتِقْصَاءِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَبْنٌ حَيْثُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُنَادَاةٍ عَلَيْهِ وَبِعِبَارَةٍ، وَإِنْ وَقَعَ الْوَقْفُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَزَادَ آخَرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِلزِّيَادَةِ فَإِنْ طَلَبَ مِنْ زَيْدٍ أَنْ يَبْقَى وَيَدْفَعَ الزِّيَادَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَنْ زَادَ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ زِيَادَةُ مَنْ زَادَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَإِنْ بَلَغَتْهَا فَلَا يُلْتَفَتُ لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ بِمَحَلِّ وَقْفٍ وَقَعَتْ إجَارَتُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهَا شَخْصٌ وَطَلَبَتْ الْبَقَاءَ بِالزِّيَادَةِ، فَإِنَّهَا تُجَابُ إلَى ذَلِكَ ا. هـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ حَيْثُ كَانَ الْوَاقِفُ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا يُقَالُ إنْ زَادَ الْغَيْرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهَا السَّاكِنُ كَانَ أَحَقَّ لِوُقُوعِ عَقْدٍ مَعَهُ فِي الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَزِدْ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ أَحَقَّ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ السَّاكِنُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِمَا قُلْنَا هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ، ثُمَّ قَالَ تَنْبِيهٌ: إذَا أَكُرَى النَّاظِرُ بِغَيْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ضَمِنَ تَمَامَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَكُلُّ مَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ هَذَا مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ غَيْرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَامِنٌ فَيُبْدَأُ بِهِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَبَسَتْ دَارًا عَلَى أَوْلَادِ وَلَدِ أَخِيهَا تَحْبِيسًا مُعَقَّبًا وَاسْتَثْنَتْ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا فَإِذَا تُوُفِّيَتْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى الْمَذْكُورِينَ فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَهَا الِانْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا مَعْنَاهُ اشْتِرَاطُهَا ذَلِكَ فَتَكُونُ قَدْ حَبَسَتْهَا عَلَى نَفْسِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا وَبَعْدَ وَفَاتِهَا تَكُونُ مُحْبَسَةً عَلَى الْمَذْكُورِينَ وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّ تَحْبِيسَهَا عَلَى نَفْسِهَا بَاطِلٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا حَجَرَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى وَرَثَتِهَا وَتَحْبِيسُهَا عَلَى الْمَذْكُورِينَ صَحِيحٌ بِشَرْطِ حِيَازَتِهِمْ الدَّارَ عَنْهَا فِي حَالِ صِحَّتِهَا وَسَلَامَةِ عَقْلِهَا وَتُجْبَرُ عَلَى تَجْوِيزِهِمْ إنْ طَلَبُوهُ؛ لِأَنَّ تَحْبِيسَهَا لَزِمَهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَلَا مَنْعُهُمْ مِنْ حِيَازَتِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَاطِفًا عَلَى مُتَعَلِّقِ بَطَلَ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ التَّحْبِيسَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ قَالَ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى عَقِبِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَبْسًا لِلْوَرَثَةِ قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْ مَعَ الْحِيَازَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ حَيَوَانِ وَقْفٍ وَأَبْقَى الْأُمَّهَاتِ عَلَى مِلْكِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ وَعَلَى غَيْرِهِ يَصِحُّ تَقَدَّمَ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ تَوَسَّطَ كَأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى نَفْسِي، ثُمَّ عَلَى عَقِبِي أَوْ وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ عَلَى نَفْسِي أَوْ وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ

حبس داره وأشهد عليه واحدا ثم باعها وأشهد عليه شاهدين

عَلَى نَفْسِي، ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو فَالْأَوَّلُ يُقَالُ لَهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مُنْقَطِعُ الْآخَرِ وَالثَّالِثُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ مُنْقَطِعُ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ عَلَى مَيِّتٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَبْطُلُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ الِانْقِطَاعُ ا. هـ. وَأَصْلُهُ لِلْأُجْهُورِيِّ قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ الْحَبْسُ عَلَى نَفْسِ الْمُحْبِسِ وَحْدَهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ كُلِّ حَبْسِ مَنْ حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ فَإِنْ حِيزَ صَحَّ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ قَالَ الْعَدَوِيُّ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَرَضِ وَالْفَلَسِ وَالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّحْوِيزِ وَالتَّخْلِيَةِ، وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَنْ التَّحْبِيسِ فَلَيْسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بِالْقَوْلِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى الْكُتُبِ وَقْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَاسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِهِ إلَى مَوْتِهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يُغَيِّرْهَا لِأَحَدٍ حَتَّى مَاتَ فَهَذِهِ الْكُتُبُ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَهُمْ قَسْمُهَا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لِبُطْلَانِ وَقْفِهَا بِمَوْتِ وَاقِفِهَا قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهُ وَمَا غَيَّرَهُ مِنْهَا نَفَذَ وَقْفُهُ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَوْزُهَا، وَلَا يُبْطِلُهُ عَوْدُهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَهِيَ وَقْفٌ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ فَإِنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ نَفَذَ وَقْفُ جَمِيعِهَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ نَفَذَ وَقْفُ قَدْرِهِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ وَقْفُهُ وَالْحَقُّ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْوَقْفُ بِحَوْزٍ قَبْلَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ وَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَالْمَرَضِ، وَإِنْ صَدَرَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَمِنْ الثُّلُثِ بِلَا شَرْطِ حَوْزٍ كَبَقِيَّةِ التَّبَرُّعَاتِ، وَلَا يَضُرُّ عَوْدٌ كَالْكِتَابِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْكُرَّاسِ حَوْزٌ فَإِنْ حِيزَ بَعْضُهُ تَمَّ وَمَا لَمْ يُحَزْ مِلْكٌ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَتَبَ عَلَى كُتُبٍ أَوْقَفَ وَحَبَسَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ يَعْنِي غَيْرَهُ هَذَا الْكِتَابَ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَاسْتَمَرَّتْ الْكُتُبُ تَحْتَ يَدِ الْكَاتِبِ حَتَّى مَاتَ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: إنْ وُجِدَتْ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِتَحْبِيسِهَا نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا، وَهِيَ حَقُّ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ أَوْ وَارِثِهِ لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَةِ إقْرَارَ كَاتِبِهَا بِأَنَّهَا لَهُ، وَلَا تُعْتَبَرُ كِتَابَتُهُ شَهَادَةً بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا مُجَرَّدُ التَّوْثِيقِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فَرْعٌ إنْ كَتَبَ بِخَطِّ يَدِهِ لِفُلَانٍ عِنْدِي أَوْ قِبَلِي كَذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ، وَإِنْ كَتَبَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا إلَى آخِرِ الْوَثِيقَةِ وَشَهَادَتُهُ فِيهَا لَمْ تَجُزْ إلَّا بِبَيِّنَةِ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا مَخْرَجَ الْوَثَائِقِ وَجَرَتْ مَجْرَى الْحُقُوقِ وَلَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ فِيهَا عَلَى خَطِّهِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ جَيِّدٌ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِيهَا اخْتِلَافٌ. [حَبَسَ دَارِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَاحِدًا ثُمَّ بَاعَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَبَسَ دَارِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَاحِدًا، ثُمَّ بَاعَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ فَهَلْ صَحَّ التَّحْبِيسُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ أَوْ بِالْعَكْسِ لِوُقُوعِ التَّحْبِيسِ بِشَاهِدٍ وَالْبَيْعِ بِشَاهِدَيْنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْوَقْفُ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِ صِيغَتِهِ وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي لُزُومِهِ وَبَيْعُهُ مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ وَاجِبٌ فَسْخُهُ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فَسْخُ بَيْعِهِ وَإِمْضَاءُ وَقْفِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

العقار الموقوف إذا خرب وانقطعت منفعته ولم يرج عودها

[الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى آلِ كُلٍّ وَصَحْبِهِمْ وَالتَّابِعِينَ. (وَبَعْدُ) فَالْغَرَضُ ذِكْرُ مَا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُسْتَبْدَلُ بِثَمَنِهِ غَيْرُهُ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ الْمُنَاقَلَةُ بِهِ أَوْ كِرَاؤُهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي شَرْحِ رَابِعِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ الْأَحْبَاسُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا وَالِاسْتِبْدَالُ بِهَا إذَا انْقَطَعَتْ الْمَنْفَعَةُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ أَنْ يَعُودَ وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ مَثَلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي نَفَقَتِهِ فَيَضُرُّ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِالْمُحْبَسِ عَلَيْهِ أَوْ بِبَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ حَبْسًا فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَقِسْمٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مَا يُرْجَى أَنْ تَعُودَ مَنْفَعَتُهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي إبْقَائِهِ وَقِسْمٌ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ، وَهُوَ مَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ أَنْ يَعُودَ، وَلَا ضَرَرَ فِي إبْقَائِهِ وَخَرَابِ الرَّبْعِ الْمُحْبَسِ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ انْتَهَى. فَجُعِلَ الرَّبْعُ الْمُحْبَسُ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّبْعُ الْخَرَابُ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْعُمْرَانِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَنَصُّهُ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْحَبْسِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ وَعَادَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا وَرُجِيَ أَنْ تَعُودَ مَنْفَعَتُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا، وَلَا تُرْجَى مَنْفَعَتُهُ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَبِيعَةُ الْبَيْعَ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُمَا، وَلَا يُبَاعُ مَا خَرِبَ مِنْ الرِّبَاعِ إذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ إصْلَاحِهِ وَقَدْ يَقُومُ مُحْتَسِبٌ لِلَّهِ فَيُصْلِحُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَقِبٍ فَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُهُمْ فَيُصْلِحُهُ وَمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ، وَلَمْ يُرْجَ إصْلَاحُهُ جَرَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أُخِذَ بِهِ فِي الرِّبَاعِ الْمَنْعُ لِئَلَّا يَتَذَرَّعُ النَّاسُ إلَى بَيْعِ الْأَحْبَاسِ ا. هـ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ، وَإِنْ خَرِبَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ جَوَازَهُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ وَعَزَا الْجَوَازَ لِابْنِ الْقَاسِمِ جَرْيًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الثِّيَابِ إذَا بَلِيَتْ إلَّا أَنَّهُ قَصَرَ الْخِلَافَ عَلَى مَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ إصْلَاحُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِمَدِينَةٍ فَلَا يُبَاعُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ بِاتِّفَاقٍ فَجَعَلَهُ بَعْضُ شُيُوخَنَا قَوْلًا ثَالِثًا انْتَهَى. وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَفِيهَا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مَنْعُ بَيْعِ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعٍ حُبِسَ مُطْلَقًا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُبَاعُ دَارُ حَبْسٍ خَرِبَتْ لِيَبْتَاعَ دُونَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا لِرَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا وَلِيَ ذَلِكَ لِخَرَابِهِ، وَهِيَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ اللَّخْمِيِّ لَا يُبَاعُ إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ إذْ لَا يَيْأَسُ مِنْ صَلَاحِهِ مِنْ مُحْتَسِبٍ وَبَعْضِ عَقِبٍ وَمَا بَعُدَ عَنْ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ صَلَاحُهُ جَرَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أُخِذَ بِهِ الْمَنْعُ خَوْفَ كَوْنِهِ ذَرِيعَةً لِبَيْعِ الْحَبْسِ. قُلْت فَفِي مَنْعِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ لِلْمَعْرُوفِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ وَنَقْلُ اللَّخْمِيُّ ا. هـ. كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ

وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَمِعْتُ مَالِكًا قَالَ فِي قَوْمٍ حُبِسَتْ عَلَيْهِمْ دَارٌ فَخَرِبَتْ فَأَرَادُوا بَيْعَهَا وَابْتِيَاعَ دُونِهَا إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ، وَأَمَّا الْفَرَسُ يَكْلُبُ أَوْ يُجَنُّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسٌ يُحْبَسُ مَكَانَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّبْعَ الْحَبْسُ لَا يُبَاعُ، وَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْخَرَابَ وَمِثْلُهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ بِخِلَافِ مَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ وَضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّبْعَ، وَإِنْ خَرِبَ فَلَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَادَ إلَى حَالِهِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهِ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ قَالَ لَا يُبَاعُ الرَّبْعُ الْحَبْسُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَخْرَبَ اهـ. فَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ إذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا الْمَنْعُ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَالْجَوَازُ لِإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ الْمُحْبَسِ إذَا خَرِبَ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْمَنْعُ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ الْجَوَازَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي لُبِّ الْقَبَّابِ، وَأَمَّا الرِّبَاعُ فَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْمَنْعُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ الْجَوَازَ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ فَأَمَّا الرِّبَاعُ فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا إذَا خَرِبَتْ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ الْجَوَازَ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّةِ الْمَنْعِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لِمَالِكٍ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ لَهُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا عَقَارَ، وَإِنْ خَرِبَ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبِهِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ قَالَ وَلَدُ ابْنِ عَاصِمٍ فِي شَرْحِ رَجَزِ وَالِدِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَغَيْرُ أَصْلِ عَادِمِ النَّفْسِ صَرَفْ ... ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ وَقَفْ اسْتَثْنَى الْأُصُولَ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ أَصْلِيٍّ وَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ قِيلَ بِبَيْعِ مَا عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَفَّارُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَسُئِلَ فِي فَدَانٍ مُحْبَسٍ عَلَى مَصْرِفٍ مِنْ مَصَارِفِ الْبِرِّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ هَلْ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ. فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْفَدَّانُ الَّذِي حُبِسَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَدَّانٌ آخَرُ يُحْبَسُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصْرِفِ الَّذِي حُبِسَ عَلَيْهِ الْفَدَّانُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا النَّحْوِ فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهَا بِسَبَبِ ضَرَرِ جِيرَانٍ أَنْ تُبَاعَ وَيُعَارَضُ بِثَمَنِهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّبْعِ الْمُحْبَسِ إذَا خَرِبَ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ سُئِلَ فِي طِرَازٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى رَابِطَةٍ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ تَدَاعَى

لِلسُّقُوطِ وَأَنَّهُ يَضُرُّ بِحِيطَانِ الْجِيرَانِ الْمُشْتَرِكَةِ مَعَهُ مِنْ جِيرَانٍ الرِّبَاطِ إضْرَارًا بَيِّنًا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلرِّبَاطَةِ مَا يُسَدَّدُ بِهِ بِنَاؤُهُ فَأَجَابَ يَسُوغُ بَيْعُ الطِّرَازِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَيُعَوَّضُ بِثَمَنِهِ لِلْحَبْسِ مَا يَكُونُ لَهُ أَنْفَعُ، وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُنَاقِلُ بِهِ بِرَبْعٍ آخَرَ لِلْحَبْسِ فَهُوَ حَسَنٌ إنْ أَمْكَنَ قَالَهُ فَرَجٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَحَبْسُ الْمَسَاكِينِ يَكُونُ فِي الْبَلَدِ فَتَيْبَسُ أَشْجَارُهُ وَيُقْحَطُ لِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهُ يَرَى الْقَاضِي فِيهِ رَأْيَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ كِرَاءٍ مَا رَآهُ فِيهَا وَعَنْ ابْنِ اللَّبَّادِ أَرَى أَنْ يُبَاعَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ وَكَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُحْرَثُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ بَيْعَهُ وَيَدْخُلُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَجَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِبَيْعِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا، وَوَقَعَتْ مَسَائِلُ عِنْدَنَا بِتُونُسَ. مِنْهَا فُنْدُقُ ابْنِ يَعْطَاسَ تَهَدَّمَ فَأَفْتَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ أَنَّهُ تُبَاعُ أَنْقَاضُهُ وَيُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ دَارًا وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَحَكَمَ بِهَذِهِ الْفَتْوَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَحَقَّ لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا دَارٌ خَرِبَتْ مِنْ دُورِ مَدْرَسَةِ الْقَنْطَرَةِ فَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ بِبَيْعِهَا فَبِيعَتْ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا رَسْمًا فِي الْغَابَةِ بِتُونُسَ وَظَاهِرُ فَتَاوَى الْأَنْدَلُسِيِّينَ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْبَيْعِ وَيُسْتَبْدَلُ بِهَا مَا هُوَ أَعْوَدُ بِالْمَنْفَعَةِ انْتَهَى. كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ أَيْضًا وَنَصَّهُ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي حَبْسِ الْمَسَاكِينِ يَكُونُ فِي الْبَلَدِ فَتَيْبَسُ أَشْجَارُهُ وَيُقْحَطُ بِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهُ فَقَالَ يَرَى الْقَاضِي فِيهِ رَأْيَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ أَرَى أَنْ يُبَاعَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ وَكَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُحْرَثُ وَحْدَهُ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ بَيْعَهُ وَإِدْخَالَ ثَمَنِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِبَيْعِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا انْتَهَى. وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ مَسْلَمَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي قَوْلِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شَرِكَةٍ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ فِي الْمَوْضِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُحْرَثُ وَحْدَهُ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَدْخُلُ فِي غَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ غَلَّةُ الْحَبْسِ لَا تَفِي بِنَفَقَتِهِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا ثَمَنَ لَهُ رُدَّ لِمُحْبِسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ يَبْلُغُ مَا يُشْتَرَى بِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ وَلَوْ قَلَّ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ ذَلِكَ. ، ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ فَائِدَتِهِ فَإِنْ عَجَزَتْ بِيعَ وَعُوِّضَ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فَإِنْ عَجَزَ صُرِفَ فِي مَصْرِفِهِ انْتَهَى. فَتَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ فِي الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالثَّانِي الْجَوَازُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَقْلِ الْبُرْزُلِيِّ وَبِهِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ إنَّهُ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجَّهَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ بِمَا نَصُّهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ الْمَنْعِ أَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى مِلْكٍ فَإِذَا كَانَ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِي تَبْقِيَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ اعْتِبَارًا بِهِ إذَا لَمْ يَخْرُبْ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْحَيَوَانَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي تَبَقَّيْته ضَرَرًا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، وَإِنْ أَجَبْنَا بِالتَّسْوِيَةِ قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ بِسَبَبٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ مَعَ السَّلَامَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِيهِ مَعَ التَّغَيُّرِ كَالْعِتْقِ وَتَزِيدُ بِالْإِزَالَةِ فِي الْفَرْعِ الْمَانِعِ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَنْفَعَتِهِ فَلَوْ أَجَزْنَا بَيْعَهُ لَخَالَفْنَا

حكم المعاوضة بالعقار الخرب عقارا غير خرب

شَرْطَ الْوَاقِفِ وَجَعَلْنَا الْمَنْفَعَةَ لَهُ بِالْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ الْعِمَارَةَ قَدْ تَعُودُ وَتَنْتَقِلُ فَفِي إجَازَةِ بَيْعِهِ إبْطَالُ حَقِّ مَنْ جُعِلَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ هَذَا الْبَطْنِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ انْتَهَى. وَوَجَّهَ الْجَوَازَ بِمَا نَصُّهُ: وَوَجْهُ الْجَوَازِ اعْتِبَارُهُ بِالْحَيَوَانِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا أَرَادَ وُصُولَ الِانْتِفَاعِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ هَذَا الْوَقْفِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ مَنْفَعَةٌ وَجَبَ أَنْ تُنْقَلَ إلَى مَنْفَعَةِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِلَّا كَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ شَرْطِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَوْضَحُ انْتَهَى، فَهَذَا مُلَخَّصُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا وَالِاسْتِبْدَالُ بِثَمَنِهِ مِنْ نَوْعِهِ. [حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ بِالْعَقَارِ الْخَرِبِ عَقَارًا غَيْرَ خَرِبٍ] ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ بِالْعَقَارِ الْخَرِبِ عَقَارًا غَيْرَ خَرِبٍ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي رِسَالَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِالرَّبْعِ الْخَرِبِ رَبْعًا غَيْرَ خَرِبٍ، وَاخْتَلَفَ شُرَّاحُهُ فِي حَمْلِ كَلَامِهِ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ، وَإِنْ خَرِبَ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَعْنَى الْكَلَامَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْحَبْسُ الْخَرِبُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ يَكُونُ وَقْفًا عِوَضُهُ فَجَزَمَ أَوَّلًا بِمَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَإِنْ خَرِبَ، ثُمَّ حَكَى وُجُودَ الْخِلَافِ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِهِ بِرَبْعٍ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ. قَالَ الْجُزُولِيُّ إثْرَ قَوْلِهِ، وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ، وَإِنْ خَرِبَ ظَاهِرُ هَذَا مُعَارِضٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَقَالَ فِي تِلْكَ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ وَقَالَ هُنَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ خَرِبَ وَالِانْفِصَالُ عَنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَبْسِ، وَإِنْ خَرِبَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ إلَخْ إنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِالرَّبْعِ الْخَرِبِ رَبْعًا غَيْرَ خَرِبٍ صُورَةُ هَذَا أَنْ تَكُونَ دَارٌ مُحْبَسَةً، ثُمَّ خَرِبَتْ فَإِنَّهَا تُبَاعُ مِمَّنْ يَمْلِكُهَا وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا أُخْرَى فَيَصِيرُ الْحَبْسُ مِلْكًا وَالْمِلْكُ حَبْسًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَالِكٌ يَمْنَعُهُ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيزَانِ بَيْعَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَحَسْمًا لِلْبَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّمَا صُورَتُهُ أَنْ يُبَاعَ الْحَبْسُ الْخَرِبُ بِدَارٍ أُخْرَى غَيْرِ خَرِبَةٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ صُورَةُ الْمُنَاقَلَةِ أَنْ يَدْفَعَ رَبْعًا خَرِبًا فِي رَبْعٍ صَحِيحٍ. الشَّيْخُ بِغَيْرِ تَعَقُّبٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مِنْ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهَا دَارًا أُخْرَى أَوْ يَأْخُذَ دَارًا فِيهَا كِلَاهُمَا يُقَالُ فِيهِ عَارِضٌ بِدَارٍ غَيْرِ خَرِبٍ انْتَهَى. [مُنَاقَلَةُ الْأَحْبَاسِ] (فَرْعٌ) : قَالَ الْجُزُولِيُّ، وَأَمَّا مُنَاقَلَةُ الْأَحْبَاسِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسٌ وَحَبْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِزَاءِ الْآخَرِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَاقَلَاهُمَا وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَبْسَ الَّذِي بِإِزَائِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ ا. هـ. وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْحَبْسِ إذَا خَرِبَ. [بَيْعُ بَعْضِ الْعَقَارِ الْوَقْفِ لِإِصْلَاحِ بَعْضِهِ] (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِ الْعَقَارِ الْوَقْفِ لِإِصْلَاحِ بَعْضِهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْحَبْسِ إذَا خَرِبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَوْ حَبَسَ إبِلًا أَوْ غَنَمًا فَانْفَصَلَتْ الذُّكُورُ مِنْ التُّيُوسِ أَكْثَرَ نَسْلَهَا، قَالَ لَا تُبَاعُ وَلَوْ صَارَتْ ضَرُورَةً بِكَثْرَةِ مَا يُنْفِقُ فِي رِعَايَتِهَا وَمَئُونَتِهَا فَلَا تُبَاعُ عِنْدِي إذَا كَانَتْ لَا تَضُرُّ بِغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ كَالرَّبْعِ الْخَرِبِ الَّذِي لَمْ يُبَعْ بَعْضُهُ لِيُصْلَحَ بِهِ بَاقِيهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ بِلَفْظِ. وَفِي النَّوَادِرِ

عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ الْمُحْبَسَةِ تَلِدُ الذُّكُورَ وَتَكْثُرُ بِذَلِكَ إنَّهَا لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا قَالَ وَلَوْ صَارَتْ ضَرُورَةً لِكَثْرَةِ مَا يُنْفَقُ فِي رِعَايَتِهَا وَمَئُونَتِهَا فَلَا يُبَاعُ عِنْدِي إذَا كَانَتْ لَا تَضُرُّ بِغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ كَالرَّبْعِ الْخَرِبِ الَّذِي إذَا بِيعَ بَعْضُهُ أُصْلِحَ بِهِ بَاقِيَةُ اهـ فَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا كَانَتْ لَا تَضُرُّ بِغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا أَضَرَّتْ بِغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ أَنَّهَا تُبَاعُ فَأَجَازَ بَيْعَهَا لِإِصْلَاحِ بَاقِيهَا بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الرَّبْعِ الْخَرِبِ الَّذِي إذَا بِيعَ بَعْضُهُ أُصْلِحَ بَاقِيهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّبْعِ الْخَرِبِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْحُكْمِ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى يَقْتَضِي عَدَمَ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَدَلِّ بِهَا فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ الْكُبْرَى عَنْ ابْنِ زَرِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ دَارٍ مُحْبَسَةٍ هَدَمَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ قِطْعَةً مِنْهَا وَبَاعَ نَقْضَهَا فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَتَسْعِيرِهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ إنَّهُ لَا يُبْنَى مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى يَدِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ شَدِيدُ السِّلْعَةِ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ النَّقْضِ بَعْضُهُ وَيُنْفَقُ مِنْ ثَمَنِهِ فِي بُنْيَانِ الْحَبْسِ وَيَدْخُلَ بَاقِي النَّقْضِ فِي الْبُنْيَانِ، ثُمَّ يُبَاعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَجْلِسِ أَوْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْحَبْسِ؟ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْحَبْسِ هَذَا إصْلَاحٌ لَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. تَمَّتْ الرِّسَالَةُ الْمُبَارَكَةُ لِلشَّيْخِ الْحَطَّابِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَحْمَةً وَاسِعَةً وَنَفَعَنَا بِهِ وَالْمُسْلِمِينَ آمِينَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَقْفٍ قَالَ وَاقِفُهُ فِي صِيغَتِهِ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ يَدْخُلُ وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِهِ قَائِلًا عَقِبَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ رَشِيدٍ وَصَغِيرٍ وَبِنْتٍ رَشِيدَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ فَادَّعَى الرَّشِيدُ أَنَّ أَبَاهُمْ حَبَسَ جَمِيعَ بَسَاتِينِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ حَوَّزَهُ الْحَبْسَ لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ نِيَابَةً عَنْهُمَا، فَأَنْكَرَتْ الْبِنْتُ ذَلِكَ فَهَلْ يَبْطُلُ التَّحْبِيسُ فِي نَصِيبِهَا لِعَدَمِ حَوْزِهَا إيَّاهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا وَعَدَمِ صِحَّةِ حَوْزِ أَخِيهَا لَهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تُوَكِّلْهُ عَلَيْهِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ هَذَا التَّحْبِيسُ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَرَثَتِهِ فَفِي الْمُخْتَصَرِ عَطَفَا عَلَى الْبَاطِلِ أَوْ عَلَى وَارِثِهِ بِمَرَضِ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي عَقَارٍ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَهَكَذَا إلَى انْقِرَاضِهِمْ، ثُمَّ عَلَى عُتَقَائِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إلَى انْقِرَاضِهِمْ، ثُمَّ عَلَى عُتَقَاءِ عُتَقَائِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَلَى جِهَاتِ خَيْرٍ عَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبَا ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ وَنَصُّ مَا فِيهِ أَنْشَأَ الْوَاقِفَانِ الْمَذْكُورَانِ أَعْلَاهُ وَقْفَهُمَا هَذَا سَوِيَّةً مِنْ تَارِيخِهِ أَدْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِمَا أَيَّامَ حَيَاتِهِمَا يَنْتَفِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ سُكْنَى وَإِسْكَانًا وَغَلَّةً وَاسْتِغْلَالًا بِسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ

مسائل الهبة والصدقة

الشَّرْعِيَّةِ الْوَقْفِيَّةِ أَبَدًا مَا عَاشَ وَدَائِمًا مَا بَقِيَ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا مُنَازِعٍ، وَلَا رَافِعٍ يَدَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا مُدَافِعٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ كُلٍّ فَعَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ أَجْمَعِينَ يَكُونُ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى عُتَقَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا بِالسَّوِيَّةِ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ، ثُمَّ انْقَرَضَ نَسْلُ أَحَدِهِمَا وَلَهُ عُتَقَاءُ وَبَقِيَ مِنْ نَسْلِ الْآخَرِ بِنْتٌ فَهَلْ تَصِيرُ حِصَّةُ مَنْ انْقَرَضَ نَسْلُهُ وَقْفًا عَلَى عُتَقَائِهِ مَعَ وُجُودِ بِنْتِ أَخِيهِ الْمَذْكُورَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ صَارَتْ حِصَّةُ مَنْ انْقَرَضَ نَسْلُهُ وَقْفًا عَلَى عُتَقَائِهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ بِنْتِ أَخِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْبِسْ حِصَّتَهُ عَلَى أَوْلَادِ أَخِيهِ وَإِنَّمَا حَبَسَهَا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ إلَى انْقِرَاضِهِمْ، ثُمَّ عَلَى عُتَقَائِهِ فَلَا دَخْلَ لِأَوْلَادِ أَحَدِهِمَا وَنَسْلِهِ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ فَإِذَا انْقَرَضَ نَسْلُ أَحَدِهِمَا انْتَقَلَتْ حِصَّتُهُ لِعُتَقَائِهِ مَعَ وُجُودِ نَسْلِ أَخِيهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ انْقَرَضُوا جَمِيعًا بِأُسَرِهِمْ فَهُوَ فِي كُلِّ حِصَّةٍ بِانْفِرَادِهَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْكَاتِبَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ اخْتِصَارًا وَاتِّكَالًا عَلَى وُضُوحِ جَرَيَانِهِ فِي كُلِّ حِصَّةٍ بِانْفِرَادِهَا كَجَمْعِهِ الْوَقْفَيْنِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ لِتَخْفِيفِ الْمَحْصُولِ وَتَوَابِعِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ غَايَةَ الظُّهُورِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِمَعَالِي الْأُمُورِ وَقَدْ حَكَمَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ. [مَسَائِلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي طَوَائِفَ قَرَّرَهُمْ مُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ الْإِبْرَاهِيمِيَّة فِي خِدْمَةِ ضَرِيحِ سَيِّدِنَا إِسْحَاقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَعْضُهُمْ يَتَوَلَّى هَذِهِ الْخِدْمَةَ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ نِصْفَ السَّنَةِ وَبَعْضُهُمْ يَتَوَلَّى ثُمْنَهَا وَبَعْضُهُمْ يَتَوَلَّى الثُّمْنَ الْبَاقِي وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ كَذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ سَنَةٍ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الدَّعْوَى، ثُمَّ ادَّعَى الْآنَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْمُتَوَلِّينَ لِلثُّمْنِ أَنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لِأَصْحَابِ النِّصْفِ مِنْ الْوَظِيفَةِ مُتَعَلِّلِينَ بِأَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي تَقَارِيرِهِمْ أَنَّ مَعْلُومَ وَظِيفَتِهِمْ وَخِدْمَتِهِمْ مُسَاوٍ لِمَعْلُومِ خِدْمَةِ مُتَوَلِّي النِّصْفِ وَلَيْسَ فِي التَّقَارِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْخِدْمَةِ وَفِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَعْلُومِ؟ فَأَجَابَهُمْ أَصْحَابُ النِّصْفِ بِأَنَّ أَمْرَ الرَّبْعِ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْمُتَوَلِّي فَلَهُ أَنْ يُقَرِّرَ جَمَاعَةً فِي خِدْمَةِ زَمَنٍ طَوِيلٍ بِمَعْلُومٍ قَلِيلٍ وَأُخْرَى فِي خِدْمَةِ زَمَنٍ قَصِيرٍ بِمَعْلُومٍ كَثِيرٍ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لَهُ فَهَلْ لَا عِبْرَةَ بِتَعَلُّلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ خُصُوصًا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إثَارَةُ فِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ بَيْنَ سَائِرِ الْمُقَرَّرِينَ فِي خِدْمَةِ بَقِيَّةِ أَضْرِحَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُشْتَرِكِينَ عَلَى هَذَا النَّمَطِ مَعَ سُكُوتِ الْجَمِيعِ وَاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّنَازُعَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النُّذُورِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْهَدَايَا وَحِينَئِذٍ فَمَا جُهِلَ قَصْدُ الشَّخْصِ الْمُتَبَرِّعِ بِهِ مِنْهَا

دفع لآخر نقوطا في فرح ثم طالبه به

فَإِنَّهُمْ يُحْمَلُونَ فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْمَاضِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلَافِهِمْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّعَلُّلُ الْمَذْكُورُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَمِنْ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَفَتْحِ بَابِ الشَّرِّ وَالْهَرَجِ وَالْخِصَامِ بَيْنَ سَائِرِ الطَّوَائِفِ الْمُقَرَّرَةِ فِي خِدْمَةِ بَقِيَّةِ الْأَضْرِحَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ: وَسَأَلْت شَيْخَنَا الْإِمَامَ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ عَمَّا يَأْتِي إلَى الْمَوْتَى مِنْ الْفُتُوحِ وَالصَّدَقَةِ وَيُوعَدُونَ بِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ بَلَغْت كَذَا فَلِسَيِّدِي فُلَانٍ كَذَا مَا يُصْنَعُ بِهِ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قَصْدِ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْمَيِّتِ تَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ يَكُونُونَ عِنْدَهُ فَلْيُدْفَعْ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ فَلْيُنْظَرْ عَادَةَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي قَصْدِهِمْ الصَّدَقَةَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ ذُرِّيَّةُ ذَلِكَ الْوَلِيِّ فِيمَا يُؤْتَى إلَيْهِ مِنْ الْفُتُوحِ فَلْيُنْظَرْ قَصْدَ الْآتِي بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ حُمِلَ عَلَى الْعَادَةِ فِي إعْطَاءِ ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لَهُمْ وَلِلْأَغْنِيَاءِ انْتَهَى. نَقَلَهُ الْحَطَّابُ، وَالْخِدْمَةُ مِثْلُ الذُّرِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ صَنَعَ عُرْسًا فَوَهَبَ لَهُ رَجُلٌ إرْدَبَّ قَمْحٍ هِبَةَ ثَوَابٍ، ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ طَلَبَ الْوَاهِبُ الثَّوَابَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِدَفْعِ الثَّوَابِ لِلْوَاهِبِ، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ وَقُلْتُمْ ثَوَابُهُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ الْعَرَضُ أَوْ الدَّنَانِيرُ وَكَانَ الْإِرْدَبُّ فِي زَمَنِ دَفْعِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ قِرْشًا مَثَلًا وَفِي زَمَنِ طَلَبِ الثَّوَابِ يُسَاوِي سِتِّينَ مَثَلًا فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُقْضَى عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِدَفْعِ الثَّوَابِ لِلْوَاهِبِ إنْ شَرَطَ أَوْ اُعْتِيدَ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الدَّفْعِ لَا يَوْمَ الطَّلَبِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمِثَالِ أَرْبَعُونَ قِرْشًا أَوْ عَرَضٌ يُسَاوِيهَا وَاعْتِيدَتْ إثَابَتُهُ؛ لِأَنَّهَا قِيمَةُ الْإِرْدَبِّ يَوْمَ دَفْعِهِ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ مَا يُهْدَى مِنْ الْكِبَاشِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ الْعُرْسِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلطَّالِبِ بِالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ وَأَنَّ الضَّمَائِرَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُهْدِيهِ مِثْلَهَا إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا فَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَحَاسَبَهُ بِمَا أَكَلَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الصَّنِيعِ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الصَّبْرُ حَتَّى يَحْدُثَ لَهُ عُرْسٌ وَنَحْوُهُ فِي الْبُرْزُلِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّتَّائِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَيْهِ إنْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ وَتَبِعَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَالْخَرَشِيُّ وَنَصُّهُ، وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّوَابَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِيَدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِ الْهِبَةِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ شَيْئِهِ مُعَجَّلًا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ عُرْسٌ انْتَهَى. بِتَصْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ: الْمُتَيْطِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ قَالَ لَهُ الْمُعْطِي لَا أُعْطِيك إلَّا أَنْ يَحْدُثَ لَك عُرْسٌ، وَهُوَ شَأْنُ النَّاسِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ هَدِيَّتِهِ مُعَجَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [دَفَعَ لِآخَرَ نُقُوطًا فِي فَرَح ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَفَعَ لِآخَرَ نُقُوطًا فِي فَرَحٍ، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ مُعَجَّلًا، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَحْدُثَ لَهُ فَرَحٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ مُعَجَّلًا لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِي الْجَوَابِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنٍ وَزَوْجٍ وَتَرَكَتْ حُلِيًّا ذَهَبًا وَفِضَّةً فَقَالَ الزَّوْجُ الْحُلِيُّ مِلْكِي

رجل ماله حرام ويريد أن يعطي إنسانا شيئا منه فهل يجوز للمعطى له أخذه

أَمْتَعْتَهَا بِهِ وَقَالَ الِابْنُ هُوَ مِلْكُ أُمِّي أَرِثُ فِيهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَهَا عَلَى التَّحْلِيَةِ وَالْإِمْتَاعِ أَوْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّحْلِيَةِ وَسَلَّمَهَا الِابْنُ أَوْ عَجَزَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ اخْتَصَّ الزَّوْجُ بِهِ وَحُمِلَ فِي الثَّانِي عَلَى الْإِمْتَاعِ وَإِلَّا فَهُوَ تَرِكَةٌ لِلزَّوْجِ رُبْعُهُ وَلِلِابْنِ مَا بَقِيَ فَفِي الْخَرَشِيِّ، وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الزَّوْجَةِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِمْتَاعِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمْتَاعِ الِانْتِفَاعُ لَا التَّمْلِيكُ اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل مَالُهُ حَرَامٌ وَيُرِيدُ أَنَّ يُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَخْذُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَالُهُ حَرَامٌ وَيُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَخْذُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَخْذُهُ إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا وَكَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتَّهُ الْغَاصِبُ بِنَحْوِ طَبْخٍ إجْمَاعًا إلَّا عَلَى وَجْهِ رَدِّهِ لِمَالِكِهِ إنْ عَلِمَهُ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ عَنْهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ وَالْأَسْلَمُ عَدَمُ قَبُولِهِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّصْدِيقِ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَيْنَ عَطَايَا الْخُلَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُوَ فِي غَيْرِ الْخُلَفَاءِ وَالْعُمَّالِ الْمُفَوَّضِ لَهُمْ فِي صَرْفِ الْأَمْوَالِ بِاجْتِهَادِهِمْ أَمَّا الْخُلَفَاءُ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فَعَطَايَاهُمْ يَجُوزُ قَبُولُهَا عِنْدَ جَمِيعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ فِي النَّصِيحَةِ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَمَّا عُلِمَ غَالِبًا كَوْنُهُ حَرَامًا وَإِلَّا فَوَرَعٌ إنْ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ وَحَرَامٌ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ؛ لِأَنَّهُ إذَايَةٌ وَسُوءُ ظَنٍّ بِصَاحِبِهِ قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ زِكْرِيٍّ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَدَّمَ إلَيْك طَعَامًا أَوْ هَدِيَّةً أَوْ أَرَدْت أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ أَوْ تَتَّهِبَ فَلَيْسَ عَلَيْك أَنْ تُفَتِّشَ عَنْهُ وَتَسْأَلَ وَتَقُولَ هَذَا مِمَّا لَا أَتَحَقَّقُ حِلَّهُ فَلَا آخُذُهُ بَلْ أُفَتِّشُ عَنْهُ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَتْرُكَ الْبَحْثَ فَتَأْخُذُ كُلَّ مَا يُتَيَقَّنُ تَحْرِيمُهُ بَلْ السُّؤَالُ وَاجِبٌ مَرَّةً وَحَرَامٌ مَرَّةً وَمَنْدُوبٌ مَرَّةً وَمَكْرُوهٌ مَرَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهِ وَالْقَوْلُ الشَّافِي فِيهِ هُوَ أَنَّ مَظِنَّةَ السُّؤَالِ فِي مَوَاقِعِ الرِّيبَةِ وَمَثَارِهَا إمَّا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِصَاحِبِ الْمَالِ، ثُمَّ أَطَالَ الْقَوْلَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلِهِ عَلَى عَادَتِهِ وَلَخَصَّ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَقَالَ النَّاسُ فِي حَقِّك سِتَّةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا فِي كُلِّ مَنْ أُخِذَ مَالُهُ وَالْحَذَرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَحَطُّ الْوَرَعِ. الثَّانِي: أَنْ تَعْرِفَهُ بِالصَّلَاحِ فَكُلْ مِنْهُ، وَلَا تَتَوَرَّعْ فَالْوَرَعُ مِنْهُ وَسْوَسَةٌ فَإِنْ أَدَّى إلَى الْإِيذَاءِ وَالْإِيحَاشِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ وَحَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ. الثَّالِثُ: أَنْ تَعْرِفَهُ بِالظُّلْمِ وَالرِّبَا حَتَّى عَلِمْت أَنَّ كُلَّ مَالِهِ أَوْ أَكَثْرَهُ حَرَامٌ كَالسَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ وَغَيْرِهِمْ فَمَالُهُمْ حَرَامٌ. الرَّابِعُ: أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِ حَلَالٌ، وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ حَرَامٍ كَرَجُلٍ لَهُ تِجَارَةٌ وَمِيرَاثٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلِ السُّلْطَانِ فَلَكَ الْأَخْذُ بِالْأَغْلَبِ لَكِنْ تَرْكُهُ مِنْ الْوَرَعِ الْمُهِمِّ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا عِنْدَك لَكِنْ تَرَى عَلَيْهِ عَلَامَةَ الظُّلْمِ كَالْقَبَاءِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَهَيْئَاتِ الْأَتْرَاكِ وَالظَّلَمَةِ فَهَذِهِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُوجِبُ الْحَذَرَ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ مَالِهِ إلَّا بَعْدَ التَّفْتِيشِ. السَّادِسُ: أَنْ تَرَى عَلَيْهِ عَلَامَةَ الْفِسْقِ لَا عَلَامَةَ الظُّلْمِ كَطُولِ الشَّارِبِ وَانْقِسَامِ شَعْرِ الرَّأْسِ فَزَعًا وَرُؤْيَتِهِ يَشْتُمُ غَيْرَهُ أَوْ يَنْظُرُ إلَى امْرَأَةٍ فَإِنْ عَلِمْت لَهُ مَالًا مَوْرُوثًا أَوْ تِجَارَةً لَمْ يَحْرُمْ مَالُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ مَجْهُولًا عِنْدَك فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْفِسْقِ أَضْعَفُ دَلَالَةً مِنْ عَلَامَةِ الظُّلْمِ، وَلَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ دَلَالَةً أَظْهَرَ مِنْ دَلَالَةِ هَذِهِ الْعَلَامَةِ

عَلَى التَّحْرِيمِ، ثُمَّ رَوَاهُ هَذَا كُلُّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمَرْءُ قَلْبَهُ فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً فَلْيَجْتَنِبْ فَالْإِثْمُ حَزَازَةُ الْقُلُوبِ وَحِكَاكُ الصُّدُورِ، وَلَكِنْ هَاهُنَا دَقِيقَةٌ يَغْفُلُ عَنْهَا أَهْلُ الْوَرَعِ، وَهِيَ أَنَّهُ حَيْثُ التَّرْكُ مِنْ الْوَرَعِ أَوْ مِنْ حَزَازَةٍ فِي النَّفْسِ وَالسُّؤَالُ يُؤْذِي فَالْمَجْهُولُ إذَا قَدَّمَ لَك طَعَامًا فَإِذَا سَأَلْته مِنْ أَيْنَ اسْتَوْحَشَ وَتَأَذَّى وَالْإِيذَاءُ حَرَامٌ وَسُوءُ الظَّنِّ حَرَامٌ، وَإِنْ سَأَلْت غَيْرَهُ بِحَيْثُ يَدْرِي زَادَ الْإِيذَاءُ، وَإِنْ سَأَلْت بِحَيْثُ لَا يَدْرِي فَقَدْ تَجَسَّسَتْ وَأَسَأْت الظَّنَّ وَبَعْضُ الظَّنِّ إثْمٌ وَشُبْهَةٌ بِالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَتَرْكُ الْوَرَعِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَيْسَ لَك إلَّا التَّلَطُّفُ بِالتَّرْكِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْإِيذَاءِ فَعَلَيْك أَنْ تَأْكُلَ فَإِنَّ تَطْيِيبَ قَلْبِ الْمُسْلِمِ وَصِيَانَتَهُ عَنْ الْإِيذَاءِ أَهَمُّ مِنْ الْوَرَعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ وَقَعَ طَعَامٌ حَرَامٌ فِي سُوقٍ فَهَلْ يُشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ السُّوقِ؟ فَأَقُولُ إنْ تَحَقَّقَتْ أَنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْأَكْثَرُ فَلَا تَشْتَرِ إلَّا بَعْدَ التَّفْتِيشِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّ الْحَرَامَ كَثِيرٌ وَلَيْسَ بِالْأَكْثَرِ فَلَكَ الشِّرَاءُ وَالتَّفْتِيشُ الْوَرَعُ انْتَهَى. ، ثُمَّ قَالَ فِي النُّصْحِيَّةِ وَفِي الْأَخْذِ مِنْ الْوُلَاةِ لِلشُّيُوخِ طُرُقٌ قَالَ شَارِحُهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ فَمَا تَقُولُ فِي جَوَائِزِ السَّلَاطِينِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ كُلِّ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَهُ أَخْذُهُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ فِي هَذَا الْعَصْرِ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي أَيْدِيهِمْ مَعْدُومٌ عَزِيزٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا إسْرَافٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ قَوْمٌ صِلَاتُ السَّلَاطِينِ تَحِلُّ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ إذَا لَمْ يُتَحَقَّقْ أَنَّهَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا التَّبَعَةُ عَلَى الْمُعْطِي وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ لَا لِفَقِيرٍ، وَلَا لِغَنِيٍّ إذْ هُمْ مَوْسُومُونَ بِالظُّلْمِ وَالْغَالِبُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ السُّحْتُ وَالْحَرَامُ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْفَقِيرُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ انْتَهَى. وَاخْتَارَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ فَإِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ حَرُمَ، وَإِنْ غَلَبَ الْحَلَالُ وَفِيهِ حَرَامٌ مُتَيَقَّنٌ فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) سُئِلَ سَحْنُونٌ فَقِيلَ لَهُ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَقْبَلُ صِلَاتِ السُّلْطَانِ وَيَأْكُلُ طَعَامَهُ وَسَلَاطِينُ هَذَا الزَّمَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت هَلْ تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ؟ فَإِنْ قُلْت أَنَّهُ يُجَرَّحُ بِذَلِكَ فَقَدْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ قَدْ أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَوَائِزَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَأَخَذَ مَالِكٌ جَوَائِزَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ. فَإِنْ قُلْت إنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَايَنَ السُّلْطَانَ وَتَرَكَ الْأَخْذَ مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ لِمَالِكٍ بِثَلَاثِ صُرَرٍ دَنَانِيرَ فَاتَّبَعَهُ الرَّسُولُ بِهَا فَسَقَطَتْ صُرَّةٌ فِي الزِّحَامِ فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالصُّرَّتَيْنِ سَأَلَهُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ غَيْرَهُمَا فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالثَّالِثَةِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى أَتَى بِهَا بَعْضُ مَنْ وَجَدَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَمَالِكٌ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا إلَّا مُتَطَوِّعًا فَإِنْ رَأَيْت طَرْحَ شَهَادَةِ مَنْ أَخَذَ مِنْ السُّلْطَانِ فَجَمِيعُ الْقُضَاةِ مِنْهُ يُرْزَقُونَ وَإِيَّاهُ يَأْكُلُونَ فَقَالَ سَحْنُونٌ أَمَّا قَوْلُك هَلْ يَكُونُ مِنْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَهُوَ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الزَّلَّةُ وَالْفَلْتَةُ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَرْدُودُ الْأَكْلِ عِنْدَهُمْ فَسَاقِطُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ قَبُولِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ لِجَوَائِز السُّلْطَانِ فَقَدْ قِسْت بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَاحْتَجَجْت بِمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ مَالِكٍ وَابْنِ شِهَابٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ جَائِزَةٌ

لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى مَا شَرَطَ مَالِكٌ لِإِجْمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطَاءِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مَنْ يُرْضَى مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُرْضَى وَجُلِّ مَا يَدْخُلُ بُيُوتَ الْأَمْوَالِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقِيمِ وَاَلَّذِي يَظْلِمُونَ مِنْهُ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْكَرَ أَخْذَ الْعَطَاءِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ إلَى الْيَوْمِ، وَأَمَّا قَوْلُك فِي الْقُضَاةِ فَإِنَّهُمْ أُجَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ سَمِعْت عَلِيَّ بْنِ زِيَادٍ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَدْفَعُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونَ قَبُولُ الْجَوَائِزِ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ جُرْحَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ بَيِّنٌ إذْ قَبَضُوا ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ عَلَى الْجِبَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلُهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا بِالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَةُ الْخَلِيفَةِ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَجِبَايَتِهَا وَتَصْرِيفَهَا بِاجْتِهَادِهِمْ فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا كَالْحَجَّاجِ وَشَبَهِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِمْ فِي الْأُمُورِ فَقَبْضُ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ كَقَبْضِهَا مِنْ الْخُلَفَاءِ فَإِنْ صَحَّ أَخْذُ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ فَهَذَا وَجْهُهُ، وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ وَالْأَجْنَادُ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَرْزَاقَهُمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَنَّهُمْ أَعْنِي الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَضُرِبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ إعْطَاءِ مَالِ اللَّهِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ بِوَجْهِ اجْتِهَادِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ أَمَّا جَوَائِزُ الْعُمَّالِ فَفِيهَا شَيْءٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مُفَوَّضَةٌ إلَيْهِمْ، وَإِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ أَنْزَلَهُمْ فِي جَمِيعِهَا مَنْزِلَتَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّ فِي أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَلَوْ تَحَقَّقَ التَّفْوِيضُ لَمْ يَكُنْ لِلْكَرَاهَةِ وَجْهٌ كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْمَالِ بِاجْتِهَادِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَلَيْهِ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ لِتَسْوِيغِ أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ وَجْهٌ فَإِذَا كَانَ الْمَجْبِيُّ حَلَالًا وَعَدَلَ فِي الْقِسْمَةِ فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُ. وَإِذَا كَانَ الْمَجْبِيُّ حَلَالًا وَلَوْ يَعْدِلُ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ أَخْذَ الْجَوَائِزِ مِنْهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ حَتَّى يَعْدِلَ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْبِيُّ يَشُوبُهُ حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ أَخْذَ الْجَوَائِزِ مِنْهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَلَالِ وَفِيهِ كَرَاهَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَجْبِي الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فَمَنْ أَخَذَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَهُ حُكْمُ الْمَجْبِيِّ الْحَرَامِ فَهَذَا مُحَصَّلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِنَقْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ أُقَيْتٍ قَالَ وَإِيَّاهُ يَنْقُلُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْفَرْعِ، وَقَالَ فِي الْمَنْزَعِ النَّبِيلِ لِابْنِ مَرْزُوقٍ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْعُمَّالِ لَهُ مَالٌ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ جَائِزَتِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَامِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ لَا شَكَّ أَنَّهَا حَلَالٌ قَالَ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَحِلُّ مِنْ جَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ إلَّا مَا كَانَ قَدْرَ حَقِّ مَنْ أُجِيزَ اهـ وَمِنْ جَامِعِ ابْنِ يُونُسَ وَمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ أَهْل الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ اهـ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرَى هِبَةً. ابْنُ سَحْنُونَ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ مَا اشْتَرَوْهُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لِرَجُلٍ جَازَ لِلْمُهْدَى لَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَرَامَ

تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي مِنْ حَلَالٍ كَسْبُهُ أَوْ مِنْ حَرَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِمَنْ أُعْطِيهِ بَعْدَ أَنْ لَا يَعْلَمَهُ حَرَامًا بِعَيْنِهِ قَالَ وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَرَكَهُ فَإِنَّمَا رَكِبَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَ الْوَرَعِ وَتَجَنُّبِ الشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيِّنًا غَيْرَ مُشْكِلٍ وَنَحْوُ هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ وَقَالَ عَنْ سُفْيَانَ جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إلَى مِنْ صِلَاتِ الْإِخْوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمُنُّونَ وَالْإِخْوَانُ يَمُنُّونَ وَكَانَتْ هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ الْحَسَنُ لَا يَرُدُّ عَطَاءَهُمْ إلَّا الْأَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ وَهَذَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ انْتَهَى بِنَقْلِ الْمَوَّاقِ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلْمُصَنِّفِ حَكَى لَنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السُّلْطَانَ أَبَا الْحَسَنِ الْمَرِينِيَّ دَعَا فُقَهَاءَ وَقْتِهِ إلَى وَلِيمَةٍ وَكَانُوا أَهْلَ عِلْمٍ وَدِينٍ فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ وَقَلَّلَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ الْغَلَّاتِ كَالسَّمْنِ فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ شَمَّرَ لِلْأَكْلِ بِكُلِّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاتُوا مِنْ طَعَامِ الْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْبَرَكَةِ فَإِنِّي صَائِمٌ فَسَأَلَهُمْ الشَّيْخُ وَأَظُنُّهُ أَبَا إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَوَّلُ طَعَامُ شُبْهَةٍ تَسَتَّرْت مِنْهُ بِالصَّوْمِ كَمَا وَرَدَ وَقَالَ الثَّانِي كُنْت آكُلُ مِقْدَارَ مَا أَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْأَرْبَابِ وَالْمُبَاشِرُ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ الثَّالِثُ أَعْتَمِدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْغَلَّاتِ لِلْغَاصِبِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الرَّابِعُ طَعَامٌ مُسْتَهْلَكٌ تَرَتَّبَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ مُسْتَهْلِكِهِ فَحَلَّ تَنَاوُلُهُ وَقَدْ مَكَّنَنِي مِنْهُ فَحَلَّ لِي وَقَالَ الْخَامِسُ طَعَامٌ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ قَدَرْت عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ فَاسْتَخْلَصْته وَأَوْصَلْته إلَى أَرْبَابِهِ وَكَانَ تَصَدَّقَ بِمَا أَخَذَ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا أَحْرَى بِالصَّوَابِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْوَرَعِ وَمَا فَعَلَهُ الرَّابِعُ هُوَ صَرِيحُ الْفِقْهِ وَلُبَابِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْإِنْسَانُ فَقِيهُ نَفْسِهِ بَعْدَ التَّوَقُّفِ فِي مَوْقِفِ الِاشْتِبَاهِ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ فَعَلَيْهِ بِالتَّحَفُّظِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ جَزَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِتَحْرِيمِ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ وَأَنْكَرَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا يَحْمِلُهُ الْوَرَعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَوَرَّعَ فِي دِينِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ غَيْرَ مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ كَانَ خَيْرًا انْتَهَى. بِنَقْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ أُقَيْتٍ قَالَ فِي النَّصِيحَةِ وَهَذَا مَعَ الْجَهْلِ قَالَ شَارِحُهَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمُجِيزِينَ التَّقْيِيدَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرَامِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ ثُلُثُ بَيْتٍ تَرَكَهُ وَأَقَامَ فِي بَلَدٍ آخَرَ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ لَهُ فَوَجَدَ بِنْتَ أُخْتِهِ سَاكِنَةً فِيهِ فَسَكَنَ مَعَهَا فِيهِ وَوَهَبَهُ لَهَا وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا مَعَهَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَ وَارِثُهُ إخْرَاجَهَا وَأَخْذَ الثُّلُثِ الْمَوْهُوبِ لَهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَحُزْ الثُّلُثَ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَقَبْلَ عَوْدِ الْوَاهِبِ لِسُكْنَاهُ عَامًا فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَابْنُ سَلْمُونٍ. وَابْنُ هَارُونَ قَالَ وَلَوْ وَهَبَهَا هُوَ أَيْ وَهَبَ الزَّوْجُ زَوْجَهُ الدَّارَ فَأَسْكَنَتْهُ فِيهَا حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ حَازَتْهَا بِخُرُوجِهَا عَنْهَا عَامًا أَوْ عَامَيْنِ فَتَصِحُّ لَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُتَصَدِّقُ إلَى دَارِ الصَّدَقَةِ بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ اكْتِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَسَدَتْ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَدْ حَازَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَتَبَ لَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ كِتَابًا بِالْكِرَاءِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ الْإِمْتَاعِ وَلَوْ يُعَمِّرُهَا الْمُتَصَدِّقُ فَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَنَ أَوْ عَمَّرَ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا أَوْ طَرِيدًا فَآوَاهُ فَهُوَ كَلَا رُجُوعَ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الصَّدَقَةَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ بِالْإِرْفَاقِ أَوْ الْكِرَاءِ

وَالْعُمْرَى أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ سَنَةً فَهَلْ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ سَنَةٍ أَنَّهَا تَنْفُذُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ عِيسَى وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إلَى سُكْنَى الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْلَاهَا الزَّمَنَ الطَّوِيلَ وَحَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا سَكَنَهَا فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِحِيَازَةِ الْعَامِ فِي الْكِبَارِ الْمَالِكِينَ أُمُورَهُمْ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَمَتَى سَكَنَ أَوْ أَعْمَرَ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ، وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ بِأَنْ أَجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا بِخِلَافِ سَنَةٍ أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَلَا إنْ عَادَتْ لَهُ قَبْلَ السَّنَةِ بِخِلَافِ بَعْدَهَا وَالْعَوْدِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إرْفَاقٍ لَا إنْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ فِيهَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَرَاوِنَةِ يَتَحَارَبُونَ مَعَ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَمَعَ الْمَرَاوِنَةِ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ إنَّ الْمُلْتَزِمَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَذَكَرَ فِي الصَّكِّ أَنَّهُ لِلْمَرَاوِنَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُتَصَدَّقُ بِهِ لِلْمَرَاوِنَةِ خَاصَّةً، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ وَإِنَّمَا هُوَ مُصَاحِبٌ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ قَصْدُ الْمُلْتَزِمِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْحَرْبِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِمْ فِي كَفِّ الْمُفْسِدِينَ مَثَلًا كَانَ كَمَعْلُومِ وَظِيفَةِ الْعَمَلِ إذَا قَبِلُوا رَجُلًا مَعَهُمْ فِي الْعَمَلِ دَخَلَ مَعَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ لِغَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا خَاصَّةً كَمَحَبَّةِ الْمُلْتَزِمِ بِهِمْ مَثَلًا فَلَا دُخُولَ لِغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَرِثَتْ مِنْ زَوْجِهَا حُلِيًّا وَنَخِيلًا وَعَقَارًا بَاعَتْ بَعْضَهَا لِابْنِهَا الْبَالِغِ وَوَهَبَتْهُ الْبَاقِيَ وَحَازَهَا مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ، وَهِيَ فِي حَالَةِ صِحَّتِهَا وَسَلَامَتِهَا فَهَلْ الْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَشِيدَةً حَافِظَةً لِمَالِهَا، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهَا لِأَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَخَالِيَةً مِنْ زَوْجٍ وَدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لَهُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ مَحْجُورَةً لِأَبٍ أَوْ وَصِيٍّ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَلِزَوْجِهَا رَدُّ جَمِيعِ مَا تَبَرَّعَتْ بِهِ أَوْ بَعْضَهُ إنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدِينَةً بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لَمَا وَهَبَتْهُ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ رَدُّ الْهِبَةِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِابْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ ابْنِهِ جَمِيعَ مَالِهِ وَاسْتَمَرَّ الْوَاهِبُ حَائِزًا لِلْمَالِ وَمَا قَوْلُكُمْ فِي امْرَأَةٍ وَهَبَتْ ثُلُثَ مَالِهَا لِابْنِ ابْنِهَا، وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَيَاةِ ابْنِهَا وَاسْتَمَرَّتْ حَائِزَةً لِمَا وَهَبَتْ حَتَّى مَاتَتْ فَهَلْ تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِسَبَبِ مَوْتِ الْوَاهِبِ فِي الْأُولَى وَالْوَاهِبَةِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْحِيَازَةِ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحِيزَتْ الْهِبَةُ جَبْرًا وَأَبْطَلَهَا الْمَانِعُ قَبْلَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَهَبَتْ مَا نَابَهَا مِنْ دَارِ زَوْجِهَا، وَهُوَ شَائِعٌ لِأَوْلَادِ ابْنٍ مِنْ ابْنَيْهَا وَلَهَا بِنْتٌ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْوَاهِبَةُ قَبْلَ حَوْزِ الْهِبَةِ فَهَلْ تَبْطُلُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ تَبْطُلُ هِبَتُهَا بِمَوْتِهَا قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَمْسَةِ إخْوَةٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ كَتَبُوا وَثِيقَةً بِأَنَّ مَا يَكْتَسِبُهُ الْأَرْبَعَةُ بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَالْعَاجِزُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُكْتَسِبِينَ، فَهَلْ إذَا أَرَادُوا الْعُزْلَةَ يَخْرُجُ لِلْعَاجِزِ مَا يَنُوبُهُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَخْرُجُ لِلْعَاجِزِ مَا يَنُوبُهُ، وَهُوَ خُمُسُ مَا اكْتَسَبُوهُ فَإِنْ كَانَ مِائَةً أُخْرِجَتْ لَهُ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى مُعَيَّنٍ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَقَدْ حَصَلَ فَبُتِلَتْ بِحُصُولِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَبَوْا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِهَا لَهُ لِدُخُولِهَا فِي الْبَتْلِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ مَنْ نَفْيِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالَ، وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ مَا الْتَزَمَهُ مِمَّا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ أَيْ مَا الْتَزَمَهُ وَقَصَدَ بِهِ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ كَأَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَدَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ زَيْدًا، وَلَا فُقَرَاءَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ قَاصِدًا بِالْتِزَامِهِ الصِّلَةَ وَالْخَيْرَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْتِزَامُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّلَةِ وَالْخَيْرِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَدَارِي صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ انْتَهَى قَالَ الْعَدَوِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْيَمِينِ وَمَتَى انْتَفَى وَاحِدٌ فَيَجِبُ التَّنْفِيذُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَالِالْتِزَامُ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى بِهِ وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يُقْضَى بِهِ، وَأَمَّا النَّذْرُ فَلَا يُقْضَى بِهِ مُطْلَقًا كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ دَفْعُ دِرْهَمٍ لِزَيْدٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْوَعْدُ فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ تَوْرِيطٌ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِزَيْدٍ كَذَا فَهُوَ نَذْرٌ لَا يُقْضَى بِهِ كَذَا كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَدَارِي صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ انْتَهَى. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ فِي يَمِينٍ لِمُعَيَّنِينَ أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ كَالْمَرْضَى وَنَحْوِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ فِي حَبْسِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْهِبَاتِ مِنْهَا انْتَهَى. (فِي نَوَازِلِ ابْنِ هِلَالٍ سُؤَالٌ) عَنْ امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ عَلَى أَخِيهَا بِنَصِيبِهَا مِنْ أَصْلٍ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ الْأُخْتُ أَوْ وَارِثُهَا فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَخِ، وَأَرَادَتْ أَوْ أَرَادَ وَارِثُهَا ارْتِجَاعَ الصَّدَقَةَ وَزَعَمَتْ أَوْ زَعَمَ وَارِثُهَا أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ بِذَلِكَ سَبِيلَ الْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَعَلَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَإِنَّمَا فَعَلَتْهُ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ وَخَوْفًا مِنْ التَّعَايُرِ فِي مَجَامِعِ أَحْبَابِهَا إنْ لَمْ تَفْعَلْ فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ عَلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا؟ جَوَابُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ مَنْ طَلَبَتْ مِنْ أُخْتٍ أَوْ بِنْتٍ حَظَّهَا عُودِيَتْ وَقُطِعَ رَحِمُهَا وَعُيِّرَتْ بِذَلِكَ الطَّلَبِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِيَدِهَا عِنْدَ نَائِبَةٍ تَنْزِلُ بِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَتْ الصَّدَقَةُ بِطَلَبٍ مِنْ الْأَخِ فَالصَّدَقَةُ غَيْرُ

عَامِلَةٍ، وَلَا لَازِمَةٍ وَلِلْأُخْتِ أَوْ وَرَائِهَا اسْتِرْجَاعُهَا وَسَوَاءٌ اسْتَحْفَظَتْ بِذَلِكَ شَهَادَةً أَمْ لَا قَالَ ابْنُ هِلَالٍ مَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ لِلنَّوَوِيِّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَةِ فَوْقَهُ صَحِيحٌ وَبِهِ أَقُولُ وَأَخَذَ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصَايَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ مَنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَهُمْ الْمَيِّتُ أَوْ طَلَبَهُمْ إلَى تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ مَا نَصُّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأُخْتَ إذَا سَكَتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثَهَا لِأَخِيهَا سِنِينَ أَوْ تَصَدَّقَتْ عَلَيْهِ بِطَلَبِ ذَلِكَ مِنْهَا أَنَّ لَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ قَالَ، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَقُولُ لَوْ طَلَبْت ذَلِكَ مِنْهُ لَقَطَعَنِي وَمَنَعَنِي رِفْدَهُ وَلَمْ يَكُفَّ عَنِّي ظُلْمَ زَوْجِي اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَا نَقَلَ الْقَلْشَانِيُّ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ مُسَلَّمًا. (وَفِي نَوَازِلِ الْمَازِرِيِّ) وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ بِلَادِنَا عَمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ قَوْمٍ مِنْ عَدَمِ تَوْرِيثِ الْبَنَاتِ فَمَنْ مَاتَ وَخَلَفَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ أَوْ إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ فَلَا يُوَرِّثُونَ بِنْتًا، وَلَا أُخْتًا وَمَنْ طَلَبَتْ مِنْهُنَّ مِيرَاثَهَا وَأَبْرَزَتْ وَجْهَهَا وَعَزَمَتْ عَلَى أَخْذِ حَقِّهَا اجْتَمَعَ مَشَايِخُهُمْ وَذُو الْوَجَاهَةِ مِنْهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ فَيُكَلِّمُونَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا إلَّا الصُّلْحَ قَالُوا لَهَا اصْطَلِحِي مَعَ أَخِيك بِكَذَا مِنْ الْيَسِيرِ فَمَا تَرَى فِي هَذَا؟ (فَأَجَابَ) هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا ثَبَتَ خِلَافُهُ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ فَهِبَةُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ فِي حَيَاتِهِنَّ وَلِوَرَثَتِهِنَّ الْقِيَامُ بَعْدَ مَمَاتِهِنَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ وَلَوْ امْتَنَعْنَ مِنْ الْهِبَةِ لَأَوْجَبَ ذَلِكَ اسْتِهَانَتَهُنَّ وَالْغَضَبَ عَلَيْهِنَّ وَقَطْعَ مَتْنِهِنَّ فَإِذَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فَلَا حِيَازَةَ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ مَقْهُورَاتٌ مَغْلُوبَاتٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُنَّ فِيهِ بِمَا يَدَّعِينَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَجَالَّاتِ ذَوَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِنَّ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ عُيُونِ الْأَدِلَّةِ فِي بَابِ هِبَةِ الْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَذَكَرَهَا أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَقَى فِي بَابِ هِبَةِ الْقَرَابَةِ وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لِوُجُودِ الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ وَيُقَالُ سَيْفُ الْحَيَاءِ أَقْطَعُ مِنْ سَيْفِ الْجَوَى ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ بَابِ أَصْنَافِ الْمُغْتَرِّينَ مِنْ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ انْتَهَى. قُلْت وَمِنْ الْإِكْرَاهِ الَّذِي تُعْذَرُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَيَكُونُ لَهَا الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَتْ إذَا مُنِعَتْ مِنْ التَّزْوِيجِ قَالَ صَاحِبُ الْمُغَارَسَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُهَذَّبِ الْغَالِبُ فِي أَوْقَاتِنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعْطِي لِوَلِيِّهَا أَبًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ تَتْرُكُ مَالَهَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْحُقُوقِ عِنْدَ مَنْعِهَا مِنْ النِّكَاحِ فَتَتْرُكُ حَقَّهَا لِكَيْ يَأْذَنَ لَهَا فِي التَّزْوِيجِ وَتَشْهَدُ لَهُ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَا وَهَبَتْ أَوْ تَرَكَتْ أَوْ مُطَالَبَةُ وَارِثِهِ إنْ مَاتَ إلَّا أَنْ طَيَّبَتْ لَهُ ذَلِكَ وَسَوَّغَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ قَادِحٍ اهـ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ هِلَالٍ سُئِلَ عَنْ يَتِيمَةٍ عَضَلهَا وَلِيُّهَا عَنْ التَّزْوِيجِ حَتَّى أَعْطَتْهُ إرْثَهَا مِنْ أَبُوهَا فَأَجَابَ هِبَةُ الْمَحْجُورَةِ مَرْدُودَةٌ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ، وَهِيَ إنَّمَا كَانَتْ لِيَتْرُكَهَا تَتَزَوَّجَ فَلَهَا اسْتِرْجَاعُ كُلِّ مَا وَهَبَتْ مَتَى وَجَدَتْ لِذَلِكَ سَبِيلًا، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْغَلَّةِ انْتَهَى. الْغَرَضُ مِنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هِبَةَ الْأَخَوَاتِ مَعَ ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَأَنَّ حَقَّهُنَّ لَا يَبْطُلُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْهِبَةِ مِنْهُنَّ فَعَدَمُ بُطْلَانِهِ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ مِنْهُنَّ وَالْأَخُ يَتَصَرَّفُ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَلَهُنَّ الرُّجُوعُ بِنَصِيبِهِنَّ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الرُّجُوعِ بِالْغَلَّةِ خِلَافٌ قَالَ فِي نَوَازِلِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ أَخٍ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي مَوْرُوثِ أُخْتِهِ دَهْرًا طَوِيلًا، وَهِيَ حَاضِرَةٌ عَالِمَةٌ سَاكِنَةٌ إلَى أَنْ تُوُفِّيَا فَقَامَ

وَرَثَتُهَا يَطْلُبُونَ وَرَثَةَ الْأَخِ بِالْحَظِّ الَّذِي لِمُوَرِّثَتِهِمْ وَغَلَّتِهِ فَاحْتَجَّ وَرَثَتُهُ بِسُكُوتِهَا وَسُكُوتِ وَرَثَتِهَا بَعْدَهَا الزَّمَانَ الطَّوِيلَ فَهَلْ يَقْطَعُ سُكُوتُهَا حَقَّهَا أَمْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنْ قَالَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ جَمَاهِيرَ عُلَمَائِنَا اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي السُّكُوتِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأَخَوَاتِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكُوتُ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا وَجَعَلَهُ مَعَ الزَّمَانِ الطَّوِيلِ الصَّرِيحَ بِالْهِبَةِ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِإِخْوَتِهِنَّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُنَّ عَلَى حَقِّهِنَّ فِي الْغَلَّاتِ وَأَنَّ السُّكُوتَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رَأْيِهِ وَوَجْهِهِ أَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ مُبْهَمٌ يُحْتَمَلُ وَالْأَصْلُ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحَقِّ لِلْأَخَوَاتِ فِي الِابْتِدَاءِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِالْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ آخِرًا وَانْتِهَاءً قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الصِّفَاتِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «سُكُوتُ الْبِكْرِ إذْنٌ وَرِضًا مِنْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ» عَلَيْهَا فَإِنْ قَصَرْنَا الْحَدِيثَ عَلَى الْبِكْرِ قُلْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْبِكْرِ بِخِلَافِهَا فِي السُّكُوتِ. وَأَنَّ السُّكُوتَ مَقْصُورٌ عَلَى الْبِكْرِ فَالسُّكُوتُ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ الْحَيَاءُ الْمُوجِبُ لِسُكُوتِهَا لِئَلَّا يُنْسَبُ إلَيْهَا رَغْبَةُ النِّكَاحِ وَإِرَادَةُ الرَّجُلِ وَسَقَطَ الدَّلِيلُ وَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَقِّ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاعَةُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ سَكَتَ عَنْ حَقٍّ كَانَ سُكُوتُهُ كَالْإِذْنِ الْمُصَرَّحِ انْتَهَى نَصُّهُ. يَعْنِي أَبَا عِمْرَانَ زَادَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَقَارِ وَالْحَيَاءِ فَالْأَخَوَاتُ أَوْ وَارِثُهُنَّ بَاقُونَ عَلَى حُقُوقِهِنَّ، وَإِنْ طَالَتْ الْحِيَازَةُ، وَإِنْ عُرِفَ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُنَّ وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَلَّةِ فَقَطْ، وَأَمَّا حَقُّهُنَّ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِسُكُوتِهِنَّ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْحَائِزُ لِذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ الْقَائِمَةِ أَوْ مِنْ وَرَثَتِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ خِلَافٌ فَهَذِهِ وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَقْوَالٌ كُلُّهَا مَذْهَبِيَّةٌ فَمَنْ حَكَمَ بِقَوْلٍ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى صَوَابٍ يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيَمْضِي وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي نِسَاءِ الْبَوَادِي؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا طَلَبْنَ حُقُوقَهُنَّ يَهْجُرُهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ فَلَا تَجِدُ أَيْنَ تَبِيتُ زَائِرَةً أَوْ شَاكِيَةً ضَرَرًا لِحَقِّهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلَا يَقْطَعُ سُكُوتُهَا حَقَّهَا إذَا كَانَ هَكَذَا وَوَقَعَ لِلْقَاضِي أَبِي سَالِمٍ الْيَزْنَاسِيِّ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِفَاسَ جَوَابٌ بِالْغَلَّةِ لِبِنْتِ الْعَمِّ بَعْدَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَمِثْلُهُ لِلشَّيْخِ سَيِّدِي قَاسِمٍ الْعُقْبَانِيِّ وَكَفَى بِهِمَا حُجَّةً انْتَهَى بِلَفْظِهِ. قُلْت: قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي نِسَاءِ الْبَوَادِي لَا مَفْهُومَ لِنِسَاءِ الْبَوَادِي، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ التَّوْرِيثِ كَمَا يُعْطِيهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا طَلَبْنَ حُقُوقَهُنَّ إلَخْ فَكُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ فِي بَادِيَةٍ أَوْ حَاضِرَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَقُّ بِالسُّكُوتِ. وَقَدْ نَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي نَوَازِلِهِ جَوَابَ أَبِي عِمْرَانَ الْمُتَقَدِّمَ مُخْتَصَرًا أَوْ أَتْبَعَهُ بِكَلَامِ الْوَنْشَرِيسِيِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: وَبِمِثْلِ هَذَا أَفْتَى أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى السَّرَّاجُ وَقَالَ تَسْلِيمُ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ فِي مِيرَاثِهِنَّ لَا يَلْزَمُهُنَّ وَلَهُنَّ رَدُّ ذَلِكَ وَلِوَرَثَتِهِنَّ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ كُنَّ مُتَجَالَّاتٍ أَوْ صَغِيرَاتٍ لَهُنَّ أَوْلَادٌ أَمْ لَا وَمِثْلُهُ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْعَرَبِيُّ الْفَاسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي اسْتَمَرَّتْ بِهِ الْفَتْوَى فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ مَتَى شَاءَتْ

وهب هبة ثم رجع واعتذر

وَلِوَرَثَتِهَا بَعْدَهَا كَذَلِكَ إذْ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي جَوَابٍ لِأَبِي سَالِمٍ إبْرَاهِيمَ الْكَرْلَاتِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي تَقَدَّمَتْ عِنْدَنَا بِهِ الْفَتْوَى بِالْحَضْرَةِ الْفَاسِيَّةِ أَمَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ شُيُوخِنَا مُفْتِي الْمَغْرِبِ فِي حِينِهِ سَيِّدِي يَحْيَى وَشَيْخِنَا قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَفِي حَيَاةِ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ الْحُمَيْدِيُّ مِنْ بَعْدِهِمَا أَنَّ تَسْلِيمَ نِسَاءِ الْبَوَادِي لِإِخْوَانِهِنَّ وَهِبَتَهُنَّ وَتَمْنِيعَهُنَّ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَهُنَّ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِنَّ وَلِوَرَثَتِهِنَّ بَعْدَ مَمَاتِهِنَّ هَكَذَا شَاهَدْنَا فَتْوَاهُمَا بِخَتَلِهِمَا غَيْرَ مَا مَرَّةٍ وَسَمِعْنَا مِنْهُمَا فِي الْمَجَالِسِ مُشَافَهَةً كَذَلِكَ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ لِأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِتَوْرِيثِ الْأَخَوَاتِ فِيهَا فَيَتَنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرَةِ يَلْزَمُهُنَّ ذَلِكَ اهـ. قُلْت قَوْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ إلَخْ فِيهِ مَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ عَدَمُ تَوْرِيثِ النِّسَاءِ وَعَدَمُهَا، وَلَا يُنْظَرُ لِحَاضِرَةٍ، وَلَا بَادِيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى الْمَازُونِيُّ فِي دُرَرِهِ الْمَكْنُونَةِ سُئِلَ سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ أُخْتٍ بَاعَ أَخُوهَا نَصِيبَهُ وَنَصِيبَهَا وَسَكَتَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً هَلْ لَهَا قِيَامٌ فِي اسْتِرْجَاعِ نَصِيبِهَا أَمْ لَا؟ وَهَلْ لَهَا مُطَالَبَةٌ بِمَا اُغْتُلَّ مِنْهُ؟ وَهَلْ تَرْجِعُ عَلَى أَخِيهَا بِمَا اغْتَلَّتْهُ مِنْ نَصِيبِهَا قَبْلَ بَيْعِهِ؟ فَأَجَابَ: أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةِ أُخْتٍ كَانَ أَخُوهَا يَغْتَلُّ نَصِيبَهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَأْخُذُ الْغَلَّةَ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُدَرِّسِينَ بِجِهَةٍ وَرُغْمَهُ يُفْتِي بِأَنْ لَا غَلَّةَ لَهَا حَتَّى سُئِلَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَى بِالْغَلَّةِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ فَأَفْتَى بِالْغَلَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ عَادَةَ نِسَاءِ الْبَادِيَةِ لَا يَطْلُبْنَ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ قَرَابَتِهِنَّ، وَلَا يَطْلُبْنَ الْغَلَّةَ خَوْفًا مِنْ قَطْعِ رَحِمِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ إنْ طَلَبْنَهُ قَطَعَهُنَّ أَهْلُهُنَّ وَجَفَوْنَهُنَّ فَيَصِرْنَ بِذَلِكَ كَالْمَقْهُورَاتِ فَلَهُنَّ الْغَلَّةُ مَتَى قُمْنَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَجَازَ الْوَصِيَّةَ، وَهُوَ فِي عِيَالِ الْمُوصِي وَقَالَ بَعْدَ الْمَوْتِ خِفْت أَنْ يَمْنَعَنِي رِفْدَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِجَازَةُ، وَأَمَّا إذَا بِيعَ النَّصِيبُ وَعَلِمْت بِهِ فَالشَّأْنُ أَنَّهُنَّ يَقُمْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَسْكُتْنَ عَلَيْهِ فَيُعَدُّ سُكُوتُهُنَّ رِضًا إنْ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ مَانِعٌ قِيلَ لَهُ عَلَى هَذَا لَهُنَّ الْغَلَّةُ قَالَ لَهُنَّ الْغَلَّةُ مِثْلُ الْبَادِيَةِ، وَلَا فَرْقَ إذَنْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنْقُولَةُ فِي نَوَازِلِ الِاسْتِحْقَاقِ الْمِعْيَارِ وَلَفْظُهُ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَابْنًا كَبِيرًا وَابْنَةً صَغِيرَةً فَانْفَرَدَ بِمَا تَرَكَ أَبُوهُ مِنْ الرَّبْعِ بِغَلَّتِهِ نَحْوَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَقَامَتْ أُخْتُهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مِنْ الرَّبْعِ وَمِمَّا اغْتَلَّهُ أَخُوهَا فِي الْمُدَّةِ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا شَرِيكَتُهُ فِي الْجَمِيعِ فَهَلْ يُحْكَمُ لَهَا بِنَصِيبِهَا مِنْهُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَاضِرَةً تَنْظُرُ إلَى اغْتِلَالِهِ الرَّبْعَ، وَلَا تَطْلُبُهُ بِشَيْءٍ. فَأَجَابَ: لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا سُكُوتُهَا وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ إلَى وَفَاةِ أَخِيهَا وَطَلَبَتْ تَرِكَتَهُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْغَلَّةِ زَادَ الْوَنْشَرِيسِيُّ قِيلَ لَمَّا تَقَرَّرَ فِي الْعَادَةِ أَنَّهَا لَا تَطْلُبُ أَخَاهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ تَارِكَةٍ لِحَقِّهَا فَلِهَذَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ السَّلْجِمَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ. [وَهَبَ هِبَةً ثُمَّ رَجَعَ وَاعْتَذَرَ] (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : مَنْ وَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ رَجَعَ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ حَيَاءً فَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَا أَوَّلًا عَنْ نَوَازِلِ الْمَازُونِيِّ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي الرُّجُوعِ وَكَذَا ظَاهِرُ مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ فِي مَسْأَلَةِ أَبَوَيْنِ نَحَلَا

ابْنَتَهُمَا كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا مَاتَ الْأَبُ وَطُولِبَتْ الْأُمُّ بِنِصْفِهَا ادَّعَتْ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ حَيَاءً وَخَجَلًا مِنْ النَّاسِ وَنَصُّهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُؤَدِّيَ الشُّهُودُ شَهَادَتَهُمْ عَلَى مَا فَهِمُوا مِنْ حَالِ الْأُمِّ مِنْ خَجَلِهَا وَعَدَمِ طِيبِ نَفْسِهَا وَتَحْلِفُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ عِمَارَةَ ذِمَّتِهَا، وَلَا تَعَلُّقَ شَيْءٍ مِنْ النِّحْلَةِ بِمَالِهَا انْتَهَى الْغَرَضُ مِنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ هِلَالٍ وَصَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي نَوَازِلِ النِّكَاحِ وَاَلَّذِي فِي نَوَازِلِ الْوَصَايَا وَأَحْكَامِ الْمَحَاجِيرِ عَنْ الْقَاضِي الْيَزْنَاسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: فِي مَسْأَلَةِ مَحْجُورٍ وَقَعَ مِنْهُ إبْرَاءُ بَعْدَ مَوْتِ وَصِيِّهِ، ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ بِلَفْظِ الْإِكْرَاهِ مَا كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَكَذَا فِي الدُّرَرِ عَنْ سَيِّدِي سَعِيدٍ الْعُقْبَانِيِّ فِيمَنْ سَلَّمَتْ لِأَخِيهَا فِي مِيرَاثِهَا، ثُمَّ أَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ أَنَّ سُكُوتَهَا عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ كَانَ حَيَاءً وَثَبَتَ التَّسْلِيمُ مِنْهَا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي قَالَ سَيِّدِي سَعِيدٌ الْمَذْكُورُ وَقَوْلُهَا إنَّمَا سَكَتَتْ حَيَاءً مِنْ أَخِيهَا لَا يَنْفَعُهَا ا. هـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَاتَيْنِ النَّازِلَتَيْنِ إنَّمَا فِيهِمَا دَعْوَى الْحَيَاءِ بِلَا دَلِيلٍ فَلِذَلِكَ أُلْغِيَتْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَفِيهِ مَا يُصَدِّقُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ فَلَا خِلَافَ إذَنْ نَعَمْ وَجَدْتُ الْخِلَافِ مُصَرَّحًا بِهِ فِي تَقْيِيدٍ كُنْت قَيَّدْته، وَلَا أَسْتَحْضِرُ الْآنَ أَصْلَهُ الَّذِي قَيَّدْته مِنْهُ وَنَصُّهُ الَّذِي فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ إذَا أَدْخَلَ الرَّجُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ جَمَاعَةً مِنْ النَّاسِ لِتَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَأَدْرَكَهَا الْحَيَاءُ وَالْحِشْمَةُ فَوَهَبَتْ لَهُ صَدَاقَهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ. وَفِي أَسْئِلَةِ الْقَابِسِيِّ لَا تَرْجِعُ، وَلَا عُذْرَ لَهَا فِي الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ انْتَهَى. الثَّانِي لَمْ أَرَ أَنَّ الْأُخْتَ إذَا قَامَتْ لِرَدِّ مَا وَهَبَتْ لِأَخِيهَا أَتَحْلِفُ أَوْ لَا تَحْلِفُ وَظَاهِرُ النُّصُوصِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَقْدِرْنَ عَلَى طَلَبِ حُقُوقِهِنَّ عَادَةً وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى فِي سُقُوطِ الْيَمِينِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا نَقَلَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ الْوَنْشَرِيسِيِّ أَنَّ هِبَةَ نِسَاءِ الْبَوَادِي بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ لِمَا غَلَبَ وَفَشَا أَنَّهُنَّ مَقْهُورَاتٌ وَمَغْلُوبَاتٌ قَالَ اُنْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالْفُشُوِّ وَالْعِلْمِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ قَامَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ عَلَى الدَّعْوَى ا. هـ. قُلْت إذَا كَانَ الْحُكْمُ سُقُوطَ الْيَمِينِ عَنْهَا فَالْبَيِّنَةُ الَّتِي قَامَ الْفُشُوُّ مَقَامَهَا هِيَ الْبَيِّنَةُ الْقَاطِعَةُ إذْ لَوْ قَامَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ السَّامِعَةِ لَوُجِّهَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي نَازِلَةِ ابْنِ لُبٍّ السَّابِقَةِ مَا فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ نِسَاءِ الْبَوَادِي مِنْ الْفُشُوِّ أَفْتَى بِيَمِينِ الزَّوْجَةِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِمَا فَهِمُوا مِنْ حَالِ الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، ثُمَّ هَذَا الَّذِي تَوَقَّفْنَا فِيهِ فِي حَقِّ نِسَاءِ الْبَوَادِي مِنْ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ وَسُقُوطِهَا إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ صَدَرَ مِنْهَا الْهِبَةَ، ثُمَّ ادَّعَتْ مُوجِبَ عَدَمِ لُزُومِهَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا الْهِبَةَ وَأَنْكَرَتْ مَعَ تَحَقُّقِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ السُّكُوتِ عَنْ قَرِيبِهَا وَتَرَكَهُ يَسْتَغِلُّ وَحِينَ قَامَتْ عَلَيْهِ بِنَصِيبِهَا مِنْ الْغَلَّةِ اتَّهَمَهَا بِأَنْ تَكُونَ وَهَبَتْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَلِذَا قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِبْدَادِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِاسْتِغْلَالِ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي حُضُورِ الْوَارِثِ الْآخَرِ وَسُكُوتِهِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشَرَ مِنْ مَسَائِلِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْخَالِدِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ سُكُوتَ الْوَارِثِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ وَأَقْصَى مَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَأَنَّ سُكُوتَهُ لَمْ يَكُنْ هِبَةً قَالَ: وَهَذَا إنْ قُطِعَ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا إنْ اتَّهَمَهُ فَقَطْ فَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى تُهْمَةٍ فِي تَبَرُّعٍ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. الثَّالِثُ تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إذَا بِيعَ نَصِيبُ الْمَرْأَةِ وَعَلِمْت بِهِ وَسَكَتَتْ عُدَّ سُكُوتُهَا رِضًا إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا مَانِعٌ. قُلْت وَمِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي لَا يَسْقُطُ مَعَهَا الْحَقُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ وَهَبَتْ نَصِيبَهَا لِقَرِيبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا تَلْزَمُهَا الْهِبَةُ فِيهِ، ثُمَّ تَرَاهُ يَبِيعُ وَتَجْهَلُ أَنَّ هِبَتَهَا غَيْرُ

لَازِمَةٍ وَأَنَّ لَهَا الْقِيَامُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَسْكُتُ لِذَلِكَ وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ سَيِّدِي أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ سُئِلَ عَمَّنْ تَصَدَّقَتْ، وَهِيَ بِكْرٌ مُهْمَلَةٌ عَلَى أَخَوَاتِهَا بِإِرْثِهَا فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ طُولٍ فَأَجَابَ الْقَوْلُ لِلْقَائِمَةِ أَنَّ سُكُوتَهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ هِبَةَ الْبِكْرِ الْمُهْمَلَةِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ أَوْ إلَى مَا تَعُدُّ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا بِالْحُكْمِ إلَى وَقْتِ قِيَامِهَا مُجِيزَةً لِهِبَتِهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي قَطْعِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَةَ الْجَهْلِ فِيهِ مِمَّا تَجْهَلُهُ غَالِبًا، وَلَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَهْلُ الْفِقْهِ وَقَاعِدَتُهُمْ أَنَّ مُدَّعِيَ الْجَهْلِ فِيمَا يَجْهَلُهُ أَبْنَاءُ جِنْسِهِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي جَهْلِهِ. الرَّابِعُ يُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِقَرِيبِهَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَا وَهَبَتْهُ وَاسْتِغْلَالَهُ قَبْلَ قِيَامِهَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَسُكُوتَهَا حَيَاءٌ لَا يُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُنَجِّيهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا قَالَ ابْنُ لُبٍّ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّدَقَةِ إذَا طَلَبَتْ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ وَفُهِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَعْطَاهَا حَيَاءً وَخَجَلًا لَا عَنْ طِيبِ النَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السَّلْجِمَاسِيِّ عَلَى الْعَمَلِيَّاتِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَبَرَّعَ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ دَارِهِ وَلَمْ تَزَلْ تَحْتَ يَدِهِ وَرَجَعَ فِي تَبَرُّعِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْجَدِّ الرُّجُوعُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ أَوْ وَجْهَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوَانِعِ جُبِرَ عَلَى تَحْوِيزِهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ يَمْلِكُهُمَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَاعْتِصَارُ الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْأَبِ دَنِيَّةٌ وَالْأُمِّ بِشُرُوطٍ وَكَذَا الرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْجَدُّ الرُّجُوعَ فِيهَا وَإِلَّا عُمِلَ بِشَرْطِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحِيزَتْ الْهِبَةُ جَبْرًا لِلُزُومِهَا بِالْقَوْلِ، ثُمَّ قَالَ وَلِلْأَبِ نَزْعُ الْهِبَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ عَلَى التَّحْقِيقِ حَازَ الْوَلَدُ أَوْ لَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَالْأُمِّ مِنْ ذِي الْأَبِ وَلَوْ فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا إلَّا أَنْ يَطْرَأَ يُتْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يُنْزَعُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ وَلَوْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إلَّا بِشَرْطٍ، وَإِنْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَفَاتَ النَّزْعُ بِغَيْرِ النَّقْلِ وَحَوَالَةُ السُّوقِ كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ لَهَا بَالٌ وَبِوَطْءِ الثَّيِّبِ وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ مُجَرَّدُ الِافْتِضَاضِ وَبِالْمُعَامَلَةِ وَبِمَرَضِ الْوَاهِبِ أَوْ الْمَوْهُوبِ إلَّا أَنْ يَزُولَ أَوْ يَهَبَ فِيهِ، وَأَمَّا التَّعَامُلُ فَيَمْنَعُ وَلَوْ زَالَ وَكُرِهَ مِلْكُ الصَّدَقَةِ بِغَيْرِ إرْثٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ وَسَبَقَ التَّرْخِيصُ فِي الْعَرِيَّةِ وَكَذَا الْعُمْرَى وَمَا تَتَسَامَحُ فِيهِ النُّفُوسُ مِنْ شُرْبِ الْمُحْبِسِ مِنْ مَائِهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَلَّتِهَا وَلَوْ أَذِنَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ وَلَوْ رَشِيدًا عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لِغَيْرِهِ حَرُمَ وَجَازَ إنْفَاقٌ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَتَقْوِيمُ رَقَبَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى كَصَغِيرٍ أَرْفَعَ الْقَيِّمَ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِ نَفْسِ الْأَبِ عُلِّقَتْ بِالْجَارِيَةِ أَوْ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ انْتَهَى بِاخْتِصَارِ. قَالَ الْعَدَوِيُّ وَمِثْلُ الْأَبِ الْأُمُّ فِي الْإِنْفَاقِ وَالتَّقْوِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِوَلَدِ وَلَدِهِ يَتِيمٍ نِصْفَ قِيرَاطٍ فِي طَاحُونٍ وَاسْتَمَرَّ الْوَلَدُ فِي حَضَانَةِ جَدِّهِ حَتَّى مَاتَ فَبَقِيَ الْوَلَدُ مُهْمَلًا فِي كَفَالَةِ الْأَجَانِبِ حَتَّى رَشَدَ وَعَلِمَ بِالْهِبَةِ فَقَامَ سَرِيعًا يُرِيدُ أَخْذَهَا فَوَجَدَهَا فِي حِيَازَةِ رَجُلٍ مُدَّعٍ اشْتِرَاءَهَا مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْجَدِّ فَهَلْ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِالْبَيْعِ وَلَهُ نَزْعُهَا مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ قَهْرًا عَنْهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

امرأة وهبت لبنت من بناتها شيئا وماتت أمها قبل حوز الهبة

فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَحْمَةً وَاسِعَةً بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا أَشْهَدَ الرَّجُلُ عَلَى الْهِبَةِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ الْيَتِيمِ الْمَحْجُورِ لَهُ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَمْ يَضُرَّ بَقَاؤُهَا تَحْتَ يَدِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ وَسَوَاءٌ صَرَفَ الْغَلَّةَ لِلْيَتِيمِ أَوْ لَا وَالْبَيْعُ الْوَاقِعُ مِنْهُ قَبْلَ رُشْدِ الْيَتِيمِ وَعَمَلِهِ بَيْعُ فُضُولِيٍّ، فَإِذَا رَشَدَ الْيَتِيمُ وَعَلِمَ فَلَهُ الْخِيَارُ إمَّا أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ عَلَى تَرِكَتِهِ وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الْهِبَةَ وَيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ دَفَعَهُ لَهُ قَهْرًا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [امْرَأَة وَهَبَتْ لِبِنْتِ مِنْ بَنَاتِهَا شَيْئًا وَمَاتَتْ أُمُّهَا قَبْلَ حَوْزِ الْهِبَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَهَبَتْ لِبِنْتٍ مِنْ بَنَاتِهَا شَيْئًا وَمَاتَتْ أُمُّهَا قَبْلَ حَوْزِ الْهِبَةِ فَهَلْ تَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ، وَإِنْ ادَّعَتْ الْبِنْتُ أَنَّهَا كَانَتْ أَرْشَدَ أَخَوَاتِهَا وَأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ تَقْضِي لِأُمِّهَا حَوَائِجَهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ تَحُوزَ الْبِنْتُ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ وَتَرْجِعُ مِيرَاثًا وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ أَرْشَدَ أَخَوَاتِهَا وَتَقْضِي حَوَائِجَ أُمِّهَا وَكَوْنُهَا كَذَلِكَ لَا يُصَحِّحُ لَهَا الْهِبَةَ مِنْ غَيْرِ حَوْزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ بِنَحْوِهِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْحَفْنَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَأَجَابَ الشَّيْخُ عُمَرُ الطَّحْلَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ حِيَازَةِ الْبِنْتِ لِلْهِبَةِ بَطَلَتْ وَصَارَتْ مِيرَاثًا، وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْبِنْتِ أَنَّهَا أَرْشَدُ وَأَنَّهَا كَانَتْ تَقْضِي حَوَائِجَ أُمِّهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَعْطَى أَوْلَادَهُ جَمِيعَ بَيْتِهِ وَنَخْلِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَأَرَادَتْ أَخْذَ صَدَاقِهَا مِنْ الْبَيْتِ وَثَمَنِهَا فَادَّعَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا أَعْطَاهُ قَبْلَ مَوْتِ ابْنِهِ بِسِتِّ سَنَوَاتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ فِي النَّخْلِ فَقَطْ وَهَلْ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ الِابْنَ الْمُتَوَفَّى قَطَعَ ثَمَرَ النَّخْلِ وَأَخَذَهُ فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ حِيَازَةً؟ وَهَلْ إذَا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا وَضَعَتْ زَوْجَةُ ابْنِي وَلَدًا فَلَهُ حِصَّةُ أَبِيهِ فِي النَّخْلِ وَوَضَعَتْ وَلَدًا فَهَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الرَّجُلَ رَجَعَ فِيمَا أَعْطَاهُ لِوَلَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى مِلْكًا لِلْأَبِ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الْوَلَدُ لَمْ يَنْكِحْ أَوْ يُدَايِنْ لِأَجْلِ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ قَبْلَ رُجُوعِ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَحَيْثُ وَضَعَتْ زَوْجَةُ الِابْنِ وَلَدًا كَانَتْ حِصَّةُ أَبِيهِ مِلْكًا لَهُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَأَجَابَ) الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاسِطِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُجُوعِهِ فِيهِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ فَقَدْ رَجَعَ إلَى مِلْكِهِ، وَمَا لَمْ تَشْهَدْ بِرُجُوعِهِ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ تَكُونُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ فِيهِ مِيرَاثًا عَنْهُ يُقْضَى مِنْهُ صَدَاقُ زَوْجَتِهِ وَغَيْرُهُ وَيُقَسَّمُ بَاقِيهِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالِابْنِ وَالْأَبِ قَهْرًا عَلَى الْمُعَارِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِد الْمَذْهَبِ. (وَسُئِلَ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ رَجُلٍ مَلَكَ عَقَارًا وَمَوَاشِيَ وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ دُيُونٌ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي لِأَوْلَادِهِ وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ صَحِيحًا مُخْتَارًا وَحَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَعْطَاهُ لَهُ حِيَازَةً شَرْعِيَّةً وَجَعَلَ الْأَبُ الدُّيُونَ الَّتِي عَلَيْهِ عَلَى أَوْلَادِهِ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ قِسْمًا دَفَعَ مَا جَعَلَهُ الْأَبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَأَشْهَدَ

الْأَبُ عَلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ، ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ كَانَ إسْقَاطُ الْأَبِ حَقَّهُ فِي الْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي لِأَوْلَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُعَيَّنِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِأَوْلَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْعَقَّادُ الْمَالِكِيُّ وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ كَانَ إسْقَاطُ الْأَبِ حَقَّهُ فِي الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي لِأَوْلَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَا جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ وَفَاءَ دَيْنِهِ الْمُعَيَّنِ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى بَيْعًا لَهُمْ وَحِينَئِذٍ لَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ زَجْرُهُ وَمَنْعُهُ عَنْ مُعَارَضَةِ أَوْلَادِهِ قَهْرًا عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاسِطِ الشَّافِعِيُّ. (وَسُئِلَ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ أَسْقَطَ لَهُ آخَرُ حَقَّهُ فِي فَدَّانٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ دَفْعَ خَرَاجِهِ، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي الدَّفْتَرِ نِصْفُ فَدَّانٍ فَهَلْ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ وَلَوْ انْتَقَلَ لِذِمَّةِ آخَرَ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ اسْتَوْلَى عَلَى الْفَدَّانِ وَزَرَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ الدَّرْدِيرُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بَعْضَ نَخِيلٍ وَمَا زَالَ حَائِزًا لَهُ تِلْكَ النَّخِيلَ وَيَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ بُلُوغِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَشِيدًا وَعَلِمَ بِالْهِبَةِ وَجَدَ النَّخِيلَ تَحْتَ يَدِ رَجُلٍ شَيْخِ بَلْدَةٍ فَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ فَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيَأْخُذُ الْوَلَدُ النَّخِيلَ قَهْرًا أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالنَّخِيلِ قَامَ الْإِشْهَادُ بِالْهِبَةِ مَقَامَ الْحَوْزِ وَلَمْ يَضُرَّ بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ تَحْتَ يَدِ الْوَاهِبِ وَدَعْوَى وَاضِعِ الْيَدِ أَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ بَاعَ لَهُ إنْ كَانَتْ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْبَيْعِ كَانَ بَيْعًا فُضُولِيًّا فَلِلْوَلَدِ نَقْضُهُ وَأَخْذُ النَّخِيلِ مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَلَى التَّرِكَةِ مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الْأَبَ قَدْ كَانَ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِلَّا مَضَى الْبَيْعُ، وَلَا كَلَامَ لِلْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ ذِي فَرَحٍ نَثَرَ عَلَى حَاضِرِيهِ دَرَاهِمَ فَوَقَعَ فِي حِجْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ دَرَاهِمُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا عَنْ الْحَاضِرِينَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَخْتَصُّ الَّذِي سَقَطَ فِي حِجْرِهِ الدَّرَاهِمُ الزَّائِدَةُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تَبَرَّعَتْ لِابْنِ أَخِيهَا بِدَارٍ وَحَازَهَا وَأَصْلَحَ فِيهَا بِبِنَاءٍ، ثُمَّ مَاتَ فَأَرَادَتْ الْمُتَبَرِّعَةُ الرُّجُوعَ فَهَلْ لَا يَكُونُ لَهَا الرُّجُوعُ وَتَكُونُ الدَّارُ لِوَرَثَةِ ابْنِ الْأَخِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَكُونُ لَهَا الرُّجُوعُ فِي الدَّارِ الَّتِي تَبَرَّعَتْ بِهَا لِابْنِ أَخِيهَا وَتَكُونُ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَشِيدَةً خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ أَوْ لَهَا زَوْجٌ وَقِيمَتُهَا قَدْرُ ثُلُثِ مَالِهَا أَوْ أَقَلَّ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ مُحِيطٌ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ يَلْزَمُ الْمُتَبَرِّعَ بِالْقَوْلِ وَاعْتِصَارُ الْهِبَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَارٌ ثَمَانُونَ ذِرَاعًا وَنَخْلَةٌ وَقِيرَاطٌ مِنْ طَاحُونٍ، وَهُوَ مُقِيمٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَبِيعَ مَا ذَكَرَ فَغَصَبَهُ شَيْخُ الْبَلَدِ عَلَى أَنْ يَهَبَ نِصْفَ مَا ذُكِرَ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَخِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ الْبَيْعِ فَوَهَبَهُمْ نِصْفَ مَا ذُكِرَ فَهَلْ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي تِلْكَ الْهِبَةِ لَهُ ذَلِكَ؟ وَلَوْ حَازُوهَا لِكَوْنِهِ

مُكْرَهًا عَلَيْهَا أَوْ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا إذَا لَمْ يَحُوزُوهَا، وَإِذَا حَازُوا الْبَعْضَ نَفِدَتْ فِيهِ أَفِيدُوا وَالْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا ثَبَتَ إكْرَاهُهُ عَلَيْهَا بِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَلَوْ حَازُوهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا جَمِيعُ الْعُقُودِ لَا تَلْزَمُ بِالْإِكْرَاهِ اهـ. وَقَالَ الْحَطَّابُ فِي الْتِزَامَاتِهِ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَزِمِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حِجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَيْسَ بِمُكْرَهٍ فَلَا يَلْزَمُ الْتِزَامُ الْمُكْرَهِ اهـ. بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يُوَاسِي آخَرَ فِي كَفَرَحٍ بِحُبُوبٍ أَوْ مَوَاشٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَذَا يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا نُقُوطًا فَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُوَاسِي مُوجِبٌ يَرُدُّ الْآخَرُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي وَاسَاهُ بِهِ أَوْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ فَهَلْ يَدْخُلُ ذَلِكَ الرَّبَّا وَهَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ بِدُونِ مُوجِبٍ وَمَا اللَّازِمُ عِنْدَ تَلَفِ الشَّيْءِ الْمُهْدَى بَيِّنُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَدْخُلُ ذَلِكَ رِبَا النَّسَاءِ وَالْفَضْلِ إنْ اتَّحَدَا جِنْسًا وَاخْتَلَفَا قَدْرًا وَهُمَا رِبَوِيَّانِ وَإِنَّمَا يُقْضَى فِيهَا بِالْعُرُوضِ الَّتِي فِيهَا وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الْمَوْهُوبِ وَتُبَاعُ بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ لَهُ شَبَهٌ بِالْبَيْعِ وَلِلْمُوَاسِي الْمُطَالَبَةُ بِهِ بِدُونِ مُوجِبٍ وَلَوْ جَرَى عُرْفٌ بِالتَّأْخِيرِ لِمُوجِبٍ عِنْدَ التَّتَّائِيِّ وَالْأُجْهُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ إنْ جَرَى عُرْفٌ بِالتَّأْخِيرِ عُمِلَ بِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُوجِبٍ، وَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمُهْدَى بَعْدَ قَبُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَلَا غَائِبًا، وَلَا مَحْبُوسًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ لِأَخْذِ الثَّوَابِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَأَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا تَكُونُ مِنْ غَنِيٍّ لِفَقِيرٍ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى حِيَازَةٍ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهَا وَالثَّوَابِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبِلَهَا وَاَلَّذِي يَلْزَمُ فِيهَا هُوَ قِيمَتُهَا قَائِمَةً كَانَتْ أَوْ فَائِتَةً وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّوَابُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ، وَإِذَا أَطْلَقَا الْهِبَةَ حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ، وَلَا يُحْكَمُ بِالثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لَهُ بَالٌ وَمِقْدَارٌ يُثَابُ عَلَى مِثْلِهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ فِي الْهَدَايَا، وَلَا التُّحَفِ مُكَافَأَةٌ، وَلَا مَثُوبَةٌ إلَّا لِمَنْ اشْتَرَطَهَا عِنْدَ إرْسَالِهَا وَقَالَ الشَّعْبَانِيُّ لَيْسَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَنْ يَسْتَهْدُوا مِنْ النَّاسِ، وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا، وَلَا أَنْ يُكَافِئُوا عَلَى الْهَدَايَا وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ لَا يُكَافِئُ، وَلَا يُكَافَأُ ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ، وَلَا ثَوَابَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الْوَاهِبُ فَيُثَابُ عَنْهَا عَرَضٌ وَكَذَلِكَ لَا ثَوَابَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا يُهْدِيهِ الرَّجُلُ لِلْآخَرِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ أَوْ الْأَعْرَاسِ أَوْ فِي الْأَعْيَادِ وَمَا يُهْدِيهِ الْقَادِمُ مِنْ السَّفَرِ مِنْ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَنِيٍّ لِفَقِيرٍ فَلَا ثَوَابَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ إلَّا مَا يُهْدِيهِ مِنْ الْكِبَاشِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ الْعُرْسِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلطَّالِبِ بِالْمُكَافَأَةِ عَلَى ذَلِكَ لِلْعُرْفِ وَأَنَّ الضَّمَائِرَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى أَنْ يُهْدِيَهُ مِثْلَهَا إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا فَقُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ وَحَاسَبَهُ بِمَا أَكَلَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الصَّنِيعِ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ فِيهَا لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا فِي الْعَيْنِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهَا لِلصَّغِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهَا الْأَبُ عَنْ يَدِهِ بِالْمُعَايَنَةِ ا. هـ.

وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ وَلَزِمَ الْمُعَيَّنُ بِالْقَبُولِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِحَوْزٍ كَالْبَيْعِ وَلَزِمَ غَيْرُهُ الْوَاهِبَ بِالْقَبْضِ وَالْمَوْهُوبَ بِمُفَوِّتِ الِاعْتِصَارِ يَعْنِي التَّغَيُّرَ الْحِسِّيَّ أَوْ الْمَعْنَوِيَّ وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّهُ وَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ أَنَّهُ قَصَدَ الثَّوَابَ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ وَحَلَفَ إنْ أَشْكَلَ لَا شَهِدَ الْعُرْفَ لَهُ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ يَحْلِفُ فِيهِمَا، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْمَسْكُوكِ وَهِبَةِ الْقَرِيبِ وَمِنْهُ الزَّوْجُ أَوْ قَادِمٌ، وَإِنْ غَنِيًّا لِفَقِيرٍ إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ إثْبَاتِ شَرْطٍ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهَا لِلثَّوَابِ وَأُثِيبَ مَا تَسَلَّمَ فِيهِ لَا عَرَضٌ عَنْ جِنْسِهِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِنَفْعٍ، وَإِنْ مَعِيبًا، وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ مَا خَالَفَ الْعَادَةَ كَالْحَطَبِ وَالتِّبْنِ إنْ خَالَفَا وَلِلْمَأْذُونِ وَالْأَبِ فَقَطْ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ ا. هـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَسُئِلَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ عَمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُمْ يُهَادُونَ بَعْضَهُمْ وَيَمْتَنِعُ الْمُهْدَى لَهُ مِنْ رَدِّ الْإِنَاءِ فَارِغًا وَيُرْسِلُهُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَصَلَ فِي نَفْسِ الْمُهْدِي شَيْءٌ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ يُمْتَنَعُ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آخِرِ فَصْلِ آدَابِ الْأَكْلِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ هَذِهِ الْعَادَةِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي أُحْدِثَتْ، وَهُوَ أَنْ يُهْدِيَ أَحَدُ الْأَقَارِبِ أَوْ الْجِيرَانِ طَعَامًا فَلَا يُمْكِنُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْوِعَاءَ فَارِغًا، وَإِنْ رَدَّهُ فَارِغًا وَجَدَ عَلَى فَاعِلٍ ذَلِكَ وَكَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمُهَادَاةِ بَيْنَهُمَا وَلِسَانُ الْعِلْمِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا وَيَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ. فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْهَدَايَا وَقَدْ سُومِحَ فِيهَا. فَالْجَوَابُ هُوَ مُسَلَّمٌ لَوْ مَشَوْا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْهَدَايَا الشَّرْعِيَّةِ لَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ضِدَّ ذَلِكَ لِطَلَبِهِمْ الْعِوَضَ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَتَشَوَّفُ لَهُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يَحْرِصُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ فَخَرَجَ بِالْمُشَاحَّةِ مِنْ بَابِ الْهَدَايَا إلَى بَابِ الْبِيَاعَاتِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ) عَمَّا يُدْفَعُ فِي الْأَفْرَاحِ لِنَحْوِ الطَّبَّالِينَ هَلْ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْفَرَحِ (فَأَجَابَ) إنْ كَانَ الدَّفْعُ فِي مِثْلِ الْكَبَرِ فِي نِكَاحٍ مِمَّا أُذِنَ فِيهِ شَرْعًا وَعَلِمَ بِهِ صَاحِبُ الْفَرَحِ وَأَقَرَّهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَدْفُوعِ لَهُ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا شَرْعًا فَمَنْ دَفَعَ فِيهَا شَيْئًا فَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ صَاحِبِ الْفَرَحِ، وَلَا إذْنُهُ مَعَ نَهْيِ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ بَعَثَتْ لِبِنْتِهَا أَمْتِعَةً مِنْ فِرَاشٍ وَنُحَاسٍ وَخِزَامٍ وَأَسَاوِرَ وَكِسَرٍ وَحَلَقٍ وَعَاجٍ وَقِرَاطِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَمَتَّعَتْ بِتِلْكَ الْأَمْتِعَةِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ، ثُمَّ تَشَاجَرَتْ مَعَ الْبِنْتِ وَزَوْجِهَا وَأَخَذَتْ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْأُمِّ أَخْذُهَا مِنْ الْبِنْتِ لِكَوْنِهَا مَلَّكَتْهَا إيَّاهَا أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ لِلْأُمِّ أَخْذُ تِلْكَ الْأَمْتِعَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ قَصَدَتْ بِتَمْلِيكِهَا لِبِنْتِهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ، وَلَا صِلَةَ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْصُلْ مُفَوِّتٌ مِنْ مُفَوِّتَاتِ الِاعْتِصَارِ الْمَعْرُوفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ لَهُ أَوْلَادٌ مِنْ زَوْجَاتٍ فَكَتَبَ لِأَوْلَادِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَهَلْ يَخْتَصُّ الْمَكْتُوبُ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ أَوْ يَكُونُ تَرِكَةً بَيْنَ الْجَمِيعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ

فِي الْمَرَضِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَيَكُونُ الْمَكْتُوبُ تَرِكَةً بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَحُزْهَا الْمَكْتُوبُ لَهُ قَبْلَ مَرَضِ أَبِيهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ حَازَهَا قَبْلَهُ اخْتَصَّ بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ عَنْ خَمْسِ بَنَاتٍ وَأَخٍ وَأَوْلَادِ أَخٍ وَتَرَكَتْ مَا يُورَثُ عَنْهَا شَرْعًا مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ أَنَّ أُمَّهَا وَهَبَتْ لَهَا هِبَةً فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهَا لَمْ تَحُزْ الْهِبَةَ فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَكُونُ الْهِبَةُ بَاطِلَةً أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ الْهِبَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمَرَضِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ لِلْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَوْلَادُ ابْنٍ قُصَّرٍ مَاتَ وَالِدُهُمْ، ثُمَّ إنَّ جَدَّهُمْ وَهَبَ لَهُمْ حِصَّةً فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ وَقَبِلَ لَهُمْ الْهِبَةَ وَحَازَ لَهُمْ وَأَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَالْحِيَازَةِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَكُلُّ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْبَالِغِينَ وَعَنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْقُصَّرِ الْمَوْهُوبِ لَهُمْ فَهَلْ إذَا بَلَغُوا يَخْتَصُّونَ بِمَا وَهَبَهُ لَهُمْ جَدُّهُمْ وَلَيْسَ لِأَعْمَامِهِمْ مُعَارَضَتُهُمْ فِيهِ، أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَخْتَصُّونَ بِمَا وَهَبَهُ لَهُمْ جَدُّهُمْ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَعَرَضٍ وَحُلِيٍّ لَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ وَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ عَلَيْهِمْ جَدُّهُمْ بِالنَّصِّ مِنْ أَبِيهِمْ أَوْ بِالْعَادَةِ وَأَنْ لَا يَسْكُنَ الْعَقَارَ، وَلَا يَلْبَسَ الثِّيَابَ فَإِنْ سَكَنَ الْأَقَلَّ أَوْ لَبِسَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَكَنَ أَوْ لَبِسَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ، وَإِنْ سَكَنَ أَوْ لَبِسَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ بَطَلَ الْجَمِيعُ وَلَيْسَ لِلْأَعْمَامِ مُعَارَضَتُهُمْ فِيمَا يَخْتَصُّونَ بِهِ لَا بَعْدَ بُلُوغِهِمْ، وَلَا قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ إلَّا لِمَحْجُورِهِ إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ الْخَرَشِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ هِبَةً وَاسْتَمَرَّتْ عِنْدَ الْوَاهِبِ إلَى أَنْ فَلَّسَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لِمَحْجُورِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ شَيْئًا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَأَبْقَاهَا تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ فَلَّسَ مَثَلًا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ بِخَتْمِهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ الْعَمَلُ نَعَمْ إنْ خَتَمَ عَلَيْهَا وَحَازَهَا لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ إلَى أَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ (ص) وَدَارُ سُكْنَاهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا وَيُكْرِيَ الْأَكْثَرَ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ وَالْأَكْثَرُ بَطَلَ الْجَمِيعُ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى " مَا " مِنْ قَوْلِهِ مَا لَا يُعْرَفُ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا لِمَحْجُورِهِ مَا دَامَ الْوَاهِبُ سَاكِنًا وَلَوْ سَكَنَ الْأَقَلَّ وَأَكْرَى لِمَحْجُورِهِ الْأَكْثَرَ فَلَا يَضُرُّ وَتَصِيرُ كُلُّهَا صَدَقَةً عَلَى الْمَحْجُورِ فَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ وَأَكْرَى لَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ فَإِنَّ مَا سَكَنَهُ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ فِيهِ وَمَا أَكْرَاهُ لَهُ تَمْضِي صَدَقَتُهُ لِلْمَحْجُورِ فَإِنْ سَكَنَ الْوَاهِبُ الْأَكْثَرَ وَأَكْرَى لَهُ أَقَلَّهَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ كُلَّهَا تَبْطُلُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَحْجُورِ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ الْأَبُ دَارَ سُكْنَاهُ لِكِبَارِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا سَكَنَهُ فَقَطْ وَيَصِحُّ مَا حَازَهُ الْوَلَدُ كَانَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ. . . إلَخْ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ

امرأة قالت لزوجها حججني وأبرأتك من باقي صداقي فحججها ورجعت في براءتها

الْوَلَدُ حُرًّا وَأَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ، وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ، وَلَا صَرَفَ الْغَلَّةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ. ابْنُ رُشْدٍ وَبِهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: وَدَارَ سُكْنَاهُ أَيْ وَكَذَا ثَوْبٌ لَبِسَهُ وَمَوْضُوعٌ تَفْصِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَحْجُورِ وَلَوْ بَلَغَ أَوْ رَشَدَ وَلَمْ يَحُزْ بَعْدُ وَالْحَاصِلُ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ أَنَّهُ تَفْتَرِقُ دَارُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِهَا فِي هِبَةِ الْأَبِ لِلصَّغِيرِ أَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلتَّخَلِّي، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَمِثْلُهُ الْمَلْبُوسُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْحِيَازَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ وَإِحْضَارِ الشُّهُودِ بِهَا فِيمَا لَا يَسْكُنُهُ الْأَبُ، وَلَا يَلْبَسُهُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا لَيْسَ خَاصًّا بِدَارِ السُّكْنَى بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهَا إذَا سَكَنَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ إذَا لَمْ يُخَصِّصُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بِدَارِ السُّكْنَى كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمِثْلُ الدُّورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ الثِّيَابُ يَلْبَسُهَا أَوْ بَعْضَهَا وَكَذَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ أَيْ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ ا. هـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ انْقَطَعَ عَنْ التَّكَسُّبِ وَلَهُ وَلَدٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ فَفَوَّضَ لَهُ الْأَمْرَ فَصَارَ قَائِمًا بِكَامِلِ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ وَتَجَدَّدَتْ لَدَيْهِمَا مَوَاشٍ وَغَيْرُهَا، ثُمَّ تَنَازَعَا فَتَوَجَّهَ الْأَبُ طَائِعًا مُخْتَارًا إلَى نَائِبِ الْقَاضِي وَأَسْقَطَ لِوَلَدِهِ نِصْفَ كَامِلِ مَا لَدَيْهِمَا مِنْ عَقَارٍ وَمَوَاشٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَجَدَّدَ وَغَيْرِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبَ النَّائِبُ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَتَقَاسَمَا مُنَاصَفَةً وَأَبَاحَ لِوَلَدِهِ التَّصَرُّفَ فِيمَا خَصَّهُ فَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَ الْأَبُ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ نَزْعَ مَا أَعْطَاهُ لِوَلَدِهِ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا حَتَّى كَادَ الْوَلَدُ أَنْ يَقَع فِي الْمَحْظُورِ فَهَلْ لَا يُمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ سَدًّا لِلْفِتْنَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ الْمَذْكُورَ هِبَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالَ وَنَمَاءَهُ لِلْأَبِ، وَهُوَ إذَا أَشْهَدَ عَلَى هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ لَا يَعْتَصِرُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَعَبْدِ الْبَاقِي وَسَلَّمَهُ الْعَدَوِيُّ، وَإِنْ قَالَ الْبُنَانِيُّ لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا قُلْنَا مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ خُصُوصًا إذَا حَصَلَ مُفَوِّتٌ آخَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ مُعَامَلَةٍ لِأَجْلِهَا وَنَحْوِهَا وَأَيْضًا فِي أَجْوِبَةِ الْأُجْهُورِيِّ مَا نَصُّهُ وَالْقَسْمُ فِي هِبَةِ غَيْرِهِ أَيْ الثَّوَابِ يُفِيتُ الِاعْتِصَارَ فِيهَا اهـ. وَنَصَّ الْخَرَشِيُّ وَكَذَلِكَ لَا اعْتِصَارَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْهِبَةِ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ. وَنَصُّ الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ الْخَرَشِيُّ وَعَبْدُ الْبَاقِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَشْهَدَ عَلَى هِبَتِهِ لَا يَعْتَصِرُهَا قَالَ الْبُنَانِيُّ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا اهـ. [امْرَأَة قَالَتْ لِزَوْجِهَا حَجِّجْنِي وَأَبْرَأْتُك مِنْ بَاقِي صَدَاقِي فَحَجَّجَهَا وَرَجَعَتْ فِي بَرَاءَتِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا حَجِّجْنِي وَأَبْرَأْتُك مِنْ بَاقِي صَدَاقِي فَحَجَّجَهَا وَرَجَعَتْ فِي بَرَاءَتِهَا فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ إحْجَاجِهِ إيَّاهَا ذَهَابَهُ مَعَهَا وَخِدْمَتَهَا، وَهِيَ الَّتِي تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا نَفَقَةَ السَّفَرِ الزَّائِدَةَ فَالْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ لَازِمٌ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً فَلَا تُجَابُ لِلرُّجُوعِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ النَّفَقَةَ الزَّائِدَةَ لِلسَّفَرِ

فَهِيَ هِبَةُ ثَوَابٍ بَاطِلَةٌ لِلْجَهْلِ بِمَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ فَتُفْسَخُ وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا، وَتَرْجِعُ بِمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ صَدَاقِهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ لِزِيَادَةِ نَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إنْ كَانَ مُؤَخَّرَ الصَّدَاقِ وَلِجَهَالَةِ النَّفَقَةِ إنْ دَفَعَتْ مَا قَبَضَتْ نَعَمْ إنْ ضَبَطَتْ بَلْ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي ذِمِّيٍّ اشْتَرَى خَرِبَةً وَبَنَاهَا بَيْتًا مِنْ مَالِهِ وَسَكَنَهَا بِعِيَالِهِ وَأَمْتِعَتِهِ وَكَتَبَ حُجَّتَهَا بِاسْمِ وَلَدِهِ الْبَالِغِ فَهَلْ لَا تُعَدُّ الْكِتَابَةُ تَمْلِيكًا فَلَيْسَ لِلْوَلَدِ إخْرَاجُ وَالِدِهِ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَا مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُعَدُّ الْكِتَابَةُ تَمْلِيكًا فَلَيْسَ لِلْوَلَدِ إخْرَاجُ وَالِدِهِ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَا مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ يَزِيدَ، وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُسْتَحَقُّ مِنْهُ شَيْءٌ لِلِابْنِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِإِشْهَادٍ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبَرْزَلِيِّ زَادَ عَقِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ الْأَخِيرِ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَهَبَتْ لَهَا أُمُّهَا فِي صِحَّتِهَا مَا يَخُصُّهَا مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا وَصَدَاقِهَا الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ وَحِصَّةً مِنْ دَارِهِ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ وُجِدَتْ فِي الْحِيَازَةِ، ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّهَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ فَهَلْ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إذَا وُجِدَتْ الْمَوْهُوبُ لَهَا فِي الْحِيَازَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبَةِ وَمَاتَتْ الْوَاهِبَةُ قَبْلَهَا لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ تَنْزِيلًا لِلْجَدِّ فِي الْحِيَازَةِ مَنْزِلَتَهَا وَهِبَةُ الْوَارِثِ مَا وَرِثَهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ جَهِلَهُ لِاغْتِفَارِ الْجَهْلِ فِي الْهِبَةِ فَإِنْ نَازَعَ الْوَرَثَةُ الْبِنْتَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُجَابُونَ وَتَأْخُذُ الْبِنْتُ الْهِبَةَ وَإِرْثَهَا مِنْ التَّرِكَةِ. فِي الْمَجْمُوعِ الْإِعْطَاءُ بِلَا عِوَضٍ لِوَجْهِ الْمُعْطِي هِبَةً وَلِلْآخِرَةِ صَدَقَةً، وَإِنْ فِي مَجْهُولٍ، ثُمَّ قَالَ مُشَبِّهًا فِي الصِّحَّةِ كَالْجَدِّ فِيهِ أَيْ فِي الْحَوْزِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّ جَدَّهُ كَتَبَ لَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ سَلِيمٌ وَثِيقَةً بِأَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِهِ قَرَارِيطَ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَلَمْ يُفْرِزْهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لَهُ حَتَّى مَاتَ فَهَلْ تَبْطُلُ الْهِبَةُ حَيْثُ كَانَ الْمُدَّعِي بَالِغًا وَقْتَ الْكِتَابَةِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَبْطُلُ الْهِبَةُ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهَا بِمَوْتِ وَاهِبِهَا قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأُبْطِلُهَا لِمَانِعٍ قَبْلَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَهَبَتْ لِابْنِ بِنْتِهَا بَيْتًا سَاكِنًا فِيهِ أَبُوهُ بِلَا أُجْرَةٍ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ صَغِيرٌ وَاسْتَمَرَّ الْأَبُ سَاكِنًا فِيهِ كَذَلِكَ إلَى وَفَاتِهَا فَهَلْ تَكُونُ سُكْنَاهُ حِيَازَةً لِابْنِهِ؟ وَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِمَوْتِهَا، وَلَا يَكُونُ لِوَارِثِ الْوَاهِبَةِ مُعَارَضَتُهُ فِي الْهِبَةِ؟

هبة المريض وصدقته وسائر تبرعاته هل تحتاج لحيازة قبل موته

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ سُكْنَى الْأَبِ بِلَا أُجْرَةٍ حِيَازَةٌ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَلَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ بِمَوْتِ الْوَاهِبَةِ فَلَيْسَ لِوَارِثِهَا مُعَارَضَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْهِبَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ لِعَبْدِ الْبَاقِي وَصَحَّ حَوْزُ مُخْدَمٍ يَهَبُهُ سَيِّدُهُ لِغَيْرِ مَنْ أَخْدَمَهُ وَمُسْتَعِيرٌ لِلْمَوْهُوبِ فَيَصِحُّ حَوْزُهُمَا لَهُ مُطْلَقًا عَلِمَا بِالْهِبَةِ أَمْ لَا تَقَدَّمَا عَلَى الْهِبَةِ أَوْ صَاحَبَاهَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا حَازَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا لَا نَحُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْهِبَةُ عَلَيْهِمَا فَالْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَتَأَتَّى إخْدَامٌ، وَلَا إعَارَةٌ، وَلَا شَكٌّ فِي صِحَّةِ حَوْزِهِمَا لَهُ حِينَئِذٍ إنْ رَضِيَا بِالْحَوْزِ لَهُ وَاعْتَرَضَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا وَرِضَاهُمَا انْتَهَى. [هِبَة الْمَرِيضِ وَصَدَقَتِهِ وَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ هَلْ تَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي هِبَةِ الْمَرِيضِ وَصَدَقَتِهِ وَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ هَلْ تَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ كَتَبَرُّعَاتِ الصَّحِيحِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَحْتَاجُ لِحَوْزٍ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَتَبَرُّعَاتُهُ نَافِذَةٌ مِنْ الثُّلُثِ مُطْلَقًا أَشْهَدَ أَمْ لَا فَلَا يَتَوَقَّفُ مُضِيُّ تَبَرُّعِهِ عَلَى حَوْزٍ، وَلَا عَلَى الْإِشْهَادِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَطِيَّةٍ بَتَلَهُ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ ثُلُثِهِ كَوَصَايَاهُ انْتَهَى. وَلِأَنَّ الْحَوْزَ فِي مَرَضِ الْمُتَبَرِّعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ كَعَدَمِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ، وَأَيْضًا ذَكَرُوا فِي حَجْرِ الْمَرَضِ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تُوقَفُ إنْ لَمْ يُؤَمَّنْ مَالُهُ فَإِنْ مَاتَ نَفَذَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِآخَرَ رُبْعَ دَارٍ وَقَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ الْمَذْكُورَةَ وَكَتَبَ عَلَى الْوَاهِبِ وَثِيقَةً بِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَانِعٌ مِنْ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا فَهَلْ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُمَكَّنُ الْوَاهِبُ الْمَذْكُورُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي هِبَتِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا وَتَسْلِيمِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ: وَحِيزَتْ الْهِبَةُ عَنْ وَاهِبِهَا حَوْزًا جَبْرًا عَلَيْهِ إنْ أَبَى لِلُزُومِهَا لَهُ بِالْقَوْلِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَوْزِهَا عَنْهُ إذْنُهُ فِيهِ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَشْجَارًا مُعَيَّنَةً وَاسْتَمَرَّ مَعَ الْوَاهِبِ حَائِزًا لَهَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا عَلَى عَادَتِهِ قَبْلَ هِبَتِهَا، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْهُوبُ لَهُ ابْنًا لِلْوَاهِبِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَيُجْبَرُ عَلَى رَفْعِ يَدِهِ عَنْ الْأَشْجَارِ وَتَسْلِيمِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهَبْت كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَلَّفَ أَرْضَهُ بِاسْمِ وَلَدِهِ فَهَلْ مَلَكَهَا الْوَلَدُ أَوْ لَا وَلِلْوَلَدِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِوَجْهٍ

شَرْعِيٍّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَمْلِكْهَا الْوَلَدُ بِتَكْلِيفِهَا بِاسْمِهِ فَلِأَبِيهِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الِالْتِقَاطِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ الْتَقَطَ بِنْتًا صَغِيرَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ بَلَغَتْ عَشْرَ سِنِينَ فَاسْتَلْحَقَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَهَلْ إنْ لَحِقَتْ بِهِ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْبِنْتِ الْمُلْتَقَطَةِ إذَا صَحَّ اسْتِلْحَاقُ الرَّجُلِ الْآخَرِ إيَّاهَا بِأَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ قَرِينَةٌ كَمَا إذَا عُرِفَ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَهُ أَوْلَادٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَمَاهَا؛ لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ إذَا طُرِحَ الْوَلَدُ عَاشَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى أَبِيهَا أَنَّهُ طَرَحَهَا عَمْدًا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ. وَالثَّانِي أَنْ يَثْبُتَ الْإِنْفَاقُ. الثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ لَا وَجْهِ الْهِبَةِ. الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا حِينَ الْإِنْفَاقِ أَمَّا لَوْ تَاهَ مِنْهُ أَوْ هَرَبَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَخْصٌ نَفَقَةً فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا عَلَى أَبِيهِ وَلَوْ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْإِنْفَاقُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَبِيهِ بِيَمِينٍ فِي عَدَمِهَا؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَاعْتَمَدَ الْبَاتَّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ، وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْفِقُ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَيْضًا وَكَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا حِينَ الْإِنْفَاقِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي طَرْحِهِ عَمْدًا فَادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَنَّ أَبَاهُ طَرَحَهُ عَمْدًا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْأَبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّفَقَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي يُسْرِ الْأَبِ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَجَدَ أَتَانَةً بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَخَذَهَا وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَهُوَ يَسْتَغِلُّهَا بِالرُّكُوبِ وَنَحْوِهِ فَقَامَ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ الْقَرْيَةِ وَادَّعَى أَنَّهَا أَتَانَتَهُ فَهَلْ لِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ بِنَفَقَتِهَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِي الْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا الْمُلْتَقِطُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى لِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ أَثْبَتَ الرَّجُلُ الْقَائِمُ أَنَّ الْأَتَانَ لَهُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَذِّبُ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِ الْأَتَانِ وَنَفَقَةِ الْمُلْتَقِطِ فِي الْغَلَّةِ قِيلَ رَأْسًا بِرَأْسٍ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ وَقِيلَ بِالْحِسَابِ مَنْ بَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ رَجَعَ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَ لَهُ عِجْلٌ فَوَجَدَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ تُجَّارٍ مُسَافِرِينَ فَهَلْ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ وَهَلْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ الَّتِي أَنْفَقَهَا حَائِزُهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِجْلَ مِلْكٌ لِهَذَا الْمُدَّعِي وَأَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ عَلَى مَنْ بَاعَهُ لَهُ حَتَّى وَجَدَهُ وَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْعِجْلِ غَلَّةٌ تَفِي بِالنَّفَقَةِ مِنْ نَحْوِ طَحْنٍ وَحَرْثٍ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَبَقَ لَهُ رِقٌّ وَغَابَ عَنْهُ مُدَّةً، ثُمَّ سَمِعَ بِهِ عِنْدَ شَخْصٍ فَذَهَبَ إلَيْهِ وَسَأَلَهُ

مسائل القضاء

عَنْهُ وَأَخْبَرَهُ بِاسْمِهِ وَصِفَاتِهِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ كَانَ عِنْدِي رِقٌّ اسْمُهُ وَصِفَاتُهُ كَمَا ذَكَرْت وَبِعْته غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ لَك فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ وُجِدَ الرِّقُّ عِنْدَ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ هَذَا الْمُقِرِّ أَوْ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرُونَ لَهُ وَكَثُرُوا خُيِّرَ مَالِكُهُ بَيْنَ فَسْخِ بَيْعِهِ وَأَخْذِ رِقِّهِ وَإِمْضَائِهِ وَأَخْذِ ثَمَنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ الْمُقِرُّ وَالْقِيمَةُ، وَلَا يَنْفَعُهُ تَعَلُّلُهُ بِعَدَمِ عِلْمِ مَالِكِهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْقَضَاءِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْقَضَاءِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يَتَمَلَّكُونَ قِطْعَةَ أَرْضٍ بِالْإِرْثِ عَنْ جَدِّهِمْ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِيهَا الثُّلُثَ بِالْإِرْثِ عَنْ جَدَّتِهِ لِأَبِيهِ، وَرَفَعَهُمْ لِلْحَاكِمِ فَأَنْكَرُوا فَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ بَيِّنَةٌ فَتَلَوَّمَ لَهُ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا فِيهَا فَهَلْ إذَا نَازَعَ هَذَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إلَّا لِعُذْرٍ حَلَفَ عَلَيْهِ كَنِسْيَانِ بَيِّنَةٍ وَعَدَمِ عِلْمٍ بِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَاهُ النِّسْيَانَ، وَمِثْلُهُ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْبَيِّنَةِ أَيْ ثُمَّ تَذَّكَّرهَا أَوْ أُعْلِمَ بِهَا فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا حِينَئِذٍ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا مَرَّ فِي النِّسْيَانِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيُعَجِّزُهُ. قَالَ الْخَرَشِيُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: لِي حُجَّةٌ وَأَنْظَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَجْلِ الْإِتْيَانِ بِهَا بِاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّتِهِ فَإِنَّ الْقَاضِي يُعَجِّزُهُ وَيَكْتُبُ التَّعْجِيزَ فِي سِجِلِّهِ بِأَنْ يَقُولَ: فُلَانٌ ادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً وَلَمْ يَأْتِ بِهَا، وَقَدْ عَجَّزَتْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمَ التَّعْجِيزِ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ رَفْعًا لِلنِّزَاعِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِالْقَبُولِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ قَالَ مُحَشِّي التَّتَّائِيِّ: التَّعْجِيزُ هُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَجَّزِ فَلَيْسَ هُوَ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى الْحُكْمِ لَهُ فَيُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِالتَّعْجِيزِ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ لِمَنْ سَأَلَهُ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ لَا أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ الْحُجَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ النَّقْلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُكْمِ هُوَ التَّعْجِيزُ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَسْمِعَةِ وَغَيْرِهَا مَا قُلْنَاهُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالتَّعْجِيزِ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الْقِيَامُ بَعْدَهُ لِلطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ إنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَفِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: وَظَاهِرُهَا الْقَبُولُ. انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) عَنْ مَحْضَرٍ كَتَبَهُ نَائِبُ الْقَاضِي بِإِسْنَا بِأَقْصَى صَعِيدِ مِصْرَ نَصُّهُ: حَضَرَ بِالْمَحْكَمَةِ بِمَدِينَةِ إسْنَا بِشَايِ بُقْطُرَ الذِّمِّيُّ مُتَكَلِّمًا عَنْ جنونة الذِّمِّيَّةِ بِنْتِ طنيوس الذِّمِّيِّ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ عَبْدِ اللَّطِيفِ النَّدَّافُ وَأَظْهَرَ بِشَايِ الْمَذْكُورُ وَثَائِقَ عَدِيدَةً مُتَضَمِّنَةً شِرَاءَ حِصَصٍ فِي مَنْزِلٍ مَعْلُومٍ قُسِّمَ سَابِقًا مِنْ أَعْمَامِ

مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ، وَمُبَيَّنٌ بِهَا قَدْرُ الْأَذْرُعِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْبَيْعُ إلَى طنيوس، وَادَّعَى بِشَايِ أَنَّ بَعْضَ الْأَذْرُعِ الَّتِي بِالْوَثَائِقِ دَاخِلٌ بِمَنْزِلِ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّطِيفِ، وَلَمَّا أَعْطَى الْجَوَابَ إلَى مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَيِّرُ قِرَاءَةَ وَثَائِقِ الشِّرَاءِ وَاعْتِبَارَ الْمَنَازِلِ بِالْقِيَاسِ وَكُلُّ مَنْ لَهُ زَائِدٌ يَأْخُذُهُ، وَقَدْ صَارَ عِبْرَةً مَنْزِلُ طنيوس وَمَنْزِلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ بِالذِّرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُعْتَادِ لِقِيَاسِ الْمَنَازِلِ بِحُضُورِ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَوُجِدَ زَائِدٌ بِمَنْزِلِ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّطِيفِ الْمَذْكُورِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا حَاصِلٌ صَغِيرٌ مِنْ دَاخِلِ مَنْزِلِ طنيوس مَسْدُودٌ بَابُهُ مِنْ مَنْزِلِ طنيوس وَمَفْتُوحٌ لَهُ طَاقَةٌ مِنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ فَحِينَئِذٍ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُخَلِّيَ يَدَهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا إلَى مَنْ تَكَلَّمَ عَنْهَا بِشَايِ لِكَوْنِ مَنْزِلِ طنيوس نَقَصَ عَمَّا فِي الْوَثَائِقِ بِحُكْمِ الْحَاصِلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا وَرُبْعًا، وَالْبَاقِي يَسْتَوْفِيهِ مِنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ، فَسَطَّرَ ذَلِكَ ضَبْطًا لِلْوَاقِعِ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَفَرَ سَنَةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى حُجَجِ الشَّرْعِ الثَّلَاثِ الْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ وَالْبُرْهَانِ، وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى دَعْوَى بِمَجْهُولٍ، وَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُدَّعَى بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَإِخْوَتِهِ الْغَائِبِينَ وَالْقَاصِرِينَ بِدُونِ تَوْكِيلٍ وَلَا وَصِيَّةٍ فَهَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَفْيَدُونَا إفَادَةً شَافِيَةً، وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِبُطْلَانِهِ لِمَا ذُكِرَ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الذِّكْرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ خَالِيًا عَنْ حُجَجِ الشَّرْعِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِقْرَارِهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ وَلَمَّا أَعْطَى الْجَوَابَ إلَى مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَيِّرُ قِرَاءَةَ وَثَائِقِ الشِّرَاءِ وَاعْتِبَارَ الْمَنَازِلِ، وَقَدْ صَارَ إلَخْ، وَلَيْسَ مُشْتَمِلًا عَلَى دَعْوَى بِمَجْهُولٍ، كَيْفَ وَالْمُدَّعَى بِهِ قِطْعَةُ أَرْضِ مُحَدَّدَةٍ بِحُدُودٍ مَخْصُوصَةٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُدَّعِي جَهِلَ كَمِّيَّةَ ذَرْعِهَا وَأَحَالَهَا عَلَى الْوَثَائِقِ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْلَ الْأَرْضِ الْجُزَافِ إنَّمَا الْجَهْلُ الْمُوجِبُ لِبُطْلَانِ الدَّعْوَى جَهِلَ الْجِنْسَ وَالْعَيْنَ كَأَنْ يَقُولَ: لِي عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَا بَيِّنَةَ، وَكَوْنُ الْجُزْءِ الْمُدَّعَى مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَإِخْوَتِهِ إلَخْ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْوَثِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَحْتَاجُ لِلْإِثْبَاتِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الرَّدَّ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ مِنْ تَسَاهُلِ الْمُفْتِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى نِصْفَ بُسْتَانٍ وَسَكَنَ فِي جَمِيعِهِ وَأَدَارَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْعِمَارَةِ وَيُعْطِي لِشَرِيكِهِ نِصْفَ الثِّمَارِ إلَى أَنْ مَاتَ مُشْتَرِي النِّصْفِ فَاسْتَوْلَى وَلَدُهُ عَلَى الْبُسْتَانِ وَأَظْهَرَ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا أَنَّ وَالِدَهُ اشْتَرَى بَقِيَّةَ الْبُسْتَانِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْوَرَقَةُ وَثِيقَةَ قَاضٍ وَفِيهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ عُمِلَ بِهَا وَلَوْ مَاتَ شُهُودُهَا وَجُهِلَ حَالُهُمْ إذْ الْأَصْلُ الصِّحَّةُ، وَإِلَّا فَإِنْ حَضَرَ شُهُودُهَا فَالْعِبْرَةُ بِهَا وَإِنْ غَابُوا غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا وَقَدْ وَضَعُوا خُطُوطَهُمْ فِيهَا وَشَهِدَ عَلَيْهَا الْعُدُولُ بِشَرْطِهَا الْمَعْرُوفِ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ الْخَطَّ كَالْمُعَيَّنِ وَأَنَّ كَاتِبَهُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْغَيْبَةِ عُمِلَ بِهَا أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا قَالَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الرُّسُومُ الَّتِي جَعَلَهَا الْقُضَاةُ الْمَاضُونَ وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَهُمْ مَعْمُولٌ بِهَا مُحَافَظَةً عَلَى قَاعِدَةِ حِفْظِ الْحُقُوقِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ وَتَفَانِي الْبَيِّنَاتِ، وَلَوْ جُهِلَ حَالُهُمْ فَإِنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ

الْعَامَّةِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ. وَفِي نَوَازِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ مَا نَصُّهُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَسُئِلَ عَنْ الْقَاضِي يُسَجِّلُ بِثُبُوتِ وَثِيقَةٍ وَيَقُولُ فِي تَسْجِيلِهِ: إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي مَا فِي أَعْلَى هَذَا الْكِتَابِ أَمَّا مَا فِي بَاطِنِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ وَالْقَاضِي قَدْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُونَ كُلُّهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالْقَبُولِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ يُحْمَلُ جَمِيعُهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالْقَصْدِ إلَّا أَنْ يُجَرَّحَ جَمِيعُهُمْ انْتَهَى بِلَفْظِهِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْعَمَلَ بِالتَّسْجِيلِ صَاحِبُ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ يَمُتْ مُخَاطَبٌ أَوْ عُزِلَا ... رُدَّ خِطَابُهُ سِوَى مَا سُجِّلَا وَفِي شَرْحِ ابْنِ النَّاظِمِ لَهَا مَا نَصُّهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا إنْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتُهَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهَا مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ اهـ. وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ الْمُنَاصِفِ قَالَ اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِهِ عَلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَحْكَامِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ فِيمَا ظَنَّ عَلَى صَرْفِهِمْ عَنْهُ اُنْظُرْ تَوْجِيهَهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْأَمِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَنَصَّ ابْنُ الْمُنَاصِفِ فَصْلٌ وَأَمَّا كِتَابُ الْقَاضِي بِثُبُوتِ حَقٍّ أَوْ حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْضِعٍ فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ الَّذِي يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَاَلَّذِي يَقُولُ إنَّ عَلَى الْقَاضِي الَّذِي يُنْهَى إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَتَعَيَّنَ الْحُكْمُ أَوْ الْحَقُّ فِيمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ وَيُنَفِّذَ مَا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ رَسْمَ الْكِتَابِ إلَى قَاضٍ بِعَيْنِهِ فِي حَقٍّ قَدْ ثَبَتَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ عُمُومِ الْحُكْمِ بِمَا تَضَمَّنَهُ، وَوُجُوبُهُ عَلَى مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ الْقُضَاةِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي مَوْضِعٍ فَوُجِدَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ قَدْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ وَوَلِيُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي الْمُحْدَثِ قَبُولُ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَإِنْفَاذُ مَا فِيهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ أَوْ الْحَقِّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ لِتَقَاضِي إنْفَاذِ مَا صَحَّ وَتَعَيَّنَ عِنْدَهُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَمَكُّنُ الْمُبَاشَرَةِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْحُكْمِ إنْفَاذُهُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ لَدَيْهِ وَالْقِيَامُ فِيهِ عِنْدَهُ، فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ عَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحُكَّامِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا، فَوَجَبَ تَنْفِيذُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ صَحَّ لَدَيْهِ وَقُيِّمَ بِهِ عِنْدَهُ مِنْ كَافَّةِ الْحُكَّامِ، فَكَذَلِكَ سَبِيلُ الْكِتَابِ إذَا ثَبَتَ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ قَاضِيًا أَشْهَدَ عَلَى حُكْمِهِ شُهُودًا بِأَعْيَانِهِمْ فَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ سِوَاهُمْ الْقِيَامُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ إذَا تَعَذَّرَ أُولَئِكَ الشُّهُودُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِالْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَخُصَّ الْقِيَامَ فِيهِ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى الْمُعَيَّنِ لَهُ ذَلِكَ مَا كَانَ سَبِيلُهُ التَّوْكِيلَ فِي الْحُقُوقِ فَلَا يَنْظُرُ فِيهَا غَيْرُ مَنْ وُكِّلَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ مَا كَانَ إلَى نَظَرِهِ وَلَيْسَ سَبِيلُ مَا أَوْجَبَتْهُ الْأَحْكَامُ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: فَصْلٌ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَكْتُوبُ لَهُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَنْ أُقِيمَ مَقَامَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَإِنْ كَانَ الْكَاتِبُ إنَّمَا كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ بِمَا الْتَزَمَهُ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ عَلَى الْخَطِّ إلَى تَفْصِيلٍ وَتَبْيِينٍ. فَأَمَّا إنْ ثَبَتَ كِتَابُ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ كَاتِبُهُ وَهُوَ عَلَى وِلَايَتِهِ فَالْحُكْمُ

فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ إشْهَادَ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ عَلَى كِتَابِهِ ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حُكْمٍ نَفَّذَهُ أَوْ حَقٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَالْقَضَاءُ بِهِ وَاجِبٌ وَإِنْفَاذُهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قِيمَ بِهِ عِنْدَهُ مِنْ الْحُكَّامِ، وَسَوَاءٌ مَاتَ الْكَاتِبُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ عُزِلَ لَا كَلَامَ فِي هَذَا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَجَازُوهُ وَأَطْلَقُوهُ لَا عَلَى مَا عَهِدَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ تَرْكِ الْإِشْهَادِ وَالِاجْتِزَاءِ بِدَلِيلِ الْخَطِّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيَجُرُّوهُ عَلَى قَدَمِنَا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ فِي ثُبُوتِ الْكِتَابِ إلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ دُونَ إشْهَادِ الْكَاتِبِ بِذَلِكَ عَلَى كِتَابِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ تِلْكَ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ وَثُبُوتِهِ عِنْدَ مَنْ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَالْعِلَّةُ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ أَنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْخَطِّ إذْ ثَبَتَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ قَوْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَدْلُولُ الْكِتَابِ، وَهَذَا إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا دَامَ وَالِيًا فَإِذَا عُزِلَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ عَلَى حَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ إشْهَادٌ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ فَيَجُوزُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ كِتَابَتِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتُهَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُنْجِزْهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ قَدْ شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ شَاهِدًا، وَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ أَمَرَهُمْ الْقَاضِي الْمُحْدَثُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَكُلُّ حُكْمٍ يَدَّعِي الْقَاضِي الْمَعْزُولُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاكِمُ بِهِ. وَقَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ مَعَهُ رَجُلٌ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ اثْنَانِ سِوَاهُ فَالتُّهْمَةُ كَمَا تَرَى مَعَ ذَلِكَ قَائِمَةٌ يُرَاعُونَهَا كَذَلِكَ الْأَمْرُ إذَا مَاتَ أَيْضًا لِأَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ وَالْمَعْزُولِ وَاحِدٌ فِي زَوَالِ حُكْمِ الْوِلَايَةِ وَسُقُوطِ سُلْطَانِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَلَقَّى فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَاكِمِ مُخْتَصٌّ بِحِينِ مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَلِذَلِكَ انْفَرَدَ بِهِ الْوُلَاةُ وَالْحُكَّامُ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ الَّذِي لَا يَصِحُّ وَيُقْبَلُ إلَّا مَعَ الْوِلَايَةِ فَإِنْ انْخَرَمَتْ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ اخْتَلَّ ذَلِكَ وَبَطَلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ مِنْهُ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ فَاسْتِمْرَارُهُ مَنْعَ قِيَامِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نِزَاعٌ كَثِيرٌ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ فِي قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ مَاتُوا أَوْ عُزِلُوا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَفَهِمُوا ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَا عَهِدُوهُ وَوَقَعَ التَّسَاهُلُ فِيهِ مِنْ تَرْكِ إشْهَادِ الْقُضَاةِ عَلَى كُتُبِهِمْ وَالِاجْتِزَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا جَوَازُ ذَلِكَ فَاسْتَثْنَوْا مَعَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ إلَى دَرْكِ الزَّلَلِ وَالتَّخْوِيفِ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ وَفَسَادُهُ وَاضِحُ الظُّهُورِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَبِهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَتْ لَهُ أَتَانُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ آخَرَ فَرَفَعَهُ لَدَى وَكِيلِ الْقَاضِي وَعَرَّفَهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ وَأَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْهُ وَوَجَدَهَا عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ فَسَأَلَ الْوَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

فَأَجَابَ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ فِي السُّوقِ مِنْ رَجُلٍ فَقَالَ الْمُدَّعِي وَاَلَّذِي اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مَعْرُوفٌ فَأَمَرَهُ الْوَكِيلُ بِإِحْضَارِهِ فَأَحْضَرَهُ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ الْقَضِيَّةِ قَالَ تُحْضَرُ الْأَتَانَةُ بِالْمَجْلِسِ فَلَمَّا حَضَرَتْ قَالَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا هِيَ أَتَانَتِي بِعَيْنِهَا نَتَجَتْ عِنْدِي وَبِعْتهَا لِلْمُدَّعِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ وَأَحْضَرَ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِمَا قَالَ فَحَكَمَ وَكِيلُ الْقَاضِي بِدَفْعِهَا وَرَفْعِ يَدِ وَاضِعِ الْيَدِ عَنْهَا وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ ثُمًّ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ رَجَعَ بَائِعُ الْمُدَّعِي عَمَّيْ قَالَهُ أَوَّلًا وَقَالَ هَذِهِ الْأَتَانَةُ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي بِعْتهَا لِلْمُدَّعِي فَهَلْ لَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِهِ بَعْدَ بِتّ الْحُكْمِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَعَمْ لَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِهِ بَعْدَ بَتِّ الْحُكْمِ وَلَا قَبْلَهُ إذْ الْحُكْمُ لَمْ يُبَتَّ لِقَوْلِهِ بَلْ لِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَحْكُومُ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا عَلَى عِجْلٍ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُ جَامُوسَتِهِ نُتِجَ عِنْدَهُ فَكَلَّفَ وَكِيلُ الْقَاضِي وَاضِعَ الْيَدِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِصِدْقِ دَعْوَاهُ فَاسْتَمْهَلَهُ يَوْمَيْنِ وَغَابَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَهُ وَصَنَعَ بِهِ مَوْلِدًا لِلسَّيِّدِ الْبَدَوِيِّ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ وُجِدَتْ بَيِّنَةٌ تَعْرِفُ الْعِجْلَ قَبْلَ ذَبْحِهِ حُكِمَ بِالْعَجِلِ لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ بِهِ وَإِنْ شَهِدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا ادَّعَاهُ سَقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَاسْتَحَقَّ الْعِجْلَ مَنْ كَانَ حَائِزًا لَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ أَصْلًا فَالْمِلْكُ لِلْحَائِزِ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ يَظْهَرُ بِهَا وَجْهُ الْحَقِّ عُمِلَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مَنْزِلًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِمُوجِبِ وَثِيقَةٍ بِخَطِّ رَجُلٍ خَطِيبٍ وَاسْتَوْلَى الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى خَمْسِ سِنِينَ ثُمَّ قَامَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ وَادَّعَى أَنَّ أُمَّ أَبِيهِ أُخْتُ الْبَائِعِ يُرِيدُ أَخْذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، وَتَوَجَّهَ مَعَ الْمُشْتَرِي إلَى عَالِمٍ مَالِكِيٍّ فَحَكَمَ لَهُ فِي الْمَنْزِلِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَكَتَبَ لَهُ بِهَا وَثِيقَةً فَامْتَثَلَ الْمُشْتَرِي لَهُ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ حُكْمِهِ وَلَمْ تَزَلْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي دَاخِلَ الْمَنْزِلِ حَتَّى أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّ الْخَطِيبَ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ وَجَدَّتَهُ لَيْسَتْ أُخْتَ الْبَائِعِ فَقَامَ الْمُشْتَرِي وَنَازَعَ الْخَطِيبَ وَرَفَعَهُ لَدَى قَاضٍ فَطَلَبِ مِنْ الْخَطِيبِ الْبَيِّنَةَ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَطَلَبَ مُهْلَةً فَأَمْهَلَهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ التَّلَوُّمِ الشَّرْعِيِّ وَبَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ حَضَرَ وَأَخْبَرَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً وَاعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا فِي هَذَا الْمَنْزِلِ وَبِبُطْلَانِ وَثِيقَتِهِ لِكَوْنِهَا خَالِيَةً عَنْ مُوَافَقَةِ الشَّرِيعَةِ فَهَلْ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا وَتَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ فِي جَوَابِ أَوَّلِ أَسْئِلَةِ الْبَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى دَابَّةً فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا دَابَّتُهُ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهَا فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي ائْتِنِي بِالْبَائِعِ وَأَنَا أُحَقِّقُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى فَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَأَخْبَرَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ الذَّهَابِ

رجل ضاعت له بقرة ثم وجدها عند رجل ذمي فرفعه إلى نائب القاضي

مَعَهُ فَهَلْ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى الذَّهَابِ مَعَهُ لِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى، أَوْ يُلْزِمُهُ الثَّمَنَ بِمُجَرَّدِ الِامْتِنَاعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الذَّهَابِ مَعَهُ وَلَا عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ بِبَيِّنَةٍ مُعْتَبَرَةٍ يَعْجِزُ الْمُشْتَرِي عَنْ شَهَادَتِهَا أَوْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَإِنْ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ وَنُزِعَتْ الدَّابَّةُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فِي عَمَلِ الْقَاضِي الَّذِي ثَبَتَ عَلَى يَدَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ طَلَبَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي جَلْبَهُ لِيَحْكُمَ لَهُ عَلَيْهِ بِرَدِّ الثَّمَنِ جَلَبَهُ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ عَمَلِهِ أَنْهَى لِلْقَاضِي الَّذِي هُوَ فِي عَمَلِهِ وَانْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي لِيَحْكُمَ لَهُ عَلَيْهِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل ضَاعَتْ لَهُ بَقَرَةٌ ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ ذِمِّيٍّ فَرَفَعَهُ إلَى نَائِبِ الْقَاضِي] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَتْ لَهُ بَقَرَةٌ ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ ذِمِّيٍّ فَرَفَعَهُ إلَى نَائِبِ الْقَاضِي وَأَخْبَرَ أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَةَ مِلْكُهُ نُتِجَتْ عِنْدَهُ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ فَأَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ مِنْ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُهُ مُنْذُ ثَمَانِ سِنِينَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لَهُ بِصِدْقِ دَعْوَاهُ فَقَدَّمَ النَّائِبُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي وَحَكَمَ بِمُقْتَضَاهَا وَرَدَّ بَيِّنَةَ وَاضِعِ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَقَ تَارِيخًا لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَتِهَا، وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَاتِبًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ خَوْفًا مِنْهُ، وَأَسْبَقِيَّةُ تَارِيخِهَا إنَّمَا هِيَ بِإِخْبَارِ عَالِمٍ مُظْهِرِ التَّعَصُّبِ مَعَ الذِّمِّيِّ فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَمْضِي حُكْمُهُ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَيُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْبَقَرَةِ قَهْرًا عَنْ الذِّمِّيِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِعَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ بَيِّنَةِ الذِّمِّيِّ وَهَلْ الْغَلَّةُ فِي النَّفَقَةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ وَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِيمَا نَتَجَتْهُ الْبَقَرَةُ عِنْدَ وَاضِعِ الْيَدِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَمْضِي حُكْمُهُ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَيُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْبَقَرَةِ قَهْرًا عَنْ الذِّمِّيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَهَادَةَ بَيِّنَةِ الذِّمِّيِّ الْحَائِزِ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا وَسَبْقِ تَارِيخِهَا لَا يُثْبِتُ لَهُ مِلْكًا لِأَنَّهَا إنَّمَا شَهِدَتْ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ وَتِلْكَ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ طُرُقِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ مَالِكٍ، وَعَلَى فَرْضِ شَهَادَتِهَا لَهُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكٍ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ فَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَائِزِ لِتَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي بِبَيَانِ سَبَبِ الْمَالِكِ، وَقَدْ اسْتَظْهَرَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ السَّبَبِ عَلَى سَابِقَةِ التَّارِيخِ الَّتِي لَمْ تُبَيِّنْ السَّبَبَ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ وَالْغَلَّةُ لِلذِّمِّيِّ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ الَّتِي قَبْلَ زَمَنِ الْخِصَامِ وَاَلَّتِي فِي زَمَنِ الْخِصَامِ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ بِالْبَقَرَةِ وَلَهُ الْأَوْلَادُ الَّتِي وَلَدَتْهَا الْبَقَرَةُ عِنْدَ الذِّمِّيِّ وَاضِعِ الْيَدِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ. قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْغَلَّةَ تَكُونُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ مِنْهُ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فِيهِ مِنْ يَوْمِ الدَّعْوَى إلَى يَوْمِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْغَيْبَ كَشَفَ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِيقَافِ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِي ذَهَابِهِ إلَى مَوْضِعِ الْبَيِّنَةِ فَعَلَى الذَّاهِبِ بِهِ وَبِعِبَارَةِ وَالنَّفَقَةِ أَيْ فِي زَمَنِ الْإِيقَافِ وَمِنْهُ زَمَنُ الذَّهَابِ بِالْعَبْدِ لِبَلَدٍ يَشْهَدُ فِيهِ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِيقَافِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ كَمَا أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ مِنْ غَيْرِ

خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالنَّفَقَةُ إلَخْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ وَانْظُرْ مَسَائِلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ عِنْدَ آخَرَ وَدِيعَةً ثُمَّ طَلَبَهَا مِنْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ فَأَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ عَنْهُ لِلدِّيوَانِ جَانِبَ حُبُوبٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَجَرَّحَهَا الْمُودِعُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَشُهْرَةِ السَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ وَنَحْوِهِمَا وَادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ الْقَاضِي وَحَلَّفَ الْبَيِّنَةَ الْمَقْدُوحَ فِيهَا وَقَضَى بِهَا فَهَلْ يَنْقُضُ حُكْمَهُ وَيُمَكِّنُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْقَادِحَةِ فَإِذَا أَقَامَ عَدْلَيْنِ بِتَجْرِيحِهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهَا وَلَا سِيَّمَا وَالْمُودِعُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلدِّيوَانِ وَيَقْضِي لَهُ بِأَخْذِ وَدِيعَتِهِ الَّتِي ادَّعَاهَا وَأَقَرَّ بِهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ شَيْخُنَا حَسَنٌ الْأَبْطَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْإِعْذَارُ فِي الْبَيِّنَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إعْذَارٍ نَقَضَ حُكْمَهُ فَحَيْثُمَا ادَّعَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّهُ دَفَعَ لِجِهَةِ الدِّيوَانِ جَانِبًا مِنْ الْحُبُوبِ عَنْ الْمُودِعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَطَلَبَ الْمُودِعُ تَجْرِيحَهَا بِمُجَرِّحٍ مَقْبُولٍ كَتَرْكِهِمْ الصَّلَاةَ أَوْ شُهْرَتِهِمْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ بِالْكَذِبِ فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ وَيُثْبِتُهُ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّجْرِيحِ، وَحُكْمُ ذَلِكَ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ إعْذَارٍ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ سَمَاعِ لِتَجْرِيحِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ عَلَيْهِ مَنْقُوضٌ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُعْتَبَرًا لِعَدَمِ اسْتِيفَائِهِ لِشُرُوطِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيُجَابُ الْمُودِعُ لِإِثْبَاتِ تَجْرِيحِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهَا وَيُجْبَرُ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ عَلَى رَدِّ جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ شَيْءٌ لِلدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا ادَّعَى دَفْعَهُ عَنْهُ وَلَوْ أَثْبَتَهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (أَتَتْنِي كِتَابَةٌ مِنْ قَاضِي الْخَنْدَقِ بِجِهَةِ كَرْدِفَانَ) مَضْمُونُهَا السُّؤَالُ عَمَّا وَقَعَ مِنْ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى وَثِيقَةٍ مَضْمُونُهَا أَنَّ مُحَمَّدَ أَغَا ابْنَ الْمَلِكِ الْأَمِينِ اشْتَرَى فَرَسًا مِنْ سِرَاج عَوْن بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ ثُمَّ اعْتَذَرَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا الْمَذْكُورَ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّهْدِيدِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَنَهْبِ الْمَالِ وَتَخْرِيبِ الدِّيَارِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالطَّرْحِ فِي زِبْلِ الْخَيْلِ وَحَشْوِهِ فِي فِيهِ وَالتَّكْتِيفِ بِالْحِبَالِ وَرَفْعِ السِّلَاحِ لِلْقَتْلِ وَالْجُرْحِ الشَّدِيدِ وَأَنَّهُ لَازَمَ الْفِرَاشَ مِنْ ذَلِكَ سَنَةً وَفِي أَثْنَائِهَا أَرْسَلَ لَهُ الْوَثِيقَةَ وَأَمَرَهُ بِالْخَتْمِ عَلَيْهَا فَفَعَلَ فَاسْتَفْتَى فِيهِ بَعْضَ قُضَاتِهِمْ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَاضِي الْمَذْكُورِ شَيْءٌ يَشِينُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «حُمِلَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَذَلِكَ عَامٌّ لَا يُؤْذِنُ بِالْخُصُوصِ نَعَمْ إذَا كَانَ الْقَاضِي يُعْطَى رُتْبَةَ الْقَضَاءِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ وَلَا يُعَيَّنُ عَلَيْهِ مَنْ وُلَاةٍ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ مَقْصُودِهِ بُلُوغَ هَوَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَسَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا هُنَا وَيُتَوَقَّعُ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَيَكُونُ جُنْحَةً تُوجِبُ رَفْعَهُ وَتَغَيُّرَهُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ هَذِهِ الْخُطَّةَ الشَّرْعِيَّةَ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُعْذَرُ الْقَاضِي بِالْإِكْرَاهِ الْمَذْكُورِ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ عَزْلُهُ وَتَوْلِيَةُ مَنْ يَصْلُحُ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لَا يُبِيحُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ

أكره على قتل أخيه أو أبيه والقاتل وارثه

وَأَنَّهُ إنْ فَعَلَ يَغْرَمُ وَنَصُّهُ: تَنْبِيهٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالُوا وَلَوْ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي الْمَظْلُومِ وَأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ الظَّالِمِ إنْ لَمْ يُطِعْهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَهُوَ مِنْ أَعْوَانِ الظَّالِمِ أَوْ غَيْرِ أَعْوَانِهِ لَمْ يُعْذَرْ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» فَمَنْ أَمَرَهُ الْوَالِي بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا أَوْ قَطْعِهِ أَوْ جَلْدِهِ أَوْ أَخْذُ مَالَهُ أَوْ بَيْعِ مَتَاعِهِ فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ عَصَاهُ وَقَعَ بِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ صِهْرِهِ أَوْ مَالِهِ فَإِنْ أَطَاعَهُ فِي ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوْدُ وَالْقَطْعُ وَالْغُرْمُ وَأُغْرِمَ ثَمَنَ مَا بَاعَ لَهُ. [أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ وَالْقَاتِلُ وَارِثُهُ] ثُمَّ قَالَ مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ وَالْقَاتِلُ وَارِثُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ الْقَوْدِ. [أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ وَحَمَلَ السَّيْفَ عَلَى رَأْسِهِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالُوا وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ وَحَمَلَ السَّيْفَ عَلَى رَأْسِهِ أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إثْمُهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاسْتِكْرَاهِ الْمَوْضُوعِ عَنْ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ عَنْ صَاحِبِهِ مَأْثَمُ مَا رَكِبَ بِالِاسْتِكْرَاهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا إذَا عَدَا قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ وَاسْتَكْرَهُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالُوا إنْ صَلَّيْت مَعَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَك وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. وَجَوَابُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ مُتَنَاقِضٌ وَآخِرُهُ يُوَافِقُ مَا قُلْنَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ كَمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [شُرْب الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ] وَنَقَلَ الْحَطَّابُ التَّنْبِيهَ الْأَخِيرَ وَقَالَ عَقِبَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ فِي آخِرِ مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمَنْ هُدِّدَ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ أَوْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ أَوْ يَبِيعَ مَتَاعَ رَجُلٍ فَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ عَصَى وَقَعَ ذَلِكَ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ وَغُرْمُ مَا أَتْلَفَ وَيُحَدُّ إنْ زَنَى وَيُضْرَبُ إنْ ضَرَبَ وَيَأْثَمُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ رَجُلٍ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ طَائِعًا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الْيَدِ مُكْرَهًا بِوَعِيدٍ أَثِمَ الْقَاطِعُ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَالْحَبْسُ. ثُمَّ قَالَ مَسْأَلَةٌ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ فَأَذِنَ الرَّجُلُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ فَهُوَ آثِمٌ وَلِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ إلَّا الْأَدَبُ وَوَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ لَا قَوْدَ فِي النَّفْسِ وَلَا فِي الْأَطْرَافِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَتْ لَهُ بَقَرَةٌ وَوَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلِ فَرَفَعَهُ إلَى نَائِبِ الْقَاضِي وَادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُ بَقَرَتِهِ وَضَاعَتْ مِنْهُ مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُهُ مُنْذُ سِنِينَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً شَهِدَتْ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ وَحَكَمَ لَهُ النَّائِبُ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهَا وَبَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ أَحْضَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ رَجُلًا وَادَّعَى أَنَّهُ الَّذِي بَاعَ لَهُ الْبَقَرَةَ وَطَلَبَ الرَّجُلُ إعَادَةَ الدَّعْوَى فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تُسَمَّى الْبَيِّنَةُ الْمَحْكُومُ بِهَا لِلرَّجُلِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَلَّمَ شَهَادَتَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْ التَّجْرِيحِ فِيهَا مَضَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِغُرْمِ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي الْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ وَإِنْ جَرَّحَ فِيهَا وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ غَيْرِهَا نُقِضَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَحُكِمَ عَلَى الْمُدَّعِي بِرَدِّ الْبَقَرَةِ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ إذْ هَذِهِ النَّازِلَةُ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا. كَمَا لَا يَخْفَى

قال المشهود عليه للقاضي اعرض علي شهادتهم فإن كان فيها ما لا يرضيني دفعته

عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ. [قَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ لِلْقَاضِي اعرض عَلَيَّ شَهَادَتهمْ فَإِن كَانَ فِيهَا مَا لَا يرضيني دفعته] مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلْقَاضِي اعْرِضْ عَلَيَّ شَهَادَتَهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا لَا يُرْضِينِي دَفَعْتُهُ فَيَلْزَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ وَهَذَا مَحْضُ الْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ. [مَسْأَلَةٌ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الشُّهُودَ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ] (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الشُّهُودَ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُصُومَةَ وَقَالَ لَوْ عَلِمْت مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَرَدَدْت شَهَادَتَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي فَصْلِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ انْتَهَى، وَنَصُّهُ فِي فَصْلِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يَثْبُتُ بِهِمْ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ لِإِرْجَاءِ الْحُجَّةِ لَهُ فِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَسْمَائِهِمْ وَكَانَ الْحَاكِمُ لَيْسَ مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَمْضِي إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فَإِنْ قَدِمَ هَذَا الْغَائِبُ وَأَرَادَ رَدَّ الْقَضَاءِ عَنْهُ وَأَنْ يَبْتَدِئَ الْخُصُومَةَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ إذَا تَعَلَّلَ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَقَالَ لَوْ عَلِمْت مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَرَدَدْت شَهَادَتَهُ عَنِّي وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ لَا يَنْفُذُ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الْغَائِبُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفُذُ وَلَكِنَّهَا مَطْرُوحَةٌ عِنْدَ الْقُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ فَسَجَنَهُ شَيْخُ بَلَدِهِ لِدَفْعِهِ فَبَاعَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ لِذَلِكَ وَبَعْدَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ أَرَادَ رَدَّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى سَيْبِهِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَهَلْ إذَا حَكَمَ حَاكِمْ مَالِكِيٌّ بِمُضِيِّ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ اسْتَفْتَى الْبَائِعُ شَافِعِيًّا فَأَفْتَى بِرَدِّهِ يَمْضِي الْحُكْمُ وَتُلْغَى الْفَتْوَى وَيُمْنَعُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ ابْنِ كِنَانَةَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ لَازِمٌ وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ اللَّخْمِيُّ وَالْإِمَامُ السُّيُورِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ هِلَالٍ وَالْعَقَبَانِيُّ وَالسَّرَقُسْطِيُّ وَالْقِشْتَالِيُّ قَاضِي فَاسَ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَعَمِلَ بِالْإِمْضَاءِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ صَاحِبَ الْمَجْمُوعِ انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَوَاحِدٌ لَا يُعَادِلُ أَهْلَ الْمَذْهَبِ نَاشِئٌ عَنْ قُصُورِ الْبَاعِ وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ وَعَدَمِ الْفَهْمِ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ وَجُمُودِ الْقُرْحَةِ وَالْوَقَاحَةِ الصَّرِيحَةِ وَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْقَائِلُ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ بِالسَّجْنِ وَالضَّرْبِ وَالتَّحْدِيدِ كَيْ لَا يَعُودَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَلَا يَتَجَرَّأَ عَلَى الْأَحْكَامِ وَيَلْتَزِمَ الْأَدَبَ وَالتَّوْفِيرَ لِحَضْرَةِ الْأَئِمَّةِ النَّقَّالَةِ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِمَا ذُكِرَ مَاضٍ رَافِعٌ لِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ تَنْفِيذُهُ وَلَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ الْفَتْوَى بِهِ وَلَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَالْمُعَارَضَةُ فِيهِ فِسْقٌ وَضَلَالٌ مُوجِبَةٌ لِلْأَدَبِ وَالنَّكَالِ وَإِنْ وَقَعَ حُكْمٌ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ بِخِلَافِهِ وَجَبَ نَقْضُهُ وَتَأْدِيبُ الْحَاكِمِ إنْ عَلِمَ الْحُكْمَ

رجل ادعى على آخر بدين فأنكر ثم ادعى قضاءه وأقام عليه بينة

الْأَوَّلَ وَإِنْ وَقَعَتْ فَتْوَى بِخِلَافِهِ فِيهَا وَجَبَ إلْغَاؤُهَا وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهَا وَاسْتَحَقَّ مُفْتِيهَا الْأَدَبَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ هَذَا هُوَ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَلَّذِي دَوَّنَتْهُ أَئِمَّتُنَا الْأَعْلَامُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ بِالْحُكْمِ وَوَلَّاهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ - سَدَّدَ اللَّهُ رَأْيَهُ - الْعَمَلُ بِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَوَلَّى هُدَانَا وَإِيَّاهُ بِجَاهِ خَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ضَاعَتْ لَهُ بَقَرَةٌ وَوَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَتَوَجَّهَ مَعَهُ إلَى مُفْتٍ وَادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُ بَقَرَتِهِ فَأَجَابَ الْحَائِزُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَأَحْضَرَهَا وَشَهِدَتْ بِصِدْقِ دَعْوَاهُ فَحَكَمَ لَهُ بِهَا فَامْتَنَعَ الْحَائِزُ مِنْ تَسْلِيمِ الْبَقَرَةِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ فَوَضَعَهَا الْمُفْتِي عِنْدَ أَمِينٍ حَتَّى يُفَتِّشَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ فَأَحْضَرَ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ رَجُلًا ادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُ بَقَرَتِهِ وَأَنَّهُ الَّذِي بَاعَهَا لِلْحَائِزِ فَطَلَبَ مِنْهُ بَيِّنَةً فَأَحْضَرَ رَجُلَيْنِ مَجْهُولَيْنِ فَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ لَهُ أَوَّلًا وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ لِلْحَائِزِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ بَاطِلٌ وَهَلْ إذَا ضَاعَتْ الْبَقَرَةُ تَلْزَمُ الْمُفْتِي وَهَلْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْحَائِزِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَعْرِفُ الْبَائِعَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الْحُكْمُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ عَدَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَلِعَدَمِ الْأَعْذَارِ فِيهِمَا الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ أَيْضًا وَإِذَا ضَاعَتْ الْبَقَرَةُ تَلْزَمُ الْحَائِزَ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَا أَعْرِفُ الْبَائِعَ لَا يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ لِإِمْكَانِ عِلْمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ فَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْبَائِعُ لَهُ وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ بِوِلَادَتِهَا عِنْدَهُ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَعْذَارِ كَذَلِكَ وَيُرْجَعُ لِلْمُرَجِّحَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلَادٍ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الزَّوْجَةَ بَانَتْ مِنْ أَبِيهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَهَلْ لَا تُعْتَبَرُ دَعْوَاهُ وَتُعْطَى الزَّوْجَةُ مِيرَاثَهَا قَهْرًا عَنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ دَعْوَى أَوْلَادِ الْمَيِّتِ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِطَلَاقِهَا فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُمْ كَانَتْ دَعْوَاهُمْ بَاطِلَةً وَحِينَئِذٍ تَأْخُذُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ نَصِيبَهَا مِنْ مِيرَاثِهِ قَهْرًا عَنْ أَوْلَادِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ مَنْعُهَا مِنْ حَقِّهَا وَيُثَابُ الْحَاكِمُ عَنْ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا وَمِنْ حَقِّهَا فِي الْمِيرَاثِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ. [رَجُل ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً غَيْرَ عُدُولٍ عِنْدَ حَاكِمٍ عُرْفِيٍّ فَأَرَادَ رَبُّ الدَّيْنِ التَّجْرِيحَ فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ فَهَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَلَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ حُبَيْشِيٌّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالرَّدِّ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَجْرِيحَهَا فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ السِّيَاسِيُّ مِنْ التَّجْرِيحِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَانِحِ الصَّوَابِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ

الْخِطَابِ، حَيْثُ أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ الْمُعَامَلَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالْإِنْكَارِ ثُمَّ بَعْدَ التَّحْقِيقِ ادَّعَى الرَّدَّ وَأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَلَا يُجَابُ لَهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ قَدْ أَكْذَبَ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ بِالرَّدِّ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قُلْت لَفْظُ السُّؤَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا التَّفْرِقَةَ بَيْنَ إنْكَارِ الْمُعَامَلَةِ وَلَا حَقَّ لَك عَلَيَّ بِمِنْ يَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِيهِمَا فَلَا يَنْبَغِي هَذَا التَّبَجُّحُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبُ الْمُعَامَلَةِ فَالْبَيِّنَةُ ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ، وَمِثْلُ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ لَيْسَ لَك حَقٌّ أَوْ قِبَلِي وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أُمُورٌ اُنْظُرْهَا فِي الْكَبِيرِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ: مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ أَنَّ مَحِلَّ التَّفْرِقَةِ إذَا كَانَ الْقَائِلُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إنْكَارِ أَصْلِ الْمُعَامَلَةِ وَبَيْنَ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنْ عَلِمْت مَا ذُكِرَ وَعَلِمْت اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَقُولُ إنَّ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا بَدِيهِيَّةٌ لَا تَخْفَى فَإِذَنْ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَتَدَبَّرْ، وَقَدْ يُجَابُ بِمَنْعِ بَدَاهَتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ وَبِأَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَرُدُّ الْإِتْقَانَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا الْأَبْطَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الْحُبُوبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّتِهِ وَأَوْدَعَ عِنْدَهُ جَانِبًا مِنْ الْحُبُوبِ مَعْلُومًا أَيْضًا وَأَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً أَيْضًا ثُمَّ طَالَبَهُ بِالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ فَجَحَدَهَا وَأَنْكَرَ الْمُعَامَلَةَ فَهَلْ إذَا شَهِدَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى رَدَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الرَّدِّ وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى الرَّدِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْوَدِيعَةِ خُصُومَةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الْحُبُوبِ وَالْقَرْضِ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُ الدَّفْعَ لِمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا تَنْفَعُهُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي يُشْهِدُهَا عَلَى قَضَاءِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا أَوَّلًا بِإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ وَلَا يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمْ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَوْ كَانُوا عُدُولًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ إبْدَالُ قَوْلِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ بِمَا نَصُّهُ وَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى الرَّدَّ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ الرَّدَّ بَعْدَهُ وَلَا تَنْفَعُهُ الْبَيِّنَةُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانُوا عُدُولًا الْمُنَاسِبُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا أَخْصَامًا لِلْمُدَّعِي وَلَا قَامَ بِهِمْ مَانِعٌ آخَرُ قَالَ الْعَدَوِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْقَوْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي جَوَابِ الَّذِي تَلَاهُ هَذَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ الْبَيِّنَةُ وَمِثْلُهَا إقْرَارُهُ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَهُ فَلَا يُفِيدُهُ بَيِّنَتُهُ وَسَوَاءٌ أَقَرَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ خَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَالِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا أَخُوهُ فَمَرِضَ الْخَالُ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ مَرَضِهِ الدُّخُولَ الْخَاصَّ إلَّا ابْنَ أُخْتِهِ وَمَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِهِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ فَسَأَلَ الْأَخُ الْوَارِثُ ابْنَ الْأُخْتِ عَمَّا أَوْصَاهُ خَالُهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَّمَهُ لَهُ فَقَالَ أَوْصَانِي عَلَى تَفْرِيقِ عَشَائِهِ لَا غَيْرُ وَأَنْكَرَ الدُّخُولَ الْخَاصَّ عَلَيْهِ فَشَهِدَتْ عَلَيْهِ عَتِيقَةُ الْخَالِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى حُرَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وَرَجُلٌ حُرٌّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ لَيْلًا

بِحَضْرَتِهِمْ وَأَمَرَهُمْ الْخَالُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجُوا وَاخْتَلَى بِهِ وَسَارَرَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ خَالَهُ أَوْصَاهُ بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا إخْرَاجُ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ أَرْبَعِينَ رِيَالًا شَكَّ الشَّاهِدُ فِيهِمَا لِطُولِ الْعَهْدِ زَكَاةً مُنْكَسِرَةً عَلَيْهِ وَشَهِدَ عَلَى ابْنِ الْأُخْتِ أَخُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ لَهُ حِينَ قُدُومِهِ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ مَوْتِ خَالِهِ أَخْبَرَنِي خَالِي بِأَنَّهُ أَعْطَاك كَذَا وَكَذَا مِثْقَالًا لِي وَلَك مِنْ حَقِّنَا الَّذِي عَلَيْهِ وَأَنَّ عِنْدَك أَمَانَةً أَوْصَانِي بِتَفْرِيقِهَا لِعَشَائِهِ فَقُلْت لَهُ نَعَمْ فَقَالَ لِي لَا تُظْهِرْهَا لِأَحَدٍ حَتَّى نَسْتَفْتِيَ الْعُلَمَاءَ عَنْهَا وَبِأَنَّهُ قَالَ لَهُ نَظَرْت عِنْدَ خَالِي فِي وُعَاةِ النُّخَالَةِ صُرَّتَيْ ذَهَبٍ فِيهِمَا تَذْكِرَةٌ بِخَطِّك مَكْتُوبٌ فِيهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا وَقَالَ ابْنُ الْأُخْتِ لِوَارِثِ خَالِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنَّ عِنْدَكُمَا أَلْفًا وَمِائَتَيْ مِثْقَالٍ ذَهَبًا وَإِنْ لَمْ أُبَيِّنْهُمْ فَبِرَأْسِي فَهَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوجِبُ الْغُرْمَ عَلَى ابْنِ الْأُخْتِ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِ وَبَيَانِ الْأَلْفِ وَمِائَتَيْ الْمِثْقَالِ إمَّا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ غُرْمَ الصُّرَّتَيْنِ فَقَطْ أَوْ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمَ شَيْءٍ أَصْلًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ الشَّهَادَاتُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُوجِبُ عَلَى ابْنِ الْأُخْتِ غُرْمَ شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورِ أَصْلًا أَمَّا شَهَادَةُ الْعَتِيقَةِ وَالرَّجُلِ وَالْحُرَّةِ فَإِنَّمَا هِيَ بِدُخُولٍ وَخَلْوَةٍ وَمُسَارَرَةٍ لَا بِمُعَايَنَةِ أَخْذِ شَيْءٍ وَلَا بِإِقْرَارٍ بِهِ وَالدُّخُولُ وَالْخَلْوَةُ وَالْمُسَارَرَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ أَخْذَ شَيْءٍ وَلَا اشْتِغَالَ الذِّمَّةِ بِهِ فَلَا تُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمَ شَيْءٍ أَصْلًا، وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا هِيَ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّ خَالَهُ أَوْصَاهُ وَصِيَّةً مِنْهَا إخْرَاجُ الْقَدْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ لِتَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ لَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّ مَالَ خَالِهِ عِنْدَهُ لَا كُلَّهُ وَلَا بَعْضَهُ مَعَ اعْتِرَافِ الشَّاهِدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالنِّسْيَانِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ فَلَا تُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمَ شَيْءٍ أَصْلًا أَيْضًا، وَأَمَّا شَهَادَةُ أَخِيهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِقَوْلِهِ خَالِي أَخْبَرَنِي بِأَنَّهُ أَعْطَاك وَأَنَّ عِنْدَك أَمَانَةً وَنَظَرْت عِنْدَ خَالِي كَذَا فِي كَذَا لَا بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ خَالِي أَعْطَانِي وَأَنَّ عِنْدِي لَهُ أَمَانَةً وَأَنَّ عِنْدِي صُرَّتَيْنِ لِخَالِي فَلَا تُوجِبُ غُرْمَ شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورِ أَصْلًا عَلَى ابْنِ الْأُخْتِ نَعَمْ الْأَخُ الشَّاهِدُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِلْوَارِثِ إنَّ عِنْدَكُمَا إلَخْ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْقَائِلِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ عَنَدَهُ لَهُمَا أَوْ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ عِنْدَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ بِنَحْوِ سَرِقَةٍ أَوْ اخْتِلَاسٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ بِنَحْوِ أَمَانَةٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ أَوْ بَيَانُ مَنْ هُوَ عَنَدَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الرَّمْيِ بِالْمَالِ وَالِاتِّهَامِ بِهِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ وَالْحُكَّامُ الْجَائِرُونَ فَيُكْثِرُونَ عَلَيْهِمْ الْجَرَائِمَ وَالْمَغَارِمَ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمَ شَيْءٍ أَصْلًا. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَدِينٍ غَائِبٍ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً قَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ يَطْلُبُهُ فَهَلْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِهِ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ عَقَارًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا وَمَا مِقْدَارُ الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْغَائِبُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَحُكْمُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُسْمِعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْبَيِّنَةَ وَتَزْكِيَتَهَا ثُمَّ يَكْتُبُ إلَيْهِ ذَلِكَ وَيَعْذُرُ إلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يَقْدُمَ وَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِبَيْعِ عَقَارِهِ وَعَرْضِهِ وَأَخْذِ نَقْدِهِ فِي الدَّيْنِ وَبِاسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ وَالْعَرْضِ وَبِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَجَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِذَا قَدِمَ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: مُتَوَسِّطُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسَافَةِ

عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَيْضًا وَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ وَالْكَتْبِ إلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: بَعِيدُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَيْهِ وَإِذَا قَدِمَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ مَخُوفَةً فَحُكْمُهُ وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَحُكْمِ مَنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ وَمَا قَرُبَ مِنْ كُلٍّ يُعْطَى حُكْمُهُ وَالْمُسْتَوِي بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا بَعْدَهُ هَذَا كُلُّهُ فِي غَائِبٍ لَهُ مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ كَفِيلٍ أَوْ مُتَوَطِّنٍ بِعَمَلِ الْقَاضِي الَّذِي رُفِعَ أَمْرُهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَلَا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بَلْ تُنْقَلُ الشَّهَادَةُ لِلْقَاضِي الَّذِي هُوَ فِي عِلْمِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: غَائِبٌ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَهَذَا يُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ فَإِمَّا قَدِمَ وَإِمَّا وَكَّلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْأُصُولِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي غَائِبٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَشِبْهِهَا فَهَذَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا اسْتِحْقَاقِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَلَا يُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ فِي هَذَا إنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ وَيُوَكَّلُ إلَيْهِ وَكِيلٌ يُعْذَرُ إلَيْهِ وَالصَّوَابُ إرْجَاءُ الْحُجَّةِ إذْ قَدْ لَا يَعْرِفُ الْوَكِيلُ حُجَّتَهُ فَإِرْجَاءُ الْحُجَّةِ أَحْوَطُ، وَالثَّالِثُ غَائِبٌ مُنْقَطِعُ الْغَيْبَةِ مِثْلُ مَكَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهَا وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مَعَ الْأَمْنِ وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ وَلَا مَسْلُوكَةٍ فَيُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ فِيهَا وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَتُرْجَى لَهُ وَمَنْ خَلْفِ الْبَحْرِ بِالْجِوَارِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبِرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُمْنَعُ رُكُوبُهُ فِيهِ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ هَذَا الَّذِي أَرَاهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَتَزْكِيَتُهَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْبَعِيدُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا لَكِنْ يَحْلِفُ الطَّالِبُ يَمِينَ الْقَضَاءِ الَّتِي لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا بِأَنَّهُ مَا أَبْرَأَ وَلَا أَحَالَ وَلَا وَكَّلَ فِيهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْعَشَرَةُ أَوْ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ قَالَ الْخَرَشِيُّ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْعَقَارِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّهَا عَادِمَةُ النَّفَقَةِ أَوْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِبَيْعِ عَقَارِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَتَشَاحُّ فِيهِ النُّفُوسُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَكُونَ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ قَالَ الْعَدَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يُسْمِعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِمَوْضِعِ الْحُكْمِ مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ حَمِيلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَلَّ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ عَلَى بَلَدٍ خَاصٍّ وَالْمُرَادُ الَّذِي سَافَرَ لِمَحِلٍّ انْقَطَعَ لَا الَّذِي سَافَرَ لِيَرْجِعَ فَهَذَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَمَحِلُّ يَمِينِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، وَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِأَنَّ الْغَائِبَ كَأَنْ أَقَرَّ أَنَّ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ كَذَا فَلَا يُحْتَاجُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَارَبَ الْمُتَوَسِّطَ وَالْقَرِيبَ يُعْطَى حُكْمَ كُلٍّ وَمَا قَارَبَ

إعذار القاضي لمن أراد الحكم عليه هل يقدم على التزكية أم يؤخر عنها

الْبَعِيدَ يُعْطَى حُكْمَهُ وَيَتَعَارَضُ الْأَمْرَانِ فِيمَا كَانَتْ نِسْبَتُهُ مُسْتَوِيَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَاطُ فِيهِ فَيُجْعَلُ مِنْ الْأَعْلَى الْمُتَوَسِّطَ أَوْ الْبَعِيدَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِي مُدَّعًى عَلَيْهِ غَائِبٌ عَنْ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّهُ مُتَوَطِّنٌ بِوِلَايَتِهِ أَوْ لَهُ بِهَا مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ حَمِيلٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَمَاعٌ وَلَا حُكْمٌ بَلْ تُنْقَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ حُكْمٍ انْتَهَى وَصِفَةُ الْعَدْلِ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي زَمَنِنَا الْإِسْلَامُ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِهَارِ بِالْكَذِبِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْكَثْرَةِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِالْمَغْرِبِ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَاضِيَ فَاسَ مَوْلَايَ عَبْدَ الْهَادِي لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعُدُولِ الْآنَ إلَّا اثْنَيْ عَشَرَ فَأَكْثَرَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَدْلُ فَمَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْكَذِبِ وَقِيلَ يُجْبَرُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ بِقَطْعِ أُذُنِ وَلَدِهِ عَمْدًا وَقَدْ رُئِيَتْ السِّكِّينُ بِيَدِ الْعَبْدِ وَالدَّمُ عَلَيْهَا وَالصَّبِيُّ بِحِذَائِهِ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ إذْ لَا قِصَاصَ عَلَى الْعَبْدِ لِطَرَفِ الْحُرِّ لِقَرِينَةِ صِدْقِهِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي عَبْدٍ عَلَى بِرْذَوْنٍ مَشْي عَلَى إصْبَعِ صَبِيٍّ فَقَطَعَهُ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ يُدْمِي وَهُوَ يَقُولُ هَذَا فَعَلَ بِي فَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ الْبِسَاطِيُّ عَدَمُ قَبُولِ إقْرَارِ الْعَبْدِ فِي الْأَرْشِ إنَّمَا هُوَ لِلتُّهْمَةِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تُهْمَةَ. وَفِي مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ وَيُجِيبُ عَنْ الدَّعْوَى بِمُوجِبِ الْقِصَاصِ وَهِيَ جِنَايَةُ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ عَلَى نَفْسِ أَوْ طَرَفِ الْعَبْدِ لَا سَيِّدِهِ لِأَنَّ جَوَابَ الدَّعْوَى إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمُجِيبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَدَنِهِ يَلْزَمُهُ فَيَلْزَمُهُ الْجَوَابُ عَنْهَا وَلَا يُقْبَلُ جَوَابُ سَيِّدِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْقِصَاصِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالتَّعْزِيرِ فَإِنْ اُتُّهِمَ الْعَبْدُ فِي إقْرَارِهِ كَأَنْ اسْتَحْيَاهُ وَلِيُّ الدَّمِ رُدَّ إقْرَارُهُ إلَّا أَنْ يَجْهَلَ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُ وَيَرْجِعُ لِلْقِصَاصِ الْخَرَشِيُّ يُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ حَيْثُ لَمْ يُتَّهَمْ فَإِنْ اُتُّهِمَ بِأَنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ يَقْتُلُ مَنْ يُقْتَلُ بِهِ فَاسْتَحْيَاهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ إنْ لَمْ يَجْهَلْ مِثْلُهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُ الْقِصَاصُ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى جَهْلِهِ وَيُجِيبُ عَنْ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْعَبْدِ السَّيِّدُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ جَوَابُهُ فِيهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَبُولَ إقْرَارِهِ فَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ عَبْدٌ عَلَى بِرْذَوْنٍ مَشَى عَلَى أُصْبُعِ صَغِيرٍ فَقَطَعَهَا فَتَعَلَّقَ بِهِ وَهِيَ تُدْمِي قَائِلًا فَعَلَ بِي هَذَا وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَالْأَرْشُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. [إعْذَارِ الْقَاضِي لِمَنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ هَلْ يُقَدَّمُ عَلَى التَّزْكِيَةِ أَمْ يُؤَخَّرُ عَنْهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي إعْذَارِ الْقَاضِي لِمَنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ هَلْ يُقَدَّمُ عَلَى التَّزْكِيَةِ أَمْ يُؤَخَّرُ عَنْهَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يُقَدَّمُ التَّزْكِيَةُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْإِعْذَارِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ. (تَنْبِيهٌ) الْإِعْذَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَتَمَامِ النَّظَرِ وَالْإِعْذَارُ فِي شَيْءٍ نَاقِصٍ لَا يُفِيدُ قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَتُجَّارِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ بِتَعَدِّيهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِ بِهِ قَطُّ أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى تَرِكَةٍ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَأَنْكَرُو لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْهُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يُمَكَّنُ مِنْ تَحْلِيفِهِ

مسائل الشهادة

وَيُؤَدَّبُ الْمُدَّعِي وَقَدْ أَفَادَ هَذَا سَيِّدِي خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي التَّأْدِيبِ بِقَوْلِهِ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ وَضَمِيرُ كَمُدَّعِيهِ لِلْغَصْبِ وَأَرَادَ بِالصَّالِحِ الْعَدْلَ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ادَّعَى بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ فَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ وَرَثَتِهِ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ عَبْدُ الْبَاقِي سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دَعْوَى شَخْصٍ عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ قَضَى مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ حَلَفَتْ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ الْعِلْمَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجِيبُوا كَانَتْ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حُكِمَ بِلَا يَمِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الشَّهَادَةِ] [بَيِّنَة السَّمَاعِ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الشَّهَادَةِ مَاذَا تَقُولُ السَّادَةُ الْمَالِكِيَّةُ فِي بَيِّنَةِ السَّمَاعِ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ السَّمَاعِ قَالَ فِي الْعَقْدِ الْمُنْظَمِ قَالَ بَعْضُهُمْ مَا اتَّسَعَ أَحَدٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ اتِّسَاعَ الْمَالِكِيَّةِ فَتَجُوزُ عِنْدَهُمْ فِي الْأَحْبَاسِ ثُمَّ قَالَ وَالنَّسَبُ اهـ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَظْمِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَايَةٍ اهـ وَقَالَ الْخَرَشِيُّ وَمِنْهَا النَّسَبُ لَا بِقَيْدِ الطُّولِ اهـ وَقَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِذَلِكَ اهـ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت قَوْلُ الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْعِتْقِ وَاسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ إنْ شَهِدَ بِالْوَلَاءِ شَاهِدٌ أَوْ اثْنَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَزَالَا يَسْمَعَانِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَوْ وَارِثُهُ وَحَلِفٌ يُفِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْوَلَاءِ وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْوَلَاءِ أَوْ اثْنَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَزَالَا يَسْمَعَانِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ لَمْ يَثْبُتْ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيُنَافِيَانِ مَا تَقَدَّمَ. قُلْت قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ الْأَوَّلِ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ سَمَاعُهَا لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَإِلَّا ثَبَتَ الْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ وَلَا يَشْهَدَانِ حِينَئِذٍ إلَّا عَلَى الْقَطْعِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ النَّسَبَ وَالْوَلَاءَ يَثْبُتَانِ بِالسَّمَاعِ اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فَاشِيًا وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ كَانَ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا اهـ وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي شَرْحِ الثَّانِي، وَأَمَّا فِي السَّمَاعِ فَمُشْكِلٌ مَعَ مَا فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ وَالْوَلَاءَ يَثْبُتَانِ بِالسَّمَاعِ وَتَقَدَّمَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْجَوَابُ اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ وَنَصَّ الْكَبِيرُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَشَى هُنَا عَلَى قَوْلٍ وَفِي الشَّهَادَاتِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ أَنَّ مَا هُنَاكَ عَنْ سَمَاعٍ فَشَا كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُنَا عَنْ شَاهِدَيْنِ فَقَطْ أَوْ أَنَّ مَا هُنَا فِي بَلَدِهِ وَمَا هُنَاكَ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى. وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ مَا هُنَا فِيمَا إذَا كَانَ السَّمَاعُ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ الِاسْتِفَاضَةِ عَنْ وَاحِدٍ وَمَا فِي

الشَّهَادَاتِ إذَا كَانَ السَّمَاعُ بِبَلَدِهِ لِعَدَمِ اسْتِفَاضَتِهِ عَنْ وَاحِدٍ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ كَانَ وَارِثُهُ ابْنَ عَمٍّ لَهُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ كَذَلِكَ عَلَى الْقَطْعِ إذَا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ ذَلِكَ السَّمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَرَوْا مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَيُكْتَبُ فِي ذَلِكَ عَقْدٌ يَعْرِفُ شُهُودُهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فَأَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ زَوْجَتُهُ فُلَانَةُ وَابْنَا عَمِّهِ فُلَانٌ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ وَيَعْلَمُونَهُمَا ابْنِي عَمِّهِ يَجْتَمِعَانِ مَعَهُ فِي جَدِّهِمْ الْأَقْرَبِ فُلَانٍ لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا اجْتِمَاعَهُمْ فِي الْجَدِّ اُكْتُفِيَ بِقَوْلِهِمْ ابْنَا عَمِّهِ وَتَمَّتْ الشَّهَادَةُ إنْ كَانَ الشُّهُودُ يُحَقِّقُونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ ذَلِكَ السَّمَاعَ كَمَا يُشْهَدُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَيَثْبُتُ بِذَلِكَ النَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّمَاعُ مُشْتَهِرًا عِنْدَ الشَّاهِدِ اشْتِهَارًا يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ فَأَمَّا فِي حَيَاةِ الْمُتَوَفَّى الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَإِنْكَارِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ وَلَا يُوجِبُ حُكْمًا بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْمِيرَاثُ فِي الْمَالِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ وَيَكُونُ لَهُ الْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ عَدْلَانِ بِسَمَاعٍ فَشَا وَفِي الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ وَيَمِينٍ فِي السَّمَاعِ طَرِيقَانِ فِي الْخَرَشِيِّ عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ وَالْأَرْجَحُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا فِي التَّأْدِيَةِ بِلَا رِيبَةٍ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ مَنْ فِي سِنِّهِمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَيَحْلِفُ مَعَهُمْ بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّصَرُّفِ وَالطُّولِ مَرْدُودٌ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ وَوَقَفَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْزُ عَلَى الْأَرْجَحِ إنْ طَالَ السَّمَاعُ فِيهِمَا عِشْرِينَ عَامًا فَأَكْثَرَ وَبِمَوْتٍ فِي مَكَان بَعِيدٍ وَزَمَنٍ قَصُرَ وَإِلَّا فَإِنَّمَا تُقْبَلُ بَتْلًا وَقَدِمَتْ الْبَاتَّةُ إلَّا أَنْ تَقُولَ السَّامِعَةُ صَاحِبُهَا اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي هَذَا وَثَبَتَ بِسَمَاعٍ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ كَعَزْلٍ وَجُرْحٍ وَكُفْرٍ وَسَفَهٍ وَنِكَاحٍ وَضِدِّهَا أَيْ مِنْ تَوْلِيَةٍ وَتَعْدِيلٍ وَإِسْلَامٍ وَرُشْدٍ وَطَلَاقٍ وَإِنْ بِخُلْعٍ وَضَرَرِ زَوْجٍ وَهِبَةٍ لِثَوَابٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَيْعٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَتَحْرِيمٍ بِصِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ وَنَسَبٍ وَحِرَابَةٍ وَإِبَاقٍ وَعُدْمٍ وَأَسْرٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَلَوَثٍ وَسَمَاعُهُمْ الْقَتْلَ لَوْثٌ انْتَهَى. قَالَ التَّتَّائِيُّ وَثَبَتَ لِابْنِ رُشْدٍ نَظْمٌ عَدَدُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ... وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ ... وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْبَيْعِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ ... وَالرَّضَاعِ وَخُلْعٍ وَالنِّكَاحِ وَضِدِّهِ وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَايَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ وَزَادَ حَفِيدُهُ: وَمِنْهَا هِبَاتٌ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمْنَ ... وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَمَّنْ بِمِثْلِهِ وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... وَمِنْهَا إبَاقٌ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ فَدُونَكَهَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ ... تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ ... فَأَتْبَعْتهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ اهـ. وَنَظَمَهَا أَيْضًا بَعْضُهُمْ فَانْظُرْهُ اهـ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عِجْلًا فِي مُحَرَّمٍ الْمَاضِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ إلَى الْآنَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَلْدَةٍ أُخْرَى فَادَّعَى أَنَّهُ عِجْلُهُ قَدْ اشْتَرَاهُ مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَضَاعَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْعَامَ الْمَذْكُورَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ بَيِّنَةٌ تُعَضِّدُ دَعْوَاهُ فَمَا الَّتِي تُقَدَّمَ مِنْهُمَا؟ وَفِي رَجُلٍ اشْتَرَى أَتَانًا قَبْلَ مَوْلِدِ السَّيِّدِ الْعَامَ الْمَاضِي بِشَهْرَيْنِ وَلَمْ يَزَلْ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَيْهَا إلَى الْآنَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهَا رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهَا أَتَانُهُ قَدْ اشْتَرَاهَا مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَضَاعَتْ مِنْهُ قَبْلَ مَوْلِدِ السَّيِّدِ الْعَامَ الْمَذْكُورَ بِشَهْرَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ بَيِّنَةٌ تُرَشِّحُ دَعْوَاهُ فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُقْضَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِلْقَائِمِ عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ لِتَقَدُّمِ تَارِيخِ بَيِّنَتِهِ عَلَى تَارِيخِ بَيِّنَةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْحَائِزِ أَعْدَلَ لِأَنَّ تَقَدُّمَ التَّارِيخِ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ كَمَا هُنَا لَكِنْ بَعْدَ حَلِفِ الْقَائِمِ عَلَى طِبْقِ شَهَادَةٍ بَيِّنَتِهِ وَيُلْغَى وَضْعُ الْيَدِ وَقَدْ أَفَادَ هَذَا الْإِمَامُ خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ لَهُ كَالْمَنْطُوقِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِيَدٍ إنْ لَمْ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ فَيَحْلِفُ قَالَ شَمْسُ الدِّينِ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِهِ وَيُرَجِّحُ بِيَدٍ عِنْدَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ مَعَ الْيَمِينِ وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي بِالْيَدِ دَارًا أَوْ عَرْضًا أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إنْ لَمْ تُرَجِّحُ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ أَوْ مُقَابِلِ ذِي الْيَدِ فَإِنْ رَجَّحَتْ عُمِلَ بِهَا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِي الْيَدِ فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ الرَّاجِحَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَكَذَا يُرَجِّحُ ذِي الْيَدِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ التُّونُسِيُّونَ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِكِسْوَتِهَا فَقَالَ هَذَا الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْك لِي وَقَالَتْ بَلْ هُوَ لِي هَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا أَوْ قَوْلُهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ فِي حَوْزِهِ أَوْ حَوْزِهَا اهـ قَوْلُهُ عِنْدَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَرَشِيُّ وَمِثْلُهُ تَسَاوِيهِمَا فِي الشَّهَادَةِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. وَقَالَ نُورُ الدِّينِ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ أَوْ تَارِيخٌ أَوْ تَقَدَّمَهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَرَّخْ أَوْ الَّتِي تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا شَاهِدَةً لِمَنْ هُوَ حَائِزٌ لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي وَبِيَدٍ إنْ لَمْ تُرَجِّحُ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ اهـ فَمَا أَفْتَى بِهِ فِي نَحْوِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ إلْغَاءِ بَيِّنَةِ الْقَائِمِ لِشَهَادَتِهَا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ خِلَافُ الصَّوَابِ وَإِنْ اسْتَنَدَ فِيهَا لِمَا فِي الْحَطَّابِ لِمَا عَلِمْت وَلِأَنَّ الَّذِي فِي الْحَطَّابِ فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْحَائِزِ بِالْمِلْكِ وَبَيِّنَةُ الْقَائِمِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لَا فِيمَا إذَا شَهِدَتَا مَعًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَنَصَّ الْحَطَّابُ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي دَارٍ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّهُ بَاعَهُ مَا مَلَكَ وَأَقَامَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ يَمْلِكُهَا قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَبَقِيَتْ الدَّارُ بِيَدِ حَائِزِهَا أَبُو الْحَسَنِ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلَيْنِ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ مَالِكٌ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي النَّقْلِ إلَّا الشِّرَاءَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ تُعَارِضْ بَيِّنَةُ الْحَوْزِ بَلْ لَا تُعَارِضُ الْحَوْزَ وَحْدَهُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ بِمِصْرَ وَلَهُ عَقَارٌ بِبَعْضِ بِلَادِ إفْرِيقِيَّةَ فَبَعَثَ وَثِيقَةً بِخَطِّهِ مَضْمُونُهَا تَوْكِيلُ رَجُلٍ بِبَلَدِ الْعَقَارِ، فَهَلْ إذَا وَصَلَتْ الْوَثِيقَةُ بَلَدَ الْعَقَارِ وَعَرَّفَتْ الْبَيِّنَةُ خَطَّ الْمُوَكِّلِ وَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ خَطُّهُ يَثْبُتُ التَّوْكِيلُ وَهَلْ إذَا كَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ الْمُقِيمِ بِمِصْرَ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ كَانَ بِهَا وَسَافَرَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ وَقَدْ كَتَبَ عَلَيْهِ وَثِيقَةً بِمِصْرَ بِغَيْرِ خَطِّ الْمَدِينِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِهَا

وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ فِيهَا وَكَتَبَ الْمَدِينُ عَلَى حَاشِيَتِهَا الْمَنْسُوبُ إلَيَّ فِيهِ صَحِيحٌ يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِالْوَثِيقَةِ إذَا أَنْكَرَهُ وَعَرَفَتْ الْعُدُولُ الْخَطَّ الَّذِي فِي حَاشِيَتِهَا وَشَهِدَتْ بِهِ. فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَعَمْ يَثْبُتُ التَّوْكِيلُ بِالْخَطِّ وَإِنْ نُوزِعَ الْوَكِيلُ رَفَعَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي فَمَتَى ثَبَتَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا خَطُّ الْمُوَكِّلِ وَعَرَّفَتْ الْبَيِّنَةُ الْخَطَّ مَعْرِفَةً تَامَّةً حُكِمَ بِثُبُوتِ التَّوْكِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُصَاحَبَةُ الْبَيِّنَةِ لِلْكِتَابِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُضُورِ الْكِتَابِ وَقْتَ الشَّهَادَةِ فَقَطْ وَيَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى مَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ الْوَثِيقَةُ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَكَتَبَ هُوَ الْمَنْسُوبُ إلَيَّ فِي هَذَا صَحِيحٌ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا خَطُّهُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ إذَا أَنْكَرَ كَمَا فِي نَقْلِ الْحَطَّابِ فَإِنَّهُ لَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ تُعَرِّفُ الْخَطَّ فَفِي الْمَجْمُوعِ الْأَحْسَنُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ جَبْرُهُ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ مَا يُظْهِرُ بِهِ خَطَّهُ وَلِيُكْثِرْ مَا يُؤْمَنُ بِهِ التَّغْيِيرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هِيَ مِلْكٌ لِي مَوْلُودَةٌ عِنْدِي ضَلَّتْ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَقَالَ آخَرُ اشْتَرَيْتهَا مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَاسْتَوَتَا فِي الْعَدَالَةِ وَالدَّابَّةُ فِي يَدِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ فَهَلْ يُقْضَى بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمِلْكِيَّةِ لِكَوْنِهَا بَيَّنَتْ وِلَادَتَهَا عِنْدَهُ وَلَا يُنْظَرُ لِسَبْقِ تَارِيخِ الثَّانِيَةِ وَلَا وَضْعِ الْيَدِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ بَيِّنَة الْمِلْكِيَّةِ لِكَوْنِهَا بَيَّنَتْ وِلَادَتَهَا عِنْدَهُ وَيُلْغَى وَضْعُ الْيَدِ لِتَرْجِيحِ بَيِّنَةِ مُقَابِلِهِ بِبَيَانِ سَبَبِ الْمِلْكِ مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ بَيِّنَتِهِ بِالشِّرَاءِ لَا تُثْبِتُ لَهُ مِلْكًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ السَّنَتَيْنِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ إنَّمَا هُمَا تَارِيخُ الضَّيَاعِ وَأَمَّا الْوِلَادَةُ فَهِيَ سَابِقَةٌ بِالضَّرُورَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ سَبْقُ تَارِيخِ بَيِّنَةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ يُلْغَى أَيْضًا وَتَقَدَّمَ بَيِّنَةُ السَّبَبِ لِمَا عَلِمْت بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ بَيِّنَةَ وَاضِعِ الْيَدِ شَهِدَتْ لَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ مَالِكٍ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ بَيَانَ السَّبَبِ أَقْوَى مِنْ سَبْقِ التَّارِيخِ فِي التَّرْجِيحِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الْخَرَشِيِّ وَبِعِبَارَةٍ لَا بِالِاشْتِرَاءِ أَيْ الْمُطْلَقُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لِزَيْدٍ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ وَلَمْ تُعَيِّنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَشَهِدَتْ أُخْرَى لِعَمْرٍو بِأَنَّهَا أُنْتِجَتْ عِنْدَهُ فَتُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ اهـ وَقَالَ قَبْلُ نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَاكِرَةَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ مُطْلَقًا إلَّا عَلَى الشَّاهِدَةِ بِالْمِلْكِ مِنْ الْمُقَاسِمِ وَيَلِيهَا الْمُؤَرِّخَةُ وَمُقَدِّمَةُ التَّارِيخِ وَيَلِي ذَلِكَ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ وَلَا يَخْفَى تَقَدُّمُ كُلِّ مُرَجَّحٍ عَلَى الْيَدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِيَدٍ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ حَائِزٍ أَتَانَةً يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَنَتَجَتْ عِنْدَهُ وَنَازَعَهُ آخَرُ زَاعِمًا أَنَّهَا مِلْكُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ أَيْضًا وَضَاعَتْ مِنْهُ مُنْذُ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةٍ وَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَشَهِدَتْ لِلْحَائِزِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَاتَانِ الْبَيِّنَتَانِ مُتَكَاذِبَتَانِ فَتَسْقُطَانِ وَيَبْقَى الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْجَوَابُ بِخَطِّ يَحْيَى وَلَدِ الشَّيْخِ وَتَحْتَهُ خَتْمُ الشَّيْخِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَوَابٍ وَالصَّوَابُ الْقَضَاءُ بِسَابِقَةِ التَّارِيخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَالتَّسَاقُطُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّكَافُؤِ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُرَجِّحَاتِ وَمِنْهَا تَقَدَّمَ التَّارِيخُ وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتَا وَبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَكَافَأَتَا بَقِيَ مَجْهُولَ

البينة المتهمة هل للمشهود عليه تحليفها أم للقاضي

الْأَصْلِ بِيَدِ حَائِزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ قِطْعَةَ أَرْضٍ وَمَاتَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَامَ ابْنُ الْبَائِعِ يُنَازِعُ ابْنَ الْمُشْتَرِي وَطَلَبَ مِنْهُ وَثِيقَةَ التَّبَايُعِ فَأَحْضَرَ وَثِيقَةً مَاتَ كَاتِبُهَا وَشُهُودُهَا لَكِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِأَنَّ هَذَا خَطُّ فُلَانٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَاتِبُ عَدْلًا مَشْهُورًا فَهَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةٌ وَتَكُونُ الْأَرْضُ لِابْنِ الْمُشْتَرِي أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا مَاتَتْ شُهُودُ الْوَثِيقَةِ الَّتِي بِيَدِ الْحَائِزِ وَكَاتِبُهَا الشَّاهِدُ بِمَضْمُونِهَا وَشَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى الْيَقِينِ بِأَنَّ هَذَا خَطُّ فُلَانٍ وَلَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ كَانَ عَدْلًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَدَالَتِهِ حَتَّى مَاتَ عُمِلَ بِشَهَادَتِهِمَا وَحَلَفَ الْحَائِزُ يَمِينًا مُكَمِّلَةً لِنِصَابِ الشَّهَادَةِ وَيَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ وَقُضِيَ لَهُ بِالْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ كَانَ مَضْمُونُ الْوَثِيقَةِ وَالدَّعْوَى مِنْ بَابِ الشِّرَاءِ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ لَا مِنْ بَابِ الرَّهْنِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ فِي الْأَجَانِبِ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الْأَقَارِبِ، وَالْحَائِزُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِدَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ وَالْمُدَّعِي حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالْحَقُّ فِيهَا لِلْحَائِزِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَتْ لَهُ أَتَانَةٌ وَوَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فَرَفَعَهُ إلَى فَقِيهٍ مُدَّعِيًا أَنَّهَا بِنْتُ أَتَانَتِهِ ضَاعَتْ مِنْهُ عَامَ أَوَّلٍ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ وَأَنَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَأَمَرَ الْفَقِيهُ بِحُضُورِ الْبَائِعِ وَالْأَتَانَةُ بِالْمَجْلِسِ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَتْ هَذِهِ الَّتِي بِعْتهَا فَهَلْ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا هِيَ لَا يُعْمَلُ بِهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى وِلَادَتِهَا عِنْدَهُ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَهَادَتَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْ التَّجْرِيحِ فِيهَا حُكِمَ بِالْأَتَانَةِ لِلْمُدَّعِي وَلَا يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا هِيَ الْمُشْتَرَاةُ لِأَنَّ بَيِّنَةَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ عَلَى سَابِقَةِ التَّارِيخِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ضَاعَتْ لَهُ نَاقَةٌ ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فَرَفَعَهُ إلَى فَقِيهٍ وَادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُ نَاقَتِهِ نَتَجَتْ عِنْدَهُ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ وَضَاعَتْ مِنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَلَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَأَجَابَ وَاضِعُ الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ مِنْ رَجُلٍ مَعْلُومٍ فَأُحْضِرَ هُوَ وَالنَّاقَةُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَقَالَ لَا أَدْرِي أَهِيَ نَاقَتِي أَمْ لَا فَنَازَعَهُ وَاضِعُ الْيَدِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ تَارِيخًا وَيُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِتَبْيِينِهَا سَبَبَ الْمِلْكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْبَيِّنَة الْمُتَّهَمَة هَلْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ تَحْلِيفُهَا أَمْ لِلْقَاضِي] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْبَيِّنَةِ الْمُتَّهَمَةِ هَلْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ تَحْلِيفُهَا أَمْ لِلْقَاضِي وَضِّحُوا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ تَحْلِيفُهَا وَلِلْقَاضِي تَحْلِيفُهَا وَلَوْ بِالطَّلَاقِ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إذَا اتَّهَمَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ أَيْ دُونَ الْخَصْمِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ كَمَا لِمَيَّارَةَ عَلَى لَامِيَّةِ الزَّقَّاقِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَلِلْقَاضِي إذَا اتَّهَمَ الشَّاهِدَ تَحْلِيفُهُ وَإِنْ بِطَلَاقٍ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ وَتَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِحَسَبِ مَا يُحْدِثُونَ مِنْ

عدالة تارك الصلاة

الْفُجُورِ فَيَخْرُجُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] انْتَهَى [عَدَالَة تَارِك الصَّلَاة] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا هَلْ يُؤْكَلُ مَعَهُ وَيُشَارَكُ فِي مُعَامَلَةٍ وَسُكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ بَيِّنُوا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَمُخَالَطَةُ تَارِكِ الصَّلَاةِ كَبَاقِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مُسْقِطَةٌ لِلْعَدَالَةِ إنْ كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَوْ الْبُعْدِ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْخَرَشِيُّ وَمِنْهَا أَيْ الْقَوَادِحُ فِي الْعَدَالَةِ سُكْنَاهُ مَعَ وَلَدِهِ الَّذِي يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ أَوْ إزَالَتِهِ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَغَيْرُ الْوَلَدِ أَوْلَى وَلَا مَفْهُومَ لِلشُّرْبِ بَلْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَعَاصِي كَذَلِكَ اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ أَيْ مَنْعِ وَلَدِهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ أَوْ إزَالَةِ أَيْ إزَالَةِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ هَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ كَأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ إذَا لَمْ يَنْزَجِرْ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَوْضَحُ وَنَصُّهُ وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ أَنْكَرَ جَهْدَهُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّغْيِيرِ وَلَا عَلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ لَمْ تَسْقُطْ شَهَادَتُهُ إذَا هَجَرَهُ طَاقَتَهُ وَغَيْرُ الْوَلَدِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ. ادَّعَى أَنَّ أُخْتَهُ وَهَبَتْ لَهُ حِصَّتَهَا مِنْ بَيْتِ أَبُوهَا بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ ثُمَّ ذَهَبَتْ الْأُخْتُ لِأَحَدِهِمَا وَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْسَ مَعِي شَهَادَةٌ عَلَيْك بِحَضْرَةِ عَدْلَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ سَاعَةٍ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالْهِبَةِ. فَهَلْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ قَالَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ مَعِي فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا تَذَكَّرَ وَشَهِدَ فَشَهَادَتُهُ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ إنْ كَانَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ وَشَهِدَ تُقْبَلُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُبْرَزًا فِي الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ كَالزَّائِدِ وَالنَّاقِصِ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَالذَّاكِرِ بَعْدَ النِّسْيَانِ تَشْبِيهٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى نَاقَةً فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا بِنْتُ نَاقَتِهِ ضَاعَتْ مِنْهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فُلَانٌ بَاعَهَا لِي فَقَالَ الْآخَرُ بَاعَهَا لِي رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَأَخَذَهَا فَهَلْ إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَادَّعَى أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَلَهُ بَيِّنَةٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ إقَامَتِهَا وَإِذَا أَقَامَهَا عَلَى وَجْهِهَا تُنْزَعُ مِنْ آخِذِهَا وَتُرَدُّ لِمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَا يُمْنَعُ مِنْ إقَامَتِهَا لِعُذْرِهِ بِالْغَيْبَةِ حِينَ إقَامَةِ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ وَإِذَا أَقَامَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَسَلَّمَهَا الْمُدَّعِي أَوْ عَجَزَ عَنْ التَّجْرِيحِ فِيهَا كَمَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَوْ عَجَزَ عَنْ تَجْرِيحِهَا صَارَتَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فَتُقَدَّمُ الْمُؤَرَّخَةُ عَلَى الَّتِي لَمْ تُؤَرَّخْ أَيًّا كَانَتْ ثُمَّ سَابِقَةُ التَّارِيخِ أَيًّا كَانَتْ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ قُدِّمَتْ زَائِدَةُ الْعَدَالَةِ كَذَلِكَ وَهَكَذَا سَائِرُ الْمُرَجِّحَاتِ الْمَعْلُومَةِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا وَلَمْ يُمْكِنْ التَّرْجِيحُ سَقَطَتَا وَنُزِعَتْ النَّاقَةُ مِنْ آخِذِهَا وَرُدَّتْ لِمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَنُدِبَ تَوْجِيهٌ مُتَعَدِّدٌ لِمَنْ غَابَ قَرِيبًا، وَالْبَعِيدُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ يُقْضَى عَلَيْهِ وَإِذَا قَدِمَ أَعْذِرَ لَهُ فَيَجِبُ تَسْمِيَةُ الشُّهُودِ وَإِلَّا نُقِضَ كَالْمُتَوَسِّطِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَعَ الْأَمْنِ أَوْ اثْنَانِ مَعَ الْخَوْفِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يُسْمَعُ عَلَيْهِ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ وَوَجَبَتْ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ وَيُقَالُ

لَهَا يَمِينُ الْقَضَاءِ وَيَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ الْبَيِّنَةِ فِي دَعْوَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا هُنَا إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ وَإِلَّا رُجِّحَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ أَوْ تَارِيخٍ أَوْ تَقَدُّمِهِ وَمَزِيدِ عَدَالَةٍ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ تَكَافَأَتَا بَقِيَ مَجْهُولَ الْأَصْلِ بِيَدِ حَائِزِهِ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ غَيَّرَهُمَا اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) عَنْ صِنَاعَةِ الْكِيمْيَاءِ هَلْ هِيَ مِنْ الْجَائِزِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمُسْتَحِيلِ وَهَلْ يُنْهَى عَنْهَا طَالِبُهَا أَمْ لَا وَهَلْ يُقْدَحُ طَالِبُهَا فِي شَهَادَةِ طَالِبِهَا أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) بِأَنْ قَالَ هِيَ مِنْ الْمُمْكِنِ الْوُجُودِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِصَنْعَةِ الزُّجَاجِ وَبِتَحْلِيلِ اللُّؤْلُؤِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَثْبَتْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِهَذَا السَّبِيلِ فَلَسْت أَرَى عَلَى الْمُدَّعِي لِذَلِكَ دَرْكًا مَا لَمْ يُنَصِّبْ تَحَلِّيَتَهُ بِذَلِكَ لِصَيْدِ أَمْوَالِ النَّاسِ شِرْكًا فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ هَذَا أَوْ أَدْخَلَ الدُّلْسَةَ فِي نُقُودِهِمْ أُبْعِدَ تَشْدِيدُهُ وَبُولِغَ أَدَبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَلَيْسَ عَلَى الشَّاهِدِ الْمُخْتَبِرِ وَالْمُمْتَحِنِ الْمُسْتَنْصِرِ وَالطَّالِبِ الْمُسْتَنْكِرِ جُنْحَةٌ وَلَا فِيهِ حُرْمَةٌ لِمَا قَالَ أَوْ فَعَلَ بَلْ عَادَةُ النُّبَلَاءِ الْعُقَلَاءِ امْتِحَانُ أَصْحَابِ الدَّعَاوَى الْغَرِيبَةِ لِيُوقَفَ مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ يُكْشَفَ عَنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْحِيَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِمَنِّهِ يَعْصِمُ مِنْ الزَّلَلِ. ابْنُ إِسْحَاقَ رَوَى أَبُو دَاوُد «مَنْ كَانَ يَبِيعُ النَّرْدَ وَالزَّمَامِيرَ وَالْعِيدَانَ وَالطَّنَابِرَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ» . ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَا مَنْ يَشْتَغِلُ بِعِلْمِ الْكِيمْيَاءِ وَأَفْتَى الشَّيْخُ صَالِحٌ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُنْتَصِرُ بِمَنْعِ إمَامَتِهِ انْتَهَى مِنْ الْمِعْيَارِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُتَوَفَّاةٍ عَنْ ثَلَاثِ بَنَاتٍ فَادَّعَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ لَهَا وَأَنْكَرَ الْبَنَاتُ ذَلِكَ فَهَلْ يُكْتَفَى بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ تَقُولُ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ جَدَّ تِلْكَ الْمُتَوَفَّاةِ أَخُو جَدِّ الْجَمَاعَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى الْبَتِّ وَالْعِيَانِ تُبَيِّنُ وَجْهَ الْعُصُوبَةِ وَتَجْمَعُ الْأَجْدَادَ فِي جَدٍّ وَاحِدٍ بِاسْمِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُكْتَفَى بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ قَائِلَةٍ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ جَدَّ الْمُتَوَفَّاةِ أَخُو جَدِّ الْجَمَاعَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ النَّصّ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَتْ لَهُ دَابَّةٌ وَوَجَدَهَا بَعْدَ سَنَةٍ بِيَدِ رَجُلٍ وَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ دَابَّتِهِ وَأَجَابَ الْحَائِزُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ مِمَّنْ وَلَدَتْهَا دَابَّتُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَأُحْضِرَ الْبَائِعُ فَقَالَ بِعْت لِهَذَا دَابَّةً مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ وَلَكِنْ لَا أَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ الْحَائِزِ لِعَدَمِ قَطْعِ بَائِعِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِسَبْقِ التَّارِيخِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: بَلْ يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ الْحَائِزِ وَيُلْتَفَتُ لِسَبْقِ تَارِيخِهَا مُرَجِّحًا لَهَا عَلَى بَيِّنَةِ الْقَائِمِ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ قَطْعِ بَائِعِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مَعْذُورٌ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَعُرُوضِ التَّغَيُّرِ لِلْحَيَوَانِ كَمَا لَا يَنْفَعُهُ قَطْعُهُ مُجَرَّدًا عَنْ الْبَيِّنَةِ فَالْعِبْرَةُ بِهَا وَقَدْ وُجِدَتْ مُنْفَرِدَةً بِالتَّارِيخِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ صَدْرِ السُّؤَالِ أَوْ سَابِقَتِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عَجْزِهِ وَكِلَاهُمَا مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دَارًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَكَتَبَ بِهَا وَثِيقَةً وَحَازَهَا مُدَّةً زَائِدًا عَلَى مُدَّةِ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ ثُمَّ مَاتَ الْبَائِعُ وَقَامَ أَوْلَادُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَنْكَرُوا الْبَيْعَ فَأَظْهَرَ الْمُشْتَرِي

الإنكار المكذب للبينة في الأصول والحدود

الْوَثِيقَةَ فَوَجَدَ فِيهَا تَسْمِيَةَ الْبَائِعِ بِاسْمٍ غَيْرِ وَالِدِهِمْ فَسُئِلَ كَاتِبُهَا فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ غَلَطٌ فَسَمَّى الْبَائِعَ بِاسْمِ أَحَدِ الشُّهُودِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِ الْبَائِعِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ شُهُودِ الْوَثِيقَةِ إلَّا كَاتِبَهَا وَالشَّاهِدَ الَّذِي سَمَّاهُ الْكَاتِبُ بِاسْمِ الْبَائِعِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ حِيَازَةُ الْمُشْتَرِي الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَأَبُو الْأَوْلَادِ حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ لَمْ تُسْمَعُ دَعْوَى أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ وَثِيقَةٌ وَلَا بَيِّنَةٌ شَاهِدَةٌ لِلْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْإِنْكَارُ الْمُكَذِّبُ لِلْبَيِّنَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْحُدُودِ] (تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَكَالَةِ وَفِي الْقَضَاءِ الْإِنْكَارُ الْمُكَذِّبُ لِلْبَيِّنَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْحُدُودِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فَإِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ أَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَهُ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ مِنْهُ قَذْفٌ أَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِوَجْهٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ فِي الْقَذْفِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ الدَّارَ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي هَذَيْنِ اهـ عَدَوِيٌّ وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ ابْتِدَاءً يُسْقِطُهَا انْتِهَاءً إلَّا فِي الْحُدُودِ أَنْكَرَ قَذْفَهُ فَأَثْبَتَهُ فَأَثْبَتَ الْعَفْوَ وَالْأُصُولَ مِنْ الْعَقَارِ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لَهُ مِلْكٌ عَلَى دَارِهِ فَأَثْبَتَهُ فَأَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِنْهُ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَفَعَ عَشْرَةَ رَقِيقٍ لِمَنْ يَبِيعُهَا ثُمَّ اتَّهَمَهُ وَأَثْبَتَ خِيَانَتَهُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِرْشًا مِنْ ثَمَنِ رَقِيقٍ وَاحِدٍ وَأَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِمِثْلِهَا مِنْ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُمَّ أَبْرَأَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهَا مِنْ خُصُوصِ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيهَا إنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ فِي غَيْرِهَا يُتْبِعُهُ بِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ مُطْلَقَةٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ فَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ فِي غَيْرِهَا يُتْبِعُهُ بِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ يَجْبُرُهُ الْحَاكِمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ مَا لَمْ تَعْلَمْهُ الْأُخْرَى وَمَنْ عَلِمَ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ ثَبَتَتْ فِي غَيْرِهَا وَأَتْبَعَهُ بِهِ وَامْتَنَعَ يَجْبُرُهُ الْحَاكِمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُدَّعٍ أَنَّهُ عَاصِبٌ لِمَيِّتٍ عَنْ ابْنِ خَالَةٍ وَابْنِ عَمَّةٍ شَهِدَ لَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَصْلًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ إذَا قَامَ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ فُلَانًا وَارِثُ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الشَّاهِدُ هُنَا لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ بِالْإِرْثِ فَرْعُ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ انْتَهَى. نَقَلَهُ عَبْدُ الْبَاقِي وَالْعَدَوِيُّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَرْأَةٍ لَهَا بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا إيصَالُهَا إلَى مَحِلِّ الْحُكْمِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَنْقُلَ بَيِّنَةً أُخْرَى عَنْ الْبَيِّنَةِ الْأَصْلِيَّةِ إلَى مَحِلِّ الْوَاقِعَةِ وَيُقْضَى بِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَجُوزُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ إلَى مَحِلِّ الْحُكْمِ وَيُعْمَلُ بِهِ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ زَائِدًا عَلَى سَفَرِ يَوْمٍ وَأَنْ يُنْقَلَ عَنْ كُلِّ

القاضي هل له تحليف البينة إن اتهمها

وَاحِدٍ اثْنَانِ وَأَنْ يَقُولَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ لِلنَّاقِلِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَوْ يَسْمَعُهُ يُؤَدِّيهَا لَدَى حَاكِمٍ وَأَنْ لَا يَطْرَأَ لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ فِسْقٌ وَلَا عَدَاوَةٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَأَنْ لَا يُكَذِّبَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ النَّاقِلَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ فَاتَّهَمَهَا بِالتَّزْوِيرِ وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ قَالَ الْخَرَشِيُّ لَوْ قَالَ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت بِزُورٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعَزِّرُهُ اهـ. [الْقَاضِي هَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْبَيِّنَةِ إنْ اتَّهَمَهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْقَاضِي هَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْبَيِّنَةِ إنْ اتَّهَمَهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إنْ اتَّهَمَهُ نَقَلَهُ الْخَرَشِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ وَلِلْقَاضِي إذَا اتَّهَمَ الشَّاهِدَ تَحْلِيفُهُ وَإِنْ بِطَلَاقٍ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ وَتَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِحَسَبِ مَا يُحْدِثُونَ مِنْ الْفُجُورِ فَيَخْرُجُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ وَنَخْلٍ فَادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لِأَبِيهَا وَحَازَتْهُ الْأُخْتُ نَحْوَ سَبْعِ سِنِينَ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ أَنْ الَّذِي جَدَّدَهُ أَبُو الْبِنْتِ فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِهَا وَيَقْضِي بِهِ لِلْأُخْتِ الْحَائِزَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ حَائِزٍ وَلَكِنْ يَقْضِي لِلْبِنْتِ بِثُلُثِ النَّخْلِ وَنِصْفِ سُدُسِهِ وَذَلِكَ عَشْرَةُ قَرَارِيطَ وَلِلْأُخْتِ بِالْبَاقِي لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ لِلْبِنْتِ الثُّلُثَ وَنَازَعَتْهَا فِي السُّدُسِ وَالْبِنْتُ سَلَّمَتْ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَنَازَعَتْهَا فِي السُّدُسِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [صِفَة الْعَدْلِ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صِفَةِ الْعَدْلِ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي زَمَنِنَا هَذَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صِفَتُهُ عَدَمُ الِاشْتِهَارِ بِالْكَذِبِ مَعَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْكَذِبِ قِيلَ وَيُجْبَرُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أُمِّيٍّ تَاجِرٍ لَهُ دَفْتَرٌ يَكْتُبُ فِيهِ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ مَاتَ فَهَلْ يُعْمَلُ بِمَا فِي الدَّفْتَرِ فِيهِمَا أَوْ فِيمَا لَهُ فَقَطْ وَإِذَا وُجِدَ فِيهِ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أَنْكَرَهُ أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ بِوَثِيقَةٍ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ الَّتِي فِي الدَّفْتَرِ خَطٌّ غَيْرُ الْمَيِّتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ السَّائِلِ أُمِّيٍّ إذْ هُوَ الَّذِي لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا لَا فِيمَا لَهُ وَلَا فِيمَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ خَطَّهُ وَعَرَفَهُ عَدْلَانِ مَعْرِفَةً تَامَّةً عَمِلَ بِهِ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ إذْ كِتَابَتُهُ مَا عَلَيْهِ إقْرَارٌ بِهِ وَالْمُكَلَّفُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَكِتَابَتِهِ مَا لَهُ دَعْوَى وَالْمُدَّعِي لَا يَقْضِي لَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَمَنْ وُجِدَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الدَّفْتَرِ فَإِنْ ادَّعَى قَضَاءَهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ إذْ دَعْوَاهُ الْقَضَاءَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ بَرِئَ وَإِلَّا أُغْرِمَ الدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينَ، وَالْوَثِيقَةُ الْمَكْتُوبَةُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ كَانَتْ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ عُمِلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا كَانَ

الشهادة على عين الحلي بالتلف

فِيهَا خَطُّ عَدْلَيْنِ غَائِبَيْنِ يَشُقُّ حُضُورُهُمَا أَوْ مَيِّتَيْنِ وَعَرَفَ عَدْلَانِ خَطَّهُمَا مَعْرِفَةً تَامَّةً وَإِنَّ كَاتِبَيْ الْخَطِّ عَدْلَانِ مِنْ تَحَمُّلِهِمَا لِمَوْتِهِمَا فَيُعْمَلُ بِهَا أَوْ خَطُّ عَدْلٍ كَذَلِكَ فَيُعْمَلُ بِهَا مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَيَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْقِسْمَيْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ عَدْلَانِ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ مُطْلَقًا كَشَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ وَشَقَّ حُضُورُهُ فِي الْأَمْوَالِ إنْ تَيَقَّنَتْ أَنَّهُ خَطُّهُ وَلَوْ لَمْ تُدْرِكْهُ وَأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ تَحَمُّلِهِ لِمَوْتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُبَرَّزٍ فِي الْعَدَالَةِ شَهِدَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا مِلْكٌ لِفُلَانٍ وَالْحَيَوَانُ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الشَّهَادَةِ فَأُحْضِرَ الْحَيَوَانُ فَوُجِدَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ بِهَا الشَّاهِدُ فَقَالَ الشَّاهِدُ نَسِيت وَشَهِدَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لِفُلَانٍ الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَوَّلًا فَهَلْ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَتُهُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِتَبَيُّنِ الْخَطَأِ فِيهَا وَلَا يُلْتَفَتُ لِاعْتِذَارِ الشَّاهِدِ بِالنِّسْيَانِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَشَهَادَتُهُ الثَّانِيَةُ لِاتِّهَامِهِ فِيهَا وَظُهُورِ عَدَمِ ضَبْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يُقْبَلُ التَّذَكُّرُ بَعْدَ النِّسْيَانِ مِنْ الْمُبَرَّزِ بَلْ مَعْنَاهُ مَا صَوَّرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ بِقَوْلِهِ الثَّامِنَةُ يَعْنِي مِنْ الْعَشْرِ مَسَائِلَ الَّتِي يَشْتَرِطُ فِيهَا التَّبْرِيزَ إذَا سُئِلَ عَنْ شَهَادَةٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهَا ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَجْهَ الَّذِي امْتَنَعَ بِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِهِ اهـ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرِيضِ أَوْ الصَّحِيحِ بَعْدَ قَوْلِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا لَا أَدْرِي أَوْ لَا أَعْلَمُهَا إذَا كَانَ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ فَذَكَرَ وَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَرِيضِ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ اهـ هَذَا مَعَ أَنَّ الْعَدَالَةَ مَفْقُودَةٌ فَكَيْفَ التَّبْرِيزُ فِيهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمُسْتَفْتَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِ الْحُلِيِّ بِالتَّلَفِ] (الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) سَادَتَنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فِي الْحُلِيِّ الْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ الْمَطْبُوعِ عَلَيْهِ بِطَابَعٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ هَلْ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا لَنَا الْجَوَابَ مَتَّعَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِطُولِ حَيَّاتِكُمْ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ. نَحْمَدُك اللَّهُمَّ وَنَسْأَلُك هِدَايَةً إلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى مَوْلَانَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ مَنْ أُوتِيَ فَصْلَ الْخِطَابِ: يَجُوزُ لِمَنْ عَرَفَ عَيْنَ مَسْكُوكٍ أَوْ حُلِيٍّ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا لِمُدَّعِيهَا أَوْ عَلَيْهَا بِتَلَفٍ إنْ كَانَتْ رَهْنًا مِثْلًا وَشَهَادَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِهِ فِي مَعْرِفَةِ عَيْنِ الْمَسْكُوكِ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ إمَّا مُلَازَمَتُهُ لِقَابِضِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ الشَّهَادَةِ وَإِمَّا لِطَبْعٍ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ عَادَةً وَإِعَادَتُهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِعَلَامَةٍ فِي ذَاتِ الْمَسْكُوكِ لَا يَلْتَبِسُ مَعَهَا بِغَيْرِهِ وَالْحُلِيُّ تُعْرَفُ عَيْنُهُ غَالِبًا فَإِنْ فُرِضَ اشْتِبَاهُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِهِ فِي مَعْرِفَتِهِ لِأَحَدٍ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِ الْحُلِيِّ بِالتَّلَفِ فَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ عُمَدِ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَتُحْفَةِ ابْنِ عَاصِمٍ حَيْثُ جَعَلُوهُ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ الَّذِي يَنْتَفِي ضَمَانُهُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى كَحَرْقِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنُهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِ الْمَسْكُوكِ بِالتَّلَفِ إنْ كَانَتْ رَهْنًا مِثْلًا فَيُعْلَمُ جَوَازُهَا مِنْ نَفْسِ عِبَارَةِ خَلِيلٍ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ رَهْنِهِ بِقَوْلِهِ وَالْمِثْلِيُّ وَلَوْ عَيْنًا إلَخْ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَهُوَ

دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَة بِكَحِرْفَةٍ فَيُعْلَمُ مِنْهُ صَرَاحَةً جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ بِالتَّلَفِ إنْ كَانَتْ رَهْنًا. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِعَيْنِ الْمَسْكُوكِ أَوْ الْحُلِيِّ فَيُعْلَمُ جَوَازُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ أَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالنُّقُولِ السَّابِقَةِ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِ الْمَسْكُوكِ وَالْحُلِيِّ بِالتَّلَفِ ثَبَتَ جَوَازُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا بِعَيْنِ الْمَسْكُوكِ وَالْحُلِيِّ لِمُدَّعٍ إذْ لَا فَرْقَ بَلْ الثَّانِي أَوْلَى لِحُضُورِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فِي الْحُلِيِّ فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الْحَطَّابُ عَنْ بَعْضِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَأَنَّهُ كَسَائِرِ الْمُقَوَّمَاتِ يُرْهَنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا طَبْعٍ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمِثْلِيِّ إلَخْ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَظَاهِرُ أَنَّ مَا يُعْرَفُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَفِي الْمَسْكُوكِ فَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ الْخَرَشِيُّ بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ بِعَيْنِهِ حَيْثُ عَرَفَتْهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ طُبِعَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَوْ مَسْكُوكًا وَمِثْلُهُ لِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَاقِي وَصَوَّرَ الْعُمْدَةُ الْعَدَوِيُّ مَعْرِفَةَ عَيْنِ الْمَسْكُوكِ بِمُلَازَمَةِ الْبَيِّنَةِ قَابِضَهُ مِنْ حِينِهِ إلَى وَقْتِ التَّفْلِيسِ وَجَمِيعُ مَا تَمَسَّكْنَا بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَقَرَّهُ النُّقَّادُ كَالْعَلَّامَةِ الرَّمَاصِيِّ وَالْفَاضِلِ الْعَدَوِيِّ وَالْأُسْتَاذِ الْبُنَانِيِّ وَخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرِ قَالَ فِي مَجْمُوعِهِ وَشَرْحِهِ: وَلِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ الْمَدْفُوعِ قَبْلَ الْفَلَسِ إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْمَيِّتُ وَلَمْ تَفْدِهِ الْغُرَمَاءُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَوْ مَسْكُوكًا لِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ اهـ وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ ضَوْءِ الشُّمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ عَلَى عَيْنِهِ كَأَنْ طُبِعَ عَلَيْهِ أَوْ لَازَمَتْهُ الشُّهُودُ أَوْ لِعَلَامَةٍ لَا تَلْتَبِسُ انْتَهَى فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَدَارَ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا عَلَى ضَبْطِ الشَّاهِدِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَوْ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ وَالْحُلِيِّ فَلَا فَرْقَ بَلْ إنْ ضُبِطَ جَازَتْ وَعُمِلَ بِهَا فِي الْكُلِّ وَإِلَّا فَلَاغِيَةٌ نَعَمْ لِلْحَاكِمِ خَلْطُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَيُكَلِّفُ الشَّاهِدَ بِإِخْرَاجِهِ إنْ نُوزِعَ فِي مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ قَالَ الْعَلَمُ الشَّهِيرُ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَجْمُوعِهِ وَشَرْحِهِ وَعَلَى الشُّهُودِ إخْرَاجُ مَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ عَلَيْهِ كَمَرْأَةٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ مِنْ جِنْسِهِ إنْ نُوزِعُوا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجُوهُ فَقِيلَ بِتَضْمِينِهِمْ كَرُجُوعِهِمْ عَنْ الشَّهَادَةِ وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِ الزَّرْقَانِيُّ بِعَدَمِهِ لِعُذْرِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى. وَلَا فَرْقَ فِي الْحُلِيِّ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ طَبْعُ أَمِيرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ أَوْ مَا لَا طَبْعَ فِيهِ هَذَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَسْكُوكَ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهَا مُطْلَقًا وَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْحُلِيِّ فَمِنْكُمْ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ وَمِنْكُمْ مَنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابٌ مِنْ السَّمَاءِ بِهَذَا حَتَّى تَرَكْتُمْ نُصُوصَ الْأَئِمَّةِ أَمْ لَمْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهَا أَمْ وَقَفْتُمْ مَعَ ظَاهِرِ عِبَارَةٍ لَمْ تَعْلَمُوا تَأْوِيلَهَا الْأَوَّلُ مُحَالٌ لِغَلْقِ بَابِ الْوَحْيِ فَدَارَ أَمْرُكُمْ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَمَنْ كَانَ بِإِحْدَى الْحَالَتَيْنِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فَقَدْ رَأَيْت فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ لَا يَحِلُّ لِشَخْصٍ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَعْرِفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَهْلِيَّةَ الْفُتْيَا وَيَعْرِفَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ خَطَأٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَفِيهِ فَتْحُ بَابِ إضَاعَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى هُدَايَ وَإِيَّاكُمْ وَإِنِّي لَقَاصِرٌ مُقَصِّرٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ بَطَالَةِ مَوْلِدِ السَّيِّدِ الْبَدَوِيِّ وِسَادَتُنَا الْعُلَمَاءُ غَائِبُونَ فَتَشَبَّهْت بِهِمْ وَقَصَدْت التَّدَرُّبَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ انْتَهَى وَتَمَّ، قَوْلُهُ لِمُدَّعِيهَا شَامِلٌ لِمُسْتَحِقِّهَا الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِهِ قَبْلَهُ فَإِذَا كَانَ حُلِيٌّ أَوْ مَسْكُوكٌ بِيَدِ زَيْدٍ مُتَمَلِّكًا لَهُ فَادَّعَى عَمْرُو أَنَّهُ مِلْكُهُ قَبْلَ وَضْعِ زَيْدٍ يَدَهُ عَلَيْهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً

مسائل الحيازة

تَشْهَدُ بِأَنَّ الْحُلِيَّ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْمَسْكُوكَ الْمُعَيَّنَ مِلْكٌ لِعَمْرٍو لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ وَلَا خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الْآنَ وَأَعْذَرَ الْحَاكِمُ لِزَيْدٍ فِي الْبَيِّنَةِ فَعَجَزَ وَحَلَفَ عَمْرٌو عَلَى طِبْقِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا فِي الْحَلِفِ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْحُلِيِّ أَوْ الْمَسْكُوكِ لِعَمْرٍو إذْ شُرُوطُ الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودَةٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِ الْمُسْتَحَقِّ إنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ وَإِلَّا فَحِيَازَتُهُ. الثَّانِي: الْإِعْذَارُ فِي ذَلِكَ لِلْحَائِزِ. الثَّالِثُ: يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ شُرُوطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَسْكُوكًا وَلَا حُلِيًّا بَلْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ الْخَرَشِيُّ وَالْأُسْتَاذُ عَبْدُ الْبَاقِي بِأَنَّ الْحُلِيَّ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَنَصَّ الثَّانِي وَرَجَعَ فِي بَيْعِ عَرْضٍ بِعَرْضٍ مُقَوَّمٍ أَوْ مِثْلِيٍّ مُعَيَّنٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا بِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ عَرْضُهُ الَّذِي بَذَلَهُ إنْ وَجَدَهُ لَا فِيمَا أُخِذَ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ عَرْضُ غَيْرِهِ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ وَكَانَ مُقَوَّمًا وَإِلَّا فَبِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَأَرَادَ بِالْعَرْضِ مَا قَابَلَ النَّقْدَ الَّذِي لَا يَقْضِي فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَالنَّقْدُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بِالْقِيمَةِ كَالْحُلِيِّ مِنْ جُمْلَةِ الْعَرْضِ هُنَا انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمَا النُّقَّادُ كَالْعَلَّامَةِ الرَّمَاصِيِّ وَالْإِمَامِ الْعَدَوِيِّ وَالْأُسْتَاذِ الْبُنَانِيِّ وَخَاتِمَتِهِمْ الْأَمِيرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَأَنْتَ تَرَاهُ عَمَّمَ فِي الْعَرْضِ وَجَعَلَهُ شَامِلًا لِلْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَأَدْخَلَ فِيهِ الْحُلِيَّ وَقَالَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحِلَّ يَسْتَحِقُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ اسْتِحْقَاقٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مُعَيِّنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ثُمَّ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ غَيِّهِ بِهَذَا الْبَيَانِ فَهُوَ مُعَانِدٌ فَاجِرٌ شَيْطَانٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَمَنْ جَحْدِ الْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ، اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ فَنَتْبَعَهُ وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا فَنَجْتَنِبَهُ وَنَسْأَلُك بِجَاهِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَمُنَّ عَلَيْنَا بِحُسْنِ الْخِتَامِ. [مَسَائِلُ الْحِيَازَةِ] [ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ لِأُمِّ أَبِي أَبِيهِ ثُلُثَ الْعَقَارِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي النَّاحِيَةِ سَاكِتٌ وَوَالِدُهُ وَجَدُّهُ كَذَلِكَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْحِيَازَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَرِثَ عَقَارًا عَنْ وَالِدِهِ وَوَالِدُهُ عَنْ وَالِدِهِ أَيْضًا وَتَصَرَّفَ كُلٌّ فِيهِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَةٍ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ لِأُمِّ أَبِي أَبِيهِ ثُلُثَ الْعَقَارِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي النَّاحِيَةِ سَاكِتٌ وَوَالِدُهُ وَجَدُّهُ كَذَلِكَ فَأَجَابَ الْحَائِزُ بِأَنَّ جَدَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهَا بِوَثِيقَةٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ غَيْرَ أَنَّ الْوَثِيقَةَ ضَاعَتْ وَالْبَيِّنَةَ هَلَكَتْ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْقَائِمِ حَيْثُ حَضَرَ هُوَ وَأُصُولُهُ وَسَكَتُوا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْقِيَامِ وَيَبْقَى الْعَقَارُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ضَيَاعُ الْوَثِيقَةِ وَمَوْتُ الْبَيِّنَةِ فَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي دَارٍ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّهُ بَاعَهُ مَالِكٌ وَأَقَامَ مَنْ بِيَدِهِ الدَّارُ بَيِّنَةً أَنَّهُ يَمْلِكُهَا قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَبَقِيَتْ الدَّارُ بِيَدِ حَائِزِهَا كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ لَقَضَى بِهَا لِحَائِزِهَا عِنْدَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِلْحَائِزِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنْ تَكُونَ طَالَتْ حِيَازَةُ الْحَائِزِ بِحَالِ مَا وَصَفْنَا فِي الْحِيَازَةِ وَالْمُدَّعِي حَاضِرٌ فَهُوَ قَطْعٌ لَدَعْوَاهُ انْتَهَى، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ إلَخْ، وَفِيهَا أَيْضًا سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ قِيمَ عَلَيْهِ فِي مِلْكٍ بِيَدِهِ وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ

أَنَّهُ مَلَكَهُ وَاسْتَظْهَرَ بِرَسْمٍ يَتَضَمَّنُ أَنَّ أَبَا الْمَقُومِ عَلَيْهِ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ قَوْمٍ آخَرِينَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ الْمِلْكِ بَيْنَهُمْ شَرِكَةً عَلَى أَجْزَاءٍ بَيَّنُوهَا وَتَقَارَرُوا عَلَيْهَا وَجَعَلُوهُ عَلَى نُسَخٍ تَحْصِينًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْوَرَثَةِ، وَالْقَائِمُ أَحَدُ وَرَثَةِ الْمُشْهَدِينَ وَأَثْبَتَ الرَّسْمَ بِشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ حَتَّى بَلَغَ إلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ أَوْ لَا حَتَّى يَزِيدَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْأَصْلُ بَعْدَ طَبَقَةٍ رَابِعَةٍ لِكَوْنِ الرَّسْمِ لَهُ نَحْوُ سِتِّينَ سَنَةً مَعْرِفَةَ الْمِلْكِ وَلَا يَعْرِفُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ أَوْ لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا شَهِدُوا شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ وَإِذَا لَمْ يَكْفُوا هَذَا فَهَلْ يُكَلَّفُ الْقَائِمُ شَهَادَةً بِهَذَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِ الشُّهُودُ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْأَصْلُ عَلَى الشَّهَادَةِ مِلْكًا وَلَا غَيْرَهُ إذْ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى إشْهَادِ غَيْرِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَقًّا كَانَ أَوْ بَاطِلًا وَلَا يُكَلَّفُ الْقَائِمُ ذَلِكَ أَيْضًا إذْ لَا تَصِحُّ فِيهِ الزِّيَادَةُ غَيْرَتَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمِلْكِ وَالْوَاجِبُ إنْ كَانَ الْقَائِمُ غَائِبًا طَرَأَ وَقَامَ بِالْعَقْدِ أَنْ يُوقَفَ الْمَقُومُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَنْكَرَهُ وَعَجَزَ عَنْ إبْطَالِهِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ وَقَالَ إنَّ تِلْكَ الْحِصَّةَ اشْتَرَاهَا وَالِدُهُ وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَلَوْ بِالسَّمَاعِ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِمَا تَضْمَنَّهُ الْعَقْدُ لِلْقَائِمِ بِهِ انْتَهَى. وَمَفْهُومٌ إنْ كَانَ الْقَائِمُ غَائِبًا طَرَأَ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا سَاكِتًا بِلَا مَانِعٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ وَلَا تُفِيدُ دَعْوَى وَلَا وَثَائِقُ بَعْدَ الْحَوْزِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ شَرِيكِ عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ كَالْمَالِكِ مُدَّعِيًا الْمِلْكِيَّةَ وَفِي لُزُومِ بَيَانِ سَبَبِهَا وَالْحَلِفِ خِلَافٌ وَالْآخَرُ سَاكِتٌ بِلَا عُذْرٍ كَخَوْفٍ وَبُعْدِ غَيْبَةٍ وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْعُذْرِ مَعَ الْقُرْبِ خِلَافٌ وَالْحَاضِرُ مَحْمُولٌ عَلَى عِلْمِ التَّصَرُّفِ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَلَكَ مَنْزِلًا وَوَرِثَهُ عَنْهُ وَلَدُهُ وَوَرِثَهُ عَنْهُ وَلَدُهُ أَيْضًا وَوَرِثَهُ عَنْهُ وَلَدُهُ أَيْضًا وَمُدَّةُ حِيَازَتِهِمْ تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٍ وَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَادَّعَى الْآنَ رَجُلٌ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَهُ بِالْإِرْثِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِي أَبِيهِ وَأَنَّهَا أُخْتُ جَدِّ جَدِّ الْحَائِزِ وَالْحَالُ أَنَّهُ حَاضِرٌ فِي النَّاحِيَةِ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ وَكَذَلِكَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَأَجَابَ الْحَائِزُ بِأَنَّ الْمَنْزِلَ بَنَاهُ أَبُو جَدِّهِ وَلَيْسَ لِأَبِي أَبِي جَدِّهِ فِيهِ شَيْءٌ فَمَنْ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْهُمَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى وَلِيِّ نِعْمَتِنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ أَقَرَّ الْقَائِمُ بِالْحِيَازَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا بَيِّنَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَبْقَى الْمَنْزِلُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَا تُفِيدُ الْقَائِمَ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَإِلَّا فَعَلَى الْحَائِزِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْحِيَازَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ أَقَامَهَا وَسَلَّمَهَا الْقَائِمُ أَوْ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ عَقْدٌ يَعْرِفُ شُهُودُهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَهُ يَعْتَمِرُ الْمِلْكَ الْمَحْدُودَ بِكَذَا وَيَسْتَغِلُّهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مُنْذُ أَزْيَدَ مِنْ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ تَقَدَّمَتْ التَّارِيخَ حَتَّى الْآنَ وَفُلَانٌ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْآنَ فِيهِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ حَاضِرٌ بِذَلِكَ سَاكِتٌ لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَرِضُهُ وَلَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ بِطُولِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ تَارِكًا لِلْقِيَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَعْلَمُونَهُ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ اتَّصَلَ بِهِمْ أَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ فِيهِ مُنْذُ كَذَا يَتَحَقَّقُونَ ذَلِكَ وَلَا يَشُكُّونَ فِيهِ وَيَحُوزُونَ الْمَوْضِعَ مَتَى دُعُوا إلَى ذَلِكَ وَقَيَّدُوا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ فِي كَذَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حَازَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (بَيَانٌ) إذَا ثَبَتَ هَذَا الْعَقْدُ فِي الِاعْتِمَارِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَائِمِ فِيهِ مَدْفَعٌ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ عَقْدِ الْمِلْكِ وَيَبْقَى

الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَيْحكُمْ لَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ فِيهِ بَيْعًا وَلَا غَيْرَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِلْقَائِمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ حَقًّا وَلَا يُكَلَّفُ بِأَنْ يُقَالَ بِأَيِّ شَيْءٍ صَارَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ لَهُ وَإِنْ قَالَ إنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ كُلِّفَ إثْبَاتَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَعَلَى الْقَائِمِ الْيَمِينُ وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْمُشَاوِرُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ ثَمَنًا عَنْهُ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ إنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الثَّمَنِ يُشْبِهُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْهُ إلَّا إلَى الْأَمَدِ الَّذِي لَا يَبْتَاعُ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِنَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ وَمِلْكًا وَعَاشَتْ الْبِنْتَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى أَنْ تَزَوَّجَتَا وَوَلَدَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتَا وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا أَوْ أَزْوَاجًا فَعَاشَ الْأَزْوَاجُ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَمْ يُعْرَفُ لَهُمَا طَلَبٌ فِي الْمِلْكِ الَّذِي تَرَكَهُ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ فَقَامَ الْآنَ أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ يَطْلُبُونَ نَصِيبَ أُمِّهِمْ فِي الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ وَعَاشَ أَخُو الْبِنْتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا مُدَّةً مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ بِعِلْمِ الْأَزْوَاجِ وَبَنِي الْأُخْتَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ فَقَالَ إذَا كَانَ الِابْنُ قَدْ حَازَ الْمِلْكَ الْمُدَّةَ الَّتِي ذُكِرَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ، وَبَنُو الْأُخْتَيْنِ وَأَزْوَاجُهُمَا حُضُورٌ لَا يُغَيِّرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ وَلَا يَعْتَرِضُونَ وَادَّعَى أَنَّهُ صَارَ لَهُ بِمُقَاسَمَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ انْفَرَدَ بِهِ دُونَهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ أَقَامَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمِلْكُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي أَنَّ أَبَاهُ ابْتَاعَ الْمِلْكَ مِنْ الْقَائِمِ أَوْ مِمَّنْ يَدَّعِي الْقَائِمُ أَنَّهَا صَارَتْ إلَيْهِ بِشُبْهَةٍ نَفَعَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِلِابْتِيَاعِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ كَالسِّتِّينَ سَنَةٍ وَجَوَّزَ ابْنُ الْعَطَّارِ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْعِشْرِينَ سَنَةٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَسْمَعُوا مِمَّنْ كَانَ الِابْتِيَاعُ أَوْ كَانَ فِي مُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَلَقَّى عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ أَرْضًا بِنَخِيلِهَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَصَارَ يَنْتَفِعُ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً نَحْوَ السِّتِّينَ سَنَةٍ فَالْآنَ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ بِأَنَّهَا مِلْكُ عَمِّهِ مُورِثِهِ وَيُرِيدُ أَخْذَهَا مِنْ يَدِهِ فَأَنْكَرَ دَعْوَاهُ فَهَلْ إذَا كَانَ مُورِثُ الْمُدَّعِي حَاضِرًا مَوْجُودًا مُشَاهِدًا لِتَصَرُّفِ مُورِثِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ سَنَةٍ وَلَمْ يُنَازِعْ وَلَمْ يَدْعُ لَا هُوَ وَلَا وَارِثُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَارِثِهِ بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهَا لِوَاضِعِ الْيَدِ عَلَيْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْحَقُّ فِيهَا لِوَاضِعِ الْيَدِ وَلَا تُفِيدُ الْقَائِمَ دَعْوَاهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ وَلَا تُفِيدُ دَعْوَى وَلَا وَثَائِقُ بَعْدَ الْحَوْزِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ شَرِيكِ عَشْرِ سِنِينَ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ كَالْمَالِكِ مُدَّعِيًا الْمِلْكِيَّةَ وَالْآخَرُ سَاكِتٌ بِلَا عُذْرٍ اهـ وَتُلَفَّقُ مُدَّةُ الْعَشْرِ مِنْ حِيَازَةِ الْوَارِثِ وَمُورِثِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْمُورِثُ حَازَهَا خَمْسَ سِنِينَ وَالْوَارِثُ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الزَّائِدَةِ عَنْ هَذِهِ وَالْقَصِيرِ عَنْهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ إلَخْ وَكَذَا السَّنَةُ انْتَهَى شَبْرَاخِيتِيٌّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَصَبَةٍ مِنْ جَرِينٍ شِرَاءً صَحِيحًا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَانْتَفَعَ بِهَا وَأَخَذَ مِنْهَا طِينًا ضَرَبَهُ طُوبًا فِي حَيَاةِ الْبَائِعِ وَعَلِمَهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى خَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةٍ

دعوى الملكية المشترطة في الحيازة هل لا بد أن تصدر في مدة الحيازة

ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَقَامَتْ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى خَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةٍ أَيْضًا وَمَاتَ الْبَائِعُ فَنَازَعَتْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ وَرَثَةَ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَطَلَبَتْ مِنْهَا وَثِيقَةَ الشِّرَاءِ فَادَّعَتْ ضَيَاعَهَا وَتَرَافَعُوا لِلْقَاضِي وَأَقَامَتْ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِشِرَاءِ مُوَرِّثِهِمْ شِرَاءً صَحِيحًا وَعَجَزَتْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ عَنْ التَّجْرِيحِ فِيهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهَا لِوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي فَهَلْ إذَا أَرَادَتْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ لَا تُسْمَعُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ يُنْظَرُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِحَسَبِ الشَّأْنِ وَإِنْ بُوِّرَتْ لِغَرَضِ الدَّرْسِ وَالتَّذْرِيَةِ فِيهَا فَبَيْعُهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِأَنَّ أَرْضَ مِصْرَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَنَاعِرُهَا السُّلْطَانُ فَلَا مِلْكَ فِيهَا لِأَحَدٍ حَتَّى تُبَاعَ نَعَمْ يَصِحُّ فِيهَا إسْقَاطُ الْحَقِّ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَأَصْلَحَهَا وَغَرِمَ عَلَيْهِ أَمْوَالًا وَحَيْثُ ثَبَتَتْ حِيَازَةُ الْمُسْقَطِ لَهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَصَرُّفِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَا مَانِعَ لِلْمُسْقِطِ مِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَرَثَةِ الْمُسْقِطِ بِالْكَسْرِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى الْإِسْقَاطِ بَيِّنَةٌ وَلَا وُجِدَتْ بِهِ وَثِيقَةٌ كَيْفَ وَقَدْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ وَرَثَةِ الْمُسْقِطِ بِالْكَسْرِ بِعَدَمِ الْإِسْقَاطِ لِمَوَانِعَ: الْأَوَّلُ: الْحِيَازَةُ الْمَذْكُورَةُ. الثَّانِي: مُعَارَضَةُ الْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ. الثَّالِثُ: تَقَدُّمُ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِنَفْيِ الْإِسْقَاطِ مَحْضُ زُورٍ إذْ لَا يُمْكِنُ مُلَازَمَتُهَا لِلْمُسْقِطِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِسْقَاطُ. وَبِالْجُمْلَةِ الْحَقُّ فِيهَا لِوَرَثَةِ الْمَسْقَطِ لَهُ الَّذِي عَبَّرْت عَنْهُ أَيُّهَا السَّائِلُ بِالْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ وَلَا تُفِيدُ دَعْوَى وَلَا وَثَائِقُ بَعْدَ الْحَوْزِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ شَرِيكِ عَشْرِ سِنِينَ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ كَالْمَالِكِ مُدَّعِيًا الْمِلْكِيَّةَ وَالْآخَرُ سَاكِتٌ بِلَا عُذْرٍ اهـ. فَإِنْ قُلْت: نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تُفِيدُ فِي الْوَقْفِ وَعِبَارَةُ الْعَدَوِيِّ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحُبْسُ لَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ بَلْ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الطُّرُقُ وَالْمَسَاجِدُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا بَلْ تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ اهـ. قُلْت الْحِيَازَةُ هُنَا لَمْ نَعْتَبِرْهَا فِي ذَاتِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بِحَيْثُ نَحْكُمُ بِمِلْكِهَا لِلْحَائِزِ حَتَّى يُنَافِيَ مَا ذُكِرَ بَلْ فِي إصْلَاحِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْإِسْقَاطُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُعَارَضَةُ نَظِيرُ خُلُوِّ الْوَقْفِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُصْلِحُ بِإِذْنِ نَاظِرِهِ فَيَمْلِكُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مَوَاتًا أُحْيِيَتْ أَوْ مِنْ أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا فَالشِّرَاءُ فِيهَا صَحِيحٌ وَالْحَقُّ فِيهَا لِوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحِيَازَةِ هَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَصْدُرَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحِيَازَةِ هَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَصْدُرَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ كَمَا قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى الزَّرْقَانِيِّ وَيَسْكُتُ الْمُحَازُ عَنْهُ أَوْ يَكْفِي حِينَ الْمُنَازَعَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الزَّرْقَانِيِّ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ الْمُشْرَطَةِ فِي الْحِيَازَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَصْدُرَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ وَلَوْ مَرَّةً وَلَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَكْفِي حِينَ الْمُنَازَعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ حَائِزَيْنِ قِطْعَةَ أَرْضٍ مِنْ أَرْضِ مَزَارِعِ مِصْرَ مُتَصَرِّفَيْنِ فِيهَا بِكَامِلِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَأُصُولِهِمْ قَبْلَهُمْ وَمُقَيَّدَةً عَلَيْهِمْ بِالدَّفَاتِرِ الدِّيوَانِيَّةِ طِبْقَ الذِّمَمِ الْمَاضِيَةِ يَزْرَعُونَهَا

وَيَدْفَعُونَ مَا عَلَيْهَا لِلدِّيوَانِ مِنْ الْخَرَاجِ وَمَكَثُوا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَأُصُولِهِمْ مَا يَنُوفُ عَلَى سِتِّينَ سَنَةٍ فَادَّعَى عَلَيْهِمَا الْآنَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ تِلْكَ الْقِطْعَةَ بِالْإِرْثِ عَنْ وَالِدِهِمَا وَالْحَالُ أَنَّ وَالِدَهُمَا عَاشَ طُولَ عُمُرِهِ مُشَاهِدًا لَوَضْعِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَدَعُ بِدُونِ مَانِعٍ مِنْ الدَّعْوَى وَسَمِعَ نَائِبُ الْقَاضِي تِلْكَ الدَّعْوَى وَطَلَبَ الْبَيِّنَةَ مِنْ كُلٍّ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِيَانِ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِأَنَّهَا لَمْ تَرَ الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ تَحْتَ يَدِ مُوَرِّثِ الْمُدَّعِيَيْنِ بَلْ عَايَنَتْهُ فِي يَدِ وَاضِعِ الْيَدِ وَأُصُولِهِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِوَضْعِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا وَأُصُولِهِمَا وَبَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ بِالْأَرْضِ لِلْمُدَّعِيَيْنِ وَكَتَبَ صَكًّا بِذَلِكَ فَهَلْ يُنْقَضُ هَذَا الْحُكْمُ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى لِمَانِعِ الْحِيَازَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَمَا ثَبَتَ لَهُ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْهُدَاةِ، نَعَمْ يُنْقَضُ هَذَا الْحُكْمُ لِكَوْنِهِ خَطَأً صِرْفًا وَضَلَالًا مَحْضًا وَمَبْنِيًّا عَلَى نَقِيضِ الشَّهَادَةِ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى لِمَانِعِ الْحِيَازَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَمَا ثَبَتَ لَهُ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يَمْلِكُ مَنْزِلًا عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ سَنَةٍ وَالْآنَ قَامَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَنْزِلَ آلَ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ مِنْ أُمِّهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ حَاضِرَةً عَالِمَةً بِحِيَازَةِ وَالِدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَدِّهِ أَيْضًا وَعَاشَتْ طُولَ عُمُرِهَا وَمَاتَتْ وَلَمْ تُنَازِعْ فَهَلْ يَسُوغُ لِوَلَدِهَا الطَّلَبُ وَيُعْذَرُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إذْ ثَبَتَ حُضُورُ أُمِّ الْقَائِمِ وَعِلْمُهَا بِالْحِيَازَةِ مِنْ أَبِي الْحَائِزِ وَجَدِّهِ وَسُكُوتُهَا بِلَا مَانِعٍ فَلَا يَسُوغُ لِوَلَدِهَا الطَّلَبُ وَلَا يُعْذَرُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالْمَنْزِلِ لِحَائِزِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُونَ وَرَثَةً فَلَا يَسْقُطُ قِيَامُهُمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الِاعْتِمَارُ بِحَضْرَةِ مُوَرِّثِهِمْ أَوْ يَثْبُتَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِذَلِكَ وَسَكَتُوا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ اهـ. وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ امْرَأَةٍ مَنْزِلًا وَحَازَهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْحِيَازَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ ثُمَّ قَامَتْ وَأَنْكَرَتْ الْبَيْعَ فَأَحْضَرَ الْمُشْتَرِي وَثِيقَةً مَاتَ كَاتِبُهَا وَشُهُودُهَا أَنْكَرُوا الشَّهَادَةَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ إذَا شَهِدَتْ جَمَاعَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْوَثِيقَةَ خَطُّ فُلَانٍ وَكَانَ الْكَاتِبُ لَهَا عَدْلًا مَشْهُورًا يُعْمَلُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيَكُونُ الْمَنْزِلُ لِلْمُشْتَرِي أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَتَى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ وَالْمَرْأَةُ حَاضِرَةٌ سَاكِتَةٌ بِلَا مَانِعٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا عَلَى الْحَائِزِ وَلَا يَلْزَمُهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بَلْ الْحِيَازَةُ تَكْفِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ أَقَارِبَ بَيْنَهُمْ مِيرَاثٌ فَاسْتَوْلَى بَعْضُهُمْ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةٍ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِحِصَّتِهِمْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ صَغِيرًا وَبَعْضِهِمْ مَاتَ عَنْ وَارِثٍ وَبَعْضِهِمْ كَبِيرًا لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ حِصَّةً مِنْ التَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ الطَّلَبُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَيَكُونُ عَدَمُ الْعِلْمِ عُذْرًا وَهَلْ قَوْلُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا مُعَوِّلِينَ عَلَى مَنْعِ السُّلْطَانِ الْقُضَاةَ مِنْ سَمَاعِهَا مُعَوَّلٌ عَلَيْهِ وَهَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى أَوْ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْإِرْثِ وَالْوَقْفِ

وَمَالِ الْيَتِيمِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ وَهَلْ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْعَالِمِ بِحَقِّهِ أَوْ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ أَقَرَّ وَاضِعُ الْيَدِ بِأَنَّ الْمَالَ أَصْلُهُ تَرِكَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ كَمَا نَقَلَهُ الشُّرَّاحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ تَرِكَةً وَادَّعَى الْمِلْكِيَّةَ سُمِعَتْ دَعْوَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا طَالَ الزَّمَانُ أَوْ لَا عَلِمْنَ أَوْ لَا لِأَنَّهُنَّ مُكْرَهَاتٌ عَلَى السُّكُوتِ خَوْفًا مِنْ عَدَمِ انْتِصَارِ الرِّجَالِ لَهُنَّ إنْ احْتَجْنَ إلَيْهِمْ عِنْدَ مُضَارَّةِ أَزْوَاجٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الذُّكُورُ فَمَنْ سَكَتَ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِمِلْكِهِ وَتَصَرُّفِ وَاضِعِ الْيَدِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُنَازِعُ بِأَنَّ لَهُ مِلْكًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ أَخَذَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ ادَّعَى أَنَّ خَالَهُ غَصَبَ مِنْهُ جَامُوسَةً مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مَعَ سُكُوتِهِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الرَّجُلِ أَنَّ خَالَهُ قَدْ غَصَبَ مِنْهُ الْجَامُوسَةَ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُمْنَعُ قَهْرًا عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ اقْتَسَمَا تَرِكَةَ أَبِيهِمَا وَارْتَكَنَ أَحَدُهُمَا لِخَالِهٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَطْلُبْ أَخُوهُ تَرِكَتَهُ مِنْ خَالِهِ ثُمَّ مَاتَا عَنْ أَوْلَادٍ ثُمَّ وَجَدَ أَوْلَادُ الْأَخِ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا صِفَةُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ عَمِّهِمْ وَأَبِيهِمْ بَعْدَ نَحْوِ خَمْسِينَ سَنَةٍ فَطَلَبُوا تَرِكَةَ عَمِّهِمْ مِنْ ابْنِ الْخَالِ وَلَمْ يَجِدُوا مَعَهُ سِوَى فَدَّانِ طِينٍ وَفِي الْوَرَقَةِ خَمْسَةُ فَدَادِينَ فَهَلْ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَلْ إذَا اصْطَلَحُوا عَلَى دَرَاهِمَ يَنْفُذُ الصُّلْحُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُمَكَّنُونَ مِنْ طَلَبِ تَرِكَةِ عَمِّهِمْ مِنْ ابْنِ الْخَالِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مَانِعَةً مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ إذَا جُهِلَ كَيْفِيَّةُ اسْتِيلَاءِ الْحَائِزِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحُوزِ وَادَّعَى مِلْكِيَّتَهُ وَلَمْ يُعْذَرْ الْمَحُوزُ عَلَيْهِ بِنَحْوِ غَيْبَةٍ وَعَدَمِ عِلْمٍ وَهُنَا كَيْفِيَّةُ اسْتِيلَاءِ الْخَالِ وَابْنِهِ عَلَى تَرِكَةِ ابْنِ أُخْتِهِ مَعْلُومَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّعِيَ مِلْكَهَا بِالْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَأَيْضًا الْمَحُوزُ عَلَيْهِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخِ مَعْذُورُونَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ وَإِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى دَرَاهِمَ نَفَذَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَهُوَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي دَارٍ وَرِثَهَا ابْنَانِ وَبِنْتَانِ وَحَازَهَا أَحَدُ الِابْنَيْنِ مُدَّةً طَوِيلَةً مِنْ السِّنِينَ وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الِابْنَانِ عَنْ وَرَثَةٍ ثُمَّ أَرَادَ وَارِثُ الِابْنِ الَّذِي لَمْ يَحُزْ أَخْذَ نَصِيبِهِ فِيهَا فَمَنَعَهُ وَارِثُ الْحَائِزِ مُتَعَلِّلًا بِحِيَازَتِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَبِيهِ وَلَهُ بَعْدَهُ فَهَلْ لَا يُعْتَبَرُ تَعَلُّلُهُ بِالْحِيَازَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْبِنَاءِ وَلِوَارِثٍ غَيْرِ الْحَائِزِ أَخْذُ نَصِيبِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُعْتَبَرُ تَعَلُّلُهُ بِالْحِيَازَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْبِنَاءِ لِأَنَّ شَرْطَ اعْتِبَارِ الْحِيَازَةِ مَانِعَةً مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى جَهْلُ كَيْفِيَّةِ اسْتِيلَاءِ الْحَائِزِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْمَجْمُوعِ وَالْكَيْفِيَّةُ مَعْلُومَةٌ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ فَلِوَارِثٍ غَيْرِ الْحَائِزِ أَخْذُ نَصِيبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ وَرِثُوا سَاقِيَةً عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ جَدِّهِمْ وَاسْتَعْمَلُوهَا مُنَاوَبَةً ثُمَّ عَجَزَ بَعْضُهُمْ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ مُدَّةً وَالْبَعْضُ مُتَوَلٍّ عَلَيْهَا فَهَلْ إذَا طَلَبَ الْعَاجِزُونَ أَنْ يَأْخُذُوا حَقَّهُمْ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّينَ مَنْعُهُمْ مُتَعَلِّلِينَ عَلَيْهِمْ بِوَضْعِ الْيَدِ وَعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ فِي مُدَّةِ عَجْزِهِمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إذَا طَلَبَ الْعَاجِزُونَ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّينَ مَنْعُهُمْ وَلَا يُفِيدُهُمْ تَعَلُّلُهُمْ بِوَضْعِ الْيَدِ وَعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ فِي مُدَّةِ الْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ شَرْطَ اعْتِبَارِ الْحِيَازَةِ مَانِعَةً مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى جَهْلُ كَيْفِيَّةِ اسْتِيلَاءِ الْحَائِزِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْمَجْمُوعِ وَالْكَيْفِيَّةُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ مَعْلُومَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَدَايَنَ مِنْ ذِي شَوْكَةٍ بِوَثِيقَةٍ وَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ خَلَّصَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ الْوَثِيقَةَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْخَلَاصِ وَمَضَى نَحْوُ عِشْرِينَ سَنَةِ وَهُمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ تَأْخُذُهُمَا الْأَحْكَامُ وَالرَّجُلُ مَلِيءٌ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ أَنَّ ذَا الشَّوْكَةِ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ ذُو الشَّوْكَةِ وَسَكَتَ وَرَثَتُهُ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ ثُمَّ قَامَ وَرَثَةُ ذِي الشَّوْكَةِ عَلَى وَرَثَةِ الرَّجُلِ وَطَالَبُوهُمْ بِالدَّيْنِ فَأَجَابَهُمْ وَرَثَةُ الرَّجُلِ بِأَنَّهُ دَفَعَهُ لَمُوَرِّثِهِمْ وَحَكَمَ لَهُمْ قَاضٍ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَأَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَا وَبَعْضُهُمْ بِعَدَمِهَا فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ رَبِّ الدَّيْنِ فِي بَقَائِهِ عَلَى الدَّيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالْحِيَازَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَتُصْرَفُ وَلِوَرَثَةِ الْمَدِينِ تَحْلِيفُ مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ بِالْقَضَاءِ مِنْ وَرَثَةِ رَبِّ الدَّيْنِ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ وَحُكْمُ الْقَاضِي بِسُقُوطِهِ بِهَا لَا يُعْتَبَرُ لِمُخَالِفَتِهِ لِلنَّصِّ وَالِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» صَحِيحٌ وَهُوَ خَاصٌّ بِمَا فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» وَهَذَا خَاصٌّ بِغَيْرِ مَا فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنَتْهُ الْأَئِمَّةُ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ ابْنُ الضَّابِطِ عَمَّنْ تُوُفِّيَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ فَقَامَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ بِوَثِيقَةِ دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ فَاعْتَرَفَ بِهَا وَادَّعَى دَفْعَ بَعْضِهِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَفِيهِمْ مَوْلَى عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ. فَأَجَابَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِبَيِّنَةِ أَوْ عَادَةٍ وَاضِحَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِهِ وَلَا يَمِينَ عَلَى مُوَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ الْحَائِزِينَ بِأَمْرِ (7) الْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَى الْمَيِّتَ حَلَفَ مَنْ يُمْكِنُهُ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ فَلَا حِيَازَةَ عَلَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ اهـ. وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ أَيْ لَا يُقَالُ سَقَطَ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ مَعَ طُولِ مُدَّتِهِ سَوَاءً كَانَ بِوَثِيقَةٍ أَمْ لَا وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا غَيْرُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَمَّا إنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ بِوَثِيقَةٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَثِيقَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ مَضَى طُولٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا وَلَا مَانِعَ مِنْ الطَّلَبِ وَعَنْ مَالِكٍ الطُّولُ ثَلَاثُونَ سَنَةٍ وَعَنْ مُطَرِّفٍ عِشْرُونَ اهـ وَقَالَ الْعَدَوِيُّ الْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ وَثَائِقِ الْحُقُوقِ وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِمَا فِيهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ لِكَاتِبِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ قَضَاءً أَيْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى الْمَيِّتِ وَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ ذَلِكَ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَضَاءِ شَخْصٌ بَالِغٌ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ بِالْقَضَاءِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمَدِينُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَثَبَتَ حَقُّ غَيْرِهِ تَبَعًا وَإِنْ نَكَلَ

بَطَلَ حَقُّهُ فَقَطْ وَيُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ قَضَاهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَالِغِ فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِرَقَ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ بَالِغٌ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ وَبَالِغٌ لَا يُظَنُّ بِهِ عِلْمُهُ وَغَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ ثَبَتَ حَقُّهُ وَحَقُّ الْآخَرِينَ وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ إنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا غَرِمَهُ لَهُ. وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَتَرَكَ ذِكْرَ حَقٍّ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْكِبَارَ يَحْلِفُونَ كُلُّهُمْ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَيَسْتَحِقُّونَ حَقَّهُمْ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَيُقَالُ لِلْمَطْلُوبِ احْلِفْ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِهِ عَلَيْك الشَّاهِدُ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْك فَإِنْ نَكَلَ أُخِذَ مِنْهُ حَقُّ الصَّبِيِّ وَدُفِعَ لِوَلِيِّهِ وَإِنْ حَلَفَ أَقَرَّ حَقَّ الصَّبِيِّ بِيَدِهِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ وَأَخَذَهُ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضٍ بَعْدً مَوْتِ أَهْلِهَا وَانْهِدَامِ بِنَائِهَا بِغَيْرِ حَقِّ مَعَ وُجُودِ وَرَثَتِهِمْ وَبَنَاهَا وَنَازَعَهُ الْوَرَثَةُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَلْدَتِهِمْ فَهَلْ لَا تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مَدَّتُهَا وَيُلْزَمُ بِقَلْعِ بِنَائِهِ أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا وَتَكُونُ الْأَرْضُ لِوَرَثَةِ مُلَّاكِهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُعْتَبَرُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ مَدَّتْهَا وَيُخَيَّرُ مُسْتَحِقُّ الْأَرْضِ بَيْنَ إلْزَامِهِ بِهَدْمِ بِنَائِهِ وَنَقْلِ أَنْقَاضِهِ مِنْهَا وَتَسْوِيَتِهَا وَبَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ لَهُ مَهْدُومًا مُسْقِطًا مِنْهَا أُجْرَةَ مَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَائِزُ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِخَدَمِهِ وَإِلَّا فَلَا فَقَدْ ذَكَرَ فُقَهَاؤُنَا مِنْ مَوَانِعِ الْحِيَازَةِ الْخَوْفَ مِنْ سَطْوَةِ الْحَائِزِ أَوْ مِنْ اسْتِنَادِهِ لِذِي سَطْوَةٍ وَسَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ مَنْ عُرِفَ بِغَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ لَا يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ وَإِنْ طَالَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا إنْ أَقَرَّ بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِمُدَّعِيهِ أَوْ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ تَصْدِيقَ غَيْرِ الْغَاصِبِ فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ وَهُوَ حَاضِرٌ لَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَدَّعِيهِ إلَّا وَقَدْ صَارَ إلَى حَائِزِهِ إذَا حَازَهُ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَتَزَوَّجَ ابْنُ عَمِّهِ بِنْتَه ثُمَّ قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ مَعَ حُضُورِهِ وَتَصْدِيقِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ الْمُقَوَّمَ مِلْكٌ لِلْمُتَوَفَّى ثُمَّ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَتَصَرَّفَ وَرَثَةُ الْمُتَوَفَّى الْأَوَّلِ فِيمَا خَصَّهُمْ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ مُدَّةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةٍ ثُمَّ قَامَ ابْنُ ابْنِ الْعَمِّ فِي بَعْضِ الْعَقَارِ مُسْتَظْهِرًا بِوَثِيقَةٍ مُدَّعِيًا أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَهَلْ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الْوَثِيقَةِ أَوْ لَا لِسُكُوتِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ حُضُورِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الْوَثِيقَةِ إنْ كَانَتْ وَثِيقَةَ قَاضٍ وَفِيهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ وَلَوْ مَاتَ شُهُودُهَا وَجُهِلَ حَالُهُمْ إذْ الْأَصْلُ الصِّحَّةُ وَإِلَّا فَإِنْ حَضَرَ شُهُودُهَا فَالْعِبْرَةُ بِهِمْ وَإِنْ غَابُوا غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا وَقَدْ وَضَعُوا خُطُوطَهُمْ فِيهَا وَشَهِدَ عَلَيْهَا الْعُدُولُ بِشَرْطِهَا الْمَعْرُوفِ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ الْخَطَّ كَالْمُعَيَّنِ وَإِنْ كَاتِبُهُ اسْتَمَرَّ عَدْلًا مِنْ كِتَابَتِهِ إلَى مَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا سُكُوتُهُ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِقِصَرِهَا عَنْ مُدَّةِ حِيَازَةِ الْأَقَارِبِ وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحِيَازَةُ الْأَقَارِبِ وَلَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فَكَالْأَجَانِبِ فِي الْعَقَارِ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ وَلَوْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَقِيلَ يَكْفِي مَعَهُمَا الْعَشَرَةُ كَالْمَوَالِي

مسائل الوكالة

وَالْأَصْهَارُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَقِيلَ كَالْأَجَانِبِ وَلَا سُكُوتُ وَالِدِهِ وَلَا تَصْدِيقُهُ عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ لِحَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَالْوَثِيقَةُ الشَّاهِدَةُ لَهُ وَعُذْرُهُ بِهِ بَلْ لَوْ فُرِضَ زِيَادَةُ الْمُدَّةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَالْحُكْمُ كَمَا ذُكِرَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْحِيَازَةِ جَهْلُ كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْحَائِزِ عَلَى الْمَحُوزِ وَهِيَ هُنَا مَعْلُومَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِثَلَاثِ نُوقٍ دَفَعَهَا لَهَا بِحَضْرَةِ أُمِّهِ سَاكِتَةً إلَى تَمَامِ سَبْعِ سِنِينَ فَادَّعَتْ أَنَّ إحْدَى النِّيَاقِ أَقْرَضَتْهَا لِابْنِهَا وَأَرَادَتْ أَخْذَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ فَهَلْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ بِيَدِ امْرَأَةٍ وَكَّلَتْ زَوْجَهَا عَلَى احْتِكَارِهَا مِنْ وَقْفِ زَاوِيَةٍ وَغَرْسِهَا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَبَقِيَتْ الْأَرْضُ بِيَدِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ ثُمَّ قَامَ الْآنَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ وَبَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ مُدَّعِينَ أَنَّهَا لِلْمَيِّتِ وَشَهِدَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ وَشَهِدَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ فِي صِحَّتِهِ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهَا فِي الِاحْتِكَارِ وَالْغَرْسِ وَأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهَا فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا أَوْ بَيِّنَتُهُمْ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْغُرَمَاءُ وَبَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ أَجَانِبَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَسَكَتُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ عَالَمِينَ بِلَا مَانِعٍ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ وَلَا بَيِّنَتُهُمْ وَلَوْ لَمْ تُعَارِضْهَا بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْوَكَالَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْوَكَالَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ رَسُولًا يَأْتِي لَهُ بِشَعِيرٍ مِنْ مَحِلٍّ وَأَعْطَاهُ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الشَّعِيرَ وَأَخَذَ الرَّسُولُ الدَّابَّةَ وَتَوَجَّهَ لِيَأْتِيَ بِالشَّعِيرِ وَذَلِكَ الْمَحَلُّ لَهُ طَرِيقَانِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ تُرْعَةُ مَاءٍ وَاحِدَةٌ شَدِيدَةُ الْجَرْيِ مَعَ كَوْنِهَا عَوْمًا وَالْأُخْرَى لَيِّنَةٌ مَعَ كَوْنِهَا عَوْمًا أَيْضًا فَسَلَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تُرْعَتُهَا لَيِّنَةُ الْجَرْيِ فَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ التُّرْعَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ وَالدَّابَّةُ فَإِذَا هِيَ قَدْ مَاتَتْ فَهَلْ لَا يَضْمَنُ الرَّسُولُ الدَّابَّةَ وَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ قَالَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ تَعَدٍّ وَقَالَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَمْ يُفَرِّطْ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَضْمَنُ الرَّسُولُ الدَّابَّةَ لِتَعَدِّيهِ لِأَنَّ رَبَّهَا لَا يَخْلُو حَالُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّ التُّرْعَتَيْنِ عَوْمٌ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ وُجُودِ قَنْطَرَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ يُعَدِّي عَلَيْهَا الشَّعِيرَ فَيَكُونُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي تَعْدِيَةِ الدَّابَّةِ عَلَى الْقَنْطَرَةِ أَوْ السَّفِينَةِ فَحَيْثُ تَرَكَ ذَلِكَ وَعَامَ بِالدَّابَّةِ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهَا وَخَاطَرَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ

صبي وكل بالغا قبل له النكاح

إنْ لَمْ يَجِدْ قَنْطَرَةً أَوْ سَفِينَةً فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِالدَّابَّةِ وَعَدَمُ الْعَوْمِ وَالْمُخَاطَرَةُ بِهَا فَحَيْثُ عَامَ بِهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَتَعَدِّيهِ أَظْهَرُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ السَّدِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [صَبِيّ وَكَّلَ بَالِغًا قَبِلَ لَهُ النِّكَاحَ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَبِيٍّ وَكَّلَ بَالِغًا قَبِلَ لَهُ النِّكَاحَ فَهَلْ الْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ وَيَمْضِي النِّكَاحُ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ مُهْمَلًا أَوْ بَاطِلَةً وَلَا يَمْضِي مُطْلَقًا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَكَالَةُ الصَّبِيِّ غَيْرَهُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا حَسْبَمَا نَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلَ بَابِ الشَّرِكَةِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُضِيِّ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ وَلِيَ فَلَهُ الْإِمْضَاءُ وَالرَّدُّ إنْ قَرُبَ اطِّلَاعُهُ عَلَى الْعَقْدِ وَكَانَ بِالْبَلَدِ حِينَهُ وَلَمْ يَرِدْ قَبْلُ وَلَمْ يُخْبِرْ الْعَاقِدَ بِتَعَدِّيهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَلَى الزَّوْجَةِ أَيْضًا وَإِلَّا تَعَيَّنَ الرَّدُّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ أَوْ أُفْتِيتَ عَلَيْهَا وَصَحَّ إنْ قَرُبَ رِضَاهَا إلَخْ قَالَ شُرَّاحُهُ وَالِافْتِيَاتُ عَلَى الزَّوْجِ كَالِافْتِيَاتِ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ أَمَّا الْمَحْجُورُ فَيُقَالُ الِافْتِيَاتُ عَلَى وَلِيِّهِ كَالِافْتِيَاتِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَالِافْتِيَاتُ عَلَى الْحَاكِمِ فَيَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَجَبَرَ أَبٌ وَوَصِيٌّ وَحَاكِمٌ مَجْنُونًا احْتَاجَ وَصَغِيرًا. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ تَوَلَّى غَيْرُ الْمُجْبَرِ مَعَ وُجُودِهِ فُسِخَ فِي الْأُنْثَى أَبَدًا وَلَوْ أَجَازَهُ فَيُسْتَأْنَفُ عَقْدًا إلَّا مَا يَأْتِي اهـ وَأَشَارَ بِمَا يَأْتِي لِقَوْلِهِ وَإِنْ عَقَدَ مَنْ ثَبَتَ تَفْوِيضُ الْمُجْبَرِ لَهُ صَحَّ إنْ فَوَّضَ لَهُ النِّكَاحَ أَوْ أَجَازَهُ هَلْ يُشْتَرَطُ الْقُرْبُ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْإِجَازَةِ قَوْلَانِ وَمَفْهُومُ الْأُنْثَى عَدَمُ تَعَيُّنِ الْفَسْخِ فِي الذَّكَرِ وَيَجْرِي عَلَى تَفْصِيلِ الِافْتِيَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِثْلَ هَذَا الْجَوَابِ وَأَثْبَتَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَمَرَ شَخْصًا بِأَنْ يَذْبَحَ لَهُ بَقَرَةً فَأَخْطَأَ فِي ذَبْحِهَا وَصَارَتْ مَيْتَةً لَا تُؤْكَلُ فَهَلْ تَلْزَمُ الذَّابِحَ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ أَوْ لَا تَلْزَمُهُ نَظَرًا لِأَمْرِ رَبِّهَا لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى هَلَاكِهَا وَهَلْ الضَّمَانُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِحَلِيَّةِ الْأَكْلِ بِأَنْ قَطَعَ نِصْفَ حُلْقُومِهَا وَجَمِيعَ الْوَدَجَيْنِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَضْمَنُهَا الذَّابِحُ لِمَا ذَكَرْت وَلَوْ وُجِدَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِصِحَّةِ الذَّكَاةِ لِحُرْمَةِ الْعَمَلِ بِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ مُلْتَزِمٍ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى قَبْضِ خَرَاجِ حِصَّتِهِ فَقَبَضَهَا وَخَزَّنَهَا عِنْدَ رَجُلٍ ثُمَّ طَرَدَ الْوَكِيلَ ذُو شَوْكَةٍ مِنْ الْمَحِلِّ فَهَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَخْذُهَا مِنْ الْوَكِيلِ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا وَلَوْ كَانَ مِثْلُهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ الْوَكِيلُ الَّذِي طَرَدَهُ ذُو الشَّوْكَةِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا قَبَضَهُ وَصَارَ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ قَبَضَهُ وَصَارَ مَخْزُونًا عِنْدَ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ بِهِ عَلَاقَةٌ لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَكِيلٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ لِغَائِبٍ وَفِيهِ عَبْدٌ يَخْدُمُ الْحَرِيمَ فَحَصَلَ أَمْرٌ مِنْهُ فَأَمَرَ الْحَرِيمُ الْوَكِيلَ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ بِأَنَّ خَدَّامَةَ الْحَرِيمِ ضَرَبَتْهُ عَلَى ظَهْرِهِ بِالنَّبُّوتِ وَالْكُرْبَاجِ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الثَّمَنَ جَبْرًا خُصُوصًا وَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ جَبْرًا عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ وَكِيلًا مُفَوَّضًا سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِوَكَالَتِهِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا خَاصًّا فَلَهُ الرَّدُّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوَكَالَتِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ إنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا حَضَرَ وَشَرَطَ الرَّدَّ عَلَيْهِ أَوْ الْمُوَكِّلِ ثُبُوتِ قِدَمِ الْعَيْبِ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْعَبْدِ إنَّ عَيْبَهُ قَدِيمٌ لِعَدَمِ عَدَالَتِهِ مَعَ اتِّهَامِهِ بِمَحَبَّةِ سَادَاتِهِ الْأَوَّلُ وَإِنْ تَمَسَّكَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ وَقَدِمَ الْغَائِبُ وَأَثْبَتَ إنَّ تَوْكِيلَهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ بَيْعِ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي إمْضَاءِ بَيْعِهِ وَرَدِّهِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ زَائِدَ الْخِدْمَةِ عَلَى خِدْمَةِ أَمْثَالِهِ وَلَوْ فَوَّضَ لَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَلَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى بَيْعِهِ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّ هَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا يَمْضِي تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ لَهُ فِيهَا إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا ثَانِيهَا: طَلَاقُ الزَّوْجَةِ. ثَالِثُهَا: إنْكَاحُ الْبِكْرِ. رَابِعُهَا بَيْعُ دَارِ السُّكْنَى قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَاطِفًا عَلَى مُتَعَلِّقِ طُولِبَ النَّائِبُ عَنْ فَاعِلِهِ ضَمِيرُ الْوَكِيلِ وَبِالْعُهْدَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَكَذَلِكَ يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِعُهْدَةِ الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِلْبَيْعِ وَكِيلٌ فَإِنْ عَلِمَ فَالْعُهْدَةُ لَا تَكُونُ عَلَيْهِ وَتَكُونُ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ فَيُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ، وَأَمَّا الْمُفَوَّضُ فَيَتْبَعُ كَمَا يُتْبَعُ وَالْبَائِعُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ كَالشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ وَالْمُقَارِضِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي وَالْوَصِيِّ اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَغَا كَوَكَّلْتُكَ وَأَنْتَ وَكِيلِي حَتَّى يُخَصِّصَ وَإِنْ بِقَرِينَةٍ أَوْ يُفَوِّضَ فَيَمْضِي النَّظَرُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا لَا تَنْمِيَةَ فِيهِ كَعِتْقٍ إنْ جُعِلَ لَهُ وَلَا يَمْضِي طَلَاقٌ وَإِنْكَاحُ بِكْرٍ وَبَيْعُ دَارِ السُّكْنَى وَعَبْدِ الْغَرَضِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَالتَّاجِرِ وَزَائِدِ الْخِدْمَةِ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَى خُصُوصِهَا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَمَرَ آخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً مِنْ مِصْرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ يَدْفَعُهُ لَهُ عِنْدَ مَجِيئُهُ بِهَا فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ وَضَاعَتْ مِنْهُ فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الضَّيَاعَ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ دَفْعُ الثَّمَنِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ الْآمِرُ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ لِلْمَأْمُورِ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً مِنْ مِصْرَ وَادَّعَى الْمَأْمُورُ الشِّرَاءَ ثُمَّ الضَّيَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ وَضَاعَ ثَمَنُهَا عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الثَّمَنَ وَادَّعَى الشِّرَاءَ ثُمَّ الضَّيَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الثَّمَنَ فَالْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ وَحُكْمُهُ فِي مَوْضُوعِ عَدَمِ دَفْعِهِ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ غُرْمُ الثَّمَنِ إلَى أَنْ يَصِلَ لِرَبِّهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ اهـ وَلِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ عَلَى شِرَاءِ غُرْمِ الثَّمَنِ وَلَوْ تَلِفَ مِنْ الْوَكِيلِ مِرَارًا حَتَّى يَصِلَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيَتْلَفَ فَالْمَبِيعُ لِلْوَكِيلِ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ اهـ وَلِقَوْلِ الْأُجْهُورِيِّ فِي فَتَاوِيهِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ ثُبُوتُ حُكْمِ الْأَمَانَةِ لِلْوَكِيلِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا تَضْمَنَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا بِجَعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جَعْلٍ ثُمَّ إنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ مَهْمَا وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَهُ وَكِيلًا طَالَبَهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ ثُمَّ حَيْثُ طُولِبَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ وَكَّلَ عَلَى شِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَالْمُسْتَحِقُّ يُطَالِبُ الْمُوَكِّلَ دُونَ الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ

رجل وكله إنسان على بيع سلعة معينة ووكله آخر على شرائها

[رَجُل وَكَّلَهُ إنْسَانٌ عَلَى بَيْعِ سِلْعَة مُعَيَّنَة وَوَكَّلَهُ آخَرُ عَلَى شِرَائِهَا] مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَكَّلَهُ إنْسَانٌ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَوَكَّلَهُ آخَرُ عَلَى شِرَائِهَا لَهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَدَفَعَهُ لَهُ وَقَبْلَ قَبْضِهِ لِلسِّلْعَةِ ادَّعَى الْوَكِيلُ سَرِقَتَهَا مَعَ بَعْضِ أَمْتِعَتِهِ فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لَلْمُوَكِّل الثَّانِي قَبْلَ سَرِقَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ أَوْ كَانَتْ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا لَهُ قَبْلَهَا أَيْضًا فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي فَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْوَكِيلِ وَيَسْتَحِقُّهُ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ وَيَرُدُّ لِلْمُوَكِّلِ الثَّانِي ثَمَنَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ لِوَالِدِهِ مَكْتُوبًا ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ يَعْقِدُ لَهُ عَلَى بِنْتٍ وَفِيهِ خُطُوطٌ بَيِّنَةٌ وَأَخْتَامُهُمْ فَهَلْ تَثْبُتُ بِهِ الْوَكَالَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَيَصِحُّ مِنْ الْوَالِدِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ بِخَطِّ الْوَلَدِ وَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ خَطُّهُ بِيَقِينٍ وَهُمَا عَارِفَانِ بِالْخُطُوطِ ثَبَتَتْ بِهِ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ وَصَحَّ مِنْ الْوَالِدِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا عِبْرَةَ بِخُطُوطِ الْبَيِّنَةِ وَأَخْتَامِهِمْ وَلَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهَا الْعُدُولُ قَالَ الْعَدَوِيُّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا خَطُّ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ بِمَالٍ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَشْهَدُ عَلَى خَطِّهِ وَهُوَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى انْتَهَى. وَتَبِعْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَفِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا يَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الَّذِي يُوَجِّهُهُ بِالْكِتَابِ فَقَالَ الَّذِي قِبَلَهُ الْحَقُّ أَعْرِفُ الْكِتَابَ وَأَنَّهُ خَطُّهُ وَلَكِنْ لَا أَدْفَعُ لَك شَيْئًا فَذَلِكَ لَهُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ وَلَا يُبْرِئهُ إنْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ انْتَهَى. وَفِي أَجْوِبَةِ الْأُجْهُورِيِّ عَنْ التَّبْصِرَةِ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْمُنَاصِفِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْمَالِ مِنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَا وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالتَّوْكِيلِ حَقٌّ لِلْوَكِيلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ يَكُونَ الْمَالُ بِيَدِهِ قِرَاضًا فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى الْمَالِ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ تَثْبُت بِشَاهِدِ وَامْرَأَتَيْنِ وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَجِيرٍ عِنْدَ آخَرَ خَاصٍّ بِهِ دَفَعَ لَهُ جَمَلَيْنِ لِيُوَصِّلهُمَا إلَى بَلَدِ كَذَا فَسَافَرَ بِهِمَا وَضَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَكِيلٍ عَلَى خِصَامِ آخَرَ فِي حَقٍّ ادَّعَى عَلَيْهِ الْآخَرُ أَنَّ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي فِي بَلَدِ كَذَا الْمُحَدِّدِ بِحَدِّ كَذَا وَحَدِّ كَذَا وَحَدِّ كَذَا وَحَدّ كَذَا مِنْ جِهَاتِهِ الْأَرْبَعِ الْمَحُوزِ لِمُوَكِّلِهِ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ مِلْكٌ لِلْمُوَكِّلِ تَصَدَّقَ بِهِ جَدُّ الْمُدَّعِي عَلَى جَدِّ الْمُوَكِّلِ فَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ وَقَالَ الْبُسْتَانُ كُلُّهُ مِلْكٌ لِمُوَكِّلِهِ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي مَا يُصَحِّحُ دَعْوَاهُ فَأَخْرَجَ صُورَةَ وَثِيقَةٍ بِشِرَاءِ جَدِّهِ نِصْفَ الْبُسْتَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ لَهُ الْوَكِيلُ ذَلِكَ النِّصْفُ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت فِي دَعْوَاك أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ جَدُّك عَلَى جَدِّ مُوَكِّلَيَّ وَآلَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ سَلَّمَ الْمُدَّعِي فِي النِّصْفِ الَّذِي تَصَدَّقَ

بِهِ جَدُّهُ عَلَى جَدِّ الْمُوَكِّلِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَكِيلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِلْمُدَّعِي وَالْحَالُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِيَدِهِ وَثِيقَةُ مِلْكٍ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْبُسْتَانِ وَمُدَّةُ حَوْزِهِ لَهُ ثَلَاثُونَ عَامًا، وَوَثِيقَةُ تَسْلِيمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ تَارِيخُهَا قَدِيمٌ لَمْ يُخْرِجْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ وَاعْتَرَفَ بِالْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ لِلْمُدَّعِي دُونَ مُخَاصَمَةٍ وَآجَالٍ وَنُسَخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ مَاضٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْوَثِيقَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ مُثْبَتَةً لَهُ شَرْعًا بِأَنْ كَتَبَ عَلَيْهَا الْقَاضِي عَلَامَةَ الصِّحَّةِ وَخَتَمَهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَوُجِدَتْ بَيِّنَةُ شَرْعِيَّةٌ تَشْهَدُ بِمَضْمُونِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَتْ الْحِيَازَةُ الْمَذْكُورَةُ ثَابِتَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِحَسَبِ حَالِهِ مِنْ كَوْنِهِ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ الْحِيَازَةُ كَذَلِكَ وَكَانَ هَذَا الْوَكِيلُ لَيْسَ وَكِيلًا مُفَوَّضًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ الْإِقْرَارَ فَإِقْرَارُهُ لَا يَلْزَمُ مُوَكِّلَهُ وَإِنْ كَانَ مُفَوَّضًا مُطْلَقًا أَوْ غَيْرَ مُفَوَّضٍ وَجَعَلَ لَهُ مُوَكِّلُهُ الْإِقْرَارَ لَزِمَ إقْرَارُهُ مُوَكِّلَهُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ الْوَكِيلُ فِي إقْرَارِهِ بِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ لِلْمَقَرِّ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ أَوْ يُجْعَلَ لَهُ وَيُقِرَّ مِنْ نَوْعِ الْخُصُومَةِ بِمُشْبِهٍ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ ثُمَّ قَالَ فَيَمْضِي النَّظَرُ كَغَيْرِهِ إنْ جُعِلَ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ لَا بُدَّ فِي وَكَالَةِ الْخِصَامِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يُجْعَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ أَصْبَغُ يَقْبَلُ الْحَاكِمُ وَلَا يَرُدُّهَا وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ نَزَلَتْ فَقَضَى فِيهَا بِأَنْ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيُقِرَّ بِمَا يُوقِفُهُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ وَيَكُونُ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مَا قَالَهُ عَنْهُ وَكِيلُهُ إذَا جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ وَكَانَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْمَالِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَسَقَطَ عَنْ خَصْمِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْمُوَكِّلِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يَلْزَمُهُ سَائِرُ إقْرَارِهِ بَعْدَ تَوْكِيلِهِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ رَأَيْت فُقَهَاءَ طُلَيْطِلَة يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْمُخَاصَمَةِ عَنْهُ وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَهَبَ دَارِهِ لِزَيْدٍ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَتَّابٍ قَائِلًا إنَّمَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ مَعْنَى الْمُخَاصَمَةِ الَّتِي وَكَّلَ عَلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ شُفْعَتِهِ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَلَّمَهَا فَهُوَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَافِي اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ فَمَرَّةً أَجَازَهُ وَمَرَّةً أَبَاهُ وَقَالَ لَا يَلْزَمُ وَجَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ الْخُصُومَةَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَزَعَمَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّ تَحْصِيلَ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إقْرَارُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ قَالَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ قَالَ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ لَازِمٌ لِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ انْتَهَى (سُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ عَنْ وَكِيلٍ قُيِّدَتْ عَلَيْهِ مَقَالَتُهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَلَمَّا طَلَبَ مُوَكِّلُهُ بِإِقْرَارِهِ اسْتَظْهَرَ بِعَزْلِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ دُونَ أَنْ يُعْلِمَهُ بِهِ فَقَالَ مَا قُيِّدَ عَلَى الْوَكِيلِ لَازِمٌ لِمُوَكِّلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهُ قَبْلَ مُنَاسَبَةِ الْخِصَامِ عَزْلًا أَعْلَنَ بِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَانِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ مُنَاسَبَةِ الْخِصَامِ وَقَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ أَحَدٌ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي الْخِصَامِ وَيُشْهِدَ فِي السِّرِّ عَلَى عَزْلِهِ إلَّا فَعَلَ هَذَا الَّذِي أَقُولُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ سِوَاهُ عَلَى أُصُولِهِمْ وَلَا يُلْتَفَتُ

وكل وكيلا على الخصام فوكل خصمه على الخصام وكيلا عدوا للوكيل الأول فهل يرد توكيله

إلَى مَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافٍ [وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْخِصَامِ فَوَكَّلَ خَصْمُهُ عَلَى الْخِصَامِ وَكِيلًا عَدُوًّا لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُرَدُّ تَوْكِيلُهُ] (سُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْخِصَامِ فَوَكَّلَ خَصْمُهُ عَلَى الْخِصَامِ وَكِيلًا عَدُوًّا لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُرَدُّ تَوْكِيلُهُ؟ فَقَالَ الَّذِي أَرَاهُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ تَوْكِيلُ عَدُوِّ خَصْمِهِ وَلَا عَدُوُّ وَكِيلِهِ الْمُخَاصَمِ عَنْهُ عَلَى الْخِصَامِ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ بَيِّنٌ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ مَنْ عَزَلَ وَكِيلَهُ عَلَى الْخِصَامِ وَأَرَادَ خَصْمُهُ تَوْكِيلَهُ فَأَبَى الْأَوَّلُ ذَلِكَ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى وُجُوهِ خُصُومَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلِخَصْمِهِ تَوْكِيلُهُ إنْ شَاءَ اهـ. وَفِي الْحَاضِرِ لِابْنِ الْحَارِثِ إنْ أَرَادَ الْخَصْمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا التَّوْكِيلَ فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ جَلَسَا فِيهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَمَنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يُبِيحُ وَكَالَةَ الْمَطْلُوبِ. وَإِذَا وَكَّلَ عَلَى الْخِصَامِ فَخَاصَمَ وَطَالَ الْخِصَامُ فِي قَضِيَّةٍ وَاتَّصَلَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْوَكَالَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ اتَّصَلَ سِنِينَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا عَلَى الدَّوَامِ وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَقَدْ أَشْرَفَ الْوَكِيلُ عَلَى الْإِتْمَامِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ عَزْلُهُ فَإِنَّ الْقَضِيَّة الَّتِي وَكَّلَ عَلَى الْخِصَامَ فِيهَا أَرَادَ الْمُخَاصَمَةَ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ بِقُرْبِ الْأَوَّلِ كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَجْدِيدِ التَّوْكِيلِ أَوْ كَوْنِهِ عَلَى الدَّوَامِ. ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلَ وَكِيلِهِ مَتَى شَاءَ وَأَنَّ لِلْوَكِيلِ حَلَّهَا عَنْ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ إلَّا فِي الْوَكَالَةِ عَلَى الْخِصَامِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَلُّهَا عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ مُجَالَسَةِ الْخَصْمِ ثَلَاثًا وَلَيْسَ لِمُوَكِّلِهِ عَزْلُهُ بَعْدَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ الْوَكَالَةُ نَوْعَانِ وَكَالَةٌ بِعِوَضٍ وَوَكَالَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ لَزِمَتْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْجِعَالَةِ فَقِيلَ لَازِمَةٌ كَالْإِجَارَةِ وَقِيلَ تَلْزَمُ الْجَاعِلَ وَالْمَجْعُولَ لَهُ بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ قَبْلَهُ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ سَقَطَ خِيَارُ الْجَاعِلِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْمَجْعُولِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَزِمَتْ الْمُوَكِّلَ وَلَهُ عَزْلُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَكِيلِ فَقَالَ مَالِكٌ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّمَادِي وَالتَّرْكِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقِيلَ تَلْزَمُهُ. وَمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُ فَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ عَنْهُ وَإِنْ عَزَلَ الْمُوَكِّلُ وَكِيلَهُ أَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ غَائِبٌ وَتَصَرَّفَ بَعْدَ الْعَزْلِ أَوْ الْمَوْتِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَفِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ: مَنْ وَكَّلَ عَلَى الْبَيْعِ فَلَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ بِاتِّفَاقٍ. مَنْ وَكَّلَ عَلَى الشِّرَاءِ فَاشْتَرَى مَا لَا يَلِيقُ فِيهِ قَوْلَانِ: مَنْ وَكَّلَ عَلَى بَيْعٍ بِكَذَا نَسِيئَةً فَبَاعَ بِهِ نَقْدًا فِيهِ قَوْلَانِ: مَنْ وَكَّلَ عَلَى شِرَاءٍ بِكَذَا نَقْدًا فَاشْتَرَى بِهِ نَسِيئَةً فِيهِ قَوْلَانِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَرْضٍ وَلَا نَسِيئَةٍ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إلَّا بِإِذْنٍ فِي ذَلِكَ وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِوَلَدِهِ وَلَا لِيَتِيمِهِ وَلَا يُشْتَرَى وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَإِنْ اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا يَلْزَمُ مُوَكِّلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ يَسِيرًا وَيَكُونَ الشِّرَاءُ نَظَرًا وَالْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ عَلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَالْيَمِينُ كَالْوَصِيِّ وَغَيْرُ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ إنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ أَوْ عُلِمَتْ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فَإِنْ تَبَيَّنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا النَّخَّاسُونَ وَالسَّمَاسِرَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهٍ وَعُهْدَةُ مَا يَبِيعُونَهُ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ عَرَفَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي نَاظِرِ وَقْفٍ غَابَ عَنْ بَلَدِهِ وَوَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْقِيَامِ بِشَعَائِرِهِ وَقَبْضِ غَلَّاتِهِ وَصَرْفِهَا

مسائل الإقرار

فِي مَصَارِفِهَا وَتَرْمِيمِهِ فَاسْتَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَلَى بَعْضِ الْوَقْفِ فَحَضَرَ النَّاظِرُ وَوَكَّلَ وَكِيلَهُ الْمَذْكُورَ عَلَى مُخَاصَمَةِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لِلْوَكِيلِ رَفْعُ الْمُسْتَوْلِي لِلْقَاضِيَّ وَمُخَاصَمَتُهُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسْتَوْلِي مِنْ قَبُولِ وَكَالَتِهِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُجْبَرُ الْمُسْتَوْلِي الْمَذْكُورُ عَلَى قَبُولِ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ وَمُخَاصَمَتِهِ فِيمَا هُوَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَقُّ وَيَحْكُمَ بِهِ الْقَاصِّي. قَالَ الْخَرَشِيُّ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخُصُومَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَإِنْ كَرِهَ خَصْمُهُ أَوْ الْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي التَّوْكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ فِي حُضُورِ الْخَصْمِ أَوْ غَيْبَتِهِ اهـ. وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ النَّاسُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ قَبُولُ الْوُكَلَاءِ إلَّا مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَشْغِيبٌ وَلَدَدٌ فَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إبْعَادُهُ وَأَنْ لَا يَقْبَلَ لَهُ وَكَالَةً عَلَى أَحَدٍ ثُمَّ قَالَ مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ التَّوْكِيلَ جَائِزٌ لِمَنْ شَاءَ مِنْ طَالِبٍ أَوْ مَطْلُوبٍ وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يُبِيحُ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ امْرَأَةٍ مَحْجُوبَةٍ أَوْ رَجُلٍ وَاقِفٍ فِي بَابِ الْحَاكِمِ كَالْحَاجِبِ وَنَحْوِهِ وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا مِنْ سَائِرِ الْجَبَابِرَةِ فَلَا مِنْ الطُّرُرِ. [مَسَائِلُ الْإِقْرَارِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْإِقْرَارِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَتَانِ وَلَهُ مِنْ إحْدَاهُمَا ابْنٌ وَلَهُ مِنْ الْأُخْرَى بِنْتَانِ وَكَتَبَ حَالَ مَرَضِهِ لِلِابْنِ وَأُمِّهِ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ وَأَقَرَّ لَهَا بِدَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَكْتُبْ لِلْبِنْتَيْنِ وَأُمِّهِمَا شَيْئًا وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ كِتَابَتُهُ وَإِقْرَارُهُ بَاطِلَانِ وَجَمِيعُ تَرِكَتِهِ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ وَأَوْلَادِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يُؤْخَذُ الْمُكَلَّفُ بِلَا حَجْرٍ وَإِتْهَامٍ بِإِقْرَارِهِ لِأَهْلٍ لَمْ يُكَذِّبْهُ لَا مَرِيضٌ لِأَقْرَبَ أَوْ مُسَاوٍ اهـ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْل الْمُخْتَصَرِ لَا الْمُسَاوِي يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِشَخْصٍ مُسَاوٍ لِمَنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِ أَوْلَادِهِ مَثَلًا اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَبَطَلَتْ لِوَارِثٍ وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بِأَنْ يُوصِي بِمَا يُخَالِفُ حُقُوقَهُمْ أَوْ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ أَوْلَادِهِ دَرَاهِمَ وَكَتَبَ بِهَا وَثِيقَةً وَسَافَرَ إلَى قُطْرٍ آخَرَ مَاتَ فِيهِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِالْوَثِيقَةِ وَيُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهَا مِنْ التَّرِكَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعْمَلُ بِالْوَثِيقَةِ وَيُقْضَى لَهُ بِأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِيهَا مِنْ التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمُقِرِّ وَشَهِدَ عَلَى خَطِّهِ عَدْلَانِ مُتَيَقِّنَانِ أَنَّهُ خَطُّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَشَهِدَ عَلَى طِبْقِهَا عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْمَقَرُّ لَهُ مَعَهُ أَوْ كَتَبَ عَدْلَانِ شَهَادَتَهُمَا بِهَا وَمَاتَا أَوْ غَابَا وَشَقَّ حُضُورُهُمَا وَشَهِدَ عَلَى خَطِّهِمَا عَدْلَانِ مُتَيَقِّنَانِ أَنَّهُ

أقر بأن عنده قدرا معلوما من الدراهم لآخر ثمن جمل وشهدت عليه بينة

خَطُّهُمَا بِعَيْنِهِمَا وَأَنَّهُمَا عَدْلَانِ مِنْ تَحَمُّلِهِمَا لِمَوْتِهِمَا أَوْ غَيْبَتِهِمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَازَ عَدْلَانِ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ مُطْلَقًا كَشَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ وَشَقَّ حُضُورُهُ فِي الْأَمْوَالِ إنْ تَيَقَّنَتْ أَنَّهَا خَطُّهُ وَلَوْ لَمْ تُدْرِكْهُ وَأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ تَحَمُّلِهِ لِمَوْتِهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقِيرَةً وَخَلَّفَ مِنْهَا أَوْلَادًا وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ غَيْرِهَا أَيْضًا ثُمَّ تُوُفِّيَ وَأَخْرَجَتْ الزَّوْجَةُ وَثِيقَةً بِخَطِّهِ أَقَرَّ فِيهَا أَنَّ لَهَا مَبْلَغًا جَسِيمًا وَأَرَادَتْ أَخْذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَنَازَعَهَا أَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ لَا فِي نَظِيرِ عِوَضٍ وَشَهِدَ لَهَا بِإِقْرَارِهِ بِالْمَبْلَغِ رَجُلٌ مِنْ أَصْهَارِهَا فَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ الدَّيْنِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ وَلَا يُعْمَلُ بِالْوَثِيقَةِ وَشَهَادَةِ الصِّهْرِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْوَثِيقَةُ الَّتِي بِخَطِّهِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا إمَّا فِي صِحَّتِهِ وَإِمَّا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ أَقَرَّ فِيهَا بِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ لَازِمٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ، وَأَمَّا الزَّوْجُ الصَّحِيحُ فَإِقْرَارُهُ يَعْنِي بِدَيْنٍ لِزَوْجَتِهِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ اهـ وَإِنْ أَقَرَّ فِيهَا بِأَنَّ لَهَا كَذَا مِنْ مَالِهِ فَهَذِهِ هِبَةٌ يَتَوَقَّفُ تَمَامُهَا عَلَى حِيَازَةٍ فِي الصِّحَّةِ وَالْعَقْلِ وَعَدَمِ الْفَلَسِ وَإِنْ فَلِسَ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ إلَى أَنْ مَاتَ فِيهِمَا قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهُ بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَرَضِهِ فَإِنْ جَعَلَ مِنْ مَالِهِ كَذَا فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا فِيهَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَإِنْ عُلِمَ حُبُّهُ لَهَا فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لِلتُّهْمَةِ وَإِنْ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَلَوْ انْفَرَدَتْ بِصَغِيرٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَالنَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَرِثَهُ ابْنٌ فَأَكْثَرُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَنْفَرِدَ بِصَغِيرٍ فَإِنْ وَرِثَ كَلَالَةٌ أَوْ انْفَرَدَتْ بِصَغِيرٍ فَإِقْرَارُهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنْ وَرِثَتْهُ بِنْتٌ فَأَكْثَرُ وَعُصْبَةٌ فَقِيلَ يَلْزَمُ الْإِقْرَارُ نَظَرًا لِبُعْدِهَا عَنْ الْبِنْتِ وَقِيلَ لَا نَظَرًا لَقُرْبِهَا عَنْ الْغَاصِبِ وَمَحِلِّهِمَا إنْ لَمْ تَنْفَرِدْ بِصَغِيرَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَجْرِي فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ مَا جَرَى فِي إقْرَارِهِ لَهَا مِنْ التَّفْصِيلِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَحَّ أَيْ الْإِقْرَارُ مِنْ زَوْجٍ مَرِيضٍ عَلَى بُغْضِهِ لَا حُبِّهِ وَإِقْرَارُهَا لَهُ كَعَكْسِهِ كَأَنْ جَهِلَ وَوَرِثَهُ غَيْرُ مَحْضِ الْإِنَاثِ وَلَوْ ابْنًا وَلَمْ تَنْفَرِدْ بِصَغِيرٍ لِلتُّهْمَةِ وَفِي الْإِنَاثِ مَعَ الْعُصْبَةِ غَيْرِ الِابْنِ لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَهُمَا خِلَافٌ اهـ وَسُئِلَ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ حَالَ صِحَّتِهِ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَقْدٍ وَدَيْنٍ وَسَائِرِ مَا بِمَنْزِلِهِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ مِمَّا يَلِيقُ بِالزَّوْجَةِ وَمَا لَا يَلِيقُ بِهَا لَهَا وَلِوَلَدِهَا فُلَانٍ مِنْهُ وَكَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَاصِدًا حِرْمَانَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَهَلْ يُفْصَلُ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُهُ أَوْ مَا بِيَدِي أَمْ لَا وَهَلْ يُفْصَلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُقِرِّ بِهِ يَلِيقُ بِهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ نَعَمْ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ الصَّادِرُ مِنْ الصَّحِيحِ الْعَاقِلِ الرَّشِيدِ لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَاصِدًا حِرْمَانَ بَاقِي مَنْ يَرِثُهُ وَلَا يَضُرُّهُ الْمِيلُ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ مِنْ الْهِبَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَوْزِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ حُصُولِ مَانِعٍ لِلْمُقِرِّ مِنْ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ مَخُوفٍ وَنَحْوِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [أَقَرَّ بِأَنَّ عِنْدَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لِآخَرَ ثَمَنَ جَمَلٍ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَقَرَّ بِأَنَّ عِنْدَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لِآخَرَ ثَمَنَ جَمَلٍ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّرَاهِمِ لِرَبِّهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

ذي دين أبرأ مدينه مما في ذمته ثم أراد الرجوع عليه بما أبرأه منه

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِإِقْرَارِ الْمَدِينِ الْمَذْكُورِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّرَاهِمِ لِرَبِّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَدِينُ الْمَذْكُورُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَتَانِ لَهُ مِنْ إحْدَاهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ وَلَهُ مِنْ الْأُخْرَى بِنْتَانِ وَلَهُ عَقَارٌ وَمَوَاشٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَكَتَبَ فِي مَرَضِهِ لِلِابْنِ جَانِبًا مِنْ الْعَقَارِ وَجَانِبًا مِنْ الْمَوَاشِي مُدَّعِيًا أَنَّ الْجَانِبَ الَّذِي مِنْ الْمَوَاشِي مُشْتَرَى مِنْ مَالِ أُمِّ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ لِابْنِهَا وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا فَهَلْ لَا تَمْضِي الْكِتَابَةُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تَمْضِي الْكِتَابَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَكُلُّ وَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ مُسَاوٍ لِغَيْرِهِ أَوْ أَقْرَبَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ زَوْجَةٍ أَقَرَّتْ فِي صِحَّتِهَا بِأَنَّهَا قَبَضَتْ مِنْ زَوْجِهَا جَمِيعَ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ ادَّعَى وَارِثُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا أَنَّهَا قَبَضَتْ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ وَأَخَذَتْ فِي نَظِيرِ الْبَعْضِ الْآخَرِ نِصْفَ جَامُوسَةً فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي صِحَّتِهَا أَخَذْت جَمِيعَ دَيْنِي الَّذِي فِي ذِمَّةِ زَوْجِيِّ لَا يُعَارِضُ قَوْلَ وَارِثِهَا إنَّهَا قَبَضَتْ الْبَعْضَ وَأَخَذَتْ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ نِصْفَ الْجَامُوسَةِ فَإِذَا أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ نِصْفَ الْجَامُوسَةِ أَخَذَتْهُ مِنْ أَصْلِ دَيْنِهَا صَدَقَ فِي دَعْوَاهُ وَقُضِيَ بِنِصْفِ الْجَامُوسَةِ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ دَيْنَهَا مِنْ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَرِيضٍ لَهُ أَوْلَادٌ وَزَوْجَتَانِ فَأَقَرَّ لِإِحْدَاهُمَا الَّتِي يُتَّهَمُ بِمَحَبَّتِهَا بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَمَاتَ سَرِيعًا فَهَلْ الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَقَرَّ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي يُتَّهَمُ عَلَى حُبِّهَا بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِدُونِ الْإِقْرَارِ وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي أَقَرَّ فِيهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ الْمَالُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ تَرِكَةً يُقَسَّمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [ذِي دَيْنٍ أَبْرَأَ مَدِينَهُ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا أَبْرَأهُ مِنْهُ] (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ ذِي دَيْنٍ أَبْرَأَ مَدِينَهُ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا أَبْرَأهُ مِنْهُ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْإِبْرَاءِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَبْرَأَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَدِينَهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ سَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا أَوْ كُلَّ شَخْصٍ لَا شَخْصًا مَا وَلَمْ يُقَيِّدْ عَمَّمَ أَوْ سَكَتَ بَرِئَ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ كَدَارٍ عَلَى الصَّوَابِ مِمَّا فِي الْخِطَابِ إلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَطْعِ السَّرِقَة، بِخِلَافِ مَا لَهَا وَحَدِّ الْقَذْفِ

لَوْ بَلَغَ الْإِمَامَ إنْ أُرِيدَ السِّتْرُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ بِشَيْءٍ وَلَوْ بِصَكِّ وَثِيقَةٍ إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ بَرِئَ مِنْ الْأَمَانَةِ لَا الدَّيْنِ إلَّا لَعُرِفَ بِاسْتِعْمَالِ " مَعَ " فِي الذِّمَمِ كَأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ غَيْرُ الدَّيْنِ عَلَى الْأَظْهَرِ " وَعَلَيَّ " كَعِنْدَ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا يُبَرِّئْ عُمُومًا قَاضٍ نَاظِرَ الْوَقْفِ وَلَا وَصِيٌّ لِمَحْجُورِهِ وَلَا مَحْجُورُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ رُشْدِهِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ هَذَا الْجَمَلُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ الْجَامُوسَةُ لِزَوْجَتِي فُلَانَةَ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا قُلْت ذَلِكَ مُدَارَاةً مِنْ الْحَاكِمِ فَهَلْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَقَرُّ بِهِ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ فَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ الْمَقَرِّ لَهَا إلَّا بِإِشْهَادٍ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ سَوَاءً ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ مَا ذَكَرَ مُدَارَاةً مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ مَعْرُوفًا لَهُ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ لَهَا مُدَارَاةً مِنْهُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ أَيْضًا وَإِلَّا أُخِذَ بِهِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَالِ وَغَيْرُهُ لَازِمٌ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْإِكْرَاهِ وَالْخَوْفِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يُسْتَحَقُّ مِنْهُ شَيْءٌ لِلِابْنِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِإِشْهَادٍ بِصَدَقَةِ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فِي الْوَلَدِ وَلَا الزَّوْجِ اهـ وَنَحْوَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ فِي مَبْحَثِ الْهِبَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ اشْتَرَتْ جَامُوسَةً بِحَضْرَةِ زَوْجِهَا وَجَمْعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَدَفَعَتْ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهَا فَسَأَلَ الْحَاضِرُونَ الزَّوْجَ هَلْ لَك فِيهَا شَيْءٌ فَقَالَ إنَّهَا تُشْتَرَى لِنَفْسِهَا خَاصَّةً فَقَالُوا لَهُ نَشْهَدُ عَلَيْك إنْ ادَّعَيْت خِلَافَ ذَلِكَ فَقَالَ اشْهَدُوا ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ نِتَاجُ الْجَامُوسَةِ ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ وَتَرَافَعَ مَعَ الْمَرْأَةِ لِلْقَاضِي وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّ الشِّرَاءَ لَهُ فَطَلَبَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ فَأَحْضَرَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً مِنْ بَلَدِ الشِّرَاءِ فَجَرَّحَهَا الزَّوْجُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فَأَحْضَرَتْ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ أَقَرَّ خَوْفًا مِنْ الْحُكَّامِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ فَهَلْ يَنْفُذُ ذَلِكَ الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ إقْرَارَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بِمَا ذَكَرَ كَانَ تُقْيَةً وَخَوْفًا مِنْ جَوْرِ الْحُكَّامِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ رَدَّ بَيْعَ وَارِثِهِ فِي غَيْبَتِهِ حِصَّتَهُ فِي نَخْلٍ بَعْدَ بَيْعِ بَعْضِ شُرَكَائِهِ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَاعَهَا لِآخَرَ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ أَمْضَى بَيْعَ وَارِثِهِ قَبْلَ رَدِّهِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَيُرَدُّ مَا أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَبَاعَهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ أَوْ لَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ. (فَأَجَابَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يُعْمَلُ بِإِقْرَارِ الرَّجُلِ ثَانِيًا أَنَّهُ كَانَ أَمْضَى بَيْعَ وَارِثِهِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى الْكَذِبِ لِنَقْضِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ هَذِهِ الْوَثِيقَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى أَرْبَعِينَ زَكِيبَةٍ قَمْحًا خَطُّهُ وَأَنَّ الْقَمْحَ عِنْدَهُ لَفُلَانٍ الْمُتَوَفَّى عَنْ وَرَثَةٍ ثُمَّ ادَّعَى دَفْعَهَا لِلْمُلْتَزِمِ تَحْتَ خَرَاج الْمُتَوَفَّى وَاحْتَجَّ بِدَفْتَرِ الْمُلْتَزِمِ وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَهَلْ يُعْمَلُ بِالدَّفْتَرِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَأَمَّا دَفْتَرُ

أقر في حال صحته لأمه بدين ثم مات فهل إقراره صحيح

الْمُلْتَزِمِ فَلَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الدَّفْعِ فَهُوَ إمَّا أَنْ يَثْبُتُ الدَّفْعُ وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْغِلَالَ لِوَرَثَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ سِتَّةُ أَبْنَاءٍ ثَلَاثَةٌ كِبَارٌ مِنْ زَوْجَةٍ وَثَلَاثَةٌ صِغَارٌ مِنْ أُخْرَى وَقَدْ انْعَزَلَ الْكِبَارُ عَنْهُ وَلَهُ عَقَارٌ وَأَمْوَالٌ وَأَمْتِعَةٌ أَرَادَ حِرْمَانَ الْكِبَارِ فَأَقَرَّ بِأَنَّ الْعَقَارَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَمْتِعَةَ مِنْ كَسْبِ الصِّغَارِ وَكَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ وَثِيقَةً فَهَلْ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ وَتُخْتَصُّ الصِّغَارُ بِمَتْرُوكَاتِهِ أَوْ تُقَسَّمُ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ اُعْتُبِرَ وَاخْتُصَّ الصِّغَارُ بِمَتْرُوكَاتِهِ إنْ حَازُوهَا عَنْهُ قَبْلَ مَانِعِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ حِرْمَانِ الْكِبَارِ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَبَاقِي وَرَثَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ الْأُجْهُورِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ عَنْ بِنْتَيْنِ وَعَاصِبٍ وَتَرَكَتْ مَا يُوَرَّثُ تَحْتَ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ فَاقْتَسَمَتَا شَيْئًا مِنْهُ وَصَالَحَتَا الْعَاصِبَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ تَحْتَ يَدِ الْبِنْتِ ثُمَّ مَاتَتْ أُخْتُهَا عَنْ وَرَثَةِ غَيْرِهَا فَأَرَادُوا أَخْذَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْبَاقِي فَأَنْكَرَتْهُ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهِ طَائِعَةً مُخْتَارَةً وَبَيَّنَتْهُ فَهَلْ إذَا أَنْكَرَتْهُ عِنْدَ الْمُحَاسَبَةِ لَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا وَلَهُمْ مُحَاسَبَتُهَا بِمَا بَاعَتْهُ وَمَا اسْتَغَلَّتْهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا بَعْدَ إقْرَارِهَا فَلَهُمْ مُحَاسَبَتُهَا بِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَرِيضٍ مَرَضًا شَدِيدًا لَهُ زَوْجَةٌ مَشْهُورَةٌ بِمَحَبَّتِهِ لَهَا شُهْرَةً زَائِدَةً وَلَهُ ابْنٌ وَبِنْتَانِ مِنْ غَيْرِهَا أَقَرَّ لَهَا بِجَارِيَةٍ وَدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَلَا وَلَدَ لَهَا مِنْهُ وَمَاتَ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِيَوْمٍ فَهَلْ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهَا بِهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِاتِّهَامِهِ فِيهِ بِالْكَذِبِ لِمَحَبَّتِهِ لَهَا قَالَ الْخَرَشِيُّ وَإِنْ كَانَ يُحِبُّهَا وَيَمِيلُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [أَقَرَّ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لِأُمِّهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ إقْرَارُهُ صَحِيح] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَقَرَّ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لِأُمِّهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ إقْرَارُهُ صَحِيحٌ وَلِأُمِّهِ طَلَبُهُ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إقْرَارُهُ صَحِيحٌ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِهِ فَإِنْ أَثْبَتَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ وَحَلَفَتْ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ فَلَهَا أَخْذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ وَالْمِيرَاثُ. قَالَ الْحَافِظ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَافِي كُلٌّ مَنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ وَالدُّيُونِ وَالْبَرَاءَاتِ وَقَبْضِ أَثْمَانِ الْمَبِيعَةِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلَا يُظَنُّ بِهِ تَوْلِيجٌ وَالْأَجْنَبِيُّ وَالْوَارِثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْعَدُوُّ وَالصِّدِّيقُ فِي الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ اشْتَرَى صَمَغًا كُلُّ قِنْطَارٍ بِكَذَا دِرْهَمًا وَتَوَلَّى وَزْنَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَأَلْصَقَ بِكِفَّةِ الْمِيزَانَ الَّتِي فِيهَا الصَّنْجَةُ صَمْغًا مِنْ أَسْفَلِهَا لِتَثْقُلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِهِ وَلَمَّا أَتَمَّ الْوَزْنَ قَالَ لِلْبَائِعِ إنْ كَانَ زَادَ لَك شَيْءٌ فَسَامَحَنِي فَقَالَ سَامَحَتْك لِحُضُورِهِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِالزِّيَادَةِ وَلَوْ عَلِمَ لَمْ يُسَامِحْهُ وَعَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ قَوْلُ مُتَوَلِّي الْوَزْنِ بَعْدَ التَّمَامِ الْمُسَامَحَةَ وَلَوْ لَمْ يُزِدْ شَيْئًا ثُمَّ حَرَّرَ الْمُشْتَرَى زِيَادَةَ قِنْطَارَيْنِ فَوَجَدَهَا نِصْفَ قِنْطَارٍ وَكَتَبَ سُؤَالًا عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ وَأَجَابَ عَنْهُ بِسُقُوطِ حَقِّ الْبَائِعِ مِنْ الزِّيَادَةِ بِمُسَامَحَتِهِ دُنْيَا وَآخِرَةً لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ أَوْ أَبْرَأَهُ بَرِئَ مُطْلَقًا مُفَسِّرًا الْإِطْلَاقَ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْلَمُ لَهُ شَيْئًا أَمْ لَا وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُمْ قَائِلِينَ هَذِهِ خِيَانَةٌ وَفَسَادٌ وَإِسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمُسَامَحَةَ فِي أَمْرٍ يَعْلَمُ عَدَمَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ عَلِمَ لَهُ حَقًّا عِنْدَ الْمُبَرَّإِ سَوَاءٌ عَلِمَ قَدْرَهُ أَمْ لَا حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا دَيْنًا أَوْ سَرِقَةً، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ حَقًّا وَلَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُبَرَّأُ فَمَنْ أَيِّ شَيْءٍ يُبْرِئُ فَهَلْ الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ فَتْوَى الْأَوَّلِينَ أَوْ الْآخَرِينَ وَهَلْ إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْمُسَامَحَةِ بِمَا ذُكِرَ تَنْفَعُهُ الْمُسَامَحَةُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ عَلَيْك بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الصَّحِيحُ فَتْوَى الْأَوَّلِينَ وَقَوْلُ الْآخَرِينَ هَذِهِ خِيَانَةٌ وَفَسَادٌ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ عَدَمُ سُقُوطِ حَقِّ الْبَائِعِ بِمُسَامَحَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّرِقَةَ خِيَانَةٌ وَفَسَادٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ عَنْ السَّارِقِ بِمُسَامَحَتِهِ وَقَوْلُهُمْ إسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا طَلَبَ الْمُسَامَحَةَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْوَزْنِ وَتَحَقُّقِ الْخِيَانَةِ مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ طَلَبَ إلَخْ لَا يُنْتِجُ أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ عَدَمُهُ وَقَوْلُهُمْ يَعْلَمُ عَدَمَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ لَا يَعْلَمُهُ وَذَا أَعَمَّ مِنْ عِلْمِ عَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ صِدْقُهُ فِيهِ فَالْبَائِعُ مُفَرِّطٌ بِتَعَجُّلِ الْمُسَامَحَةَ عَلَى عِلْمِهِ بِمَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْمُسَامَحَةَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ كَلَامُ الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ عَلِمَ لَهُ حَقًّا إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيمَنْ لَهُ حَقٌّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ نَصَّ شُرَّاحُهُ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَقَوْلُهُمْ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ حَقًّا وَلَا أَقَرَّ بِهِ الْمُبَرَّأُ فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يُبْرِئُ جَوَابُهُ يُبْرِئُ مِنْ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهُ نَفْسَ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَتَصِحُّ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَالَ لَهُ إنْ كَانَ زَادَ لَك شَيْءٌ فَسَامَحَنِي فَقَالَ لَهُ سَامَحَتْك أَيْ مِنْ الزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ فَالْمُبْرَأُ مِنْهُ مَعْلُومُ النَّوْعِ لِلْبَائِعِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ جَهْلَ الْقَدْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ عَلَى أَنَّ قَوْلَكُمْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا مُبْطِلٌ لِقَوْلِكُمْ كَلَامُهُ فِيمَنْ عَلِمَ لَهُ حَقًّا إذَا الْمُتَّهَمُ الَّذِي لَمْ يُحَقِّقُ الدَّعْوَى غَيْرُ عَالِمٍ أَنَّ لَهُ حَقًّا وَقَدْ صَحَّحْتُمْ بَرَاءَتَهُ. وَإِذَا أَقَرَّ الْمُبَرَّأُ بِمَا فَعَلَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بَعْدَ إبْرَائِهِ فَاَلَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ عَبْدِ الْبَاقِي فِي بَابِ الصُّلْحِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ قَالَ أَحْمَدُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ بَرَاءَةٌ أَمْ لَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا لِأَنَّهَا كَالصُّلْحِ وَإِنْ وَقَعَ لَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَة ثُمَّ وَقَعَتْ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ بَعْدَهَا اهـ وَصَدَّرَ بِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فَقَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بَرِئَ أَوْ لَوْ أَقَرَّ الْمُبَرَّأُ بِالْفَتْحِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إنْكَارِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِلْحَطَّابِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرٍ قَوْلِهِ فِي الصُّلْحِ فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ

مسائل الجنايات

بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ فَلَهُ نَقْضُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَشْمَلُ حُصُولَ إبْرَاءٍ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَقَبْلَ الْإِقْرَارِ وَبِهِ أَفْتَى الْبُرْهَانُ وَتِلْمِيذُهُ الشَّمْسُ اللَّقَانِيَّانِ فَيُعْمَلُ بِالْإِقْرَارِ الطَّارِئِ عَلَى الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا بِإِنْكَارِهِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ جَدِيدٍ فَيُقَيَّدُ مَا هُنَا بِعَدَمِ إقْرَارِ الْمُبَرَّإِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الصُّلْحِ وَفَتْوَى اللَّقَانِيِّينَ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي الصُّلْحِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَبْدُ الْبَاقِي فِي الصُّلْحِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ الْجِنَايَاتِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجِنَايَاتِ (سُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ أَخَوَيْنِ ضَاعَ لَهُمَا عِجْلٌ فَسَعَيَا فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَا عِجْلًا بِجِوَارِ بَلْدَةٍ غَيْرِ بَلْدَتِهِمَا فَأَرَادَا أَخْذَهُ فَتَعَرَّضَ لَهُمَا رَجُلٌ اسْمُهُ يُوسُف وَمَعَهُ أَوْلَادُ أُخْتِهِ فَتَقَاتَلُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعِجْل فَمَاتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ فَادَّعَى أَخُوهُ الْحَاضِرُ مَعَهُ أَنَّ يُوسُفَ قَتَلَهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ إنَّ الْمَيِّتَ ضَرَبَنِي بِنَبُّوتٍ فَانْكَبَبْت عَلَى وَجْهِي وَلَمَّا أَفَقْت وَجَدْته مَيِّتًا وَأَوْلَادُ أُخْتِي حَوْلِي فَهُمْ الْقَاتِلُونَ لَهُ فَصَدَّقَهُ أَخُو الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ أَوْلَادُ الْأُخْتِ بَلْ خَالُنَا هُوَ الْقَاتِلُ لَهُ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ الْعِجْلُ مِلْكًا لِيُوسُف وَمِنْ مَعَهُ، وَالْأَخَوَانِ يُرِيدَانِ أَخْذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمَا إلَّا بِالْقَتْلِ فَالْقَتِيلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ صَائِلٌ وَإِنْ كَانَ عِجْلُ الْأَخَوَيْنِ، وَيُوسُفُ وَمَنْ مَعَهُ مُتَعَدُّونَ عَلَيْهِمَا فَهُمْ مُتَمَالِئُونَ عَلَى الْقَتْلِ يُقْتَلُونَ جَمِيعًا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا قَاتِلَ غَيْرُهُمْ وَالْمُبَاشِرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَلَا شَيْءَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَحْسَنُ مِنْ الصُّلْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ كَوْنُ الْعِجْلِ لِلْأَخَوَيْنِ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُ السُّؤَالِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا فَسَقَطَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ وَتَوَقُّفُ الدَّفْعِ عَلَى الْقَتْلِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ اللَّوْثِ يُعَيِّنُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ شَخْصًا مِنْ الْمَتْهُومِينَ وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَقْتَصُّونَ مِنْهُ إنْ شَاءُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يُفْعَلُ فِي بِلَادِنَا فِي اللَّيَالِي كَاللَّيْلَةِ الَّتِي تُدْعَى بِلَيْلَةِ النَّجَّارِ وَكَلَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ وَلَيْلَةِ بَنِي حَمِيلٍ وَلَيْلَةِ الْأَمِيرِ ضِرَارٍ وَلَيْلَةِ الْعَشْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ اللَّيَالِي الْمَشْهُورَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ جُلِّ الْقَبَائِلِ وَلَعِبِهِمْ فِيهَا بِالْخَيْلِ فِي مَيْدَانٍ ذِي مَبْدَأٍ وَغَايَة مَعْلُومِينَ فَهَلْ إذَا ضَرَبَ أَحَدُهُمْ آخَرَ بِالْجَرِيدِ الْأَخْضَرِ الْمَجْعُولِ لَهُمْ كَالسِّهَامِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ كَسَرَ عَظْمَهُ أَوْ قَتَلَهُ يُقْتَصُّ مِنْ الرَّامِي أَوْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَحْدَهُ وَهَلْ إذَا أَصَابَ الْجَرِيدُ بَعْضَ الْحَاضِرِينَ لِلْفُرْجَةِ يَلْزَمُ الرَّامِيَ أَوْ الِاثْنَيْنِ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَكَذَا مَا يَطْرَأُ فِي الْأَفْرَاحِ مِنْ ضَرْبِ الْبُنْدُقِ مِنْ قَتْلِ بَعْضِ النَّاسِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَضِّحُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذِهِ الْجَنَابَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ مُلْحَقَةٌ بِالْخَطَأِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّامِي إنْ بَلَغَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَعْلَى وَإِلَّا فَعَلَيْهِ وَحْدَهُ وَنَصَّ الْمَجْمُوعِ وَضَرْبُ اللَّعِبِ بِآلَتِهِ خَطَأٌ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَتِهِ وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ إنَّ حُكْمَ

مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ حُكْمُ الْخَطَأِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الدِّيَةَ فِيمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنْ قَصَدَ الرَّامِي شَخْصًا مُعَيَّنًا مَعْصُومًا وَأَصَابَتْهُ الرَّمْيَةُ فَهَذَا عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ مِنْ الرَّامِي اتِّفَاقًا بِشَرْطِهِ وَإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ صَدَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ عَمْدٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَطَّابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ إنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ أَفَادَهُ الشَّيْخُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَوَازِلِهِ وَإِنْ قَصَدَ الرَّامِي الْهَوَاءَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مَعْصُومًا فَهَذَا خَطَأُ دِيَةِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ الْبَالِغَةِ ثُلُثًا فَأَعْلَى عَلَى الْعَاقِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الرَّامِي وَحْدَهُ وَعَلَى الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ أَحْوَالِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ يُحْمَلُ قَوْل ابْنِ سَلَمُونَ وَقَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو رِزْقٍ يَقُولُ فِي هَؤُلَاءِ الْفُرْسَانِ الَّذِينَ يَلْعَبُونَ فِي الْمَلَاعِبِ وَالْأَعْيَادِ أَنَّهُ إنْ أَصَابَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ آخَرَ فَجَرَحَهُ أَوْ قَتَلَهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ فِيهِ بِحُكْمِ الْعَمْدِ لَا حُكْمِ الْخَطَأِ أَخْبَرْت بِذَلِكَ عَنْهُ وَكَأَنِّي سَمِعَتْهُ اهـ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يُدْعَوْنَ بِمَشَايِخِ الطَّوَائِفِ كَالْحَفْنَاوِيِّ وَالسَّمَّانِيَّةِ وَالشَّاذِلِيَّةِ والنقشبندية وَالْأَحْمَدِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَسْلُكُونَ الْحِلَقَ وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ بِدَايَاتٍ مَعْرُوفِينَ وَلَا يَتَجَاوَزُ أَحَدُهُمْ الْآخَرَ وَيَقَعُ بَيْنَهُمْ تَشَاجُرٌ فَإِذَا قَتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَدًا فَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ وَحْدَهُ أَوْ مِنْ شَيْخِ الطَّائِفَةِ وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ عَلَى النَّاسِ عَادَاتٍ فَهَلْ هِيَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَيْضًا الْبِدَايَاتُ يَكْبِسُونَهُمْ وَهَذَا يُدْعَى عِنْدَهُمْ بِالسُّرُوحِ وَيَلْتَفُّ مَعَهُ فِي لِحَافٍ وَيَخْتَلِي مَعَهُ وَيَكْشِفُ دُبُرَ الْوَلَدِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى قُبُلِهِ وَلَا يَنْتَصِبُ وَيَعُدُّهُ كَرَامَةً فَمَا الْحُكْمُ وَضِّحُوا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ وَحْدَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَأُخِذَتْ الْعَادَاتُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ اللِّوَاطُ بِقَانُونِهِ الشَّرْعِيِّ يُرْجَمُ وَالِالْتِفَافُ وَالْخَلْوَةُ وَكَشْفُ الدُّبُرِ وَالْجَعْلُ الْمَذْكُورَاتُ حُرْمَتُهَا إجْمَاعِيَّةٌ ضَرُورَةً يُكَفَّرُ مُنْكِرُهَا وَغَيْرُهُ يُبَالَغُ فِي تَأْدِيبِهِ؛ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا اشْتَهَرَ عِنْدَنَا فِي اللَّيَالِي مِنْ جَمْعِ مُغَنِّينَ يُغَنُّونَ فِي جَمْعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْفُقَرَاءِ وَصُحْبَتُهُمْ بِدَايَاتُهُمْ وَبَيَارِقُهُمْ وَكَاسَاتُهُمْ فَهَلْ هَذَا حَرَامٌ أَوْ فِيهِ وَعْظٌ لِلْعَوَامِّ وَهِدَايَةٌ لِدِينِهِمْ وَنُصْرَةٌ لِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا حَرَامٌ وَفِيهِ إضْلَالٌ لِلْعَوَامِّ عَنْ دِينِهِمْ وَخِذْلَانٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِتَعْطِيلِهِ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ وَإِيجَابِهِ اسْتِهْزَاءَ وَشَمَاتَةَ الْكَافِرِينَ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَا شَكَّ أَنَّ مَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ النَّاسِ مُخَالِفٌ لِسَمَاعِ الصُّوفِيَّةِ لِاحْتِوَائِهِ عَلَى أَشْيَاءَ مُحَرَّمَاتٍ أَوْ مَكْرُوهَاتٍ أَوْ هُمَا مَعًا إذْ جَمَعُوا فِيهِ بَيْنَ الدُّفِّ وَالشَّبَّابَةِ وَالتَّصْفِيقِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ التَّصْفِيقَ إنَّمَا هُوَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا مُنِعَتْ الْآلَاتُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ جَوَازَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَدْ سُئِلَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي الرَّقْصِ عَلَى الطَّارِّ

وَالشَّبَّابَةِ فَقَالَ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ فَقَالُوا أَمَا جَوَّزَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَنْشَدَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: حَاشَا الْإِمَامِ الشَّافِعِيَّ النَّبِيهِ ... أَنْ يَرْتَضِي غَيْرَ مَعَانِي نَبِيهِ أَوْ يَتْرُكَ السُّنَّةَ فِي نُسُكِهِ ... أَوْ يَبْتَدِعْ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ فِيهِ أَوْ يَبْتَدِعَ طَارًّا وَشَبَّابَةً ... لِنَاسِكٍ فِي دِينِهِ يَقْتَدِيهِ الضَّرْبُ بِالطَّارَّاتِ فِي لَيْلَةٍ ... وَالرَّقْصُ وَالتَّصْفِيقُ فِعْلُ السَّفِيهِ هَذَا ابْتِدَاعٌ وَضَلَالٌ فِي الْوَرَى ... وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَا حَدِيثٍ عَنْ نَبِيِّ الْهُدَى ... وَلَا صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيهِ بَلْ جَاهِلٌ يَلْعَبُ فِي دِينِهِ ... قَدْ ضَيَّعَ الْعُمْرَ بِلَهْوٍ وَتِيهِ وَرَاحَ فِي اللَّهْوِ عَلَى رِسْلِهِ ... وَلَيْسَ يَخْشَى الْمَوْتَ إذْ يَعْتَرِيهِ إنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يَرْتَضِي ... إلَّا بِمَا اللَّهُ بِهِ يَرْتَضِيهِ وَلَيْسَ يُرْضِي اللَّهَ لَهُوَ الْوَرَى ... بَلْ يَمْقُتُ اللَّهُ بِهِ فَاعِلِيهِ بَلْ بِصِيَامٍ وَقِيَامٍ فِي الدُّجَى ... وَآخِرِ اللَّيْلِ لِمُسْتَغْفِرَيْهِ إيَّاكَ تَغْتَرَّ بِأَفْعَالِ مَنْ ... لَا يَعْرِفُ الْعِلْمَ وَلَا يَبْتَغِيهِ قَدْ أَكَلُوا الدُّنْيَا بِدِينٍ لَهُمْ ... وَلَبَّسُوا الْأَمْرَ عَلَى جَاهِلِيهِ جَهْلٌ وَطَيْشٌ فِعْلُهُمْ كُلُّهُ ... وَكُلُّ مَنْ دَانَ بِهِ نَزْدَرِيهِ شِبْهُ نِسَاءٍ جَمَعُوا مَأْتَمًا ... فَقُمْنَ فِي النَّدْبِ عَلَى مَيِّتِيهِ وَالضَّرْبُ فِي الصَّدْرِ كَمَا قَدْ تَرَى ... لَيْسَ لَهُمْ غَيْرُ النَّسَا مِنْ شَبِيهِ أَنْكِرْ عَلَيْهِمْ إنْ تَكُنْ قَادِرًا ... فَهُمْ رِجَالُ إبْلِيسَ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَخَفْ فِي اللَّهِ مِنْ لَائِمٍ ... وَفَّقَك اللَّهُ لِمَا يَرْتَضِيهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَقُولُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ فِي مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ وَاعْلَمْ حَرَسَ اللَّهُ مُدَّتَك أَنَّهُ مِنْ رِجَالٍ فَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَنَّهُمْ يُوقِعُونَ بِالْقَضِيبِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَدِيمِ وَيَقُومُ بَعْضُهُمْ يَرْقُصُ وَيَتَوَاجَدُ حَتَّى يَقَعَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَيُحْضِرُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ هَلْ الْحُضُورُ مَعَهُمْ جَائِزٌ أَمْ لَا أَفْتَوْنَا يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ. الْجَوَابُ يَرْحَمُك اللَّهُ مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ بَطَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَضَلَالَةٌ وَمَا الْإِسْلَامُ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ قَامُوا يَرْقُصُونَ حَوَالَيْهِ وَيَتَوَاجَدُونَ فَهُوَ دِينُ الْكُفَّارِ وَعُبَّادِ الْعِجْلِ. وَأَمَّا الْقَضِيبُ فَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ الزَّنَادِقَةُ لِيَشْغَلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ مِنْ الْوَقَارِ فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ وَيُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ

تعرض لشخص في محل مظلم وصرخ في وجهه فمات أوأورثه في عقله خللا

وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ نَحْوَ كُرَّاسٍ فَصْلٌ: وَيُقَالُ إنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ تُضِيفُ إلَى مَا هِيَ فِيهِ مِنْ الْبَاطِلِ اسْتِحْضَارَ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرَ فِي وُجُوهِهِمْ وَرُبَّمَا زَيَّنُوهُمْ بِالْحُلِيِّ وَالْمُصْبَغَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَتَزْعُمُ أَنَّهَا تَقْصِدُ بِذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ بِالصَّنْعَةِ عَلَى الصَّانِعِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ وَطَائِفَتِهِمْ قَوْلًا عَظِيمًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَكَشْفِ فَضَائِحِهِمْ وَمَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَبْدٌ أَهَانَهُ اللَّهُ وَخَذَلَهُ وَكَشَفَ عَوْرَتَهُ وَأَبْدَى سَوْأَتَهُ فِي الْعَاجِلِ وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ سُوءُ الْمُنْقَلَبِ فِي الْآجِلِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» . خَبَّبَ أَيْ أَفْسَدَ وَخَدَعَ وَأَصْلُهُ مِنْ الْخِبِّ وَهُوَ الْخِدَاعُ وَيُقَالُ فُلَانٌ خِبٌّ هِبٌّ إذَا كَانَ فَاسِدًا مُفْسِدًا قَالَ الْوَاسِطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ إذَا أَرَادَ اللَّهُ هَوَانَ عَبْدٍ أَلْقَاهُ إلَى هَؤُلَاءِ لَأَنْتَانِ الْجِيَفِ أَوْ لَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30] «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الْآخِرَةُ» وَقَالَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ بَعْضُ التَّابِعِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحِدَّ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَى الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ الْوَجْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِلشَّيْطَانِ مِنْ الرَّجُلِ ثَلَاثَةُ مَنَازِلَ فِي نَظَرِهِ وَقَلْبِهِ وَذَكَرِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُلُّ نَظْرَةٍ يَهْوَاهَا الْقَلْبُ لَا خَيْرَ فِيهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبِثَ بِغُلَامٍ بَيْنَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ يُرِيدُ الشَّهْوَةَ لَكَانَ لِوَاطًا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُجَالِسُوا أَبْنَاءَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ النِّسَاءِ وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذْرَاءِ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ مَا أَنَا بِأَخْوَفَ مِنْ الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ عَلَيْهِ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اللُّوطِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ يَنْظُرُونَ وَصِنْفٌ يُصَافِحُونَ وَصِنْفٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ لَا تَجِئْنِي بِهِ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى فَقِيلَ إنَّهُ ابْنُهُ وَهُمَا مَسْتُورَانِ فَقَالَ عَلِمْت وَلَكِنْ عَلَى رَأْيِ أَشْيَاخِنَا وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ فَجَاءَهُ غُلَامٌ حَدَثٌ لِيَجْلِسَ إلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ مِنْ خَلْفِهِ انْتَهَى بَعْضُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [تَعَرَّضَ لِشَخْصِ فِي مَحِلّ مُظْلِمٍ وَصَرَخَ فِي وَجْهِهِ فَمَاتَ أَوْأَوْرَثَهُ فِي عَقْلِهِ خَلَلًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَعَرَّضَ لِشَخْصٍ فِي مَحِلٍّ مُظْلِمٍ وَصَرَخَ فِي وَجْهِهِ فَمَاتَ أَوْ أَوْرَثَهُ فِي عَقْلِهِ خَلَلًا فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ سُقُوطٍ اُقْتُصَّ مِنْ الصَّارِخِ بِلَا قَسَامَةٍ وَإِنْ سَقَطَ وَمَاتَ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِقَسَامَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ سُقُوطٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ طَلَبَ شَخْصًا وَبَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَمَسْأَلَةِ مَنْ رَمَى شَخْصًا عَلَى حَائِطٍ فَحَادَ فَسَقَطَ مَاتَ. وَفِي الْمَجْمُوعِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ بِالْحَالِ فَفِي عَبْدِ الْبَاقِي وَغَيْرِهِ الْقِصَاصُ قِيَاسًا عَلَى الْعَائِنِ الْمُجَرَّبِ وَاسْتَبْعَدَهُ

عمل في الطريق المعهود بؤرة وغطاها بالتراب فعثرت دابة فيها فحصل لها خلل

الْبُنَانِيُّ اهـ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ لِأَنَّ الْحَالَ يَخْفَى ضَبْطُهُ، بِخِلَافِ الْعَائِنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ وَإِنْ أَوْرَثَهُ خَلَلًا فِي عَقْلِهِ بِصُرَاخِهِ عَلَيْهِ بَغْتَةً فِي مَحِلٍّ مُظْلِمٍ فَإِنْ أَمْكَنَ فِعْلُ حِيلَةٍ بِالصَّارِخِ يَخْتَلُّ بِهَا عَقْلُهُ فُعِلَتْ وَإِلَّا غَرِمَ الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ بِحَسَبِ مَا ذَهَبَ مِنْ عَقْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَقْلِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ النُّطْقِ أَوْ الصَّوْتِ أَوْ الذَّوْقِ أَوْ قُوَّةِ الْجِمَاعِ أَوْ نَسْلِهِ أَوْ تَجْذِيمِهِ أَوْ تَبْرِيصِهِ أَوْ تَسْوِيدِهِ أَوْ قِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ضَرَبَ شَخْصًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ جُنَّ مِنْ الشَّهْرِ يَوْمًا كَانَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ جُنَّ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَانَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ سِتِّينَ جُزْءًا اهـ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا فَإِنَّمَا عَلَى الْجَانِي مَا نَقَّصَهُ فَقَطْ وَكَذَلِكَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِشَخْصٍ فِعْلًا فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ نُطْقُهُ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِشَخْصٍ فِعْلًا ذَهَبَ بِسَبَبِهِ ذَوْقُهُ وَكَذَلِكَ تَجِب الدِّيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِشَخْصٍ فِعْلًا ذَهَبَ بِسَبَبِهِ قُوَّةُ جِمَاعِهِ أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا ذَهَبَ بِهِ نَسْلُهُ أَوْ حَصَلَ بِسَبَبِهِ تَجْذِيمُهُ أَوْ تَبْرِيصُهُ أَوْ تَسْوِيدُهُ وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِشَخْصٍ فِعْلًا ذَهَبَ بِسَبَبِهِ قِيَامُهُ مَعَ جُلُوسِهِ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ وَلَا خَفَاءَ فِي شُمُولِ الْفِعْلِ لِلتَّخْوِيفِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَسْأَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحَامِلِ بِأَنَّ التَّخْوِيفَ كَالضَّرْبِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّخْوِيفُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالشَّتْمُ كَالضَّرْبِ اهـ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَإِذَا ضُرِبَتْ الْعَيْنُ فَذَهَبَ بَصَرُهَا وَبَقِيَ جَمَالُهَا فَفِيهَا عَقْلُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَلَا قَوْدَ فِيهَا وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ مِنْهَا عَمْدًا لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْقَوْدِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْيَدُ إذَا شُلَّتْ وَلَمْ تُبَنْ وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ إذَا أُخْرِسَ وَلَمْ يُقْطَعْ هَذِهِ سَبِيلُ كُلِّ مَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُبَنْ عَنْ جُثْمَانِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَبَقِيَ جَمَالُهُ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا فَفِيهِ عَقْلُهُ كَامِلًا وَلَا قَوْدَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا وَيُؤَدَّبُ الْجَانِي مَعَ أَخْذِ الْعَقْلِ مِنْهُ وَإِذَا طَرَفَ رَجُلٌ عَيْنَ رَجُلٍ فَأَدْمَعَهَا أَوْ ضَرَبَ سِنَّةُ فَحَرَّكَهَا أَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَأَوْهَنَهَا اُسْتُؤْنِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ سَنَةً فَمَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَيْنِ وَالسِّنِّ وَالْيَدِ بَعْدَ السَّنَةِ حُكِمَ بِذَلِكَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ اهـ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ شَارِحًا بِهِ قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ ذَهَبَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فَإِنْ اُسْتُطِيعَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ كَأَنَّهُ شُلَّتْ يَدُهُ بِضَرْبَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا فَأَفْضَاهَا فَمَا يَلْزَمُهُ. أَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْإِفْضَاءِ قَوْلَانِ حُكُومَةٌ أَوْ دِيَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْقَوْلُ بِالْحُكُومَةِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلُ بِالدِّيَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَعَلَّلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ بِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ اللَّذَّةِ وَلَا تُمْسِكُ الْوَلَدَ وَلَا الْبَوْلَ إلَى الْخَلَاءِ وَلِأَنَّ مُصِيبَتَهَا أَعْظَمُ مِنْ الشَّفْرَيْنِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِمَا اهـ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ أَنَّ الْإِفْضَاءَ لَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [عَمِلَ فِي الطَّرِيقِ الْمَعْهُودِ بُؤْرَةً وَغَطَّاهَا بِالتُّرَابِ فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ فِيهَا فَحَصَلَ لَهَا خَلَلٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ عَمِلَ فِي الطَّرِيقِ الْمَعْهُودِ بُؤْرَةً وَغَطَّاهَا بِالتُّرَابِ فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ فِيهَا فَحَصَلَ لَهَا خَلَلٌ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَضْمَنُ أَرْشَ الْخَلَلِ

كب ماء في الطريق فزلقت فيه دابة فحصل لها خلل

الْحَاصِلِ لِلدَّابَّةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَحَفْرِ بِئْرٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا وَفِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ حَفْرُهَا فِيهِ كَطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَصَدَ بِذَلِكَ الضَّرَرَ لِهَلَاكِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهَلَكَ فِيهَا ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ فَإِنْ هَلَكَ فِيهَا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ عَبْدًا اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِحَفْرِهَا ضَرَرًا فَإِنْ حَفَرَهَا فِي مَحِلٍّ لَا يَجُوزُ لَهُ كَالطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الطَّرِيقِ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ فِي مَحِلٍّ يَجُوزُ لَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَفَرَهَا بِقَصْدِ الضَّرَرِ وَلَوْ فِي مَحِلٍّ يَجُوزُ لَهُ فَإِنْ حَفَرَهَا لِإِهْلَاكِ شَخْصٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِيهَا غَيْرُ آدَمِيٍّ وَإِنْ حَفَرَهَا لِإِهْلَاكِ سَارِقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهَلَكَ فِيهَا غَيْرُ آدَمِيٍّ فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ وَإِنْ حَفَرَهَا لِإِهْلَاكِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ الشَّخْصُ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ هَلَكَ غَيْرُهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ حَفَرَهَا لِمَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ كَحَفْرِهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ حَائِطِهِ لِكَسَبُعٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِيهَا مِنْ آدَمِيٍّ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا حَوْلَ زَرْعِهِ لِمَنْعِ الدَّوَابِّ عَنْهُ خَشْيَةَ أَنْ تُفْسِدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَفَرَهَا لِإِتْلَافِ دَوَابِّ النَّاسِ ضَمِنَ هَذَا مَا ذَكَرُوهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [كَبَّ مَاءً فِي الطَّرِيقِ فَزَلِقَتْ فِيهِ دَابَّةٌ فَحَصَلَ لَهَا خَلَلٌ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَبَّ مَاءً فِي الطَّرِيقِ فَزَلِقَتْ فِيهِ دَابَّةٌ فَحَصَلَ لَهَا خَلَلٌ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَضْمَنُ أَرْشَ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ لِلدَّابَّةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَوَضْعِ مُزْلِقٍ بِطَرِيقٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَكَذَلِكَ يُقْتَصُّ مِمَّنْ وَضَعَ مَا يُزْلِقُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ كَقُشُورِ بِطِّيخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَصَدَ بِذَلِكَ الضَّرَرَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهَلَكَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ، وَأَمَّا إنْ هَلَكَ غَيْرُهُ فَالدِّيَةُ اهـ الْعَدَوِيُّ، قَوْلُهُ مَا يُزْلِقُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ كَرَشِّ وَوَضْعِ قِشْرِ بِطِّيخٍ، حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الضَّرَرَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِ الضَّرَرِ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مَحِلٍّ يَجُوزُ لَهُ فَإِنْ قَصَدَ إتْلَافَ آدَمِيٍّ بِعَيْنِهِ مُحْتَرَمٍ وَتَلِفَ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ تَلِفَ غَيْرُهُ أَوْ فَعَلَهُ لِإِتْلَافِ سَارِقٍ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ لِإِتْلَافِ مَا لَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ وَتَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ وَإِنْ فَعَلَهُ لِإِتْلَافِ مَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي طَائِفَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَقُتِلَ مِنْ إحْدَاهُمَا رَجُلٌ وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ مُقَاتَلَةٌ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَشَهِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ طَائِفَةٍ الْمَقْتُولِ بِأَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى قَتَلَاهُ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُقْبَلُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ لِمَانِعِي الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ إنْ كَانَ الشُّهُودُ مِمَّنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يَوْمًا وَلِمَانِعِ الْعَدَاوَةِ فَقَطْ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَأَمَّا شَاهِدٌ مِنْ طَائِفَةِ الْمَقْتُولِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ اقْتَتَلُوا فَانْكَشَفُوا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ لَا يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ أَنَّ فِيهِ الْعَقْلَ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوا

وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ أَوْ الْجَرِيحُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مَعًا وَفِيهَا لَيْسَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَسَامَةٌ. الْجَلَّابُ إنْ اقْتَتَلَتْ فِئَتَانِ ثُمَّ افْتَرَقَتَا عَنْ قَتِيلٍ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا قَوْدَ فِيهِ وَدِيَتُهُ عَلَى الْفِئَةِ الَّتِي نَازَعَتْهُ إنْ كَانَ مِنْ الْفِئَةِ الْأُخْرَى وَمِنْ غَيْرِهِمَا دِيَتُهُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَالْأُخْرَى أَنَّ وُجُودَهُ بَيْنَهُمَا مَعًا لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِأَوْلِيَائِهِ فَيَقْسِمُونَ عَلَى مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ قَتْلَهُ وَيَقْتُلُونَهُ بِهِ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ قِيلَ فِي قَوْلِهِ لَا قَسَامَةَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَا قَسَامَةَ بِحَالٍ لَا بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ وَلَا بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ وَهِيَ رِوَايَةُ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ لَا قَسَامَةَ بَيْنَهُمْ بِدَعْوَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ عَلَى الطَّائِفَةِ وَلَوْ دَمِيَ الْقَتِيلُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ كَانَتْ الْقَسَامَةُ وَهُوَ سَمَاعُ عِيسَى وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَمْ يَرُدَّ دَعْوَاهُ إلَّا قُوَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَلَا بِشَاهِدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَائِفَةِ الْمُدْمِي إذْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأُخْرَى وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا جُرِحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعَقْلُ جُرْحِهِ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي نَازَعَتْهُ وَلَا يُقْتَصُّ لِأَحَدٍ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَعَ شَاهِدٍ مِنْ طَائِفَةِ الْقَاتِلِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَسَامَةِ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا شَاهِدٌ مِنْ طَائِفَةِ الْمَقْتُولِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ. الْبَاجِيُّ إنْ كَانَ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ فَعَقْلُهُ فِي أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ مَشَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى بِالسِّلَاحِ إلَى مَنَازِلِهِمْ ضَمِنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا قَتَلَتْ مِنْ الْأُخْرَى رَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لِأَنَّ الْمَزْحُوفَ إلَيْهَا لَوْ شَاءُوا لَمْ يَقْتُلُوهُمْ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى السُّلْطَانِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا إنْ أَمْكَنَ السُّلْطَانُ الْحَجْزَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ عَاجَلُوهُمْ نَاشَدُوهُمْ اللَّهَ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قُلْت هُوَ مَا فِي الْجِهَادِ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَّابَةِ وَنَحْوِهَا هَذِهِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عَادُونَ وَمِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَلَوْ قَاتَلُوا بِالتَّأْوِيلِ فَلَا شَيْءَ فِيمَنْ قُتِلَ وَإِنْ عُرِفَ الْقَاتِلُ وَلَا دِيَةَ. ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَثَرِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُمْ أَوْ يُقْتَصُّ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَعَطَاءٍ وَالْخِلَافُ فِي الْقِصَاصِ سَوَاءٌ تَابَ أَوْ أُخِذَ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحِرَابَةِ وَإِنْ أُخِذَ عَنْوَةً وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالٍ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ إلَى رَبِّهِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ بُغَاةٌ عَنْ قَتْلَى وَلَمْ يُعْلَمُ الْقَاتِلُ فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوْدَ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَشَاهِدٍ أَوْ عَنْ الشَّاهِدِ فَقَطْ تَأْوِيلَاتٌ قَالَ الْخَرَشِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَاغِيَةِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَاتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِعَدَاوَةٍ أَوْ غَارَةٍ ثُمَّ قَالَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ الْعَدَوِيُّ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ الْبُغَاةِ، وَأَمَّا مِنْ الْبُغَاةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَلَوْ مِنْ طَائِفَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ لِحُصُولِ الْبَغْيِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّقَانِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اُقْتُصَّ مِنْ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ لِلْأُخْرَى إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ اهـ وَقَرَّرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فَقَالَ كَانَ الْقِيَاسُ قَتْلَ الْجَمِيعِ فِي إحْدَاهُمَا بِقَتْلِ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ لَكِنْ لَمْ يُنْظَرْ لِذَلِكَ هُنَا كَمَا حَكَمَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ اهـ وَدَفَعَ الْإِشْكَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا هَذَا مِنْ التَّمَالُؤِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ مَنْ فَعَلَهُ أَوْ فِرْقَتُهُ اهـ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ اهـ قَالَ

رجل وامرأة باتا جميعا وإلى جنب أحدهما صغير وراء ظهره فمات الطفل من الثياب الواقعة

الْعَدَوِيُّ أَيْ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَأَوِّلًا فَالدَّمُ الْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا هَدَرٌ، وَأَمَّا إذَا تَأَوَّلَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّ دَمَ الْمُتَأَوِّلَةِ قِصَاصٌ وَدَمَ الْأُخْرَى هَدَرٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ فَالزَّاحِفَةُ غَيْرُ مُتَأَوِّلَةٍ وَالدَّافِعَةُ مُتَأَوِّلَةٌ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ أَوْ رَفَعَهُمْ بِالْمُنَاشَدَةِ وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ فِي الدَّافِعَةِ أَيْضًا وَتَلَخَّصَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ لَا يَتَأَوَّلَانِ أَوْ يَتَأَوَّلَانِ أَوْ تَتَأَوَّلُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَامَ بِهِ دَاءُ الْفَالِجِ وَقَتَلَ آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ هَلْ الدَّاءُ الْقَائِمُ بِهِ أَوْ خِلَافُهُ فَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْفَالِجَ هُوَ النُّقْطَةُ الَّتِي تُمِيتُ الشِّقَّ وَتَمْنَعُ الْحَرَكَةَ وَالْكَلَامَ وَصَاحِبُ هَذَا لَا يَقْتُلُ عَادَةً فَلَعَلَّ الْمُرَادَ دَاءٌ آخَرُ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَلَا يُبْطِلُ الْحَرَكَةَ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا الْحَامِلُ لَهُ إلَخْ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ هَلْ قَتَلَهُ حَالَ غَيْبُوبَةِ عَقْلِهِ أَوْ حَالَ إقَامَتِهِ فَالْحُكْمُ عَدَمُ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ وَفِي كَوْنِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ لَمْ يَدْرِ سَبَبَ الْقَتْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِإِفَاقَتِهِ وَحُضُورِ عَقْلِهِ فَالْحُكْمُ هُوَ الْقِصَاصُ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَقْتُولِ لَيْسَ نَاقِصًا عَنْ الْجَانِي بِحُرِّيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَكَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا إذَا شُكَّ هَلْ قَتَلَ حَالَ الْجُنُونِ أَوْ حَالَ الْإِفَاقَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَازِمَةٌ وَهَلْ لَهُ أَوْ لِعَاقِلَتِهِ اُنْظُرْ ذَلِكَ وَلَا يُجْرَى هُنَا الْقَوْلُ بِسُقُوطِهَا عَنْهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِنَبُّوتٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَضْرُوبُ الضَّارِبَ عَلَى فَرَسٍ فَضَرَبَهُ بِنَبُّوتٍ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَبَرَكَ عَلَيْهِ الضَّارِبُ فَعَضَّ الْمَضْرُوبُ الثَّانِي أُصْبُعَ الضَّارِبِ الثَّانِي فَقَطَعَ أُنْمُلَتَهَا فَمَاذَا يَلْزَمُ الْعَاضَّ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَلْزَمُ الْعَاضَّ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ الْمَعْضُوضُ مُكَافِئًا لَهُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ مِنْ الْإِبِلِ إنْ كَانَتْ أُنْمُلَةً غَيْرَ الْإِبْهَامِ وَخَمْسٌ مِنْهَا إنْ كَانَتْ أُنْمُلَتَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امَرْأَةٍ لَهَا وَلَدٌ عُمُرُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَرْقَدَتْهُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ ثُمَّ انْتَبَهَتْ مِنْ نَوْمِهَا فَوَجَدَتْهُ مَيِّتًا فَهَلْ تَلْزَمُ دِيَتُهُ عَاقِلَتَهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَلْزَمُ دِيَتُهُ عَاقِلَتَهَا لِأَنَّهَا قَتَلَتْهُ خَطَأً بِحَبْسِ نَفْسِهِ بِثَدْيِهَا الْعَظِيمِ كَمَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِمَنْ لَمْ تُجِدْ الْإِرْضَاعَ أَوْ بِانْقِلَابِهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ فِي الْحَطَّابِ إذَا انْتَبَهَتْ فَوَجَدَتْ وَلَدَهَا مَيِّتًا كَفَّرَتْ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا لِأَنَّهَا انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ نَائِمَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمَا إذَا انْتَبَهَا فَوَجَدَاهُ مَيِّتًا بَيْنَهُمَا فَهَدَرٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَجُل وَامْرَأَة بَاتَا جَمِيعًا وَإِلَى جَنْبِ أَحَدِهِمَا صَغِيرٌ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَمَاتَ الطِّفْلُ مِنْ الثِّيَابِ الْوَاقِعَةِ] (وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بَاتَا جَمِيعًا وَإِلَى جَنْبِ أَحَدِهِمَا صَغِيرٌ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَمَاتَ الطِّفْلُ مِنْ الثِّيَابِ الْوَاقِعَةِ

سقت ولدها دواء فشرق فمات

عَلَى وَجْهِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَا مَاتَ مِنْ تَقْلِيبِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ صَامَ كُلُّ مَنْ شَكَّ مِنْهُمَا شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قُلْت لَوْ مَاتَ مِنْ تَقْلِيبِهِ فَفِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ إذَا انْقَلَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى وَلَدِهَا فِي نَوْمِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا انْتَهَى مِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ سَقْيَ غَنَمِهِ مِنْ بِئْرٍ قَلِيلَةِ الْمَاءِ وَمَعَهُ بِنْتٌ صَغِيرَةٌ أَرَادَ إنْزَالَهَا الْبِئْرَ لِتَأْخُذَ لَهُ الْمَاءَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَقَالَ أَنَا أَنْزِلُهَا لَأَخْذِهِ شَفَقَةً مِنْهُ عَلَى الْبِنْتِ وَنَزَلَهَا وَصَارَ يَأْخُذُ لَهُ الْمَاءَ فَوَقَعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ بِنَاءِ الْبِئْرِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ وُقُوعُهُ بِسَبَبِ تَحْرِيكِ الدَّلْوِ أَوْ بِسَمَاوِيٍّ فَهَلْ تَلْزَمُ دِيَتُهُ عَاقِلَةَ سَاقِي الْغَنَمِ أَوْ يَكُونُ هَدَرًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَنْظُرُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْخِبْرَةِ لِلْمَحِلِّ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ الْحَجَرُ فَإِنْ جَزَمُوا بِضَعْفِ بِنَائِهِ وَتَخَلْخُلِهِ بِحَيْثُ يُوجِبُ السُّقُوطَ مِنْهُ مَشْيُ السَّاقِي عَلَى حَاشِيَةِ الْبِئْرِ وَتَحْرِيكُهُ الدَّلْوَ فِيهَا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّاقِي لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَجَرِ نَشَأَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ جَزَمُوا بِصِحَّةِ بِنَائِهِ وَعَدَمِ تَخَلْخُلِهِ بِحَيْثُ لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ مِنْهُ مَشْيُ السَّاقِي عَلَى حَاشِيَةِ الْبِئْرِ وَلَا تَحْرِيكُهُ الدَّلْوَ فِيهَا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ أَوْ شَكُّوا عَلَى السَّوَاءِ فَهَدَرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الْعَاقِلَةِ فَلَا تُغَرَّمُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَمِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْقَسَامَةِ مَعَ اللَّوْثِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [سَقَتْ وَلَدَهَا دَوَاءً فَشَرِقَ فَمَاتَ] قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّبْصِرَةِ. (فَرْعٌ) لَوْ سَقَتْ وَلَدَهَا دَوَاءً فَشَرِقَ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَكَذَا لَوْ انْقَلَبَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرُ الْكَفَّارَةِ اهـ وَمَسْأَلَةُ سَقْيِ الدَّوَاءِ ذَكَرَهَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ الْبِئْرِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَمَسْأَلَةُ النَّائِمَةِ تَنْقَلِبُ عَلَى وَلَدِهَا فَيَمُوتُ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِيمَا أَصَابَ النَّائِمُ وَالنَّائِمَةُ وَزَادَ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَنَصُّهُ وَإِذَا نَامَتْ امْرَأَةٌ عَلَى وَلَدِهَا فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَتُعْتِقُ رَقَبَةً انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ وَلَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ وَيَبْطُلُ دَمُهُ وَلَا يَكُونُ فِي بَيْتِ مَالٍ وَلَا غَيْرِهِ. مَا نَصُّهُ سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَّنْ نَامَ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ فَأَصْبَحَ الْوَلَدُ بَيْنَهُمَا مَيِّتًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا رَقَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّهُ هَدَرٌ قُلْت لِشَيْخِنَا فَمَا رَأْيُكُمْ فِيهَا قَالَ كَرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهَا هُنَا انْتَهَى. [امْرَأَة اضْطَجَعَتْ وَجَعَلَتْ تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَأَصْبَحَ الْوَلَدُ مَيِّتًا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ اضْطَجَعَتْ وَجَعَلَتْ تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَأَصْبَحَ الْوَلَدُ مَيِّتًا ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ فَجَعَلَ أَبُوهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَاجِزًا مَخَافَةً مِمَّا وَقَعَ سَابِقًا فَنَامَتْ لَيْلَةً بِجِوَارِ الْوَلَدِ فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِمَا فَوَجَدَ الْوَلَدَ بَاكِيًا فَأَيْقَظَهَا لِتُرْضِعَهُ وَهِيَ جَالِسَةٌ فَأَرْضَعَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَأَصْبَحَ الْوَلَدُ بِجَنْبِهَا مَيِّتًا فَهَلْ إذَا طَلَبَ الْأَبُ الدِّيَةَ مِنْهَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يُجَابُ فَهَلْ يُطَالِبُ بِهَا عَاقِلَتَهَا وَإِذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ انْقِلَابَهَا عَلَيْهِ فَهَلْ يُطَالَبُ الزَّوْجُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِمَا وَقَعَ مِنْهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟

افتض زوجته فماتت

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْأَبِ طَلَبُ دِيَتِي الْوَلَدَيْنِ مِنْ أُمِّهِمَا وَلَهُ طَلَبُهُمَا مِنْ عَاقِلَتِهَا إنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ انْقِلَابَهَا أَوْ انْقِلَابَ ثَدْيِهَا عَلَيْهِمَا وَشَهِدَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا قَائِلًا أَقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ وَمِنْ انْقِلَابِهَا عَلَيْهِ مَاتَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْ عَاقِلَتِهَا يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ وَلَوْ بَلَغُوا أَلْفًا فَإِنْ حَلَفُوا كُلُّهُمْ سَقَطَتْ الدِّيَتَانِ عَنْهُمْ وَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ غَرِمُوهُمَا بِتَمَامِهِمَا وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَلَ غَيْرُهُ غَرِمَ النَّاكِلُ حِصَّتَهُ مِنْهُمَا بِحَسَبِ حَالِهِ غِنًى وَفَقْرًا وَتَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ بِلَا بَيِّنَةٍ فَالدِّيَتَانِ عَلَيْهَا وَحْدَهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ دِيَةَ الْإِقْرَارِ وَقِيلَ تَحْمِلُهَا بِقَسَامَةٍ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَقْتُولُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا وَقِيلَ تَبْطُلُ الدِّيَةُ مُطْلَقًا وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِشَرْطِ انْتِفَاءِ تُهْمَةِ الْمُقِرِّ بِإِغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَقِيلَ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ عَدَالَتِهِ وَقِيلَ تُفَضَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ فَمَا نَابَهُ لَزِمَهُ وَمَا نَابَ الْعَاقِلَةَ سَقَطَ وَكُلُّهَا مُسْتَقْرَاةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ بَهْرَامُ. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَلَّابِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّهَمَ الْمُقِرُّ فِي إغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ وَاقْتَصَرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَتَيْنِ تَضَارَبَتَا وَخَلَّصَهُمَا مَنْ حَضَرَ فَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا مَقْلُوعَةَ الْأَسْنَانِ سَائِلًا دَمُهَا وَالْأُخْرَى مَعْضُوضَةً أُصْبُعُهَا فَادَّعَتْ الْمَقْلُوعَةُ الْأَسْنَانِ أَنَّ الْأُخْرَى لَطَمَتْهَا عَلَى وَجْهِهَا وَنَشَّتْ أَسْنَانَهَا بِأُصْبُعِهَا فَقَلَعَتْهَا وَادَّعَتْ الْأُخْرَى أَنَّهَا عَضَّتْهَا فَسَلَّتْ يَدَهَا بِعُنْفٍ مِنْ حَرَارَةِ الْعَضَّةِ فَقَلَعَتْ أَسْنَانَهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا شَيْءَ لِمَقْلُوعَةِ الْأَسْنَانِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ لَهَا بَيِّنَةٌ بِاللَّطْمِ وَالْقَلْعِ بِلَا عَضٍّ فَلَهَا الْقِصَاصُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لِمَنْ عَضَّ آخَرَ فَسَلَّ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فَمِ الْعَاضِّ فَنَزَعَ أَسْنَانَهُ «أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَهُ» . (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ عَلَى يَدِهَا فَفَسَدَتْ وَصَارَتْ لَا تَعْمَلُ بِهَا الْعَمَلَ الْمُعْتَادَ وَطَلَبَتْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ ضَرَبَهَا بِعُودِ خَوْخٍ وَشَهِدَتْ عَلَى إقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَزِمَتْهُ دِيَةُ يَدِ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ كَأَنْ شُلَّتْ يَدُهُ بِضَرْبِهِ قَالَ الْخَرَشِيُّ التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ يَدَ شَخْصٍ أَوْ رِجْلَهُ عَمْدًا فَبِسَبَبِ تِلْكَ الضَّرْبَةِ شُلَّتْ يَدُ الْمَضْرُوبِ إنَّهُ يَفْعَلُ بِالْمُضَارِبِ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنْ شُلَّتْ يَدُ الضَّارِبِ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَقَيَّدَ أَشْهَبُ هَذَا بِمَا إذَا كَانَتْ الضَّرْبَةُ بِجُرْحٍ فِيهِ الْقَوَدُ، وَأَمَّا إنْ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَا قَوْدَ فِيهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ وَلَا يُنْظَرُ هُنَا لِكَوْنِهِ يُسْتَطَاعُ فِعْلُ الشَّلَلِ بِدُونِ الضَّرْبِ أَمْ لَا وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ نَدُورُ الشَّلَلِ عَنْ الضَّرْبِ، بِخِلَافِ ذَهَابِ الْبَصَرِ اهـ. [افْتَضَّ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ افْتَضَّ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ فَأَجَبْت بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: دِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ كَالْخَطَأِ وَسَوَاءً كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً وَيُؤَدَّبُ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً نَقَلَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ. [حَامِل تَسَبَّبَتْ فِي إسْقَاطِ جَنِينِهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَامِلٍ تَسَبَّبَتْ فِي إسْقَاطِ جَنِينِهَا فَهَلْ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَلَا تَرِثُ فِيهَا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَلَا تَرِثُ فِيهَا قَالَ الْخَرَشِيُّ وَسَوَاءً كَانَ الضَّارِبُ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ

جمع دية الخطأ وطلبها من العاقلة فهل يلزم الجاني أو ولي المجني عليه

الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ أَبًا أَيْ أَوْ أَمَّا ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا قِيلَ الْغُرَّةُ. وَفِي مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ وَالْغُرَّةُ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَفِي الْمُخْتَصَرِ فِي مَوَانِعِ الْإِرْثِ وَلَا قَاتِلَ عَمْدًا عُدْوَانًا وَإِنْ بِشُبْهَةٍ كَمُخْطِئٍ مِنْ الدِّيَةِ. [جَمْعِ دِيَةِ الْخَطَأِ وَطَلَبِهَا مِنْ الْعَاقِلَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْجَانِيَ أَوْ وَلِيَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمْعِ دِيَةِ الْخَطَأِ وَطَلَبِهَا مِنْ الْعَاقِلَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْجَانِيَ أَوْ وَلِيَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ وَلَا وَارِثَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ شَيْءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِوَارِثِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِلَا إحْوَاجِهِ إلَى طَلَبِهِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلِوَارِثِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ طَلَبُهُ مِنْهُ وَلَهُ مُسَامَحَتُهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ مُسَافِرِينَ ارْتَحَلُوا مِنْ بَعْضِ مَنَازِلِهَا وَسَارُوا مَسَافَةً ثُمَّ فَقَدُوا أَحَدَهُمْ فَرَجَعُوا لَهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَتَرَكُوهُ وَسَافَرُوا فَهَلَكَ بِهَا فَهَلْ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُمْ دِيَتَهُ لِتَفْرِيطِهِمْ بِعَدَمِ تَنَبُّهِهِمْ لَهُ وَقْتَ ارْتِحَالِهِمْ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُمْ شَيْئًا مِنْ دِيَتِهِ وَلَا تَفْرِيطَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا وَفَقْدُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَلَا مَنْسُوبًا لَهُمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ابْنُ عَرَفَةَ الْخَطَأُ فِي الدِّمَاءِ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ وَهُوَ مَا سَبَبُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِفَاعِلِهِ بِاعْتِبَارِ صِنْفِهِ غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِفَاعِلِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَبَبَ قَتْلِ الْخَطَأِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مَنْسُوبًا لِفَاعِلِهِ وَفَقْدُ الرَّجُلِ مِنْ بَيْنِ رُفْقَتِهِ لَيْسَ فِعْلَا لَهُمْ بِلَا خَفَاءٍ إذَا هُوَ رَجُلٌ حُرٌّ عَاقِلٌ فَإِذَا أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْهُمْ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ مَثَلًا فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْهُ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ لِنَحْوِ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ أَوْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ رُجُوعِهِ إلَيْهِمْ وَسَارَ فِي غَيْرِهَا حَتَّى بَعُدَ عَنْهُمْ وَمَاتَ عَطَشًا وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا وَجَدَ عَبْدًا آبِقًا فَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَأَبَقَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الرِّدَّةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الرِّدَّةِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ اتَّهَمَهُ آخَرُ بِأَنَّهُ أَخَذَ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ تَتَّهِمُنِي وَأَنْت زَائِرٌ النَّبِيِّ فَقَالَ " بَلَا نَبِيّ بَلَا خَرَهْ " أَيَرْتَدُّ؟ . وَفِي آخَرَ تَشَاجَرَ مَعَ أَخِيهِ فَاتَّهَمَهُ وَقَالَ لَهُ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ تَرْجِعْ لَأُكَفِّرَنَّكَ وَأُكَفِّرَنَّ نَبِيَّك أَيَرْتَدُّ؟ وَفِي آخَرَ قَالَ لِرَجُلٍ ظَلَمْتنِي فَقَالَ اللَّهُ أَظْلَمَك أَيَرْتَدُّ؟ وَفِي آخَرَ قَالَ اللَّهُمَّ طَبِّقْ السَّمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ أَيَرْتَدُّ؟ وَفِي آخَرَ قَالَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ يَا عَبْدَ الطِّينِ أَوْ السُّخَامِ أَيَرْتَدُّ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى أَنَّ قَائِلَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ قَصَدَ تَسْوِيَةَ مُسَمَّى نَبِيٍّ بِمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا فَهُوَ سَابٌّ لِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ وَأَوْلَى إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى اسْتِثْقَالِهِ لَفْظَ الْقَائِلِ وَتَسْوِيَتِهِ بِمَا ذَكَرَهُ دُونَ مُسَمَّاهُ فَلَيْسَ سَابًّا وَلَكِنْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ بِالْأَدَبِ وَالْحَبْسِ بِالِاجْتِهَادِ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ وَصِيَانَةِ شَرَفِ

حكم من قال إن آدم عصى ربه

ذَلِكَ الْجَنَابِ الْمُعَظَّمِ وَرَدْعًا لِلسُّفَهَاءِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْبَشَاعَةِ وَالسَّفَاهَةِ وَكَذَا إنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ حَقْنًا لِلدَّمِ وَبُعْدًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ الصَّعْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَصِيغَةُ الثَّانِي شَرْطِيَّةٌ لَا تَقْتَضِي وُقُوعَ مَا عَلَّقَهُ مِنْهُ نَعَمْ يُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَوْ سَبَّنِي مَلِكٌ لَسَبَبْته الْمُوجِبُ لِلْأَدَبِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَتْلِ وَلَفْظُ الثَّالِثِ إنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ بِهِ الْمُشَاكَلَةُ وَأَنَّهُ سَمَّى الْجَزَاءَ عَلَى الظُّلْمِ بِاسْمٍ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَتْلِ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ وَكَذَا إنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى شَيْءٍ حَقْنًا لِلدَّمِ وَتَخَلُّصًا مِنْ التَّكْفِيرِ الصَّعْبِ فَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى نِسْبَةِ مَا ذَكَرَ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ. وَالرَّابِعُ: لَا يُتَوَهَّمُ ارْتِدَادُهُ بِمَا قَالَ. وَالْخَامِسُ: إنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ تَحْقِيرَ الشَّخْصَ الْمُسَمَّى بِعَبْدِ الْحَمِيدِ وَأَنَّهُ لِحَقَارَتِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى عَبْدَ الطِّينِ أَوْ السُّخَامِ أُدِّبَ بِالِاجْتِهَادِ لِلْإِيذَاءِ وَالتَّعَدِّي وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى قَصْدِهِ التَّعَرُّضَ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ وَالتَّغْيِيرَ لِأَسْمَائِهِ تَعَالَى السُّنِّيَّةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى شَيْءٍ فَكَالْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْبُرْزُلِيِّ عِيَاضٌ إنْ أَتَى الْمُتَكَلِّمُ بِكَلَامٍ مُشْكِلٍ أَوْ أَتَى بِكَلَامٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَالْوُقُوعِ فِي شَرٍّ فَهُوَ مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَى حِمَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَسَرَ عَلَى الْقَتْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَظَّمَ حُرْمَةَ الدَّمِ وَدَرَأَ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ سَبَّ رَجُلًا فَعَزَّ عَلَى الثَّانِي فَفَهِمَ الْأَوَّلُ هَذَا عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَيَشُقُّ عَلَيْك أَنْ أُوجِعَك فَبِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَوْ أَنَّ نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا يَسُبُّنِي لَرَدَدْت عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا سَبَّنِي بِهِ. وَرَجُلٌ عَشَّارٌ طَلَبَ مِنْ آخَرَ قَبَالَةً فَهَدَّدَهُ الْآخَرُ بِأَنْ يَشْكُوَهُ فَقَالَ الْعَشَّارُ اغْرَمْ وَاشْتَكِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ الْحَالِفُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُتَهَاوِنٌ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بِالْخَيْرِ وَلَا يُتَّهَمَ فِي اعْتِقَادِهِ فَيُتَجَافَى عَنْهُ وَيُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِيَمِينِهِ وَأَمَّا الْعَشَّارُ الْقَائِلُ لِمَا ذُكِرَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ بِكُلِّ حَالٍ اهـ. وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ بِقَوْلِهِ أَتَى الرَّجُلُ الْمَسْبُوبُ بِعَظِيمٍ مِنْ الْقَوْلِ وَاجْتِرَاءٍ عَلَى مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْبِيَائِهِ تَعَالَى وَاسْتَخَفَّ بِمَا عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِهِمْ وَغَضَّ مِنْ تَوْقِيرِهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ إلَّا أَنَّ السَّبَّ الَّذِي وَعَدَ بِهِ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَوْ قَالَهُ وَوُجِدَ مِنْهُ لَاسْتَبَحْت نَفْسَهُ وَسَفَكْت دَمَهُ دُونَ اسْتِتَابَةٍ الَّذِي أَرَى أَنْ يُضْرَبَ الضَّرْبَ الْوَجِيعَ الْمُبَرِّحَ بِالسَّوْطِ وَيُطَالَ حَبْسُهُ فِي السِّجْنِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْعَشَّارِ أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَمَقَتَهُ، وَلَوْ عُرِفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالِاسْتِخْفَافِ فِي مِثْلِ هَذَا لَكَانَا مَحْقُوقَيْنِ بِالْقَتْلِ دُونَ اسْتِتَابَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [حُكْم مِنْ قَالَ إِن آدَم عصى ربه] وَفِيهِ أَيْضًا وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى عَنْ الْبَرْجِينِيِّ مَنْ قَالَ إنَّ آدَمَ عَصَى رَبَّهُ قُتِلَ فَإِنْ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ يُقَالُ اللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مَعَ عِبَادِهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَتَمْثِيلُ النُّحَاةِ لِلَمْ وَلَمَّا بِقَوْلِهِمْ وَلَمَّا عَصَى آدَم رَبَّهُ وَلَمْ يَنْدَمْ كُفِّرَ وَكُفْرُهُ أُخْرَوِيٌّ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَنْدَمْ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْقَدْحِ وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت عَصَيْته فَقَدْ عَصَى آدَمَ فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ كُنْت رَعَيْت فَقَدْ رَعَى آدَمَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّنْقِيصِ بِالتَّأَسِّي فَيُقْتَلُ اهـ. وَفِي الْمَدْخَلِ وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إنَّ مَنْ قَالَ عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي غَيْرِ التِّلَاوَةِ وَالْحَدِيثِ إنَّهُ عَصَى أَوْ خَالَفَ فَقَدْ كَفَرَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]

ضابط ما يكفر به

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَّا الْيَوْمَ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ عَنْ آدَمَ إلَّا إذَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ قَوْله تَعَالَى عَنْهُ أَوْ قَوْلِ نَبِيِّهِ فَأَمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ لَنَا فِي آبَائِنَا الْأَدْنَيْنَ الْمُمَاثِلِينَ لَنَا فَكَيْفَ فِي أَبِينَا الْأَقْدَمِ الْأَعْظَمِ الْأَكْبَرِ النَّبِيِّ الْمُقَدَّمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا وَنَقَلْت مِنْ خَطِّ الْغِرْيَانِيِّ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ السِّيَرِ وُقِّعَتْ بِمِدَادٍ ضَعِيفٍ عَلَى مَنْ يُرِيدُ قِرَاءَتَهُ فَقَالَ طَالِبٌ هَذِهِ سِيرَةٌ رَدِيئَةٌ فَقِيمَ عَلَيْهِ وَأُنْكِرَتْ مَقَالَتُهُ وَشُنِّعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُتَأَوَّلْ لَهُ تَأْوِيلٌ يُخْرِجُهُ عَنْ تَشْنِيعِ مَا وَقَعَ فِيهِ. قُلْت وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَلْزَمُهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْقَائِلِ فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِي دِينِهِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ وَيُخْتَبَرُ أَمْرُهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ عُوقِبَ وَسُرِّحَ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ رِيبَةٌ قَوِيَّةٌ أُطِيلَ حَبْسُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْخَطَّ لِسِيَاقِ الْقَضِيَّةِ وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ انْتَهَى. [ضَابِطُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ] وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ الْأَبْيَانِيُّ وَغَيْرُهُ ضَابِطُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا مَا يَكُونُ نَفْسُ اعْتِقَادِهِ كُفْرًا كَإِنْكَارِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ الَّتِي لَا يَكُونُ صَانِعًا إلَّا بِهَا وَجَحْدِ النُّبُوَّاتِ. الثَّانِي: صُدُورُ مَا لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ. الثَّالِثُ: إنْكَارُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى تَكْذِيبِ الشَّارِعِ وَنَحْوُ هَذَا الضَّابِطِ ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى. وَفِي ابْنِ سَلَّمُونِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُحْكَمُ عَلَى أَحَدٍ بِالْكُفْرِ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَالثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَمَّا الِاثْنَانِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِمَا. فَأَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ قَوْلًا قَدْ وَرَدَ السَّمَاعُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ نَحْوُ اسْتِحْلَالِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ وَتَرْكِ فَرَائِضِ الدِّينِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالرُّسُلِ وَجَحْدِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَبِهَذَا الْقِسْمِ يُلْحِقُ تَارِكَ الصَّلَاةِ مَنْ كَفَّرَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا ظَوَاهِرُ آثَارٍ مُحْتَمَلَةٍ. وَالثَّالِثُ: الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا يُعْلَمُ أَنَّ قَائِلَهُ لَا يُمْكِنُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَدِّقُ بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ حَكَمَ بِالْكُفْرِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مَنْ كَفَّرَهُمْ بِمَآلِ قَوْلِهِمْ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا آيَةٌ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] وَأَمَّا الْقَطْعُ عَلَى أَحَدٍ بِكُفْرٍ أَوْ إيمَانٍ فَلَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُبْطِنَ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ إلَّا بِتَوْقِيفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا أَوْ يُظْهِرُ اعْتِقَادًا يَقْطَعُ بِهِ اهـ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ سَبَّ أَوْ دَعَا أَوْ تَنَقَّصَ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ. وَالثَّانِي قَصْدُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ فَإِنْ عُدِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَاَلَّذِي عِنْدِي فِيهَا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ أَدَبًا مُوجِعًا وَيُطَالُ حَبْسُهُ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَزْدَرِي الصَّلَاةَ وَرُبَّمَا ازْدَرَى الْمُصَلِّينَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ مَلَأٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْهُمْ مَنْ زُكِّيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُزَكَّ فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الِازْدِرَاءِ بِالْمُصَلِّينَ لِقِلَّةِ اعْتِقَادِهِ فِيهِمْ فَهُوَ مِنْ سِبَابِ الْمُسْلِمِ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَبُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَمَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى ازْدِرَاءِ الْعِبَادَةِ فَالْأَصْوَبُ أَنَّهُ رِدَّةٌ لِإِظْهَارِهِ إيَّاهُ وَشُهْرَتِهِ بِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا زَنْدَقَةٌ وَيُجْرَى عَلَى أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ اهـ. قُلْت

شق ثوبه وقال خرج من دينه

يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ الدِّينَ أَوْ الْمِلَّةَ أَوْ الْمَذْهَبَ وَهُوَ يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ بَعْضِ سَفِلَةِ الْعَوَامّ كَالْحَمَّارَةِ وَالْجَمَّالَةِ وَالْخَدَّامِينَ وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ وَالْأَحْكَامَ الَّتِي شَرَّعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا ثُمَّ إنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ وَإِنْ قَصَدَ حَالَةَ شَخْصٍ وَتَدَيُّنَهُ فَهُوَ سَبُّ الْمُسْلِمِ فَفِيهِ الْأَدَبُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَصْدَيْنِ بِالْإِقْرَارِ وَالْقَرَائِنِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْقَصْدَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ فِي الْحُكْمِ فَفِي الْبَدْرِ عَنْ بَهْرَامَ فِي مَبْحَثِ الرِّدَّةِ إذَا قَالَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِمَنْ قَالَ لَهُ صَلِّ إذَا دَخَلْت الْجَنَّةَ فَأَغْلِقْ الْبَابَ خَلْفَك فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الدِّينِ فَقَدْ ارْتَدَّ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِلِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَفِي رِدَّتِهِ قَوْلَانِ اهـ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِنْ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ وَسَبُّهُ كُفْرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَوَاضِعَ وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ فِي الْجَوَابِ عَمَّنْ قَالَ أَنْتُمْ يَا مَالِكِيَّةُ تُصَلُّونَ وَالْكِلَابُ تَمَسُّكُمْ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْأَذِيَّةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِهِمْ وَبِمَذْهَبِهِمْ مَا نَصُّهُ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتُمْ يَا مَالِكِيَّةُ تُصَلُّونَ وَالْكِلَابُ تَمَسُّكُمْ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِمَذْهَبِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كُفْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ السَّنْجِيدِيُّ الشَّافِعِيُّ بِمَا نَصُّهُ: يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِمَقَالَتِهِ التَّعْزِيرُ اللَّائِقُ بِحَالِهِ الرَّادِعُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ ارْتِكَابِ قَبِيحِ أَقْوَالِهِ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ الشَّرِيفِ كُفْرٌ فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ قِرَاءَةَ رَبْعَةَ قُرْآنٍ فِي بَيْتِهِ فَوَجَدَ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ غَائِبًا وَالْفَقِيهُ الَّذِي هِيَ مَوْقُوفَةٌ تَحْتَ يَدِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ دَاهِيَةٌ تَجِيءُ الرَّبْعَةَ وَأَصْحَابَهَا فَهَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ وَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَرْتَدَّ بِذَلِكَ فَلَا تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْجِلْدُ وَالْوَرَقُ وَالنُّقُوشُ لَا مَدْلُولُهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ الْمُنَزَّلِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُزْجَرُ وَيُؤَدَّبُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِ الْبُرْزُلِيِّ السَّابِقِ عَنْ مَسْأَلَةِ السِّيرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [شَقَّ ثَوْبَهُ وَقَالَ خَرَجَ مِنْ دِينِهِ] (وَسُئِلَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ شَقَّ ثَوْبَهُ وَقَالَ خَرَجَ مِنْ دِينِهِ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ وَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَهَا لِأَنَّهَا أَمْرٌ خَطِرٌ يَسْتَلْزِمُ سَفْكَ الدَّمِ وَحُرْمَةَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا فَلَا يُحْكَمُ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الدِّينِ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ عَنْ كَمَالِهِ بِالْفِسْقِ كَمَا وَرَدَ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، «لَيْسَ مِنَّا مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ عُيِّرَ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ الْفَقْرِ فَقَالَ إنْ ذَلِكَ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ بِالِاجْتِهَادِ خُصُوصًا فِي مَسْأَلَةِ الْفَقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَفَّرْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَنْقِيصَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ تُعَايِرُنِي بِالْفَقْرِ وَالنَّبِيُّ

رجل جرى على لسانه سب الدين من غير قصد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَعَى الْغَنَمَ وَأَحْوَالُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَتْ كَأَحْوَالِنَا فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لِخِسَّتِهَا عِنْدَ رَبِّهِمْ إلَّا بِأَمْرِهِ فَلَا يُقَاسُ حَالُنَا بِحَالِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَرْأَةٍ شَرِيفَةٍ مِنْ النَّسَبِ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ شَرِيفٍ فَأَتَتْ مِنْهُ بِأُنْثَى فَكَبِرَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ شَرِيفٍ أَيْضًا وَأَتَتْ مِنْهُ بِذَكَرٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الشَّرَفِ نَظَرًا لِجَدَّتِهِ الشَّرِيفَةِ مِنْ النَّسَبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِي الْعَلَّامَةُ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الْعِمَامَةِ الْخَضْرَاءِ فِي الْأَصْلِ لِمَنْ كَانَ شَرِيفًا مِنْ أَبِيهِ وَقَدْ قَصَرَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ هُوَ شَرِيفٌ مِنْ أُمِّهِ لُبْسُهَا وَيُؤَدَّبُ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ قَدْ جَرَى بِلُبْسِهِ لَهَا وَعَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يُؤَدَّبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ لُبْسُهَا كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [رَجُل جَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَبُّ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ قَصْد] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَبُّ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ أَوْ لَا يُكَفَّرُ وَفِيمَنْ فَضَّلَ كَافِرًا عَلَى مُسْلِمٍ هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ارْتَدَّ لِأَنَّ السَّبَّ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ رِدَّةٌ فَالسَّبُّ رِدَّةٌ بِالْأَوْلَى وَفِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَزَلَلِ لِسَانٍ انْتَهَى وَتَفْضِيلُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ فَهُوَ رِدَّةٌ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَبْحَثِ الطَّلَاقِ زِيَادَةُ شَوَاهِدَ لِتَكْفِيرِ سَابِّ الدِّينِ. [مُسْلِم قَالَ لِذِمِّيٍّ فِي عِيدِهِ عِيدٌ مُبَارَكٌ] (وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ لِذِمِّيٍّ فِي عِيدِهِ عِيدٌ مُبَارَكٌ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) إنْ قَالَهُ الْمُسْلِمُ لِذِمِّيٍّ عَلَى وَجْهِ قَصْدِ تَعْظِيمِ دِينِهِمْ وَعِيدِهِمْ فَإِنَّهُ يُكَفَّرُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ فَلَا يُكَفَّرُ بِمَا قَالَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ اهـ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُعَاهِدُ الْجِنِّ وَأَنَّهُ يُظْهِرُ السَّرَائِقَ وَيَرُدُّ الْآبِقَ وَيَضْرِبُ الْمَنْدَلَ وَرُبَّمَا اتَّهَمَ بَرِيئًا وَيَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ بِالسِّحْرِ فَيَكْتُبُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالْبُغْضِ فَيُطَلِّقُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ تَخْرُجُ الزَّوْجَةُ غَضْبَانَةً عَازِمَةً عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ عَلَى إبْطَالِ مَا كَتَبَهُ وَيَرْبِطُ الزَّوْجَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَاشْتَهَرَ بِذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ وَبِالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ فَهَلْ يَكُونُ مُرْتَدًّا بِسَبَبِ السِّحْرِ وَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ يُجْرِيهَا عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَهَلْ يَكُونُ هَدَرًا وَلَا يَأْثَمُ وَهَلْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إجْرَاءُ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ السِّحْرُ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مُطَّرِدُ الِارْتِبَاطِ بِسَبَبِهِ خَاصٌّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ السَّاحِرُ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ سَاحِرٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ السَّاحِرُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يُورِثُ الْحُبَّ أَوْ الْبُغْضَ مَا يُرِيدُ لِأَنَّهُ وَقَعَ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ ثُمَّ قَالَ وَوُقُوعُ السِّحْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ رَسْمِهِ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَاتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وُجُودِ حُكْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ عَيْنِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ

لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ أُمُورٌ خَيَالِيَّةٌ تُوجِبُ تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ يَقَعُ بِسَبَبِهَا مَفَاسِدُ عَلَى حَسَبِ مَا تَشَكَّلَتْ بِهِ النُّفُوسُ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ فِعْلِ السِّحْرِ وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ. ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْتِنْزَالَ الرُّوحَانِيَّاتِ وَخِدْمَةَ مُلُوكِ الْجَانِّ مِنْ عِلْمِ السِّيمَاءِ وَهُوَ السِّحْرُ وَهُوَ الَّذِي أَضَرَّ الْحَاكِمَ الْعُبَيْدِيَّ لَعَنَهُ اللَّهُ حَتَّى ادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ وَلَعِبْت بِهِ الشَّيَاطِينُ حَتَّى طَلَبَ الْمُحَالَ وَهُوَ مَجْبُولٌ عَلَى النَّقْصِ وَفِعْلِ أَفَاعِيلِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَالْمَعْصِيَةُ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا وَمُتَعَلِّقُ أَفْعَالِ خِدْمَةِ الْجِنِّ الْكُفْرُ وَكَبَائِرُ الْمَعَاصِي. وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ فَإِذَا سَحَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ وَالسِّحْرُ كُفْرٌ قَالَ مَالِكٌ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَمَرَتْ حَفْصَةُ فِي جَارَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا أَنْ تُقْتَلَ فَقُتِلَتْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ كَالزِّنْدِيقِ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ لِلسِّحْرِ وَالزَّنْدَقَةِ مَظْهَرٌ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ كُفْرٌ وَنَحْوُهُ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَصْبَغَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ إظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِخْفَاءُ الْكُفْرِ وَهَذَا مَظْهَرٌ لِلْكُفْرِ ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا تُنَكَّلُ وَلَا تُقْتَلُ قَالَ وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِعْلَ الْمَرْأَةِ سِحْرٌ وَأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَنْشَأُ عَنْهُ حَادِثٌ فِي أَمْرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ مُحَالِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ سِحْرٌ وَعَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ يَعْرِفُ الْجِنَّ وَعِنْدَهُ كُتُبٌ فِيهَا جَلْبُ الْجِنِّ وَأُمَرَائِهِمْ وَالْعَفَارِيتِ وَيُعْزِمُ فَيَصْرَعُ الْمَصْرُوعَ وَيَزْجُرُ مَرَدَةَ الْجِنِّ عَنْ الصَّرْعَةِ وَيَحِلُّ مَنْ عُقِدَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَيَكْتُبُ كِتَابَ عَطْفِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجِنَّ أَتَرَى بِهَذَا بَأْسًا إذَا كَانَ لَا يُؤْذِي أَحَدًا أَوْ يُنْهَى نَدْبًا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ فَقَالَ إذَا كَانَ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا وَلَا يَصْرَعُ بَرِيئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُنْهَى نَدْبًا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ. قُلْت هَذَا نَحْوُ مَا أَنْكَرَهُ شَيْخُنَا مِنْ عَقْدِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَلَا يَقْتُلُ السَّاحِرَ إلَّا الْإِمَامُ قَالَ أَصْبَغُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ قَتْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ السِّحْرِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الَّذِي يَقْلَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السِّكِّينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُوقِبَ. وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي الطُّرُقَاتِ وَلَهُمْ مَلَاعِبُ يُرُونَ النَّاسَ أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ رَأْسَ الْإِنْسَانِ ثُمَّ يَدْعُونَهُ فَيَجِيئُهُمْ حَيًّا وَيَجْعَلُونَ مِنْ الثِّيَابِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَيَقْطَعُونَ السِّلْسِلَةَ هَلْ تَرَاهُمْ بِهَذَا الْفِعْلِ سَحَرَةً فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُفْرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ خِفَّةُ يَدٍ وَمَلَاعِبُ. قُلْت هَذَا خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ فِي أَصْحَابِ الْحِلَقِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ بِبَابِ الْمَنَارَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ سَحَرَةٌ وَأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ يُشْبِهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ بِتَصَرُّفٍ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ مُخْتَارَهُ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ خِدْمَةَ الرُّوحَانِيِّينَ سِحْرٌ وَأَنَّ فِعْلَ عَقْدِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِ سِحْرٌ وَأَنَّ فِعْلَ الْحُوَاةِ وَنَحْوِهِمْ كَذَلِكَ وَأَنَّ السَّاحِرَ إنْ كَانَ يَظْهَرُ سِحْرُهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَلَا قَبْرَ لَهُ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسِحْرُ هَذَا جَامِعٌ لِلَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ وَالْفِعْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ

وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَقَدْ اسْتَصْوَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامَ أَصْبَغَ وَحَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ وَاسْتَشْكَلَ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ. اهـ. وَحَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ السِّحْرَ بِقَوْلِهِ هُوَ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اهـ وَإِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ فَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَمَا لَهُ فَيْءٌ وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا يَأْتِي اهـ. (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ ظَلَمْتنِي اللَّهُ يَظْلِمُك هَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ لَا وَإِذَا ذَهَبَ الْمُسْلِمُ إلَى بَيْتِ الذِّمِّيِّ فِي يَوْمِ عِيدِهِ وَقَالَ لَهُ أَحْيَاك اللَّهُ لِكُلِّ عَامٍ هَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ أَوْ لَا وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ قَضَيْت حَاجَتِي فَقَالَ اللَّهُ يَسْمَعُ مِنْ سَاكِتٍ هَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ أَوْ لَا وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ يُرِيدُ قَضَاءَ حَاجَةٍ يَا اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ يَا اللَّهُ يَا سَيِّدِي أَحْمَدَ يَا بَدَوِيَّ أَوْ يَا اللَّهُ يَا سَيِّدَةُ نَفِيسَةَ هَلْ فِي ذَلِكَ رِدَّةٌ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَرْتَدُّ الرَّجُلُ بِقَوْلِهِ لِنَصْرَانِيٍّ أَحْيَاك اللَّهُ لِكُلِّ عَامٍ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمَ الْكُفْرِ وَلَا رَضِيَ بِهِ وَاَللَّهُ يَسْمَعُ مِنْ سَاكِتٍ لَا رِدَّةَ فِيهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَيُغِيثُ عَبْدَهُ وَلَوْ لَمْ يَدْعُهُ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ سَمْعَهُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَيَا اللَّهُ يَا فُلَانُ لَيْسَ رِدَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّشْرِيكَ وَلَا الِاتِّحَادَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّبَرُّكُ بِتَقْدِيمِ الِاسْتِغَاثَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكُفْرُ الْمُؤْمِنِ أَمْرٌ صَعْبٌ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَيُلْتَمَسُ عَدَمُهُ مَهْمَا أَمْكَنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ ثُمًّ ابْنُهُ فَقَالَ رَبَّنَا عَلِّمْنِي زَرْعَتَهُ أَوْ فِلَاحَتَهُ فَهَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَكَلِّمُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ الشَّنِيعَةِ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ وَيَتُوبُ مِنْهَا وَلَا يَرْتَدُّ إلَّا إذَا أَرَادَ نِسْبَةَ الرَّبِّ تَعَالَى لِلظُّلْمِ وَالْجَوْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْلٍ هَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ كَبَقِيَّةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْآمِرُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا وَهَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ أَمْ لَا وَهَلْ تَجُوزُ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَمُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ كَبَقِيَّةِ مَنْ عُلِمَ مَوْتُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ أَعَاذَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي التَّأَدُّبُ بِالْكَفِّ عَنْ ذَلِكَ فِي قَرَابَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ افْتَرَقَ النَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَتَوَلَّاهُ وَتُحِبُّهُ وَفِرْقَةٌ تَسُبُّهُ وَتَلْعَنُهُ وَفِرْقَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فِي ذَلِكَ لَا تَتَوَلَّاهُ وَلَا تَلْعَنُهُ وَتَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ سَائِرِ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ وَخُلَفَائِهِمْ غَيْرِ الرَّاشِدِينَ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ هِيَ الْمُصِيبَةُ وَمَذْهَبُهَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْ يَعْرِفُ سِيَرَ الْمَاضِينَ وَيَعْلَمُ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خِيَارِ أَهْلِهَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَتَجُوزُ اللَّعْنَةُ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَمُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ وَأَمَّا لَعْنُهُ يَعْنِي قَاتِلَ الْحُسَيْنِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ لَعْنُ شَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ الرِّبَا وَنَحْوِهِمَا إجْمَالًا اهـ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الصَّوَاعِقِ الْمُحْرِقَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ طَائِفَةٌ إنَّهُ كَافِرٌ قَالَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ رَأْسُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَ أَهْلَ الشَّامِ وَجَعَلَ يَنْكُثُ رَأْسَهُ بِالْخَيْزُرَانِ وَيَنْشُد أَبْيَاتَ ابْنِ الزِّبَعْرَى:

لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا الْأَبْيَاتَ الْمَعْرُوفَةَ وَزَادَ فِيهَا بَيْتَيْنِ مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى صَرِيحِ الْكُفْرِ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا حَكَاهُ سِبْطُهُ عَنْهُ لَيْسَ الْعَجَبُ مِنْ قِتَالِ ابْنِ زِيَادٍ لِلْحُسَيْنِ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ خِذْلَانِ يَزِيدَ وَضَرْبِهِ بِالْقَضِيبِ ثَنَايَا الْحُسَيْنِ وَحَمْلِهِ آلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَايَا عَلَى أَقْتَابِ الْجِمَالِ وَذِكْرِ أَشْيَاءَ مِنْ قَبِيحِ مَا اُشْتُهِرَ عَنْهُ وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ رِيحُهُ وَمَا كَانَ مَقْصُودُهُ إلَّا الْفَضِيحَةَ وَإِظْهَارَ الرَّأْسِ وَيَحْرُمُ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا بِالْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ بَلْ يُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ أَحْقَادٌ جَاهِلِيَّةٌ وَأَضْغَانٌ بَدْرِيَّةٌ لَاحْتَرَمَ الرَّأْسَ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ وَكَفَّنَهُ وَدَفَنَهُ وَأَحْسَنَ إلَى آلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَيْسَ بِكَافِرٍ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلْكُفْرِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا مِنْهَا شَيْءٌ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى إسْلَامِهِ حَتَّى نَعْلَمَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ وَمَا سَبَقَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ يُعَارِضُهُ مَا حُكِيَ أَنَّ يَزِيدَ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ قَالَ رَحِمَك اللَّهُ يَا حُسَيْنٌ لَقَدْ قَتَلَك رَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّ الْأَرْحَامِ وَتَنَكَّرَ لِابْنِ زِيَادٍ وَقَالَ قَدْ زَرَعَ لِي الْعَدَاوَةَ فِي قَلْبِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَلَمْ يَثْبُتْ مُوجِبُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ وَالْأَصْلُ إسْلَامُهُ فَنَأْخُذُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَنَا مَا يُوجِبُ الْإِخْرَاجَ عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ الْقَوِيمَةَ فِي شَأْنِهِ التَّوَقُّفُ فِيهِ وَتَفْوِيضُ أَمْرِهِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِالْخَفِيَّاتِ الْمُطَّلِعُ عَلَى مَكْنُونِ السَّرَائِرِ وَهَوَاجِسِ الضَّمَائِرِ فَلَا يُتَعَرَّضُ لِتَكْفِيرِهِ أَصْلًا وَهَذَا هُوَ الْأَحْرَى وَالْأَسْلَمُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ فَاسِقٌ شِرِّيرٌ جَائِرٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِمًا بِالْقِسْطِ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُ مَنْ يَثْلِمُهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ» . وَأَخْرَجَ الرُّويَانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ» وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ لِمَا قَدَّمْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَتْ خِلَافَتُهُ لَيْسَتْ كَخِلَافَةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَثْلِمُ أَمْرَ أُمَّتِهِ وَيُبَدِّلُ سُنَّتَهُ يَزِيدُ فَأَفْهَمَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَثْلِمْ وَلَمْ يُبَدِّلْ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ رَجُلًا نَالَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِحَضْرَتِهِ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ مَعَ ضَرْبِهِ لِمَنْ يُسَمِّي يَزِيدَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِشْرِينَ سَوْطًا فَفَرَّقَ مَا بَيْنَهُمَا وَكَانَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عِلْمٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا وَقَعَ مِنْ يَزِيدَ فَإِنَّهُ كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ رَأْسِ السِّتِّينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَتَوَفَّاهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَكَانَتْ وَفَاةُ مُعَاوِيَةَ وَوِلَايَةُ ابْنِهِ سَنَةَ سِتِّينَ وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ الْفُرَاتِ كُنْت عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرَ رَجُلٌ يَزِيدَ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ تَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطًا وَلِإِسْرَافِهِ فِي الْمَعَاصِي خَلَعَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ قَالَ وَاَللَّهِ مَا خَرَجْنَا عَلَى يَزِيدَ حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرْمَى بِالْحِجَارَةِ مِنْ السَّمَاءِ كَانَ يَنْكِحُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَدَعُ الصَّلَوَاتِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ وَلَمَّا فَعَلَ يَزِيدُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ مَعَ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَإِتْيَانِهِ الْمُنْكَرَاتِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْبَأْسُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ يُبَارِكْ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ وَبَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى فِسْقِهِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ لَعْنِهِ بِخُصُوصِ اسْمِهِ

فَأَجَازَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالرَّدِّ عَلَى الْمُتَعَصِّبِ الْعَنِيدِ الْمَانِعِ مِنْ ذَمِّ يَزِيدَ سَأَلَنِي سَائِلٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقُلْت لَهُ يَكْفِيهِ مَا بِهِ فَقَالَ أَيَجُوزُ لَعْنُهُ فَقُلْت قَدْ أَجَازَهُ الْعُلَمَاءُ الْوَرِعُونَ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي حَقِّ يَزِيدَ مَا يَزِيدُ عَلَى اللَّعْنَةِ ثُمَّ رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي يَعْلَى أَنَّهُ رَوَى فِي كُتُبِهِ الْمُعْتَمَدَةِ الْأُصُولُ بِإِسْنَادِهِ إلَى صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ قُلْت لِأَبِي إنَّ قَوْمًا يَنْسُبُونَنَا إلَى تَوَلِّي يَزِيدَ قَالَ يَا بُنَيَّ وَهَلْ يَتَوَلَّى يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَلِمَ لَا يُلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقُلْت فَأَيْنَ لَعْنُ اللَّهِ يَزِيدَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23] وَهَلْ يَكُونُ فَسَادٌ أَعْظَمُ مِنْ الْقَتْلِ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ يَا بُنَيَّ مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهُ؟ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَصَنَّفَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ وَذَكَرَ مِنْهُمْ يَزِيدَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ «مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظُلْمًا أَخَافَهُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَلَا خِلَافَ أَنَّ يَزِيدَ غَزَا الْمَدِينَةَ بِجَيْشٍ وَأَخَافَ أَهْلَهَا اهـ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْقَتْلِ وَالْفَسَادِ الْعَظِيمِ وَالسَّبْيِ وَإِبَاحَةِ الْمَدِينَةِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ حَتَّى فُضَّ نَحْوُ ثَلَثِمِائَةِ بِكْرٍ وَقُتِلَ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ نَحْوُ سَبْعِمِائَةِ نَفْسٍ وَأُبِيحَتْ الْمَدِينَةُ أَيَّامًا وَبَطَلَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيَّامًا وَأُخِيفَتْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا دُخُولَ مَسْجِدِهَا حَتَّى دَخَلَتْهُ الْكِلَابُ وَالذِّئَابُ وَبَالَتْ عَلَى مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرْضَ أَمِيرُ ذَلِكَ الْجَيْشِ إلَّا بِأَنْ يُبَايِعُوهُ لِيَزِيدَ عَلَى أَنَّهُمْ خَوَلٌ لَهُ إنْ شَاءَ بَاعَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ فَذَكَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَةَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَذَلِكَ فِي وَقْعَةِ الْحَرَّةِ ثُمَّ سَارَ جَيْشُهُ هَذَا إلَى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَمَوْا الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ الْقَبَائِحِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ نَاشِئَةً عَنْهُ وَهِيَ مِصْدَاقُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ «لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِمًا بِالْقِسْطِ حَتَّى يَثْلِمَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ يَزِيدُ» وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ لَعْنُهُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا مَا يَقْتَضِيهِ وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ وَأَطَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِقَوَاعِدِ أَئِمَّتِنَا وَبِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَعْنُ شَخْصٍ بِخُصُوصِهِ إلَّا إنْ عُلِمَ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ كَأَبِي جَهْلٍ وَأَبِي لَهَبٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَعْنُهُ حَتَّى أَنَّ الْكَافِرَ الْحَيَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَجُوزُ لَعْنُهُ لِأَنَّ اللَّعْنَ هُوَ الطَّرْدُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْيَأْسِ عَنْهَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَلِيقُ بِمَنْ عُلِمَ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فِي الْحَالَةِ الظَّاهِرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُؤْمِنَ كَمَا لَا يَجُوزُ لَعْنُ فَاسِقٍ مُعَيَّنٍ. وَإِذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت بِأَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَعْنُ يَزِيدَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا خَبِيثًا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَسُرَّ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَنْ اسْتِحْلَالٍ أَوْ كَانَ عَنْهُ لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ وَلَوْ بَاطِلًا فِسْقٌ لَا كُفْرٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِقَتْلِهِ وَسُرُورَهُ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ صُدُورُهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ بَلْ حُكِيَ عَنْهُ ضِدُّهُ كَمَا قَدَّمْته وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ لَعْنِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [محمد: 23] وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» فَلَا دَلَالَةَ فِيهِمَا لِجَوَازِ لَعْنِ يَزِيدَ بِخُصُوصِ اسْمِهِ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ جَوَازُ لَعْنِهِ لَا بِذَلِكَ الْخُصُوصِ وَهَذَا جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ وَمِنْ ثَمَّ حَكَوْا الِاتِّفَاقَ عَلَى

أَنَّهُ يَجُوزُ لَعْنُ مَنْ قَتَلَ الْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ أَوْ أَجَازَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِيَزِيدَ. كَمَا يَجُوزُ لَعْنُ شَارِبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ إذْ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِلَعْنِ أَحَدٍ بِخُصُوصِ اسْمِهِ بَلْ لِمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ وَمَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا أَنْ يُقَالَ لُعِنَ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ وَمَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظُلْمًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَةُ أَحَدٍ بِخُصُوصِهِ فَكَيْفَ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِخُصُوصِهِ مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَعْنُهُ بِخُصُوصِهِ وَأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لِلْجَوَازِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ مِنْ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَمَّنْ يَلْعَنُهُ لِكَوْنِهِ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ الْآمِرَ بِقِتَالِهِ الْمُفْضِيَ إلَى قَتْلِهِ إنَّمَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ وَالِي الْعِرَاقِ إذْ ذَاكَ وَأَمَّا سَبُّ يَزِيدَ وَلَعْنُهُ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ أَوْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ «لَعْنَ الْمُسْلِمِ كَقَتْلِهِ» وَقَاتِلُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا ارْتَكَبَ إثْمًا عَظِيمًا وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ بِالْقَتْلِ قَاتِلُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّاسُ فِي يَزِيدَ ثَلَاثُ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَتَوَلَّاهُ وَتُحِبُّهُ وَفِرْقَةٌ تَسُبُّهُ وَتَلْعَنُهُ وَفِرْقَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فِي ذَلِكَ لَا تَتَوَلَّاهُ وَلَا تَلْعَنُهُ وَتَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ سَائِرِ الْمُلُوكِ لِلْمُسْلِمِينَ وَخُلَفَائِهِمْ غَيْرِ الرَّاشِدِينَ فِي ذَلِكَ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ هِيَ الْمُصِيبَةُ وَمَذْهَبُهَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْ يَعْرِفُ سِيَرَ الْمَاضِينَ وَيَعْلَمُ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ خِيَارِ أَهْلِهَا اهـ لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرْته. وَفِي الْأَنْوَارِ مِنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْبَاغُونَ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ وَلَا كَفَرَةٍ بَلْ هُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ وَيَذْهَبُونَ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْقَدْحُ فِي مُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لَعْنُ يَزِيدَ وَلَا تَكْفِيرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمْرُهُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَاعِظِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ وَحِكَايَاتُهُ وَمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِنْ التَّشَاجُرِ وَالتَّخَاصُمِ فَإِنَّهُ يُهَيِّجُ عَلَى بُغْضِ الصَّحَابَةِ وَالطَّعْنِ فِيهِمْ وَهُمْ أَعْلَامُ الدِّينِ الَّذِينَ تَلَقَّى الْأَئِمَّةُ الدِّينَ عَنْهُمْ رِوَايَةً وَنَحْنُ تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ دِرَايَةً فَالطَّاعِنُ فِيهِمْ مَطْعُونٌ طَاعِنٌ فِي نَفْسِهِ وَدِينِهِ اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ لَعِبَ فِي مُصْحَفٍ شَرِيفٍ بِأَيْدِي أَوْلَادِ الْكُتَّابِ فَفَرَّقَ بَعْضَ أَوْرَاقِهِ وَدَشَّتْهُ فَضَرَبَهُ أَوْلَادُ الْكُتَّابِ فَشَكَا لِأَبِيهِ فَجَاءَ وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْمَسْجِدَ وَنَزَعَ الْمُصْحَفَ الشَّرِيفَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَسَبَّهُ سَبًّا بَلِيغًا بِكَلَامٍ سَمِعَهُ مِنْهُ النَّاسُ وَمَزَّقَ الْمُصْحَفَ وَرَمَاهُ فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي الْقَذَرِ وَضَرَبَ الْأَوْلَادَ ضَرْبًا مُؤْلِمًا بَعْدَ سَبِّهِمْ وَقَذْفِهِمْ وَقَذْفِ وَالِدَيْهِمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَمَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ وَالسِّيَاسِيُّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى أَفْعَالِ هَذَا الرَّجُلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا ثَبَتَ مَا ذُكِرَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْخَبِيثِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَقَامَ الْمَقْذُوفُونَ بِحَقِّهِمْ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ جَلْدُهُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً بِشَرْطِهِ الْمُبَيَّنِ فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ وَلَا ضَرْبٍ مِنْ رِدَّتِهِ بِسَبِّهِ الْمُصْحَفَ وَتَمْزِيقِهِ وَرَمْيِهِ الْمُسَبَّبِ عَنْهُ وُصُولُهُ لِلْقَذَرِ فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ مِمَّنْ يُصَدِّقُ بِالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ تَابَ مِنْهَا لَمْ يَقْبَلْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ

تَأْدِيبُهُ لِضَرْبِ الْأَوْلَادِ وَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ وَلَمْ يَتُبْ ضَرَبَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ وَتَرَكَهُ بِلَا غُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ لِلْكُفَّارِ وَأَهْلِ النَّارِ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا يَرَوْنَ فَإِنْ تَرَكُوهُ أَيْضًا وَخِيفَ ضَيْعَتُهُ رُدِمَ وَوُرِيَ فِي التُّرَابِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ قِبْلَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَيُغْنِي قَتْلُهُ لِلرِّدَّةِ عَنْ تَأْدِيبِهِ لِضَرْبِ الْأَوْلَادِ وَتُجْرَى عَلَيْهِ بَاقِي أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ أَعَاذَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ مِنْهَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ هَذِهِ هِيَ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى أَفْعَالِ هَذَا الرَّجُلِ الْخَبِيثِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ خَتْمَةٌ لِيُحَلِّفَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فَقَالَ لِلطَّالِبِ اُسْكُتْ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَقَالَ دَاهِيَةٌ تُخَيِّبُ الْخَتْمَةَ فَهَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ قَصَدَ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ أَمْ لَا وَهَلْ يَرْتَدُّ مَنْ قَالَ دَاهِيَةٌ تَجِيءُ الرِّجَالَ وَدَقَّاقَهَا وَهَلْ يَرْتَدُّ مَنْ قَالَ اللَّهُ ظَلَمَ فُلَانًا أَوْ إنْ كَانَ اللَّهُ يَعْرِفُ يُمَوِّتُ فُلَانًا وَهَلْ يَرْتَدُّ مَنْ قَالَ رَبُّنَا عَمِلَ عَلَيَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِالْعَمْدِ وَإِذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ لِأُخْرَى يُجَازِيك اللَّهُ فَقَالَتْ الْأُخْرَى إيش يُجَازِي جَازَى مَنْ مِنْ النَّاسِ فَهَلْ تَرْتَدُّ بِذَلِكَ وَإِذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ لِأُخْرَى يُعَامِلُك اللَّهُ فَقَالَتْ هُوَ انْعَبَطَ حَتَّى يُعَامِلَنِي بِقَوْلِك فَهَلْ تَرْتَدُّ وَإِذَا شَتَمَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ أَوْ ضَرَبَهُ بِكَفٍّ وَعَصًا فَفَعَلَ الذِّمِّيُّ مَعَهُ كَذَلِكَ مَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ ذِمِّيٌّ لِمُسْلِمٍ صَبَّحَك اللَّهُ بِالْخَيْرِ فَبِأَيِّ لَفْظٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْبِيلُ يَدِ الذِّمِّيِّ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا وَإِذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ يَا أَخُو أَوْ يَا سَيِّدِي أَوْ يَا عَمِّي فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ يُخَيِّبُ اللَّهُ الْعِلْمَ وَمُعَلِّمِيهِ أَوْ وَمَنْ عَلَّمَهُ فَهَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ قَصَدَ مَعْنَى الْقُرْآنِ الْقَدِيمِ يَكُونُ رِدَّةً وَلَا يَرْتَدُّ مَنْ قَالَ دَاهِيَةٌ تَجِيءُ الرِّجَالَ وَدَقَّاقَهَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ خَالِقَهَا وَإِلَّا ارْتَدَّ وَقَوْلُ الرَّجُلِ اللَّهُ ظَلَمَ فُلَانًا رِدَّةٌ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ إنْ نَسَبَ إلَيْهِ الْجَهْلَ يَكُونُ رِدَّةً وَقَوْلُ مَنْ قَالَ رَبُّنَا عَمِلَ عَلَيَّ بِالْعَمْدِ إنْ قَصَدَ الْجَوْرَ يَكُونُ رِدَّةً وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ جَازَى مَنْ مِنْ النَّاسِ إنْ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْمُجَازَاةِ يَكُونُ رِدَّةً وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ هُوَ انْعَبَطَ إنْ أَرَادَتْ أَنَّهُ مُشَابِهٌ لِلْآدَمِيِّ يَكُون رِدَّةً وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَلَا الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَعَلَى كُلٍّ الْأَدَبُ وَقَوْلُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ صَبَّحَك اللَّهُ بِالْخَيْرِ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَيَجُوزُ تَقْبِيلُ يَدِ الذِّمِّيِّ لِلضَّرُورَةِ وَقَوْلُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ يَا أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ سَيِّدِي لِلضَّرُورَةِ يَجُوزُ وَسَبُّ الْعِلْمِ إنْ قَصَدَ شَيْخَ الْعِلْمِ يُحَرَّمُ فَقَطْ وَإِنْ قَصَدَ أَصْلَ الْعِلْمِ الْكَائِنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ يَكُونُ رِدَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) الْقَائِلُ دَاهِيَةٌ تُخَيِّبُ إلَخْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ حَتَّى يَعْتَرِفَ بِإِرَادَةِ الْقُرْآنِ الْقَدِيمِ أَوْ الْمُنَزَّلِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَدُلُّ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الشَّدِيدُ وَالْقَائِلُ دَاهِيَةٌ تَجِيءُ الرِّجَالَ وَدَقَّاقَهَا إنْ اعْتَرَفَ بِإِرَادَةِ عُمُومِ الرِّجَالِ لِلْأَنْبِيَاءِ أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَإِلَّا فَإِنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِدَقَّاقِهَا صَانِعُهَا وَخَالِقُهَا أَوْ كَانَ السِّيَاقُ فِي شَأْنِ ذَلِكَ قُتِلَ مَا لَمْ يَتُبْ وَإِلَّا بُولِغَ فِي تَأْدِيبِهِ وَالْقَائِلُ اللَّهُ ظَلَمَ فُلَانًا مُرْتَدٌّ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْمُشَاكَلَةِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي التَّأْدِيبِ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ إلَخْ شَرْطِيَّةٌ لَا تَقْتَضِي نَفْيَ الْعِلْمِ بِالْفِعْلِ عَنْ مَوْلَانَا جَلَّ وَعَزَّ فَلَا تُعَدُّ رِدَّةً نَعَمْ تُوجِبُ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ وَالْقَائِلُ رَبُّنَا عَمِلَ عَلَيَّ بِالْعَمْدِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْسُبْ لِرَبِّنَا جَوْرًا وَلَا ظُلْمًا أَلْبَتَّةَ إذْ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَامَلَهُ

بِخِلَافِ مَقْصُودِهِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ نِسْبَةَ الْجَوْرِ لَهُ تَعَالَى. وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَا عَبْدِي أَنْتَ تُرِيدُ وَأَنَا أُرِيدُ فَإِنْ سَلَّمْت لِي مَا أُرِيدُ أَرَحْت نَفْسَك وَقَضَيْت لَك مَا تُرِيدُ وَإِنْ نَازَعْتنِي فِيمَا أُرِيدُ أَتْعَبْت نَفْسَك وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ» أَوْ كَمَا قَالَ وَالْقَائِلَةُ إيش يُجَازِي جَازَى مَنْ مِنْ النَّاسِ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهَا وَصْفُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِغَايَةِ الْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَعَدَمِ تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا تَبْكِيتًا لِلدَّاعِيَةِ عَلَيْهَا بِالْمُجَازَاةِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ لَهَا اقْتَصِّي فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَعَدَمِ تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مُجَازَاةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى تَطْلُبِي لِي مِثْلَهُ فَطَلَبُك عَبَثٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَالْقَائِلَةُ هُوَ انْعَبَطَ حَتَّى يُعَامِلَنِي بِكَلَامِك لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَلَا يُعَامِلُ عَبْدَهُ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يُنَافِي الْعِلْمَ الْمُقْتَضَى لِلْمُعَامَلَةِ بِكَلَامِ النَّاسِ الْمُخَالِفِ لِلْوَاقِعِ وَالْقَائِلُ يُخَيِّبُ اللَّهُ الْعِلْمَ إلَخْ. إنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَرَادَ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الشَّدِيدُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ عِلْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمُعَلِّمِينَ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِإِرَادَةِ عُمُومِهِمْ لِلْأَنْبِيَاءِ أَوْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَإِلَّا شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي التَّأْدِيبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَلِيمِ الْفَيُّومِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ بِحَضْرَةِ فَقِيهٍ نَاوِلْنِي جَوَادِي أَوْ الْجَوَادَ يَعْنِي بِذَلِكَ نَعْلَهُ فَقَالَ الْفَقِيهُ لِرَبِّ النَّعْلِ مُرْتَدٌّ بِقَوْلِك ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَوَادَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَهَلْ يَكُونُ الْفَقِيهُ مُصِيبًا فِي فَتْوَاهُ؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ قَوْلُ الْفَقِيهِ الْقَائِلِ مَا ذُكِرَ مُرْتَدٌّ كَذِبٌ وَجَهْلٌ مِنْهُ مَحْضٌ لِأَنَّهُ صَارَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ عَلَمًا عَلَى النَّعْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَعَنَ دِينَ آخَرَ وَفِي آخَرَ لَعَنَ مَذْهَبَهُ وَفِي آخَرَ قَالَ لَهُ يَلْعَنُ مَذْهَبَك مَذْهَبَ الْقِطَطِ هَلْ يَرْتَدُّونَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ قَدْ ارْتَدُّوا بِذَلِكَ وَاسْتَحَقُّوا الْقَتْلَ إنْ لَمْ يَتُوبُوا اتِّفَاقًا لِأَنَّ سَبَّ الدِّينِ أَوْ الْمَذْهَبِ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ وَلِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ الْمُوجِبِ لِلْكُفْرِ وَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا مُشَاجَرَةٌ ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ وَلَدِهَا الْمُسَمَّى عَبْدُ الْخَالِقِ فَقَالَتْ لَا تَسْأَلْ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ وَلَا عَبْدِ الْخَرَهْ وَقَالَتْ لَمْ أَقْصِدْ إلَّا شَتْمَ وَلَدِي وَإِهَانَتَهُ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي غَيْرُ ذَلِكَ فَهَلْ تُصَدَّقُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ لِخَطَرِهَا لِاقْتِضَائِهَا سَفْكَ الدَّمِ وَزَوَالَ الْعِصْمَةِ وَعَدَمَ الْإِرْثِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَكِنَّهَا تُؤَدَّبُ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ كَيْ لَا تَعُودَ هِيَ وَمِثْلُهَا لِذَلِكَ اللَّفْظِ الشَّنِيعِ وَذَكَرْت ضَابِطَ الْأَبْيَانِيِّ وَاخْتِيَارَ الْبُرْزُلِيِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ إنَّ الْبَهَائِمَ لَيْسَ لَهَا آجَالٌ مُقَدَّرَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا آجَالُهَا بِأَيْدِي

مُلَّاكِهَا إنْ شَاءُوا أَبْقَوْهَا وَإِنْ شَاءُوا أَمَاتُوهَا بِذَبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُسَلِّمْ وَطَلَبَ دَلِيلًا تَفْصِيلِيًّا عَلَى مُمَاثَلَتِهَا لِلْآدَمِيِّ فِي تَقْدِيرِ الْأَجَلِ فَهُوَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ وَإِنْكَارِهِ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ بِقَدْرٍ لَا يُجَاوِزُهُ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] فَإِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ كُلَّ حَادِثٍ بِوَقْتٍ وَحَالٍ مُعَيَّنٍ وَهَيَّأَ لَهُ أَسْبَابًا مَسُوقَةً إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ أَيْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا مِنْ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْأَجَلِ وَالْعَمَلِ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِعْجَالِهِمْ بِالْعَذَابِ انْتَهَى. وَقَالَ تَعَالَى {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ إحْدَاثًا مُرَاعًى فِيهِ التَّقْدِيرُ حَسَبَ إرَادَتِهِ كَخَلْقِهِ الْإِنْسَانَ مِنْ مَوَادَّ مَخْصُوصَةٍ وَصُوَرٍ وَأَشْكَالٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَقَدَّرَهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا أَرَادَ مِنْهُ مِنْ الْخَصَائِصِ وَالْأَفْعَالِ كَتَهْيِئَتِهِ الْإِنْسَانَ لِلْإِدْرَاكِ وَالْفَهْمِ وَالنَّظَرِ وَالتَّدْبِيرِ وَاسْتِنْبَاطِ الصَّنَائِعِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَمُزَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ فَقَدَّرَهُ لِلْبَقَاءِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَفِيُّ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَحْدَهُ لَا كَمَا تَقُولُ الْمَجُوسُ وَالثَّنَوِيَّةُ مِنْ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَيَزْدَانُ وَأَهْرَمَن وَالْمُعْتَزِلَةُ إنَّ الْأَفْعَالَ مَخْلُوقَةٌ لِلْعِبَادِ وقَوْله تَعَالَى - {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]- فَهَيَّأَهُ عَلَى مَا أَرَادَ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَوَحِّدُوهُ وَأَطِيعُوهُ فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْمُلْكِ وَالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّدْبِيرِ وَلَا تَكُونُوا كَالْمُشْرِكِينَ انْتَهَى. وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ إنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّرًا مُرَتَّبًا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ أَوْ مُقَدَّرًا مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ وُقُوعِهِ انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَفِيُّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» وَقَالَ أَنَسٌ سَمِعْت عُمَرَ يَحْلِفُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الْآيَةِ مَا كَانُوا وَلَيَكُونُنَّ بَعْدُ وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَيْلٌ لِأَهْلِ الْقَدَرِ إنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ فِي التَّوْرَاةِ إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ إلَى قَوْلِهِ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ أَيْ بِتَقْدِيرٍ سَبَقَ فِي عِلْمِنَا وَإِرَادَتِنَا اهـ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَمَا يَمُدُّ فِي عُمُرِهِ مِنْ مَصِيرِهِ إلَى الْكِبَرِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ عُمُرِهِ مِنْ عُمُرِ الْمُعَمَّرِ لِغَيْرِهِ بِأَنْ يُعْطَى لَهُ عُمْرٌ نَاقِصٌ أَوْ لَا يُنْقَصُ مِنْ عُمْرِ الْمَنْقُوصِ عُمْرٌ بِجَعْلِهِ نَاقِصًا وَالضَّمِيرُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ لِدَلَالَةٍ مُقَابِلَةٍ عَلَيْهِ أَوْ الْمُعَمَّرِ عَلَى التَّسَامُحِ فِيهِ ثِقَةٌ بِفَهْمِ السَّامِعِ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي عُمْرٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ أُثْبِتَتْ فِي اللَّوْحِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إنْ حَجَّ عَمْرٌو فَعُمْرُهُ سِتُّونَ سَنَةً وَإِلَّا فَأَرْبَعُونَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالنُّقْصَانِ مَا يُسَمَّى مِنْ عُمُرِهِ وَيَتَبَعَّضُ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ فِي صَحِيفَةِ عُمُرِهِ يَوْمًا فَيَوْمًا. وَعَنْ يَعْقُوبَ {وَلا يُنْقَصُ} [فاطر: 11] عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ {إِلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] هُوَ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ اللَّوْحُ أَوْ الصَّحِيفَةُ انْتَهَى. وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَشَاعَ فِي كَلَامِ الْعَوَامّ أَنَّهُ لَا يَنْكَسِرُ إنَاءٌ حَتَّى يَفْرُغَ عُمْرُهُ الْمُقَدَّرُ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا بَالُك بِالْحَيَوَانِ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ أَنْ يُجْرِيَ عَلَى هَذَا الْخَبِيثِ أَحْكَامَ الرِّدَّةِ لِيَرْتَدِعَ أَمْثَالُهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ،

قال عند ذكر الموت قطع الموت وأصحابه فهل يرتد

وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَنَازَعَ مَعَ عَمِّهِ فِي مَتَاعٍ فَتَوَسَّطَ النَّاسُ بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمَا فَامْتَنَعَ مِنْهُ فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِيهِ فَقَالَ أَنَا نَصْرَانِيٌّ وَهُوَ مُسْلِمٌ قَاصِدًا الِامْتِنَاعَ مِنْ الصُّلْحِ وَشِدَّةَ التَّبَاعُدِ عَنْ عَمِّهِ فَهَلْ يُعَوَّلُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ خُصُوصًا وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ كَمَنْ غَرَّ بِهِ نَصْرَانِيَّةً لِيَتَزَوَّجَهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعَوَّلُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِخَطَرِهَا وَيُسْتَتَابُ وَيُؤَدَّبُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ الْمُتَقَدِّمُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ قُطِعَ الْمَوْتُ وَأَصْحَابُهُ فَهَلْ يَرْتَدُّ] (مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ قُطِعَ الْمَوْتُ وَأَصْحَابُهُ فَهَلْ يَرْتَدُّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَهَلْ كَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ لِمَنْ يُنَازِعُهُ رَبُّنَا بَاعَنِي لَك أَوْ " هَيْبِيعْنِي " لَك أَوْ أَنْت " هَتَأْخُذْنِي " مِنْ وَرَاءِ رَبِّي أَوْ تَحَدَّثَ يَا رَبُّ أَنْت سَكَتَّ لِأَيِّ شَيْءٍ وَهَلْ تَرْتَدُّ النَّائِحَةُ إذَا قَالَتْ " هَدِّيتْنِي يَا مَوْتُ هَدَّتْهُ غَارَةٌ " أَوْ إذَا قَالَتْ جَزَّارُهُمْ طَيَّبَ سَكَاكِينَهُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى عَقْلِهِ وَلَا عَلَى دِينِهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُقْتَلُ مَنْ قَالَ قُطِعَ الْمَوْتُ وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ هُمْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ وَلَوْ تَابَ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَالَ رَبَّنَا بَاعَنِي أَوْ " هَيْبِيعْنِي " إلَخْ وَيُؤَوَّلُ الْحَدِيثُ بِالْإِغَاثَةِ، وَالتَّخْلِيصُ وَالسُّكُوتُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَقَوْلُهَا " هَدِّتْهُ غَارَةٌ " إنْ قَصَدَتْ بِالضَّمِيرِ الْمَوْتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى قُتِلَتْ مَا لَمْ تَتُبْ وَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ مَلَكَ الْمَوْتِ قُتِلَتْ وَلَوْ تَابَتْ وَإِنْ لَمْ تَقْصِدْ شَيْئًا أُدِّبَتْ وَتُرِكَتْ وَتُقْتَلُ بِقَوْلِهَا لَمْ يَخَفْ عَلَى دِينِهِ وَلَوْ تَابَتْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [سَبَّ عَزْرَائِيلَ وَلَمْ يَعْتَقِدْ مَلَكِيَّتَهُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ سَبَّ عَزْرَائِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَعْتَقِدْ مَلَكِيَّتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَ حُرْمَتِهِ وَسَمَّاهُ إزْرَائِينَ أَوْ إزْرَائِيلَ أَوْ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَسَمَّاهُمَا نَكِيرًا وَمَنْكُورًا فَهَلْ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ وَيُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ عَابَ مَلَكًا أَوْ نَبِيًّا وَلَوْ فِي بَدَنِهِ قُتِلَ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَزَلَلِ لِسَانٍ أَوْ سُكْرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَحَا لَوْحًا فِيهِ قُرْآنٌ بِبَوْلِ إبِلٍ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَحَا لَوْحًا فِيهِ قُرْآنٌ بِبَوْلِ إبِلٍ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ارْتَدَّ الْمَاحِي فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرِّدَّةُ كُفْرُ مَنْ تَقَرَّرَ إسْلَامُهُ بِكَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ أَوْ حَدِيثٍ فِي قَذَرٍ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْقَذَرِ مَا اُسْتُقْذِرَ وَلَوْ طَاهِرًا كَالْبُصَاقِ وَمِثْلُ الْمُصْحَفِ الْآيَةُ أَوْ الْحَرْفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ارْتَدَّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ إمَامٌ يَسْتَتِيبُهُ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَلَّى وَصَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ

وَيَكْفِي فِي تَوْبَتِهِ نُطْقُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِتَضَمُّنِهِ أَرْكَانَهَا خُصُوصًا مَعَ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَخْلُو عَنْ الِاسْتِغْفَارِ غَالِبًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَقُولُونَ آخِرَ ذِكْرِهِمْ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ هُوَ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَقْصِدُونَ بِهِ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْتَى بِكُفْرِهِمْ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى هَؤُلَاءِ الذَّاكِرِينَ بِالْكُفْرِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي تَكْفِيرُ الذَّاكِرِينَ وَلَوْ فُرِضَ قَوْلُهُمْ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَاصِدِينَ بِلَفْظِ هُوَ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْظَمِ وَالْإِخْبَارَ عَنْهُ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِصِحَّتِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى عَرَبِيَّةً وَشَرْعًا إذْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلَّهِ بِجُمْلَةِ مُحَمَّدٍ رَسُولٌ اللَّهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أُقِيمَ فِيهَا لَفْظُ الْجَلَالَةِ مَقَامَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّبَرُّكِ بِهِ مَثَلًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُهُ أَوْ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ يُتَوَهَّمْ مِنْهُ كُفْرُهُمْ فَكَذَا هُوَ أَيْ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُهُ أَوْ هُوَ أَيْ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ بِلَفْظِ هُوَ إنَّمَا يَمُدُّونَ ضَمَّةَ هَاءِ الْجَلَالَةِ فَمَنْ تَجَرَّأَ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ فَقَدْ تَجَرَّأَ عَلَى أَمْرٍ فِي غَايَةِ الْعِظَمِ وَالْخَطَرِ وَالصُّعُوبَةِ وَأَوْبَقَ نَفْسَهُ وَفَضَحَهَا وَنَادَى عَلَيْهَا بِالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَعَدَمِ الدِّيَانَةِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا إنْ كَانَ لِلتَّكْفِيرِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَجْهًا وَلِعَدَمِهِ وَجْهٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ وَلَا يُفْتَى بِالْكُفْرِ الْمُوجِبِ لِلْقَتْلِ وَحَلِّ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِهِ الصَّعْبَةِ كَيْفَ وَالْمُفْتَى بِكُفْرِهِ هُنَا جَمَاعَةٌ ذَاكِرُونَ لَا يُحْصَرُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بِنْتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ أَسْلَمَ أَبُوهُمَا مِنْ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ فَأَرَادَتْ أُمُّهُمَا إدْخَالَهُمَا فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَهُمَا لَا يَعْقِلَانِ أَنَّ النَّجَاةَ فِي الْإِسْلَامِ وَرُفِعَتَا لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فَحَكَمَ بِإِسْلَامِهِمَا تَبَعًا لِأَبِيهِمَا فَهَلْ يُمْضَى حُكْمُهُ وَلَا يُعَارَضُ وَإِنْ عَارَضَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ حُكْمُهُ بِإِسْلَامِهِمَا مَاضٍ وَنَافِذٌ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُعَارَضَتُهُ وَالْمُسْلِمُ الْمُعَارِضُ لَهُ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ تُرِكَ وَإِلَّا قُتِلَ وَالذِّمِّيُّ الْمُعَارِضُ لَهُ نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ بِتَمَرُّدِهِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَرَدِّهِ لِذِمَّتِهِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَالْمَنِّ عَلَيْهِ بَعْدَهَا وَالْمُفَادَاةِ بِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ لِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ لَا أُمِّهِ وَلَا جَدِّهِ كَأَنْ مَيَّزَ الْوَلَدُ حَالَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا الْوَلَدَ الْمُرَاهِقَ لِلْبُلُوغِ حَالَ إسْلَامِ أَبِيهِ أَوْ حَالَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ غَيْرَ مُرَاهِقٍ حَالَ دُخُولِ أَبِيهِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى رَاهَقَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْقَتْلِ بَلْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قِيلَ لَهُ رُدَّ الْأَمَانَةَ لِأَهْلِهَا فَأَبَى فَقِيلَ لَهُ اهْتَدِ بِاَللَّهِ فَقِيلَ لَا يَهْتَدِي بِاَللَّهِ فَقِيلَ لَهُ خَرَجْت مِنْ الشَّرِيعَةِ فَقَالَ خَرَجْت فَهَلْ ارْتَدَّ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَعَلَى الثَّانِي هَلْ يَرْتَدُّ مَنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَرْتَدَّ بِذَلِكَ

إذْ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فِي خُصُوصِ هَذَا الْحُكْمِ فِسْقًا وَعِصْيَانًا فَهُوَ فَاسِقٌ مُتَجَاهِرٌ بِفِسْقِهِ فَيُؤَدَّبُ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ وَيُسْجَنُ الزَّمَنَ الْمَدِيدَ حَتَّى يَرْتَدِعَ وَيَتُوبَ وَيَنْقَرِعَ وَلَمْ يَرْتَدَّ أَيْضًا مَنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ مُخْطِئٌ إمَّا جَاهِلٌ وَإِمَّا مُتَأَوِّلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بِنْتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ أَسْلَمَ أَبُوهُمَا مِنْ دِينِ النَّصَارَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَأَرَادَتْ أُمُّهُمَا إدْخَالَهُمَا فِي دِينِ النَّصَارَى وَرُفِعَتَا لِنَائِبِ قَاضٍ فَحَكَمَ بِإِسْلَامِهِمَا تَبَعًا لِأَبِيهِمَا وَسَجَّلَهُ فَحَضَرَ خَالُهُمَا نَصْرَانِيًّا وَسَبَّ النَّائِبَ وَبَصَقَ عَلَى وَجْهِهِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَجَّهَ بِالْبِنْتَيْنِ لِقَاضِي الْوِلَايَةِ وَأَعْطَاهُ مَالًا كَثِيرًا جَامِعًا لَهُ مِنْ أَمْثَالِهِ وَسَأَلَهُ هَلْ هُمَا مُسْلِمَتَانِ أَوْ نَصْرَانِيَّتَانِ فَأَفْتَاهُ بِأَنَّهُمَا إنْ ارْتَدَّتَا لَا تُقْتَلَانِ وَمَكَّنَهُمَا مِنْ الرِّدَّةِ لِلنَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَعَ خَالُهُمَا فِي تَزْوِيجِهِمَا لِذِمِّيَّيْنِ فَهَلْ حُكْمُ النَّائِبِ صَحِيحٌ وَمَا حُكْمُ مَا وَقَعَ مِنْ الْخَالِ وَالْقَاضِي. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَّا حُكْمُ النَّائِبِ بِإِسْلَامِهِمَا فَصَحِيحٌ إنْ كَانَتَا حِينَ حُكْمِهِ غَيْرَ مُرَاهِقَتَيْنِ لِلْبُلُوغِ وَإِلَّا فَلَا إذْ الْمُرَاهِقُ لَهُ حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ أَوْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَى الْكُفْرِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الْمَدِيدِ وَأَمَّا سَبُّ خَالِهِمَا النَّائِبَ وَبَصْقُهُ فِي وَجْهِهِ فَنَاقِضٌ لِعَهْدِهِ وَمُوجِبٌ لِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَالْمَنِّ عَلَيْهِ وَالْفِدَاءِ بِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الْمَنَّ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّهُ لِلْجِزْيَةِ ضَرَبَهُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَحَبَسَهُ الْحَبْسَ الْمَدِيدَ رَدْعًا لَهُ وَلِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَأَمَّا فَتْوَى الْقَاضِي بِأَنَّهُمَا لَا تُقْتَلَانِ إنْ ارْتَدَّتَا فَخَطَأٌ صِرْفٌ فَإِنَّهُمَا إنْ كَانَتَا غَيْرَ مُرَاهِقَتَيْنِ حِينَ حَكَمَ النَّائِبُ بِإِسْلَامِهِمَا وَامْتَنَعَتَا مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا وَأَصَرَّتَا عَلَى عَدَمِهِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُتِلَتَا وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمَا وَإِنْ كَانَتَا مُرَاهِقَتَيْنِ حِينَ حُكْمِ النَّائِبِ وَامْتَنَعَتَا مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَيْسَتَا مُرْتَدَّتَيْنِ فَلَا تُقْتَلَانِ إنْ أَصَرَّتَا عَلَى الْكُفْرِ وَلَكِنْ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ وَيُجْبَرَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الْمَدِيدِ وَإِنْ ثَبَتَ عَلَى الْقَاضِي أَنَّهُ مَكَّنَهُمَا مِنْ إصْرَارِهِمَا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ ارْتَدَّ قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَحَكَمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ وَلَمْ يُغْفَلْ عَنْهُ حَتَّى رَاهَقَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ قَبْلَ الْمُرَاهِقَةِ وَالْبُلُوغِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُنْيَةً فَقَطْ لَا جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ كَأَنْ مَيَّزَ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ أَيْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ دِينًا يَتَدَيَّنُ بِهِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَفَائِدَةُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ مَنْ ذُكِرَ الْحُكْمُ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ امْتَنَعَ إلَّا الْمُمَيِّزَ الْمُرَاهِقَ حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ وَإِلَّا الْمُمَيِّزَ أَوْ غَيْرَهُ الْمَتْرُوكَ لَهَا أَيْ لِلْمُرَاهَقَةِ أَيْ غُفِلَ عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِإِسْلَامِ أَبِيهِ كَالْمُرَاهِقِ حِينَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَلَا يُجْبَرُ كُلٌّ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ بَلْ بِالضَّرْبِ فَقَطْ اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْأَصْحَابِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ يَغُورُ وَجْهُ رَبِّنَا لِأَجْلِ خَاطِرِ فُلَانٍ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ فَعَلْنَا مَعَ فُلَانٍ كَذَا قَاصِدِينَ الْمَعْرُوفَ وَمُرَاعِينَ وَجْهَ رَبِّنَا فَهَلْ هُوَ مُرْتَدٌّ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: يُسْأَلُ الْقَائِلُ عَمَّا أَرَادَ بِالْوَجْهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الذَّاتَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الثَّوَابَ أَوْ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا عُوقِبَ عِقَابًا شَدِيدًا وَحُبِسَ حَبْسًا مَدِيدًا كَمَا عُلِمَ مِنْ نَصِّ الْبُرْزُلِيِّ السَّابِقِ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِخَبَرٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَذِبٌ فَقَالَ كُلُّ أَهْلِ بَلَدِ الْمُخْبِرِ كَذَّابُونَ مُزَوِّرُونَ حَتَّى إنْ كَانَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ فَأَنَا أُكَذِّبُهُ وَأَلْعَنُ أَبَاهُ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يُسْأَلُ الْقَائِلُ عَمَّا أَرَادَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْمَوْجُودِينَ الْآنَ أَوْ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْمَوْجُودِينَ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا أَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا أُدِّبَ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يُقْتَلُ إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا عَلَّقَهُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ قَالَ لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ لَسَبَبْته وَمَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ لَهُ قَرْنَانِ وَلَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا قَالَ فِي الشِّفَاءِ تَوَقَّفَ الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِهِ وَأَمَرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى تُسْتَفْهَمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصَدِهِ وَهَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفَّ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ الْعُمُومُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ كَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنْ اكْتَسَبَ الْمَالَ وَدَمُ الْمُسْلِمِ لَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ وَمَا تَرِدُ إلَيْهِ التَّأْوِيلَاتُ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْعَانِ النَّظَرِ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ بِكِتَابَةِ الْبَسْمَلَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ نَحْوِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ لِيَتَوَصَّلَ لِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي لَوْحِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَتَعَلَّمُ بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْبَسْمَلَةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ لِأَنَّهُ تَنْقِيصٌ لَهَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَهُ» فِيمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُحَدِّثُ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابٍ فِي أَرْضٍ فَقَالَ لِشَابٍّ مِنْ هُذَيْلٍ مَا هَذَا قَالَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَتَبَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا لَا تَضَعُوا كِتَابَ اللَّهِ إلَّا مَوْضِعَهُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنًا لَهُ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ عَلَى حَائِطٍ فَضَرَبَهُ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِنِسْيَانِهِ فَيُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنِّعَالِ وَتُلْقَى عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَالْقَذَرُ وَلِكِتَابَةِ الصِّبْيَانِ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَتَرْكِهِ فَيُوطَأُ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ مُحَرَّمَةٌ وَلِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَضْعُ الْمُصْحَفِ عَلَى الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ اسْتِخْفَافًا بِهِ رِدَّةٌ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ وَضْعَهُ عَلَيْهَا بِلَا اسْتِخْفَافٍ مَمْنُوعٌ وَتَعْلِيمُ الْأَوْلَادِ الْكِتَابَةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وَهَا هُمْ يَتَعَلَّمُونَهَا فِي مِصْرَ وَأَعْمَالِهَا وَالْمَغْرِبِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَأَغْلَبِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِدُونِ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ مُذْ مَيَّزْت إلَى الْآنَ إلَّا مِنْ نَحْوِ نِصْفِ عَامٍ عَنْ بَعْضِ بِلَادِ السُّودَانِ فَالْوَاجِبُ تَرْكُ هَذِهِ الْعَادَةِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعِلَهَا وَأَدَّتْ إلَى الْأُمُورِ الْفَظِيعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي تَعْلِيقِ اللَّوْحِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى جِدَارٍ أَوْ إسْنَادِهِ إلَيْهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي كَوَّتِهِ وَفِيهِ رَوْثُ الْبَقَرِ وَالنَّجَاسَةِ غَالِبًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَذَارَةِ رَوْثِ الْبَقَرِ وَالْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ وَلِغَلَبَةِ الْجَلَّالِيَّةِ عَلَيْهِ فَيُتَّفَقُ عَلَى نَجَاسَةِ رَوْثِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

غسل اللوح المكتوب فيه قرآن بموضع نجس أو يداس بالمداس

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [غَسْلِ اللَّوْحِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ قُرْآنٌ بِمَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ يُدَاسُ بِالْمَدَاسِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي غَسْلِ اللَّوْحِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ قُرْآنٌ بِمَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ يُدَاسُ بِالْمَدَاسِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ وَمِنْ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يُمْحَى مِنْ اللَّوْحِ بِالْبُزَاقِ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ بِالْمَاءِ وَمِنْ حُرْمَتِهِ إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ أَنْ لَا يُصَبَّ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَلَا فِي مَوْضِعٍ يُوطَأُ فَإِنَّ لِتِلْكَ الْغُسَالَةِ حُرْمَةً وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَشْفُونَ بِهَا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ. وَفِي الْمَدْخَلِ أَنَّ هَذِهِ الْغُسَالَةَ إمَّا أَنْ تُصَبَّ فِي بَحْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حُفْرَةٍ طَاهِرَةٍ لَا تُوطَأُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَضْعِ الْمُصْحَفِ أَوْ اللَّوْحِ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى عُضْوٍ أَوْ ثَوْبٍ نَجِسٍ ذَهَبَتْ مِنْهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبَقِيَ فِيهِ حُكْمُهَا فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ قُصِدَ ابْتِدَاءً أَوْ تُرِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَهُوَ رِدَّةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَارِئٍ فِي مُصْحَفٍ أَوْ لَوْحٍ انْفَصَلَ مِنْ فَمِهِ رِيقٌ وَأَصَابَ الْمُصْحَفَ أَوْ اللَّوْحَ فَهَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِغَسْلِهِ أَوْ يُعْفَى عَنْهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَمَا حُكْمُ تَرْكِ غَسْلِهِ اخْتِيَارًا. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِغَسْلِهِ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَتَرْكُ غَسْلِهِ اخْتِيَارًا رِدَّةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي بَلْ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ بِالرِّيقِ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ كُفْرٌ وَإِنْ اُعْتِيدَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ اللَّوْحِ فِيهِ قُرْآنٌ بِيَدٍ سَالَ عَلَيْهَا بُصَاقٌ أَوْ مُخَاطٌ وَأُزِيلَتْ عَيْنُهُ عَنْهَا بِمَسْحِهَا بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ غَسْلِهَا مِنْهُ وَعَلَى مَنْعِهِ فَهَلْ هُوَ رِدَّةٌ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا جَائِزٌ إذْ لَا قَذَرَ فِي الْعُضْوِ وَلَا حُكْمَ نَجَاسَةٍ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى غَسْلُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تَشَاجَرَ مَعَ مَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ وَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ السُّخَامِ وَلَمْ يُرِدْ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهَلْ ارْتَدَّ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَرْتَدَّ بِذَلِكَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

مسائل شرب ما يسكر

[مَسَائِلُ شُرْبِ مَا يُسْكِرُ] [الْبُوزَةِ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ نَحْوِ الشَّعِيرِ هَلْ شُرْبُهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ شُرْبِ مَا يُسْكِرُ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي " الْبُوزَةِ " الْمُتَّخَذَةُ مِنْ نَحْوِ الشَّعِيرِ هَلْ شُرْبُهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَهَلْ هِيَ نَجِسَةٌ وَهَلْ كَذَلِكَ اللَّبَنُ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمُوضَتُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا أَفِيدُونَا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ " الْبُوزَةُ " الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ نَحْوِهِ الْمُسْكِرَةُ أَيْ الْمُغَيِّبَةُ لِلْعَقْلِ مَعَ النَّشْوَةِ وَالطَّرَبِ نَجِسَةٌ وَشُرْبُهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ الَّذِي صَارَ مُسْكِرًا وَكَذَا سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ مِنْ النَّبِيذِ وَحِجَامَةِ النَّخْلِ وَغَيْرِهَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْتَنِبُوا مَا أَسْكَرَ» رَوَاهُ الْحُلْوَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرَوَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الْأَعْنَابِ إلَّا قَلِيلًا وَعَامَّةُ خَمْرِنَا حِينَ ذَاكَ نَبِيذُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ» . وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَرَادَ - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَقْتَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ وَأَنَّ عِلَّتَهُ مُخَامَرَةُ الْعَقْلِ وَالنَّشْوَةُ وَالطَّرَبُ فَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَنَجِسٌ وَمُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَشُرْبُهُ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْعِتْقِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْعِتْقِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَصَلَتْ مِنْهُ صِيغَةُ عِتْقٍ ثُمَّ شَكَّ فِي كَوْنِهَا صِيغَةَ تَنْجِيزٍ أَوْ صِيغَةَ تَدْبِيرٍ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تُحْمَلُ عَلَى صِيغَةِ التَّنْجِيزِ فَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ نَاجِزًا لِقَوْلِهِمْ الشَّكُّ فِي الْعِتْقِ مُوجِبٌ لَهُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَعْتَقَ أَمْ لَا فَإِنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ اهـ وَنَحْوُهُ لِلشَّبْرَخِيتِيِّ عَازِيًا لِلْأُجْهُورِيِّ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ فِي مَبْحَثِ الطَّلَاقِ وَإِنْ صَحَّ عَلَى الْمَالِكِ التَّعَدِّي عَلَى مَمْلُوكِهِ فِي أَدَبِهِ لَمْ يُبَعْ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ بِالزَّجْرِ وَالْكَفِّ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إضْرَارِهِ وَصَحَّ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُبَاعُ عَلَيْهِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالتَّعَدِّي مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَشْهُورًا كَأَهْلِ الْعَرْبَدَةِ

مسائل التدبير

وَالْفِسْقِ الَّذِينَ لَا يَرْجِعُونَ عَمَّا يَفْعَلُونَهُ فَإِنْ ثَبَتَ حَالُهُ مَعَ أَثَرِ الضَّرْبِ الْمُشَاهَدِ بِالْمَمْلُوكِ وَجَبَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمَمْلُوكُ إثْبَاتَ ذَلِكَ الضَّرَرِ. قَالَ ابْنُ زَرِبٍ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِبَلَدِنَا يُفْتِي بِأَنَّ تَكَرُّرَ الْمَمْلُوكِ بِالشَّكِيَّةِ مِمَّا يُوجِبُ بَيْعَهُ عَلَى مَوْلَاهُ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِثُبُوتِ الضَّرَرِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ التَّدْبِيرِ] [دَبَّرَ جَارِيَةً وَأَوْصَى لَهَا بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ بَاعَهَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ التَّدْبِيرِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ دَبَّرَ جَارِيَةً وَأَوْصَى لَهَا بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ ثُمَّ بَاعَهَا فَهَلْ لَا يَصِحُّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَصِحُّ وَيُفْسَخُ إنْ كَانَ عِتْقُهُ لَهَا عَلَى وَجْهِ الْإِبْرَامِ وَالِالْتِزَامِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ مُدَبَّرَةٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتّ فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ أَوْ لَا رُجُوعَ فِيهِ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِالتَّدْبِيرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِانْحِلَالِ وَالرُّجُوعِ بِأَنْ عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ تَارَةً وَلَا يَكُونُ أُخْرَى كَإِنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي أَوْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَمْ يُقَيِّدْ بِيَوْمٍ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّدْبِيرَ اللَّازِمَ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَشَهْرٍ فَهِيَ وَصِيَّةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يُفْسَخُ وَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَزِمَ تَدْبِيرُ الزَّوْجَةِ فَوْقَ الثُّلُثِ الْآنَ وَهُوَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَصِيَّةٌ فَلَهُمَا الرُّجُوعُ بَعْدَ الرُّشْدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ كَإِنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِي إنْ لَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يُعَلِّقْ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ بِكَدَبَّرْتُكَ أَوْ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي إلَّا أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ أُغَيِّرْ فَوَصِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ وَفُسِخَ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يُنَجِّزَ عِتْقَهُ اهـ وَقَالَ فِي الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَتْ بِرُجُوعٍ وَإِنْ بِمَرَضٍ بِقَوْلٍ أَوْ بَيْعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ أُمِّ الْوَلَدِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ أُمِّ الْوَلَدِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مُتَزَوِّجَةٍ عَبْدَهُمَا وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ وَعَلِمَ بِهِ زَوْجُهَا فَاعْتَزَلَهَا ثُمًّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ مِنْ السَّيِّدِ أَوْ الزَّوْجِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالسَّيِّدِ وَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إنْ مَاتَ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَوْ بِالزَّوْجِ فَهَلْ وَطْءُ السَّيِّدِ زِنًا أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَبْرَأَهَا مِنْ مَاءِ زَوْجِهَا بِحَيْضَةٍ وَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ وَطْئِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالسَّيِّدِ وَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إنْ مَاتَ وَتَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ مِنْ الْأَمَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ الْوَطْءِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خُيِّرَ شَرِيكُهُ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَمَةِ يَوْمَ الْحَمْلِ وَبَيْنَ إلْزَامِهِ بِبَيْعِ نَصِيبِ غَيْرِ الْوَاطِئِ لِأَجْلِ أَخْذِ قِيمَتِهِ مِنْهُ فَإِنْ وَفَّى ثَمَنَهُ

فَذَاكَ وَإِلَّا تَبِعَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ وَيَتْبَعُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ مَفْرُوضًا عَبْدًا سَوَاءٌ اخْتَارَ الِاتِّبَاعَ وَالْبَيْعَ وَلَا يُبَاعُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ حُرٌّ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ وَطْءِ السَّيِّدِ بِأَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ سَوَاءٌ اسْتَبْرَأَهَا أَمْ لَا لَحِقَ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ يَوْمَ وَطْءِ السَّيِّدِ وَالْأَمَةُ قِنَّةٌ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا السَّيِّدُ مِنْ مَاءِ زَوْجِهَا بِحَيْضَةٍ قَبْلَ وَطْئِهِ وَوَلَدَتْهُ بَعْدَ أَقَلِّ أَمَدِ الْحَمْلِ مِنْ وَطْءِ السَّيِّدِ فَالْقَافَةُ تُنْظَرُ فِي الْوَلَدِ وَفِي السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالسَّيِّدِ فَكَالْأَوَّلِ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالزَّوْجِ فَكَالثَّانِي فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا مَعًا فَهُوَ حُرٌّ وَيُوَالِي أَحَدَهُمَا إذَا بَلَغَ كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ فَإِنْ وَالَى السَّيِّدَ فَكَالْأَوَّلِ وَإِنْ وَالَى الزَّوْجَ فَكَالثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَمْضِ أَقَلُّ أَمَدِ الْحَمْلِ بَيْنَ وِلَادَتِهِ وَوَطْءِ السَّيِّدِ لَحِقَ بِالزَّوْجِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَالْأَمَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ إذَا اسْتَبْرَأَهَا سَيِّدُهَا وَوَطِئَهَا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ فَتَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتَسْتَمِرُّ عَلَى زَوْجِيَّتِهَا. اهـ. وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْبَاقِي والشبرخيتي وَقَالَ أَيْضًا الشَّرِيكُ إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فَحَمَلَتْ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي وَطْئِهَا أَمْ لَا وَيَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مُعْسِرًا خُيِّرَ شَرِيكُهُ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ يَوْمَ الْوَطْءِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِدُونِ الْوَلَدِ لَا يَوْمَ الْحَمْلِ وَلَا يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ بَيْعِ جُزْئِهَا الْمُقَوَّمِ وَهُوَ نَصِيبُ غَيْرِ الْوَاطِئِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ فَإِنْ وَفَّى فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ حِصَّتِهِ وَيَتْبَعُهُ أَيْضًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَبْدًا فَرْضًا سَوَاءٌ اخْتَارَ الِاتِّبَاعَ بِالْقِيمَةِ أَوْ الْبَيْعَ لَهَا لِأَنَّهُ حُرٌّ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ الْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْحَمْلِ وَقَالَ الْخَرَشِيُّ أَيْضًا إذَا وَطِئَ الشَّرِيكَانِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ رِقَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا أَوْ الْآخَرُ رِقًّا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا وَمِثْلُهُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إذَا وَطِئَا الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْقَافَةَ تُدْعَى لَهُمَا فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ فَهُوَ ابْنُهُ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَإِذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ يُوَالِي أَحَدَهُمَا إذْ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الْوَلَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَلَهُ مُوَالَاةُ غَيْرِهِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فِيمَا بَعْدَ الْقَافَةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا انْتَهَى. وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَطْءَ الْمَالِكِ أَمَتَهُ لَيْسَ زِنًا وَإِنْ حُرِّمَ لِلشَّرِكَةِ وَلِتَزَوُّجِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَ وِلَادَتِهَا وَوَطْءِ سَيِّدِهَا إيَّاهَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ لِلزَّوْجِ لَا لِسَيِّدِهَا سَوَاءٌ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ وَطْئِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ مِنْ زَوْجِهَا يَوْمَ وَطْءِ سَيِّدِهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ وَلَدٍ كَامِلٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالْحَامِلُ قَدْ تَحِيضُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَبْرَأَهَا مِنْ مَاءِ زَوْجِهَا قَبْلَ وَطْئِهَا فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ لِلسَّيِّدِ وَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إنْ مَاتَ وَتَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلسَّيِّدِ وَيَدْفَعُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْهَا يَوْمَ حَمْلِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ وَطْئِهَا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَوْمَهُ خُيِّرَ شَرِيكُهُ فِي اتِّبَاعِهِ بِقِيمَتِهِ وَبَيْعِهِ وَأَخْذِهَا مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ وَفَى بِهَا وَإِلَّا اتَّبَعَهُ بِبَاقِيهَا وَيَتَّبِعُهُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ سَوَاءٌ اخْتَارَ الِاتِّبَاعَ أَوْ الْبَيْعَ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا مِنْهُ قَبْلَهُ دُعِيَتْ الْقَافَةُ فَإِنْ أَلْحَقَتْ الْوَلَدَ لِلزَّوْجِ لَحِقَ بِهِ كَالْأَوَّلِ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ لِلسَّيِّدِ لَحِقَ بِهِ كَالثَّانِي وَجَرَى عَلَى تَفْصِيلِهِ وَإِنْ أَشْرَكَتْهُمَا فِيهِ لَحِقَ بِهِمَا مَا دَامَ صَبِيًّا فَإِنْ بَلَغَ وَالَى أَحَدَهُمَا كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ إلَّا أَنَّ لَهُ مُوَالَاةَ

مسائل الولاء

غَيْرِهِمَا فِي هَذَا أَيْضًا دُونَ الْأَوَّلِ فَإِنْ وَالَى الزَّوْجَ فَكَالْأَوَّلِ وَإِنْ وَالَى السَّيِّدَ فَكَالثَّانِي وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ وَطْءَ الْمَالِكِ أَمَتَهُ لَيْسَ زِنًا وَإِنْ حُرِّمَ لِلِاشْتِرَاكِ وَالتَّزَوُّجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَلَدِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَمَلَتْ مِنْ وَطْئِهِمْ إيَّاهَا فِي طُهْرٍ مَاتَ عَنْ مَالٍ فَهَلْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ وَهَلْ إنْ مَاتَ الثَّلَاثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ الْوَلَدِ يَرِثُ الْوَلَدُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَهُمْ اقْتَسَمُوا مَالَهُ بِالسَّوِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُمْ اقْتَسَمُوا مَا يَرِثُ الْأَبُ مَعَ غَيْرِهِ بِالسَّوِيَّةِ وَهَذَا إنْ لَمْ تُوجَد قَافَةٌ تُلْحِقُهُ بِأَحَدِهِمْ وَمَاتَ قَبْلَ مُوَالَاتِهِ أَحَدَهُمْ أَوْ وُجِدَتْ وَأَلْحَقَتْهُ بِهِمْ وَمَاتَ قَبْلَ مُوَالَاةِ أَحَدِهِمْ أَيْضًا فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مُوَالَاتِهِ أَحَدَهُمْ فِيهِمَا أَوْ وُجِدَتْ قَافَةٌ أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمْ اُخْتُصَّ بِمِيرَاثِهِ ذَلِكَ الْأَحَدُ وَإِنْ مَاتَ الثَّلَاثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ الْوَلَدِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَرِثُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ثُلُثَ مِيرَاثِ بُنُوَّةٍ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مَنْ وَالَاهُ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ يَرِثُهُ خَاصَّةً مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ وَطِئَاهَا بِطُهْرٍ فَالْقَافَةُ فَإِنْ أَشْرَكَتْهُمَا وَالَى بَعْدَ بُلُوغِهِ أَحَدَهُمَا كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَمَالُهُ قِبَلَهُمَا لَهُمَا قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ وَالَى أَيْ إنْ شَاءَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِنْ قَالَ الْوَلَدُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا أُوَالِي وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنًا لَهُمَا جَمِيعًا يَرِثَانِهِ بِنِصْفِ أُبُوَّةٍ وَيَرِثُهُمَا بِنِصْفِ بُنُوَّةٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ لَا يُوَالِيَ وَاحِدًا فَمُوَالَاةُ أَحَدِهِمَا لَازِمَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْوَلَاءِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْوَلَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَارِيَةٍ أُمِّ وَلَدٍ مَاتَ سَيِّدُهَا عَنْ ابْنٍ مِنْهَا وَثَلَاثِ بَنَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا عَنْ أَخَوَاتِهِ وَأَبْنَاءِ عَمَّيْهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عَنْ بَنَاتِ سَيِّدِهَا وَأَبْنَاءِ أَخَوَيْهِ فَلِمَنْ يَكُونُ مِيرَاثُهَا فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مِيرَاثُهَا لِأَبْنَاءِ أَخَوَيْ سَيِّدِهَا الْمُسْتَوِيَيْنِ دَرَجَةً وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِبَنَاتِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ الْأُنْثَى لَا تَرِثُ بِالْوَلَاءِ إلَّا إذَا بَاشَرَتْ الْعِتْقَ أَوْ جَرَّ الْوَلَاءُ لَهَا عِتْقَ مَنْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ وِلَادَتَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَاءَ مَا أَعْتَقَ أَبٌ لَهُنَّ أَوْ أُمٌّ أَوْ أَخٌ أَوْ ابْنٌ وَالْعَصَبَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنْهُنَّ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ وَلَدَ مَنْ أَعْتَقْنَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا وَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فِي وَلَدِ الْبِنْتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مسائل في الوصية

[مَسَائِلُ فِي الْوَصِيَّةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ فِي الْوَصِيَّةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تَبَرَّعَتْ بِجَمِيعِ مَالِهَا لِابْنِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَكَتَبَتْ وَثِيقَةً بِذَلِكَ وَقَالَتْ فِي صِيغَةِ التَّبَرُّعِ إنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي هَذَا فَلِابْنِ زَوْجِي جَمِيعُ مَالِي فَهَلْ إذَا مَاتَتْ لَا يُجَابُ الِابْنُ الْمَذْكُورُ لِأَخْذِ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا يَمْضِي التَّبَرُّعُ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ الِابْنُ الْمَذْكُورُ لِأَخْذِ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا يَمْضِي التَّبَرُّعُ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ هَذَا التَّبَرُّعَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بَاطِلَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَبَطَلَتْ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ كَلِوَارِثٍ أَوْ فَوْقَ الثُّلُثِ وَإِنْ أُجِيزَ فَعَطِيَّةٌ مِنْ الْوَارِثِ تَحْتَاجُ لِحَوْزٍ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَاتَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُقِمْ وَصِيًّا عَلَى وَلَدِهِ وَرُفِعَ أَمْرُهُ لِلْقَاضِي] (وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ ذِمِّيٍّ هَلَكَ عَنْ وَلَدٍ قَاصِرٍ وَتَرَكَ مَا يُورَثُ عَنْهُ شَرْعًا فَأَقَامَ وَكِيلُ الْقَاضِي أَخَا الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ وَكِيلًا عَلَى وَلَدِ أَخِيهِ يَتَصَرَّفُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَبْلُغَ رُشْدَهُ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُقِمْ وَصِيًّا عَلَى وَلَدِهِ وَرُفِعَ أَمْرُهُ لِلْقَاضِي أَقَامَ لَهُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فِي مَالِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْمَصْلَحَةِ حَتَّى يَبْلُغَ رَشِيدًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَنَائِبُ الْقَاضِي كَالْقَاضِي إنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ وَالْعَادَةُ كَالنَّصِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ مَسْأَلَةِ الْأَحْيَاءِ بِالذِّكْرِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ مَثَلًا هَلْ إذَا وُلِدَ لِزَيْدٍ وَلَدٌ وَلِعَمْرٍو كَذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ كُلٌّ مِنْ الْوَلَدَيْنِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَلَمْ يَحْصُلْ إيَاسٌ مِنْ الْوِلَادَةِ ثُمَّ مَاتَ الْآبَاءُ الثَّلَاثَةُ فَهَلْ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ يَكُونُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو لِاسْتِحْقَاقِ وَلَدَيْهِمَا لِلْوَصِيَّةِ حِينَ اسْتَهَلَّا صَارِخَيْنِ أَوْ لَيْسَتْ هِيَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَحْيَاءِ بِالذِّكْرِ وَيَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي لِعَدَمِ مُسْتَحِقِّهِ يَوْمَ مَوْتِ الْآبَاءِ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ يُعَدُّ مَعْدُومًا وَيَصْبِرَ حَتَّى يُولَدَ لَهُمْ وَيُوَزِّعَ عَلَى عَدَدِهِ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا أَوْ يَحْيَا مَنْ مَاتَ مِنْ الْوَلَدَيْنِ بِالذِّكْرِ وَيَرِثُ كُلٌّ أَبَاهُ وَكَيْفَ إذَا مَاتَ وَلَدُ زَيْدٍ قَبْلَ وَلَدِ عَمْرٍو وَقُلْنَا يَخْتَصُّ بِهَا الْمَوْجُودُ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُ عَمْرٍو ثُمَّ مَاتَ الْآبَاءُ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا عَمْرٌو لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ كَانَ بِيَدِ وَلَدِهِ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ النَّاسِ أَيْضًا وَكَيْفَ إذَا لَمْ يُولَدْ إلَّا لِعَمْرٍو وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَمَوْتِ أَبِيهِ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ وَقَبْلَ إيَاسِهِ. (فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مَسْأَلَةُ الْأَحْيَاءِ بِالذِّكْرِ هِيَ مَسْأَلَةُ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ وَهِيَ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى أَوْلَادِ نَفْسِهِ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ وَيَكُونُ مَعَ الْأَوْلَادِ وَرَثَةٌ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي الْوَقْفِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا شُرَّاحُهُ بِمَا يَشْفِي الْغَلِيلَ فَرَاجِعْ إنْ شِئْت وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِيصَاءِ لِمَنْ سَيُولَدُ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصِيَّةِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُوقَفَ الْمُوصَى بِهِ لِلْإِيَاسِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَوْتِ الْوَالِدِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ أَوْ وُلِدَ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَتْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَإِنْ وُلِدَ وَلَدٌ اسْتَهَلَّ صَارِخًا اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ وَقُسِمَتْ عَلَى عَدَدِهِمْ إنْ تَعَدَّدُوا إلَّا أَنْ

الوصي أو المقام على أموال أيتام هل له أن يأخذ أجرة منها

يَنُصَّ الْمُوصِي عَلَى تَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ الْمُسْتَهِلِّينَ قَبْلَ الْإِيَاسِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَاخْتُلِفَ فِي غَلَّةِ الْمُوصَى بِهِ لِمَنْ سَيُولَدُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي أَنَّهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَكَتَبَ الْبُنَانِيُّ مَا نَصُّهُ: هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: فِي غَلَّةٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ اُخْتُلِفَ ... لِوَارِثٍ وَوَقْفُهَا لِمَنْ وَصَفْ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ وَمَنْ يُولَدُ لِوَلَدِهِ فَدَخَلَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْأَحْفَادِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَمَنْ سَيُوجَدُ مِنْهُمْ هَلْ يُسْتَبْدَلُ الْمَوْجُودُ بِالْغَلَّةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَيَدْخُلُ مَعَهُ وَبِهِ أَفْتَى أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ أَوْ يُوقَفُ الْجَمِيعُ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ وَحِينَئِذٍ يُقْسَمُ الْأَصْلُ وَالْغَلَّةُ فَمَنْ كَانَ حَيًّا أَخَذَ حِصَّتَهُ وَمَنْ مَاتَ أَخَذَ وَرَثَتُهُ حِصَّتَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشُّيُوخِ قَالَ فِي التَّكْمِيلِ: وَهَلْ عَلَى الْمَوْلُودِ مِنْهُمْ يُقْسَمُ ... أَوْ يُوقَفُ الْكُلُّ خِلَافٌ يُعْلَمُ انْتَهَى وَرَاجِعْ شَرْحَ الْحَطَّابِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي إنْ أَرَدْت الِاطِّلَاعَ عَلَى النَّصِّ فِي ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تُوقَفُ إلَى مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ ثُمَّ يُنْظَرُ فَمَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَنْ وُلِدَ لَهُ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ كَانَ حَيًّا أَخَذَ مَنَابَهُ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ فَمَنَابُهُ لِوَرَثَتِهِ وَفِي الْغَلَّةِ مَا عَرَفْت مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْوَصِيِّ أَوْ الْمُقَامِ عَلَى أَمْوَالِ أَيْتَامٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً مِنْهَا] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْوَصِيِّ أَوْ الْمُقَامِ عَلَى أَمْوَالِ أَيْتَامٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً مِنْهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً مِنْهَا بِنَظَرِ الْقَاضِي قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادًا لِلْأَيْتَامِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَصِيٍّ عَلَى أَيْتَامٍ رَأَى فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِمْ دَفْتَرًا قَدِيمًا أَوْ حُجَّةً بِمُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ لِجَمَاعَةٍ فَصَدَّقَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ بَيِّنَةً مُثْبِتَةً لِذَلِكَ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَالْمُتَوَفَّى أَخْذًا وَعَطَاءً لَا اطِّلَاعَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ فَهَلْ التَّصْدِيقُ الصَّادِرُ مِنْهُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ لِلْأَيْتَامِ وَتُرَدُّ الْحِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَهُمْ وَلِلْوَصِيِّ إعَادَةُ الدَّعْوَى لَدَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ حِفْظًا لِمَالِ الْأَيْتَامِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ تَصْدِيقُ الْوَصِيِّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْخَطِّ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّهُ خَطُّ الْمَيِّتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَمِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْمُدَّعِي بَاطِلٌ فَتُرَدُّ الْحِصَّةُ لِلْأَيْتَامِ وَعَلَى الْمُدَّعِي أَنْ يَرْفَعَ لِلْقَاضِي وَيُثْبِتَ دَعْوَاهُ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصُّهُ: الْوَصِيُّ مِنْ شَرْطِ تَصَرُّفِهِ الْمُطْلَقِ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ الظَّاهِرَةِ فَإِذَا تَرَكَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا فُقْدَانِ شَرْطٍ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَوْصَى لِمَنْ يَحْدُثُ مِنْ أَوْلَادِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مَنْ يَحْدُثُ مِنْ أَوْلَادِهِ جُزْءًا مِنْ الثُّلُثِ الْمُوصَى بِهِ مَعْلُومًا وَمَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يُعَقِّبْ أَحَدًا فَهَلْ الْجُزْءُ الَّذِي جُعِلَ لِمَنْ يَحْدُثُ مِنْهُ يَكُونُ لِإِخْوَتِهِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى حَسَبِ الْفَرِيضَةِ أَوْ يَكُونُ لِأَوْلَادِ إخْوَتِهِ وَصِيَّةً؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَكُون لِإِخْوَتِهِ

وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَاقِي وَرَثَةِ الْمُوصِي عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ الشَّرْعِيِّ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِعَقِبِهِ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يُعَقِّبْ قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ مُسْتَقْبَلًا يُنْتَظَرُ بِهَا الْإِيَاسُ مِنْ وِلَادَتِهِ فَتَرْجِعُ بَعْدَهُ لِلْمُوصِي أَوْ وَارِثِهِ اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ قَاصِرِينَ وَأَوْلَادٍ بَالِغِينَ وَتَرَكَ عَقَارًا وَأَمْتِعَةً فَأَقَامَ الْقَاضِي عَلَى الْقَاصِرِينَ عَمَّا شَقِيقًا لِحِفْظِ مَالِهِمْ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ أَحَدُ الْبَالِغِينَ بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْعَمِّ رَدٌّ لِتَصَرُّفِهِ فَهَلْ يُعَدُّ مُفَرِّطًا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُقِيمَ عَلَيْهِمْ عَمَّا لِأَبٍ لِيَحْفَظَ مَالَهُمْ وَإِذَا طَلَبَ قَسْمَ التَّرِكَةِ فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُعَدُّ مُفَرِّطًا وَلِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَيُقِيمُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا عَدْلًا يَحْفَظُ لَهُمْ مَالَهُمْ وَإِذَا طَلَبَ أَحَدُ الْبَالِغِينَ الْقِسْمَةَ أُجِيبَ لَهَا وَيَقْسِمُ عَنْ الْقَاصِرِينَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَاضِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَعُزِلَ إنْ فُسِّقَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ فِيهَا أَنْفِذُوهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا فَهَلْ تَنْفُذُ إنْ وُجِدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، هَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَلَا تَنْفُذُ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ الْمُوصِي عَنْهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ ثَبَتَتْ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُشْهِدْ وَلَا قَالَ أَنْفِذُوهَا وَلَوْ كَتَبَهُ لِاحْتِمَالِ التَّرَوِّي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ عَقْدَهَا خَطُّهُ أَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ يَقُلْ أَنْفِذُوهَا لَمْ تَنْفُذْ قَالَ الْخَرَشِيُّ الْعَقْدُ الْوَرَقَةُ الَّتِي كُتِبَتْ فِيهَا الْوَصِيَّةُ فَإِذَا وُجِدَتْ وَثِيقَةٌ مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّ الْمُوصِي وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْفِذُوهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ وَلَا تَنْفُذُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهَا لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِ اهـ وَبِهَامِشِهِ وَلَوْ كَتَبَ أَنْفِذُوهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُخَاطِبَ جَمَاعَةً بِالْمُشَافَهَةِ وَيَقُولَ لَهُمْ أَنْفِذُوهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا عِبْرَةَ بِهَا وَإِنْ كَتَبَ فِيهَا أَنْفِذُوهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِأَحَدٍ بِالْمُشَافَهَةِ أَنْفِذُوهَا اهـ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِوَلَدِ وَلَدِهِ مَثَلًا وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَذْكُورُ أَمْ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَإِنْ وُجِدَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ يَكُون بَاقِيًا إلَى تَمَامِ الْأَوْلَادِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي مِنْ قَوْمٍ جَرَى عُرْفُهُمْ بِقَصْرِ الْوَلَدِ عَلَى الذَّكَرِ وَيُوقَفُ الْمُوصَى بِهِ إلَى تَمَامِ وِلَادَةِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ مَنْ كَانَ حَيًّا أَخَذَ نَصِيبَهُ وَمَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ كَبِرَ سِنُّهُ أَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَدَفَعَ لِآخَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً لِرَجُلٍ يَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَكُونُ حَبْسًا وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ فُلِّسَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ شِرَاءِ الْأَمِينِ فَهَلْ حُكْمُ أَصْلِ هَذَا الْفِعْلِ الصِّحَّةُ وَهَلْ يَبْطُلُ بِمَا ذُكِرَ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، هَذِهِ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ

لَا يُبْطِلُهَا الْمَوْتُ وَلَا الْجُنُونُ وَيُبْطِلُهَا الْفَلَسُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْضُ أَبْنَائِهِ أَنَّهُ فَوَّضَ لَهُ أَمْرَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ بِبَيِّنَةٍ وَعَلِمَ الْمُوصِي بِدَعْوَاهُ فَأَحْضَرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَنْهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ؟ فَأَجَبْت: بِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالْإِشْهَادِ الْأَخِيرِ فَيَجِبُ عَلَى أَبْنَائِهِ تَنْفِيذُهَا لِأَوْلَادِ أَخِيهِمْ وَيَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ جَبْرُهُمْ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعُوا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي اسْتِكْشَافِ وَارِثِ الْمَحْجُورِ عَنْ مَالِهِ الَّذِي بِيَدِ وَصِيِّهِ هَلْ يُجَابُ لَهُ وَلِكِتَابَةِ وَثِيقَةٍ بِقَدْرِهِ عَلَى الْوَصِيِّ أَمْ لَا؟ . فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُجَابُ لَهُ وَلَا لِكِتَابَةِ وَثِيقَةٍ بِقَدْرِهِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ لِوَارِثِ الطِّفْلِ أَنْ يَنْكَشِفَ عَلَى مَا بِيَدِ الْوَصِيِّ وَيَأْخُذَ وَثِيقَةً بِعَدَدِهِ عَلَيْهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ صَارَ الْمَالُ إلَيْهِ فَلَا مُخَاصَمَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ الْوَصِيِّ وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يُشْهِدَ لِيَتِيمِهِ بِمَالِهِ الْكَائِنِ بِيَدِهِ فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ بِبَيَانِهِ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَوْصَاهُ آخَرُ بِحِفْظِ مَالِهِ وَهُمَا مُسَافِرَانِ وَمَاتَ الْمُوصِي بِالْكَسْرِ عَنْ أَرْبَعَةِ بَنِينَ صِغَارٍ فَلَمَّا رَشِدُوا طَلَبُوا مِنْهُ مَالَ أَبِيهِمْ فَقَالَ لَهُمْ إنَّهُ أَوْصَانِي بِتَسْلِيمِهِ لِأَبِي لِيَحْفَظَهُ لَكُمْ فَسَلَّمْته لَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوصِنِي بِبَقَائِهِ عِنْدَهُ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي تَرِكَتِهِ فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ اعْتَرَفَ الْوَصِيُّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَالِ أَبِيهِمْ وَأَنَّهُ سَلَّمَهُ لِأَبِيهِ وَلَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَاهُ بِتَسْلِيمِهِ لِأَبِيهِ وَبَيِّنَةٌ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ عِوَضِهِ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِهِ فِي دَعْوَى دَفْعِهِ لِأَبِيهِ وَلَا يَبْرَأُ بِدَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْيَدَ الْمُؤْتَمَنَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ لِغَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَصَارَ ابْنَا الِابْنِ مَعَ عَمَّيْهِمَا فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ مُدَّةً مِنْ السِّنِينَ بِلَا قِسْمَةٍ حَتَّى نَمَتْ التَّرِكَةُ وَزَادَتْ فَأَرَادَ ابْنَا الِابْنِ مُقَاسَمَةَ عَمَّيْهِمَا فِي الْجَمِيعِ الْأَصْلِ وَنَمَائِهِ فَهَلْ لَهُمَا ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى الْعَمَّيْنِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِابْنَيْ الِابْنِ مُقَاسَمَةُ عَمَّيْهِمَا بِالثُّلُثِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَنَمَائِهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَوْمُ التَّنْفِيذِ لَا يَوْمُ الْمَوْتِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْعِبْرَةُ بِيَوْمِ النُّفُوذِ فَالْغَلَّةُ قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ تَرِكَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَكَفَلَهُ عَمُّهُ حَتَّى بَلَغَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نَحْوَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ

أشهد في صحته أنه أقام أولاد ولده الذي مات مقام والدهم في الميراث الشرعي

سَنَةً ثُمَّ فَارَقَ عَمَّهُ وَطَلَبَ مِنْهُ تَرِكَةَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ أَنْفَقْتهَا عَلَيْك وَنَفَذَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَأَنْفَقْت عَلَيْك مِنْ عِنْدِي بَقِيَّتَهَا وَلَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لَهُ بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَهَلْ الْقَوْلُ لِلْعَمِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْقَوْلُ لِلْعَمِّ إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَوْلُ لِمُنْفِقٍ أَشْبَهُ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ أَوْلَادٍ دُونَ الْبُلُوغِ وَلَمْ يُوصِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ عَمٌّ أَوْ أَخٌ أَوْ قَرِيبٌ غَيْرُهُمَا فَتَوَلَّى مَالَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ قَاضٍ عَلَيْهِمْ وَتَصَرَّفَ لَهُمْ فِي مَالِهِمْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ وَبَعْدَهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِتَصَرُّفِهِ وَرِضَاهُمْ بِهِ فَهَلْ يَمْضِي تَصَرُّفُهُ وَلَا يُطَالَبُ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ مَضَى تَصَرُّفُهُ فَلَا يُطَالَبُ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَنِي بِبَرَكَاتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَبَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَلَمْ يُوصِ عَلَيْهِمْ فَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَمُّهُمْ أَوْ أَخُوهُمْ الْكَبِيرُ أَوْ جَدُّهُمْ بِالْمَصْلَحَةِ فَهَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ مَاضٍ أَوْ لَا وَلِلصِّغَارِ إذَا رَشِدُوا إبْطَالُهُ ذَكَرَ أَشْيَاخُنَا أَنَّهُ مَاضٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنْ مَنْ ذُكِرَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي عَظُمَ فِيهَا جَوْرُ الْحُكَّامِ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ لَهُمْ حَالُ الصِّغَارِ لَاسْتَأْصَلُوا مَالَ الْأَيْتَامِ اهـ. [أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ أَقَامَ أَوْلَادَ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ مَقَامَ وَالِدِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ الشَّرْعِيِّ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ أَقَامَ أَوْلَادَ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ مَقَامَ وَالِدِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ الشَّرْعِيِّ بِحَيْثُ إذَا مَاتَ جَدُّهُمْ يَرِثُونَ مِنْهُ مَا كَانَ يَرِثُهُ وَالِدُهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ جَدُّهُمْ عَنْ ابْنٍ فَطَالَبُوهُ بِتَنْفِيذِ مَا جَعَلَهُ لَهُمْ جَدُّهُمْ فَمَنَعَهُمْ مِنْهُ بِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا اسْتَمَرَّ الْجَدُّ عَلَى الْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا إلَى مَوْتِهِ قُضِيَ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ الْمَذْكُورِ بِثُلُثِ مَالِهِ جَبْرًا عَلَى ابْنِهِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَسْتَحِقُّونَ الزَّائِدَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ إلَّا بِإِجَازَةِ الِابْنِ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ فَبِالْجَمِيعِ. قَالَ شَارِحُهُ الْخَرَشِيُّ أَيْ جَمِيعِ نَصِيبِ الِابْنِ وَهُوَ تَارَةً جَمِيعُ الْمَالِ إنْ اتَّحَدَ الِابْنُ وَتَارَةً نِصْفُهُ وَتَارَةً ثُلُثُهُ وَتَارَةً رُبُعُهُ وَهَكَذَا بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْأَبْنَاءِ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ فَأَقَلُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَاحِدًا وَأَجَازَ أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ الْمَالِ وَإِلَّا أَخَذَ الثُّلُثَ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ وَأَجَازَا؛ أَخَذَ النِّصْفَ وَإِلَّا أَخَذَ الثُّلُثَ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ بَنِينَ أَخَذَ الثُّلُثَ أَجَازُوا أَوْ لَا اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ رَجُلٌ فِي صِحَّتِهِ هَذَا مِثْلُ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِي يَعْنِي فِي مَالِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَغْيِيرٌ وَلَا رُجُوعٌ حَتَّى مَاتَ فَالْحُكْمُ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَيَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ أَجَازُوا أَوْ لَا وَكَذَا إنْ كَانَا اثْنَيْنِ وَأَجَازَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِلَّا أَخَذَ الثُّلُثَ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَاحِدًا وَأَجَازَ مَا زَادَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا أَخَذَ الثُّلُثَ. (وَسُئِلْت) عَمَّنْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ وَأَبْنَاءِ عَمٍّ وَغَنَمٍ فَقُسِمَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ وَدُفِعَ

نَصِيبُهَا لِخَالِهَا لِيَحْفَظَهُ فَرَدَّهُ وَأَبَى أَبْنَاءُ الْعَمِّ حِفْظَهُ فَاجْتَمَعَتْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يُجَاوِرُونَهُمْ وَبَاعُوا نَصِيبَ الْبِنْتِ لِرَجُلٍ بِمَا انْتَهَتْ إلَيْهِ الرَّغْبَةُ وَزِيَادَةٍ وَكَتَبُوا بِثَمَنِهِ وَثِيقَةً إلَى رُشْدِ الْبِنْتِ وَمَضَتْ عِشْرُونَ عَامًا وَأَرَادَ أَبْنَاءُ الْعَمِّ نَقْضَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ الْغَنَمِ لِهَلَاكِهَا فَهَلْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إلَّا الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إلَّا الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ. الْحَطَّابُ فَرَّعَ إنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ فَلِأَوْصِيَائِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَعُرُوضِهِ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ بَلْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ. وَفِي كِتَابِ السَّلَمِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ بِمَوْضِعٍ لَا قَاضٍ بِهِ وَلَا عُدُولَ وَلَمْ يُوصِ وَاجْتَمَعَ الْمُسَافِرُونَ وَقَدَّمُوا رَجُلًا بَاعَ هُنَاكَ تَرِكَتَهُ ثُمَّ قَدِمُوا بَلَدَ الْمَيِّتِ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ نَقْضَهُ إذْ لَمْ يُبَعْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَبَلَدُهُ بَعِيدٌ مِنْ مَوْضِعِ مَوْتِهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ جَمَاعَةُ الرُّفْقَةِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ جَائِزٌ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِعِيسَى بْنِ مِسْكِينٍ وَصَوَّبَ فِعْلَهُ وَأَمْضَاهُ وَنَقَلَ عَنْ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَيْعِ تَرِكَةِ رَجُلٍ غَرِيبٍ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ أَحْوَازِ فَارِسَ وَوَرَثَتُهُ مَجْهُولُونَ وَدَفَعَ ثَمَنَهَا إلَى ثِقَاتٍ وَأَمَرَهُمْ بِالْبَحْثِ عَنْ وَرَثَتِهِ فَإِنْ أَيِسُوا مِنْهُمْ تَصَدَّقُوا بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ رَجُلٌ أَنَّهُ تَسَلَّفَ مِنْ الْمَيِّتِ دِينَارًا فَأَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَى أُولَئِكَ الثِّقَاتِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَيُبْرِئُهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ نَوْعِ الْخِيرَاتِ بِحَضْرَةِ أُمِّهِ وَهِيَ عَالِمَةٌ سَاكِتَةٌ وَأَوْصَى لَهَا أَيْضًا بِمَالٍ فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ الْوَصِيَّةُ لَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ فَأَقَرَّ لَهَا بِأَنَّهُ دَيْنٌ دَايَنْته مِنْهَا فَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمَّا مَاتَ أَعْطَى الْوَصِيُّ الْأُمَّ ذَلِكَ الْمَالَ وَأَعْطَى بَعْضَ الْمُوصَى لَهُمْ غَيْرِهَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ أَيْضًا ثُمَّ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ جَمِيعَ مَا كَانَ بِيَدِ ابْنِهَا الْمُوصِي مَالُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا وَالْإِقْرَارُ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ وَيُحْسَبُ عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْهُ مِنْ نَصِيبِهَا بِالْإِرْثِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا لِسُكُوتِهَا حِينَ إيصَائِهِ مَعَ بُعْدِ إيصَاءِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ مَوْتِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ خُصُوصًا الْأُمَّ وَإِقْرَارُهُ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ مُحَاسَبَتُهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْ نَصِيبِهَا بِالْمِيرَاثِ. ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَوَطْءِ الْإِمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الثَّانِي الزَّرْعُ وَالِاسْتِغْلَالُ وَالسُّكْنَى الثَّالِثُ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ وَالْإِحْيَاءُ وَأَهْلُ الْحِيَازَةِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافِ الْأَوَّلُ الْأَبُ وَابْنُهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا الثَّانِي الْقَرَابَاتُ الْوَرَثَةُ وَغَيْرُهُمْ الثَّالِثُ الْأَصْهَارُ وَالْمُوَالَى الرَّابِعُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شُرَكَاءُ وَغَيْرُهُمْ فَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِيَازَةِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ إنْ قَامَ عَلَى قُرْبٍ وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَى عَامٌ وَنَحْوُهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي ثَمَنٍ وَلَا مَثْمُونٍ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ تَصَرَّفَ بِصَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ أَوْصَاهَا زَوْجُهَا عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا الصِّغَارِ وَبَاعَتْ نَخْلًا لَهُمْ مِنْ

مسائل الميراث

تَرِكَةِ أَبِيهِمْ بِدُونِ رَفْعٍ لِلْقَاضِي وَاسْتَغَلَّهُ مُشْتَرِيهِ مُدَّةً ثُمَّ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِرَدِّ النَّخْلِ إلَى الْأَيْتَامِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ رِيَالًا فِي نَظِيرِ التَّمْرِ الَّذِي اسْتَغَلَّهُ رَاجِيًا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مِمَّا جَنَاهُ فَأَعْلَمَ وَصِيُّهُ الْقَاضِيَ وَالْأَيْتَامَ بِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُشْتَرِي وَاسْتَمَرَّ الْوَصِيُّ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى النَّخْلِ وَيَصْرِفُ غَلَّتَهُ لِأَوْلَادِ الْمُشْتَرِي نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ الْوَصِيُّ وَقَدَّمَ الْقَاضِي ابْنَهُ عَلَى أَيْتَامِ الْمُشْتَرِي فَاسْتَوْلَى عَلَى النَّخْلِ وَصَرَفَ غَلَّتَهُ لِأَوْلَادِ الْمُشْتَرِي نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ وَبُلِّغَ الْأَيْتَامُ الَّذِينَ بَاعَتْ أُمُّهُمْ نَخْلَهُمْ وَسَكَتُوا ثُمَّ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ وَرَثَةٍ فَقَامَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ يَطْلُبُ حَقَّهُ فِي النَّخْلِ وَرَفَعَ أَمْرَهُ لِقَاضٍ آخَرَ فَحَكَمَ بِفَسْخِ بَيْعِ الْأُمِّ نَخْلَ الْأَيْتَامِ وَأَنْ يُدْفَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ رِيَالٌ وَرَدَّ جَمِيعَ الْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا الْمُشْتَرِي الَّذِي أَوْصَى بِرَدِّ النَّخْلِ وَأَنْ يَضِيعَ عَلَيْهِ مَا دَفَعَهُ لِلْمَيْرِ وَاَلَّتِي اسْتَغَلَّهَا وَصِيُّهُ وَأَنْفَقَهَا عَلَى أَوْلَادِ الْمُشْتَرِي وَاَلَّتِي اسْتَغَلَّهَا الْمُقَدَّمُ وَأَنْفَقَهَا عَلَى أَوْلَادِ الْمُشْتَرِي وَالْحَالُ أَنَّ الْغَلَّةَ غُلَّتْ فَكَانَتْ وَقْتَ اسْتِغْلَالِهَا ثَمَانِيَةَ آصُعٍ بِرِيَالٍ وَصَارَتْ يَوْمَ الْحُكْمِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ بِرِيَالٍ وَاعْتَذَرَ الْأَيْتَامُ الَّذِينَ بَاعَتْ أُمُّهُمْ نَخْلَهُمْ عَنْ سُكُوتِهِمْ بَعْدَ رُشْدِهِمْ بِعَدَمِ عِلْمِهِمْ فَهَلْ حُكْمُ الْقَاضِي بِرَدِّ النَّخْلِ وَغَلَّتِهِ صَحِيحٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ بِهِ وَاجِبٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَتَغْرِيمِ الْوَصِيِّ وَابْنِهِ الَّذِي قَدَّمَهُ الْقَاضِي الْغَلَّةَ الَّتِي صَرَفَاهَا لِأَوْلَادِ الْمُشْتَرِي لَا فِي تَغْرِيمِ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِضَمَانِهِ النَّخْلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الْأُمِّ نَصِيبَ الْأَيْتَامِ مِنْ النَّخْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ يَجِبُ فَسْخُهُ مَتَى اُطُّلِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ عَقَارَ الْيَتِيمِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطَيْنِ وُجُودِ سَبَبٍ لِلْبَيْعِ كَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَبَيَانُهُ كَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ وَصِيُّهُ وَإِنْ بَعُدَ هَلْ كَالْأَبِ أَوْ إلَّا الرُّبُعَ فَبِبَيَانِ السَّبَبِ خِلَافٌ خُصُوصًا وَقَدْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي بِفَسْخِهِ فَوَجَبَ عَلَى وَصِيِّهِ وَالْقَاضِي الَّذِي ثَبَتَتْ عِنْدَهُ الْوَصِيَّةُ تَنْفِيذُهَا فَقَدْ تَعَدَّى الْوَصِيُّ فِي عَدَمِ تَنْفِيذِهَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى النَّخْلِ وَصَرَفَ غَلَّتَهُ لِأَوْلَادِ الْمُشْتَرِي وَكَذَا ابْنُهُ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهُمَا مِثْلُ الْغَلَّةِ الَّتِي صَرَفَاهَا عَلَى أَوْلَادِ الْمُشْتَرِي إنْ عُلِمَ قَدْرُهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهَا فَيَلْزَمُهُمَا قِيمَتُهَا عَلَى حَسَبِ مَا اُعْتِيدَ فِيهَا مُعْتَبَرَةً يَوْمَ أَخْذِهَا وَلَا يَمْنَعُ الْأَوْلَادَ الَّذِينَ بَاعَتْ أُمُّهُمْ مِنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِمْ سُكُوتُهُمْ بَعْدَ رُشْدِهِمْ مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَنَّ الْوَصِيَّ وَالْمُقَدَّمَ لَمْ يَدَّعِيَا مِلْكَ النَّخْلِ فَهُوَ بِأَيْدِيهِمَا أَمَانَةً لِمَنْ بَاعَتْ أُمُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا رَدُّهُ لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبُوهُ خُصُوصًا مَعَ ادِّعَائِهِمْ عَدَمَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَهُمْ مُصَدَّقُونَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [مَسَائِلُ الْمِيرَاثِ] [رَجُل تُوُفِّيَ وَتَرَكَ وَأَخْلَفَ زَوْجَةً وَبَنَاتِ أَخَوَيْهِ وَجَمَاعَةً مِنْ الذُّكُورِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَصَبَةٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوت شَرْعِيّ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْمِيرَاثِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرَكَ مَا يُورَثُ عَنْهُ شَرْعًا وَأَخْلَفَ زَوْجَةً وَبَنَاتِ أَخَوَيْهِ وَجَمَاعَةً مِنْ الذُّكُورِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَصَبَةٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَفَرْضِ الزَّوْجَةِ يُعْطَى بَاقِيَ التَّرِكَةِ لِبَنَاتِ الْإِخْوَةِ بِسَبَبِ التَّنْزِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَاصِبٌ أَوْ يَأْخُذُهُ

كيفية توريث ذوي الأرحام

الْمُدَّعُونَ التَّعْصِيبَ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُعْطَى بَاقِي التَّرِكَةِ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَفَرْضِ الزَّوْجَةِ لِبَنَاتِ إخْوَتِهِ وَيُقْسَمُ عَلَيْهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ إنْ كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا قُدِّمَ صَاحِبَاتُ الدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ لَكِنْ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِمْهَالِ لِمُدَّعِي التَّعْصِيبِ وَعَجْزِهِ عَنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدَّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى شَرْطِ الِانْتِظَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَنْ الطُّرْطُوشِيِّ وَالْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ حَكَى اتِّفَاقَ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ لِعَدَمِ انْتِظَارِ بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ يُتَصَدَّقُ بِالْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ لَا عَنْ الْمَيِّتِ وَعُزِيَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ فِي مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَال فَهِيَ أَوْلَى. [كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَام] وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ. وَحَاصِلُهَا أَنْ تُنَزِّلَهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ أُدْلُوا بِهِ لِلْمَيِّتِ دَرَجَةً دَرَجَةً فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ لِمَنْ أُدْلُوا بِهِ. ثُمَّ اجْعَلْ لِكُلٍّ نَصِيبُ مَنْ أَدْلَى بِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْهُ إلَّا أَوْلَادَ وَلَدِ الْأُمِّ فَيَسْتَوُونَ وَإِلَّا أَخْوَالَ إخْوَةِ الْأُمِّ مِنْ أُمِّهَا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِ مَشَايِخِي الدُّسُوقِيِّ عَلَى شَرْحِ الدَّرْدِيرِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَالْأَصَحُّ فِي الرَّحِمِ تَنْزِيلُهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ لِلْمَيِّتِ دَرَجَةً دَرَجَةً فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ لِوَارِثٍ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ لِمَنْ أَدْلَوْا بِهِ كَمَا سَبَقَ ثُمَّ لِكُلٍّ نَصِيبُ مَنْ أَدْلَى بِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْهُ إلَّا أَوْلَادَ وَلَدِ الْأُمِّ فَيَسْتَوُونَ وَإِلَّا أَخْوَالَ إخْوَةِ الْأُمِّ مِنْ أُمِّهَا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَذْهَبَانِ: الْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَحَاصِلُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَاَلَّذِي يَلِيهِ فِي الْقُرْبِ كَالْعَصَبَةِ فَيُقَدَّمُ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْمَيِّتِ عَلَى مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ الْمَيِّتُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ بِالْعَكْسِ وَيُقَدَّمُ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ الْمَيِّتُ عَلَى مَنْ يَنْتَمِي إلَى أَبَوَيْ الْمَيِّتِ وَعَكَسَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَيُقَدَّمُ مَنْ يَنْتَمِي إلَى أَبَوَيْ الْمَيِّتِ عَلَى مَنْ يَنْتَمِي إلَى أَجْدَادِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي مَذْهَبُ أَهْلِ الرَّحِمِ وَحَاصِلُهُ قِسْمَةُ الْمَالِ بَيْنَ الْمَوْجُودِينَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالسَّوِيَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدٍ وَقَرِيبٍ وَلَا بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَهْجُورٌ. [الرَّدّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ] وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُوَرِّثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوَرِّثُهُمْ يَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِهِمَا لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ يُرَدُّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ بِرُءُوسِ الصِّنْفِ وَسِهَامِ الْأَصْنَافِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَمَا بَقِيَ بَعْدَهُ مَعَ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ كَسِهَامِ الثَّانِي فِي الْمُنَاسَخَةِ وَمُخْرِجِ الزَّوْجِيَّةِ الْأُولَى وَيُقْسَمُ بَاقِي الْمُصَحَّحِ بَعْدَ فَرْضِ

الزَّوْجَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فَالْخَارِجُ جُزْءُ سَهْمِهَا وَمَسَائِلُ الرَّدِّ الَّتِي لَا زَوْجَ فِيهَا كُلُّهَا مُقْتَطَعَةٌ مِنْ سِتَّةٍ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَالْأَصَحُّ فِي الرَّحِمِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَاتَ الشَّقِيقُ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنَاتٍ وَزَوْجَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ بِنْتُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عَنْ أُمِّهَا وَجَدَّتِهَا وَأُخْتِ الْمَيِّتَيْنِ لِلْأَبِ ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّ الْمَيِّتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ تُقْسَمْ تَرِكَةُ الْأَوَّلِ فَمَاذَا يَخُصُّ كُلَّ وَارِثٍ مِنْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، مَجْمُوعُ مَا يَخُصُّ زَوْجَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ الَّتِي هِيَ أُمُّ الْمَيِّتَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا وَتَرِكَةِ بِنْتِهَا الَّتِي وَرِثَتْهَا عَنْ أَبِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَيَخُصُّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي تُسْعُ قِيرَاطٍ وَاحِدٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْمَضْمُومَةِ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَنَاتِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِنَّ وَتَرِكَةِ جِدَّتِهِنَّ الْمَيِّتَةِ الرَّابِعَةِ قِيرَاطَانِ اثْنَانِ وَسِتَّةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَأَرْبَعَةُ أَثْمَانِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلِزَوْجَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي خَمْسَةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ تُسْعِ قِيرَاطٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ فِيهِمَا وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ مِنْ تَرِكَةِ الْأَوَّلِ لِحَجْبِهَا بِالشَّقِيقِ وَلَا شَيْءَ لَهَا أَيْضًا مِنْ تَرِكَةِ بِنْتِ أَخِيهَا الْمَيِّتَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدُّ عَلَى ذِي الْفَرْضِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا لِجَدَّتِهَا أَيْضًا لِحَجْبِهَا بِالْأُمِّ وَإِنَّمَا جَمِيعُ تَرِكَتِهَا لِأُمِّهَا فَرْضًا وَرَدًّا كَمَا أَنَّ جَمِيعَ تَرِكَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي مَاتَتْ رَابِعَةً لِبَنَاتِ ابْنِهَا الْمَيِّتِ الثَّانِي فَرْضًا وَرَدًّا وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَأَمُّلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. fath0002-0374-0001.jpg

توفيت عن ابن وبنت من زوجين

وَذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَسِهَامُ الثَّانِي مِنْهَا خَمْسَةٌ مُبَايِنَةٌ لِمَسْأَلَتِهِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمُسَطَّحُ الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَلْفٌ وَهِيَ الْجَامِعَةُ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ وَثَمَانُمِائَةٍ مَقْسُومَةٌ عَلَى مَسْأَلَتِهِ ثَلَاثَةً، فَالْجَامِعَةُ الْأُولَى هِيَ الْجَامِعَةُ لِلثَّلَاثِ مَسَائِلَ سِهَامُ الْمَيِّتِ الرَّابِعِ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَثَلَثُمِائَةٍ مَقْسُومَةٌ عَلَى مَسْأَلَتِهِ ثَلَاثَةً أَيْضًا فَجَامِعَةُ الثَّلَاثِ هِيَ جَامِعَةُ الْأَرْبَعِ وَقِرَاطُهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مُنَحَّلٌ إلَى تِسْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ فَتَأَمَّلْ وَقِسْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَإِنْ مَاتَ بَعْضٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ وَرَثَةَ الْبَاقِي فَقَطْ كَالْأَوَّلِ فَلَغْوٌ وَإِلَّا فَصَحِّحْهُمَا وَانْظُرْ بَيْنَ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ وَمَسْأَلَتِهِ فَإِنْ انْقَسَمَتْ فَالْجَامِعَةُ الْأُولَى وَإِلَّا فَجُزْءُ سَهْمِ الثَّانِيَةِ وَفْقَ سِهَامِهِ أَوْ جَمِيعُهُ الْمُبَايِنُ وَجُزْءُ سَهْمِ الْأُولَى وَفْقَ الثَّانِيَةِ أَوْ جَمِيعُهَا الْمُبَايِنُ وَالْجَامِعَةُ مُسَطَّحُ الْأُولَى وَجُزْؤُهَا أَيْ جُزْءُ سَهْمِهَا السَّابِقِ اهـ وَتَقْرِيطُ الْجَامِعَةِ بِقِسْمَتِهَا عَلَى مَخْرَجِ الْقِيرَاطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ الثَّانِي تَرِكَةٌ غَيْرُ مَا وَرِثَهُ عَنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَهُ عَمَلٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي الدُّرَّةِ وَشُبَّاكِ الْقَلَصَادِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ نَزَلَتْ بِنَا صُورَةٌ مِنْهُ بَيَّنَّاهُ وَالْأَمْرُ لِلَّهِ. [تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ مِنْ زَوْجَيْنِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَرْأَةٍ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ مِنْ زَوْجَيْنِ فَهَلْ لِلِابْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْبِنْتِ الثُّلُثُ وَإِنْ قَالَ بَعْضٌ لَا شَيْءَ لِلْبِنْتِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ شَقِيقَةٍ لِلِابْنِ مَاذَا يَلْزَمُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَلْزَمُ الْقَائِلَ الْمَذْكُورَ الْأَدَبُ لِتَجَارُئِهِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَلَدِ زِنًا قَدْ هَلَكَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ وَلَدِ خَالَةِ أُمِّهِ فَهَلْ يَكُونُ مَا فَضَلَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ لَهُ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِتَوْرِيثِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيلِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِبَاقِي الْمَالِ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ أَوْ يُعَصِّبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ النِّسَاءِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَكُونُ مَا فَضَلَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ لَهُ لَا لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَمَعَهُ أُنْثَى أَوْ أَكْثَرُ فِي دَرَجَتِهِ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ شَقِيقَةَ الْجَدَّةِ أَوْ أُخْتَهَا مِنْ أَبِيهَا وَإِلَّا فَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ لِأَنَّهُمْ مُنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ وَهِيَ لَوْ وُجِدَتْ مَعَ الزَّوْجَةِ تَأْخُذُ مَا أَبْقَتْهُ الزَّوْجَةُ فَرْضًا وَرَدًّا وَلَوْ مَاتَتْ عَنْ أَوْلَادِ أُخْتِهَا شَقِيقَتِهَا أَوْ لِأَبِيهَا لَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَنْ أَوْلَادِ أُخْتِهَا لِأُمِّهَا لَسَاوَتْ أُنْثَاهُمْ ذَكَرَهُمْ تَنْزِيلًا لِكُلِّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ فِي التَّرْتِيبِ أَخْوَالٌ لِأُمٍّ وَخَالَاتُهَا عِنْدَ الْمُنَزِّلِينَ بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ وَعَمَّاتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وَقِيلَ بِمَنْزِلَةِ عَمِّهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَمَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُجْعَلُ لِلْمُدْلِينَ بِهِمْ عَلَى حَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَجْعَلُونَ كُلَّ خَالٍ وَخَالَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهَا وَكُلَّ عَمٍّ وَعَمَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ الَّذِي هُوَ أَخُوهُمَا انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ ثَمَانِيَةِ أَبْنَاءٍ وَبِنْتٍ وَثَلَاثِ زَوْجَاتٍ وَقَدْ حَلَّى إحْدَاهُنَّ حُلِيًّا كَثِيرًا فَهَلْ يُقْسَمُ الْحُلِيُّ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ حَائِزَتُهُ وَمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمْ مِنْ التَّرِكَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ نَعَمْ يُقْسَمُ الْحُلِيُّ

كَبَاقِي التَّرِكَةِ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا تُخْتَصُّ بِهِ الْمُحَلَّاةُ بِهِ لِأَنَّ تَحْلِيَةَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِمْتَاعِ وَالِانْتِفَاعِ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَتِهِ وَالْمَجْمُوعِ وَقَدَّمْته فِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ فَالْحُلِيُّ الْمَذْكُورُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ إلَى مَوْتِهِ فَهُوَ مِنْ تَرِكَتِهِ يُقْسَمُ عَلَى الْجَمِيعِ كَغَيْرِهِ وَيَخُصُّ الزَّوْجَاتِ الثَّلَاثَةَ الثَّمَنُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قِيرَاطٌ وَالْأَحَدُ وَالْعِشْرُونَ قِيرَاطًا الْبَاقِيَةُ تُقْسَمُ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلِكُلِّ ابْنٍ قِيرَاطَانِ وَثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيرَاطٍ وَلِلْبِنْتِ قِيرَاطٌ وَاحِدٌ وَأَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيرَاطٍ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَانْكَسَرَتْ عَلَى حَيِّزَيْنِ مَعَ مُبَايَنَةِ السِّهَامِ الرُّءُوسَ فِيهِمَا وَالرَّاجِعَيْنِ أَيْضًا وَهُمَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ وَمُسَطَّحُهُمَا أَحَدٌ وَخَمْسُونَ وَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ يُضْرَبُ فِي الثَّمَانِيَةِ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ هِيَ الْمُصَحِّحُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ وَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ شَقِيقَتِهِ وَابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ عَنْ أُمِّهَا وَهِيَ أُمُّ الْوَلَدِ الْمَذْكُورَةُ وَابْنِ عَمِّهَا فَمَا الَّذِي يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّرِكَتَيْنِ؛ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِبِنْتَيْ الْأَوَّلِ الثُّلُثَانِ فَرْضًا وَلِأُخْتِهِ الثُّلُثُ الْبَاقِي تَعْصِيبًا وَلَا شَيْءَ لِأُمِّ وَلَدِهِ إذْ لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِنْ الْقَرَابَةِ وَلَا الْمَوَالِي الْأَعْلَيْنَ فَلَيْسَ فِيهَا سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ الثَّلَاثَةِ وَلَا شَيْءَ لِابْنِ أَخِيهِ أَيْضًا لِحَجْبِهِ بِالْأُخْتِ الَّتِي صَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْبِنْتِ الَّتِي مَاتَتْ وَاحِدٌ مِنْهَا وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ وَأُخْتِهَا النِّصْفُ وَالسُّدُسُ الْبَاقِي لِابْنِ عَمِّهَا فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَالْوَاحِدُ يُبَايِنُهَا فَتُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي الثَّلَاثَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ هِيَ جَامِعَةُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلِلْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْأُولَى وَاحِدٌ فِي سِتَّةٍ وَمِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ وَالْمَجْمُوعُ تِسْعَةٌ هُوَ الَّذِي يَخُصُّهَا مِنْ التَّرِكَتَيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا وَلِلْأُخْتِ مِنْ الْأُولَى وَاحِدٌ فِي سِتَّةٍ هِيَ الَّتِي تَخُصُّهَا مِنْهُمَا وَهِيَ الثُّلُثُ ثَمَانِيَةُ قَرَارِيطَ وَلِلْأُمِّ مِنْ الثَّانِيَةِ اثْنَانِ فِي وَاحِدٍ هُوَ الَّذِي يَخُصُّهَا مِنْهَا وَهُوَ ثُلُثُ الثُّلُثِ قِيرَاطَانِ وَثُلُثَا قِيرَاطٍ وَلِابْنِ الْعَمِّ وَاحِدٌ فِي وَاحِدٍ هُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَهُوَ سُدُسُ الثُّلُثِ قِيرَاطٌ وَثُلُثُ قِيرَاطٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصُورَةُ ذَلِكَ هَكَذَا: fath0002-0376-0001.jpg (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَقَارِبُ وَلَهُمْ طِينٌ مُرْتَزَقٌ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ بِنْتٍ وَاسْتَوْلَى الْأَقَارِبُ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الطِّينِ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ ابْنٍ وَأَرَادَ الِابْنُ أَنْ يَنْزِعَ تِلْكَ الْحِصَّةَ مِنْ الْأَقَارِبِ وَعَادَةُ بِلَادِهِمْ عَدَمُ تَوْرِيثِ الْإِنَاثِ مِنْ الطِّينِ فَهَلْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُمَكَّنُ ابْنُ الْبِنْتِ مِنْ نَزْعِ مَا تَسْتَحِقُّهُ أُمُّهُ مِنْ حِصَّةِ أَبِيهَا وَهُوَ جَمِيعُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهَا وَنِصْفُهَا إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهَا وَلَا عِبْرَةَ بِعَادَةِ بِلَادِهِمْ لِمُخَالَفَتِهَا الشَّرْعَ. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِي الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَجْوِبَتِهِ وَلَا يَجُوزُ مَنْعُ الْبَنَاتِ مِنْهُ أَيْ طِينِ الزِّرَاعَةِ وَلَوْ جَرَى عُرْفٌ بِمَنْعِهِنَّ فَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ بَلْ رُبَّمَا

كُنَّ أَحْوَجَ وَأَحَقَّ بِمَا أَصْلُهُ مِنْ جِهَاتِ بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَسَمَ مَا يَمْلِكُهُ عَلَى بَنِيهِ السِّتَّةِ وَبِنْتَيْهِ وَزَوْجَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْمِيرَاثِ وَحَازَ عَنْهُ ابْنَانِ وَبِنْتٌ مَا نَابَهُمْ وَبَقِيَ الَّذِي نَابَ الْبَاقِينَ تَحْتَ يَدِهِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ لَهُمْ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ فَهَلْ إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ لَا كَلَامَ لِمَنْ حَازُوا فِيمَا بَقِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْبَاقُونَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا كَلَامَ لِلْحَائِزَيْنِ فِيمَا بَقِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْبَاقُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَيِّتَةٍ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَابْنِ عَمٍّ فَهَلْ يَسْقُطُ ابْنُ الْعَمِّ بِاسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ فُرُوضَهُمْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّه نَعَمْ يَسْقُطُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ ثَلَاثِ بَنَاتٍ وَابْنِ أَخٍ غَائِبٍ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً وَجُهِلَ حَالُهُ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَابْنِ ابْنِ أَخٍ غَائِبٍ غَيْبَةً قَرِيبَةً وَتَرَكَ مَنْزِلًا فَبَاعَتْ الْبَنَاتُ ثُلُثَيْهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ قَدِمَ ابْنُ ابْنِ الْأَخِ وَأَرَادَ إبْطَالَ الْبَيْعِ وَأَخْذَ مَا يَخُصُّهُ مَجَّانًا عَلَى فَرْضِ مَوْتِ عَمِّهِ وَالْبَاقِي شُفْعَةً فَمَنَعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ قَائِلًا لَهُ لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِ عَمِّك وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فَهَلْ لَهُ رَفْعُ يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ شَهِدَ الْعُرْفُ بِعَدَمِ بَقَاءِ عَمِّهِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لِابْنِ ابْنِ الْأَخِ إبْطَالُ بَيْعِ الْبَنَاتِ الثُّلُثَيْنِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا مِلْكُ الْبَنَاتِ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِنَّ فِيهِمَا فَبَيْعُهُنَّ إيَّاهُمَا مَاضٍ وَيُنْظَرُ فِي عُمْرِ ابْنِ الْأَخِ الْمَفْقُودِ فَإِنْ بَلَغَ مُدَّةَ التَّعْمِيرِ فَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَلَهُ أَخْذُ الثُّلُثَيْنِ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا وُقِفَ الثُّلُثُ الْبَاقِي فَإِنْ قَدِمَ ابْنُ الْأَخِ أَوْ ظَهَرَتْ حَيَاتُهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ فَذَلِكَ لِابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَا شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَحَدُهُمَا شَقِيقُ الْآخَرِ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَا لِأُمٍّ فَالْمَنْزِلُ كُلُّهُ لِلْبَنَاتِ فَرْضًا وَرَدًّا وَكَذَا إنْ كَانَ الْحَاضِرُ لِأُمٍّ وَظَهَرَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ وَالْغَائِبُ لِأُمٍّ فَالثُّلُثُ الْبَاقِي لَهُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ تَعْمِيرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ رُدَّ مَا كَانَ وُقِفَ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى وَوَرِثَ الْمَفْقُودَ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ عِنْدَ انْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ وَالْمُتَوَفَّى وَرَثَتُهُ يَوْمَ مَاتَ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَالْمُتَوَفَّى لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ التَّعْمِيرِ فَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقِيلَ تِسْعُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَقِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَبِهِ الْعَمَلُ وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى الْمِائَةِ وَأَعْدَلُهَا عِنْدِي الثَّمَانُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قُدِّرَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ مِنْ كُلٍّ فَيُعَامَلُ بِالْأَضَرِّ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ فَعَدَمٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِهِ فَمَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ غَيْرُ الْقَاتِلِ هَلْ تُدْفَعُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَسْقُطُ لِعَدَمِ وُجُودِ مُسْتَحِقٍّ لَهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَلْزَمُ الدِّيَةُ عَاقِلَةَ الْأَخِ الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْهَا وَيَرِثُهَا بَاقِي وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ

ميت ترك عقارا وأرضا خراجية ولا عاصب له عن بنت وزوجة

عَاصِبٌ وَفَضَلَ عَنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ بَقِيَّةٌ رُدَّتْ عَلَى مَا عَدَا الزَّوْجَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ وَلَا عَاصِبٌ دُفِعَتْ لِذَوِي رَحِمِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ دُفِعَتْ لِلْفُقَرَاءِ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيَدْفَعْ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ فَإِنْ عُدِمَ بَيْتُ الْمَالِ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلِلْفُقَرَاءِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا دَفَعَ وَاجِدُ الرِّكَازِ الْخُمُسَ لَهُ يَصْرِفُهُ فِي مَحَلِّهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ مَالِكٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَاجِدُهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَعْبَثُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْعُشْرُ وَمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ الْوَرَثَةِ وَلَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ بَيْتَ مَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْتُ ظُلْمٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَانْعَزَلَ وَاحِدٌ مِنْ الذُّكُورِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِمْ وَأَعْطَاهُ أَبُوهُمْ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الْعَقَارِ وَالطِّينِ وَكَتَبَ لَهُ حُجَّةً بِمَا أَعْطَاهُ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ بَاعَ الْأَبُ الْمَذْكُورُ لِأَوْلَادِهِ الْبَاقِينَ بَاقِيَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْعَقَارِ وَالطِّينِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مَقْبُوضٍ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ مُعَيِّنًا فِيهَا لِكُلٍّ مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ ارْتَكَنَ وَتَرَكَ التَّصَرُّفَ فَحَازَ الْأَوْلَادُ الْعَقَارَ وَالطِّينَ وَتَصَرَّفُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا مُعَارِضٍ لَهُمْ فِيهِ نَحْوَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَأَرَادَ أَخُوهُمْ الْمُنْعَزِلُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ مُشَارَكَتَهُمْ فِيمَا بَاعَهُ لَهُمْ أَبُوهُمْ وَفِيمَا اكْتَسَبُوهُ بِمَالِهِمْ لِنَفْسِهِمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ مُدَّعِيًا أَنَّ مَا أَخَذَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِمْ خَارِجٌ عَنْ مَالِهِ مِنْ إرْثٍ آلَ لَهُ حَازَهُ لَهُ أَبُوهُ حَتَّى رَشِدَ فَسَلَّمَهُ لَهُ فَهَلْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِيمَا ثَبَتَ شِرَاؤُهُمْ إيَّاهُ مِنْ أَبِيهِمْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ مُطْلَقًا أَوْ فِي حَالِ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ وَلَا فِيمَا اكْتَسَبُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ أَمَّا مَا بَاعَهُ لَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِمُحَابَاةٍ وَمَا تَرَكَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعَهُ لَهُمْ أَوْ غَيْرِهِ إنْ وُجِدَ فَلَهُ مُشَارَكَتُهُمْ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ انْعِزَالُهُ عَنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يُحَاسَبُ بِمَا أَعْطَاهُ لَهُ وَحَازَهُ فِي صِحَّتِهِ بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَعْطَاهُ الْأَبُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَحَازَهُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ الْأَوْلَادِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَيُقَاسِمُ إخْوَتَهُ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِمْ وَأَمَّا مَا أَعْطَاهُ لِأَحَدِهِمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَاعَهُ لَهُ بِمُحَابَاةٍ فِيهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ وَحَازَهُ فِيهِ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَيِّت تَرَكَ عَقَارًا وَأَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَلَا عَاصِبَ لَهُ عَنْ بِنْتٍ وَزَوْجَة] (وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ مَيِّتٍ تَرَكَ عَقَارًا وَأَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَلَا عَاصِبَ لَهُ عَنْ بِنْتٍ وَزَوْجَةٍ فَهَلْ لَهُمَا حَقٌّ فِي الِانْتِفَاعِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهُ أَوْ تَرْجِعُ لِلْمُلْتَزِمِ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ لِلزَّوْجَةِ مُقَاسَمَةُ الْبِنْتِ فِيهَا وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِ مُوَرِّثِهِمْ وَالْأَوْلَى لِلْمُلْتَزِمِ تَمْكِينُهُمْ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ خُصُوصًا إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَاَلَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجَةِ فِي مُقَاسَمَةِ الْبِنْتِ الثَّمَنُ ثَلَاثُ قَرَارِيطَ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ فَرْضًا وَرَدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بِدَرَاهِمَ ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ قَبْلَ زَرْعِ الْأَرْضِ فَزَرَعَهَا أَبُوهُ وَلَمْ تَجِدْ الزَّوْجَةُ شَيْئًا تَأْخُذُهُ فِي صَدَاقِهَا فَنَازَعَتْ الْأَبَ تُرِيدُ أَخْذَ صَدَاقِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَدْفُوعَةِ أُجْرَةً لِلْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَقُّ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْمَيِّتِ فَلِزَوْجَتِهِ أَنْ تَسْتَوْفِيَ حُقُوقَهَا مِنْهَا قَهْرًا عَنْ أَبِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ عَنْ ابْنِهَا الْبَاقِي مِنْ الِابْنَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَبِنْتٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الثَّانِي عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ وَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ عَنْ أُخْتِهَا وَابْنِ أَخِيهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْتُ الثَّانِيَةُ عَنْ ابْنِهَا وَابْنِ أَخِيهَا وَأَوْلَادِ عَمِّهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الِابْنِ الثَّانِي وَتَرَكَ أُمَّهُ وَأُخْتَهُ وَأَخًا لِأُمٍّ وَأَوْلَادَ عَمّه. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِبِنْتِ الْمُتَوَفَّاةِ ثَالِثًا وَهِيَ زَوْجَةُ الْمُتَوَفَّى الْأَوَّلِ الَّتِي هِيَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ قِيرَاطٌ وَاحِدٌ وَثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَنِصْفُ تُسْعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ فِيهَا وَلِزَوْجَةِ الِابْنِ الْمُتَوَفَّى رَابِعًا ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ وَسِتَّةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَسَبْعَةُ أَتْسَاعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ تُسْعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ مِنْ مَجْمُوعِ تَرِكَةِ زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ وَابْنِهَا الْمُتَوَفَّى سَابِعًا وَلِبِنْتِهِ مِنْ مَجْمُوعِ تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ أَخِيهَا الْمُتَوَفَّى سَابِعًا تِسْعَةُ قَرَارِيطَ وَثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَسَبْعَةُ أَتْسَاعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَنِصْفُ تُسْعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلِابْنِ الْبِنْتِ الْمُتَوَفَّاةِ سَادِسًا خَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَتُسْعَا قِيرَاطٍ وَتُسْعَا تُسْعِ قِيرَاطٍ وَرُبُعُ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ مِنْ تَرِكَةِ أَخِيهِ ابْنِ الِابْنِ الْمُتَوَفَّى سَابِعًا قِيرَاطٌ وَاحِدٌ وَسَبْعَةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَتُسْعَا تُسْعِ قِيرَاطٍ وَنِصْفُ تُسْعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ تُسْعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلِأَوْلَادِ عَمِّهِ مِثْلُ مَا لِأَخِيهِ لِأُمِّهِ وَالْأُخْتَانِ لِأَبٍ فِي الثَّانِيَةِ مَحْجُوبَتَانِ بِالشَّقِيقِ وَفِي الرَّابِعَةِ بِالِابْنِ وَابْنِ الْأَخِ وَأَبْنَاءُ الْعَمِّ فِي السَّادِسَةِ مَحْجُوبُونَ بِالِابْنِ وَصُورَةُ ذَلِكَ هَكَذَا.

fath0002-0380-0001.jpg

وَكَيْفِيَّةُ تَقْرِيطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا بِقِسْمَةِ الْجَامِعَةِ عَلَى مَخْرَجِ الْقِيرَاطِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مُنَزَّلًا بَعْدَهَا يُخَرِّجُ قِيرَاطُهَا أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَتِسْعُونَ فَيَحِلُّ إلَى أَضْلَاعِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعَةٌ أَيْضًا بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَانِ تُنَزَّلُ بَعْدَ الْمَخْرَجِ وَيُقْسَمُ سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْجَامِعَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَضْلَاعِ وَالْخَارِجُ الصَّحِيحُ يُنَزَّلُ تَحْتَ مَخْرَجِ الْقِيرَاطِ وَالْكَسْرُ تَحْتَ الضِّلْعِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ وَإِمَّا بِضَرْبِ مَا لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ سِهَامِ الْجَامِعَةِ فِي مَخْرَجِ الْقِيرَاطِ مُنَزَّلًا بَعْدَهَا وَقِسْمَةِ الْخَارِجِ عَلَى أَضْلَاعِ الْجَامِعَةِ مُنَزَّلَةً بَعْدَ الْمَخْرَجِ وَالْخَارِجُ الصَّحِيحُ يُنَزَّلُ تَحْتَ الْمَخْرَجِ وَالْكَسْرُ تَحْتَ الضِّلْعِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ وَمَا نُزِّلَ تَحْتَ الْمَخْرَجِ قَرَارِيطُ صَحِيحَةٌ وَمَا نُزِّلَ تَحْتَ أَضْلَاعِ الْجَامِعَةِ أَوْ قِيرَاطِهَا كُسُورٌ مِنْ الْقِيرَاطِ وَالِامْتِحَانُ بِجَمْعِ مَا تَحْتَ كُلِّ ضِلْعٍ وَقِسْمَتِهِ عَلَيْهِ وَتَنْزِيلِ الْخَارِجِ تَحْتَ الضِّلْعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَجَمْعِهِ إلَى مَا فَوْقَهُ مِمَّا تَحْتَ ذَلِكَ الضِّلْعِ وَقِسْمَةِ الْحَاصِلِ عَلَيْهِ وَتَنْزِيلِ الْخَارِجِ تَحْتَ مَا قَبْلَهُ وَهَكَذَا إلَى أَوَّلِ الْأَضْلَاعِ وَتَنْزِيلِ الْخَارِجِ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ تَحْتَ مَخْرَجِ الْقِيرَاطِ وَجَمْعِهِ إلَى مَا فَوْقَهُ مِمَّا تَحْتَ الْمَخْرَجِ وَمُقَابَلَةِ الْمَجْمُوعِ بِالْمَخْرَجِ فَإِنْ سَاوَاهُ فَالْعَمَلُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ أَبْنَاءِ أَخٍ شَقِيقٍ وَأَبْنَاءِ أَخٍ لِأَبٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِمِيرَاثِهِ أَوْلَادُ الشَّقِيقِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ بِمِيرَاثِهِ أَبْنَاءُ الْأَخِ الشَّقِيقِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ وَبِالْبَاقِي بَعْدَهُ إنْ كَانَ قَالَ الْجَعْبَرِيُّ: وَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ ... وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ عَقَارًا وَمَوَاشِيَ وَأَرْضَ زِرَاعَةٍ فَمَا يَخُصُّ كُلًّا؟ فَأَجَابَ شَيْخُنَا فَرَّاجٌ الْعَمُّورِيُّ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: لِلْبِنْتِ اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا فِي جَمِيعِ مَا تَرَكَهُ وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ لِلْأَبِ قِيرَاطَانِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ لِحَجْبِهِمْ بِالْجَدِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَيِّتٍ عَنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ وَأَبِيهِ وَتَرَكَ طِينًا وَعَقَارًا وَمَوَاشِيَ وَنَخِيلًا بِأَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ فَمَا يَخُصُّ كُلًّا؟ وَإِذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ إلَّا النَّخِيلَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرِثْنَ فِيهِ وَحَازَهُ الْأَبُ نَحْوَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَبَاعَهُ، فَهَلْ الْبَيْعُ مَاضٍ فِي حِصَّتِهِ وَغَيْرُ مَاضٍ فِي حِصَّةِ الزَّوْجَةِ وَالْبِنْتِ وَيُحَاسَبُ عَلَى ثَمَرِهِ مُدَّةَ حِيَازَتِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَخُصُّ حِصَّتَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ أَفِيدُوا. فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ فِي جَمِيعِ الْمُخْلَفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي تِسْعَةُ قَرَارِيطَ وَحَيْثُ حَازَ الْأَبُ النَّخِيلَ وَاسْتَغَلَّهُ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فَلِلْبِنْتِ وَالزَّوْجَةِ مُحَاسَبَتُهُ بِذَلِكَ وَبَيْعُهُ مَاضٍ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ وَلِلْبِنْتِ وَالزَّوْجَةِ رَدُّ حِصَّتِهِمَا أَوْ إمْضَاؤُهَا وَاتِّبَاعُهُ بِالثَّمَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا قَدْرُهَا مِائَتَا ذِرَاعٍ لِوَلَدَيْنِ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَدٌ مِنْ الْوَلَدَيْنِ عَنْ أَخِيهِ وَأَخَوَاتِهِ وَأَرْبَعِ بَنَاتٍ ثُمَّ مَاتَتْ أُخْتُهُ وَتَرَكَتْ أَخَاهَا وَأُخْتَيْهَا وَأَوْلَادَ أَخِيهَا الْمَيِّتِ وَبَنَاتٍ لَهَا، ثُمَّ مَاتَ أَخُوهُ وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأُخْتَيْهِ وَبَنَاتِ أَخِيهِ وَأَوْلَادَ أُخْتِهِ الْمَيِّتَةِ،

ثُمَّ مَاتَتْ أُخْتُهُ الثَّانِيَةُ وَتَرَكَتْ بِنْتَ ابْنِهَا وَأَوْلَادَ أَخَوَيْهَا، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ ثَالِثًا عَنْ أَوْلَادِ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّارَ لَمْ تُقْسَمْ إلَى الْآنَ، فَمَا كَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ فِي بَيَانِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الدَّارِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِلْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ مِنْ بَنَاتِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالْخَامِسِ وَعَمَّةُ السَّادِسِ مِنْ مَجْمُوعِ تَرِكَاتِهِمْ أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ قِيرَاطًا وَسِتَّةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَخُمُسُ سُبُعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَنَاتِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ تَرِكَتِهِ خَاصَّةً قِيرَاطٌ وَاحِدٌ وَتُسْعُ قِيرَاطٍ وَسُبُعَا تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلَا شَيْءَ لَهُنَّ مِنْ تَرِكَةِ السَّادِسِ لِحَجْبِهِنَّ بِعَمَّتِهِ لِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الْأَبِ وَتَنْزِيلِهِنَّ مَنْزِلَةَ الْعَمِّ وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْعَمَّ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَنَاتِ الْمَيِّتَةِ الثَّالِثَةِ سَبْعَةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَخُمُسَا سُبُعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ إنْ كُنَّ ثَلَاثَةً وَلِبِنْتِ ابْنِ الْمَيِّتَةِ الْخَامِسَةِ قِيرَاطَانِ اثْنَانِ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ سُبُعِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَصُورَةُ ذَلِكَ هَكَذَا fath0002-0382-0001.jpg.

رقيق توفي عن ابنه وزوجته وسيده

مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا وَعَنْ بَنَاتِ إخْوَتِهَا وَتَرَكَتْ مَا يُورَثُ عَنْهَا شَرْعًا مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ يَخْتَصُّ زَوْجُهَا بِجَمِيعِ مَا تَرَكَتْهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِبَنَاتِ إخْوَتِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يَخْتَصُّ زَوْجُهَا بِجَمِيعِ مَا تَرَكَتْهُ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ لِاجْتِمَاعِ جِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ يَرِثُ بِهِمَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِبَنَاتِ إخْوَتِهَا لِأَنَّهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ وَذَوَاتُ الْأَرْحَامِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْعَاصِبِ وَلَا مَعَ ذِي فَرْضٍ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ لِتَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَرِثُ بِفَرْضٍ وَعُصُوبَةٍ أَبٌ وَجَدٌّ كَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا وَإِلَّا يَكُنْ الْإِمَامُ عَدْلًا رُدَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَذَوُوا الْأَرْحَامِ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [رَقِيق تُوُفِّيَ عَنْ ابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَقِيقٍ تُوُفِّيَ عَنْ ابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ فَهَلْ يَكُونُ جَمِيعُ مَا تَرَكَهُ لِسَيِّدِهِ دُونَ الِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَتَكُونُ نَفَقَةُ الِابْنِ عَلَى السَّيِّدِ حَيْثُ الِابْنُ قَاصِرٌ وَالسَّيِّدُ غَنِيٌّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ جَمِيعُ مَا تَرَكَهُ لِسَيِّدِهِ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ وَلَا حَقَّ لِابْنِهِ وَلَا لِزَوْجَتِهِ فِيمَا تَرَكَهُ وَنَفَقَةُ الِابْنِ عَلَى سَيِّدِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهُمْ السَّيِّدُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ هَلْ يَرِثُ وَيُورَثُ] (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ هَلْ يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِإِرْثِهِ فَمَا كَيْفِيَّتُهُ وَإِذَا مَاتَ فَمَا كَيْفِيَّةُ تَغْسِيلِهِ وَمَنْ يُغَسِّلُهُ وَمَا كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ وَالدُّعَاءِ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَرِثُ الْخُنْثَى وَيُورَثُ أَمَّا إرْثُ غَيْرِ الْخُنْثَى مِنْ الْخُنْثَى إذَا مَاتَ فَكَيْفِيَّتُهُ ظَاهِرَةٌ إذْ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْإِرْثِ مَا عَدَا مَسْأَلَةَ الْمَلْفُوفِ فَفِيهَا خِلَافٌ وَغُمُوضٌ. وَصُورَتُهَا أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ زَوْجَتُهُ وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا وَامْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى فَقِيلَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ لِأَنَّ لُحُوقَ الْأَوْلَادِ بِالْأُمِّ قَطْعِيٌّ وَبِالْأَبِ ظَنِّيٌّ وَقِيلَ الْإِرْثُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَأَوْلَادِهِمَا وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ وَعَلَيْهِ فَالْأَوْلَادُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِنِسْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الرُّبُعَ فَتُنَازِعُ الزَّوْجَةُ فِي نِصْفِهِ وَهُوَ الثُّمُنُ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَنِصْفُ الرُّبُعِ الْآخَرِ يُنَازِعُهُ فِيهِ أَوْلَادُ الزَّوْجَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْفَاضِلُ بَعْدَ أُمِّهِمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ وَلِلزَّوْجِ ثُمُنٌ كَامِلٌ وَلِأَوْلَادِ الْفَرِيقَيْنِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَصْحِيحُهَا سَهْلٌ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِالْحِسَابِ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ إرْثِ الْخُنْثَى مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ يَرِثُ بِتَقْدِيرِهِ ذَكَرًا وَبِتَقْدِيرِهِ أُنْثَى وَلَا يَخْتَلِفُ مِقْدَارُ إرْثِهِ بِهِمَا فَلَهُ نَصِيبُهُ كَامِلًا وَإِنْ كَانَ يَرِثُ بِأَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَقَطْ فَلَهُ نِصْفُ إرْثِهِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ يَرِثُ بِهِمَا وَيَخْتَلِفُ إرْثُهُ بِهِمَا فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِهَا بِأَنْ يُقَدَّرَ ذَكَرًا وَيُعْرَفَ نَصِيبُهُ وَيُقَدَّرَ أُنْثَى وَيُعْرَفَ نَصِيبُهَا وَيُجْمَعَ النَّصِيبَانِ وَيُعْطَى نِصْفَ الْمَجْمُوعِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَكَيْفِيَّةُ تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَأَمَّا مَنْ يُغَسِّلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ اُشْتُرِيَتْ لَهُ أَمَةٌ تُغَسِّلُهُ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهِيَ أَمَتُهُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَهِيَ امْرَأَةٌ وَتَسْتُرُهُ حَالَ الْغُسْلِ احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَسَّلَتْهُ مَحْرَمُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ اُشْتُرِيَتْ جَارِيَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ تُغَسِّلُهُ وَتُعْتَقُ وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مُوجِبَ لِعِتْقِهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يُمِّمَ لِكُوعَيْهِ مَعَ الرِّجَالِ وَلِمَرْفِقَيْهِ مَعَ النِّسَاءِ وَهُنَّ مُقَدَّمَاتٌ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَكَيْفِيَّةُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ

عَلَى مَنْ حَضَرَ أَوْ الذَّاتِ أَوْ النَّسَمَةِ أَوْ الْمَيِّتِ أَوْ الشَّخْصِ وَيَدْعُوَ لَهُ بِالتَّذْكِيرِ، لِقَوْلِهِ إنَّ فِعْلَهُ وَوَصْفَهُ وَضَمِيرَهُ تُلْزِمُ التَّذْكِيرَ وَلَوْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ وَإِنْ دَعَا لَهُ بِالتَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ النَّسَمَةِ أَوْ الذَّاتِ صَحَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مُتَوَفًّى عَنْ أُخْتٍ لِلْأُمِّ وَبِنْتِ أَخٍ فَلِمَنْ الْبَاقِي بَعْدَ سُدُسِ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَالْبَاقِي بَعْدَ السُّدُسِ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ رَدًّا وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْأَخِ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَى ذِي الْفَرْضِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِ ذِي الرَّحِمِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِلَّا يَكُنْ الْإِمَامُ عَدْلًا رُدَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَذَوُو الْأَرْحَامِ هَذَا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَيِّتَةٍ عَنْ بِنْتِ عَمِّهَا وَبِنْتِ أُخْتِهَا فَمَنْ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مِنْهُمَا؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، تَسْتَحِقَّانِ مَعًا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ لِتَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ وَاسِطَتِهِمَا وَهِيَ إذَا مَاتَتْ عَنْ أُخْتٍ وَعَمٍّ كَانَ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ وَمَاتَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ عَنْ أُمِّهَا وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ عَنْ أُمِّهِ وَأُخْتَيْهِ لِأَبِيهِ وَعَمِّهِ الشَّقِيقِ وَعَمِّهِ لِلْأَبِ وَلَمْ تُقْسَمْ التَّرِكَةُ إلَى الْآنَ فَمَاذَا يَخُصُّ كُلَّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا وَمَنْ يَرِثُ مِمَّنْ ذُكِرَ وَمَنْ لَا يَرِثُ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِلزَّوْجَةِ مِنْ مَجْمُوعِ تَرِكَةِ زَوْجِهَا وَبِنْتِهَا وَابْنِهَا خَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَسِتَّةُ أَعْشَارِ قِيرَاطٍ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ عُشْرِ قِيرَاطٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثَمَانِيَةُ قَرَارِيطَ وَعُشْرُ قِيرَاطٍ وَأَرْبَعَةُ أَسْدَاسِ عُشْرِ قِيرَاطٍ مِنْ مَجْمُوعِ تَرِكَةِ أَبِيهِمَا وَأَخِيهِمَا لِأَبِيهِمَا وَلِعَمِّ الِابْنِ الشَّقِيقِ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيرَاطٌ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِ قِيرَاطٍ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ عُشْرِ قِيرَاطٍ وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ مِنْ تَرِكَةِ الْبِنْتِ الْمَيِّتَةِ ثَانِيَةً لِحَجْبِهِمَا بِشَقِيقِهِمَا وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ لِلْأَبِ مِنْ تَرِكَةِ الثَّالِثِ لِحَجْبِهِ بِالْعَمِّ الشَّقِيقِ وَصُورَةُ ذَلِكَ هَكَذَا: fath0002-0384-0001.jpg وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ عَنْ أَوْلَادِ خَالٌ شَقِيقٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَعَنْ بِنْتِ خَالَةٍ شَقِيقَةٍ وَعَنْ ابْنِ بِنْتِ عَمٍّ لِأَبٍ وَعَنْ أَوْلَادِ ابْنِ ابْنِ أَخُو جَدَّةٍ لِأَبٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَتَرَكَتْ مَا يُورَثُ عَنْهَا فَهَلْ إذَا قُلْتُمْ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَمَنْ يَكُونُ الْمُقَدَّمُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِابْنِ بِنْتِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ وَلِأَوْلَادِ الْخَالِ ثُلُثَا الثُّلُثِ يُقْسَمَانِ عَلَيْهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلِبِنْتِ الْخَالَةِ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَلَا شَيْءَ لِأَوْلَادِ ابْنِ ابْنِ أَخِي الْجَدَّةِ لِأَبٍ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَنْ أُمِّهِ وَعَمِّهِ وَجَدَّتِهِ لِأَبِيهِ لَكَانَ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِعَمِّهِ الثُّلُثَانِ وَلَا شَيْءَ لِلْجَدَّةِ لِحَجْبِهَا بِالْأُمِّ وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ عَنْ أَخٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَيْنِ لَكَانَ لِلْأَخِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ فُقِدَ عَنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ أَشِقَّاءٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُمْ فَهَلْ يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ فَهَلْ يَكُونُ مَا يَخُصُّهُ لِوَرَثَتِهِ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ مَضَى مِنْ يَوْمِ وِلَادَتِهِ سَبْعُونَ سَنَةً حُكِمَ بِمَوْتِهِ وَقُسِمَ مَالُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ انْتَقَلَ مَا يَخُصُّهُ بِهَا لِوَرَثَتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ مُدَّةَ التَّعْمِيرِ كَمَالِهِ وَكَزَوْجَةِ الْأَسِيرِ وَمَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ وَالرَّاجِحُ سَبْعُونَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي سِنِّهِ فَالْأَقَلُّ وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ بِالتَّخْمِينِ وَحَلَفَ الْوَارِثُ حِينَئِذٍ انْتَهَى. وَقَالَ وَوُقِفَ مَالُ الْمَفْقُودِ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِمَوْتِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِنْ مَضَى مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً لَمْ يَحْتَجْ لِحُكْمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ نُعِيَ لَهُ وَلَدٌ غَائِبٌ ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَهَلْ لَا يُمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنْ أَخْذِ مِيرَاثِ الْوَلَدِ مِنْ تَرِكَةِ أُمِّهِ وَيُوقَفُ حَتَّى يَتَّضِحَ حَالُهُ أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ وَتُصَحَّحُ مَسْأَلَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَمَسْأَلَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِهِ وَيُرَدُّ مُصَحَّحُهُمَا إلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يُقْسَمُ عَنْ التَّقْدِيرِ وَيَنْفُذُ الْأَقَلُّ الْمُحَقَّقُ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَّضِحَ حَالُهُ أَوْ تَنْتَهِيَ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ مِنْ وِلَادَتِهِ فَإِنْ اتَّضَحَ حَالُهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَإِنْ انْتَهَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قُدِّرَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ فَعَدَمٌ اهـ وَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَا قَوْلُكُمْ) فِي زَوْجَةٍ وَابْنَيْنِ وَبِنْتٍ وَالتَّرِكَةُ ثَمَانِيَةُ قَرَارِيطَ وَخُمُسَا قِيرَاطٍ وَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ أُمِّهِ وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْآخَرُ عَنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ قَبْلَهَا فَمَا الَّذِي يَخُصُّ الْأُمَّ وَمَا الَّذِي يَخُصُّ الْبِنْتَ مِنْ الْقَرَارِيطِ الْمَذْكُورَةِ. فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِلْأُمِّ مِنْهَا ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ وَثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ قِيرَاطٍ وَخُمُسُ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ خُمُسِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَرُبُعَا خُمُسِ خُمُسِ خُمُسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَلِلْبِنْتِ مِنْهَا خَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَخُمُسُ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَخُمُسُ خُمُسِ مَرَّتَيْنِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ خُمُسِ خُمُسِ تُسْعِ قِيرَاطٍ وَرُبُعَا خُمُسِ خُمُسِ خُمُسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تُسْعِ قِيرَاطٍ كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ بِالْجَدْوَلِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

fath0002-0386-0001.jpg

§1/1