فتح الباقي بشرح ألفية العراقي

الأنصاري، زكريا

ـ[فتح الباقي بشرح ألفية العراقي]ـ المؤلف: زين الدين أبي يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي (ت 926 هـ) المحقق: عبد اللطيف هميم - ماهر الفحل الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الطبعة الأولى، 1422هـ / 2002م عدد الأجزاء: 2 أعده للشاملة/ أسامة بن الزهراء، فريق عمل المكتبة الشاملة

_ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومذيل بالحواشي]

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فَلاَ هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ((ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمةً للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين)) (¬1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. آل عمران: 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. النساء: 1. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. الأحزاب: 70 - 71. أما بعد: فإن الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعضه يستقل بالتشريع، وكثيرٌ منه شارح لكتاب الله تعالى مُبين لما جاء فيه. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبِيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}. النحل: 44. وقد أدرك المسلمون - منذ الصدر الأول، وحتى يوم الناس هذا - أهمية الحديث النبوي الشريف فحفظوا الأحاديث في الصدور، ودونوها في الدواوين، ونقَّروا عنها أشد التنقير والبحث كي لا ينضاف إليها ما ليس منها، فأنجبت هذه الأمة حُفَّاظاً عارفين وجهابذة ناقدين فكانوا بحق ينفون عن السنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل ¬

_ (¬1) من مقدمة زاد المعاد 1/ 34 للعلامة ابن القيم.

الجاهلين، فظهرت المصنفات والجوامع والسنن والمسانيد والأجزاء والمشيخات وغيرها في صور عدة وضروب كثيرة، حرصاً واحتفاظاً واعتزازاً بسنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وكان لابد من ظهور مؤلفات تُبين مصطلحات المحدثين في كتبهم ودروسهم، تكشف عما يريدون من إطلاقاتهم وأقوالهم. فظهر عددٌ من المؤلفات في القرون التِي تلت عصر الرواية ومما لا شك فيه أنَّ من أحسنها تصنيفاً وأعمها نفعاً كتاب الحافظ أبي عَمْرو عثمان بن عَبْد الرَّحْمَان الشهرزوري المشهور بـ: ابن الصَّلاَح (577 - 643 هـ‍) المسمى: " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث " (¬1) الَّذِي لا يُحصى عدُّ من شرحه واختصره ونظمه ونكَّت عَلَيْهِ. ولِمَا تميز بِهِ كتاب ابن الصَّلاَح من أهمية يعرفها المختصون بهذا الشأن؛ إذ اشتهر هَذَا الكِتَاب أيما اشتهار، وذاع صيته بَيْنَ الأنَامِ، وحرص عَلَى تحصيله القريب والبعيد. وَقَدْ هيأ الله لهذا الكِتَاب التعاليق الكثيرة والشروح المستفيضة. وَكَانَ من الَّذِيْنَ قيظهم الله لخدمة هَذَا الكِتَاب النفيس الحَافِظ زين الدين أَبُو الفضل عَبْد الرحيم بن الْحُسَيْن العراقي (ت806 هـ‍) فنظم كتاب ابن الصَّلاَح في أرجوزة ربتْ عَلَى ألف بيت من الشعر (¬2). وَكَانَ لهذا النظم من المزايا والمنافع الشيء الكثير لما احتواه من زيادات وإيضاحات واستدراكات. وقد كتب الله لهذه الأرجوزة القبول فتسابق الناس في حفظها، وأخذوا في شرحها وإيضاحها. فكان من تِلْكَ الشروح الكثيرة هَذَا الكِتَاب الَّذِي بَيْنَ أيدينا، وَهُوَ شرح نفيس للغاية إِذْ امتاز بشرح وبيان المسائل اللغوية والصرفية والعروضية والتنبيه عَلَى ضرورات الشعر، وما إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من الميزات العديدة التِي احتواها هَذَا الشرح المبارك. ولم يكتب - الباري عز وجل - لهذا الكِتَاب أن يطبع من قَبْل محققاً تحقيقاً علمياً رصيناً رضياً عَلَى الرغم من أهميته ونفاسته، كُلّ هَذَا دفعنا إِلَى إعادة طبعه بالشكل الَّذِي يسر كُلّ محب لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) هكذا سماه بِهِ مؤلفه في ديباجة كتابه: 78 بتحقيقنا، وهكذا أطلق عليه القرطبي في تفسيره 4/ 3109، طبعة الشعب. (¬2) وهي مشهورة معروفة باسم: " التبصرة والتذكرة ".

وَقَدْ قدّمنا بَيْنَ يدي الكِتَاب دراسة ضمنّاها ثلاثة أبواب: الباب الأول: العراقي ونظمه " التبصرة والتذكرة "، والباب الثاني: الأنصاري وكتابه " فتح الباقي، والباب الثالث: التحقيق، واشتمل عَلَى ثلاثة فصول: الأول: التعريف بالكتاب، والثاني: وصف النسخ المعتمدة، والثالث: منهج التحقيق. وبعد: فهذا كتاب " فتح الباقي " نُقدمه لِمُحبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - السائرين عَلَى هديه الراجين شفاعته يوم القيامة، قَدْ خدمناه الخدمة التِي توازي تعلقنا بسيدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ الوقت الَّذِي قضيناه فِيْهِ كله مباركاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إِلَى يوم الدين. المحققان 1/ 10 / 2001 م

القسم الأول: [الدراسة]

القِسْم الأول: [الدراسة] الباب الأول: العراقي، ونظمه "التبصرة والتذكرة" الفصل الأول: سيرته الذاتية لا بد لنا وقد خضنا غمرة تحقيق كِتَاب "فتح الباقي بشرح ألفية العراقي" أن نعرِّج على تعريف موجز بصاحب النظم، ليس بالطويل المملّ ولا بالقصير المخلّ، لاسيّما أن هذا العمل يُعدّ مفتاحاً للولوج بمعرفة أكثر بالناظم، تعين القارئ على تكوين صورة مجملة عنه، وتوضح مكانته العلمية والمدة الزمنية التي عاشها. ويشتمل هذا الفصل ثمانية مباحث نوردها تباعاً: المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته: هو عَبْد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي (¬1) الرازياني (¬2) العراقي الأصل (¬3) المهراني (¬4) المصري المولد الشافعي المذهب. كنيته: أبو الفضل، ويلقّب بـ (زين الدين) (¬5). وُلِدَ في اليوم الحادي والعشرين من شهر جُمَادَى ¬

_ (¬1) نسبة إلى أقوام يقطنون شمال العراق، إذ أن أصل المتَرْجَم منهم. الأنساب4/ 609. (¬2) نسبة إلى رازيان: قرية من قرى إربل (أربيل: محافظة في شمال العراق). طبقات الحفاظ543. (¬3) نسبة إلى عراق العرب، وهو القطر الأعظم الذي يضم قرية أبيه. الضوء اللامع 4/ 171، وطبقات المفسرين 1/ 309. (¬4) نسبة إلى منشأة المهراني: موضع بين مصر والقاهرة، حيث ولد المترجم. طبقات الحفاظ543. (¬5) قد يخفّف فيقال: الزين، كما جرت عادتهم آنذاك، فيقولون مثلاً: الشمس الذهبي والتقي السُّبْكِيّ ونحوهما.

المبحث الثاني: أسرته

الأولى سنة (725 هـ‍) (¬1). المبحث الثاني: أسرته: أقام أسلاف الحافظ العراقي في قرية رازيان - من أعمال إربل (¬2) - إلى أن انتقل والده وهو صغير مع بعض أقربائه إلى مصر (¬3)، إذ استقر فيها وتزوج من امرأة مصرية (¬4) ولدت له الحافظ العراقي. وكانت أسرته ممن عُرفوا بالزهد والصلاح والتقوى، وقد كان لأسلافه مناقب ومفاخر (¬5)، وكانت والدته ممن اشتهرن بالاجتهاد في العبادات والقربات مع الصبر والقناعة (¬6). أمّا والدُه فقد اختصَّ - منذ قدومه مصر - بخدمة الصالحين (¬7)، ولعلَّ من أبرز الذين اختصَّ والده بخدمتهم الشيخ القناوي (¬8). ومن ثُمَّ ولد للمتَرجَمِ ابنٌ أسماه: أحمد، وكنَّاه: أبا زرعة، ولقَّبه: بولي الدين (¬9)، وبنت تدعى: خديجة، صاهره عليها: الحافظ نور الدين الهيثمي ورزق منها بأولاد، وأشارت بعض المصادر أنَّ له ابنتين أخريين: جويرية (¬10) وزينب (¬11). ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ 221، والضوء اللامع 4/ 171، والبدر الطالع 1/ 354. (¬2) طبقات المفسرين 1/ 309. (¬3) طبقات الحفاظ: 543. (¬4) لحظ الألحاظ: 220، والضوء اللامع 4/ 171. (¬5) الضوء اللامع 4/ 171. (¬6) لحظ الألحاظ: 221، والضوء اللامع 4/ 171، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي: 370. (¬7) طبقات الحفاظ: 543. (¬8) هو الشيخ الشريف تقي الدين محمد بن جعفر بن محمد القناوي الشافعي، كان عالي الإسناد من الموصوفين بالصلاح، توفي سنة (737 هـ‍). الدرر الكامنة 4/ 35، والضوء اللامع 7/ 104، وحسن المحاضرة 1/ 421. (¬9) ستأتي ترجمته في مبحث تلامذته. (¬10) نظم العقيان: 103. (¬11) نظم العقيان: 114، وانظر: الضوء اللامع 4/ 171.

المبحث الثالث: نشأته

المبحث الثالث: نشأته وُلِد الحافظ العراقي - كما سبق - في مصر، وحمله والده صغيراً إلى الشيخ القناوي؛ ليباركه، إذ كَانَ الشَّيْخ هُوَ البشير بولادة الحَافِظ، وَهُوَ الَّذِي سمَّاه أيضاً (¬1)؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلاً مَعَ ولده، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته والطفل لَمْ يزل بَعْدُ طريَّ العود، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره (¬2)، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده، والذي يغلب عَلَى ظننا أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه (¬3)؛ وذلك لأن أقدم سماع وجد له كان سنة (737 هـ‍) بمعرفة القناوي (¬4)، وكان يُتَوقّعُ أن يكون له حضور أو سماع من الشيخ، إذ كان كثير التردد إليه سواء في حياة والده أو بعده، وأصحاب الحديث عند الشيخ يسمعون منه؛ لعلوِّ إسناده (¬5). وحفظ الزينُ القرآنَ الكريمَ والتنبيه وأكثر الحاوي مَعَ بلوغه الثامنة من عمره (¬6)، واشتغل في بدء طلبه بدرس وتحصيل علم القراءات، وَلَمْ يثنِ عزمه عَنْهُ إلا نصيحة شيخه العزّ ابن جَمَاعَة، إذ قَالَ لَهُ: إنه علم كَثِيْر التعب قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن فاصرف همَّتك إلى الحَدِيْث (¬7). وَكَانَ قَدْ سبق لَهُ أن حضر دروس الفقه عَلَى ابن عدلان، ولازم العماد مُحَمَّد بن إسحاق البلبيسي (¬8)، وأخذ عَنْ الشمس بن اللبان، وجمال الدين الإسنوي الأصولَ (¬9) وَكَانَ الأخير كَثِيْر الثناء عَلَى فهمه، ويقول: ((إنَّ ذهنه ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 220 - 221، وطبقات الحفَّاظ: 543. (¬2) لحظ الألحاظ: 221. (¬3) الضوء اللامع 4/ 171. (¬4) لحظ الألحاظ: 221. (¬5) الضوء اللامع 4/ 171. (¬6) لحظ الألحاظ: 227. (¬7) لحظ الألحاظ: 221، الضوء اللامع 4/ 172. (¬8) الضوء اللامع 4/ 172. (¬9) لحظ الألحاظ: 221.

صَحِيْح لا يقبل الخطأ)) (¬1)، وكان الشيخ القناوي في سنة سبع وثلاثين - وهي السنة التي مات فيها - قد أسمعه على الأمير سنجر الجاولي، والقاضي تقي الدين بن الأخنائي المالكي، وغيرهما ممّن لم يكونوا من أصحاب العلوِّ (¬2). ثمَّ ابتدأ الطلب بنفسه، وكان قد سمع على عبد الرحيم بن شاهد الجيش، وابن عبد الهادي، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا (¬3)، وصرف همَّته إلى التخريج وكان كثير اللهج بتخريج أحاديث " الإحياء " وله من العمر -آنذاك- عشرون سنة (¬4)، وقد فاته إدراك العوالي مما يمكن لأترابه ومَن هو في مثل سنّه إدراكه، ففاته يحيى بن المصري - آخر مَن روى حديث السِّلَفي عالياً بالإجازة (¬5) - والكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب بن العلاّق (¬6)، وكان أوّل مَن طلب عَلَيْهِ: الحافظ علاء الدين بن التركماني في القاهرة وبه تخرّج وانتفع (¬7)، وأدرك بالقاهرة أبا الفتح الميدومي، فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً (¬8)، ولم يلقَ من أصحاب النجيب غيره (¬9)، ومن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الأيوبي (¬10)، ومن ثَمَّ شدَّ رحاله - على عادة أهل الحديث- إلى الشام قاصداً دمشق فدخلها سنة (754 هـ‍) (¬11)، ثُمَّ عادَ إليها بعد ذلك سنة (758هـ‍)، وثالثة في سنة (759 هـ‍) (¬12)، ولم تقتصر رحلته الأخيرة على دمشق بل رحل إلى غالب ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 4/ 172. (¬2) الضوء اللامع 4/ 171. (¬3) شذرات الذهب 7/ 55. (¬4) الضوء اللامع 4/ 173. (¬5) الضوء اللامع 4/ 171. (¬6) شذرات الذهب 7/ 56. (¬7) الضوء اللامع 4/ 172. (¬8) شذرات الذهب 7/ 56. (¬9) الضوء اللامع 4/ 172. (¬10) الضوء اللامع 4/ 172. (¬11) لحظ الألحاظ: 223. (¬12) المصدر السابق.

المبحث الرابع: مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه

مدن بلاد الشام (¬1)، ومنذ أول رحلة له سنة (754 هـ‍) لم تخلُ سنة بعدها من الرحلة إمّا في الحديث وإمّا في الحجّ (¬2)، فسمع بمصر (¬3) ابن عبد الهادي، ومحمد بن علي القطرواني، وبمكة أحمد بن قاسم الحرازي، والفقيه خليل إمام المالكية بها، وبالمدينة العفيف المطري، وببيت المقدس العلائي، وبالخليل خليل بن عيسى القيمري، وبدمشق ابن الخباز، وبصالحيتها ابن قيم الضيائية، والشهاب المرداوي، وبحلب سليمان بن إبراهيم بن المطوع، والجمال إبراهيم بن الشهاب محمود في آخرين بهذه البلاد وغيرها كالإسكندرية وبعلبك، وحماة، وحمص، وصفد، وطرابلس، وغزّة، ونابلس ... تمام ستة وثلاثين مدينة. وهكذا أصبح الحديث ديدنه وأقبل عليه بكليته (¬4)، وتضلّع فيه رواية ودراية وصار المعول عليه في إيضاح مشكلاته وحلّ معضلاته، واستقامت له الرئاسة فيه، والتفرد بفنونه، حتّى إنّ كثيراً من مشايخه كانوا يرجعون إليه، وينقلون عنه -كما سيأتي- حتَّى قال ابن حجر: ((صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الإسنائي ... وهلمَّ جرّاً، ولم نرَ في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرج غالب أهل عصره)) (¬5). المبحث الرابع: مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه مما تقدّم تبيّنت المكانة العلمية التي تبوّأها الحافظ العراقي، والتي كانت من توفيق الله تعالى له، إذ أعانه بسعة الاطلاع، وجودة القريحة، وصفاء الذهن، وقوة الحفظ، وسرعة الاستحضار، فلم يكن أمام مَن عاصره إلاّ أن يخضع له سواء من شيوخه أو تلامذته. ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً عرضِ جملةٍ من أقوال العلماء فيه، من ذلك: ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 223، والضوء اللامع 4/ 172. (¬2) الضوء اللامع 4/ 173. (¬3) انظر: الضوء اللامع 4/ 172 - 173. (¬4) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 30. (¬5) إنباء الغمر 2/ 275 - 276.

1 - قال شيخه العزُّ بن جماعة: ((كلّ مَن يدّعي الحديث في الديار المصرية سواه فهو مدَّعٍ)) (¬1). 2 - قال التقي بن رافع السلامي: ((ما في القاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ هذا، والقاضي عزّ الدين ابن جماعة))، فلمَّا بلغته وفاة العزّ قال: ((ما بقي الآن بالقاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ الشيخ زين الدين العراقي)) (¬2). 3 - قال ابن الجزري: ((حافظ الديار المصرية ومُحَدِّثُها وشيخها)) (¬3). 4 - قال ابن ناصر الدين: ((الشيخ الإمام العلاّمة الأوحد، شيخ العصر حافظ الوقت ... شيخ الْمُحَدِّثِيْن عَلَم الناقدين عُمْدَة المخرِّجِين)) (¬4). 5 - قال ابن قاضي شهبة: ((الحافظ الكبير المفيد المتقن المحرّر الناقد، محَدِّث الديار المصرية، ذو التصانيف المفيدة)) (¬5). 6 - قال التقي الفاسي: ((الحافظ المعتمد، ... كان حافظاً متقناً عارفاً بفنون الحديث وبالفقه والعربية وغير ذلك، ... كان كثير الفضائل والمحاسن)) (¬6). 7 - وقال ابن حجر: ((حافظ العصر)) (¬7)، وقال: ((الحافظ الكبير شيخنا الشهير)) (¬8). 8 - وقال ابن تغري بردي: ((الحافظ، ... شيخ الحديث بالديار المصرية، ... وانتهت إليه رئاسة علم الحديث في زمانه)) (¬9). 9 - وقال ابن فهد: ((الإمام الأوحد، العلاّمة الحجة الحبر الناقد، عمدة الأنام حافظ الإسلام، فريد دهره، ووحيد عصره، من فاق بالحفظ والإتقان في زمانه، وشهد له في التفرّد ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 4/ 173. (¬2) لحظ الألحاظ: 227. (¬3) غاية النهاية 1/ 382. (¬4) الردّ الوافر: 107. (¬5) طبقات الشافعية 4/ 29. (¬6) ذيل التقييد: 114 / أ - 115 / ب. (¬7) إنباء الغمر 2/ 275. (¬8) المجمع المؤسس 89 / أ. (¬9) النجوم الزاهرة 13/ 34.

في فنه أئمة عصره وأوانه)) (¬1). وأطال النفس في الثناء عليه. 10 - وقال السيوطي: ((الحافظ الإمام الكبير الشهير، ... حافظ العصر)) (¬2). ويبدو أنّ الأمر الأكثر إيضاحاً لمكانة الحافظ العراقي نقولات شيوخه عنه وعودتهم إليه، والصدور عن رأيه، وكانوا يكثرون من الثناء عليه، ويصفونه بالمعرفة، من أمثال السبكي والعلائي وابن جماعة وابن كثير والإسنوي (¬3). ونقل الإسنوي عنه في " المهمات " وغيرها (¬4)، وترجم له في طبقاته (¬5) ولم يترجم لأحد من الأحياء سواه (¬6)، وصرّح ابن كثير بالإفادة منه في تخريج بعض الشيء (¬7). ومن بين الأمور التي توضّح مكانة الحافظ العراقي العلمية تلك المناصب التي تولاها، والتي لا يمكن أن تسند إليه لولا اتفاق عصرييه على أولويته لها، ومن بين ذلك: تدريسه في العديد من مدارس مصر والقاهرة مثل: دار الحديث الكاملية (¬8)، والظاهرية القديمة (¬9)، والقراسنقرية (¬10)، وجامع ابن طولون (¬11)، والفاضلية (¬12)، ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 220. (¬2) طبقات الحفاظ: 543. (¬3) الضوء اللامع 4/ 173. (¬4) المصدر السابق. (¬5) طبقات الشافعية، للإسنوي 2/ 78. (¬6) الضوء اللامع 4/ 173. (¬7) المصدر السابق. (¬8) طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 4/ 32. وهي مدرسة تنسب إلى بانيها الملك ... الكامل محمد بن الملك العادل (ت 622 هـ‍). انظر: خطط المقريزي 3/ 335. (¬9) الضوء اللامع4/ 174. ونسبتها إلى بانيها الملك الظاهر بيبرس. انظر: حسن المحاضرة 2/ 264. (¬10) الضوء اللامع 4/ 174. وتنسب إلى بانيها الأمير شمس الدين قراسنقر. انظر: خطط المقريزي 3/ 357. (¬11) الضوء اللامع 4/ 174. (¬12) طبقات الشافعية 4/ 32. ونسبتها إلى بانيها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني. انظر: خطط المقريزي 3/ 319، والخطط التوفيقية 6/ 12.

المبحث الخامس: شيوخه

وجاور مدةً بالحرمين (¬1). كما أنّه تولّى قضاء المدينة المنورة، والخطابة والإمامة فيها، منذ الثاني عشر من جُمَادَى الأولى سنة (788 هـ‍)، حتى الثالث عشر من شوال سنة (791 هـ‍)، فكانت المدة ثلاث سنين وخمسة أشهر (¬2). وفي سبيل جعل شخصية الحافظ العراقي بينة للعيان من جميع جوانبها، ننقل ما دبَّجه قلم تلميذه وخِصِّيصه الحافظ ابن حجر في وصفه شيخه، إذ قال في مجمعه (¬3): ((كان الشيخ منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام، طارحاً للتكلف، ضيق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لطيف المزاج، سليم الصدر، كثير الحياء، قلَّما يواجه أحداً بما يكرهه ولو آذاه، متواضعاً منجمعاً، حسن النادرة والفكاهة، وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام الليل، بل صار له كالمألوف، وإذا صلَّى الصبح استمر غالباً في مجلسه، مستقبل القبلة، تالياً ذاكراً إلى أن تطلع الشمس، ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر وستة شوال، كثير التلاوة إذا ركب ... ))، ثُمَّ ختم كلامه قائلاً: ((وليس العيان في ذلك كالخبر)). المبحث الخامس: شيوخه عرفنا فيما مضى أنَّ الحافظ العراقي منذ أن أكبَّ على علم الحديث؛ كان حريصاً على التلقي من مشايخه، وقد وفّرت له رحلاته المتواصلة سواء إلى الحج أو إلى بلاد الشام فرصة التنويع في فنون مشايخه والإكثار منهم. والباحث في ترجمته وترجمة شيوخه يجد نفسه أمام حقيقة لا مناص عنها، وهي أنَّ سمة الحديث كانت الطابع المميز لأولئك المشايخ، مما أدَّى بالنتيجة إلى تنّوع معارف ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 4/ 174. (¬2) إنباء الغمر 2/ 277، والضوء اللامع 4/ 174، وطبقات الحفاظ: 544. (¬3) المجمع المؤسس 90 / أ.

الحافظ العراقي وتضلّعه في فنون علوم الحديث، فمنهم من كان ضليعاً بأسماء الرجال، ومنهم من كان التخريج صناعته، ومنهم من كان عارفاً بوفيات الرواة، ومنهم من كانت في لغة الحديث براعته ... وهكذا. وهذا شيء نلمسه جلياً في شرحه هذا بجميع مباحثه، وذلك من خلال استدراكاته وتعقباته وإيضاحاته والفوائد التي كان يطالعنا بها على مرِّ صفحات شرحه الحافل. ومسألة استقصاء جميع مشايخه من نافلة القول - فضلاً عن كونها شبه متعذرة سلفاً - لاسيّما أنه لم يؤلف معجماً بأسماء مشايخه على غير عادة المحدّثين، خلافاً لقول البرهان الحلبي من أنه خرّج لنفسه معجماً (¬1). لذا نقتصر على أبرزهم، مع التزامنا بعدم إطالة تراجمهم: 1 - الإمام الحافظ قاضي القضاة علي بن عثمان بن إبراهيم المارديني، المشهور بـ ((ابن التركماني)) الحنفي، مولده سنة (683 هـ‍)، وتوفي سنة (750 هـ‍) لَهُ من التآليف: " الجوهر النقي في الرد عَلَى البَيْهَقِيّ "، وغيره (¬2). 2 - الشيخ الْمُسْنِد المعمر صدر الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي المصري، ولد سنة (664 هـ‍)، وهو آخر من روى عن النجيب الحراني، وابن العلاق، وابن عزون، توفي سنة (754 هـ‍) (¬3). 3 - الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي، ولد سنة (694 هـ‍)، وتوفي سنة (761 هـ‍)، له من التصانيف: " جامع التحصيل "، و " الوشي المعلم "، و " نظم الفرائد " وغيرها (¬4). 4 - الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قُليج بن عبد الله البكجري الحكري الحنفي، مولده سنة (689 هـ‍)، وقيل غيرها، برع في فنون ¬

_ (¬1) انظر: الضوء اللامع 4/ 174. (¬2) انظر ترجمته في: الجواهر المضية 1/ 366، والدرر الكامنة 3/ 6، ولحظ الألحاظ: 125. (¬3) انظر ترجمته في: الدرر الكامنة 4/ 274، والنجوم الزاهرة 10/ 291. (¬4) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى 6/ 104، وطبقات الإسنوي 2/ 239، والدارس 1/ 59.

المبحث السادس: تلامذته

الحديث، وتوفي سنة (762 هـ‍)، من تصانيفه: ترتيب كتاب بيان الوهم والإيهام وسمّاه: " منارة الإسلام "، ورتّب المبهمات على أبواب الفقه، وله شرح على صحيح البخاري، وتعقّبات على المزي، وغيرها (¬1). 5 - الإمام العلاّمة جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي، شيخ الشافعية، ولد سنة (704 هـ‍)، وتوفي سنة (777 هـ‍)، له من التصانيف: "طبقات الشافعية" و "المهمات" و "التنقيح" وغيرها (¬2). المبحث السادس: تلامذته تبين مما تقدّم أنّ الحافظ العراقي بعد أن تبوأ مكان الصدارة في الحديث وعلومه، وأصبح المعوّل عليه في فنونه، بدأت أفواج طلاب الحديث تتقاطر نحوه، ووفود الناهلين من معينه تتجه صوبه، لاسيّما وقد أقرَّ له الجميع بالتفرد بالمعرفة في هذا الباب، لذا كانت فرصة التتلمذ له شيئاً يعدّه الناس من المفاخر، والطلبةُ من الحسنات التي لا تجود بها الأيام دوماً. والأمر الآخر الذي يستدعي كثرة طلبة الحافظ العراقي كثرة مفرطة، أنه أحيا سنة إملاء الحديث - على عادة المحدّثين - بعد أن كان درس عهدها منذ عهد ابن الصلاح، فأملى مجالس أربت على الأربع مئة مجلس، أتى فيها بفوائد ومستجدات ((وكان يمليها من حفظه متقنة مهذّبة محرّرة كثيرة الفوائد الحديثية)) على حد تعبير ابن حجر (¬3). لذا فليس من المستغرب أن يبلغوا كثر كاثرة يكاد يستعصي على الباحث سردها، إن لم نقل إنها استعصت فعلاً، فضلاً عن ذكر تراجمهم، ولكن القاعدة تقول: ((ما لا ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الدرر الكامنة 4/ 352، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني: 133، طبقات الحفاظ: 538. (¬2) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 198، والدرر الكامنة 2/ 463، وحسن المحاضرة 1/ 429. (¬3) المجمع المؤسس 200/أ.

يدرك كلّه لا يترك جلّه)) وانسجاماً معها نعرّف تعريفاً موجزاً بخمسة من تلامذته كانوا بحقّ مفخرة أيامهم، وهم: 1 - الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي، مولده سنة (725هـ‍)، وهو من أقران العراقي، برع في الفقه، وله مشاركة في باقي الفنون، توفي سنة (802 هـ‍)، من تصانيفه: " الشذا الفياح من علوم ابن الصَّلاح "، وغيره (¬1). 2 - الإمام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي القاهري، ولد سنة (735 هـ‍)، وهو في عداد أقرانه أيضاً، ولكنه اختص به وسمع معه، وتخرّج به، وهو الذي كان يعلّمه كيفية التخريج، ويقترح عليه مواضيعها، ولازم الهيثمي خدمته ومصاحبته، وصاهره فتزوج ابنة الحافظ العراقي، توفي سنة (807 هـ‍)، من تصانيفه: " مجمع الزوائد " و " بغية الباحث " و " المقصد العلي " و " كشف الأستار " و " مجمع البحرين " و " موارد الظمآن "، وغيرها (¬2). 3 - ولده: الإمام العلاّمة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأصل المصري الشافعي، ولد سنة (762 هـ‍)، وبكّر بِهِ والده بالسماع فأدرك العوالي، وانتفع بأبيه غاية الانتفاع، ودرّس في حياته، توفي سنة (826 هـ‍)، من تصانيفه: "الإطراف بأوهام الأطراف"، و "تكملة طرح التثريب "، و " تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل "، وغيرها (¬3). 4 - الإمام الحافظ برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي المشهور بسبط ابن العجمي، مولده سنة (753هـ‍)، رحل وطلب وحصّل، وله كلام لطيف على الرجال، توفي سنة (841 هـ‍)، من تصانيفه: " حاشية على الكاشف " للذهبي، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 5، وإنباء الغمر 2/ 112. (¬2) انظر في ترجمته: إنباء الغمر 2/ 309، ولحظ الألحاظ: 239، والضوء اللامع 5/ 200، وحسن المحاضرة 1/ 362. (¬3) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 80، ولحظ الألحاظ: 284، والضوء اللامع 1/ 336، وحسن المحاضرة 1/ 363.

المبحث السابع: آثاره العلمية

و " نثل الهميان " (¬1)، و "التبيين في أسماء المدلّسين"، و "الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط" وغيرها (¬2). 5 - الإمام العلاّمة الحافظ الأوحد شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المعروف بابن حجر، ولد سنة (773 هـ‍)، طلب ورحل، وألقى إليه الحديث والعلم بمقاليده، والتفرد بفنونه، توفي سنة (852 هـ‍)، من تصانيفه: " فتح الباري "، و "تهذيب التهذيب"، و " تقريب التهذيب " و" نزهة الألباب "، وغيرها (¬3). المبحث السابع: آثاره العلمية لقد عرف الحافظ العراقي أهمية الوقت في حياة المسلم، لذا فقد عمل جاهداً على توظيف الوقت بما يخدم السنة العزيزة، بحثاً منه أو مباحثة مع غيره فكانت ((غالب أوقاته في تصنيف أو إسماع)) كما يقول السخاوي (¬4)، لذا كثرت تصانيفه وتنوعت، مما حدا بنا -من أجل جعل البحث أكثر تخصصاً- إلى تقسيمها على قسمين: قسم خاصّ بمؤلفاته التي تتعلق بالحديث وعلومه، وقسم يتضمن مؤلفاته في العلوم الأخرى، وسنبحث كلاً منهما في مطلب مستقل. المطلب الأول: مؤلفاته فيما عدا الحديث وعلومه تنوعت طبيعة هذه المؤلفات ما بين الفقه وأصوله وعلوم القرآن، غير أنَّ أغلبها كان ذا طابع فقهي، يمتاز الحافظ فيه بالتحقيق، وبروز شخصيته مدافعاً مرجّحاً موازناً بين الآراء. ¬

_ (¬1) وفي خزانتنا نسخة منه بخط مؤلفها مصورة عن دار الكتب المصرية برقم (23346 ب). (¬2) انظر في ترجمته: لحظ الألحاظ: 308، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي: 379، وشذرات الذهب7/ 237. (¬3) انظر ترجمته في: لحظ الألحاظ: 326، والضوء اللامع 2/ 36، وحسن المحاضرة1/ 363. (¬4) الضوء اللامع 4/ 175.

على أنَّ الأمر الذي نأسف عليه هو أنَّ أكثر مصنفاته فُقدت، ولسنا نعلم سبب ذلك، وقد حفظ لنا مَنْ ترجم له بعض أسماء كتبه، تعين الباحث على امتلاك رؤية أكثر وضوحاً لشخص هذا الحافظ الجليل، وإلماماً بجوانب ثقافته المتنوعة المواضيع. ومن بين تلك الكتب: 1 - أجوبة ابن العربي (¬1). 2 - إحياء القلب الميت بدخول البيت (¬2). 3 - الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد (¬3). 4 - أسماء الله الحسنى (¬4). 5 - ألفية في غريب القرآن (¬5). 6 - تتمات المهمات (¬6). 7 - تاريخ تحريم الربا (¬7). 8 - التحرير في أصول الفقه (¬8). 9 - ترجمة الإسنوي (¬9). ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 231، ولا نعلم شيئاً أكثر من هذا عنه. (¬2) لحظ الألحاظ: 231، وذكره محقق شرح التبصرة 1/ 18 باسم: " إحياء القلب الميت بأحكام دخول البيت "، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (3854). (¬3) له نسخة خطية فريدة كتبت سنة (900 هـ‍) محفوظة في مكتبة رضا برامبور برقم [ M 5642 (2684)]. انظر: الفهرس الشامل (الفقه وأصوله) 1/ 395. (¬4) ذكره محقق شرح التبصرة 1/ 18، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (3854). (¬5) ذكر صاحب معجم المطبوعات العربية 1/ 901، 2/ 1218، أنها طبعت بهامش تفسير أبي محمد عبد العزيز المسمى: " التيسير في علم التفسير " ورد عليه محقق شرح التبصرة 1/ 16: بأنَّ المطبوعة هي لولده، ولا نعلم أحداً ذكر مثل هذا لأبي زرعة ولد العراقي. (¬6) الضوء اللامع 4/ 173، وكشف الظنون 1/ 930 و 2/ 1915 باسم: " مهمات المهمات ". (¬7) المجمع المؤسس: 89 / ب. (¬8) الأعلام 3/ 119. (¬9) الدرر الكامنة 2/ 355، ولحظ الألحاظ: 231.

10 - تفضيل زمزم على كلّ ماء قليل زمزم (¬1). 11 - الرد على من انتقد أبياتاً للصرصري في المدح النبوي (¬2). 12 - العدد المعتبر في الأوجه التي بين السور (¬3). 13 - فضل غار حراء (¬4). 14 - القرب في محبة العرب (¬5). 15 - قرة العين بوفاء الدين (¬6). 16 - الكلام على مسألة السجود لترك الصلاة (¬7). 17 - مسألة الشرب قائماً (¬8). 18 - مسألة قصّ الشارب (¬9). 19 - منظومة في الضوء المستحب (¬10). 20 - المورد الهني في المولد السني (¬11). 21 - النجم الوهاج في نظم المنهاج (¬12). 22 - نظم السيرة النبوية (¬13). ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 231. (¬2) مقدمة محقق شرح التبصرة1/ 18، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (3854). (¬3) إيضاح المكنون 2/ 96، وهدية العارفين 1/ 562. (¬4) لحظ الألحاظ: 231. (¬5) طبع أكثر من مرة. (¬6) لحظ الألحاظ: 231. (¬7) لحظ الألحاظ: 231. (¬8) لحظ الألحاظ: 231. (¬9) لحظ الألحاظ: 231. (¬10) كشف الظنون2/ 1867. وقارن بفهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية (فقه شافعي): 262 - 263. (¬11) لحظ الألحاظ: 231. (¬12) المجمع المؤسس: 89 / ب. (¬13) ذكرها غير واحد، وفي خزانة مخطوطاتنا نسخة من شرحها لتلميذه سبط ابن العجمي، وأخرى من شرح المناوي.

المطلب الثاني: مؤلفاته في الحديث وعلومه

23 - النكت على منهاج البيضاوي (¬1). 24 - هل يوزن في الميزان أعمال الأولياء والأنبياء أم لا؟ (¬2). المطلب الثاني: مؤلفاته في الحديث وعلومه هذه الناحية من التصنيف كانت المجال الرحب أمام الحافظ العراقي ليظهر إمكاناته وبراعته في علوم الحديث ظهوراً بارزاً، يتجلى لنا ذلك من تنوع هذه التصانيف، التي بلغت (42) مصنفاً تتراوح حجماً ما بين مجلدات إلى أوراق معدودة، وهذه التصانيف هي: 1 - الأحاديث المخرّجة في الصحيحين التي تُكُلِّمَ فيها بضعف أو انقطاع (¬3). 2 - الأربعون البلدانية (¬4). 3 - أطراف صحيح ابن حبان (¬5). 4 - الأمالي (¬6). 5 - الباعث على الخلاص من حوادث القصاص (¬7). 6 - بيان ما ليس بموضوع من الأحاديث (¬8). 7 - تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي (¬9). ¬

_ (¬1) الأعلام 3/ 119. (¬2) مقدمة محقق شرح التبصرة 1/ 18، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (3854). (¬3) ذكره العراقي نفسه في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 159 بتحقيقنا، وفي التقييد والإيضاح: 33 وقد أشار البقاعي في نكته 48/أ: إلى أنه لم يبيض، وأن مسوّدته عدمت. (¬4) لحظ الألحاظ: 225. (¬5) لحظ الألحاظ: 232. (¬6) توجد بعض المجالس منها بظاهرية دمشق برقم (مجموع 51) وحديث (359). انظر: الفهرس الشامل 1/ 242، وَقَدْ طبعت. (¬7) وهو مطبوع. (¬8) ذكره السخاوي في فتح المغيث 1/ 256، ومنه نسخة في مكتبة السيد صبحي السامرائي. (¬9) وهو متن هذا الكتاب، وقد اشتهر باسم: " ألفية الحديث ". وقد طبع مفرداً بتحقيقنا.

8 - ترتيب من له ذكر أو تجريح أو تعديل في بيان الوهم والإيهام (¬1). 9 - تخريج أحاديث منهاج البيضاوي (¬2). 10 - تساعيات الميدومي (¬3). 11 - تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد (¬4). 12 - التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كِتَاب ابن الصلاح (¬5). 13 - تكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس (¬6). 14 - جامع التحصيل في معرفة رواة المراسيل (¬7). 15 - ذيل على ذيل العبر للذهبي (¬8). 16 - ذيل على كتاب أُسد الغابة (¬9). 17 - ذيل مشيخة البياني (¬10). 18 - ذيل مشيخة القلانسي (¬11). 19 - ذيل ميزان الاعتدال للذهبي (¬12). ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 232. (¬2) توجد منه أربع نسخ خطية. الفهرس الشامل 1/ 351. (¬3) منه نسختان خطيتان. الفهرس الشامل 1/ 101، 375. (¬4) وهو متن كتابه الآتي "طرح التثريب"، ولهذا المتن عدة نسخ خطية. المعجم الشامل 1/ 393. (¬5) طبع طبعة هي إلى السقم أقرب، ونحن في طريقنا إلى طبعه محققاً تحقيقاً يليق بمكانة المؤلف ونفاسة الكتاب. (¬6) وله عدة نسخ خطية. الفهرس الشامل 1/ 402. (¬7) منه نسخة خطية في مكتبة راغب باشا برقم (236). انظر: الفهرس الشامل 1/ 658 ولعل هذا الكتاب هو نفسه الذي ذكره ابن فهد باسم " الإنصاف " وهو نفسه الذي ذكره حاجي خليفة باسم " ذيل العراقي على هوامش كتاب العلائي جامع التحصيل ". انظر: لحظ الألحاظ: 231، وكشف الظنون1/ 89. (¬8) ذكره ولده أبو زرعة في ذيله على العبر 1/ 49. (¬9) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 6. (¬10) الدرر الكامنة 3/ 295، والنجوم الزاهرة 11/ 89، وكشف الظنون 2/ 1696. (¬11) الدرر الكامنة 4/ 235. (¬12) طبع بتحقيق السيد صبحي السامرائي في مؤسسة الرسالة، سنة 1409 هـ‍- 1989 م.

20 - ذيل على وفيات ابن أيبك (¬1). 21 - رجال سنن الدارقطني (¬2). 22 - رجال صحيح ابن حبان (¬3). 23 - شرح التبصرة والتذكرة (¬4). 24 - شرح تقريب النووي (¬5). 25 - طرح التثريب في شرح التقريب (¬6). 26 - عوالي ابن الشيخة (¬7). 27 - عشاريات العراقي (¬8). 28 - فهرست مرويات البياني (¬9). 29 - الكلام على الأحاديث التي تُكُلِّمَ فيها بالوضع، وهي في مسند الإمام أحمد (¬10). 30 - الكلام على حديث: التوسعة على العيال يوم عاشوراء (¬11). 31 - الكلام على حديث: صوم ستٍّ من شوال (¬12). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 240. (¬2) لحظ الألحاظ: 233، وأشار فيه إلى عدم تمامه. (¬3) لحظ الألحاظ: 232، وأشار فيه إلى عدم تمامه. (¬4) حققناه على مجموعة من النسخ الخطية والمطبوعة، وهو جاهز للطبع في ثلاث مجلدات. (¬5) كشف الظنون 1/ 465. (¬6) طبع قديماً؛ لكن الذي يجب ملاحظته أن قسماً من الشرح أتمه ولده الحافظ ولي الدين أبو زرعة. (¬7) كشف الظنون 2/ 1178. (¬8) منه نسختان خطيتان. انظر: الفهرس الشامل 1/ 104، وذكرها ابن حجر في المجمع المؤسس: 89/ب، وغيره. (¬9) الدرر الكامنة 3/ 295. (¬10) التقييد والإيضاح: 57، وتعجيل المنفعة: 6، والقول المسدد: 6. وتوجد في مكتبة رضا برامبور [1985 (874)] رسالة للحافظ العراقي باسم " رسالة في نقد مسند أحمد "، وغالب ظننا أنها هذا الكتاب نفسه، ولم نطلع عليها لنجزم بذلك. (¬11) لحظ الألحاظ: 231، والمقاصد الحسنة: 431، واللآلئ المصنوعة 2/ 112. (¬12) لحظ الألحاظ: 231.

المبحث الثامن: وفاته

32 - الكلام على حديث: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه (¬1). 33 - الكلام على حديث: الموت كفّارة لكل مسلم (¬2). 34 - الكلام على الحديث الوارد في أقل الحيض وأكثره (¬3). 35 - المستخرج على مستدرك الحاكم (¬4). 36 - معجم مشتمل على تراجم جماعة من القرن الثامن (¬5). 37 - المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار (¬6). 38 - مشيخة عبد الرحمان بن علي المصري المشهور بابن القاريء (¬7). 39 - مشيخة محمد بن محمد المربعي التونسي وذيلها (¬8). 40 - من روى عن عمرو بن شعيب من التابعين (¬9). 41 - من لم يروِ عنهم إلا واحد (¬10). 42 - نظم الاقتراح (¬11). المبحث الثامن: وفاته تتفق المصادر التي بين أيدينا على أنَّه في يوم الأربعاء الثامن من شعبان سنة (806هـ‍) فاضت روح الحافظ العراقي عقيب خروجه من الحمام عن عمر ناهز الإحدى ¬

_ (¬1) لحظ الألحاظ: 231. (¬2) المغني عن حمل الأسفار 4/ 383 بهامش الإحياء، ولحظ الألحاظ: 231. (¬3) لحظ الألحاظ: 232. (¬4) المجمع المؤسس: 89 / ب، ولحظ الألحاظ: 233، والضوء اللامع 4/ 174. (¬5) لحظ الألحاظ: 232. (¬6) طبع بهامش إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وطبعة أخرى مستخرجة مع تخريجات السبكي والزبيدي بعناية محمود الحداد. (¬7) إنباء الغمر 1/ 86. (¬8) الدرر الكامنة 4/ 247. (¬9) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 75. (¬10) تدريب الراوي 1/ 319. (¬11) منه نسخة خطية في مكتبة لاله لي برقم (392 ( WEISW)).

وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلّى عليه الشيخ شهاب الدين الذهبي ودفن خارج القاهرة (¬1) رحمه الله. ولما تمتع به الحافظ العراقي في نفوس الناس، فقد توجع لفقده الْجَمِيْع، ومن صور ذلك التوجع أن العديد من محبيه قد رثاه بغرر القصائد، ومنها قول ابن الجزري (¬2): رحمة الله للعراقي تترى ... حافظ الأرض حبرها باتفاق إنني مقسم أليَّة صدق ... لم يكن في البلاد مثل العراقي ومنها قصيدة ابن حجر ومطلعها (¬3): مصاب لم ينفّس للخناق ... أصار الدمع جاراً للمآ قي ومن غرر شعر ابن حجر في رثاء شيخه العراقي قوله في رائيته التي رثا بها شيخه البلقيني: نعم ويا طول حزني ما حييت على ... عبد الرحيم فخري غير مقتصر (¬4) لهفي على حافظ العصر الذي اشتهرت ... أعلامه كاشتهار الشمس في الظهر علم الحديث انقضى لَمَّا قضى ومضى ... والدهر يفجع بعد العين بالأثر لَهفي على فَقْدِ شيخَيَّ اللذان هما ... أعزّ عِنديَ من سمعي ومن بصري لَهْفِيْ على من حديثي عن كمالهما ... يحيي الرميم ويلهي الحي عن سمر اثنانِ لَمْ يرتقِ النسران ما ارتقيا ... نسر السما إن يلح والأرض إن يطر ذا شبه فرخ عقاب حجة صدقت ... وذا جهينة إن يسأل عن الخبر لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتى الشهر كالشهر عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر ¬

_ (¬1) غاية النهاية 1/ 382، وإنباء الغمر 2/ 277، ولحظ الالحاظ: 235، والضوء اللامع 4/ 177، وحسن المحاضرة 1/ 360، والبدر الطالع 1/ 356. (¬2) الضوء اللامع 4/ 176. (¬3) انظر القصيدة كاملة في إنباء الغمر 2/ 278. (¬4) هكذا البيت في الأصل، وهو غير مستقيم الوزن.

الفصل الثاني: " التبصرة والتذكرة "

الدين تتبعه الدنيا مضت بهما ... رزية لم تهن يوما على بشر بالشمس وهو سراج الدين يتبعه ... بدر الدياجي زين الدين في الأثر (¬1) الفصل الثَّانِي: " التبصرة والتذكرة " المبحث الأول: اسمها سبق لَنَا عندما حَقَّقنا " شرح التبصرة والتذكرة " للحافظ العراقي - بحمد الله وفضله - أنْ رجَّحنا أن اسم نظم العراقي لألفيته " التبصرة والتذكرة " (¬2)، ولا بأس أن نعيده هنا، ولاسيَّما وقَدْ استجدَّت أشياء أُخَر. اشتهرت هذِهِ المنظومة بَيْن عوام الناس ودهمائهم، بَلْ بَيْن علمائهم ومختصيهم - خطأً - باسم ألفية الحَدِيْث (¬3)، ولعل هَذَا كَانَ من باب التجوز محاكاة لألفية ابن معطٍ وابن مَالِك في النحو، فإن النَّاظِم لَمْ يصرح البتة في نظمه بأنه جعلها ألفية، وما هَذَا إلا لمغزى لَمْ يغب عَنْ ذهن الحافظ العراقي، وَلَمْ يأت من باب الاتفاق وعدم القصد، فلقد كَانَ يقصد هَذَا فعلاً من خلال الواقع، إذ زادت أبيات النظم عَلَى الألف ببيتين (¬4)، وهذه الالتفاتة قلَّ مَنْ تَنبَّه عليها: وَهِيَ السرُّ في عدم قوله في النظم: إنها ألفية، عَلَى الرغم من أنه قَالَ ذَلِكَ في الشرح (¬5) من باب التغليب. وزاد بعضهم (¬6) الطين بلة -كَمَا يَقُول القدامى- بأن وضع لها اسماً فسمَّاها: "نظم الدرر في علم الأثر"، وَلَسنا ندري من أين جاء بهذا الاسم؟ ‍! ¬

_ (¬1) انظر القصيدة كاملة في: حسن المحاضرة 1/ 330 - 335. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 77 - 78. (¬3) كشف الظنون 1/ 176. (¬4) انظر: تحقيقنا للتبصرة والتذكرة، وَقَدْ أفردناها. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 102. (¬6) هو الكتاني في الرسالة المستطرفة: 215.

ولسنا نرى هَذَا إلاَّ محض تخليط وتداخل في المسمَّيات، فالذي نعرفه ويعرفه المدقِّقون المنقبون في هَذَا المجال أن "نظم الدرر في علم الأثر" إنما هُوَ علم عَلَى نظم السيوطي لا العراقي والذي يدفعنا إلى القطع بهذا قَوْل السيوطي في شرحه المسمَّى " البحر الذي زخر" (¬1): ((فإني نظمت في علم الحَدِيْث ألفية سميتها: " نظم الدرر في علم الأثر")). وَقَالَ بعدها بقليل: ((فتخيرت لَهُمْ هذِهِ العجالة وسميتها: " قطر الدرر عَلَى نظم الدُّرر)) (¬2). والذي نجزم بِهِ يقيناً أن نظم العراقي اسمه " التبصرة والتذكرة " لما يأتي: 1. قول الحافظ العراقي: 5 - نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي والْمُسْنِدِ (¬3) 2. قول السخاوي في شرح هَذَا البيت: ((وأشير بـ" التبصرة والتذكرة " إلى لقب هذِهِ المنظومة)) (¬4). 3. قَوْل الْقَاضِي زكريا الأنصاري: ((وبعد: فإن ألفية علم الحَدِيْث المسماة بـ"التبصرة والتذكرة" ... الخ كلامه)) (¬5). 4. وقول الْقَاضِي أيضاً في شرح البيت السابق: ((وأشار بـ" التبصرة والتذكرة " إلى اسم منظومته)) (¬6). وَهُوَ الاسم الذي طبعناها بِهِ، وطبعنا شرح الحافظ العراقي تبعاً لِذلِكَ باسم: " شرح التبصرة والتذكرة ". ¬

_ (¬1) 1/ 223. (¬2) 1/ 224. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105 رقم البيت (5). (¬4) فتح المغيث 1/ 22. (¬5) فتح الباقي 1/ 85 بتحقيقنا. (¬6) فتح الباقي 1/ 93.

المبحث الثاني: أصلها

المبحث الثَّانِي: أصلها بات من الضروري في بحث المختصرات التحدث عَنْ أصولها ليتسنى للباحث الإحاطة بجوانب الأمور، وَلَمِّ شعثها وجمع متفرقها. والحق أن طريقة الاختصار عَنْ طريق النظم - لا سيَّما في القرن الثامن الذي عاش فِيهِ الحافظ العراقي - لَمْ تعد طريقة مستغربة أو أمراً مستبدعاً، أو مقصوراً عَلَى علم الحَدِيْث، بَلْ الحق أنه لَمْ يعد هناك فن من فنون العلوم والمعارف عَلَى اختلاف أجناسها وأنواعها إلا وَقَدْ نظمت فِيهِ العديد من المنظومات التي تشابه في فكرتها منظومة الحافظ العراقي. ولعل من أوثق طرق تحديد أصل تِلْكَ المنظومات نص المختصر عَلَى ذَلِكَ، وممن فعل ذَلِكَ الحافظ العراقي إذ يَقُول في " التبصرة والتذكرة " (¬1): 6 - لَخَّصْتُ فيهَا ابْنَ الصَّلاحِ أَجْمَعَهْ ... وَزِدْتُهَا عِلْماً تَرَاهُ مَوْضِعَهْ وقال في شرح هَذَا البيت: ((وقوله: لخصت فِيْهَا ابن الصَّلاح، أي: كِتَاب ابن الصَّلاح، والمراد: مسائله وأقسامه دُوْنَ الكثير من أمثلته وتعاليله ونسبة أقوال لقائليها وما تكرر فِيهِ)) (¬2). وهكذا بدا واضحاً بصورة جلية أن أصل " التبصرة والتذكرة " هُوَ كِتَاب ابن الصَّلاح " مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث " (¬3)، مَعَ شيء من الزيادات العلمية التي تتصل بالمواضع الرئيسة في الكِتَاب، لا بالأمثلة والشواهد حسب. ¬

_ (¬1) البيت رقم (6). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106. (¬3) وهذا هو اسمه الصحيح، الذي سماه به مؤلفه ابن الصلاح، وقد حققنا صحة هذه التسمية فيما كتبنا عنه عندما حققناه، ولله الحمد.

المبحث الرابع: اهتمام العلماء بها

المبحث الثَّالِث: التبصرة والتذكرة، لماذا؟ برز إلى ساحة التأليف تيار جديد في الشعر العربي يدعى "الشعر التعليمي" وَهُوَ نمط من أنماط الشعر يفتقر في معانيه إلى مادة الشعر الأصيلة من الصور والأحاسيس والأخيلة؛ لذا فَهُوَ لا يملك من الشعر إلا اسمه والأوزان والقوافي وقواعد علم العروض، غَيْر أنه في المقابل غني في الجوانب العلمية التي يتناولها، ويمتاز بأن هدفه إيصال فكرة مكثفة بعبارة قصيرة. ولعل هذِهِ الميزات هِيَ التي دفعت بهذا النمط إلى أرض الوجود، ومن ثَمَّ انتشاره عَلَى ميدان واسع في مجال العلوم، وَهُوَ الغرض نَفْسه الذي دفع بالحافظ العراقي إلى نظم كِتَاب ابن الصَّلاح بهذه الأرجوزة، تسهيلاً لطلاب هَذَا العِلْم في حفظ مباحثه والتعرف عَلَى مَا قِيلَ فِيْهَا. ولربما كَانَ هناك دافع آخر حدا بالحافظ العراقي لأنْ يضمن مباحث كِتَاب ابن الصَّلاح في أرجوزته، هُوَ مَا وقع فِيهِ ابن الصَّلاح من وهم نتيجة تقليده للحاكم أبي عَبْد الله، وما كَانَ لَهُ من استدراكات عَلَى ابن الصَّلاح كمَّلت جوانب المواضيع، ثُمَّ الجواب عَنِ الاعتراضات التي وجهها بعضهم لابن الصَّلاح، لا سيَّما أن الحافظ العراقي سبق لَهُ أن كتب نكتاً عَلَى كِتَاب ابن الصَّلاح وَهِيَ المشهورة باسم "التقييد والإيضاح "؛ لذا إننا نجد غالب المادة العلمية التي أضافها عَلَى ابن الصَّلاح قَدْ ضمَّنها أرجوزته، فهي حلقة في سبيل تكميل عرض لمباحث هَذَا العِلْم، خالياً -عَلَى قدر الطاقة - من الإخلال والنقص. المبحث الرابع: اهتمام العُلَمَاء بِهَا نظراً لما تمتعت به ألفية العراقي من جزالة الأسلوب، وثراء المعاني، وسلاسة الألفاظ، وترتيب الأفكار والموضوعات، فقد أصبحت ديدن طلاب هذا العلم والمشتغلين فيه، لاسيما وقد كان وكْدُ الناظم الأول تلخيص كتابٍ هو العمدة في هذا الباب، ألا وهو كتاب ابن الصلاح. فلم يكن بدعاً من الأمر أن يتوالى عليها الشراح، ويضعون عصارة أفكارهم، درراً نفيسة تحلي جيدَ الألفية، وتلبسها ثوباً قشيباً تقرُّ به عين ناظمها، ومن ثمَّ عيون

المحبين لهذا العلم الشريف. ولا غرو هناك أن تختلف طبائع هذه الشروح تبعاً لتمرس الشارح في هذا العلم، وتذوقه لحلاوة النقد والتعليل، والتخريج والتأصيل، وإفادته في المجال العلمي الذي يبرع فِيْهِ، ولعلنا لا نغادر أرض الواقع والحقيقة إذا قلنا: إنَّ شرح الحافظ العراقي من أكثر الشروح أصالة في مادته العلمية، وأوفرها إغناءً لجوانب البحث العلمي، سواء أكان في مجاله الأصيل، أم في المجالات الطارئة الأخرى، لغوية كانت أم نحوية، وسواء أكان توضيحه لتلك المباحث بشكل مطول أم مختزل؟ ثمَّ إن تلك الشروح تختلف طولاً واختصاراً حسب إشباع الشارح للمادة العلمية، وتبعاً لِمَقْدِرَتِهِ، ونحن في صدد عرضنا لأهم شروح الألفية نود التنبيه على أن تحقيقنا لهذا الشرح ليس الأخير في بابه، بل ستصدر قريباً شروح محققة على غرار هذا الشرح - إن شاء الله تعالى -. وأهم هذه الشروح: 1 - الشرح الكبير، للناظم الحافظ أبي الفضل زين الدين عبد الرحيم ابن الحسين العراقي (806 هـ‍) (¬1). 2 - الشرح المتوسط، وَهُوَ كِتَاب " شرح التبصرة والتذكرة " (¬2). 3 - النكت الوفية بما في شرح الألفية، للبقاعي: إبراهيم بن عمر بن حسن (885هـ‍) (¬3). 3 - شرح ألفية العراقي، لابن العيني زين الدين أبي محمد عبد الرحمان ابن أبي بكر بن محمد الحنفي (893 هـ‍) (¬4). 5 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للحافظ شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمان بن محمد السخاوي (902 هـ‍) (¬5). ¬

_ (¬1) لم يتم المصنِّف هذا الشرح، قال البقاعي في نكته (3 / ب): ((لم يوجد منه إلا قطعة يسيرة وصل فيها إلى الضعيف)). (¬2) حققناه في ثلاث مجلدات، وَهُوَ قيد النشر. (¬3) حققت من قبل خبير خليل عبد الكريم-رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (¬4) منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية بالقاهرة (قسم حماية التراث)، برقم (402). (¬5) طبع عدة طبعات، لا تخلو من مقال. وقد أعددناه للطبع على غرار هذا الشرح.

6 - شرح ألفية الحديث، للحافظ جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمان ابن أبي بكر السيوطي (911 هـ‍) (¬1). 7 - فتح الباقي على ألفية العراقي، لقاضي القضاة زين الدين أبي يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنكي ثم القاهري (926 هـ‍) (¬2) 8 - شرح ألفية العراقي، لأمير بادشاه: شمس الدين محمد أمين بن محمود البخاري الحسيني (972 هـ‍) (¬3). 9 - شرح ألفية العراقي، للمناوي: زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين (1031 هـ‍) (¬4). 10 - شرح ألفية العراقي، للأجهوري: نور الدين أبي الإرشاد عَلِيّ بن مُحَمَّد ابن عبد الرحمان بن علي المالكي (1066 هـ‍) (¬5). 11 - نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، للدمنهوري: أحمد بن عبد المنعم ابن يوسف بن صيام (1192 هـ‍) (¬6). 12 - شرح ألفية العراقي لابن كيران أبي عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام الفاسي (1227 هـ‍) (¬7). 13 - معراج الراقي لألفية العراقي، للبطاوري: المكي بن محمد بن علي الرباطي (1354 هـ‍) (¬8). ¬

_ (¬1) حقق من قبل الطالبين عبد الله كريم، وحسن علي لرسالتي ماجستير في جامعة بغداد، وهو قيد الطبع. (¬2) وهو كتابنا هذا وسيأتي الكلام عنه مفصلاً. (¬3) منه نسختان خطيتان في إستانبول، الأولى في مكتبة شهيد علي باشا برقم (340)، والثانية في مكتبة محمد مراد (مراد ملا) برقم (329). (¬4) منه نسخة خطية في مكتبة رشيد الدحداح في برلين برقم (6 1. 83896 Z). (¬5) توجد في إستانبول نسختان خطيتان منه، الأولى في مكتبة حسن حسني برقم (267)، والثانية في مكتبة عاطف أفندي برقم (372). (¬6) شرح فيه مؤلفه أربعة أبيات فقط من الألفية تختص بالضعيف وتقسيماته، ومن الكِتَاب ثلاث نسخ خطية في دار الكتب المصرية بالقاهرة، وأرقامها: (166 تيمور) و (22 م) و (304). (¬7) في مكتبة الخزانة العامة بالرباط (الجلاوي) نسخة خطية منه تحت الرقم (559). (¬8) توجد في الخزانة العامة في الرباط نسختان خطيتان منه، الأولى برقم 3/ 1 / 65 (1821 د) والثانية برقم 3/ 1 / 65 (1851).

المبحث الخامس: الدراسة العروضية لـ" التبصرة " نظم الحافظ العراقي ألفيته هذه على بحر الرجز ووزنه: مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ ... مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ وهو بحرٌ كثيرةٌ أوزانُهُ، متعددةٌ ضروبُهُ، واسعةٌ زحافاتُهُ وهو عَذبُ الوزن واضحه؛ إذ هُوَ من البحور ذات التفعيلة الواحدة مكرَّرُها، كَمَا أن في كثرة زحافاته مجالاً لإرادة التصرف في الكلام، وسعةً في إقامة الجمل؛ إذ ليس بمستطاعٍ لشاعر الإتيان بثلاثة مقاطع قصيرة متتابعة في غير (مُتَعِلُنْ ب ب ب-) إحدى أشكال تفعيلة الرجز (مستفعلن - - ب -)، فضلاً عن أشكال (مُسْتَفْعِلُنْ) الأخرى مثل: (متفعلن ب - ب -) و (مُسْتَعِلنْ - ب ب -) و (مُسْتَفْعِلْ - - -). . . الخ. وهذا من غَيْر شكّ تارك للناظم الفرصة واسعة في النَّظْم والتصرف في التعبير بحسب متطلبات المَعْنَى، ولَمَّا كَانَ النظم في المتون العلمية في مسيس الحاجة لهكذا سعة في الجوازات، رُئِي أكثرها منظوماً عَلَى هَذَا البحر، هَذَا الأمر الذي أفاد مِنْهُ الحافظ العراقي في نظمه للتبصرة فجاءت عَلَى هَذَا البحر بكل أشكاله وتفعيلاته، بل لا يكاد بيت يشبه سابقاً له أو لاحقاً في وزن أو ضرب لكثرة ما أفاده من هذا التعدد في أشكال البحر، فقد جاء ضرب البيت الأول (مُسْتَعِلُنْ - ب ب -)، والثاني (مَفْعُوْلُنْ - - -)، والثالث (مُتَفْعِلُنْ ب - ب -)، والرابع (فعولن ب - -)، والخامس (مُسْتَفْعِلُنْ - - ب -) وهكذا دواليك، هذه الإفادة من الحافظ تركت له الفرصة واسعة للتعبير على حساب الجمال الصوتي والتناسب بين الأبيات، فقد جاءت بعض الانتقالات بين هذا الشكل أو ذاك قوية ثقيلة تركت تبايناً صوتياً واضحاً في أذن المستمع، وإن كان مثل هذا مغتفراً في المتون العلمية، إذ ليس من وَكْدِ الناظم فيها جمال الإيقاع بقدر تحقيق الدقة العلمية في وزن صحيح مقبول. وعوداً إلى بحر الرجز وما يحققه من سعة في التصرف ضمن القالب الشعري، فإنّ التقفية الداخلية المستعملة في المتون العلمية تعدّ شكلاً آخر من أشكال الحرية في صياغة العبارة العلمية في قالب شعري، فالقافية التي طالما كانت شكلاً لازماً في القصيدة العربية

تفرض نفسها نمطاً صوتياً يتحكم في صياغة البيت الشعري كلّه، الأمر الذي يفرض على الشاعر نهاية صوتية واجبة التحقيق، فضلاً عن الشكل الشعري الواجب أيضاً، لذلك كان في التقفية الداخلية التي استعملها الحافظ العراقي مجالاً للتخلص من هذا القيد-والذي لا تنكر قيمته الصوتية - لأن الدقة في التعبير العلمي مقدمة على الإبداع الصوتي وهذه التقفية التي حقّقت التوافق ما بين عروض البيت وضربه سهَّلت كثيراً حفظ البيت الشعري. على أن الحافظ العراقي لم يكتفِ بكل ما أتاحه له بحر الرجز من جوازات ليفيد من مبدأ الضرورة الشعرية بشكل واسع جداً، حتى أصبحت الضرورة شيئاً ثابتاً في أبيات " التبصرة "، وهذا يدلّل بشكل واضح على تمكن الحافظ وقدرته على الإفادة مما تتيحه اللغة من ضرورات وإن كان في تكرار بعضها في البيت الواحد ثقل كان يمكن تجاوزه، ومن أبرز الضرورات في نظم الحافظ: 1 - إدراج الهمزة، كقوله (78) (¬1): في البابِ غيرهُ فذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رأيٍ اقْوَى قَالَهُ ابنُ مَنْدَهْ وقوله (139): مَعْرِفَةُ الرَّاوي بالاخْذِ عَنْهُ ... وَقِيْلَ: كُلُّ مَا أتانا مِنْهُ وقوله (153): تَدْلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بِـ (عَنْ) وَ (أنْ) 2 - تسكين بعض الحروف المتحركة: كقوله (82): كَمُسْنَدِ الطَّيَالِسيْ وَأَحْمَدَا وقوله (162): وَلِلْخَلِيْلِيْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ 3 - قصر الممدود: كقوله (136): مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، واللِّقَا عُلِمْ ¬

_ (¬1) هذا الرقم يمثل تسلسل البيت في المتن.

وقوله (170): خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلا وَوَضْعِهْ 4 - صرف الممنوع من الصرف، كقوله (809): أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ وقوله (816): وَقِيْلَ: إِفْرِيْقِيَّةٍ وَسَلَمَهْ وقد يجمع الحافظ بين ضرورتين في موضع واحد، كقوله (864): وَاعْنِ بِالاسْمَا والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ والأصل (بالأسماء) فقصر الممدود وأدرج الهمزة. وقوله (867): النُّوْنُ فِي أبي قَطَنْ نُسَيْرُ فقد سكّن النون من (قطنْ) وأدغمها في نون (نسير). وقد تتوالى الضرورات في شطر واحد مما يولد ثقلاً في قراءة البيت، كقوله: أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ فقد أدرج الهمزة في موضعين في (أو) الثانية والثالثة مما يجعل البيت مستثقلاً عند قراءته. وقد يُعَلّق الحافظ - رحمه الله - معنى البيت بالبيت الذي يليه، وهذه ما يسمى بالتضمين، وهو عيب عند العروضيين، كقوله (7، 8): فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّمِيْرُ ... لِوَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ كَـ (قَالَ) أو أطْلَقْتُ ... وقوله (51، 52):

الباب الثاني: الأنصاري، وكتابه " فتح الباقي "

يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّةِ الوَاصِلِ أو ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأوا أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ للرَّفْعِ وَلَوْ ... .. وهكذا تنقّل الحافظ العراقي في أبيات نظمه على وفق ما يتيحه له هذا البحر من أشكال في تفعيلاته، وما يجوّزه له من الزحافات والعلل، زيادة على الضرورات التي غطّت مساحة واسعة من نظمه، مما أعطاه رونقاً وجمالاً خاصّاً وسهولةً وعذوبة وفّرت الجوَّ الملائم تسهيلاً وإفادة لمبتغي هذا العلم. الباب الثَّانِي: الأنصاري، وكتابه " فتح الباقي " الفصل الأول: القَاضِي زكريا الأنصاري المبحث الأول: سيرته الذاتية أولاً: اسمه ونسبه هُوَ زين الدين أبو يَحْيَى زكريا بن مُحَمَّد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الخزرجي السنيكي، ثُمَّ القاهري الأزهري الشَّافِعيّ (¬1). والأنصاري: نِسْبَة إلى الأنصار، وهم أهل المدينة من الأوس والخزرج (¬2). والخزرجي: نِسْبَة إلى الخزرج، أحد شطري الأنصار، وهم بطون عدة (¬3). والسنيكي: نِسْبَة إلى " سُنَيْكَة " - بضم السين المُهْمَلَة، وفتح النون، وإسكان الياء المثناة من تَحْتُ، وآخرها تاء التأنيث (¬4). ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 3/ 234، ونظم العقيان: 113، والكواكب السائرة 1/ 196، والنور السافر: 114، وشذرات الذهب 8/ 134، والبدر الطالع 1/ 252، والأعلام 3/ 46، ومعجم المؤلفين 4/ 182. (¬2) الأنساب1/ 228. والذي يظهر أنه مِنْهُمْ صليبة. انظر: حاشية الجمل عَلَى شرح المنهج 1/ 5. (¬3) الأنساب 2/ 412. وانظر: حاشية الجمل عَلَى شرح المنهج 1/ 5. (¬4) الكواكب السائرة 1/ 196.

وَهِيَ قَرْيَة بمصر من أعمال الشرقية، بَيْن بلبيس والعباسية (¬1)، والأكثر عَلَى نسبته هكذا - بإثبات الياء -، وَهُوَ مخالف لقواعد الصرف إذ الصَّوَاب في النسبة: ((السُّنَكِي)). قَالَ ابن عقيل: ((ويقال في النسب إلى فُعَيْلَة: فُعَلِيّ -بحذف الياء- إن لَمْ يَكُنْ مضاعفاً، فتقول في جُهَيْنَةَ: جُهَنِيّ)) (¬2). وذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أنه كَانَ يكره النسبة إلى تِلْكَ البلدة (¬3). القاهري: نِسْبَة إلى مدينة القاهرة (¬4). الأزهري: نِسْبَة إلى الجامع الأزهر (¬5). ثانياً: ولادته لَمْ تكن ولادة الْقَاضِي زكريا محل اتفاق بَيْن المؤرخين، وإنما تطرق إليها الخلاف كَمَا تطرق لغيرها، فالسيوطي - عصريه وصديقه - يؤرخ ولادته في سنة (824 هـ‍)، عَلَى سبيل الظن والتقريب، فَقَالَ: ((ولد سنة أربع وعشرين تقريباً)) (¬6). وأما السخاوي والعيدروسي فيجزمان أن ولادته كَانَتْ في سنة (826 هـ‍) (¬7)، وتابعهما في هَذَا: ابن العماد الحنبلي (¬8)، والشوكاني (¬9)، والزبيدي (¬10)، وعمر رضا كحالة (¬11). في حِيْنَ أن الغزي يتردد في تحديد ولادته بَيْن سنة (823هـ‍) وسنة (824 هـ‍)، وإن كَانَ صدَّر كلامه بالأولى ونقله من خطِّ والده الذي كَانَ أحد تلامذة الْقَاضِي زكريا (¬12). ¬

_ (¬1) معجم البلدان 3/ 270، ومراصد الاطلاع 2/ 749. (¬2) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/ 497. وفي كلا الحالين فهو خلاف ضبط البجاوي في تحقيقه لمراصد الاطلاع 2/ 749. (¬3) حاشية الجمل عَلَى شرح المنهج 1/ 5. (¬4) لكونه تحوّل إليها، كما سيأتي. (¬5) لأنه سكن الجامع الأزهر لما ورد القاهرة. (¬6) نظم العقيان: 113. (¬7) الضوء اللامع 3/ 234، والنور السافر: 112. (¬8) شذرات الذهب 8/ 134. (¬9) البدر الطالع 1/ 252. (¬10) تاج العروس 7/ 145 (الطبعة القديمة). (¬11) معجم المؤلفين 4/ 182. (¬12) الكواكب السائرة 1/ 196.

وتفرد الأستاذ خير الدين الزركلي بالجزم بأنها كَانَتْ سنة (823 هـ‍) (¬1). وهكذا نجد أن ولادة الْقَاضِي زكريا الأنصاري - في أقوال المؤرخين - كَانَتْ دُوْلَة بَيْن أعوام ثلاثة - بصرف النظر عَنْ القائلين بِهَا - وَهِيَ (823 هـ‍) و (824 هـ‍) و (826 هـ‍)، ولا مرجح عندنا لأحدها نجزم بِهِ أو نرجحه، والعلم عِنْدَ الله تَعَالَى. ثالثاً: أسرته لَمْ تسعفنا المصادر بالكثير عَنْ أسرته، وإنما كَانَتْ نتفاً وإشارات استطعنا أن نستشف مِنْها شيئاً قليلاً، يساعدنا في تكوين فكرة واضحة عَنْ أسرة المترجم. أمَّا والده فكل مَا نعرفه عَنْهُ أنه مات والمترجم لا يزال طفلاً (¬2)، وَلَمْ يترك إلاَّ امرأة أرملة وولداً يتيماً، يقاسيان مشاق الحياة التي لَمْ يَكُنْ لَهُمَا دور في تحريك دفة أحداثها. وأما أمُّه فيمكننا القَوْل إنَّ مَا حازه المترجم من المجد والفخار إنما كَانَ ... - بَعْدَ رعاية الله - بحسن تصرفها، فَقَدْ حكى الغزي عَنْ الشَّيْخ الصالح ربيع ابن عَبْد الله السلمي الشنباري أنه كَانَ يوماً بسنيكة - مسقط رأس المترجم - وإذا بامرأة تستجير بِهِ وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني قبض عَلَيْهِ يروم أن يكتبه مَوْضِع أبيه في صيد الصقور، فخلَّصه الشَّيْخ مِنْهُ، وَقَالَ لها: إن أردت خلاصه فافرغي عَنْهُ يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر وعليَّ كلفته، فسلمت إليه المترجم (¬3). وهذا غاية مَا استطعنا الوقوف عَلَيْهِ من خبرها. ومما مضى يُعْلَم أن المترجم كَانَ الوحيد لأبويه، فَلا إخوة ولا أخوات عِنْدَه، وكذا زوجته التي غمرت في بحر الجهالة، فَلا ذكر لها البتة فِيْمَا بَيْن أيادينا من مراجع. أما ذريته، فوقفنا عَلَى ذكر لبعض أولاده، مِنْهُمْ: جمال الدين يوسف، قَالَ عَنْهُ الغزي: ((الشَّيْخ العلامة الصالح)) (¬4). ¬

_ (¬1) الأعلام 3/ 46. (¬2) الكواكب السائرة 1/ 196. (¬3) الكواكب السائرة 1/ 196. (¬4) الكواكب السائرة 1/ 199.

وذكر حاجي خليفة أن ولده هَذَا شرح مختصراً لبعض الشافعية لكتاب " التحرير في أصول الفقه " لابن همام (¬1). وَلَمْ نقف عَلَى تاريخ وفاته. والذي يظهر أن لَهُ ولداً آخر يدعى: ((زكريا))، وإن لزكريا الأخير ابناً يدعى: ((زكريا)) أيضاً، ترجمه الغزي في الكواكب السائرة (¬2) فَقَالَ: ((زكريا ابن زكريا الشَّيْخ العلاَّمة زين الدين المصري، حفيد شيخ الإسلام قاضي القضاة زكريا الأنصاري))، وكانت وفاته في شوال سنة (959 هـ‍) (¬3). وَكَانَ جده يحبه محبة عظيمة (¬4). رابعاً: نشأته كَانَ مولد المترجم في بلده الأول ((سُنَيكة)) فنشأ بِهَا، وابتدأ بحفظ القُرْآن الكريم - عَلَى العادة في بدء التعليم - ودَرَسَ مبادئ الفقه العامة، فقرأ " عمدة الأحكام " وبعض " مختصر التبريزي " في الفقه (¬5)، وما كاد يدخل النصف الثَّانِي من عقد عمره الثَّانِي حَتَّى شدَّ رحاله نَحْو عاصمة العِلْم والعلماء التي كَانَتْ تعج بمظاهره: القاهرة، وسواء كَانَ قَدْ رحل بنفسه إلى القاهرة، أو أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله هُوَ الذي سافر بِهِ - كَمَا تقدم -، فَقَدْ ورد المترجم القاهرة (¬6)، ونزل الجامع الأزهر مستوطناً، وهناك أكمل حفظ المختصر الذي بدأ بِهِ في مقتبل عمره (¬7)، ومن ثَمَّ بَدَأَ بحفظ الكُتُب التي وفَّرت لَهُ مبادئ العلوم التي كَانَتْ تدرَّس آنذاك، فحفظ " المنهاج " الفرعي و" الألفية " النحوية و " الشاطبية " و " الرائية " وبعض " المنهاج " الأصلي ونحو النصف من " ألفية الحَدِيْث " و " التسهيل " إلى باب ((كاد)) (¬8). ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1/ 308. (¬2) 2/ 145. (¬3) الكواكب السائرة 2/ 145، وشذرات الذهب 8/ 323. (¬4) شذرات الذهب 8/ 323. (¬5) النور السافر: 112. (¬6) البدر الطالع 1/ 252. (¬7) الضوء اللامع 3/ 234. (¬8) شذرات الذهب 8/ 134.

وكانتْ تِلْكَ قدمته الأولى إلى القاهرة، وَلَمْ يطل المكث فِيْهَا، وعاد أدراجه إلى بلده ملازماً هناك الجدَّ والاشتغال (¬1). وبعد مدة من الزمن - نجهل تحديدها - عاود المجيء إلى القاهرة (¬2)، يروم استخراج العِلْم من معادنه، فَدَرَسَ في الفقه: " شرح البهجة " وغيرها (¬3)، وقرأ في أصول الفقه: " العضد " و " شرح العبري " (¬4)، وقرأ في النحو والصرف، ومما قرأه فِيْهِمَا: " شرح تصريف العزي " (¬5)، وأخذ المعاني والبيان والبديع فقرأ فِيْهَا " المطول " (¬6)، وأخذ المنطق عَنْ عدة مشايخ وقرأ فِيهِ شرح القطب عَلَى "الشمسية" وأكثر حاشية الشريف الجرجاني عَلَيْهِ، وكذا حاشية التقي الحصني عَلَيْهِ (¬7). كَمَا أخذ اللغة، والتفسير، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والطب، والعروض، وعلم الحروف، والتصوف، وتلا بالسبع والثلاثة الزائدة عَلَيْهَا، وقرأ مصنفات ابن الجزري كـ" النشر " و "التقريب" و" الطيبة "، وأخذ رسوم الخطِّ، وآداب البحث، والحديث (¬8). وهكذا دأب وانهمك في الطلب والتحصيل، فأجازه مشايخه، وكتب لَهُ بِذَلِكَ كَثِيْر مِنْهُمْ مَعَ الإطناب في المدح والثناء، يزيدون عَلَى مئة وخمسين (¬9)، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني إذْ كتب لَهُ في بَعْض إجازاته: ((وأذنت لَهُ أن يقرأ القُرْآن عَلَى الوجه الذي تلقَّاه، ويقدر الفقه عَلَى النمط الذي نص عَلَيْهِ الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه، ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه)) (¬10). ¬

_ (¬1) شذرات الذهب 8/ 134. (¬2) المصدر نَفْسه. (¬3) النور السافر: 112. (¬4) المصدر السابق. (¬5) المصدر نَفْسه. (¬6) النور السافر: 112. (¬7) المصدر السابق. (¬8) شذرات الذهب 8/ 135، والبدر الطالع 1/ 252. (¬9) الكواكب السائرة 1/ 198. (¬10) الضوء اللامع 3/ 236.

وأذن لَهُ في إقراء " شرح النخبة " وغيرها من مصنفاته في حياته، وكذا فعل غَيْر ابن حجر حَتَّى قَالَ العيدروسي: ((وتصدّى للتدريس في حياة غَيْر واحد من شيوخه)) (¬1). وهكذا أصبح المترجم من المؤهلين للانضمام إلى ركب العُلَمَاء، وأن يشقَّ طريقه وسطهم. خامساً: صفاته وأخلاقه لقد كَانَ الْقَاضِي زكريا بن مُحَمَّد الأنصاري مضرب المثل في وقته في حَسَن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها، لا يدع باباً إليها إلاَّ دخله، قَالَ العلائي (¬2): ((قَدْ جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عَنْ الأكابر مَا لَمْ يجمعه غيره)) (¬3). ولعل أبرز صفاته التي كَانَ يتحلَّى بِهَا أنه كَانَ حافظاً للجميل شاكراً لصنيع المحسنين إليه، ويدل عَلَى ذَلِكَ -كَمَا مَرَّ- أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله كَانَ صاحب الفضل عَلَيْهِ في توجهه إلى طلب العِلْم وسفره إلى القاهرة، فكان ردّ المترجم عَلَى ذَلِكَ أنه: ((إذا ورد عَلَيْهِ الشَّيْخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجعله في زمن صمدته ومنصبه، وَكَانَ يقضي حوائجهم ويعترف بالفضل لَهُمْ، وربما مازحته زوجة الشَّيْخ ربيع التي ربَّتْهُ)) (¬4). وَكَانَ في النهاية من الانهماك في طلب العِلْم، لا يجعل لنفسه متنفساً سواه، حَتَّى أشغله عَنْ مأكله ومشربه، فحكى عَنْ نَفْسه، قَالَ: ((جئت من البلاد وأنا شابٌّ فلم أعكف عَلى الاشتغال بشيء من أمور الدنيا وَلَمْ أعلّق قلبي بأحد من الخلق، قَالَ: وكنت أجوع في الجامع كثيراً، فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها، فأغسل مَا أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بِهَا عَنْ الخبز)) (¬5). ¬

_ (¬1) النور السافر: 113، وانظر: الكواكب السائرة 1/ 199، وشذرات الذهب 8/ 135. (¬2) هو متأخر، غير الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي الشهير. (¬3) الكواكب السائرة 1/ 200. (¬4) الكواكب السائرة 1/ 196. (¬5) المصدر السابق.

وَكَانَ عَلَى دَرَجَة من اليقين بالله وتفويض الأمور إليه، فروى من حاله أنه قَالَ: ((فلما أتممت شرحها - يعني: " البهجة " - غار بَعْض الأقران، فكتب عَلَى بَعْض نسخ الشرح: كِتَاب الأعمى والبصير؛ تعريضاً بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فِيهِ رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه، قَالَ: فاحتسبت بالله تَعَالَى، وَلَمْ ألتفت إلى مِثْل ذَلِكَ)) (¬1). وَكَانَ من أخلاقه أنه كَانَ صداعاً بالحق، لَمْ يثنه الخوف عَلَى المنصب أو هيبة سلطان عَنْ زجر الظالم أو إنذار العاصي، حَتَّى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عَنْ القضاء: ((بسبب خطه عَلَى السلطان بالظلم، وزجره عَنْهُ تصريحاً وتعريضاً)) (¬2). ((ومتع بالقول عَلَى ملازمة العِلْم والعمل ليلاً ونهاراً، مَعَ مقارنة مئة سنة من عمره من غَيْر كلل ولا ملل، مَعَ عروض الانكفاف لَهُ، بحيث شرح البُخَارِيّ جامعاً فِيهِ ملخص عشرة شروح، وحشَّى تفسير البيضاوي في هذِهِ الحالة)) (¬3). والمترجم ممن قاسى مرارة الحرمان وعاش مصاعبها؛ لذا كَانَ يعرف لوعة المحرومين وضيق ذات يد المعدمين، فكان كَثِيْر البرِّ بطلبته وتفقد أحوالهم (¬4)، مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من كثرة الصدقة والمبالغة في إخفائها، وَكَانَ لَهُ جَمَاعَة يرتب لَهُمْ من صدقته مَا يكفيهم إلى يوم وإلى أسبوع وإلى شهر، وإذا جاءه سائل - بَعْدَ أن أصيب بالعمى - يَقُول لِمَنْ عنده من جماعته: هَلْ هنا أحد؟ فإن قَالَ لَهُ: لا، أعطاه، وإن قَالَ لَهُ: نعم، قَالَ لَهُ: قل لَهُ: يأتينا في غَيْر هَذَا الوقت (¬5). وَقَدْ أورد الغزي كلمة جامعة في بيان أخلاقه، فَقَالَ: ((وَكَانَ صاحب الترجمة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الاجتهاد في العِلْم اشتغالاً واستعمالاً وإفتاءً وتصنيفاً ومع مَا كَانَ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) الكواكب السائرة 1/ 198. (¬2) الكواكب السائرة 1/ 199. (¬3) الكواكب السائرة 1/ 199. (¬4) الكواكب السائرة 1/ 199. (¬5) المصدر السابق 1/ 202.

من مباشرة القضاء ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا، لا يكاد يفتر عَنْ الطاعة ليلاً ونهاراً، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقوراً مهيباً مؤانساً ملاطفاً، يُصَلِّي النوافل من قيام مَعَ كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر، ويقول: لا أعوّد نفسي الكسل. حَتَّى في حال مرضه كَانَ يُصَلِّي النوافل قائماً، وَهُوَ يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: يا ولدي، النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بِذَلِكَ. وَكَانَ إذا أطال عَلَيْهِ أحد في الكلام يَقُول لَهُ: عجِّل قَدْ ضيَّعتَ عَلَيْنَا الزمان، وَكَانَ إذا أصلح القارئ بَيْن يديه كلمة في الكِتَاب الذي يقرأ ونحوه، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً: الله الله، لا يفتر عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يفرغ، وَكَانَ قليل الأكل لا يزيد عَلَى ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول: إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كَانَ من الملوك الصالحين)) (¬1). سادساً: وفاته بَعْدَ عُمر بَلَغَ أو جاز بقليل المئة عام، كَانَتْ مملوءة بالعلم والتعليم، والتربية والإرشاد، اختار الباري - عزوجل - الْقَاضِي زكريا الأنصاري إلى جواره الكريم، بَعْدَ أن ابتلي بفقد نعمة البصر. وَقَدْ حصل خُلْفٌ بين المؤرخين في تحديد سنة وفاته، بَعْدَ أن اتفقت كلمة جمهورهم عَلَى تحديد اليوم والشهر، وَهُوَ الرابع من ذي الحجة (¬2). فالجمهور عَلَى أن وفاته كَانَتْ سنة (926 هـ‍) (¬3)، في حين ذهب العيدروسي (¬4)، وتابعه ابن العماد الحنبلي (¬5)، إلى أنها كَانَتْ سنة (925 هـ‍). ¬

_ (¬1) الكواكب السائرة 1/ 202. (¬2) وقال الغزي: ((يوم الأربعاء ثالث شهر ذي القعدة)). الكواكب السائرة 1/ 206. (¬3) الكواكب السائرة1/ 206، والبدر الطالع1/ 253، والأعلام3/ 46، ومعجم المؤلفين 4/ 182. (¬4) النور السافر: 111. (¬5) شذرات الذهب 8/ 135.

المبحث الثاني: سيرته العلمية

ولقد أغرب الأدنروي في تحديد وفاته، فزعم أنها كَانَتْ سنة (910 هـ‍) (¬1) وَهُوَ وهم لا محالة، ولا متابع لَهُ ولا عاضد عَلَى هَذَا، وإنما هُوَ قَوْل انفرد بِهِ، وخالف فِيهِ المؤرخين جملة وتفصيلاً. المبحث الثاني: سيرته العلمية أولاً: شيوخه بَلَغَ شيوخ الْقَاضِي زكريا الأنصاري كثرة كاثرة، ومَرَّ بنا أنهم زادوا عَلَى المئة والخمسين شيخاً (¬2)؛ لذا سنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر مَا أخذ الْقَاضِي عَنْهُمْ، ثُمَّ نعرِّج عَلَى باقي شيوخه سرداً. فمن أشهر مشايخه (¬3): 1 - زين الدين أبو ذرٍّ عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الزَّرْكَشِيّ القاهري الحنبلي، المتفرد برواية " صَحِيْح مُسْلِم " بعلو (¬4). تُوُفِّي في ذي الحجة سنة (846 هـ‍)، وَقَدْ ناهز التسعين (¬5). أخذ عَنْهُ: " صَحِيْح مُسْلِم " (¬6). 2 - شمس الدين مُحَمَّد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن يعقوب القاياتي، تُوُفِّي ليلة الاثنين الثامن عشر من محرم، سنة (850 هـ‍) (¬7). ¬

_ (¬1) طبقات المفسرين له: 362. ونودّ الإشارة إلى أن وفاته وقعت هكذا في أكثر من موضع من كتاب كشف الظنون عند ذكر مؤلفاته، فراجعها. (¬2) الكواكب السائرة 1/ 198. (¬3) انظر: الضوء اللامع 3/ 234 - 235. (¬4) وجيز الكلام في الذيل عَلَى دول الإسلام للسخاوي 2/ 587. (¬5) إنباء الغمر 9/ 194، والضوء اللامع 4/ 136، والتبر المسبوك: 54. (¬6) النور السافر: 113. (¬7) إنباء الغمر 9/ 247، ووجيز الكلام 2/ 608 (1395)، وشذرات الذهب 8/ 268.

أخذ عَنْهُ: الفقه، وأصوله، والمعاني، والبديع، والبيان، واللغة، والتفسير، وشرح الألفية للعراقي، وغيرها (¬1). 3 - شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن رجب بن طَيْبُغَا الشَّافِعيّ، المعروف بابن المَجْدي، مات في ذي القعدة سنة (850 هـ‍)، عَنْ أربع وثمانين سنة (¬2). أخذ عَنْهُ: الفقه، والنحو، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة (¬3). 4 - الْقَاضِي عز الدين عَبْد الرحيم بن المؤرخ ناصر الدين مُحَمَّد بن عَبْد الرحيم المصري الحنفي، عُرِفَ بابن الفرات، تُوُفِّي في ذي الحجة سنة (851 هـ‍)، وَقَدْ جاز التسعين (¬4). سَمِعَ عَلَيْهِ العديد من كُتُب الحَدِيْث كـ: " البعث " لابن أبي دَاوُد، وغيره (¬5). 5 - زين الدين أبو النعيم رضوان بن مُحَمَّد بن يوسف العقبي ثُمَّ القاهري الشَّافِعيّ، المُسْنِد الصَّيِّن، تُوُفِّي في رجب سنة (852 هـ‍)، عَنْ ثلاث وثمانين سنة (¬6). أخذ عَنْهُ: الفقه، والقراءات السبع، وآداب البحث، وشرح الألفية للعراقي، وصحيح مُسْلِم، وسنن النَّسَائِيّ (¬7). 6 - شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، المصري ثُمَّ القاهري. تُوُفِّي ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة (852 هـ‍) (¬8). ¬

_ (¬1) نظم العقيان: 113، والكواكب السائرة 1/ 197. (¬2) وجيز الكلام 2/ 609 (1396)، والضوء اللامع 1/ 300، وشذرات الذهب 7/ 268. (¬3) الكواكب السائرة 1/ 197، والنور السافر: 112. (¬4) وجيز الكلام 2/ 617 (1415)، ونظم العقيان: 127، وشذرات الذهب 7/ 269. (¬5) النور السافر: 113. (¬6) الضوء اللامع 3/ 226، ونظم العقيان: 112، وشذرات الذهب 7/ 274. (¬7) الكواكب السائرة 1/ 197، والنور السافر: 112 - 113. (¬8) وجيز الكلام 2/ 622 (1424)، وحسن المحاضرة 1/ 170، وشذرات الذهب 7/ 270.

أخذ عَنْهُ: الفقه، والتفسير، وشرح الألفية للعراقي، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث لابن الصَّلاح، وشرح النخبة، والسيرة النبوية لابن سيد الناس، وغالب سُنَن ابن ماجه، وغيرها (¬1). 7 - أبو اليمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الهاشمي العقيلي النويري المكي الشَّافِعيّ قاضي مكة، مات في ذي القعدة سنة (853هـ‍)، عَنْ ستين سنة (¬2). أخذ عَنْهُ لَمّا ورد مكّة حاجاً (¬3). 8 - شرف الدين أبو الفتح مُحَمَّد بن زين الدين أبي بَكْر بن الْحُسَيْن بن عُمَر القرشي العثماني المراغي القاهري الأصل المدني الشَّافِعيّ. تُوُفِّي في محرم سنة (859 هـ‍)، عَنْ ثلاث وثمانين سنة (¬4). أخذ عَنْهُ: الحَدِيْث، والفقه، وغيرهما لما ورد المدينة في طريق حجه (¬5). 9 - جلال الدين أبو السعادات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلِيّ القرشي المخزومي المكي، ويعرف بابن ظهيرة. مات في صفر سنة (861 هـ‍)، عَنْ خمس وستين سنة (¬6). سَمِعَ عَلَيْهِ الحَدِيْث عندما ورد مكة حاجاً (¬7). 10 - كمال الدين مُحَمَّد بن عَبْد الواحد بن عَبْد الحميد السيواسي الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الحنفي. مات في رمضان سنة (861 هـ‍)، عَنْ ستين سنة (¬8). أخذ عَنْهُ: النحو، والمنطق، وشرح الألفية للعراقي (¬9). ¬

_ (¬1) نظم العقيان: 113، والكواكب السائرة 1/ 197، والنور السافر: 112. (¬2) وجيز الكلام 2/ 635 (1453)، نظم العقيان: 166، وشذرات الذهب 7/ 278. (¬3) النور السافر: 113. (¬4) وجيز الكلام 2/ 690 (1584)، والضوء اللامع 7/ 161، ونظم العقيان: 139. (¬5) النور السافر: 113. (¬6) وجيز الكلام 2/ 705 (1619)، والضوء اللامع 9/ 214، ونظم العقيان: 167. (¬7) النور السافر: 113. (¬8) وجيز الكلام 2/ 708 (1626)، والضوء اللامع 8/ 127، وشذرات الذهب 7/ 298. (¬9) النور السافر: 112 - 113.

11 - جلال الدين مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم الأنصاري المحلي الأصل القاهري الشَّافِعيّ. مات في محرم سنة (864 هـ‍) (¬1). أخذ عَنْهُ: أصول الفقه، والعلوم العقلية (¬2). 12 - بدر الدين الحَسَن بن مُحَمَّد بن أيوب الحسني القاهري الحسيني الشَّافِعيّ. مات في مستهل صفر سنة (866 هـ‍)، وَقَدْ قارب المئة (¬3). أخذ عَنْهُ: الفقه، والنسب (¬4). 13 - علم الدين صالح بن عُمَر بن رسلان البلقيني الأصل القاهري. مات في رجب سنة (868 هـ‍)، عَنْ سبع وسبعين سنة (¬5). أخذ عَنْهُ: الفقه (¬6). 14 - تقي الدين أبو الفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الهاشمي الأصفوني ثُمَّ المكي الشَّافِعيّ، عُرِفَ بابن فهد، تُوُفِّي في ربيع الأول سنة (871 هـ‍)، عَنْ أربع وثمانين سنة (¬7). أخذ عَنْهُ: فنون الحَدِيْث (¬8). 15 - شرف الدين أبو زكريا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد بن مخلوف الحدادي الأصل المناوي القاهري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي ليلة الاثنين الثَّانِي عشر من جُمَادَى الثانية سنة (871 هـ‍)، وَقَدْ جاز السبعين (¬9). أخذ عَنْهُ: الفقه (¬10). ¬

_ (¬1) وجيز الكلام 2/ 729 (1675)، وحسن المحاضرة 1/ 252، والبدر الطالع 2/ 115. (¬2) نظم العقيان: 113. (¬3) وجيز الكلام 2/ 747 (1715)، والضوء اللامع 3/ 121، ونظم العقيان: 104. (¬4) النور السافر: 112. (¬5) وجيز الكلام 2/ 759 (1746)، ونظم العقيان: 119، وشذرات الذهب 7/ 307. (¬6) الكواكب السائرة 1/ 197، والنور السافر: 112. (¬7) وجيز الكلام 2/ 784 (1803)، والضوء اللامع 9/ 281، ونظم العقيان: 170. (¬8) النور السافر: 113. (¬9) وجيز الكلام2/ 784 (1802)، والضوء اللامع 10/ 254، وشذرات الذهب7/ 312. (¬10) نظم العقيان: 113، والنور السافر: 112.

16 - تقي الدين أبو العَبَّاس أحمد بن كمال الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَسَن القسنطيني الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الشمني الحنفي، مات في ذي الحجة سنة (872 هـ‍)، وَقَدْ جاز الستين (¬1). أخذ عَنْهُ: النحو (¬2). 17 - محيي الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سليمان بن سعيد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي نزيل القاهرة، مات في جُمَادَى الثانية سنة (879 هـ‍)، وَقَدْ جاز التسعين (¬3). أخذ عَنْهُ: أصول الفقه، والمنطق، والتفسير، وسائر علوم الآلة (¬4). أما بقية مشايخه (¬5)، فهم: 1 - الآمدي. 2 - إبراهيم بن صدقة أبو إسحاق الحنبلي. 3 - أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن حميد الدمياطي. 4 - البدشيني. 5 - البرهان الصالحي. 6 - البرهان الفاقوسي البلبيسي. 7 - التقي الحصني. 8 - أبو الجود الليثي. 9 - الرشيدي. 10 - الزين البوشنجي. 11 - الزين جَعْفَر نزيل المؤيدية. 12 - الزين ظاهر المالكي. 13 - الزين ابن عياش المكي. ¬

_ (¬1) وجيز الكلام 2/ 794 (1826)، والضوء اللامع 2/ 174، وشذرات الذهب 7/ 313. (¬2) النور السافر: 112. (¬3) وجيز الكلام 2/ 858 (1963)، والضوء اللامع 2/ 153، وحسن المحاضرة 1/ 549. (¬4) النور السافر: 112. (¬5) انظر: الضوء اللامع3/ 234 - 235، والكواكب السائرة1/ 197، والنور السافر: 112 - 115.

14 - سارة بنت جَمَاعَة. 15 - السراج الورودي. 16 - الشرف بن الخشاب. 17 - الشرف السُّبْكِيّ. 18 - الشرواني. 19 - الشمس البُخَارِيّ. 20 - الشمس الحجازي. 21 - الشمس الوفائي. 22 - الشهاب أحمد الأنكاوي. 23 - الشهاب الغزي. 24 - الشهاب القلقيلي السكندراني. 25 - العز بن عَبْد السلام البغدادي. 26 - الكمال نزيل زاوية الشَّيْخ نصر الله. 27 - مُحَمَّد بن حمد الكيلاني. 28 - مُحَمَّد بن ربيع. 29 - مُحَمَّد بن عُمَر الواسطي الغمري. 30 - مُحَمَّد الغومي. 31 - مُحَمَّد بن قرقماس الحنفي. 32 - النور البلبيسي إمام الأزهر. ثانياً: تلامذته كتب الله تَعَالَى للقاضي زكريا القبول بَيْن الناس، وأَمدَّ في عمره حَتَّى تفرد بعلو الإسناد، فأصبح مطمح الأنفس، ومؤول الطلبة، قَالَ الغزي: ((فأقبلت عَلَيْهِ الطلبة للاشتغال عَلَيْهِ، وعُمِّر حَتَّى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام، وقرَّت عينه بهم في محافل العِلْم ومجالس الأحكام، وقصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام)) (¬1). ¬

_ (¬1) الكواكب السائرة 1/ 199.

وسنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر باقي تلامذته سرداً كَمَا صنعنا في شيوخه، فمنهم: 1 - حمزة بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الناشري اليمني الشَّافِعيّ الأديب. تُوُفِّي سنة (926 هـ‍) (¬1). 2 - جمال الدين أبو عَبْد الله عَبْد القادر -أبو عبيد- بن حَسَن الصاني القاهري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (931 هـ‍) (¬2). 3 - تاج الدين عَبْد الوهاب الدنجيهي المصري الشَّافِعيّ الكاتب النحوي. تُوُفِّي سنة (932 هـ‍) (¬3). 4 - شمس الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان الكفرسوسي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (932 هـ‍) (¬4). 5 - أبو الفضل عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أبي اللطف المقدسي الشَّافِعيّ نزيل دمشق. تُوُفِّي سنة (934 هـ‍) (¬5). 6 - الإمام العلاّمة فخر الدين عُثْمَان السنباطي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (937 هـ‍) (¬6). 7 - شمس الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد المقدسي الشَّافِعيّ. عرف بابن العجيمي، العلاّمة المحدّث الواعظ. تُوُفِّي سنة (938 هـ‍) (¬7). 8 - قاضي القضاة ولي الدين مُحَمَّد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عَبْد الله بن محمود بن الفرفور الدِّمَشْقِيّ. تُوُفِّي سنة (937 هـ‍) (¬8). ¬

_ (¬1) النور السافر: 121، وشذرات الذهب 8/ 142 - 143. (¬2) الكواكب السائرة 1/ 252، وشذرات الذهب 8/ 181. (¬3) الكواكب السائرة 1/ 259، وشذرات الذهب 8/ 184. (¬4) الكواكب السائرة 1/ 54، وشذرات الذهب 8/ 188. (¬5) الكواكب السائرة 2/ 191، وشذرات الذهب 8/ 203. (¬6) الكواكب السائرة 2/ 190، وشذرات الذهب 8/ 221. (¬7) الكواكب السائرة 2/ 11 - 12، وشذرات الذهب 8/ 230. (¬8) الكواكب السائرة 2/ 22، وشذرات الذهب 8/ 224 - 225.

9 - مفتي بعلبك مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الفصي البعلي الشَّافِعيّ، تُوُفِّي سنة (941هـ‍) (¬1). 10 - الإمام العلاّمة المحقق الشَّيْخ تقي الدين أبو بَكْر بن مُحَمَّد بن يوسف القاري ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (945 هـ‍) (¬2). 11 - الشيخ الإمام المحدِّث علاء الدين أبو الحَسَن عَلِيّ بن جلال الدين مُحَمَّد البكري الصديقي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (952 هـ‍) (¬3). 12 - الإمام العلاّمة الورع الشَّيْخ شهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمادة (¬4). تُوُفِّي سنة (953 هـ‍) (¬5). 13 - الشَّيْخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن العلاّمة زين الدين حَسَن بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد الحلبي الشَّافِعيّ، شُهِر بابن العمادي. تُوُفِّي سنة (954 هـ‍) (¬6). 14 - الإمام العلاّمة محب الدين أبو السعود مُحَمَّد بن رضي الدين مُحَمَّد بن عَبْد العزيز ابن عُمَر الحلبي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (956 هـ‍) (¬7). 15 - الإمام الشَّيْخ شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (957 هـ‍) (¬8). 16 - الإمام الْقَاضِي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة زين الدين عَبْد الرحمان الحلبي الحنفي. عُرِف بابن الحنبلي. تُوُفِّي سنة (959هـ‍) (¬9). 17 - بدر الدين حَسَن بن يَحْيَى بن المزلق الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ، الإمام المحقق. تُوُفِّي سنة (966 هـ‍) (¬10). ¬

_ (¬1) الكواكب السائرة 2/ 11، وشذرات الذهب 8/ 245 - 246. (¬2) الكواكب السائرة 2/ 89، وشذرات الذهب 8/ 260. (¬3) الكواكب السائرة 2/ 194، وشذرات الذهب 8/ 292. (¬4) في بَعْض المصادر: ((حمارة)). (¬5) الكواكب السائرة 2/ 97 - 98، وشذرات الذهب 8/ 294. (¬6) الكواكب السائرة 2/ 79 - 80، وشذرات الذهب 8/ 300. (¬7) الكواكب السائرة 2/ 247، وشذرات الذهب 8/ 314. (¬8) الكواكب السائرة 2/ 119، وشذرات الذهب 8/ 316. (¬9) الكواكب السائرة 2/ 81 - 82، وشذرات الذهب 8/ 323. (¬10) الكواكب السائرة 2/ 135 - 136، وشذرات الذهب 8/ 346.

18 - الإمام العلاّمة شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ ابن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (973 هـ‍) أو (974 هـ‍) (¬1). 19 - الإمام باكثير عَبْد المعطي بن الشَّيْخ حَسَن بن الشَّيْخ عَبْد الله المكي الحضرمي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (989 هـ‍) (¬2). 20 - الشَّيْخ الصالح العلاّمة شهاب الدين أحمد بن الشَّيْخ بدر الدين العباسي المصري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة (992 هـ‍) (¬3). وأما باقي تلامذته، فهم (¬4): 21 - البدر ابن السيوفي. 22 - بدر الدين العلائي الحنفي. 23 - جمال الدين عَبْد الله الصافي. 24 - جمال الدين يوسف. 25 - شهاب الدين الحمصي 26 - شهاب الدين الرملي. 27 - شمس الدين الخطيب الشربيني. 28 - شمس الدين الرملي. 29 - شمس الدين الشبلي. 30 - عَبْد الوهاب الشعراني. 31 - عميرة البرلسي. 32 - كمال الدين بن حمزة الدِّمَشْقِيّ. 33 - مُحَمَّد بن أحمد الغزي. 34 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد الغزي. 35 - محيي الدين عَبْد القادر بن النقيب. ¬

_ (¬1) الكواكب السائرة 2/ 111، والنور السافر: 259، وشذرات الذهب 8/ 370. (¬2) النور السافر: 325، وشذرات الذهب 8/ 417. (¬3) النور السافر: 360، وشذرات الذهب 8/ 426. (¬4) انظر: الكواكب السائرة 1/ 199.

36 - نور الدين المحلي. 37 - نور الدين النسفي. رابعاً: علومه ومعارفه وفَّرت البداية المبكرة للقاضي زكريا في طلب العِلْم فسحة من الوقت، استطاع خلالها تنويع مصادر معرفته، وَلَمْ يغفل هذِهِ النقطة، بَلْ استثمرها عَلَى وجهها الصَّحِيح، فجنى ثمارها جنية مرتعة، قَالَ الغزي: ((وَكَانَ - رضي الله تَعَالَى عَنْهُ - بارعاً في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثاً وتفسيراً وفقهاً وأصولاً وعربية وأدباً ومعقولاً ومنقولاً)) (¬1). ومرَّ بنا في نشأته أنه درس صنوف فنون العِلْم، ومن بَيْن تِلْكَ العلوم التي أفنى في طلبها ردحاً من عمره المديد (¬2): 1 - القُرْآن الكريم، حفظاً. 2 - الفقه. 3 - أصول الفقه. 4 - التفسير. 5 - الحَدِيْث رِوَايَة ودراية. 6 - اللغة. 7 - النحو. 8 - الصرف. 9 - العروض. 10 - البيان. 11 - البديع. 12 - المعاني. 13 - المنطق. 14 - علم الهيأة. ¬

_ (¬1) انظر: الكواكب السائرة 1/ 199. (¬2) الكواكب السائرة1/ 199، والنور السافر: 112 - 133، وشذرات الذهب 8/ 134 - 135.

15 - الهندسة. 16 - الميقات. 17 - الفرائض. 18 - الحساب. 19 - الجبر والمقابلة. 20 - الفلسفة. 21 - علم الكلام. 22 - التصوف. 23 - القراءات السبع والعشر. 24 - آداب البحث والمناظرة. 25 - السيرة. خامساً: وظائفه بَعْدَ أن استكمل الْقَاضِي زكريا الأنصاري الأدوات التِي مكنته من مزاولة نشاطه العلمي، وبعد أن تبوأ الصدارة بَيْنَ معاصريه ومنافسيه، فَقَدْ أُسندت إِلَيْهِ مهمات عدة، وهي: 1 - التدريس بمقام الإِمَام الشَّافِعِيّ. قَالَ العيدروسي: ((وَلَمْ يَكُنْ بمصر أرفع منصباً من هَذَا التدريس)) (¬1). 2 - مشيخة خانقاه (¬2) الصوفية (¬3). 3 - منصب قاضي القضاة، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ امتناع طويل (¬4)، في سلطنة خشقدم (¬5) ولما ولي السلطنة قايتباي أصر عَلَى توليه قضاء القضاة فقبل (¬6)، وَكَانَ ذَلِكَ في سنة ¬

_ (¬1) النور السافر: 115. (¬2) لفظة فارسية الأصل، وهي رباط الصوفية. انظر: خطط المقريزي 3/ 399، ولب اللباب: 113. (¬3) النور السافر: 115. (¬4) النور السافر: 115. (¬5) البدر الطالع 1/ 252. (¬6) الكواكب السائرة 1/ 199، والبدر الطالع 1/ 252.

(886 هـ‍) (¬1)، واستمر مدة ولاية قايتباي وبعده (¬2). وذكر العيدروسي (¬3) أن سبب عزله عَنْ هَذَا المنصب إصابته بالعمى، وجمهور الفقهاء على أن الْقَاضِي يعزل بفقدان البصر، في حِيْنَ أن الغزي (¬4) والشوكانِي (¬5) يذكران أن سبب عزله زجر السلطان عَنْ ظلمه، وأغلب الظن أن هَذَا السلطان هُوَ مُحَمَّد ولد السلطان قايتباي الَّذِي تسلطن بَعْدَ والده (¬6). وتحديد وقت عزله يكتنفه الغموض، لا سيما عَلَى رِوَايَة الغزي والشوكاني، ولكنها لا تتعدى سنة (904 هـ‍) فهي السنة التِي قتل فِيْهَا السلطان مُحَمَّد بن السلطان قايتباي (¬7)، وَلَكِن الشوكاني (¬8) يجزم أن عزله كَانَ سنة (906 هـ‍)، وَلَمْ تذكر المصادر التِي بَيْنَ أيدينا تحديداً لتاريخ فقده لبصره، وَكَانَ السلطان قَدْ طلب مِنْهُ العودة إِلَى منصبه لكنه رفض، إِلَى حِيْنَ نكبته فترك السلطان الإلحاح عَلَيْهِ. وذكر الشعراني أن الْقَاضِي زكريا كَانَ يعتبر توليه القضاء: غلطة (¬9). 4 - قَالَ الغزي: ((وولي الجهات والمناصب)) (¬10). 5 - وَقَالَ العيدروسي: ((ولي تدريس عدة مدارس رفيعة)) (¬11). 6 - وَقَالَ الشوكاني: ((ودرّس في أمكنة متعددة)) (¬12). ¬

_ (¬1) النور السافر: 115. (¬2) المصدر السابق. (¬3) المصدر نفسه. (¬4) الكواكب السائرة 1/ 199. (¬5) البدر الطالع 1/ 252. (¬6) تاريخ الدولة العثمانية1/ 95، وقد يكون السلطان الغوري فقد كان مشهوراً بالظلم. انظر: المصدر نفسه. (¬7) تاريخ الدولة العثمانية 1/ 95. واذا قلنا أنه الغوري، فإن الأمر يمعن أكثر في الغموض، لأن الغوري عاش إلى سنة (922 هـ‍) حيث قتل في هذه السنة. (¬8) البدر الطالع 1/ 252. (¬9) الكواكب السائرة 1/ 200. (¬10) الكواكب السائرة 1/ 199. (¬11) النور السافر: 115. (¬12) البدر الطالع 1/ 252.

سادساً: ثناء الْعُلَمَاء عَلَيْهِ تمتع الْقَاضِي زكريا - زيادة عَلَى مكانته العلمية - بأخلاقه العالية التِي حببته إِلَى قلوب العباد، فانطلقت ألسنتهم بالثناء عَلَيْهِ، وذكر محاسنه وشيمه، وإذا رحنا نستقصي ما قَالَ الناس فِيْهِ أطلنا المقام، لذا سنقتصر عَلَى نبذ مِنْهَا: 1 - قَالَ الغزي: ((الشَّيْخ الإِمَام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدّثين، الحَافِظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم العامل، والولي الكامل)) (¬1). 2 - وَقَالَ العيدروسي: ((الشَّيْخ الإِمَام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة)) (¬2). 3 - وَقَالَ السخاوي: ((لَهُ تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع، وعمله في التودد يزيد عَن الحد، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إِلَى الفتوى تعدُّ من حسناته)) (¬3). 4 - وَقَالَ أَيْضاً: ((وَلَمْ ينفك عَنْ الاشتغال عَلَى طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة، والانجماع عَنْ بني الدنيا مَعَ التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة)) (¬4). 5 - وَقَالَ العيدروسي: ((ويقرب عندي أنه المجدد عَلَى رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع بِهِ وبتصانيفه)) (¬5). 6 - قَالَ السيوطي: ((لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبلَ عَلَى نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفاً، مَعَ الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت)) (¬6). ¬

_ (¬1) الكواكب السائرة 1/ 196. (¬2) النور السافر: 111. (¬3) الضوء اللامع 3/ 236. (¬4) الضوء اللامع 3/ 236. (¬5) النور السافر: 115. (¬6) نظم العقيان: 113.

7 - وَقَالَ ابن حجر الهيتمي: ((وقدّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ مَنْ وقع عَلَيْهِ بصري من الْعُلَمَاء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عَنْهُ رويت من الفقهاء والحكماء المسندين، فَهُوَ عمدة الْعُلَمَاء الأعلام، وحجة الله عَلَى الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعِيّ عَلَى كاهله، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد، كيف وَلَمْ يوجد في عصره إلا من أخذ عَنْهُ مشافهة أَوْ بواسطة أَوْ بوسائط متعددة، بَلْ وقع لبعضهم أنه أخذ عَنْهُ مشافهة تارة، وعن وغيره مِمَّنْ بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير لَهُ في أحد من عصره، فنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْدَ الأئمة أولى وأحرى؛ لأنَّه حاز بِهِ سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عَنْهُ ودوام الانتفاع)) (¬1). 8 - وَقَالَ ابن العماد: ((شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحَافِظ)) (¬2). 9 - وَقَالَ الأدنروي: ((مفتي الشافعية العالم الفاضل الْقَاضِي)) (¬3). سابعاً: آثاره العلمية وظَّف الْقَاضِي زكريا الأنصاري معرفته العلمية في التأليف إِلَى جانب التدريس، وخلال المئة سنة التِي عاشها استطاع أن يترك لنا جملة كبيرة من المصنفات، الأمر الَّذِي دفع الشوكاني للقول بأن: ((لَهُ شرح ومختصرات في كُلّ فن من الفنون)) (¬4). وَقَدْ عنى الشوكاني بكلمته هَذِهِ، أن الْقَاضِي خاض غمار فنون العلوم عَلَى اختلاف ماهيات‍ها فمن اللغة إِلَى المنطق، ومن الكلام إِلَى الْحَدِيْث، ومن الفقه إِلَى القراءات، ومن التصوف إِلَى التفسير، ومن أصول الفقه إِلَى الفرائض، وهكذا تنوعت طبيعة مؤلفاته. وَلَيْسَ عجباً أن تكثر مصنفاته، فعلى حد تعبير الغزي إذ يَقُوْل: ((وجملة مؤلفاته (41) مؤلفاً تقريباً)) (¬5)، إِذْ كَانَ شغله الشاغل التدريس والتصنيف، وَقَدْ وقفنا عَلَى ¬

_ (¬1) النور السافر: 115. (¬2) شذرات الذهب 8/ 134. (¬3) طبقات المفسرين: 362. (¬4) البدر الطالع 1/ 252. (¬5) الكواكب السائرة 1/ 204.

ذكر لما يربو من (50) مصنفاً في شتى صنوف الْمَعْرِفَة، هِيَ (¬1): 1 - أحكام الدلالة عَلَى تحرير الرسالة (¬2). شرح فِيْهِ الرسالة القشيرية في التصوف. 2 - أدب الْقَاضِي عَلَى مذهب الإِمَام الشَّافِعِيّ (¬3). 3 - أضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة (¬4). شرح عَلَى القصيدة المنفرجة. 4 - بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب (¬5). شرح عَلَى مَتْن شذور الذهب في النحو لابن هشام. 5 - بهجة الحاوي (¬6). شرح عَلَى " الحاوي الصغير " للقزويني في الفقه. 6 - تحرير تنقيح اللباب (¬7). اختصار لـ " تنقيح اللباب " في الفقه. 7 - تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب (¬8). شرح لمختصره السابق. 8 - لب الأصول (¬9). 9 - التحفة العلية في الخطب المنبرية (¬10). 10 - تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر (¬11). 11 - تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي (¬12). 12 - تلخيص أسئلة القرآن وأجوبتها لأبي بكر الرازي صاحب مختار الصحاح (¬13). 13 - حاشية عَلَى شرح ابن المصنف عَلَى ألفية ابن مالك في النحو (¬14). ¬

_ (¬1) انظر: الضوء اللامع 3/ 236. (¬2) كشف الظنون 1/ 79، و 1/ 661، وهدية العارفين 1/ 307. (¬3) كشف الظنون 1/ 100، وهدية العارفين 1/ 307. (¬4) كشف الظنون 1/ 147 و 2/ 308، وهدية العارفين 1/ 307. وقد طبع. (¬5) كشف الظنون 1/ 242، و 2/ 64، والبدر الطالع 1/ 252، وهدية العارفين 1/ 307. (¬6) كشف الظنون 1/ 489، وهدية العارفين 1/ 307. (¬7) كشف الظنون 1/ 307، و 2/ 454، وهدية العارفين 1/ 307. (¬8) كشف الظنون 1/ 315، و 2/ 454، وهدية العارفين 1/ 307 - 308. (¬9) ذكره في شرحه فتح الباقي: 2/ 182. (¬10) إيضاح المكنون 1/ 163، وهدية العارفين 1/ 308. (¬11) إيضاح المكنون 1/ 166، وهدية العارفين 1/ 308. (¬12) هدية العارفين 1/ 308. (¬13) كشف الظنون 1/ 130. (¬14) كشف الظنون 1/ 173.

14 - حاشية عَلَى شرح البهجة لولي الدين بن العراقي (¬1). 15 - حاشية عَلَى شرح المحلي عَلَى جمع الجوامع (¬2). 16 - حاشية عَلَى شرح المقدمة الجزرية (¬3). 17 - خلاصة الفوائد الحموية في شرح البهجة الوردية (¬4). 18 - الدرر السنية في شرح الألفية، في النحو لابن مالك (¬5). 19 - الدقائق المحكمة في شرح المقدمة، للجزري (¬6). 20 - ديوان شعر (¬7). 21 - الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة (¬8). 22 - شرح البسملة والحمدلة (¬9). 23 - شرح الجامع الصَّحِيْح للبخاري (¬10). 24 - شرح الروض لابن المقريء (¬11). 25 - شرح الشمسية في المنطق (¬12). 26 - شرح صَحِيْح مُسْلِم (¬13). ¬

_ (¬1) البدر الطالع 1/ 252. (¬2) كشف الظنون 1/ 467، وهدية العارفين 1/ 308. (¬3) كشف الظنون 2/ 644، وهدية العارفين 1/ 308. (¬4) إيضاح المكنون 1/ 276، وهدية العارفين 1/ 308. (¬5) هدية العارفين 1/ 308. (¬6) إيضاح المكنون 1/ 301، وهدية العارفين 1/ 308. (¬7) تفرد بذكره إسماعيل باشا البغدادي، هدية العارفين 1/ 308. (¬8) كشف الظنون 2/ 300، وهدية العارفين 1/ 308. (¬9) كشف الظنون 2/ 68، وفي خزانتنا نسخة خطية منها. (¬10) هدية العارفين 1/ 308. (¬11) كشف الظنون1/ 686. وسماه صاحب النور السافر: 114 " أسنى المطالب إلى روض الطّالب". (¬12) هدية العارفين 1/ 308. (¬13) كشف الظنون 1/ 441، وهدية العارفين 1/ 308، وغالب مسودته بخط الشعراني وبخط ولد القاضي.

27 - شرح طوالع الأنوار للبيضاوي في علم الكلام (¬1). 28 - شرح مختصر المزني (¬2). 29 - شرح المقدمة الجزرية (¬3). 30 - شرح المنهاج للبيضاوي في أصول الفقه (¬4). 31 - غاية الوصول إِلَى شرح الفصول (¬5). في الفرائض. 32 - الغرر البهية بشرح البهجة الوردية (¬6). 33 - فتح الإله الماجد بإيضاح شرح العقائد (¬7). حاشية عَلَى شرح العقائد النسفية. 34 - فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (¬8). 35 - فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنْزيل (¬9). 36 - فتح رب البرية في شرح القصيدة الخزرجية (¬10). في علم العروض. 37 - فتح الرَّحْمَان بشرح رسالة الولي رسلان في التوحيد (¬11). 38 - فتح الرَّحْمَان بشرح لقطة العجلان (في الفقه) للزركشي (¬12). 39 - فتح الرَّحْمَان بكشف ما يلتبس من القرآن (¬13). ¬

_ (¬1) كشف الظنون 2/ 131. (¬2) كشف الظنون 2/ 524، وهدية العارفين 1/ 308. (¬3) كشف الظنون 2/ 644. وهو الماضي برقم (18). (¬4) كشف الظنون 2/ 704، وهدية العارفين 1/ 308. (¬5) النور السافر: 114، وهدية العارفين 1/ 308. (¬6) النور السافر: 114، وهدية العارفين 1/ 308، وذكره في شرحه "فتح الباقي" 1/ 106. (¬7) كشف الظنون 2/ 156، وهدية العارفين 1/ 308. (¬8) وهو كتابنا هذا، وسيأتي الكلام عنه مفصلاً. (¬9) كشف الظنون 1/ 198، و 2/ 221، وطبقات المفسرين للأدنروي: 362، وهدية العارفين 1/ 308. (¬10) كشف الظنون 2/ 301، وهدية العارفين 1/ 308. (¬11) كشف الظنون 1/ 651، وهدية العارفين 1/ 308. (¬12) كشف الظنون 2/ 467، وهدية العارفين 1/ 308. (¬13) كشف الظنون 2/ 222، وهدية العارفين 1/ 308.

40 - فتح العلام بشرح أحاديث الأحكام (¬1). 41 - فتح الوهاب بشرح الآداب (آداب البحث والمناظرة) (¬2). 42 - فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (¬3). 43 - الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية (في الفرائض) (¬4). 44 - الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية (¬5). 45 - اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم (¬6). 46 - المطلع في شرح ايساغوجي (في المنطق) (¬7). 47 - المقصد لتلخيص ما في المرشد (في القراءات) (¬8). 48 - مناهج الكافية في شرح الشافية (في الصرف) (¬9). 49 - منهج الوصول إِلَى تخريج الفصول (في الفرائض) (¬10). 50 - نِهاية الهداية في شرح الكفاية (في الفرائض) (¬11). 51 - نَهج الطلاب في منهاج الطالبين للنووي (في الفقه) (¬12). ¬

_ (¬1) إيضاح المكنون 1/ 66، وتوجد منه نسختان خطيتان في دار صدام للمخطوطات، وقد شارف الشّيخ صلاح الدين السنكاوي على الانتهاء من تحقيقه رسالة للدكتوراه في كلية العلوم الإسلامية-جامعة بغداد. (¬2) النور السافر: 114، وهدية العارفين 1/ 308. (¬3) كشف الظنون 2/ 700، وهدية العارفين 1/ 308. (¬4) النور السافر: 114، وكشف الظنون 1/ 307، وهدية العارفين 1/ 308. (¬5) إيضاح المكنون 2/ 124، وهدية العارفين 1/ 308. (¬6) كشف الظنون 2/ 475، وهدية العارفين 1/ 308. (¬7) كشف الظنون 1/ 211 - 212، وهدية العارفين 1/ 308. (¬8) هدية العارفين 1/ 308، وفي خزانتنا نسخة خطية منه. (¬9) كشف الظنون 2/ 58، وهدية العارفين 1/ 308. (¬10) النور السافر: 114، وهدية العارفين 1/ 308. (¬11) النور السافر: 114، وكشف الظنون 2/ 420، وهدية العارفين 1/ 308. (¬12) كشف الظنون 2/ 700، وهدية العارفين 1/ 308.

الفصل الثاني: كتاب " فتح الباقي "

الفصل الثانِي: كتاب " فتح الباقي " المبحث الأول: منهجه التزم الْقَاضِي زكريا الأنصاري في أثناء شرحه، بمبدأ اختصار الشرح وإن لَمْ يَكُنْ صرح بهذا، وَلَمْ يَكُنْ من منهجه التطويل والدخول في مناقشات طويلة ذات عمق علمي، لذا صار أمراً لَيْسَ بالميسور أن نحدد معالم منهجه الَّذِي حاول السير عَلَيْهِ في شرحه، لَكِنْ بَعْدَ التمعن والتمحيص استطعنا أن نجمل عدداً من تِلْكَ السمات، مِنْهَا: 1 - بيانه لما يخرج بقيود التعريف: كَمَا في بيانه لما يخرج بقيود تعريف الصَّحِيْح (¬1). 2 - بَيَان ما تحتمله ألفاظ الألفية من المواقع الإعرابية: كَمَا في ((عَبْد الرحيم)) (¬2)، و ((صعبها وسهلها)) (¬3)، وَقَدْ ينبه عَلَى إعراب بَعْض ألفاظ النظم ويبين الوجوه التِي يصح حملها عَلَيْهَا إِذَا كانت مواقعها الإعرابية تناسب أكثر من إعراب كَمَا في ((ثلاثةٍ)) (¬4)، و ((مبهماً)) (¬5). 3 - إتيانه تعريفات خارجة عَنْ موضوع الكِتَاب: مثل تعريف لفظ الجلالة ((الله)) (¬6)، والرحمة (¬7)، والحمد (¬8)، والمنة (¬9)، والنبي (¬10). ¬

_ (¬1) 1/ 96 - 97. (¬2) 1/ 87. (¬3) 1/ 95. (¬4) 2/ 222. (¬5) 1/ 93. (¬6) 1/ 86. (¬7) 1/ 86. (¬8) 1/ 88. (¬9) 1/ 89. (¬10) 1/ 90.

4 - تفرده بالنقل من شرح النَّاظِم الكبير (¬1). 5 - التنبيه عَلَى فوائد الأنواع (¬2). 6 - ضبط الكلمات عَلَى ما قِيْلَ فِيْهَا من اللغات المختلفة (¬3). 7 - كَانَ يسوق بَعْض الأقوال بسند صاحب الأصل ابن الصَّلاَح (¬4). 8 - ذكره لفوائد متممة مستفادة من أقوال علماء آخرين (¬5). 9 - تنبيهه عَلَى ضبط ألفاظ الأرجوزة بِمَا يستقيم مَعَ الوزن (¬6). 10 - زيادته عَلَى النَّاظِم وابن الصَّلاَح، كَمَا في زيادته لذكر وفاة ابن ماجه (¬7). 11 - تعريفه لبعض المصطلحات التِي أغفل النَّاظِم شرحها (¬8). 12 - الإشارة إِلَى الأوجه البلاغية في النظم (¬9). 13 - نبه على زيادات النَّاظِم عَلَى ابن الصَّلاَح (¬10). 14 - لَمْ يلتزم حرفية النص عَلَى قلة نقولاته (¬11). 15 - الإشارة إِلَى اختلاف نسخ الْمَتْن (¬12). 16 - ضبط الكلمات التِي لا خلاف فِيْهَا، كون الشائع عَلَى الألسنة خلاف الصَّحِيْح (¬13). ¬

_ (¬1) 1/ 87. (¬2) كما في 2/ 224 و 232 و 236. (¬3) 2/ 163 و 239 و 318. (¬4) كما في 2/ 228. (¬5) كما في: 2/ 227 و 232. (¬6) كما في: 1/ 343 و2/ 162 و 225 و 226 و 231 و 237 و318 و 319 و 327. (¬7) 2/ 317. (¬8) 1/ 344 (الثبت) و 2/ 78 (اللحن، والتصحيف، والتحريف). (¬9) كما في 2/ 229. (¬10) كما في 2/ 32. (¬11) كما في 2/ 71 هامش (6)، و 137 هامش (7). (¬12) كما في 2/ 74 و 96 و 117. (¬13) كما في 2/ 115 و 162 و 237 و 239.

المبحث الثاني: مميزات الشرح

17 - بيانه بعض الفروق، كَمَا في بَيَان الفرق بَيْنَ عدل الرِّوَايَة وعدل الشهادة (¬1)، والفرق بَيْنَ ((متوفى)) بفتح الفاء وكسرها (¬2). 18 - بيانه لماهية بَعْض الألفاظ عَلَى ما تقتضيه قواعد العلوم (¬3). 19 - تنبيهه عَلَى مناسبة الترتيب والتقديم والتأخير (¬4). 20 - الإحالة إِلَى بَعْض كتبه، كشرح البهجة (¬5)، وشرح تنقيح اللباب (¬6). 21 - بيانه لأصل اشتقاق بَعْض الألفاظ، مثل: نبي (¬7). المبحث الثانِي: مُميزات الشرح قَدْ بدا واضحاً عقب هَذَا كله أن الْقَاضِي زكريا الأنصاري حاول جاهداً توضيح وفكّ عبارات "التبصرة والتذكرة "، وكما كَانَ هدفه منذ البدء تحقيقاً لطلب ذَلِكَ العزيز، فَقَالَ: ((طلب منى بَعْض الأعزة عليَّ، من الفضلاء المترددين إليَّ، إِلَى أن أضع عَلَيْهَا شرحاً يحل ألفاظها، ويبين دقائقها، ويحقق مسائلها، ويحرر دلائلها فأجبته إِلَى ذَلِكَ)) (¬8). وَلَكِنْ الأمر الَّذِي لا مناص عَنْهُ، ونقرره نحن عملاً بالأمانة العلمية، أن الْقَاضِي زكريا لَمْ تَكُنْ كتابته هنا ذات أصالة بكرٍ، وإنَّمَا استمد أغلب مادته من شرح السخاوي، وشرح النَّاظِم، حَتَّى اتهمه السخاوي صراحة بِذَلِكَ، فَقَالَ: ((وكنت أتوهم أن كتابته أمتن من عبارته، إِلَى أن اتضح لي أمره حَيْثُ شرع في غيبتي بشرح ألفية الْحَدِيْث، مستمداً من شرحي، بِحَيْثُ عجب الفضلاء من ذَلِكَ)) (¬9). ¬

_ (¬1) 1/ 96. (¬2) 2/ 302. (¬3) كما في المبتدي والمنتهي: 1/ 92. (¬4) كما في تقديمه لمسلم على البخاريّ في النظم: 1/ 94. (¬5) 1/ 88. (¬6) 2/ 182. (¬7) 1/ 90. (¬8) فتح الباقي 1/ 85. (¬9) الضوء اللامع 3/ 236.

الباب الثالث: التحقيق

ولسنا في مقام تقرير المحق من غيره، لكننا لا نغمط الرجل حقه، فَقَدْ كانت الفوائد والزيادات التِي أتى بِهَا شيئاً جيداً نسبياً، لا سيما في النصف الأول من الكِتَاب، وتكاد تَكُوْن معدومة في النصف الثاني، خاصة الأنواع الأخيرة، إِذْ لَمْ يَكُنْ إلا تجريداً لفوائد شرح العراقي بالتحديد. وأيّما يَكُنْ الأمر فَقَدْ كانت لهذا الشرح حسناته، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فائدة إلا تِلْكَ النقولات عَنْ شيخه الحَافِظ علامة عصره ((ابن حجر)) لكفاه بِهَا فخراً. أضف إِلَيْهَا حرصه عَلَى ضبط نص الأرجوزة لغوياً وعروضياً، والتنبيه عَلَى ذَلِكَ بكثرة، وعَلَى كُلّ حال فالشرح يمثل حلقة من حلقات جهد السلف الصالح في خدمة هَذَا العِلْم الشريف، ولا نعدم مِنْهُ نفعاً، لا سيما مَعَ ما حليناه بِهِ من نكت وفوائد وتكميلات، أتَمت صورته، وأخرجته بوجه مشرق وضَّاءٍ تقرّ بِهِ العيون - إن شاء الله -. الباب الثَّالِث: التحقيق الفصل الأول: التعريف بالكتاب المبحث الأول: اسم الكتاب لَيْسَ هناك خلاف البتة في تسمية هَذَا الشرح، لاسيما أن الْقَاضِي زكريا نَصَّ عَلَى اسمه في مقدمته، فَقَالَ: ((وسميته "فتح الباقي بشرح ألفية العراقي ")) (¬1). وَلَكِنْ بعضهم يذكره فيتجوز في التسمية فيقول: شرح الْقَاضِي زكريا، أَوْ شرح الألفية للقاضي زكريا، والحق أن هَذَا لَمْ يرد بصدد وضع اسم يَكُوْن علماً عَلَى هَذَا الشرح حَتَّى يصح لنا أن ننقل خلافاً، ومن ثَمَّ مقارنة بَيْنَ أقوال القائلين. ¬

_ (¬1) فتح الباقي 1/ 85.

المبحث الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه

المبحث الثانِي: توثيق نسبة الكِتَاب إِلَى مؤلفه تظافرت المصادر التِي تحدثت عن ألفية الْحَدِيْث للحافظ العراقي عَلَى ذكر شرح الْقَاضِي زكريا الأنصاري، مِنْهُمْ: حاجي خليفة (¬1)، وإسماعيل باشا البغدادي (¬2)، والكتاني (¬3) وغيرهم. والأمر الثاني الَّذِي يعزز هَذَا القول: أن الْقَاضِي ذكر في أثناء الشرح كتباً مشهورة من تصانيفه، مثل: " شرح البهجة " و " تنقيح اللباب " وغيرها. كَمَا أن جَمِيْع النسخ الخطية اتفقت عَلَى إثبات اسم الْقَاضِي زكريا عَلَى طررها، زيادة عَلَى اتحاد الأسلوب مَعَ المؤلفات المقطوع بنسبتها إِلَيْهِ. وهناك أمر آخر يساهم في البتِّ بهذه النسبة، وَهُوَ نقولاته عَنْ مشايخه لا سِيَّما ابن حجر، بلفظ قَالَ شيخنا، وأفاده شيخنا، ونحوها. فَلَمْ يبق شك في تصحيح نسبة " فتح الباقي بشرح ألفية العراقي " إِلَى الْقَاضِي زكريا بن مُحَمَّد الأنصاري. المبحث الثَّالِث: تاريخ إكماله لَمْ يترك الْقَاضِي زكريا الأنصاري الباحث في حيرة من تحديد تاريخ إكمال الشرح، وذلك من خلال البحث عَنْ قرائن وإشارات تعين عَلَى ذَلِكَ المقصد، بَلْ كَانَ صريحاً جداً، واضحاً في تحديده، فصرح في نهاية الكِتَاب بذَلِكَ وأرّخ الانتهاء مِنْهُ في عاشر رجب سنة (896 هـ‍) ‍ (¬4). ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1/ 177. (¬2) هدية العارفين 1/ 308. (¬3) الرسالة المستطرفة: 215. (¬4) فتح الباقي 2/ 333.

الفصل الثاني: وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

الفصل الثانِي: وصف النسخ المعتمدة في التحقيق اعتمدنا في تحقيقنا لـ " فتح الباقي " عَلَى نسخ خطية للشرح، ونسخ مطبوعة، بغية الوصول إِلَى أفضل نص، واضعين نصب أعيننا كونه سليماً قويماً، خالياً من السقوطات والتصحيف والتحريف، فَقَدْ اعتمدنا عَلَى نسخ مخطوطة لنص " التبصرة والتذكرة " وسنعرض لكل مِنْهَا في مبحث: المبحث الأول: النسخ الخطية للشرح وَكَانَ نصيبنا مِنْهَا ثلاث نسخ، هِيَ: 1 - نسخة خطية محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة الكائنة في مدينة السلام بغداد - حرسها الله تَعَالَى - برقم (13838)، خطها فارسي واضح مقروء، تقع في (114) ورقة، بواقع (21) سطراً في الصفحة الواحدة، وبمعدل (11) كلمة في كُلّ سطر. كَانَ الفراغ من نسخها سنة (1304 هـ‍)، عَلَى يد ناسخها: السيد حسن البغدادي الشَّافِعِيّ بن السيد مُحَمَّد (¬1). وعليها حواشٍ لعلاّمة العراق ((الآلوسي))، ورمزنا لها بالرمز (ق). 2 - نسخة خطية محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد -عمرها الله- برقم (2820)، خطها نسخي واضح مقروء، وَهُوَ مشكول في بَعْض المواطن، كتبت كلمات النظم بالمداد الأحمر، والشرح بالمداد الأسود، تقع في (226) ورقة، بواقع (20) سطراً في الصفحة الواحدة، وبمعدل (8) كلمات في السطر. كَانَ الفراغ من نسخها في سنة (1170هـ‍)، عَلَى يد ناسخها: مُحَمَّد عُبادة (¬2). وَهِيَ نسخة جيدة، تظهر عَلَيْهَا آثار المقابلة والتصحيح، وعليها حواش كثيرة نقلاً عَنْ علماء عديدين، مِنْهُمْ: السخاوي، والسيوطي، وأكثر تِلْكَ الحواشي منقولة عَنْ حاشية العدوي عَلَى شرح الْقَاضِي زكريا الأنصاري، ورمزنا لها بالرمز (ع). ¬

_ (¬1) فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في بغداد 1/ 252، والفهرس الشامل للتراث الإسلامي المخطوط (قسم الحديث) 2/ 1163. (¬2) فهرس مخطوطات الأوقاف العامة في بغداد 1/ 275، والفهرس الشامل 2/ 1162.

المبحث الثاني: النسخ المطبوعة

3 - نسخة خطية محفوظة في دار الكتب المصرية (قسم حماية التراث)، برقم (162طلعت)، خطها نسخي دقيق واضح مقروء جميل، قَدْ يشكل الناسخ بَعْض الكلمات. تقع في (116) ورقة بواقع (27) سطراً في الصفحة الواحدة، وبمعدل (10) كلمات في السطر الواحد. وَهِيَ نسخة جيدة تظهر في حواشيها آثار المقابلة والتصحيح، وَكَانَ الفراغ من نسخها سنة (1237 هـ‍)، عَلَى يد ناسخها: مُحَمَّد صالح البنديْجي الحنفي (¬1). وَقَدْ رمزنا لها بالرمز (ص). المبحث الثَّانِي: النسخ الْمطبوعة وكانت عمدتنا فِيْهَا الطبعة المستقلة التِي قام بتحقيقها السيد: حافظ ثناء الله الزاهدي، أما الطبعات التِي طبعت مَعَ شرح الحَافِظ العراقي سواء أكانت الطبعة الفاسية، أَمْ الطبعة البيروتية، فهي من السوء إِلَى الحد الَّذِي يفقد كُلّ ثقة في الاعتماد عَلَيْهَا. وَقَدْ يتبادر إِلَى الذهن سؤال مفاده: علام هَذَا التحقيق ما دام الكِتَاب قَدْ طبع مستقلاً؟ فنقول: بالرغم من أن السيد الزاهدي قَدْ استفرغ وسعه في طبع الكِتَاب، فَقَدْ بدت فِيْهِ جملة من الهفوات، نجملها فيما يأتي تاركين تفصيلها إِلَى ما نبهنا عَلَيْهِ في هوامش تحقيقنا لهذا الشرح. 1 - السقوطات الكثيرة. 2 - الزيادات البينة السقم. 3 - الأخطاء الإملائية. 4 - أخطاء في الضبط والشكل. 5 - مخالفة الضبط لنص الْقَاضِي زكريا. 6 - قلة الإحالات والتخريجات. وغيرها كَثِيْر، وانظر في مصداق ذَلِكَ تعليقنا عَلَى الصفحات الآتية: ¬

_ (¬1) فهرس دار الكتب المصرية 1/ 267، والفهرس الشامل 2/ 1163.

المبحث الثالث: النسخ الخطية لـ" التبصرة والتذكرة "

الجزء الأول: 86، 88، 90، 94، 106، 117، 119، 121، 122، 123، 124، 125، 132، 133، 136، 139، 147، 148، 149، 152، 154، 168، 177، 178، 179، 186، 188، 191، 192، 194، 203، 204، 208، 211، 213، 215، 224، 225، 231، 234، 235، 236، 238، 244، 247، 252، 254، 258، 261، 271، 272، 281، 291، 292، 310، 315، 316، 320، 321، 324، 327، 333 334، 335، 336، 338، 339، 342، 343، 345، 346، 347، 348، 352، 354، 355، 359، 360، 362، 369، 378، 380، 381، 390، 393 395، 396، 397، 398، 399، 400، 402، 403، 404، 405، 406، 408. الجزء الثاني: 13، 14، 15، 17، 18، 23، 24، 25، 28، 29، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 38 41، 42، 49، 54، 57، 58، 59، 61، 67، 69، 72، 80، 81، 84، 87، 88، 89، 92، 94، 98، 100، 102، 105، 106، 107، 108، 109، 110، 111، 114، 115، 121، 123، 124، 125، 128، 132، 134، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 143، 145، 146، 147، 151، 157، 166، 168، 176، 180، 181، 182، 184، 188، 189، 190، 191، 193، 194، 196، 200، 203، 206، 207، 208، 209، 210، 211، 212، 214، 215، 217، 219، 220، 224، 227، 228، 229، 231، 234، 236، 246، 248، 249، 251، 253، 258، 259، 263، 264، 266، 267، 268، 269، 270، 272، 276، 278، 279، 280، 281، 285، 288، 289، 290، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 301، 303، 306، 307، 311، 316، 321، 323، 332. المبحث الثَّالِث: النسخ الخطية لـ" التبصرة والتذكرة " اعتمدنا على ثلاث نسخ خطية فيما يأتي وصفها: 1 - النسخة الأولى: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد -حرسها الله- تحت الرقم (8/ 2899مجاميع)، تقع في (48) ورقة خطها نسخي جميل واضح مشكول، وهي حديثة العهد، إذ نسخت في سنة (1208 هـ‍). ورمزنا لها بـ (أ). 2 - النسخة الثانية، وَهِيَ النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تَحْتَ الرقم (2818) تقع في (55) ورقة، كتبت بخط نسخ واضح مشكول تظهر عليها آثار المقابلة، وعلى حواشيها نقولات عدة عن شرح العراقي، وشرح زكريا الأنصاري، ونكت البقاعي، كتبها محمد أمين بن أحمد أفندي المدرس، وانتهى منها في سنة (1244هـ‍)، وعلى طرتها بعض التملكات وصورة وقفيتها، ورمزنا لها بالرمز (ب).

الفصل الثالث: منهج التحقيق

3 - النسخة الثالثة: تقع ضمن مجموع محفوظ في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم (1/ 2955 مجاميع) تقع في (52) ورقة، وخطها نسخي جميل واضح جداً ومشكول، وهي أقدم هذه النسخ إذ كتبت في سنة (1118هـ‍) عَلَى يد رَجُل لَمْ يدون سوى اسمه: عَبْد الغفور، وعلى طرتها تظهر صورة وقفيتها عَلَى المدرسة الأمينية، ورمزنا لها بالرمز (جـ). كَمَا لا يفوتنا أن نذكر أننا اعتمدنا في ضبط نص " التبصرة والتذكرة " عَلَى نسختين مطبوعتين، هما: الأولى: نصها المطبوع ضمن مجموعة: ((النفائس)) بتحقيق العلاّمة الراحل مُحَمَّد حامد الفقي المطبوعة بمطبعة السنة المحمدية سنة 1372 هـ‍-1953 م. الثاني: نصها المطبوع مَعَ: " فتح المغيث " متناً: وَهُوَ مستل من ((النفائس))، وشرحاً: وَهُوَ الممزوج بشرح السخاوي نفسه، وَقَدْ حققها صلاح مُحَمَّد عويضة، وَقَدْ طبع الكِتَاب بدار الكتب العلمية 1414 هـ‍- 1993 م. الفصل الثَّالِث: منهج التحقيق يمكننا أن نلخص منهج التحقيق الذي سرنا عليه والتزمناه في تحقيقنا لكتاب " فتح الباقي بشرح ألفية العراقي " في ما يأتي: 1 - حاولنا ضبط النص قدر المستطاع معتمدين على النسخ الخطية، ومستعينين بما نثق به من الكتب والطبعات السابقة للكتاب، مع مراجعة المصادر المباشرة للمؤلف، ككتب المتون والأسانيد، وكتب الرجال على اختلاف ألوانها. 2 - خرّجنا الآيات الكريمات من مواطنها في المصحف، مع الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية. 3 - خرّجنا الأحاديث النبوية الكريمة تخريجاً مستوعباً حسب الطاقة، وبينا ما فيها من نكت حديثية، ونبّهنا على مواطن الضعف، وكوامن العلل مستعينين بما ألّفه الأئمة الأعلام جهابذة الحديث ونقّاد الأثر في هذا المجال. 4 - خرّجنا أكثر نقولاته عن العلماء وذلك بعزوها إلى كتبهم.

5 - تتبّعنا المصنف فيما يورده من المذاهب سواء أكانت لغوية، أم فقهية، أم غيرها؟ ووثّقناها من المصادر التي تعنى بتلك العلوم. 6 - لم يكن من وكدنا أن نترجم للأعلام الذين يذكرهم المصنف عَلَى الرغم من فائدتها التي لا تخفى، مقدمين دفع مفسدة تضخم الكتاب، على مصلحة التعريف بهؤلاء الأعلام، على أن الكتاب لا يخلو من التعريف ببعضهم. 7 - قدّمنا للكتاب بدراسة نراها - حسب اعتقادنا - كافية كمدخل إليه. 8 - لم نألوا جهداً في تقديم أي عمل يخدم الكتاب، وهذا يتجلى في الفهارس المتنوعة التي ألحقناها بالكتاب، بغية توفير الوقت والجهد على الباحث. 9 - قمنا بشكل النص شكلاً كاملاً. 10 - علّقنا على المواطن التي نعتقد أنها بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان. 11 - ذيّلنا الشرح بالمهم من نكت وتعليقات، ممّا أغنى الكتاب وتمّم مقاصده. 12 - حاولنا جاهدين إيراد النكت والتعقبات وأجوبتها في أكثر الأحيان من مصادرها الأصيلة كـ" نكت الزركشي " و " نكت العراقي " و "نكت ابن حجر" و " البحر الَّذِي زخر " وغيرها. 13 - تناول الْقَاضِي زكريا الأنصاري نص " التبصرة والتذكرة " بالشرح حَتَّى إنّه يشرح العنوان ويفك أجزائه، لذَا ارتأينا أن نضع العناوين من " التبصرة والتذكرة " كَمَا ذكرها الحَافِظ العراقي إضافةً من عندنا حرصاً عَلَى فائدة القارئ. 14 - بالنسبة لتوزيع الأبيات التِي ترتبط بموضوع واحد، وتتناول جوانب عدة مِنْهُ، فَقَدْ اعتمدنا تقسيم السيد الزاهدي لتلك الأبيات، حَيْثُ إن الْقَاضِي ترك إيراد الأبيات أصلاً، ولأننا رأينا تقسيمه ذا موضوعية تخدم الشرح وتقدمه بصورة أبهى، عَلَى أنا لَمْ نعتمد نصه. سبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

صور مخطوطات

صور مخطوطات

القسم الثاني: [النص المحقق]

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ [وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الحمدُ للهِ الذي وَصَلَ مَنِ انْقَطَعَ إِليهِ بدينهِ القويمِ، ورفع مَن أَسندَ أمرَهُ إِليهِ باتباعِ سُنَّةِ نبيِّهِ الكريمِ، وهدى مَن وفقَّهُ إلى طريقٍ (¬1) مستقيمٍ. أحْمَدُهُ عَلَى آلائِهِ، وأشكرُهُ عَلَى نَعْمائهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ الواحدُ القهَّارُ، الكريمُ الحليمُ الستَّارُ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا مُحَمَّداً عبدُهُ ورسولهُ، وصفيُّه، وحبيبُه، وخليلُه، صَلَّى اللهُ وسلَّم عَلَيْهِ، وعلى إخوانِه النبيِّينَ، وعلى آلِ كُلٍّ، وسائرِ الصالحينَ.] (¬2) وبعدُ: فإنَّ ألْفِيَّةَ علمِ الحديثِ المسمَّاةَ بـ " التبصرةِ والتذكرةِ " (¬3) للشيخِ الإمامِ الحافِظِ، شيخِ الإسلامِ، أبي الفَضْلِ عبدِ الرَّحيمِ زَيْنِ الدِّينِ بنِ الحسينِ بنِ عبدِ الرَّحمانِ (¬4) بنِ أبي بكرِ بنِ إِبْرَاهِيمَ العراقيِّ (¬5)؛ لَمَّا اشتملَتْ عَلَى نقولٍ عجيبةٍ، ومسائلَ غريبةٍ، وحدودٍ منيعةٍ، وموضوعاتٍ بديعةٍ، مَعَ كثرةِ علمِها، ووجازةِ نَظْمِها؛ طلبَ مني بعضُ الأعِزَّةِ عليَّ مِنَ الفضلاءِ المتردِّدينَ إليَّ أنْ أضعَ عليها شَرْحاً يَحُلُّ ألفاظَها، ويُبرِّزُ دقائقَها، ويُحَقِّقُ مسائلَها، ويُحرِّرُ دلائِلَها. فأجبتُه إلى ذَلِكَ، بعونِ القادرِ المالكِ، ضامّاً إِليهِ مِنَ الفوائدِ المُسْتَجادَاتِ (¬6) ما تقرُّ بِهِ أعيُنُ أولي الرغباتِ؛ راجياً بذلك جزيلَ الأجرِ والثوابِ، من فَيضِ مولانا الكريمِ (¬7) الوهَّابِ، وسمَّيتُهُ " فَتْحَ الباقي بشرحِ ألفيَّةِ العراقي ". ¬

_ (¬1) في (ع): ((صراط)). (¬2) ما بين المعكوفتين سقط من (ن). (¬3) وقد طبعت بتحقيقنا مفردة، مضبوطة بالشكل، على عدد من النسخ الخطية. (¬4) في (ق): ((الرحيم)) وهو خطأ. (¬5) انظر ترجمته مفصلة في: الفصل الدراسي من هذا الكتاب 1/ 8 - 31. (¬6) قوله: ((المستجادات)) أي: الذي (كذا) وجدت جيدة مستحسنة. كما في حاشية (ع). (¬7) في (ص) و (ق): ((الأكرم)).

واللهَ أَسألُ أَنْ ينفعَ بِهِ، ويجعلَهُ خالِصاً لوجهِه الكريمِ. وأرويها وشرحَها درايةً وروايةً عَنْ مشايخِ الإسلامِ: الشهابِ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ حَجَرٍ العَسْقَلاَنيِّ، والشمسِ مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ القَايَاتيِّ الشافعيَّينِ، والكمالِ مُحَمَّدِ بنِ الهُمامِ الحنفيِّ (¬1). بروايةِ الأولِ لهما عَنْ مؤلِّفِهِمَا، والثاني عَنْ ابنِ مُؤَلِّفِهِمَا شيخِ الإسلامِ أبي زُرْعَةَ وليِّ الدينِ (¬2)، والثالثِ عَنْهُ، وعَنِ الإمامِ السِّراجِ (¬3) قارِئِ " الهدايةِ "، عَنْ مؤلِّفِهِما. وحيثُ أطلقتُ شيخَنا فَمُرادي بِهِ الأولُ. قَالَ المؤلِّفُ: (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ) (¬4) أي: أؤَلِّفُ. والاسمُ مشتقٌّ من ((السُّمُوِّ)) [بضمِّ السينِ وكسرِها] (¬5)، وَهُوَ: العلوُّ، وَقِيلَ: من ((الوَسْمِ)) وَهُوَ: العلامةُ (¬6). و (اللهِ) عَلَمٌ على الذَّاتِ الواجبِ الوجودِ، المستحقِّ (¬7) لجميعِ المحامدِ. و (الرحمانِ) و (الرحيمِ) صفتانِ مشتقَّتانِ (¬8) بُنِيتا للمبالغةِ من ((رَحِمَ)) كغضبان من ((غَضِبَ)). ¬

_ (¬1) انظر ترجمة هؤلاء العلماء الأعلام في قسم الدراسة 1/ 53 - 58. (¬2) في (ق): ((ولي الدين العراقي)). هو أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي، توفّي سنة (826 هـ‍). انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 80، ولحظ الألحاظ: 284، والضوء اللامع 5/ 200، وحسن المحاضرة 1/ 362. (¬3) في (ع): ((السراجي)). وهو سراج الدين، أبو حفص، عمر بن عليّ بن فارس المصري المعروف بـ: (قارئ الهداية)، توفّي سنة (829 هـ‍). انظر: شذرات الذهب 7/ 191، والأعلام 5/ 57. (¬4) أثبت البسملة القاضي زكريا هنا. وهي غير موجودة في شرح التبصرة والتذكرة ولا في فتح المغيث. وانظر: النكت الوفية 4/ أ. (¬5) ما بين المعكوفتين سقط من (ص) و (ق). (¬6) في اشتقاق الاسم بين النحاة خلاف، فذهب البصريون إلى أنه مشتق من السمو، وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوسم. انظر تفصيل ذلك في: الإنصاف 1/ 6 وما بعدها. (¬7) المثبت من (ص) و (ق) و (ع). وفي (م) المستجمع. (¬8) أشار في حاشية (ع) إلى أن في نسخة: ((مشبهتان)).

والرَّحْمَةُ لغةً (¬1): رِقَّةُ القلبِ (¬2). وَهِيَ كيفيِّةٌ نفسانِيَّةٌ، تستحيلُ في حقِّ اللهِ تعالى (¬3)؛ فَتُحْمَلُ عَلَى غايتِها، وَهِيَ الإنعامُ؛ فتكونُ صفةَ فعلٍ، أَوْ الإرادةُ؛ فتكونُ صفةَ ذاتٍ (¬4). والرحمانُ أبلغُ من الرحيمِ؛ لأنَّ زيادةَ البناءِ تدلُّ عَلَى زيادةِ المَعْنَى، كَمَا في ((قَطَعَ)) و ((قَطَّعَ)) (¬5). 1 - يَقُوْلُ رَاجِي رَبِّهِ المُقْتَدِرِ (¬6) ... عَبْدُ الرَّحيمِ بنُ الحُسَيْنِ الأَثَريْ 2 - مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللهِ ذِي الآلاءِ ... عَلَى امْتِنَانٍ جَلَّ عَنْ إحْصَاءِ 3 - ثُمَّ صَلاَةٍ وسَلامٍ دَائِمِ ... عَلَى نَبِيِّ الخَيْرِ ذِي المَرَاحِمِ (يَقُوْلُ رَاجِي رَبِّهِ) أي: مُؤمّلُ عفوِ مالكِهِ (المقتدرِ) أي: تامِّ القدرةِ عَلَى مَا يريدُ. قَالَ النَّاظِمُ في " شرحهِ الكبيرِ " (¬7): والمقتدرُ من أسماءِ الجلالِ والعظمةِ. قَالَ: وَكَانَ المناسبُ لراجي رَبِّهِ أنْ يذكرَ بدلَهُ اسماً من أسماءِ الرأفةِ والرحمةِ؛ لكنَّ الذي ذكرَهُ أبلغُ في قُوَّةِ الرجاءِ؛ إذ وجودُهُ مَعَ استحضارِ صفاتِ الجلالِ أدلُّ عَلَى وجودِهِ مَعَ استحضارِ صفاتِ الجمالِ. (عَبْدُ الرحيمِ) عطفُ بيانٍ عَلَى راجي، أَو بدلٌ مِنْهُ، أَوْ خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ (¬8). (بنُ الْحُسَيْنِ الأَثَريْ) -بفتح الهمزة والمثلثة-، نسبةً إلى ((الأَثَرِ)) (¬9)، وَهُوَ الأحاديثُ ¬

_ (¬1) ((لغة)): سقطت من (ق) و (ص). (¬2) انظر: الصحاح 5/ 1929، واللسان 12/ 231 (رحم). (¬3) في (ص): ((في حقه تعالى)). (¬4) ((ذات)): سقطت من (ص). (¬5) تقرر عند النحاة أنّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فمّما ذكروه منها صفة ((فعّل)) أبلغ من صفة ((فعل))؛ لأن فيها الفعل وزيادة. انظر: التعبير القرآني: 34. (¬6) في (ع) و (ج‍): ((المقتدري)). (¬7) أشار البقاعي في نكته الوفية: 3/ ب إلى أنه لم يوجد منه إلا قطعة يسيرة وصل فيها إلى الضّعيف. (¬8) تقديره: ((هو)). (¬9) انظر: الأنساب 1/ 84، واللباب 1/ 28، ولب اللباب 6.

مرفوعةً أَوْ موقوفةً (¬1)، وإن قصَرَهُ بعضُ الفقهاءِ عَلَى الموقوفةِ (¬2). (مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللهِ) الشَّامِلِ للبَسْمَلَةِ، والحَمْدَلَةِ؛ فالمرادُ بَعْدَ ذكرِ اللهِ، وكلٌّ مِنْهُمَا ذكرُ اللهِ، فيكونُ قَدْ ابتدأَ بهما اقتداءً بالكتابِ العزيزِ، وعملاً بخبرِ: ((كُلُّ أمْرٍ ذِيْ بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيْهِ بـ ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ))؛ فَهُوَ أَقْطَعُ)). وَفِي روايةٍ: بِـ: ((الحمدُ للهِ)) وَفِي روايةٍ: ((بِذِكْرِ اللهِ)). رواهُ أبو دَاوُدَ وغيرُهُ (¬3)، وحسَّنَهُ ابنُ الصَّلاحِ وغيرُهُ. والحمدُ لغةً: الثناءُ باللِّسانِ عَلَى الجميلِ الاختياريِّ، عَلَى جهةِ التبجيلِ والتعظيمِ، سواءً أتعلَّقَ (¬4) بالفضائلِ أَمْ بالفواضلِ؟ وعُرْفاً: فعلٌ (¬5) ينبئُ عَنْ تَعْظيمِ المُنْعِمِ من حيثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الحامدِ، أو غيرِهِ (¬6). وَقَدْ بسطْتُ الكلامَ عَلَيْهِ، وعلى الشكرِ والمدحِ في شرحِ " البهجة " (¬7). (ذِي الآلاءِ) أي: صاحبِ النِّعَمِ. وفي مفردِها لغاتٌ: ((أَِلاً)) - بِفَتْحِ الهمزةِ وكَسْرِها مَعَ التَّنوين وَعَدمِهِ (¬8) فِيْهِمَا -، ((وألْي)) - بتثليث الهمزة مَعَ سكون اللام والتنوين-، وأشهرُها الأُوْلَى: ألاً (¬9) بوزن: رَحًى (¬10). ¬

_ (¬1) وهذا مذهب أهل الحديث. انظر: مقدمة شرح مسلم 1/ 29، والإرشاد 1/ 159. (¬2) قال النووي: ((وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تسمية الموقوف بالأثر، والمضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخبر)). الإرشاد 1/ 158 وانظر: الرسالة 18، و 508. (¬3) أخرجه أحمد 2/ 359، وأبو داود (4840)، والنّسائيّ في الكبرى (10328) و (10329)، وفي عمل اليوم والليلة (494) و (495)، وابن حبان (1)، والدارقطني 1/ 229، والبيهقي في الكبرى 3/ 208 و 209 من حديث أبي هريرة. وأخرجه النّسائيّ في الكبرى (10330) و (10331)، وفي عمل اليوم والليلة (496) و (497) من طريق الزهري عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. (¬4) في (ع) و (ص) و (ق): ((تعلق))، والمثبت من (م). (¬5) سقط من (ق). (¬6) انظر: التعريفات: 55. (¬7) هو الغرر البهية في شرح البهجة الوردية. وقد تقدم ذكره في الدراسة ضمن مؤلفاته. (¬8) ((وعدمه)): ساقطة من (ق). (¬9) في (م): ((وأشهرها: الألى ... ))، وفي (ص) و (ق): ((وأشهرها: الأولى ... )). والمثبت من (ع). (¬10) انظر: لسان العرب 14/ 43، وتاج العروس 10/ 21 (ألا).

(عَلَى امتنانٍ) مِنْهُ - تعالى - عليَّ. مأخوذٌ من ((المنَّة))، وَهِيَ النِّعْمَةُ. وَقِيلَ: النعمةُ الثقيلةُ. وتطلقُ المنَّةُ عَلَى تَعْدادِ (¬1) النِّعَمِ، بأنْ يقولَ المُنْعِمُ لمَنْ أنْعَمَ عَلَيْهِ: فعلتُ مَعَكَ كَذَا وكذا. وَهُوَ في حقِّ اللهِ - تعالى - صَحِيْحٌ، وفي حقِّ العبدِ قبيحٌ؛ لقولهِ تَعَالَى: {لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالْمَنِّ والأَذَى} (¬2). وتنكيرُ امتنانٍ للتكثيرِ والتعظيمِ. أي: امتناناتٍ كثيرةٍ عظيمةٍ منها: الإلهامُ لتأليفِ هَذَا الكتابِ والإقدارِ عَلَيْهِ، و (عَلَى امتِنَانٍ (¬3)) صِلةُ (حمدِ). وإنَّما حُمِدَ عَلَى الامتنانِ، أي: في مقابلتِهِ لا مطلقاً؛ لأنَّ الأوَّلَ واجبٌ والثاني مَنْدوبٌ. ووصفَ الامتنانَ بما هُوَ شأنهُ فَقَالَ: (جَلَّ) أي: عَظُمَ. (عَنْ إحصاءِ) أي: ضبطٍ بالعدِّ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصَوهَا} (¬4). (ثُمَّ) بَعْدَ (صلاةٍ) وهِيَ من اللهِ: رَحمةٌ، ومِنَ الملائكةِ: استغفارٌ، ومن الآدمي: تضرُّعٌ ودعاءٌ (¬5). (وسلامٍ) أي: تسليمٍ (دائمِ)، كلٍّ منهما (عَلَى نبيِّ الخيرِ) الجامعِ لكُلِّ محمودٍ دنيويٍّ، وأخرويٍّ (ذي المرَاحمِ) جَمْعُ ((مَرْحَمَةٍ))، وَهِيَ (¬6) بمعنى: الرحمةِ (¬7). ففي خبرِ مسلمٍ: ((أنَا نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ)). وفي روايةٍ: ((الرَّحْمَةِ))، وفي روايةٍ: ((الْمَلْحَمَةِ)) (¬8). وَهِيَ المعركةُ، والمرادُ بها القتالُ. ¬

_ (¬1) في (ص) و (ق) و (م): ((تعديد))، المثبت من (ع). وانظر التاج 8/ 353. (¬2) البقرة: 264. (¬3) ((امتنان)) ساقطة من (ع) و (م). (¬4) إبراهيم: 34. (¬5) انظر: تفسير الطبري 12/ 43، والدر المنثور 6/ 646. (¬6) المثبت من (م) وأشار محققها إلى أنها موجودة في إحدى نسخه. وقد سقطت من أصولنا. (¬7) قارن بـ ((شرح صَحِيْح مُسْلِم 5/ 114)). (¬8) الذي في صَحِيْح مُسْلِم 7/ 90 (2355) من حَدِيث أبي موسى الأشعري، قَالَ: كَانَ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يسمي لَنَا نَفْسه أسماء، فَقَالَ: ((أنا محمّد، وأحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)). =

والنَّبيُّ: إنسانٌ أوحيَ إِليهِ بشرعٍ، وإنْ لَمْ يُؤمَرْ بتبليغِهِ، فإنْ أُمِرَ بِهِ؛ فرسولٌ أَيْضَاً؛ [فالنَّبيُّ أعمُّ من الرسولِ] (¬1). وَقَالَ: نبيٌ دُوْنَ رسولٍ (¬2)؛ لأنهُ أعمُّ مَعْنًى واستعمالاً، وللتعبيرِ بِهِ في خبرِ: ((أنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ)) الدالِّ عَلَى وصفهِ بها. ولفظُهُ: بالهمزِ من النَّبأِ أي: الخبرِ؛ لأنَّ النَّبيَّ مُخْبِرٌ عَنْ اللهِ تعالى، وبلا همزٍ، وَهُوَ الأكثرُ. قِيلَ: إنَّه مخفَّفُ المهموز بقلبِ (¬3) همزتِهِ ياءً. وَقِيلَ: إنَّهُ الأصلُ مِنَ النَّبْوَةِ - بفتح النونِ وإسكانِ الباءِ - أي: الرِّفعةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ مرفوعُ الرُّتبةِ عَلَى سائرِ الخلقِ (¬4). 4 - فَهَذِهِ المَقَاصِدُ المُهِمَّهْ ... تُوْضِحُ مِنْ عِلْمِ الحدِيْثِ رَسْمَهْ 5 - نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي والْمُسْنِدِ 6 - لَخَّصْتُ فيهَا ابْنَ الصَّلاحِ أَجْمَعَهْ ... وَزِدْتُهَا عِلْماً تَرَاهُ مَوْضِعَهْ ثُمَّ بَيَّن مَقُولَ الْقَولِ مُنَبِّهاً عَلَى ما حَذَفَهُ مِنْهُ بفاءِ الجَزاءِ، بقوله: (فهذهِ) أي: ¬

_ = وهو عند الطيالسي (492)، وأحمد 4/ 395 و 404 و 407، وابن سعد في الطبقات 1/ 104 - 105، وابن أبي شيبة في المصنف (31684)، والطحاوي في شرح المشكل (1152)، والحاكم في المستدرك 2/ 604، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 156. وجاءت لفظة: ((الملحمة)) من حديث أبي موسى أيضاً عند علي بن الجعد (3322)، وأحمد 4/ 395، وابن حبان (6323). والحديث صحيح ((متفق عليه)) من حديث جبير بن مطعم، وهو مخرج عندنا بتوسع في كتاب " شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - " (366). وهو صحيح أيضاً، من حديث حذيفة بن اليمان، عند أحمد 5/ 405، والترمذي في الشمائل (367) و (368). (¬1) ما بين المعكوفتين سقط من (ص). انظر: شرح المقاصد 3/ 6، وقارن بشرح العقيدة الطحاوية1/ 155. (¬2) المثبت من (ع) و (ص) و (ق). وفي (م): ((الرسول)). (¬3) في (ق): ((قلبت)). (¬4) انظر الصحاح 6/ 2500، ولسان العرب 15/ 302، والتاج 10/ 354.

يقولُ بَعْدَ مَا ذَكرَ أمَّا بَعْدُ: فهذهِ (المَقَاصِدُ)، [أي (¬1): الموجودةُ في كتابِ ابنِ الصَّلاحِ] (¬2) (المُهِمّهْ) أي: التي يُهْتَمُّ بها، (تُوضِحُ) أي: تُبيِّنُ لَكَ (مِنْ عِلْمِ الحَديْثِ رَسْمَهْ) أي: أثرَهُ (¬3) الذي تُبْنَى عَلَيْهِ أصولُهُ. يعني: ما خَفيَ عليكَ مِنْهُ. ومِنْهُ: رسمُ الدارِ، وَهُوَ ما كَانَ من آثارِها لاصقاً بالأرضِ (¬4). وعبَّرَ - كما قَالَ - بالرسمِ هنا إشارةً إلى دُرُوسِ (¬5) كثيرٍ من هَذَا العلمِ، وإنَّهُ بقيَتْ مِنْهُ آثارٌ يُهْتَدَى بها، ويُبنَى عليها (¬6). والحديثُ - ويُرادفُه الخبرُ (¬7) - عَلَى الصحيحِ: ما أُضيفَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - - قِيلَ: أَوْ إلى صحابيٍّ، أَوْ إلى مَنْ (¬8) دُونَهُ - قولاً، أَوْ فعلاً، أَوْ تقريراً، أَوْ صفةً. ويُعبَّرُ عَنْ هَذَا بعلمِ الحديثِ رِوَايَةً. ويُحَدُّ بأنَّهُ: علمٌ يشتملُ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ. وموضوعُه: ذاتُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حيثُ إنَّهُ نبيٌّ. وغايتُه: الفوزُ بسعادةِ الدارينِ (¬9). ¬

_ (¬1) سقطت ((أي)) من (ع). (¬2) ما بين المعكوفتين سقط من (ص) و (ق). (¬3) في (ق): ((رسمه)). وانظر معنى الرسم لغة في: الصحاح 5/ 1932، ولسان العرب 12/ 241 (رسم)، وتعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105. (¬5) أي: اندراس، واندرس الرسم بمعنى: انطمس، انظر: التاج 16/ 70 (درس). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105. (¬7) انظر: نكت ابن حجر 1/ 225، والبحر الذي زخر 1/ 27 - 28، وتدريب الراوي 1/ 40. قال الجزائري في كتابه توجيه النظر 1/ 40: ((إن الحديث ما أضيف إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيختص بالمرفوع عند الإطلاق، ولا يراد به الموقوف إلا بقرينة. وأما الخبر فإنه اعمّ، لأنه يطلق على المرفوع والموقوف، فيشمل ما أضيف إلى الصّحابة والتابعين، وعليه يسمّى كل حديث خبراً، ولا يسمّى كل خبر حديثاً. وقد أطلق بعض العلماء الحديث على المرفوع والموقوف، فيكون مرادفاً للخبر. وقد خصّ بعضهم الحديث بما جاء عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - والخبر بما جاء عن غيره، فيكون مبايناً للخبر)). (¬8) ((من)) سقطت من (ص). (¬9) انظر: مقدمة شرح الكرماني على البخاريّ 1/ 12، والتدريب 1/ 41.

وأما علمُ الحديثِ درايةً - وَهُوَ المرادُ عِنْدَ الإطلاقِ، كما في النَّظْمِ - فَهُوَ: علمٌ يعرفُ بِهِ حالُ الراوي والمرويِّ (¬1) من حيثُ القبولُ والردُّ. وموضوعُهُ: الراوي والمرويُّ من حيثُ ذَلِكَ. وغايتُهُ: معرفةُ ما يُقْبَلُ وما يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ. ومسائلُه: ما يُذكَرُ (¬2) في كُتُبِهِ من المقاصدِ. (نَظَمْتُها) أي: المقاصدَ. أي: جمعتُها عَلَى بحرٍ يُسَمَّى بـ: بحرِ الرَّجَزِ (¬3). (تبصرةً للمُبتدِيْ) - بترك الهمزة - يتبصَّرُ بها ما لَمْ يعلَمْهُ. و (تذكرةً للمُنتهِي) يتذكرُ بها ما عَلِمَهُ وغَفَلَ عَنْهُ. (و) للراوي (المُسنِدِ) - بكسرِ النونِ -: الذي اعتنى بالإسنادِ خاصَّةً، يتبصَّرُ، أَوْ يتذكرُ بها كيفيَّةَ التحمُّلِ والأداءِ ومتعلقاتِهِمَا (¬4). والمبتدي: مَنْ حَصَّلَ شيئاً ما (¬5) من الفنِّ. والمنتهي: مَنْ حَصَّلَ مِنْهُ أكثرَهُ، وصلَحَ لإفادتِهِ. والمتوسِّطُ مفهومٌ بالأَوْلَى، فلا (¬6) يَخْرُجُ عنهما؛ لأنَّهُ بالنسبةِ لما أتقنَهُ مُنْتَهٍ، ولما لَمْ يُتْقِنْهُ مُبْتَدٍ. ويُقالُ: مَنْ شَرَعَ في فنٍّ فإنْ لَمْ يستقلَّ بتصوُّرِ (¬7) مسائلِهِ فمُبْتَدٍ، وإلاَّ فمُنْتهٍ، إنِ استحضرَ غالبَ أحكامِهِ، وأمْكَنَهُ الاستدلالُ عَلَيْهَا، وإلاَّ فمتوسِّطٌ. ¬

_ (¬1) انظر: نكت ابن حجر 1/ 225، والبحر الذي زخر 1/ 27 - 28، وتدريب الراوي 1/ 40. (¬2) في (ع): ((تذكر)). (¬3) بعد هذا في (م): [ووزنه مستفعلن ست مرات] وأشار المحقق إلى أنها زيادة من إحدى نسخه ورمز لها بـ (ز). وبحر الرجز أحد بحور الشعر العربي التي اكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ‍). (¬4) قال السيوطي: ((المسند: وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرّواية وأما المحدث فهو أرفع منه)). تدريب الراوي 1/ 43. (¬5) ((ما)): سقطت من (ق). (¬6) في (ص) و (ع): ((إذ لا)). (¬7) في (ع) و (ق): ((بتصوير)).

وأشارَ بـ " التبصرةِ والتذكرةِ " إلى اسمِ منظومتِهِ. (لَخَّصْتُ فِيْهَا) عُثْمَانَ أبا عَمْرٍو (ابنَ الصَّلاحِ) أي: مقاصدَ كتابِهِ (¬1) (أجمعَهْ). فلا ينافي ذَلِكَ حذفَ كثيرٍ من أمثلتِه، وتعاليلِه، ونسبةِ أقوالٍ لقائلِيها وما تكررَ فِيهِ. (و) مَعَ تلخيصي مقاصدَهُ فيها، (زِدْ تُها عِلْماً تَرَاهُ) أي: الزائدَ، (مَوْضِعَهْ) مُتَميِّزاً (¬2) أَوَّلَ كثيرٍ مِنْهُ بـ ((قلتُ))، أَوْ بدونِهِ، كأنْ يكونَ حكايةً عَنْ متأخّرٍ، عَنِ ابنِ الصلاحِ، أَوْ تعقُّباً لكلامِهِ بردٍّ، أَوْ نحوِهِ، أَوْ إيضاحاً لَهُ. وما لَمْ يتميَّزْ سأميِّزُهُ في محالِّهِ (¬3). 7 - فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّميْرُ ... لِواحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ (¬4) 8 - كَـ (قَالَ) أوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الشَّيْخِ مَا ... أُرِيْدُ إلاَّ ابْنَ الصَّلاحِ مُبْهَِما 9 - وَإِنْ يَكُنْ لاثْنَيْنِ نَحْوُ (الْتَزَمَا) ... فَمُسْلِمٌ مَعَ البُخَارِيِّ هُمَا 10 - وَاللهَ أرجُوْ في أُمُوْرِي كُلِّهَا ... مُعْتَصَِماً في صَعْبِهَا وَسَهْلِهَا وَقَدِ اصطَلَحَ عَلَى شيءٍ للاختصارِ في نظمه، فبيَّنَهُ بقولِهِ: (فحيثُ جاءَ الفعلُ والضميرُ) أي: أحدُهما (لواحدٍ) فقطْ (ومَنْ لَهُ) أي: الفعلُ أَوْ الضميرُ (مستورُ) أي: غَيْرُ مذكورٍ، كـ (قَالَ)، وله (أَوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الشَّيْخِ، مَا أُريْدُ) بكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ (إلاَّ ابنَ الصَّلاحِ مُبْهَما) بتلكَ الألفَاظِ بفتحِ الهاءِ (¬5): حالٌ من ¬

_ (¬1) قال ابن جماعة: ((واقتفى آثارهم - يعني الحفاظ المتقدمين - الشّيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح بكتابه الذي أوعى فيه الفوائد وجمع، وأتقن في حسن تأليفه ما صنع)) المنهل الروي: 26. وقال العراقي: ((أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعاً)). التقييد والإيضاح: 11، وانظر في أهمية هذا الكتاب ونفاسته مقدمتنا لـ" معرفة أنواع علم الحديث " لابن الصّلاح: 34 - 37. (¬2) في (ق): ((مميزاً)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106 - 107. (¬4) معنى البيت لا يكتمل إلاّ بالبيت الذي بعده، وهو عيبٌ عند العروضيين ويسمّى بـ (التضمين). والتضمين لَيْسَ بَيْن هَذَا البيت والذي بعده فَقَطْ وانما يتكرر كثيراً في هَذَا النظم، بَلْ في جَمِيْع المنظومات التعليمية كألفية ابن مالك وألفية ابن معطي وغيرهما؟ وانظر الأبيات: 14، 15، 16، 17، 27، 28، (¬5) من (مبهما).

مفعولِ ((أريدُ)) (¬1)، وبكسرِها: حالٌ من فاعلِهِ (¬2)، مَعَ أنَّ هَذَا يُغنِي عَنْهُ إطلاقُ تِلْكَ الألفاظِ: إذِ المتبادرُ مِنْها الإبهامُ. (وإنْ يَكُنْ) أي (¬3): ما ذكر من الفعلِ أَو (¬4) الضميرِ (لاثنينِ نحوُ) قولِك: (التَزَما) كقولِهِ: (واقْطَعْ بصحةٍ لِمَا قَدْ أسنَدا) (¬5). وقولِه: (وأرْفَعُ الصَّحِيحِ مَرْويُّهُما) (¬6). (فَمُسْلِمٌ مَعَ البُخَارِيِّ هُمَا)، وَهُمَا: إماما المحدِّثينَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبْرَاهِيمَ بنِ المغيرةِ بنِ بَرْدِزْبَه (¬7) الجُعْفِيُّ البُخَارِيُّ، وأبو الحسينِ مُسْلِمُ بنُ الحجَّاجِ بنِ مسلمٍ القُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ. وقدَّمهُ عَلَى البخاريِّ - مَعَ أنَّ البخاريَّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ رتبةً (¬8) - اكتفاءً بما هُوَ معلومٌ، أَوْ بتعبيرِه بـ ((مَعَ)) المُشْعِرةِ بتبعيِّةِ ما قبلَها لما بعدَها، أَوْ لضرورةِ النَّظْمِ عِندَهُ. (واللهَ) لا غيرَ (أَرْجوْ) أي: أؤمِّلُ (في أُمُوْرِيْ كُلِّها) الدنيويةِ والأخرويةِ (معتصَماً) بفتحِ الصادِ تمييزٌ للنسبةِ. أي: أرجوه من جهةِ العِصْمَةِ بمعنى الحِفْظِ. وبكسرِها (¬9) حالٌ من فاعلِ (أرجو) (¬10) بِجَعْلِ العِصْمَةِ بمعنى المنعِ من المعصيةِ (¬11) أي: مانعاً نفسي منها (¬12) بلطفِ اللهِ تعالى في أموري كلِّها. ¬

_ (¬1) وهو ابن الصّلاح صاحب الأصل " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬2) وهو النّاظم أي: الحافظ العراقي صاحب " التبصرة والتذكرة ". (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) كذلك. (¬5) وهو صدر البيت (40) من متن التبصرة والتذكرة. (¬6) هو صدر البيت (37). (¬7) بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمة وفتح الموحدة بعدها هاء، هذا هو المشهور في ضبطه، وبه جزم ابن ماكولا، وقد جاء في ضبطه غير ذلك. هدي الساري: 477، وانظر: وفيات الأعيان 4/ 190. (¬8) انظر: نكت الزركشي 1/ 165 - 166. (¬9) يريد كسر: ((معتصماً))، وانظر: شرح التبصرة 1/ 109. (¬10) وهو النّاظم. (¬11) المثبت من (ص) و (ع) و (ق). وفي (م): ((العصمة)). (¬12) المثبت من (ص) و (ع) و (ق). وفي (م) ((منّاً)).

أقسام الحديث

(في صَعْبِها وسَهْلِها) عطفُ بيانٍ عَلَى (في أموري) (¬1) أَوْ بدلٌ مِنْهُ. أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ 11 - وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ ... إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ 12 - فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَادِ 13 - عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ ... وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي (وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ) أي: الحَدِيثِ. أي: مُعْظَمِ أَهْلِهِ (قَسَّمُوا السُّنَنْ) المضافةَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قولاً، أَوْ فعلاً، أَوْ تقريراً أَوْ صِفَةً أَوَّلاً، وبالذاتِ (إلى: صَحِيحٍ وَضَعيفٍ وَحَسَنْ)؛ لأنَّها إنِ اشتملَت من أوصافِ القبولِ عَلَى أعلاها؛ فالصحيحُ، أَوْ عَلَى أدناها؛ فالحسنُ، أَوْ لَمْ تشتملْ عَلَى شيءٍ منها: فالضعيفُ (¬2). وقدَّمَهُ عَلَى الحسنِ مَعَ أَنَّهُ مؤخّرٌ عَنْهُ رتبةً، بَلْ لا يُسَمَّى سُنةً؛ لضرورةِ النظمِ عندَه، أَوْ لرعايةِ مقابلتِه بالصحيحِ. قَالَ: وتعبيرِي بالسُّنَّةِ أولى من تعبيرِ الخطَّابيِّ وغيرِهِ بالحديثِ؛ لأنَّهُ لا يختصُّ عِنْدَ بعضِهم بالمرفوعِ، بَلْ يَشْمَلُ الموقوفَ، بخلافِ السُّنَّةِ. وبما قالَهُ عُرِفَ أنَّ بينَهُمَا عموماً مطلقاً. ‍ ‍‍‍ (فالأولُ) يعني: الصحيحَ (¬3) المجمعَ عَلَى صحتِهِ عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ، هُوَ: المتنُ (المُتَّصِلُ الإسْنَادِ) الذي هُوَ: حكايةُ طريقِ المتنِ، (بِنَقْلِ عَدْلٍ)، وَهُوَ ¬

_ (¬1) في (ص): ((على ما في أموري)). وفي (ق): ((على ما قبله)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، والتقييد 19، ونكت الزركشي 1/ 91. (¬3) انظر في الصّحيح: معرفة علوم الحديث: 58، وجامع الأصول 1/ 160، ومعرفة أنواع علم الحديث: 85، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 110 - 136، والتقريب: 31 - 42، والاقتراح: 152، والمنهل الروي: 33، والخلاصة: 35، والموقظة: 24، واختصار علوم الحديث: 21، والنكت للزركشي 1/ 88 - 303، والمقنع 1/ 41 وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، والشذا الفياح 1/ 67 - 104، ونزهة النظر: 82، والنكت لابن حجر 1/ 235 - 384، والمختصر للكافيجي: 113، وفتح المغيث 1/ 17، وألفية =

مَنْ لَهُ مَلَكَةٌ تحمِلُهُ عَلَى ملازمةِ التَّقْوى والمروءةِ (¬1). والمرادُ: عدلُ الروايةِ لا عدلُ الشهادةِ؛ فَلا يختصُّ بالذَّكَرِ الحرِّ (¬2). (ضَابطِ الفُؤَادِ) أي: حازمِ (¬3) القلبِ، (عَنْ) أي: بنقلِ عَدْلٍ عَنْ (مِثْلِهِ) مِنْ أوَّلِ السَّنَدِ إلى آخرِهِ. بأنْ ينتهيَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أخذاً مِمَّا قَالهُ الناظمُ آنفاً، أَوْ إلى الصحابيِّ، أَوْ إلى مَنْ دونَهُ؛ ليشمَلَ الموقوفَ وغيرَهُ، كَمَا قالَهُ غيرُه. ولا يُنافيهِ تفسيرُ السُّنَّةِ بما مرَّ؛ لأنَّ القِسْمَ قَدْ يكونُ أعمَّ مِنَ المُقْسَمِ، كقولِكَ (¬4): الحيوانُ إمَّا أبيضُ أَوْ غيرُه، والأبيضُ: إما عاجٌ، أَوْ غيرُه. (منْ غَيْرِ ما شُذُوذِ) بزيادةِ ما (و) غيرِ (عِلَّةٍ قادحةٍ)، فهذه خمسةُ قيودٍ لا ستةٌ؛ للاغتناءِ بقوله: (بنقلِ عدلٍ) عَنْ قولِه (¬5): (عَنْ مِثْلِهِ). فخرجَ بالأوَّلِ مِنْها: المنقطعُ، والمرسلُ، والمعضلُ الآتي بيانُها في ... محالِّها (¬6). وبالثَّانِي: ما في سنَدِهِ مَنْ عُرِفَ ضَعْفُهُ، أَوْ جُهِلَتْ عينُهُ أَوْ (¬7) حالُهُ، كما سيأتي (¬8). وبالثالثِ: ما في سنَدِهِ مُغَفَّلٌ كثيرُ الخطإِ، وإن عُرِفَ بالصدْقِ والعدالةِ، لعدَمِ ضَبْطِهِ (¬9). ¬

_ = السيوطي: 3 - 15، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 98، والبحر الذي زخر 1/ 133 - 843، وتوضيح الأفكار 1/ 7، وظفر الأماني: 120، وقواعد التحديث: 79، وتوجيه النظر 1/ 180 - 353. (¬1) انظر: نزهة النظر: 83. وفتح المغيث 1/ 278، 288، وتدريب الراوي 1/ 300، 304، وتوضيح الأفكار 2/ 117، 118. (¬2) قال الزّركشيّ في نكته 1/ 98: ((احترز به عما اتصل سنده بغير العدل، وهو قسمان: أحدهما: الحسن، فإنه اتصل سنده لكن لا يخلو عن مستور لم تثبت عدالته. الثّاني: ما اتصل سنده بنقل غير العدل فإنه ضعيف)). (¬3) المثبت من أصولنا الخطية، وفي (م): ((جازم)). (¬4) في (ق): ((كقولنا)). (¬5) سقطت ((عن قوله)) من (ق). (¬6) قارن بالتدريب 1/ 63 - 64. (¬7) في (ق): ((و)). (¬8) قارن بالتدريب 1/ 63 - 64. (¬9) كذلك.

والضَّبْطُ - كما سيأتي - ضبطُ صَدْرٍ، وَهُوَ: أنْ يُثْبِتَ الراوي ما سمعَهُ بحيثُ يتمكنُ من استحضارِهِ متى شاء. وضَبْطُ كتابٍ، وَهُوَ: صيانتُهُ عندَهُ منذُ سَمِعَ فيهِ وصحَّحَه، إلى أنْ يؤديَ (¬1) مِنْهُ (¬2). ‍‍‍‍‍‍ والمرادُ بالضَّبْطِ (¬3): الضَّبْطُ التَّامُّ، كما يُفْهِمُهُ الإطلاقُ المحمولُ عَلَى الكاملِ؛ فيخرجُ الحسَنُ لذاتِه المُشْتَرطِ فِيهِ مُسَمَّى الضَّبْطِ فَقَطْ. لكن قَدْ يُقالُ: يلزمُ عَلَيْهِ (¬4) خروجُه إذَا اعتضدَ وصارَ صحيحاً لغيرِهِ. ويجابُ: بأنَّ التعريفَ للصحيحِ لذاتِهِ. وخرجَ بالرَّابعِ: الشَّاذُّ (¬5)، وَهُو: ما خالفَ فِيهِ الراوي مَنْ هُوَ أرجحُ مِنْهُ (¬6)؛ كما سيأتي في بابهِ مَعَ زيادةٍ. ولا يرِدُ عَلَيْهِ الشاذُّ الصحيحُ عِنْدَ بعضِهِم؛ لأنَّ التعريفَ للصحيحِ المجمَعِ عَلَى صحتِهِ - كما مرَّ - لا مطلقاً. وبالخامسِ (¬7): ما فِيهِ عِلَّةٌ (¬8) قادحةٌ؛ كإرسالِهِ، وسيأتي بيانُها مَعَ بَيَانِ غيرِ القادحةِ. ومن قيَّدها بكونها خفيَّةً (¬9) لَمْ يُردْ إخراجَ الظاهرةِ؛ لأنَّ الخفيَّةَ إذَا أثَّرت فالظاهرةُ أولى، وإنَّما قيَّدَ بِذَلِكَ؛ لأنَّ الظاهرةَ راجعةٌ إلى ضعفِ الرَّاوي، أَوْ عدمِ اتِّصالِ السَّند، وذلك محتَرَزٌ عَنْهُ بما مرَّ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((يروي)). (¬2) نزهة النظر: 83. (¬3) المثبت من (م) وأشار المحقق إلى أنها في إحدى نسخه ورمز لها بـ (د)، وقد سقطت من أصولنا الخطية. (¬4) ((عليه)) سقطت من (ق). (¬5) انظر: التدريب 1/ 64. (¬6) نزهة النظر: 83. (¬7) انظر: تدريب الراوي 1/ 64. (¬8) في (ق): ((علل)). (¬9) انظر: التدريب 1/ 67.

(فتوذيْ) أي: العلةُ القادحةُ صِحَّةَ الحديثِ. أي: تمنعُ من الحكمِ والعمل بِهِ، وهذا تصريحٌ (¬1) بما علِم. واعْلَمْ: أنَّ الصَّحِيحَ قسمانِ كالحسَنِ؛ لأنَّ المقبولَ من الحَدِيثِ إنِ اشْتَملَ من صفاتِ القبولِ عَلَى أعلاها، فَهُوَ الصَّحِيحُ لذاتِهِ. أَوْ لا، فإنْ وُجِدَ ما يجبرُ قصورَهُ كَكَثْرةِ الطُّرُقِ؛ فَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْضَاً، لكنْ لا لذاتِهِ (¬2). أَوْ لَمْ يوجدْ ذَلِكَ، فَهُوَ الحَسَنُ لذاتِهِ. وإنْ قامِتْ قرينةٌ تُرجِّحُ قَبُولَ ما يُتَوقَّفُ فِيهِ، فَهُوَ الحسنُ أَيْضاً، لكنْ لا لذاتِهِ، كَذَا ذكرَهُ شيخُنا (¬3). 14 - وَبالصَّحِيْحِ وَالضَّعِيفِ قَصَدُوا ... في ظَاهِرٍ لاَ الْقَطْعَ، وَالْمُعْتَمَدُ 15 - إمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا عَلى سَنَدْ ... بِأَنَّهُ أَصَحُّ مُطْلَقاً، وَقَدْ 16 - خَاضَ (¬4) بهِ قَوْمٌ فَقِيْلَ مَالِكُ ... عَنْ نَافِعٍ بِمَا رَوَاهُ النَّاسِكُ 17 - مَوْلاَهُ وَاخْتَرْ حَيْثُ عَنْهُ يُسْنِدُ ... الشَّافِعِيْ قُلْتُ: وعَنْهُ أَحْمَدُ (وبالصَّحِيحِ والضَّعِيفِ) في قولِهم: هَذَا حديثٌ صحيحٌ، أَوْ ضعيفٌ، (قَصَدُوا) الصِّحةَ والضعفَ (في ظاهرٍ) أي: فيما ظهرَ (¬5) لهُم عملاً (¬6) بظاهرِ الإسنادِ (لاَ الْقَطْعَ) بصحتِه، أَوْ ضَعْفِهِ في نفسِ الأمرِ؛ لجوازِ الخطإِ والنسيانِ عَلَى الثقةِ، والضَّبْطِ والصِّدْقِ عَلَى غيرِه (¬7). ¬

_ (¬1) في (ع) و (ق): ((يصرح)). (¬2) انظر: النزهة 92، والتدريب 1/ 68. (¬3) النزهة: 82. (¬4) في النفائس: ((خصّ)) والوزن بها مستقيم. (¬5) في (ق): ((يظهر)). (¬6) في (ص): ((عملوا)). (¬7) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 113، والنزهة 93 - 94، والتدريب 1/ 75.

والقطعُ إنَّما يُستفادُ مِنَ المتواترِ (¬1)، أَوْ مِمَّا احْتَفَّ بالقرائِنِ (¬2). وخالف ابنُ الصَّلاحِ فيما وَجَدَ في " الصَّحِيْحَيْنِ "، أَوْ أحدِهما، فاختارَ القطعَ بصِحَّتِهِ (¬3)، وسيأتي بيانُهُ في حكمِ " الصَّحِيْحَيْنِ ". فـ (بالصَّحيْحِ والضَّعِيفِ) متعلِّقٌ بـ (قَصَدُوا) و (في ظاهرٍ) متعلِّقٌ (¬4) بمحذوفٍ، و (القطعَ) معطوفٌ عَلَى المحذوفِ، أَوْ عَلَى محلِّ (في ظاهرٍ) أي: قَصدُوا الصِّحةَ والضعفَ ظاهراً لا قطعاً. وسكَتَ كغيرِهِ عَنْ الحَسَنِ، إما لِشُمُولِ الصَّحيحِ لَهُ بأَنْ يُرادَ بِهِ المقبولُ، أَوْ لأنَّهُ يُعْرَفُ بالمقايَسَةِ. (وَالْمُعتَمَدُ) عَلَيْهِ (إمْسَاكُنا) أي: كفُّنا (عَنْ حُكْمِنَا عَلَى سَنَدْ) معيَّنٍ. والسنَدُ: الطريقُ الموصِلَةُ إلى المتْنِ. وتقدَّمَ تعريفُ الإسنادِ (¬5). وعبَّرَ عَنْهُ البدرُ بنُ جَمَاعَةَ (¬6) بأنَّهُ: ((الإخبارُ عَنْ طريقِ المتْنِ، وعن الإسنادِ بأنَّهُ: رفعُ الحديثِ إلى قائِلِهِ)). قَالَ: ((والمُحدِّثونَ يسْتَعمِلونَهما لشيءٍ واحدٍ)) (¬7). (بأنَّهُ أصَحُّ) الأسانيدِ (مُطلقاً)؛ لأنَّ تفاوتَ مراتبِ الصَّحِيحِ مُرتَّبٌ (¬8) عَلَى تمكّن الإسناد من شروطِ الصِّحَّةِ ويَعْسُر الاطِّلاعُ عَلَى ارْتِفاعِ (¬9) جَمِيْعِ رِجَالِ تَرْجَمةٍ ¬

_ (¬1) في (ق): ((التواتر)). (¬2) انظر عن ذلك: شرح عليّ القاري على النخبة: 41. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 108: إذ قال: ((وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به)). (¬4) ((متعلق)): سقطت من (ص) و (ع). (¬5) انظر: ص 115 من هَذَا الجزء. (¬6) هو بدر الدين، أبو عبد الله، محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي، توفّي سنة (773 هـ‍). انظر الدرر الكامنة 3/ 280، وشذرات الذهب 6/ 105. (¬7) المنهل الروي 29 - 30. (¬8) في (ص): ((تترتب)). وفي (ع): ((مترتب)). (¬9) في (ص) و (ق): ((ارتقاء)).

واحدةٍ إلى أعلى صفاتِ (¬1) الكمالِ من سائرِ الوجوهِ (¬2) (وَقَدْ خَاضَ) أي: اقْتَحَمَ الغمرات (¬3) (بِهِ) أيْ: بالحُكمِ بأنَّهُ أصَحُّ مُطلقاً (قَوْمٌ) فَتَكَلّموا فِيهِ واضطربت فِيهِ أقوالُهُم بِحَسَبِ اجْتِهَادِهم (فَقِيلَ) يعني قَالَ البُخَارِيُّ (¬4): أصَحُّ الأسانِيدِ (مَالِكُ عَنْ نافعٍ بِمَا) أي بالذي (رَوَاهُ) لَهُ (النَّاسِكُ) أي: العابدُ (مَوْلاهُ) أيْ: مَوْلى نافعٍ أي: مُعْتِقُهُ -بكسرِ التاءِ-. وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَر بنِ الخطَّابِ، وَكَانَ جديراً بوصْفِهِ بالنُّسْكِ؛ لِشِدَّةِ تَمَسُّكِهِ بِالأخْبارِ النَّبويَّةِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ، فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيلِ إلاَّ قليلاً)) (¬5). وفي قَوْلِ النّاظمِ في شرْحِهِ (¬6): ((أصحُّ الأسانيدِ مَا رواهُ مَالِكٌ)) تَجَوُّزٌ؛ لأنَّ مَا رواهُ متنٌ لا سندٌ فكانَ حَقُّهُ أنْ يَقُولَ كابنِ الصَّلاحِ: أصحُّ الأسَانِيدِ مَالِكٌ ... الخ، وكذا الكلامُ في نظائِرِهِ الآتيةِ. (واخْتَرْ) إذَا قُلْتُ بذلِكَ، وزِدْتَ راوياً عَنْ مَالِكٍ (حَيْثُ عَنْهُ يُسْنِدُ) إمامُنا (الشَّافِعيْ) - بالإسكان - للوزن أَوْ لِنِيَّةِ الوقفِ. إنَّ أصحَّ الأسانيدِ: الشَّافِعيُّ، عَنْ مالكٍ، عَنْ نافعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ؛ فَقَدْ (¬7) قَالَ الأستاذُ أَبُو منصورٍ التميميُّ (¬8): إنَّهُ أجلُّ الأسانيدِ، لإجماعِ (¬9) أهلِ الحديثِ عَلَى أنَّهُ لَمْ ¬

_ (¬1) في (ق): ((طبقات)) (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 114. (¬3) قال السيوطي في شرحه لألفية العراقي: 100: ((أي مشوا فيه، من تشبيه المعقول بالمحسوس، للإشارة إلى أن المتكلم في ذلك كالخائض في الماء الماشي في غير مظنة المشي، وهو يؤذن بعدم التمكن، ولهذا اختلفوا فيه على أقوال كثيرة)). (¬4) انظر: معرفة علوم الحديث: 89، والكفاية: (563 ت، 398 هـ‍). (¬5) أخرجه أحمد 2/ 146، والبخاري 2/ 61 (1122) و 5/ 31 (3739) و 9/ 51 (7029) وفي رفع اليدين له 41، ومسلم 7/ 158 (2479) و 7/ 159 (2479) (140)، والترمذي (321)، وابن حبان (7079)، وأبو نعيم 1/ 303، والبيهقي 2/ 501 من طريق الزّهريّ، عن سالم، عن ابن عمر. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 115. (¬7) سقطت من (ق). (¬8) هو عبد القاهر بن طاهر البغدادي. توفّي (429). انظر: وفيات الأعيان1/ 298، وطبقات السّبكيّ3/ 238. (¬9) قارن في ذلك مع النكت عَلَى ابن الصلاح1/ 262 - 266 للحافظ ابن حجر العسقلاني، والنكت الوفية 15/ب.

يَكُنْ في الرُّواةِ عَنْ مالكٍ أجلُّ مِنَ الشَّافِعيِّ (¬1). فمفعولُ (اخْتَرْ) محذوفٌ، أَوْ مَا بَعْدَهُ بمعنى: اخْتَر مَحَلَّ إسْنَادِ الشَّافِعيِّ المذكورِ، وَهُوَ سَنَدُهُ، أَوْ مَفْعُولُهُ الشَّافِعيّ [أَوْ ضميرٌ يعودُ إِليهِ] (¬2) بطريقِ التنازُعِ. (قلتُ: و) اخْتَرْ أَيْضاً -إذَا قلتَ بذلكَ، وزدتَ راوياً- عَنْ الشَّافِعيِّ حيثُ (عَنْهُ) يُسنِدُ الإمامُ (أَحْمَدُ) بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبلٍ إنَّ أصحَّ الأسانيدِ: الإمامُ أَحْمَدُ، عَنْ الشَّافِعيِّ، عمَّنْ ذَكَرَ؛ لاتِّفاقِ أهلِ الحديثِ عَلَى أنَّ أجلَّ مَنْ أخذَ عَنْ الشَّافِعيِّ من أهلِ الحديثِ: أَحْمَدُ (¬3). ولم يَقَعْ مِن ذَلِكَ في " مُسْنَدِه " (¬4) إلاَّ حديثٌ واحدٌ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الشَّافِعيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نافعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ - رضِيَ اللهُ عَنْهُما - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لاَ يَبِيْعُ (¬5) بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَنَهَى عَنِ النَّجْشِ، وَنَهى عَنْ حَبَلِ الحَبَلَةِ (¬6)، وَنَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيْبِ كَيْلاً)). وأخرجه البخاريُّ (¬7) مفرَّقاً من حديثِ مالكٍ. ¬

_ (¬1) حكاه عن ابن طاهر، ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 90، وانظر: النكت 1/ 263 وما بعدها. (¬2) ما بين المعكوفتين سقط من (ع) و (ق). (¬3) انظر: شرح التبصرة 1/ 116. (¬4) في (ع): ((في مسند أحمد))، وما أثبتناه من بقية النسخ و (م)، والحديث في مسند أحمد 2/ 108 كما ساقه المصنف. (¬5) في (ع): ((لا يبع))، وما أثبتناه من بقية النسخ و (م)، وهو الذي عليه أكثر روايات البخاريّ، وكذا هو في مسند أحمد 2/ 108، وهو نفي خرج إلى معنى النهي. انظر: فتح الباري 4/ 353، وعمدة القاري 11/ 258. (¬6) بعد هذا في (ع): ((وهو نتاج النتاج))، وهو من إدراج بعض النساخ. (¬7) صحيح البخاري 3/ 90 (2139) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك ولفظه: ((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)). وأخرجه في 3/ 91 (2142) من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، ولفظه: ((نهى عن النجش)) وأخرجه في 3/ 95 (2165) من طريق عبد الله بن يوسف التنيّسي، عن مالك ولفظه: ((لا يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق)). وأخرجه في 3/ 96 (2171) من طريق إسماعيل، ولفظه: ((نهى عن المزابنة؛ والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلاً، وبيع الزبيب بالكرم كيلاً)). والحديث قد رواه مجموعاً أحمد بن حنبل كما ذكر المصنف ومن قبله العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 117، وقد روي مجزءاً من حديث مالك. =

18 - وَجَزَمَ ابْنُ حَنْبَلٍ بالزُّهْرِي ... عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أَبيهِ البَرِّ 19 - وَقِيْلَ: زَيْنُ العَابِدِيْنَ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ بِهْ 20 - أَوْ فَابْنُ سِيْريْنَ عَنِ السَّلْمَاني ... عَنْهُ أوِ الأعْمَشُ عَنْ ذِي الشَّانِ 21 - النَّخَعِيْ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ ... عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ (وَجَزَمَ) الإمامُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ (¬1)، هُوَ (ابنُ حَنْبَلٍ)، وكذا إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ (¬2) (بالزُّهْرِي) أي: بأن أصحَّ الأسانيدِ - وإن كَانَتْ عبارةُ الأوَّلِ ((أجودُها)) - أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابنِ شهابٍ الزهريُّ، (عَنْ سالِمٍ)، هُوَ ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، (أي): راوياً، (عَنْ أبيهِ): عبدِ اللهِ (البَرِّ) - بفتحِ الباءِ -أي (¬3): المُحْسِنِ في جميعِ أعمالِ البِرِّ - بكسرِها -. ¬

_ = فقوله: ((لا يبيع بعضكم على بيع بعض)) أخرجه الشافعي في مسنده 2/ 146، وأحمد 2/ 7، والدارمي (2570)، والبخاري 3/ 90 (2139) و 95 (2165)، ومسلم 4/ 138 (1412)، وأبو داود (3436)، والنسائي 7/ 258، والبيهقي 5/ 344. وقوله: ((نهى عن النجش)) أخرجه الشافعي في مسنده 2/ 145، وأحمد 1/ 63 و156، والدارمي (2570)، والبخاري 3/ 91 (2142)، ومسلم 5/ 5 (1516). وقوله: ((نهى عن بيع حبل الحبلة)) أخرجه البخاري 3/ 91 (2143)، وابن الجارود في المنتقى (519). وقوله: ((نهى عن المزابنة)) أخرجه الشافعي في الرسالة (906)، وفي مسنده 2/ 153، وأحمد 1/ 7 و 63، والبخاري 3/ 96 (2172)، ومسلم 5/ 15 (1542). (¬1) انظر: معرفة علوم الحديث: 54، وقال السخاوي في فتح المغيث 1/ 35: ((إنّ الإمام أحمد بن حنبل جزم لذلك)). (¬2) انظر: معرفة علوم الحديث: 54، والكفاية: (563 ت، 397 هـ‍). قال الزركشي في نكته 1/ 129: ((يجوز في (راهويه) فتح الهاء والواو وإسكان الياء، ويجوز ضمّ الهاء وإسكان الواو وفتح الياء، وهذا الثاني هو المختار. وعن الحافظ جمال الدين المزّي أنّه قال: غالب ما عند المحدّثين (فعلويه) - بضم ما قبل الواو - إلاّ (راهويه) فالأغلب فيه عندهم فتح ما قبل الواو)). وانظر: الأنساب 3/ 37، وسير أعلام النبلاء 11/ 358، وتدريب الراوي 1/ 338. أمّا معناه فقد قال الزركشي 1/ 131: ((واعلم أن (راهويه) لقب لجده، وسمّي بذلك؛ لأنه ولد في الطريق، والرهو: الطريق، وكان أبوه يكره أن يسمّى به)). وانظر: تهذيب الكمال 1/ 176. (¬3) كلمة: ((أي)) سقطت من (ع).

(وقيلَ:) يعني: وَقَالَ عَبدُ الرَّزاقِ بنُ هَمَّامٍ (¬1): أصحُّ الأسانيدِ: (زينُ العابِدينَ) عَلِيُّ بنُ الحسينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ، (عَنْ أَبِهْ) الحسينِ-بحذفِ الياء عَلَى لغةِ النقصِ- عَلَى حدِّ: بأبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ ... [وَمَنْ يُشَاْبِهْ أَبَهُ فَمَاْ ظَلَمْ] (¬2) (عَنْ جَدِّهِ): عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ. (وابْنُ شهابٍ) أي: والحالةُ أنَّ الراوي (عَنْهُ) أي: عَنْ زَيْنِ العَابِدينَ ابنِ شِهابٍ الزُّهريِّ (بِهْ) أي: بالسَّنَدِ المذكورِ. وحاصلُهُ أنَّ أصحَّ الأسانيدِ: ابنُ شهابٍ، عَنْ زينِ العابدينَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ جَدِّهِ. (أَوْ فابْنُ سيْريْنَ): أَوْ هُنا وفيما يأتي، لَيْستْ للتخييرِ ولا للشكِّ، بَلْ لتنويعِ الخلافِ، كَما قَالَ (¬3)، فالمعنى عَلَى الواو يعني. وَقَالَ عَمْرُو (¬4) بنُ عليٍّ الفَلاَّسُ (¬5)، وغيرُهُ (¬6): أصحُّ الأسانيدِ: أَبُو بكرٍ مُحَمَّدُ بنُ سيرينَ الأنصاريُّ، (عَنْ) أبي عَمْرٍو عَبيدةَ - بفتح العين (¬7) - (السَّلْمَاني) - بإسكان اللام -، عَلَى الصَّحِيح، نِسبةً إلى سَلْمَانَ، حيٍّ مِن مُرَادٍ (¬8)، قَالَ ابنُ الأثيرِ: ((والمُحَدِّثونَ يفتحون اللام)) (¬9). (عَنْهُ) أي: عَنْ جدِّ زينِ العابدينَ، وَهُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ كما مرَّ. ¬

_ (¬1) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (562 ت، 397 هـ‍) (¬2) المثبت من (م) وأشار المحقق إلى إنها زيادة من إحدى نسخه ورمز لها بـ (ط). وقد سقطت من أصولنا. والبيت من شواهد ابن عقيل، وقال عن ((أبه)) وهذه: لغة نادرة في ((أب)). انظر: شرح ابن عقيل 1/ 50. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 120، ومغني اللبيب 87 - 95. (¬4) في (ع) و (ق): ((عمر)). (¬5) معرفة علوم الحديث: 54، ومعرفة أنواع علم الحديث: 89، والاقتراح 160، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 113، والمقنع 1/ 45. (¬6) وهم: 1 - عليّ بن المديني. انظر: معرفة علوم الحديث: 54، ومعرفة أنواع علم الحديث: 89، والباعث الحثيث 1/ 101، والمقنع 1/ 45. 2 - وسليمان بن حرب. انظر: الكفاية: (562 ت، 397 هـ‍)، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 120، وفتح المغيث 1/ 25، وتدريب الراوي 1/ 77. (¬7) انظر: المؤتلف والمختلف 3/ 1507، والإكمال 6/ 48. (¬8) انظر: الجرح والتعديل 6/ 91، وتذكرة الحفاظ 1/ 50، وتهذيب التهذيب 1/ 547. (¬9) اللباب في تهذيب الأنساب 2/ 127، وانظر: الأنساب 3/ 299.

(أَوْ) يعني: وَقَالَ يحيى بنُ مَعين: أصحُّ الأسانيدِ: سليمانُ بنُ مِهْرانَ (الأعمشُ عَنْ ذي الشَّانِ) أي: الحالِ (¬1) إِبْرَاهِيمَ بنِ يزيدَ بنِ قيسٍ (النَّخَعِيْ) - بالإسكانِ - للوزنِ، أَوْ لِنِيَّةِ الوقفِ نسبةً للنَّخَعِ قبيلةٍ من اليَمَنِ (¬2) (عَنِ ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ): عبدِ اللهِ (¬3). فجملةُ الأقوالِ التي في النَّظْمِ خَمْسةٌ، وَهِيَ التي حَكَاهَا ابنُ الصَّلاحِ (¬4). قَالَ الناظمُ: ((وفي المسْأَلةِ أقوالٌ أُخَرُ ذكرتُها في "الشرحِ الكبيِر")) (¬5). جملتُها عَلَى ما ذكرهُ ستةٌ، ويُمْكنُ (¬6) الزيادةُ عليها. (وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ) من زِيادتِه أي: واعْتُبْ (¬7) مَنْ عمَّمَ الحكمَ بأصحّيةِ الأسانيدِ في ترجمةٍ واحدةٍ، لصحابيٍّ واحدٍ، بأنْ جعلَهُ عامّاً لجميعِ الأسانيدِ كأنْ يقولَ: أصحُّ الأسانيدِ: مالكٌ عَنْ نافعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ كما مرَّ لشدَّةِ الانتشارِ. والحاكِمُ بِذَلِكَ عَلَى خَطَرٍ مِنَ الخطإِ، كَمَا قِيلَ بمثلهِ في قولهِم: ليسَ في الرُّواةِ مَنْ اسمُهُ كَذَا سِوى فلانٍ. بَلْ - إنْ كَانَ ولابُدَّ - ينبغي لَهُ أَنْ يُقيِّدَ كُلَّ ترجمةٍ بصحابيِّها، أَوْ بالبلدةِ التي مِنْها أصْحَابُ تِلْكَ الترجمةِ - كما اختارهُ الحاكِمُ (¬8) -؛ لأنَّهُ أقَلُّ انتشاراً، فيقولَ: أصحُّ ¬

_ (¬1) قوله: ((أي الحال)) الصفة العظيمة في العلم والعمل، كما في حاشية (ع). (¬2) انظر: الأنساب 5/ 369، واللباب 3/ 304، ووفيات الأعيان 1/ 1025. (¬3) معرفة علوم الحديث: 54، ومعرفة أنواع علم الحديث: 89. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 89 - 90. (¬5) انظر: شرح التبصرة 1/ 121، ومحاسن الاصطلاح: 87، والنكت الوفية: 18/ أ. وذلك لأن الحافظ العراقي شرح الألفية في أول الأمر شرحاً مبسوطا عرف بالشرح الكبير ثم رأى أنه كبير فشرع في شرح أخصر منه -وهو الشرح المطبوع المشهور- وأشار في لحظ الألحاظ: 230 إلى أنه كتب منه نحواً من ستة كراريس، وذكر البقاعي في النكت الوفية: 3/ب: أنه لم يوجد منه إلا قطعة يسيرة وصل فيها إلى الضّعيف، وقد نقل منه نصوصاً في نكته، انظر مثلاً: 22/ ب. (¬6) في (م): ((تمكن)). (¬7) عتب، يعتب، ويعتب، ولا يتعدى بنفسه، وإنما يتعدى بحرف الجر ((على)) ولكنه لمّا ضمّنه معنى ((اللام)) عدّاه بنفسه. انظر: الصحاح 1/ 175، واللسان 1/ 365 (عتب)، وجاء في حاشية (ع) تعليق نحو ذلك. (¬8) انظر: معرفة علوم الحديث: 55. وهذا الذي انتهى إليه هو الحق في هذه المسألة، وهو الذي اتفقت عليه كلمة كل من صنف في علم مصطلح الحديث. انظر: شرح التبصرةوالتذكرة1/ 121، والبحر الذي زخر 1/ 418.

أسانيدِ عُمَرَ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سالمٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ جَدِّه. وأصحُّ أسانيدِ ابنِ عُمَرَ: مالكٌ، عَنْ نافعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ. وأصحُّ أسانيدِ المكِّيِّينَ: سفيانُ بنُ عُيَينةَ، عَنْ عَمرِو بنِ دينارٍ، عَنْ جابِرٍ. وأصحُّ أسانيدِ اليَمانِيِّينَ: مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ. وأصحُّ أسانيدِ المِصْريِّينَ: الليثُ، عَنْ يزيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، عَنْ أبي ... الخيرِ، عَنْ عُقْبةَ بنِ عامر. وهكذا (¬1). قَالَ النَّوَوِيُّ في "أذكارهِ" (¬2): ((ولا يلزمُ من هذِهِ العبارة صِحَّةُ الحديثِ؛ فإنهم يقولونَ: ((هَذَا أصحُّ مَا جاءَ في البابِ)) وإن كَانَ ضعيفاً، ومرادُهُم أرجحُه أَوْ أقلُّه ضَعْفاً)). انتهى. ومِن ذَلِكَ: أصحُّ مسلسلٍ، وسيأتي في مَحلِّهِ. واقتصرَ في النَّظْمِ عَلَى تكلُّمِهِم - عَلَى اختلافِهِم - في أصحيِّةِ الأسانيدِ؛ لأنَّها الأَهَمُّ، وإلاَّ فَقَدْ تَكَلَّموا عَلَى أوْهَاهَا، كما قَالَ الحاكمُ (¬3) وغيرُهُ (¬4): أَوْهَى أسانيدِ أبي هُرَيْرَةَ: السَّرِيُّ (¬5) بنُ إسماعِيلَ، عَنْ داودَ بنِ يزيدَ الأَوْدِيِّ (¬6)، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ. وأَوْهَى أسانيدِ ابنِ مَسْعُودٍ: شَرِيْكٌ، عَنْ أبي فَزَارةَ، عَنْ أبِي زيدٍ، عَنْ ابنِ مَسْعُودٍ. وأَوْهَى أسانيد أنَسٍ: داودُ بنُ المُحَبَّرِ (¬7) عَنْ أبيهِ، عَنْ أَبَانَ بنِ أبي عَيَّاشٍ (¬8)، عَنْ أنسٍ. وفائدتُه: ترجيحُ بعضِها عَلَى بعضٍ، وتمييزُ ما يَصْلُحُ للاعتبارِ مما لا يصلحُ لَهُ (¬9). واللهُ تَعَالَى هُوَ الموَفِّقُ (¬10). ¬

_ (¬1) لم يذكر القاضي زكريا أثبت أسانيد الشاميين، وأثبت أسانيد الخراسانيين فأجاد وأفاد؛ لما في هذه الأسانيد من مقال، وقد تكلمنا عليها في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 123 - 124. فراجعه تجد فائدة إن شاء الله. (¬2) الأذكار 158. (¬3) انظر: معرفة علوم الحديث 56 - 58. (¬4) انظر: محاسن الاصطلاح 87 - 88، وتدريب الراوي 1/ 180. (¬5) في (ق): ((السدي)). (¬6) في (ع) و (ق): ((الأزدي)). (¬7) في (ق): ((المجبر))، قال ابن حجر في التقريب (1811): ((بمهملة وموحدة مشددة مفتوحة)). (¬8) في (ق): ((عبّاس)). (¬9) ((له)): سقطت من (ص). (¬10) جملة: ((والله تعالى هو الموفّق)) من (ق) فقط.

أصح كتب الحديث

أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ 22 - أَوَّلُمَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتَّرْجِيْحِ 23 - وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الغَرْبِ مَعْ ... أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ (أوَّلُ مَنْ صنَّفَ) في (¬1) الحديثِ (الصَّحِيحِ) الإمامُ (مُحَمَّدٌ)، هُوَ ابنُ إسماعيلَ البخاريُّ (¬2)، ولا يَرِدُ " موطأُ " الإمامِ مَالِكٍ؛ لأنَّهُ وإنْ كَانَ سابِقاً؛ فمؤلِّفُهُ لَمْ يتقيَّد بالصَّحِيحِ الذي مَرَّ تعرِيفُه؛ لأنَّه أدْخلَ فِيهِ المُرسلَ، والبلاغَ، والمقطوعَ، ونحوَها عَلَى سبيلِ الاحتجاجِ؛ فليس هُوَ أولُ مَنْ صنَّفَ في الصحيحِ (¬3)؛ لانصرافِ الصَّحِيحِ بقرينةِ ((ال)) العهديةِ إلى الصَّحيحِ المذكورِ. (وخُصَّ) أي: البخارِيُّ، أي (¬4): صحيحُهُ (بالتَّرجيحِ) أي: بترجيحِ (¬5) مَا أسندَهُ فِيهِ دُوْنَ تعاليقِه، وتراجِمِهِ (¬6)، وأقوالِ الصحابةِ، وغيرِهِم عَلَى سائرِ الصِّحَاحِ؛ لِتَقدُّمِهِ عَلَى غيرِهِ في الفنِّ. (و) الإمامُ (مُسْلِمٌ) أي: صحيحُه (بَعْدُ) أي: بعدَ صحيحِ البُخَارِيِّ وضعاً بلا نزاعٍ، وصِحَّةً؛ كَمَا ذهب إِليهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ المشهورُ (¬7). ¬

_ (¬1) المثبت من (ص) و (ع) و (ق) وقد سقطت كلمة ((في)) من (م). (¬2) قال الإمام النووي في الإرشاد 1/ 116: ((أول من صنف الصحيح المجرد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثم أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري)). فقول المصنف: (الصحيح المجرد). قاله زيادة على ابن الصلاح احترازاً عما اعترض به عليه من أن الموطأ صنف قبله في الصحيح. فإنه وإن كان قد ألف قَبْلَ صحيح البُخَارِيّ، لكنه لم يتمخض للصحيح المجرد، بَلْ شمله الإمام مَالِك من البلاغات والمنقطعات والمراسيل. (¬3) انظر: النكت لابن حجر 1/ 278 - 279، ومقدمة الفتح 9 - 10، والتدريب 1/ 90. (¬4) في (ق): ((في)). (¬5) في (ع): ((ترجيح)). (¬6) لأنه وسم كتابه بـ (الجامع الصّحيح المسند) فكل حديث ليس مسنداً فيه فهو ليس من المحكوم بصحته، وإنما ذكره استشهاداً واستئناساً، ليكون كتابه جامعاً لمعاني الإسلام، ودستوراً للأمة. (¬7) قال الإمام العراقي: ((وهو الصحيح)). وقال الإمام النووي: ((إنه الصواب)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 125، التقريب: 33.

(وَبَعْضُ) أهلِ (¬1) (الغَرْبِ مَعْ) حافظِ عصرِهِ (أَبِي عَلِيٍّ) الحسينِ بنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابوريِّ (¬2)، شيخِ الحاكمِ (فَضَّلُوا ذَا) أي: صحيحَ مسلمٍ عَلَى صحيحِ البخاريِّ (¬3)، لَكِنْ (لَوْ نَفَعْ) تفضيلُهم لقُبِلَ مِنْهُمْ، لكنَّهُ لَمْ ينفعْ؛ لِعَدمِ تصريحِهِم بالتفضيلِ - وإن كَانَ كلامُهم ظاهراً فِيهِ عُرفاً - ولأنَّ البُخَارِيَّ اشتَرطَ في الصِّحةِ اللُّقِيَّ (¬4)، وَمُسْلِمٌ اكتَفَى بالمعاصرةِ، وإمكان اللُّقِيِّ، ولاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ عَلَى أنَّ البُخَارِيَّ أجلُّ مِنْهُ، وأَعْلمُ مِنْهُ بصناعةِ الحَدِيثِ، مَعَ أنَّ مُسلماً تلميذُهُ، حَتَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ((لولا البخاريُّ لما راحَ مسلمٌ، ولا جاءَ)) (¬5). وَقِيلَ: هُما سَوَاءٌ (¬6). وَقِيلَ: بالوقف. وبالجملةِ فكتاباهُما أصحُّ كُتبِ الحَدِيثِ. وأمَّا قولُ الشافعيِّ: ((مَا عَلَى وجهِ الأرضِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تعالى أصحُّ من كتابِ مالكٍ)) (¬7) فذاكَ قبلَ وجودِهِما (¬8). ¬

_ (¬1) هو ابن حزم، كما حكاه القاضي عياض في " إكمال المعلم "، عن أبي مروان الطبني قال: ((كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم، عن صحيح البخاري)) قال ابن حجر: ((وعندي أنّ ابن حزم هذا هو شيخ أبي مروان الطبني، الذي أبهمه القاضي عياض، وقال: قرأت في فهرسة أبي محمد القاسم بن القاسم التجيبي قَالَ: كَانَ أبو محمّد بن حزم يفضل كِتَاب مُسْلِم عَلَى كِتَاب البخاريّ؛ لأنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد)). انظر: إكمال المعلم 1/ 80، وهدي الساري: 12 - 13. (¬2) انظر: السير 16/ 51 - 59. (¬3) حاول بعض العلماء توجيه هذا الكلام. انظر: صيانة صحيح مسلم 69 وسير أعلام النبلاء 16/ 55، وهدي الساري 12، والنّزهة 86، وتدريب الراوي 1/ 93 - 95. (¬4) وهذا المعنى من أقوى مرجحات صحيح البخاري على صحيح مسلم، وانظر تفصيل ذلك في النكت لابن حجر 1/ 286 - 289، وهدي الساري 11 - 13. (¬5) انظر: تاريخ بغداد 13/ 102، وتدريب الراوي 1/ 93. (¬6) قال ابن الملقن: ((ورأيت لبعض المتأخرين حكاية قول ثالث وهو أنهما سواء، ولم يعزه لأحد))، والمقنع 1/ 60. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 92، وقول الشافعي: أسنده ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل 1/ 12، والبيهقي في آداب الشافعي 195، وابن حبان في المجروحين 1/ 41. وانظر: التمهيد 1/ 77. (¬8) ولذلك قال ابن حجر: ((واعلم أن الشافعي إنما أطلق على (الموطأ) أفضلية الصحة، بالنسبة إلى الجوامع الموجودة في زمنه: كجامع سفيان الثوري، ومصنف حماد بن سلمة، وغير ذلك، وهو تفضيل مسلم لا نزاع فيه))، انظر: هدي الساري: 10.

وما ذُكِرَ فِيهِمَا من الضُّعفاءِ كمَطرٍ الورَّاقِ، وبَقِيَّةَ، وابنِ إسحاقَ، ونُعْمَانَ بنِ راشدٍ، لَمْ يذكرْ عَلَى سبيلِ الاحتجاجِ بَلْ عَلَى سبيل المتابعةِ والاستشهادِ، أَوْ ذُكِرَ لعُلوِّ الإسنادِ، أَوْ هُوَ ضعيفٌ عِنْدَ غيرِهما، ثقةٌ عِنْدَهُما (¬1). ولا يُقالُ: الجَرْحُ مُقَدَّمٌ [عَلَى التَّعْدِيلِ] (¬2)؛ لأنَّ شَرْطَ قَبولِهِ بيانُ السببِ، حَكَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ (¬3)، عَنِ ابنِ الصلاحِ وأقرَّهُ (¬4). ولكنْ قَالَ شيخُنا في تفضيل البُخَارِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ: إنَّ البُخَارِيَّ يَذكُرُ هؤلاءِ غالباً في المتابعاتِ، والاستشهاداتِ، والتعليقاتِ بخلافِ مُسْلِمٍ، فإنَّهُ يَذْكُرُهُم كثيراً في الأصولِ والاحتجاجِ (¬5). انتهى. 24 - وَلَمْ يَعُمَّاهُ وَلَكِنْ قَلَّمَا ... عِنْدَ ابنِ الاخْرَمْ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا 25 - وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ ... لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْرُ 26 - وَفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي ... أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ (¬6) أَلفِ أَلْفِ 27 - وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ ... لَهَا وَمَوْقُوْفٍ، وفي البُخَارِي 28 - أَرْبَعَةُ الآلافِ (¬7) والمُكَرَّرُ ... فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا ¬

_ (¬1) انظر: تدريب الراوي 1/ 97 - 98. وجاءت في حاشية نسخة (ق) تعليقة للعلامة الآلوسي. قال - رحمه الله -: ((وأيضاً إن الذين انفرد البخاري بهم مِمَّنْ تكلم فيهم أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم ومارس حديثهم بخلاف مسلم فإن الَّذِيْنَ انفرد بهم ممن تكلم فيهم أكثرهم ممن لم يعاصروه وبون الأمرين (كذا) كما لا يخفى)). (¬2) المثبت من (م) وقد سقط من أصولنا الخطية. (¬3) التقريب: 91. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 255. (¬5) النكت لابن حجر 1/ 288. (¬6) في (جـ) والنفائس - بفتح العين -، وما أثبتناه من بقية النسخ وهو الصّواب. (¬7) والمعنى: وأربعة آلاف في صحيح البخاريّ.

(و) مَعَ كَوْنِ كتابَيْهِمَا أصَحَّ (لَمْ يَعُمَّاهُ) أي: الصَّحِيحَ. أي: لَمْ يستوعِبا فيهما كلَّ صَحِيْحٍ عَلَى شرطِهما فضلاً عَنْ مُطلقِه، كما صرَّحا بِذَلِكَ (¬1). فإلزامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وغيرِهِ إياهُمَا بأحاديثَ عَلَى شرطِهما ليس بلازمٍ (¬2). (وَلكنْ قَلَّمَا) حديثٌ (عِنْدَ) الحافظِ أبي عَبْدِ الله مُحَمَّدِ بنِ يعقوبَ النَّيْسابوريِّ (¬3) (ابْنِ الاخْرَمْ) - بالدَّرجِ وبالخاءِ المعجمة - شيخِ الحاكِمِ، وميمُهُ مدغمةٌ في ميمِ (مِنْهُ) أي: مِنَ الصَّحِيحِ (قَدْ فَاتَهُمَا) في كتابَيْهِمَا (¬4). وحقُّ ((قَلَّمَا)) أنْ يليَها الفعلُ صريحاً (¬5)، لكنَّهُ (¬6) أخَّرَهُ للضرورةِ عندهُ، كما قِيلَ بِهِ في قَوْلِ المَرَّارِ (¬7) (¬8): صَدَدْتِ (¬9) فأَطْوَلْتِ (¬10) الصُّدُودَ (¬11) وَقَلَّمَا (¬12) ... وِصَالٌ عَلَى طُوْلِ الصُّدُودِ (¬13) يَدُوْمُ ¬

_ (¬1) انظر: الكامل لابن عدي 1/ 226، وفي أسماء من روى عنهم البخاري من مشايخه ... (ل4 - أ)، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 8 - 9، والحازمي في شروط الأئمة الخمسة: 62 - 63، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 93. وهدي الساري 18، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 128. (¬2) في كتابه " الإلزامات " فقد ألزمهما بإخراج سبعين حديثاً، وهو أمر لا يلزمهما لأنهما لم يقصدا استيعاب جميع الصحيح. (¬3) سير أعلام النبلاء 15/ 452 - 460. (¬4) انظر: نكت ابن حجر 1/ 298، والمقنع 1/ 62. (¬5) انظر: كتاب سيبويه 3/ 114 - 115، وقال: ((وقد يجوز في الشعر تقديم الاسم)). (¬6) في (ق): ((لكن)). (¬7) هو أبو حسان المرّار بن سعيد بن حبيب الفقعسي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. انظر: الأعلام 7/ 199. (¬8) البيت من شواهد سيبويه، وينسب أيضاً لعمر بن أبي ربيعة. انظر: الكتاب 1/ 31، 3/ 115 (طبعة هارون) مع حاشية محققه. والشاهد فيه: أنه تلا ((قلما)) الفاعل ((وصال))، وكان حقه أن يتأخر بعد الفعل ((يدوم))، ولكنه ورد ضرورةً. (¬9) المثبت من (ص) و (ع) و (ق)، وفي (م): ((صدرت))، خطأ. (¬10) في (ق): ((وأطولت)). (¬11) المثبت من (ص) و (ع) و (ق) وفي (م): ((الصدور)). (¬12) المثبت من (ق) و (ص) وفي (ع): ((فقلما)). وفي (م): ((قلما)). (¬13) المثبت من (ع) و (ص) وفي (ق): ((الزمان)). وفي (م): ((الصدور)).

فـ ((مَا)) كافةٌ إن وُصِلَت بـ ((قلَّ)) كَمَا تَقَرَّرَ، وَفِي نسخةٍ فصلُها عَنْهَا، فهي موصولةٌ، وَهِيَ (¬1) أولى لسلامتِها مِمَّا (¬2) مرَّ (¬3). (وَرُدَّ) أي: ردَّهُ (¬4) ابنُ الصلاحِ بأنَّ ذَلِكَ كثيرٌ لا قليلٌ، كما يُعلم (¬5) مِنْ (¬6) ((مستدرَكِ)) الحاكمِ عَلَيْهِمَا (¬7). (لكِنْ قَالَ) الشَّيْخُ (¬8) (يحيى) النَّوَوِيُّ (البَرُّ) أي: المُحْسِنُ في جميعِ أعمالِ البِرِّ، بَعْدَ تصحيحِه لما قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ: وَالصَّوَابُ أنَّهُ (لَمْ يَفُتِ) الأصولَ (الخَمْسةَ): الصَّحِيْحَيْنِ، وسننَ أبي دَاوُدَ، والترمذيَّ، والنسائيَّ (إلاَّ النَّزْرُ) أي: القليلُ (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص) و (ع): ((وهذه)). (¬2) في (ع) حاشية نصها: ((وهذه أولى أي كونها موصولة ... الخ، فيه نظر؛ إذ يلزم عليه الفصل بين الموصول وصلته بأجنبي وهو ابن الأخرم)). (¬3) من قوله: فـ ((مَا)) كافة إلى قوله: ((أولى لسلامتها ممّا مرّ)). سقط من (ق). (¬4) ((رده)): ساقطة من (ق). (¬5) في (ع) و (ق): ((علم)). (¬6) في (ق): ((في)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 94. (¬8) بعد هذا في (ق) و (ع) و (م): ((محيي الدين))، ولم يرد في (ص). وهو الصواب لما ورد عنه -رحمه الله-، أنه قال: لا أجعل في حل من لقبني محيي الدين. وهو إنما كره هذا اللقب؛ لتواضعه الكبير وأدبه العالي -رحمه الله -. (¬9) التقريب: 34، وانظر: النكت لابن حجر 1/ 298، قلنا: سنن ابن ماجه لم يدخل مع الأصول إلا بعد وقت متأخر، وأول من ضمها الإمام أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في أطرافه، وفي كتاب " شروط الأئمة الستة "، وتابعه عليه الحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه " الكمال في أسماء الرجال " وهو الذي هذّبه المزي، ولعل السبب في إدخاله مع بقية الأصول كثرة زوائده على بقية الكتب الخمسة، وقرب طريقته إليها. وانظر: نكت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح 1/ 486 - 487. وبعضهم سدّس بالموطأ كرزين العبدري صاحب " تجريد الصحاح "، وابن الأثير في " جامع الأصول "، ومنهم من يجعل سنن الدارمي سادساً.

(وفِيْهِ) أي: فِي كلامِ النَّوَوِيِّ (مَا فِيْهِ) أي: ضَعْفٌ ظاهرٌ (لِقَولِ الجُعْفِي) أي: البُخَارِيِّ، نسبةً لجدِّ أبيهِ المغيرةِ، لكونِه مَوْلى ليمانٍ الجعفيِّ، والي (¬1) ((بُخارى)) (¬2): (أَحْفَظُ مِنْهُ) أي: من الصحيحِ (عُشْرَ أَلْفِ ألْفِ) حَدِيثٍ أي: مئةَ ألفٍ كما عَبَّر بها (¬3) حَيْثُ قَالَ: ((أحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ صحيحٍ، ومئتي ألفِ حديثٍ غيرِ صحيحٍ)) (¬4). والأصولُ الخمسةُ فضلاً عَنْ " الصحيحينِ " أقلُّ من ذَلِكَ بكثيرٍ؛ ففاتَهما كثيرٌ. (وعَلَّهُ) لغة في ((لَعَلَّ)) (¬5) أي: وَلَعَلَّ البُخَارِيَّ (أراد) بلوغَ ما حَفِظَهُ من الأحاديثِ العددَ المذكورَ (بالتَّكْرارِ لَها، وَمَوْقُوفٍ) أي: بَعْدَ المُكَرَّرِ والموقوفِ منها. أي: وما أُلْحِقَ بِهِ من آثارِ الصَّحَابَة، وغيرِهم مَعَ غيرِ المُكَرَّرِ؛ فلا (¬6) ينافي كلامَهُ كلامَي ابنِ الأخرمِ والنوويِّ (¬7). عَلَى أَنَّ شيخَنا قَالَ (¬8): والظاهرُ أنَّ ابنَ الأخْرَم إنّما أرادَ ما فاتَهُمَا مِمَّا عَرَفاهُ، واطَّلَعا عَلَيْهِ مِمَّا يبلُغُ شرطَهما لا بقيدِ كتابَيْهما، كما فَهِمَهُ ابنُ الصَّلاحِ. قَالَ: وقولُ النوويِّ: ((لَمْ يَفُتِ الخَمْسَةَ إلاّ القليلُ)) مُرادُه من أحاديثِ الأحكامِ خاصَّةً، أما غيرُها فكثيرٌ (¬9). ¬

_ (¬1) أي: حاكم بخارى. (¬2) في (م): ((بخارا))، وهي من بلاد ما وراء النهر، مدينة قديمة مشهورة ببساتينها. انظر: معجم البلدان 1/ 353، ومراصد الاطلاع 1/ 169. (¬3) سقطت كلمة ((بها)) من (ق). (¬4) أسنده إليه ابن عدي في الكامل 1/ 226 طبعة أبي سنة، والخطيب البغدادي في تاريخه 2/ 25، والحازمي في شروط الأئمة الخمسة 61، وابن نقطة في التقييد 33، وانظر معرفة أنواع علم الحديث: 95، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 130. (¬5) في (ع) و (ق): ((لعل))، وفي (ص) و (م): ((لعله)). وانظر: الصحاح 5/ 1815. (¬6) في (ص): ((لا)). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 95، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 130. (¬8) انظر: النكت لابن حجر 1/ 298. (¬9) المصدر السابق.

ثُمَّ بيَّنَ الناظِمُ عِدَّةَ أحاديثِ " صَحِيْحِ (¬1) البُخَارِيِّ " بقولِهِ: (وفي) صحيحِ (البُخَارِي) منها بغيرِ تكرارٍ: (أربعةُ الآلافِ، والمكرَّرُ) منها (فوقَ ثلاثةٍ أُلُوفاً) - بنصبِهِ تمييزاً -، يعني: ثلاثةَ آلافٍ ومئتينِ، وخمسةً وسبعينَ حديثاً عَلَى ما (ذَكَرُوا) أي: جماعةٌ من رُواتِه (¬2). فجملةُ مَا فِيهِ مِنَ المُكَرَّر وَغَيْرِهِ: سبعةُ آلافٍ ومئتانِ وخمسةٌ وسبعونَ. كَذَا جزمَ بِهِ ابنُ الصلاح (¬3)، وَمُخْتَصِرُو كلامِهِ (¬4). قَالَ النَّاظِمُ (¬5): ((هُوَ مسلَّمٌ في رِوَايَة الفِرَبْرِيِّ (¬6)، وأما رِوايةُ حمادِ بنِ شاكرٍ، فهي دونَها بمئتي حديثٍ، ودونَ هذِهِ بمئةِ حديثٍ روايةُ إِبْرَاهِيمَ بنِ معقلٍ)) (¬7). وردَّهُ شيخُنا بأنَّ عِدَّةَ أحاديثِ البُخَارِيِّ في رِوَايَةِ (¬8) الثلاثةِ سواءٌ، وإنما حصلَ الاشتباهُ من جهةِ أنَّ الأَخِيْرَيْنِ فاتَهما من سَماعِ " الصَّحِيحِ " عَلَى البُخَارِيِّ ما ذُكِرَ من آخرِ الكتابِ فرويَاهُ بالإجازةِ؛ فالنَّقْصُ إنَّما هُوَ في السَّماعِ، لا في الكِتَابِ (¬9). ¬

_ (¬1) كلمة ((صحيح)): سقطت من (ع). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 131. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 95. (¬4) انظر: الإرشاد 1/ 120 - 121، اختصار علوم الحديث: 25. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 131. (¬6) هو أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن مطر الفربريّ، راوي الجامع الصحيح عن البخاري توفي سنة (320 هـ‍). قال صاحب الأنساب 4/ 334 عن الفربريّ: ((بفتح الفاء والراء، وسكون الباء الموحدة وبعدها راء أخرى. هذه النسبة إلى فربر، وهي بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى))، ومثل هذا في وفيات الأعيان 4/ 290. وفي التاج 13/ 311: =

قَالَ: ((والذي تحرَّرَ لي أنَّها بالمُكَرَّرِ - سوى المعلَّقاتِ، والمتابعاتِ، والموقوفاتِ، والمقطوعاتِ - سبعةُ آلافٍ وثلاثُ مئةٍ وسبعةٌ وتسعونَ حديثاً. وبغيرِ المكَرَّرِ مِنَ المُتُونِ الموصُولَةِ ألفَانِ وستُّ مئةٍ وحَدِيْثَانِ، ومِنَ المُتُونِ المعلَّقةِ المرفوعةِ التي لَمْ يُوصِلْها في موضعٍ آخرَ مِنْهُ: مئةٌ وتسعةٌ وخمسونَ. فمجموعُ غيرِ المكرّرِ ألفانِ وسبعُ مئةٍ وواحدٌ وستون)) (¬1). قَالَ النَّاظِمُ: ((ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ عِدَّةَ أحاديثِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ ذكرَ النَّوَوِيُّ أنَّهَا نحوُ: أربعةِ آلافٍ بإسقاطِ المُكَرَّرِ)) (¬2). ولم يذكُرْ عدَّتَها بالمكرّرِ، وَهِيَ تزيدُ عَلَى عِدَّةِ كتابِ البُخَارِيِّ، لكَثْرةِ طُرُقِهِ. قَالَ: ((ورأيتُ عَنْ أبِي الفضلِ أَحْمَدَ بنِ سَلَمَةَ (¬3): أنَّهَا اثنا عَشَرَ ألفاً)). قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - بَعْدَ نقلِهِ كلامَ ابنِ سَلَمَةَ -: ((وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ المَيَانَجِيُّ (¬4): إنَّها ثمانيةُ آلافٍ)) (¬5). قَالَ: ((ولعلَّ هَذَا أقربُ)) (¬6). قَالَ شَيْخُنا: ((وقولُ الناظِمِ: ((وفي البُخاري إلى آخرهِ)) جعلَهُ فائدةً مستقلةً (¬7) زائدةً، وليس مراداً لابنِ الصَّلاحِ. بَلْ هُوَ تَتِمّةُ ردِّهِ لكلامِ ابنِ الأخرمِ؛ بمعنى ¬

_ = ((فربر، كسبحل، وضبط بالفتح أيضاً، وذكر الحافظ في التبصير الوجهين))، وبالوجهين في سير أعلام النبلاء 15/ 12، ومعجم البلدان 4/ 245. (¬7) انظر: هدي الساري: 469، والنكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 296، والنكت الوفية: 28/ أ، وقد قام محمد فؤاد عبد الباقي بترقيم كتب صحيح البخاري، وأبوابه وأحاديثه؛ فبلغ عدد الأحاديث سبعة آلاف وخمس مئة وثلاثة وستين حديثاً. (¬8) في (ص): ((روايات)). (¬9) انظر: النكت لابن حجر 1/ 294 - 295. (¬1) هدي الساري: 469، وتدريب الراوي 1/ 103. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 131. (¬3) انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 373. (¬4) هكذا في جميع النسخ الخطية و (م)، ومثله في بعض مصادر ترجمته، وفي (ع) حاشية تؤكد ذلك نصها: ((قوله: ((الميانجي)) بالفتح والتحتية وفتح النون وجيم: نسبة إلى ميانج موضع بالشام، وإلى ميانه بلد بأذربيجان. هـ‍. أنساب، والمراد هنا الأول)). وانظر: الأنساب 5/ 320، واللباب 3/ 278، ومعجم البلدان 5/ 240، ومراصد الاطلاع 3/ 1341. وكذا نسبه الحافظ ابن حجر في النزهة: 49 إلى ميانج، وتابعه شرّاح النزهة على ذلك. انظر مثلاً: شرح عليّ القاري: 11. وفي بعض مصادر ترجمته: ((المَيّانِشي)). انظر: معجم البلدان 5/ 239، والعبر 4/ 245، ونكت الزّركشيّ 1/ 190، وتاج العروس 17/ 392. (¬5) انظر: ما لا يسع المحدث جهله: 27، وتدريب الراوي 1/ 104، وشرح الألفية: 110. (¬6) النكت للزركشي 1/ 191. (¬7) سقطت من (ق).

الصحيح الزائد على الصحيحين

أنَّ كلامَهُ يَردُّ بأنَّ مَا فَاتَ البخاريَّ ومسلماً أكثرُ مِمَّا خَرَّجاهُ، لقولِ البخاريِّ: ((أحفظُ مِنْهُ مئةَ ألفِ حديثٍ صحيحٍ)) (¬1) وليس في كتابهِ بالنسبةِ إليها إلا القليلُ: فإنَّ جميعَ ما فِيهِ بغيرِ تكرارٍ أربعةُ آلافٍ، وبالتكرارِ نحوُ سبعةِ آلافٍ، ومسلمٌ أكثرُ ما يَكُونُ فِيهِ نَحْو ذَلِكَ كما مَرَّ، ففاتهما كثيرٌ لا قليلٌ (¬2). أما أوَّلُ مَنْ صَنَّفَ مُطلقاً فابنُ جُريجٍ بمكّةَ (¬3)، ومالكٌ وابنُ أبي ذِئْبٍ بالمدينةِ، والأوزاعيُّ بالشامِ، والثوريُّ بالكوفةِ، وسعيدُ بنُ أبي عَرُوْبةَ، والربيعُ بنُ صَبِيْحٍ، وحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ بالبصرةِ، ومَعْمَرُ بنُ راشدٍ، وخالدُ بنُ جَمِيْلٍ باليمنِ، وجريرُ بنُ عبدِ الحميدِ بالرَّيِّ، وابنُ المباركِ بخراسانَ (¬4). وهؤلاء في عصرٍ واحدٍ فلا يُدرَى أيُّهم أسبقُ، ذكرَهُ شيخُنا كالناظم (¬5). الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ وإنْ لَمْ يَكُن عَلَى شرطِهما: 29 - وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصّْ ... صِحَّتُهُ أوْ مِنْ مُصَنَّفٍ يُخَصّْ 30 - بِجَمْعِهِ نَحوَ (ابْنِ حِبَّانَ) الزَّكِيْ ... (وَابنِ خُزَيْمَةَ) وَكَالمُسْتَدْرَكِ 31 - عَلى تَسَاهُلٍ - وَقَالَ: مَا انْفَرَدْ ... بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ 32 - بِعِلَّةٍ، وَالحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... يَليْقُ، والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما (وَخُذْ) بَعْدَ معرفتِك أن مؤلِّفَيْهِما لَمْ يستوعِباه (زِيادةَ الصَّحِيحِ إذْ) أي: حيثُ (تُنَصّْ) أي: تُرفَعُ (صِحَّتُهُ) بأنْ يَنُصَّ عليها إمامٌ معتمَدٌ كأبي داودَ، والتِّرمذيِّ، ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 95، وانظر: النكت للزركشي 1/ 188 - 189، وتذكرة الحفاظ 2/ 556. (¬2) النكت لابن حجر 1/ 298. (¬3) قال الخطيب في الجامع 2/ 281: ((واختلف في المبتدئ بتصانيف الكتب، والسابق إلى ذلك، فقيل: هو سعيد بن أبي عروبة، وقيل: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج)). (¬4) انظر: الجامع 2/ 281 - 282 وما بعدها، والمحدث الفاصل: 611 - 613. (¬5) هدي الساري: 6.

والنَّسائيِّ، والدَّارَقُطْنِيِّ، والخَطَّابيِّ، والبيهقيِّ في مصنَّفاتِهم الشَّهِيرةِ أَوْ في غيرِها (¬1)، وصحَّ الطريقُ إليهم. أَوْ ينصَّ عَليْهَا حينئذٍ مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ لَهُ تصنيفٌ مِنَ الأئِمةِ، كيحيى بنِ سعيدِ القَطَّانِ، وابنِ مَعِينٍ؛ خِلافاً لابنِ الصَّلاحِ حيثُ قَيَّدَ بالمصنفاتِ الشهيرةِ بناءً عَلَى مَا ذهبَ إِليهِ من أَنهُ ليسَ لأحدٍ في هذِهِ الأَعْصارِ أن يُصَحِّحَ الأحاديثَ، كَمَا سيأتي. وإنما تَبِعَهُ النوويُّ في التَّقْييدِ هُنا (¬2) بذلكَ اكتِفاءً بما صحَّحَهُ بَعْدُ مِنْ أنَّ لَهُ ذَلِكَ، فلتؤخذ زيادةُ الصحيحِ من جَمِيْع ذَلِكَ (¬3). (أَوْ مِنْ مُصَنَّفٍ) - بِفَتحِ النُّونِ - (يُخَصّْ بجمْعِهِ) أي: الصَّحِيحَ، (نَحْوَ) صحيحِ الإمامِ مُحَمَّدٍ أبي حاتِمِ (ابنِ حِبَّانَ) - بكسر الحاء -، البُسْتيِّ (الزَّكِيْ) أي: الزاكي. سُمِّي بِهِ لنموِّهِ في الصفاتِ الجميلةِ، ومُصَنَّفُهُ مُسَمًّى بـ: "التقَاسِيمِ والأنواعِ" (¬4). (و) نحوَ صحيحِ الإمامِ مُحَمَّدِ أبي بكرٍ (ابنِ) إسحاقَ بنِ (خُزَيْمَةَ) شيخِ ابنِ حِبَّانَ (¬5). (وَكَالمُسْتَدْرَكِ) عَلَى " الصَّحيحينِ " مِمّا فاتَهُما للحاكِمِ أبي عَبدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ االنَّيْسَابوريِّ حالةَ كونِهِ (¬6) (عَلَى تَساهُلٍ) مِنْهُ فِيهِ بإدخالِهِ فِيهِ عدَّةَ أحاديثَ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 96، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 132. (¬2) في (ق): ((هناك)). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 100، وتدريب الراوي 1/ 142 - 143. (¬4) صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد، ولهذا سماه " التقاسيم والأنواع "، وسببه أنه كان عارفاً بالكلام والنحو والفلسفة، والكشف من كتابه عسر جداً، وقد رتبه بعض المتأخرين وهو الأمير علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله الفارسي وسمى ترتيبه " الإحسان في تقريب ابن حبان ". وهو مرتب على الأبواب وقد طبع بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط، وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافاً وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائده على الصحيحين في مجلد وسماه " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " وقد طبع بتحقيق السيد أحمد عبد الرزاق. (¬5) صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه، حتى إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: إن صح الخبر، أو إن ثبت كذا ونحو ذلك. انظر: التدريب 1/ 109. (¬6) في (ق): ((حال كونه)).

ضعافٍ وموضوعاتٍ إمَّا لأنَّهُ لَمْ يتيسَّرْ لَهُ تحرِيرُهُ، أَوْ لأنَّهُ صنَّفَهُ أواخرَ عُمُرِهِ، وَقَدْ تغيَّر حالُه، أَوْ لغيرِ ذَلِكَ (¬1). وبالجُمْلَةِ فَهُوَ معروفٌ عِنْدَ أهلِ العِلمِ بالتَّساهُلِ في التصحيحِ (¬2). (وَ) لهذا (قَالَ) ابنُ الصلاحِ: (ما انفردْ) أي: الحاكمُ (بِهِ) أي: بتصحيحِهِ لا بتخرِيجِهِ فقط، ولا مَا شَارَكَهُ (¬3) غيرُهُ في تصحيحِهِ (فَذاكَ) إن لَمْ يَكُن صَحيحاً، فَهُوَ (حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ) - بتشديدِ الدالِ - (بـ) ظهورِ (عِلَّةٍ) توجبُ ضَعْفَهُ (¬4). فابنُ الصَّلاحِ جَعَلَ ما انْفردَ الحاكمُ بتصْحِيحِهِ، ولمْ يكن مَردوداً، دائراً بَيْنَ الصَّحِيحِ والحسَنِ، احتياطاً، لا حَسَناً مُطلقاً، كما اقْتَضاهُ النَّظمُ، وإن جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وغيرُه مَعَ أنَّ في ذَلِكَ تحكُّماً (¬5). ويُمكِنُ تصحيحُ ذَلِكَ بأنْ يقالَ: إنَّه حَسَنٌ في الحُكْمِ مِن حيثُ الحجِّيَّةُ، وإنْ لَمْ يَتَميَّزْ فِيهِ الصَّحيحُ من الحسَنِ اصطلاحاً. ثُمَّ بَيَّنَ الناظمُ تحريرَ ذَلِكَ فَقَالَ: (والحقُّ أَنْ) يُتَتَبَّعَ (¬6) كتابُهُ بالكشفِ عَنْهُ (¬7) ¬

_ (¬1) وقد طبع عدّة طبعات: كلها سقيمة، وهو بحاجة إلى طبعةٍ علميةٍ محققةٍ مدققةٍ تضبط بها أسانيده، ويحكم فيها على متونه بما يليق بها، فإنّ الحاكم أبا عبد الله النيسابوري زعم أنّه استدرك أحاديث على الشيخين، وفيه بلايا من الموضوعات والمنكرات الشنيعات، قال الإمام الذهبي في السير 17/ 175: ((في المستدرك شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل؛ فإنّ في كثيرٍ من ذَلِكَ أحاديث في الظاهر عَلَى شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل ضعيفة مؤثرة، وقطعة من الكِتَاب: إسنادها صالح وحسنٌ، وجيّد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكِتَاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذَلِكَ أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قَدْ أفردت مِنْهَا جزءً)). وانظر: النكت لابن حجر 1/ 312 وما بعدها. (¬2) في (ق): ((بالصحيح)). (¬3) في (ص): ((شاركه فيه)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 100. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 134، والتدريب 1/ 107. (¬6) في (ق): ((يتبع)) خطأ. (¬7) وهذا هو الحقّ؛ فإنّ الحاكم كثير الأوهام، سريع الأحكام في كتابه المستدرك؛ فقد صحّح عدداً من الأحاديث الموضوعة بما لا يخفى على أدنى باحث عدم صحتها. قال الذهبي في السير 17/ 175: ((وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءاً، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء)). =

و (يُحْكَمْ) (¬1) بالجزمِ في لغةٍ أَوْ بالإخفاءِ فيما يأتي عَلَى كُلِّ حديثٍ غيرِ مردودٍ (بما يَليقُ) بِهِ من الصِّحَّةِ، أَوْ الحُسْنِ، أَوْ الضَّعْفِ. ولما كَانَ رأيُ ابنِ الصلاحِ؛ أنَّه ليسَ لأحدٍ فِي هذِهِ الأعصارِ أَنْ يصحِّحَ حديثاً، قُطِعَ النظرُ عَنْ تتبُّعِ ذَلِكَ (¬2). (و) ابنُ حِبَّانَ (البُسْتيْ) - بالإسكان للوزن، أَوْ لِنِيَّةِ الوقفِ، وبِضمِّ الموحدةِ - نسبةً إلى ((بُسْتَ)) (¬3) مدينةٍ ببلادِ (¬4) كابُلَ (¬5) (يُداني) أي: يُقاربُ (الحاكِمَا) - بألفِ الإطلاقِ - في التَّساهُلِ، وإنْ شرطَ في كتابِه ما يقتضي أنَّه لا يتساهَلُ، فَهُوَ أخفُّ تساهلاً من الحاكمِ (¬6). قَالَ الحافظُ أَبُو بكرٍ مُحَمَّدُ (¬7) بنُ مُوسَى الحازميُّ: ((ابنُ حِبَّانَ أمكنُ في الحديثِ من الحاكمِ)) (¬8). وعلى كُلِّ حالٍ لابُدَّ من تتبُّعِ كتابِهِ للتمييزِ أَيْضاً. ¬

_ = قلنا: حديث الطير، أخرجه الترمذي في الجامع 6/ 84 (3721)، وفي علله الكبير (698) وأبو يعلى في مسنده 7/ 105 رقم (4052)، والحاكم في المستدرك 3/ 130 - 131. وقال الترمذي: ((هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث السّدّيّ إلا من هذا الوجه)). (¬1) بعد هذا في (م): ((أي يقضى بكل منها)). ولم ترد في شيء من أصولنا الخطية. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬3) انظر: معجم البلدان 1/ 414. (¬4) في (ع): ((من بلاد)). (¬5) بضم الباء الموحدة. معجم البلدان 4/ 426، وانظر: الأنساب: 560. (¬6) ابن حبّان محدّثٌ جهبذٌ، واسع الاطلاع كثيراً، وما نقم عليه من تساهل إنّما هو بسبب توثيقه للمجاهيل، فإن الأصل في الراوي عند ابن حبان العدالة، والجرح طارئ؛ فعلى هَذَا وثّق كثيراً من المجاهيل. انظر على سبيل المثال: الثّقات 4/ 318 و6/ 146 و168 و178، وأخرج لهم في صحيحه ممّا أدّى إلى انتقاده ووصفه بالتساهل، وكتابه: " المجروحين " يدلّ على رسوخ قدمه وعمق نظره وتضلعه في علل الحديث الذي هو رأس علم الحديث. (¬7) ((محمد)): لم ترد في (ص). (¬8) شروط الأئمة الخمسة: 44.

المستخرجات

الْمُسْتَخْرَجَاتُ 33 - وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ 34 - عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا 35 - وَمَا تَزِيْدُ (¬1) فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِهْ ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ 36 - وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقيْ وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِيْ مَيَّزَا المستخرجاتُ جمعُ مُسْتَخْرَجٍ، وَهُوَ مُشْتقٌّ مِنَ الاستخراجِ، وَهُوَ: أَنْ يأتيَ (¬2) حافظٌ إلى " صَحِيْحِ البُخَارِيِّ " - مثلاً - فيوردُ أحاديثَهُ بأسانيدَ لنفسِهِ من غيرِ طَريقِ البُخَارِيِّ إلى أَنْ يلتقي مَعَهُ في شيخِهِ، أَوْ في مَنْ فَوقَهُ (¬3). قَالَ شيخُنا: ((وَشَرْطُهُ: أن لا يصِلَ إلى شيخٍ أبعدَ مَعَ وجودِ سَندٍ يُوصِلُهُ إلى الأقربِ إلا لغرضٍ من عُلُوٍّ (¬4) أَوْ زيادةِ حكمٍ، أَوْ نحوِهِ، وإلاَّ فَلا يُسَمَّى مُسْتَخْرَجاً)) (¬5). (واسْتَخْرَجُوا) أي: جمعٌ من الحُفَّاظِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لكُلٍّ من البُخَارِيِّ، ومسلمٍ بقرينةِ ما يأتي، وإنْ لَمْ يختصَّ الاستخراجُ بهما، بَلْ ولا بالصحيحِ. والمخرِّجُونَ علِيهما أَوْ عَلَى أحدِهما كثيرٌ (كأبِي عَوَانَةٍ) - بالصرف للوزن - يعقوبَ بنِ إسحاقَ الإسْفَرَايِيْنيِّ (¬6)، استخرجَ عَلَى " صَحِيْحِ مُسْلِمٍ " (¬7). ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب) و (ج): ((يزيد)). (¬2) في (ع): ((يأتي إمام)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136، والتدريب 1/ 112، ونكت الزَّرْكَشِيّ1/ 229. (¬4) في (م): ((علو سنداً)). (¬5) في (ع) و (ق): ((استخراجاً)). وانظر: تدريب الراوي 1/ 112. (¬6) هو الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراييني، رحل في طلب العلم، وطوّف بالدنيا وعني بهذا الشأن، توفي سنة (316 هـ‍). وفيات الأعيان 6/ 393، وتذكرة الحفاظ 3/ 779، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 487. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136 - 137.

(ونحوِهِ) هَذَا عُلِمَ (¬1) مِنَ الكَافِ - أي: ونحوِ أبي عَوَانَةَ كأبي بكرٍ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ إسماعيلَ (¬2)، استخرج عَلَى " صَحِيْحِ البُخَارِيِّ ". وكأبي بكرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَرْقَانيِّ (¬3)، وأبي نُعَيمٍ الأصفهانيِّ (¬4)، استخرجَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى " الصَّحِيْحَيْنِ ". والمخرِّجُونَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَلتزموا لفظَهما، بَلْ رَوَوْهُما بالألفاظِ التي وَقَعتْ لَهُم عَنْ شيوخِهم (¬5). (و) لهذا قَالَ: كَغيرِهِ للناقلِ مِنَ المُستخرَجاتِ عَلَيْهِمَا: (اجْتَنِبِ) وجوباً (عَزْوَكَ) أي: نِسْبَتَك (ألفاظَ المُتُونِ) أي: الأحاديثَ التي تنقلُها منها. (لَهُمَا) حيثُ توردُها للحُجَّةِ، كما في المُصنَّف عَلَى أبواب الأحكامِ لا عَلَى غيرها (¬6) كالمعاجمِ والمشيخاتِ نَقَلَهُ شيخُنا عَنْ ابنِ دقيقِ العيدِ وأَقَرَّهُ (¬7) فَلا تقلْ: أَخْرجَهُ الشيخانِ بهذا اللّفظِ إلاَّ بَعْدَ مُقابلَتِهِ، أَوْ تصريحِ المخرِّج بِهِ (¬8). (إذْ) قَدْ (خَالَفَتْ) أي: المستخرجاتُ " الصحيحينِ " لفظاً كثيراً لتقيُّدِ مخرِّجيهما بألفاظِ رواتِهم، كَما مَرَّ، (وَمَعْنًى) غيرَ منافٍ قليلاً (ربَّما). ¬

_ (¬1) في نسخة (ق) تعليقة للعلامة الآلوسي قال فيها: ((أقول يمكن أن يقال هو معطوف على الصحيح لا على أبي عوانة فلا إشكال بل هو أولى ليفيد أنه كما يجوز الاستخراج على الصحيح يجوز على غيره)). (¬2) هو الإمام الحافظ الثبت أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني توفي سنة (371 هـ‍). تاريخ جرجان: 108، وتذكرة الحفاظ 3/ 947. (¬3) هو الإمام أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر الخوارزمي، المعروف بالبرقاني الشافعي توفي سنة (425 هـ‍). تاريخ بغداد 4/ 373، والأنساب 1/ 337، وتذكرة الحفاظ 3/ 1074. (¬4) في (ص) و (م): ((الأصبهاني))، وكلاهما صحيح. وهو الحافظ الكبير محدث عصره أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصوفي ولد سنة (336 هـ‍) سمع ولقي العديد من المشايخ، وتفرد في الدنيا بإجازات توفي سنة (430 هـ‍). المنتظم 8/ 100، وتذكرة الحفاظ 3/ 1092، وشذرات الذهب 3/ 245. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 137. (¬6) في النسخ: ((غيرها))، وفي (م): ((غيرهما)). (¬7) النكت لابن حجر 1/ 311. (¬8) انظر: المقنع 1/ 71، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 137، والتدريب 1/ 112 - 113.

فـ ((رُبَّما)) داخلةٌ عَلَى (خَالَفَتْ) أي: رُبَّمَا خالفتهما لفظاً ومَعْنًى، وَهِيَ تستعملُ تارةً للتكثيرِ، وتارةً للتقليلِ بناءً عَلَى الأصحِّ أنَّها لا تَخْتَصُّ بأحدِهِما، وَقَدْ استُعملَتْ هنا فِيْهِمَا معاً كَمَا تَقرَّرَ (¬1)، فَهُوَ من استعمالِ المشْتَركِ في مَعنَيَيْهِ، وإنْ كَانَ الشارحُ جَعلَها مستعلمةً في الثَّاني فَقَطْ (¬2). والمُتونُ: جمعُ ((مَتْنٍ)) مِنَ المُمَاتَنَةِ، وَهِيَ: المبَاعدةُ في الغايةِ (¬3)؛ لأنَّ المتنَ غايةُ السَّندِ. أو مِنَ المتْنِ، وَهُوَ: ما صلُبَ وارتفعَ مِنَ الأرضِ (¬4)؛ لأنَّ راوِي الحَدِيثِ يقوِّيهِ بالسَّندِ، وَيَرفعُه بِهِ (¬5) إلى قائِلِه. (وَمَا تَزِيْدُ) - بالمثناةِ فوقُ أَوْ تحتُ - أي: المستَخْرَجاتُ، أَوْ المستَخْرجُ من تتمَّةِ كلامٍ، أَوْ زيادةِ شرحٍ لحديثٍ، أَوْ نحوِ ذَلِكَ، وَوُجِدَتْ شروطُ الصِّحَّةِ في رُواةِ المخرِّجِ (فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِهْ) (¬6)، ثُمَّ أشارَ إلى فوائدِ الاستخراجِ، فقال: (فَهُوَ) أي: ما يُزادُ (مَعَ العُلُوِّ) أي: علوِّ الإسْنادِ الذي هُوَ جلُّ قصدِ المخرِّجينَ (من فائدتِهْ) وزادَ لفظةَ ((مِنْ)) ليفيدَ أنَّ لَهُ فوائدَ أُخرَ، منها: القوَّةُ بكَثْرَةِ الطُّرُقِ للتَّرْجِيحِ عِنْدَ المعارضةِ (¬7)، ومنها: 1 - تسميةُ المُبْهَمِ والمُهْمَلِ (¬8). ¬

_ (¬1) انظر عن (ربّ): اللسان 1/ 199، ومغني اللبيب: 179. (¬2) انظر: الفصول 1/ 76، والبحر المحيط 2/ 127. (¬3) الصحاح 6/ 2200، واللسان 13/ 398 - 399. (¬4) الصحاح 6/ 2200، واللسان 13/ 398 - 399. (¬5) ((به)): سقطت من (ع). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 137 - 138 والتعليق عليه. (¬7) انظر: الإرشاد 1/ 126، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 138 - 139، والمقنع 1/ 71 - 72. (¬8) المبهم: هو من أبهم ذكره في الحديث من الرجال والنساء، أو: من ذكر بوصف غير دال على ذات معينة. ويقع في المتن والإسناد، مثل جاء رجل، أو عن ابن عم لي، وهكذا. أما المهمل: هو أن يذكر الراوي اسمه من غير نسبة تميزه، وأكثر ما يقع في الإسناد، كأن يكون للراوي أكثر من شيخ يسمى (محمداً)، فيروي قائلاً: حدثنا محمد. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 557، والشذا الفياح 2/ 703، وتدريب الراوي 2/ 342، وشرح شرح النخبة: 71.

2 - والتصريحُ بالمدَلِّس. 3 - واتِّصَالُ المُرْسَل. 4 - ووصلُ المعلَّق (¬1). ومثالُ العلوِّ: أنَّ أبا نُعيمٍ الأصبهانيَّ (¬2) - مثلاً - لَوْ رَوى حديثاً عَنْ عبدِ الرَّزاق من طريقِ البخاريِّ - مثلاً - لَمْ يصلْ إِليهِ إلاَّ بأربعةٍ، اثنانِ بينَهُ وبين البخاريِّ، والبخاريُّ (¬3) وشيخُهُ. وإذا رواهُ عَنِ الطَبرانيِّ، عَنْ إسحاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيِّ -بفتحِ الموحَّدةِ- عَنْهُ، وصلَ إِليهِ باثنينِ فَقَطْ. وأشارَ إلى جَوابِ سؤالٍ بقولِهِ: (وَالأَصْلَ) - بالنصبِ - بقوله: (يَعْني) الإمامُ أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَينِ (البَيْهَقِيْ) - بالإسكان للوزن، أَوْ لنيةِ الوقفِ - نِسْبةً لـ ((بَيْهَقَ)) قرىً مجتمعةٍ بنواحي نَيْسَابورَ - في " السُّننِ الكُبرى "، و " المعرفَةِ "، وغيرِهما (وَمَنْ عَزَا) أي: نَسَبَ للشيخينِ، أَوْ أحدِهما، كالإمامِ أبي مُحَمَّدٍ الحُسَينِ بنِ مسعودٍ البَغَوِيِّ، في " شَرْحِ السُّنَّةِ ". كأنَّه قِيلَ: فالبَيْهَقِيُّ، والبَغَوِيُّ، وغيرُهما يَرْوونَ الحديثَ بأسانِيدِهم، ثُمَّ يعزونَهُ للشيخينِ أَوْ أحدِهما، مَعَ اختلافِ اللفظِ، أَوْ المعنى (¬4). فأجابَ: بأنَّهم إنَّما عَنَوْا بعَزْوِهم أَصْلَ (¬5) الحديثِ، لا عزوَ ألفاظِهِ (¬6). ¬

_ (¬1) ولمعرفة المزيد من فوائد المستخرجات انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 321 - 323، والبحر الذي زخر (3/ 898 - 903) ومقدمة تحفة الأحوذي 1/ 69، وتدريب الراوي 1/ 115 - 116، والتقييد والإيضاح 31 - 32، وتوضيح الأفكار 1/ 72 - 73. (¬2) في (ق): ((الأصفهاني))، وكلاهما جائز كما تقدم. (¬3) ((البخاري)) لم ترد في (ص). (¬4) البيهقي والبغوي يكثران من العزو إلى البخاري ومسلم، أو أحدهما، وكثيراً من الأحيان يخالف لفظهما لفظ الصحيحين، أو يكون الاختلاف في الألفاظ تطويلاً واختصاراً، وهما إنّما يريدان: أنّ أصل الحديث في الصحيحين لا لفظه؛ لأنّ البيهقي والبغوي إنّما يذكران ألفاظهما عن شيوخهما. ولقد أخطأ الشيخ الهيتي بهجت أبو الطيب خطأً كبيراً بتخريجه أحاديث السنن الصغرى من الكبرى، وخالف في ذلك منهج المحدّثين، وأتى بشيء جديد لم يسبق إليه. (¬5) المثبت من أصولنا، وفي (م): ((أهل)) خطأ. (¬6) انظر: النكت الوفية (36 / أ)، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 139.

(وَلَيْتَ إذْ زَادَ) الحافظُ أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أبي نَصْرٍ (الحُمَيديْ) (¬1) - بالإسكانِ للوزنِ، أَوْ لِنيةِ الوقْفِ، وبالتَّصْغِيرِ - نسبةً لجدِّهِ الأعلى: حُمَيْدٍ الأندلسيِّ في كتابهِ " الجمعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ " ألفاظاً (¬2) (مَيَّزا) أي: ليتَهُ ميَّزَها عَنْ ألفاظِ " الصَّحِيحِ " في جَمِيْعِ كِتابهِ، وإلا فَقَدْ مَيَّزَ في الأكثر مِنْه، بَلْ قِيلَ: في جَميعِهِ (¬3). فيقول بَعْدَ إيرادِهِ الحديثَ: اقْتَصَرَ مِنْهُ البُخَارِيُّ - مَثلاً - عَلَى كَذَا، أَوْ زادَ فِيهِ فُلاَنٌ كَذَا، أَوْ نحوُ ذَلِكَ. وَقَدْ لا يُمَيِّزُ فينقلُ مَنْ لا يُمَيِّزُ (¬4) بعضَ ما يجِدُهُ فِيهِ عَنِ " الصَّحِيْحَيْنِ "، أَوْ أحدِهما، وَهُوَ مخطئٌ، لكونِه زيادةً ليْسَتْ في واحدٍ منهما. أما الجمعُ بينهما لعبدِ الحقِّ (¬5) ومختصراتُهما، فلَكَ أن تعزوَ منها لَهما، ولو باللفظِ؛ لأنَّهم أتوا فِيها بألفاظِهِما، ذَكَرَهُ النَّاظِمُ (¬6). ومن نَظْمِ الحُمَيدِيِّ (¬7): لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيْدُ شَيْئاً ... سِوَى الهَذَيَانِ مِنْ: قِيْلٍ وَقَالِ فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إلاَّ ... لأَخْذِ العِلْمِ، أَوْ إصْلاَحِ حَالِ ¬

_ (¬1) هو محمّد بن فَتُّوح بن عبد الله بن حميد الأزدي الحميدي، توفّي سنة (488 هـ‍). انظر: معجم الأدباء 18/ 282، ووفيات الأعيان 4/ 282، والعبر 3/ 323. (¬2) ((ألفاظاً)): سقطت من (ص). (¬3) الحقّ أنّ الحميدي ميّز جميع الزيادات وعزاها لمخرجيها، فقال في مقدّمة جمعه: ((ورّبما أضفنا إلى ذلك نبذاً مما نبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر الخوارزمي، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح، مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض أو تتميم لمحذوف أو زيادة من شرح أو بيان لاسم ونسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم))، وجلّى الحافظ ابن حجر هذه المسألة بأمثلتها تجلية شافية، فانظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 300 - 310، والنكت الوفية: 36 / ب. (¬4) المثبت من أصولنا، وقد سقط من (م). (¬5) هو الإمام الحافظ عبد الحق بن عبد الرحمان بن عبد الله أبو محمد الأزدي الإشبيلي توفي سنة (581 هـ‍). العبر 3/ 82، وشذرات الذهب 4/ 271. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 141. (¬7) البيتان من الوافر، وهما في معجم الأدباء 18/ 286، ووفيات الأعيان 4/ 283.

مراتب الصحيح

مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ 37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا 38 - شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفِي 39 - وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ مراتبُ الصَّحِيحِ مُطلقاً، وَهِيَ تتفاوتُ بِحَسَبِ تمكُّنِهِ من شروطِ الصِّحَّةِ، وَعَدم تمكُّنِهِ منها (¬1). (وأرفعُ الصَّحِيحِ مرويُّهما) أي: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ لاشتمالهِ عَلَى أعْلى مقتضياتِ الصِّحَّةِ، ويعبَّرُ عَنْهُ (¬2) بـ ((المتَّفقِ عَلَيْهِ)) أي: بما اتَّفَقا عَلَيْهِ، لا بِما اتَّفقَ عَلَيْهِ الأمَّةُ، لَكنَّ اتفاقَهما عَلَيْهِ لازمٌ من ذَلِكَ؛ لاتفاقِها عَلَى تلقِّي ما اتَّفَقَا عَلَيْهِ بالقَبولِ (¬3). (ثُمَّ) مرويُّ (البُخَارِيُّ) وَحْدَهُ؛ لأنَّ شَرْطَهُ أضْيَقُ كما مَرَّ (فَـ) مرويُّ (مُسلِمٌ) وَحْدَهُ لمشاركتِهِ للبخاريِّ في اتِّفاقِ الأمَّةِ عَلَى تلقِّي كِتابِهِ بالقبول. (فما شَرْطَهُمَا) أي: فما (حَوَى) أي: جَمَعَ شرْطَهُمَا، والمرادُ بِهِ رُواتُهما، أَوْ مثلُهم مَعَ باقي شُروطِ الصَّحِيحِ من اتصالِ السَّندِ، ونفي الشُّذوذِ والعلَّةِ (¬4). (فَـ) مَا حَوَى (شَرْطُ الجُعْفِي) أي: البُخَارِيُّ (فـ) مَا حَوَى شرطُ (مُسْلِمٌ فَـ) مَا حَوَى (شَرْطُ غَيْرٍ) (¬5) أي: غيرُهما من سائرِ الأئمَّةِ (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142. (¬2) في (م): ((عنها)). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 108. (¬4) هذا مصطلح غير جيد؛ فإنّ البخاري ومسلماً لا يخرّجان جميع ما روى الراوي، بل ينتقيان من حديثه؛ فعلى هذا لا يصحّ أن يقال: في كلّ سندٍ روي في الصحيحين: صحيح، أو على شرط الشيخين. (¬5) عبارة: ((شرط غيرٍ)) سقطت من (ص). (¬6) انظر في هذا التقسيم معرفة أنواع علم الحديث: 107 - 108، والتقريب: 40، والمقنع 1/ 75 - 76. وقد ذكر ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح 359 - 572 لكل قسم من هذه الأقسام أربعين حديثاً، وقد دارت مناقشات بين العلماء حول هذا التقسيم، انظرها في: نكت الزركشي 1/ 254، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 142 مع تعليقنا عليه، ونكت ابن حجر 1/ 363، وتوجيه النظر 1/ 290 مع تعليقات محققه.

فهذهِ سبعةُ أقسامٍ، وَهِيَ شاملةٌ للمتواترِ الَّذِي هُوَ أرفعُها، وللمشهورِ (¬1) وَهُوَ: ((ما لَهُ طرقٌ محصورةٌ بأكثرَ من اثنينِ)) (¬2)، ولما وُصِف بأنَّه أصحُّ الأسانيدِ، ولغيرِها ممَّا أوْرِد عَلَى الحصْرِ فيها (¬3). مَعَ أنَّ المتواترَ لا يضرُّ خروجُه؛ إذ لا يُشتَرَطُ فِيهِ عَدالةُ الراوِي (¬4)، فليس هُوَ من الصَّحِيحِ الذي مَرَّ تعريفُهُ. نَعَمْ، يَرِدُ عَلَيْهِ ما وُصِفَ بأنَّه أصحُّ الأسانيدِ، ولم يُخْرِجْهُ الشيخانِ، ومشهورٌ ليسَ مِنَ المتفقِ عليهِ، ولكنْ توقَّفَ شَيْخُنا في رُتْبَتِهِ هل هِيَ قبلَ (¬5) المتّفقِ عَلَيْهِ، أَوْ بعدَهُ؟ (¬6) واعْلَمْ: أنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ للمُفُوَّقِ ما يُصيِّرُهُ فَائِقاً (¬7)، كأَنْ يجيءَ من طُرُقٍ يبلغُ بها التواترَ (¬8)، أَوْ الشهرةَ القويةَ. ¬

_ (¬1) في (ص): ((والمشهور)). (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 108، ونزهة النظر: 62، والتدريب 2/ 183. (¬3) ما أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، أو أحدهما، عن بعض من في حفظهم شيء إنما هو انتقاءٌ من صحيح حديثهم؛ فإنّ حديث الضّعيف ليس كلّه خطأ، وإنّما فيه الصّحيح والخطأ، والشيخان ينتقيان من أحاديث من في حفظه شيءٌ، ممّا علم أنّ هذا الرّاوي لم يخطأ فيه، بل هو من صحيح حديثه، وذلك بالموازنة والمقارنة والنظر الثاقب والاطلاع الواسع، وليس ذلك لكلّ أحد. (انظر في انتقاء الشيخين: هدي الساري: 338 و 406 و 414 و 424 و 442 و 444 و 449، ونصب الراية 1/ 341، وصيانة صحيح مسلم: 94، والعواصم لابن الوزير 3/ 96 وما بعدها، وشرح النّوويّ على مسلم 1/ 18، وشرح العلل 2/ 613، والتنكيل 2/ 77، وانظر ما كتب في: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 19 وما بعدها). قلنا: ولعل هذا يظهر جلياً في كيفية إخراج الإمام البخاري لإسماعيل بن أبي أويس وانظر قصّة ذلك في: هدي الساري: 390، وتهذيب التهذيب 1/ 310. (¬4) انظر: تدريب الراوي 1/ 123. (¬5) في (ع) و (ق): ((من قبيل)). (¬6) نقله السيوطي في التدريب 1/ 123. (¬7) نزهة النظر: 90، والتدريب 1/ 124. قال القاري: ((يعرض: بفتح الياء وكسر الراء أي: يظهر (للمفوق) أي: للمرجوح من فاق الرجل أصحابه يفوق أي: علاهم بالشرف ... الخ)). شرح النخبة: 69. (¬8) في (ق): ((حد التواتر)). وفي (م): ((المتواتر))، وما أثبتناه من (ص) و (ع).

كما لَوْ كَانَ الحديثُ الذي لَمْ يُخْرِجْهُ الشيخانِ من ترجمةٍ وُصِفَتْ بكونِها أصحَّ الأسانيدِ، كمالِكٍ، عَنْ نافعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ؛ فإنَّه يُقَدَّمُ عَلَى ما قبلَهُ، نبَّه عَلَيْهِ شيخُنا (¬1). ثُمَّ لَوْ لُوحِظَ الترجيحُ بَيْنَ شروطِ غيرِهما، كما لوحظَ في شروطِهما لزادتِ (¬2) الأقسامُ، لكنَّ ما ذُكِر (يَكْفِي) في المقصودِ، والتصريحُ بهذا من زيادتِه. (وَعِنْدَهُ) أي: ابنُ الصلاحِ (التَّصْحِيحُ)، وكذا التحسينُ والتضعيفُ، (لَيْسَ يُمْكِنُ) حَيْثُ جَنَحَ لمنعِ الحُكْمِ بِذَلِكَ في الأَعْصارِ المتأخّرةِ الشاملةِ لَهُ (في عَصْرِنَا)، واقْتَصرَ فيها عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الأئِمَّةُ في تَصانيفِهم المُعتمدةِ التي يُؤْمَنُ فيها - لشُهْرَتِها - مِنَ التغييرِ والتحريفِ، مُحتجّاً بأنَّه مَا مِنْ إسنادٍ إلاَّ وفي رُواتِه مَنِ اعتمدَ عَلَى ما في كتابِه عَرِيّاً (¬3) عَنِ الضبطِ، والإتقانِ. قَالَ: ((فإذا وجدنا حديثاً صَحِيْحَ الإسنادِ، ولم نجدْهُ في أحدِ " الصحيحينِ " ولا منصوصاً عَلَى صِحَّتِهِ في شيءٍ من مُصنَّفاتِ أئمةِ الحديثِ المعتمدةِ المشهورةِ، فإنا لا نتجاسرُ عَلَى جَزْمِ الحُكْمِ بصِحَّتِهِ)) (¬4). وصارَ مُعظمُ المقصودِ بما يُتداولُ من الأسانيدِ خارجاً من ذَلِكَ إبقاءً لسلسلةِ الإسنادِ التي خُصَّتْ بها هذِهِ الأُمَّةُ، زادَها اللهُ شَرَفاً. (وَقَالَ) أَبُو زكريّا (يَحْيَى) النَّوويُّ: الأظهرُ عندي: أنَّ ذَلِكَ (مُمْكنُ) لِمَنْ تمكَّنَ، وقويَتْ مَعْرِفَتُهُ (¬5)؛ لأنَّ شروطَهُ لا تختصُّ بمعيَّنٍ من راوٍ، أَوْ غيرِهِ، إذ المقصودُ معانيها في السَّندِ، فإذا وُجِدَتْ فِيهِ رُتِّبَ (¬6) عَلَيْهَا (¬7) مُقْتَضاها (¬8). ¬

_ (¬1) نزهة النظر: 90. (¬2) المثبت من أصولنا. وفي (م): ((لذادت)). (¬3) في (ق) و (ع): ((عارياً)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 90. (¬5) التقريب: 41. (¬6) في (ق): ((ترتب)). (¬7) في (ص): ((عليه)). (¬8) انظر: التدريب 1/ 143.

قَالَ النَّاظِمُ (¬1): ((وعلى هَذَا عملُ أهلِ الحديثِ، فَقَدْ صحَّح غيرُ واحدٍ من المُعاصِرينَ لابنِ الصلاحِ وبعدَهَ أحاديثَ لَمْ نجدْ لمَنْ تقدَّمَهُم فيها تصحيحاً، كأبي الحسنِ ابنِ القَطَّانِ (¬2)، والضياءِ المَقْدَسِيِّ (¬3)، والزَّكِيِّ عَبْدِ العظيمِ (¬4)، ومَنْ بَعْدَهُم)) (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 149. (¬2) هو الحافظ علي بن محمد بن عبد الملك أبو الحسن بن القطان الفاسي، توفي سنة (628 هـ‍) صاحب كتاب " بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام " وهو كتاب نفيس؛ فيه الفوائد والعوائد، والنكت العلمية الدقيقة، والمادة الغزيرة في الجرح والتعديل، طبع سنة 1997 م. وانظر: سير أعلام النبلاء 22/ 306، وتذكرة الحفاظ 4/ 1407. (¬3) هو الإمام الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد السعدي الحنبلي المقدسي، صاحب " المختارة " توفّي سنة (643 هـ). تذكرة الحفاظ 4/ 1405، والعبر 5/ 179، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 236، وشذرات الذهب 5/ 224. (¬4) هو الحافظ الكبير عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة زكيّ الدين أبو محمد المنذري، صاحب " الترغيب والترهيب "، توفي سنة (656 هـ). تذكرة الحفاظ 4/ 146، والبداية والنهاية 13/ 212، وشذرات الذهب 5/ 277. (¬5) لم يدرك المصنف -ومن قبله الإمام النّوويّ والعراقي- كلام ابن الصلاح؛ إذ أنّ ابن الصّلاح لم يرد غلق باب التصحيح والتضعيف، وإنّما أراد صعوبة الأمر وليس كلّ واحدٍ يستطيع ذلك، وقد بحث محقق" الشذا الفياح ": صلاح الدين فتحي هلل، هذه المسألة بحثاً مستفيضاً - رأينا نقله بحروفه لفائدته وأهميته -، فقد قال: ((لم يحسن التعقّب على ابن الصلاح -رحمه الله- والتشنيع عليه بحجّة أنّه يمنع من التصحيح، ويدعو إلى إغلاق هذا الباب، لأنّ ذلك لم يرد في كلامه أصلاً، كيف وهو يقول: ((إذا وجدنا ... حديثاً صحيح الإسناد ... لا نتجاسر على جزم الحكم ... ))؟ فلاشكّ أنّ ذلك يحتاج إلى نظرٍ وبصرٍ بالتصحيح. ومثل ذلك قوله في ((الفائدة الأولى)) (152): ((ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنّه الأصحّ على الإطلاق)). وقوله في ((نوع الحسن)) (180): ((وهذه جملةٌ تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث)). وقوله في ((نوع الشاذ)) (343): ((إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه ... فانظر في هذا الراوي ... استحسنّا حديثه ذلك، ولم نحطّه إلى قبيل الحديث الضعيف ... رددنا ما انفرد به ... )). وقوله في ((معرفة زيادات الثقات)) (250): ((وذلك فنٌ لطيف تستحسن العناية به)). =

.................................................................... ¬

_ = وقوله في ((معرفة الحديث المعلّل)) (ص 259): (( ... وإنّما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، ... ، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضمّ إلى ذلك تنبّه العارف بهذا الشأن على إرسالٍ في ... الموصول ... بحيث يغلب على ظنّه ذلك فيحكم به أو يتردّد فيتوقف فيه)). وقوله في ((معرفة المضطرب)) (ص 269): ((وإنّما نسمّيه مضطرباً إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجّحت إحداهما ... الخ)). وقوله في ((معرفة الموضوع)) (ص 279): (( ... ولا تحلّ روايته ... إلا مقروناً ببيان وضعه ... )). وقوله في ((معرفة المقلوب)) (ص 287): ((وإنّما تقول: قال رسول الله (فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولاً)). فكل ذلك يدلّ على إعمال القواعد والبحث والتفتيش في الأسانيد والحكم عليها بما تستحق حسب القواعد. وهذا خلاف ما فهمه النووي وغيره من كلام ابن الصلاح. وقد صّحح ابن الصلاح وحسّن في كلامه على " الوسيط " للغزالي. والغريب أنّ النووي والعراقي وابن حجر قد وقفوا على كلامه هذا، فنقل منه العراقي في مواضع منها في تخريج الإحياء للغزالي (1/ 201، 216، 225 ط: الإيمان بالمنصورة)، وقد نقل منه ابن حجر في مواضع لا تحصى من كتابه: " تلخيص الحبير " منها: 1/ 47، 63، 68، 69، 84، 90، 127، 143. ط: ابن تيمية. وقد صحّح ابن الصلاح -رحمه الله- وحسّن في كلامه هذا، وذكر ابن حجر متابعة النووي لابن الصلاح -رحمهم الله- على بعض أحكامه، فكيف فاتهم ذلك؟! ففهموا أنّ ابن الصّلاح يمنع من التصحيح والتحسين؟! ولابن الصّلاح -رحمه الله - "أمالي" يتكلم فيها على الأحاديث وقفت على الجزء الثالث منها. ومن نظر فيه رأى نفس عالم محدّث يسرد الحديث وما يشهد له مع الكلام عليه. بل لماذا ألّف ابن الصلاح - رحمه الله - " مقدمته " في علوم الحديث؟ ووصف كتابه هذا بكونه: (( ... أباح بأسراره - (يعني: علم الحديث) - الخفيّة وكشف عن مشكلاته الأبيّة، وأحكم معاقده، وقعّد قواعده، وأنار معالمه، وبيّن أحكامه، وفصّل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وفصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفرائده)). وذكر أنّ الله عز وجل منّ بهذا الكتاب: ((حين كاد الباحث عن مشكله لا يلقى له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً)) كما ذكر ذلك في " مقدمة كتابه " (146). =

................................................................ ¬

_ = فلماذا ألفه إذاً إذا كان لا يرى جواز التصحيح في هذه الأعصار؟ جواز ذلك لما ألّف للناس كتاباً يعلمهم سبيل التصحيح والتحسين والحكم على الأحاديث بما تستحق. ثم رأيت أبا الحارث علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - يقول: ((كلام ابن الصلاح يفهم منه التعسير لا مطلق المنع)) كما في حاشية " الباعث " 1/ 112 ط دار العاصمة، ولم يذكر دليله على ذلك. هذا وقد استشكل قول ابن الصلاح - رحمه الله -: ((فآل الأمر في معرفة الصحيح والحسن، إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها، لشهرتها، من التغيير والتحريف)). فقال ابن حجر في " النكت " 1/ 270: (( ... فيه نظر؛ لأنّه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصاً على صحته وردّ ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين ... الخ)). وقال أيضاً 1/ 271: ((كلامه (يعني: ابن الصلاح) يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدّمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المعتمدة المشهورة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم، فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم، فليفد الصحة بأنّهم حدّثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم، وأكثر رجال الصحيح كما سنقرره)). أهـ. وحمله الدكتور المليباري - حفظه الله - في كتابه " تصحيح الحديث " (26) على أنّ معناه: ((معرفة صحة أو حسن أحاديث الأجزاء ونحوها، وليس مطلق الأحاديث)). ثم عاد فقال (ص 29): ((على أنّ الأمر إذا لم يكن كما ذكرناه سابقاً فلا يخلو قوله: (فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف) من تناقض صريح، كما بينه الحافظ ابن حجر ... الخ)). أ. هـ‍. والظاهر أنّ مراد ابن الصلاح من قوله: ((فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن ... الخ)) مطلق الأحاديث. ويكون قوله: ((إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم)) بمعنى ما ذكره أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة، لا ما نصّوا على صحته أو حسنه ويؤيده أنه عطف على كلامه هذا قوله: ((وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن ذلك، إبقاء سلسلة الإسناد ... الخ))، فالمراد معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن المصّنفات المعتمدة، ويحتمل أن يعود الضمير إلى أبعد مذكور وهو قوله: ((إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث، وهذا يحتاج إلى قرينة ومع ذلك لا يستقيم عود الضمير على قوله: ((ما نصّ عليه أئمة الحديث)) إلا بالمعنى المذكور هنا من تفسير ((النصّ)) هنا بمعنى ذكر الأسانيد في مصنفاتهم لا بمعنى ((النصّ)) على الصحة أو الحسن، إذ لم يقل أحد بأنّ ما ورد في الكتب المعتمدة كالسّنن وغيرها مما لم ينصّ على صحته إنّما يتداول من أجل إبقاء سلسلة الإسناد التي خصّت بها هذه الأمة. =

حكم الصحيحين والتعليق

وما قِيلَ: ((مِن أنَّ ذَلِكَ لا يَنْتَهِضُ دليلاً عَلَى ابنِ الصَّلاح))، فِيهِ وَقْفةٌ. حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق (¬1) 40 - وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا ... كَذَا لَهُ، وَقِيْلَ ظَنّاً وَلَدَى 41 - مُحَقِّقِيْهِمْ قَدْ عَزَاهُ (النَّوَوِيْ) ... وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ ¬

_ = ويؤيد ذلك أيضاً عدوله - يعني ابن الصلاح - عن التعبير بالنصّ على الصحة واقتصاره على مجرد النصّ على هذه الأسانيد. ويؤيد ذلك قوله في ((الفائدة السابعة)) (169): ((وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرّجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره ... ))، وقوله في ((الفائدة الثامنة)) (173): ((إذا ظهر - بما قدمناه - انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن، في مراجعة الصحيحين وغيرها من الكتب المعتمدة ... )). وقوله في كلامه على ((جواز العمل اعتماداً على ما يوثق به من الوجادة)) (360): ((قطع بعض المحققين من أصحابه. (يعني: الشافعي). في (أصول الفقه) بوجوب العمل به عند حصول الثقة به، وقال: ((لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدّثين لأبوه)). وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة، فإنّه لو توقّف العمل فيها على الرواية لانسدّ باب العمل بالمنقول، لتعذّر شرط الرواية فيها على ما تقدّم في النوع الأول)). أ. هـ. وعلى هَذَا التأويل المذكور هنا يزول التعارض الظاهري بَيْن أجزاء كلام ابن الصَّلاح - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - وهذا التأويل يحتاج إلى تدبّر فَلا تبادر بالإنكار -رعاك الله-. وتبقى بعض أشياء لعلّي أذكرها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله ذلك وقدره بمنّه وكرمه سبحانه وتعالى)). انتهى كلامه. الشذا الفياح 1/ 77 - 80. (¬1) قال البقاعي: ل 45/ أ: ((عطفه التعليق من عطف الخاص على العام، وصرَّح به؛ لأن الصحة والضعف يتجاذبانه، فمن حيث ضمه إلى الصحيح يظن به الصحة ومن حيث قطعه وسوقه غير مساق الكتاب يظن به غير ذلك)). جملة ما في صحيح البخاري من التعاليق واحدٌ وأربعون وثلاث مئة وألف حديث، وغالبها مكرر مخرّجٌ في الكتاب أصوله أو متونه، وليس في الكتاب من المتون التي لم تخرّج في الكتاب - ولو من طريق أخرى - إلا مئة وستون حديثاً. وقد جمع الحافظ ابن حجر جميع هذه التعاليق ووصلها في كتاب مستقل سماه: " تغليق التعليق ". أما صحيح مسلم فإنّ التعاليق الواردة فيه اثنا عشر. وكلّ حديث منها رواه متصلاً ثم عقبّه بقوله: ((رواه فلان))، غير حديث أبي جهيم فإنّه لم يصله، وعلى هذا فليس في صحيح مسلم بعد المقدمة حديث معلّق لم يصله إلا حديث أبي جهيم. مقدمة شرح النووي 1/ 18، والإرشاد 1/ 127 والتعليق عليه، وهدي الساري: 469.

42 - مُضَعَّفٌ وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ ... أَشْيَا فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ 43 - مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ كَـ (يُذْكَرُ) (حُكْمُ الصَّحِيحينِ) فِيْمَا أُسْنِدَ فِيهِما، وغيرِهِ (و) حُكْمُ (¬1) (التَّعْلِيْقِ) الواقعِ فيهما مَعَ تعريفه. (وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا) أي: البخاريُّ وَمُسْلِمٌ مجتمعينِ ومنفردين؛ لتلقِّي الأمَّةِ المعْصُوْمةِ في إجماعِها بخبرِ (¬2): ((لاَ تَجْتَمِعُ أمَّتِيْ عَلَى ضَلاَلَةٍ)) (¬3) لذلك بالقَبُولِ. وهذا (¬4) يُفيدُ عِلماً نظرياً؛ لأنَّ ظنَّ مَنْ هُوَ مَعْصومٌ من الخطإِ لا يُخطِئُ (¬5). (كَذَا لَهُ) أي: لابنِ الصَّلاحِ. أي: كَذَا قالَه تَبَعاً لِجَماعةٍ (¬6). وحاصِلُه: أنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ قَطْعاً، وأنَّهُ يُفيدُ عِلْماً. (وَقِيلَ:) صَحيحٌ، أَوْ يُفيدُ (ظَنّاً) بِنَصبِهِ عَلَى الأول تمييزاً، وعلى الثَّاني مفعولاً. (و) هَذَا القولُ (لَدَى) أي: عِنْدَ (مُحقِّقِيهمْ)، وأكثرِهم، هُوَ المُعتبرُ، كما (قَدْ عَزَاهُ) إِليهِم (النَّوويْ) مُحْتَجّاً بأنَّ أخبارَ الآحادِ لا تفيدُ (¬7) إلاَّ الظنَّ، ولا يلزمُ من ¬

_ (¬1) في حاشية (ق) تعليقة للعلامة الآلوسي، قال فيها: ((قوله وحكم التعليق: أعاد لفظ الحكم للإشارة إلى أن التعليق معطوف على الصحيحين ولا يبعد رفعه بالعطف على حكم بل قيل هو أولى لأن المتن لم يقتصر على حكم التعليق بل ذكر تعريفه أيضاً)). (¬2) في (ق) و (ع): ((الخبر)). (¬3) أخرجه عبد بن حميد (1220)، والمزي في تهذيب الكمال 8/ 301 من طريق أبي المغيرة عن معان بن رفاعة عن أبي خلف الأعمى عن أنس. وورد عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله لا يجمع أمتي، أو قال أمة محمّد - صلى الله عليه وسلم -، على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار)). أخرجه التّرمذي (2167)، وفي علله الكبير (597)، وقال: ((هذا حديث غريب من هذا الوجه)). (¬4) في (ص): ((وهذا فيما)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 108. (¬6) قال الإمام العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 156: ((وقد سبقه إلى نحو ذلك محمّد ابن طاهر المقدسيّ، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف)). (¬7) في (ق): (تفيد).

إجماعِ الأمَّةِ عَلَى العملِ بما فيهما إجماعَها عَلَى أنَّه مقطوعٌ بأنَّه من كلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). (وَفي الصَّحِيْحِ) لكلِّ من البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (بَعْضُ شَيءٍ) من أحاديِثهما (قَدْ رُوِيْ مُضَعَّفٌ) - بالرفع - صفةٌ لـ (بَعْض)، وَفِي نسخةٍ: (مضعفاً) -بالنصب- بالحاليةِ (¬2) (¬3). وأشارَ - كَما قَالَ: بـ (بعض شيءٍ) - إلى تَقْليلِ ذَلِكَ، وحاصِلُه استثناءُ ذَلِكَ مِمَّا ذكرَ. ومِنْ ثَمَّ قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((سوى أحرفٍ يسيرةٍ، تكلَّم عليها بعضُ أهلِ النَّقْدِ من الحُفَّاظِ، كالدَّارَقُطْنِيِّ، وَهِيَ معروفةٌ عِنْدَ أهلِ هَذَا الشأنِ)) (¬4). قَالَ شَيْخُنا: ((وسِوى مَا وقعَ التَّجَاذُبُ (¬5) بَيْنَ مَدْلولَيهِ حيثُ لا ترجيحَ لاستحالةِ أنْ يُفيْدَ المُتَناقِضَانِ العِلْمَ بصدْقهِمَا، من غَيْرِ ترجيحٍ لأحدهِما عَلَى الآخر)) (¬6). قَالَ: ((وَقَدْ ضعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ من أحاديثِهِما مئتينِ وَعَشَرة، يختصُّ البخاريُّ بثمانينَ إلا اثنينِ. ومسلمٌ بمئة، ويشتركانِ في اثنينِ وثلاثينَ)) (¬7). ¬

_ (¬1) قال النّوويّ: ((وخالفه - يعني: ابن الصلاح- المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر)). التقريب: 40. وبنحو قول النّوويّ قال العز بن عبد السلام، وانظر في هذه المسألة: صيانة صحيح مسلم: 85، وشرح النّوويّ لصحيح مسلم 1/ 128، وشرحه لصحيح البخاريّ: 40، والباعث الحثيث 35 - 36، والنسخة المحققة 1/ 126، ومحاسن الاصطلاح: 101، والمقنع 1/ 76 - 77، والتقييد والإيضاح: 41، والنكت لابن حجر 1/ 371 - 376. (¬2) في (ق): ((على الحالية)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 155 والتعليق عليه، والنكت الوفية (ل 45/ ب). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 18. (¬5) أي: التخالف - كما في نسخة - والمراد: التعارض. شرح عليّ القاري: 43. وكتب فوق هذه الكلمة في نسخة (ق): ((التناقض)). وفي (ع) حاشية نصها قوله: ((التجاذب، أي: التعارض)). (¬6) النّزهة: 74 - 75. (¬7) هدي الساري: 346.

قَالَ الناظم في نُكَتِهِ: ((وَقَدْ أجابَ عنها العلماءُ، وَمَعَ ذَلِكَ فليْسَتْ يسيرةً (¬1) بَلْ كثيرةً، وَقَدْ جمعتُها في تصنيفٍ مَعَ الجوابِ عنها)) (¬2). قُلْتُ: ما رَدَّ بِهِ عَلَى ابنِ الصلاح من أنَّها كثيرةٌ، يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ أَيْضَاً، لموافقتِه كَمَا مَرَّ. فالأَوْجَهُ أنْ يُقالَ: إنَّ كَثرتَها إنَّمَا هِيَ كثرتُها في نَفْسِهِا، فَلا يُنافي كونَها يسيرةً بالنظر إلى مَا لَمْ يضعَّفْ في " الصَّحِيحينِ " (¬3). ثُمَّ بيَّن حُكمَ التعليقِ الواقعِ فيهما، فَقالَ: (وَلَهُمَا)، أي: البخاريِّ وَمُسْلِمٍ في " صَحِيحَيْهِما " (بِلا سَنَدْ) أصلاً أَوْ كاملٍ (أَشْيَا) - بالقصرِ للوزنِ، أَوْ لنيةِ الوقفِ -. ك‍: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ (¬4) قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ - رضيَ اللهُ عَنْهُمَا -، أَوْ الزُّهْريُّ، أَوْ يُروى عَنْ فُلاَنٍ، أَوْ يُذْكَرُ عَنْهُ، كَما سيأتي، وذلك كثيرٌ في البُخَارِيِّ، قليلٌ في مُسْلِمٍ. ¬

_ (¬1) في (ع): ((يسيرة في نفسها)). (¬2) التقييد والإيضاح: 42. قلنا: نعم هي ليست باليسيرة، فقد بلغت انتقادات الدارقطني وحده (218)، وهذا فيما سوى ما انتقده أبو مسعود الدمشقي، وأبو الفضل بن عمار، وأبو علي الجياني. ولربما أراد ابن الصلاح أنها يسيرة نسبياً إلى ما لا انتقاد عليه. والحقيقة أن هذه الانتقادات تتفرع عن الأقسام الآتية: 1 - الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث. إذ قد ينفرد ثقة بزيادة لا يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه، فتحميل هذا الثقة تبعه أنه قد يكون غلط؛ ظن مجرد، وغاية ما فيها أنها زيادة ثقة لا تنافي رواية الأحفظ والأكثر. 2 - الحديث الذي قد يرويه تابعي، المشهور أن روايته عن صحابي معين سمع منه، فيروي الحديث بواسطة عن ذلك الصَّحَابيّ، فيعلل الأول بزيادة الراوي في الطريق الثانية. وهذا مندفع بأنه لا مانع من كون ذلك التابعي قد سمع ذلك الحديث بعينه من ذلك الصحابي مباشرة ثم سمعه بواسطة وهكذا يكون الأمر فيمن بعدهم. 3 - أن يشير صاحب الصحيح إلى علته، كأن يرويه مسنداً ثم يذكر أنه روي مرسلاً، فهذا من صاحب الصحيح ترجيح لرواية الواصل على المرسل. 4 - ما يكون مداراً للاجتهاد وتكون علته مرجوحة بالنسبة إلى صحته. وانظر: نكت الزركشي 1/ 287، والتقييد والإيضاح 42، وابن حجر 1/ 380. (¬3) انظر: النكت لابن حجر 1/ 380. (¬4) في (م): ((أو كما)).

حَتَّى قَالَ النَّاظِمُ (¬1): ((ليسَ عِنْدَهُ بَعْدَ مُقدِّمةِ الكتابِ حديثٌ لَمْ يُوصلْهُ فِيهِ سِوى موضعٍ واحدٍ في التيمُّمِ، وَهُوَ حَدِيثُ أبي الجُهَيْمِ (¬2) بنِ الحارِثِ بنِ الصِّمَّةِ (¬3): ((أقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ (¬4) ... الحَدِيثَ)). قَالَ فِيهِ مسلمٌ: ((وروى اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ)) (¬5)، ولم يُوصِلْ إسنادَهُ إلى اللَّيْثِ، وَقَدْ أسندَهُ البُخَارِيُّ عَنْ يحيى بنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ (¬6). (فإنْ يَجْزِمْ): المُعُلِّقُ (¬7) منها بشيءٍ من ذَلِكَ، ك‍: ((قَالَ)) و ((ذَكَرَ)) و ((زادَ)) و ((رَوَى)) فلانٌ (فَصَحِّحْ) (¬8) أنتَ عمَّنْ علَّقَهُ عَنْهُ؛ فإنَّ مُعَلِّقَهُ لا يستجيزُ إطلاقَهُ، إلاَّ وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ عَنْهُ (¬9). (أَوْ) لَمْ يجزم بِهِ، بَلْ (وَرَدْ مُمَرَّضاً فَلا) تُصَحِّحْهُ عَملاً بِظاهِر الصِّيْغةِ، ولأنَّ استعمالَها في الضَّعيفِ أكثرُ مِنْهُ في الصحيحِ (¬10). وَحَمَلَ ابنُ الصَّلاح قولَ البُخَارِيِّ: ((مَا أَدْخلتُ فِي كِتَابِي الجامِع إلاَّ مَا صَحَّ)) (¬11)، وقولُ الأئِمَّةِ: ((مَا فِيهِ مَحكومٌ بِصحَّتِهِ)) عَلَى أنَّ المُرادَ مَقاصدُ الكتابِ ومَوْضُوعُهُ، ومتُونُ الأبوابِ، دُوْنَ التَّراجِمِ ونحوِها (¬12). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 159 - 160. (¬2) في (م): ((الجهم)). ويجوز فيه الوجهان، انظر: تهذيب التهذيب 12/ 61. (¬3) بكسر المهملة وتشديد الميم. التقريب (8025). (¬4) موضع في المدينة. انظر: معجم البلدان 1/ 299. (¬5) صحيح مسلم 1/ 194 (369). (¬6) صحيح البخاريّ 1/ 92 عقب (337). (¬7) في (م): ((أي المعلق)). (¬8) في (ق) و (م): ((فصححه)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 161. (¬10) المصدر السابق. (¬11) معرفة أنواع علم الحديث: 105. (¬12) المصدر السابق. قلنا: هذا كلام صحيح، فالمحكوم بصحته هو ما روي بالسند المتصل، أما ما ذكر تعليقاً فهو ليس من نمط الصحيح كما سبق بيان ذلك، ولكن هنا مسألة ينبغي التنبيه عليها، وهي أنّه قد تتابع الذين كتبوا في المصطلح، على أن ما ذكره البخاري بصيغة الجزم صحيح إلى من علّقه إليه، ويبقى النظر فيمن أبرز من=

.............................................................. ¬

_ = رجاله، وهذا لم يصرّح به البخاري، وإنّما بني على استقراء ناقص غير تام، فالصواب أنّ هذِهِ القاعدة كلية لا أغلبية، وأن تعاليق البخاري لا يتم الحكم على المروي منها بشيء من الصحة ولا الحسن ولا الضعف إلا بعد الكشف والفحص عن حال ما علّقه، وقد علّق البخاريّ حديث عائشة: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه)) بصيغة الجزم، مع أنّه لا يصحّ على شرطه، بل على شرط غيره، فخبر عائشة هذا أخرجه مسلم في " صحيحه ". وذكر أيضاً بصيغة الجزم حَدِيث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الله أحق أن يستحيى منه من الناس))، وهو ليس من شرطه قطعاً، ولهذا لما علّق في النكاح شيئاً من حديث جدّ بهز لم يجزم به، بل قال: ويذكر عن معاوية بن حيدة. وقال في: ((باب: العرض في الزكاة)): وقال طاووس: قال معاذ - رضي الله عنه - لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميس أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، ورجاله ثقات إلا أن طاووساً لم يسمع من معاذ، فهو منقطع. وعلّق حديث جابر في كتاب العلم بصيغة الجزم، فقال: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. وعلّقه في كتاب التوحيد بصيغة التمريض، فقال: ويذكر عن جابر، عن عبد الله بن أنيس، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يحشر الله العباد، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان)). وقد قال الحافظ: جزم به حيث ذكر الارتحال فقط؛ لأنّ الإسناد حسنٌ وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفاً من المتن لم يجزم به؛ لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الربّ، فإنه يحتاج إلى تأمل، فلا يكفي مجيء الحديث من طرق مختلف فيها ولو اعتضد. وما علّق بصيغة التمريض، منها ما هو صحيح على شرطه، وقد أورده في موضع آخر من " جامعه " ففيه 1/ 44 في المواقيت، باب: ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعاً: ويذكر عن أبي موسى قال: كنا نتناوب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند صلاة العشاء فأعتم بها، وقد رواه موصولاً (567) في باب: فضل العشاء ... ، ولفظه فيه: فكان يتناوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم. وقال في كتاب الطب 10/ 76، باب: الرقي بفاتحة الكتاب: ويذكر عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أسنده (5737) في الباب الذي بعده من حديث ابن أبي مليكة، عن ابن عباس في قصة، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)). ومما أورده بصيغة التمريض، ولم يورده في موضع آخر من كتابه، وهو صحيح، ما جاء في كتاب الآذان من " صحيحه " 2/ 204: ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم))، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم في " صحيحه " (438) من طريق أبي نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم ... )). وجاء في كتاب الصلاة 2/ 255: ويذكر عن عبد الله بن السائب قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - (المؤمنون) في الصبح، حتى إذا جاء ذكر موسى أو هارون أو ذكر عيسى أخذته سلعة، فركع، وهو حديث صحيح أخرجه =

(وَلكِنْ) إيرادُ المعلِّق لذلك (¬1) في أثناءِ صَحِيحِه (يُشْعِرُ بِصحَّةِ الأصْلِ لَهُ) إشعاراً يُؤنَسُ بِهِ ويُرْكَنُ إِليهِ (¬2). وألفَاظُ التَّمريضِ: (ك‍: يُذْكَرُ)، و ((يُروى))، و ((يُقالُ))، و ((ذُكِرَ))، و ((رُوِيَ))، و ((قِيلَ)). وكتعليقِهما تعليقُ كُلِّ مَنِ التزَم الصِّحَّة. 44 - وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ 45 - وَلَوْ إلى آخِرِهِ، أمَّا الَّذِي ... لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي 46 - عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ ثُمَّ عرَّف التعليقَ بقولِه: (وإنْ يَكُنْ أوَّلُ) رواةِ (الاسْنَادِ) بدرج الهمزة، من جهة المعلِّقِ (حُذِفْ) واحداً كَانَ أَوْ أكثرَ، وعزا الحَدِيثَ لمَنْ فَوْقَ المحذوفِ (مَعْ) ذِكْرِ (صِيغَةِ الجَزْمِ)، بَلْ أَوْ صِيغةِ التَّمريضِ، كما قَالَهُ النَّوويُّ وغيرُهُ، (فتعليقاً) أي: فبالتَّعليقِ (عُرِفْ) عِنْدَ أئمَّةِ هَذَا الشأنِ. (فتعليقاً): منصوبٌ بِنَزْعِ الخافضِ، ويجوز نصبُه بـ (عُرِفَ) بتَضْمينِه مَعْنَى ((سُمِّيَ)). والتعليقُ مأخوذٌ من تعليقِ الجدارِ، وتعليقِ الطَّلاقِ (¬3)، ونحوِه؛ بجامعِ قَطْعِ الاتِّصَالِ (¬4). ¬

_ = مسلم (455) في الصلاة، باب: القراءة في الصبح، من طرق عن عبد الله بن السائب ... ، وهذه الأمثلة وغيرها أيضاً تدّل على أنّ استعمال صيغة ما لم يسم فاعله قد يكون لمعنى غير التمريض، كاختصار السند، أو الاقتصار على بعضه، أو إيراد الحديث بالمعنى، وغير ذلك من الوجوه، وهذا شائع ذائع في كتب المتقدمين من الأئمة كالشافعي في " الأم " فإنه يذكر فيه أحاديث كثيرة بصيغة التمريض، وهي في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك البغوي في "شرح السنة" حين يطوي السند، يورد الحديث بصيغة التمريض، وكثير مما جاء كذلك صحيح. إفادة من تعليقات الشيخ شعيب الأرنؤوط على العواصم 3/ 42 - 44. (¬1) في (ق): ((كذلك)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 104. (¬3) انظر: النكت لابن حجر 2/ 603. (¬4) انظر: النكت الوفية: 53/أ، معرفة أنواع علم الحديث: 175، وتعقبه البلقيني في محاسن الاصطلاح: 162، فراجعه تجد فائدة، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 167.

(ولو) حَذَفَ رواةَ الإسنادِ من أوَّلهِ (إلى آخِرِهِ) بأَنِ اقتصرَ عَلَى الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - في المرفوعِ، أَوْ عَلَى الصَّحَابيِّ في الموقوفِ، فإنَّه يُسَمَّى تَعْليقاً (¬1). وأمَّا مَا حُذِفَ من آخرِهِ أَوْ أثنائِهِ فَلَيْسَ تَعْليقاً، لاختصاصهِ بألقابٍ غيرِهِ، كالعَضْلِ، والقَطْعِ، والإرسالِ. (أَمَّا الذِي لشَيْخِهِ)، أي: أَمَّا الذِي (عَزا) هُ مصنِّفٌ لشيخِه (بـ: قَالَ) (¬2)، أَوْ زادَ، أَوْ نحوِهِ مِنْ صِيَغِ الجَزْمِ (فكَ‍) إسنادٍ (ذِي عَنْعَنَةٍ). فيكونُ متصلاً من البُخَارِيِّ، ونَحْوِهِ؛ لِثُبوتِ اللِّقاء، والسَّلامةِ مِنَ التَدْليسِ، إذْ شَرْطُ اتِّصَالِ المُعَنْعَنِ ثبوتُ ذَلِكَ، كما سيأتي في محلِّه؛ فلا يكونُ ذَلِكَ تَعْليقاً (¬3). وَقِيلَ: إنَّه تَعْليقٌ؛ وَعَلَيْهِ جَرى الحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ (¬4)، وتوسَّطُ بعضُ مُتَأخّرِي المَغَارِبَةِ، فَوسمَ ذَلِكَ بالتعليقِ المتَّصلِ مِن حَيْثُ الظاهرُ، المنفصلِ من حيثُ المعنى، لكنَّهُ أدرجَ مَعَهُ ((قَالَ لي))، ونحوها، مما هُوَ مُتَّصِلٌ جزماً، ونُوْزِعَ فِيهِ كما سيأتي في أقسامِ التَّحمُّلِ (¬5). والمختارُ الذي لا مَحِيْدَ عَنْهُ، كما قَالَ شيخُنا: ((إنَّ حكمَ ((قَالَ)) في الشيوخِ مثلُ غيرِها من التعاليقِ المجزومةِ)) (¬6)، وأمثلةُ ذَلِكَ كثيرةٌ. (كخَبَرِ الْمَعازِفِ) - بفتح الميمِ، وبالزاي والفاءِ - أي: آلاتِ الملاهِي، حيثُ قَالَ البُخَارِيُّ في ((بابِ الأشْرِبةِ)): قَالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ ابنُ خالدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبدُ الرحمانِ بنُ يزيدَ بنِ جابرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بنُ قيسٍ، قَالَ حَدَّثَني عبدُ الرحمانِ بنُ غَنْمٍ، قَالَ: حَدَّثَني أَبُو عامرٍ، أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأشعريُّ أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬7)، ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 168 والتعليق عليه، والإرشاد 1/ 194. (¬2) في (م): ((يقال)). (¬3) قال الإمام العراقي: هكذا جزم به ابن الصلاح في الرابع من التفريعات التي تلي النّوع الحادي عشر. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 169. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 166، والنكت الوفية: 52/ب، والإرشاد 1/ 193. (¬5) انظر: النكت لابن حجر 2/ 600 - 601. (¬6) انظر: النكت لابن حجر 2/ 601 - 602، وفتح الباري 10/ 52 - 53. (¬7) المثبت من الأصول وفي (م): ((عليه وسلم)).

يَقُولُ: ((لَيَكُوْنَنَّ فِيْ أمَّتِيْ أقْوَامٌ يَسْتَحِلُّوْنَ الحِرَ وَالحَرِيْرَ وَالخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ)) (¬1). فهذا حُكْمُهُ الاتِّصَالُ، أَوْ التعليقُ عَلَى ما مرَّ؛ لأنَّ هِشاماً من شُيُوخِ البخاريِّ (¬2) وَقَدْ عزاهُ إِليهِ بـ ((قَالَ)) فاعتمدْ ذَلِكَ (¬3)، و (لا تُصْغِ)، أي: تَمِلْ (لابْنِ حَزْمٍ) الحافظِ أبي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ سعيدِ بنِ حَزْمٍ، فَهُوَ منسوبٌ لجدِّ أبِيهِ (المُخَالِفِ) في ذَلِكَ، وغيرِهِ؛ لجمودِه عَلَى الظاهرِ، حيثُ حكمَ في موضعٍ من " محلاَّه " (¬4) بعدمِ اتِّصَالِ ذَلِكَ. وقالَ في الحديثِ المذكورِ: إنه مُنْقَطِعٌ، لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ البُخَارِيِّ، وَصَدَقَةَ. وحقُّهُ أَنْ يقولَ: ((وهِشامٌ)) بدلَ: ((وصَدَقَةُ)). ولَمْ يَكْتفِ بذلكَ، بَلْ صَرَّحَ لتقريرِ قولِهِ بإباحةِ الملاهي: بأنَّه مَعَ جميعِ ما في هَذَا البابِ موضوعٌ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((ولا التفاتَ إِليهِ في ذَلِكَ، بَلْ أخطأ فِيهِ مِن وُجوهٍ، والحديثُ صَحِيْحٌ مَعروفُ الاتصالِ بشرطِ الصَّحِيحِ)) (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح البخاريّ 7/ 138 (5590). (¬2) انظر: التاريخ الصغير 2/ 382، وتهذيب الكمال 6/ 228و7/ 412، والكاشف2/ 337، وتهذيب التهذيب 11/ 51، وقد ذكر العيني في عمدة القاري 21/ 175 الأحاديث التي رواها البخاريّ عن هشام بن عمار. (¬3) بعد هذا في (ص): ((وإن لم يصرح بالتحديث عنه، أو الإخبار وما يقوم مقامه)). (¬4) المحلى 9/ 59. قلنا: يتعجب على ابن حزم قوله هذا، فقد قال في كتاب الإحكام 1/ 151: ((اعلم أن العدل إذا روى عمّن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع، سواء قال: أخبرنا، أو حدّثنا، أو عن فلان، أو قال فلان، فكل ذلك محمول على السّماع منه)). وانظر: النكت لابن حجر 2/ 602 - 603. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 171 - 172. قال الإمام العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 172: ((والحديث متّصل من طرق: من طريق هشام وغيره. قال الإسماعيلي في المستخرج: حدّثنا الحسن، وهو ابن سفيان النسوي الإمام، قال: حدّثنا هشام بن عمار فذكره. وقال الطبراني في مسند الشاميين 1/ 334 (588) حدّثنا محمّد بن يزيد بن عبد الصمد، قال: حدّثنا هشام بن عمار)). ووصل الحديث أيضاً ابن حبان في صحيحه (الإحسان) 8/ 265 (6719) والطبراني في المعجم الكبير 3/ 282 (3417). ووصله ابن حجر في تغليق التعليق 5/ 17 - 22، واستوفى الكلام عليه طرقاً وبحثاً. والحديث أيضاً موصول من غير طريق هشام. انظر: تغليق التعليق 5/ 20 - 22.

نقل الحديث من الكتب المعتمدة

قَالَ: ((والبخاريُّ قَدْ يفصلُ ذَلِكَ لكونِ الحديثِ معروفاً من جهة الثقاتِ عَنْ الراوي الذي علَّقَهُ عَنْهُ، أَوْ لكونِهِ ذكرَهُ في موضعٍ آخرَ من (¬1) كتابِهِ متصلاً، أَوْ لغيرِ ذَلِكَ من الأسبابِ التي لا يصحَبُها خللُ الانقطاعِ)) (¬2). نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ 47 - وَأخْذُ مَتْنٍ مِنْ كِتَابٍ لِعَمَلْ ... أوِ احْتِجَاجٍ حَيْثُ سَاغَ قَدْ جَعَلْ 48 - عَرْضاً لَهُ عَلى أُصُوْلٍ يُشْتَرَطْ ... وَقَالَ (يَحْيَى النَّوَوِي): أصْلٍ فَقَطْ 49 - قُلْتُ: (وَلابْنِ خَيْرٍ) امْتِنَاعُ ... نَقْلٍ (¬3) سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ أي: التي صحَّتْ، أَوْ اشتهرَتْ نسبتُها لمصنِّفيها كالصَّحيحَيْن. وقدَّمَ هَذَا عَلَى الحسَنِ المشاركِ للصَّحيحِ في الحُجِّيةِ لمشابهتِهِ للتعليقِ. (وأخْذُ مَتْنٍ) مبتدأٌ، خبرُهُ: (قَدْ جَعَلْ) إلى آخِرِهِ. أي: وأَخْذُ حديثٍ (مِنْ كِتَابٍ) مِنَ الكُتُبِ المُعتمدةِ (لِعَمَلْ) بمضمونِهِ، (أَوِ احْتِجَاجٍ) بِهِ لذي مَذْهبٍ (حَيْثُ سَاغَ)، أي: جازَ للآخْذِ ذَلِكَ، بأنْ يكونَ متأهلاً لَهُ، بحيثُ يكونُ عالماً بِمَضْمُونِ الحَدِيثِ، لَهُ مَلَكَةٌ يَقْوى بها عَلَى مَعرِفةِ المطلوبِ مِنْهُ في ذَلِكَ. (قَدْ جَعَلْ)، أي: ابنُ الصَّلاحِ (عَرْضاً لَهُ)، أي: مقابلةً للمأخوذِ مَعَ ثقةٍ (عَلَى أُصُولٍ) صحيحةٍ متعدِّدةٍ، مرويةٍ برواياتٍ متنوعةٍ (¬4). ¬

_ (¬1) في (ق) و (ع): ((في)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 172، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 172. (¬3) المثبت من النسخ و (أ) والنفائس وشرح السيوطي، وفي (ب) و (ج‍) وشرح التبصرة والتذكرة: ((جزمٍ))، وسيشير إليه المصنف أنه عنده كذلك في نسخة. (¬4) قال العراقي في التقييد 43: ((ما اشترطه المصنّف من المقابلة بأصول متعددة، قد خالفه فيه الشّيخ محيي الدين النّوويّ، فقال: وإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه. قلت: وفي كلام ابن الصلاح في موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط تعدد الأصل، فإنه حين تكلم في نوع الحسن أن نسخ التّرمذي تختلف في قوله: حسن أو حسن صحيح، ونحو ذلك. قال: فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول، وتعتمد على ما اتفقت عليه. فقوله هنا: ينبغي، يعطي عدم اشتراط، والله أعلم)). =

أي: أن تنوَّعَتْ، بأنْ تعدَّدَتْ رُوَاتُه كالفِرَبْريِّ، والنَّسَفِيِّ، وحمَّادِ بنِ شاكرٍ، بالنسبةِ لصَحِيْحِ البُخَارِيِّ. (يُشْتَرَطْ)، أي: جَعَلَهُ شَرْطاً لجوازِ الأخذِ، ليحصلَ بِهِ جبرُ الخللِ الواقعِ في أثناءِ الأسانيدِ. (وَقَالَ) أَبُو زكريّا (يَحْيَى النَّوَوِيْ) بالإسكانِ للوزن، أَوْ لنيَّةِ الوقفِ: يكفي عَرْضُه عَلَى (أصْلٍ) مُعتمَدٍ (فَقَطْ)، لحصولِ الثِّقةِ بِهِ؛ فلا يُشترَطُ التَّعدُّدُ (¬1). عَلَى أنَّ ابنَ الصَّلاحِ، قَالَ بِذلكَ في عرضِ المرويِّ، وكلامُه في قِسْم الحسنِ حين ذكر أنَّ نُسَخَ التِرمذيِّ تَخْتلِفُ في قوله: ((حَسَنٌ)) أَوْ ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ)) (¬2)، أَوْ نحوِهِ؛ قَدْ يُشيرُ - كما قَالَ الناظمُ - إلى حَمْلِ مَا قَالَهُ هنا عَلَى الاستحبابِ (¬3)؛ فَلا مخالفةَ. لكنْ قَدْ يفرّقُ بزيادةِ الاحتياطِ للعملِ، والاحتجاجِ، دُوْنَ الرِّوايةِ، نظراً للأصلِ فِيْهِمَا، وللوصفِ في الرِّوَايَةِ (¬4)، إذْ متنُ الحديثِ أصلٌ (¬5)، وسواءٌ فيما ذُكِرَ: أكانَ (¬6) الكتابُ المأخوذُ مِنْهُ مروياً للآخذ أَمْ لا. ¬

_ = قلنا: تعقّبه تلميذه ابن حجر فقال في نكته 1/ 384: ((أقول: ليس بين كلاميه مناقضة، بل كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستقلال بإدراك الصّحيح بمجرد اعتبار الأسانيد؛ لأنه علل صحّة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللاً، فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدهما، بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول المتعددة؛ ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد. وأما قوله في الموضع الآخر: ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول، فلا ينافي قوله المتقدم؛ لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضاً، والله أعلم)). وانظر: التقريب: 42. (¬1) انظر: التدريب 1/ 150. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 119. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 174. (¬4) بعد هذا في (م): ((للمقصود من الخبر في العمل والأصل دون الوصف في الاحتجاج))، وليس في شيء من النسخ الخطية. (¬5) بعد هذا في (م): ((وكونه صحيحاً أو حسناً وصفٌ))، وليس في شيء من النسخ الخطية. (¬6) في (ع) و (ص): ((كان)) بإسقاط الهمزة.

(قُلْتُ: ولابنِ خَيْرٍ) - بفتحِ المعجمةِ، وسكونِ التحتيةِ - الحافظِ أبي بكرٍ مُحَمَّدٍ الأَمَوِيِّ - بفتحِ الهمزةِ - الإِشْبِيْليِّ (¬1). (امْتِنَاعُ) أي: تحريمُ (نَقْلٍ) وفي نسخة ((جَزْمٍ)). (سِوَى) أي: غَيْر (مَرْوِيِّهِ) سَوَاء أنَقَلَ (¬2) للرِّوايةِ أَمْ لِلْعَملِ، أَمْ لِلاحْتِجاجِ، والامتناعُ فِيهِ عِنْدَهُ (إجماعُ). وعبارتُهُ (¬3): ((وَقَدْ اتَّفقَ (¬4) العلماءُ - رَحِمَهُمُ اللهُ - عَلَى أنَّه لا يَصِحُّ لمسلمٍ أنْ يقولَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَا، حَتَّى يكونَ عندهُ ذَلِكَ القولُ مَرويّاً، ولو عَلَى أقلِّ وجوهِ الرِّواياتِ؛ لقولِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (¬5). ¬

_ (¬1) هو الإمام أبو بكر محمد بن خير بن عمر اللمتوني الإشبيلي، مات في ربيع الأول سنة (575 هـ). تذكرة الحفاظ 4/ 1366، العبر 4/ 225، طبقات الحفاظ: 486. (¬2) في (ق): ((نقل)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 174 - 175. (¬4) تعقّبه الزركشي في نقل الاتفاق، فقد قال السيوطي في شرحه لألفية العراقي: 126: ((قال الزركشي في جزء لَهُ: وما نقله من الإجماع عجيب، إنّما حكي ذلك عن بعض المحدّثين، ثم هو معارض بنقل ابن برهان، وأبي إسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة، ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها)). (¬5) انظر: فهرست ابن خير: 16 - 17، وقوله هذا وصفه ابن الملقن في " المقنع " 1/ 79 بأنه من النقول الغريبة، ووصف استدلاله بأنّه غير مطابق لما ادّعاه. والحديث صحيح متواتر: وقد ورد عن عدّة من الصحابة - رضي الله عنهم -، منهم: جابر بن عبد الله، عند أحمد 3/ 280، والدارمي (237)، وابن ماجه (33). وخالد بن عرفطة، عند أحمد 5/ 292. وزيد بن أرقم، عند أحمد 4/ 366. وأبو سعيد الخدري، عند أحمد 3/ 12و21و39 و 44 و 46 و 56، ومسلم 8/ 229 عقب (3004). وسلمة بن الأكوع، عند أحمد 4/ 47 و 50، والبخاري 1/ 38 عقب (109). وابن عبّاس، عند أحمد 1/ 233 و 269، والدارمي (238)، والترمذي (2950) و (2951). وعبد الله بن عمرو، عند أحمد 2/ 171. =

وفي بعضِ الرِّواياتِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ)) مطلقاً بدون تقييدٍ (¬1). وفي مطابقةِ دليلِه لمُدَّعاهُ نظرٌ، إذ لا يُقالُ لِمَنْ نَقَلَ من " صَحِيْح البُخَارِيِّ " - مثلاً - حديثاً، ولا رِوايةَ لَهُ بِهِ: إنَّه كذبَ عَلَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وافهمَ قولَه: (نَقْلٍ) أنَّه إذَا وَجَدَ حديثاً لَهُ بِهِ روايةٌ، سَاغَ لَهُ نَقْلُه، وإنْ كَانَ ضَعيفاً، لكنْ لا يجزم بِهِ. وقضيةُ النُّسْخةِ الثانيةِ، أنَّ لَهُ أَنْ يجزمَ بِهِ، ولَيْسَ مُراداً. و (امتناعُ) مبتدأٌ، خَبرُهُ (إجْمَاعُ)، و (لابْنِ خَيْرٍ) صلةُ محذوفٍ أي: إجماعٌ منقولٌ لابن خَيْرٍ، أَوْ خبرٌ للجملةِ بجعلِها في محلِ المبتدإِ أي: هَذَا الكلامُ لابنِ خَيْرٍ. ¬

_ = وابن مسعود، عند أحمد 1/ 402 و 405 و 454، والترمذي (2659). وعقبة بن عامر، عند أحمد 4/ 156. وعلي ابن أبي طالب، عند أحمد 1/ 130. ومعاوية ابن أبي سفيان، عند أحمد 4/ 100. ويعلى بن مرّة، عند الدارمي (240). والمغيرة بن شعبة عند البخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 1/ 10 عقب (4). وأبو هريرة، عند أحمد 2/ 413، والدارمي (599)، والبخاري 1/ 38 (110)، ومسلم 1/ 8 حديث (3). قلنا: وقد رواها جميعها، ابن الجوزي في تقدمة الموضوعات 1/ 55 - 93 وبسط الكلام في تخريجها اللكنوي في الآثار المرفوعة: 21 - 36. (¬1) رواية الإطلاق: أخرجها أحمد 3/ 116 و 166 و 176، والدارمي (242)، وعبد الله ابن أحمد 3/ 278، من حديث أنس بن مالك. وأخرجه أحمد 1/ 165 و 166، والبخاري 1/ 38 (107)، وأبو داود (3651)، من حديث عبد الله بن الزبير، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (904)، من حديث أبي قتادة الأنصاري. وأخرجه أحمد 4/ 159 و 201، من حديث عقبة بن عامر.

الحسن

القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ (¬1) ¬

_ (¬1) انظر في الحسن: جامع الأصول 1/ 174 - 178، ومعرفة أنواع علم الحديث: 111، وإرشاد طلاب الحقائق1/ 137 - 152، والتقريب: 42 - 49، والاقتراح: 162، والنفح الشذي 1/ 196 - 308، والمنهل الروي: 35، والخلاصة: 38، والموقظة: 26، واختصار علوم الحديث: 37، ونكت الزركشي 1/ 304 - 388، والشذا الفياح 1/ 107 - 132، والمقنع 1/ 83، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 177، ونزهة النظر: 91، ونكت ابن حجر 1/ 385 - 490، والمختصر: 73، وفتح المغيث 1/ 61، وألفية السيوطي: 15 - 19، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 126، والبحر الذي زخر 2/ 845 - 1316، وتوضيح الأفكار 1/ 154، وظفر الأماني: 174، وقواعد التحديث: 105، وتوجيه النظر 1/ 354 - 395. والحديث الحسن: وسطٌ بين الصحيح والضعيف، قال ابن القطّان في " بيان الوهم والإيهام " (1118): ((الحسن معناه الذي له حال بين حالي الصحيح والضعيف)) وبنحوه قال عقب (1173). وقال عقيب (1432): ((ونعني بالحسن: ما له من الحديث منزلة بين منزلتي الصحيح والضعيف، ويكون الحديث حسناً هكذا؛ إما بأن يكون أحد رواته مختلفاً فيه، وثقّه قوم وضعّفه آخرون، ولا يكون ما ضعّف به جرحاً مفسراً، فإنّه إن كان مفسراً قدّم على توثيق من وثّقه، فصار به الحديث ضعيفاً))؛ ولما كان كذلك عسر على أهل العلم تعريفه. قال الحافظ ابن كثير: ((وذلك لأنّه أمر نسبيٌ، شيءٌ ينقدح عند الحافظ، ربّما تقصر عبارته عنه)). اختصار علوم الحديث: 37. وقال ابن دقيق العيد: ((وفي تحرير معناه اضطرابٌ)). الاقتراح: 162. وذلك لأنّه من أدق علوم الحديث وأصعبها؛ لأنّ مداره عَلَى من اختلف فِيهِ، ومن وهم في بَعْض مَا يَرْوِي. فَلا يتمكّن كلّ ناقدٍ من التوفيق بَيْن أقوال المتقدّمين أو ترجيح قولٍ عَلَى قولٍ إلا من رزقه الله علماً واسعاً بأحوال وقواعد هَذَا الفن ومعرفةٍ قوية بعلم الجرح والتعديل، وأمعن في النظر في كتب العلل، ومارس النقد والتخريج والتعليل عمراً طويلاً، ومارس كتب الجهابذة النقاد حتّى اختلط بلحمه ودمه، وعرف المتشددين والمتساهلين من المتكلمين في الرّجال، ومن هم وسطٌ في ذَلِكَ؛ كي لا يقع فيما لا تحمد عقباه؛ ولذلك قال الحافظ الذهبي: ((ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدةً تندرج كل الأحاديث الحسان فيها؛ فأنا على إياسٍ من ذلك، فكم من حديثٍ تردد فيه الحفاظ هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ؟)). الموقظة: 28. =

50 - وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ ... اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ

_ = وللحافظ ابن حجر محاولةٌ جيّدةٌ في وضعه تحت قاعدة كليةٍ فقد قال في النخبة: ((وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تامّ الضّبط، متّصل السّند غير معللٍ ولا شاذٍ: هو الصّحيح لذاته ... فإن خفّ الضّبط، فالحسن لذاته)). النخبة: 29، 34. وهي محاولة جيدةٌ. وقد مشى أهل المصطلح على هذا من بعده. وحدّوا الحسن لذاته: بأنه ما اتصل سنده بنقل عدلٍ خف ضبطه من غير شذوذٍ ولا علةٍ)). وشرط الحسن لذاته نفس شرط الصحيح، إلا أنّ راوي الصحيح تامّ الضبط، وراوي الحسن لذاته خفيف الضبط. وسمّي حسناً لذاته لأنّ حسنه ناشئ عن توافر شروط خاصّة فيه، لا نتيجة شيء خارج عنه. وقد تبين لنا: أنّ راوي الحسن لذاته هو الراوي الوسط الذي روى جملة من الأحاديث، فأخطأ في بعض ما روى، وتوبع على أكثر ما رواه؛ فراوي الحَسَن: الأصل في روايته المتابعة والمخالفة وَهُوَ الذي يطلق عَلَيْهِ الصدوق، لأنّ الصدوق هُوَ الذي يهم بَعْض الشيء فنزل من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق. فما أخطأ فيه وخولف فيه فهو من ضعيف حديثه، وما توبع عليه ووافقه من هو بمرتبته أو أعلى فهو من صحيح حديثه. أما التي لم نجد لها متابعة ولا شاهداً فهي التي تسمّى بـ (الحسان)؛ لأنّا لا ندري أأخطأ فيها أم حفظها لعدم وجود المتابع والمخالف؟ وَقَدْ احتفظنا بهذه الأحاديث التي لَمْ نجد لها متابعاً ولا مخالفاً وسمّيناها حساناً؛ لحسن ظننا بالرواة؛ ولأنّ الأصل في رواية الراوي عدم الخطأ، والخطأ طارئٌ؛ ولأنّ الصدوق هُوَ الذي أكثر مَا يرويه مِمَّا يتابع عَلَيْهِ. فجعلنا مَا تفرد بِهِ من ضمن مَا لَمْ يخطأ فِيهِ تجوزاً؛ لأنّ ذلك هو غالب حديثه، ولاحتياجنا إليه في الفقه. وبمعنى هذا قول الخطّابي: (( ... وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء)). ولا بأس أن نحد ذلك بنسبة مئوية فكأنّ راوي الحسن من روى - مثلاً لا حصراً - مئتي حديث فأخطأ في عشرين حديثاً وتوبع في ثمانين. فالعشرون التي أخطأ فيها من ضعيف حديثه. والثمانون التي توبع عليها من صحيح حديثه. أما المئة الأخرى وهي التي لم نجد لها متابعاً ولا مخالفاً فهي من قبيل (الحسن). ومن حاله كهذا: عاصم ابن أبي النجود، فقد روى جملة كثيرة من الأحاديث فأخطأ في بعض وتوبع على الأكثر فما وجدنا له به متابعاً فهو صحيح، وما وجدنا له به مخالفاً أوثق منه عدداً أو حفظاً فهو من ضعيف حديثه. وما لم نجد له متابعاً ولا مخالفاً فهو (حسن) خلا روايته عن أبي وائل، وزر بن حبيش. وانظر: كتابنا كشف الإيهام الترجمة (328). وممن حاله كحال عاصم: ((عبيدة بن حميد الكوفي، وسليمان بن عتبة وأيوب ابن هانئ، وداود بن بكر ابن أبي الفرات، ومحمد بن عمرو بن علقمة، والحارث ابن عبد الرحمن ابن أبي ذباب، ويونس ابن أبي إسحاق، وسماك بن حرب)). وهذا الرأي وإن كان بنحو ما انتهى إليه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلا أننا لم نجد من فصّله هكذا. وهو جدير بالقبول والتداول بين أهل العلم. وقد يتساءل إنسانٌ بأن من قيل فيهم: صدوق أو حسن الحديث قد اختلف المتقدمون في الحكم عليهم تجريحاً وتعديلاً. وجواب ذلك: أنّ الأئمة النقاد قد اطّلعوا على ما أخطأ فيه الراوي وما توبع عليه فكأنّ المجرّح رأى أن ما خولف فيه الراوي هو الغالب من حديثه، والمعدّل كذلك رأى أن ما توبع عليه هو غالب حديثه فحكم كلٌّ بما رآه غالباً، غير أنا نعلم أنّ فيهم متشددين يغمز الراوي بالجرح وإن كان خطؤه قليلاً، ومنهم متساهلين لا يبالي بكثرة الخطأ، وعند ذلك يؤخذ بقول المتوسطين المعتدلين. ولذا نجد الحافظ ابن عدي في الكامل، والإمام الذهبي في الميزان يسوقان أحياناً ما أنكر على الراوي الوسط ثم يحكمان بحسن رواياته الأخرى. والله أعلم.

51 - (حَمْدٌ) وَقَالَ (التِّرمِذِيُّ): مَا سَلِمْ ... مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ 52 - بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ ... قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ 53 - وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ ... فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ مِن أقسامِ السُّنَنِ: (الحَسَنُ). قَدِ اختلفتْ أقوالُ أئِمَّةِ الحَدِيْثِ في حَدِّهِ (¬1)، بالنظرِ لِقسمَيْهِ الآتيينِ، وَقَدْ شَرَعَ في بَيانِهِ، فَقَالَ: (والحَسَنُ المَعْرُوفُ مَخْرَجاً) بِنَصْبهِ تمييزاً مُحوَّلاً من نائبِ الفاعِلِ أي: المعروفُ مَخْرَجُهُ أي: رجالُهُ، وكلٌّ مِنْهُمْ مَخْرَجٌ خَرَجَ مِنْهُ الحديثُ، ودارَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كنايةٌ عَنِ الاتِّصَالِ: إذِ المرسَلُ، والمنقطعُ، والمُعْضَلُ، والمدلَّسُ - بفتحِ اللامِ - قَبْلَ أَنْ يتبيَّنَ تدليسَهُ لا يُعرفُ مَخْرَجُ الحديثِ مِنْها. (وَقَدْ اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ) بالعدالةِ والضبطِ اشتهاراً دُوْنَ اشتهارِ رجالِ الصَّحِيحِ، (بذاكَ) أي: بما ذكرَ من الاتِّصالِ والشُّهرةِ (حَدْ) الحافظُ أَبُو سليمانَ (حَمْدٌ) - بإسكان الميم - بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الخطَّابِ البُسْتِيُّ، الشافعيُّ، المشهور بـ ((الخَطَّابيِّ)) نِسبةً إلى جَدِّ أبيهِ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 180. (¬2) فقد قال في معالم السّنن 1/ 11: ((الحسن: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله. قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء)). وهذا التعريف نقله الإمام المزي في تهذيب الكمال 1/ 71. قال الحافظ العراقي: ((ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن في قوله: ما عرف مخرجه؛ احترازاً عن المنقطع، وعن حديث المدلس قبل أن يتبين تدليسه. قال ابن دقيق العيد: ((ليس في عبارة الخطابيّ كبير تلخيص. وأيضاً فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله. فيدخل الصّحيح في حد الحسن. قال: وكأنه يريد مما لم يبلغ درجة الصّحيح)). قال الشّيخ تاج الدين التبريزي: فيه نظر؛ لأنه - أي: ابن دقيق العيد - ذكر من بَعْدَ: أن الصّحيح أخص من الحَسَن. قَالَ: ودخول الخاص في حد العام ضروري. والتقييد بما يخرجه عَنْهُ مخلٌّ للحدّ وهو اعتراضٌ متجهٌ)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 180 - 181، والاقتراح 163 - 165، ونكت الزّركشيّ 1/ 304، والتقييد والإيضاح 43، ونكت ابن حجر 1/ 385، والبحر الذي زخر 3/ 950.

وبما قرَّرتُه في الاشتهارِ، سقطَ الاعتراضُ بأنَّ الخطَّابيَّ لَمْ يميِّزِ الحَسنَ مِنَ الصَّحِيحِ، ولا من الضَّعِيفِ. (وَقَالَ) الحافِظُ أَبُو عِيسى مُحَمَّدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرَةَ (التِّرْمِذِيُّ) ... - بكسرِ التاءِ والميمِ عَلَى المشهورِ، وبالمُعجَمةِ -نسبةً إلى تِرْمِذَ مدينةٍ بطرفِ جَيْحُوْنَ نهرِ بَلْخَ (¬1) - في " العِللِ " التي في آخر جامعِهِ ما حَاصِلُهُ: الحسنُ عندنا: (ما سَلِمْ مِنَ الشُّذوذِ مَعَ راوٍ) أي: مَعَ أنَّ راوياً من رُواتِهِ (ما اتُّهِمْ بِكَذِبٍ) بأن لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعمُّدُهُ (¬2). ولَمَّا شَمِلَ هَذَا مَا كَانَ بَعْضُ رواتهِ سَيِّيءَ الحِفظِ، أَوْ مستوراً، أَوْ مدلِّساً بالعَنْعَنَةِ، أَوْ مخْتَلِطاً، شَرَطَ شَرْطاً آخرَ؛ فقالَ: (وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ)، بَلْ جَاءَ مِن وجهٍ آخرَ فأكثرَ، مِثْلَهُ، أَوْ فوقَهُ، بلفظِهِ، أَوْ بِمعناهُ؛ لِيتَرجَّحَ بِهِ أحدُ الاحتمالينِ. لأنَّ سيِّيءَ الحفظِ -مثلاً- يُحتملُ أَنْ يكونَ ضَبَط مرويَّهُ، ويُحتملُ خلافُه. فإذا وَرَدَ مثلُ ما رَواهُ مِن وجهٍ آخرَ، غَلَبَ عَلَى الظنِّ أنَّه ضَبَطَ. واعتُرِضَ عَلَيْهِ: بأنَّ مَا حدَّ بِهِ الحَسنَ، لَمْ يميِّزْهُ عَنْ الصَّحِيحِ، وَرَدَّه بأنَّه مَيَّزَهُ عَنْهُ، حيثُ شَرَطَ فِيهِ أن يُرْوَى مِن وجهٍ آخرَ، دُوْنَ الصَّحِيحِ (¬3). رُدَّ بأنّهُ لَمْ يَشترطْ (¬4) ذَلِكَ في كلِّ حَسَنٍ، بَلْ فيما قَالَ فِيهِ: حَسَنٌ فَقَطْ، وَهُوَ الحسنُ لغيرهِ، دُوْنَ ما قَالَ فِيهِ: ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ))، أَوْ ((حسنٌ غريبٌ))، أَوْ ((حسنٌ صَحِيْحٌ غريبٌ)) وَهُوَ الحسنُ لذاتِهِ (¬5). كَمَا أشارَ إلى ذَلِكَ بقولهِ: (قُلتُ: و) مَعَ شَرْطِهِ عَدَمَ التفرَّدِ بِهِ (قَدْ حَسَّنَ) في " جامعِهِ " (بَعضَ ما انْفَرَدْ) بِهِ راويهِ، حيث يَقُولُ عَقِبَ الحَدِيثِ: ((حَسَنٌ غَريبٌ، ¬

_ (¬1) انظر: معجم البلدان 2/ 26. (¬2) الجامع 6/ 251 (العلل) (¬3) انظر مناقشات العلماء لتعريف التّرمذي للحديث الحسن في معرفة أنواع علم الحديث: 111، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 181 وما بعدها، ونكت الزّركشيّ 1/ 307، وتدريب الراوي1/ 158 وما بعدها، والمنهل الروي 53، وتوضيح الأفكار 1/ 160، والنكت لابن حجر 1/ 385 وما بعدها. (¬4) في (ص): ((يشرط)). (¬5) انظر: النزهة: 94.

لا نعْرِفُهُ إلاَّ مِن هَذَا الوجهِ)) فانتقضَ شرطُه المذكورُ (¬1). لكِنْ أَجابَ عَنْهُ شيخُنا تَبَعاً لغيرِهِ: ((بأنَّه إنَّما حَدَّ مَا يَقُولُ فِيهِ ((حَسَنٌ)) فَقَطْ، لا الحَسَنُ مُطْلَقاً، إما لغُمُوضِهِ، أَوْ لأنَّهُ اصْطلاحٌ جديدٌ لَهُ)) (¬2). (وَقِيلَ)، يَعْني: وَقَالَ الحافِظُ أَبُو الفَرَجِ ابنُ الجَوْزيِّ في كتابَي (¬3) "الموضوعاتِ" (¬4) و " العِللِ المُتناهِيةِ " (¬5): الحسَنُ (مَا) بِهِ (ضَعْفٌ قَرِيبٌ محتَمَلْ) - بفتح المِيْمِ - (فِيهِ). فالحَسَنُ لِذاتِهِ ضعيفٌ بالنِّسبةِ للصَّحِيحِ، والحسنُ لغيرِهِ ضَعيفٌ أصالةً، وإنّما طَرأَ عَلَيْهِ الحُسْنُ بما عَضَدَهُ، فاحْتَمَلَ الضّعفَ لوجودِ العاضدِ. فهذهِ ثلاثةُ أقوالٍ. (وَمَا بِكُلِّ ذَا) أي: بكُلِّ قولٍ مِنْها (حَدٌّ) صَحِيْحٌ (حَصَلْ) للحَسَنِ، بَلْ هُوَ كَما قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((مُسْتَبْهَمٌ لا يَشْفِي الغَليلَ)) (¬6). لأنَّه غَيْرُ جامعٍ لأفرادِ الحَسَنِ في الأولينَ، ولِعَدمِ ضَبْطِ القَدْر المحتَمَلِ في الأخيرِ (¬7). 54 - وَقَالَ (¬8): بَانَ لي بإمْعَانِ (¬9) النَّظَرْ ... أَنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذُكِرْ ¬

_ (¬1) قال الحافظ العراقي: ((هذا من الزوائد على ابن الصّلاح. وهو إيراد على التّرمذي، حيث اشترط في الحسن أن يروى من غير وجهٍ نحوه. ومع ذلك فقد حسّن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد)). وضرب لذلك مثالاً. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 182 - 183. (¬2) نزهة النظر: 95. (¬3) في (ق): ((كتاب)). (¬4) الموضوعات 1/ 35، ونقله العراقي في التقييد والإيضاح: 61، وهذا التعريف انتقده السخاوي في فتح المغيث 1/ 66 بقوله: ((هذا كلام صحيح في نفسه، لكنه ليس على طريقة التعاريف)). (¬5) لم نجده، ولعله مما سقط من المطبوع، وقد ذكره العراقي في التقييد والإيضاح: 61. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 112. (¬7) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 184. (¬8) في النفائس: ((قد بان))، وفي جميع النسخ: ((وقال بان))، وهو الصحيح؛ لأن: ... أنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ ((ذكر)) في نهاية البيت بصيغة الغياب، و ((قال)) مشعرة به، على العكس من: ((قد)). (¬9) في نسخة ب وج من متن الألفية: ((بإمعاني)).

55 - قِسْماً، وَزَادَ كَونَهُ مَا عُلِّلا ... وَلاَ بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلاَ 56 - وَالفُقَهَاءُ (¬1) كلُّهُمْ تَسْتَعمِلُهْ (¬2) ... وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ 57 - وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ ... حُجِّيَّةً وإنْ يَكُنْ لا يَلْحَقُ (وَقَالَ) أي: ابنُ الصلاحِ (بَانَ) أي: ظَهَرَ (لي بإمْعَانِ) أي: إكثاري (النَّظَرْ) في ذَلِكَ، والبحثِ فِيهِ (¬3)، جامعاً بَيْن أطرافِ كلامِهِم، مُلاحظاً فِيهِ مواقعَ استعمالِهم. (أَنَّ لَهُ) أي: للحَسَنِ (قسمينِ) (¬4): أحدُهما أي: وَهُوَ المسمَّى بالحسنِ لغيرِهِ: ((مَا في إسنادِهِ مستورٌ لَمْ تَتَحَقَّقْ (¬5) أهْليَّتُهُ، غَيْرَ أنَّهُ لَيْسَ مُغفَّلاً، ولا كثيرَ الخطإِ فِيمَا يَروِيهِ، ولا مُتَّهماً بالكَذِبِ فِيهِ، ولا يُنْسَبُ إلى مفَسِّقٍ آخَرَ، واعتضدَ بمتابعٍ أَوْ شاهدٍ)) (¬6). وثانِيْهِما أي: وَهُوَ المسمَّى بالحسَنِ لذاتِهِ: ((ما اشتَهَرَ راويهِ (¬7) بالصِّدْقِ والأمَانَةِ، وَلَمْ يَصِلْ في الحفظِ، والإتقانِ، رُتبةَ رجالِ الصَّحِيح)). فالقسمانِ (كُلٌّ) مِنَ التِّرْمِذِيِّ والخَطَّابِيِّ (قَدْ ذَكَرْ) مِنْهُمَا (قِسْماً)، وتركَ الآخرَ لظهورِهِ عنده، أَوْ لذهولِهِ عَنْهُ، أَوْ لغيرِه (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النكت الوفية: 65 / ب. (¬2) في (م): ((يستعمله))، وكلاهما جائز. (¬3) المثبت من (ص) و (ق) و (ع) وفي (م): ((به)). (¬4) اعترض على ابن الصلاح في تقسيمه هذا باعتراضات، أوردها الزّركشيّ مع أجوبته عنها فانظر: نكته 1/ 313 - 317. (¬5) في (ق): ((يتحقق)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 113. (¬7) في (ق): ((رجاله))، وفي (ع): ((رواته))، والأصح ((راويه))؛ لأن ضمير الفعل: ((يصل)) يعود على مفرد لا جمع. (¬8) في (ص): ((أي ولغيره))، وفي (ع): ((أي أو لغيره)).

فَكَلامُ التِّرْمِذِيِّ يُنَزَّلُ (¬1) عَلَى الأَوَّلِ، وكلامُ الخَطَّابِيِّ عَلَى الثَّاني (¬2). (وَزَادَ) ابنُ الصَّلاحِ في كُلٍّ مِنْهُمَا (كَوْنَهُ مَا عُلِّلا) بألِفِ الإطلاقِ (وَلاَ بِنُكْرٍ أَوْ (¬3) شُذُوذٍ شُمِلاَ) بِبِنائِهِ للمَفْعولِ (¬4)، وبألفِ الإطلاقِ، بأَنْ يَسْلَمَ مِن كُلٍّ من الثلاثةِ، لكنْ زيادتُهُ الثَّالِثُ (¬5) إنَّمَا هِيَ عَلَى الخَطَّابِيِّ دُوْنَ التِّرْمِذِيِّ، لما مَرَّ. (والفُقَهاءُ كُلُّهمْ تَسْتَعْمِلُهْ) في الاحتِجاجِ والعَملِ بِهِ، (وَالعُلَمَاءُ) مِنَ المُحدِّثِينَ، وغَيْرِهِم (الجُلُّ) أي: المُعظَمُ (مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ) فِيهِمَا أَيْضَاً (¬6). (وَهْوَ) أي: الحسنُ بِقِسْمَيْهِ (بأقسامِ الصَّحِيحِ مُلْحقُ حُجِّيَّةً) أي: في الاحْتِجاجِ بِهِ، (وإن يَكُنْ لا يَلْحَقُ) الصَّحِيحَ رُتْبةً، لضَعْفِ راوِيهِ، أَو انحطاطِ ضَبْطِهِ. بَلْ قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((مَنْ سمَّاهُ صَحِيحاً لاندراجِهِ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ، لا يُنْكِرُ أنَّه دونَهُ، فهذا اخْتَلافٌ في العِبارةِ دُوْنَ المَعْنَى)) (¬7). 58 - فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ ... فَقُلْ: إذا كَانَ مِنَ المَوْصُوْفِ 59 - رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ ... بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ 60 - وَإنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أوْ شَذَّا ... أوْ قَوِيَ الضَّعْفُ فَلَمْ يُجْبَر ذَا 61 - أَلاَ تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا ... أوْ أرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتُضِدَا ¬

_ (¬1) في (ق) و (ص): ((منزل)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 113، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 185. (¬3) بعد هذا في (م): ((بالدرج)). (¬4) ويسمّى أيضاً: مبنياً للمجهول. (¬5) في (ق): ((زيادة الثلاثة)) وفي (ع): ((زيادة الثّالث)). وجاء بعدها في (م): ((أي الشذوذ))، وقد سقطت من أصولنا. (¬6) قال العراقي: ((البيت الأول مأخوذ من كلام الخطّابيّ. وقد تقدم نقله عنه إلا أنه قال: عامة الفقهاء، وعامة الشيء يطلق بإزاء معظم الشيء وبإزاء جميعه. والظاهر أن الخطّابيّ أراد الكلّ. ولو أراد الأكثر لما فرّق بين العلماء والفقهاء)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 187. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 127، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 187.

(فَإنْ يُقَلْ) (¬1)، فِيْمَا مَرَّ: من أنَّ الحَسَنَ لغيرِهِ يُكْتَفَى فِيهِ بكونِ راويهِ غيرَ متَّهَمٍ، وفي عَاضِدِه بكونِه مِثْلَه، مَعَ أنَّ كلاً مِنْهُمَا ضَعِيْفٌ، لا يُحتجُّ بِهِ: كيفَ (يُحْتَجُّ بِالضَّعِيفِ) إذَا انضمَ إِليهِ ضَعِيْفٌ مَعَ اشتراطِهِم الثِّقةَ في القَبولِ؟ (فَقُلْ): لا مانِعَ مِنْهُ؛ لأنَّ الحديثَ (إذَا كَانَ مِنَ الموْصُوفِ رُوَاتُهُ) واحدٌ أَوْ أكثرُ (بِسُوْءِ حِفْظٍ) أَوْ باختلاطٍ، أَوْ بتدليسٍ، مَعَ اتِّصافِهم بالصِّدقِ والدِّيانةِ، (يُجْبَرُ بكَونِهِ مِنْ غيرِ وجهٍ يُذْكَرُ) فانجبرَ لاكتسابهِ من الهيئةِ المجموعةِ قوةً (¬2)، كما في الصَّحِيحِ لغيرِه الآتي بيانُه. ولأنَّ الحكمَ عَلَيْهِ بالضَّعْفِ إنَّما كَانَ لاحتمالِ ما يمنعُ القُبولَ، فلمَّا جاءَ العاضدُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زوالُ ذَلِكَ الاحتمالِ. وليسَ هَذَا مِثْلُ شهادةِ غيرِ عدلٍ، انضمَّ إليها شهادةُ مثلِهِ؛ لأنَّ بابَ الشهادةِ أضيقُ من بابِ الروايةِ. (وإنْ يَكُنْ) ضَعْفُهُ (لِكَذبٍ) في راوِيهِ، (أَوْ شَذَّا) أي: أَوْ شذوذٍ في روايتِه (أَوْ قَوِيَ الضَّعْفُ) بشيءٍ آخرَ، مما يقتضي الرَّدَّ، (فَلَمْ يُجبَرْ ذَا) أي الضَّعفُ بوجهٍ آخرَ، وإن كَثُرَتْ (¬3) طُرُقُهُ. كحديثِ: ((مَنْ حَفِظَ عَلَى أمَّتِيْ أرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْ أمْرِ دِيْنِهَا، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيْ زُمْرَةِ الفُقَهَاءِ والعُلَمَاءِ)) (¬4). ¬

_ (¬1) المثبت من أصولنا ومن متن الألفية، وفي (م): ((قيل)). (¬2) انظر: النزهة: 92. (¬3) المثبت من (ق) و (ع) و (ص): وفي (م): ((قويت)). (¬4) العلل المتناهية 1/ 119، والتذكرة للزركشي 2/ 1885، والدرر المنتثرة 1/ 387، وجاء في نسخة (ق) تعليقة للعلاّمة الآلوسي، قال فيها: ((هكذا روي عن عليّ - رضي الله عنه -، وفي رواية بعثه الله فقيهاً عالماً، وفي رواية أبي الدرداء ((وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً))، وفي رواية ابن مسعود: ((وقيل له ادخل من أي أبواب الجنة شئت))، وفي رواية ابن عمر ((كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء)) كذا ذكره بعض المحدّثين، وفي بعض الروايات نوع تخالف وقد يجمع باختلاف المراتب فتدبر)).

فَقَدْ اتَّفقَ الحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ؛ لقوَّةِ ضعفِه (¬1)، وقصورِها من جَبْرِه، بخلافِ مَا مَرَّ؛ لما خفَّ ضَعْفُهُ، وَلَمْ يَقْصُرِ الجابرُ عَنْ جَبْرِهِ، انجبرَ، واعتضدَ. (ألا تَرى) الحديثَ (المرسلَ) مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَ الشَّافِعيِّ، ومُوَافِقِيْهِ (حَيْثُ أُسْنِدا) من وجهٍ آخرَ (أَوْ أرسَلُوا) أي: أُرْسِلَ من وجهٍ آخرَ، بأن أرْسَلَهُ مَنْ أخذَ العِلْمَ مِنْ غيرِ رجالِ التَّابعيِّ الأوَّلِ (كما يَجيءُ) بيانُهُ في بابِهِ (اعتضدا)، وصارَ بذلك حُجَّةً. واعتُرضَ: بأنَّ الحديثَ إذَا أُسندَ، فالاحتجاجُ بالمسندِ. وأُجيبَ: بأنَّ المرادَ: مُسْندٌ، لا يُحتجُّ بِهِ منفرداً، وبأنَّ ثَمرتَهُ تَظْهَرُ فيما لَوْ عارضَهُ مسندٌ مثلُهُ، فإنَّهُ يُرجِّحُ عَلَيْهِ لاعتضادِهِ بالمرسَلِ. 62 - وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ ... وَالصِّدْقِ رَاوِيهِ، إذَا أَتَى لَهْ 63 - طُرُقٌ اخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ ... صَحَّحْتُهُ كَمَتْنِ (لَوْلاَ أنْ أَشُقْ) 64 - إذْ تَابَعُوْا (مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو) ... عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي (وَالحَسنُ) لذاتِهِ الذي (¬2) هُوَ (المشْهورُ بالعَدَالَهْ والصِّدقِ راويهِ)، برفعِهِ بـ: (المشهورُ) أي: المشهورُ رواتُه (¬3) بِذَلِكَ اشتهاراً دُوْنَ اشتهارِ رجالِ الصَّحِيحِ، كَمَا مرَّ (إذَا أَتَى لَهْ طُرُقٌ اخْرَى) - بالدرج - (نحوُها) أي: نحوُ طريقهِ (من الطُرُقِ) التي دُونَها (صَحَّحْتُهُ) (¬4). فإنْ ساوتْها، أَوْ رجحَتْهَا، فمجيئُهُ من طريقٍ آخرَ كافٍ، وهذا هُوَ الصَّحِيحُ لغيرِهِ، وما مَرَّ قبلُ، هُوَ الصَّحِيحُ لذاتِه، كَمَا مَرَّ التنبيهُ عَلَيْهِ. ذَلِكَ (ك‍: مَتْنِ) أي: حديثِ: (((لَولاَ أنْ أشُقْ) عَلَى أمَّتِي لأمَرْتُهُمٍ بالسِّوَاكِ ¬

_ (¬1) هذا الكلام اقتبسه الشارح من كلام الإمام النّوويّ في ديباجة أربعينه: 4. (¬2) ((الذي)) سقطت من (ق). (¬3) في (ق) و (ع): ((راويه)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة1/ 191، وللبقاعي تعليق مفيد في هذا الموضع، يراجع النكت الوفية: 70/ أ.

عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ)) (¬1)، (إذ (¬2) تَابَعُوا) راويهِ (مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو) بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ، في شَيخِ شيخِهِ، حَيْثُ رَواهُ جماعةٌ غَيْرُ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ (¬3). (فارْتَقى) من طريقِ مُحَمَّدٍ بهذهِ المتابعاتِ (الصَّحِيحَ يَجْرِي) أي: جارياً إِليهِ. ولولاها لَمْ يرتَقِ (¬4)؛ لأنَّ راويه مُحَمَّداً، وإنْ اشتهرَ بالصِّدْقِ، والصِّيانةِ، ووثَّقَهُ بعضُهم لذلك، لَمْ يكنْ متقناً، حَتَّى ضَعَّفَه بعضُهم لِسُوءِ حِفْظِهِ (¬5). والحديثُ رواهُ الشيخانِ مِن طريقِ عبدِ الرَّحمانِ بنِ هُرْمُزَ الأعرجِ (¬6)، فَهُوَ صَحِيْحٌ لذاتِهِ مِنْ طريقِهِ، صَحِيْحٌ لغيرِهِ، حَسَنٌ لذاتِهِ من طريقِ مُحَمَّدٍ باعتبارَيْنِ (¬7). 65 - قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ ... جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ 66 - فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ ... ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ 67 - وَمَا بهِ وَهْنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ ... وَحَيْثُ لاَ فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ 68 - فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ ... عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 2/ 58 و 287و399 و 429، والترمذي (22)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 44، والطبراني في الأوسط (7420)، والبيهقي 1/ 37، وأبو نعيم في الحلية 8/ 386. (¬2) في (ق): ((إذا)). (¬3) منهم: حميد بن عبد الرحمان، وحديثه أخرجه: أحمد في مسنده2/ 460و517، والنسائي في الكبرى (3043) و (3044) و (3045)، وابن الجارود في المنتقى (63)، وابن خزيمة في صحيحه (140)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 43، والطبراني في الأوسط (7420)، والبيهقي في الكبرى1/ 35. وكذلك أخرجه من طريق عطاء مولى أم صبيّة عن أبي هريرة مرفوعاً: أحمد في مسنده 1/ 120 و 2/ 509، والدارمي (1492)، والنسائي في الكبرى (304)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 43. والبيهقي في الكبرى 1/ 36. ورواه مالك في الموطأ 1/ 85 (بشرحه تنوير الحوالك) من طريقه موقوفاً على أبي هريرة. قال ابن عبد البر في التمهيد 7/ 199: ((هذا الحديث يدخل في المسند لاتصاله من غير وجه، ولما يدل عليه اللفظ)). ثمّ قال: ((وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك)). (¬4) في (ق): ((يرتق إليه)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 118، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 192. (¬6) صحيح البخاريّ 2/ 5 (887) و 9/ 105 (7239)، وصحيح مسلم 1/ 151 (252). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 118، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 192 - 194.

(قَالَ) ابنُ الصلاحِ: (ومِنْ (¬1) مَظِنَّةٍ) - بكسر الظاء - أي: موضعُ الظنِّ، بمعنى: العِلْم (لِلحَسَنِ) أي: ومن مَظَانِّهِ (¬2) غيرُ مَا مَرَّ: (جَمْعُ) الإمامِ الحافظِ (أبي داودَ) سليمانَ بنِ الأشعثِ السِّجِسْتَانيِّ، (أيْ فِي) كتابِه (السُّنَنِ، فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرتُ فِيْهِ مَا صَحَّ، أَوْ) ما (قَارَبَ‍‍) ‍هُ، يعني: الحسنَ لغيرِه، (أَوْ) ما (يَحْكِيْهِ) أي: يُشْبِهُهُ، يعني: الحسنَ لذاتِهِ، و ((أَوْ)) للتقسيم. وعبَّر أَبُو دَاوُدَ بـ ((الواو))، وَهِيَ فِيهِ أجودُ مِن ((أَوْ))، فَقَالَ: ذكرتُ فِيهِ الصَّحِيحَ، وما يُشْبِهُهُ، وما يُقارِبُهُ (¬3). قَالَ: (وَمَا) كَانَ فِيهِ من حديثٍ (بِهِ وَهْنٌ) أي: ضَعْفٌ (شديدٌ، قُلْتُهُ) أي: بيَّنْتُ وَهْنَهُ أي: إلاَّ أَنْ يكونَ ظاهراً، فلم أبَيِّنْهُ لظهورِهِ. (وحَيْثُ لاَ) وَهْنَ بِهِ شديدٌ، ولم أذكرْ فِيهِ شيئاً، (فـ) (¬4) هُوَ (صالِحٌ خَرَّجْتُهُ)، ¬

_ (¬1) في (م): ((من)) بدون (واو). (¬2) قال في الصحاح: ((مظنّة الشيء: موضعه ومألفه الذي يظنّ كونه فيه، والجمع المظانّ))، وقال في اللسان: ((المظانّ جمع مظنّة -بكسر الظاء- وهي موضع الشيء ومعدنه، مفعلة من الظن بمعنى: العلم)). انظر: الصحاح 6/ 2160، واللسان 13/ 274 (ظنن). (¬3) هذا النصّ الذي يذكر في كتب المصطلح بلفظ: ((ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه))، لم نجده في رسالة أبي داود إلى أهل مكة المطبوع مع مقدّمة عون المعبود 1/ 53، وكذا في المطبوع مع بذل المجهود 1/ 35، ولا في المطبوعة بتحقيق الدكتور محمد لطفي الصباغ. على الرغم من تضافر العديد من كتب المصطلح على نسبته إلى الرسالة. ينظر: التقييد والإيضاح: 55، وفتح المغيث 1/ 77، وكشف الظنون 2/ 1005، وقد رواه عنه الخطيب في تاريخ بغداد 9/ 57، من طريق ابن داسة، عنه، من غير عزو إلى رسالته، والذي يدّل عليه صنيع الحازمي في شروط الأئمة الخمسة: 67 - 68، أنّ هذا المقطع ليس في رسالة أبي داود، فإنّه نقل بسنده نصّاً من الرسالة، ثم قال عقبه: ((وقد روينا عن أبي بكر بن داسة أنّه قال: سمعت أبا داود يقول: ... فذكره)). وهذا هو مقصد ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 119 - 120، فإنه قال: ((وروينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح ... )). ثم قال: ((وروينا عنه أيضاً ما معناه: أنه يذكر في كل باب أصحّ ما عرفه)). وهذا النقل الثاني عن رسالة أبي داود إلى أهل مكّة 1/ 35، فكأنه يشير إلى أنّ الأول ليس في الرسالة. فرحمه الله ما أنبل قصده وأدق مسلكه. وينظر ما كتبه محقق النفح الشذي 1/ 207 - 208. (¬4) سقطت من (ص).

وبعضُه أصحُّ مِنْ بعضٍ (¬1). قَالَ ابنُ الصلاحِ (¬2): (فَـ) عَلَيْهِ: (مَا) وَجَدنَاهُ (بِهِ) أي: بكتابِهِ، (وَلَمْ يُصَحَّحْ) - ببنائِهِ للمفعول - أي: لَمْ يُصَحِّحْهُ أحدٌ مِنَ الشَّيْخينِ، ولا غَيْرِهِما، ممَّنْ يُميِّزُ بَيْنَ (¬3) الصَّحِيحِ والحَسَنِ، (وَسَكَتْ) أي (¬4): أَبُو داودَ (عَلَيْهِ)، فَهُوَ (عِندهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ)، وإنْ كَانَ فِيهِ مَا ليسَ (¬5) بحسَنٍ عِنْدَ غَيرهِ (¬6). قَالَ شيخُنا: ((ويمكنُ أَنْ يَكونَ فِيهِ ممّا بِهِ وهنٌ غيرُ شديدٍ، ما ليسَ بحسنٍ عندَهُ أَيْضَاً)) (¬7). 69 - و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ- ... : قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ 70 - وَلِلإِمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّمَا ... قَوْلُ (¬8) (أبي دَاوُدَ) يَحْكِي (مُسْلِما) ¬

_ (¬1) رسالة أبي داود إلى أهل مكة، مطبوعة مع بذل المجهود 1/ 35، وفي نص الرسالة التي ساقها السيوطي بسنده في كتابه " البحر الذي زخر " 3/ 1117. وانظر: النفح الشذي 1/ 208، ونكت الزّركشيّ 1/ 336 - 342. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 120. (¬3) ((بين)): سقطت من (ق). (¬4) ((أي)): سقطت من (ص). (¬5) في (ق): ((ما ليس فيه)). (¬6) فيه نظر، بل هو خطأ محض! لعدّة أمور، يطول المقام في سردها، منها: اختلاف روايات السنن، ففي بعض الروايات من أقوال أبي داود ما ليس في الأخرى، ثمّ إنّ أبا داود قد يضعّف الحديث بالراوي فإذا جاء هذا الراوي بحديث آخر يسكت أحياناً؛ لأنّه تقدم الكلام عليه عنده، ثم إنّ أبا عبيد الآجري في سؤالاته ينقل كثيراً من تضعيف أبي داود لبعض الأحاديث، وهو قد سكت عنها في سننه. وقد أطال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح 1/ 432 - 445 في بحث هذه المسألة، وذكر أمثلة كثيرة من الأحاديث الضعيفة التي سكت عنها أبو داود. فينبغي التنبيه على: أنّ سكوت أبي داود لا يستفيد منه كل أحد، فقد قال الحافظ ابن حجر في النكت 1/ 439: ((فلا ينبغي للناقد أن يقلّده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه؟)). (¬7) النكت 1/ 435 بتصرف. (¬8) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((جمع)).

71 - حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا ... تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا (و) اعترضَ الحافظُ (ابنُ رُشَيْدٍ) - بضم الراء وفتح الشين - وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ السَّبْتيُّ (¬1) الإسكندرانيُّ ابنَ الصَّلاحِ حيثُ (قَالَ: وَهْوَ) أي: وَمَا قاله ابنُ رُشيدٍ (¬2) (مُتَّجِهْ) كما قالَهُ أَبُو الفتحِ اليَعْمُريُّ: ((لا يلزمُ (¬3) من كونِ الحديثِ لَمْ ينصَّ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ بضَعْفٍ، ولا غيرُهُ بصِحَّةٍ، أَنْ يكونَ الحديثُ عندَه حَسَناً)) (¬4). بَلْ (قَدْ يبلغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ) أي: أبي دَاوُدَ، وإنْ لَمْ يبلغْهُ عِنْدَ غيرِهِ؛ فالحكمُ لَهُ بالحسنِ، لا بالصحَّةِ تحكُّمٌ. وجملةُ: (وَهْوَ متَّجِهْ) معترِضةٌ بَيْن القولِ ومقولِهِ، كَمَا أشرتُ إِليهِ. وأجابَ الناظمُ عَنِ الاعتراضِ: ((بأنَّ ابنَ الصَّلاحِ إنَّما ذكرَ مالنا أنْ نعرفَ الحديثَ بِهِ عِنْدَ أبي داودَ، والاحتياطُ أَنْ لا يُبْلَغَ (¬5) بِهِ (¬6) درجةَ الصحةِ، وإنْ جازَ أنْ يبلغَها عِندَهُ؛ لأنَّ عِبارتَهُ: ((فَهُوَ صالحٌ)) أي: للاحتجاجِ والعملِ بِهِ. فإن كَانَ يرى الحسنَ رتبةً بَيْن الصَّحِيحِ والضَّعِيفِ، فالاحتياطُ مَا قالَهُ ابنُ الصلاحِ، أَوْ يرى - كبعضِهم - أنَّهُ ينقسمُ إلى صَحِيْحٍ وضعيفٍ، فما سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ صَحِيْحٌ، والاحتياطُ - أي (¬7): عَلَى الرأيينِ - أَنْ يُقالَ: صالحٌ كَما عبَّرَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ)) (¬8). أي: لأنا لا نعلمُ أيُّهما رَأْيُهُ. وَقَدْ أفاد كلامُ أبي داودَ عَلَى الرأي الأولِ مَعَ ما تقرَّرَ: أنَّ الحديثَ إذَا كَانَ بِهِ وَهْنٌ غيرُ شديدٍ، فَهُوَ حَسَنٌ يُحتجُّ بِهِ، سواءٌ أوُجِدَ لَهُ جابرٌ أَمْ لا؟ وإن كَانَ عِنْدَ (¬9) ¬

_ (¬1) في (ق): ((البستي)). (¬2) ((ابن رشيد)): لم ترد في (ص) و (ع). (¬3) في (م): ((إذ لا يلزم)). (¬4) النفح الشذي 1/ 218، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 198. (¬5) في (ع) و (ص): ((نبلغ)). (¬6) ((به)): لم ترد في (ق). (¬7) ((أي)): لم ترد في (ق) و (ع). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 198 - 199، والتقييد والإيضاح: 53. (¬9) في (ص): ((عنده)).

غيرِهِ يحتاجُ إلى جابرٍ. فما في كتابهِ سِتَّةُ أقسامٍ أَوْ ثَمَانِيَة (¬1): 1 - صَحِيْحٌ لذاتِهِ. 2 - صَحِيْحٌ لغيرِهِ. 3 - حَسَنٌ لذاتِهِ. 4 - حَسَنٌ لغيرِهِ، بلا وَهْنٍ فِيْهِمَا. 5 - ما بِهِ وَهْنٌ شديدٌ. 6 - ما بِهِ وَهْنٌ غيرُ شديدٍ. وهذا قسمانِ: 1 - ما لَهُ جابرٌ. 2 - وَمَا لا جابرَ لَهُ. وما قَبْلَهُ قِسمانِ: 1 - ما بَيَّنَ وَهْنَهُ. 2 - وما لَمْ يُبيِّنْ وَهْنَهُ. (وللإمام) الحافظِ أبي الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ (¬2) بنِ أَحْمَدَ ابنِ سيِّدِ الناسِ (اليَعْمُرِيِّ) - بفتحِ الياءِ، مَعَ فَتح الميمِ وضَمِّها - نسبةً إلى يَعْمُرَ بنِ شَدَّاخٍ (¬3) - بفتح المعجمةِ، وتشديدِ (¬4) المهملةِ، وآخرُه خاءٌ (¬5) معجمةٌ - من بني ليث -، اعتراضٌ آخرُ عَلَى ابنِ الصلاحِ، فإنَّه قَالَ (¬6): لَمْ يَرْسُمْ أَبُو دَاوُدَ شيئاً بالحسن، (إنَّما قولُ أبي دَاوُدَ) أي: السابقُ، وَهُوَ: ذكرتُ فِيهِ الصحيحَ، وما يُشْبِهُهُ أي: في الصِّحَّةِ، ويقاربُهُ أي: فِيْهَا، كَمَا دلَّ لِذلِكَ ¬

_ (¬1) انظر: النكت لابن حجر 1/ 435. (¬2) كلمة: ((محمّد)) الأخيرة: لم ترد في (ص). (¬3) انظر: الاشتقاق لابن دريد: 171، والتاج 7/ 278. (¬4) في (ص): ((وتشديد الدال)). (¬5) ((خاء)): سقطت من (ع) و (ص). (¬6) النفح الشذي 1/ 208.

قولُهُ: بعضُها أصحُّ من بعضٍ، فإنَّه يُشيرُ إلى القَدْرِ المُشْتَرَكِ بَيْنَهُما، كَما (¬1) تَقْتَضيهِ صيغةُ أفعلَ في الأكثرِ، (يَحْكِي مُسْلِما) أي: يُشْبِه قولَهُ، (حَيثُ يَقُولُ) أي: مُسلمٌ في " صحيحِه " (¬2): (جملةُ الصَّحِيحِ لا تُوجَدُ عِنْدَ) الإمامِ (مَالِكٍ، والنُّبلا (¬3)) أي: الفُضلاءِ، كشُعبةَ، والثوريِّ. 72 - فَاحْتَاجَ أنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ ... إلى (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ) 73 - وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ ... قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ 74 - هَلاَّ قَضَى عَلَى كِتَابِ (مُسْلِمِ) ... بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ (فَاحْتَاجَ) أي: مسلمٌ (أَنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ)، عَنْ حَدِيثِ أهلِ الطَّبقَةِ الْعُليا في الحفظِ والإتقان، (إلى) حديثِ مَنْ يَلِيْهِم في ذَلِكَ، كحديثِ (يزيدَ بنِ أبي زيادِ، ونحوِهِ)، ك‍: ليثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ، وعطاءِ بنِ السَّائبِ (¬4). (وإنْ يَكُنْ ذُو) أي: صاحبُ (السَّبْقِ) في الحفظِ والإتقانِ، كمالكٍ (¬5) (قَدْ فَاتَهُ) أي: سَبَقَ بهما يزيدَ - مثلاً - فَقَدْ (أَدْرَكَ) أي: لحِقَه المسْبُوقُ (بِاسْمِ الصِّدْقِ)، والعدالةِ. فالضميرُ في ((فَاتَهُ)) عائدٌ لمَنْ ذُكِرَ من يزيدَ، ونحوِهِ، ويجوزُ عودُه لمسلمٍ. أي: وإنْ يكنْ قَدْ فاتَ مسلماً الأخْذُ عَنْ ذي السَّبْقِ، لكونِ أحدِهما لَمْ يَسمعْ ذَلِكَ الحديثَ، فَقَدْ أدركَ غَرَضَهُ بالأخذِ عمَّنْ شارَكَ ذا السبقِ في اسمِ الصِّدقِ والعدالةِ. فمعنى كلامِ مسلمٍ، وأبي داودَ واحدٌ، غَيْرَ أنَّ مسلماً اشترطَ الصَّحِيحَ، فاجتنبَ حديثَ الطَّبَقَةِ الثالثةِ، وَهُوَ الضَّعِيفُ الواهي، وأتى بالقسمينِ الأخيرين؛ وأبا داودَ لَمْ يشترطْهُ، فذكرَ ما يشتدُّ وَهْنُه عندَهُ، والتزمَ بيانَهُ (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص): ((لما)). (¬2) صحيح مسلم 1/ 5 - 6 (ط عبد الباقي). (¬3) في (م): ((النبلاء)) بتجويد الهمزة، خطأ. (¬4) شرح ألفية العراقي للسيوطي: 134. (¬5) المصدر السابق. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200 - 201.

فَـ (هَلاّ قَضى) أي: ابنُ الصَّلاح (عَلَى كتابِ مُسْلِم بِما قَضى عَلَيْهِ (¬1)) أي: عَلَى أبي داودَ (بالتحكُّمِ) السابقِ. فـ: ((التَّحَكُّمُ)) عائدٌ عَلَى (¬2) ((مَا)) بإقامة الظاهرِ مقامَ المُضْمَرِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ عائِدُها محذوفاً، و ((التَّحَكُّمُ)) بدلٌ مِنْها، أَوْ عطفُ بيانٍ عَلَيْهَا. وأجابَ الناظمُ عَنْ الاعتراضِ: بأنَّ مسلماً التزمَ الصحةَ في كتابِه، فليسَ لَنَا أنْ نحكمَ عَلَى حديثٍ فِيهِ بأنَّهُ حَسَنٌ عندَهُ، وأبو دَاوُدَ إنَّما قَالَ: ((ما سكَتُّ عَنْهُ، فَهُوَ صالحٌ)). والصالحُ يصدقُ بالصحيحِ وبالحسنِ، فالاحتياطُ أَنْ يُحكَمَ عَلَيْهِ بالحسنِ (¬3). 75 - وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصَابحَا ... إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا 76 - أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ ... رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ 77 - كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ (¬4) ... يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ 78 - في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ اقْوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ) 79 - وَالنَّسَئيْ (¬5) يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ (و) الإمامُ الحافظُ، مُحْيي السُّنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَينُ بنُ مسعودٍ (البَغَوِيْ) - بالإسكان للوزن، أَوْ لنيِّةِ الوقفِ -، نسبةً إلى ((بَغْ)) بلدةٍ من بلادِ خُرَاسَانَ، بَيْن مَرْوَ وهراةَ (¬6)، (إذ) أي: لكونِهِ (قَسَّمَ) كتابَهُ (المَصَابحا) - بحذف الياء؛ تخفيفاً -، (إلى الصِّحَاحِ والحِسَّانِ جَانِحا) أي: مائلاً إلى (أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ) أي: أَبُو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائيُّ، وغيرُهم (في) كُتُبِ (السُّنَنْ) من مؤلَّفاتِهِم، وإنَّ الصِّحَاحَ مَا ¬

_ (¬1) في (ص): ((قضى به)). (¬2) ((على)): سقطت من (ص). (¬3) التقييد والإيضاح: 54. (¬4) ضبطت في بعض النسخ بالبناء للمجهول، وكلاهما جائز. (¬5) قصد النّسائي وإنما قال: ((النسئي))؛ لضرورة الوزن، كما نبّه على ذلك الشارح. (¬6) انظر: معجم البلدان 1/ 467، والتاج 10/ 225.

رواهُ الشيخانِ في صَحِيحَيْهما، أَوْ أحدِهما (¬1). (رَدَّ) أي: رَدَّهُ (عَلَيْهِ) ابنُ الصَّلاحِ بِأنَّ هَذَا اصطلاحٌ لا يُعْرَفُ، وَليسَ الحَسَنُ عِنْدَ أَهْلِ الحديثِ عبارةً عمَّا في السُّنَنِ، (إذ بها غَيْرُ الحَسَنْ) مِنَ الصَّحِيحِ والضَّعِيفِ (¬2). فَقَدْ (كَانَ أَبُو داودَ) يتتبعُ مِن حديثِه (أَقْوَى مَا وَجَدْ) فـ (يَرْويهِ، و) يَروي (الضَّعِيفَ) الذي يُجْبَرُ، (حَيْثُ لاَ يَجِدْ في البَابِ) حَدِيثاً (غَيْرَهُ، فَذَاكَ) أي: الضعيفُ (عِنْدَهْ مِنْ رأيٍ) أي: رأيِ (¬3) الرجالِ (اقْوَى) -بالدرجِ- كَمَا (قالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ)، وَهُوَ أَبُو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ (¬4). وتقديمُ (مِنْ) عَلَى أفعلِ التفضيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ مجرورُها اسمَ استفهام -كَمَا هنا- قليلٌ (¬5). (و) كَانَ أَبُو عبدِ الرَّحمانِ أَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ (النَّسئيْ) -بحذفِ الألفِ، وبالإسكانِ للوزنِ، أَوْ لنيةِ الوقْفِ - لا يَقْتصِرُ في تخريجِهِ عَلَى المتَّفَقِ عَلَى قَبولِهِ، بَلْ (يُخْرِجُ) حَدِيثَ (مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا) أي: أئِمَّةُ الحَدِيثِ (عَلَيْهِ تَرْكاً) أي: عَلَى تركِهِ، ¬

_ (¬1) مصابيح السّنّة 1/ 2، 189. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 122، وقد تعقبه البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 111، فقال: ((لا يقال الاصطلاحات لا مشاحة فيها، فقد قال البغويّ: أردت بالصحيح ما خرج في كتاب الشيخين، وبالحسن: ما أورده أبو عيسى وأبو داود، وغيرهما، وما كان فيهما من غريب وضعيفٍ أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكراً أو موضوعاً)). وكذلك رد عليه التاج التبريزي بنحو هذا كما سيأتي. وقد رجعنا إلى مصابيح السّنّة للإمام البغويّ، فوجدنا الحق مع البلقيني، فقد قال البغويّ في ديباجة كتابه: ((أعني بالصحاح: ما أخرجه الشيخان، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل الجعفي البخاريّ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري - رحمهما الله - في جامعهما أو أحدهما. وأعني بالحسان: ما أورده أبو داود، ... ، وما كان فيهما من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عن ذكر ما كان منكراً أو موضوعاً ... )). المصابيح 1/ 110 وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 202 - 203. (¬3) في (ص): ((من رأي)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 121. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203، والنكت الوفية: 86/ب. (¬5) انظر على سبيل المثال: شرح ابن عقيل 2/ 184.

حَتَّى إنَّه يُخْرِجُ للمجهولينَ (¬1). وَهُوَ - كَمَا زادَه الناظمُ - (مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ). قَالَ شَيْخُنا: فقولُ ابنِ مَنْدَه: ((وأبو (¬2) داودَ يأخذُ مأخذَ النَّسائيِّ)) (¬3)، يعني: فِي عَدمِ التقييدِ بالثِّقةِ، وإنِ اخْتَلَفَ صَنيعُهُمَا. قَالَ: وما رُدَّ بِهِ عَلَى البَغَوِيِّ فِيْمَا مَرَّ، رَدَّه التاجُ التِّبْرِيزيُّ: بأنَّهُ لا مُشَاحَّةَ في الاصطلاحِ، وَقَدْ صرَّح البَغَوِيُّ في أَوَّلِ كتابِه بقوله: أعني بالصِّحاح: كَذَا، وبالحسانِ: كَذَا، وَلَمْ يقلْ أرادَ المُحَدِّثُوْنَ بِهِمَا كَذَا، فلا يَرِدُ عَلَيْهِ شيءٌ مما ذُكِرَ، خصوصاً وَقَدْ قَالَ: ومَا كَانَ فيها من ضَعِيْفٍ، أَوْ غريبٍ أَشرْتُ إِليهِ، وأَعْرضْتُ عَمَّا كَانَ مُنْكَراً أَوْ مَوْضُوْعاً (¬4). ¬

_ (¬1) شروط الأئمة الستة: 19 لذا نجد في " سنن النسائي " الصحيح وغير الصحيح، وكتاب النسائي هو "السنن الكبرى" وهو عدّة روايات استعمل منها المزّي في التحفة تسع روايات، وقد طبع الكتاب في دار الكتب العلمية، 1991، بتحقيق: الدكتور عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، وهي طبعة ملفقة من عدّة روايات، وفيها من التصحيف والتحريف والسقط ما لا يخفى على أدنى طالب علم. وكتاب "المجتبى" - الذي طبع قديماً وهو المشهور المتداول، وإليه العزو عند الإطلاق - ليس من اختيار النسائي، بل هو من اختيار تلميذه أبي بكر أحمد بن محمد بن السني. نصّ على هذا الذهبي في " تذكرة الحفاظ " 3/ 940، وَفِي " السّير" 14/ 131، وقد أخطأ ابن الأثير في "جامع الأصول" 1/ 196 - 197 في أن المجتبى من اختيار النسائي، وأنّه أهدى السنن لأميرٍ فقال: ((أصحيح كلّه؟)) قال: ((لا)) قال: فاكتب لنا منه الصّحيح، فجرد المجتبى. وقد ردّ الذهبي هذا في " السير " 14/ 131 فقال: (( ... هذا لم يصحّ بل المجتبى اختيار ابن السني)). وللشيخ شعيب الأرناؤوط تعليق نفيس في هذا الموضع دبجه يراعه في مراجعته لتهذيب الكمال 1/ 328 هامش (4) بعد قول الدكتور بشّار: ((مما يؤسف عليه أن كتاب " السنن الكبرى " لم يصل إلينا، ويظهر أنّه كان عزيزاً في فترات طويلة)). والعجب من الشيخ شعيب كيف سكت على هذا الكلام وفيه ما فيه، ولو كان في المقام سعة لتناولناه بالنقد، ولربّما كان السكوت خيراً من كل كلامٍ. (¬2) في (ق): ((أبي)). (¬3) انظر: النكت لابن حجر 1/ 484. (¬4) انظر: النكت لابن حجر 1/ 445 - 446.

80 - وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا ... فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا 81 - وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى (¬1) 82 - كَمُسْنَدِ (الطَّيَالَسِيْ) و (أحْمَدَا) ... وَعَدُّهُ (لِلدَّارِميِّ) انْتُقِدَا (¬2) 83 - والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا 84 - وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ (وَمَنْ عَلَيْهَا) أي: كُتُبُ السُّنَنِ كلُّها، أَوْ بعضُها (أطْلَقَ الصَّحِيْحَا)، كالحاكم (¬3)، حَيْثُ أَطْلقَهُ عَلَى "سُنَنِ" أبي داودَ، والتِّرْمِذِيِّ، وكابنِ مَنْدَه (¬4) حَيْثُ أطلقَهُ عَلَى سُنَنِ أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيِّ؛ وكأبي طاهرٍ السِّلَفِيِّ (¬5)، حَيْثُ قَالَ: اتَّفَقَ عُلَمَاءُ المشْرقِ والمغْربِ (¬6) عَلَى صِحَّةِ الكُتُبِ الخمسةِ (¬7)؛ (فَقَدْ أتَى تَسَاهُلاً صَرِيحا)، إذ فِيها مَا صرَّحُوا بأنَّهُ ضَعِيْفٌ، أَوْ منكرٌ، أَوْ نحوُهُ (¬8). ¬

_ (¬1) في نسخة (أ) و (ب) و (ج‍) من متن الألفية و (ص) و (ق) و (ع) و (م): ((الجفلا))، والصواب ما أثبتناه، انظر: اللسان 11/ 114 (جفل). (¬2) هذا البيت ساقط من نسخة (ج‍) من متن الألفية. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 125 - 126. (¬4) النكت لابن حجر 1/ 481. (¬5) بكسر السين وفتح اللام وانظر في سبب هذه النسبة: الأنساب 3/ 297، ووفيات الأعيان 1/ 107، ونكت الزّركشيّ 1/ 381، ونكت ابن حجر 1/ 489، وتاج العروس 23/ 460. (¬6) قول أبي طاهر السلفي، أجاب عنه المصنّف في كتابه " التقييد والإيضاح ": 62 فقال - معقّباً على ابن الصّلاح-: ((وإنّما قال السلفي بصحة أصولها كذا ذكره في مقدّمة الخطّابي (معالم السنن 4/ 357)، فقال: وكتاب أبي داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء وحفّاظ الحديث الأعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها))، ثم قال المصنف: ((ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون صحيحاً))، فلا ندري لماذا جعل المصنف هنا كلامه في موضع النقد مع أنه انتقد غيره على مثله. (¬7) هي الكتب الستّة، خلا ابن ماجه، إذ لم تضف إليها إلا بعد القرن السادس، قال البقاعي في النكت الوفية: 77/ ب: ((وأول من ضمّ ابن ماجه إليها ابن طاهر المقدسي؛ فلم يقلّد في ذلك فلما ضمنه الشيخ عبد الغني إليها في كتابه " الكمال " تابعه الناس)). (¬8) قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 126 ((وهذا تساهلٌ؛ لأن فيها ما صرّحوا بكونه ضعيفاً أو منكراً أو نحو ذلك من أوصاف الضّعيف)). وانظر: النكت لابن حجر 1/ 482.

(وَدُونَها فِي رُتْبَةٍ) أي: رُتْبَةِ الاحتجاجِ (مَا جُعِلا) أي: ما صُنِّفَ (عَلَى المسَانيدِ)، وَهُوَ: مَا أُفْرِدَ فِيهِ حَدِيثُ كُلِّ صَحَابِيٍّ عَلَى حدةٍ من غَيْرِ تَقْيِيْدٍ بما يحتجُّ بِهِ غالباً؛ فيكونُ عامّاً، بخلافِ مَا صُنِّف عَلَى الأبوابِ، فإنَّه إنما يُذكَرُ فِيهِ مَا يحتجُّ بِهِ غالباً، فيكونُ خاصّاً. (فَيُدعَى) أي: فبسببِ عُمومِ مَا في المسانيدِ، يُسَمَّى الحَدِيثُ فيها الدعوةَ (الجَفَلَى) - فتح الجيم والفاء مقصوراً - أي: العامةَ (¬1). والنَّقَرَى - بزِنَة الجَفَلَى -: الدعوةُ الخاصَّةُ. يقالُ: فلانٌ يَدْعُو الجَفَلَى، إذَا عَمَّ بدعوتِهِ (¬2)، وفلانٌ يَدْعُو النَّقَرَى، إذَا خَصَّ بها قَوْماً دُوْنَ قومٍ (¬3). قَالَ طَرَفَةُ (¬4): نَحْنُ في المَشْتَاةِ نَدْعو الجَفَلَى ... لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ (¬5) والمَشْتَاةُ - بفتح الميم -: الشِّتاءُ (¬6)، والآدِبُ اسمُ فاعِلٍ اسمُ من الأدْب -بفتحٍ ثُمَّ سكون-: وَهُوَ (¬7) الدعوةُ إلى الطعامِ، كالمأْدُبَةِ، ويقالُ: المَأدُبَةُ للطعامِ الذي يُدْعَى إِليهِ أَيْضاً، ويقالُ في فعلِها: أدَبَه أدْباً وآدَبَه إيْداباً، أي: دَعَاْهُ (¬8). ¬

_ (¬1) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة1/ 207: ((كنى به عن بيان كون المسانيد دون السّنن في مرتبة الصّحّة؛ لأن من جمع مُسْنَد الصّحابيّ يجمع فِيهِ مَا يقع لَهُ من حديثه، سواءٌ كَانَ صالحاً للاحتجاج أم لا؟)). وقال البقاعي في النكت الوفية: 76/ ب: ((فإن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصّحابيّ جميعه فيدعى الحديث فيه الدعوة الجفلى أي: العامة للضيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب؛ فإن شأنه أن يساق الحديث فيه للاحتجاج، والمحتج من شأنه أن لا يورد لإثبات دعواه إلا المقبول، فالمبوب إذا قال: باب كيت وكيت فكأنه قال إنه ادعى أنّ الحكم في المسألة الفلانية كذا وكذا بدليل ما حدثنا فلان عن فلان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا ... الخ)). (¬2) انظر: لسان العرب 11/ 114 (جفل). (¬3) انظر: المصدر السابق 5/ 230 (نقر). (¬4) وهو: طرفة بن العبد بن سفيان البكري الوائلي، شاعر جاهلي. انظر: الأعلام3/ 225. (¬5) البيت من الرمل، وهو في ديوانه: 84. (¬6) انظر: اللسان 14/ 421 (شتا). (¬7) في (ص) بعد كلمة ((هو)): ((بفتح الدال وضمها)). وفي (ع): ((وهي الدعوة)). (¬8) انظر: اللسان 2/ 5 (أدب).

والمسانيدُ (كمُسْنَدِ) أبي داودَ (الطَّيَالِسِيْ) (¬1) - بالإسكان للوزن، أَوْ لِنِيَّةِ الوَقْفِ - نسبةً إلى الطَّيَالِسَة التي تُلْبَس عَلَى العمائِمِ (¬2). (و) كمسندِ الإمامِ (أَحْمَدَ) بنِ حنبلٍ (¬3). (وَعَدُّهُ) أي: ابنُ الصَّلاح (للدَّارِمِيِّ) أي: لِمُسْنَدِ الحافظِ أبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرحمانِ الدَّارِمِيِّ نسبةً إلى دارِمِ بنِ مالكٍ، بطنٍ من تميمٍ (¬4) - في المسانيدِ (انْتُقِدا) عَلَيْهِ؛ فإنَّه مُرتَّبٌ عَلَى الأبوابِ، لا عَلَى المسانيدِ (¬5). إذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فطريقُ مَنْ أرادَ الاحتجاجَ بحديثٍ من السُّنَنِ، أَوْ من المسانيد أنَّه إنْ كَانَ متأهّلاً لمعرفةِ ما يحتجُّ بِهِ مِنْ غيرِهِ، فلا يَحتجُّ بِهِ، حَتَّى ينظرَ في اتِّصالِ إسنادِهِ، وحالِ رُواتِهِ، وإلاّ فإن وَجَدَ أحداً من الأئِمَّةِ صحَّحَهُ، أَوْ حَسَّنَهُ فَلَهُ تقليدُهُ، وإلاَّ فلا يُحتجُّ بِهِ (¬6). ولَمَّا أنهى الكلامَ عَلَى القسمينِ (¬7) عقَّبَهُمَا بما يَتَعلَّقُ بهما، فَقَالَ: (والحُكْمُ) الواقعُ مِنَ المُحَدِّثِ (للإسنادِ بالصِّحَّةِ، أَوْ بالحُسْنِ)، كهذا حَدِيثٌ إسنادُهُ صَحِيْحٌ، أَوْ حَسَنٌ، (دُوْنَ الحُكْمِ) مِنْهُ بذلك (لِلمَتْنِ)، كهذا حَدِيثٌ صَحِيْحٌ، أَوْ حَسَنٌ (رَأَوْا)؛ لأنَّه لا تَلازُمَ بَيْن الإسنادِ، والمتنِ؛ صِحَّةً، ولا حسناً؛ إذ قَدْ يَصِحُّ الإسنادُ، أَوْ يحسنُ؛ لاجتماعِ شروطِه من الاتصالِ، والعدالَةِ، والضَّبْطِ، دُوْنَ المتنِ، لقادحٍ من شُذُوذٍ، أَوْ علَّةٍ (¬8). ¬

_ (¬1) في المطبوع نقص لعدة مسانيد من الصحابة، وهو من رواية يونس بن حبيب، عنه وفي المطبوع قرابة ألف حديث عن شعبة بن الحجّاج شيخ أبي داود، ونحن نواصل السير في تحقيق هذا المسند تحقيقاً علمياً رصيناً، يجلّي نصوصه ويتكلّم على أحاديثه يسّر الله تعالى لنا إكماله وطبعه، بعونه ومنّه وكرمه. (¬2) انظر: الأنساب 4/ 68. (¬3) مسند الإمام أحمد بن حنبل، طبع قديماً بمصر، وهي معروفة بـ (الميمنية)، وطبع أيضاً بتحقيق العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - ولكنه لم يكمله، ويقوم بتحقيقه الآن الشيخ شعيب الأرنؤوط. (¬4) انظر: الأنساب 2/ 503. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 207، والتقييد والإيضاح: 59، والنكت الوفية 81/ 4، وكتاب الدارمي طبع بشرح وتحقيق السيد أبي عاصم نبيل بن هاشم الغمري في السعودية عام (1999م) في عشر مجلدات، انتهى فيه محققه إلى أن اسم الكتاب: " المسند الجامع " معتمداً في ذلك على نسخه الخطية، والله أعلم. (¬6) انظر: التقييد: 57. (¬7) في (ع): ((القسمين الأوليين)). (¬8) ولذلك يقول الإمام الزيلعي في نصب الراية1/ 347: ((وصحة الإسناد يتوقف على ثقة الرجال، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحّة الحديث، حتّى ينتفي منه الشذوذ والعلة)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209.

(و) لكنْ (اقْبَلْهُ) أي: الحكمَ للإسنادِ بذلك في المتن أَيْضاً، (إنْ أَطْلَقَهُ من يُعْتَمَدْ) عَلَيْهِ، (وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ) بِهِ المتنُ؛ إذِ الظَّاهرُ من مِثْلِهِ الحُكْمِ لَهُ بالصِّحَّةِ، أَوْ بالحسنِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ القادحِ، نظراً إلى أَنَّ مثلَ مَنْ ذُكرَ (¬1)، إنَّما يُطلقُ بعدَ الفَحْصِ عَنِ انتفاءِ القادحِ (¬2). 85 - وَاسْتُشْكِلَ الحُسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ فَقُلْ: صِفِ 86 - بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وُصِفْ؟ 87 - وَ (لأَبِي الفَتْحِ) في الاقْتِرَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ 88 - وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ 89 - وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ (واسْتُشْكِلَ الحُسْنُ) الواقعُ جمعُه في كلامِ التِّرْمِذِيِّ، وغيرِهِ، (مَعَ الصِّحَّةِ في مَتْنٍ) واحدٍ، كهذا حَدِيثٌ ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ))، لما مَرَّ من أنَّ الحسنَ قاصرٌ عَنْ الصَّحِيحِ، فكيفَ يُجمعُ بَيْنَهُما في حَدِيثٍ واحدٍ؟ (¬3) ¬

_ (¬1) في (ق): ((ذكرنا)). (¬2) قال التاج التبريزي: ((ولقائل أن يقول: لا نسلم أن قولهم: هذا صحيح الإسناد يحتمل كونه شاذاً أو معللاً مردوداً؛ ليكون دُوْنَ قولهم: هَذَا حَدِيث صَحِيْح، فإن صحّة الإسناد مستلزمة بصحة المَتْن دُوْنَ العكس، والحكم بصحة الإسناد مَعَ احتمال عدم صحته بعيد جداً)). البحر الذي زخر 3/ 1249 - 1250. قَالَ الزّركشيّ 1/ 367 منتصراً لابن الصّلاح: ((هَذَا فِيهِ نظر، وَقَدْ تقدم في كلام المصنف أنهم إذا قالوا: ((هَذَا حَدِيث صَحِيْح))، فمرادهم اتصال سنده، لا أنه مَقْطُوْع بِهِ في نَفْس الأمر، وَقَدْ تكرر في كلام المزي والذهبي وغيرهما من المتأخرين ((إسناده صالح والمتن منكر)). ولكن الحافظ ابن حجر اختار أن التلازم بين الحكم بصحة الإسناد وصحة المتن أغلبي، وما ندّ عن هذه القاعدة قليل لا يصلح التعويل عليه، فضلاً عن تأسيس قاعدة عليه، فقال: ((لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصّحيح، فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم له بالصحة؟)). ومن ثمّ فرق بين حكم الحافظ المعتمد، وبين من عرف من حالة التفريق في الحكم بين السند والمتن وبين من لم يعرف عنه ذلك. النكت 1/ 474. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209 - 210.

وجوابُه: أَنْ يُقالَ: قائلُ ذَلِكَ إما يريدُ الحُسْنَ اللُّغويَّ، أَوْ الاصطلاحيَّ. (فَإنْ لَفْظاً) أي: فإن (يُرِدْ) قائلُهُ بالحُسْنِ حُسْنَ لفظِه، فَهُوَ كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ غيرُ مستنْكَرٍ (¬1)، وبه يزولُ الإشكالُ. لكن تعقَّبَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ (¬2)، بأنَّهُ إنْ أرادَ ذَلِكَ (فَقُلْ) لَهُ: (صِف بِهِ) أي: بالحسنِ (الضعيفَ) أي: فيلزمُك أَنْ تُطلقَهُ عَلَى الضَّعِيفِ، وإن بلغَ رُتبةَ الوضعِ، إذَا كَانَ حَسَنَ اللفظِ، ولا قائلَ بِهِ من المُحَدِّثِيْنَ، إذَا جَرَوْا عَلَى اصطلاحِهِم (¬3). (أَوْ) إنْ (يُرِدْ) بِهِ (ما يختلفْ سندُهُ)، بأَنْ يكونَ للحديثِ إسنادٌ حسنٌ، وإسنادٌ صحيحٌ فَجَمَعَ -كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاح- بَيْنَ الوصفينِ، باعتبارِ تعدُّدِ الإسنادينِ، وبه يزولُ الإشكالُ (¬4). لكن تعقَّبَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ أَيْضاً، بأنَّه وإنْ أمكنَ ذَلِكَ فِيْمَا روي من غيرِ وجهٍ لاختلافِ مَخْرَجِهِ، (فكيفَ) يمكنُ (إنْ) حديثُ (فردٌ وُصِفْ)؟ بِذلكَ، بأنْ لا يكونَ لَهُ إلاَّ مَخْرَجٌ واحدٌ؟ (¬5) كَمَا يقعُ في كلامِ التِّرْمِذِيِّ كثيراً، حَيْثُ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إلاَّ مِن هَذَا الوجهِ، أَوْ لا نَعرِفُهُ إلاَّ مِن حَدِيثِ فُلاَنٍ (¬6). (ولأَبِي الفَتْحِ) مُحَمَّدٍ تقي الدِينِ بنِ عَلِيِّ بنِ وَهْبٍ القُشَيْرِيِّ، المعروفِ بابنِ دقيقِ العيدِ، (في) كتابِهِ: (الاقْتِرَاحِ) (¬7) في علمِ الحديثِ، جوابٌ عَنْ الإشكالِ (¬8) بَعْدَ ردِّهِ الجوابينِ السابقينِ، كَمَا مَرَّ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 125. (¬2) الاقتراح: 174. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 210. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 125. (¬5) انظر: الاقتراح 173، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 210. (¬6) المصادر السابقة، وانظر: النزهة: 94 - 95. (¬7) الاقتراح: 175 - 176. (¬8) وهناك أجوبة أخرى تراجع في النكت الوفية: 88/ أ.

وحاصلُه: (أنَّ انْفِرادَ الحُسْنِ ذُوْ اصطِلاحِ) أي: أنَّ الحسنَ الواقعَ في سَنَدٍ، أَوْ متنٍ، هُوَ للمعنى (¬1) الاصطلاحيِّ المُشْتَرَطِ فِيهِ القصورُ عَنْ الصِّحَّة، (وإنْ يَكُنْ) أي: الحَدِيثُ (صَحَّ) أي: صَحِيْحاً، (فَليسَ يَلْتَبِسْ) حينئذٍ الجمعُ بينِ الوصفينِ، لحصولِ الحسن لا محالةَ تبعاً للصحَّةِ. لأنَّ وجودَ الدرجةِ العُلْيا، كالحفظِ والإتقانِ، لا يُنافي وجودَ الدُّنيا، كالصدقِ وَعَدمِ التُّهمةِ بالكَذِبِ؛ فيصحُّ أَنْ يُقالَ في هَذَا: إنَّهُ حَسَنٌ باعتبارِ وُجودِ الصِّفةِ الدنيا، صَحِيْحٌ باعتبارِ وجودِ العليا (¬2). قَالَ: وعلى هَذَا (كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ) و (لاَ يَنْعَكِسْ) أي: وليسَ كُلُّ حسنٍ صَحِيْحاً (¬3). وسبقَهُ إلى ذَلِكَ ابنُ الموَّاقِ (¬4)، فَقَالَ: لَمْ يخصَّ التِّرْمِذِيُّ الحَسَنَ بصفةٍ تُميِّزُه عَنْ الصَّحِيحِ، فلا يكونُ صَحِيْحاً إلاَّ وَهُوَ غَيْرُ شاذٍّ، ورواتُه ثِقاتٌ، ولهذا لا يكادُ يقولُ في حديثٍ يُصَحِّحُهُ إلاَّ: ((حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيْحٌ))؛ فلا منافاةَ في الجَمْعِ بَينَهُما. (و) لكنَّ ابنَ سيِّدِ الناسِ (¬5)، وغيرَهُ، قَدْ (أوْرَدُوا) عَلَى ذَلِكَ (ما صَحَّ مِنْ) أحاديثِ (أفْرَادِ) أي: ليسَ لها إلاَّ إسنادٌ واحدٌ، (حيثُ اشْتَرطْنَا) كالتِّرْمذيِّ في الحَسَن (غَيْرَ مَا إسْنادِ)، بزيادةِ ((مَا)). وحاصلُهُ: أنَّ التِّرْمِذِيَّ، وموافقِيهِ اشترطوا في الحسنِ أن يُرْوَى من غيرِ ما وجهٍ، بخلافِ الصَّحِيحِ، فانتفى أَنْ يكونَ كُلُّ صَحِيْحٍ حسناً، فالأفراد الصحيحةُ ليستْ حسنةً عندَهُ. ¬

_ (¬1) في (ع) و (ص): ((المعنى)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 212، والتقييد والإيضاح: 61. (¬3) الاقتراح: 175 - 176. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 212. (¬5) النفح الشذي 1/ 291، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 213.

فأجابَ عَنْهُ الناظِمُ: ((بإنَّ التِّرْمِذِيَّ إنَّما يشترطُ في الحسنِ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يبلغْ رتبةَ الصَّحِيحِ، وإلاَّ فلا يَشْترِطهُ، بدليل قولِه كثيراً: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ غريبٌ))، فلما ارتفعَ إلى رتبةِ الصِّحَّةِ أثبتَ لَهُ الغرابةَ باعتبارِ فرديَّتِهِ)) (¬1). هَذَا وَقَدْ أجابَ شيخُنا (¬2) عَنْ أصلِ الإشكالِ: ((بأنَّ الحَدِيثَ إنْ كَانَ فرداً، فإطلاقُ الوصفينِ من المجتهدِ يَكُونُ لتردُّدِ أئِمَّةِ الحَدِيثِ في حالِ ناقلِهِ، هل اجتمعَتْ فِيهِ شُروطُ الصِّحَّةِ، أَوْ قصرَ عنها؟ فيقولُ فِيهِ: حَسَنٌ باعتبارِ وصفٍ عِنْدَ قومٍ، صَحِيْحٌ باعتبارِ وصفِهِ عِنْدَ قومٍ، غايتُه أنَّه حذفَ مِنْهُ حرفَ التردُّدِ؛ لأنَّ حقَّهُ أنْ يَقُولَ: ((حَسَنٌ أَوْ صَحِيْحٌ)). وَعَلَيْهِ فما قِيلَ فِيهِ: ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ)) دُوْنَ ما قِيلَ فِيهِ: ((صَحِيْحٌ))؛ لأنَّ الجزمَ أقوى مِنَ التردُّدِ. وإنْ لَمْ يَكنْ فَرداً فالإطلاقُ يَكُونُ باعتبارِ إسنادينِ: أحدُهما صَحِيْحٌ، والآخرُ حَسَنٌ. وَعَلَيْهِ: فما قِيلَ فِيهِ: ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ)) فَوْقَ ما قيلَ فِيهِ: ((صَحِيْحٌ))؛ لأنَّ كثرةَ الطُّرُقِ تُقَوِّي)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 215. والذي يبدو لنا، عدم الخوض في تفسير ذلك، فإنه تعب ليس وراءه إربٌ، فالترمذي له اصطلاحاته الخاصّة به، بل إنّه قال: ((حسنٌ صحيحٌ)) على كثير من الأحاديث التي فيها مقال، فانظر الأحاديث: (324) و (356) و (785) و (873) و (989) و (902) و (1853) و (1854) و (1858) و (1924) و (2002) و (2039) و (2078) و (2923) و (3320). لذا فإنّ عدداً من العلماء انتقد الترمذي وعدّه متساهلاً في تصحيح الأحاديث، منهم: الإمام الذهبي في مواضع من " الميزان "، انظر مثلاً: 3/ 407 و 4/ 416، ونقل في ترجمة كثير بن عبد الله المزني من الميزان 3/ 407: أن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه. وانظر: الجامع الكبير 1/ 25 - 32. (¬2) انظر: النزهة 93 - 94.

الضعيف

القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ (¬1) 90 - أمَّا الضَّعِيْفُ فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ ... مَرْتَبَةَ الحُسْنِ، وإنْ بَسْطٌ بُغِي: 91 - فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ ... وَاثْنَيْنِ قِسْمٌ غَيْرُهُ، وَضَمُّوْا 92 - سِوَاهُما فَثَالِثٌ، وَهَكَذَا ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ فَذَا 93 - قِسْمٌ سِوَاهَا ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي (¬2) 94 - وَعَدَّهُ (البُسْتِيُّ) فِيما أوْعَى ... لِتِسْعَةٍ وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا (¬3) (أمَّا الضَّعِيْفُ، فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ مَرْتَبَةَ الحُسْنِ)، ولا مرتبةَ الصِّحَّةِ المفْهومةِ بالأَوْلَى، (وإنْ بَسْطٌ) لأقسامِه (بُغِي) أي: طُلِبَ، (فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ) أي: شَرْطاً من شروط القبولِ (¬4) الشاملِ للصَّحيحِ والحسنِ، وَهِيَ ستَّةٌ: 1 - اتِّصالُ السندِ. 2 - والعدالةُ. 3 - والضَّبْطُ. 4 - وفقدُ الشذوذِ. 5 - وفَقْدُ العِلَّةِ القادحةِ. 6 - والعاضدُ عِنْدَ الاحتياجِ إِليهِ. ¬

_ (¬1) انظر في الضعيف: معرفة علوم الحديث: 58، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 192، ومعرفة أنواع علم الحديث: 128، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 153، والتقريب: 49، والاقتراح: 177، والمنهل الروي: 38، والخلاصة: 44، والموقظة: 33، واختصار علوم الحديث: 44، ونكت الزركشي 1/ 389 - 404، والشذا الفياح 1/ 133 - 136، والمقنع 1/ 103، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 216، والمختصر: 117، ونكت ابن حجر 1/ 491 - 505، وفتح المغيث 1/ 93، وألفية السيوطي 19 - 21، والبحر الذي زخر 3/ 1283، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 141، وتوضيح الأفكار1/ 246، وظفر الأماني: 206، وقواعد التحديث: 108، وتوجيه النظر 2/ 546 - 702. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219، والنكت الوفية: 94/ أ. (¬3) للبقاعي تعليق لطيف حول تركيب هذا البيت راجعه في نكته: 94/ ب. (¬4) في (ص): ((المقبول)).

وَهِيَ بالنظرِ لانتفائِها انفراداً واجتماعاً، يتفرعُ (¬1) منها أقسامٌ: ففاقدُ واحدٍ منها قِسمٌ: المُرْسَلُ، والمنقطعُ، والمعضل. وإلى قسمي فاقد العدالة الضَّعِيف والمجهول (¬2). (و) فاقدُ (اثنينِ) مِنْها كالاتِّصَالِ مَعَ آخرَ مِنَ الخمسةِ الباقيةِ، كالعدالةِ (¬3) (قِسْمٌ غيرُهُ) أي: غيرُ الأَوَّلِ، وتحتَهُ بالنظر إلى ما مَرَّ سِتَّةٌ وثلاثونَ؛ لأنَّك إذَا ضَمَمْتَ إلى كُلِّ واحدٍ مِنَ التِّسْعَةِ كُلَّ واحدٍ مِمَّا بَعْدَهُ بَلَغَ ذَلِكَ (¬4). (وضَمُّوا) واحداً (سِواهما) أي: سِوَى الاثنينِ (¬5) إليهما (¬6) (فـ) ذَلِكَ قسمٌ (ثالثٌ)، وتحتَهُ (¬7) بالنظر إلى مَا مَرَّ أربعةٌ وثمانونَ؛ لأنَّكَ إذَا ضَمَمْتَ إلى كُلِّ اثنينِ مِنَ التِّسْعَةِ كُلَّ واحدٍ مِمَّا بَعْدَهُما بَلَغَ ذَلِكَ. (وهَكَذا) افعلْ إلى آخرِ الشروطِ، فخُذْ فاقدَ (¬8) شرطٍ آخرَ ضُمَّهُ إلى فاقدِ (¬9) الشروطِ الثلاثةِ السابقةِ (¬10). وَهُوَ قِسْمٌ رابعٌ، وتحتُهُ بالنظرِ إلى ما مَرَّ مئة وسِتَّةٌ وعِشْرُونَ؛ ¬

_ (¬1) المثبت من (ص) و (ق) و (م): ((تتفرع)). (¬2) من قوله: ((إلى قسمي ... )) إلى هنا سقط من (م)، وهو في جميع النسخ الخطية و (ص) و (ف) و (ع). (¬3) من قوله: ((كالاتصال ... )) إلى هنا سقط كله من (ع) و (ق)، وهو من (ص) و (م). (¬4) المثبت من النسخ. وفي (م) بعد: تحته، ما يأتي ((ثمانية عشر، باندراج الضّعيف، والمجهول تحت فقد العدالة، لأنك إذا ضربتها مع الأربعة الباقية في الثلاثة الداخلة تحت فقد الاتصال بلغ ذلك)). (¬5) بعد هذا في (م): ((الذين هما فقد الاتصال، والآخر الذي معه وهو فقد العدالة)). وأشار المحقق إلى أنها زيادة من إحدى نسخه ورمز لها بـ (ص). (¬6) بعد هذا في (م): ((كفقد الضّبط)). (¬7) بعد هذا في (م): ((اثنان وأربعون؛ لأنك إذ ضممت إلى كلّ من أقسام فقد الاتصال مع كلّ من قسمي فقد العدالة، وإليه مع فقد الضّبط، وإليه مع فقد العاضد، الشذوذ مرةً، والعلة أخرى في كلّ من إفراد الأحوال الثّلاثة، وضممت إليه أيضاً مع كلّ من قسمي فقد العدالة، فقد الضّبط مرةً، وفقد العاضد أخرى، وإليه مع فقد الضّبط فقد العاضد، وإليه مع الشذوذ؛ العلة، حصل ذلك)). (¬8) في (م): ((فقد)). والمثبت من النسخ. (¬9) كذلك. (¬10) بعد هذا في (م): ((كالشذوذ، فهو قسمٌ رابعٌ وتحته ثمانية وأربعون، لأنّك إذا ضممت إلى كلٍّ من أقسام فقد الاتصال، مع كلّ قسمي فقد العدالة، ومع فقد الضبط، وإليه مَعَ كلّ من قسمي فقد العدالة، ومع فقد العاضد، وإليه مع فقد الضبط، ومع فقد العاضد؛ الشذوذ مرةً، والعلة أخرى، في كلٍّ من =

لأنَّكَ إذَا ضَمَمْتَ إلى كُلِّ ثلاثةٍ مِنَ التِّسْعَةِ السابقةِ كُلَّ واحدٍ مِمَّا بَعْدَها بَلَغَ ذَلِكَ. ثُمَّ ارتقِ إلى فاقدِ خمسةٍ، فَصَاعداً (¬1) واعملْ إلى انتهائِك من الشرط الأوَّلِ (¬2) (و) بَعْدَ انتهائِك مِنْهُ (عُدْ) أي: ارجعْ (لِشَرطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ) بِهِ أَوَّلاً (¬3)، (فذا قِسْمٌ سِوَاهَا) أي: الأقسامُ السابقةُ (¬4)، (ثُمَّ زِدْ) عَلَيْهِ فاقدَ شَرْطٍ (¬5). (غَيْرَ الذي قَدَّمْتُهُ)، لِئَلاَّ يتكرَّرَ (¬6)، (ثُمَّ عَلَى ذَا) الحذوِ (فاحتذِيْ) أنتَ (¬7) - بذالٍ معجمةٍ - أي فاقتَدِ. والمعنى: فَتَمِّمْ هَذَا العملَ الذي ابْتَدَأتَهُ بفقدِ الشرطِ المُثنى بِهِ، كَمَا تَمَّمْتَ الأَوَّلَ (¬8)، ثُمَّ عُدْ، هكذا إلى أَنْ ينتهي عملُكَ. وأشارَ ابنُ الصَّلاحِ (¬9) إلى كَثْرَةِ الأقسامِ جِدّاً، بالنظرِ إلى أنَّه يَدْخُلُ تحتَ فَقْدِ كُلٍّ مِنَ السِّتَّةِ أقسامٌ كفاقدِ (¬10) العَدالةِ، يدخلُ تحتَهُ: الضَّعِيفُ بكذبٍ راويهِ، أَوْ بتهمتِهِ، أَوْ بفسْقِهِ، بِبِدْعَتِهِ، أَوْ لجهَالةِ عينِه، أَوْ لِجهَالةِ حَالهِ، وذلكَ مَعَ كَثرةِ التَّعَبِ فِيهِ قَليلُ الفائدةِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنا، كغيرِهِ. ¬

_ = أفراد الأحوال الثَّلاثَة، وضممت إليه أيضاً مَعَ كلٍّ من قسمي فَقَدْ العدالة ومع فَقَدْ الضَّبْط فقد العاضد، وإليه مَعَ كلّ قسمي فَقد العدالة، ومع الشذوذ، وإليه مع فقد الضَّبْط، ومع الشذوذ، وإليه مَعَ فَقَدْ العاضد، ومع الشذوذ؛ العلة في كلٍّ من؟ أفراد الأحوال الثّلاثة، حصل ذلك. ولا يخفى أنك لو ضممت بعض أقسام فقد الاتصال، وقسمي فقد العدالة إلى بعضها، أو إليه، وإلى بقية الشروط زادت الأقسام)). (¬1) المثبت من النسخ. وفي (م): ((أو ستةٍ)). (¬2) المثبت من النسخ. وفي (م): ((شرط الاتصال)). (¬3) بعد هذا في (م): ((كالعدالة)). (¬4) بعد هذا في (م): ((وتحته اثنان: الضّعيف والمجهول كما مرّ)). (¬5) في (م): ((مع كلٍّ منهما)). (¬6) بعد هذا في (م): ((وتحته ثمانيةٌ، لأنك تضم إلى كلٍّ منهما فقد الضبط، أو فقد العاضد أو شذوذ أو علة)). (¬7) في (ق): ((أي أنت)). (¬8) بعد هذا في (م): ((بأن تضم إلى فقد العدالة بقسميه، والآخر الذي معه، فقد شرطٍ آخر إلى أن ينتهي العمل)). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 129. (¬10) في (ص) و (ق): ((فاقد))، وفي (ع): ((فاقد شرط)).

قَالَ النَّاظِمُ (¬1): وَمِن أقسامِ الضَّعِيفِ مَالَهُ لقبٌ خاصٌّ، كالمضطربِ، والمقلوبِ، والموضوعِ، والمنكرِ، وَهُوَ بمعنى الشاذِّ كَمَا سَيأْتي انتهى. واعلمْ أَنَّ طريقَ حصرِ الأقسامِ مِن غَيْرِ نظرٍ إلى مَا يَدْخُلُ تحتَ فَقْدِ (¬2) كُلٍّ من السِّتَّةِ، أَنْ يُقالَ: الخبرُ الضَّعِيفُ إما أن يَفْقِدَ مِنْها شَرْطاً، أَوْ شَرْطَينِ، أَوْ ثلاثةً أو أربعةً أَوْ خمسةً أَوْ الجميعَ، وإذا سبرتَها بالتركيبِ بَعْدَ كُلٍّ من فاقدِ الاتِّصالِ والعدالةِ واحداً، بلغتْ ثلاثةً وستينَ. ففاقدُ واحدٍ مِنْها تحتَهُ سِتةٌ: فاقدُ الأَوَّلِ، وفاقدُ كُلٍّ من بقيَّتِها. وفاقدُ اثنينِ مِنْها تحتَهُ خمسةَ عَشَرَ: فاقدُ الأَوَّلِ مَعَ الثانِي، أَوْ مَعَ كُلٍّ مِنَ البقيَّةِ، وفاقدُ الثَّانِي مَعَ الثالثِ، أَوْ مَعَ كُلٍّ مِنَ الثَّلاثةِ بعدَهُ، وفاقدُ الثَّالِثِ مَعَ كُلٍّ مِنَ الثَّلاثةِ بعدَهُ، وفاقدُ الرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرينِ، وفاقدُ الأخِيريْنِ. وفَاقِدُ ثلاثةٍ تحتَهُ عِشْرونَ: فاقدُ الأوَّلَيْن مَعَ كُلٍّ مِنَ البقيّةِ، وفاقدُ الأَوَّلِ والثالثِ مَعَ كُلٍّ مِنَ الثلاثةِ بَعْدَهُ، وفاقدُ الأَوَّلِ والرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرينِ، وفاقدُ الأَوَّلِ والأخيرينِ، وَفاقِدُ الثَّاني والثالثِ مَعَ كُلٍّ من الثلاثةِ بَعْدَهُ، وَفَاقِدُ الثانِي والرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرينِ، وفاقدُ الثَّاني والأخيرينِ، وفاقدُ الثالثِ والرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرينِ، وفاقدُ الثالثِ والأخيرينِ، وفاقدُ الثلاثةِ الأخيرةِ. وفاقدُ أربعةٍ تَحْتَهُ خمسةَ عشرَ: فاقدُ الثلاثةِ الأَوَّلِ مَعَ كُلٍّ مِنَ الثلاثةِ الأخيرةِ، وفاقدُ الأولينِ والرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرين، وفاقدُ الأولينِ والأخيرين، وفاقدُ الأولِ والثالثِ والرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرينِ، وفاقدُ الأَوَّلِ والثالثِ والأخيرينِ، وفاقدُ الأَوَّلِ والثلاثةِ الأخيرةِ، وفاقدُ الثَّاني والثالثِ والرابعِ مَعَ كُلٍّ من الأخيرينِ، وفاقدُ الثَّاني والثالثِ والأخيرينِ، وفاقدُ الثَّاني والرابعِ والأخيرينِ، وفاقدُ الأربعةِ الأخيرةِ. وفاقدُ خمسةٍ تحتَهُ ستةٌ: فاقدُ الخمسةِ الأولى (¬3)، وفاقدُ الأربعةِ الأولى (¬4) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221. (¬2) في (ص) و (ع): ((فاقد)). (¬3) في (ع) و (ق): ((الأول)). (¬4) في (ق): ((الأول)).

المرفوع

والسادسُ، وفاقدُ الثلاثةِ الأولى والأخيرينِ (¬1)، وفاقدُ الأولينِ والثلاثةِ الأخيرةِ، وفاقدُ الأَوَّلِ والأربعةِ الأخيرةِ، وفاقدُ الخمسةِ الأخيرةِ. وفاقدُ الجميعِ قسمٌ واحدٌ، صارَتِ الجملةُ مَا قلنا (¬2). (وَعَدَّهُ) أي: قِسْمَ الضعيفِ ابنُ حِبَّانَ (البُسْتيُّ فِيما أوْعَى)، ويقال: ((وَعَى)) أي: حَفِظَ وجَمَعَ (¬3)، (لتسعةٍ) - بزيادةِ اللامِ -، أَوْ بمعنى ((إلى))، بتضمينِ ((عدَّ، عَدَّى)) أي: إلى تسعةٍ (وأربعينَ نوعا)، خمسينَ قِسْماً، إلاَّ واحداً، وَلَمْ أرَ لَهُ وَجْهاً (¬4). ولَمَّا فَرَغَ مِن بيانِ الحُكمِ عَلَى المتْنِ، والإسْنادِ، بأنَّهُ صَحِيْحٌ، أَوْ حَسَنٌ، أَوْ ضَعِيْفٌ، أخذَ في بيانِ صِفاتِها، فَقَالَ: الْمَرْفُوْعُ (¬5) 95 - وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبيْ ... وَاشتَرَطَ (الخَطِيْبُ) رَفْعَ الصَّاحِبِ ¬

_ (¬1) في (م): ((بالأخيرين)). (¬2) انظر: النكت الوفية: ل 91/ أ. (¬3) انظر: لسان العرب 15/ 396 (وعي). (¬4) هذه الأقسام لم نقف عليها، ولم يقف عليها من قبلنا الحافظ ابن حجر كما ذكر في النكت 1/ 492، بل أشار إلى عدم وجود هذه التقسيمات أصلاً؛ إذ غمز من عزاها إلى مقدمة المجروحين - وهو الزّركشيّ في نكته 1/ 391 - ، وبرجوعنا إلى المجروحين 1/ 62 - 88 وجدناه ذكر عشرين نوعاً حسب - هي في حقيقتها الأسباب الموجبة لضعف الرواة -، صدّرها بقوله: ((فأما الجرح في الضعفاء فهو على عشرين نوعاً، يجب على كلّ منتحلٍ للسنن طالب لها باحث عنها أن يعرفها)). (¬5) انظر في المرفوع: الكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والتمهيد 1/ 25، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 134، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 157، والتقريب: 50 - 51، والاقتراح: 195، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 46، والموقظة: 41، واختصار علوم الحديث: 45، ونكت الزّركشيّ 1/ 411، والشذا الفياح 1/ 139، والمقنع 1/ 73، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 222، ونزهة النظر: 140، ونكت ابن حجر 1/ 511، والمختصر: 119، وفتح المغيث 1/ 98، وألفية السيوطي: 21، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 143، وتوضيح الأفكار 1/ 254، وظفر الأماني: 227، وقواعد التحديث: 123.

96 - وَمَنْ يُقَابِلْهُ بِذِي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَالِ (وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبيْ) - صلى الله عليه وسلم - أي: سَمِّ أيُّها الطَالبُ كُلَّ مَا أُضيفَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلاً، أَوْ فِعْلاً، أَوْ تَقْريراً، أَوْ صِفةً تَصْرِيحاً، أَوْ حُكْماً مرفوعاً، سَواءٌ أَضَافَهُ صَحَابِيٌّ، أمْ (¬1) غيرُهُ، وَلَو مِنَّا الآنَ. فَيْدْخُلُ فِيهِ: المُتَّصِلُ، والمُرْسَلُ، وَالمُنْقَطِعُ، والمُعْضَلُ، والمُعَلَّقُ، دُوْنَ الموقُوْفِ والمقْطُوْعِ، وهذا هُوَ المشْهُوْرُ. (واشْتَرَطَ) فِيهِ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ (الخطيبُ؛ رَفْعَ الصَاحِبِ)، فَيَخْرُجُ مَرْفُوْعُ غَيْرِهِ مِنْ تابعيٍّ، ومَنْ دُوْنَهُ (¬2). قَالَ شَيْخُنا (¬3): والظاهرُ أنَّ الخطيبَ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، وإنَّ كَلاَمَهُ خَرَجَ مَخْرجَ الغالبِ مِنْ أنَّ مَا يُضافُ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إنَّما يُضيفَه الصَّحَابيُّ. (ومَنْ يُقابِلْهُ) أي: المرفوعُ (بِذي الإرْسَالِ) أي: بالمُرسلِ، كأَنْ يَقُوْلَ فِي حَدِيثٍ: رفعَهُ فُلاَنٌ، وأَرْسَلَهُ فُلاَنٌ، (فَقَدْ عَنَى) المُقَابِلَ (بذاك): المَرْفُوعَ (ذا اتِّصَالِ) أي: المتصلُ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَهُوَ رَفْعٌ مَخْصُوْصٌ لِمَا مَرَّ أنَّ (¬4) المَرْفُوْعَ أعَمُّ مِنَ المُتَّصِلِ، وَغَيرِهِ، عَلَى أنَّ بعْضَهُمْ جَرى عَلَى ظاهِرِ هَذَا، فقيَّدَ المَرْفُوْعَ بالاتِصَالِ (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص): ((أو)). (¬2) الكفاية: (58 ت، 21 هـ‍). (¬3) النكت 1/ 511، وانظر: النكت الوفية: 117/ ب، وشرح ألفية العراقي للعراقي: 144، وتدريب الراوي 1/ 184. (¬4) في (ق): ((من أن)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 135، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 223.

المسند

الْمُسْنَدُ (¬1) 97 - وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ وَقْفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ ¬

_ (¬1) قال الزركشي في نكته 1/ 405: ((وهو مأخوذ من السند، وهو ما ارتفع وعلا عن سفح الجبل؛ لأن المسنّد يرفعه إلى قائله، ويجوز أن يكون مأخوذاً من قولهم: فلان سند أي: معتمد. فسمّي الإخبار عن طريق المتن مسنداً؛ لاعتماد النقّاد في الصحة والضعف عليه، وفي أدب الرواية للحفيد: أسندت الحديث أسنده وعزوته أعزوه وأعزيه، والأصل في الحرف راجع إلى المسند وهو الدهر، فيكون معنى إسناد الحديث اتّصاله في الرواية اتّصال أزمنة الدهر بعضها ببعض. وحاصل ما حكاه المصنّف في تعريفه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه المتصل إسناده وإن لم يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والثاني: أنه المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يتصل. والثالث: أنه المتصل المرفوع. ويتفرع على هذه الأقوال أن المرسل هل يسمّى مسنداً؟ فعلى الأول: لا يسمّى؛ لأنه ما اتصل إسناده، وعلى الثاني: يسمّى مسنداً؛ لأنه جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطعاً. وعلى الثالث: لا يسمّى مسنداً أيضاً؛ لأنه فاته شرط الاتصال ووجد فيه الرفع. وينبني عليه أيضاً الموقوف - وهو المروي عن الصحابة - أنه هل يسمى مسنداً؟ فعلى الأول: نعم؛ لاتصال إسناده إلى منتهاه، وعلى الثاني والثالث: لا. وكذلك المعضل - وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر - فعلى الأول والثالث: لا يسمى مسنداً، وعلى الثاني يسمى)). وانظر عن معنى المسند لغة: لسان العرب 3/ 221، والتاج 8/ 215، والبحر الذي زخر 1/ 315. وانظر في المسند: معرفة علوم الحديث: 17، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والجامع لأخلاق الرّاوي ... 2/ 189، والتمهيد 1/ 21، وجامع الأصول 1/ 107، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 131 وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 154 - 156، والتقريب: 49 - 50، والاقتراح: 196، والمنهل الروي: 39، والخلاصة: 45 والموقظة: 42، واختصار علوم الحديث: 44، ونكت الزّركشيّ 1/ 405 - 409، والشذا الفياح 1/ 137، والمقنع 1/ 109، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 224، ونزهة النظر: 154، ونكت ابن حجر 1/ 505 - 509، والمختصر: 118، وفتح المغيث 1/ 99، وألفية السيوطي: 21، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 144، وتوضيح الأفكار 1/ 258، وظفر الأماني: 225، وقواعد التحديث: 123، وتوجيه النظر 1/ 396 - 397.

98 - وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ (الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا المُسْنَدُ (¬1) -بِفَتحِ النُّونِ- يُقال: لِكِتَابٍ جُمِعَ فِيهِ مَا أَسنَدَهُ الصَّحَابَةُ أي: رَوْوُهُ؛ وللإسنادِ، كمُسندِ الشِهَابِ، وَمُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ أي: إسْنادِ حَديْثِهِما؛ وللحَديْثِ، الآتي تَعْريْفُهُ، وَهُوَ المُرَادُ، وَفيه ثَلاثَةُ أقْوَالٍ، وَقَدْ بَيَّنَها، فقالَ: (والمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ)، وَقَدْ (¬2) عَرفتُه، فَهُمَا عَلَى المشهورِ فِيهِ مُتَرَادِفَانِ (¬3). قَالَ شَيْخُنا: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ (¬4) أَنْ يَصْدُقَ عَلَى المُرْسَلِ، والمُعْضَلِ، والمُنْقَطِعِ، إذَا كَانَ مَرْفُوْعاً ولا قَائِلَ بِهِ (¬5). وَهذا القَوْلُ قَوْلُ أبي عُمرَ بنِ عَبْدِ البَرِّ (¬6). (أَوْ) المُسْنَدُ (مَا قَدْ وُصِلْ) إسنادُهُ مِنْ رَاويهِ إلى مُنْتَهاهُ، و (لَوْ) كَانَ الوَصْلُ (مَعَ وَقْفٍ) عَلَى (¬7) صَحَابِيٍّ، أَوْ غيرِهِ، وهذا هُوَ القَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الخطيبِ (¬8). وَعَلَيْهِ فالمُسندُ، والمتَّصِلُ يُطلقانِ عَلَى المَرْفُوْعِ والمَوْقُوْفِ، لكنَّ اسْتِعْمَالَهُم للمُسنَدِ في الموقوفِ أقَلُّ، كَمَا ذَكرَهُ بقولِهِ: (وَهوَ) أي: المُسنَدُ أي: اسْتِعْمَالُه (في هَذَا) أي: فِي (¬9) المَوْقُوْفِ، (يَقِلْ) أي: قَليْلٌ بخِلافِ المُتَّصِلِ، فَإنَّ اسْتِعْمَاَلهُ في المَرْفُوْعِ، والمَوْقُوْفِ، عَلَى حَدٍّ سَوَاء (¬10). ¬

_ (¬1) كلمة ((المسند)). لم ترد في (ص) و (ع). (¬2) ((وقد)): ساقطة من (ص). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225. (¬4) في (ص): ((منه)). (¬5) نزهة النظر: 155، والتدريب 1/ 182. (¬6) التمهيد 1/ 21 - 23. (¬7) ((على)) سقطت من (ق). (¬8) الكفاية: (58 ت، 21 هـ‍). (¬9) ((في)): سقطت من (ق). (¬10) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225.

وفي كَلامِ الخَطيبِ - كَمَا قَالَ النّاظِمُ (¬1) - مَا يَقْتَضِي أنَّهُ يُدْخِلُ في المُسنَدِ: المَقْطُوْعَ -وَهُوَ قَوْلُ التَّابِعيِّ- فَيَسْتَعْمِلُ المُسْنَدَ مَثَلاً فِيهِ (¬2)، بَلْ وفي قَوْلِ مَنْ بَعْدِ التَّابِعيِّ. قَالَ: وَكَلامُهم يأباهُ (¬3). قُلتُ: وَيؤيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ: (وَلَمْ يَروْا أَنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ) (¬4). (و) القَوْلُ (الثالثُ) وَرَجَّحَهُ جماعةٌ، مِنْهُمْ شَيْخُنا (¬5): أنَّهُ (الرَّفعُ) أي: المَرْفُوْعُ (مَعَ الوَصْلِ) مَعَ (¬6) اتِّصَالِ إسنادِهِ (¬7) (مَعَا)، واجتماعُهُما (شَرْطٌ)، وهذا مَعَ قَوْلِهِ: ((مَعَا)) تَأْكيْدٌ، و (بِهِ) الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ (الحَاكِمُ) في كتابِهِ " عُلومُ الحَدِيثِ " (¬8) (فِيهِ) أي: في المُسْنَدِ، وَلاَ حَاجَةَ إِليهِ (قَطَعا). والقائلُ بِهِ لاحَظَ الفَرقَ بينَهُ وبين المُتَّصِلِ والمَرْفُوْعِ، مِن حَيْثُ إنَّ المرفوعَ يُنظرُ فِيهِ إلى حَالِ المَتْنِ دُوْنَ الإسْنَادِ مِنْ أنَّه مُتَّصِلٌ أَوْ لا. والمُتَّصِلُ يُنْظَرُ فِيهِ إلى حَالِ الإسْنَادِ دُوْنَ المتنِ مِنْ أنَّهُ مَرْفُوْعٌ أَوْ لا. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225. (¬2) في (ع): ((فيه مثلاً)). وسقطت كلمة ((مثلاً)) من (ق). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224. (¬4) البيت رقم (100). (¬5) فقد قال في النكت على ابن الصّلاح 1/ 507: ((والذي يظهر لي في الاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند عندهم ما أضافه من سمع النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليه بسند ظاهره الاتصال)). وقد سبقه ابن دقيق العيد في الاقتراح: 196، إذ قال: ((المسند: وهو ما اتصل سنده إلى ذكر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال السيوطي: ((وهو الأصح)). التدريب 1/ 182 - 183 وانظر: نخبة الفكر: 154 (مع شرحها نزهة النظر)، والنكت الوفية: ل 13/ أ. (¬6) في (ع) و (ص): ((أي: مع)). (¬7) في (ق): ((سنده)). (¬8) معرفة علوم الحديث 17 - 18، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 133.

المتصل والموصول

والمُسْنَدُ يُنظرُ فِيهِ إلى الحالينِ مَعاً، فيجمعُ شرطَيِ الرفعِ، والاتِّصالِ فَيَكُوْنُ بينَهُ وبينَ كُلٍّ مِنَ المَرْفُوْعِ والمُتَّصِلِ، عُمومٌ وخُصوصٌ مُطْلَقٌ، فكُلُّ مُسْنَدٍ مَرْفُوْعٌ، ومُتَّصِلٌ، ولا عَكَسَ. والحاصِلُ: أنَّ بعضَهُم جَعَلَ المُسْنَدَ من صِفاتِ المَتْنِ، وَهُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ، فإذا قِيلَ: ((هَذَا حَدِيثٌ مُسنَدٌ)) عَلِمْنَا أنَّهُ مُضَافٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مُرْسَلاً، ومُعْضَلاً، إلى غَيْرِ ذَلِكَ. وبعضُهُم جَعلَهُ مِن صِفاتِهِ أَيْضاً، لكنْ لَحَظَ فِيهِ صِفةَ الإسنادِ، وَهُوَ القَوْلُ الثَّاني، فإذا قِيلَ: ((هَذَا مُسْنَدٌ))، عَلِمْنَا أنَّهُ مُتَّصِلُ الإسنادِ، ثُمَّ قَدْ يكونُ مَرْفُوْعاً، ومَوْقُوْفاً، إلى غَيْرِ ذَلِكَ. وَبَعْضُهم جعلَهُ من صِفاتِهِما مَعاً، وَهُوَ القَوْلُ الثَّالِثُ (¬1). الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ (¬2) 99 - وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا (¬3) 100 - سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ والمُؤْتَصِلُ - بالفَكِّ والهَمْزِ - كَمَا نَقَلَها البَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعيِّ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النكت لابن حجر 1/ 505 - 507. (¬2) انظر في المتصل والموصول: التمهيد 1/ 23، ومعرفة أنواع علم الحديث: 133، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 156، والتقريب: 50، والاقتراح: 195، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 46، والموقظة: 42 واختصار علوم الحديث: 45، والمقنع 1/ 112، ونكت الزركشي 1/ 410، والشذا الفياح 1/ 138، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 227، ونزهة النظر: 83، ونكت ابن حجر 1/ 510، والمختصر: 119، وفتح المغيث 1/ 102، وألفية السيوطي: 24، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 145، وتوضيح الأفكار 1/ 260، وظفر الأماني: 226، وقواعد التحديث: 123. (¬3) مراده: وموصولاً، يعني أنهما اسمان لشيءٍ واحد، مترادفان، لكن النظم ضاق عن إثبات واو العطف. أفاده البقاعي. النكت الوفية: 97/ أ. (¬4) قال الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصّلاح 1/ 510: ((ويقال له: المؤتصل - بالفك والهمز - وهي عبارة الشّافعيّ في " الأم " في مواضع. وقال ابن الحاجب في التصريف له: هي لغة الشّافعيّ)). قلنا: انظر في إطلاق الشّافعيّ: " الأم " 4/ 141 و 6/ 103 و 104، والرسالة 464 فقرة (1275). وسنن البيهقيّ الكبرى 8/ 125. وانظر: نكت الزّركشيّ 1/ 410.

الموقوف

(وإنْ تَصِلْ) أنتَ (بِسَنَدٍ) أي: وإنْ تَرْوِ بإسنادٍ مُتَّصِلٍ، حَدِيثاً (مَنْقُوْلا؛ فَسَمِّهِ) أي: المُسْنَدَ (¬1): (مُتَّصِلاً مَوْصُولا)، ومُؤتَصِلاً (سواءٌ) في ذَلِكَ (الموقوفُ والمرفوعُ). فَخَرجَ بقيدِ الاتِّصالِ: المُرْسَلُ، والمُنْقَطِعُ، والمُعْضَلُ، والمُعَلَّقُ، ومُعَنْعَنُ المُدَلِّسِ قَبْلَ تَبْيِيْنِ سَماعِهِ. (وَلَمْ يِرَوْا أَنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ) في المَوْصُوْلِ، وإنِ اتَّصَلَ إسنادُهُ إلى قَائِلِه، للتنافُرِ (¬2) بَيْن الوَصْلِ والقَطْعِ. وهذا عِنْدَ الإطلاقِ، أَمَّا مَعَ التَّقْييدِ فجَائِزٌ واقعٌ في كلامِهِم، كقولِهم: هَذَا مُتَّصِلٌ إلى سَعيدِ بنِ المُسيِّبِ، أَوْ إلى الزُّهْريِّ، أَوْ إلى مَالِكٍ، ونَحْوِ ذَلِكَ (¬3). الْمَوْقُوْفُ (¬4) 101 - وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ 102 - وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَرْ ... وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبَرّْ (وَسَمِّ بالمَوْقُوفِ مَا قَصَّرْتَهُ بِصَاحِبٍ) أي: عَلَى صَحَابِيٍّ أي (¬5): لَمْ يَتَجاوزْ (¬6) بِهِ عَنْهُ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلاً، أَوْ فِعْلاً، أَوْ نحوَه، وَخلا عَنْ قَرينةِ الرفعِ، سَوَاءٌ (وصلتَ) ¬

_ (¬1) في (ع) و (ص): ((السّند)). (¬2) في (م): ((للتنافي)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 228. (¬4) انظر في الموقوف: معرفة علوم الحديث: 19، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والتمهيد 1/ 25، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 136، والإرشاد 1/ 158، والتقريب: 51 - 53، والاقتراح: 194، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 64 والموقظة: 41، واختصار علوم الحَدِيْث: 45، ونكت الزّركشيّ 1/ 412 - 419، والشذا الفياح 1/ 140، والمقنع 1/ 113، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 229، ونزهة النظر: 154، ونكت ابن حجر 1/ 512، والمختصر: 145، وفتح المغيث 1/ 103، وألفية السيوطي 21 - 23، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 146، وتوضيح الأفكار 1/ 261، وظفر الأماني: 325، وقواعد التحديث: 130، وتوجيه النظر 1/ 397 - 398. (¬5) سقطت من (ق). (¬6) في (ص): ((تتجاوز)).

المقطوع

السَنَدَ بِهِ، (أَوْ قَطَعْتَهُ). واشْتِرَاطُ الحَاكِمِ عَدَمَ انْقِطَاعِهِ شَاذٌّ (¬1). (وَبَعْضُ أَهْلِ الفِقْهِ) مِنَ الشَّافِعيَّةِ (سَمَّاهُ) أي: المَوْقُوْفَ (الأثرْ) (¬2)، وسَمَّى المَرْفُوْعَ: الخَبَرَ (¬3). وأمَّا المُحَدِّثونَ، فقال النَّوَوِيُّ: ((إنَّهم يُطْلِقُونَ الأثَرَ عَلَى المَرْفُوْعِ، والمَوْقُوْفِ)) (¬4). (وإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ) أي: عَلَى غَيْرِ الصَّحَابيِّ مِن تابعيٍّ، أَوْ مَنْ دُوْنَهُ، وفي نُسْخَةٍ ((بتَابعٍ))، (قَيِّدْ) هُ (¬5) بِهِ، كقولِكَ: مَوْقُوْفٌ عَلَى فُلاَنٍ، أَوْ وَقَفَهُ فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ (تَبرّْ) بِذَلِكَ (¬6) أي: يَزْكُو (¬7) بِهِ عَمَلُكَ، ويُمْدَحُ. الْمَقْطُوْعُ (¬8) 103 - وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي ... وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى (للشَّافِعِي) ¬

_ (¬1) حد الحاكم الموقوف بقوله: ((أن يروي الحديث إلى الصّحابيّ من غير إرسال ولا إعضال)). معرفة علوم الحديث: 19. وقد انتقده الحافظ ابن حجر في النكت 1/ 512 بقوله: ((شرط الحاكم في الموقوف أن يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي، وهو شرط لم يوافقه عليه أحد)). (¬2) ورد ذلك أيضاً في كلام الشّافعيّ. انظر: الرسالة الفقرات (597) (1468). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 137، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 230. (¬4) التقريب: 51، وانظر: النكت لابن حجر 1/ 513، ونكت الزّركشيّ 1/ 417. (¬5) سقطت الهاء من (ص) و (ق). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 230. (¬7) في (م): ((يذكو)). (¬8) انظر في المقطوع: الجامع لأخلاق الراوي1/ 191، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 138، وإرشاد طلاب الحقائق1/ 166، والتقريب: 53، والاقتراح: 194، والمنهل الروي: 42، والخلاصة: 65، واختصار علوم الحديث: 46، ونكت الزّركشيّ 1/ 420 - 438، والشذا الفياح 1/ 141 - 146، والمقنع 1/ 116، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 231، ونزهة النظر: 154، ونكت ابن حجر 2/ 514 - 539، والمختصر: 131، وفتح المغيث 1/ 105، وألفية السيوطي: 21 - 23، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 146، وتوضيح الأفكار 1/ 249، وظفر الأماني: 342، وقواعد التحديث: 130، وتوجيه النظر 1/ 401 - 403.

104 - تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ ... قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي) ويُجْمَعُ (¬1) عَلَى مَقاطيعَ ومَقاطِعَ (¬2). (وسمِّ بِالمقْطُوعِ قَوْلَ التابِعي، وَفِعْلَهُ) إذَا خَلا ذَلِكَ عَنْ قَرِيْنَةِ الرَّفْعِ، والوَقْفِ. وكالتَّابعيِّ مَنْ دونَهُ، قالَهُ شيخُنا (¬3). (قَدْ رَأى) أي: ابنُ الصَّلاحِ (للشَّافِعِي) - رَحِمَهُ اللهُ - (تَعْبيرَهُ بِهِ) أي: بالْمَقْطُوْعِ (عَنِ المُنْقَطِعِ) أي: الذي لَمْ يَتَّصِلْ إسنادُهُ (¬4). والمَقْطُوْعُ مِن مَباحثِ المتْنِ، والمُنْقَطِعُ مِنْ مَباحثِ الإسْنَادِ (¬5)، وسيأتي بيانُهُ. وأفادَ ابنُ الصَّلاحِ أنَّه رأى ذَلِكَ لِغيرِ الشَّافِعيِّ أَيْضَاً، مِمَّنْ تَأخَّرَ عَنْهُ (¬6). (قُلْتُ: وَعَكْسُهُ) أي: مَا لِلشَّافِعيِّ (اصْطِلاحُ) الحافظِ أبِي بكرٍ أَحْمَدَ بنِ هارُوْنَ البَرْدِيْجِيِّ (البَرْدَعِي) -بدالٍ مُهْمَلَةٍ عَلَى الأكثر- نسبةً إلى ((بَرْدَعَة)) (¬7) بلدةٍ مِن أَقْصى بلادِ أذْرَبِيجانَ، حَيْثُ جَعَلَ المُنْقَطِعَ هُوَ قَوْلُ التَّابِعيِّ (¬8). وهذا -كَمَا قَالَ النَّاظِمُ- حَكاهُ ابنُ الصَّلاحِ في مَحَلٍ آخرَ، لكنَّهُ لَمْ يُعيِّنْ قَائِلَهُ، قَالَ: فَأَتيْتُ بـ ((قُلْتُ)) لأنَّ تَعْيِيْنَ قَائلِهِ مِنْ زِيَادَتِي عَلَيْهِ (¬9). ¬

_ (¬1) قبل هذا في (م): ((المقطوع)). (¬2) وكلاهما جائز كمساند ومسانيد. انظر: نكت الزركشي 1/ 420، ومحاسن الاصطلاح: 125، ونكت ابن حجر 2/ 514. (¬3) نزهة النظر: 154. (¬4) قال الإمام العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232: ((ووجدته أيضاً في كلام أبي بكر الحميدي، وأبي الحسن الدّارقطنيّ)). وكذا أبو القاسم الطبراني. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 139، والشذا الفياح 1/ 158، تدريب الراوي 1/ 194. (¬5) انظر: نزهة النظر: 154. (¬6) مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 139. (¬7) ويقال بالذال المعجمة أيضاً. انظر: الأنساب 1/ 327 و 330، ومعجم البلدان 1/ 379، وتاج العروس 20/ 314 - 315. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232. (¬9) المصدر السابق.

فروع

فُرُوْعٌ 105 - قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ 106 - بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وهْوَ قَوْلُ الأكْثَرِ 107 - وَقَوْلُهُ (كُنَّا نَرَى) إنْ كانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ 108 - وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ (¬1) لَهْ ... و (لِلخَطِيْبِ) قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ 109 - مَرفُوعاً (الحَاكِمُ) و (الرَّازِيُّ ... إبنُ (¬2) الخَطِيْبِ)، وَهُوَ القَوِيُّ (فُروعٌ): جَمْعُ فَرْعٍ. وَهُوَ مَا انْدَرَجَ تَحْتَ أَصْلٍ كُليٍّ، وَهِيَ سَبْعَةٌ: أَحدُها: (قَوْلُ الصَّحَابيِّ) - رضي الله عنه -: (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا. كَقُوْلِ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، كَمَا في " سُنَنِ أبي داودَ ": ((مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفَّ في الصلاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ)) (¬3). ¬

_ (¬1) هكذا في جميع النسخ الخطية لشرح الألفية، وكذا في نسخة (أ) و (ج‍) من متن الألفية، وفي نسخة (ب) من متن الألفية: ((كذلك))، ولا يستقيم الوزن معها. (¬2) تصير همزة (ابن) همزة قطع لا وصل ليستقيم الوزن. (¬3) سنن أبي داود (756)، ورواه أيضاً: عبد الله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه 1/ 110، والدارقطني في سننه 1/ 286، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 31، كلهم من طريق عبد الرحمان بن إسحاق، عن زياد بن زيد، عن أبي جحيفة، عن علي. قلنا: هذا إسناد ضعيف؛ عَبْد الرحمان بن إسحاق الكوفي، قَالَ أبو حاتم: منكر الحَدِيْث، وَقَالَ ابن معين: لَيْسَ بشيء (انظر: سُنَن أبي دَاوُد 1/ 201 عقيب 756)، والعلل ومعرفة الرّجال (رِوَايَة المروذي): 214 (405)، وديوان الضعفاء والمتروكين 2/ 91، والكاشف 1/ 620، والمغني 2/ 375، ونصب الراية 1/ 314، والتقريب (3799)، وشيخه زياد بن زيد، هُوَ: السّوائيّ الأعسم: مَجْهُوْل لا يعرف بحال. انظر: ديوان الضعفاء والمتروكين 1/ 308، والكاشف 1/ 410، وميزان الاعتدال 2/ 89، والتقريب (2078). قال ابن الصّلاح: ((فالأصحّ أنه مسندٌ مرفوعٌ؛ لأن الظاهر أنّه لا يريد به إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يجب اتّباعه)). انظر معرفة أنواع علم الحديث: 143، وما صححه ابن الصّلاح هو الصّواب، فقد نقل الحاكم في المستدرك 1/ 358 الإجماع على ذلك، وقال: ((وقد أجمعوا على أن قول الصّحابيّ (سنة): حديث مسند)). وقال البيهقيّ: ((لا خلاف بين أهل النقل أن الصّحابيّ - رضي الله عنه - إذا قال: أمرنا، أو نهينا، أو من السّنّة كذا، أنه يكون حديثاً مسنداً)). انظر: النكت 2/ 522 - 523، والنكت الوفية: 99/ أ.

(أَوْ نَحْوُ: أُمِرْنَا) - ببنائِه للمفعولِ - ك‍: أُمِرَ فُلاَنٌ، وَكنَّا نُؤْمَرُ، ونُهِيْنَا، كَقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ - رضيَ اللهُ عَنْهَا -، كَمَا فِي " الصَّحِيحينِ ": ((أُمِرْنَا أنْ نُخرِجَ فِيْ الْعِيْدَيْنِ الْعَوَاتِقَ (¬1)، وَذَواتِ الخُدُورِ (¬2)، وأُمِرَ الْحُيَّضُ أنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى المُسْلِمِيْنَ)) (¬3). و ((نُهِيْنَا عَنِ اتِّباعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا)) (¬4). ورُخِّصَ، أَوْ أُبيحَ لَنَا، أَوْ أُوْجِبَ لَنَا، أَوْ حُرِّمَ عَلَيْنَا. كُلٌّ مِنْهُمَا (¬5) مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوْفاً لفظاً، (حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَو بَعْدَ) موتِ (النَّبيِّ) - صلى الله عليه وسلم -، (قالَهُ) (¬6) الصَّحَابيُّ (بأَعْصُرِ عَلَى الصَّحِيْحِ، وَهوَ قَوْلُ الأكْثَرِ) مِنَ العُلَمَاءِ. ¬

_ (¬1) العواتق: جمع عاتقة، وهي الجارية أوّل ما تدرك، أو التي لم تتزوج، أو التي بين الإدراك والتعنيس. انظر: النهاية في غريب الحديث 3/ 178 - 179، ولسان العرب 12/ 105 - 106، والقاموس المحيط 3/ 262 - 263 (عتق). (¬2) الخدر: ناحية في البيت يترك عليها ستر، فتكون فيه الجارية البكر، خُدِّرت فهي مخدرة، وجمع الخدر الخدور، قاله ابن الأثير. النهاية 2/ 13، وانظر: الصحاح 2/ 643 (خدر). (¬3) أخرجه الحميدي (361) و (362)، وأحمد 5/ 84، والدارمي (1617)، والبخاري 1/ 88 حديث (324) و 2/ 25 حديث (971) و2/ 26 حديث (974) و2/ 27 حديث (980) و 2/ 196 حديث (1652)، وأبو داود (1137) و (1138)، وابن ماجه (1307)، والترمذي (540)، والنسائي 1/ 193 - 194 و3/ 180، وابن خزيمة (1466) و (1467) من طرق، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية، ومنهم من رواه مطولاً. وأخرجه أحمد 5/ 85، والبخاري 1/ 99 حديث (356) و 2/ 26 حديث (974) و2/ 28 حديث (981)، ومسلم 3/ 20 حديث (890)، وأبو داود (1136) و (1137)، وابن ماجه (1308)، والترمذي (539)، والنسائي 3/ 180، وابن خزيمة (1467) من طرق عن محمد بن سيرين، عن أم عطية، والروايات مطولة ومختصرة. (¬4) أخرجه البخاري 2/ 99 حديث (1278)، ومسلم 3/ 47 حديث (938)، وأبو داود (3167)، وابن ماجه (1577) من طريق حفصة بنت سيرين، عن أم عطية. وأخرجه أحمد 6/ 408، ومسلم 3/ 47 (938) من طريق محمد بن سيرين، عن أم عطية. قال الإمام العراقي: ((وكلاهما صحيح هو من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث، وهو الصّحيح، وقول أكثر أهل العلم، قاله ابن الصّلاح قال: لأنّ مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237، ومعرفة أنواع علم الحديث: 143. (¬5) في (ق) و (ع): ((منها)). (¬6) في (ق): ((أي الصّحابيّ)).

سَوَاءٌ أقالَهُ في مَحَلِّ الاحتجاجِ، أَمْ لا، تأمَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَمْ لاَ؛ لأنَّهُ المتبادَرُ إلى الذِّهنِ عِنْدَ إطلاقِ هذِهِ الألفاظ، لأنَّ مَدْلُولَها مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أصلٌ؛ لأنَّهُ الشَّارعُ، ومِنْ غَيْرِهِ تَبعٌ لَهُ، مَعَ أنَّ الظَّاهرَ أنَّ مقصودَ الصَّحَابيِّ بيانُ الشَّرعِ. ومُقابلُ الصَّحِيح، وقولِ الأكثر: أنَّه لا يحكمُ لذلك بالرفعِ؛ لاحتمالِ أنَّه من غَيْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كسنَّةِ البلدِ، وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ، وأمرِهم ونهيِهم (¬1). فَمَحَلُّ الخِلافِ - كَمَا قَالَ ابنُ دقيقِ العيدِ - إذَا كَانَ للاجتهادِ في المرويِّ مجالٌ، وإلا فحكْمُهُ الرفعُ قطعاً. أما إذَا صَرَّحَ الصَّحَابيُّ بالآمرِ، كقوله: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)) فَلَمْ أرَ فِيهِ خلافاً (¬2)، ولا يقدحُ فِيهِ مَا حُكِيَ عَنْ داودَ (¬3)، وغيرِهِ: أنَّه لَيْسَ بِحُجةٍ؛ لأنَّ عدمَ الحُجِّيةِ لاَ ينافي الرَّفعَ، عَلَى أنَّ النّاظِمَ قَالَ: إنَّهُ ضَعِيْفٌ مردودٌ إلا أَنْ يُرادَ بِكونِهِ ((غَيْرَ حُجَّةٍ)) أي: في الوجوبِ (¬4). (و) ثانيها: (قَوْلُهُ) أي: الصَّحَابيُّ: (كُنَّا نَرَى)، أَوْ نَفْعَلُ، أَوْ نَقُولُ كَذَا، أَوْ نَحْوُها، فِيهِ اقْوَالٌ: أَصَحُّها: أنَّهُ (إنْ كَانَ) ذَلِكَ (مَعْ) ذِكْرِ (عَصْرِ النَّبيِّ) - صلى الله عليه وسلم - كَقُوْلِ جَابرٍ، ¬

_ (¬1) قال الإمام العراقي: ((قال ابن الصباغ في " العدّة ": وحكي عن أبي بكر الصّيرفيّ، وأبي الحسن الكرخيّ وغيرهما أنهم قالوا: يحتمل أن يريد به سنة غير النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا يحمل على سنته)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 235 وهو قول كثير من العلماء: كأبي بكر الإسماعيلي من الشافعية، والرازي من الحنفية وابن حزم والغزالي وجماعة من الأصوليين، وأكثر مالكية بغداد، وحكاه إمام الحرمين عن المحققين، وذكر الزّركشيّ أنه قول إمام الحرمين، بل حكى ابن فورك وسليم الرازي وابن القطان والصيدلاني: أنه الجديد من مذهب الشّافعيّ وكذا نسبه المازري إلى أحد قولي الشّافعيّ. انظر: البرهان 1/ 649، والمنخول 278، والتبصرة في أصول الفقه 331، وإحكام الأحكام 2/ 87، والإبهاج 2/ 328 - 329، والبحر المحيط 4/ 375. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237 - 238. (¬3) في (ق): ((الداوودي)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 238.

كَمَا في " الصَّحِيْحَيْنِ ": ((كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1)، فَهُوَ وإنْ كَانَ مَوْقُوْفاً لَفْظاً، (مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ) أي: الصَّحَابيُّ؛ لأنَّ غَرضَهُ بَيَانُ الشَّرْعِ، وذلكَ يتوقَّفُ (¬2) عَلَى عِلْمِهِ (¬3) - صلى الله عليه وسلم - بِهِ، وإقْرارُهُ عَلَيْهِ. (وَقِيلَ: لا) يَكُونُ مَرْفُوْعاً، بَلْ هُوَ مَوْقُوْفٌ مُطْلقاً، سَوَاءٌ أقُيِّدَ بالعَصْرِ النَّبويِّ، أَمْ لا؟ بخلافِ القولِ المُتَقَدِّمِ، فإنَّهُ إن قيِّدَ بِذَلِكَ فمرفوعٌ كَمَا مَرَّ، (أَوْ لاَ) أي: وإن لَمْ يقيَّدْ بِهِ، (فَلا) يَكُونُ مرفوعاً (¬4). (كَذاكَ لَهْ) أي: لابنِ الصَّلاحِ (¬5)، (وللخَطيبِ) المَزيد عَلَيْهِ (¬6). وَقَوْلُه: ((أَوْ لاَ))، إلى آخرِهِ، تصريحٌ بما أفهَمَهُ تقييدُهُ ((أَوْ لا)) بقولِهِ: إنْ كَانَ مَعَ عَصْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّما صرَّحَ بِهِ ليرتِّبَ (¬7) عَلَيْهِ القَوْلَ الثَّالِثَ المَذْكُوْرَ بقولِهِ: (قُلْتُ: لكنْ جَعَلَهْ) أي: مَا لَمْ يُقيَّدْ بالعَصْر النَّبوي المَفْهُوْمِ مِنْهُ مَا قُيِّدَ بِهِ بالأَوْلَى (مَرْفُوْعاً) الحافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ (الحَاكِمُ، و) (¬8) الإمَامُ الفَخْر (الرَّازيُّ) (¬9) نِسْبةً - بزيادة الزاي - إلى ((الرَّيِّ)) مدينةٍ مِن بلادِ الدَّيْلَمِ (¬10) (إبنُ الخَطِيْبِ) بها، (وَهُوَ) بضمِ الهاء (القَوِيُّ) مِن حيثُ المعْنى، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ في " مَجْموعِهِ " (¬11). ¬

_ (¬1) صحيح البخاريّ 7/ 42 (5209)، وصحيح مسلم 4/ 160 (1440) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر. وأخرجه مسلم 4/ 160 عقب (1440) من طريق أبي الزبير، عن جابر. وأخرجه أحمد 3/ 309 و 368، والنّسائيّ في الكبرى (9092) من طريق عمرو بن دينار، عن جابر. (¬2) في (ق): ((متوقف)). (¬3) في (ق): ((عمله)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239 - 240، والتقييد والإيضاح 66، ونكت ابن حجر 2/ 515، ونكت الزّركشيّ 1/ 421. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 139 - 140. (¬6) الكفاية: (595 هـ‍، 424 ت). (¬7) في (ق): ((ليترتب)). (¬8) معرفة علوم الحديث: 22. (¬9) المحصول 2/ 221، وانظر: إحكام الأحكام 2/ 89، وقال ابن الصباغ: ((إنه الظاهر)). التقييد والإيضاح: 67، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. (¬10) انظر: معجم البلدان 3/ 116. (¬11) المجموع 1/ 60، وانظر النكت الوفية: 103/ ب.

فحصلَ في المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ (¬1): 1 - الرفعُ مطلقاً. 2 - الوقفُ مطلقاً (¬2). 3 - التفصيلُ بَيْن مَا قُيِّد بالعصرِ النَّبويِّ، وما لَمْ يُقيَّدْ بِهِ. وفيها أَيْضَاً: رابعٌ، وَهُوَ: إنْ كَانَ الفعلُ مما لا يَخفى غالباً، فمرفوعٌ، وإلاَّ فموقوفٌ. وخامسٌ، وَهُوَ: إنْ ذُكرَ في مَعْرضِ الاحتجاجِ فَمَرفوعٌ وإلاَّ فَمَوْقوفٌ. وسادسٌ، وَهُوَ: إن كَانَ قائلُهُ مجتهداً، فموقوفٌ، وإلاَّ فمرفوعٌ. وسابعٌ، وَهُوَ: إنْ قَالَ: ((كُنَّا نَرَى))، فموقوفٌ، أَو (¬3) ((كُنَّا نَفْعَلُ))، أَوْ نحوَهُ فمرفوعٌ؛ لأنَّ ((نَرَى)) من الرأي، فيحتملُ أنْ يكونَ مستندُهُ استنباطاً، لا توقيفاً. ثُمَّ مَحلُّ الخلافِ إذَا لَمْ يكنْ في القصَّةِ اطِّلاعُه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ، وإلاَّ فَحُكْمُهُ الرفعُ قَطْعاً، كقولِ ابنِ عُمَرَ: ((كُنَّا نَقُوْلُ، وَرَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ: أَفْضَلُ هَذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ (¬4). وَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ يُنْكِرُهُ)) رواهُ الطبرانيُّ في " مُعْجَمِهِ الكبيرِ" (¬5). وبِالجُملةِ مَا قُيِّد مِن ذَلِكَ بالعَصْرِ النَّبويِّ، حُكْمُهُ الرَّفعُ، إما قَطْعاً، أَوْ عَلَى الأصحِّ. ¬

_ (¬1) انظر: التقييد والإيضاح: 66، ونكت ابن حجر 2/ 515، ونكت الزّركشيّ 1/ 421. (¬2) سقطت من (ص). (¬3) في (ص): ((و)). (¬4) بعد هذا في (ع): ((وعلي))، ولم ترد شيء من النسخ ولا (م) ولا كتب التخريج. (¬5) المعجم الكبير (13132) وأخرجه بنحوه في المعجم الأوسط (334 مجمع البحرين)، وفي مسند الشاميين (1764)، وقال الهيثمي في المجمع 9/ 58: ((رجاله وثقوا وفيهم خلاف))، وانظر ما كتبه الحافظ في الفتح 7/ 16 عقيب (3655). قال الإمام العراقي: ((والحديث في الصّحيح لكن ليس فيه اطّلاع النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك بالتصريح)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. قلنا: - كما أشار إليه العراقي - الحديث في صحيح البخاريّ 5/ 5 (3655) و 5/ 18 (3698)، وأخرجه أبو داود (4627) و (4628)، والترمذي (3707)، وأبو يعلى (5603)، والمزي في تهذيب الكمال 5/ 526.

110 - لكنْ حَدِيْثُ (كانَ بَابُ المُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بالأَظْفَارِ) مِمَّا وُقِفَا 111 - حُكْماً لَدَى (الحَاكِمِ) و (الخَطِيْبِ) ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْبِ (لَكنْ حَدِيْثُ: كانَ بَابُ المُصْطَفَى) - صلى الله عليه وسلم -، (يُقْرَعُ) مِن أَصْحَابِهِ (بالأظْفَارِ) (¬1) -تأدُّباً مَعَهُ، وإجلالاً لَهُ-، (مِمّا وُقِفَا حُكْماً) أي: حُكْمُهُ الوَقْفُ، (لَدى) أي: عِنْدَ (الحَاكِمِ (¬2) والخَطيبِ (¬3))، مَعَ أنَّ فِيْهِ ذِكْرَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، خِلافَ مَا مَرَّ عَنْهُما فِيمَا يَشْمَلُهُ. قَالَ الحَاكِمُ: لأنَّه مَوْقُوْفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكى فِيهِ عَنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلاً، وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (¬4). (والرَّفْعُ) فِيهِ (عِنْدَ الشَّيْخِ) ابنِ الصَّلاحِ (¬5) (ذُوْ تَصْوِيْبِ). قَالَ وَهُوَ أحرى بكَونِهِ مرفُوعاً مِمَّا مَرَّ؛ لِكَونِهِ أحرى باطِّلاعِهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: والحاكِمُ مُعْتَرِفٌ بِكَوْنِهِ مِن قَبيلِ المَرْفُوْعِ، وَقَدْ كُنَّا عَدَدْنا هَذَا فِيْمَا أَخْذَناهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ تأوَّلْنا لَهُ عَلَى أنَّه أَرادَ أنَّه لَيْسَ بمُسْنَدٍ لَفْظاً، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ مَا مَرَّ، مَوْقُوْفٌ لَفْظاً، وإنَّما جَعَلْنَاهُ (¬6) مَرْفُوْعاً مِن حَيْثُ المَعْنَى (¬7). 112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابيْ ... رَفْعاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 19 من طريق كيسان مولى هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة، به. وكيسان هذا: مجهول الحال، لم يوثّقه سوى ابن حبّان في ثقاته 7/ 358 على عادته في توثيق المجاهيل. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1080)، وفي التاريخ الكبير 1/ 228، وأبو نعيم في أخبار أصفهان 2/ 110 و 365 من طريق أبي بكر الأصفهاني، عن محمد بن مالك بن المنتصر، عن أنس بن مالك، قال: كان بابه يقرع بالأظافير. قلنا: وهو سندٌ ضعيف؛ لجهالة أبي بكر الأصفهاني، وابن المنتصر. (¬2) معرفة علوم الحديث 19. (¬3) الجامع لأخلاق الراوي 2/ 291 عقب (1890). (¬4) معرفة علوم الحديث: 19. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 142. (¬6) في (ق): ((جعل)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 142، وانظر النكت الوفية: 105/ أ.

113 - وَقَوْلُهُمْ (يَرْفَعُهُ) (¬1) (يَبْلُغُ بِهْ) ... (روَايَةً) (يَنْمِيْهِ) رَفْعٌ فَانْتَبِهْ (وَ) أمّا (عَدُّ) تَفْسِيْرِ (مَا فَسَّرهُ الصَّحَابِيْ) الذي شَاهَدَ الْوَحْيَ والتَنْزِيْلَ مِنْ آي القُرآنِ (رَفْعاً) أي: مَرْفُوْعاً، كَمَا صَنَع الْحَاكِمُ (¬2)، وَعَزَاهُ للشَّيخينِ، وَهُوَ ثَالِثُ الفُرُوْعِ (فمَحْمُولٌ عَلَى الأسْبَابِ) للنُزُوْلِ، ونحوِها، ممَّا لاَ مَجالَ لِلرَأي فِيهِ. كَقَوْلِ جَابرٍ: كَانَتْ الْيَهُوْدُ تَقُوْلُ: مَنْ أتَى امْرَأَتَه مِنْ دُبُرِهَا فِيْ قُبُلِهَا، جَاءَ الوَلَدُ أحْوَلَ، فَأنْزَلَ الله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} الآيةَ (¬3). وَكَتَفْسِيرِه أَمْراً مُغيَّباً مِن أمْرِ الدُّنيا، أَوْ الآخرةِ، كَتَعيينِ ثَوَابٍ، أَوْ عِقابٍ. أما سَائِرُ تفاسيرِهِ التي تَنْشَأُ مِن مَعْرِفَةِ طُرُقِ البلاغَةِ، واللُّغةِ، أَوْ غيرِهما (¬4) ممَّا للرَّأي فِيهِ مَجَالٌ، فَمَعْدُوْدٌ مِنَ المَوْقُوْفَاتِ (¬5). (و) رَابِعُها (¬6) (قَوْلُهُمْ) أي: الرُّواةُ، كالتَّابِعينَ فمَنْ دُونَهُم بَعْدَ ذكرِ الصَّحَابيِّ: (يَرْفَعُهُ) أي: الحَدِيثَ، أَوْ رفَعَهُ، أَوْ مَرْفُوْعاً، أَوْ (يَبْلُغُ بِهْ)، أَوْ (روايةً) أَوْ يَرْويهِ، أَوْ ¬

_ (¬1) كذا في النسخ الخطية لشرح الألفية والنسخ الخطية لمتن الألفية، وفي النفائس بزيادة (أو) بعد (يرفعه) ولا يصحّ الوزن بها وإن كانت منوية في المعنى. (¬2) فقد قال في المستدرك: ((ليعلم طالب العلم أن تفسير الصّحابيّ الذي شهد الوحي والتزيل عند الشيخين حديث مسندٌ)). المستدرك 2/ 258، وبمعناه أيضاً 1/ 27 و 123 و 542، وكذا في معرفة علوم الحديث: 21 بمعناه أيضاً، وانظر كلام الحافظ ابن حجر في النكت 2/ 531 - 532، وفتح المغيث 1/ 143 - 144، وقارن بالعجاب 68 وما بعدها. (¬3) البقرة: (223). وأخرجه الحميدي (1263)، وابن أبي شيبة (16656)، والدارمي (2220)، والبخاري 6/ 36 حديث (4528)، ومسلم 4/ 156 حديث (1435)، وأبو داود (2163)، وابن ماجه (1925)، والترمذي (2978)، والنّسائيّ في الكبرى (11038) (11039) وفي تفسيره (58) و (59)، وأبو يعلى (2024)، والطبري 2/ 396، والطحاوي 3/ 40، وفي شرح المشكل (6119)، وابن حبان (4169). (¬4) في (م): ((أو غيرها)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 145، ولابن حجر كلام مفيد في نكته 2/ 431، راجعه تجد فائدة. (¬6) في (م): ((رابعاً)).

(يَنْمِيهِ) (¬1) أي: يَرْفَعُهُ (¬2)، أَوْ يُسْنِدُهُ، أَوْ يُؤْثِرُهُ (¬3)، كَحديثِ البُخاريِّ، عَنْ سَعيدِ بنِ جُبيرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ((الشِّفَاءُ فِيْ ثَلاَثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ)) رَفَعَ الحَدِيثَ (¬4). وكحدِيثِ مُسْلِمٍ، عَنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعرجِ، عَن أبِي هُريرةَ، يَبْلُغُ بِهِ: ((النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ)) (¬5). وفي " الصَّحِيحينِ " بهذا السَّندِ: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ روايةً: ((تُقَاتِلُوْنَ قَوْماً صِغَارَ الأعْيُنِ)) (¬6)، وَفيهِمَا (¬7): عَن سَعيدِ بنِ المسيِّبِ، عَن أبي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: ((الفِطْرَةُ خَمْسٌ)) (¬8). ¬

_ (¬1) قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 142: ((بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم، والاصطلاح في هذه اللفظة موافق للغة، قال أهلها: نميت الحديث إلى غيري نمياً إذا أسندته ورفعته)). وانظر: القاموس المحيط 4/ 397، وأوجز المسالك 3/ 170. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح10/ 336 عقب (5889): ((وقد تقرر في علوم الحديث أن قول الرّاوي: رواية، أو يرويه، أو يبلغ به، ونحو ذلك محمول على الرفع)). (¬3) يقال: أثر الحديث: حدّث به ورواه، فهو أثر والحديث مأثور. انظر: متن اللغة 1/ 143. (¬4) صحيح البخاري 7/ 158 حديث (5680) و 7/ 159 حديث (5681)، وأخرجه أحمد 1/ 245، وابن ماجه (3491)، والطبراني في الكبير (12241)، والبيهقي 9/ 341، والمزي 3/ 100، كلهم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس. (¬5) أخرجه مسلم 6/ 2 حديث (1818)، وأخرجه الحميدي (1044) و (1045) وأحمد 2/ 242 و 257 و418، والبخاري 4/ 217 حديث (3495)، كلهم من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال النووي في الإرشاد 1/ 164: فكل هذا وشبهه كناية عن رفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمه عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً. وإذا قيل عن التابعي: يرفعه، فهو أيضاً مرفوع لكنه مرفوع مرسل (¬6) صحيح البخار ي 4/ 52 حديث (2928) و 4/ 238 حديث (3587)، ومسلم 8/ 184 (2912)، وأخرجه أيضاً: الحميدي (1101)، وابن أبي شيبة (37342)، وأحمد 2/ 530، وابن ماجه (4097)، والبيهقي 9/ 175، والبغوي (4242). (¬7) هكذا قال، وليس في صحيح مسلم1/ 152 - 153 (257) ما أشار إليه الشارح إنما فيه بلفظ: ((قال))، وفيه6/ 2حديث (1818) في رواية أخرى للحديث المذكور آنفاً في المتن- ((الناس تبع لقريش)) -: ((رواية)). (¬8) صحيح البخاريّ 7/ 206 (5889)، وأخرجه أحمد 2/ 239.

وكحديثِ مَالِكٍ في " الموَطَّإِ " (¬1)، عَنْ أبي حازمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: ((كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُوْنَ أنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ))، قَالَ أَبُو حازمٍ: لا أعلمُ إلاَّ أنَّهُ يَنمِيْ ذَلِكَ. (رَفْعٌ) أي: مَرفوعٌ بلا خِلاَف (¬2). وَقَدْ جَاء بعضُ ذَلِكَ بالتَّصريحِ، فَفي روايةٍ لحديثِ " الصَّحِيحينِ ": ((الفِطْرَةُ خَمْسٌ يَبْلُغُ بِهِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). وفي أُخْرَى: ((قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬4). وَفِي رِوَايَةٍ لحديثِ سَهْلٍ: ((يَنْمِي ذَلِكَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬5). (فانْتَبِهْ) لهذهِ الألفاظِ، ونحوِها، مما اصطلحَ عَلَى الكنايةِ بها عَنْ الرَّفْعِ. والحاملُ عَلَى العدولِ عَنْ التَّصريحِ بالرَّفْعِ، إما الشَّكُّ في الصِّيغةِ التي سَمِعَ بها - أهيَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، أَوْ نَبِيُّ اللهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، ك‍: سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَني، وَهُوَ ممَّنْ لا يَرى الإبدالَ - وإما التخفيفُ، والاخْتِصارُ، أَوْ غيرُ ذَلِكَ. ¬

_ (¬1) الموطأ (437). (¬2) في (م): ((خوف)). (¬3) الحديث بهذا اللفظ جاء من رواية أبي داود (4198)، والبيهقي 1/ 149، والبغوي (3195). فعلى هذا فإن إطلاق الشارح غير صحيح. (¬4) صحيح البخاريّ 7/ 206 (5891) و 8/ 81 (6297)، وفي الأدب (1292)، وصحيح مسلم 1/ 152 (257) (49) و 1/ 153 (257) (50). وأخرجه عبد الرزاق (20243)، والحميدي (936)، وابن أبي شيبة (2047) و (26460) وأحمد 2/ 229 و239 و283 و410 و489، وابن ماجه (292)، والترمذي (2756)، والنّسائيّ 1/ 13 و14 و8/ 181، وفي الكبرى (9) (10) و (11)، وأبو عوانة1/ 190، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 229، وفي شرح المشكل (683)، وابن حبان (5488) و (5489) و (5490) و (5491)، والبيهقي 3/ 244و8/ 323. وفي بعض الروايات: عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال، وفي بعضها: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. (¬5) صحيح البخاري 1/ 188 (740)، وأخرجه أيضاً: الإمام أحمد في مسنده 5/ 336، وأبو عوانة في مسنده 2/ 97، والطبراني في الكبير (5772)، والبيهقي في الكبرى 2/ 28، كلهم من طريق مالك. وقد أخرجه عن مالك بدون زيادة اللفظة: أبو مصعب الزهري (426)، وسويد بن سعيد (133)، وعبد الرحمن بن القاسم (409)، وعبد الرحمن بن مهدي: عند أحمد 5/ 336، وعمار بن مطرف: عند ابن عبد البر 21/ 96.

وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ من صَحَابِيٍّ بَعْدَ ذكرِهِ صَحَابِياً، كَانَ مَرْفُوْعاً أَيْضاً، وعِبارةُ النَّاظِمِ - كغيرِهِ - تَشْمَلُهُ، لكنِّي لَمْ أرَ لَهُ مثالاً. وَقَدْ يقعُ ذَلِكَ مِنَ الصَّحابيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، كأنْ يقولَ: ((عَنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْفَعُهُ))، فهذا في حُكْمِ قولِهِ: عَنْ اللهِ تَعَالَى. وَمِثَالُهُ: حديثُ أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، يَرْفَعُهُ: ((إنَّ الْمُؤْمِنَ عِنْدِيْ بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْرٍ، يَحْمَدُنِيْ وَأنَا أنْزِعُ نَفْسَهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ)) (¬1) حَدِيثٌ حَسَنٌ رواهُ البزَّارُ في " مُسندِهِ "، وَهُوَ من الأحاديثِ الإلهيةِ، وَقَدْ أفردَها جمعٌ بالجمعِ، نبَّه عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنا (¬2). 114 - وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلُ ... قُلْتُ: (مِنَ السُّنَّةِ) عَنْهُ نَقَلُوْا 115 - تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) (¬3) مِنْهُ (للغَزَالي) (و) خامسُها: مَا ذَكَرَهُ بقولِهِ: (إنْ يقُلْ) لفظٌ من الألفاظِ المتقدِّمةِ آنفاً مِن راوٍ (عَنْ تابعٍ) أي: تابعيٌّ (فَمُرسلُ) مَرْفُوْعٌ بلا خلافٍ (¬4). (قلتُ): وقولُ الراوِي: (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا حالةَ كونِه صادراً (عَنْهُ) أي: عَنِ التَّابِعيِّ، كقولِ عُبيدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتبةَ التَّابِعيِّ، كَمَا فِي " سُنَنِ البَيْهَقيِّ ": ((السُّنَّةُ تَكْبِيْرُ الإِمَامِ، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأضْحَى حِيْنَ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، تِسْعَ تَكْبِيْرَاتٍ)) (¬5). (نَقَلُوا تصْحِيحَ وَقْفِهِ) عَلَى الصَّحَابيِّ من وجهينِ، حَكَاهُما النَّوَوِيُّ عَنِ الأصْحابِ، أهو مَوْقُوْفٌ مُتَّصِلٌ، أَوْ مَرْفُوْعٌ مُرسلٌ، وَصَحَّحَ هُوَ أَيْضاً: أوَّلَهما (¬6). ¬

_ (¬1) (871 - كشف الأستار) وأخرجه أحمد 2/ 361، والبيهقي في شعب الإيمان (4494). (¬2) النكت لابن حجر 2/ 539، وانظر: الرسالة المستطرفة: 81. (¬3) التقدير: أمرنا بكذا من التابعي. (¬4) انظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 248. (¬5) السّنن الكبرى 3/ 299. (¬6) المجموع 1/ 47، وانظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 249.

وفرَّقَ النَّاظِمُ (¬1) بينَهُما، وبينَ مَا قبلَهُما (¬2) مِن صِيَغِ (¬3) هَذَا الفرعِ، بأنَّ ((يرفعُ الحديثَ)) تصريحٌ بالرفعِ (¬4)، وقريبٌ مِنْهُ بقيَّةُ الألفاظِ، بخلافِ ((من السُّنَّةِ))؛ لاحتمالِ إرادةِ سنَّةِ الخلفاءِ الراشدينِ، وسُنةِ البلدِ، وهذا الاحتمالُ، وإنْ قِيلَ بِهِ في الصَّحَابيِّ، فَهُوَ في التَّابِعيِّ أقْوى، كَمَا لا يَخْفَى. نَعَمْ، ألْحَقَ الشَّافِعيُّ في " الأُمِّ " بالصَّحَابيِّ سعيدَ بنَ المسيِّبِ في قولِهِ: ((من السُّنَّةِ))، فيحتملُ أنَّهُ مستثنىً مِنَ التَّابعينَ (¬5). والظّاهِرُ: حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اعْتَضدَ بِغيرِهِ، كنَظيرِه في مُرْسَلِهِ، كَمَا سَيأْتِي بيانُه في المُرْسَلِ. أَمَّا إذَا قَالَ التَّابِعيُّ: ((كُنَّا نفعلُ كَذَا، أَوْ نحوَهُ)) فَلَيسَ بمرفوعٍ قَطْعاً، ولا بموقوفٍ إن لَمْ يُضِفْهُ إلى زمنِ الصَّحَابَةِ، بَلْ مَقْطُوْعٌ، فإنْ أضافَهُ احتملَ الوقْفَ (¬6) وَعَدمَهُ. (وَذُو احْتِمالِ) للإرسالِ، والوقفِ (نحوُ أُمِرْنَا) بِكَذا، كأُمِرَ فُلاَنٌ بِكَذا، إذَا أتى (مِنْهُ) أي: مِنَ التَّابِعيِّ، (لِلغَزاليْ) في " المُسْتَصْفَى " وَلَمْ يُصرِّحْ بِترجيحِ واحدٍ مِنْهُمَا، وَلكنْ يُؤخذُ مِن كلامٍ ذَكرَهُ عَقِبَ ذَلِكَ، ترجيحُ أنَّه مرسلٌ مَرْفُوْعٌ (¬7). وَجزمَ ابنُ الصَّبَّاغِ في " العُدَّة " بأنَّهُ مُرسلٌ، وَحَكى فِي حُجَّيةِ مَا يأتِي بِهِ سَعيدُ بنُ المسيِّبِ مِن ذَلِكَ وجهينِ (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 249. (¬2) في (ص) و (ق): ((قبلها)). (¬3) في (ق): ((صنيع)). (¬4) انظر: فائدة ذكرها البقاعي في النكت الوفية: 107/ أ - ب. (¬5) انظر: البحر المحيط 4/ 378. (¬6) في (ق): ((الوقوف)). (¬7) قال الإمام العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 249 - 250: ((وإذا قال التابعيّ: أمرنا بكذا، ونحوه، فهل يكون موقوفاً، أو مرفوعاً مرسلاً؟ فيه احتمالان لأبي حامد الغزالي في المستصفى ولم يرجح واحداً من الاحتمالين. وجزم ابن الصباغ في " العدة " بأنه مرسل))، قلنا: انظر: المستصفى 1/ 131. (¬8) انظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 250، والبحر المحيط 4/ 379.

وَقَولُهُ: (نحوُ أُمِرْنَا) مبتدأٌ، خبرُهُ (ذُو احْتِمَالِ)، و (لِلغَزاليْ) متعلقٌ باحتمالِ، ولامُهُ للاختصاصِ، أَوْ بمعنى ((عِنْدَ))، كَمَا في قولِهِ تَعَالَى: {يَا لَيْتَنِيْ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِيْ} (¬1) أي: عِنْدَهَا. 116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى 117 - مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ (مَنْ أتَى) ... فَالحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا 118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةِ ... مُحَمَّدٌ وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ (¬2) 119 - كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ (¬3) (و) سادِسُها (¬4): (مَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ) أي: صَحَابِيٍّ مَوْقُوْفاً عَلَيْهِ، (بحيثُ لا يُقال رأياً) أي: من قِبَلِ الرأي؛ بأنْ لا يكونَ للاجتهادِ فِيهِ مَجالٌ أي: ظاهر (¬5)، (حُكْمُهُ: الرفْعُ)، وإن احْتمَلَ أخذُ الصَّحابيِّ لَهُ عَنْ (¬6) أَهْلِ الكتابِ، تَحْسيناً لِلظنِّ بِهِ (¬7) (عَلَى مَا قَالَ) الإمامُ الفَخْرُ الرَّازِيُّ (فِي الْمَحْصُوْلِ) (¬8)، وغيرُهُ، كأبي عُمَرَ بنِ عَبْدِ البَرِّ، والحاكِمِ (¬9). (نَحْوُ) قولِ ابنِ مَسْعودٍ: (((مَنْ أتَى) سَاحِراً، أَوْ عَرَّافاً، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬10). (فَالحاكِمُ: الرَّفْعَ لِهَذَا) الحديثِ (أَثْبَتَا) (¬11). ¬

_ (¬1) الفجر: 24. (¬2) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((الكوفة))، وقد صححت على حاشية الصفحة. (¬3) انظر: النكت الوفية: 112 / أ - ب. (¬4) في (ص) و (ق): ((وسادسهما)). (¬5) في (ع) و (ق) و (م): ((ظاهراً))، والمثبت من (ص). (¬6) في (م): ((من)). (¬7) في (ق): ((بهم)). وانظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 250. (¬8) المحصول 2/ 221 (علواني 2/ق1 ص643) وارجع بلا بد إلى النكت الوفية: 107/ب. (¬9) انظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 251. (¬10) أخرجه موقوفاً: أبو يعلى الموصلي (5408)، والبزار في مسنده " كشف الأستار " 2/ 443، والطبراني في الكبير (10005)، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 22. وقال المنذري عن رواية البزار وأبي يعلى: ((إسناد جيد))، وقال عن رواية الطبراني في المعجم الكبير: ((رواته ثقات)). الترغيب والترهيب 4/ 36. وقال الهيثمي: ((رجال الكبير والبزار ثقات)). وقال عن رواية البزار: ((رجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن يريم، وهو ثقة)). مجمع الزوائد5/ 118. وانظر: المطالب العالية 3/ 104رقم (2524) و (2525) الطبعة المسندة. (¬11) معرفة علوم الحديث: 22.

وكقولِ أبي هُرَيْرَةَ: ((وَمَنْ (¬1) لَمْ يُجِبِ الدّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُوْلَهُ)) (¬2). (وَ) سابعُها (¬3): (مَا رَواهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةِ) - بكسر آخره للوزْنِ - (مُحَمَّدٌ) أي: ابنُ سِيرينَ، (و) رَواهُ (عَنْهُ) أي: عَنْ ابنِ سِيرينَ، (أَهْلُ البَصْرَةِ) - بِفَتحِ الباءِ أشهرُ من ضَمِّها وَكَسْرِها (¬4) - و (كرَّرَ) أي: ابنُ سِيرينَ (قَالَ بَعْدُ) أي: بَعْدَ أبِي هُرَيْرَةَ أي: قَالَ بَعْدَهُ: قَالَ: قَالَ. مِثالُه: مَا رَواهُ الخطيبُ في " كفايتِهِ " (¬5) عَنْ مُوسى بنِ هارونَ الحَمَّالِ، عَنْ شَيْخِهِ، عَنْ حمَّادِ بنِ زيدٍ، عَنْ أيوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرينَ، عَنْ أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ: ((المَلاَئِكَةُ تَصَلِّيْ عَلَى أحَدِكُمْ مَا دَامَ فِيْ مُصَلاَّهُ)) (¬6). ¬

_ (¬1) في (ع): ((من)) بلا واو. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (1573)، والحميدي (1171)، وأحمد 2/ 240، والدارمي (2072)، والبخاري 7/ 32 (5177)، ومسلم 4/ 153 (1432) (107) (108)، وأبو داود (3742)، وأبو يعلى (6250)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3016)، والبيهقي 7/ 261، والبغوي (2315). من طريق الزهري عن عبد الرحمان الأعرج، عن أبي هريرة. وأخرجه عبد الرزاق (19662)، وأحمد 2/ 267، ومسلم 4/ 153 (1432) (109)، وابن حبان (5312)، والبيهقي 7/ 261 من طريق سعيد بن المسيب، والأعرج، عن أبي هريرة. وأخرجه أحمد 2/ 405 و 494، وأبو يعلى (5891)، وابن حبان (5313) من طريق سعيد بن المسيب وحده عن أبي هريرة بنحوه. وأخرجه الحميدي (1170)، ومسلم4/ 154 (1432) (110) من طريق ثابت الأعرج، عن أبي هُرَيْرَة بنحوه. (¬3) في (ق) و (ع): ((وسابعهما)). (¬4) انظر: معجم البلدان 1/ 430، والتاج 10/ 202. (¬5) في (م): ((كفاية)). (¬6) الكفاية: (589 ت، 418 هـ‍) وأخرجه مسلم 2/ 129 عقب (649) من طريق أيوب، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، ولفظه: ((إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يحدث، وأحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه)).

وَقَدْ رَواهُ كذلك النَّسائيُّ مِن رِوايةِ ابنِ (¬1) عُلَيَّةَ، عَنْ أيوبَ (¬2)، وَمِن روايةِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، عَنْ ابنِ عَونٍ، كِلاهُما عَنْ ابنِ سِيرينَ (¬3). (فالخطيبُ رَوى) عَنْ مُوسى (بِهِ) أي: فِيْمَا يَرْوِي كَذلك (الرَّفْعَ) فإنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ حَمَّادُ بنُ زيدٍ، والبَصْرِيونَ: ((قَالَ: قَالَ))، فَهُوَ مَرْفُوْعٌ (¬4). قَالَ الخطيبُ: قُلتُ للْبَرْقَانيِّ: أَحْسِبُ أنَّ مُوسى عَنَى بهذا القولِ أحاديثَ ابنِ سيرينَ خَاصَّةً، فَقَال: كَذَا يَجِبُ (¬5). قَالَ الخطيبُ: ويُحقِّقُهُ قولُ مُحَمَّدِ بنِ سيرينَ: كُلُّ مَا حدَّثْتُ (¬6) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ مَرْفُوْعٌ (¬7). وَمِن ذَلِكَ: مَا رَواهُ البُخَارِيُّ، عَنْ سُليمانَ بنِ حَرْبٍ، عَنْ حمَّادٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: ((أسْلَمُ، وغِفَارُ، وشيءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ ... الخ))، الحديثَ (¬8). (وَذَا) أي: تَخْصيصُ الحُكمِ بالرَّفْعِ فيمَا يأتِي، عَنْ ابنِ سِيرينَ مِن رِوَايَةِ أَهْلِ البَصرةِ، بتكريرِ: ((قَالَ))، كَمَا صنعَهُ موسى بنُ هارونَ، (عَجِيْبُ)؛ لأنَّ ابنَ سِيرينَ صَرَّحَ بالتَّعميمِ في كُلِّ مَا يَرويهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - كَمَا مَرَّ آنفاً. وَهَذَا آخِرُ زِيادةِ النَّاظِمِ هُنا. ¬

_ (¬1) كلمة ((ابن)): سقطت من (ق). (¬2) لم نقف عليه في المطبوع من السّنن الكبرى وهو في تحفة الأشراف10/ 330حديث (14411). وهو في كتاب الملائكة من السّنن الكبرى، وهذا الكتاب ليس من المطبوع، ويضاف إليه كذلك كتاب الرقاق، والشروط، والمواعظ (¬3) ليس في المطبوع من الكبرى وهو في التحفة 10/ 343 حديث (14476). (¬4) الكفاية: (589 ت، 418 هـ‍). (¬5) المصدر السابق. (¬6) في (ص) و (ع): ((حدثت به)). (¬7) الكفاية: (589 ت، 418 هـ‍). (¬8) أخرجه البخاريّ 4/ 222 - 223 عقب (3516)، ومسلم 7/ 179 عقيب (2521)، عن زهير بن حرب ويعقوب الدورقي، كلاهما عن إسماعيل بن علية، وأخرجه أحمد 2/ 230 عن اسماعيل بن علية. وأخرجه أيضاً 2/ 420 و 422 عن عبد الرزاق - (19877) - عن معمر عن أيوب، مصرحاً فيه بالرفع. وكذلك أخرجه أبو يعلى (6054) والبغوي (3855) من طريق محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة.

المرسل

الْمُرْسَلُ (¬1) 120 - مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ ... مُرْسَلٌ او قَيِّدْهُ بِالكَبِيْرِ 121 - أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ ... وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَالِ ويُجمَعُ عَلَى: مَرَاسِيلَ، ومَراسِلَ، مأخوذٌ مِنَ الإرسالِ، وَهُوَ: الإطلاقُ (¬2). كقوله تَعَالَى: {إنَّا أرْسَلْنَا الشَّياطيْنَ عَلَى الْكَافِرِيْنَ} (¬3). فكأنَّ المُرْسِلَ أطلقَ الإسنادَ (¬4)، وَلَمْ يقيِّدْهُ بجميعِ الرُّواةِ (¬5). (مَرْفُوْعُ تابعٍ) أي: مَا رفعَهُ تابعيٌّ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَريحاً، أَوْ كنايةً، (عَلَى المشْهُوْرِ) عِنْدَ أئمةِ الحَدِيث (¬6) (مُرْسَلٌ). وَقَيَّدَهُ شَيْخُنا (¬7): بِمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ليَخْرُجَ من لَقيَهُ كافراً فسمِعَ مِنْهُ، ثُمَّ أسلمَ بَعْدَ مَوتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وحدَّثَ بما سَمِعَ مِنْهُ، كالتَّنُوخِيِّ رسولِ هِرَقْلَ- ورُويَ: قَيْصَرَ -

_ (¬1) انظر في المرسل: معرفة علوم الحديث: 25، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والتمهيد 1/ 19، وجامع الأصول 1/ 115، ومعرفة أنواع علم الحديث: 147، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 167 - 179، والمجموع شرح المهذب 1/ 60، والتقريب: 54 - 57، والاقتراح: 192، والمنهل الروي: 42، والخلاصة: 65، والموقظة: 38، وجامع التحصيل: 23وما بعدها، واختصار علوم الحديث: 47، والبحر المحيط4/ 403، ونكت الزّركشيّ 1/ 439 - 517، والشذا الفياح 1/ 147 - 156، والمقنع 1/ 129، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 256، ونزهة النظر: 109، ونكت ابن حجر 2/ 504 - 571، والمختصر: 128، وفتح المغيث 1/ 128، وألفية السيوطي: 25 - 29، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 159، وتوضيح الأفكار 1/ 283، وظفر الأماني: 343، وقواعد التحديث: 133، وتوجيه النظر 1/ 399 - 400. (¬2) جامع التحصيل: 14، والنكت لابن حجر 2/ 542. (¬3) مريم: 83. (¬4) النكت لابن حجر 2/ 542. (¬5) في (ص) و (ق): ((بجميع رواته)). (¬6) في (م): ((المحدّثين)). (¬7) انظر: النكت 2/ 544.

فإنَّهُ مَعَ كونِهِ تابعيّاً، محكومٌ لِما سمعَهُ بالاتِّصالِ، لا بالإرسالِ (¬1). وخرجَ بالتابعيِّ، مرسلُ الصَّحَابيِّ، وَسَيأْتِي آخِرَ البابِ، ولاَ فَرْقَ في التَّابِعيِّ بَيْنَ الكبيرِ والصَّغِيرِ. (اوْ) بالدَّرجِ (قَيِّدْهُ) أي: أَوْ المُرْسَلُ مَرْفُوْعُ تابعيٍّ مقيَّدٌ (بالكبيرِ)، فَمَرْفُوعُ الصَّغيرِ لا يُسَمَّى مُرْسَلاً، بَلْ مُنْقَطِعاً (¬2). وظاهرٌ أنَّ ذِكرَ الكبيرِ هُنا، وفَيمَا يأتي جَرى عَلَى الغَالبِ، والمرادُ مَن كانَ جُلُّ روايتِه عَنِ الصَّحابةِ، وفِي كَلامِهم مَا يُشيرُ إِليهِ. (أَوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ) أي: أَوْ المرسلُ: مَا سَقَطَ مِن سَندِهِ راوٍ واحدٌ (¬3)، أَوْ أكثرُ، سواءٌ أكانَ (¬4) مِن أوَّلِهِ، أَمْ آخِرِه، أَمْ بينَهُما؛ فَيَشْمَلُ المنقطعَ، والمعضَلَ (¬5)، والمعلَّقَ. وَهذا مَا حَكَاهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬6) عَنِ الفُقهاءِ والأُصوليِّيْنَ (¬7)، والخَطِيْبِ (¬8). وكذا قَالَ النَّوَوِيُّ: المرسلُ عِنْدَ الفُقهاءِ، والأصوليِّينَ، والخطيبِ، وجماعةٍ مِنَ المُحدِّثينَ: مَا انقطعَ إسْنادُهُ عَلَى أيِّ وجهٍ كَانَ، وَخَالفَنا أكثرُ المحدِّثينَ، فَقَالوا: هُوَ روايةُ التَّابعيِّ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: تدريب الراوي 1/ 196. (¬2) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 258: ((هكذا حكاه ابن عبد البرّ عن قوم من أهل الحديث؛ لأنّ أكثر رواياتهم عَنْ التابعين، وَلَمْ يلقوا من الصّحابة إلا الواحد والاثنين)). التمهيد 1/ 21. وَقَالَ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى ابن الصّلاح2/ 543: ((وَلَمْ أر تقييده بالكبير صريحاً عَنْ أحد، لَكِنْ نقله ابن عَبْد البر عَنْ قوم)). قَالَ ابن الملقن في المقنع1/ 129: ((والمشهور التسوية بَيْن التابعين أجمعين في ذَلِكَ)). وانظر: فتح المغيث 1/ 130. (¬3) في (ق): ((ما سقط راو من سنده واحد)). (¬4) في (ص) و (ق): ((كان)). (¬5) ((المعضل)): سقطت من (ع). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 149. (¬7) انظر: المستصفى 1/ 169، وإحكام الأحكام 2/ 112، وكشف الأسرار 3/ 722. (¬8) الكفاية: (58 ت، 21 هـ‍). (¬9) المجموع 1/ 60.

فالمرسلُ (ذو أقوالِ) ثلاثةٍ، الثَّاني: أضيقُها، والثالثُ: أوسعُها، (والأوَّلُ الأكثرُ في استعمالِ) أهلِ الحَدِيثِ. وَمَا رَواهُ تابِعُ التَّابِعيِّ يُسمُّونَهُ مُعضَلاً. قَالَ النّاظمُ (¬1): وَسَيَجيئُ في التَّدليسِ، عَنِ ابنِ القَطَّانِ (¬2)، أنَّ الإرْسَالَ: روايتُه عَمّن لَمْ يسمَعْ مِنْهُ. فَعليهِ: مَنْ روى عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مَا لَمْ يَسمعْ مِنْهُ، بَلْ بينَهُ وبينَهُ فِيهِ واسِطةٌ، لَيْسَ بإرسالٍ، بَلْ تدليسٌ، وَعَلَيْهِ فيكونُ هَذَا قولاً رابعاً. انتهى. والأوجهُ أنْ يجعَلَ مقيَّداً للثالثِ، بِأَنْ يُقالَ: مَا سَقطَ مِنْهُ راوٍ (¬3) فأكثرُ وخلا عَنِ التدليسِ. نَعَمْ، قِيلَ المُرسلُ هُوَ المنقطعُ، وَهُوَ: مَا سقطَ مِنْهُ راوٍ واحدٌ، فَعَليهِ، يَكُونُ هَذَا قولاً رابعاً (¬4). 122 - وَاحتَجَّ (مَاِلِكٌ) كَذا (النُّعْمَانُ) ... وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا 123 - وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ؛ ... لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَادِ 124 - وَصَاحِبُ "التَّمهيدِ" عَنهُمْ نَقَلَهْ ... وَ (مُسْلِمٌ) صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ (واحتجَّ) الإمامُ (مَالِكٌ) -هُوَ ابنُ أنسٍ- في المشهورِ عَنْهُ، و (كَذَا) أَبُو حنيفةَ (النعمانُ) ابنُ ثابتٍ، (وتابِعُوهُما) من الفقهاءِ، والأصوليينَ، والمحدّثينَ (¬5) (بِهِ) أي: بالمرسلِ، واحتجَّ بِهِ أَيْضاً: أَحْمَدُ في أشهرِ الرِّوايتينِ (¬6) عَنْهُ، (ودانوا) بِهِ أي: جَعَلُوهُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة1/ 260. قال البقاعي: 116/أ: ((ليس كذلك، بل التحقيق: أنه مقيّد للقول الثّالث؛ كأنه لما قالوا مَا سقط من إسناده راوٍ فأكثر، قَالَ: بشرط أن لا يَكُون تدليساً، فيحمل ذَلِكَ الإطلاق عَلَى كلامه. وإنما القَوْل الرابع الذي لابدّ مِنْهُ: قَوْل من يسوي بَيْن المُرْسَل والمنقطع ... إلى آخر الكلام)). (¬2) انظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 105 عقب (2357). (¬3) في (ق): ((راوٍ واحد)). (¬4) في (م): ((فعليه هذا يكون رابعاً))، وقد سقطت هذه الجملة (ق)، وفي (ص): ((فعليه يكون هَذَا رابعاً))، والمثبت من (ع). (¬5) انظر: الكفاية (547 ت، 384 هـ‍)، والتمهيد 1/ 3 - 6. (¬6) وإليه ذهب جمهور المعتزلة وهو اختيار الآمدي، وفصّل عيسى بن أبان -من أئمة الحنفية- فقبل مراسيل القرون الثلاثة الخيرة ومرسل من هو من أئمة النقل مطلقاً، وهذا ما صححه النسفي. وبالغ قوم فعدّوا=

ديناً يدينونَ بِهِ (¬1) في الأَحْكامِ، وغَيرِهَا. (وَرَدَّهُ) أي: الاحتجاجَ بِهِ (جماهِرُ)، بحذفِ الياءِ تخفيفاً، جمعُ جُمْهُورٍ أي: مُعْظَمُ (النُّقَّادِ) مِنَ المُحدِّثينَ؛ كالشافعيِّ (¬2)، وَحَكَمُوا بَضعفِهِ (لِلجَهْلِ بالسَّاقِطِ في الإسْنَادِ) (¬3). فإنَّه يَحْتمِلُ أنْ يَكُونَ تَابعيّاً، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّابِعيُّ ضَعِيْفاً (¬4) وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ ثِقَةً، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُوِى عَنْ تابعيٍّ أَيْضاً، فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ضَعِيْفاً، وَهكذا إلى الصَّحَابيِّ، وإنِ اتَّفقَ أنَّ الذي أرْسلَهُ كَانَ لا يَرْوِي إلاّ عَنْ ثِقَةٍ؛ إِذْ التَّوثيقُ فِي المُبْهَمِ غَيْرُ كافٍ، كَمَا سيأتي. (وَصَاحِبُ الَّتمْهيدِ) وَهُوَ ابنُ عبدِ البَرِّ (عَنْهُمْ) أي: عَنِ المُحدِّثينَ (نَقَلَهْ) أي: ضَعْفَ المُرْسَلِ (¬5). (وَمُسْلِمٌ صَدْرَ الكتابِ) الذي صَنَّفَهُ فِي الصَّحِيحِ، (أَصَّلَهْ) أي: جَعَلَ رَدَّ الاحتجاجِ بِهِ أصْلاً، حَيْثُ قَالَ عَلَى وَجْهِ الإيرادِ عَلَى لِسانِ خَصْمِهِ الذي رَدَّ هُوَ عَلَيْهِ اشتراطِ ثُبوتِ اللِّقاءِ: ((والمرسلُ في أصْلِ قَوْلِنا، وقولِ أَهْلِ العِلْمِ بالأخبارِ، لَيْسَ بحُجَّةٍ)) (¬6)، ¬

_ = المرسل أقوى من المسند؛ لأن من أرسل فَقَدْ تكفل، ومن أسند فَقَدْ أحال، واحتجوا: بحسن الظن بالمرسل وأنه لا يرسل إلا عَنْ ثِقَة، فإنه إن كَانَ عدلاً لَمْ يجز لَهُ إسقاط الواسطة وَهُوَ يعلم أنه غَيْر عدلٍ؛ لأن هذا قادح في عدالة المرسل. انظر: التبصرة في أصول الفقه: 326، والمحصول 2/ 224، وشرح تنقيح الفصول: 379، وإحكام الأحكام 2/ 112، والمجموع 1/ 60، وكشف الأسرار للنسفي 2/ 42، والإبهاج 2/ 112، والبحر المحيط 4/ 409. وانظر: رد الخطيب البغدادي على أصحاب القول الثّاني في الكفاية: (551 ت، 387 هـ‍). (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 261. (¬2) انظر: الرسالة: 464. (¬3) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 263: ((هو تعليلٌ لردّ المرسل، وذلك أنه تقدم أنّ من شرط الحديث الصّحيح ثقة رجاله. والمرسل سقط منه رجل لا نعلم حاله فعدم معرفة عدالة بعض رواته، وإن اتفق أنّ الذي أرسله كان لا يروي إلا عن ثقة، فالتوثيق في الرجل المبهم غير كافٍ)). (¬4) نزهة النظر: 110. (¬5) التمهيد 1/ 5 - 6. ونقل الزّركشيّ 1/ 498 عن ابن خلفون أنه قال في المنتقى: ((ولا اختلاف أعلمه بينهم أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير متجوز يرسل عن غير الثقات)). (¬6) الجامع الصحيح 1/ 24. وقد اعترض بعضهم على ابن الصّلاح بأن مسلماً حكى هذا القول على لسان خصمه، وليس هو قولاً له؟ = =قال الزّركشيّ 1/ 497: (إنه وإن حكاه عن لسان خصمه لكن لمّا لم يعترض عليه بشيء فكأنه ارتضاه؛ فلهذا ساغ لابن الصّلاح عزوه إليه، ويؤيده قول التّرمذي: ((الحديث إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث))).

وأَقرَّهُ حِيْنَ رَدَّ كلامَهُ (¬1). وَمَا احْتُجَّ بِهِ للقولِ الأوَّلِ مِن أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَثْنى عَلَى عَصْرِ التَّابِعين (¬2)، وَشَهِدَ لَهُ بالخيريَّةِ، ثُمَّ لِلْقَرْنَيْنِ بَعْدَ قَرْنِ الصَّحَابَةِ، ومِنْ أنَّ تَعالِيقَ البُخَارِيِّ المجزومةَ (¬3)، مَحْكُومٌ بَصِحَّتِهَا. رُدَّ: بأنَّ الحَدِيثَ محمولٌ عَلَى الغالبِ، وإلاّ فَقَدْ وُجِدَ فِي القَرْنَيْنِ مَنْ هُوَ مُتَّصفٌ بالصِّفاتِ المذْمُومةِ. وَتَعاليقُ البُخَارِيِّ قَدْ عُلِمَتْ صِحَّتُهَا (¬4)، مِن شَرْطِهِ فِي الرِّجالِ، وَتَقْييدِهِ بالصَّحةِ، بخِلافِ التَّابِعينَ. 125 - لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ ... بمُسْنَدٍ أو مُرْسَلٍ يُخْرِجُهُ 126 - مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الأوَّلِ ... نَقْبَلْهُ، قُلْتُ: الشَّيْخُ لَمْ يُفَصِّلِ 127 - و (الشَّافِعِيُّ) بِالكِبَارِ قَيَّدَا ... وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا 128 - وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ ... وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظِ (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 262 - 263. (¬2) في (ق): ((عصر الصّحابة والتابعين)). (¬3) في (ق): ((مجزومة)). (¬4) جملة ما في صحيح البخاريّ من التعاليق واحد وأربعون وثلاث مئة وألف حديث، وغالبها مكرر مخرّج في الكتاب أصوله أو متونه، وليس في الكتاب من المتون التي لم تخرج ولو من طريق أخرى إلا مئة وستون حديثاً. وقد جمع الحافظ ابن حجر هذه التعاليق ووصلها في كتاب مستقل سماه " تغليق التعليق "، وهو مطبوع متداول. (¬5) قال البقاعي: 117/ ب: ((حكي عن شيخنا البرهان الحلبي أنه قال: بقي على شيخنا - يعني: العراقي - في كلام الشافعي الذي ساقه في جواز العمل بالمرسل شرطان آخران وقد نظمتها فقلت: أو كان قول واحد من صحب ... خير الأنام عجم وعرب أو كان فتوى جل أهل العلم ... وشيخنا أهمله في النظم أي: أهمل المذكور وهو الشرطان المذكوران)).

(لكِنْ إذَا صَحَّ لَنَا) أي: أيُّها المُحدِّثُونَ خُصوصاً: الشافعيَّةُ تَبَعاً لإمامِهِم (مَخْرَجُهُ) أي: اتِّصالُ المرسلِ (بمسنَدٍ) يَجِيءُ مِن وَجْهٍ آخرَ، صَحِيْحٍ، أَوْ حَسَنٍ، أَوْ ضَعِيْفٍ يَعْتضِدُ بِهِ، (أَوْ مُرْسَلٍ) آخرَ (يُخْرِجُهُ) أي: يُرْسِلُهُ (مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ) أي: شيوخِ راوِي المُرْسَلِ (الأَوَّلِ)، حَتَّى يظنَّ عَدمُ اتحادِهِما، (نَقْبَلْهُ) بجزْمِهِ جَواباً لِـ ((إذَا)) عَلَى مَذْهَبِ الكُوفيينَ، والأخفشِ (¬1)، وَعَلى مَذْهَبِ غيرِهِم للوزن، كقولِ شاعرٍ (¬2): وإِذا (¬3) تُصِبْكَ مُصِيبةٌ فاصْبِرْ لَهَا ... وإذا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ (¬4) فَتَجَمَّلِ (¬5) (¬6) وكذا نَقْبَلُهُ إذَا اعْتَضَدَ بموافقةِ قَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَوْ بِفَتْوى عَوامِّ أَهْلِ العِلْمِ (¬7)، وقوَّة هذِهِ الأربعةِ مُترتِّبةٌ بترتيبها المذكورِ. (قَلْتُ: الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (لَمْ يُفَصِّلِ) في المُرْسَلِ المعتضدِ بَيْن كبارِ التَّابعينَ، وصِغارِهم (¬8)، وَكَأنَّه بَنَاهُ عَلَى المشْهورِ في تَعْريفِهِ، كَمَا مَرَّ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 264. (¬2) في (ص) و (ق): ((الشاعر)). وفي (ع): ((الشاعرة)). (¬3) في (م): ((وإذ))، وما أثبتناه من بقية النسخ، وهو الموافق لرواية البيت. (¬4) الخصاصة: هي الفقر، وكذا الخصاص. البقاعي: 117/ أ. (¬5) من (ق) و (م)، وفي (ص) و (ع): ((فتحمل))، وكلاهما صحيح؛ لأن البيت ورد بالروايتين، وقوله: ((فتجمل)) أي: فأظهر الجميل ولا تشك حالك إلى غير الذي خلقك. البقاعي: 117/ أ. (¬6) هذا البيت عزاه محقق مغني اللبيب: 128 لعبد القيس بن خفاف، وقيل لحارثة بن بدر، وهو من البحر الكامل؛ ولكن صدره: استغن ما أغناك ربك بالغنى وفي (ع) حاشية نصها: ((وقوله: وإذا تصبك ... الخ عجز بيت صدره: استغن ما أغناك ربك بالغنى، فعلى أنه قصد الاستشهاد بكل من الشطرين من غير قصد أنهما بيت واحد، وإن أوهمته عبارته)). (¬7) في (ع): ((البلد)). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 152. وقد اعترض بعضهم أن المرسل - وهو ضعيف - كيف يتقوى بمرسل آخر، وهو ضعيف أيضاً، وقد أجاب الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصّلاح 2/ 566 على هذا الاعتراض فقال: ((إن المجموع حجة لا مجرد المرسل وحده، ولا النظم وحده، فإن حالة الاجتماع تثير ظناً غالباً وهذا شأن لكل ضعيفين اجتمعا)).

(وَ) الإمامُ (الشَّافعيُّ) -الذي أخذَ ابنُ الصَّلاحِ من كَلامِهِ ذَلِكَ- (بِالكِبَارِ) مِنْهُمْ، (قَيَّدَا) المُعْتَضِدَ. (وَمَنْ) أي: وقيَّدَهُ أَيْضاً بمَنْ (رَوَى) مِنْهُمْ (عَنِ الثِّقاتِ أَبَدا)، بحيثُ إذَا سمَّى مَنْ روى عَنْهُ، لَمْ يُسَمِّ مَجْهُوْلاً، ولا مَرْغُوْباً عَنِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ (¬1). وَلاَ يَكْفِي قَولُهُ: ((لَمْ آخُذ إلاّ عَنِ الثِّقاتِ))، كَمَا تقدَّمتِ الإشَارةُ إِليهِ. وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعيدِ بنِ المسيِّبِ، ومُرْسَلِ غَيْرِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "مَجْمُوْعِهِ" (¬2): وَمَا اشتهرَ عِنْدَ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنا من أنَّ مُرْسَلَ سعيدٍ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعيِّ، لَيْسَ كَذلِكَ، بَلْ مُرْسَلُهُ كَمُرْسَلِ غَيْرِهِ، والشَّافِعيُّ إنَّما احْتَجَّ بمراسِيلِهِ التي اعْتَضدَتْ بِغيْرِها، كَمَا قَالَهُ البَيْهَقِيُّ (¬3) والخطيبُ البغداديُّ (¬4) وغيرُهُما. ثُمَّ قَالَ: وأَمّا قَوْلُ القَفَّالِ: قَالَ الشَّافِعيُّ: ((مُرْسَلُ سَعيدٍ عِنْدَنا حُجَّةٌ)) فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ (¬5) ¬

_ (¬1) الرسالة: 463، وانظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 267. (¬2) المجموع 1/ 61. (¬3) عزا الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 265 قول البيهقيّ هذا في المدخل. ولم نجده فيه، ولعله مما سقط منه. (¬4) الكفاية: (572 ت، 405 هـ‍). (¬5) قال الإمام النوويّ: ((اشتهر عند فقهاء أصحابنا أنّ مرسل سعيد بن المسيّب حجّة عند الشافعيّ، حتى أنّ كثيراً منهم لا يعرفون غير ذلك، وليس الأمر على ذلك، وإنّما قال الشافعي - رحمه الله - في مختصر المزني: وإرسال سعيد بن المسيب عندنا حسنٌ، فذكر صاحب المهذب وغيره من أصحابنا في أصول الفقه في معنى كلامه وجهين لأصحابه. منهم من قال: مراسيله حجة لأنّها فتشت فوجدت مسانيد. ومنهم من قال: ليست بحجة عنده بل هي كغيرها على ما نذكره، وإنّما رجّح الشافعي به والترجيح بالمرسل صحيح. وحكى الخطيب أبو بكر هذين الوجهين لأصحاب الشافعي، ثم قال: الصحيح من القولين عندنا الثاني؛ لأنّ في مراسيل سعيد مَا لَمْ يوجد مسنداً بحال من وجهٍ يصحّ، وقد جعل الشّافعيّ لمراسيل كبار التابعين مزية على غيرهم كما استحسن مرسل سعيد. وروى البيهقي في مناقبه بإسناده عن الشافعي كلاماً طويلاً، حاصله: أنّه يقبل مرسل التابعي إذا أسنده حافظ غيره أو أرسله من أخذ عن غير رجال الأول أو كان يوافق قول بعض الصحابة، أو أفتى عوام أهل العلم بمعناه. =

الذِي قدَّمناهُ عَنِ البَيْهَقِيِّ، والخطيبِ والمحقِّقينَ (¬1). قَالَ البَيْهَقِيُّ: وَزِيَادةُ سَعيدٍ فِي هَذَا البابِ عَلَى غَيرِهِ فِيهِ (¬2) أنَّه أصحُّ التَّابِعينَ إرْسَالاً فِيْمَا زَعَمَ الحُفَّاظُ (¬3). (وَمَنْ) أي: ومَنْ (¬4)، قَيَّدهُ أَيْضاً بمَنْ (إذَا شَارَكَ) مِنْهُمْ (أَهْلَ الحِفْظِ) فِي أحادِيثِهِم، (وَافَقَهُمْ) فَيْهَا، وَلَمْ يُخَالِفْهُم (إلاَّ بِنَقْصِ لَفْظِ) مِن ألْفَاظِهمْ، بحيثُ لاَ يَخْتَلُّ بِهِ المعْنى؛ فَإنّهُ لاَ يَضُرُّ فِي قَبولِ مُرسَلِهِ، وَهَذا آخِرُ زيَادَةِ الناظِم (¬5). ثُمَّ المُرْسَلُ لاَ يَنْحَصِرُ اعْتِضَادُهُ فِيْمَا ذكرَ، بَلْ يعتضِدُ بغيرِهِ، كقياسٍ، وفعلِ صَحَابِيٍّ، وَعَملِ أَهْلِ العَصْرِ. وكُلُّ مَا اعتضدَ بِهِ المُرْسَلُ، فَهُوَ دالٌّ عَلَى صِحَّةِ مخرجِهِ، فيحتجُّ بِهِ، وَلاَ يحتجُّ بما لَمْ يعتضِدْ. ¬

_ = ثم قال البيهقي: فالشافعي يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها، فإن لم ينضم إليها ما يؤكدها لم يقبلها، سواء كان مرسل ابن المسيب أو غيره. قال: وقد ذكرنا مراسيل لابن المسيب لم يقل بها الشافعي حين لم ينضم إليها ما يؤكدها، ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها. قال: وزيادة ابن المسيب على غيره في هذا أنّه أصحّ التابعين إرسالاً فيما زعم الحفّاظ فهذا كلام الخطيب والبيهقي وإليهما المنتهى في التحقيق ومحلهما من العلم. بنصوص الشافعي ومذهبه وطريقته معروف. وأما قول الإمام أبي بكر القفال المروزي في أول شرح التلخيص: قال الشافعي في الرهن الصغير: مرسل ابن المسيب عندنا حجة. فهو محمول على ما ذكره البيهقي والخطيب)). انتهى كلام الإمام النووي. ولكن! اعترض عليه العلائي في " جامع التحصيل " على قوله بالتسوية بين مراسيل سعيد ابن المسيب ومراسيل غيره، وتكلّم بكلام نفيس، لا يسع المقال لنقله هنا، فراجعه تجد فائدة -إن شاء الله تعالى-. انظر: مختصر المزني: 78، ومناقب الشافعي 2/ 31، والكفاية: (571 - 572 ت، 404 - 405 هـ‍)، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 175 - 178، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 221، وجامع التحصيل: 46. (¬1) المجموع 1/ 62. (¬2) ((فيه)): سقطت من (ق). (¬3) السّنن الكبرى 6/ 42 و 10/ 260. (¬4) كلمة ((من)): لم ترد في (ص). (¬5) في (ق): ((النظم)).

نَعَم: قَالَ التاجُ السُّبْكِيُّ: إنْ دَلَّ عَلَى مَحْظُوْرٍ، وَلَمْ يُوجدْ غيرُهُ؛ فالأظهرُ: وُجوبُ الانكفافِ (¬1). يَعْني: احْتِياطاً، وَفِي كَلامِ الإمامِ مَا يُؤيِّدُهُ. 129 - فَإنْ يُقَلْ: فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ ... فَقُلْ: دَلِيْلانِ بِهِ يَعْتَضِدُ 130 - وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً (عَنْ رَجُلِ) ... وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ: بِالمُرْسَلِ 131 - أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ (فَإنْ يُقَلْ): إذَا اعْتَضَدَ المُرْسَلُ بمسْنَدٍ، (فَالمُسندُ) هُوَ (المُعْتَمَدُ) عَلَيْهِ فِي الاحْتِجَاجِ بِهِ، فَلاَ حَاجَةَ للمُرسَلِ. (فَقُلْ) أخذاً مِن كَلامِ ابنِ الصَّلاحِ: هُمَا (دَليْلاَنِ) إِذِ المُسْنَدُ إنْ كَانَ يُحْتَجُّ بِهِ مُنْفرداً دَليلٌ بِرِأسِهِ، والمُرْسَلُ (بِهِ) أي: بِالمُسنَدِ (¬2) (يَعْتَضِدُ)، ويصيرُ دَليلاً آخرَ؛ فَيُرَجَّحُ بهما عِنْدَ مُعارضَةِ حديثٍ واحدٍ (¬3). عَلَى أنَّ الإمَامَ الرَّازِيَّ، خَصَّ الكلامَ بِمُسْنَدٍ لا يُحْتَجُّ بِهِ مُنْفَرِداً، كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْهُ (¬4). وَعَلَيْهِ يَكُونُ اعتضَادُهُ بِهِ، كاعتضادِهِ بمُرسَلٍ آخرَ؛ فَيَكونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعْتَضِداً بالآخَرِ، وحُجَّةً بِهِ. (ورَسَمُوا) أي: سَمّى جَمَاعَةٌ مِنَ المُحدِّثينَ (¬5) (مُنْقَطِعاً)، قولَهُم (¬6): (عَنْ رَجُلِ)، ¬

_ (¬1) جمع الجوامع مع شرح المحلي 2/ 171. (¬2) انظر: المدخل إلى السّنن: 93، والاعتبار: 9 - 10، المجموع 1/ 62، وجامع التحصيل: 41، والتقييد والإيضاح: 86. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 270. (¬4) النكت لابن حجر 2/ 567. (¬5) فقد قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 28: ((لا يسمّى مرسلاً، بل منقطعاً)). وتابعه على ذلك تلميذه البيهقيّ في السّنن الكبرى 4/ 54 و 7/ 134. وكلام ابن القطان في كتاب " بيان الوهم والإيهام " 5/ 208 عقب (2421) يفهم منه أنه منقطع. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 270. (¬6) في (ع) حاشية نصها: ((قوله: ((منقطعاً)) مفعول ثانٍ لـ: رسموا، قوله: ((قولهم)) مفعول أول لـ: رسموا)).

أَوْ شَيْخٍ، أَوْ نَحْوِهِ، مما هُوَ مُبْهَمٌ: فَلَمْ يُسمُّوهُ بالمُرْسَلِ، (وَفِي) كُتُبِ (الأُصُولِ)، كَالبُرهانِ لإمامِ الحَرمينِ (¬1)، (نَعْتُهُ:) أي: تَسْمِيَتُهُ (بالمُرْسَلِ). قَالَ النَّاظِمُ: وَكُلٌّ مِنْ هذينِ القَوْلينِ خِلافُ مَا عَلَيْهِ الأكْثرُ، فإنَّ الأكثرَ عَلَى أنَّ هَذَا مُتَّصِلٌ، في إسنَادِهِ مَجْهُوْلٌ (¬2). أي: مُبْهَمٌ، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِما إذَا لَمْ يُسَمِّ المُبْهَم في رِوَايَةٍ أُخْرَى، وإلاّ فَلا يَكُونُ مَجْهُوْلاً، وَبِما إذَا صَرَّحَ مَنْ أبهَمَهُ بالتَّحدِيثِ، ونحوِهِ، وإلاّ فَلا يَكُونُ حديثُهُ مُتَّصِلاً؛ لاحتمالِ أنْ يَكُونَ مُدَلِّساً. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الرَّاوي عَنْهُ غَيْرَ تَابِعِيٍّ، أَوْ تابعيّاً، وَلَمْ يَصِفْهُ بالصُّحبَةِ، وإلاَّ فَالحَدِيثُ صَحِيْحٌ؛ لأنَّ الصَّحَابَةَ كلُّهم عُدولٌ (¬3). وَوَقَعَ فِي كَلامِ البَيْهَقِيِّ تَسْمِيَتُهُ أَيْضاً: مُرْسَلاً، وَمُرادُهُ (¬4) مجرَّدُ التَّسْمِيةِ، وإلاّ فَهُوَ حُجَّةٌ، كَمَا صرَّحَ بِهِ فِي مَوْضعٍ؛ كَالبُخاريِّ (¬5). لكنْ قَيَّدَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعيَّةِ، بِأنْ يُصَرِّحَ التَّابِعيُّ بالتَّحدِيثِ، ونحوِهِ، فإنْ عَنْعَنَ فَمُرْسَلٌ، لاحتمالِ أنَّهُ رَوى عَنْ (¬6) تابعيٍّ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ، وَكَلامُ مَنْ أطلقَ مَحْمُوْلٌ عَلَيْهِ (¬7). وَتَوقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا (¬8)؛ لأنَّ التَّابِعيَّ إذَا كَانَ سَالِماً مِنَ التَّدليْسِ، حُمِلَتْ عَنْعَنَتُه عَلَى السَّمَاعِ. ¬

_ (¬1) البرهان 1/ 407 (573)، وعبارته: ((ومن الصور أن يقول الراوي: أخبرني رجل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو عن فلان الراوي من غير أن يسميه)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 271، والتقييد: 73 - 74. وحكاه الرشيد العطّار عن الأكثرين، واختاره العلائي. انظر: غرر الفوائد المجموعة: 130، جامع التحصيل: 96. (¬3) انظر: محاسن الاصطلاح: 142 - 143، وفتح المغيث 1/ 169. (¬4) في (ص): ((ومرّ أن)). (¬5) انظر: فتح المغيث 1/ 169. (¬6) في (م): ((من)). (¬7) التقييد والإيضاح: 74. (¬8) نزهة النظر: 111.

المنقطع والمعضل

(أمَّا) الحَدِيثُ (الذي أَرْسَلَهُ الصَّحَابيْ) بأَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إلاّ بِواسِطَةٍ، كَبيراً كَانَ - كابنِ عُمَرَ، وَجَابرٍ - أَوْ صغيراً - كابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ - (فَحُكْمُهُ) وإنْ كَانَ مُرْسَلاً؛ (الوَصْلُ)، فَيُحْتَجُّ بِهِ (عَلَى الصَّوَابِ)؛ لأنَّ غَالِبَ رِوايتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وهُمْ عُدولٌ لا يَقْدَحُ (¬1) فيهِمُ الجَهَالةُ بأعْيَانِهِم (¬2). وَقَوْلُ الأُستاذِ أبي إسحاقَ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَغَيرِهِ (¬3): ((أنَّهُ لا يُحتجُّ بِهِ)) ضَعِيْفٌ كَمَا أَشَارَ النَّاظِمُ إلى حِكَايتِهِ، وَرَدَّهُ بِتَعْبيرِهِ: بالصَّوابِ (¬4). نَعَمْ، مَنْ أُحضِرَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - غيرَ مميِّزٍ، ك‍: عُبيدِ اللهِ بنِ عَديِّ بنِ الخِيَارِ (¬5)، فَمُرسَلُهُ غيرُ صَحِيْحٍ (¬6) فَلاَ يُحتجُّ بِهِ. الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ (¬7) 132 - وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ: الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ ¬

_ (¬1) في (م): ((لا تقدح)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 154، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 272. (¬3) لم ينفرد أبو إسحاق بهذا، بل قال به القاضي أبو الطيب الباقلاني - إلا أن يخبر أنّه لا يروي إلا عن الصحابة - واختاره الغزالي في المستصفى، ونقله ابن بطّال عن الشافعي، وصحّحه ابن برهان، وقال القاضي عبد الوهاب أنّه الظاهر من مذهب الشافعي، وإليه ذهب أبو طالب والحسن الرصاص من أئمة الزيدية، وقال المنصور بالله - منهم -: إنّ عنعنة الصحابي محتملة للاتصال والانقطاع. انظر: التبصرة في أصول الفقه: 326، والمستصفى 1/ 169 - 170، وجامع التحصيل: 36، والنكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 547، وتوضيح الأفكار 1/ 335. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 272، وتدريب الراوي 1/ 207. (¬5) بكسر المعجمة وتخفيف التحتانية. التقريب (4320). (¬6) في (ص): ((فمرسله غير محتج به)). (¬7) انظر في المنقطع: ... معرفة علوم الحديث: 27 - 29، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والتمهيد 1/ 21، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 155، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 180 - 182، والتقريب: 58، والاقتراح: 192 - 193، والمنهل الروي: 46 - 47، والخلاصة: 68 - 69، والموقظة: 40، وجامع التحصيل: 31، واختصار علوم الحَدِيْث: 50 - 51، ونكت الزّركشيّ 2/ 5 - 13، والشذا الفياح 1/ 157 - 158، والمقنع 1/ 141، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 273، ونزهة النظر: 112، ونكت ابن حجر= =2/ 572 - 574، والمختصر: 131 - 132، وفتح المغيث 1/ 149، وألفية السيوطي: 24، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 163، وتوضيح الأفكار 1/ 323، وظفر الأماني: 354 - 355، وقواعد التحديث: 130. وانظر في المعضل: ... معرفة علوم الحديث: 36، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 159، والإرشاد 1/ 183، والتقريب: 59، والاقتراح: 192، والمنهل الروي: 47، والخلاصة: 68، والموقظة: 40، وجامع التحصيل: 32 - 96، واختصار علوم الحديث: 51، ونكت الزّركشيّ 2/ 14 - 66، والشذا الفياح 1/ 159 - 172، والمقنع 1/ 145، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 273، ونزهة النظر: 112، ونكت ابن حجر 1/ 575 - 614، والمختصر: 131، وفتح المغيث 1/ 149، وألفية السيوطي: 24، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 163، وتوضيح الأفكار 1/ 323، وظفر الأماني: 355، وقواعد التحديث: 130، وتوجيه النظر 1/ 405 - 408.

133 - وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَقَالا: ... بِأنَّهُ الأقْرَبُ لا استِعمَالا 134 - وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِداً، وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَانِ 135 - حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا (وَسَمِّ بالْمُنْقَطِعِ) عَلَى المشْهُورِ (الَّذِي سَقَطْ قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ) أي: مِنْ سَنَدِهِ (راوٍ فَقَطْ) في المَوضِعِ الوَاحِد مِنْ أيِّ مَوْضِعٍ كَانَ (¬1). وإنْ تَعدَّدتِ المَواضِعُ بحَيثُ لاَ يزيدُ السَّاقِطُ فِي كُلٍّ مِنْها عَلَى واحدٍ؛ فَيَكُونُ مُنْقَطِعاً مِن مَواضِعَ. وخرجَ بالواحدِ: ((المُعْضَلُ))، مَعَ أنَّ الحاكِمَ يُسمِّيهِ مُنْقَطِعاً أَيْضاً، وبما قَبْلَ الصَّحَابيِّ: ((المُرْسَلُ)) (¬2). (وَقِيلَ): المُنْقَطِعُ (مَا لَمْ يَتَّصِلْ) سَنَدُهُ، وَلَوْ سَقَطَ مِنْهُ أكثرُ مِن واحدٍ؛ فَيَدخُلُ فِيهِ المُرْسَلُ، والمُعْضَلُ، والمعلَّقُ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274. (¬2) معرفة علوم الحديث: 28. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274 - 275.

(وَقَالا) بِألِفِ الإطْلاقِ - أي: ابنُ الصَّلاح (¬1): (بأنَّهُ) أي: الثَّانِي (الأقرَبُ) مَعْنًى؛ فإنَّ الانقطاعَ ضدُّ الاتِّصالِ، فيَصْدُقُ بالواحدِ، وبالجميعِ (¬2) وبما بَينَهُما. قَالَ: ((وَقَدْ صَارَ إِليهِ طَوائفُ مِنَ الفُقَهاءِ، وغيرِهِم)) (¬3). (لاَ استِعْمَالا)، بَلْ أكثرُ استعمالِهِم فِيهِ: القولُ الأَوَّلُ؛ فأكثرُ مَا يستعملُ فِيهِ المُنْقَطِعُ مَا رواهُ مَنْ دونِ التَّابِعيِّ، عَنْ الصَّحَابيِّ، كمالكٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، وأكثرُ مَا يستعملُ فِيهِ المُرْسَلُ مَا رَواهُ التَّابِعيُّ، عَنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). (والمُعْضَلُ) - بَفَتْحِ الضَّادِ - مِن ((أعْضَلَهُ فَلاَنٌ)) أي: أَعْيَاهُ، فَهُوَ مُعْضَلٌ أي: مُعْياً، فكأنَّ المحدِّثَ الذي حدَّثَ بِهِ أَعْضَلَهُ، وأَعْيَاْهُ؛ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ (¬5) مَن يَرويهِ عَنْهُ. هَذَا مَعْناهُ لُغةً (¬6). ومعناهُ اصطلاحاً: (السَّاقِطُ مِنْهُ) أي: مِنْ سَنَدِه (اثنانِ فَصَاعِداً) - بِنَصْبِهِ بالحاليةِ - أي: فَذَهَبَ السقوطُ صاعداً في الموضعِ الواحدِ مِن أيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وإنْ تعدّدتِ المواضعُ، سواءٌ كَانَ (¬7) السَّاقِطُ الصَّحَابِيَّ والتَّابِعيَّ، أَمْ غَيْرهمَا (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 158، وسبقه الخطيب البغدادي إلى هذا، انظر: الكفاية: (58ت، 21هـ‍). (¬2) في (ص): ((وبالجمع)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 158. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 158، والمصنف العراقي - رحمه الله - لم يتعرض لحكم المنقطع، وهو مقلدٌ في هذا لابن الصّلاح وقد تعقب تلميذُ المصنف الحافظُ ابنُ حجر ابنَ الصّلاح في عدم ذكره حكم المنقطع فقال في النكت 2/ 573: ((ثمّ إن المصنف لم يتعرض لحكم المنقطع كما تعرض لحكم المرسل، وحكاية الخلاف في قبوله ورده)). (¬5) ((به)): سقطت من (ق). (¬6) انظر: لسان العرب 11/ 452 (عضل). وانظر: نكت الزّركشيّ 2/ 15، ومحاسن الاصطلاح: 147، والتقييد والإيضاح: 81، ونكت ابن حجر 2/ 580، والنكت الوفية: 126/ أ، وفتح المغيث 1/ 151. (¬7) في (م): ((أكان)). (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275.

فَيدْخلُ فِيهِ - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬1) - قولُ المصنِّفينَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أي: كَمَا قِيلَ بِمِثلِهِ في المُرْسَلِ والمُنْقَطِعِ. وَقَولُه: ((إنَّ المُعْضَلَ لَقَبٌ لِنوعٍ خَاصٍّ مِنَ المُنْقَطِعِ؛ فَكُلُّ مُعْضَلٍ مُنْقَطِعٌ، ولا عَكْسَ)) (¬2) إنَّما يأتي عَلَى القولِ الثَّانِي في المُنْقَطِعِ. واعلَمْ: أنَّ المُعْضَلَ يُقالُ للمُشْكِلِ أَيْضاً، وَهُوَ حينئذٍ بكسرِ الضادِ، أَوْ بفتحِها، عَلَى أنَّه مُشتركٌ، نبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنا (¬3). (وَمِنْهُ) أي: مِنَ المعضلِ (قِسْمٌ ثَانِ)، وَهُوَ: (حَذْفُ النَّبيِّ) - صلى الله عليه وسلم -، (والصَّحَابيِّ) - رضي الله عنه - (مَعَا، وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَن تَبِعَا) أي: عَلَى التَّابِعيِّ (¬4). كقولِ الأعمشِ، عَنِ الشَّعْبيِّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ((عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا، فَيَقُوْلُ: مَا عَمِلْتُهُ؛ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيْهِ، فَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ أَوْ لسَانُهُ، فَيَقُوْلُ لِجَوَارِحِهِ: أبْعَدَكُنَّ الله مَا خَاصَمْتُ إلاّ فِيْكُنَّ)). رَواهُ الحَاكِمُ (¬5). وَقَالَ عَقِبَهُ (¬6): أَعْضَلَهُ الأعمشُ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّعْبيِّ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ، رواهُ مُسْلِمٌ (¬7) مِن حَدِيثِ فُضَيْلِ بنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 161. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 161. (¬3) النكت لابن حجر 2/ 580 - 581، وتدريب الراوي 1/ 211، وانظر: محاسن الاصطلاح: 147، والنكت الوفية: 126/ أ. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 278. قال ابن حجر 2/ 581: ((مراده بذلك تخصيص هذا القسم الثّاني من قسمي المعضل، بما اختلف الرواة فيه على التّابعيّ، بأن يكون بعضهم وصله مرفوعاً، وبعضهم وقفه على التّابعيّ، بخلاف القسم الأوّل فإنه أعم من أن يكون له إسناد آخر متصلاً أم لا)). (¬5) معرفة علوم الحديث: 38. (¬6) في (م): ((عقبة))، وهو تصحيف. (¬7) صحيح مسلم 8/ 217 (2969)، والنّسائيّ في الكبرى (11653) من طريق سفيان الثوري، عن عبيد المكتب، عن فضيل عن الشّعبيّ، عن أنس فذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم، كما في تفسير ابن كثير 3/ 577، وابن أبي الدنيا في التوبة، وابن مردويه في تفسيره-كما ذكره السيوطي في الدر المنثور7/ 67.

العنعنة

فَضَحِكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُوْنَ مِمَّ ضَحِكْتُ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسَوْلُهُ أعْلَمُ. قَالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُوْلُ: يَا رَبِّ ألَمْ تُجِرْنِيْ مِنَ الظُّلْمِ؟ فَيَقُوْلُ: بَلَى. قَالَ: فإنِّي لاَ أُجِيْزُ الْيَوْمَ عَلَى نُفْسِيْ شَاهِداً إلاَّ مِنِّي. فَيَقُوْلُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيْداً، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِيْنَ عَلَيْكَ شُهُوْداً. فَيُخْتَمُ عَلَى فِيْهِ ثُمَّ يُقَالُ لأرْكَانِهِ: انْطِقِيْ ... )) الحديثَ نحوَهُ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وهذا - أَيْ: جَعْلُ القِسْمِ الَّذي حُذِفَ فِيهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، والصَّحَابيُّ من المُعْضَلِ - جيِّدٌ حَسَنٌ؛ لأنَّ هَذَا الانقطاعَ بواحدٍ مَضْمُوماً إلى الوَقْفِ، يَشْتَمِلُ عَلَى الانقطاعِ باثنينِ: الصَّحَابيِّ، ورسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذلِكَ باسْتِحْقَاقِ اسمِ الإعضالِ أَوْلَى)) (¬1). الْعَنْعَنَةُ 136 - وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ 137 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا ... و (مُسْلِمٌ) لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا 138 - لكِنْ تَعَاصُراً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ ... طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ 139 - مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ، ... وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ 140 - مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ، ... وَحُكْمُ (أَنَّ) حُكمُ (عَنْ) فَالجُلُّ 141 - سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ) ... حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ (العَنْعَنَةُ) وَمَا أُلْحِقَ (¬2) بها من المؤنَّنِ. العَنْعَنَةُ: مَصْدَرُ ((عَنْعَنَ الْحَديْثَ))، إذَا رَواهُ بـ ((عَنْ))، من غيرِ بيانٍ؛ للتَّحديثِ، أَوْ الإخبارِ، أَوْ السَّمَاعِ (¬3). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 162، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279، والمقنع 1/ 148. (¬2) في (م): ((لحق)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 280.

(وَصَحَّحُوا) أي: جُمْهُورُ المُحَدِّثينَ، وغيرُهم (وَصْلَ) سندٍ (مُعَنْعَنٍ سَلِمْ مِنْ دُلْسَةٍ) - بضمِّ الدال - بمعنى: تدليسِ (¬1) (راويهِ) فاعِلُ سَلِمَ، (واللِّقا) (¬2) - بالقصرِ للوزنِ - بينَهُ وبينَ مَن عَنْعَنَ عَنْهُ (عُلِمْ) وَهَذا كِنايةٌ عَن سَمَاعِه مِنْهُ (¬3). واحتجّوا لِذلِكَ بأنَّه لَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، لَكَانَ بِعَدمِ ذِكْرِهِ الواسِطةَ بَيْنَهُمَا مدلِّساً (¬4)، والكَلامُ فِيْمَنْ لَمْ يُعرَفْ بالتَّدلِيسِ، والظاهرُ السَّلامةُ مِنْهُ. (وَبَعْضُهُم) كَالحاكِمِ (¬5) والخطيبِ (¬6)، (حَكَى بِذَا) أي: في ذَا القَوْلِ (إجماعا) (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): ((التدليس)). (¬2) جوّد الهمزة ناشر (م) مع أن المصنف أشار إلى حذف الهمزة، وله في مثل هذا نظائر كثيرة عز بنا عن التنبيه عليها مخافة تضخم الهوامش. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 280 - 281. (¬4) في (ع): ((تدليساً)). (¬5) معرفة علوم الحديث: 34. (¬6) الكفاية: (421 ت، 291 هـ‍). (¬7) وحكي أيضاً عن ابن عبد البر. قال ابن الصلاح: ((وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدّعي إجماع أئمة الحديث على ذلك)). معرفة أنواع علم الحديث: 163. قال الزّركشيّ 2/ 22: ((لا حاجة لقوله: ((كاد)) فقد ادعاه في أول كتابه التمهيد وعبارته: ((أجمع أهل العلم على قبول الإسناد المعنعن بثلاثة شروط: عدالة المخبرين، ولقاء بعضهم بعضاً، وأن يكونوا براء من التدليس)). ولم يذكر ابن الصّلاح الشرط الأول ظناً أنه يؤخذ من الثّالث)). وانظر: التمهيد 1/ 13، والتقييد: 83. قال ابن حجر 2/ 583: ((إنما عبر هنا بقوله: كاد؛ لأن ابن البر إنما جزم بإجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتّصل)). وادعى أبو عمرو الداني إجماع أهل النقل على ذلك، لكنّه اشترط أن يكون معروفاً بالرواية عنه. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 163، شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281 - 282. وتعقبه ابن حجر في نكته 2/ 583 فقال: ((إنما أخذه الداني من كلام الحاكم، ولا شك أن نقله عنه أولى؛ لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه)). قلنا: الحق مع ابن حجر، وانظر: معرفة علوم الحديث الحاكم: 34، وكلام الداني قاله في كتاب " القراءات " له كما ذكر ذلك البقاعي في النكت الوفية: 129/ ب.

وعِبارَةُ الحَاكِمِ: ((الأحاديثُ المُعَنْعَنَةُ التي لَيْسَ فِيها تَدْليسٌ مُتَّصلةٌ، بإجماعِ أئمةِ النَّقْلِ)) (¬1). وَهذا عَلَيْهِ البُخاريُّ وغيرُهُ (¬2). (وَ) لكنْ (مُسْلِمٌ (¬3) لَمْ يَشْرِطِ) في الحكمِ باتِّصالِهِ (اجتماعا) أي: لقاءً لَهُمَا، بَلْ أنكرَ اشتراطَهُ، وادَّعى أنَّه قَوْلٌ مخترعٌ، لَمْ يُسْبَقْ قائلُهُ إِليهِ، وأنَّ القَوْلَ الشائعَ المتَّفقَ عَلَيْهِ بَيْن أَهْلِ العِلْمِ بالأخبارِ مَا ذَهَبَ هُوَ إِليهِ (¬4). (لكِنْ) اشْتَرطَ (تَعاصُراً) لَهُما، وإنْ لَمْ يأتِ في خَبَرٍ قَطُّ، أنَّهُما اجْتَمَعَا، أَوْ تَشَافَها (¬5). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَفيمَا قَالَهُ نَظَرٌ (¬6) أي: لأنَّهم كَثيراً مَا يُرسِلون مِمَّنْ عَاصَروهُ، وَلَمْ يَلْقَوْهُ (¬7)، فاشتُرِطَ لقيُّهما؛ لتُحمَلَ الْعَنْعَنَةُ عَلَى السَّمَاعِ. (وَقِيلَ): إنَّهُ (يُشْتَرطْ طُوْلُ صَحَابَةٍ) بَيْنَهُمَا، قالَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ (¬8). (وَبَعْضُهُم)، وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانيُّ (¬9) (شَرَطْ مَعْرِفَةَ الرَّاوِي) المُعَنْعَن ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 34. (¬2) انظر: النكت لابن حجر 2/ 595. (¬3) الجامع الصّحيح 1/ 13 - 26. (¬4) انظر: إكمال المعلم1/ 164، وقد عزاه الإمام النّوويّ في التقريب: 60إلى المحققين، وقال في شرحه لصحيح مسلم1/ 25: ((والصّحيح الذي عليه وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متّصل ... )). وقال ابن حجر في النكت2/ 595: ((وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشّافعيّ - رضي الله عنه -)). وبه قال ابن عبد البر، كما في التمهيد 1/ 26، وانظر: الرسالة للشّافعيّ: 378 - 379 (1032). (¬5) الجامع الصّحيح 1/ 13 - 26، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282. (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 169، والنكت لابن حجر 2/ 596. (¬7) وهكذا قال البقاعي في النكت الوفية: 130/ ب. (¬8) انظر: قواطع لأدلة 1/ 374، ومعرفة أنواع علم الحديث: 169، والإرشاد 1/ 187. (¬9) نقله عنه ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 169. قلنا: في النقل عن أبي عمرو الداني: اضطراب، فهذا الذي حكاه المصنف عنه نقله ابن الصلاح: 169، في حين أنّه نقل عنه سابقاً في: 163 - 164 أنّ العنعنة تحمل على الاتصال بشرط تحقق اللقاء ولو مرّة. بينما نقل ابن رشيد في السنن الأبين: 30 بأنّ مذهبه حمل العنعنة على الاتصال بشرط أن يكون الراوي قد أدرك من عنعن عنه إدراكاً بيناً، ونقل عنه في: 36 ما يدلّ على أنّ مذهبه بأن تحمل العنعنة على الاتّصال، إذا ثبت كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصرٍ واحدٍ، وكان لقاؤهما ممكناً فالله تعالى أعلم.

(بالاخذِ) (¬1) -بالدرجِ- (عَنْهُ) أي: عمَّنْ عَنْعَنَ عَنْهُ، بأنْ كَانَ مَعْرُوفاً بالرِّوَايَةِ عَنْهُ (¬2). (وَقِيْلَ) في السَّندِ المُعَنْعَنِ: (كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ)، وإنْ لَمْ يَكُنْ راوِيهِ مُدلِّساً، فَهُوَ (مُنْقَطِعٌ)، لا يُحتجُّ بِهِ، (حَتَّى يَبِينَ) أي: يظهرَ (الوصلُ) بمجيئِهِ مِن طَريقٍ آخرَ، أنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ؛ لأنَّ ((عَنْ)) لا تُشْعِرُ بشيءٍ من أنواعِ التحمُّلِ (¬3). قَالَ النَّوَوِيُّ: وهذا (¬4) مَرْدودٌ بإجماعِ السَّلَفِ (¬5). قَالَ شَيْخُنا (¬6): وَقَدْ تَرِدُ (¬7) ((عَنْ))، ولا يُرادُ بِها بَيانُ حُكْمِ اتِّصالٍ، أَوْ انقطاعٍ، بَلْ ذِكْرُ قِصَّةٍ سواءٌ أأدْرَكَها، أَمْ لا؟ بِتَقْديرِ مَحْذُوْفٍ أي: مِن قِصَّة فُلاَنٍ، أَوْ شأنِهِ، أَوْ نحوِ ذَلِكَ. مِثَالُهُ: مَا رَواهُ ابنُ أبي خَيْثَمَةَ في " تاريخِه "، عَنْ أبيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إسحاقَ، عَنْ أبِي الأحْوَصِ: ((أنَّه خَرَجَ عَلَيْهِ خَوَارِجُ فَقَتَلُوْهُ)) (¬8). فَلَمْ يُرِدْ أَبُو إسْحاقَ بِقولِه: ((عَنْ أبي الأحوصِ)) أنَّه أخبرَهُ (¬9) بِذَلِكَ، وإنْ كَانَ قَدْ لقِيَهُ وسَمِعَ مِنْهُ؛ لأنَّهُ يَسْتَحيلُ أَنْ يَكُونَ أخبرَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ، وإنَّما أرادَ نَقْلَ ذَلِكَ بتقديرِ مُضافٍ مَحْذُوْفٍ، كَمَا تقرَّرَ (¬10). ¬

_ (¬1) جوّد ناشر (م) الهمزة، وهو من ذهوله الشديد. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 283. (¬3) حكاه الرّامهرمزيّ في المحدّث الفاصل: 450 عن بعض المتأخرين من الفقهاء، ونقله الخطيب في الكفاية: (515 ت، 361 هـ‍) عن بعض الفقهاء وأهل الحديث. وقائل هذا القول أبهمه ابن الصّلاح والناظم، وحكاه أيضاً الحارث المحاسبي فيما نقله ابن حجر عن بعض أهل العلم. وانظر: الكفاية: (420 ت، 290 هـ‍)، والنكت على كتاب ابن الصّلاح 2/ 584. (¬4) في (ق): ((وهو)). (¬5) شرح صحيح مسلم 1/ 109. (¬6) النكت لابن حجر 2/ 586. (¬7) في (ع): ((يرد)). (¬8) ذكره الحافظ ابن حجر في نكته 2/ 586 - 587. (¬9) في (م): ((أخبر)). (¬10) النكت لابن حجر 2/ 587.

(وحكمُ أنَّ) -بِالفَتحِ والتَّشْدِيدِ- نَحْوُ: أنَّ فُلاَناً قَالَ، (حُكمُ عَنْ) فِيْمَا تقرَّرَ، (فَالجُلُّ) - بضم الجيم - أي: المُعْظَمُ مِنَ العُلَماءِ، ومنهمُ: الإمامُ مَالِكٌ (سَوَّوْا) بَيْنَهُمَا، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ ابنُ عبدِ البَرَّ في " تمهِيْدِهِ " (¬1). وأنَّه لا اعتِبارَ بالحروفِ، والألفاظِ، بَلْ باللِّقاءِ، والمجالسةِ، والسَّمَاعِ، يَعْني مَعَ السَّلامةِ مِنَ التَّدليسِ. (وَلِلْقَطْعِ) أي: ولانقطاعِ مَا رَواهُ الرَّاوِي بـ ((أنَّ)) (نَحَا) أي: ذهبَ أَبُو بَكْرٍ (¬2) (البَرْدِيْجِيْ) - بفتح الموَحّدة أكثر من كَسْرِهَا، وبالدّالِ المُهْمَلَةِ - نِسْبَةً لِـ ((بَرْدِيْجَ)) (¬3) قريةٍ من قُرَى ((طُوْس)) (حَتَّى يَبِيْنَ الوَصْلُ) لَهُ بأنَّهُ سَمِعَهُ - مَثَلاً - ممَّنْ رَواهُ عَنْهُ (في التَّخريجِ)، يَعْني فِي (¬4) رِوَايَةٍ أُخْرَى (¬5). 142 - قَالَ: وَمِثْلَهُ رَأى (ابْنُ شَيْبَهْ) ... كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ 143 - قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا ... رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا 144 - يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى ... بـ (قَالَ) أو (عَنْ) أو بـ (أنَّ) فَسَوَا ¬

_ (¬1) التمهيد 1/ 12 - 14، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285. (¬2) حكاه عنه ابن عبد البر في التمهيد 1/ 26. وبنحو قول البرديجي قال أحمد بن حنبل، كما في تدريب الرّاوي 1/ 217، وإليه ذهب الطحاوي في شرح المشكل 5/ 463 عقب (6158) فقد قال: ((الفرق فيما بين (عن) و (أن) في الحديث: أن معنى (عن) على السّماع حتّى يعلم سواه، وأن معنى (أن) على الانقطاع حتّى يعلم ما سواه)). وانظر النكت على كتاب ابن الصّلاح 2/ 595. وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 285 مع التعليق عليه. (¬3) برديج: على وزن (فعليل) - بفتح أوله - بليدة بينها وبين برذعة نحو أربعة عشر فرسخاً، ولهذا يقال له: البرديجي والبرذعي، فمن نحا بها نحو أوزان العرب كسر أولها؛ نظراً إلى أنه ليس في كلامهم (فعليل) - بفتح الفاء - كما أشار إليه الصاغاني، فقال: برديج - بكسر أوله - بليدة بأقصى أذربيجان، والعامة يفتحون باءها. فالمراد أن من نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء على الحكاية، ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء. وانظر: الأنساب 1/ 328، ومراصد الاطلاع 1/ 181، ونكت الزركشي 2/ 33، ومحاسن الاصطلاح: 154، ونكت ابن حجر 2/ 594، وتاج العروس 5/ 420. (¬4) في (ص) و (ع): ((وفي)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 165 - 166، وانظر: النكت لابن حجر 2/ 594.

145 - وَمَا حَكَى عَنْ (أحمَدَ بنِ حَنْبَلِ) ... وَقَولِ (يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّلِ 146 - وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ ... إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَِنْ (¬1) (قَالَ) أي: ابنُ الصَّلاحِ: (وَمِثْلَهُ) أي: مَا نحا إِليهِ البَرْدِيْجِيُّ، (رَأى) (¬2) الحافِظُ الفَحْلُ (¬3) أَبُو يُوسفَ يَعقوبُ (ابنُ شَيْبَهْ) (¬4). فإنَّه حَكمَ عَلَى رِوَايَةِ أبي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحنفيَّةِ، عَنْ عَمّارٍ، قَالَ: ((أتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ يُصَلِّيْ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ)) بالاتّصالِ (¬5). وعَلى رِوَايَةِ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عطاءِ بنِ أبي رباحٍ، عَنْ ابنِ الحنفيّةِ، ((أنَّ عمَّاراً مَرَّ بِالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ يُصَلِّيْ)) بالإرسالِ، لكونِهِ قَالَ: إنَّ عمَّاراً، وَلَمْ يقلْ: عَنْ عَمَّارٍ (¬6). (كَذَا لَهُ) أي: لابنِ الصَّلاحِ حَيْثُ فَهِمَ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِن مُجرَّدِ لَفْظِهِمَا (وَلَمْ يُصَوِّبْ) أي: يُعَرِّجْ (صَوْبَهُ) أي: صَوْبَ مَقْصَدِ ابنِ (¬7) شَيْبَةَ، في الْفَرقِ؛ لأنَّ حُكْمَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثانيةِ بالإرْسَالِ، لَيْسَ مِنْ جِهَةِ تعبيرِ ابنِ الحنفيّةِ بـ ((أنَّ))، بَلْ مِن جِهةِ أنَّه لَمْ يُسنِدِ الحكايةَ فِيْهَا إلى عَمَّارٍ بَلْ إلى نَفسِه، مَعَ أنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مرورَهُ، بخلافِهِ في الأولى، فإنَّه أسْندَها فِيْهَا إِليهِ، فَكانَتْ مُتَّصِلةً (¬8).

_ (¬1) أي: جدير وخليق. انظر: اللسان 13/ 347 (قمن). (¬2) في (م): ((رأي)) خطأ. (¬3) يصف هذا الرجل بأنه فحلٌ إشارة إلى أنه قد بلغ الغاية من معرفة هذا الفن، أفاده البقاعي في النكت الوفية: 32/ أ. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 166، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 286. (¬5) أخرجه أحمد 4/ 263 من طريق حماد بن سلمة، عن أبي الزبير. وأخرجه النسائي في الكبرى (1111) من طريق قيس، عن عطاء، عن محمد، عن عمار بن ياسر، فذكره. (¬6) رواه النّسائيّ 3/ 6، وفي الكبرى (1111) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد2/ 81 من حديث عمّار بلفظ: ((فلم يرد عليه)). وقال: ((لعمار عند النّسائيّ: أنه سلم فرد عليه، فيكون هذا ناسخاً لذلك)). (¬7) في (م): ((ابن أبي))، وَهُوَ خطأ. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287.

(قلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَا رَواهُ) مِن قِصَّةٍ، وإنْ لَمْ يُعلمْ أنَّهُ شَاهَدَهَا (بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا)، وَهُوَ السَّلامةُ مِنَ التَدليسِ (يُحْكَمْ) -بالجزمِ- (لَهُ) أي: لِما رَواهُ (بالوَصْلِ، كَيْفَمَا رَوَى بـ: قَالَ، أَوْ عَنْ، أَوْ بِـ: أنَّ)، أَوْ يذكرُ، أَوْ فعلَ، أَوْ نحوَها (فَسَوَا) -بالقصرِ لُغَةً في مدِّهِ- أي: فكلُّها (¬1)، كَمَا قَالَ ابنُ عَبْد البرِّ، وغيرُهُ سواءٌ في أنَّهُ يحكمُ لَهُ بالوصلِ صحابياً كَانَ راويه، أَوْ تابعيّاً (¬2). وَمَنْ لَمْ يُدركْ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ أَوْ تابعيٍّ أَوْ مُنْقَطِعٌ إنْ لَمْ يُسنِدْهُ إلى مَنْ رَواهُ عَنْهُ وإلاَّ فمتصلٌ، وَسَواءٌ في ذَلِكَ أَرْوِيَ بـ: (عَنْ) أم بغيرِها وهذه قاعدةٌ يُعملُ بِهَا. (وَمَا حَكَى (¬3)) أَي: ابنُ الصَّلاحِ (عَنْ) الإمامِ (أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلِ) من أَنَّ قَوْلَ عُروةَ: أنَّ عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قالتْ: يا رَسُوْلَ اللهِ، وَقَوْلَهُ: عَنْ عائِشةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - ليسا سواءً، (وَ) عَنْ (قَوْلِ يَعْقُوبٍ) بنِ شَيْبةَ مِمَّا (¬4) قَدَّمْتُهُ (عَلَى ذَا) أي المذكورِ مِنَ القاعدةِ (نَزِّلِ) وتقدَّمَ بيانُ تنزيلِ قَوْلِ يَعْقُوبَ، وأمَّا تنزيلُ قَوْلِ أَحْمَدَ (¬5) فعروةُ في اللفظِ الأَوَّلِ لَمْ يُسْنِدْ ذَلِكَ إلى عائشةَ، ولا أدركَ القصةَ فكانَتْ مرسلةً، وَفِي الثَّانِي أسندَهُ إليها بالعنعنةِ فكانتْ متَّصلةً (¬6) (وَكَثُرَ) كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬7) بينَ (¬8) ¬

_ (¬1) في (ص): ((فكل ما)). (¬2) التمهيد 1/ 26 - 27. (¬3) في (م): ((حكى)) خطأ. (¬4) في (ص): ((بما)). (¬5) كلام أحمد رواه الخطيب في الكفاية: (575 ت، 408 هـ‍) بإسناده إلى أبي داود. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 290. (¬6) انظر: كلام الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصّلاح 2/ 590 - 591 في هذه المسألة وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 290. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 164. (¬8) سقطت من (ق).

المنتسبينَ إلى الحديثِ (استِعْمَالُ عَنْ فِي ذَا الزَّمَنْ) المتأخِّرِ، أي بعدَ الخمسِ مِئةِ (¬1) (إِجَازَةً) قَالَ: فإذا قَالَ أحدُهم: قرأتُ عَلَى فلانٍ عَنْ فلانٍ، أَوْ نحوِ ذَلِكَ فَظُنَّ بِهِ (¬2) أنَّهُ رواهُ بالإجازةِ (وَهْوَ) مَعَ ذَلِكَ (بِوَصْلٍ مَا) أي بنوعٍ من الوَصْلِ (قَمَِنْ) - بكسرِ الميمِ وبفتحِها - (¬3)، وَهُوَ الأنسبُ هنا، أي: حقيقٌ بِذَلِكَ (¬4)، والحاصلُ أنَّ مَا فيهِ ((عَنْ)) يحكمُ باتِّصالِهِ سَمَاعاً في الزمنِ الْمُتَقدِّمِ، وَهُوَ مَا قدَّمَهُ قَبْلُ وباتِّصالِهِ إجازةً (¬5) في الزمنِ المتأخِّرِ وَهُوَ مَا هنا. وإنَّما أَمَرَ ابنُ الصلاحِ فِيهِ (¬6) بالظنِّ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجْزِمْ بالحُكمِ بِهِ؛ لأنَّ زَمنَهُ لَمْ يَكُنْ تقرَّرَ فِيهِ اصْطلاحٌ بِذَلِكَ، وَأَمَّا (¬7) الآنَ فَقَدْ تَقَرَّرَ، واشتهرَ فَيُجْزَمُ (¬8) بِهِ. قَالَ شَيْخُنا: وَحُكْمُ ((أنَّ)) فِي ذَلِكَ حكْمُ ((عَنْ)) إذَا لَمْ يَحْكِ بها الإخبارَ، أَوْ التحديثَ، فإن حَكى بها ذَلِكَ، ((ك‍: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ أنَّ فلاناً أَخْبَرَهُ))، فَهُوَ تَصْريحٌ بالسَّمَاعِ. وَمَا قَالَهُ قَريبٌ مِمّا رَدَّ بِهِ ابنُ الصَّلاح عَلَى الخَطَّابِيِّ في زَعْمِهِ، أنَّ في ذَلِكَ إجازةً، وَسيأتي ذَلِكَ في مَبحثِ: كَيْفَ يَقُولُ (¬9) مَنْ رَوَى بالمناولةِ والإجازةِ؟ ¬

_ (¬1) فتح المغيث 1/ 188. (¬2) قال البقاعي في النكت الوفية: 134/ أ: ((فظنّ به هو فعل أمرٍ؛ وإنما أمر بالظن، ولم يطلق الحكم؛ لأن في زمنه لم يكن تقرر الاصطلاح أن ذلك للإجازة، وإنما كان قد فشا ذلك الاستعمال فيهم، وأما في هذا الزمان فمتى وجدنا محدّثاً قال: حدّثني فلان مثلاً، عن فلان فإنا نتحقق أن ذلك إجازة؛ لأن الاصطلاح تقرر على ذلك)). وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 164، ونكت الزّركشيّ 2/ 31، وفتح المغيث 1/ 188. (¬3) انظر: الصحاح 6/ 2184، واللسان 13/ 347 (قمن). (¬4) سقطت من (ص). (¬5) سقطت من (ص). (¬6) ((فيه)) سقطت من (ق). (¬7) في (ص): ((أما)). (¬8) في (م): ((فجزم)). (¬9) ((كيف يقول)). سقطت من (ق).

تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ 147 - وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ ... وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ 148 - وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ ... أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ) 149 - بِوَصْلِ (¬1) ((لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ)) ... مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ 150 - وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ ... ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ 151 - يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا 152 - أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ ... مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا وَقَدْ ذَكَرَ التعارضينِ (¬2) بِهَذا الترتيبِ، فَقَالَ: (واحكُم) أي: اجعلِ الحُكْمَ فِيْمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الثِّقاتُ مِنَ الحديثِ، بأنْ يَرْوِيَه بعضُهم مَوصولاً، وبعضُهم مُرْسَلاً (لِوَصْلِ ثِقَةٍ)، وإنْ كَانَ المُرْسِلُ أكثرَ أَوْ أحْفَظَ (في الأظْهَرِ) عِنْدَ المحقِّقينَ مِن أهلِ الحَدِيثِ؛ لأنَّ مَعَهُ زِيادةَ عِلْمٍ (¬3). (وَقِيلَ: بَلْ إرْسَالُهُ) أي: بَلْ اجعَلِ الحُكمَ لإرسالِ الثِّقَةِ، ونَسَبَهُ الخطيبُ (¬4) ¬

_ (¬1) في نسخة أوج من متن الألفية: ((لوصل)). (¬2) في (ق): ((المتعارضين)). (¬3) قال السخاوي في فتح المغيث1/ 189: ((وهو الذي صححه الخطيب، وعزاه النووي للمحققين من أصحاب الحديث)). وقال ابن الصّلاح: ((هو الصّحيح في الفقه وأصوله)). معرفة أنواع علم الحديث: 182. وانظر مقدمة النّوويّ لشرح مسلم 1/ 145: فصل زيادات الثّقة مقبولة مطلقاً عند الجماهير ... الخ. ونص الإمام النووي: ((إذا روى العدل الضابط المتقن حديثاً انفرد به، فمقبول بلا خلاف، نقل الخطيب البغدادي اتفاق العلماء عليه. وأما إذا رواه بعض الثقات الضابطين متصلاً، وبعضهم مرسلاً أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت، وأرسله أو وقفه في وقت، فالصحيح الذي قاله المحققون من المحدّثين، وقاله الفقهاء وأصحاب الأصول، وصححه الخطيب البغدادي أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر أو أحفظ؛ لأنه زيادة ثِقَة، وَهِيَ مقبولة)). وانظر: الكفاية: (580 - 581 ت، 411هـ‍). والنكت2/ 612 فَقَدْ تعقّب الحافظُ ابنُ حجر ابنَ الصّلاح في نقله تصحيح الأصوليين والفقهاء. (¬4) الكفاية: (584 ت، 413 هـ‍).

(للأكثرِ) مِن أَهْلِ الحَدِيْثِ؛ لأنَّ الإرسالَ نوعُ قَدْحٍ في الحَدِيْثِ، فتقْدِيمُه عَلَى المَوْصُوْلِ (¬1) مِنْ قَبيلِ تَقْديمِ الجَرْحِ عَلَى التَّعْديلِ. (وَنَسَبَ) ابنُ الصَّلاحِ (¬2) القَوْلَ (الأَوَّلَ لِلنُظَّارِ) - بضمِّ النُّونِ، وتشديدِ الظاء - وَهم هُنا أَهْلُ الفِقْهِ، والأُصولِ (¬3) (أَنْ صَحَّحُوْهُ) - بفتحِ الهَمزةِ - بدلُ اشْتمالٍ مِنَ (الأَوَّلِ) أَيْ: تَصْحِيحَهُ (¬4). (وَقَضَى) الإمامُ (البُخَارِيْ) أي: جَعَلَ الحكمَ (بِوَصْلِ) حَدِيثِ: ((لاَ نِكَاحَ إلاّ بِوَلِيْ))، الّذي اختُلِفَ فِيهِ عَلَى راويهِ (¬5) أبي إسحاقَ السَّبِيْعِيِّ. فَرواهُ شُعبةُ وَسُفيانُ الثَّوريُّ عَنْهُ، عَنْ أبي بُرَدَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً، وَرواهُ إسرائيلُ بنُ يونسَ فِي آخرينَ عَنْ جَدِّهِ أبي إسحاقَ المذكورِ، عَنْ أبي بُردَة، عَنْ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ، عَنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَوْصُوْلاً، فقدَّم البُخَارِيُّ وصلَهُ، وَقَالَ: الزِّيادةُ مِنَ الثِّقةِ مَقْبولةُ. (مَعْ) بالإسكانِ (كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ)، وَهُوَ شُعْبةُ، والثَّوْرِيُّ، (كَالْجَبلِ)؛ لأنَّ لَهُمَا الدَّرَجَةَ العَاليَةَ فِي الحِفظِ والإتْقانِ (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق): ((الوصل)). (¬2) وابن الصّلاح مسبوق في هذا فقد نقل الحاكم في المدخل إلى الإكليل220تصحيح الزيادات عن الفقهاء. (¬3) انظر: قواطع الأدلة 1/ 368 - 369، والمحصول 2/ 229، وكشف الأسرار 3/ 2، وجمع الجوامع 2/ 126، وشرح النّوويّ على صحيح مسلم 1/ 25. وفي مثل هذه المسألة الخطيرة، يكون الرجوع إلى أهل الشأن من المحدّثين، ونقل النّوويّ خطأ منه نتج عن تقليد للخطيب والحاكم. وانظر في ذلك: بحثاً موسعاً في أثر علل الحديث: 199 - 249، 255 - 280، ونسبه النّوويّ إلى المحققين من أهل الحديث (شرح النّوويّ على صحيح مسلم 1/ 25)، وفيه نظر شديد: ففي مثل هذه المسألة الخطيرة، إنما يؤخذ قول المحدّثين لا الفقهاء والأصوليين، وما نقله النّوويّ خطأ منه قلد فيه الخطيب والحاكم. وانظر في ذلك: بحثاً موسعاً في أثر علل الحديث: 199 - 249، 255 - 280. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 182. (¬5) في (ص) و (ق): ((رواية)). (¬6) هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، والراجح وصله - كما يأتي -: أولاً: تفرّد بإرساله شعبة وسفيان الثوري، واختلف عليهما فيه: فقد رواه عن شعبة موصولاً: =

........................................... ¬

_ = النعمان بن عبد السلام، عند الحاكم في المستدرك 2/ 169 عنه وعن سفيان الثوري مقرونين، والبيهقي في الكبرى 7/ 109، ويزيد بن زريع، عند البزار في مسنده (3111)، والدارقطني في سننه 3/ 220، والبيهقي في سننه الكبرى 7/ 109، ومالك بن سليمان، عند الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 2/ 214، عنه وعن إسرائيل، وكذلك رواه عن شعبة موصولاً: محمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن حصين كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 206، فهؤلاء خمستهم (النعمان بن عبد السلام، ويزيد بن زريع، ومالك بن سليمان، ومحمد بن موسى، ومحمد بن حصين) رووه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة عن أبي موسى، مرفوعاً. ورواه عن شعبة مرسلاً: يزيد بن زريع، عند البزار في مسنده (3110)، ووهب بن جرير، عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، ومحمد بن جعفر - غندر -، عند الخطيب البغدادي في الكفاية: (580 ت، 411 هـ‍)، ومحمد بن المنهال، والحسين المروزي - كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 208. فهؤلاء خمستهم (يزيد بن زريع، ووهب بن جرير، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن المنهال، والحسين المروزي) رووه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، مرسلاً. أما سفيان الثوري فقد اختلف عليه أيضاً: فرواه عنه موصولاً: النعمان بن عبد السلام، عند الحاكم في المستدرك 2/ 169 - 170، وبشر بن منصور، عند البزار في مسنده (3108)، وابن الجارود في المنتقى (704)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9 وجعفر بن عون، عند البزار (3109)، ومؤمل ابن إسماعيل، عِنْدَ الروياني في مسنده 1/ 303، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 109، وخالد بن عمرو الأموي، عند الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 279. فهؤلاء خمستهم (النعمان بن عبد السلام، وبشر بن منصور، وجعفر بن عون، ومؤمل ابن إسماعيل، وخالد بن عمر) رووه عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، موصولاً. ورواه عنه مرسلاً: عبد الرحمان بن مهدي، عند البزار في مسنده (3107)، وأبو عامر العقدي عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، والحسين بن حفص، عند الخطيب البغدادي في الكفاية: (579 ت، 411 هـ)، والفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 208. فهذان الإمامان: شعبة وسفيان قد اختلف عليهما فيه كما ترى. وربّما طرق الذين رووه عن سفيان وشعبة موصولاً، لا تصحّ إليهم. وكلام الترمذي يؤيده، فقد قال الإمام الترمذي: ((وقد ذكر بعض أصحاب سفيان، عن سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبي موسى. ولا يصحّ)). (جامع الترمذي عقب حديث: 1103). =

...................................... ¬

_ = ثانياً: سفيان الثوري وشعبة - وإن كانا اثنين - إلا أنّ اجتماعهما في هذا الحديث كواحد؛ لأنّ سماعهما هذا الحديث كان في مجلس واحد عرضاً، فقد قال الترمذي: ((ومما يدلّ على ذلك ما حدّثنا محمود بن غيلان. قال: حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا نكاح إلا بولي؟ " فقال: نعم. جامع الترمذي عقيب حديث (1102). ثالثاً: إن الذين رووه عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى موصولاً، أكثر عدداً، وهم: 1 - إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق، عند أحمد في المسند 4/ 394، 413، والدارمي في سننه (2188)، وأبي داود في سننه (2085)، والترمذي في جامعه (1101)، والبزار (3105) و (3106)، وابن حبّان في صحيحه (4085)، والدارقطني في سننه 3/ 218 - 219، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 107، والخطيب البغدادي في الكفاية: (578 ت، 409 هـ‍). 2 - يونس ابن أبي إسحاق، عند الترمذي في جامعه (1101)، والبيهقي 7/ 109، والخطيب البغدادي في الكفاية: (578 ت، 409 هـ)، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه (2085) من طريق أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، ثم قال أبو داود عقبه: "هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي بردة "وسيأتي الكلام عن رواية أبي داود هذه. 3 - شريك بن عبد الله النخعي، عند الدارمي في سننه (2189)، والترمذي في جامعه (1101)، وابن حبان (4080) و (4090)، والبيهقي 7/ 108. 4 - أبو عوانة - الوضاح بن يزيد اليشكري -، رواه من طريقه الطيالسي في مسنده (523)، وابن ماجه في سننه (1881)، والترمذي في جامعه (1101)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، والحاكم في المستدرك 2/ 171. 5 - زهير بن معاوية الجعفي، عند ابن الجارود في المنتقى (703)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، وابن حبان في صحيحه (4079)، والحاكم 2/ 171، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 108. 6 - قيس بن الربيع، عند الحاكم في المستدرك 2/ 170، والبيهقي 7/ 108، والخطيب البغدادي في الكفاية: (578). رابعاً: كان سماع هؤلاء من أبي إسحاق في مجالس متعددة، قال الترمذي في جامعه 3/ 409 عقب (1102): ((ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((?لا نكاح إلا بولي)) عندي أصحّ؛ لأنّ سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة)) وانظر: العلل الكبير: 156. =

.................................... ¬

_ = خامساً: كانت طريقة تحمل سفيان الثوري وشعبة للحديث عرضاً على أبي إسحاق، في حين أنّ الباقين تحملوه سماعاً من لفظ أبي إسحاق، ولاشكّ في ترجيح ما تحمل سماعاً على ما تحمل عرضاً عند جمهور المحدثين. سادساً: إن من الذين رووه متصلاً: إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق، وهو أثبت الناس وأتقنهم لحديث جدّه، ولم يختلف عليه فيه، أما سفيان وشعبة وإن كان إليهما المنتهى في الحفظ والإتقان. فطريقة تحملهما للحديث قد عرفتها، أضف إليها أنّه قد اختلف عليهما فيه. قال عبد الرحمان بن مهدي: (إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ سورة الحمد)، رواه عنه الدارقطني في سننه 3/ 220، والحاكم في المستدرك 2/ 170. وقال صالح جزرة: (إسرائيل أتقن في أبي إسحاق خاصّة) سنن الدارقطني 3/ 220. وقال عبد الرحمان بن مهدي: (ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني، إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنّه كان يأتي به أتم) جامع الترمذي عقب 1102)، وسنن الدارقطني 3/ 220. وقال محمد بن مخلد: (قيل لعبد الرحمن - يعني ابن مهدي -: إنّ شعبة وسفيان يوقفانه على أبي بردة، فقال: إسرائيل عن أبي إسحاق أحب إليّ من سفيان وشعبة) سنن الدارقطني 3/ 220. وقال الإمام الترمذي: (إسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق) جامع الترمذي عقب (1102). سابعاً: في هذا الإسناد علّة أخرى هي عنعنة أبي إسحاق السبيعي، فهو مدلس (جامع التحصيل: 108، وطبقات المدلسين: 42، وأسماء المدلسين: 103). ولكن تابعه عليه جماعة فزالت تلك العلّة، قال الحاكم في المستدرك 2/ 171: (وقد وصله عن أبي بردة جماعة غير أبي إسحاق) وممن تابعه: ابنه يونس، عن أبي بردة، أخرجه أحمد في المسند 4/ 413، 418، وقد سبق أنّ أبا داود أخرجه عن أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال أبو داود (السنن 2/ 229 عقب 2085): (هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي بردة) يعني أنّ يونس يرويه بإسقاط أبي إسحاق، وإسرائيل يذكره، فجمع أبي عبيدة لهما على أسناد واحد خطأ. ورواية أبي عبيدة علّقها الترمذي في جامعه (عقب 1102) على نحو ما ذكره أبو داود. قلنا: يونس معروف بالسماع والرواية عن أبيه أبي إسحاق وعن أبي بردة، فيكون قد سمعه منهما كليهما، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا. انظر: العلل الكبير للترمذي: 156، وصحيح ابن حبّان (الإحسان 6/ 154 عقب 4071) قال الحاكم في المستدرك 2/ 171 - 172: "ولست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافاً على عدالة يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي بردة " =

(وَقِيلَ): الحُكْمُ لما قَالَهُ (الاكْثَرُ) - بالدَّرجِ - مِن وَصْلٍ، أَوْ إرْسَالٍ؛ لأنَّ تطرُّقَ السَّهْوِ، والخَطَإِ إليهِم أبْعَدُ (¬1). (وَقِيلَ): الحُكمُ لما قالَهُ (الاحْفَظُ) مِن ذَلِكَ (¬2). فَهذهِ أربعةُ أقوالٍ، وَبقيَ خامسٌ، ذكرَهُ السُّبْكِيُّ (¬3)، وَهُوَ: تساويهُما. وَمَحلُّ الخِلافِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلامُهُم، فِيْمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَرْجِيحٌ بغيرِ كَثْرةٍ، وَحِفْظٍ، وإتقانٍ، وإلاّ فَالحكمُ دائرٌ مَعَ التَّرجيحِ. ¬

_ = ثم إنه جاء من حديث عدة من الصحابة، قال الحاكم في المستدرك 2/ 172: (قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش)، ثم قال: (وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وعبد الله ابن عمر ... ) والحديث صحّحه البخاري كما رواه عنه الخطيب فيما سبق، وروى الحاكم أيضاً تصحيحه عن علي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي. المستدرك 2/ 170. قلنا: مما سبق تبين أنّ رواية من وصل الحديث أصحّ وأرجح من رواية من أرسله، وأما زعم من زعم أنّ الإمام العلم الجهبذ البخاري صحّحه لأنّه زيادة ثقة، فهو كلام بعيد مجانبٌ لمنهج هذا الإمام وغيره من أئمة الحديث القائم على أساس اعتبار المرجحات والقرائن في قبول الزيادة وردها. والقول بقبولها مطلقاً هو رأي ضعيف ظهر عند المتأخّرين، قال به الخطيب وشهره، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: (ومن تأمل ما ذكرته عرف أنّ الذين صحّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل - الذي وصله - على غيره) فتح الباري (9/ 229 طبعة الكتب العلمية). فالذي نظر في صنيع الأئمة السابقين والمختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقاً ولا يردونها مطلقاً، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيح: فتقبل تارة، وترد أخرى، ويتوقف فيها أحياناً، قال الحافظ ابن حجر: (والمنقول عن أئمة الحديث المتقدّمين - كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم- اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول إطلاق الزيادة) نزهة النظر: 96. وهذا هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث وأسانيده وأحوال الرواة بعد النظر في ذلك، أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر إلى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة. (وانظر في ذلك بحثاً نافعاً في أثر علل الحديث: 254 - 263، وفيه كلام نفيس لعلاّمة العراق ومحقق العصر الدكتور هاشم جميل -حفظه الله-). (¬1) نقله الحاكم عن أئمة الحديث. انظر المدخل إلى الإكليل 40 - 41. (¬2) نسب الحافظ ابن رجب القول به إلى الإمام أحمد. انظر: شرح علل التّرمذي 2/ 635. (¬3) جمع الجوامع 2/ 124.

فَقَدْ يُقَدَّمُ جَزماً الوصلُ، أَوْ الإرسالُ لمرجِّحٍ مِن نَحوِ ملازمةٍ، ومِنْ ثَمَّ قَدَّمَ البُخَارِيُّ - كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنا (¬1) - الإرْسالَ في أحاديثَ، لقرائنَ قامَتْ عندَهُ (¬2). مِنْها: أنَّه ذَكَرَ لأبي داودَ الطَيَالِسِيِّ حَدِيثاً وصَلُهُ، وَقَالَ: ((إرسالُهُ أثبتُ)) (¬3). (ثُمَّ) إذَا قلنا بأنَّ الحُكْمَ للأحفظِ، (فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ يَقْدَحُ) أي: فَليسَ إرسالُ العَدْلِ الأحفظِ قادِحاً (في أهْليَّةِ الوَاصِلِ)، من ضَبطٍ، وعدالةٍ (¬4). (أَوْ) أي: ولا في (مُسْنَدِهِ) الذي لَمْ يقعْ فِيهِ التَّعارِضُ (عَلَى الأَصَحِّ) لاحتِمالِ إصابَتِهِ، وَوَهَمِ الأحفظِ، بَخلافِ مُسْنَدِهِ الذي وقعَ فِيهِ التَّعارضُ. وردُّهُ لَيْسَ للقدحِ فِي عَدالتِهِ، بَلْ لِلاحتياطِ. وَمُقابِلُ الأَصَحِّ يَقُول: يَقدحُ ذَلِكَ فِيْمَا ذُكِرَ نظراً للظاهرِ. (وَرَأَوْا) أي: أَهْلُ الحديثِ، فِيْمَا يَخْتلِفُ فِيهِ الثِّقاتُ مِنَ الحديثِ، بأن يَرْوِيَه بَعْضُهم مَرْفُوْعاً، وَبَعْضُهم مَوْقُوْفاً (أنَّ الأصَحَّ: الحُكْمُ لِلرَّفعِ (¬5))، لأنَّ راويه مُثْبِتٌ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النافِي، فَعَلى الساكتِ أوْلَى؛ لأنَّ مَعَهُ زِيَادةَ عِلْمٍ (¬6). ¬

_ (¬1) النكت لابن حجر 2/ 606 - 607. (¬2) قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 193: ((فالحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن كابن مهدي، والقطان، وأحمد، والبخاري عدم المراد حكم كلي، بل ذلك دائر مع الترجيح، فتارة يترجح الوصل، وتارة الإرسال، وتارة يترجح عدد الذوات على الصفات، وتارة العكس، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك، والحديث المذكور لم يحكم له البخاريّ بالوصل المجرد أن الواصل معه زيادة، بل لما انظم لذلك من قرائن رجحته لكون يونس بن أبي إسحاق، وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم، لاسيما وإسرائيل. قال فيه ابن مهدي: إنه كان يحفظ حديث جده، كما يحفظ سورة الحمد ... )). وانظر: النكت لابن حجر 2/ 606. (¬3) انظر: النكت لابن حجر 2/ 607. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 301. (¬5) في (ص): ((الرفع)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 183، والتقييد والإيضاح: 94 - 95، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 301، وتدريب الرّاوي 1/ 221.

وَقِيلَ: الحُكمُ لمَنْ وَقَفَ. وَقِيلَ: للأكثرِ. وَقِيلَ: للأحفظِ. وَعَلَيْهِ لا (¬1) يَقْدَحُ وقْفُ الأحفظِ في أهليَّةِ الرافعِ، ولا في مُسندِهِ عَلَى الأصحِّ، والأولُّ مِنْ كُلٍّ مِنَ التعارُضَيْنِ (¬2) أصحُّ. (وَلَوْ) كَانَ الاختلافُ (مِنْ) راوٍ (واحدٍ في ذَا وذَا) أي: في كُلٍّ مِنْهُمَا، كأنْ يرويه مرةً مَوْصُوْلاً، أو مَرْفُوْعاً، وَمَرةً مُرْسَلاً، أَوْ مَوْقُوْفاً (كَمَا حَكوْا) أي: الْجُمْهُورُ. وَصَرَّح ابنُ الصَّلاحِ بِتَصْحِيحِهِ (¬3)؛ لأنَّ مَعَهُ في حَالةِ الوصْلِ، أَوْ (¬4) الرَّفعِ زِيادةَ عِلْمٍ، فَهذا هُوَ الراجِحُ عِنْدَ المحدِّثينَ. وأمَّا الأصوليونَ (¬5)، فصحَّحوا أنَّ الاعتبارَ بِما وَقَعَ مِنْهُ أَكْثرُ. قَالَهُ النَّاظِمُ (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق): ((فلا)). (¬2) في (ص) و (ق): ((المتعارضين)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 183، وانظر: النكت الوفية للبقاعي: 136/ ب. (¬4) في (ص): ((و)). (¬5) انظر في ذلك: المحصول 2/ 235، والإبهاج 2/ 348، ونهاية السول 3/ 230. (¬6) وعبارته: ((وأما الأصوليون فصححوا أنّ الاعتبار بما وقع منه أكثر. فإن وقع وصله، أو رفعه أكثر من إرساله، أو وقفه؛ فالحكم للوصل، والرفع. وإن كان الإرسال، أو الوقف أكثر، فالحكم له)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 302. قلنا: صنيع المحدّثين السابقين يشعر بأنه ليس لذلك ضابط، بل قد تترجح الرّواية المنقطعة إذا كان رواتها أكثر أو أحفظ، وقد تترجح الرّواية الموصولة إذا كان رواتها أكثر عدداً أو أشد ضبطاً وما إلى ذلك من المرجحات. انظر كلام ابن المبارك في سنن النّسائيّ الكبرى 1/ 632 عقيب (2072)، وجامع التّرمذي عقيب (2995)، وعلل ابن أبي حاتم 1/ 138، وأثر علل الحديث 179 - 185.

التدليس

التَّدْلِيْسُ (¬1) 153 - تَدلِيْسُ الاسْنَادِ (¬2) كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بـ (عَنْ) وَ (أَنْ) 154 - وَقَالَ: يُوْهِمُ اتِّصَالاً، وَاخْتُلِفْ ... فِي أَهْلِهِ، فَالرَّدُّ مُطْلَقاً ثُقِفْ 155 - وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ... ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا 156 - وَفي الصَّحِيْحِ عِدَّةٌ كـ (الأعْمَشِ) ... وَكـ (هُشَيْمٍ) بَعْدَهُ وَفَتِّشِ (التَّدْلِيْسُ) هُوَ كَتْمُ العَيْبِ فِي المَبِيْع وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مأخوذٌ من الدَّلَسِ (¬3) - بالتحريكِ-وَهُوَ الظُّلمةُ، كأنَّهُ لتغطيتِه عَلَى الواقفِ عَلَى الحديثِ، أَوْ غيرِهِ أظْلَمَ أمْرَهُ (¬4). وَهُوَ (¬5) ثلاثةُ أقسامٍ (¬6) عَلَى مَا ذكرَهُ النَّاظِمُ (¬7): ¬

_ (¬1) انظر في التدليس: معرفة علوم الحديث: 103، والمدخل إلى الإكليل: 20، والكفاية: (508 ت، 355 هـ‍)، والتمهيد 1/ 15، وجامع الأصول 1/ 167، ومعرفة أنواع علم الحديث: 184، والإرشاد 1/ 205، والتقريب: 63، والاقتراح: 209، والمنهل الروي: 72، والخلاصة: 74، والموقظة: 47، وجامع التحصيل: 97، واختصار علوم الحديث: 53، ونكت الزّركشيّ 2/ 67 - 132، والشذا الفياح 1/ 173 - 179، والمقنع: 1/ 154، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 303، ونزهة النظر: 113، ونكت ابن حجر 2/ 614 - 651، ومقدمة طبقات المدلسين: 13، والمختصر: 132، وفتح المغيث 1/ 169، وألفية السيوطي: 33، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 173، وتوضيح الأفكار 1/ 346، وظفر الأماني: 373، وقواعد التحديث: 132، وتوجيه النظر 1/ 431 - 433. (¬2) بدرج الهمزة كما سيصرح به الشارح، وذهل ناشر (م)، فأثبت الهمزة في الموضعين. (¬3) في (ص): ((التدلس)). (¬4) انظر: نكت ابن حجر 2/ 614، والنكت الوفية: 137/أ، وتاج العروس 16/ 84. (¬5) بعد هذا في (م): ((على)). (¬6) قال البقاعي في النكت الوفية: 137/ أ: ((إن أراد أصل التدليس فليس إلا ما ذكر ابن الصلاح من كونهما اثنين باعتبار إسقاط الراوي أو ذكره وتعمية وصفه وإن أراد الأنواع فهي أكثر من ثلاثة لما يأتي من تدليس القطع وتدليس العطف)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 303.

أحدها: (تدليسُ الاسنادِ (¬1)) - بالدرجِ -، (كمَنْ يُسقِطُ مَنْ حدَّثَهُ) من الثِّقاتِ لصِغَرهِ، أَوْ من الضُّعفاء، وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِه فَقَطْ (وَيَرْتَقِي) لشيخِ شيخِهِ فمَنْ فَوْقَهُ، مِمَّنْ عُرِفَ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ، وإن اقتضى كلامُ ابنِ الصَّلاحِ أنَّه لَيْسَ بشرطٍ (ب‍ ((عَنْ)) و ((أنْ))) - بتشديدِ النونِ المسَكَّنةِ للوقفِ -، (وَقَالَ) ونحوِها، مِمّا لاَ يَقْتَضِي اتّصَالاً، لئلاَّ يَكُونَ كذباً (يُوهِمُ) بِذَلِكَ (اتّصَالاً) (¬2). فَالتَّدليسُ: أن يَرْوِيَ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، مُوهِماً أنَّه سَمِعَهُ مِنْهُ (¬3)، وَهذا بخلافِ الإرسالِ الخفيِّ، فإنَّهُ، وإن شَاركَ التَّدليسَ في الانقطاعِ يَخْتَصُّ بمَنْ رَوَى عَمَّنْ عَاصَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ (¬4). وَمِن تَدْلِيْسِ الإسنادِ: أن يُسْقِطَ الرَّاوِي أداةَ الرِّوَايَةِ مُقْتَصِراً عَلَى اسمِ الشَّيْخِ، وَيَفْعَلُهُ أَهْلُ الحَدِيْثِ كَثِيْراً (¬5). مِثَالُه: مَا قَالَ (¬6) ابنُ خَشْرَمٍ: ((كُنَّا عِنْدَ ابنِ عُيَيْنَةَ، فقالَ: الزُّهْرِيُّ، فَقيلَ لَهُ: حَدَّثكَ الزُّهريُّ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: الزُّهْرِيُّ. فَقِيلَ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟ فقال: لا، لَمْ أسمعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، ولا مِمَّنْ سَمِعَهُ من الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّزاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ))، رَواهُ الحَاكِمُ (¬7). وَسَمَّاهُ شَيْخُنا تَدْلِيْسَ القَطْعِ (¬8)، لكنَّه مَثَّلَ لَهُ بِما رَواهُ ابنُ عَديٍّ، وغيرُهُ عَن ¬

_ (¬1) في (م) بتجويد الهمزة، وهو من ذهول الناشر. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304، والنكت الوفية: 137/ ب. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 184. (¬4) انظر: النكت لابن حجر 2/ 623. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 306. (¬6) في (ع) و (ق): ((قاله)). (¬7) أسند هذه القصة الحاكم في المدخل إلى الإكليل (20 - 21)، وفي معرفة علوم الحديث: 105، والخطيب في الكفاية: (512 ت، 359 هـ‍)، وانظر: نكت الزّركشيّ 2/ 70. (¬8) النكت لابن حجر 2/ 617. وقال البقاعي في النكت الوفية (139/ب): ((سماه شيخنا حافظ العصر تدليس القطع فيكون رابعاً)).

عُمَرَ (¬1) بنِ عُبَيْدٍ (¬2) الطَّنَافِسِيِّ، أنَّه كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا، ثُمَّ يِسكُتُ (¬3)، وينوي القَطْعَ، ثُمَّ يَقُولُ: هِشامُ بنُ عُروَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عَائِشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عَنْهَا -. وَمِنْهُ تَدْلِيْسُ العَطْفِ: وَهُوَ أنْ يُصرِّحَ بالتَّحْدِيثِ عَنْ شَيخٍ لَهُ، ويَعْطِفَ عَلَيْهِ شَيْخاً آخرَ لَهُ (¬4)، وَلا يَكُونُ سَمِع ذَلِكَ المَرْوِيَّ مِنْهُ (¬5). مثالُهُ: مَا رَواهُ الحَاكِمُ في "عُلومِهِ" (¬6)، قَالَ: اجْتَمَعَ أصْحَابُ هُشَيمٍ، فَقَالوا: لاَ نكْتُبُ عَنْهُ اليومَ شيئاً مِمّا يُدلِّسُه، فَفَطِنَ لِذلِكَ، فلمَّا جَلَسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، ومُغِيْرَةُ، عَنْ إبراهيمَ، وساقَ عدَّة أحاديثَ، فَلمّا فَرَغَ، قَالَ: هَل دَلَّسْتُ لَكُم شيئاً؟ قالوا: لا. فَقَالَ: بلى كُلُّ مَا حَدَّثتُكُم عَنْ حُصَيْنٍ، فَهُوَ سماعي، وَلَمْ أسمعْ مِن مُغيرةَ مِن ذَلِكَ شيئاً. وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَحْمُوْلٌ عَلَى أنَّه نَوَى القَطْعَ، ثُمَّ قَالَ: وَفُلانٌ أي: وَحَدَّثَ فُلاَنٌ. (واخْتُلِفْ فِي أَهْلِهِ) أي: أَهْلِ هَذَا القِسْمِ أيرَدُّ حَديثُهم أَمْ لاَ؟ (فالرَّدُّ) لَهُ (مُطْلَقاً) أي: سَوَاءٌ أبيَّنوا (¬7) الاتّصَالَ، أَمْ لاَ، دَلَّسوا عَنِ الثِّقاتِ، أَمْ غَيْرِهِم، نَدَرَ تدليسُهُمْ أَمْ لا (ثُقِفْ) - بضمِّ المثلثةِ -أي: وُجِدَ (¬8) عَنْ جمعٍ مِنَ المُحدِّثينَ (¬9) والفُقهاءِ (¬10)، حَتَّى عَنْ بَعْضِ مَن يحتجُّ بالمُرْسَلِ؛ لأنَّ التدليسَ جَرْحٌ، لما فِيهِ مِنَ التُّهْمَةِ ¬

_ (¬1) في (ع) و (ق): ((معمر)). (¬2) في (ق): ((عبد الله)). (¬3) في (م): ((سكت)). (¬4) ((له)): سقطت من (ص). (¬5) انظر: النكت لابن حجر 2/ 617. (¬6) معرفة علوم الحديث: 105. (¬7) في (ق) و (ص): ((بينوا)). (¬8) انظر: اللسان 9/ 19 (ثقف). (¬9) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 186 - 187. قلنا: وهذا مذهب ابن حزم الظاهري. انظر الإحكام 1/ 141، وقارن بالعواصم 8/ 236. (¬10) هذا القول حكاه القاضي عبد الوهاب في "الملخص"كَمَا في فتح المغيث1/ 203وأمّا ابن السمعاني فشرط فيه ليرد حديثه أن يسأل عن اسم الرّاوي فيكتمه انظر: قواطع الأدلة1/ 324، والنكت لابن حجر2/ 632، وقال العلائي: ((ينبغي أن ينزل قَوْل من جَعَلَ التّدليس مقتضياً لجرح فاعله علىمن أكثر التّدليس عن الضعفاء وأسقط ذكرهم تغطية لحالهم، وكذلك من دلس اسم الضّعيف حتّى لا يعرف)) جامع التحصيل: 114.

والغشِّ (¬1). وَقِيلَ: يُقبل مُطلقاً، كالمُرْسَلِ عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ (¬2)، وَقِيلَ: إن لَمْ يدلِّسْ إلاَّ عَنْ الثِّقاتِ - كسُفْيِانَ بنِ عُيَيْنَةَ - قُبِلَ، وإلاّ فَلاَ، وَقِيلَ: إن نَدَرَ تدليسُه قُبِلَ، وإلاّ فَلاَ. (والأكْثَروْنَ) مِنَ المُحدِّثينَ والْفُقهاءِ والأصوليينَ، ومِنْهُم الإمامُ الشَّافِعيُّ (¬3) رحمَهُ اللهُ (قَبِلُوْا) مِن حَدِيثِهِم (مَا صَرَّحَا) بألفِ الإطلاقِ، (ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ)، ك‍: سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا (¬4). لأنَّ التَّدْلِيْسَ لَيْسَ كَذِباً، وإنَّما هُوَ تَحسينٌ لِظاهرِ الإسنادِ، وَضَرْبٌ مِنَ الإيهامِ بِلَفْظٍ مُحتملٍ، فإذا صَرَّحَ بوصْلِهِ، قُبِلَ (¬5). (وَصُحِّحَا) بِبِنَائِهِ لِلمَفْعُولِ - أي: هَذَا القولُ، ومِمَّنْ صَحَّحهُ: الخطيبُ (¬6)، وابنُ الصَّلاحِ (¬7)، لَكنَّهُ لَمْ يعزُه للأكثرينَ، فعزوهُ لَهُم مِن زيادةِ النَّاظِمِ، وَحَكاهُ عَنْ شيخِهِ أبي سعيدٍ العَلاَئِيِّ (¬8). ¬

_ (¬1) فتح المغيث 1/ 202. (¬2) الكفاية: (515 ت، 361 هـ‍). (¬3) حكاه أبو سعيد العلائي في جامع التحصيل: 98. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 190. قلنا: الذي صححه المصنف هو الصّحيح؛ لأن التّدليس ليس كذباً، وإنما هو تحسين لظاهر الإسناد، وضربٌ من الإيهام بلفظٍ محتمل، فإذا صرح قبلوه، واحتجوا به ورد ما أتى فيه باللفظ المحتمل، وممن صححه ابن سعد، والخطيب، وابن عبد البر، وابن الصّلاح، والعلائي، وابن حجر، والسخاوي وهو قول الجماهير، انظر: الرسالة 380 (1035)، وطبقات ابن سعد 7/ 313، والكفاية: (515ت، 361 هـ‍)، والتمهيد 1/ 13، ومعرفة أنواع علم الحديث: 190، وجامع التحصيل 112، وفتح المغيث 1/ 175. (¬5) قال الإمام الشافعي في الرسالة (1011 - 1135): ((وأقبل الحديث: حدّثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلساً ... ، ومن عرفناه دلّس مرّةً فقد أبان لنا عورته في روايته وليست تلك العورة بالكذب فنردّ بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: لا نقبل من مدلسٍ حديثاً، حتى يقول فيه: حدثني، أو سمعت)). (ونقله عنه البيهقي في " معرفة السنن والآثار " 1/ 42). (¬6) الكفاية: (515 ت، 361 هـ‍). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 187. (¬8) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 310: ((وممن حكاه عن جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول شيخنا أبو سعيد العلائي في كتاب المراسيل، وهو قول الشّافعيّ، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وغيرهم)). انظر: جامع مع التحصيل: 98.

(وفي) كُتُبِ (الصَّحِيحِ) لكُلِّ مِنَ البُخاريِّ، وَمُسْلِمٍ وغيرِهمَا (عِدَّةٌ) مِنَ الرُّواةِ المُدلِّسينَ، خُرِّجَ فِيْهَا مَا صَرَّحوا فِيهِ بالتَّحديثِ، (ك‍: ((الأعْمَشِ)) وك‍: ((هُشَيْمٍ))) - بالتَّصْغِيرِ - ابنِ بَشِيْرٍ - بالتَّكبيرِ - (بَعْدَهُ) أي: بَعْدَ الأعمشِ، وَقَدْ أخذَ عَنْهُ (¬1). (وَفَتِّشِ) أي: الصِّحاحَ تَجِدْ فِيْهَا التَّخريجَ لِكثيرٍ مِمَّا صَرَّحوا فِيهِ بالتَّحْدِيثِ (¬2)، بَلْ قَدْ يَقعُ فِيْهَا التَّخريجُ مِن مُعنعنِهِم، لكنَّه مَحْمُوْلٌ - كَمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ وغيرُهُ - عَلَى ثُبُوتِ السَّمَاعِ عِنْدَهم فِيهِ مِن جهةٍ أُخرى، إذا كَانَ فِي أحاديثِ الأصولِ، لا المُتابعاتِ (¬3). 157 - وَذَمَّهُ (شُعْبَةُ) ذُو الرُّسُوْخِ ... وَدُوْنَهُ التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخِ 158 - أنْ يَصِفَ الشَّيْخَ بِمَا لا يُعْرَفُ ... بِهِ، وَذَا بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ 159 - فَشَرُّهُ للضَّعْفِ وَاسْتِصْغَارا ... وَكـ (الخَطِيْبِ) يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا 160 - و (الشَّافِعيْ) أثْبَتَهُ بِمَرَّةِ ... قُلْتُ: وَشَرُّهَا أخُو التَّسْوِيَةِ (وَذَمَّهُ)، التَّدْلِيْسَ بأقسامِه نَصّاً فِيْمَا مَرَّ، واقتضاءً فِيْمَا يَأْتِيَ، (شُعْبَةُ) ابنُ الحجَّاجِ (ذُو الرُّسُوْخِ) في الحِفْظِ والإتقانِ. فروى الشَّافِعيُّ عَنْهُ (¬4) أنَّهُ قَالَ: التَّدليسُ أخو الكذبِ (¬5)، وَقَالَ: لأِنْ أزني ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 311. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 311. (¬3) فتح المغيث 1/ 205. قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة1/ 311: ((وقوله: وفتّش أي: وفتش في الصّحيح تجد جماعةً منهم، كقتادة والسفيانين، وعبد الرزاق، والوليد بن مسلم، وغيرهم. وقال النّوويّ: إنّ مَا في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين بـ: عن، محمولٌ عَلَى ثبوت سماعه من جهة أخرى. وَقَالَ الحافظ أبو محمّد عَبْد الكريم الحلبي في كِتَاب"القدح المعلّى": قَالَ أكثر العُلَمَاء: إن التي في الصّحيحين منزّلة منزلة السّماع)). انظر: التقريب: 65، والنكت لابن حجر2/ 635 - 636، والنكت الوفية: 142/ أ. (¬4) ((عنه)): سقطت من (ص). (¬5) أخرجه ابن عدي في تقدمة الكامل 1/ 107، والبيهقي في مناقب الشّافعيّ 2/ 35، والخطيب البغدادي في الكفاية: (508 ت، 355 هـ‍).

أحبُّ إليَّ من أَنْ أُدَلِّسَ (¬1). وَلَمْ يَنْفَرِدْ شُعْبَةُ بِذمِّه، بَلْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ (¬2)، إلاّ أنَّه مَعَ تَقَدُّمِه زَادَ بِالمُبالغَةِ فِيهِ (¬3). (وَدُوْنَهُ) أي: دُوْنَ القسمِ الأَوَّلِ مِن أقسامِ التَّدلِيس، وَهُوَ ثانِي أَقْسَامِهِ: (التدليسُ للشيوخِ)، وَهُوَ: (أَنْ يَصِفَ) المُدلِّسُ (الشيخَ) الذي سَمِعَ ذَلِكَ الحَدِيْثَ مِنْهُ (بِمَا لا يُعْرفُ) أي يَشتَهِرُ (بِهِ) مِن اسمٍ، أَوْ كُنْيَةٍ، أَوْ لَقبٍ، أَوْ نِسبةٍ إلى قَبيلةٍ، أَوْ بلدةٍ، أَوْ صَنْعةٍ، أَوْ نحوِها، كي يُوعِّرَ مَعْرِفَةَ الطَّريقِ عَلَى السَّامِعِ مِنْهُ (¬4). فـ ((أَنْ)) بمدخولِهما خبرُ مُبتدإٍ مَحْذُوْفٍ، كَمَا تَقَرّرَ، أَوْ بيانٌ لِما قَبْلَها. وَمِثَالُهُ: قولُ أبي بكرِ بنِ مجاهدٍ المُقْرِئِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أبي عَبْدِ اللهِ. يُرِيْدُ بِهِ الحافظَ عبدَ اللهِ بنَ أبي داودَ السِّجِسْتَانِيَّ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَفيهِ تَضْييعٌ للمَرْوِيِّ عَنْهُ)) (¬5). قَالَ النَّاظِمُ: وللمَرْوِيِّ أَيْضاً، بأنْ لا يتنبَّهَ لَهُ، فَيَصِيرُ بَعْضُ رواتِهِ (¬6) مَجْهُوْلاً (¬7). (وَذَا) الفِعلُ (بمَقْصِدٍ) -بكسر المُهْمَلَة- أي: باختلافِ مَقْصِدِ حاملٍ لفاعلِه، عَلَيْهِ (يَخْتَلِفُ) حَالُه في الكَراهَةِ. (فَشَرُّهُ) مَا كَانَ الوصْفُ بِمَا ذَكَرَ، إما (لِلضَّعْفِ) فِي المرويِّ عَنْهُ، لِتَضَمُّنِهِ الخيانةَ، والغِشَّ. وحُكْمُ مَنْ عُرِفَ بِهِ: أَنْ لا يقبلَ خبرُهُ. كَمَا نَقَلَهُ النَّاظِمُ عَنْ ابنِ الصَّباغِ (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل 1/ 173، وابن عدي في تقدمة الكامل 1/ 107، والخطيب البغدادي في الكفاية: (508 ت، 355 هـ‍). (¬2) انظر: فتح المغيث1/ 208 فقد نقل الإمام السخاوي جملة من أقوال العلماء في ذم التّدليس. (¬3) انظر: محاسن الاصطلاح: 170، والنكت الوفية: 142/ أ. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 186، والنكت الوفية: 143/ ب، ونكت الزّركشيّ 2/ 76. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 190، وانظر: نكت الزّركشيّ 2/ 8. (¬6) في (ق): ((راويه)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 313. (¬8) المصدر السابق 1/ 314.

وَذلكَ حَرامٌ هُنا، وَفيمَا مَرَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ المرويُّ عَنْهُ ثِقَةً عِنْدَ المُدَلِّسِ (¬1). (وَ) إمّا (اسْتِصْغَارا) لِلمَرويِّ عَنْهُ سِنّاً، أَوْ تكبُّراً، بأَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ مِنَ المُدلِّسِ، أَوْ أَكْبرَ، لكنْ بيَسِيْرٍ، أَوْ بكثيرٍ لَكِنْ تأخَّرتْ وَفاتُهُ حَتَّى شارَكَهُ في الأخذِ عَنْهُ مَنْ هُوَ دونَهُ، وَمَعْلومٌ أنَّ مَن اسْتَصغرَ غَيرَهُ، استكبرَ عَلَيْهِ. فَلو قَالَ بدلَ استصغاراً: استكباراً (¬2) - أي من المدلِّسِ - كَانَ في البيتِ جِنَاسٌ خَطّيٌّ، مَعَ حُصولِ الغَرضِ. (وَ) إمّا لِكَونِهِ، (كَالْخَطيبِ) أي: كَفِعْلِهِ، (يُوْهِمُ) الفاعلَ بِذلِكَ (اسْتِكْثَارا) مِنَ الشيوخِ، بِأنْ يروِيَ عَنْ شَيخٍ واحدٍ فِي مَواضِعَ، فَيَصِفَهُ في مَوضِعٍ بصفةٍ، وَفِي آخرَ بأخرى (¬3)، يُوهِمُ أنَّه غيرُهُ، كَمَا كَانَ الخطيبُ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬4). (والشَّافِعيْ) - بالإسكان للوزن، أَوْ لِنيةِ الوقْفِ - (أَثْبَتَهُ)، يعني: تَدْلِيْسَ الإسْنادِ (بِمَرَّةِ) واحدةٍ صَدَرَتْ مِن فَاعِلِهِ، حَيْثُ قَالَ: ((مَن عُرِفَ بالتَّدْلِيْسِ مَرَّةً، لا يُقبلُ مِنْهُ مَا يقبلُ مِن أَهْلِ النَّصيحةِ في الصِّدقِ، حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي، أَوْ سَمِعْتُ)) (¬5). ¬

_ (¬1) كما فعل عطية العوفي حيث روى عن الكلبي - وهو ضعيف - كناه أبا سعيد، وهو مشهور - بأبي النضر، يوهم أنه يروي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، انظر: الكفاية: (521 ت، 366 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 499. (¬2) في (ق): ((واستكباراً)). (¬3) في (ق): ((بصفة أخرى)). (¬4) قال ابن الصّلاح: ((والخطيب البغدادي يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد بن أبي الفتح الفارسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصّيرفيّ، والجميع شخص واحد من مشايخه، وكذلك يروي عن الحسن بن محمّد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمّد الخلال، والجميع عبارة عن واحد، ويروي أيضاً عن أبي القاسم التنوخي، وعن عليّ بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم عليّ بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم عليّ بن المحسن التنوخي، وعن عليّ بن أبي عليّ المعدل، والجميع شخص واحد وله من ذلك كثير)). معرفة أنواع علم الحديث: 500. وقال السيوطي: ((وتبع الخطيب في ذلك المحدّثون خصوصاً المتأخرين وآخرهم أبو الفضل ابن حجر، نعم لم أر العراقي في أماليه يصنع شيئاً من ذلك)). تدريب الرّاوي 2/ 271. (¬5) قال ابن الصّلاح: ((الحكم بأنّه لا يقبل من المدلّس حتّى يُبيّن، قد أجراه الشّافعيّ - رضي الله عنه - فيمن عرفناه دلس مرة)). معرفة أنواع علم الحديث: 190. =

وَذَلكَ لأَنَّهُ بثبوتِ تدليسِه مرَّةً، صَارَ ذَلِكَ ظَاهرَ حَالِهِ في مُعَنْعَناتِهِ، كَمَا أنَّه بثبوتِ اللِّقاءِ، مَرّةً، صَارَ ظاهِرَ حَالِهِ السَّمَاعُ. القِسْمُ الثَّالِثُ: تَدْلِيْسُ التّسويةِ المُعبَّرُ عَنْهُ عِنْدَ القُدماءِ بـ ((التَّجويدِ)) (¬1)، حَيْثُ قَالوا: ((جَوَّدَ فُلاَنٌ)) يُريدونَ ذَكَرَ مَنْ فِيهِ مِنَ الأجوادِ، وحَذَفَ الأدنياءِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بقولِهِ: (قلتُ: وشَرُّها) (¬2) أي: أقسامُ التدليسِ، (أَخُو) أي: صاحبُ (التَّسْوِيَةِ)، كأنْ يَرْوِيَ حَدِيثاً عَنْ ضَعِيْفٍ، بَيْن ثِقَتينِ، لَقِيَ أحدُهُمَا الآخَرَ، فيُسْقِطَ الضَّعِيفَ، ويَرْوِي الحَدِيْثَ عَنْ شَيْخِهِ الثِّقَةِ (¬3) الثَّانِي بِلفظٍ مُحتملٍ؛ فَيسْتوي الإسنادُ كلُّه ثِقاتٌ (¬4). وإنَّما كَانَ هَذَا شرَّ الأقْسَامِ؛ لأنَّ الثِّقةَ الأَوَّلَ، قَدْ لاَ يَكُونُ مَعْرُوفاً بالتَّدْلِيْسِ، وَيَجِدُهُ الواقفُ عَلَى السّنَدِ بَعْدَ التَّسويةِ قَدْ رَواهُ عَنْ ثِقَةٍ آخرَ، فيحكمُ لَهُ بالصِّحَّةِ، وَفيهِ غرورٌ شديدٌ. وخرجَ باللِّقاءِ: الإرسالُ. وهذا الذي جَعَلهُ قِسْماً ثالثاً، جعلَهُ شيخُنا نَوعاً مِنَ الأَوَّلِ (¬5). فَالتَّدْلِيْسُ قِسْمانِ: تَدليسُ الإسنادِ، وتدليسُ الشيوخِ، وعليهِما اقتصرَ ابنُ الصَّلاحِ (¬6)، والنَّوَوِيُّ (¬7). ¬

_ = قال الحافظ العراقي: ((وممن حكاه عن الشّافعيّ البيهقيّ في المدخل)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 315، والرسالة 379 فقرة (1033)، وجامع التحصيل: 99. قلنا: لكن غير الشّافعيّ من أهل العلم اغتفر التّدليس النادر مع الرّواية الواسعة، قال ابن رجب في شرح العلل 2/ 582 - 583: ((ولم يعتبر الشّافعيّ أن يتكرر التّدليس من الرّاوي، ولا أن يغلب على حديثه، بل اعتبر ثبوت تدليسه، ولو بمرّة واحدة، واعتبر غيره من أهل الحديث أن يغلب التّدليس على حديث الرجل)). (¬1) انظر: فتح المغيث 1/ 214. (¬2) في (م): ((وشرطها)). (¬3) بعد هذا في (ص): ((عن الثّقة)). (¬4) انظر: فتح المغيث 1/ 214. (¬5) النكت لابن حجر 2/ 616. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 184. (¬7) التقريب: 63.

الشاذ

وفي الحقيقةِ هَذَا الأخيرُ داخلٌ في المُنْقَطِعِ عَلَى قولٍ فِيهِ، لكنْ شرطُهُ (¬1) أنْ يكونَ الساقطُ ضَعِيْفاً، كَمَا تَقَرَّرَ. نَعَمْ، بَعْضُهم لَمْ يُقيِّدْهُ بالضَّعِيفِ، بَلْ سوَّى بَيْنَهُ وبينَ الثِّقَةِ (¬2). الشَّاذُّ (¬3) 161 - وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ 162 - والحَاكِمُ (¬4) الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ (وَذُو الشُّذُوذِ) أي: والشَّاذُّ في الحَدِيْثِ اصْطلاحاً: (مَا يُخَالِفُ) الرَّاوي (الثِّقَهْ فِيهِ) بزيادةٍ، أَوْ نَقْصٍ في السَّنَدِ، أَوْ المَتْنِ (المَلاَ) بالإسكانِ للوزنِ أَوْ لنية الوقف - أي: الجماعةُ الثِّقاتُ فِيْمَا رَوَوْهُ، وتَعَذَّرَ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا (¬5). ¬

_ (¬1) في (ق): ((بشرط)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 316. (¬3) انظر في الشاذ: معرفة علوم الحديث: 119، وجامع الأصول 1/ 177، ومعرفة أنواع علم الحديث: 192، والإرشاد 1/ 213، والتقريب: 67، والاقتراح: 197، والمنهل الروي: 50، والخلاصة: 69، والموقظة: 42، ونظم الفرائد: 361، واختصار علوم الحديث: 56، ونكت الزّركشيّ 2/ 133 - 154، والشذا الفياح 1/ 180 - 184، والمقنع 1/ 165، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 320، ونزهة النظر: 97، ونكت ابن حجر 2/ 652 - 673، والمختصر: 124، وفتح المغيث 1/ 185، وألفية السيوطي: 39، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 177، وتوضيح الأفكار 1/ 377، وظفر الأماني: 356، وقواعد التحديث: 130، وتوجيه النظر 1/ 434. (¬4) قال البقاعي في النكت الوفية (145/ب): ((قال شيخنا: أسقط من قول الحاكم قيداً لابدّ منه، وهو أنه قال: وينقدح في نفس الناقد أنه غلطٌ، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ويؤيد هذا قوله: وذكر أنه يغاير المعلل فظاهره أنه لا يغايره إلا من هذه الجهة، وهي كونه لم يطّلع على علته، وأما الرد فهما مشتركان فيه، ويوضحه قوله، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك أي: كالمعلل يعني: بل وقف على علته حدساً)). (¬5) انظر: معرفة علوم الحديث: 119، والكفاية: (223 ت، 141 هـ‍) بسنديهما إلى الإمام الشّافعيّ. وأما الخليلي فقد أشرك في هذا التعريف جماعة مع الإمام الشّافعيّ، فقال: ((وأما الشاذ فقد قال الشّافعيّ وجماعة من أهل الحجاز)). وانظر: الإرشاد 1/ 176.

(فالشَّافِعيُّ) بِهذا التعريفِ (حَقَّقَهْ)؛ لأنَّ العَددَ أولى بالحِفْظِ مِنَ الواحِدِ. ويُؤخذُ مِنْهُ أنَّ مَا يُخَالِفُ الثِّقَةُ فِيهِ الوَاحِدَ الأحْفَظَ شَاذٌّ، وَفِي كَلامِ ابنِ الصَّلاحِ، وغيرِهِ مَا يُفهِمُهُ، وجَرى عَلَيْهِ شَيْخُنا (¬1). مِثالُ الشُّذوذِ فِيْ السَّنَدِ: مَا رَواهُ التِّرْمِذِيُّ (¬2)، وغيرُهُ (¬3) مِن طَريقِ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، عَنْ عَوْسَجَةَ، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ: ((أنَّ رَجُلاً تُوُفِّيَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثاً إلا مَوْلًى هُوَ أعْتَقَهُ ... الحَدِيْثَ)). فإنَّ حَمَّادَ بنَ زيدٍ، رَواهُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَوْسَجَةَ وَلَمْ يَذْكُرِ ابنَ عَبَّاسٍ، لكنْ تابعَ ابنَ عُيَيْنَةَ عَلَى وَصْلِهِ ابنُ جريجٍ، وغيرُهُ. قَالَ أَبُو حاتِمٍ: المحفوظُ حَدِيثُ ابن عُيَيْنَةَ (¬4). فَحمَّادٌ مَعَ كونِهِ مِن أَهْلِ العَدالةِ، والضَّبْطِ، رجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ رِوَايَةَ مَنْ هُم أكثرُ عَدداً مِنْهُ. وَمِثالُهُ فِيْ المَتْنِ: زيادةُ يومِ عَرَفَةَ فِيْ حَدِيثِ: ((أيَّامُ التَّشْرِيْقِ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ)) (¬5)، فإنَّهُ من جميعِ طُرُقِهِ بدونِها، وإنَّما جاءَ بِهَا مُوسى بنُ عُلَيِّ (¬6) ابنِ رَبَاحٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عامرٍ. ¬

_ (¬1) نزهة النظر: 97. (¬2) جامع التّرمذي (2106). (¬3) منهم: أخرجه الطيالسيّ (2738)، وعبد الرزاق (16191) و (16192)، والحميدي (523) وسعيد بن منصور (194)، وأحمد 1/ 221 و 358، وأبو داود (2905)، وابن ماجه (2741)، وأبو يعلى (2399)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 403، وفي شرح المشكل (3879) و (3880) و (3882) و (3883)، والعقيلي في الضعفاء 3/ 414، والطبراني في الكبير (12209) و (12210) و (12211) والحاكم 4/ 346، و 347، والبيهقي 6/ 242، والمزي في تهذيب الكمال 5/ 507. (¬4) علل الحديث 2/ 52. (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة (9770) و (13385) و (15265)، وأحمد 4/ 152، والدارمي (1771)، وأبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنّسائيّ 5/ 252، وابن خزيمة (2100) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2964)، وفي شرح المعاني 2/ 71، وابن حبان (3604)، والطبراني في الكبير 17/ (803)، وفي الأوسط (3209)، والحاكم 1/ 434، والبيهقي 4/ 298، والبغوي (1796). (¬6) بالتصغير، وقد شرحه العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 211 مفصلاً فراجعه مع التعليق عليه تجد فائدة.

فحَدِيثُ مُوْسَى شَاذٌّ، لَكِنَّهُ (¬1) صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ (¬2)، والحاكِمُ (¬3)، وَقَالَ: إنَّه عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّه ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ)) (¬4). لأنَّهُ (¬5) زِيادةُ ثِقَةٍ غيرُ منافيةٍ. (والحَاكِمُ الخِلافَ فِيهِ) أي: فِيْ الشّاذِّ (¬6) (مَا اشْتَرَطْ)، بَلْ قَالَ: ((هُوَ مَا انْفردَ بِهِ ثِقةٌ، وَليسَ لَهُ أصْلٌ بمُتابعٍ لِذلِكَ الثِّقَةِ)) (¬7). فقيَّدَ بالثِّقةِ دُوْنَ المُخالفةِ. وَذَكَرَ أنَّهُ يُغايِرُ المعَلَّلَ، بِأَنَّ المعَلَّلَ وُقِفَ عَلَى عِلَّتِهِ الدَّالةِ عَلَى جِهةِ الوَهَمِ فِيهِ، والشَّاذُّ لَمْ يُوْقَفْ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ كَذلِكَ. (وَلِلخَلِيليْ) -بالإسكانِ لما مَرَّ غَيْرَ مرّةٍ -، نِسبةً لجدِّهِ الأعْلى؛ لأنَّهُ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الخَلِيْلِ القَزْوِيْنِيُّ - قولٌ ثالثٌ نَسَبَهُ إلى حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ: أنَّ الشَّاذَّ (مُفْردُ الرَّاوِي فَقَطْ) ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ، خَالفَ أَوْ لَمْ يُخالفْ. فَمَا انفردَ بِهِ الثِّقَةُ يتوقَّفُ فِيهِ، وَلا يَحْتَجُّ بِهِ، لَكِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِداً، وَمَا انفردَ بِهِ غَيْرُ الثِّقَةِ مَتْروكٌ (¬8). 163 - وَرَدَّ مَا قَالاَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ وَالهِبَةِ 164 - وَقَوْلُ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْداً كُلُّهَا قَوِيُّ 165 - واخْتَارَ فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ أنَّ مَنْ ... يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ فَفَرْدُهُ حَسَنْ ¬

_ (¬1) في (ق) و (ص): ((لكن)). (¬2) الإحسان (3604). (¬3) المستدرك 1/ 434، ولم يتعقبه الذهبي، وانظر تعليقنا عَلَى شرح التبصرة 1/ 147. (¬4) جامع التّرمذي 2/ 135. (¬5) في (م): ((ولعله)). (¬6) في (م): ((أي: الشاذ)). (¬7) معرفة علوم الحديث: 119. (¬8) الإرشاد 1/ 176، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 322.

166 - أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فَصَحِّحْ أَوْ بَعُدْ ... عَنْهُ فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ (ورَدَّ) ابنُ الصَّلاحِ (مَا قَالا) أي: الحَاكِمُ والخليليُّ (بِفَرْدِ الثِّقَةِ) (¬1) المُخَرَّجِ لَهُ فِيْ كُتُبِ الصَّحِيحِ، المشترطِ فِيهِ نفيَ الشذوذِ، فإنَّ العَدَدَ لَيْسَ بشرطٍ فِيهِ عَلَى المعتمدِ (¬2). (ك‍) حديثِ (النَّهْي عَنْ بَيعِ الوَلاَ) بالقصرِ للوزن (وَالهِبةِ) لَهُ، فإنَّه لَمْ يَصِحَّ إلاَّ مِن رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ دينارٍ (¬3) عَنِ ابنِ عُمَرَ، مَعَ أنَّهُ في"الصَّحِيحينِ" (¬4). (وقولُ) أي: وَرَدَّ أَيْضاً مَا قَالا، بقولِ الإمامِ (مُسْلِمٍ) فِيْ بابِ الأَيمانِ والنُّذُورِ من " صَحيحِهِ ": (رَوَى الزُّهْرِيُّ) نَحْوَ (تِسْعينَ فَرْداً)، لا يُشارِكُهُ فِيْ روايتِها أحدٌ (كُلُّها قَوِيُّ) إسنادُها (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): ((تفرد الثّقة)) خطأ. (¬2) إذ قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 193: ((أما ما حكم الشّافعيّ عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الضابط)). (¬3) قال مسلم عقب تخريجه: ((الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث)). وقال التّرمذي عقب (1236): ((هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر)). (¬4) البخاري 3/ 192 (2535) و 8/ 192 (6756)، ومسلم 4/ 216 (1506)، وأخرجه مالك (2269)، والشافعي 2/ 72، والطيالسي (1885) وعبد الرزاق (16138)، والحميدي (639)، وسعيد بن منصور (276)، وابن أبي شيبة 6/ 121، وأحمد (2/ 9 و 79 و 107)، والدارمي (2575) و (3160) و (3161)، وأبو دواد (2919)، وابن ماجه (2747)، والترمذي (1236)، والنسائي 7/ 306، وابن الجارود (978)، والطحاوي في شرح المشكل (4995) و (4996) و (4997) و (4998) و (4999) و (5000) و (5001) و (5002) و (5003)، وابن حبان (4955) و (4956) و (4957)، والطبراني في الكبير (13625) و (13626)، وفي الأوسط (7937)، والبيهقي 10/ 292، والبغوي (2225) و (2226). (¬5) صحيح مسلم 5/ 82 عقب (1647)، وقال البقاعي في النكت الوفية: 148/ ب: ((يتبادر منه قبول نفس المتون، فلا يقال يحتمل أن يراد جودة الأسانيد من الزهري إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل الظاهر إرادة الجودة في جميع السند من مسلم إلى آخره)).

(وَ) بَعْدَ ردِّه مَا قَالاَهُ (اخْتَارَ) ممَّا اسْتَخْرَجَهُ مِن كَلامِ الأئِمَّةِ، (فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ) فِيهِ الثِّقَةُ غيرَهُ، وإنَّما أتى بِشيءٍ انفردَ بِهِ، (أنَّ مَنْ يقرُبُ مِنْ ضَبْطٍ) تامٍّ (فَفَرْدُهُ حَسَنْ) (¬1). كَحَديثِ إسرائيلَ، عَنْ يُوسُفَ بنِ أبي بُرْدَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عائِشةَ قَالتْ: ((كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ (¬2)، قَالَ: غُفْرَانَكَ)) (¬3). فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: ((حَسَنٌ غَرِيْبٌ، لا نعْرِفُهُ إلاّ مِن حَدِيثِ إسرائيلَ، عَنْ يُوسُفَ، عَنْ أبي بُرْدَةَ)) (¬4). (أَوْ بَلَغَ الضَّبْطَ) التَّامَّ (فَصَحِّحْ) أنتَ فَرْدَهُ، كحديثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الولاءِ وَهِبَتِهِ، (أَوْ بَعُدْ عَنْهُ) بأَنْ قلَّ ضَبْطُهُ، (فمِمَّا شذّ) أي: ففرْدُهُ من الشاذِّ (فَاطْرَحْهُ وَرُدْ). فالشّاذُّ المردودُ كَمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ قِسْمانِ: أَحَدُهُما: الحَدِيْثُ الفردُ المُخالِفُ، وَهُوَ مَا عَرَّفَهُ الشَّافِعيُّ. وَثَانِيَهُمَا: الفردُ الذي لَيْسَ فِيْ راويهِ مِنَ الثِّقَةِ والضَّبْطِ مَا يَقعُ جَابراً لِما يُوجِبُهُ التفرُّدُ، والشُّذُوذُ مِنَ النَّكارةِ والضَّعْفِ (¬5). وقوله: ((ورُدْ)) تأكيدٌ وتكملةٌ. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 196 وتعليقنا عليه. (¬2) في (م): ((الخلاء)). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة: 7، وأحمد 6/ 155، والدارمي (686) والبخاري في الأدب المفرد (693)، وأبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300)، والنّسائيّ في الكبرى (9907) وفي عمل اليوم والليلة (79)، وابن خزيمة (90)، وابن الجارود (42)، وابن حبان (1441)، والحاكم 1/ 158، والبيهقي 1/ 97، والبغوي (188)، والمزي في تهذيب الكمال 8/ 189. ووقع في رواية ابن أبي شيبة: ((يوسف بن أبي برزة)). (¬4) الجامع الكبير 1/ 57. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 198.

المنكر

الْمُنْكَرُ (¬1) 167 - وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ (¬2) ... أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ 168 - إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ ... فَهْوَ بِمَعْناهُ (¬3) كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ 169 - نَحْوَ ((كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ)) الخَبَرْ ... وَمَالِكٍ (¬4) سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ ¬

_ (¬1) ((قد نوزع في إفراده بنوعٍ، وكلامهم يقتضي أنه: الحديث الذي انفرد به الراوي مخالفاً لِمَا رواهُ مَنْ هو أولى منه بالحفظ والإتقان، أو انفرد به من غير مخالفة لِمَا رواه أحد، لكن هذا التفرد نازل عن درجة الحافظ الضابط. يعرف من ذلك أن المنكر من أقسام الشاذّ فلم يحتج لإفراده)). نكت الزركشي 2/ 155. وللدكتور حمزة المليباري في كتابه " نظرات جديدة في علوم الحديث ": 31، رأي آخر في المنكر، فقال: ((وكذلك مصطلح ((المنكر))، فإنه عند المتأخرين ما رواه الضعيف مخالفاً للثقات، غير أن المتقدمين لم يتقيّدوا بذلك، وإنما عندهم كل حديث لم يعرف عن مصدره: ثقة كان راويه أم ضعيفاً، خالف غيره أم تفرد. وهناك في كتب العلل والضعفاء أمثلة كثيرة توضح ذلك، وقد ذكرت بعضها في كتابي " الحديث المعلول: قواعد وضوابط ": 66 - 77. فالمنكر في لغة المتقدمين أعمّ منه عند المتأخرين، وهو أقرب إلى معناه اللغوي، فإن المنكر لغة: نَكِرَ الأمرَ نكيراً وأنكره إنكاراً ونُكْراً، معناه: جهله. وجاء إطلاقه على هذا المعنى في مواضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: ((وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)) (يوسف: 58)، وقوله تعالى: ((يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا)) (النحل: 83). وعلى هذا فإن المتأخرين خالفوا المتقدمين في مصطلح ((المنكر)) بتضييق ما وسعوا فيه)). وانظر في المنكر: الإرشاد 1/ 219، والتقريب: 69، والاقتراح: 198، والمنهل الروي: 51، والخلاصة: 70، والموقظة: 42، واختصار علوم الحديث: 58، والمقنع 1/ 179، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 329، ونزهة النظر: 98، والمختصر: 125، وفتح المغيث 1/ 190، وألفية السيوطي: 39، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 179، وفتح الباقي 1/ 197، وتوضيح الأفكار 2/ 3، وظفر الأماني: 356، وقواعد التحديث: 131، والحديث المعلول قواعد وضوابط: 66 - 77. (2) قال البقاعي في النكت الوفية: 149/أ: ((ما أطلقه البرديجي موجود في كلام أحمد؛ فإنه يصف بعض ما تفرد به بعض الثقات بالمنكر، ويحكم على بعض رجال الصحيحين أن لهم مناكير، لكن يعلم من استقراء كلامه أنه لابد مع التفرد من أن ينقدح في النفس أن له علة ولا يقوم عليها دليل)). (3) قارن بالنكت الوفية (149/ب) (4) قال البقاعي في النكت الوفية: 149/ب ((قوله: ومالك عطف على كلوا البلح أي: نحو كلوا، ونحو مالك في تسمية ابن عثمان عمر، وهو على حذف مضاف أي ونحو تسمية مالك فكأنه قيل ما سمى قال: سمى ابن عثمان، أو يكون التقدير ونحو مالك في أن سمى، فالحاصل أن مراده نحو هذا الحديث، ونحو هذا السند)).

170 - قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ ((نَزْعِهْ ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ)) (وَالمُنْكَرُ) الحَدِيْثُ (الفَرْدُ)، وَهُوَ: الذي لا يُعرفُ متنُهُ مِن غيرِ جِهةِ راويهِ، (كَذَا) الحافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هارونَ (البَرْدِيْجِيْ) أَطلقَ (¬1). (والصوابُ فِيْ التخريجِ)، يعني: فِيْ المرويِّ كَذلِكَ (إجْراءُ تَفْصِيلٍ لَدَى) أي: عِنْدَ (الشذوذِ مَرْ) حَتَّى إنَّهُ ينقسمُ قسمينِ، كالشاذِّ (¬2). (فَهْوَ بمعناهُ، كَذَا الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (ذكرْ)، فلم يُميِّزْ بَيْنَهُمَا. والمعتمَدُ أنَّهما متميِّزانِ، كَمَا جَرى عَلَيْهِ شَيْخُنا (¬3). فالشَّاذُّ: مَا خالفَ فِيهِ الثِّقَةُ مَنْ هُوَ أوثقُ مِنْهُ، أَوْ تفرَّدَ بِهِ قليلُ الضَّبْطِ، كَمَا مَرَّ (¬4). والمُنكرُ: مَا خالفَ فِيهِ المستورُ، أَوْ الضعيفُ الذي يَنْجَبِرُ بمتابعةِ مِثْلِهِ، أَوْ تفرَّدَ بِهِ الضَّعِيفُ الذي لا (¬5) يَنْجَبِرُ بِذَلِكَ. فَعُلِمَ أنَّهما مُتميِّزانِ، وأنَّ كلاً مِنْهُمَا (¬6) قسمانِ. والمقابلُ للشاذِّ: المحفوظُ، وللمنكرِ: المعروفُ (¬7). وبهذا عُلِمَ تفسيرُ المحفوظِ، والمعروفِ، وَقَدْ أهملَهُما النَّاظِمُ تَبَعاً لابنِ الصَّلاحِ، واللائقُ ذِكْرُهُما، كَمَا ذكرَ مَعَ المُتَّصِلِ مَا يقابلُهُ من المرسلِ، والمنقطعِ، والمعضَلِ. ¬

_ (¬1) روى الحافظ ابن الصلاح هذا القول عن الحافظ أبي بكر البرديجي بلاغا فقال: بلغنا عن أبي بكر البرديجي. معرفة أنواع علوم الحديث: 199. وانظر نكت الزركشي 2/ 156 - 157. (¬2) انظر: معرفة أنواع علوم الحديث: 200، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 330، والنكت لابن حجر 2/ 674. (¬3) نزهة النظر: 98. وقال ابن الوزير - متعقبا على ابن الصلاح في تسويته بينهما -: ((كان يليق أن لا يجعل نوعا واحده)) قلنا: بما أنهما متماثلان عند ابن الصلاح ومن تبعه، كان الأولى دمجهما في مكان واحد، كما فعل الطيبي. انظر الخلاصة 69، وتنقيح الأنظار 2/ 5 (مع توضيح الأفكار)، ونزهة النظر 99. (¬4) انظر: نزهة النظر: 99، والنكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 674 - 675. (¬5) في (م): (لم) (¬6) في (ق): ((وأنهما)) (¬7) انظر: نزهة النظر: 98.

ولكلٍّ من قِسْمَيِ المنكرِ هُوَ بمعنى الشاذِّ أمثلةٌ: فمثالُ الثَّانِي مِنْهُمَا: (نَحْوُ ((كُلُواْ البَلَحَ بِالتَّمْرِ))، الخَبَر) (¬1) وتمامُه: ((فإنَّ ابْنَ آدَمَ إذَا أكَلَهُ غَضِبَ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ: عَاشَ ابْنُ آدَمَ حَتَّى أكَلَ الْجَدَيْدَ بالخَلَقِ! (¬2))) (¬3). فهذا الحَدِيْثُ مُنْكَرٌ، كَمَا قَالَهُ النَّسائيُّ (¬4)، وابنُ الصَّلاح (¬5)، وغيرُهما، فإنَّ راويه أبا زُكَيْرٍ وَهُوَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ البَصْرِيُّ، عَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عائِشةَ تفرَّدَ بِهِ، وأخرجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي المتَابَعاتِ (¬6)، غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يبلُغْ رُتْبَةَ مَن يُحتملُ تفرُّدهُ. ولأنَّ مَعناهُ رَكِيكٌ لا ينطبقُ عَلَى مَحاسنِ الشَّريعةِ؛ لأنَّ الشَّيطانَ لا يَغْضَبُ من مجرَّدِ حياةِ ابنِ آدمَ، بَلْ حياتُهُ مسلماً مطيعاً لله تَعَالَى. ومثالُ الأَوَّل: نَحْوُ (مَالِكٍ) حَيْثُ (سَمَّى ابنَ عُثْمانَ) المعروفَ عِنْدَ غيرِهِ، بعَمْرٍو -بفتح العين- (عُمَرْ) بضمها -فِي روايتهِ- (¬7) حديثَ: ((لا يَرِثُ المُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ ¬

_ (¬1) في (ص): ((الخبز)) (¬2) المثبت من النسخ وفي (م): ((مع الخلق)) (¬3) موضوع، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 26، وأقره السيوطي في الللآلئ 2/ 243. أخرجه ابن ماجه (3330)، والنسائي في الكبرى (6724)، وأبو يعلى (4399)، والعقيلي في الضعفاء 4/ 427، وابن حبان في المجروحين 3/ 120، وابن عدي في الكامل 7/ 2697، والحاكم في المستدرك 4/ 21، وفي المعرفة: 100 - 101، والخطيب في تاريخه 5/ 353، قال أبو حاتم والذهبي: ((منكر))، وكذلك استنكره العقيلي وابن عدي، وقال ابن حبان: ((وهذا الكلام لا أصل له من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) وساقه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 25 - 26، والسيوطي في اللآليء المصنوعة 2/ 243 - 244، وذكر أن البلية فيه من أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس المدني. (¬4) لم نجد كلام النسائي في المطبوع من السنن الكبرى، وهو في تحفة الأشراف 12/ 224 (17334) (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 202 - 203 (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 203، والمقنع 1/ 186، ومحاسن الاصطلاح: 181، والتقييد والايضاح: 109، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 428. (¬7) في (ص): ((رواية)).

المُسْلِمَ)) (¬1) عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ، عَنْ عُمَر بنِ عُثْمانَ، عَنْ أسامةَ بنِ زيدٍ. ¬

_ (¬1) الموطأ (1475) ((رواية الليثي)). وقد أخرجه عن مالك أبو مصعب الزهري (3061)، وعبد الله بن مسلمة القعنبي عند الجوهري (210)، والمزي في تهذيب الكمال 5/ 444، وعبد الله بن وهب عند الجوهري (210)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 265، ومحمد بن الحسن (728)، ومصعب بن عبد الله بن الزبير عن ابن عبد البر في التمهيد 9/ 162، وقد رواه عن الزهري غير مالك جماعة منهم: 1 - سفيان بن عيينة عند الحميدي (541)، وأحمد 5/ 200، والدارمي (3005)، ومسلم 5/ 59 (1614)، وأبو داود (2909)، وابن ماجه (2729)، والترمذي (2107)، والنسائي في الكبرى (6376)، وابن الجارود (954)، والطبراني (412)، والبيهقي 6/ 218، والمزي في تهذيب الكمال 5/ 443 - 444. 2 - ومحمد ابن أبي حفصة عند أحمد 5/ 201، والبخاري 5/ 387 حديث (4284)، والطبراني (412). 3 - ومعمر بن راشد عند أحمد 5/ 208 و209، والدارمي (3002)، والنسائي في الكبرى (6379)، والطبراني (412)، والبيهقي 6/ 218. 4 - ابن جريج عند عبد الرزاق (9852)، وأحمد 5/ 208، والبخاري 8/ 194 حديث (6764)، والبيهقي 6/ 217. 5 - ويونس عند ابن ماجه (2730)، والنسائي في الكبرى (6380)، والطحاوي في شرح المشكل (2504)، والدارقطني 4/ 69، والطبراني (412) والبيهقي 6/ 218. 6 - وهشيم عند الترمذي (2107)، والنسائي في الكبرى (6382)، والطبراني (391). 7 - وزمعة بن صالح عند الطبراني في الكبير (412). 8 - عبد الله بن بديل بن ورقاء عند الطبراني (412) 9 - عقيل بن خالد عند النسائي في الكبرى (6378)، والطبراني (412). 10 - يزيد بن عبد الله بن الهاد عند النسائي في الكبرى (6377) والطبراني (412). 11 - يحيى بن سعيد الأنصاري عند الطبراني (412). 12 - سفيان بن حسين عند الطبراني (412). 13 - صالح بن كيسان عند الطبراني (412). قال الترمذي بعد أن ساقه من طريق سفيان بن عيينة وهشيم، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، به: ((وهذا حديث حسن صحيح، هكذا رواه معمر وغير واحد عن الزهري نحو هذا. وروى مالك عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة بن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نحوه. وحديث مالك وهم، وهم فيه مالك، وقد رواه بعضهم عن مالك فقال: عن عمرو بن عثمان، وأكثر أصحاب مالك قالوا: عن مالك، عن عمر بن عثمان، وعمرو بن عثمان هو مشهور من ولد عثمان، ولا يعرف عمر بن عثمان)). الترمذي 3/ 210 حديث (2107م). =

وَعَمْرُو وَعُمَرُ ثِقتانِ، وكلاهما وَلَدُ عُثمانَ، غَيْرَ أنَّ هَذَا الحَدِيْثَ إنَّما هُوَ عَنْ عَمْرٍو - بفتح العينِ - (¬1). وَقَدْ حَكَمَ مُسْلِمٌ، وغيرُهُ عَلَى مَالِكٍ بالوَهَمِ (¬2)، وَقَالَ ابنُ ¬

_ = وقال ابن عبد البر: ((هكذا قال مالك: عمر بن عثمان، وسائر أصحاب ابن شهاب يقولون: عمرو بن عثمان، وقد رواه ابن بكير عن مالك، على الشك، فقال فيه: عن عمر بن عثمان أو عمرو بن عثمان، والثابت عن مالك: عمر بن عثمان، كما روى يحيى وتابعه وأكثر الرواة، وقال ابن القاسم فيه: عن عمرو بن عثمان، وذكر ابن معين عن عبد الرحمن بن مهدي، أنه قال له: قال لي مالك بن أنس: تراني لا أعرف عمر من عمرو، هذه دار عمر، وهذه دار عمرو. أما أهل النسب فلا يختلفون أن لعثمان ابن عفان ابنا يسمى عمر، وله أيضا ابن يسمى عمرا، وله أيضا: أبان والوليد وسعيد، وكلهم بنو عثمان بن عفان، وقد روي الحديث عن عمر وعمرو وأبان ... ومالك يقول فيه: عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة، وقد وافقه الشافعي ويحيى ابن سعيد القطان على ذلك، فقال: هو عمر، وأبى أن يرجع، وقال: قد كان لعثمان ابن يقال له عمر، وهذه داره. ومالك لا يكاد يقاس به غيره حفظا وإتقانا؛ لكن الغلط لا يسلم منه أحد، وأهل الحديث يأبون أن يكون في هذا الإسناد إلا عمرو بالواو، وقال علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، أنه قيل له: إن مالكا يقول في حديث: ((لا يرث المسلم الكافر)): عمر بن عثمان، فقال سفيان: لقد سمعته من الزهري كذا وكذا مرة، وتفقدته منه، فما قال إلا عمرو بن عثمان. وممن تابع ابن عيينة على قوله عمرو بن عثمان: معمر، وابن جريج وعقيل، ويونس بن يزيد، وشعيب ابن أبي حمزة، والأوزاعي، والجماعة أولى أن يسلم لها)). التمهيد 9/ 160 - 162، وانظر: علل ابن أبي حاتم (1635)، وتهذيب الكمال 5/ 444، والتعليق على موطأ مالك رواية الليثي 2/ 21 - 22، وشرح السيوطي: 181 - 182. (¬1) وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 202، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 334 - 335. (¬2) قال الإمام الترمذي - بعد أن ساقه من طريق سفيان بن عيينة وهشيم، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان: ((هذا حديث حسن صحيح. هكذا رواه معمر وغير واحد عن الزهري نحو هذا. وروى مالك، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة بن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. وحديث مالك وهم، وهم فيه مالك، وقد رواه بعضهم، عن مالك فقال: عن عمرو بن عثمان. وأكثر أصحاب مالك قالوا: عن مالك، عن عمر بن عثمان. وعمرو بن عثمان بن عفان هو مشهور من ولد عثمان، ولا يعرف عمر بن عثمان)). جامع الترمذي عقيب (2107م). =

الصَّلاحِ (¬1): فَهُوَ مُنْكرٌ. وَكأنَّهُ أرادَ أنَّهُ مُنْكرُ السَّنَدِ، وإلاّ فَهُوَ مُنْتَقَدٌ بقولِ النَّاظِمِ: (قُلْتُ: فَمَاذا) يَلزمُ مِنْ تَفَرُّدِ مَالِكٍ بِذَلِكَ (¬2)، مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ وَلَدَيْ عُثْمَانَ ثِقةً (¬3)؟ غَايتُه أنَّ السَّنَدَ مُنكرٌ، أَوْ شاذٌّ لمخالفةِ مَالِكٍ الثِّقات فِي ذَلِكَ، ولا يلزمُ مِنْهُ نكارةُ المَتْنِ، ولا شذوذُهُ، بدليلِ مَا ذكرَهُ - أعني: ابنَ الصَّلاحِ - فِي المعلَّلِ مِثالاً لما يَكُونُ مَعْلولَ السَّنَدِ، مَعَ صحَّةِ مَتْنِهِ، وَهُوَ خَبرُ ((البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ)) حَيْثُ رَواهُ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ (¬4)، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ. قَالَ: والعِلَّةُ فِي قولِهِ: عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، وإنَّما هُوَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دينارِ، والمتنُ صَحِيْحٌ بكلِّ حالٍ؛ فَلاَ يَصْلُحُ ذَلِكَ الخبرُ مِثالاً لمُنكرِ المتنِ (¬5). ¬

_ = وقال الإمام النسائي في الكبرى عقب (6377): ((والصواب من حديث مالك: عمرو ابن عثمان، ولا نعلم أن أحدا من أصحاب الزهري تابعه بعد على ذلك)). وقال ابن عبد البر: ((هكذا قال مالك: عمر بن عثمان، وسائر أصحاب ابن شهاب يقولون: عمرو بن عثمان، وقد رواه ابن بكير عن مالك على الشك فقال فيه: عن عمر ابن عثمان أو عمرو بن عثمان والثابت عن مالك: عمر بن عثمان كما روى يحيى وتابعه القعنبي وأكثر الرواة، وقال ابن القاسم فيه: عن عمرو بن عمان. وذكر ابن معين عن عبد الرحمن بن مهدي، أنه قال له: قال لي مالك بن أنس: تراني لا أعرف عمر من عمرو، هذه دار عمر، وهذه دار عمرو ... ومالك لا يكاد يقاس به غيره حفظا وإتقانا؛ لكن الغلط لا يسلم منه أحد، وأهل الحديث يأبون أن يكون في هذا الإسناد إلا عمرو بالواو ... الخ)). التمهيد 9/ 160 - 161. (¬1) معرفة أنواع علم الحديث ساق معناه: 200 (¬2) ((بذلك)): لم ترد في (ص). (¬3) انظر شرح التبصرة والتذكرة 1/ 336 (¬4) رواية يعلى بن عبيد شاذة، أخرجها الطبراني في الكبير (13629)، وقد تحرف اسم يعلى فيها، ممّا دل على سوء الطبعة. (¬5) هذا الحديث صحيح، رواه عدد كبير من الصحابة يزيد مجموعهم على عشرين، والحديث اعتنى بتخريج طرقه الحافظ الزيلعي في نصب الراية 4/ 1 - 4، والحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير3/ 23، وللمنذري مؤلف في تخريج طرقه، وهو مخطوط محفوظ بدار صدام للمخطوطات، وانظر تفصيل الروايات والطرق في مسند أبي يعلى 10/ 192 - 193، وإتحاف المهرة 8/ 528 حديث (9890)، والمسند الجامع 10/ 437 حديث (7729)، وكشف الإيهام (547).

بَلْ مِثالُهُ: (حديثُ: نَزْعِهْ) - صلى الله عليه وسلم - (خَاتَمَهُ عِنْدَ) دخولِ (الخَلاَ) - بالقصرِ للوزنِ - (وَوَضْعِهْ) (¬1). فإنَّ همَّامَ بنَ يَحْيَى رَواهُ عَنْ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنسٍ، كَمَا رَواهُ أصحابُ " السُّنَنِ " الأربعةِ. فَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ((إنَّه مُنكرٌ)) (¬2). قَالَ: وإنَّما يُعرفُ عَنْ ابنِ جُريجٍ، عَنْ زيادِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنسٍ: ((أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، اتَّخَذَ خَاتَماً من وَرِقٍ، ثُمَّ ألْقَاهُ)). قَالَ: والوَهَمُ فِيهِ من همَّامٍ، وَلَمْ يروِهِ غيرُهُ. لَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّه حَسَنٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (19)، وابن ماجه (303)، والترمذي (1746)، وفي الشمائل (93)، والنّسائيّ 8/ 178، وابن حبان (1410)، والحاكم 1/ 187، والبيهقي 1/ 94 و 95، والبغوي (189). (¬2) سنن أبي داود 1/ 5 عقب (19). قلنا: جاء في حاشية شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337 تعليق نصه: ((قال الحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه: ورواه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، فعلى هذا لم ينفرد به همام)). نقول: متابعة يحيى - هو ابن المتوكل - أخرجها الحاكم 1/ 187، والبيهقي 1/ 95، وضعّف البيهقي هذه المتابعة، ونازعه العراقي في التقييد: 108، بأنّ البيهقي ظنّه أبا عقيل صاحب بهية وهو ضعيف كما في الميزان 4/ 404، والصواب أنّه باهليّ يكنى أبا بكر، قال فيه ابن معين: لا أعرفه (سؤالات ابن الجنيد: 879)، قال ابن حجر في نكته 2/ 678: ((أراد جهالة عدالته لا جهالة عينه))، وذكره ابن حبان في ثقاته 7/ 612، فقال: ((يخطئ)). وعلى هذا فهو ممن يعتبر به. فلا تصحّ دعوى تفرد همّام به. ومما يزيدنا يقيناً أنّ الخطأ في هذا الحديث ليس من همام، أنّ سماع أهل البصرة من ابن جريج لما قدم عليهم فيه خلل من جهة ابن جريج لا من جهتهم، ويحيى وهمام كلاهما بصري (نكت ابن حجر 2/ 677). والذي يظهر أنّ الخلل في هذا الحديث تدليس ابن جريج، حيث أسقط الواسطة بينه وبين الزهري، وهو زياد بن سعد -على ما صرّح به في الرواية الثانية-. فعلّته الوحيدة تدليس ابن جريج، لذا قال الحافظ في نكته 2/ 678: ((ولا علّة له عندي إلا تدليس ابن جريج، فإنْ وجد عنه التصريح بالسماع، فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي))، ومعلوم عند أهل النقد أنّ تدليس ابن جريج من أقبح التدليس. انظر: تهذيب الكمال 4/ 562 والتعليق عليه. (¬3) الجامع الكبير 3/ 355 عقب (1746).

الاعتبار والمتابعات والشواهد

قَالَ النَّاظِمُ (¬1): وَهَمَّامٌ ثقةٌ، احتجَّ بِهِ أَهْلُ الصَّحِيحِ، لكنَّهُ خالفَ الناسَ فِيْمَا ذَكَرُوا (¬2). واعْلَمْ أنَّ مَا ذكرَهُ من ردِّهِ لتمثيلِ ابنِ الصَّلاحِ، ومِنْ تمثيلِهِ بهذا، مبنيٌّ عَلَى أنَّ المنكرَ خاصٌّ بالمتنِ، وأنَّ المخالِفَ يستوي فِيهِ الثِّقَةُ، وغيرُهُ. والأوَّلُ: ممنوعٌ. والثاني: إنَّما يأتي عَلَى قَوْلِ البَرْدِيْجِيِّ، لاَ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنا، وَلِهذا مَثَّلَ شيخُنا (¬3) بِمَا يوافقُ مَا مَرَّ عَنْهُ. الاعْتِبَارُ (¬4) وَالْمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ (¬5) اللَّتَانِ يُسْتَفادُ بكُلٍّ مِنْهُمَا التَّقْوِيةُ 171 - الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ هَلْ ... شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ 172 - عَنْ شَيْخِهِ، فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ ... مُعْتَبَرٍ (¬6) بِهِ، فَتَابِعٌ، وَإنْ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337. (¬2) في (م): ((ذكر)). (¬3) في (ص) لم ترد كلمة: ((شيخنا)). (¬4) قلّد الحافظ العراقي في هذا ابن الصلاح، وقد انتقد الحافظ ابن حجر هذا الصنيع، فقال في نكته على ابن الصَّلاح 2/ 681: ((هذه العبارة توهم أنّ الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد وليس كذلك، بل الاعتبار هو: الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد؛ وعلى هذا فكان حقّ العبارة أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد)). وانظر بلابد: النكت الوفية للبقاعي: 152/ ب، قلنا: لكن صنيع الشارح زكريا الأنصاري أقل اعتراضاً؛ لأنه ذكر عقبه ما يزيل الإشكال الذي استشكله شيخه الحافظ ابن حجر. (¬5) انظر في الاعتبار والمتابعات والشواهد: معرفة أنواع علم الحديث: 204، وإرشاد طلاب الحقائق1/ 221 - 224، والتقريب: 70، والمنهل الروي: 59، والخلاصة: 57، واختصار علوم الحديث: 59، ونكت الزّركشيّ 2/ 169 - 173، والشذا الفياح 1/ 189 - 191، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 339 - 345، ونزهة النظر: 99، ونكت ابن حجر 2/ 681، والمختصر: 142، وفتح المغيث 1/ 159، وألفية السيوطي: 51 - 52، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 185 - 186، وتوضيح الأفكار2/ 11، وظفر الأماني: 323، وتوجيه النظر 1/ 494. (¬6) قال البقاعي في النكت الوفية: 153/ أ: ((يعني بأن يكون أهلاً للعضد بأن يكون فيه قوةٌ فلو قال: أهل العضد فهو تابعٌ لكان أوضح لأنه يتبادر إلى الذهن أن معنى معتبر به معنى الاعتبار)).

173 - شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ فَكَذَا ... وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِداً (¬1)، ثُمَّ إذَا 174 - مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى فَالشَّاهِدُ ... وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ (الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ) أي: اختبارُكَ، ونظرُكَ (الحَدِيْثَ) الذي تجدُهُ فِي كُتُبِهِ، بأنْ تَنْظُرَ طُرقَهُ، لتعْرِفَ: (هل شَارَكَ) راويه الذي يُظَنُّ تفرُّدُهُ بِهِ (راوٍ غيرَهُ فِيْمَا حَمَلْ) مِن ذَلِكَ الحَدِيْثِ (عَنْ شَيْخِهِ) سواءٌ اتَّفقا فِي روايتهِ بلفظِهِ عَنْهُ أَمْ لا (¬2)؟ فالاعتبارُ لَيْسَ قَسِيْماً لتاليَيْهِ، بَلْ طريقٌ لَهُمَا. ومفعولُ (شارَكَ) محذوفٌ كَمَا تقرَّر، أَو (راوٍ) عَلَى لُغَةِ مَنْ جَعَلَ إعرابَ المنقوصِ نَصْباً كإعرابهِ رفعاً وجراً. فالفاعلُ عَلَى الأَوَّل ((راوٍ))، وعلى الثَّانِي ((غيرَهُ)). (فَإنْ يَكُنْ) راوي الحَدِيْثِ (شُوْرِكَ مِنْ) راوٍ (مُعتبَرٍ بِهِ)، بأَنْ يصلُحَ أَنْ يُخَرَّجَ حديثُهُ للاعتبارِ، والاستشهادِ بِهِ، كَمَا يأتي بيانُه فِي مراتبِ الجرحِ، والتعديلِ، (ف‍) حديثُ مَنْ شاركَ (تابعٌ) حقيقةً، وهذهِ متابعةٌ تامَّةٌ، إنْ اتَّفَقا فِي رِجالِ السنَدِ كُلِّهِم. (وإنْ شُورِكَ شيْخُهُ) فِي روايتِهِ لَهُ (¬3) عَنْ شيخِهِ (فَفَوْقُ) -بِبنائِهِ عَلَى الضَمِّ - أي: ففوقَ شيخِهِ إلى آخرِ السَّنَدِ واحداً بَعْدَ واحدٍ حَتَّى الصَّحَابيّ (فكذا) أي: فَهُوَ تابعٌ أَيْضاً، لكنَّهُ قاصرٌ عَنْ مُشاركتِهِ هُوَ، وكُلَّما بَعُدَ فِيهِ المتابعُ، كَانَ أقصرَ. (وَقَدْ يُسَمَّى) أي: كُلٌّ مِنَ المتَابعِ لشيخِهِ، فَمَنْ فَوْقَهُ (شَاهِداً) أَيْضاً (¬4). (ثُمَّ) بَعْدَ فَقْدِ التابعِ، (إذَا مَتْنٌ) آخرُ فِي البابِ، إمّا عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابيّ، أَوْ غيرِهِ، (بِمَعْناهُ أَتَى ف‍) هُوَ (الشاهِدُ). ¬

_ (¬1) قال البقاعي في النكت الوفية 153/أ: ((وهي المتابعة القاصرة، وأما المتابعة التامة، وهي متابعة الراوي نفسه عن شيخه فلا يسمى شاهداً؛ لأنها هي المتابعة الحقيقة، ومتى كانت المشاركة في ذلك الصحابي فهي متابعة سواء كانت باللفظ أو بالمعنى تامةً أو قاصرة)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 340. (¬3) ((له)): لم ترد في (ق). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 341.

والحاصلُ أنَّ التابعَ مُخْتصٌّ بما كَانَ باللفظِ، سواءٌ أكانَ (¬1) من رِوَايَة ذَلِكَ الصحابيِّ أَمْ لا، وأنَّ الشاهدَ مُختصٌّ بِما كَانَ بالمعنى كَذلِكَ، وأنَّه قَدْ يُطلقُ عَلَى المتابعةِ القاصرةِ. وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ شَيْخُنا، لكنَّه رجَّحَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ من أنَّه لا اختصاصَ فيهِمَا بِذَلِكَ، وأنَّ افتراقَهما بالصَّحابيِّ فَقَطْ، فكلُّ مَا جَاءَ عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابيِّ فتابعٌ، أَوْ عَنْ غيرِهِ فَشَاهدٌ. قَالَ: وَقَدْ يُطلقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخرِ، والأمرُ فِيهِ سَهْلٌ (¬2). (وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا) أي: مَا ذُكِرَ مِن تابعٍ وشاهدٍ (مَفَارِدُ) - بفتح الميم - أي: أفرادٌ، فيكونُ الحَدِيْثُ فرداً، وينقسمُ بَعْدَ ذَلِكَ لِقسمَيِ: الشَّاذِّ والمُنكرِ، كَمَا مَرَّ. وممَّنْ صرَّحَ بما مَرَّ فِي كيفيةِ الاعتبارِ، ابنُ حِبَّانَ (¬3)، حَيْثُ قَالَ: مثالُه: أن يَرْوِيَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ حَدِيثاً، لَمْ يُتَابعْ عَلَيْهِ عَنْ أيُّوبَ، عَنْ ابنِ سِيرينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ-، عَنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فيُنْظَرَ (¬4): هل رَوَى ذَلِكَ ثِقَةٌ غَيْرُ أيوبَ، عَنِ ابنِ سيرينَ؟ فإنْ وُجِدَ، عُلِمَ أنَّ للخبرِ أصلاً يُرْجَعُ إِليهِ. وإنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فثقةٌ غيرُ ابنِ سيرينَ رَواهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وإلاَّ فَصَحَابِيٌّ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬5)، رَواهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فأيُّ ذَلِكَ وُجِدَ، يُعْلَمُ بِهِ أَنَّ للحديثِ أصلاً يرجعُ إِليهِ، وإلاّ فَلاَ (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) في (ص) و (ق): ((كان)). (¬2) نزهة النظر: 101 - 102. (¬3) الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/ 143 - 144 (وطبعة دار الفكر 1/ 63). (¬4) هذا النظر يقال له: الاعتبار. (¬5) إنّ افتراق الشاهد والمتابع بالصحابي فقط، فكلما جاء عن ذلك الصحابي فتابع، سواء كان باللفظ أو بالمعنى، أو عن غيره فشاهد كذلك. وقد تطلق المتابعة على الشاهد وبالعكس، والأمر فيه سهلٌ. انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 466. (¬6) قال البقاعي في النكت الوفية: 154/ أ: ((أي: وإن لم يوجد شيءٌ من ذلك لم يعلم أنّ للحديث أصلاً يرجع إليه، وظاهر هذه العبارة مشكل من حيث إنه يوهم أنه لو روي حديث بمثل هؤلاء الرجال لا يقبل إذا لم يوجد له متابع أصلاً)).

ولا يختصُّ ذَلِكَ بالثقةِ، وَلهَذا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((واعلمْ أنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي بابِ المتابعةِ والاستشهادِ روايةُ مَنْ لا يُحتجُّ بِحَدِيثِهِ وَحْدَهُ، بَلْ يكونُ مَعدوداً من الضُّعفاءِ، وفِي كتابَيِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعفاءِ، ذَكَرَاهُم فِي المتابعاتِ والشواهدِ، وَلَيْسَ كُلُّ ضعيفٍ يَصْلُحُ لِذلِكَ، ولهذا يقولونَ: فُلاَنٌ يعتبرُ بِهِ، وفلانٌ لا يعتبرُ بِهِ)) (¬1). 175 - مِثَالُهُ ((لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا)) ... فَلَفْظَةُ ((الدِّبَاغِ)) مَا أتَى بِهَا 176 - عَنْ عَمْرٍو الاَّ (¬2) ابنُ عُيَيْنَةٍ (¬3) وَقَدْ ... تُوبِعَ (¬4) عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ 177 - ثُمَّ وَجَدْنَا ((أَيُّمَا إِهَابِ)) ... فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ (¬5) في البابِ (مِثَالُهُ) أي: مَا وُجِدَ لَهُ تابعٌ وشاهدٌ، خَبَرُ: (لَوْ أخَذُواْ إهَابَهَا) -بكسرِ الهمزة - أي: جِلْدَها ((فَدَبَغُوْهُ فَانْتَفَعُواْ بِهِ)) المرويُّ عَنْ مسلمٍ (¬6)، وغيرِهِ (¬7)، من طريقِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، عَنْ عطاءِ بنِ أَبِي رباحٍ، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ: ((أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَرَّ بِشَاةٍ مَطْرُوْحَةٍ أعْطِيَتْهَا مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ))، فَذَكَرَهُ. (فلفظةُ الدِّبَاغِ) فِيهِ (مَا أَتَى بِهَا) أَحَدٌ (¬8) (عَنْ عَمْرٍو) مِن أَصْحابِهِ (الاَّ) (¬9) -بدرجِ الهمزةِ - (ابنُ عُيَيْنَةٍ) بصَرفِهِ للوزنِ - فإنَّه انفردَ بِها، وَلَمْ يُتابعْ عَلَيْهَا. (وَقَدْ تُوبعَ) شيخُهُ (عَمْرٌو)، عَنْ عطاءٍ (فِي الدِّباغِ). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 205. (¬2) بالدرج؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح عليه. (¬3) صرف للوزن. (¬4) قال البقاعي في النكت الوفية: 153/ أ: ((هذه متابعة قاصرة، والمتابعة التامة أن يتابع أحدٌ ابن عيينة في الرواية عن عمرو والإتيان بلفظة الدباغ)). (¬5) في (م): ((شاهداً)) بالنصب، خطأ، ومن عجب أن الناشر قيّدها بالرفع حين جاءت ممزوجة بالشرح. (¬6) صحيح مسلم 1/ 190 عقب (363). (¬7) المجتبى 7/ 172. وكذلك رواه: الحميدي (491) عن شيخه سفيان بن عيينة مباشرة. (¬8) ((أحد)): لم ترد في (ص) و (ق). (¬9) أثبت ناشر (م) الهمزة، وهو ذهول مركب.

فَرواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (¬1)، والْبَيْهَقِيُّ (¬2) عَنْ ابنِ وَهْبٍ، عَنْ أُسامةَ بنِ زيدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لأهلِ شاةٍ مَاتتْ: ((ألاَّ نَزَعْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوْهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ)). قَالَ البَيْهَقِيُّ (¬3): وَهَكذا رواهُ اللَّيثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزيدَ بنِ أبي حَبِيْبٍ، عَنْ عطاءٍ. وكذا رَواهُ يَحْيَى بنُ سعيدٍ، عَنْ ابنِ جُريجٍ، عَنْ عطاءٍ. فهذهِ مُتابعاتٌ لابنِ عُيَيْنَةَ فِي (¬4) شَيخِ شيخِهِ، (فاعتُضِدْ) بها (¬5). (ثُمَّ وَجَدْنَا) من روايةِ عبدِ الرَّحمانِ بنِ وَعْلَةَ (¬6)، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً: ((أيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)) (¬7) رَواهُ مُسْلِمٌ (¬8) وغيرُهُ (¬9). ولفظُ مُسْلِمٍ: ((إذَا دُبِغَ الإِهَابُ)). (فَكانَ فِيهِ) لكونِه بمعنى حَدِيثِ ابنِ عُيَيْنَةَ (شاهدٌ فِي البابِ). أي: عِنْدَ من لا يَقْصُرُهُ عَلَى مَا جاءَ عَنْ صَحَابِيٍّ آخرَ، أما مَنْ يَقْصُرُهُ عَلَيْهِ -وهم الْجُمْهُورُ كَمَا مَرَّ- فعنَدهُم: أنَّ رِوَايَةَ ابنِ وَعْلَةَ هذِهِ مُتَابعةٌ لفظاً (¬10) لِعَطاءٍ. ¬

_ (¬1) سنن الدّارقطنيّ 1/ 44. (¬2) السّنن الكبرى 1/ 16 و 23. (¬3) السّنن الكبرى 1/ 16. (¬4) في (ص): ((عن)). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 345. (¬6) بفتح الواو وسكون المهملة. التقريب (4039). (¬7) انظر: النكت الوفية: 145/ ب. (¬8) صحيح مسلم 1/ 190 عقب (363). (¬9) منهم أصحاب السّنن: سنن أبي داود (4123)، وابن ماجه (3609)، والترمذي (1728)، والنسائي 7/ 173. وأخرجه أيضاً: مالك (1437) ((رواية يحيى الليثي))، = = والشافعي في المسند بتحقيقنا (18)، وعبد الرزاق (190)، والطيالسي (2761)، والحميدي (486)، وابن أبي شيبة (24761)، وأحمد 1/ 219 و 270 و 279 و 280 و 343، والدارمي (1991) و (1992)، وأبو يعلى (2385)، وأبو عوانة 1/ 212، والطحاوي 1/ 469، وفي شرح المشكل (3243)، وابن حبان (1284) (1285)، والطبراني في الصغير (668)، والدارقطني 1/ 46، والبيهقي 1/ 16 و 17. (¬10) كلمة ((لفظاً)). سقطت من (ص) و (ق).

ولهذا عَدَلَ شَيْخُنا (¬1) عَنْ التمثيلِ بِهِ، إلى التمثيلِ بحديثٍ فِيهِ المتابعةُ التامَّةُ والقاصرةُ، والشاهدُ باللَّفْظِ، والشاهدُ بالمعنى. وَهُوَ: مَا رَواهُ الشَّافِعيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي اللهُ عَنْهما؛ أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((الشَّهْرُ تِسعٌ وَعِشْرُوْنَ، فَلاَ تَصُوْمُوْا حَتَّى تَرَواُ الهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوْا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوْا الْعِدَّةَ ثَلاَثِيْنَ)) (¬2). رَواهُ عِدَّةٌ مِنْ أصْحابِ مَالِكٍ بِلَفظِ: ((فَاقْدُرُوْا لَهُ)). فَأشارَ البَيْهَقِيُّ (¬3) إلى أنَّ الشَّافِعيَّ تَفَرَّدَ بقولِهِ: ((فَأكْمِلُوْا الْعِدَّةَ ثلاَثِيْنَ)). فنظرنا، فَوَجَدْنا البُخَارِيَّ (¬4) رَواهُ بلفظِ الشَّافِعيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ إلى آخرِهِ. فهذهِ مُتَابَعةٌ تامَّةٌ لما رَواهُ الشَّافِعيُّ. ودلَّ هَذَا عَلَى أنَّ مالكاً رَواهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دينارٍ باللفظينِ، وَقَدْ تُوبعَ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بنُ دينارٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ، حَيْثُ رواهُ مُسْلِمٌ (¬5) مِن طَريقِ أَبِي أُسامةَ، عَنْ عُبيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نافعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ بلفظِ: ((فَاقْدُرُوْا ثَلاَثِينَ)). ورواهُ ابنُ خُزَيْمَةَ (¬6) من طريقِ عَاصِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زيدٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابنِ عُمَرَ، بلفظِ: ((فَكَمِّلُوْا ثَلاَثِيْنَ)). ¬

_ (¬1) نزهة النظر: 101 - 102. (¬2) أخرجه مالك (رواية الليثي 782، وأبي مصعب الزّهريّ 763، وسويد بن سعيد 453). وأخرجه الشّافعيّ في مسنده (103) (ط. العلمية)، وبتحقيقنا (608)، ومن طريقه الطحاوي في شرح المشكل (3762)، والبيهقي 4/ 205، وابن عبد البر في التمهيد 17/ 79. وأخرجه البخاريّ 3/ 34 (1907)، ومسلم 3/ 122 عقب (1080)، والطحاوي في شرح المشكل (3761) و (3763)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق 1/ 422، والبيهقيّ 4/ 205. (¬3) السّنن الكبرى 4/ 205. (¬4) البخاريّ 3/ 34 (1907). (¬5) صحيح مسلم 3/ 122 عقب (1080). (¬6) صحيح ابن خزيمة 3/ 202 (1909).

زيادات الثقات

فهذهِ متابعةٌ قاصرةٌ. وَلَهُ شاهِدانِ: أحدُهما: مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَواهُ البُخَارِيُّ (¬1) عَنْ آدمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بلفظِ: ((فَأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِيْنَ)). وثانيهما: من حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَواهُ النَّسَائِيُّ من طريقِ عَمْرِو بنِ دينارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُنَيْنٍ (¬2)، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ بلفظِ حَدِيثِ ابنِ دينارٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ سواءٌ (¬3). وهذا باللفظِ، ومَا قبلَهُ بالمعنى. زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ (¬4) 178 - وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ مِنْهُمُ ... وَمَنْ سِوَاهُمْ فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ 179 - وَقِيْلَ: لاَ، وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ وَقَدْ ... قَسَّمَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ 180 - دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ ... فِيْهِ صَرِيْحاً فَهْوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ 181 - أَوْ لَمْ يُخَالِفْ، فَاقْبَلَنْهُ وَادَّعَى ... فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ مُجْمَعَا 182 - أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ نَحْوُ ((جُعِلَتْ ... تُرْبَةُ الارْضِ)) (¬5) فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ ¬

_ (¬1) صحيح البخاريّ 3/ 43 (1909). (¬2) في (ص): ((حسين)). (¬3) سنن النّسائيّ 4/ 135. (¬4) انظر في زيادات الثقات: معرفة علوم الحديث: 130، والكفاية: 597، وجامع الأصول 1/ 103، ومعرفة أنواع علم الحديث: 207، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 225 - 231، والتقريب: 71 - 72، والمنهل الروي: 58، والخلاصة: 56، ونظم الفرائد: 370، واختصار علوم الحديث: 61، ونكت الزَّرْكَشِيّ 2/ 174 - 197، والشذا الفياح 1/ 192 - 196، ومحاسن الاصطلاح: 185، والتقييد والإيضاح: 111، وشرح التبصرة 1/ 346 (بتحقيقنا)، ونزهة النظر: 95، والنكت على كتاب ابن الصلاح2/ 686، والمختصر: 171، وفتح المغيث 1/ 199، وألفية السيوطي: 53 - 54 وتوضيح الأفكار 2/ 16، وقواعد التحديث: 107، وتوجيه النظر 1/ 436 - 467، وأثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء: 254 - 280. (¬5) بجعل همزة القطع في (الأرض) همزة وصل (الارض) وتحريك اللام ليستقيم الوزن (وهو من ضرورات الشعر).

وتُعْرَفُ بجَمْعِ الطُّرُقِ والأبوابِ، وهيَ مِنَ الصَّحابةِ مقبولةٌ اتِّفاقاً، ومِنْ غيرِهِمْ مَا ذَكَرَهُ بقولِهِ: (واقْبَلْ) أنتَ (زياداتِ الثِّقاتِ) مُطْلَقاً مِنَ التابِعِينَ فَمَنْ دُوْنَهُم (مِنْهُمُ) أيْ: مِنَ الثِّقَاتِ الرَّاوِينَ للحديثِ بِدُونِها؛ بأنْ رَواهُ أحدُهُم بدونِها ومَرَّةً بها. (وَمَنْ سِوَاهُمْ) أي: سِوَى الرَّاوِينَ بِدُونِها مِنَ الثِّقاتِ أيضاً، سَواءٌ أكانتْ (¬1) فِي اللَّفْظِ، أمْ فِي المَعْنَى، تَعَلَّقَ بها حُكْمٌ شرعيٌّ أمْ لاَ، غَيَّرتِ الحكْمَ الثابتَ أمْ لاَ، غَيَّرتِ الإعرابَ أمْ لاَ، عُلِمَ اتِّحادُ (¬2) المجلسِ أمْ لاَ، كَثُرَ السَّاكِتونَ عنها أمْ لا؟. (ف‍) هَذَا مَا (عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ) مِنَ الفقهاءِ والمحدِّثِينَ والأصولِيِّيْنَ (¬3). وَقَيَّدَهُ جماعةٌ - مِنْهُمْ: ابنُ عبدِ البَرِّ - بما إذا لَمْ يَكُنْ راويها دونَ مَنْ لَمْ يَرْوِها حِفْظاً وإتقاناً (¬4). (وَقِيْلَ: لاَ) تُقبلُ الزِّيادةُ مُطلَقاً، لا (¬5) ممَّنْ رواهُ نَاقِصاً، ولاَ مِنْ غَيرِهِ (¬6)؛ لأنَّ تَرْكَ الْحُفَّاظِ لَها يُضَعِّفُها، إذْ يبعدُ عادةً سماعُ الجماعةِ لحديثٍ واحدٍ، وذهابُ زيادةٍ فيهِ عَلَى أكثرِهِمْ و (¬7) نِسيانِها. ¬

_ (¬1) في (ع): ((كانت)). (¬2) في (ع) و (ق): ((اتحدّ)). (¬3) ادّعى ابن طاهر الاتفاق على هذا كما نقله عنه العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348، والسيوطي في التدريب 1/ 346. ونقل ذلك الخطيب في الكفاية (597 ت، 424 هـ)، عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث. قلنا: في النقل عن الجمهور نظر؛ فقد قال ابن دقيق العيد في مقدّمة " الإمام " كما نقل ابن حجر في النكت 2/ 604: ((من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنّه إذا تعارض رواية مرسل ومسند أو رافع وواقف أو ناقص وزائد أنّ الحكم للزائد فلم يصب في هذا الإطلاق؛ فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول))، وقال العلائي: ((كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطّان، وأحمد بن حنبلٍ، والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث)). توضيح الأفكار 1/ 344. (¬4) فتح المغيث 1/ 223. (¬5) في (ع)، و (ق): ((إلا)). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348. (¬7) في (ق): ((أو)).

(وَقِيْلَ: لاَ) تُقْبَلُ (مِنْهُمْ) أي: ممَّنْ رواهُ مرَّةً بِدُونِها، ومرَّةً بها؛ لأنَّ رِوَايتَهُ لَهُ بدونِها أورثَتْ شَكّاً فِيْهَا؛ لأنَّ الإنسانَ طُبِعَ علَى (¬1) إشهارِ (¬2) عِلْمِهِ. وتُقْبَلُ مِنْ غيرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ؛ لانتفاءِ ذلكَ فيهِ. وقيلَ: تُقْبَلُ إنْ لَمْ تُغَيِّرِ الإعرابَ (¬3). وقِيلَ: تُقْبَلُ إنِ اخْتَلَفَ المجلسُ، أو ادَّعَى نسيانَها (¬4). وَقِيْلَ: لاَ تُقْبَلُ إنْ كَثُرَ السَّاكِتونَ عنها، ولَمْ يَغْفُلْ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِها (¬5). وقِيْلَ: لا تُقْبَلُ إلاَّ أنْ تُفِيْدَ حُكْماً (¬6). وقِيْلَ: تُقْبَلُ في اللَّفْظِ، كالتأكيدِ دونَ المعنى (¬7). وقيْلَ: عَكْسُهُ (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): ((على حب)). (¬2) في (ع): ((اشتهار)). (¬3) حكاه ابن الصّبّاغ عن بعض المتكلّمين. وهو قول الإمام الرّازيّ وأتباعه وحكاه الهندي عن الأكثرين. البحر المحيط 4/ 333. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350. (¬4) نسبه العلائي إلى جمع من أئمة الأصول. (¬5) هو اختيار ابن السمعاني وغيره. انظر: البحر المحيط 4/ 331، وفتح المغيث 1/ 201. (¬6) حكاه الخطيب في الكفاية: (597 ت، 425 هـ‍)، وحكاه القاضي عبد الوهاب، كما في البحر المحيط 4/ 333، وقال البقاعي في النكت الوفية: 156/أمعلقاً على هذا الرأي: ((لأن الأحكام مدار الحديث، والراوي ثقة فلا وجه للرد)). (¬7) حكاه الخطيب في الكفاية: (597 ت، 425 هـ‍)، وانظر في هذا الرأي: النكت الوفية: 156/ أ. (¬8) هناك مذاهب أخرى في زيادات الثقات أغفلها المصنف، منها: 1 - إن لم تخالف الحكم الذي رواه الباقون قبلت، وإلا فلا، حكاه ابن كثير عن بعضهم من غير تعيين. 2 - إن كان وقوع الزيادة منه أكثر قبلت، وكذا إن استويا، وإلاّ فلا، وهو قول الفخر الرازي في المحصول. 3 - إذا كان راويها حافظاً متقناً قبلت، وإلاّ فلا، وهو قول الترمذي والصيرفي والخطيب البغدادي. 4 - إذا كانت الزيادة من جهة المعنى دون اللفظ قبلت، وإلا فلا. حكاه السيوطي. 5 - عدم قبول الزيادة في المتن إلاّ ممن كان الغالب عليه الفقه، وهو قول ابن حبان في مقدمة صحيحه. 6 - عدم الحكم بحكم كلي، وإنما يكون القبول والرد تبعاً للقرائن. وهو مذهب المتقنين من المحدّثين. انظر: الكفاية: (597ت، 424هـ‍)، واختصار علوم الحَدِيْث: 61، والبحر المحيط4/ 330، والمقنع 1/ 191، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 347 - 351، وفتح المغيث1/ 200، وتدريب الرّاوي1/ 245، وشرح السيوطي: 188.

(وَقَدْ قَسَّمَهُ) أي: مَا يَنفردُ بهِ الثِّقَّةُ مِنَ الزيادةِ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاَحِ (¬1)، (فَقَالَ): أخذاً من كلامِهِمْ قَدْ رأيتُ تقسيمَ ما ينفرِدُ بهِ الثِّقَةُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: (ما انفردْ): بروايتِهِ (دُوْنَ الثِّقَاتِ)، أو ثقةٍ أحفظَ، (ثِقَةٌ خالَفَهُمْ)، أو خالَفَ الثِّقَةَ الأحفَظَ (فيهِ) أي: فيما انفَرَدَ بهِ (صَرِيحاً)، بأنْ لا يمكنُ الجمْعُ بينَهُما. (فَهْوَ رَدٌّ) أي: مردودٌ، كما مَرَّ في الشاذِّ، (عِندَهُم) أي: عِنْدَ المحقِّقِينَ، ومنهمْ: الشافِعيُّ. (أو لَمْ يُخالِفْ) فيهِ أصلاً، كتفرُّدِهِ بحديثٍ. (فاقْبَلَنْهُ) (¬2)؛ لأنَّهُ جازمٌ بما رواهُ، وهو ثقةٌ، ولا مُعارضَ لروايَتِهِ؛ إذِ السَّاكِتُ عنها لَمْ يَنْفِها لفظاً ولا معنًى. (وادَّعَى فيْهِ) أي: في قَبولِ هذا القِسْمِ (الخطيبُ) البغداديُّ (¬3) (الاتِّفاقَ) مِنَ العُلماءِ حالةَ كونِهِ (مُجْمَعا) عليهِ، وهَذَا تكملةٌ وتأكيدٌ. (أو خَالفَ الاطلاقَ)، بأنْ زادَ لفظةً في حديثٍ لَمْ يَذْكُرْها سائرُ مَنْ رواهُ. (نَحْوُ: جُعِلَتْ تُرْبَةُ الارْضِ) بدرجِ الهمزةِ -في حديثِ: ((فُضِّلْتُ على الناسِ بثلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوْفُنا كصُفُوفِ الملائكةِ، وجُعِلَتْ لَنا الأرضُ مَسْجِداً وطَهُوراً)) (¬4). (فَهْيَ) أي: زيادَةُ: ((تُرْبَةٍ)) (فَرْدٌ نُقِلَتْ) تَفَرَّدَ بها أبو مالكٍ (¬5) سَعْدُ بنُ طارقٍ الأشْجَعِيُّ (¬6)، عنْ رِبْعِيٍّ (¬7)، عَنْ حُذَيْفَةَ. رواهَا مسلمٌ (¬8) وغيرُهُ (¬9). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 209. (¬2) بنون التوكيد الخفيفة. فتح المغيث 1/ 236. (¬3) الكفاية: (597 ت، 424 هـ). (¬4) الحديث بهذا اللفظ عند البيهقي في سننه الكبرى 1/ 213 و233، ودلائل النبوة 5/ 475. (¬5) في (ق): ((بن)). (¬6) هو سعد بن طارق، أبو مالك الأشجعي، الكوفي: ثقة. علّق له البخاري وروى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. التقريب (2240). (¬7) بكسر أوله وسكون الموحدة. التقريب (879)، والخلاصة: 114. (¬8) صحيح مسلم 2/ 63 - 64 (522). (¬9) أخرجه الطيالسي (418)، وأحمد 5/ 383، والنسائي في الكبرى (8022)، وفي فضائل القرآن له (47)، وابن خزيمة (264)، وأبو عوانة في المستخرج 1/ 303، والطحاوي في شرح المشكل =

قالَ - أعني: ابنَ الصلاحِ -: ((فهذا يُشْبِهُ القسمَ الأوَّلَ، مِنْ حيثُ إنَّ ما رواهُ الجماعةُ عامٌّ - أي: في جميعِ أجزاءِ الأرضِ (¬1) -، وما رواهُ المنفردُ (¬2)، مخصوصٌ - أي: بالترابِ (¬3) - وفي ذلكَ نوعُ مخالفَةٍ، ويُشْبِهُ الثانيَ مِنْ حيثُ إنَّهُ لا منافاةَ بينَهُما)) (¬4). 183 - فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا ... وَالوَصْلُ والارْسَالُ مِنْ ذَا أُخِذَا 184 - لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً (¬5) فَاقْتَضَى ... تَقْدِيْمَهُ وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى 185 - هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ إذْ فِيْهِ وَفِيْ ... الجَرْحِ عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ (¬6) ¬

_ = (1024) و (4490)، وابن حبان في صحيحه (1694)، والآجري في الشريعة (498 - 499)، والدارقطني 1/ 175 - 176، والبيهقي 1/ 213، وابن عبد البر في التمهيد 5/ 221. قلنا: وهذه الرواية لا ينبغي أن تعد زيادة؛ لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث، وليس له مشارك عن ربعي. النكت 2/ 700، وقد ردّ العراقي في التقييد والإيضاح: 114 كونها زيادة. وانظر: النكت الوفية: 157 / ب. والمؤلف - رحمه الله - مقلّد في هذا ابن الصلاح. لكن يبدو لنا ... أنّ ابن الصلاح إنما عدّ هذه اللفظة زيادة؛ لأنّها لم ترد في حديث جابر عند أحمد 3/ 304، وعبد بن حميد (1145)، والدارمي (1396)، والبخاري 1/ 91 حديث (335) و 1/ 119 (438) و 4/ 104 (3122)، ومسلم 2/ 63 (521)، والنّسائيّ 1/ 209 - 211 و 2/ 56، ولم ترد في حديث أبي هريرة عند أحمد 2/ 411، ومسلم 2/ 64 (523)، وابن ماجه (567)، والترمذي (1553)، وأبي أمامة عند أحمد 5/ 248 و256، والترمذي (1553)؛ لكن هذا التخريج يشكل عليه أنّ الزيادة وردت في حديث علي عند أحمد 1/ 98 و 158 من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد ابن علي، عن علي مرفوعاً، بلفظ: ((وجعل التراب لي طهوراً)) وعبد الله بن محمد، قال عنه الحافظ في التقريب (3592): ((صدوق فيه لين)) فلعل ابن الصلاح لم يعتد بهذا الطريق لما في عبد الله من كلام، وانظر بلابد كتابنا " كشف الإيهام " (348). (¬1) جملة تفسيرية من المصنّف. (¬2) بعد هذا في (م): ((فهو)). (¬3) جملة تفسيرية من المصنّف. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 214، وقد تصرف فيه المصنف. وقال الحافظ ابن حجر: ((لم يحكم ابن الصّلاح على هذا الثّالث بشيء، والذي يجري على قواعد المحدّثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن)). النكت 2/ 687. (¬5) في (م): ((جزماً)) خطأ محض. (¬6) في (م): ((للمقتضي)) خطأ محض.

(فالشَّافِعِيْ) - بالإسكانِ - لِمَا مرَّ (¬1) (وأحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا) أيْ: باللَّفْظِ الزَّائِدِ، حيثُ خَصَّا التَّيَمُّمَ بالتُّرابِ (¬2). (والوَصْلُ والارسالُ) في تعارضِهِما (مِنْ ذَا) أي: مِنْ بابِ زيادةِ الثِّقَاتِ (أُخِذَا)، فالوصلُ زيادةُ ثقةٍ. (لَكِنَّ) - بالتَّشديدِ - (في الإرسالِ جَرْحاً) في الحديثِ، (فاقْتَضَى) ذلكَ (تَقْدِيْمَهُ) عندَ الأكثَرِ؛ لكونِهِ مِنْ قَبيْلِ تقديمِ الْجَرْحِ على التَّعْدِيْلِ: فافْتَرَقا. (وَرُدَّ) تَقْديمُ الإرسالِ بـ (أنَّ مُقْتَضَى هَذا) أي: ما عُلِّلَ بهِ تَقْديْمُهُ (قَبُولُ الوَصْلِ) أيضاً (إذْ فيْهِ) أي: في الوصْلِ (وفي الْجَرْحِ عِلْمٌ زائِدٌ لِلْمُقْتَفيْ) أي: الْمُتَّبِعِ، فتَعَارَضَا. والأوْجَهُ أنَّ الزيادةَ في الوصلِ: إذِ الإرسالُ نَقْصٌ في الحِفْظِ (¬3). ¬

_ (¬1) في مواضع كثيرة، انظر: الأبيات 21 و 32 و 82 و 162 والذي مرّ قوله: ((إن ذلك للوزن)) أو ((لنية الوقف)). (¬2) فتح المغيث 1/ 237. قلنا: حصل خلاف بين الفقهاء في صفة ما يتيمم به على قولين: القول الأول: التيمم لا يكون إلا بالتراب فقط، وهو ما ذهب إليه الشّافعيّ وأحمد وإسحاق وداود الظاهري وأبو يوسف والعترة. القول الثاني: التيمم يكون بالأرض، وبكل ما كان عليها بشرط كونه طاهراً، وسواء كان متصلاً بالأرض أو منفصلاً عنها سبخاً كان أو خصباً. انظر: الأم 1/ 50، والمغني 1/ 247 - 248، والمجموع 2/ 215، والاختيار 1/ 23، وشرح فتح القدير 1/ 112، وتبيين الحقائق 1/ 38 - 39، والبحر الرائق 1/ 155. (¬3) قال الخطيب: ((وهذا القول هو الصّحيح عندنا؛ لأن إرسال الرّاوي للحديث لَيْسَ بجرح لِمَنْ وصله ولا تكذيب لَهُ، ولعله أيضاً مُسْنَد عِنْدَ الذين رووه مرسلاً أو عِنْدَ إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان، والناسي لا يقضى لَهُ عَلَى الذاكر. وكذلك حال راوي الخبر إذا أرسله مرة ووصله أخرى لا يضعف ذَلِكَ أيضاً لَهُ؛ لأنه قد ينسى فيرسله، ثمّ يذكر بعده فيسنده، أو يفعل الأمرين معاً عن قصد منه لغرض له فيه)). الكفاية: (581 ت، 411 هـ‍).

الأفراد

الأَفْرَادُ (¬1) 186 - الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقَاْ ... وَحُكْمُهُ عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقَا 187 - وَالفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ: مَا قَيَّدْتَهُ ... بِثِقَةٍ، أوْ بَلَدٍ ذَكَرْتَهُ 188 - أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلْ ... لَمْ يَرْوِهِ عَنْ بَكْرٍ الاَّ (2) (¬2) وَائِلْ 189 - لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاّ (¬3) (¬4) (ضَمْرَهْ) ... لَمْ يَرْوِ هَذَا غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ ¬

_ (¬1) الأفراد - بفتح الهمزة -: جمع فرد. قال الميانشي: " الفرد: هو ما انفرد بروايته بعض الثقات عن شيخه، دون سائر الرواة عن ذلك الشيخ ". ما لا يسع المحدّث جهله: 29. وعرّفه الدكتور المليباري، فقال: يراد بالتفرد: أن يروي شخص من الرواة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون، وهو ما يقول فيه المحدّثون النقّاد: حديث غريب، أو: تفرّد به فلان، أو: هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، أو: لا نعلمه يروى عن فلان إلا من حديث فلان، أو نحو ذلك. الموازنة بين منهج المتقدمين والمتأخرين: 15. قلنا: وما ذكره الدكتور المليباري أعم من التعريف الأول وأدق؛ لأنه يشمل الثِّقَة وغيره، وأما تعريف الميانشي فهو أخص، وهو المراد في البحث هنا؛ لأن تفرد الضعيف لا يعتد به أساساً ما لم يتابع. قال الزركشي2/ 198: وفيه صنّف الدارقطني كتاب الأفراد، ويستعمله الطبراني في معجمه الأوسط كثيراً، ويحتاج لاتساع الباع في الحفظ، وكثيراً ما يدّعي الحافظ التفرّد بحسب علمه، ويطلع غيره على المتابع. وقال ابن حجر 2/ 708: من مظان الأحاديث الأفراد مسند أبي بكر البزار، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في "المعجم الأوسط"، ثم الدارقطني في كتاب " الأفراد "، وهو ينبئ عن اطلاع بالغ ويقع عليهم التعقيب فيه كثيراً بحسب اتساع الباع وضيقه أو الاستحضار وعدمه، وأعجب من ذلك أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه، فقد تتبع العلاّمة مغلطاي على الطبراني في جزء مفرد. وانظر في الأفراد: معرفة علوم الحديث: 96، وجامع الأصول 1/ 175، ومعرفة أنواع علم الحديث: 215، والإرشاد 1/ 232 - 233، والتقريب: 73 - 74، والمنهل الروي: 51، والخلاصة: 48، واختصار علوم الحديث: 61، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 357، ونزهة النظر: 78، والمختصر: 121، وفتح المغيث 1/ 205، وألفية السيوطي: 42 - 43، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 190، وتوضيح الأفكار 2/ 7، وظفر الأماني: 242، وقواعد التحديث: 128. (¬2) الأصل في (إلاّ) أن تكون همزتها همزة قطع، لكن الوزن لا يستقيم بها، فأدرجها الناظم ليستقيم الوزن (أي جعلها همزة وصل)، وهذه ضرورة من ضرورات الشعر وسينبه الشارح عليه. (¬4) كذلك.

190 - فَإنْ يُرِيْدُوا وَاحِداً مِنْ أهْلِهَا ... تَجَوُّزاً، فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا 191 - وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ ... ضَعْفٌ لَهَا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ 192 - لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ ... فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ الأفرادُ - بفتحِ الهمزَةِ - (الفَرْدُ قِسْمانِ: فَفَرْدٌ) يَقَعُ (مُطْلَقا) (¬1) وهوَ أوَّلُهُما: بأنْ يَنْفَرِدَ بهِ راوٍ واحدٌ عَنْ كُلِّ أحدٍ (¬2). (وَحُكْمُهُ) مَعَ مِثالِهِ (عِنْدَ الشُّذوذِ سَبَقا) أي: سَبَقَ في نوعِ الشَّاذِّ. (والفَرْدُ بالنِّسْبَةِ) إلى جِهَةٍ خاصَّةٍ، وهوَ ثانيهُما، ولهُ أنواعٌ: (ما قَيَّدْتَهُ بِثِقَةٍ أوْ بَلَدٍ) مُعَيَّنٍ (ذَكَرْتَهُ)، كَمَكَّةَ، والبصْرَةِ، والكُوفَةِ، وسيأتي مثالُهَا، (أوْ) برَاوٍ مُعيَّنٍ، بأنْ لَمْ يَرْوِهِ (عَنْ فلانٍ)، إلاَّ فلانٌ. (نَحْوُ قَوْلِ القائِلْ) أبي الفَضْلِ بنِ طاهِرٍ (¬3) في حديثِ أصحابِ " السُّنَنِ الأربعةِ " مِنْ طريقِ سُفيانَ بنِ عُيَيْنةَ، عَنْ وائلِ بنِ داودَ، عَنْ ابنِهِ بكرِ بنِ وائلٍ (¬4)، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أنسٍ: ((أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيْقٍ (¬5) وَتَمْرٍ)) (¬6)، (لَمْ يَرْوِهِ عَنْ بَكْرٍ الاَّ وائِلْ) - بدرجِ الهمزةِ - أي: أبوهُ، ولَمْ يَرْوِهِ عَنْ وائِلٍ إلاَّ ابنُ عُيَيْنَةَ: فَهُوَ غريبٌ؛ وكذا قالَ التِّرْمذيُّ: ((إنَّهُ حَسَنٌ غريبٌ)) (¬7). ¬

_ (¬1) أي: غير مقيد بشيء. توضيح الأفكار 2/ 7. (¬2) في (ق): ((واحد)). (¬3) هو محمد بن طاهر بن علي الإمام الحافظ الجوّال الرحّال صاحب التصانيف النافعة. توفي سنة (507 هـ‍). سير أعلام النبلاء 19/ 361. (¬4) هذا من رواية الآباء عن الأبناء. (¬5) السّويق: طعام يتّخذ من مدقوق الحنطة أو الشعير، سمّي بذلك؛ لانسياقه في الحلق. انظر: التاج 25/ 480، والمعجم الوسيط 1/ 465. (¬6) أخرجه الحميدي (1184)، وأحمد 3/ 110، وأبو داود (3744)، وابن ماجه (1909)، والترمذي (1095)، وفي الشمائل (177) بتحقيقنا، وأبو يعلى (3559)، وابن حبان (4066)، والطبراني في الكبير 24/ (184)، والبيهقي 7/ 260. (¬7) الجامع الكبير2/ 389 عقب (1095) وكذا قال محمد بن طاهر المقدسي في أطراف الغرائب والأفراد2/ 176.

ولاَ يلزمُ مِنْ تفرُّدِ وائلٍ بهِ عَنْ ابنِهِ بكرٍ تَفرُّدُهُ بهِ مطلقاً، فقدْ ذَكَرَ الدارَقطنيُّ فِي "علَلِهِ" أنَّهُ رواهُ مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ التَّوَّزِيُّ (¬1)، عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قالَ: ((ولَمْ يُتَابعْ عليهِ، والمحفوظُ عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ وائلٍ، عَنِ ابنِهِ، ورواهُ جماعةٌ عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلاَ واسطةٍ)). ومثالُ المقَيَّدِ بالثِّقَةِ: قولُ القائلِ في حديثِ: ((قِراءةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأضْحَى، والفِطْرِ بـ ((قافْ)) و (¬2) ((اقْتَرَبَتِ)) (¬3): (لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاَّ ضَمْرَهْ) -بدرجِ الهمزةِ- أي: ابنُ سعيدٍ المازِنيُّ، فقدِ انفردَ بهِ عنْ عُبيدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبي واقِدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رواهُ مسلمٌ (¬4)، وغيرُهُ (¬5). وإنَّما قَيَّدَ بالثِّقَةِ لروايةِ الدارَقُطنيِّ (¬6) لهُ مِنْ رِوَايةِ ابنِ لَهِيْعَةَ (¬7) - وقَدْ ضَعَّفَهُ الجُمْهورُ (¬8) - عَنْ خالِدِ بنِ يزيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ. ومِثَالُ المقَيَّدِ بِبَلَدٍ: قَوْلُ القائِلِ في حديثِ أبي داودَ (¬9)، عَنْ أبي الولِيْدِ (¬10) الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أبي نَضْرَةَ، عَنْ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، قالَ: ((أَمَرَنَا ¬

_ (¬1) بفتح التاء والمثناة وتشديد الواو، وبعدها زايٌ. التقريب (5971)، والخلاصة: 342. (¬2) بعد هذا في (م): ((وإذا اقتربت)). (¬3) القمر: 1. (¬4) صحيح مسلم 3/ 21 (891). (¬5) منهم: مالك (494)، والشافعي في الأم 1/ 210، وفي المسند بتحقيقنا (496)، والحميدي (849)، وأحمد 5/ 217 و 519، وأبو داود (1154)، وابن ماجه (1282)، والترمذي (534)، والنسائي 3/ 183، وابن خزيمة (1440)، وابن حبان (2816)، والبيهقي 3/ 294، والبغوي (1107). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 358. (¬6) في سننه 2/ 46، وذكر في علله: أن فيه اضطراباً، كما نقل صاحب التعليق المغني. (¬7) بفتح اللام وكسر الهاء. التقريب (3563). (¬8) انظر: التاريخ الكبير 5/ 182 (574)، والكاشف 1/ 590 الترجمة (2934) مع ما كتبه محققه. (¬9) سنن أبي داود (818). وأخرجه أحمد 3/ 3 و 45 و 97، وعبد بن حميد (879)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (12)، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 97، من طريق همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره. (¬10) في مطبوعة (م): ((أبي داود)) خطأ، وما أثبتناه من جميع النسخ الخطية، وهو الذي عليه مصادر التخريج.

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ نَقْرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتابِ، ومَا تَيَسَّرَ)): (لَمْ يَرْوِ هذا) الحديثَ (غَيرُ أهلِ البَصْرَهْ)، فقدْ قالَ الحاكِمُ: ((إنَّهُم تَفَرَّدُوا بِذِكْرِ الأمرِ فيهِ، مِنْ أوَّلِ الإسنادِ إلى آخرِهِ)) (¬1). وكذا قالَ في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، في صِفَةِ وُضُوءِ (¬2) رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ قولَهُ: ((وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ)) (¬3)، ((سُنَّةٌ غريبةٌ، تَفَرَّدَ بها أهلُ مِصْرَ)) (¬4). (فإنْ يُرِيْدُوا) أي: القائلونَ بما ذُكِرَ ونحوِهِ (واحِداً) فقطْ (مِنْ أهلِهَا) أي: (¬5) أهلِ تِلْكَ البَلْدَةِ (تَجَوُّزاً) في الإضافةِ، كما يُضافُ فِعْلُ واحِدٍ مِنْ قَبيلَةٍ إليها مَجَازاً (فَاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلِهَا) أي: مِنْ أوَّلِ الصُّوَرِ المذكورةِ في البابِ وهوَ الفَرْدُ المطلقُ. ومنهُ حديثُ: ((كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ)) (¬6) السابِقُ في نوعِ المنكرِ، حيثُ قالَ الحاكِمُ: ((هو مِنْ أفرادِ البصريِّيْنَ عَنِ المدنيِّيْنَ، تَفَرَّدَ بهِ أبو زُكَيْرٍ (¬7)، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ)) (¬8)، فجَعَلَهُ مِنْ أفرادِ البَصْريِّيْنَ وأرادَ واحِداً منهمْ (¬9). (وليسَ في أفرادِهِ) أي: هذا البابُ (النِّسْبِيَّه)، وهيَ أنواعُ القِسْمِ الثاني (ضَعْفٌ لَها مِنْ هذهِ الْحَيْثِيَّه) أي: حَيْثِيَّةِ الفرديَّةِ. (لَكِنْ إذا قَيَّدَ) القائِلُ مِنَ الْحُفَّاظِ (ذاكَ) التَّفَرُّدَ (بالثِّقَهْ)، كقولِهِ: لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ إلاَّ فلانٌ (فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطلَقَهْ) أي: مِنَ القِسْمِ الأوَّلِ؛ لأنَّ روايةَ غيرِ الثِّقَةِ كَـ: لاَ رِوَايَةٍ، فَيُنْظَرُ فيهِ: هَلْ بَلغَ رُتْبَةَ مَنْ يُعْتَبَرُ بحدِيْثِهِ أوْ لاَ؟ وفي الْمُتَفَرِّدِ (¬10) ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 97. (¬2) في (ص): ((صفة وصف)) خطأ. (¬3) أخرجه أحمد 4/ 39 و40 و41، والدارمي (715)، ومسلم 1/ 146 (236)، وأبو داود (120)، والترمذي (35)، وابن خزيمة (154)، وابن حبان (1082)، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 97. (¬4) معرفة علوم الحديث: 98. (¬5) بعد هذا في (م): ((أي من أهل)). (¬6) تقدم تخريجه. (¬7) بالتّصغير. التقريب (7639). (¬8) معرفة علوم الحديث: 100 - 101. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 362. (¬10) في (ص): ((المنفرد)).

المعلل

بالحديثِ، هلْ بَلَغَ رُتْبَةَ مَنْ يُحْتَجُّ بتَفَرُّدِهِ أو (¬1) لاَ؟ فَعُلِمَ أنَّ مِنْ أنواعِ القِسْمِ الثاني، ما يُشَارِكُ الأوَّلَ، كإطلاقِ تَفَرُّدِ أهلِ بَلَدٍ بما يكونُ راويهِ منها واحداً، وتَفَرُّدِ ثِقَةٍ بما يُشارِكُهُ في روايَتِهِ ضَعِيْفٌ (¬2). تَنْبِيْهٌ: قالَ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ: ((إذا قِيْلَ في حديثٍ: تَفَرَّدَ بهِ فلانٌ، عَنْ فلانٍ، احتملَ أنْ يكونَ تفرُّداً مُطلَقاً، وأنْ يكونَ تَفَرَّدَ بهِ عنْ (¬3) هذا الْمُعَيَّنِ خاصَّةً، ويكونَ مرويّاً عن غيرِ ذلكَ الْمُعَيَّنِ: فَلْيُتَنَبَّهْ لذلكَ)) (¬4). المُعَلَّلُ (¬5) 193 - وَسَمِّ مَا بِعِلَّةٍ مَشْمُوْلُ ... مُعَلَّلاً، وَلاَ تَقُلْ: مَعْلُوْلُ 194 - وَهْيَ عِبَارَةٌ عَنَ اسْبَابٍ (¬6) طَرَتْ ... فِيْهَا غُمُوْضٌ وَخَفَاءٌ أثَّرَتْ 195 - تُدْرَكُ بِالخِلاَفِ وَالتَّفَرُّدِ ... مَعَ قَرَائِنَ تُضَمُّ، يَهْتَدِيْ 196 - جِهْبَذُهَا إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى ... تَصْويْبِ إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلاَ 197 - أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ، أوْ مَتْنٍ دَخَلْ ... في غَيْرِهِ، أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ 198 - ظَنَّ فَأمْضَى، أوْ وَقَفْ (¬7) فأحْجَمَا ... مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا ¬

_ (¬1) في (ع): ((أم)). (¬2) انظر: فتح المغيث 1/ 241. (¬3) ((عن)): لم ترد في (ق). (¬4) الاقتراح: 199 - 200. (¬5) انظر في الحديث المعلل: معرفة علوم الحديث: 112، ومعرفة أنواع علم الحديث: 219، والإرشاد 1/ 234 - 248، والتقريب: 75 - 77، والمنهل الروي: 52، والخلاصة: 70، والموقظة: 51، واختصار علوم الحديث: 63، ونكت الزّركشيّ 2/ 204 - 223، والشذا الفياح 1/ 202 - 211، ومحاسن الاصطلاح: 194، والتقييد والإيضاح: 115، ونزهة النظر: 123، والنكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 710، والمختصر: 134، وفتح المغيث 1/ 209، وألفية السيوطي: 55 - 66، وتوضيح الأفكار 2/ 25، وظفر الأماني: 363، وقواعد التحديث: 131، وتوجيه النظر 2/ 598 - 652، وراجع كتاب: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء. (¬6) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح على ذلك. (¬7) الأصل هنا (وقف) بالفتح، ولا يصحّ الوزن بها، فسكّنت الفاء ثمّ أدغمت في فاء (فأحجما) فأصبحت فاءً واحدة صوتياً، وبهذا استقام الوزن.

قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((مَعْرِفَةُ عِلَلِ الحديثِ مِنْ أجَلِّ عُلُومِهِ وأدَقِّها وأشرَفِها، وإنَّما يَتَضَلَّعُ (¬1) بذلكَ أهلُ الحِفْظِ، والخِبْرَةِ، والفَهْمِ الثَّاقِبِ)) (¬2). (وَسَمِّ) أنتَ (ما) هوَ مِنَ الحديثِ (بِعِلَّةٍ) خَفِيَّةٍ مِنْ عِلَلِهِ الآتيةِ، في سندٍ، أو متنٍ (مَشْمُولُ مُعَلَّلاً)، كما عَبَّرَ بهِ ابنُ الصَّلاحِ (¬3). (ولاَ تَقُلْ) فيهِ: هُوَ (مَعْلُولُ) وإنْ وَقَعَ في كلامِ كثيرٍ مِنْ أهلِ الحديثِ (¬4)، والأصولِ، والكلامِ، والعَرُوْضِ؛ لأنَّهُ مِنْ ((عَلَّهُ الشَّرَابُ))، إذا سقاهُ (¬5) مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، لا مِمَّا نَحنُ فيهِ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ مرذُوْلٌ عِنْدَ أهلِ العربيةِ، واللُّغَةِ)) (¬6)، والنَّوَوِيُّ: ((إنَّهُ لَحْنٌ)) (¬7). قَالَ النَّاظِمُ (¬8): ((والأجودُ الْمُعَلُّ (¬9) كما هوَ في عبارةِ بعضِهِمْ، وأكثرُ عِباراتِهِم في الفِعْلِ: أعَلَّهُ فلانٌ بِكَذا، وقياسُهُ: مُعَلٌّ، وهوَ المعروفُ لغةً قالَ الْجَوْهَريُّ (¬10): لا أَعَلَّكَ اللهُ أي: لا أصابَكَ بِعِلَّةٍ)). انتهى. وقولُهُ: والأجودُ ((الْمُعلُّ)) أي: أجودُ مِنَ المعلُولِ، أو منهُ، ومِنَ المعلَّلِ تغليباً، وإلاَّ فالْمُعَلَّلُ لا جَوْدةَ فيهِ؛ فإنَّهُ لا يجوزُ أصلاً إلاَّ بتجوُّزٍ؛ لأَنَّهُ ليسَ مِنْ هَذَا البابِ، بلْ ¬

_ (¬1) في معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح: ((يضطلع)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 219. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 219 - 220. (¬4) كالترمذي، وابن عدي، والدارقطني، وأبي يعلى الخليلي، والحاكم وغيرهم. انظر: شرح التبصرة1/ 364، والنكت الوفية: 159/أ، وفتح المغيث1/ 210، وتدريب الرّاوي1/ 251. (¬5) في (م): ((إذا أسقاه)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 219. وانظر في مباحثات التسمية: نكت الزركشي 2/ 204، ومحاسن الاصطلاح 194، والنكت الوفية 159 / أ، وفتح المغيث 1/ 224، وتدريب الراوي 1/ 134، وتوضيح الأفكار 2/ 25، وأثر علل الحَدِيْث: 11، والحديث المعلل للدكتور خليل ملا خاطر 11. (¬7) التقريب: 75، وقد تحرّف في (م) إلى: ((لحسن))، وهو خطأ أحال المعنى. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 364 - 365. (¬9) قال البقاعي في النكت الوفية 159/ أ: ((الأجود يفهم أن في استعمال معلل جودة ما، وليس كذلك؛ فإنه لا يجوز أصلاً، فيحمل على أن مراد الشّيخ أنه أجود من المعلول)). (¬10) الصحاح 5/ 1774.

مِنْ بابِ ((التَّعَلُّلِ)) (¬1)، الذي هُوَ التَّشاغلُ والتَّلَهِّي، ومنهُ: تعليلُ الصَّبِيِّ بالطَّعامِ كما ذَكَرَهُ هُوَ أيضاً (¬2). أمَّا ((معلولٌ)) فموجودٌ، وبهِ عَبَّرَ شيخُنا (¬3)، بلْ قالَ: إنَّهُ الأولى؛ لأنَّهُ وقَعَ في عباراتِ أهلِ الفَنِّ، مَعَ ثُبُوتِهِ في اللُّغَةِ - أي: ومَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على مَنْ لَمْ يَحْفَظْ - لَكِنَّ الأعرفَ: أنَّ فِعْلَهُ ثلاثيٌّ مزيدٌ، فالأجودُ: ((الْمُعَلُّ)) كما قالَهُ النَّاظِمُ، وإنْ كانَ المعلولُ أولى، لِمَا مَرَّ. (وهْيَ) أي: العِلَّةُ الخفِيَّةُ، (عِبارَةٌ عَنَ اسبابٍ) - بدرجِ الهمزةِ - جَمْعُ سَبَبٍ، وهوَ لغةً: ما يُتَوَصَّلُ بهِ إلى غيرِهِ (¬4). واصْطِلاَحاً: ما يَلْزَمُ مِنْ وجودِهِ الوجودُ، ومِنْ عَدَمِهِ العدَمُ (¬5). (طَرَتْ) - بحذفِ الهمزةِ تخفيفاً (¬6) - أي: طَلَعَتْ، بمعنى: ظهَرَتْ للنَّاقِدِ (فيها) أي: الأسبابِ، (غُمُوضٌ وخَفَاءٌ)، العطفُ فيهِ عطفُ تفسيرٍ، (أثَّرَتْ) أي: قَدَحَتْ في قَبولِ الحديثِ. (تُدْرَكُ) أي (¬7): الأسبابُ، أو العِلَّةُ بعدَ جَمْعِ طُرُقِ الحديثِ، والفحصِ عنها (بالخِلاَفِ والتَّفَرُّدِ) أي: بمخالفةِ راويهِ لغيرِهِ، مِمَّنْ هوَ أحفظُ وأضبطُ، أو أكثرُ عدداً، وبتَفَرُّدِهِ بهِ بأنْ لَمْ يُتابَعْ عليهِ، (مَعَ قرائِنَ تُضَمُّ) لِمَا ذُكِرَ. (يَهْتَدِيْ) بمجموعِ ذلكَ (جِهْبَذُها) (¬8) بذالٍ معجمةٍ - أي: الحاذقُ في هذا ¬

_ (¬1) في (ع): ((التعليل)). (¬2) أي: الحافظ العراقي وكلامه في التقييد: 117، وانظر: الصحاح 5/ 1774، واللسان 11/ 469 (علل). (¬3) عنى بذلك الحافظ ابن حجر، وقد استعمل هذا الاسم في كتابه النكت2/ 710، ثم إنه قد سمّى كتابه: "الزهر المطلول في معرفة المعلول"، كذا ذكره السخاوي في فتح المغيث1/ 244، وذكره السيوطي في تدريب الراوي 1/ 258 باسم "الزهر المطلول في الخبر المعلول"، ومثله في الباعث الحثيث 1/ 199، وانظر: تعليق محقّقه. (¬4) انظر: الصحاح 1/ 145، ولسان العرب 1/ 247. (¬5) انظر: التعريفات للجرجاني: 68، والبحر المحيط 5/ 115. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 367. (¬7) في (ع) و (ق): ((أي تلك)). (¬8) جمع جهبذ وهو النّقّاد الخبير بغوامض الأمور، العارف بطرق النّقد. انظر: تاج العروس 9/ 392.

الفنِّ (إلى اطِّلاَعِهِ على تَصْوِيبِ إرسالٍ لِمَا قَدْ وُصِلا، أوْ) تصويبِ (وقْفِ ما يُرْفَعُ، أوْ) تصويبِ فَصْلِ (¬1) (مَتْنٍ)، ولوْ بَعْضاً (دَخَلْ) مُدْرَجاً (في) مَتْنِ (غَيْرِهِ، أوْ) إلى اطِّلاَعِهِ على (وَهْمِ واهِمٍ حَصَلْ) بغَيْرِ ما ذُكِرَ، كإبدالِ راوٍ ضَعيفٍ بثقةٍ. وقَدْ (ظَنَّ) الجِهْبَذُ قوَّةَ ما وَقَفَ عليهِ مِنْ ذلكَ، (فأمضَى) الحكمَ بما ظَنَّهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الحديثِ؛ لأنَّ مَبْنَى ذلكَ على غَلَبةِ الظنِّ. (أوْ) تَرَدَّدَ بحيثُ (وَقَفْ) بإدغامِ فائهِ في فاءِ، (فَأَحْجَما) عَنِ الحكْمِ بقَبُولِ الحديثِ، وعدمِهِ احتياطاً. كُلُّ ذلكَ (مَعْ كَوْنِهِ) أي: الحديثُ الْمُعَلُّ، أو المتَوَقَّفُ فيهِ (ظَاهِرَهُ) قبلَ الوقوفِ (¬2) على عِلَّتِهِ (أنْ سَلِمَا) أي: سلامتُهُ منها لِجَمْعِهِ شروطَ قَبولِهِ ظاهِراً. فقَوْلُهُ: ((ظاهِرَهُ)) منصوبٌ خبرُ ((كانَ))، و ((أنْ سَلِمَا)) فاعِلُهُ (¬3)، أو مرفوعٌ (¬4) مبتدأٌ، و ((أنْ سَلِمَا)) خبرُهُ، والجملةُ خبرُ ((كانَ)) (¬5). وَعُلِمَ مِنْ تَعْريفِ العِلَّةِ بما ذكرَ أنَّ الْمُعَلَّ: حديثٌ فيهِ أسبابٌ خفِيَّةٌ، طَرَأَتْ عليهِ فأثَّرَتْ فيهِ (¬6). قالَ شيخُنا (¬7): ((وأحسنُ منهُ أنْ يُقَالَ: هوَ حديثٌ ظاهرُهُ السلامةُ اطُّلِعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ على قادحٍ)). ¬

_ (¬1) في (ق): ((وصل)). (¬2) في (ق): ((قبول الوقف)). (¬3) أي: أن المصدرية وما بعدها. (¬4) الكلام عائد إلى: ((ظاهره)). (¬5) وهذا الوجه اختاره السخاوي في فتح المغيث 1/ 246، ولم يذكر غيره. (¬6) التقريب: 75 - 76، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 366، وانظر: النكت الوفية: 160/ أ. (¬7) يعني: الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهذا التعريف نقله أيضاً البقاعي في النكت الوفية 160/ أ، وعزاه لشيخه الحافظ ابن حجر، ومن هذا يدرك خطأ الدكتور الفاضل همام عبد الرحيم في دراسته لعلل ابن رجب 1/ 22 إذ ذكر أنّ البقاعي نقله عن العراقي.

ومثالُهُ: حديثُ ابنِ جُريجٍ في التِّرمذيِّ (¬1)، وغيرِهِ (¬2): عَنْ موسى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أبي صالحٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُريرةَ مرفوعاً: ((مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً، فَكَثُرَ فيهِ لَغَطُهُ (¬3)، فقالَ قبلَ أنْ يقومَ: سُبْحانَكَ اللهُمَّ وبِحَمْدِكَ ... الحديثَ)) (¬4). فإنَّ موسى بنَ إسماعيلَ المِنْقَرِيَّ (¬5)، رواهُ عنْ وُهَيْبِ (¬6) بنِ خالدٍ الباهِليِّ، عَنْ سُهَيْلٍ المذكورِ، عَنْ عَوْنِ بنِ عبدِ اللهِ. وبهذا أعلَّهُ البخاريُّ، فقالَ: هوَ مرْوِيٌّ عَنْ موسَى بنِ إسماعيلَ، وأمَّا موسَى بنُ عُقْبَةَ فلا نَعْرِفُ لهُ سماعاً مِنْ سُهَيْلٍ (¬7). 199 - وَهْيَ (¬8) تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ ... تَقْدَحُ في المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَدِ 200 - أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ، وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ ... (كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار) صَرَّحُوا 201 - بِوَهْمِ (يَعْلَى بْنِ عُبَيدٍ): أبْدَلا ... (عَمْراً) بـ (عَبْدِ اللهِ) حِيْنَ نَقَلا 202 - وَعِلَّةِ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ ... إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ 203 - وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: (لا ... أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ) حِيْنَ سُئِلاَ (¬9) ¬

_ (¬1) الجامع الكبير 5/ 432 (3433). (¬2) أخرجه أحمد 2/ 369 و 494، والنسائي في عمل اليوم والليلة (397) وفي الكبرى (10230)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 289،، وابن حبان (593)، والطبراني في الأوسط (77) و (6580)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (447)، والبغوي (1340). وانظر بلا بدٍّ: تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 368 - 369. (¬3) في (ق): ((لفظه)). (¬4) بعد هذا في (ع): ((أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك غفر له ما صدر منه في ذلك المجلس)). (¬5) بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف. التقريب (6643). (¬6) بالتصغير. التقريب (7487). (¬7) ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه سؤال مسلم للإمام البخاريّ عن هذا الحديث وإجابته إياه: بأنه معلول، والسبب عدم سماع موسى بن عقبة من سهيل. انظر: تاريخ بغداد 2/ 29و13/ 103، ومعرفة علوم الحديث: 113، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 369. (¬8) الضمير في: ((وهي)) يعود على العلة القادحة الخفية. (¬9) هذا البيت سقط من نسخة (ج‍) من متن الألفية.

(وهْيَ) أي: العِلَّةُ الخفِيَّةُ القادِحَةُ، (تَجيءُ غالِباً في السَّنَدِ) أي: وقليلاً في المتنِ، فالتي في السَّنَدِ (يَقْدَحُ في) قَبولِ (المتنِ، بقَطْعِ مُسْنَدِ) مُتَّصِلٍ، (أَوْ وَقْفِ مَرْفُوعٍ)، أوْ غيرِ ذلكَ مِنْ مَوانِعِ القَبولِ، وذلكَ حيثُ لَمْ يَتَعَدَّدِ السَّنَدُ، أوْ لَمْ يَقْوَ الاتِّصَالُ، أو الرَّفْعُ -مثَلاً- على القَطْعِ، أو الوقْفِ. (وقَدْ لا تَقْدَحُ) فيهِ، بأنْ يتَعَدَّدَ السَّنَدُ، أو يَقْوى الاتِّصالُ، أوْ نحوَهُ، أو يَقَعَ الاختلافُ في تعيينِ واحِدٍ مِنْ ثِقَتَيْنِ، (ك‍) حديثِ: (البَيِّعَانِ بالخِيَارِ) (¬1) المرْوِيِّ، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ المدَنِيِّ، عَنْ مولاَهُ ابنِ عُمَرَ. فَقَدْ (صَرَّحُوا) أي: النُّقَّادُ (بوَهْمِ) راويهِ (يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ) الطَّنافِسِيِّ (¬2)، إذْ (أَبْدَلاَ) - بأَلِفِ الإطلاقِ - (عَمْراً) هوَ ابنُ دينارٍ المكيُّ (بـ: عبدِ اللهِ) ابنِ دينارٍ، الذي هوَ الصَّوابُ. فالباءُ داخلةٌ عَلَى المتروكِ (¬3) تشبيهاً لِلإبدالِ بالتَّبَدُّلِ، وإلاَّ فهوَ خلافُ مَا عليهِ أَئمَّةُ اللُّغةِ مِنْ أنَّها إنَّما تدخُلُ عَلَى المأخوذِ في الإبدالِ، كالتَّبديلِ، وعلى المتروكِ في الاستبدالِ و (¬4) التَّبَدُّلِ، إنْ لَمْ يذكرْ مَعَ المتروكِ، والمأخوذِ غَيْرِهِما في الأربعةِ (¬5). وقدْ حَرَّرَ ذلكَ شيخُنا، شيخُ الإسلامِ، الشمسُ (¬6) القَايَاتيُّ (¬7)، أتَمَّ تَحْريرٍ في شرحِهِ (¬8) لِخُطْبَةِ " مِنْهَاج النَّوَويِّ " (¬9)، وبذلكَ انْدَفَعَ ما قيلَ: إنَّ الباءَ في الإبدالِ، إنَّما تدخُلُ على المتروكِ. ¬

_ (¬1) أخرجه الحميدي (655)، وأحمد 2/ 9 و 51 و 135، والبخاري 3/ 84 (2113)، ومسلم 5/ 10 (1531) (46)، والنّسائيّ 7/ 250 و 251. (¬2) رواية يعلى بن عبيد عند الطبراني في الكبير (13629). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 376، وفتح المغيث 1/ 248، وشرح السيوطي: 194. وانظر: مغني اللبيب: 141، وتعقّب البقاعي في النكت الوفية: 162 / ب. (¬4) في (ع): ((أو)). (¬5) ذكره البقاعي في النكت الوفية 162 / ب. (¬6) ((الشمس)): سقط من (ق). (¬7) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة. (¬8) انظر: حاشية الجمل على المنهج 1/ 24. (¬9) انظر عن هذا الكتاب: وجيز الكلام 2/ 608، ونظم العقيان: 154.

(حِيْنَ نَقَلاَ) -بأَلِفِ الإطلاقِ- أي: روَى يَعْلَى ذلكَ، عَنْ سُفيانَ الثَّوريِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، وشَذَّ بذلكَ عَنْ سائِرِ أصحابِ الثَّوريِّ (¬1)، فَكُلُّهُمْ قالُوا: ((عَبدَ اللهِ))، بَلْ تُوبِعَ الثَّوريُّ (¬2) فرَوَاهُ كثيرونَ عَنْ عبدِ اللهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وكلاهُما - أي: عَمْرٌو، وعبدُ اللهِ - ثِقَةٌ)) (¬3) أي: فلهذا لَمْ يَقْدَحِ الخِلاَفُ فيهما في المتنِ. (وَعِلَّةِ المتْنِ) القادحةِ فيهِ، (كـ) حديثِ (نَفْي) قراءةِ (البسْمَلَهْ) فِي الصلاَةِ، المرويِّ عَنْ أنسٍ، (إذْ ظَنَّ راوٍ) مِنْ رُواتِهِ حِيْنَ سَمِعَ قَوْلَ أنسٍ - رَضِيَ اللهُ تعَالَى عنهُ -: ((صَلَّيْتُ خَلْفَ رسولِ اللهِ (¬4) - صلى الله عليه وسلم - وأبي بَكْرٍ، وعُثْمانَ - رضي الله عنهم - فكانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بـ: ((الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ)) (¬5)، (نَفْيَها) أي: البسمَلَةَ بذلكَ. (فَنَقَلَهْ) مُصَرِّحاً بما ظَنَّهُ، فقالَ عَقِبَ ذلكَ: ((فَلَمْ يَكُونُوا يَفْتَتِحُونَ (¬6) القراءَ ةَ، بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) (¬7). وَفِي روايةٍ: ((لاَ يَذْكُرُوْنَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، في أوَّلِ قِرَاءةٍ، ولاَ في آخِرِهَا)) (¬8). فصارَ بذلكَ حديثاً مرفوعاً، والراوي لهُ مخطِئٌ في ظَنِّهِ. ¬

_ (¬1) فقد رواه عن سفيان أبو نعيم الفضل بن دكين عند أحمد2/ 135، والبيهقي5/ 269، وابن عبد البر في التمهيد 12/ 22. ومحمد بن يوسف الفريابي عند البخاريّ 3/ 84 (2113)، ومخلد بن يزيد عند النّسائيّ 7/ 250، وفي الكبرى (6069)، وعبد الرزاق في مصنفه (14265) وغيرهم. قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 249: ((وقد أفرد الحافظ أبو نعيم طرقه من جهة عبد الله خاصّة فبلغت عدة رواته عنه نحو الخمسين)) وكذا قال البقاعي في نكته 162/ب. (¬2) تابعه شعبة عند أحمد 2/ 51، والنّسائيّ 7/ 251، وسفيان بن عيينة عند الحميدي (655)، وأحمد 2/ 9، ويزيد بن عبد الله بن الهاد عند النّسائيّ 7/ 250، وإسماعيل بن جعفر عند مسلم 5/ 10 (1531) (46)، والنّسائيّ 7/ 250 وغيرهم. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 374 - 375. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 223. (¬4) في (ع) و (ص): ((النّبيّ)). (¬5) صحيح مسلم 2/ 112 (399) (52). (¬6) في (ص): ((يستفتحون)). (¬7) صحيح مسلم 2/ 12 (399) (50) (51). (¬8) صحيح مسلم 2/ 12 (399) (52).

ومِنْ ثَمَّ قالَ الشافِعِيُّ وأصحابُهُ: المعنى أنَّهُم يَبْدَؤُونَ بقراءَ ةِ أُمِّ القرآنِ قَبْلَ ما يُقْرَأُ بَعْدَها، لاَ أنَّهُمْ يَتْرُكُونَ البَسْمَلَةَ (¬1). (و) قَدْ (صَحَّ)، كما صَرَّحَ بهِ الدارَقُطْنيُّ (¬2)، وغيرُهُ (¬3)، ما (¬4) يتَأَيَّدُ بهِ القَولُ بخطإِ النَّافِي، (أنَّ أَنَساً) - رضي الله عنه - (يَقولُ: ((لاَ أَحْفَظُ شَيئاً فيهِ)) حِيْنَ سُئِلا) -بأَلِفِ الإطلاقِ-. أيْ: حِيْنَ (¬5) سَأَلَهُ أبو مَسْلَمَةَ (¬6) سعيدُ بنُ يزيدَ، أكانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِحُ بـ: الحمدُ للهِ، أو بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (¬7)؟ لَكِنْ قَدْ رَوَى الحديثَ عَنْ أنسٍ جماعةٌ، منهمْ: حُمَيْدٌ، وقَتَادَةُ، والْمُعَلُّ إنَّما هُوَ رِوايةُ حُمَيْدٍ، إذْ رَفْعُهَا وَهَمٌ مِنَ الوَليدِ بنِ مسلمٍ (¬8)، عَنْ مالكٍ عنهُ، فإنَّ سائِرَ الرواةِ عَنْ مالكٍ، لَمْ يَذكُرُوا فيها: ((خَلْفَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)) فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ إلاَّ الوقْفُ. وأمَّا روايةُ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ أصحابُهُ عنهُ على ذِكْرِ النَّفْيِ المذكورِ، بلْ أكثرُهُم لَمْ يَذْكُروهُ، وجماعةٌ منهمْ ذَكَرُوهُ بلفظِ: ((فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَرُونَ بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)). وجماعةٌ بلفظِ: ((فَلَمْ يَكُونُوا يَفْتَتِحُونَ القِرَاءَ ةَ بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)). وَجماعَةٌ بلَفْظِ: ((فَلَمْ أَسْمَعْ أحداً (¬9) منهُمْ يَقرأُ بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)). والجمعُ بينَ هذِهِ الرواياتِ - كَمَا قالَ شيخُنا (¬10) - ممكِنٌ، بِحَمْلِ نَفْيِ القرَاءَ ةِ ¬

_ (¬1) انظر: الأم 1/ 107، ومعرفة السنن والآثار 1/ 163 / ب. (¬2) انظر: سنن الدارقطني 1/ 316. (¬3) الحديث أخرجه أيضاً أحمد 3/ 100 و 166 و 189، وابن خزيمة (1010). (¬4) سقطت من (ص) وفي (ق): ((مما)). (¬5) سقطت من (ص) و (ق). (¬6) في (ق): ((سلمة)) خطأ. وانظر: التقريب (2419). (¬7) سنن الدارقطني 1/ 316. (¬8) رواية الوليد بن مسلم أخرجها ابن عبد البرّ في التمهيد 2/ 228، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة1/ 376. (¬9) في نسخة (ع): ((واحداً)). (¬10) يعني: الحافظ ابن حجر، وانظر: الدراية 1/ 132.

على نَفْيِ السماعِ، ونَفْيِ السماعِ على نَفْيِ الْجَهْرِ، ويُؤَيِّدُهُ ما رواهُ ابنُ خزيمةَ (¬1)، عَنْ أنسٍ: ((أنَّهُمْ كانُوا يُسِرُّونَ بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ))، وإنْ كانَ في سنَدِهِ ضَعِيْفٌ (¬2). وبهذا الجمْعِ سَقَطَتْ دَعْوَى: أنَّ هذا اضطرابٌ، لا تقومُ مَعَهُ حُجَّةٌ (¬3)؛ لأنَّ شَرْطَ هَذَا الاضطرابِ عَدَمُ إمكانِ الجمعِ، وتَسَاوِي الطُّرُقِ قُوَّةً وضَعْفاً، وهذا ليسَ كذلكَ؛ لأَنَّهُ قَدْ أمْكَنَ الجمْعُ، ولَمْ تتَسَاوَ الطُّرُقُ، فإنَّ روايةَ: ((يَفْتَتِحُوْنَ بـ: الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمِيْنَ)) (¬4) أصحُّ. ثُمَّ روايةُ: ((فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَرُونَ بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ثُمَّ روايةُ: لا يَذْكرونَ بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أوَّلِ قِراءَ ةٍ، ولاَ في آخِرِها)). وأمَّا روايةُ: ((فكانُوا يَجْهَرُونَ بـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ))؛ فضعيفَةٌ (¬5). 204 - وَكَثُرَ التَّعْلِيْلُ (¬6) بِالإرْسَالِ ... لِلوَصْلِ (¬7) إنْ يَقْوَ عَلَى اتِّصَالِ (¬8) ¬

_ (¬1) صحيح ابن خزيمة (498). (¬2) والضعيف هو: سويد بن عبد العزيز بن نمير السلمي. التقريب (2692). (¬3) اعترض البقاعي على هذا فقال: ((ليس كذلك؛ فإنّ الاضطراب الذي لا تقوم معه حجة شرطه عدم إمكان الجمع وتساوي الطرق قوةً وضعفاً، وهذا ليس كذلك فإن أصح ما فيه رواية يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ويليه كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، ويليه كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءةٍ ولا آخرها مع أن الجمع ممكن بحمل نفي قراءة البسملة على نفي الجهر بها، وكذا القراءة بالحمد لله رب العالمين أي الفاتحة، وإن أريد اللفظ حمل على الجهر، وأما فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فضعيفٌ، وأما كان يسّرون ببسم الله الرحمن الرحيم فقد رواها ابن خزيمة وفي سنده راوٍ ضعيف فلا يسمّى الصّحيح الذي هو في أعلى الدرجات مضطرباً بما لا يقاومه))، النكت الوفية: 164/ ب. (¬4) جملة: ((رب العالمين)). لم ترد في (ع). (¬5) انظر بلا بدٍّ: شرح التبصرة 1/ 376 - 384 وتعليقنا عليه، وانظر الدراية 1/ 132. (¬6) قال البقاعي في النكت الوفية: 168/ أ: ((لو قال الإعلال لكان أولى، فالإرسال مراده به هنا المرسل وكذا الوصل مراده به الموصولأي: وكثر إعلال الموصول بالمرسل)). (¬7) في (ج) من متن الألفية: ((بالوصل)). (¬8) في (ب) من متن الألفية: ((اتصالي)).

205 - وَقَدْ يُعِلُّوْنَ بِكُلِّ قَدْحِ ... فِسْقٍ، وَغَفْلَةٍ، وَنَوْعِ جَرْحِ (¬1) 206 - وَمِنْهُمُ مَنْ يُطْلِقُ اسْمَ العِلَّةِ ... لِغَيْرِ (¬2) قادحٍ كَوَصْلِ ثِقَةِ 207 - يَقُوْلُ: مَعْلُوْلٌ صَحِيْحٌ كَالذّيْ ... يَقُوْلُ: صَحَّ مَعْ شُذُوْذٍ احْتُذِيْ 208 - وَالنَّسْخَ سَمَّى (التِّرْمِذِيُّ) عِلَّهْ ... فَإنْ يُرِدْ في عَمَلٍ فَاجْنَحْ لَهْ وَلَمَّا قَدَّمَ أنَّ العِلَّةَ تكونُ خَفِيَّةً، بَيَّنَ أنَّها تكونُ أيضاً ظاهِرَةً، فقالَ: (وَكَثُرَ) مِنَ المحدِّثينَ (التَّعْلِيلُ) الأوجهُ لِمَا مَرَّ: الإعلالُ (¬3) (بالإرسالِ) الظاهِرِ (لِلْوَصْلِ)، وبالوقفِ للرَّفْعِ، بمعنَى: أنَّهُ كَثُرَ إعلالُ الموصولِ بالإرسالِ والمرفوعِ بالوَقْفِ، (إنْ يَقْوَ) الإرسالُ أو الوقفُ بكونِ راويهِ أضبطَ، أو أكثرَ (¬4) عدداً (عَلَى اتِّصَالِ)، أو رَفْعٍ. (وَقَدْ يُعِلُّونَ) الحديثَ (بِكُلِّ قَدْحِ) ظاهِرٍ مِنْ (فِسْقٍ) في راويهِ، (وَغَفْلَةٍ) منهُ، (وَنَوْعِ جَرْحِ) فيهِ، كَسُوءِ حِفْظٍ (¬5). (ومِنْهُمُ) - بالضَّمِّ - (مَنْ يُطْلِقُ اسمَ العِلَّةِ) توَسُّعاً، وهو أبو يَعْلَى الخليليُّ (لِغَيْرِ) أي: على غَيْرِ (قَادِحٍ، كَوَصْلِ ثِقَةِ) ضابطٍ أرسَلَهُ مَنْ لَمْ يَفْقَهْ، ولاَ مُرجّحٍ، حيثُ (يقولُ) في "إرشادِهِ": الحديثُ أقسامٌ (مَعْلُولٌ صحيحٌ)، وصحيحٌ متَّفقٌ عليهِ، وصحيحٌ مختلفٌ فيهِ (¬6). وَمثَّلَ (¬7) للأوَّلِ بحديثِ مالكٍ في " الموطّإِ "، أنَّهُ قالَ: بَلَغَنا أنَّ أبا هُريرَةَ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لِلْمَمْلُوْكِ طَعَامُهُ وكِسْوَتُهُ)) (¬8) حيثُ وَصَلَهُ مالكٌ في غيرِ " الموطإِ " بمُحَمَّدِ بنِ عَجْلانَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ، قالَ. ¬

_ (¬1) أي: ويعلونه بأي نوعٍ كان من أنواع الجرح. (¬2) في (ب) من متن الألفية: ((بغير)). (¬3) في (ق): ((من الإعلال)). (¬4) في (ق): ((أحفظ وأكثر)). (¬5) انظر: تعليقنا على شرح التبصرة 1/ 386 - 387 في تفصيل وإيضاح هذه المسألة. (¬6) انظر: الإرشاد 1/ 157. (¬7) الإرشاد 1/ 164. (¬8) هذا البلاغ في الموطأ (رواية يحيى الليثي2806، ورواية أبي مصعب الزهري2064، ورواية سويد بن سعيد 779، وهو في موطأ عبد الله بن مسلمة القعنبي كما أسنده إليه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 37). =

فقدْ صارَ الحديثُ بِتَبَيُّنِ الإسنادِ صَحِيْحاً، يُعْتَمَدُ عليهِ (¬1). وما قالَهُ في هذا، هو (كالذي يَقُولُ) فيهِ هوَ (¬2) -كالحاكِمِ- (¬3) (صَحَّ) أي: كالحديثِ الذي يُصَحِّحُهُ (مَعْ) بالإسكانِ (شُذُوذٍ) فيهِ، مُنَافٍ عندَ الجمهورِ للصِّحَّةِ، فقدِ (احْتُذِي) أي: اقْتُدِي في ذلكَ بهذا. فالشُّذوذُ عِنْدَ الخليليِّ، ومَنْ وافَقَهُ (¬4) يَقْدَحُ في الاحتجاجِ، لا في التسميةِ. (والنَّسْخَ) مَفْعُولُ (سَمَّى التِّرمذيُّ عِلَّهْ) (¬5) مِنْ عِلَلِ الحديثِ، وزادَ النَّاظِمُ: (فإنْ يُرِدْ) أي: التِّرمِذِيُّ أنَّهُ عِلَّةٌ (في عَمَلٍ) أي: في العَمَلِ بالمنسوخِ، (فاجْنَحْ) أي: مِلْ (لَهْ). ¬

_ = قلنا: وقد روي موصولاً عن مالك: رواه إبراهيم بن طهمان، والنعمان بن عبد السلام. ورواية ابن طهمان: عند الحاكم في معرفة علوم الحديث: 37، والخليلي في الإرشاد 1/ 164. ورواية النعمان: عند الخليلي في الإرشاد 1/ 164 - 165؛ كلاهما (إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام) عن مالك، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ? ... الحديث. وقد خولف فيه مالك فقد أسنده عن محمد بن عجلان: سفيان الثوري، عند الحميدي، وأحمد 2/ 247، ووهيب بن خالد عند أحمد 2/ 342، وسعيد بن أبي أيوب عند البخاري في الأدب المفرد (1192)، والليث بن سعد عند البخاري في الأدب المفرد (193)، والبيهقي في الكبرى8/ 6، وسفيان بن عيينة عند البغوي (2403)، لكن هؤلاء (سفيان الثوري، ووهيب، وسعيد بن أبي أيوب، والليث بن سعد، وسفيان ابن عيينة) رووه عن ابن عجلان، عن بكير بن عبد الله الأشج، عن العجلان، عن أبي هريرة. وروايتهم أصحّ، فقد توبع محمد بن عجلان على روايته، كما في رواية الجمع، فقد أخرجه مسلم 5/ 93 (1662) من طريق عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن العجلان. فلعل هذا هو السبب الذي جعل الإمام مالك يذكره بلاغاً في موطئه؛ لأنّه لم يضبطه جيداً، ومن عجب أنّ الدكتور بشار عوّاد لم يتنبه إلى ذلك في تعليقه على موطّأ مالك في روايتيه (رواية أبي مصعب، ورواية يحيى الليثي)، بل لم يشر أبداً إلى الرّواية الموصولة من طريق مالك، وكذلك يدرك من هذا التفصيل خطأ خليل إبراهيم ملا خاطر في كتابه الحديث المعلل: 59، إذ جعل البلاغ معلولاً، والرواية الموصولة صواباً وأضاف إلى ذلك قاعدة من استنتاج فكره سماها: ((عكس المعلل)) (¬1) الإرشاد 1/ 164 - 165. (¬2) في (ع): ((هو فيه)). (¬3) معرفة علوم الحديث: 119. (¬4) يقصد به الحافظ ابن حجر، فقد صرّح بهذا الكلام في نكته 2/ 654، انظر: فتح المغيث 1/ 254. (¬5) إذ ساق حديثين منسوخين في علله الصغير6/ 227، وكذلك صنع ابن أبي حاتم في علله (114) و (246).=

المضطرب

وإنْ يُرِدْ أنَّهُ عِلَّةٌ في صِحَّتِهِ، أو صِحَّةِ نَقْلِهِ، فلا؛ لأنَّ فِي كُتُبِ الصحيحِ أحاديثَ كثيرةً صحيحةً منسوخةً، وقدْ صَحَّحَ التِّرْمِذيُّ جُمْلَةً منهُ، فَمُرادُهُ: الأوَّلُ (¬1). الْمُضْطَرِبُ (¬2) المضطربُ من الأحاديثِ، بكسر الراء، وَهُوَ نوعٌ مِنَ المعلَّلِ. 209 - مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا 210 - في مَتْنٍ اوْ (¬3) في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ 211 - بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا 212 - كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ ... والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ (مُضْطرِبُ الحَدِيْثِ مَا قَدْ وَرَدا) حالةَ كونِهِ (مَخْتَلِفاً مِنْ) راوٍ (وَاحِدٍ) بأَنْ رَواهُ مرَّةً عَلَى وَجْهٍ، ومرَّةً عَلَى وَجهٍ آخرَ مُخالفٍ لَهُ (¬4)، (فَأزْيَدَا) بأَنْ رَواهُ كُلٌّ من جماعةٍ عَلَى وجهٍ مخالفٍ للآخرِ، (فِي مَتْنٍ، اوْ فِي سَنَدٍ) - بدرجِ الهمزةِ (¬5) -. ¬

_ (¬1) قال الزّركشيّ في نكته2/ 215: ((لعل التّرمذي يريد أنه علة في العمل بالحديث، لا أنه علة في صحته، لاشتمال الصّحيح على أحاديث منسوخة، ولا ينبغي أن يجري مثل ذلك في التخصيص)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 389، والنكت لابن حجر 2/ 771، وفتح المغيث 1/ 254 - 255. (¬2) انظر في المضطرب: معرفة أنواع علم الحديث: 225، والإرشاد 1/ 249 - 253، والتقريب: 77 - 78، والاقتراح: 219، والمنهل الروي: 52، والخلاصة: 76، والموقظة: 51، واختصار علوم الحديث: 72، ونكت الزّركشيّ 2/ 224 - 240، والشذا الفياح 1/ 212، والمقنع 1/ 221، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 390، ونزهة النظر: 126، ونكت ابن حجر 2/ 773 - 810، والمختصر: 104، وفتح المغيث 1/ 221، وألفية السيوطي: 67 - 68، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 197، وتوضيح الأفكار 2/ 34، وظفر الأماني: 392، وقواعد التحديث: 132، وتوجيه النظر 2/ 581. (¬3) بجعل همزة (أو) همزة وصل ضرورةً؛ ليستقيم الوزن، وقد نص عليه الشارح في تعليقه الآتي، على أن الناشر أثبت الهمزة. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 225. انظر: نكت الزّركشيّ 2/ 224. (¬5) على أن ناشر (م) أثبت الهمزة في الموضعين، وهو ذهول شديد.

والاختلافُ فِي السَّنَدِ -وَهُوَ الغالبُ- يَكُونُ باختلافٍ فِي وصلٍ، وإرسالٍ، أَوْ فِي إثباتِ راوٍ وحذفِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، والقضيةُ مانعةُ خلوٍّ (¬1)، فيكونُ ذَلِكَ فِي السَّنَدِ والمتنِ جميعاً (¬2). هَذَا، (إنِ (¬3) اتَّضَحْ فِيهِ تَسَاوِي الخُلْفِ) أي: الاختلافِ فِي الوجوهِ، بحيثُ لَمْ يرجَّحْ مِنْها شيءٌ، وَلَمْ يُمكنِ الجمعُ (¬4). (أَمَّا إنْ رَجَحْ بَعْضُ الوُجُوهِ) أي: وَجْهينِ فأكثرَ عَلَى غَيْرِهِ، بأحفظيةٍ، أَو أكثريةٍ مُلازمةٍ للمرويِّ عَنْهُ، أَوْ غيرِهِما مِن وجوهِ التَّرجيحِ فَقُلْ: (لَمْ يَكُنْ) أي: الحَدِيْثُ (مُضْطَرِبا، والحُكْمُ للرَّاجحِ مِنْها) أي: مِنَ الوجوهِ (وَجَبَا) (¬5). إِذْ لاَ أَثَرَ لِلمَرجوحِ، ولاَ اضْطِرابَ أَيْضاً إذَا أَمْكَنَ الجَمْعُ، بحَيْثُ يمكنُ أَنْ يعبِّرَ المُتَكَلِّمُ بالألفاظِ، عَنْ معنىً واحدٍ، وإن لَمْ يَتَرجَّحْ شيءٌ (¬6). ومضْطَرِبُ السَّنَدِ (كَ‍) (¬7) حَدِيثِ (الخَطِّ) مِنَ المُصَلِّي (للسُّتْرَةِ)، المرويِّ بلفظِ: ((فَإذَا لَمْ يَجِدْ عَصا يَنْصِبُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَخُطَّ خَطّاً)). فإن إسنادَهُ (جَمُّ) -بالفتح والتشديد - أي: كَثِيْرُ - (الخُلْفِ) أي: الاختلافِ عَلَى راويهِ، وَهوَ إسماعيلُ بنُ أميَّةَ. فإنَّه (¬8) رُوِيَ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جدِّهِ حُرَيثٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: تحرير القواعد المنطقية: 58. (¬2) في (ع) و (ق): ((معاً)). (¬3) في (م): ((وإن)). (¬4) فتح المغيث 1/ 256 - 257. (¬5) انظر: فتح المغيث 1/ 257، وتدريب الرّاوي 1/ 262. (¬6) انظر: فتح المغيث 1/ 257. (¬7) سقطت من (ص). (¬8) في (ص): (فإن). (¬9) عند أبي داود (689) و (690)، وابن ماجه (943).

ورُوِيَ عَنْهُ، عَنْ أبي عمرِو بنِ حُرَيثٍ، عَنْ أبيهِ (¬1)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة (¬2). وَرُوِيَ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بنِ محمدٍ بنِ عَمْرِو بنِ حُريثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيثِ بنِ سُلَيْمٍ (¬3)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬4). ورُوي عَنْهُ، عَنْ ابنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ورُوي عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حُريثٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ. ومِنْ ثَمَّ حَكَمَ غَيْرُ واحدٍ من الحفَّاظِ باضطرابِ سَنَدِهِ (¬5)، لَكِنَّ بعضَهُم صَحَّحَهُ تَرْجيحاً للروايةِ الأولى (¬6)، بَلْ قَالَ شَيْخُنا: ((هذِهِ كُلُّها قابلةٌ لترجيحِ ¬

_ (¬1) ((عن أبيه)) لم ترد في (ق). (¬2) عند أحمد 2/ 249 و 254 و 266، وابن خزيمة (812). (¬3) ويقال: ابن سليمان. انظر: التقريب (1183). (¬4) عند ابن ماجه (943). (¬5) فقد نقل الخطّابيّ عن أحمد بن حنبل قوله: ((حديث الخط ضعيف)) التهذيب 2/ 236. ونقل ابن عبد البر في التمهيد 4/ 200 قول الطحاوي بأن عمرو بن محمّد بن حريث هذا مجهول، وجده أيضاً مجهول ليس لهما ذكر في غير هذا الحديث، ولا يحتج بمثل هذا من الحديث. وقال الدّارقطنيّ: لا يصح، ولا يثبت. التهذيب 2/ 236. وقال ابن حزم: لم يصح في الخط شيء. المحلى 4/ 187. وضربه ابن الصّلاح مثالاً للمضطرب، وتبعه كثيرون. كما أشار الشّافعيّ إلى ضعفه، فقال البيهقيّ: ((هذا حديث قد أخذ به الشّافعيّ في القديم وفي سنن حرملة، وقال في كتاب البويطي: ولا يخط المصلي بين يديه خطاً إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع)). السّنن 2/ 271. قال البيهقيّ في المعرفة 3/ 191: ((وإنما توقف الشّافعيّ في صحّة الحَدِيْث لاختلاف الرواة على إسماعيل بن أمية)). وانظر المقنع 1/ 223 والتعليق عليه. (¬6) فنقل ابن عبد البر عن أحمد بن حنبل، وابن المديني تصحيحه، فقال: ((وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ومن قال بقوله حديث صحيح، وإليه ذهبوا، ورأيت أن عليّ بن المديني كان يصحح هذا الحديث ويحتج به)). التمهيد 4/ 199. وصححه أيضاً ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، - فيما نقله العراقي في التقييد: 125. قال محقق كتاب المقنع1/ 224: ((قد تعارض النقل عن أحمد فيه، فذكر آنفاً -فيما نقل الخطّابيّ- تضعيفه، ثمّ نقل ابن عبد البر تصحيحه، والذي أراه أن كلا النقلين يفتقر إلى ثبوته عن أحمد، فبين الخطّابيّ ثمّ ابن= =عبد البر وبين أحمد مفازة، فإن صحّا فنقل الخطّابيّ أصرح من نقل ابن عبد البر، فإن نقل ابن عبد البر يحتمل أن يكون مستنده احتجاج أحمد بالحديث، وهو الأظهر فيما أرى، ولا يلزم من احتجاجه به تصحيحه لَهُ والجزم بنسبته إلى صاحب الشريعة، لأن مثله يحتمل في مثل هذا الباب عند طائفة من العلماء، حيث لم يثبت أصلاً، وقد قال البيهقيّ مع إثباته الاضطراب فيه: ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله)).

بَعْضِها عَلَى بعضٍ، والراجحةُ (¬1) مِنْها يُمكنُ التوفيقُ بينها)) (¬2). قَالَ: ((والحقُّ أنَّ التمثيلَ لا يليقُ إلاَّ بحديثٍ لَولاَ الاضطرابُ لَمْ يضعَّفْ، وهذا الحَدِيْثُ لَيْسَ كَذلِكَ، فإنَّهُ ضَعِيْفٌ بدونِهِ؛ لأنَّ شيخَ إِسْمَاعِيْلَ مجهولٌ)) (¬3). وأما مُضْطَرِبُ المَتْنِ، فكحديثِ فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ، قَالتْ: ((سَألْتُ، أَوْ سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: إنَّ فِيْ الْمَالِ لَحَقاً سِوَى الزَّكَاةِ)). فرواهُ التِّرْمِذِيُّ (¬4) هكذا. ورواهُ ابنُ ماجه عَنْهَا بلفظِ: ((لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكاةِ)) (¬5). لَكِنْ فِي سندِ (¬6) التِّرْمِذِيِّ راوٍ ضَعِيْفٌ، فَلاَ يَصْلُحُ مِثالاً نظيرَ مَا مَرَّ، عَلَى أنَّه -أَيْضاً (¬7) - يُمكنُ (¬8) الجمعُ، بِحَمْلِ الحقِّ فِي الأولِ عَلَى الْمُستحَبِّ، وفِي الثَّانِي عَلَى الواجِبِ. (والاضْطِرَابُ) فِي سَندٍ، أَوْ مَتْنٍ (مُوْجِبٌ للضَّعْفِ)؛ لإشعارِهِ بِعَدَمِ ضبطِ راويهِ، أَوْ رواتِهِ (¬9). ¬

_ (¬1) في (ع): ((والراجح)). (¬2) النكت 2/ 773. (¬3) انظر: تدريب الرّاوي 1/ 265. (¬4) الجامع الكبير (659). (¬5) سنن ابن ماجه (1789). وأخرجه أيضاً: الدارمي (1644)، والطبري في تفسيره 2/ 96، والدارقطني 2/ 125، وابن عدي في الكامل 4/ 1328 ط دار الفكر و 5/ 19 ط العلمية، وهذا لا يصلح أن يكون مثالاً للمضطرب فمداره على شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة. وشريك وأبو حمزة ضعيفان، وهما علّة الحديث. وقال الترمذي: ((هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعّف. وروى بيانٌ وإسماعيل ابن سالم، عن الشعبي هذا الحديث قوله. وهذا أصحّ)) فالصواب موقوف ورفعه منكر. وكذلك قد أخطأ شريك في إسناده فقال مرّة: عن رجلٍ، عن الشعبي، كما عند الدارقطني 2/ 125، وقال مرة عن أبي حمزة الأعور كما هاهنا. (¬6) في (ع): ((مسند)). (¬7) سقطت من (ق). (¬8) في (ق): ((ممكن)). (¬9) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 394.

المدرج

الْمُدْرَجُ (¬1) ويقعُ فِي المَتْنِ، وَفِي السَّنَدِ، كَمَا سَيأتي، ولكلٍّ مِنْهُمَا (¬2) أقسامٌ، فمنَ الأوَّلِ: 213 - المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ ... مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ 214 - نَحْوُ (إذَا قُلْتَ: التَّشَهُّدَ) وَصَلْ ... ذَاكَ (زُهَيْرٌ) وَ (ابنُ ثَوْبَانَ) فَصَلْ 215 - قُلْتُ (¬3): وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ ... كـ (أسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ) (المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ، مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا) مِنْ رواتِهِ (¬4)، صَحَابِيٍّ، أَوْ غيرِهِ، (بِلاَ فَصْلٍ ظَهَرْ) بَيْنَ الخبرِ، والملحَقِ بِهِ، يَعْزوهُ لِقائلِهِ، بحيثُ يتوهَّمُ أنَّهُ مِنَ الخَبرِ. وسَبَبُ الإدراجِ: إما تَفْسيرُ غَرِيْبٍ فِي الخبرِ: كخَبرِ النَّهي عَنْ الشِّغارِ (¬5)، أَوْ ¬

_ (¬1) المدرج لغةً -بضم الميم وفتح الراء-: اسم مفعول من (أدرج)، تقول: أدرجت الكتاب إذا طويته، وتقول: أدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فيه، وتقول: أدرجت الشيء في الشيء: إذا أدخلته فيه وضمنته إيّاه. وفي اصطلاح المحدثين: هو ما كانت فيه زيادة ليست منه، أو بعبارة أوضح: هو الحديث ... الذي يعرف أن في سنده أو متنه زيادة ليست منه، وإنما هي من أحد الرواة من غير توضيح ... لهذه الزيادة. حاشية محيي الدين عبد الحميد على توضيح الأفكار 2/ 50، والتعليقات الأثرية لعلي حسن على المنظومة البيقونية: 37. وانظر الاقتراح: 223، والموقظة: 53، وتاج العروس 5/ 555. وانظر في المدرج: معرفة علوم الحديث: 39، ومعرفة أنواع علم الحديث: 228، والإرشاد 1/ 254 - 257، والتقريب: 79 - 80، والاقتراح: 223، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 53، والموقظة: 53، واختصار علوم الحديث: 73، ونكت الزّركشيّ 2/ 241 - 252، والشذا الفياح 1/ 216 - 222، والمقنع 1/ 227، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 395، ونزهة النظر: 124، ونكت ابن حجر 2/ 811 - 837، والمختصر: 145، وألفية السيوطي: 73 - 79، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 201، وتوضيح الأفكار 2/ 50، وظفر الأماني: 248، وقواعد التحديث: 124، وتوجيه النظر 1/ 408 - 413. (¬2) في (ق) و (ص): ((منها)). (¬3) في (ب) من متن الألفية: ((قيل)). (¬4) في (ص): ((رواية)). (¬5) الحديث أخرجه مالك (1529) رواية يحيى، وابن أبي شيبة (17496)، وأحمد 2/ 7 و 19 و 62، والدارمي (2186)، والبخاري 7/ 15 (5112)، ومسلم 4/ 139 (1415) (57) (58) (59) (60)، وأبو داود (2074)، وابن ماجه (1883)، والترمذي (1124)، والنّسائيّ 6/ 110 و 112، وأبو يعلى (5795) و (5819)، وابن الجارود (719) و (720)، وابن حبان (4155)، والبيهقي 7/ 199 و 200، والبغوي (2291). =

استنباطٌ (¬1) مِمّا فَهِمَهُ مِنْهُ أَحَدُ رواتِه، كَمَا فَهِمَ ابنُ مسعودٍ مِن خبرِهِ الآتي، أنَّ الخروجَ مِنَ الصَّلاةِ، كَمَا يَحْصلُ بالسلامِ، يحصلُ بالفراغِ من التشهُّدِ، فأدرجَ فِيهِ بَعْضُ رواتهِ: ((إنْ شِئْتَ أنْ تَقُوْمَ))، إلى آخرِه (¬2). وكما فَهِمَ عَروةُ من خبرِهِ الآتي أنَّ سببَ نقضِ الوضوءِ مسُّ مظِنَّةِ الشَّهوةِ فأدرجَ فِيهِ بَعْضُ رواتِه ((الأُنثيينِ، والرُّفْغَ)) - بضمِّ الراءِ وفتحِها (¬3) - أي: أصْلَ الفَخِذينِ؛ لأنَّ مَا قَاربَ الشيءَ، أُعْطِيَ حُكْمَهُ. أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ (نَحْوُ) قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ فِي آخرِ خبرِ القاسمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ (¬4) عَنْ عَلْقَمةَ بنِ قَيْسٍ، عَنْهُ فِي تَعْليمِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ التشهدَ فِي الصلاةِ: (إذَا قُلْتَ) هَذَا (التَّشَهُّدَ)، فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ، إِنْ شِئْتَ أنْ تَقُوْمَ فَقُمْ، وَإنْ شِئْتَ أنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ)) (¬5). فَقَدْ (وَصَلْ ذَاكَ) بالخبرِ (زُهَيْرٌ)، هُوَ ابنُ مُعاويةَ أَبُو خَيْثَمَةَ (و) عَبْدُ الرحمانِ بنُ ثابتٍ هُوَ (ابنُ ثَوْبَانَ فَصَلْ) ذاكَ عَنِ الخبرِ، بقولِهِ: ((قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ)) (¬6)، بَلْ ¬

_ = والزيادة المدرجة في الحديث هِيَ: ((والشغار أن يزوج الرجل ابنته علىأن يزوجه الآخر ابنته ليس بَيْنَهُمَا صداق)). وانظرشرح صحيح مسلم 3/ 572، وفتح الباري 9/ 162 حيث إنهم بيّنوا أن هذه الزيادة من كلام نافع. (¬1) في (ق): ((الاستنباط)). (¬2) أخرجه الطيالسيّ (275)، وأحمد 1/ 422، والدارمي (1347)، وأبو داود (970)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 275، وابن حبان (1957) (1958) (1959)، والطبراني في الكبير (9925) والدارقطني 1/ 353، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 396 - 400. (¬3) انظر: تاج العروس 22/ 485 (رفغ)، وقارن بالنكت الوفية: 173/ب. (¬4) بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة وكسر الميم الثانية. شرح صحيح مسلم 1/ 300، وكذا في الخلاصة 314، لكنّه بفتح الميم الثانية. (¬5) أخرجه من هذا الطّريق: الطيالسيّ (275)، وأحمد 1/ 422، والدارمي (1347)، وأبو داود (970)، وابن حبان (1957) (1959)، والدارقطني 1/ 353. (¬6) عند ابن حبان (1958)، والطبراني في الكبير (9924)، وفي مسند الشاميين (64)، والدارقطني 1/ 354، والحاكم في المعرفة 39 - 40، والبيهقي 2/ 175، والخطيب في الفصل 108 - 109.

رَواهُ شَبَابةُ بنُ سَوَّارٍ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ زُهَيرٍ (¬1) نفسِهِ - أَيْضاً - كَذلِكَ (¬2). ويُؤيدُهُ: اقتصارُ جماعاتٍ عَلَى الخبرِ، وتصريحُ جماعاتٍ بعدمِ رفعِ ذَلِكَ. بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ: ((اتَّفقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أنَّه مُدْرَجٌ)) (¬3). انتهى. مَعَ أنَّهُ لَوْ صَحَّ وَصْلُهُ (¬4) لكانَ مُعَارِضاً لِخبَرِ: ((تَحْلِيْلُهَا التَّسْلِيْمُ)) (¬5)، عَلَى أنَّ الخَطَّابِيَّ (¬6) جمعَ بَيْنَهُمَا عَلَى تقديرِ وَصْلِهِ، بأنَّ قولَهُ: ((قَضيْتَ صَلاَتَكَ)) أي: مُعْظَمَها. (قُلْتُ: وَمِنْهُ) أي: مِنَ المُدرجِ مِنَ القِسمِ الأَوَّلِ: (مُدرجٌ قَبْلُ) أي: قَبْلَ آخرِ الخبرِ أي: فِي أَوَّلِهِ، أَوْ أثنائِهِ (¬7) (قُلِبْ) بالنِّسبةِ للمُدْرجِ آخرُه، وَهُوَ تأكيدٌ لقَبْلُ، مَعَ إشارةٍ إلى أكثريةِ المُدرجِ آخر الخبرِ. (كَ‍) خَبرِ: (أسْبِغُواْ) أي: أَكْمِلُوا (¬8) (الْوُضُوْءَ، وَيْلٌ لِلْعَقِبْ) (¬9) مِنَ النارِ، وَفِي لَفْظٍ - وَهُوَ الأكثرُ - للأَعْقَابِ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((عن زهير عن)). (¬2) عند الدّارقطنيّ 1/ 353، والبيهقي في الكبرى 2/ 174، والخطيب في الفصل 108. (¬3) الخلاصة: 61/ ب، وبنحو هذا النص في المجموع 3/ 413 - 415 وقول النّوويّ نقله الكافيجي في المختصر: 148، والكمال بن الهمام في شرح فتح القدير 1/ 193، والعراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 397، والسيوطي في شرح ألفية العراقي: 202، والتدريب 1/ 268. (¬4) سقطت من (ق). (¬5) أخرجه الشّافعيّ في المسند (191) بتحقيقنا، وعبد الرزاق (2539)، وابن أبي شيبة (2378)، وأحمد 1/ 123 و 129، والدارمي (693)، وأبو داود (61) و (618)، وابن ماجه (275)، والترمذي (3)، والبزار (633)، وأبو يعلى (616)، والطحاوي 1/ 273، وابن عدي في الكامل 5/ 208، والدارقطني 1/ 360 و 379، وأبو نعيم في الحلية 8/ 372، والبيهقي 2/ 15 و 173 و 253 - 254 و 379، والخطيب في تاريخ بغداد 10/ 197، والبغوي (558) من طريق عبد الله بن محمّد بن عقيل، عن محمّد بن الحنفية، عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -. (¬6) معالم السّنن 1/ 450 - 451، وانظر الدراية 1/ 157. (¬7) في (ق): ((وأثنائه)). (¬8) انظر: التاج 22/ 500. (¬9) عند الطيالسيّ (2486).

فَقَدْ رَواهُ شَبَابةُ بنُ سَوَّارٍ، وغيرُهُ (¬1)، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زيادٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ برفعِ الجُملتينِ، مَعَ كونِ الأولى مِن كلامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا بيَّنهُ جُمْهُورُ الرُّواةِ، عَنْ شُعْبَةَ، واقْتَصَرَ بَعْضُهُم عَلَى الثانيةِ (¬2). فَهُوَ مِثالٌ للمُدرجِ أَوَّل الخبرِ، وَهُوَ نادرٌ جِدّاً، حَتَّى قَالَ شَيْخُنا: ((إنَّهُ لَمْ يَجدْ غيرَهُ إلاَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ خبرِ بُسْرَةَ الآتي)) (¬3). عَلَى أنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أسْبِغُواْ الْوُضُوْءَ))، قَدْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" (¬4) مَرْفُوْعاً، من خبرِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ. وبِذَلِكَ سَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ المُدْرَجَ فِي الأَوَّلِ أكثرُ مِنْهُ فِي الأثناءِ. وَمِثَالُ المُدْرَجِ (¬5) فِي الأثناءِ - وَهُوَ قَليلٌ بالنِّسبةِ لِلْمُدرجِ فِي الآخِرِ، كثيرٌ بالنسبةِ للمُدرَجِ فِي الأَوَّلِ - خَبَرُ هِشامِ بنِ عُروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبيهِ، عَنْ بُسْرَةَ بنتِ صَفْوَانَ، مَرْفُوْعاً: ((مَنْ مَسَّ ذكَرَهُ، أَوْ أُنْثَيَيْهِ، أَوْ رُفْغَهُ (¬6) فَلْيَتَوَضَّأ)). فَقَدْ رَواهُ عَبْدُ الحميدِ بنُ جَعْفرٍ (¬7)، وغيرُهُ، عَنْ هِشامٍ كَذلِكَ، مَعَ أنَّ الأُنثيينِ والرُّفغَ، إنَّما هُوَ من قَوْلِ عُروةَ، كَمَا بيَّنهُ جماعاتٌ عَنْ هِشامٍ (¬8)، واقتصرَ كَثِيْرٌ من أصحابِ هشامٍ عَلَى الخبرِ هَذَا. ¬

_ (¬1) أي من رواية أبي قطن. انظر الفصل للوصل: 131. (¬2) عند الطيالسيّ (2290)، وأحمد 2/ 409 و 430، والدارمي (713)، والبخاري 1/ 53 (165)، والنّسائيّ 1/ 77، والخطيب في الفصل: 131 - 133. (¬3) النكت 2/ 824. (¬4) الجامع الصّحيح 1/ 53 حديث (165)، وصحيح مسلم 1/ 148 (242) (29). (¬5) سقطت من (ق). (¬6) الرفغ: هو مجامع الوسخ، ومن ثمّ أطلق على أصل الفخذين، وقيل: هو ما حول الفرج، وقيل: ما فوق العانة وتحت السرة. انظر: غريب الحديث للحربي 1/ 30، والفائق في غريب الحديث 2/ 72، وأساس البلاغة: 356، والنكت الوفية 173/ب. (¬7) عند الدّارقطنيّ 1/ 148. (¬8) فقد نقل الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 403 قول الدّارقطنيّ في أن المحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع. وقال الخطيب ((وليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو قول عروة بن الزّبير، فأدرجه الرّاوي في متن الحديث. وقد بين ذلك حماد وأيوب. انظر: الفصل للوصل: 233 - 235.

وَقَدْ رَواهُ الطبرانيُّ فِي " الكَبيرِ " (¬1) من خبرِ مُحَمَّدِ بنِ دينارٍ، عَنْ هشامٍ بلفظِ: ((مَنْ مَسَّ رُفْغَهُ، أَوْ أُنْثَيَيْهِ، أَوْ ذَكَرَهُ)). فَهُوَ عَلَى هَذَا مثالٌ للْمُدْرَج فِي الأَوَّلِ، عَلَى مَا أفادَهُ كلامُ شيخِنا (¬2). 216 - وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ ... مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ 217 - كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ قَدْ ... أُدْرِجَ (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ 218 - وَمِنْهُ أنْ يُدْرَجَ بَعْضُ مُسْنَدِ (¬3) ... في غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلاَفِ السَّنَدِ 219 - نَحْوُ (وَلاَ تَنَافَسُوْا) في مَتْنِ (لاَ ... تَبَاغَضُوا) فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلاَ 220 - مِنْ (¬4) مَتْنِ (لاَ تَجَسَّسوا) (¬5) أدْرَجَهُ ... (إبْنُ أبي مَرْيَمَ) إذْ أخْرَجَهُ (ومِنْهُ) أي: مِنَ المُدْرَجِ مِنَ القِسْم الثَّانِي، وَهُوَ الأَوَّلُ مِن ثلاثةِ أقسامٍ، ذَكَرَهَا ابنُ الصَّلاحِ (¬6): (جَمْعُ مَا) أي: خَبرٌ (أتَى كُلَّ طَرَف مِنْهُ) عَنْ راويهِ (بإسْنادٍ)، غَيْرِ إسنادِ الطَّرَفِ الآخرِ (بوَاحدٍ سَلَفْ) مِنَ الإسنادَينِ، مُتَعَلِّقٌ ب‍ ((جَمْعُ)) و ((سَلَفْ)) تَكْمِلةٌ. (كَ‍) خَبرِ (وَائِلٍ)، هُوَ ابنُ حُجْرٍ (فِي صِفَةِ الصَّلاةِ) أي: صلاةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي رَواهُ زائِدةُ (¬7) وغيرُهُ (¬8)، عَنْ عَاصمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْهُ. ¬

_ (¬1) 24/ (516). (¬2) النكت لابن حجر 2/ 824. (¬3) في النفائس: ((المسند)). (¬4) في نسخة (ب) و (ج) من متن الألفية: ((في)). (¬5) في النفائس: ((لا تحسسوا)) بالحاء المهملة. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 231. (¬7) عند أحمد 4/ 311، والدارمي (1364)، وابن الجارود (208)، وابن حبان (1856)، والطبراني في الكبير 22/ (82)، والخطيب في الفصل 279. (¬8) منهم: سفيان بن عيينة عند الشّافعيّ في المسند (197) بتحقيقنا، والحميدي (885)، والنّسائيّ 2/ 236، والدارقطني 1/ 290، والخطيب في الفصل: 279، وشريك في سنن أبي داود (728)، وشرح المعاني 1/ 196، وشرح السّنّة (564).

فإنَّهُ (قَدْ أُدْرِجَ) مِن بَعْضِ رواتهِ فِي آخرهِ بهذا السَّنَدِ (¬1): (((ثُمَّ جِئْتُهُمْ) بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيْدٌ، فَرَأيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ، تَحَرَّكُ (¬2) أيْدِيْهِمْ تَحْتَ الثِّيَابِ)). (وَمَا اتَّحَدْ) سَنَدُ (¬3) الجُملتينِ، بَلِ الذي عِنْدَ (¬4) عاصمٍ بهذا السَّنَدِ الجُملةُ الأولى فَقَطْ، وأما الثانيةُ فإنَّما رَواها عَنْ عَبْدِ الجبارِ بنِ وائلٍ، عَنْ بَعْضِ أهلِهِ، عَنْ وائلٍ هَكذا. فَصَلَهُما زُهَيْرُ بنُ معاويةَ (¬5)، وغيرُه (¬6)، ورجَّحَهُ مُوسى بنُ هارونَ الحَمَّالُ (¬7) وقَضَى عَلَى الأَوَّلِ - وَهُوَ جمعُهما بسندٍ واحدٍ - بالوَهَمِ، وصوَّبهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬8). وَوَجْهُ كونِهِ مُدرجَ الإسنادِ أنَّ الرَّاوِيَ، لما رَوَى الجُملتينِ بسندِ إحداهما، كانَ كأنَّه أدْرجَ أَحَدَ السَّنَدينِ فِي الآخرِ، حَتَّى سَاغَ لَهُ أنْ يُركِّبَ عَلَيْهِ الجُملتينِ. (وَمِنْهُ): وَهُوَ ثاني الثلاثةِ (أَنْ يُدْرَجَ) مِنَ الراوي (بَعْضُ) خبرٍ (مُسْنَدِ فِي) خَبرِ (غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلافِ السَّنَدِ) فِيْهِمَا. (نَحْوُ: ((ولاَ تَنَافَسُوا)) فِي مَتْنِ: ((لاَ تَباغَضُوا)) فَمُدْرجٌ) أي: فلفظُ: ((وَلاَ (¬9) تَنَافَسُواْ)) مدرجٌ فِي مَتْنِ: ((لاَ تَبَاغَضُواْ)) ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 231، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 406 - 407، وفتح المغيث1/ 268. (¬2) تحرك: صيغة مضارع من (التّفعّل) بحذف إحدى التاءين أي: تتحرك. انظر: عون المعبود 1/ 265، وبذل المجهود 4/ 438. (¬3) لم ترد في (ع). (¬4) في (ص): ((عنه)). (¬5) عند أحمد 4/ 318، والطبراني 22/ (84)، والخطيب في الفصل: 284. (¬6) كشجاع بن الوليد: عند الخطيب في الفصل: 284. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 407 إذ قال: ((وهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير وشجاع بن الوليد)). قال موسى بن هارون الحمال: ((وذاك-يعني: رواية سفيان وزائدة-عندنا وهم وإنما أدرج عليه، وهو من رواية عاصم، عن عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل. هكذا رواه مبيناً زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب، وفصلاها من الحديث وذكرا إسنادهما كما ذكرنا)). ثم قال: ((وهذه رواية مضبوطة اتفق عليه زهير وشجاع بن الوليد، وهما أثبت له رواية ممن روى ((رفع الأيدي من تحت الثياب))، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل)) نكت الزركشي2/ 247 - 248. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 231. (¬9) في (ص): ((فلا)).

المرويِّ عَنْ مَالِكٍ (¬1)، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنسٍ بلفظِ: ((لا تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا)). فإنَّه (قَدْ نُقِلاَ) - بألِفِ الإطْلاقِ - أي: نَقَلَهُ راويه ابنُ أَبِي مَرْيَمَ (¬2) الآتي (مِنْ مَتْنِ: لاَ تَجَسَّسُوا) -بالجيم أَو بالحاء- المرويِّ عَنْ مَالِكٍ (¬3) أَيْضاً، لَكِنْ عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعرجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بلفظِ: ((إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الْحَدِيْثِ، وَلاَ تَجَسَّسُواْ، وَلاَ تَحَسَّسُواْ (¬4)، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوْا)). ثُمَّ (أَدْرَجَهُ) أي: ((وَلاَتَنَافَسُواْ)) فِي السَّنَدِ الأَوَّلِ (إبنُ أَبِي مَرْيَمَ) الحافظُ أَبُو مُحَمَّدٍ سعيدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَكَمِ (¬5) الجُمَحيُّ (¬6) شَيْخُ البُخَارِيِّ (إِذْ أخرَجَهُ) أي: حِيْنَ رَواهُ عَنْ مَالِكٍ. فصيَّرهُما بإسنادٍ واحدٍ، وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخَطيبُ (¬7)، وصرَّحَ هُوَ وغيرُهُ، بأنَّهُ خَالفَ بِذَلِكَ جَميعَ الرُّواةِ عَنْ مَالِكٍ. 221 - وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ ... وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضاً في السَّنَدْ ¬

_ (¬1) في الموطأ (2639) رواية الليثي. وكذلك رواه أصحاب الموطآت جميعاً على الصّواب: أبو مصعب الزّهريّ (1894)، وسويد بن سعيد (681)، وعبد الرحمان بن القاسم (4). وأخرجه البخاريّ 8/ 25 (6076)، وفي الأدب المفرد (398)، ومسلم 8/ 8 (2559) (23)، وأبو داود (4910)، والطحاوي في شرح المشكل (454)، وابن حبان (5670)، وابن عبد البر في التمهيد 6/ 116، والبغوي (3522)، كلهم من طريق مالك. (¬2) عند ابن عبد البر في التمهيد 6/ 116. (¬3) في الموطأ (2640) رواية الليثي، و (1895) رواية أبي مصعب الزّهريّ، و (682) رواية سويد بن سعيد، و (896) رواية محمّد بن الحسن. وأخرجه أحمد 2/ 465 و 517، والبخاريّ 8/ 23 (6066)، وفي الأدب المفرد (1287)، ومسلم 8/ 10 (2563) (28)، وأبو داود (4917)، والطحاوي في شرح المشكل (457). كلهم من طريق مالك على الصّواب. (¬4) لم ترد في (ع). (¬5) في (م): ((الحاكم)). وما أثبتناه من جميع النسخ الخطية وهو الموافق لمصادر ترجمته. (¬6) هو الحافظ العلاّمة محدّث الديار المصرية أبو محمّد سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحي. توفّي سنة (224) هـ‍. التأريخ الكبير 3/ 512، والعبر 1/ 390، وسير أعلام النبلاء 10/ 327. (¬7) الفصل: 444، والتمهيد 6/ 116، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 409، وفتح المغيث 1/ 270.

222 - فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ ... كَمَتْنِ (أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ) الخَبَرْ 223 - فَإنَّ (عَمْراً) (¬1) عِنْدَ (وَاصِلٍ) فَقَطْ ... بَيْنَ (شَقيْقٍ) وَ (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) سَقَطْ 224 - وَزَادَ (¬2) (الاعْمَشُ) (¬3) كَذَا (مَنْصُوْرُ) ... وَعَمْدُ (¬4) الادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ (وَمِنْهُ) (¬5)، وَهُوَ ثالثُ الثلاثةِ (مَتْنٌ) أي خَبرٌ (عَنْ جَمَاعَةٍ) من الرُّواةِ (وَرَدْ، وَبَعْضُهُم) قَدْ (خَالَفَ بَعْضاً) بزيادةٍ أَوْ نقصٍ (فِي السَّنَدْ؛ فَيَجْمَعُ) بَعْضُ من رَوَى عَنْهُمْ (الكُلَّ) أي: كُلَّ الجماعةِ (بإسنادٍ) واحدٍ (ذَكَرْ) أي: مذكورٌ، ويُدْرِجُ روايةَ مَنْ خالفَهُم مَعَهُمْ عَلَى الاتِّفاقِ. (كَمَتْنِ) أي: خَبَرِ ابنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، (أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟). قَالَ: أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً)) (¬6)، (الخَبرْ، فإنّ عَمْراً)، وَهُوَ ابنُ شُرَحْبِيْلَ (عِنْدَ وَاصِلٍ) هُوَ ابنُ حَيَّانَ (¬7) الأسدِيُّ (فَقَطْ بَيْنَ) شَيْخِهِ (شَقيقٍ) أَبِي وائلِ بنِ سَلَمَةَ، (وابنِ مَسْعُودٍ سَقَطْ)، فَرَواهُ عَنْ شَقيْقٍ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، وأسقطَ عَمْراً مِنْ بَيْنِهِما. ¬

_ (¬1) في نسخة (أ) من متن الألفية: ((عمرواً)). (¬2) قال البقاعي في النكت الوفية: 175/ ب: ((المفعول - وهو عمرو - محذوف لضيق النظم عنه، فالتقدير: وزاده الأعمش، فلو أنه قال: وزاده الأعمش أو منصور، لكان أحسن من أجل ذكر المفعول، ولا يضرّ الإتيان بأو بل ربّما يكون متعيناً لأنه سيذكر أنه اختلف على الأعمش في زيادة عمرٍو فلم يغلب على الظن حينئذٍ أنه زاده)) وسيبنه الشارح عليها. (¬3) بدرج همزة ((الأعمش)) أي جعلها همزة وصل لضرورة الوزن، وكذلك همزة ((الإدراج)) في الشطر الثاني، وسينبه الشارح عليه. (¬4) في نسخة ب من متن الألفية: ((عمداً)). (¬5) بعد هذا في (ع): ((أي)). (¬6) صحيح البخاريّ 6/ 137 (4761) و 8/ 204 (6811)، والنّسائيّ 7/ 90. (¬7) في (ق): ((حبان)).

(وَزَادَ) هُ (¬1) (الاعمَشُ) - بدرج الهمزةِ - (كَذَا مَنْصُورُ) بنُ المُعْتَمِرِ. فَرَوَياهُ عَنْ شقيقٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ ابنِ مَسْعُودٍ (¬2). فلمَّا رَواهُ الثَّوْرِيُّ عَنْهُمَا، وَعَن واصلٍ صارَتْ روايةُ واصلٍ هذِهِ مدرجةً عَلَى روايتهما. وَقَد فصَلَ أحدَ الإسنادينِ عَنِ الآخرِ يَحْيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ (¬3). لَكِنْ رُوِيَ عَنْ واصلٍ أَيْضاً أنَّه أثبتَ عَمْراً، كالأعمشِ، ومنصورٍ، ورُوِيَ عَنِ الأعمشِ: أنَّه أسقطَهُ (¬4). (وَعَمْدُ) أي: تَعَمُّدُ (الادراجِ) -بِدرجِ الهَمْزةِ- (لَهَا) بمعنى فِيْهَا أي: فِي أقْسَامِ الْمُدرجِ بِقِسْمَيْهِ (مَحْظُورُ) أي: ممنوعٌ (¬5) لِتَضَمُّنِهِ عَزْوَ القَوْلِ لغيرِ قائلِهِ. نَعَمْ، مَا أُدْرِجَ لتفسيرِ غَرِيْبٍ، فمسامحٌ فِيهِ، ولهذا فعلَهُ الزُّهْرِيُّ، وغيرُه من الأئمَّةِ. ¬

_ (¬1) الضمير سقط من (ع). (¬2) أخرجه عبد الرزاق (19719) (19720)، والبخاري 6/ 137 (4761) و8/ 204 (6811)، والنّسائيّ في الكبرى (11369)، وفي التفسير له (389)، والطبري في التفسير 19/ 41، وأبو عوانة 1/ 55. (¬3) رواه البخاريّ في صحيحه 8/ 204 (6811) في كتاب المحاربين عن عمرو بن عليٍّ، عن يحيى، عن سفيان، عن منصور، والأعمش كلاهما عن أبي وائلٍ، عن عمرو، عن عبد الله، وعن سفيان. وفي 6/ 137 (4761)، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله، من غير ذكر عمرو بن شرحبيل. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 410 - 411، وفتح المغيث 1/ 271. (¬4) انظر: العلل للدارقطني 5/ 220 - 223 (834)، والفصل للخطيب: 485 - 494، وفتح الباري 12/ 116، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 411، وفتح المغيث 1/ 271. (¬5) قال ابن الصّلاح: واعلم انه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج المذكور. معرفة أنواع علم الحديث: 235. قال النّوويّ في التقريب: 79: ((وكله حرام))، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 412. وقال السيوطي في تدريب الرّاوي 1/ 274: ((حرام بإجماع أهل الحديث والفقه. وعبارة السمعاني وغيره ((من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة، وممن يحرف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين)) وعندي - أي السيوطي - أن ما ادرج لتفسير غريب لا يمنع)).

الموضوع

الْمَوْضُوْعُ (¬1) من ((وَضَعَ الشَّيْءَ)) أي: حَطَّهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لانحطاطِ رُتبتِهِ دائماً بحيث لا ينجبرُ أصلاً. 225 - شَرُّ الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ ... الكَذِبُ، المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ 226 - وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَهُ ... لِمَنْ عَلِمْ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ (¬2) أمْرَهُ 227 - وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ ... لِمُطْلَقِ الضَّعْفِ، عَنَى (¬3): أبَا الفَرَجْ 228 - وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ ... أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا 229 - قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ ... مِنْهُمْ، رُكُوْناً لَهُمُ ونُقِلَتْ 230 - فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا ... فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا ¬

_ (¬1) قال البقاعي في النكت والوفية: 176/ب: ((الموضوع هو اسم مفعول من وضع الشيء يضعه - بالفتح - وضعاً حطّه إشارة إلى أنّ رتبته أن يكون دائماً ملقًى مطّرحاً لا يستحق الرفع)). قلنا: ويشبه أن يكون من باب استعمال الأضداد في المعاني المتناقضة؛ إذ ما ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمّى مرفوعاً، تعظيماً لقدره ومراعاة لجهة نسبته إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. أما المكذوب: فسمّي موضوعاً إشارةً إلى عدم استحقاقه وأخذه بنظر الاعتبار، بل منزلته أن يبقى غير معبوءٍ به. على أن الحافظ ابن حجر ذكر في نكته 2/ 838 معنيين لغويين، أحدهما الذي أشار إليه البقاعي، والثاني: أنه من الألصاق: تقول: وضع فلان على فلان كذا أي: ألصقه به. ثم رجح كون الألصاق أوضح في المعنى الذي أراده المحدّثون. وانظر في الموضوع: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 98، وجامع الأصول1/ 135، ومعرفة أنواع علم الحديث: 236، والإرشاد 1/ 258 - 265، والتقريب: 80 - 85، والاقتراح: 231، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 76، والموقظة: 36، واختصار علوم الحديث: 78، ونكت الزّركشيّ 2/ 253 - 298، والشذا الفياح 1/ 223 - 229، ونزهة النظر: 118، ونكت ابن حجر 2/ 838 - 863، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 413، والمختصر: 149، وفتح المغيث 1/ 234، وألفية السيوطي: 79 - 93، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 215، وتوضيح الأفكار2/ 68، وظفر الأماني: 412، وقواعد التحديث: 150. (¬2) أي: ذاكره. (¬3) في نسخة (ب) و (جـ) من متن الألفية: ((عنا)).

(شرُّ) أنواعِ (الضعيفِ) من مرسلٍ، ومنقطعٍ، وغيرِهما (الخبرُ الموضوعُ) أي: المحطوطُ، (الكذبُ) أي: المكذوبُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، (المختلَقُ) - بفتح اللام - أي: الذي لا يُنسبُ إِليهِ أصلاً، (المصنوعُ) من واضعِهِ. وجيء فِي تعريفه بهذهِ الألفاظِ الثلاثةِ المتقاربةِ، للتأكيدِ فِي التَّنفيرِ مِنْهُ، والأوَّلُ مِنْها مِن زيادتِهِ (¬1). وأوردَ المَوْضُوْعَ فِي أنواعِ الحَدِيْثِ (¬2)، مَعَ أنَّه لَيْسَ بحديثٍ؛ نظراً إلى زَعْمِ واضعِهِ، ولتُعْرَفَ طرقُهُ التي يُتوصَّلُ بها لمعرفتِهِ لينفى عَنْ القَبولِ. (وَكَيْفَ كَانَ) الموضوعُ أي: فِي أيِّ مَعْنًى كَانَ مِن حُكْمٍ، أَوْ قِصَّةٍ، أَوْ ترغيبٍ، أَوْ ترهيبٍ، أَوْ غيرِها (لَمْ يُجيزوا) أي: العُلَمَاءُ (ذِكْرَهُ) بروايةٍ أَوْ غَيْرِها، كاحتجاجٍ أَوْ ترغيبٍ (¬3) (لمَنْ عَلِم) -بإدغامِ ميمِهِ فِي ميمِ مَا الآتية- أنَّه مَوْضُوْعٌ؛ لخبرِ: ((مَنْ حَدَّثَ عَنِّيْ بِحَدِيثٍ يُرَى- أي: يَظُنُّ - أنَّه كَذِبٌ، فَهُوَ أحَدُ الْكَاذبِيْنَ)) (¬4) بالتثنيةِ والجمعِ (¬5) (مَا لَمْ يُبَيِّنْ) ذاكرهُ (أمرَهُ) فإن بيَّنَهُ كأنْ قَالَ: ((هَذَا كَذِبٌ، أو بَاطلٌ)) جَاز ذِكْرُهُ. (وَ) لَقَدْ (أَكْثَرَ الجامِعُ فِيهِ) مصنَّفاً نَحْو مجلَّدين (إذْ خَرَجْ) عَنْ مَوْضُوْعِ مصنَّفِهِ (لِمُطْلقِ الضَّعْفِ)، حَيْثُ أودعَ فِيهِ كثيراً من الأحاديثِ (¬6) الضعيفةِ التي لا دليلَ عَلَى وَضْعها (¬7)، بَلْ ربَّما أودَعَ فِيهِ الحَسَنَ والصَّحيحَ. ¬

_ (¬1) فتح المغيث 1/ 274. (¬2) قال ابن حجر في النكت 2/ 838: ((واستنكرت؛ لأن الموضوع ليس من الحديث الشريف، إذ أفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه ويمكن الجواب، بأنه أراد بالحديث القدر المشترك. وهو ما يحدّث به)). وانظر: توضيح الأفكار 2/ 69. (¬3) انظر: الإرشاد 1/ 258 - 259، المنهل الروي 53 - 54، والنكت 2/ 839، وفتح المغيث 1/ 274. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة (25605)، أحمد 4/ 250 و 252 و 255، ومسلم 1/ 7 في مقدمة الصّحيح، وابن ماجه (41)، والترمذي (2662)، والطبراني 20/ (1020) و (1021) و (1022)، والبغوي (123) من حديث المغيرة بن شعبة. (¬5) في (ق): ((وبالجمع)). (¬6) لم ترد في (ق). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 239، والإرشاد 1/ 261، ونكت ابن حجر 2/ 848، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 410، وفتح المغيث 1/ 275.

و (عَنَى) أي: ابنُ الصَّلاحِ (¬1) بالجامعِ المذكورِ (أبَا الفَرَجْ) ابنَ الْجَوْزِيِّ، والْمُوقِعُ لَهُ فِي ذَلِكَ، استنادُهُ غَالِباً لِضَعْفِ (¬2) راوِي الحَدِيْثِ الذي رُمِيَ بالكذبِ - مثلاً - غافلاً عَنْ مجيئِهِ من وجهٍ آخرَ. (وَالوَاضِعُوْنَ لِلْحديثِ)، وهم كثيرونَ مَعْروفونَ فِي كُتُبِ الضُّعَفاءِ، ك‍" الميزانِ " للذَّهَبِيِّ (¬3)، و" لِسانهِ " لشيخِنا (¬4)، (أضْرُبُ): فَضَرْبٌ: يَفْعَلونَهُ استِخْفَافاً بالدِّين، ليُضِلُّواْ بِهِ النَّاسَ، كالزَّنادقةِ (¬5)، وهم: الَّذِيْنَ (¬6) يُبْطِنُوْنَ الكُفْرَ ويُظْهِرُوْنَ الإِسْلاَمَ، أَوْ الذين لاَ يَتَدَيَّنُوْنَ بِدِيْنٍ. وَضَرْبٌ: يَفْعَلُونَهُ انتِصَاراً، وتعصباً لمذاهبهِم كالخَطَّابيَّةِ (¬7): فرقةٌ تُنسبُ لأبي الخطَّابِ الأسديِّ، كَانَ يَقُولُ بالحلولِ. وكالسَّالِمِيَّةِ (¬8): فرقةٌ تنسبُ للحسنِ بنِ مُحَمَّدِ بن أَحْمَدَ بنِ سالمٍ السالميِّ (¬9). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 239. وكتابه الذي عناه "الموضوعات" قد طبع في ثلاث مجلدات. (¬2) ((وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة)) قاله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 239، وانظر: الإرشاد 1/ 261، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 415، والنكت 1/ 849 - 850، وفتح المغيث 1/ 275 - 276. (¬3) وكتابه " ميزان الاعتدال " وهو مطبوع في أربع مجلدات. (¬4) هو " لسان الميزان " وقد طبع في سبع مجلدات. (¬5) الزنادقة: جمع، والزنديق: من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان. انظر: اللسان 10/ 147، (زندق)، وتاج العروس 25/ 418، والموسوعة الفقهية 24/ 48، ومعجم متن اللغة 3/ 64. (¬6) في (ع): ((قوم)). (¬7) هم أصحاب أبي الخطّاب الأسدي، قالوا: الأئمة أنبياءٌ، وأبو الخطاب نبيٌ، وهؤلاء يستحلّون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم، وقالوا: الجنة نعيم الدنيا، والنار آلامها. (التعريفات للجرجاني: 59). (¬8) قال البقاعي في نكته: 179/ أ: ((هم ممن وقف مع الحس كالذين قالوا: إنه سبحانه على العرش بطريق المماسة حتى قالوا: إنّ الميت يأكل في قبره ويشرب وينكح؛ لأنهم سمعوا أنه ينعّم في قبره، وليس النعيم عندهم إلا هذا، قاله ابن الجوزي في أوائل تلبيس إبليس. وقال الإمام أبو المظفر شهفور بن طاهر الشافعي في كتابه في فرق الأمم - نصفه الثاني في الكلام على الحلاجية -: أنّ السالمية جماعة من متكلمي البصرة قبلوا من الحلاّج بدعته في الحلول، قال: وهم من جملة الحشوية يتكلمون ببدعةٍ متناقضة)). وانظر: تلبيس إبليس: 86. (¬9) وممن يفعله أيضاً الرافضة، فكتبهم طافحة بالأكاذيب والموضوعات والقصص المكذوبة. ومن يطالع كتبهم يجد مصداق ذَلِكَ. وانظر: عَلَى شرح التبصرة والتذكرة 1/ 417، والنكت الوفية: 178/ ب.

وضربٌ: يتقرَّبونَ لِبعضِ الخُلفاءِ، والأمراءِ بوضعِ مَا يُوافقُ أفعالَهُم، وآراءهُم، ليكونَ كالعذرِ لهم فِيْمَا أتوا بِهِ (¬1)، كغياثِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، حَيْثُ وضعَ للمهديِّ فِي حَدِيثِ: ((لاَ سَبَقَ (¬2) إِلاَّ فِيْ نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ))، فزاد فِيهِ: ((أَوْ جناح))، وَكَانَ المهديُّ إِذْ ذاك يَلْعَبُ بالحَمَامِ، فتركها بَعْدَ ذَلِكَ وأمرَ بذبحِها، وَقَالَ: أنا حَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ (¬3). وضَرْبٌ: يفعلونَهُ لذمِّ مَنْ يُريدونَ ذمَّهُ. وضَرْبٌ: يفعلونَهُ للاكتسابِ والارتزاقِ (¬4). وضَرْبٌ: امتُحِنُوا بأولادِهم، أَوْ ورَّاقينَ فوضَعوا لهم أحاديثَ، ودسُّوها عَلَيْهِمْ، فحدَّثوا بها من غَيْرِ أنْ يَشْعرُوا (¬5). وضَرْبٌ: يَلْجَؤْونَ إلى إقامةِ دليلٍ عَلَى مَا أَفتوا فِيهِ بآرائِهم (¬6). وضَرْبٌ: يَتديَّنونَ بِهِ (¬7) لِتَرغيبِ النّاسِ فِي أفْعالِ الخيرِ بِزَعْمِهِم، وَهُم مَنْسوبونَ (¬8) للزُّهْدِ. وَكُلٌّ مِن هَؤُلاَءِ حَصلَ لَهُ، وبِهِ الضَّررُ. ¬

_ (¬1) فتح المغيث 1/ 280. (¬2) انظر: النهاية 2/ 338. (¬3) هذه القصّة أخرجها ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 42 و 3/ 78، وابن عدي في الكامل 4/ 1573 و 5/ 1956 و 6/ 2229 و 7/ 2501، وانظر: تذكرة الموضوعات: 154، وتنزيه الشريعة 2/ 239، والفوائد المجموعة: 174، والأسرار المرفوعة: 469. والحديث صحيحٌ بدون لفظة: (جناح)، أخرجه الشَّافِعيّ2/ 129، وابن أبي شَيْبَة (33551)، وأحمد 2/ 256 و385و424و474، وأبو دَاوُد (2574)، وابن ماجه (2878)، والترمذي (1700)، وَالنَّسَائِيّ 6/ 226 و227 وَفِي الكبرى (4426) (4427) و (4430)، والطحاوي في شرح المشكل (1888و1889)، وابن حبان (4697)، والطبراني في الصغير (25)، والبيهقي10/ 16، والبغوي (2653) من حديث أبي هريرة. (¬4) كأبي سعد المدائني. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419. (¬5) كعبد الله بن محمّد بن ربيعة القدامي. المصدر السابق. (¬6) كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419. (¬7) سقطت من (ع). (¬8) في (ق): ((منتسبون)).

و (أَضَرُّهُم قَوْمٌ لِزُهدٍ) وصلاحٍ (نُسِبُوا، قَدْ وَضَعُوْهَا) أي: الأحاديثَ فِي الفَضَائلِ والرغائبِ (حِسْبةً) أي: لِيَحْتَسِبوا (¬1) بها عِنْدَ اللهِ، بِزَعْمِهِم الباطِلَ، وجَهْلِهِم. وإنما كَانُوا أضرَّ؛ لأنَّهم يَرونَ ذَلِكَ قُرْبَةً، فَلا يتركونَهُ (¬2). (فَقُبِلَتْ) مَوْضُوْعاتُهم (مِنْهُمْ رُكُوناً لَهُمُ) - بضم الميم - أي: ميلاً إليهم، ووثوقاً بِهم، لِما نُسِبوا لَهُ مِنَ الزُّهدِ والصلاحِ. (¬3) (وَنُقِلَتْ) عَنْهُمْ عَلَى لسانِ مَن اتَّصَفَ بالخيرِ، والتَّقوى، وحُسنِ الظنِّ، وسَلامةِ الصَّدرِ، بحيثُ يَحْمِلُ كلَّ مَا سَمِعَهُ عَلَى الصِّدْقِ، ولاَ يهتدي لتمييزِ الخطإِ مِنَ الصَّوابِ. (فقيَّضَ اللهُ لها) أي: لموضوعاتِهِم (نُقَّادَها) جمعُ ناقدٍ من ((نَقَدْتُ الدَّرَاهِمَ))، إذَا استخرجتُ مِنْها الزَّيْفَ (¬4). وَهُمْ مَنْ خَصَّهم اللهُ بقوَّةِ البصيرةِ فِي علمِ الحَدِيْثِ، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ حالُ الكذَّابِ، وغيرِهِ. (فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا) وقاموا بأعباءِ مَا تَحمَّلوهُ (¬5). ومِن ثَمَّ لَمَّا قِيلَ لابنِ المباركِ: هذِهِ الأحاديثُ المصنوعةُ (¬6)؟ قَالَ: يعيشُ (¬7) لها الجهابذةُ {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): ((ليحسبوا)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 420. (¬3) الصحاح 5/ 2126، واللسان 13/ 185 (ركن). (¬4) الصحاح 2/ 544 (نقد). (¬5) أي: حمّلهم إياها غيرهم فتحملوه أي: ففعلوا ما أراد. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 421، والنكت الوفية: 181/ ب. (¬6) في (ص) و (ع): ((الموضوعة)). (¬7) في (ص): ((تعيش)). (¬8) الحجر: 9. (¬9) أسنده ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 192، وابن الجوزي في مقدمة الموضوعات 1/ 46، ونقله المعلمي اليماني في التنكيل 1/ 49.

213 - نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى ... زَعْماً نَأوْا عَنِ القُرَانِ (¬1)، فافْتَرَى 232 - لَهُمْ حَدِيْثاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ 233 - كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ ... رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ 234 - وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ ... - كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِئٌ صَوَابَهْ 235 - وَجَوَّزَ (¬2) الوَضْعَ عَلَى التَّرْغِيْبِ ... قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْبِ ومثَّلَ لمَنْ كَانَ يضعُ حِسْبَةً بقولِهِ: (نَحْوَ) مَا رويْنَاهُ عَنْ (أَبِي عِصْمةَ) نوحِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ القرشيِّ (¬3)، الْمَرْوَزِيِّ، قاضي مَرْوَ (¬4)، المُلَقَّبِ بـ ((الجامعِ)) لما يأتي، ولجمعِهِ بَيْن التفسيرِ، والحديثِ، والمغازي، والفقهِ، مَعَ العلمِ بأمورِ الدنيا. (إِذْ رَأى الوَرَى) أي: الخلقَ (زَعْماً) مِنْهُ -بتثليثِ الزاي (¬5) - أنَّهم (نَأَوْا)، أَعْرَضوا (عَنِ القرانِ) - بنقلِ حركةِ الهمزةِ - واشتغلوا بفقهِ أَبِي حَنَيْفَةَ، وَمَغازي ابنِ إسحاقَ، مَعَ أنَّهما مِن شيوخِهِ. (فَافْتَرَى) أي: اختلقَ (لَهُمْ) مِن عِنْدِ نفسِهِ حِسبةً باعترافِهِ (حديثاً فِي فضائلِ) قراءةِ (السُّوَرْ)، ورواهُ عَنْ عِكرمةَ، (عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ)، - رضَيَ اللهُ عَنْهُمَا -. زاد النَّاظِمُ: (فَبِئسَمَا ابتَكَرْ) مِن وَضْعِهِ، وَمَا لَحِقَهُ بِهِ. وممَّن صَرَّحَ بِوضعِهِ ذَلِكَ: الحَاكِمُ (¬6)، وَقَالَ هُوَ وابنُ حِبَّانَ: إِنَّه جَمَعَ كُلَّ شيءٍ إلاّ الصِّدقَ (¬7). ¬

_ (¬1) بلا همزٍ؛ لضرورة الوزن. (¬2) كَذَا في جمِيع النسخ الخطية لمتن وشرح الألفية، وفِي النفائس: ((وجوزوا)) بالجمع. (¬3) انظر: ميزان الاعتدال 4/ 279. (¬4) مدينة مشهورة في خراسان. مراصد الاطلاع 3/ 1262. (¬5) اللسان 12/ 264 (زعم). (¬6) المدخل: 47. (¬7) لم نجده في مظانه من كتاب " المجروحين "، ولعله في كتاب آخر. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 422، وفتح المغيث 1/ 285.

و (كَذَا الحَدِيْثُ) الطويلُ (عَنْ أُبَيٍّ) - هُوَ ابنُ كَعْبٍ - رضي الله عنه - - فِي فضائلِ قراءةِ السورِ أَيْضاً (¬1) (اعترفْ رَاوِيْهِ بالوَضْعِ) لَهُ. فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْد الرحمانِ المؤمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ (¬2): حَدَّثَني بِهِ شَيْخٌ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدّثَكَ بِهِ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ بالمدائنِ، وَهُوَ حيٌّ. فصرتُ إِليهِ، فَقَالَ: حَدَّثَني بِهِ شيخٌ بواسطٍ، وَهُوَ حيٌّ (¬3). فصرتُ إِليهِ، فَقَالَ: حَدَّثَني بِهِ شيخٌ بالبصرةِ. فصرتُ إِليهِ، فَقَالَ: حَدَّثَني بِهِ شيخٌ بعَبَّادَانِ. فصرتُ إِليهِ، فأخذَ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فِيهِ قومٌ من المتصوِّفةِ، ومَعَهُمْ (¬4) شيخٌ، فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخُ حَدَّثَني بِهِ. فقلتُ لَهُ: يا شيخُ! مَنْ حَدَّثكَ بهذا؟ فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ أَحَدٌ، ولكنَّا رأينا الناسَ رَغِبوا عَنِ القرآنِ، فَوضَعْنَا لَهُمْ هَذَا الحَدِيْثَ، لِيصْرِفوا (¬5) قُلوبَهُم إلى القُرْآنِ (¬6). زادَ الناظِمُ أَيْضاً: (وبِئسَمَا اقْتَرَفْ) أي: اكْتَسبَ مِنْ وضْعِهِ. ¬

_ (¬1) أورده ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 239 - 240، وانظر: المنار المنيف (113)، والفوائد المجموعة (296)، والكافي الشافي (37)، والفتح السماوي 2/ 453 قال ابن الجوزي 1/ 240: ((وقد فرّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة منه ما يخصّها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما لأنّهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنّما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرّقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديث محال، ولكن شره جمهور المحدّثين، فإنّ عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل)). (¬2) انظر: ترجمته في ميزان الاعتدال 4/ 228، وقارن ب‍أثر علل الحديث: 272 - 276. (¬3) لم ترد في (ق). (¬4) في (ع): ((منهم)). (¬5) في (ص): ((يصرفوا)). (¬6) ساق القصة الخطيب البغدادي في الكفاية: (567 - 568 ت، 401 هـ)، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 241.

(وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتابَهْ) التفسيرَ، أَوْ نحوَهُ (¬1) (كَ‍) أَبِي الحَسَنِ عَلِيٍّ (الواحديِّ)، وأبي إسحاقَ الثَّعْلَبِيِّ، وأبِي القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيِّ (مُخْطئٌ) فِي ذَلِكَ (صَوَابَهْ) إِذْ الصَّوَابُ تجنُّبُه إلاَّ مبيِّناً، كَمَا مَرَّ. وأشدُّهُم خَطأً الزَّمَخْشَرِيُّ، حَيْثُ أوْردَهُ بصيغةِ الجزمِ، وَلَمْ يُبرّزْ سَنَدَهُ (¬2). (وَجَوَّزَ الوَضْعَ) فِي الحَدِيْثِ (عَلَى) وَجْهِ (التَّرْغِيبِ) لِلنّاسِ فِي فضائلِ الأعمالِ (قَوْمُ) مُحَمَّدٍ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ابنِ كَرَّامٍ) (¬3) - بالتشديدِ، مَعَ فتحِ الكافِ -، عَلَى المشهورِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنا (¬4) كغيرِهِ (¬5). وَقِيلَ: بالتخفيفِ مَعَ فتحها. وَقِيلَ: بِهِ مَعَ كَسْرِها، وَهُوَ الجارِي عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ بلدِهِ سِجِسْتانَ (¬6). (و) جَوَّزه أَيْضاً (فِي التَّرْهِيبِ) زَجْراً عَنِ المَعْصِيةِ، محتجِّيْنَ فِي ذَلِكَ بأنَّ الكذبَ فِي التَّرغيبِ والتَّرهيبِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لكونِهِ مقوِّياً لشريعتِهِ (¬7)، لا عَلَيْهِ. والكَذِبُ عَلَيْهِ إنَّما هُوَ كأَنْ يُقالَ: إنَّه ساحرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بخبرِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلِيَّ مُتَعَمِّداً، ليُضِلَّ بِهِ النَّاسَ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص): ((ونحوه)). (¬2) انظر: ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 240، والإرشاد 1/ 264، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 424، وفتح المغيث 1/ 286. (¬3) هم طائفة من المبتدعة أتباع محمد بن كرّام السجستاني، قال الذهبي في السير 11/ 523: ((خذل حتى التقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها)) وانظر: النكت الوفية: 183/ أ. (¬4) النكت 2/ 859. (¬5) كالأمير في الإكمال 7/ 128، والسمعاني في الأنساب 4/ 598. (¬6) انظر: نكت الزّركشيّ 2/ 288، والنكت الوفية: 183/ أ. (¬7) في (م): ((مقوٍ بالشريعة)). (¬8) هذا الحديث بهذه الزيادة منكر لا يصحّ؛ وَهُوَ معلول بـ (يونس بن بكير)؛ فقد ضعّفه أبو داود والنسائي، وهو ليس ممن يحتمل تفرّده في مثل هذا المقام، وفيه من هذا الوجه ثلاث علل: =

وتمسكُهُم بِهِ مردودٌ؛ لأنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ الأحكامِ، فإنَّ المندوبَ مِنْها، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الإخبارُ عَنِ اللهِ بالوعدِ عَلَى ذَلِكَ العملِ بالثوابِ. ولأنَّ لفظةَ: ((ليُضِلَّ بِهِ النَّاسَ)) اتَّفَقَ الأئِمّةُ عَلَى ضَعْفِها. وبتقديرِ قَبُولِها، فالّلامُ لَيْسَتْ للتَّعلِيلِ، ليكونَ لها مفهومٌ، بَلْ للعَاقِبةِ، كَمَا فِي قولِهِ تَعَالَى: {فَالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} (¬1)؛ لأنَّهم لَمْ يلتقطوهُ لِذلِكَ. أَوْ للتأكيدِ، كَمَا فِي قوله تَعَالَى (¬2): {فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً ليُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬3) إِذِ افتراؤُه الكذبَ عَلَى اللهِ محرَّمٌ مطلقاً، سَوَاءٌ أقَصَدَ بِهِ الإضلالَ أَمْ لا (¬4)؟ ¬

_ =الأولى: تفرّده بهذه اللفظة المنكرة، وهي تخالف أصل الحديث المتواتر الذي رواه أكثر من ستين صحابياً بدونها الثانية: أنّه معلول بالإرسال، فقد أخرجه البزار (كشف الأستار 209)، والطحاوي في شرح المشكل (418)، وابن عدي في الكامل 1/ 20، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 97 من طريق يونس بن بكير، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرّف، عن عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعود، به، موصولاً. وأخرجه الطحاوي في شرح المشكل (419) من طريق أبي معاوية الضرير محمد بن خازم، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل، به، مرسلاً ليس فيه ابن مسعود. الثالثة: أنه معلول بالانقطاع؛ فإن طلحة بن مصرف لَمْ يدرك عَمْرو بن شُرَحْبِيْل كَمَا نص عَلَيْهِ الطحاوي 1/ 371. وقال الطحاوي 1/ 371: ((هذا حديث منكر))، وقال ابن عدي في الكامل 1/ 20: ((هذا الحديث اختلفوا فيه على طلحة بن مصرف))، وقال ابن حجر في نكته 2/ 855: ((اتفق أئمة الحديث على أنّها زيادة ضعيفة)). ومن عجبٍ أن الهيثمي لما أورده في " كشف الأستار " (1/ 114 حديث 209) قال: ((قلت: أخرجته لقوله: ((ليضلّ به الناس)). لكنه لم يتنبّه إلى شيء من علل الحديث في المجمع 1/ 144 فقال: ((رجاله رجال الصحيح))، ومعلوم أنّ إطلاق الهيثمي هذا لا يستفاد منه صحة المتن، فكلامه هذا لا يجامع الصحة، فإنّ شروط الصحة عدالة الرواة وضبطهم والسلامة من الانقطاع والعلة وكثيراً ما يغترّ بعض من ينتحل العلم بمثل قول الهيثمي هذا فيقعون فيما لا تحمد عقباه، نسأل الله السلامة والسداد. (¬1) القصص: 8. (¬2) لم ترد في (م). (¬3) الأنعام: 144. (¬4) انظر: فتح المغيث 1/ 288.

236 - وَالوَاضِعُوْنَ بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا ... مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا 237 - كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ ... وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ 238 - نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ (مَنْ كَثُرَتْ ... صَلاَتُهُ) الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ (وَالواضِعُونَ) أَيْضاً (بَعْضُهُم قَدْ صَنَعَا) كَلاماً (¬1) وَضَعَهُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (مِن عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ) مِنْهُمْ قَدْ (وَضَعَا كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا) - بالقَصْرِ لِلوَزْنِ - أَوْ الزُّهَّادِ، أَوْ الصَّحَابَةِ، أَوْ الإسرائيلياتِ (فِي المُسْنَدِ) المَرْفُوْعِ تَرويجاً لَهُ. كحديثِ: ((حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ))، فإنَّهُ مِن كَلامِ مَالِكِ بنِ دينارٍ، كَمَا رَواهُ ابنُ أَبِي الدُّنيا (¬2)، أَوْ مِن كَلامِ عِيسى بنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السلامُ، كَمَا رَواهُ البَيْهَقِيُّ فِي " كِتَاب الزُّهدِ " (¬3). وَقَالَ فِي " شُعَبِ الإيمَانِ ": وَلاَ أصْلَ لَهُ مِن حَدِيثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إلاّ مِن مَراسيلِ الحَسَنِ البصريِّ (¬4). قَالَ النَّاظِمُ: ومراسيلُ الحَسَنِ عِنْدَهم شِبْهُ (¬5) الريحِ (¬6). وكحديث: ((الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ، وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ)). فإنَّه من كلامِ بَعْضِ الأطباءِ (¬7). ¬

_ (¬1) في (ق): ((كلاماً أي)). (¬2) في كتاب " مكايد الشيطان " كما ذكر ذلك العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428، والسخاوي في فتح المغيث 1/ 291. (¬3) أسنده أبو نعيم في الحلية 6/ 388، والبيهقي في الشعب (10458). (¬4) الشعب للبيهقي (10501). (¬5) في (ع): ((تشبه)). (¬6) شرح التبصرة 1/ 428، وانظر: تهذيب الكمال 2/ 121، والنكت الوفية: 185/ب. (¬7) قال علي القاري في المصنوع (306): ((من كلام بعض الأطباء)) وذكر محقّقه أنّه للحارث بن كلدة. وجاء في حاشية نسخة (ص) تعليقة لأحدهم، نصّها: ((قال ابن القيم في الهدي: وأما الحديث الدائر على ألسنة الناس: ((الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما اعتاد)) فهذا الحديث إنّما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ولا يصحّ رفعه إلى النبي، قاله غير واحدٍ من أئمة الحديث)). زاد المعاد4/ 104.

(ومِنْهُ) أي: مِنَ المَوْضُوْع (نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَد، نَحْوُ حَدِيثِ ثابتٍ)، هُوَ ابنُ مُوسى الزاهدُ الذي رَواهُ عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأعمشِ (¬1)، عَنْ أَبِي سُفيانَ، عَنْ جابِرٍ مرفوعاً: (مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ) بِاللَّيْلِ، (الحَدِيْثَ). وتمامُه: حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ (¬2). فهذا لا أصلَ لَهُ عَن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يقصدْ ثابتٌ وَضْعَه، وإنَّما دخلَ عَلَى شَرِيكِ بنِ عبدِ اللهِ الْقَاضِي، وَهُوَ بمجلسِ إملائِهِ عِنْدَ قوله: حَدَّثَنَا الأعمشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جابرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَذْكُرِ المَتْنَ (¬3)، أَوْ ذكرَهُ عَلَى مَا اقتضاهُ كلامُ ابنِ حِبّانَ، وَهُوَ: ((يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ)) (¬4). فَقَالَ شَرِيكٌ مُتَّصِلاً بالسَّندِ، أَوْ المَتْنِ (¬5) حِيْنَ نَظَرَ إلى ثابتٍ مُمازِحاً لَهُ: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ)) إلى آخرِهِ - مريداً بِهِ ثابتاً، لِزُهْدهِ وَوَرَعِهِ، وَعِبادتِهِ. فَظَنَّ ثابتٌ أنَّ هَذَا (¬6) متنُ السَّنَدِ، أَوْ بقيَّته، فكانَ يحدِّثُ بِهِ كَذلِكَ منفصلاً (¬7)، أَوْ مُدرِجاً لَهُ فِي الْمَتْنِ (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النكت الوفية: 186/ ب. (¬2) إسناده ضعيف؛ لضعف ثابت بن موسى، ومتنه ليس من كلام النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ?كما قال ابن عدي وغيره. انظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 176، والموضوعات لابن الجوزي 2/ 109، وتهذيب الكمال 4/ 378، والفوائد المجموعة: 25، واللآليء 2/ 18، والكامل 2/ 526، والمقاصد الحسنة: 1169، والميزان 1/ 367، والنكت الوفية: 186/ ب. (¬3) القصة أوردها الحاكم في " المدخل ": 37. (¬4) المجروحين 1/ 207، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 430 وقال القضاعي في مسند الشهاب عقب (412): ((وروى هذا الحديث جماعة من الحفاظ ... وما طعن أحدٌ منهم في إسناده ولا متنه، وقد أنكره بعض الحفاظ)). وقد قال ابن طاهر: ظن القضاعي أن الحديث صحح لكثرة طرقه، وهو معذور لأنه لم يكن حافظاً)). فتح الوهاب 1/ 155 - 156. (¬5) في (ق): ((والمتن)). (¬6) سقطت من (ق). (¬7) في (ق): ((متصلاً)). (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 430 - 431، وفتح المغيث 1/ 291 - 292.

وهذا (وَهْلَةٌ) أي: غَفْلةٌ، أَوْ غَلْطةٌ مِنْ ثابتٍ، نشأَتْ من سَلامةِ صَدْرِهِ (سَرَتْ) مِنْهُ إلى غيرِهِ، بحيثُ انْتَشَرَتْ حديثاً؛ فرَواهُ عَنْهُ كَثِيْرٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ (¬1): يقالُ: وَهِلَ فِي الشَّيءِ وَعَنْهُ - أي بالكسرِ - يَوْهَلُ وَهَلاً، إذَا غَلِطَ فِيهِ وَسَهَا. وَوَهَلَ إِليهِ -بالفتح- يَهِلُ وَهْلاً، إذَا ذَهَبَ وهمُكَ إِليهِ، وأنتَ تُرِيدُ غيرَهُ. 239 - وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالاقْرَارِ، وَمَا ... نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا 240 - يُعْرَفُ بِالرِّكَّةِ قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ ... (الثَّبَجِيُّ) القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى 241 - مَااعْتَرَفَ الوَاضِعُ إذْ قَدْ يَكْذِبُ ... بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ (وَيُعْرَفُ الوَضْعُ) للحديثِ (بالاقْرارِ) - بدرج الهمزةِ - من واضعِهِ (و) بـ (مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ)، كأنْ يُحَدِّثَ بحديثٍ عَنْ شَيخٍ، ثُمَّ يُسْألَ عَنْ مَوْلِدِهِ، فيذكرَ تاريخاً يُعلَمُ بِهِ وَفَاتُهُ قبلَهُ، ولا يُعرفُ ذَلِكَ الحَدِيْثُ إلاّ عِنْدَهُ (¬2). فَهَذا لَمْ يقرَّ بوضعِهِ، لكنَّ إقرارَهُ بمولدِهِ ينزلُ منزلةَ إقرارِهِ بوضعِهِ؛ لأنَّ ذَلِكَ الحديثَ لا يُعرفُ إلاَّ (¬3) عِنْدَ الشَّيْخِ، ولا يُعرفُ إلاَّ بروايةِ هَذَا. (ورُبَّمَا يُعْرَفُ) وَضْعُهُ (بالرِّكَّةِ) للفظِهِ، مما يرجعُ إلى عدمِ الفصاحةِ، وما يتبعُها، مَعَ التَّصريحِ بأنَّهُ لفظُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). أَوْ لِمعناهُ مما يَرْجعُ إلى الإخبارِ عَنْ الجَمْعِ بَيْنَ النقيضينِ، وَعَنْ نَفي الصَّانعِ، وعَنْ قدمِ الأجسامِ، ونحوِ ذَلِكَ. أَوْ لَهُمَا مَعاً. وَقَدْ رُوي عَنْ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ (¬5) التَّابِعيِّ، قَالَ: إنَّ للحديثِ ضَوْءاً كضوءِ النَّهارِ، تعرفُهُ، وظلمةً كظلمةِ اللَّيلِ تُنكِرُهُ (¬6). ¬

_ (¬1) الصحاح 5/ 1846، وانظر: اللسان 11/ 737 (وهل)، والمعجم الوسيط 1/ 1060، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 431. (¬2) انظر: التقييد: 132، وشرح السيوطي: 224، وتدريب الرّاوي 1/ 275. (¬3) عبارة: ((يعرف إلا)) سقطت من (ق). (¬4) انظر: النكت لابن حجر 2/ 844، ونكت الزّركشيّ 2/ 261. (¬5) بضم المعجمة وفتح المثلثة. التقريب (1888). (¬6) رواه عنه وكيع في الزهد (528)، وأحمد في الزهد (338)، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 564، والرامهرمزي في المحدّث الفاصل: 316، والخطيب في الكفاية: (605 ت، 431 هـ‍)، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 103. وانظر: النكت الوفية 189/ ب.

وَقَالَ ابنُ الجوزيِّ: الحديثُ المنكرُ يقشعرُّ مِنْهُ جلدُ طالبِ (¬1) العلمِ، ويَنْفُرُ مِنْهُ قلبُهُ فِي الغالبِ (¬2). وذلك بأنْ يحصُلَ-كَمَا قَالَ ابنُ دقيقِ العيدِ-للمُحَدِّثِ، لكَثْرةِ محاولةِ ألفاظِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَيْئَةٌ نفسانيةٌ، وَمَلَكَةٌ قويَّةٌ، يَعْرِفُ بها مَا يجوزُ أنْ يكونَ من ألفاظِ النُّبوَّةِ، وما لا يجوزُ (¬3). (قُلْتُ): وَقَدْ (اسْتَشْكَلاَ) (¬4) ابنُ دقيقِ العيدِ (الثَّبَجِيُّ) (¬5) - بمثلثةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مفتوحتينِ - نِسْبةً إلى ثَبَجِ البحرِ بساحلِ يَنْبُعَ من الحجازِ (الْقَطعَ بِالْوَضعِ عَلَى مَا) أي: المرويِّ الذي (اعْتَرفَ الواضِعُ) فِيهِ عَلَى نفسِهِ بالوضعِ بمجردِ اعترافِه من غَيْرِ قرينةٍ مَعَهُ (¬6). (إِذْ قَدْ يَكْذِبُ) فِي اعترافِهِ لِقَصْدِ (¬7) التنفيرِ عَنْ هَذَا المرويِّ، أَوْ لغيرِهِ، مما يُورِثُ ريبةً، وحينئذٍ، فالاحتياطُ أنْ لا يصرَّحَ بالوضعِ (¬8). (بَلَى نردُّهُ) أي: المرويَّ لاعترافِ راويهِ بما يفسِّقُه (وعَنْهُ نُضْرِبُ) -بضَمِّ النُّونِ- أي: نُعْرِضُ؛ فَلا نحتجُّ بِهِ، ولا نعملُ بِهِ مواخذةً لَهُ باعترافِهِ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((الطّالب)). (¬2) الموضوعات1/ 103، ونقل عنه السيوطي في التدريب1/ 277: ((ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنّه موضوع))، وفي الموضوعات1/ 106: ((كل حديث رأيته يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره)). (¬3) الاقتراح: 231 - 232. (¬4) قال البقاعي: ((لم يستشكل ابن دقيق الاعتماد لأن القطعيات لا تشترط في الحكم وإنّما بيّن الواقع في نفس الأمر وهو أنّه لا ملازمة بين الوضع في نفس الأمر والإخبار به، بل قد يكون موضوعاً، ولا يخبر به، وقد يخبر به، ولا يكون موضوعاً)). النكت الوفية 190/ أ. (¬5) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 433: ((وربما كان يكتب هذه النسبة في خطه؛ لأنه ولد بثبج البحر بساحل ينبع من الحجاز.)). انظر: مقدمة الاقتراح: 33. (¬6) سقطت من (ق). وكلامه في الاقتراح: 234. (¬7) في (ص): ((لقصده)). (¬8) انظر: فتح المغيث 1/ 296.

المقلوب

وَحَاصِلُهُ: أنَّ إقرارَهُ بوضعِهِ كافٍ فِي ردِّه، لكنَّه لَيْسَ بقاطِعٍ فِي كونِهِ موضوعاً؛ لجواز كذبهِ فِي إقرارهِ (¬1). ففي الحقيقةِ لَيْسَ ذَلِكَ استشكالاً، بَلْ بيانٌ للمُرادِ والواقعِ؛ إِذْ لا يُشتَرطُ فِي الحكمِ القطعُ، بَلْ يَكْفِي غَلَبةُ الظنِّ، واللهُ أعلمُ. الْمَقْلُوْبُ (¬2) اسمُ مفعولٍ من القَلْبِ، وَهُوَ تبديلُ شيءٍ بآخرَ عَلَى الوجهِ الآتي. وَهُوَ من أقْسَامِ الضَّعِيفِ، بَلْ الإغراب الآتي من أقسام الوضعِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنا (¬3) كغيرِه. 242 - وَقَسَّمُوا المَقْلُوْبَ قِسْمَيْنِ إلى: ... مَا كَانَ مَشْهُوراً بِراوٍ أُبْدِلا 243 - بِواحدٍ نَظِيْرُهُ، كَيْ يُرْغَبَا ... فِيهِ، لِلاغْرَابِ (¬4) إذا مَا اسْتُغْرِبَا 244 - وَمِنْهُ قَلْبُ (¬5) سَنَدٍ لِمَتْنِ ... نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ إمَامَ الفَنِّ 245 - في مِئَةٍ لَمَّا أتَى بَغْدَادَا ... فَرَدَّهَا، وَجَوَّدَ الإسْنَادَا 246 - وَقَلْبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّوَاةُ ... نَحْوُ: (إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ... ) ¬

_ (¬1) انظر: الاقتراح: 234. (¬2) المقلوب لغة: هو من قلبه إذا حوّله من حالٍ إلى حالٍ. ويقال أيضاً قلب فلانٌ الشيء إذا صرفه عن وجهه. انظر: لسان العرب 1/ 479، والنكت الوفية: 190/ب، وتاج العروس 4/ 68. وانظر في المقلوب: معرفة أنواع علم الحديث: 244، والإرشاد 1/ 266 - 272، والتقريب: 86 - 87، والاقتراح: 236، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 76 والموقظة: 60، واختصار علوم الحديث: 87، ونكت الزّركشيّ 2/ 299 - 324، والشذا الفياح 1/ 230 - 234، وشرح التبصرة والتذكرة1/ 434، ونزهة النظر: 125، ونكت ابن حجر 2/ 864 - 889، والمختصر: 136، وفتح المغيث 1/ 253، وألفية السيوطي: 69 - 72، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 225، وتوضيح الأفكار 2/ 98، وظفر الأماني: 405، وقواعد التحديث: 130. (¬3) النكت لابن حجر 2/ 864 وعبارته: ((لقصد الإغراب على سبيل الكذب)). (¬4) بدرج الهمزة؛ للوزن، كما نبه عليه الشارح. (¬5) قبل هذا في فتح المغيث: ((العمد)) وليس بشيء.

247 - حَدَّثَهُ - في مَجْلِسِ البُنَاني - ... حَجَّاجٌ، اعْنِي: ابْنَ أبي عُثمَانِ 248 - فَظَنَّهُ - عَنْ ثَابِتٍ - جَرِيْرُ، ... بَيَّنَهُ حَمَّادٌ الضَّرِيْرُ (وَقَسَّمُوا) أي: المُحَدِّثُوْنَ (المَقْلُوبَ) سَنداً (قِسْمَينِ): عَمْداً وَسَهْواً، والعمدُ (إلى) قِسْمَيْن: أحدُهما: (مَا) أي: حَدِيثٌ (كَانَ مَشْهُوراً براوٍ) كسالمٍ (¬1) (أُبْدِلا بِواحدٍ) مِنَ الرواةِ (نَظِيْرُهُ) فِي الطَّبقةِ، كنافعٍ (¬2) (كَيْ يُرْغَبَا) - بألِفِ الإطلاقِ - (فِيهِ) أي: فِي روايتِهِ عَنْهُ، ويروجُ حالُهُ (للاغرابِ) -بدرجِ الهمزةِ - (إذَا مَا) زائدةٌ (استَغْرِبا) - بألفِ الإطلاقِ - مَنْ وقفَ عَلَيْهِ، لكونِ المشهورِ خِلافَهُ (¬3). وَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُهُ بِهذَا القصدِ كَذِباً حمَّادُ بنُ عَمْرٍو النَّصِيْبِيُّ (¬4)، حَيْثُ رَوَى الحَدِيْثَ المعروفَ بسُهَيْلِ بن أَبِي صَالحٍ، عَنْ أبيهِ (¬5)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: ((إذَا لَقِيْتُمُ الْمُشْرِكِيْنَ فِيْ طَرِيْقٍ فَلاَ تُبْدُوْهُمْ بِالسَّلاَمِ ... )) الحَدِيْثَ (¬6)، عَنِ الأعمشِ، عَنْ أَبِي صالحٍ؛ ليُغربَ بِهِ، وَهُوَ لا يُعرفُ عَنِ الأعمشِ، كَمَا صرَّحَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 434. (¬2) المصدر السابق. (¬3) قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: 236: ((وقد يطلق على راويه يسرق الحديث)). (¬4) قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف جداً، وقال البخاريّ: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث وضعاً. انظر: الجرح والتعديل 3/ 144، والمجروحين 1/ 252، والكامل 3/ 10. (¬5) عبارة: ((عن أبيه)) لم ترد في (ع). (¬6) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة: ((فهذا حديثٌ مقلوبٌ قلبه حماد بن عمرٍو - أحد المتروكين - فجعله عن الأعمش، وإنما هو معروفٌ بسهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. هكذا رواه مسلم في صحيحه)). صحيح مسلم 7/ 5 (2167)، وكذلك أخرجه: أبو داود الطيالسي (2424)، وعبد الرزاق (19457)، وأحمد 2/ 263 و266 و346 و444 و459 و525، والبخاري في الأدب المفرد (1103) و (1111)، وأبو داود (5205)، والترمذي (1602) و (2700)، والطحاوي 4/ 341، وأبو نعيم في الحلية 7/ 141. جميعهم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة. (¬7) الضعفاء الكبير 1/ 308.

وللخوفِ مِن ذَلِكَ كَرِهَ (¬1) أَهْلُ الحَدِيْثِ تتبُّعَ الغرائبِ، كَمَا سيأتي فِي بابِهِ (¬2). (وَمِنْهُ) وَهُوَ ثاني قِسمَيِ العمدِ: (قلبُ سندٍ) تامٍ (لمتْنِ) فَيُجْعَلُ لِمَتْنٍ آخرَ مرويٍّ بسندٍ آخرَ، ويُجعلُ هَذَا المَتْن لإسنادٍ (¬3) آخرَ، بقَصْدِ امتحانِ حِفْظِ المحدِّثِ (¬4)، واختبارِهِ هل اختلطَ أَوْ لاَ؟ وهَلْ يَقبلُ التلقينَ (¬5) أَوْ لاَ؟ (نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ) أي: المُحَدِّثِيْنَ ببغدادَ (إمَامَ الفنِّ) البُخَارِيَّ (فِي مِئةٍ) مِنَ الأحاديثِ، (لَمَّا أَتَى) إِلَيْهِم (بَغْدَادَا) -بألف الإطلاق، وبإهمالِ الدالِ الأخيرةِ عَلَى إحدى اللغاتِ (¬6) -. حَيْثُ اجتمعوا عَلَى تقليبِ مُتُونها، وأسانيدِها، فصيَّروا مَتْنَ سندٍ لسندِ متنٍ آخرَ، وسندَ هَذَا المَتْنِ لمتنٍ آخرَ، وعَيَّنُوا عَشَرَةَ رجالٍ، ودفعوا مِنْها لكُلٍّ مِنْهُمْ عَشَرَةَ أحاديثَ، وتواعدوا عَلَى الحضورِ لمجلس البُخَارِيِّ، ليُلقِي عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمْ عَشَرَتَهُ بحَضْرتِهِم (¬7). فَلمَّا حَضَروا واطمأنَّ المجلِسُ بأهلِهِ البَغْداديِّينَ، وَغيرِهِم مِنَ الغُرَباءِ، مِن أَهْلِ خُرَاسَانَ وغيرِهم، تقدَّمَ إِليهِ واحدٌ مِنَ العَشَرةِ، وسألَهُ عَنْ أحاديثِهِ واحداً واحداً، والبخاريُّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلٍّ مِنْها: لا أَعْرِفُهُ. ثُمَّ الثَّانِي كَذلِكَ، وهكذا إلى أَنْ استوفى العَشَرةُ المئةَ، وَهُوَ لا يزيدُ فِي كلٍ مِنْها عَلَى قولِهِ: لا أعرِفُهُ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((ذكره)). (¬2) انظر: فتح المغيث 1/ 299. (¬3) في (ق): ((لسند)). (¬4) في (ق): ((الحديث)). (¬5) التلقين -كما عرّفه الحافظ العراقي-: هو أن يلقّن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه. شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59. وانظر عن التلقين وأسبابه وحكمه: النفح الشذي 1/ 323، وسير أعلام النبلاء 10/ 210، والنكت الوفية: 232/ ب، وفتح المغيث 1/ 385، وتدريب الراوي 1/ 339، وتوضيح الأفكار 2/ 257، وتوجيه النظر 2/ 573، وأثر علل الحديث: 120. (¬6) انظر: الصحاح 2/ 561 (بغدد)، وتاريخ بغداد 1/ 58، ولسان العرب 3/ 478. (¬7) سقطت من (ق).

فكانَ الفُهَماءُ (¬1) ممَّن حَضرَ يلتفتُ بعضُهم إلى بعضٍ، ويقولونَ: فَهِمَ الرجلُ، ومَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، يَقضي عَلَيْهِ (¬2) بالعَجْزِ والتَّقصيرِ وَقِلَّةِ الفَهْمِ. فَلمَّا عَلِمَ أنَّهم فَرَغُوا، التفتَ إلى السَّائِلِ الأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُ: سألتَ عَنْ حَدِيثِ كَذَا، وصَوابُه كَذَا، إلى آخرِ أحاديثِهِ، وكَذا البقيةُ عَلَى الولاءِ (فَرَدَّهَا) أي: المئةَ إلى أصلِها (¬3) (وجوَّدَ الإسنادَا)، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ موضعٌ مِمَّا (¬4) قلبوُهُ وركَّبُوهُ، فأقرَّ لَهُ الناسُ بالحِفْظِ، وأذعنوا لَهُ بِالفضلِ (¬5). وأغربُ مِن حِفظِه لَها، وتيقُّظِه لِتمييزِ صَوابِها مِن خَطَئِها؛ حِفْظُهُ لتواليها، كَمَا أُلقيتْ عَلَيْهِ من مَرَّةِ واحدةٍ. وَقَدْ يُقصَدُ بقلبِ السَّندِ كُلِّه أَيْضاً: الإغرابُ: إِذْ لا يَنْحَصِرُ فِي راوٍ واحدٍ، كَمَا أنَّه قَدْ يُقصَدُ بقلبِ راوٍ واحدٍ أَيْضاً: الامتحانُ، وَهُوَ مُحرَّمٌ إلاَّ بِقَصْدِ الاختبارِ. فَقَالَ النَّاظِمُ: ((فِي جَوازِه نَظَرٌ، إلاّ أنَّه إذَا فَعَلَهُ أَهْلُ الحَدِيْثِ، لا يَسْتَقِرُّ حديثاً)) (¬6). قَالَ شَيْخُنا: ((وَشَرْطُ الجوازِ أَنْ لا يَسْتمرَّ عَلَيْهِ، بَلْ ينتهي بانتهاءِ (¬7) الحاجةِ)) (¬8). (و) قِسْمُ السَّهْوِ: (قلبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّواةُ) قَلْبَهُ، بَلْ وَقَعَ مِنْهُمْ سَهْواً، وَوَهَماً (نَحْوُ) حَدِيثِ: (((إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ)، فَلاَ تَقُوْمُوْا حَتَّى تَرَوْنِيْ)). فَقَدْ (حَدَّثَهُ) أي: الحَدِيْثَ (فِي مَجْلسِ) ثابتِ بنِ أسلمَ (البُنَاني) - بضمِّ أَوَّلِهِ - نِسْبةً إلى (بُنانةَ) مَحَلَّةٍ بالبصرةِ (¬9) (حَجَّاجٌ اعني) - بدرجِ الهمزةِ - (ابنَ أَبِي عُثمانِ) ¬

_ (¬1) في (ق): ((الفقهاء)). (¬2) سقطت من (ع). (¬3) في (ع): ((أصولها)). (¬4) لم ترد في (ص). (¬5) تاريخ بغداد 2/ 20، وانظر: البداية والنهاية 1/ 25، وهدي الساري: 486، ووفيات الأعيان 4/ 189، وسير أعلام النبلاء 12/ 408، وشرح التبصرة 1/ 437 - 438. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 436. (¬7) في (ق): ((بإنهاء)). (¬8) نزهة النظر: 127. (¬9) معجم البلدان 1/ 497.

- بصرفهِ للوزنِ - الصَّوَّافَّ (¬1)، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادةَ، عَنْ أبيهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (فَظَنَّهُ) أي: الحَدِيْثَ (عَنْ ثَابِتٍ) أَبُو النَّضْرِ، (جَرِيْرُ) بنُ حازمٍ، فَرواهُ عَنْ ثابتٍ، عَنْ أنسٍ، كَمَا (بَيَّنَهُ حَمَّادٌ)، هُوَ ابنُ زيدٍ (الضَّرِيرُ)، وَقَالَ: وَهِمَ أَبُو النَّضْرِ فِيْمَا قالَهُ (¬3). وَأمّا المقْلوبُ مَتْناً، وَهُوَ قليلٌ: فَهُوَ أنْ يُعطي أَحَدَ الشَّيئينِ مَا اشتهرَ للآخر، كحديثِ: ((حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ)) (¬4). فإنَّه جاء مقلوباً (¬5) بلفظ: ((حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِيْنُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ)) (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق): ((الصراف)). (¬2) أخرجه عبد الرزاق (1932) والحميدي (427)، وابن أبي شيبة (4093)، وأحمد 5/ 296 و 303 و 304 و 305 و 307 و 308 و 309 و 310، وعبد بن حميد (189)، والدارمي (1264) و (1265)، والبخاري 1/ 164 (637)، (638) و 2/ 9 (909)، ومسلم 2/ 101 (604)، وأبو داود (539) و (540)، والترمذي (592)، والنسائي 2/ 31 و 81، وابن خزيمة (1644)، وابن حبان (2222)، والبيهقي 2/ 20، والبغوي (440) كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) قال الإمام أحمد في علله 2/ 172 (132): ((حدّثنا إسحاق بن عيسى الطباع، قال: حدثت حماد بن زيد بحديث جرير، عن ثابت، عن أنس فذكره. فأنكره، وقال: إنما سمعه من الحجّاج الصوّاف، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة في مجلس ثابت، فظن أنه سمعه - يعني - من ثابت)). وانظر: المراسيل لأبي داود (94) وجامع التّرمذي (517)، وعلله الكبير: 89، وضعفاء العقيلي 1/ 198، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 440 - 441. (¬4) أخرجه مالك (2742)، والبخاري1/ 168 (660) و2/ 138 (1423) و 8/ 125 (6479)، والترمذي (2391)، والطحاوي في شرح المشكل (5846) و (5847). من طريق يحيى بن سعيد. (¬5) سقطت من (ق). (¬6) أخرجه مسلم 3/ 93 (1031) (91)، وابن خزيمة (358)، والبيهقي 4/ 190 و 8/ 162. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 3/ 71، وفتح الباري 2/ 146، والنكت لابن حجر 2/ 882 - 883.

تنبيهات

تَنْبِيْهَاتٌ (¬1) (تنبيهاتٌ) ثلاثةٌ توضِّحُ مَا مَرَّ مما حُكِمَ بضَعْفِهِ، وغيرِهِ: 249 - وَإنْ تَجِدْ مَتْناً ضَعِيْفَ السَّنَدِ ... فَقُلْ: ضَعِيْفٌ أي: بِهَذَا فَاقْصِدِ 250 - وَلاَ تُضَعِّفْ مُطْلَقاً بِنَاءَا ... عَلَى الطَّرِيْقِ، إذْ لَعَلَّ جَاءَا 251 - بِسَنَدٍ مُجَوَّدٍ، بَلْ يَقِفُ ... ذَاكَ عَلَى حُكْمِ إمَامٍ يَصِفُ 252 - بَيَانَ ضَعْفِهِ، فَإنْ أطْلَقَهُ ... فَالشَّيْخُ فِيما بَعْدَهُ حَقَّقَهُ أحدُها: مَا تضمنَّهُ قولُهُ (وإنْ تَجِدْ مَتْناً) أي: حَدِيثاً (ضَعِيْفَ السَّندِ، فَقُلْ): هُوَ (ضَعِيْفٌ أي: بِهذا) السَّندِ فَقَطْ. (فَاقْصِدِ) ذَلِكَ، فإنْ صرَّحتَ بِهِ، فَهُوَ أولَى. (وَلاَ تُضَعِّفْ‍) ‍هُ (مُطْلَقاً بناءا عَلَى) ضَعْفِ ذاكَ (الطَّريقِ) أي: السنَدِ؛ (إِذْ لَعَلَّ‍) ‍هُ (جَاءا بِسَنَدٍ) آخرَ (مُجَوَّدٍ) يَثْبُتُ (¬2) بمثلِهِ، أَوْ بِهما (¬3). (بَلْ يَقِفُ ذاكَ) أي: الإطلاقُ أي: جوازُهُ (عَلَى حُكْمِ إمامٍ) من أئمةِ الحديثِ (يَصِفُ بيانَ) وَجْهِ (ضَعْفِهِ) أي: المتنِ، بأنَّه شاذٌّ، أَوْ منكرٌ، أَوْ بأنَّه لا إسْنادَ (¬4) لَهُ يَثْبُتُ بمثلِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (¬5). (فإنْ أَطْلَقَهُ) أي: ذَلِكَ الإمامُ: الضَّعْفَ، (فالشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (فِيْمَا بَعْدَهُ)، وَفِي نُسخَةِ ((بعدُ)) قَدْ (حَقَّقَهُ) (¬6). ¬

_ (¬1) أي: إيضاحات لأشياء يشعر بها ما قبل هنا من الأنواع التي حكم بضعفها من المقلوب والموضوع والمضطرب وغيرها إشعاراً خفياً. أفاده البقاعي: 193/ أ. (¬2) في (ص): ((ثبت)). (¬3) لذلك قالوا: لا يلزم من صحّة الإسناد صحّة المتن، ولا من ضعفه ضعف المتن. (¬4) في (ق): ((سند)). (¬5) انظر: الإرشاد 1/ 268، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 442، والنكت لابن حجر 1/ 887، وفتح المغيث 1/ 310، وشرح السيوطي: 229. (¬6) في النّوع الثّالث والعشرين من كتابه. ذكره العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 442، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 255 وما بعدها.

وسيأتي (¬1) بيانُهُ فِي قولِ النَّاظِمِ: ((فإن يقلْ (¬2): قلَّ بيانُ مَنْ جَرَحَ)) إلى آخرِهِ. وما ذُكِرَ عَنْ ابن الصَّلاحِ مِن مَنْعِ إِطلاقِ التضعيفِ، قَالَ شَيْخُنا: الظاهرُ أنَّه عَلَى أصلِهِ مِنْ تعذُّرِ استقلالِ المتأخِّرينَ بالحُكْمِ عَلَى الحَدِيْثِ بما يليقُ بِهِ، والحقُّ خلافُهُ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحلِّهِ، فإذا غَلَبَ عَلَى ظنِّ الحافظِ المتأهِّلِ (¬3)، أنَّ ذَلِكَ السندَ ضعيفٌ، وَلَمْ يجدْ غيرَهُ بَعْدَ التفتيشِ، سَاغَ لَهُ تَضْعيفُ الحَدِيْثِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ سندٍ آخرَ (¬4). 253 - وَإنْ تُرِدْ نَقْلاً لِوَاهٍ، أوْ لِمَا ... يُشَكُّ فِيهِ لاَ بِإسْنَادِهِمَا (¬5) 255 - وَسَهَّلُوا في غَيْرِ مَوْضُوْعٍ رَوَوْا ... مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِضَعْفٍ، وَرَأوْا 254 - فَأتِ بِتَمْرِيضٍ كـ (يُرْوَى) وَاجْزِمِ ... بِنَقْلِ مَا صَحَّ كـ (قَالَ) فَاعْلَمِ (¬6) 256 - بَيَانَهُ فِي الحُكْمِ وَالعَقَائِدِ ... عَنِ (ابنِ مَهْدِيٍّ) وَغَيْرِ وَاحِدِ (و) ثانيها: مَا تضمنَّهُ قولُهُ: (إنْ تُردْ نقلاً لـ) مَتْنٍ (واهٍ) أي: ضَعِيْفٍ لَمْ يَبْلُغِ الوضعَ، (أَوْ لما يُشَكُّ فِيهِ) من أَهْلِ الحَدِيْثِ أهو صَحِيْحٌ أَوْ ضَعِيْفٌ؟ (لا ب‍) ذِكْرِ (إسنادِهما) أي: الواهي، والمشكوكُ فِيهِ، بَلْ بمجردِ إضافتهِما إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ إلى غيرِهِ، بحيثُ يشملُ المعلَّقَ (فأتِ بتمريضٍ) أي: بصيغتِهِ التي اكتُفِيَ بِها عَنِ التَّصْرِيحِ بالضَّعْفِ (ك‍: يُرْوَى)، ويُذْكرُ، ورُوِي، وذُكِرَ، ورَوَى بعضُهُم، ولا تجزمْ بنقلِهِ خوفاً من الوعيدِ (¬7). ¬

_ (¬1) البيت رقم (272). (¬2) سقطت من (ق). (¬3) في (ص): ((المتأمل)). (¬4) النكت لابن حجر 2/ 887 وفي النقل اختصار وتقديم وتأخير. (¬5) كذا في جميع النسخ الخطية لمتن وشرح الألفية، وفي النفائس: ((بإسناديهما))، وقال البقاعي: 254 - فَأتِ بِتَمْرِيضٍ كـ (يُرْوَى) وَاجْزِمِ ... ((الضمير فيه للواهي والذي يشك فيه أي: إذا نقلت الضعيف بغير سندٍ أو المشكوك في ضعفه بغير سند)). النكت الوفية: 193/ أ. (¬6) في نسخة (ج‍) من متن الألفية: ((واعلم)). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 248، والنكت للزركشي 2/ 322، والإرشاد 1/ 271، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 443، وهدي الساري: 19.

(وَاجْزِمِ بنَقْلِ) أي: ائتِ بصيغةِ الجزمِ فِي نقلِكَ بلا سندٍ (مَا صَحَّ ك‍: ((قَالَ)) فاعْلَمِ) ذَلِكَ، ولا تأتِ بصيغةِ التمريضِ، وإنْ فَعلَهُ بَعْضُ الفقهاء (¬1). (و) ثالثُها - وَهُوَ قَسيمُ ((لا بإسنادِهما)) - مَا تضمَّنهُ قولُه: (سهَّلوا) أي: جوَّزوا التساهُلَ (فِي غَيْرِ مَوْضُوْعٍ) من الحَدِيْثِ، حَيْثُ (رووا) أي: رَوَوا بإسنادِهِ (مِنْ غَيْرِ تَبْيينٍ لِضَعْفٍ) إن كَانَ فِي الترغيبِ والترهيبِ (¬2) من المواعِظِ، والقِصَصِ، وفضائلِ الأعمالِ ونحوِها (¬3). (وَرَأَوْا بَيَانَهُ) وعَدَمَ التسَاهُلِ فِيهِ، وإنْ ذكروا إسنادَهُ إن كَانَ (فِي الحُكْمِ) الشرعِيِّ مِن حَلالٍ وحرامٍ وغيرِهِما. (و) فِي (العقائِدِ) كَصِفاتِ اللهِ تَعَالَى، وما يجوز لَهُ وما يستحيلُ عَلَيْهِ. وما ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ التَّساهُلِ وَعَدمِهِ منقولٌ (عَنِ ابنِ مَهْدِيٍّ) عَبْدِ الرحمانِ (¬4) (وغَيْرِ وَاحِدِ) مِنَ الأئمةِ كأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ (¬5)، وابنِ مَعِيْنٍ (¬6)، وابنِ المباركِ (¬7). ¬

_ (¬1) نقل النووي اتفاق محقّقي المحدّثين وغيرهم على هذا، وأنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف؛ ... لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صحّ، قال: ((وقد أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم واشتد إنكار البيهقيّ على من خالف ذلك وهو تساهل قبيح جداً من فاعله، إذ يقول في الصّحيح: يذكر ويروى، وفي الضّعيف: قال وروى، وهذا قلب للمعاني وحيدٌ عن الصّواب)). نقله محقق الإرشاد 1/ 271. (¬2) في (ق): ((الترغيب والترغيب)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 444، وفتح المغيث 1/ 311، تدريب الرّاوي 1/ 298. (¬4) نقله عنه الحاكم في المدخل إلى الإكليل: 6، والخطيب في الجامع 2/ 91 (1265). (¬5) نقله عنه الحاكم في المدخل إلى الإكليل: 6 - 7، والخطيب في الكفاية: (213 ت، 134 هـ‍)، وابن الأثير في جامع الأصول 1/ 109. (¬6) نقله عنه القاسمي في قواعد التحديث: 114 وقال: هي رواية عبّاس الدوري. (¬7) نقله عنه ابن أبي حاتم في الحرج والتعديل 2/ 30 - 31.

معرفة من تقبل روايته ومن ترد

مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ (¬1) (مَعْرِفَةُ) صِفَة (مَنْ تُقبلُ روايتُهُ، ومنْ تُرَدُّ)، وما يتبعُ ذَلِكَ. 257 - أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ ... وَالْفِقْهِ فِي قَبُوْلِ نَاقِلِ الْخَبَرْ 258 - بِأنْ يَكُوْنَ ضَابِطاً مُعَدَّلاَ (¬2) ... أيْ: يَقِظاً، وَلَمْ يَكُنْ مُغَفَّلاَ 259 - يَحْفَظُ إنْ حَدَّثَ حِفْظاً، يَحْوِيْ (¬3) ... كِتَابَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِيْ 260 - يَعْلَمُ مَا فِي الَّلَفْظِ مِنْ إحِالَهْ ... إنْ يَرْوِ بالْمَعْنَى، وَفِي الْعَدَالَهْ 261 - بِأنْ يَكُوْنَ مُسْلِماً ذَا عَقْلِ ... قَدْ بَلَغَ الْحُلْمَ سَلِيْمَ الفِعْلِ 262 - مِنْ فِسْقٍ اوْ (¬4) خَرْمِ مُرُوْءَ ةٍ وَمَنْ ... زَكَّاهُ عَدلاَنِ، فَعَدْلٌ مُؤْتَمَنْ 263 - وَصُحِّحَ (¬5) اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْوَاحِدِ ... جَرْحاً وَتَعْدِيْلاً خِلاَفَ الشَّاهِدِ (أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ) أي: الخبرِ، (والفِقْهِ)، والأُصولِ (فِي قَبولِ ناقلِ الخبرْ) المحتجِّ بِهِ، (بأنْ) أي: عَلَى اشتراطِ أنْ (يَكُونَ ضابطاً مُعَدَّلا أي): بِأنْ يَكُونَ فِي الضبطِ (يَقظاً) -بضمِّ القافِ وكسرِها (¬6) -. ¬

_ (¬1) انظر في صفة من تقبل روايته ومن تردّ: معرفة أنواع علم الحديث: 249، والإرشاد 1/ 273 - 333، والتقريب: 90 - 100، والمنهل الروي: 63، والخلاصة: 88، واختصار علوم الحديث: 92، ونكت الزّركشيّ 3/ 325 - 458، والشذا الفياح 1/ 235 - 273، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 1، ونزهة النظر: 185 - 199، والمختصر: 155، وفتح المغيث 1/ 262، وألفية السيوطي: 96 - 112، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 231، وتوضيح الأفكار 2/ 114، وظفر الأماني: 78. (¬2) في (النفائس): ((معتدلاً)). (¬3) في فتح المغيث: ((ويحوي)) ولم ترد في شيء من النسخ الخطية والمطبوعة. (¬4) بوصل همزة ((أو)) لإقامة الوزن، وقد نص عليه الشارح، ومن عجب أن ناشر (م) أثبت الهمزة في الموضعين. (¬5) في (النفائس) وفتح المغيث: ((وصححوا)). (¬6) انظر: الصحاح 3/ 1181، والتاج 20/ 292 (يقظ).

(و) ذَلِكَ بأَنْ (لَمْ يَكُنْ مُغَفَّلا)، لا يميِّزُ الصَّوَابَ مِنَ الخطإِ، وأنْ يَكُونَ فِيهِ (يَحْفَظُ) مَا سَمِعَهُ، بأنْ يثبِتَهُ فِي حفظِهِ، بحيث يتمكَّنُ من استحضارِهِ متى شَاءَ، (إنْ حدَّثَ حِفْظاً) أي: مِن حِفْظِهِ، و (يَحْوِيْ كِتَابَهُ) أي: يَصونُه بِنفسِهِ، أَوْ بثقةٍ عَنْ تَطَرُّقِ التَّغييرِ إِليهِ، (إنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِي)، و (يعلَمُ مَا فِي اللَّفظِ مِن إِحَالهْ) بحيثُ يأمَنُ من تغييرِ مَا يرويهِ (إنْ يَرْوِ) الخبرَ (بالمعنى)، لا بلفظِهِ عَلَى مَا يأتي بيانُهُ فِي مَحلِّهِ. (وَ) بأَنْ يَكُونَ (فِي العَدَالَهْ) (¬1) وَهِيَ: مَلَكَةٌ تحمِلُ عَلَى ملازمةِ التقوى، والمروءةِ، متصِفاً (بأنْ يَكونَ مُسلِماً ذا عَقْلِ، قَدْ بَلَغَ الحُلْمَ) -بإسكان اللام مخففاً من ضمِّها (¬2) - أي: الإنزالِ فِي النومِ، والمرادُ: البلوغُ بِهِ (¬3)، أَوْ بغيرِهِ. (سَلِيْمَ الفِعْلِ مِن فِسْقٍ) بأنْ لا يرتكبَ كبيرةً، وَلاَ يُصرُّ عَلَى صَغيرةٍ. (اوْ) (¬4) -بالدرجِ- أي: ومِنْ (خَرْمِ مُرُوءةِ (¬5))، وَهِيَ: التخلُّقُ بِخُلُقِ أمْثالِهِ، فِي زمانِهِ وَمَكانِهِ؛ فالأكلُ فِي السُّوقِ، والمشيُ مكشوفَ الرأسِ، وإكثارُ حكاياتٍ مُضحكةٍ، ولبسُ فقيهٍ قَبَاءً (¬6) أَوْ قَلَنْسُوَةً حَيْثُ لا يعتادُ، يُسقِطُها. فَلا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ فَقَدَ شرطاً مما ذُكِرَ، حَتَّى المراهقِ عَلَى الأصحِّ - عِنْدَ مَنْ يقبلُ روايَتَهُ (¬7) -. وعُلِمَ مَمَّا قالَهُ: أنَّهُ لا يُشْتَرطُ فِي الرَّاوِي الحريةُ، ولا الذكورةُ، وَلاَ العددُ؛ فَتُقْبَلُ رِوَايَةُ الرقيقِ، والمرأةِ، والواحدِ، وَهُوَ المشهورُ. ¬

_ (¬1) انظر: الإرشاد 1/ 272 - 275، والباعث الحثيث: 92، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 3، وفتح المغيث 1/ 315، وتدريب الرّاوي 1/ 301. (¬2) وهو لهجة. انظر: اللسان 12/ 145 (حلم). (¬3) فتح المغيث 1/ 315. (¬4) جوّد ناشر (م) الهمزة، ولم يتنبه على ما قاله الشارح. (¬5) في (م): ((المروءة)). (¬6) ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه. المعجم الوسيط 2/ 713، وانظر: اللسان 15/ 168. (¬7) انظر: المنخول: 257، والروضة 1/ 103، والبحر المحيط 4/ 267، والتقييد والإيضاح: 137، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 4، وفتح المغيث 1/ 317.

ثُمَّ بيَّنَ مَا تَثَبُتُ (¬1) بِهِ العدالةُ، فَقَالَ: (ومَنْ زَكَّاهُ) أي: عَدَّلَهُ فِي روايتِهِ (عَدْلانِ، ف‍) ‍‍‍هُوَ (عَدْلٌ)، فَتُقْبَلُ روايتُهُ اتِّفاقاً (مُؤتمَنْ) تأكيدٌ وتكملةٌ. (وصُحِّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ) (¬2) أي: جُمْهُورُ أئِمَّةِ الأثرِ فِيْهَا (¬3) (بـ) ‍قولِ العدلِ (الواحدِ)، وَلَوْ عبداً، أَوْ امرأةً (¬4) (جَرْحاً وتعديلاً) أي: فِيْهِمَا، أَوْ من جِهَتِهما. لأنَّ قولَهُ إنْ كَانَ نَقْلاً عَنْ غَيرِهِ، فَهُوَ خبرٌ مِن جُملةِ الأخبارِ؛ أَوِ اجتهاداً من قِبَلِ نفسِهِ، فَهُوَ كالحاكِمِ، وَفِي الحالينِ (¬5) لا يُشترطُ العددُ (¬6). (خِلاَفَ الشَّاهِدِ) فالصَّحيحُ عَدَمُ الاكتفاءِ فِيهِ بِقَولِ الواحدِ، كنفسِ الشَّهادَةِ. وإذا جَمَعْتَ المسْألتينِ، كَانَ فِيْهِمَا ثلاثةُ أقوالٍ: 1 - لا يُكْتَفَى بواحدٍ فِيْهِمَا (¬7). 2 - يُكْتَفَى بِهِ فِيْهِمَا (¬8). 3 - يفرَّق بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الأصحُّ، كَمَا تقرَّرَ مَعَ الفرقِ بَيْنَهُمَا (¬9). وفرّقوا بينَهُما أَيْضاً، بأنَّ الشهادةَ أمرُها ضيِّقٌ، لكونِها فِي الحقوقِ الخاصةِ التي يُترافَعُ فِيْهَا، بِخلافِ الرِّوَايَةِ، فإنَّها فِي عامٍّ للناسِ غالباً، لا ترافُعَ فِيهِ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((ثبتت)). (¬2) في (ص): ((وصح اكتفاءهم))، وفي (ق) و (ع): ((وصحح اكتفائهم)). وقارن هذه المسألة في معرفة أنواع علم الحديث: 258. (¬3) سقطت من (ص). (¬4) في (م): ((المرأة)). (¬5) في (ع): ((الحالتين)). (¬6) انظر: الكفاية (163 ت، 98 هـ‍)، التقييد: 143، فتح المغيث 1/ 318، ونسبه البقاعي في النكت الوفية: 197/ ب: لأبي حنيفة أبي يوسف. (¬7) حكاه القاضي أبي بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة. انظر: الكفاية: (163ت، 98 هـ‍). (¬8) هو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي حنيفة وأبي يوسف. انظر: الكفاية (163 ت، 98 هـ‍)، والتقييد: 143، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 5. (¬9) رجحه الإمام فخر الدين الرّازيّ، والسيف الآمدي. انظر: المحصول 2/ 200، والإحكام 2/ 121، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 6.

وبأنَّ بينَهُم فِي المُعامَلاتِ عَداوةً تحملُهُم عَلَى شَهادةِ الزُّورِ، بخلافِ الرُّواةِ (¬1). 264 - وَصَحَّحُوا استِغْنَاءَ ذِي الشُّهْرَةِ عَنْ ... تَزكِيَةٍ، كـ (مَالكٍ) نَجْمِ السُّنَنْ 265 - و (لابنِ عَبْدِ البَرِّ) كُلُّ مَنْ عُنِي ... بِحَمْلِهِ العِلْمَ وَلَمْ يُوَهَّنِ 266 - فَإنَّهُ عَدْلٌ بِقَوْلِ المُصْطَفَى ... (يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ) لكِنْ خُوْلِفَا 267 - وَمَنْ يُوَافِقْ غَالِباً ذا الضَّبْطِ ... فَضَابِطٌ، أوْ نَادِراً فَمُخْطِيْ (¬2) (وَصَحَّحوا) مِمَّا تَثْبُتُ بِهِ العدالةُ أَيْضاً (استغناءَ ذي الشُّهْرةِ) بها بَيْن أَهْلِ العلمِ (عَنْ تَزْكِيةٍ) صَريحةٍ، (ك‍: مَالكٍ نَجْمِ السُّنَنْ)، كَمَا وصفَهُ بِهِ الإمامُ الشَّافِعيُّ (¬3)، وكشعبةَ، وأَحْمَدَ، وابنِ مَعِيْنٍ، فهؤلاءِ، وأمثالُهم لاَ يُسألُ عَنْ عَدالتِهِم (¬4). وَقَدْ سُئل الإمامُ أَحْمَدُ عَنْ إسحاقَ بنِ راهويهِ فَقَالَ: مثلُ إسحاقَ يُسْألُ عَنْهُ (¬5)؟ إسحاقُ عندنا إمامٌ من أئِمَّةِ المسلمينَ. وابنُ مَعِينٍ سُئِلَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: مثلي يُسألُ عَنْ أَبِي عُبيدٍ؟ أَبُو عبيدٍ يُسألُ عَنِ الناسِ (¬6) ‍!. (ولابنِ عَبْدِ البَرِّ (¬7)) الحافظِ قَوْلٌ، وَهُوَ: (كُلُّ مَنْ عُنِي) - بضَمِّ أوّلهِ - أي: اهتَمَّ (بِحَمْلِهِ العِلْمَ)، زادَ الناظِمُ (وَلمْ يُوَهَّنِ) أي: يُضَعَّفْ (فإنَّهُ عَدْلٌ بقولِ المصطفى) - صلى الله عليه وسلم -: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ) مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُوْلُهُ يَنْفُوْنَ عَنْهُ تَحْرِيْفَ الْغَالِيْنَ - أي: تغييرَ ¬

_ (¬1) انظر: تدريب الرّاوي 1/ 332. (¬2) في نسخة (أ) من متن الألفية: ((فخطي))، والصواب ما أثبت. (¬3) أسنده أبو نعيم في الحلية 6/ 318 و 9/ 70، والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 208، والسيوطي في تنوير الحوالك 1/ 3، وفي طبقات الحفاظ له: 96. (¬4) قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 250: ((وهذا هو الصحيح في مذهب الشّافعيّ، وعليه الاعتماد في أصول الفقه)). (¬5) أسنده الخطيب في تاريخه 6/ 350، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال 1/ 177. (¬6) أسنده الخطيب في تاريخه 12/ 414، واقتبسه المزي في تهذيب الكمال 6/ 67. (¬7) انظر: التمهيد 1/ 28، وجامع بيان العلم وفضله 2/ 199.

المتجاوزينَ الحدَّ-وانْتِحَالَ المُبطِلِيْنَ-أي: ادّعَاءَهُم لأنفسِهِم مَا لغيرِهِم-وَتَأْوِيْلَ الْجَاهِلِيْنَ (¬1). (لَكِنْ خُوْلِفَا) بألفِ الإطلاقِ - أي: ابنُ عَبْدِ البَرِّ فِي اختيارِهِ، بأنَّهُ اتساعٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ (¬2)، وَفِي احتجاجِهِ بالحديثِ بأنَّهُ ضعيفٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ، بَلْ قِيلَ: إنَّه مَوْضُوْعٌ (¬3). وبأنَّ الاحتجاجَ بِهِ إنَّما يَصِحُّ (¬4) لَوْ كَانَ خبراً، ولا يصحُّ كونُهُ خبراً، لوجودِ مَن يَحْمِلُ الْعِلْمَ مَعَ كونِهِ فاسقاً؛ فَلا يكونُ إلاَّ أمراً (¬5). ومعناهُ: أنَّهُ (¬6) أمَرَ الثِّقاتِ بحمل العلم؛ لأن العلم إنما يقبل عنهم. ويتأيد بأن في بعض طرقه ((ليحمل)) بلام الأمر (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4/ 256، وابن حبان في الثقات 4/ 10، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (55)، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 59 من طريق حمّاد بن زيد، قال: حدّثنا بقية بن الوليد، قال: حدثنا معان بن رفاعة، عن إبراهيم بن عبد الرحمان، به مرفوعاً، وأخرجه ابن وضاح في " البدع ": 1 - 2، وابن قتيبة الدّينوري في " عيون الأخبار " 2/ 119، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 17، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 59 من طرق عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمان العذري، به مرفوعاً، والحديث له طرق أخرى ساقها الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9 - 14 وقد أشبعت تخريجاً وتعليلاً، فراجعها تجد فائدة إن شاء الله. (¬2) قاله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 250 - 254، ووافقه عليه ابن الموّاق في ((بغية النقاد))، وقال المزي: ((ما قاله ابن عبد البر هو في زماننا مرضي بل ربما يتعين)) وقال ابن سيد الناس: ((لست أرى ما قاله أبو عمر إلا مرضياً)). وقال ابن الجزري: ((إنه الصّواب)). وقال الذهبي: ((إنه الحق)). انظر: نكت الزّركشيّ 2/ 330، والتقييد: 139، وفتح المغيث 1/ 278. (¬3) وقد صحّحه الإمام أحمد، والصّواب: أنه حديث ضعيف، وانظر بلا بد: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 13 وتعليقنا عليه. (¬4) في (ق): ((يقع)). (¬5) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14: ((وأما استدلاله بهذا الحديث، فلا يصحّ من وجهين: أحدهما: إرساله وضعفه. والثاني: أنه إنما يصحّ الاستدلال به، أن لو كَانَ خبراً، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم، وهو غير عدلٍ، وغير ثقةٍ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر. وزاد البقاعي في النكت الوفية 199/ ب فقال: ((قد أبديت. ثالثاً: وهو أنه لو كان خبراً لم يسمع الجرح أصلاً فيبقى قوله: حتّى يتبين جرحه مناقضاً لاستدلاله)). (¬6) سقطت من (ع). (¬7) يقصد به من طريق أبي حاتم كما في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14، وانظر: الجرح والتعديل 2/ 17

ولو سلم أنه خبر لم (¬1) يحتج به؛ إذ لا حصر فيه، فلا ينافيه حمل بعض الفسقة العلم، فإنه إنما (¬2) هو إخبار بأن العدول يحملونه، لا أن غيرهم لا يحمله (¬3). هذا وقد اعتمد جماعة، منهم: ابن سيد الناس ما اختاره ابن عبد البر، وقال الذهبي: إنه حقٌّ (¬4). قال: ولا يدخل فيه (¬5) المستور، فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم، فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث، وأنه معروف بالعناية (¬6) بهذا الشأن، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تليينا (¬7)، ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه، فهذا الذي عناه الحافظ، وإنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح. قال: ومن ذلك إخراج الشيخين لجماعة، ما اطلعنا فيهم على جرح، ولا (¬8) توثيق، فيحتج بهم، لأنهما احتجا بهم (¬9). ثم بين الناظم ما يعرف بالضبط، فقال: (ومن يوافق) دائما، أو (غالبا)، في المعنى، أو في اللفظ، وإن سقط منه لا يغير المعنى (ذا الضبط فضابط) محتج بحديثه، (أو) يوافقه (نادرا فمخطي) ليس بضابط، فلا يحتج بحديثه (¬10). ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) سقطت من (م). (¬3) انظر: فتح المغيث 1/ 325. (¬4) انظر: فتح المغيث 1/ 326 - 327، وتوضيح الأفكار 2/ 126 - 133. (¬5) ((فيه)): سقطت من (م). (¬6) في (ق): ((العناية)). (¬7) في (ص) و (ق): ((تلبيساً)). (¬8) في (ق): ((ولا على)). (¬9) انظر: فتح المغيث 1/ 327. (¬10) قال الإمام الشافعي: ((ومن كثر غلطه من المحدّثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم نقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته)). (الرسالة الفقرة 1044).

268 - وَصَحَّحُوا قَبُوْلَ تَعْدِيْلٍ بِلاَ ... ذِكْرٍ لأسْبَابٍ لَهُ، أنْ تَثْقُلاَ (¬1) 269 - وَلَمْ يَرَوْ قَبُوْلَ جَرْحٍ أُبْهِمَا ... لِلْخُلْفِ في أسبَابِهِ، وَرُبَّمَا 270 - اسْتُفْسِرَ الجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ، كَمَا ... فَسَّرَهُ (شُعْبَةُ) بِالرَّكْضِ، فَمَا 271 - هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الأثَرْ ... كـ (شَيْخَيِ الصَّحِيْحِ) مَعْ أهْلِ النَّظَرْ ثم بين أن هل يجب ذكر سبب الجرح، والتعديل أو لا؟ فقال: (وصصحوا) أي: جمهور أئمة الأثر، من أربعة أقوال: (قبول تعديل بلا ذكر لأسباب له) مخافة (أن تثقلا)، ويشق ذكرها، لأنها كثيرة (¬2)، فمتى (¬3) كلف المعدل ذكرها احتاج أن يقول: يفعل كذا وكذا - عادا ما يلزمه فعله - ولا يفعل كذا وكذا - عادا ما يلزمه تركه - فيطول (¬4). (ولم يروا قبول جرح أبهما) ذكر سببه (¬5) من الجارح، لعدم مخافة ذلك، لأن الجرح يحصل بأمر واحد، و (للخلف) بين الناس (في أسبابه، و) يدل لعدم قبوله مبهما، أنه (ربما استفسر الجرح) ببيان (¬6) سببه من الجارح، (فـ) يذكر ما (لم يقدح) بناءً على ما يعتقد أنه يقدح (¬7). ¬

_ (¬1) في نسخة أوب من متن الألفية: ((يثقلا)). (¬2) وهذا ما صوّبه الخطيب البغدادي في كفايته: (165 ت، 99 هـ‍)، وصحّحه الزركشي في البحر المحيط (4/ 293 - 294) وقال: ((هو المنصوص للشافعي)). (¬3) في (ق): ((ولو)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 15، وفتح المغيث 1/ 328، والرفع والتكميل: 79. (¬5) في (ص): ((سبب)). (¬6) في (ص): ((بيان)). (¬7) لكن قال السبكي في قاعدته التي في الجرح والتعديل: 50 - 51: ((إنّ قولهم: الجرح مقدّم، إنّما يعنون به حالة تعارض الجرح والتعديل، فإذا تعارضا لأمرٍ من جهة الترجيح قدمنا الجرح، لما فيه من زيادة العلم. وتعارضهما هو استواء الظن عندهما، لأن هذا شأن المتعارضين، أما إذا لم يقع استواء الظن عندهما فلا تعارض بل العمل بأقوى الظنين من جرح أو تعديل. وما نحن فيه لم يتعارضا، لأنّ غلبة الظن بالعدالة قائمة. وهذا كما أن عدد الجارح إذا كان أكثر قدم الجرح إجماعاً لأنّه لا تعارض والحالة هذه. ولا يقول منا أحد بتقديم التعديل، لا من قال بتقديمه عند التعارض ولا غيره. =

(كما فسره شعبة) بن الحجاج (بالركض)، حيث قيل له: لم تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون (¬1). مع أنه ليس بقادح، كما أشار إليه بقوله: (فما) ذا يلزم من ركضه، ما لم يكن بموضع، أو على وجه لا يليق، ولا ضرورة تدعو إليه؟ وكما روي عن شعبة أنه أتى المنهال بن عمرو، فسمع صوتا من داره فتركه (¬2). قال ابن أبي حاتم: إنه سمع قراءة بالتطريب (¬3). وكذا قال أبوه - أبو (¬4) حاتم -: إنه سمع قراءةً بألحان، فكره السماع منه (¬5). وقال وهب بن جرير، عن شعبة: أتيت منزل المنهال، فسمعت منه صوت الطنبور (¬6)، فرجعت، ولم أسأله. قال وهب: فقلت له: هَلاّ سألته؟ عسى كأنه لا يعلم (¬7). ¬

_ = وعبارتنا في كتابنا " جمع الجوامع " - وهو مختصر جمعناه في الأصلين، جمع فأوعى -: والجرح مقدّم إن كان عدد الجارح أكثر من المعدل إجماعاً، وكذا إن تساويا، أو كان الجرح أقلّ. وقال ابن شعبان: يطلب الترجيح ... إذا عرفت هذا علمت أنه ليس كل جرح مقدماً)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 16، وفتح المغيث 1/ 328، والرفع والتكميل: 80. (¬1) الكفاية: (182 ت، 110 - 111 هـ‍). والبرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، يعرف باسم (الكديش). انظر: معجم متن اللغة 1/ 269، والمعجم الوسيط: 48. (¬2) الجرح والتعديل1/ 153و8/ 357، وبنحوه الخطيب في الكفاية (183ت، 112 هـ‍)، والضعفاء 4/ 237. (¬3) الجرح والتعديل 8/ 357. (¬4) لم ترد في (ع). (¬5) الجرح والتعديل 1/ 153. (¬6) في (ق): ((الطيور)). (¬7) الكفاية: (183 ت، 112 هـ‍)، والضعفاء 4/ 237، وتهذيب التهذيب 10/ 320. قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 363 عقب 1107) - معقّباً على ابن أبي حاتم - بعد أن ذكر كلامه: ((هذا ليس بجرحة، إلا أن يتجاوز إلى حدّ يحرم، ولم يذكر ذلك في الحكاية، ولا أيضاً فيما بشع من هذه الحكاية، وذلك ما ذكر العقيلي عن وهب قال: سمعت شعبة يقول: أتيت منهال ... فهذا -كما ترى- التعسف فيه ظاهر، ولا أعلم لهذا الحديث علة غير ما ذكرت، فاعلمه)) انتهى. وقال البقاعي في النكت: 200 /ب: ((والورع ما فعل شعبة لأنّ الطنبور لا يضرب في بيت أحد إلا بعلمه أو بأن يعرف أهله منه السماح فيما يقارب ذلك من خوارم المروءة إن لم يكن مفسقاً ... الخ)).

فهذا لا يقدح في الثقة، ولهذا قال ابن القطّان عقب كلام ابن أبي حاتم: هذا ليس بجرح إلا أن يتجاوز إلى حد يحرم (¬1)، ولم (¬2) يصح ذلك عنه. انتهى. وقد وثقه جماعة، منهم: ابن معين، والنسائي، واحتج به البخاري (¬3)، بل وعلق له من رواية شعبة نفسه عنه في باب ((ما يكره من المثلة من الذبائح)) (¬4). فلم يترك شعبة الرواية عنه، وذلك إما لأنه سمعه منه قبل ذلك، أو لزوال المانع منه عنده (¬5). فبان بما ذكر: أن البيان مزيل لهذا المحذور، ومبين لكونه قادحا، أو غير قادح، وأن ذلك لا يوجب الجرح. (هذا) القول المفصَّل هو (الذي عليه) الأئمة (حفاظ الأثر)، ونقاده، كما أفاده أيضا قوله: (وصححوا) (كـ: شيخي الصحيح) البخاريّ، ومسلم (مع) -بالإسكان- (أهل النّظر)، كالشافعيِّ (¬6). وقال ابن الصلاح: ((إنه ظاهر مقرر في الفقه وأصوله)) (¬7). وقال الخطيب: إنه الصواب عندنا (¬8). والقول الثاني: عكسه؛ فيشترط ذكر سبب التعديل دون الجرح؛ لأن أسباب العدالة يكثر التصنع (¬9) فيها، فيبني المعدل على الظاهر، كقول أحمد بن يونس، لمن (¬10) ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام 3/ 363 عقب (1107)، وعبارة: ((لم يصح ذلك عنه)) لم ترد في المطبوع. (¬2) في (م): ((لا)). (¬3) انظر: تهذيب الكمال 7/ 239 (6805). (¬4) صحيح البخاريّ 7/ 122 (5515). (¬5) فتح المغيث 1/ 330. (¬6) الكفاية: (178 - 179 ت، 108 هـ‍). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 255. (¬8) الكفاية: (179 ت، 108 هـ‍)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20. (¬9) في (ص): ((الصنع)). (¬10) في (ق): ((لما)).

قال له: عبد الله العمري ضعيف: إنما يضعفه رافضي، مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته، وخضابه، وهيئته، لعرفت أنه ثقة (¬1). فاحتج على ثقته بما ليس بحجة؛ لأن حسن الهيئة يشترك فيه العدل، وغيره (¬2). والثالث: أنه لابد من ذكر سببهما معا للمعنيين المتقدمين، فكما يجرح الجارح بما لا يقدح، كذلك يوثق المعدل (¬3) بما لا يقتضي العدالة (¬4)، كما مَرَّ (¬5). والرابع: عكسه إذا كان الجرح أوالتعديل من عالم بصير به، كما سيأتي مع انتقاد كونه قولا (¬6) مستقلا بما فيه (¬7). 272 - فَإنْ يُقَلْ: (قَلَّ بَيَانُ مَنْ جَرَحْ) ... كَذَا إذَا قَالُوا (¬8): (لِمَتْنٍ لَمْ يَصِحْ) 273 - وَأبْهَمُوا، فَالشَّيْخُ قَدْ أجَابَا ... أنْ يَجِبَ الوَقْفُ إذا اسْتَرَابا 274 - حَتَّى يُبِيْنَ بَحْثُهُ قَبُوْلَهْ ... كَمَنْ أُوْلُو الصَّحِيْحِ خَرَّجُوا لَهْ 275 - فَفي (البُخَارِيِّ) احتِجَاجاً (عِكْرِمَهْ) ... مَعَ (ابْنِ مَرْزُوْقٍ)، وَغَيْرُ تَرْجُمَهْ 276 - وَاحْتَجَّ (مُسْلِمٌ) بِمَنْ قَدْ ضُعِّفَا ... نَحْوَ (سُوَيْدٍ) إذْ بِجَرْحٍ مَا اكتَفَى (فإن يقل) على القول بأن الجرح لا يقبل إلا مفسرا: قد (قَلَّ) فيما ينقل عن أئمة الحديث في الكتب المعول عليها في الرواة (¬9) (بيانُ) سبب جرح (منْ جرحْ)، ¬

_ (¬1) المعرفة والتاريخ 2/ 665، والكفاية: (165 ت، 99 هـ‍). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19، فتح المغيث 1/ 333. (¬3) في (ق): ((الموثق)). (¬4) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 18: ((حكاه الخطيب والأصوليون)). انظر: الكفاية: (179 - 180ت، 108 - 109 هـ‍)، والبحر المحيط 4/ 294. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 18 - 19، وفتح المغيث 1/ 333. (¬6) لم ترد في (ق) و (ص). (¬7) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19. (¬8) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((إذا قيل)). (¬9) في (ق): ((الراوية)).

بل اقتصروا فيها غالبا على مجرد قولهم: فلان ضعيف، أو ليس به بأس (¬1)، أو نحوه. و (كذا) قل بيانهم سبب ضعف الحديث (إذا قالوا) في كتبهم (لمتن) (¬2) أي: حديث: إنه (لم يصح)، بل اقتصروا فيها غالبا أيضا على مجرد قولهم (¬3): هذا حديث (¬4) ضعيف، أو غير ثابتٍ، أو نحوه. (وأبهموا) بيان السبب في الأمرين: فاشتراط بيانه يفضي إلى تعطيل (¬5) ذلك وسد باب الجرح في الأغلب (¬6). (فالشيخ) ابن الصَّلاح (¬7) (قد أجابا) عن ذلك بـ (أَنْ يجبَ الوقفُ) أي: بأنَّا وإنْ لَمْ نَعْتَمِدْهُ فِي إثباتِ الجرحِ، لَكنَّا نعتمِدُهُ فِي أنَّا نتوقَّفُ عَنِ الاحتجاجِ بالرَّاوِي، أَوْ بالحديثِ (¬8) (إذَا) وَفِي نُسخةِ ((إذ)) (استَرابا) أي: لأجلِ الريبةِ القويةِ الحاصِلةِ بِذَلِكَ. ويستمرُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ واقفاً (حَتَّى يُبِيْنَ) - بضمِّ الياء، من أَبَاْنَ - أي: يُظهِرَ (¬9) (بحثُهُ) عَنْ حالِ ذَلِكَ الرَّاوِي، أَوْ الحَدِيْثِ (قبولَهْ)، والثِّقةَ بعدالتِهِ، بحيثُ لَمْ يؤثّرْ مَا وقفَ عَلَيْهِ فِيهِ من الجرحِ، أَوْ التضعيفِ (¬10). (كمَنْ) أي: كَالَّذِي مِنَ الرُّواةِ (أُولُو) أي: أصحابُ (الصَّحِيحِ) البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وغيرُهما (خرَّجوا) فِيهِ (لَهْ) مَعَ أنَّه ممَّنْ مسَّهُ من غيرِهم جرحٌ مُبْهَمٌ. ثُمَّ قَالَ: ((فافْهَم ذَلِكَ، فإنَهُ مَخْلَصٌ حَسَنٌ)) (¬11). ¬

_ (¬1) في (ع): ((أو ليس بشيء)). (¬2) في (م): ((المتن)). (¬3) في (م): ((قوله)). (¬4) ((حديث)): لم ترد في (ع). (¬5) في (ص): ((تعليل)). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 21، وفتح المغيث 1/ 333. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 256. (¬8) في (ق): ((والحديث)). (¬9) في (ق): ((أظهر)). (¬10) انظر: فتح المغيث 1/ 333. (¬11) معرفة أنواع علم الحديث: 256.

(ففي البُخَارِيِّ احْتِجَاجاً عِكْرِمَهْ) أي: فعِكْرِمَةُ التَّابِعيُّ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ مُخرَّجٌ لَهُ فِي"صَحِيْح البُخَارِيِّ" عَلَى وَجْهِ الاحتجاجِ بِهِ (¬1)، فَضْلاً عَنْ المتَابعاتِ، ونحوِها، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الكلام، لتَبَيُّنِ أنَّه ثقةٌ (¬2)، (مَعَ ابنِ مَرْزوقٍ) عَمْرٍو الباهِليّ (¬3)، لَكِنْ متابعةً، لا احتجاجاً. (وغيرُ) بالرفع عَطفاً عَلَى ((عِكْرِمةَ))، وبالجرِّ عَطفاً عَلَى ((ابنِ مَرْزُوقٍ)) مضافاً فِيْهِمَا إلى (تَرْجَمَهْ) بِجَعْلِها اسماً مُراداً بِها الرَّاوِي الذي خرَّجَهُ البُخَارِيُّ، أطلَقَتْ عَلَيْهِ مَجازاً عَن الْمَصْدَرِ الواقعِ عَلَيْهِ، والمعنى: وغيرُ راوٍ، كإسماعيلَ بنِ أبي أُوَيْسٍ (¬4)، وَعَاصمِ بنِ عَلِيٍّ (¬5). (و) كَذَا (احتجَّ مُسْلِمٌ بمَنْ قَدْ ضُعِّفَا) من غيرِهِ (نَحْوَ سُوَيْدٍ) هُوَ ابن سعيدٌ (إِذْ ب‍) ‍مُطْلَقِ (جرحٍ مَا اكتَفَى) مُسْلِمٌ، كالبخاريِّ؛ لأنَّ سُوَيداً صَدوقٌ فِي نفسِهِ، كَمَا قالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ (¬6). وأكثرُ مَنْ فسَّر الجرحَ فِيهِ، ذَكَرَ أنَّهُ لما عَمِيَ ربَّما يُلقَّنَ (¬7) الشيءَ، وهذا وإن كَانَ قادحاً، فإنَّما يَقْدَحُ فِيْمَا حدَّثَ بِهِ بَعْدَ العَمَى، لا فِيْمَا قَبْلَهُ (¬8). ¬

_ (¬1) ((به)): سقطت من (ع). (¬2) انظر: ترجمته في تهذيب الكمال 5/ 209 (4598)، وقد أطال الكلام عنه ابن حجر في هدي الساري 425 - 430 فانظره تجد فائدة. (¬3) هو أبو عثمان عمرو بن مرزوق الباهلي البصري، ثقة له أوهام، أثنى عليه أبو حاتم وغيره، توفي سنة (224 هـ‍). (الجرح والتعديل 6/ 263، والكاشف 2/ 88 (4228)، والتقريب (5110). (¬4) هو أبو عبد الله إسماعيل بن عبد الله بن أويس الأصبحي المدني، ابن اخت الإمام مالك مكثر فيه لين وله أخطاء، أفحش النسائي القول فيه، توفي سنة (226 هـ‍). الكامل 1/ 525، وتذكرة الحفاظ 1/ 409، والتقريب (460). (¬5) هو أبو الحسين عاصم بن علي الواسطي، عالم صاحب حديث من أئمة السنة، صدوق ربّما وهم، توفي سنة (221 هـ‍). تاريخ بغداد 12/ 247، وميزان الاعتدال 2/ 354، والتقريب (3067). (¬6) هو سويد بن سعيد بن سهل الهروي أبو محمد الحدثاني، صدوق في نفسه، إلا أنّه عمي فصار يتلقن، أغلظ القول فيه ابن معين، توفي سنة (240 هـ‍). ميزان الاعتدال 2/ 248، والتقريب (2690)، وطبقات المدلسين: 50. (¬7) في (م): ((تلقن)). (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24، وفتح المغيث 1/ 334.

ولعلَّ مسلماً إنَما خرَّجَ عَنْهُ مَا عَرَفَ أنَّهُ حدَّثَ بِهِ قَبْلَ عَمَاهُ (¬1)، أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَهُ بنزولٍ طلباً للعلوِّ، لا مَا تفرَّدَ بِهِ (¬2). قَالَ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي طالبٍ: قُلْتُ لمسلمٍ: كَيْفَ استجزْتَ الرِّوَايَةَ عَنْ سويدٍ فِي " الصَّحِيحِ "؟ فَقَالَ: ومِنْ أين كنتُ آتي بنسخةِ حَفْصٍ (¬3). وذلك أنَّ مُسلماً لَمْ يروِ فِي "صَحِيْحِهِ" عَنْ أَحَدٍ ممَّنْ سَمِعَ حَفْصاً إلا عَنْ سُويدٍ، ورَوَى فِيهِ عَنْ واحدٍ، عَنْ ابنِ وهْبٍ، عَنْ حَفْصٍ (¬4). 277 - قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ (أبُو المَعَاليْ) ... واخْتَارَهُ تِلْمِيْذُهُ (الغَزَاليْ) 278 - و (ابْنُ الخَطِيْبِ) الْحَقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... أطْلَقَهُ العَالِمْ (¬5) بِأسْبَابِهِمَا 279 - وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ ... مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ (قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ) فِي ردِّ السؤَالِ، إمامُ الحرمينِ (أَبُو الْمَعَاليْ)، فِي كتابه " البُرْهانِ " (¬6)، (واختارَهُ تلميذُهُ) أَبُو حَامدٍ (¬7) (الغزاليْ، و) الإمامُ فخرُ الدينِ (ابنُ الخطيبِ) الرازيُّ (¬8): (الحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا أطْلَقَهُ العالِمْ) - بإسكان الميمِ من (يُحكمْ) و (العالِمْ) - (بأسْبابِهِما) أي: بأسباب الجرحِ والتعديل مِن غَيْرِ بيانٍ لَهَا. واختارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الباقلاَّنيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24. (¬2) انظر: المصدر السابق. (¬3) هُوَ حفص بن ميسرة، وهذا النص نقله الذهبي في الميزان 2/ 250 (3621)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27، وفتح المغيث 1/ 334. (¬5) سكن لضرورة الوزن، وسينبه على ذلك الشارح. (¬6) البرهان 1/ 400. (¬7) المستصفى 1/ 162. (¬8) المحصول 2/ 201، وطبعة العلواني 2/ 1/587. (¬9) انظر: الكفاية: (179 ت، 108 هـ‍).

وَلَمّا كَانَ هَذَا مُخالفاً لما اختاره ابنُ الصلاحِ من كونِ الجرحِ المبهمِ، لا يقبلُ، وَهُوَ عينُ القولِ الرابعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: التاجُ السبكيُّ. لَيْسَ هَذَا قولاً مستقلاً، بَلْ تحريرٌ لمحلِّ النزاعِ؛ إِذْ مَنْ لا يكونُ عالِماً بأسبابهِما لا يُقبلانِ مِنْهُ، لا بإطلاقٍ، ولا بتقييدٍ؛ لأنَّ الحُكْمَ عَلَى الشيءِ فرعُ تصوُّرِهِ. أي: فالنِّزاعُ فِي إطلاقِ العالمِ دُوْنَ إطلاقِ غيرِهِ، وهذا إنْ سُلِّم، فَلا نُسلِّمُ أنَّ تقييدَ غَيْرِ العالمِ بِهما - أي: تفسيرَهُ لَهُمَا - لا يُقبلُ (¬1). واختارَ شَيْخُنا: أنَّه إنْ لَمْ يَخْلُ المجروحُ عَنْ تعديلٍ، لَمْ يقبلِ الجرحُ فِيهِ إلا مفسَّراً، وإن خلا عَنْ ذَلِكَ، قُبل فِيهِ مُبْهَماً إذَا صَدَرَ مِن عارِفٍ؛ لأنَّه إذَا خَلا عَن ذَلِكَ، فَهُوَ فِي حَيِّزِ المَجْهولِ، وإعمالُ قولِ المجرِّح أَوْلى مِن إهمالِهِ. قَالَ: وَمَالَ ابنُ الصَّلاحِ فِي مثلِ هَذَا إلى التوقُّف. انتهى (¬2). ثُمَّ بيَّنَ حكمَ تعارضِ الجرحِ والتعديلِ فِي راوٍ واحدٍ، فَقَالَ: (وَقَدَّمُوا) أي: جُمْهُورُ أئمةِ الأثرِ (الجَرْحَ) عَلَى التعديلِ، وإنْ كَانَ المعدِّلُ أكثرَ عَدداً؛ لأنَّ مَعَ الجارحِ زيادةَ عِلْمٍ لَمْ يَطَّلِع عَلَيْهَا المعدِّلُ؛ ولأنَّه مصدِّقٌ لِلمُعدِّلِ فِيْمَا أَخبرَ بِهِ مِن ظاهرِ حالِهِ، ويخبرُ عَنْ أمرٍ باطنٍ خَفِيَ عَلَى المعدِّلِ (¬3). نَعَمْ، إن لَمْ يفسِّرِ الجرحَ، أَوْ قَالَ المعدِّلُ: عَرفْتُ السببَ الذي ذكرَهُ الجارحُ، لكنَّهُ تابَ مِنْهُ، قُدِّمَ التعديلُ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي الكذبِ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كَمَا سَيأتي فِي مَحَلِّهِ. وَقَالَ ابنُ دقيقِ العيدِ فِي الأَوَّلِ (¬4): الأقوى طلبُ الترجيحِ، لأنَّ كلاً مِنْهُمَا ينفي قَوْلَ الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث 1/ 335. (¬2) شرح النخبة: 193 - 194. (¬3) انظر: الكفاية: (177 ت، 107 هـ‍)، وجامع الأصول 1/ 128، والمحصول 2/ 201، وطبعة العلواني 2/ 1/588، والإحكام 2/ 317، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 28، وفتح المغيث 1/ 336. (¬4) الاقتراح: 337.

وَلَوْ نفى المعدِّلُ الجرحَ بطريقٍ مُعْتَبرٍ، كأنْ يَقُول عِنْدَ التجريحِ بقتلِهِ لفلانٍ يومَ كَذَا: أنا رأيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اليومِ، وَهُوَ حيٌّ، تعارضا لعدمِ (¬1) إمكانِ الجمعِ؛ فيطلبُ الترجيحُ (¬2). (وَقِيلَ: إنْ ظَهَرْ مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ) بنصبهِ حالاً، بزيادةِ ((ال)) - أي: إنْ ظهرَ المعدِّلون أكثرَ عدداً، (فَهْوَ) أي: التعديلُ (المُعْتبرْ)؛ لأنَّ الكَثْرَةَ تقوِّي الظنَّ، والعملُ بأقوى الظنَّينِ واجبٌ، كَمَا فِي تَعارضِ الخبرينِ (¬3). قَالَ الخطيبُ: وَهَذا خَطأٌ؛ لأنَّ المُعدِّلينَ، وإن كَثروا، لا يُخبِرونَ، بعدمِ مَا أخبر بهِ الجارِحونَ، وَلَوْ أخبروا بِهِ وقالوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَمْ يقع مِنْهُ، لَمْ يصحَّ لأنَّها شَهادةٌ عَلَى نفيٍ محضٍ (¬4). ولأنَّ تقديمَ الجرحِ، إنَّما هُوَ لتضمُّنِهِ زيادةً خَفِيَتْ عَلَى المعدِّلِ، وذلك موجودٌ مَعَ زيادةِ عددِ المعدِّلِ. وَقِيلَ: إنَّهمَا حينئذٍ (¬5) يتعارضانِ، فيُطلبُ الترجيحُ لزيادةِ قوةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِن وَجْهٍ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الأحفظُ (¬6). 280 - وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ ... بِهِ (الخَطِيْبُ) والفَقِيْهُ (الصَّيْرَفِيْ) 281 - وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا: ... حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالاَ: 282 - جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ ... أُسَمِّ، لاَ يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ 283 - وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ ... مِنْ عَالِمٍ فِي حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ التعديلِ المبْهَمِ، والرِّواية عَنِ المعيَّنِ بِلا تعديلٍ، وغيرِهما، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) في (ع): ((بعدم)). (¬2) نزهة النظر: 193 - 194. (¬3) انظر: فتح المغيث 1/ 337. (¬4) الكفاية: (177 ت، 107 هـ‍)، وانظر: المحصول 2/ 201. (¬5) في (ق): ((حين)). (¬6) انظر: فتح المغيث 1/ 338.

(وَمُبْهَمُ التَّعْدِيلِ) أي: تعديلِ المبهَمِ، (لَيْسَ يَكْتَفِي بِهِ) أَبُو بَكْرٍ (الخطيبُ) (¬1)، وأبو نَصْرِ بنُ الصَّبَّاغِ، (والفقيهُ) أَبُو بكرٍ (الصَّيْرَفِيْ)، وغيرُهُم (¬2)؛ إِذْ لا يلزمُ من كونِهِ عدلاً عِنْدَهُ أَنْ يكونَ عِنْدَ غيرِهِ كَذلِكَ، فلَعَلَّهُ إذَا سمَّاهُ يَكُونُ ممَّنْ جرَّحَهُ غيرُهُ بجرحٍ قادحٍ، بَلْ إضرابُه عَنْ تسميتِهِ ريبةٌ توقعُ تردُّداً فِي القلبِ (¬3). (وَقِيلَ: يَكْفِي (¬4)) تَعْدِيلُهُ، كَمَا لَوْ عيَّنَه؛ لأنَّه مَأمونٌ فِي الحالينِ، وَهُوَ ماشٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يحتجُّ بالمرسلِ، وأولى بالقَبولِ. (نَحْو أَنْ يُقالا) بألفِ الإطلاقِ: (حَدَّثَني الثقةُ)، أَوْ العَدْلُ. (بَلْ) صرَّحَ الخطيبُ بأنَّه (لَوْ قالا) بألفِ الإطلاق - أَيْضاً: (جَمِيْعُ أشياخي ثقاتٌ) و (لَوْ لَمْ أُسَمِّ‍) ـِهمْ، ثُمَّ رَوَى عمَّنْ لَمْ يُسمِّهِ، (لا يُقْبَلُ) أَيْضاً (مَنْ قَدْ أبْهَمْ)؛ لما ذكر فِيْمَا قبلَهُ. وإنْ كَانَ أعلى مِنْهُ، كَمَا أفادَهُ كلامُهُ؛ لأنَّ (¬5) التعديلَ بِهِ إخبارٌ مستقلٌ بخلافِهِ بما (¬6) قبلَهُ. أما إذَا قَالَ: كُلُّ مَنْ أَرْوِي لكم عَنْهُ، وأُسمِّيهِ، فَهُوَ عَدْلٌ رِضًا (¬7)، كَانَ تعديلاً مِنْهُ، لِكلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وسمَّاهُ، كَمَا جزمَ بِهِ الخطيبُ (¬8). وَقِيلَ: يَكفي تعديلُ المبْهَمِ (¬9) مِن عالمٍ لا مِن غَيْرِهِ. ¬

_ (¬1) الكفاية: (155 ت، 92 هـ‍). (¬2) منهم الشاشي، وأبو الطيب الطبري، وأبو إسحاق الشيرازي، والماوردي، والروياني، نقله عنهم الزّركشيّ في البحر المحيط 4/ 291. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 30. (¬3) انظر: الكفاية: (154 - 155 ت، 92 هـ‍) و (551 - 553 ت، 388 - 389 هـ‍)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 30 - 31. (¬4) في (م): ((يكتفي)). (¬5) في (م): ((بأن)). (¬6) في (ق): ((فيما)). (¬7) في (ع): ((رضي)). (¬8) الكفاية: (154 - 155 ت، 92 هـ‍). (¬9) بعد هذا في (ص): ((إن صدر)).

كَمَا قَالَ: (وبعضُ مَنْ حقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ) أي: تعديلُ المبْهَمِ (¬1). إنْ صدرَ (من عالمٍ) أي: مُجْتهدٍ، كمالكٍ والشافعيِّ (فِي حقِّ مَنْ قَلَّدَهُ) فِي مذهبِهِ، كقولِهِ: ((حَدَّثَني الثقةُ)). فحيثُ رَوَى مالكٌ عَنِ الثقةِ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ، فالثقةُ مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنْ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، فَهُوَ عبدُ الله بنُ وَهْبٍ، وَقِيلَ: الزهريُّ، وَقِيلَ: ابنُ لَهِيْعَةَ (¬2). وَحَيْثُ رَوَى الشَّافِعيُّ عَنْ الثقةِ، عَنِ ابنِ أبي ذئبٍ، فَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي (¬3) فديك، أَوْ عَنِ الثِّقَةِ عَنِ (¬4) الليثِ بنِ سَعْدٍ، فَهُوَ يَحْيَى بنُ حسَّانَ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنِ الوليدِ بنِ كثيرٍ، فَهُوَ أَبُو أسامةَ، أَوْ عَنِ الثِّقَةِ، عَنِ الأوزاعيِّ، فَهُوَ عَمْرُو بنُ أبي سَلَمَةَ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنِ ابنِ جُريجٍ، فَهُوَ مسلمُ بنُ خالدٍ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنْ صالحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، فَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي يَحْيَى (¬5). وخرج ب‍‍ (مَنْ قلَّدَهُ) غيرُهُ؛ فَلا يقبلُ فِي حقِّه؛ لأنَّ المجتهدَ لا يورِدُ الخبرَ بِذَلِكَ (¬6) احتجاجاً بِهِ عَلَى غَيْرهِ، بَلْ يورِدُ لأصْحابِهِ لبيانِ قيامِ الحُجَّةِ بِهِ عندَهُ، وَقَدْ عَرَفَ هُوَ مَنْ رَواهُ عَنْهُ (¬7). ¬

_ (¬1) هكذا أبهمه ابن الصّلاح ولم يبين الشارح ولا النّاظم من هو المحقق، لكن السخاوي في فتح المغيث 1/ 339 قال: ((ولعله إمام الحرمين)). (¬2) قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: 547 - 548: ((مالك: أخبرنا الثقة، عن عمرو بن شعيب، قيل: هو عمرو بن الحارث، أو ابن لهيعة. وعن الثقة عنده عن بكير بن الأشج، قيل: هو مخرمة بن بكير. وعن الثقة، عن سليمان بن يسار. وعن الثقة، عن ابن عمر، هو: نافع، كما في موطّأ ابن القاسم)). قلنا: والأحاديث التي في الموطأ من رواية يحيى التي فيها مالك: عن الثقة، هي: ((380، 724، 1479، 1781، 2449، 2767، 2800)). وانظر تدريب الرّاوي 1/ 312 - 313. (¬3) ((أبي)): سقطت من (ق). (¬4) في (م): ((من)). (¬5) ترجمته في ميزان الاعتدال1/ 57، وانظر: النكت الوفية: 206/ أ، وتعليقنا على مسند الشّافعيّ حديث (2). (¬6) في (ق): ((كذلك)). (¬7) انظر: فتح المغيث 1/ 340.

284 - وَلَمْ يَرَوْا فُتْيَاهُ أوْ عَمَلَهُ ... ?عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ- تَصْحِيْحاً لَهُ 285 - وَلَيْسَ تَعْدِيلاً عَلَى الصَّحِيْحِ ... رِوَايَةُ العَدْلِ عَلَى التَّصْرِيْحِ (وَلَمْ يَرَوْا) أي: جُمْهُورُ أئِمَّةِ الأثرِ (فُتْيَاهُ) أي: فَتْواهُ، كَمَا هُوَ بِخطِّهِ أي: العالِمُ مُجتهداً أَوْ مُقلِّداً (أَوْ عَمَلَهُ عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ) أي: الحَدِيْثِ الوارد فِي ذَلِكَ المَعْنَى (تَصْحِيْحاً لَهُ)، ولا تعديلاً لراويهِ؛ لإمكانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احتياطاً، لدليلٍ آخرَ وافقَ ذَلِكَ الحديثَ (¬1)، أَوْ لكونِهِ مِمَّنْ يَرى العملَ بالضَّعيفِ، وتقديمَهُ عَلَى القياسِ. وَقِيلَ: هُوَ تعديلٌ، وَهُوَ مَا رجَّحَهُ الأُصُوليُّونَ (¬2)، وَقياسُهُ ترجيحُ أنَّه تَصْحيحٌ أَيْضاً عِنْدَهُم. (وَلَيْسَ تَعْدِيلاً) لِمَنْ يَرْوِي عَنْهُ الْعَدلُ مطلقاً، (عَلَى الصَّحِيحِ) الذي عَلَيْهِ أكثرُ العلماءِ مِنَ المُحدِّثينَ (¬3)، وغيرِهِم (رِوَايَةُ العدلِ عَلَى) وَجْهِ (¬4) (التَّصْرِيْحِ) باسمِهِ؛ لأنَّه يَجوزُ أنْ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ (¬5). ومُقَابِلُ الصَّحِيحِ قَوْلانِ: أحدُهما: أنَّها تعديلٌ مُطْلَقاً؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه لا يَرْوِي إلاّ عَنْ عَدْلٍ، إِذْ لَوْ عَلِمَ فِيهِ جَرْحاً لذكرَهُ، لئلا يَكُونَ غَاشّاً فِي الدِّينِ (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34. (¬2) انظر: المصدر السابق 2/ 35. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 260، وبه جزم الماوردي، والرّوياني، وابن القطّان، ونقله القاضي في التقريب عن الجمهور، وقال: إنّه الصحيح، انظر: البحر المحيط4/ 290. (¬4) في (ق): ((ولو على وجه)). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 35، وفتح المغيث 1/ 342، وتدريب الرّاوي 1/ 314. (¬6) هذا القول حكاه الخطيب في الكفاية: (150 ت، 89 هـ‍)، وبه قال الحنفية، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وفي النقل عن الإمام الشّافعيّ خلاف، ونسبه الشيرازي إلى بعض الشافعية، وهو اختيار الآمدي، ونقله الإسنوي عن ابن الحاجب. انظر: اللمع: 47، والتبصرة في أصول الفقه: 319، وإحكام الأحكام 2/ 80، ونهاية السول 3/ 48، ودراسات في الجرح والتعديل: 209.

وَرَدَّهُ الخطيبُ (¬1): بأنَّه قَدْ لا يعلمُ عدالتَهُ، ولا جَرْحَهُ، كَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ جَمَاعَةٌ مِنَ العدولِ الثِّقاتِ روَوْا عَنْ ضعفاء (¬2)؟ والثاني: أنَّها تعديلٌ لَهُ إنْ علمَ أنَّه لا يَرْوِي إلا عَنْ عدلٍ، وإلاّ فَلاَ. وهذا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الأُصوليينَ، كالآمِدِيِّ (¬3)، وابنِ الحاجبِ (¬4) وَأَمّا روايةُ غيرِ العدلِ (¬5)، فليست تَعْديلاً اتّفاقاً. وخَرَجَ بالتَّصْريحِ بِاسمِهِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، فَلا يَكُونُ تَعْديلاً جَزْماً، بَلْ لَوْ عدَّلَ مُبْهَماً، لَمْ يُكتَفَ بِهِ، كَمَا مَرَّ (¬6). 286 - وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُقْبَلُ المَجْهُوْلُ؟ ... وَهْوَ -عَلَى ثَلاَثَةٍ- مَجْعُوْلُ 287 - مَجْهُوْلُ عَيْنٍ: مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ ... وَرَدَّهُ الأكْثَرُ، وَالقِسْمُ الوَسَطْ: 288 - مَجْهُوْلُ حَالٍ بَاطِنٍ وَظَاهِرِ ... وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ لَدَى الجَمَاهِرِ، 289 - وَالثَّالِثُ: المَجْهُولُ لِلعَدالَهْ ... في بَاطِنٍ فَقَطْ. فَقَدْ رَأَى لَهْ 290 - حُجِّيَّةً -في الحُكْمِ-بَعْضُ مَنْ مَنَعْ ... مَا قَبْلَهُ، مِنْهُمْ (سُلَيْمٌ) فَقَطَعْ 291 - بِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّ العَمَلا ... يُشْبِهُ أنَّهُ عَلَى ذَا جُعِلا 292 - في كُتُبٍ منَ الحَدِيْثِ اشْتَهَرَتْ ... خِبْرَةُ بَعْضِ مَنْ بِهَا تَعَذَّرَتْ 293 - في بَاطِنِ الأمْرِ، وبَعْضٌ يَشْهَرُ ... ذَا القِسْمَ مَسْتُوْراً، وَفِيْهِ نَظَرُ ¬

_ (¬1) الكفاية: (150 ت، 89 هـ‍). (¬2) في (ق): ((الضعفاء)). (¬3) الإحكام 2/ 319، وعبارته: ((إن عرف من قول المزكي أو عادته أنه لا يروي إلا عن العدل فهو تعديل)). (¬4) منتهى الوصول: 80، وعبارته: ((وإن كانت عادته أنه لا يروي إلا عن العدل، فتعديل وإلا فلا)). وكذلك قال الرّازيّ في المحصول 2/ 202، ونقله الزّركشيّ عن إمام الحرمين، وابن القشيري، والغزالي، والصفي الهندي، والمازري، وقال: هو قول الحذاق. انظر: البحر المحيط 4/ 289. (¬5) في (م): ((العدول)). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 36.

(واخْتَلَفُوا) أي: العُلَمَاءُ (هَلْ يُقْبَلُ) الرَّاوِي (الْمَجْهُولُ؟ وَهْوَ عَلَى) أقسامٍ (ثَلاَثَةٍ مَجْعُولُ): الأَوَّلُ: (مَجْهُوْلُ عَينٍ)، وَهُوَ: (مَنْ لَهُ راوٍ) أي: مَنْ لَمْ يَروِ عَنْهُ إلاّ راوٍ (فَقَطْ)، وسمَّاه الرَّاوِي، كجَبَّارٍ الطائيِّ، وعبدِ اللهِ بنِ أعزَّ - بالزاي - فإنَّ كلاً مِنْهُمَا لَمْ يروِ عَنْهُ إلاّ أَبُو إسحاقَ السَّبِيْعِي (¬1). (وَرَدَّه) أي: مَجْهُوْلَ العينِ (الأكثرُ) مِنَ العلماءِ، فَلا يقبلونه مطلقاً، وَهُوَ الصَّحِيحُ، للإجماعِ عَلَى عَدمِ قبولِ غَيْرِ العَدْلِ، والْمَجْهُولُ لَيْسَ عدلاً، ولا فِي معناه فِي حصولِ الثقةِ بِهِ (¬2). ولأنَّ الفِسْقَ مانعٌ مِنَ القَبولِ كالصِّبا والكفرِ، فيكونُ الشَّكُّ فِيهِ مَانعاً مِن ذَلِكَ، كَمَا أنَّه فِيْهِمَا كَذلِكَ. وَقِيلَ: يقبلُ مطلقاً (¬3)، لقولِهِ تَعَالَى: {إنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوْا} (¬4) أي: فتثبَّتوا، كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي السبْعِ (¬5). فأوجَبَ التثبُّتَ عِنْدَ وجودِ الفِسْقِ، فعند (¬6) عَدَمِهِ، لا يجبُ التثبُّتُ، فيجبُ العَمَلُ بقولهِ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38 - 39. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37. (¬3) نقله أبو إسحاق الشيرازي في اللمع: 46 عن أبي حنيفة وأصحابه، ونقله البلقيني في محاسن الاصطلاح: 225 عن أبي حنيفة أيضاً. وقد أفاض النسفي في تعليل مذهب أبي حنيفة في قبول مثل هذا في كشف الأسرار 2/ 30، ولكن من يمعن النظر فيه يجد أن مذهب الحنفية يقيّد قبول ذلك في القرون الثلاثة الأولى الفاضلة؛ لأنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - شهد بخيريتهم حين قال: ((خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم)). البخاري 8/ 113 (6429) فنسبة الإطلاق إلى أبي حنيفة وأصحابه خطأ. (¬4) سورة الحجرات: 6. (¬5) انظر: معجم القراءات القرآنية 6/ 220. (¬6) في (م): ((وعند)). (¬7) انظر: فتح المغيث 1/ 355.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَشْهوراً فِي غَيْرِ العِلْمِ، كالزُّهْدِ، والنَّجدةِ (¬1)، قُبِلَ، وإلاّ فَلاَ (¬2). وَقِيلَ: إنْ (¬3) زكَّاهُ أحدٌ مِنْ أئِمَّةِ الجَرْحِ والتعديلِ -وَلَوْ كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ- قُبِلَ، وإلاّ فَلاَ (¬4). وَصَحَّحَهُ شَيْخُنا (¬5). وَقِيلَ: إن كَانَ المنفردُ بالروايةِ عَنْهُ لا يَرْوِي إلاّ عَنْ عَدلٍ - واكتفينا فِي التعديلِ بواحدٍ - قُبِلَ، وإلاّ فَلاَ (¬6). (وَالْقِسْمُ الْوَسَطْ) أي: الثَّانِي: (مَجْهُوْلُ حَالٍ (¬7) بَاطنٍ، وظَاهرِ) مِنَ العدالةِ والجَرحِ، مَعَ معرفةِ عَينِهِ بروايةِ عَدلينِ عَنْهُ. (وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ) فَلا يقبلُ مطلقاً أَيْضاً (لَدَى) أي: عِنْدَ (الجَمَاهِرِ) (¬8) مِنَ العُلَمَاءِ (¬9). وَقِيلَ: يُقبلُ مُطْلَقاً، وإن لَمْ تُقبلْ رِوَايَةُ (¬10) القِسْمِ الأَوَّلِ (¬11). ¬

_ (¬1) النجدة: هي الشجاعة والنصرة وسرعة الإغاثة. انظر: تاج العروس 9/ 201 (نجد)، ومتن اللغة 5/ 402، والمعجم الوسيط: 902. (¬2) وهو قول ابن عبد البر كما نقله عنه ابن الصّلاح وجادة. معرفة أنواع علم الحديث: 497. (¬3) في (ص): ((إن كان)). (¬4) وهو قول ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " 4/ 20 عقب (1438). (¬5) شرح النخبة: 189. (¬6) انظر: البحر المحيط 4/ 282. (¬7) هاهنا مسألة مهمة نريد أن ننبه عليها، وهي: أنّ ابن القطّان الفاسي يفرّق بين المجهول والمستور، وعنده ((المجهول)) و ((مجهول الحال)) سيان، وهو: من لم يرو عنه إلا راوٍ واحدٌ ولم يوثّق، والمستور من روى عنه اثنان فما فوق ولم يوثّق. بيان الوهم والإيهام 4/ 20 عقب (1438)، وهذا رأيٌّ سديدٌ مصيبٌ، ولا نعلم أحداً نقله عن ابن القطّان. (¬8) في (ق): ((الجماهير)). (¬9) انظر: الكفاية: (150 ت، 89 هـ‍) وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 42، وفتح المغيث 1/ 351. (¬10) في (ق): ((راويه)). (¬11) نسبه ابن المواق لأكثر أهل الحديث كالبزار والدارقطني، وقال الدارقطني: من روى عنه ثقتان فَقَدْ ارتفعت جهالته، وثبتت عدالته. انظر: فتح المغيث 1/ 351.

وَقِيلَ: إن كَانَ الراويانِ لا يرويانِ إلاّ عَنْ عَدلٍ قُبِلَ، وإلاّ فَلاَ (¬1). (و) القسمُ (الثَّالِثُ: الْمَجْهُوْلُ للعدالهْ) أي: مجهولُها (فِي بَاطنٍ فَقَطْ) أي: لاَ فِي الظاهرِ. (فَقَدْ رَأى لَهْ حُجِّيَّةً) أي: احتجاجاً (فِي الحُكْمِ بَعْضُ مَنْ مَنَعْ) قَبُولَ (مَا قَبْلَهُ) مِنَ القِسْمَيْنِ، (مِنْهُمْ): الفقيهُ (سُلَيْمٌ) - بضمِّ أوَّلِهِ - ابنُ أيُّوبَ الرَّازِيُّ، (فَقَطَعْ بِهِ) (¬2). وَعَزاهُ النَّوَوِيّ لكثيرٍ مِنَ المُحقِّقينَ وَصَحَّحَهُ (¬3). لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بالراوِي، ولأنَّ رِوَايَةَ الأخبارِ تَكُونُ عِنْدَ مَنْ يتعسَّرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ العدالةِ الباطنةِ. وبهذا فارقتِ الرِّوَايَةُ الشَّهادةَ، فإنَّها تَكُونُ عِنْدَ الحُكَّامِ، وهم لا يتعسَّرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. (وَقَالَ الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬4): (إنَّ العملاَ يُشبِهُ أنَّه عَلَى ذَا) القَوْلِ (جُعِلا فِي كُتُبٍ) كثيرةٍ (مِنَ الحَدِيْثِ اشتَهرَتْ) بَيْنَ الأئِمَّةِ، وَغيرِهِم حَيْثُ خُرِّجَ فِيْهَا لرواةٍ (خِبرةُ بعضِ مَنْ) خُرِّجَ لَهُ مِنْهُمْ (بِها) أي: بالكتبِ (تعذَّرَتْ فِي باطنِ الأمرِ) لتقادُمِ العهدِ بهم؛ فاكتفى بالعدالةِ الظاهرةِ. (وَبَعضٌ) مِنَ الأئِمَّةِ، وَهُوَ البَغَوِيُّ (يَشْهَرُ) - بفتحِ أولهِ وثالثِه - من الشُّهْرَةِ، وَهِيَ الوضوحُ، يُقال: شَهَرْتُ الأمرَ أَشْهرُهُ (¬5) شَهْراً وشُهْرةً (¬6)، يَعْنِي يلقَّبُ (ذا القِسْمَ: مستوراً) أي: بِهِ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43. (¬2) نقله عن الإمام سليم ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 262، والزركشي في البحر المحيط4/ 281. (¬3) مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 22، والمجموع 6/ 277. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 262. (¬5) في (م): ((أشهر)). (¬6) الصحاح 2/ 705، وتاج العروس 12/ 262 (شهر). (¬7) انظر: التهذيب 5/ 263، وشرح السنّة 1/ 269.

وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الرَّافعيُّ، والنَّوَوِيُّ (¬1). زادَ الناظمُ: (وفيهِ) أي: تلقيبِ مَنْ (¬2) ذُكِرَ بالمستورِ (نظرُ). إِذْ فِي عبارةِ الشَّافِعيِّ فِي " اختلافِ الحَدِيْثِ " مَا يَقْتَضِي أنَّ ظَاهِرَيِ العدالةِ مَنْ يحكمُ الحاكمُ بشهادتِهِما (¬3). فإنَّه قَالَ فِي جوابِ سُؤالٍ أورَدهُ: فَلا يجوزُ أَنْ يُتْرَكَ الحُكمُ (¬4) بشهادتهما (¬5) إذَا كَانا عَدلينِ فِي الظَّاهِرِ (¬6). فَلا يَحسُنُ تعريفُ المستورِ بهذا؛ فإنَّ الحَاكِمَ لا يسوغُ لَهُ الحكمُ بِهِ، لَكِنَّ الظاهرَ أنَّ الشَّافِعيَّ إنَّما أرادَ بالباطنِ مَا فِي نفسِ الأَمْرِ لخفائِهِ عَنّا، فَلا نُكَلَّفُ بِهِ، بدليلِ أنَّه أطلقَ فِي أَوَّلِ " اخْتلافِ الحَدِيْثِ " أنَّه لا يُحتجُّ بِالْمَجْهُولِ (¬7). وأما اكتفاؤُه بِحضُورِهما عَقدَ النِّكاحِ مَعَ ردِّهِ المستورَ، فإنَّ النِّكاحَ إنَّما فِيهِ تحمُّلٌ لا حُكْمٌ؛ ولهذا لَوْ رُفعَ العقدُ بهما (¬8) إلى حاكمٍ لَمْ يحكمْ بصحتِهِ. ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ رِوَايَةِ المبتدعِ، فَقَالَ: 294 - وَالخُلفُ في مُبْتَدِعٍ مَا كُفِّرَا ... قِيْلَ: يُرَدُّ مُطلَقاً، وَاسْتُنْكِرَا 295 - وَقْيِلَ: بَلْ إذا اسْتَحَلَّ الكَذِبَا ... نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ، وَنُسِبَا 296 - (لِلشَّافِعيِّ)، إذْ يَقُوْلُ: أقْبَلُ ... مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوْا ¬

_ (¬1) المجموع 6/ 277، وقال ابن حجر بتوقف الحكم عليها قبولاً ورداً إلى حين استبانة حاله، صرح بذلك في النزهة: 136 (طبعة عليّ حسن)، فقال: ((والتحقيق أنّ رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين)). (¬2) في (ع): ((ما)). (¬3) في (م): ((بشهادتها))، وما أثبتناه من جميع النسخ الخطية وهو الموافق لما جاء في اختلاف الحديث. (¬4) في (م): ((الحاكم)). وما أثبتناه من جميع النسخ الخطية وهو الموافق لما جاء في اختلاف الحديث. (¬5) في (م): ((بشهادتها)). (¬6) اختلاف الحديث: 143. (¬7) اختلاف الحديث: 216. (¬8) في (ص): ((بها)).

297 - وَالأكْثَرُوْنَ - وَرَآهُ الأعْدَلاَ - ... رَدُّوَا دُعَاتَهُمْ فَقَطْ، وَنَقَلا 298 - فِيهِ (ابْنُ حِبَّانَ) اتِّفَاقَاً، وَرَوَوْا ... عَنْ أهْلِ بِدْعٍ في الصَّحِيْحِ مَا دَعَوْا (والخُلْفُ) أي: الاختلافُ واقعٌ بَيْنَ الأئِمَّةِ (فِي) قَبُولِ روايةِ (مبتدعٍ مَا كُفِّرَا) ببدعتِهِ. (قِيلَ: يُرَدُّ مطلقاً) سَوَاءٌ الداعيةُ، وغيرُهُ؛ لأنَّهُ فَاسقٌ ببدعتِهِ، وإنْ كَانَ متأوِّلاً، فالتحقَ بالفاسقِ غَيْرِ المتأوِّلِ، كَمَا التحقَ الكافرُ المتأوِّلُ بغيرِ المتأوِّلِ. وهذا يُروى عَنْ مالكٍ (¬1)، وغيرِهِ (¬2)، ونقلَهُ الآمِديُّ عَنِ الأكثرينَ (¬3)، وجَزَمَ بِهِ ابنُ الحاجبِ (¬4). (واستُنْكِرا) أي: وأنكرَهُ ابنُ الصَّلاح، فَقَالَ: ((إنَّه بعيدٌ (¬5)، مُباعِدٌ للشّائِع عَنْ (¬6) أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، فإنَّ كتبَهُم طافحةٌ بالرِّوَايَةِ عَنِ المبتدعَةِ غَيْرِ الدُّعاةِ)) (¬7)، كَمَا سيأتي. (وَقِيلَ): لا يُرَدُّ مطلقاً (بَلْ إذَا اسْتَحلَّ الكَذِبَا) فِي الرِّوَايَةِ أَوْ الشهادةِ (نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ)، أَوْ لأهلِ مَذْهَبِهِ، سَوَاءٌ أَدعَى إلى مذهبِهِ أَمْ لا؟ بخلافِ مَا إذَا لَمْ يستحلَّ ذَلِكَ؛ لأنَّ اعتقادَهُ حُرْمةَ الكَذِبِ يمنعُهُ (¬8) مِنْهُ فيصدُقُ. (ونُسِبَا) هَذَا القَوْلُ (للشَّافِعيِّ، إِذْ يَقُولُ) أي لقولِهِ: (أقْبَلُ مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوا). وَعِبارتُهُ: ((أقبلُ شهادةَ أَهْلِ الأهواءِ إلاّ الخَطَّابِيّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لأنَّهم يَروْنَ الشهادةَ بالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِم)) (¬9). ¬

_ (¬1) المدخل إلى الإكليل: 42، والكفاية: (194 ت، 120 هـ‍)، وشرح السّنّة 1/ 250 و 318، وجامع الأصول 1/ 172. (¬2) كالإمام أحمد نقله عنه البغويّ في شرح السنّة 1/ 250. (¬3) إحكام الأحكام 2/ 66 و 75. (¬4) منتهى الوصول: 77. (¬5) وكذلك قاله ابن حجر في النزهة: 137. (¬6) في (ق): ((عند)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 271. (¬8) في (ع): ((تمنعه)). (¬9) رواه عنه ابن أبي حاتم في آداب الشّافعيّ ومناقبه: 189، والبيهقي في مناقب الشّافعيّ 1/ 468، وفي السّنن الكبرى10/ 208 - 209، والخطيب البغدادي (حكاية عنه) في الكفاية: (194 - 195 ت، 120هـ‍).

(والأكْثَرونَ) مِنَ العُلَمَاءِ (وَرَآهُ) ابنُ الصَّلاحِ (الأَعْدَلا) أي: أعدلَ الأقوالِ، وأولاها (¬1) (رَدُّوْا دُعَاتَهم فَقَطْ). قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الكَثيرِ (¬2)، أَوْ الأكثر (¬3). (وَنَقَلا فِيهِ ابنُ حِبّانَ اتِّفَاقاً)، حَيْثُ قَالَ: الداعيةُ إلى البِدْعَةِ، لا يجوزُ الاحتجاجُ بِهِ عِنْدَ أئِمَّتِنا قاطبةً، لا أعلمُ بَيْنَهُم فِيهِ اختلافاً (¬4). لَكِنِ استغربَ شَيْخُنا حِكايةَ الاتِّفاقِ (¬5). (و) قَدْ (رَوَوْا) أي: أئِمّةُ الحَدِيْثِ، كالبخاريِّ، وَمُسْلِمٍ أحادِيثَ (عَنْ) جَمَاعَةٍ مِنْ (أَهْلِ بِدْعٍ) - بإسكانِ الدالِ - (فِي الصَّحِيحِ) عَلَى سَبيلِ الاحْتِجَاجِ، والاستشهادِ بهم؛ لأنَّهم (مَا دَعَوْا) أحداً إلى بِدْعَتِهم، وَلاَ اسْتَمَالُوهُ إليْهَا (¬6). مِنْهُمْ: خَالدُ بنُ مَخْلَدٍ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوسى العَبْسيُّ، وعبدُ الرزاقِ بنُ هَمَّامٍ، وعَمْرُو بنُ دينارٍ. وأمّا مَن كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ، كَمُنكرِي عِلْمِهِ -تَعَالَى- بِالمعْدومِ، وبالجزيئاتِ، فَلا يُقبلُ عَلَى خلافٍ فِيهِ (¬7). وَقَالَ صَاحبُ"المحصولِ": ((الحقُّ أنَّه إنْ اعتَقدَ حُرمةَ الكذبِ، قَبِلْنَا روايتَهُ، وإلاّ فَلاَ)) (¬8). ¬

_ (¬1) سقطت من (ع). (¬2) وبه جزم سليم الرازي، وحكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص عن مالك، وهو الصحيح من مذهبه. انظر: البحر المحيط 4/ 271، 283. وحكاه الخطيب البغدادي عن الإمام أحمد بن حنبل في الكفاية: (195 ت، 121 هـ‍)، ونقل القاضي عياض الاتفاق على ذلك في إكمال المعلم 1/ 125، فقال: ((فأما من دعى فلم يختلف في ترك حديثه)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 271. (¬4) المجروحين 3/ 63 - 64. (¬5) شرح النخبة: 137. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49. (¬7) انظر: النكت الوفية: 225 / أ. (¬8) المحصول 2/ 195، وطبعة العلواني 2/ 1/567 - 568.

وَقَالَ شَيْخُنا (¬1): ((التَّحقيقُ أنَّه لا يُرَدُّ كُلُّ مكفَّرٍ ببدعتِهِ؛ لأنَّ كُلَّ طائفَةٍ تدَّعي أنَّ مَخالفيها مُبتدعةٌ، وَقَدْ تبالغُ بتكفيرِها، فَلو أُخِذَ ذَلِكَ عَلَى الإطْلاقِ، لاسْتلْزَمَ تكفيرَ جَمِيْعِ الطَّوائِفِ، فالمُعْتَمَدُ أنَّ الذي تُرَدُّ روايتُهُ: مَنْ أَنْكَرَ أمراً مُتواتراً مِنَ الشَّرعِ مَعلوماً مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ)). 299 - وَ (لِلحُمَيْدِيْ) وَالإمَامِ (أحْمَدَا) ... بأنَّ مَنْ لِكَذِبٍ (¬2) تَعَمَّدا 300 - أيْ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ نَعُدْ نَقْبَلُهُ ... وَإنْ يَتُبْ، وَ (الصَّيْرَفِيِّ) مِثْلُهُ 301 - وَأطْلَقَ الكِذْبَ، وَزَادَ: أنَّ مَنْ ... ضُعِّفَ نَقْلاً لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أنْ 302 - وَلَيْسَ كَالشَّاهِدِ، وَ (السَّمْعَانِيْ ... أبُو المُظَفَّرِ) يَرَى فِي الجَانِيْ 303 - بِكَذِبٍ فِي خَبَرٍ إسْقَاطَ مَا ... لَهُ مِنَ الحَدِيْثِ قَدْ تَقدَّمَا ثُمَّ بيَّنَ الناظمُ حُكْمَ توبةِ الكاذبِ فِي الحديثِ، فَقَالَ: (وللحُمَيْدِيْ) - بالإسكان لِما مَرَّ - شيخِ البُخَارِيِّ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، (والإمامِ أَحْمَدا)، وَغَيْرِهِمَا؛ قولٌ: (بأنَّ مَنْ لِكذبٍ تَعمَّدا أي: فِي الحَدِيْثِ) النَّبويِّ، (لَمْ نَعُدْ نَقْبَلَهُ) فِي شيءٍ (¬3)، (وإنْ يَتُبْ) وتحسنُ توبتُهُ (¬4)، تغليظاً عَلَيْهِ، لِمَا ينشأُ عَنْ فعلِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ العظيمةِ، وَهِيَ تَصيرُ (¬5) بِذَلِكَ شَرْعاً (¬6). وخَرَجَ بمتعمِّدٍ الكذبَ فِيْمَا ذُكِرَ، المُخْطِئُ، ومتعمِّدُ الكذبِ فِي حَدِيثِ الناسِ، فإنّا نَقْبلُهما إذَا رَجَعا (¬7). ¬

_ (¬1) شرح النخبة: 136 - 137. (¬2) في النفائس: ((للكذب قد)). (¬3) في (ع): ((شيء ما)). (¬4) قال أحمد بن حنبل: ((توبته فيما بينه وبين الله تعالى)). الكفاية: (190 ت - 117 هـ‍). (¬5) في (ق): ((تعزيز)). (¬6) انظر: فتح المغيث 1/ 366. (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 272.

(وَ) للإمامِ أَبِي بَكْرٍ (الصَّيْرَفِيِّ) شارحِ " الرِّسالةِ " (¬1) (مِثْلُهُ) أي: مثلُ مَا نُقلَ عَنْ الإمامِ أَحْمَدَ، والحُميديِّ (¬2). (وَ) لكنْ (أَطْلَقَ الكِذْبَ) -بكسرِ الكافِ-، وإسكانِ الذَّالِ فِي لغةٍ (¬3) - وَلَمْ يقيِّدْهُ بالحديثِ النبويِّ، حَيْثُ قَالَ: ((كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خبرَهُ من أَهْلِ النقلِ، بكذبٍ وجدناهُ عَلَيْهِ، لَمْ نَعُدْ لقَبُولِهِ بتوبةٍ تَظْهَرُ)) (¬4). لَكِنْ قَالَ الناظمُ: الظاهرُ أنَّ التقييدَ بِهِ مُرادٌ لَهُ بقرينةِ قولِهِ: ((مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ)) أي لِلحديثِ (¬5). (وَزَادَ) الصَّيْرَفِيُّ عَلَيْهِمَا (أنَّ مَنْ ضُعِّف نَقْلاً) أي: مِن جِهةِ نقْلِهِ كَوَهَمٍ (¬6)، وقِلَّةِ اتقانٍ، (لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أَنْ) حُكِمَ بضعفِهِ أي: وإنْ رَجَعَ إلى التحرِّي، والإتقانِ عَلَى مَا اقْتَضاهُ كلامُهُ. لَكِنْ حَمَلَهُ الذهبيُّ عَلَى مَنْ يموتُ عَلَى ضَعْفِهِ (¬7)، وفِيهِ بُعْدٌ؛ لأنَّ الصَّيْرَفِيَّ قَالَ: (وَلَيْسَ) الراوِي فِي ذَلِكَ (كَالشَّاهِدِ)، فإنَّ شهادتَهُ تقبلُ بَعْدَ توبتِهِ وإتقانِهِ، بخلافِ روايةِ الرَّاوِي، كَمَا تقرَّرَ. لأنَّ الحَدِيْثَ حُجَّةٌ لازِمةٌ لجميعِ المكلَّفينَ، وَفِي جَمِيْعِ الأمْصارِ (¬8)، فكانَ حُكْمُهُ أغلظَ مبالغةً فِي الزَّجرِ عَنِ الرِّوَايَةِ لَهُ بلا إتقانٍ، وعنِ الكذبِ فِيهِ، عملاً بقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51. (¬2) رواه عنهما وعن غيرهما الخطيب البغدادي في الكفاية: (190 - 191 ت، 117 - 118 هـ‍)، وانظر: شروط الأئمة الخمسة للحازمي: 53 - 54. (¬3) الصحاح 1/ 210، وتاج العروس 4/ 114 (كذب). (¬4) انظر: إكمال المعلم 1/ 107، ومعرفة أنواع علم الحديث: 272، والفروق 1/ 5، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 51، والنكت الوفية: 225/ب، وفتح المغيث 1/ 366. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51. (¬6) في (ق): ((بوهم)). (¬7) انظر: فتح المغيث 1/ 367. (¬8) في (ص): ((الأعصار)).

كَذِباً عَلَيَّ، لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ)) (¬1). (و) الإمامُ (السَّمْعَانِيْ أَبُو المظَفَّرِ يَرى فِي) الرَّاوِي (الجانِي بكَذِبٍ فِي خَبَرٍ) نبويٍّ (إسْقَاطَ مَالَهُ مِنَ الحَدِيْثِ) أي: مَا (قَدْ تَقَدَّمَا) لَهُ مَنَ الحَدِيْثِ (¬2). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَمَا ذَكَرهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ يُضاهِي، مِن حَيْثُ المَعْنَى، مَا ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ)) (¬3). أي: لكونِ ردِّ حديثِهِ المستقبَل، إنَّما هُوَ لاحتمالِ كذبِهِ، وذلك جارٍ فِي حديثِهِ الماضي، وفُهِمَ بالأولى أنَّه لا يُقبَلُ حديثُهُ عِنْدَ ابنِ السَّمْعانيِّ فِي المستقبَلِ. هَذَا وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرحِ مسلمٍ "، وغيرِهِ: ((وما ذَكرهُ هؤلاءِ الأئمةُ ضَعِيْفٌ مُخالِفٌ للقواعدِ، والمُختارُ: القطعُ بِصِحَّةِ توبتِهِ فِي هَذَا - أي فِي الكَذِبِ فِي الحَدِيْثِ- وَقَبُولِ رواياتِهِ بَعْدَها، وَقَدْ أَجْمَعوا عَلَى صِحةِ روايةِ مَنْ كَانَ كافِراً، فأَسْلَمَ. قَالَ: وأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهادَتِهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الشَّهادَةِ والروايةِ فِي هَذَا)) (¬4). وَمَا قالَهُ كُنْتُ مِلْتُ إِليهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لي أنَّ الأوجهَ مَا قالَهُ الأئِمَّةُ، لما مَرَّ، ويؤيِّدُه قولُ أئمّتِنا: ((إنَّ الزانِيَ إذَا تابَ لا يعودُ محصناً، ولا يحدُّ قاذفُهُ)). وأما إجماعُهم عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِراً فأَسْلَمَ، فَلنصِّ القرآنِ عَلَى غُفرانِ مَا سَلَفَ مِنْهُ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث 1/ 368، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (26245)، وأحمد 4/ 245 و 252 و 255، والبخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 1/ 8 (4)، والطحاوي في شرح المشكل (415)، والبيهقي 4/ 72، وابن الجوزي في مقدمة موضوعاته 1/ 73 من طرق، عن سعيد به عبيد الطائي عن عليّ بن ربيعة، عن المغيرة بن شعبة، به. (¬2) قواطع الأدلة1/ 324. قلنا: وقد حكاه الزركشي في البحر المحيط4/ 284عن الماوردي والروياني من الشافعية (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 273. (¬4) شرح صحيح مسلم 1/ 57، وانظر: الإرشاد 1/ 307، والتقريب: 95. وانظر: إجابة الزّركشيّ عنه في النكت3/ 405 - 408. (¬5) كما في قوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}. الأنفال: 38.

والفَرْقُ بَيْن الرِّوَايَةِ والشَّهادةِ أنَّ الكَذِبَ فِي الرِّوايةِ أغلظُ مِنْهُ فِي الشَّهادةِ؛ لأنَّ مُتَعلقَها لازمٌ لكلِّ المكلَّفينَ، وَفِي كُلِّ الأعصارِ، كَمَا مَرَّ، مَعَ خَبَرِ: ((إِنَّ كَذِباً عَلِيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أحَدٍ)) (¬1). 304 - وَمَنْ رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَكَذَّبَهْ ... فَقَدْ تَعَارَضَا، وَلَكِنْ كَذِبَهْ 305 - لاَ تُثْبِتَنْ (¬2) بِقَوْلِ شَيْخِهِ فَقَدْ ... كَذَّبَهُ الآخَرُ، وَارْدُدْ مَا جَحَدْ (¬3) 306 - وَإنْ يَرُدَّهُ بِـ (لاَ أذْكُرُ) أوْ ... مَا يَقْتَضِي نِسْيَانَهُ، فَقَدْ رَأوْا 307 - الحُكْمَ لِلذَّاكِرِ عِنْدَ المُعْظَمِ، ... وَحُكِيَ الإسْقَاطُ عَنْ بَعْضِهِمِ 308 - كَقِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمِيْنِ إذْ ... نَسِيَهُ (سُهَيْلٌ) الَّذِي أُخِذْ 309 - عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ عَنْ (رَبِيْعَهْ) ... عَنْ نَفْسِهِ يَرْوِيْهِ لَنْ يُضِيْعَهْ 310 - وَ (الشَّافِعي) نَهَى (ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ) ... يَرْوِي عَنِ الحَيِّ لخَوْفِ التُّهَمِ ثُمَّ بيَّن النَّاظِمُ حُكْمَ إنكارِ الأصْلِ لحديث (¬4) الفرعِ عَنْهُ، فَقَالَ: (وَمَنْ رَوَى) مِنَ الثِّقاتِ (عَنْ) شيخٍ (ثِقَةٍ) حَدِيثاً، (فكذَّبَهْ) صَريْحاً، كقوله: كَذَبَ عَلَيَّ (فَقَدْ تَعَارَضَا) فِي قولهِما، كالبيِّنتَيْنِ إذَا تكاذبتا (¬5)، إِذْ (¬6) الشَّيْخُ قَطَعَ بكذبِ الرَّاوِي، والراوِي قطعَ بالنّقلِ عَنْهُ. (ولَكِنْ كَذِبَهْ) أي: الرَّاوِي (لا تُثبتَنْ) أنتَ (بقولِ شيخِهِ) هَذَا، بحيثُ يَكُونُ جَرْحاً لَهُ، (فَقَدْ كَذَّبَهُ الآخَرُ) أَيْضاً؛ فإنَّه يَقُولُ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) بنون التأكيد الخفيفة من أثبت. فتح المغيث 1/ 370. (¬3) هذا البيت سقط من نسخة (ج‍) من متن الألفية، وألحقه الناسخ في جانب صفحة المخطوط، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على مقابلته على أصله المنتسخ منه، والله أعلم. (¬4) في (م): ((تحديث)). (¬5) في (ق): ((تكاذبا)). وفي (ص): ((تكاذبنا)). (¬6) في (م): ((إذا)).

وَلَيْسَ قَبُولُ جَرحِ أحدِهما بأولى مِنَ الآخَرِ، بخلافِ شَهادةِ الفرعِ، فإنَّ تكذيبَ الأصْلِ لَهُ جَرْحٌ لَهُ فِي تِلْكَ الشهادةِ، وفرقَ بغلظِ بابِ الشَّهادةِ وضيقِهِ (¬1). (وَارْدُدْ) أنت إذَا تعارضا (مَا جَحَدْ) الشَّيْخُ لكذبِ واحدٍ مِنْهُمَا لا بِعَينِهِ، لَكِنْ لَوْ حدَّثَ بِهِ الشَّيْخُ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُ الأَوَّلِ عَنْهُ، وَلَمْ يكذبْهُ قُبِلَ. أما إذَا لَمْ يصرِّحْ بتكذيبِه، فإنْ جزمَ بالردِّ، كقولِهِ: ((مَا رويتُ هَذَا))، أَوْ ((مَا حدَّثْتُ بِهِ))، أَوْ ((لَمْ أُحدِّثْ (¬2) بِهِ)) فحكْمُهُ كَذلِكَ، كَمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬3) تَبَعاً لِغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ (¬4) فِي شَرْحِهِ (¬5)، وكذا شَيْخُنا فِي " شَرْحِ النُّخْبةِ " (¬6) لكنهُ نَقَلَ فِي " شرحِ البُخَارِيِّ " عَنْ جُمْهُورِ المُحَدِّثِيْنَ قَبُولَهُ حَمْلاً لما قَالَهُ عَلَى النِّسيانِ (¬7). (وإنْ يَردَّهُ (¬8) ب‍) ‍قولِهِ (لاَ أذْكُرُ) هَذَا، أَوْ لا أعرفُ أني حَدَّثْتُهُ بِهِ، (أَوْ) نحوُهما مِنْ (مَا يَقْتَضِي)، يعني: يَحْتَمِلُ (نِسيانَهُ)، ك‍ ((لا أعرفُ أنَّه من حديثي)) (¬9)، (فَقَدْ رَأوا) أي: جُمْهُورُ المُحَدِّثِيْنَ (الحُكْمَ للذَّاكرِ)، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ، كَمَا هُوَ (عِنْدَ الْمُعْظَمِ) مِنَ الفُقَهَاءِ (¬10)، والْمُتكلِّمينَ، وَصَحَّحَهُ جماعاتٌ (¬11) مِنْهُمْ ابنُ الصَّلاحِ (¬12)؛ لأنَّ الرَّاوِيَ مثبتٌ والشيخَ نافٍ، ولأنَّهُ ثقةٌ جازمٌ، فَلا تُرَدُّ روايتُهُ بالاحتمالِ؛ لأنَّ الشَّيْخَ غَيْرُ جازمٍ بالنفي، لاحتمالِ نسيانِهِ. ¬

_ (¬1) انظر: نكت الزّركشيّ 3/ 412. (¬2) في (م): ((أحدثه)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 274. (¬4) في (ق): ((ابن النّاظم)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53. (¬6) شرح النخبة: 165. (¬7) فتح الباري 2/ 326 وعبارته: ((فإن لم يجزم بالرد كأن قال لا أذكره فهو متفق عندهم على قبوله)). (¬8) في (ص): ((يره)). (¬9) في (ص): ((حدّثني)). (¬10) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54. (¬11) في (ق): ((جماعة)). (¬12) معرفة أنواع علم الحديث: 278.

وَعبارةُ النَّظْمِ (¬1) تشملُ ظَنَّي الأصلِ والفرعِ (¬2)، فيقدّمُ الرَّاوِي، وَهُوَ الأشبهُ فِي " المحصولِ " (¬3) لَكِنْ يشكلُ بتقديمِ الشَّيْخِ فِي جَزْميهما. وعلى مَا اخترْتُه فِي "شرحِ لُبِّ الأصولِ" من تقديمِ الرَّاوِي فِي المسْألتينِ، تقديماً للمثبتِ عَلَى النافي ولا (¬4) إشكالَ (¬5). (وَحُكِيَ الإسْقَاطُ) فِي المروِيِّ أي: عَدمُ قَبُولِهِ بِذَلِكَ (عَنْ بَعْضِهِم) - بكسر الميم - وَهُم قَوْمٌ مِنَ الحنفيَّةِ؛ لأنَّ الرَّاوِيَ فَرْعُ الشَّيْخِ، فَهُوَ تَابعٌ لَهُ؛ فإذا انْتَفتْ روايتُه انتفتْ روايةُ فرعِهِ، كشهادةِ فَرْعِهِ (¬6). ورُدَّ بأن شهادةَ الفرعِ لا تُسْمَعُ معَ القدرةِ عَلَى شهادةِ الأصلِ، بخلافِ الروايةِ. ومَثَّلَ لذلكَ بقولهِ: (كَقِصَّةِ) حديثِ (الشاهدِ واليمينِ) المرويِّ بلفظِ: ((إن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمينِ معَ الشَّاهدِ)) (¬7). (إذ نَسِيَهُ سُهَيْلٌ) هُوَ ابنُ أبي صالحٍ (الَّذِي أُخِذْ) بالبناءِ للمفعولِ أي: رُوِيَ الحَدِيْثُ عَنْهُ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، (فكانَ) سُهَيْلٌ (بَعْدُ عَنْ ربيعهْ) بنِ أبي عَبْدِ الرحمانِ، (عَنْ نَفسِهِ يرويهِ)، فيقولُ: أخبرني ربيعةُ، وَهُوَ عِندي ثقةٌ أنني حدَّثتُه إياهُ، ولا أحفَظُهُ. ¬

_ (¬1) في (م): ((النّاظم)). (¬2) في (م): ((الفروع والأصل)). (¬3) المحصول 2/ 207 وطبعة العلواني ‍/1/ 604 - 606. (¬4) في (ع) و (م): ((لا)). (¬5) غاية الوصول شرح لب الأصول: 98. (¬6) هذا مذهب أكثر الحنفية، منهم: الكرخي، والدبوسي، والبزدوي، وصوّبه النسفي منهم، وهو رواية عن الإمام أحمد، ونقل الرافعي أن القاضي ابن كج حكاه وجهاً لبعض الشافعية، وعيّنه شارح اللمع بأنّه: القاضي أبو حامد المروزي. انظر: اللمع: 48، وإحكام الأحكام 2/ 96، وكشف الأسرار 3/ 60، وفواتح الرحموت 2/ 170، ونهاية السول 3/ 156، والبحر المحيط 4/ 325. (¬7) أخرجه أبو داود (3610) و (3611)، وابن ماجه (2368)، والترمذي (1343)، والنّسائيّ (6014)، وأبو يعلى (6683)، وابن الجارود (1007)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 144، وابن حبان (5080)، والدارقطني 4/ 213، والبيهقي 10/ 168، والبغوي (2503) من حديث أبي هريرة.

قَالَ عَبْدُ العزيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ? (¬1) وَقَدْ كَانَ أصابَتْ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أذهبتْ بَعْضَ عقلِهِ، ونسيَ بَعْضَ حديثِهِ، فكانَ يحدِّثُ بِهِ عَمَّن سَمِعَهُ مِنْهُ (¬2). وَفائِدتُهُ: الإعلامُ بالمرويِّ، وكونُهُ (لَنْ يُضِيْعَهْ) مِنْ أضاعَ -إِذْ بتركِهِ لروايتِهِ يضيعُ. وَقَدْ جمعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأئِمَّةِ أخبارَ مَنْ حدَّثَ ونَسِيَ، مِنْهُمْ: الدَّارَقُطْنِيُّ (¬3) والخطيبُ (¬4) قَالَ: ولأجلِ أنَّ النِّسيانَ غَيْرُ مأمونٍ عَلَى الإنسانِ، فيبادرُ إلى جحودِ مَا رُوِيَ عَنْهُ، وتكذيبِ الرَّاوِي لَهُ، كَرِهَ مَنْ كَرِهَ منَ العُلَمَاءِ التحديثَ عَنْ الأحياءِ (¬5) (والشَّافِعيْ) -بالإسكانِ لما مَرَّ- قَدْ (نَهَى ابنَ عَبْدِ الحَكَمِ) مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ، حِيْنَ رَوَى حكايةً فأنكرَها (¬6)، ثُمَّ ذَكَرَها عَلَى أنَّهُ (يَرْوِي عَنِ الحيِّ لخوفِ التُّهمِ)، بتقديرِ إنكارِ الشَّيْخِ. وظاهرٌ أنَّ محلَّهُ إذَا كَانَ للمرويِّ طريقٌ آخرُ غيرُ طريقِ الحيِّ (¬7) وإلاّ فَلا كَراهةَ: إِذْ قَدْ يموتُ الرَّاوِي قَبْلَ موتِ الشَّيْخِ (¬8) فيضيعُ المروي إن لَمْ يحدِّثْ بِهِ غيرُهُ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((الداروردي)). (¬2) انظر: سنن أبي داود عقب (3610) و (3611). (¬3) ذكره ابن حجر باسم: ((من حدّث ونسي)). نزهة النظر: 166 (¬4) ذكره ابن الصّلاح باسم: ((أخبار من حدث ونسي))، وسمّاه الذهبي باسم: ((من حدّث ونسي)). انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 278، والسير 18/ 290. (¬5) الكفاية: (221 - 222 ت، 139 هـ‍). (¬6) فقد قال الشّافعيّ لابن عبد الحكم: ((إياك والرواية عن الأحياء)). كذلك قال الشّعبيّ لابن عون: ((لا تحدث عن الأحياء))، وقال معمر لعبد الرزاق: ((إن قدرت ألا تحدّث عن رجلٍ حي فافعل)). انظر: مناقب الشّافعيّ للبيهقي2/ 38، والكفاية: (222 - 223 ت، 140 هـ‍)، والنكت الوفية: 229/ أ. (¬7) قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 375: ((لكن قد قيد بعض المتأخرين الكراهة، بما إذا كان له طريق آخر سوى طريق الحي)). (¬8) في (م): ((شيخه)).

311 - وَمَنْ رَوَى بأُجْرَةٍ لَمْ يَقْبَلِ ... (إسْحَاقُ) و (الرَّازِيُّ) و (ابْنُ حَنْبَلِ) 312 - وَهْوَ شَبيْهُ أُجْرَةِ القُرْآنِ ... يَخْرِمُ مِنْ مُرُوْءةِ الإنْسَانِ 313 - لَكِنْ (أبُوْ نُعَيْمٍ الفَضْلُ) أَخَذْ ... وَغَيْرُهُ تَرَخُّصاً، فإنْ نَبَذْ 314 - شُغْلاً بِهِ - الكَسْبَ أجِزْ إرْفَاقَا، ... أفْتَى بِهِ الشَّيْخُ (أبُوْ إسْحَاقا) ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ أخذِ الأُجرةِ عَلَى التحديثِ، فَقَالَ: (ومَنْ رَوَى) الحديثَ (¬1) (بأُجْرَةٍ)، أَوْ نحوِها، كجَعالةٍ، (لَمْ يَقْبَلِ) روايتَهُ (إسحاقُ) بنُ إِبْرَاهِيمَ، المعروفُ بابنِ رَاهَوَيْهِ (¬2)، (وَ) أَبُو حاتِمٍ (¬3) (الرَّازِيُّ، و) الإمامُ أَحْمَدُ (¬4) (ابنُ حَنْبَلِ، وَهْوَ) أي: المأخوذُ عَلَى ذَلِكَ (شَبيهُ أُجْرَةِ) مُعلِّمِ (القُرْآنِ)، ونحوِهِ، في الجوازِ وعدمِه. إلا أنَّ العادةَ ثَمَّ جاريةٌ بالأخذِ مِنْ غَيْرِ خرمِ مروءةٍ، والأخذُ هنا (يَخْرِمُ) أي: يُنْقِصُ (مِن مُروءةِ الإنسانِ) الآخذِ لِذلِكَ؛ إِذْ قَدْ شَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الحَدِيْثِ رَداءةُ ذَلِكَ، وتنزيهُ العرضِ عَنِ النظرِ إِليهِ، ولإساءةِ الظنِّ بفاعلِهِ (¬5). (لَكِنْ) الحافِظُ (أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ) بنُ دُكَيْنٍ، شَيخُ البُخَارِيِّ (أَخَذْ) عِوضاً عَلَى التَّحديثِ (¬6)، (وَ) كَذَا أخذَهُ (غيرُهُ)، كَعَفَّانَ (¬7) شَيخِ البُخَارِيِّ أَيْضاً (تَرخُّصاً) للحاجةِ. فَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعتُ أبَا نُعَيْمٍ، يَقُول: يَلومونَني عَلَى الأخذِ، وَفِي بيتي ثَلاثةَ عَشَرَ نَفْساً، وما فِيهِ رغيفٌ (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص): ((للحديث)). (¬2) رواه الخطيب في الكفاية (240 - 241 ت، 153 - 154 هـ‍). (¬3) انظر: الكفاية: (241 ت، 154 هـ‍)، ونكت الزّركشيّ 3/ 417. (¬4) انظر: الكفاية: (241 ت، 154 هـ‍). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58. (¬6) انظر: الكفاية: (243 ت، 156 هـ‍). (¬7) هو عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، ثقة ثبت، قال ابن المديني: ((كان إذا شك في حرف من الحديث تركه)). التقريب (4625). (¬8) تهذيب الكمال 6/ 35، وسير أعلام النبلاء 10/ 152، وقال الذهبي: ((لاموه على الأخذ يعني من الإمام، لا من الطلبة)).

ومِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الأخذَ بغيرِ طَلَبٍ. ومِنْهُمْ مَن كَانَ يأخذُ مِنَ الأغنياءِ فَقَطْ. وَمَحلُّ مَا مَرَّ مِن كونِ الأخذِ خارِماً للمروءةِ، إذَا لَمْ يقتَرِنْ بعُذرٍ مِن فَقْرٍ، وَعَدَمِ كَسْبٍ. (فإنْ) كَانَ ذا كَسْبٍ، لَكِنْ (نَبَذْ) أي: أَلْقَى (شُغْلاً بِهِ) أي: لشُغلِهِ بالتَّحدِيثِ (الكَسْبَ) لنفسِهِ وعيالِهِ، (أجزْ) أنتَ لَهُ الأخذَ (إرْفَاقا) بِهِ في معيشتِهِ، عوضاً عَمّا فاتَهُ مِنَ الكَسْبِ، فَقَدْ (أَفْتى بِهِ) أي: بجوازِ الأخذِ (الشَّيْخُ أَبُو إسْحاقا (¬1)) الشِّيْرَازِيُّ، لما سَأله أَبُو الحُسَينِ ابنُ النَّقُّوْرِ، لكون أصحابِ الحَدِيْثِ كانوا يمنعونَهُ مِنَ (¬2) الكَسْبِ، فَكَانَ يأخذُ كِفايتَهُ (¬3). 315 - وَرُدَّ ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ ... كَالنَّوْمِ وَالأدَا كَلاَ مِنْ أصْلِ، 316 - أوْ قَبِلَ التَّلقِيْنَ، أوْ قَدْ (¬4) وُصِفَا ... بِالمُنْكَرَاتِ كَثْرَةً، أوْ عُرِفَا 317 - بِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَمَا حَدَّثَ مِنْ ... أصْلٍ صَحِيْحٍ فَهْوَ رَدٌّ، ثُمَّ إنْ 318 - بُيِّنْ (¬5) لَهُ غَلَطُهُ فَمَا رَجَعْ، ... سَقَطَ عِنْدَهُمْ حَدِيْثُهُ جُمَعْ 319 - كَذَا (الحُمَيْدِيُّ) مَعَ (ابْنِ حَنْبَلِ) ... و (ابْنِ المُبَارَكِ) رَأَوْا فِي العَمَلِ 320 - قَالَ: وَفيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ إذَا ... كَانَ عِنَاداً مِنْهُ مَا يُنْكَرُ ذَا (ورُدَّ) عِنْدَ الْمُحدِّثينَ (ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ) أي: التحمُّلِ للحديثِ (ك‍) التحمل (¬6) حالَ (النَّومِ) الواقعِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ شَيخِهِ (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): ((إسحاق)). (¬2) في (م): ((عن)). (¬3) انظر: المنتظم 8/ 314، والسير 18/ 373، ومعرفة أنواع علم الحديث: 279، اختصار علوم الحديث: 105، والإرشاد 1/ 315. وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 58. (¬4) في النفائس: ((بلا قد)). (¬5) بتسكين النون لضرورة الوزن، وانظر: النكت الوفية: 233/ أ. (¬6) في (ع) و (ق): ((المحتمل)). (¬7) وقيّده الزّركشيّ بالنوم الذي يطغى عَلَى العقل، أما النعاس الذي لا يختل معه فهم الكلام، فلا بأس به لاسيّما إذا صدر من فطن عالم بهذا الشأن. انظر: نكت الزّركشيّ 3/ 423. واستدل بما حكاه الحافظ ابن كثير عن شيخه الحافظ أبي الحجّاج المزي، أنه كان يكتب في مجلس السّماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيّناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه، أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ والشيخ ناعس، وهو أنبه منه!! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وانظر: اختصار علوم الحديث 1/ 340 - 341.

(و) رُدَّ أَيْضاً ذو تساهُلٍ في حالِ (الأدا) (¬1) أي: التحديثِ (كلا من أصلِ) أي: كالمُؤَدِّي لا مِن أصلٍ صَحِيْحٍ، والحالةُ أنَّه أَوْ القارئَ، أَوْ بَعْضَ السَّامِعينَ غَيْرُ حافظٍ عَلَى مَا يأتي في بابِهِ. (أَوْ) أي: ورُدَّ أَيْضاً رِوَايَةُ مَن (قَبِلَ التَّلقِينَ) في الحَدِيْثِ، بأنْ يُلقَّنَ الشَّيءَ فيُحدِّثَ بِهِ مِن غَيْرِ أنْ يعلمَ أنَّه مِن حَدِيثِهِ (¬2) - وَلَو مرَّةً (¬3) -كمُوسى بنِ دينارٍ (¬4)، حَيْثُ لقَّنَهُ حفصُ بنُ غِيَاثٍ (¬5)؛ فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَتكَ عائشةُ بنتُ طلحةَ عَنْ عائشةَ بكذا (¬6) وكذا. فَقَالَ: حَدَّثتْنِي عَنْهَا بِهِ. وَقَالَ لَهُ (¬7): حَدّثك القاسمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائشةَ بمثلِهِ. فَقَالَ: حَدَّثَني عَنْهَا بمثلِهِ؛ وذلكَ لِدلالتِهِ عَلَى مُجازفتِهِ، وعدمِ تثبُّتهِ (¬8). (أَوْ) مَنْ (قَدْ وُصِفَا) مِنَ الأئِمَّةِ (ب‍) ‍روايةِ (المُنْكَراتِ)، أَوْ الشواذِّ (كَثْرَةً) (¬9) أي: حالةَ كونِها ذاتَ كَثْرَةٍ، وَلَم يميِّزها. (أَوْ عُرِفَا بِكَثرةِ السَّهوِ)، أَوْ الغلطِ في روايتِهِ (و) الحالةُ أنَّه (مَا حدَّثَ مِن أصلٍ صَحِيْحٍ) بَلْ من حفظِهِ، أَوْ من أصلٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ. ¬

_ (¬1) في (م): ((الأداء)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وأثر علل الحديث: 120 - 124. (¬3) قال ابن حزم في الإحكام 1/ 142: ((من صحّ أنه قبل التلقين - ولو مرة - سقط حديثه كله؛ لأنه لم يتفقه في دين الله عز وجل ولا حفظ ما سمع)). (¬4) هو موسى بن دينار المكي، ضعيف، قال ابن القطّان: دخلت على موسى بن دينار أنا وحفص، فجعلت لا أريده على شيء إلا لقيته (يعني أنّه كان يتلقّن). الضعفاء والمتروكون للدارقطني (519)، وميزان الاعتدال 4/ 204، ولسان الميزان 6/ 116. (¬5) ضبطه ابن حجر في التقريب (1430) بالحروف فقال: ((بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة)). (¬6) في (م): ((كذا)). (¬7) سقطت من (ص). (¬8) انظر: فتح المغيث 1/ 386. (¬9) في (ص) و (ق): ((ذات كثرة)).

(فَهْوَ) أي: المتَّصفُ بشيءٍ مِن ذَلِكَ (رَدٌّ) أي: مردودٌ عِنْدَهُم؛ لأنَّ الاتصافَ بِذَلِكَ يَخْرِمُ الثِّقَةَ بالراوِي، وَضَبْطِهِ، وهذا تأكيدٌ وإيضاحٌ لِما قَبْلَهُ. أما مَنْ لَمْ تكثرْ مناكيرُهُ وَشَواذُّهُ، أَوْ ميَّزَها، أَوْ حدَّثَ مَعَ اتِّصافِهِ بكَثْرَةِ السَّهوِ، أَوْ الغلطِ من أصلٍ صَحِيْحٍ، فَلا يُردُّ (¬1). (ثُمَّ إنْ بُيِّنْ) -بِضَمِّ أوّلِهِ، وتشديدِ ثانيهِ، وإسكانِ نُونِهِ مُدْغَمَةً في لامِ- (لَهُ) أي: للراوي الذي سَهَا أَوْ غَلِطَ، وَلَوْ مَرّةً (غَلَطُهُ) أَوْ سَهْوُهُ (فَمَا رَجَعْ) عَنْهُ، بَلْ أصرَّ، (سَقَطَ عِنْدَهُمْ) أي: المُحَدِّثِيْنَ (حديثُهُ جُمَعْ) أي: أحاديثُهُ جميعُها. وَهَذا شَامِلٌ لقولِهِ: (كَذَا) عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ (الحُمَيْديُّ مَعَ) أَحْمَدَ (ابنِ حَنْبَلِ، وابنِ الْمُبارَكِ) عَبْدِ اللهِ الْمَرْوَزِيِّ، (رَأوْا) إسقاطَ حَدِيثِهِ بِذَلِكَ (في العَمَلِ) احتجاجاً وروايةً، حَتَّى تركوا الكِتَابَةَ عَنْهُ (¬2). (قَالَ) ابنُ الصَّلاحِ (¬3): (وفيهِ نَظَرٌ) أي: لأنه رُبَّما لَمْ يَعْتقِدْ صِدقَ مَا قِيلَ لَهُ. قَالَ: (نَعَمْ: إذَا كَانَ) عَدمُ رجوعِهِ (عِنَاداً مِنْهُ)، لا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، ولا طَعْنَ، فَقُلْ: (مَا يُنْكَرُ ذا) أي: القَوْلُ بسقوطِ حَدِيثِهِ، وعدمِ الكتابةِ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ ابنُ مَهْدِيٍّ لِشُعْبَةَ: مَنِ الذي تَتْرُكُ الروايةَ عَنْهُ؟ قَالَ: إذَا تمادَى في غَلَطٍ (¬4) مُجمعٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَّهِمْ نفسَهُ عِنْدَ اجتماعِهِم عَلَى خلافِهِ، أو رجلٌ يُتَّهَمُ بالكذبِ (¬5). وذَكَرَ نَحْوَهُ ابنُ حِبَّانَ (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث 1/ 387 - 388. (¬2) انظر: الكفاية: (227 - 228 ت، 143 - 144 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 281، والإرشاد 1/ 318، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وفتح المغيث 1/ 387 - 388، وتدريب الراوي 1/ 339. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 282، وقال محقق المقنع 1/ 281: ((يشير ابن الصّلاح بهذا إلى أنه قد يوجد هذا الوصف في الثّقات، يبين خطؤهم فلا يرجعون لتيقنهم من صحّة حفظهم، كما وقع لمالك -رحمه الله- في روايته عن عمر بن عثمان، وغيره يقول: عمرو بن عثمان، فبيّن له فلم يرجع، كما تقدم في نوع المنكر)). (¬4) في (ق): ((غلطه)). (¬5) أخرجه الخطيب في الكفاية: (229 ت، 145 هـ‍) بنحوه. (¬6) المجروحين 1/ 79.

321 - وَأعْرَضُوا فِي هَذِهِ الدُّهُوْرِ ... عَنِ اجتِمَاعِ هَذِهِ الأمُوْرِ 322 - لِعُسْرِهَا، بَلْ يُكْتَفَى بِالعَاقِلِ ... المُسْلِمِ البَالِغِ، غَيْرِ الفَاعِلِ 323 - لِلفِسْقِ ظَاهِراً، وَفِي الضَّبْطِ بأنْ ... يُثْبِتَ مَا رَوَى بِخَطِّ مُؤْتَمَنْ 324 - وَأنَّهُ يَرْوِي مِنَ اصْلٍ (¬1) وَافَقَا ... لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا 325 - لِنَحْوِ ذَاكَ (البَيْهَقِيُّ)، فَلَقَدْ ... آلَ السَّمَاعُ لِتَسَلْسُلِ السَّنَدْ (وأَعْرَضوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ، وغيرُهم، (في هذِهِ الدُّهورِ) المتأخرةِ (عَنِ) اعتبارِ (اجتماعِ هذِهِ الأمورِ) السّابقةِ، أي: شروطِ مَنْ تُقبلُ (¬2) روايتُهُ (لعسرِها)، وتَعذُّرِ الوفاءِ بِهَا (¬3)، (بَلْ يُكْتَفَى) في اشتراطِ عدالتِهِ (بالعاقلِ، المسلمِ، البالغِ، غَيْر الفاعلِ للفسقِ)، ولما (¬4) يَخْرِمُ المروءةَ (ظاهراً) بأَنْ يَكُونَ مستورَ الحالِ. (و) يُكْتَفَى (فِي) اشْتِراطِ (الضَّبطِ) أي: ضبطِهِ (بأَنْ يُثْبِتَ) سماعُ (مَا رَوَى بخطِّ) ثقةٍ (مؤتمَنْ) سواءٌ الشَّيْخُ، والقارئُ، وبعضُ السَّامعينَ، وسواءٌ أكتبَ سماعَهُ عَلَى الأصلِ، أَمْ في ثَبَتٍ (¬5) بيدِهِ، إذَا كَانَ الكَاتِبُ ثِقةً من أهلِ الخِبرةِ بهذا الشأنِ، بحيثُ لا يكونُ الاعتمادُ في روايةِ هَذَا الرَّاوِي عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى الثِّقةِ المُقَيِّدِ (¬6) لِذلِكَ. (وأنَّهُ يَرْوِي) أي: وبأَنْ يَرْوِي (مِن اصلٍ) - بدرجِ الهمزةِ - (وافَقَا لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا لِنَحوِ ذَاكَ) الحافظُ (البَيْهَقِيُّ). فإنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ توسُّعَ مَنْ توسَّعَ في السَّمَاعِ من بعضِ محدِّثي زمانِهِ، الذين لا يحفظونَ حديثَهُم، ولا يُحسِنُونَ قراءتَهُ في كُتُبِهِم، ولا يعرفونَ مَا يُقرَأُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ ¬

_ (¬1) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن، كما سينبه عليه الشارح. (¬2) في (ق): ((نقل)). (¬3) في (ع): ((تعذراً لوفائها)). (¬4) في (ص): ((ولا)). (¬5) قال في التاج: ((الثّبت - محرّكة - الفهرس الذي يجمع فيه المحدّث مروياته وأشياخه)). تاج العروس 4/ 477. (¬6) في (ص): ((المفيد)).

مراتب التعديل

تكونَ القِرَاءةُ عَلَيْهِمْ مِن أصلِ سَماعِهم، وذلك لتدوينِ الأحاديثِ في الجوامعِ التي جَمعَها أئِمَّةُ الحَدِيْثِ، قَالَ: فمَنْ جاءَ اليومَ بحديثٍ، لا يوجدُ عِنْدَ جميعِهم، لَمْ يُقبلْ مِنْهُ، ومَنْ جاءِ بحديثٍ معروفٍ عِنْدَهُم، فالذي يَرويه لا ينفردُ بروايتِهِ، والحُجَّةُ قائمةٌ بحديثِهِ بروايةِ غيرِهِ (¬1). (فلَقَدْ آلَ السَّمَاعُ) مِنْهُ، والروايةُ عَنْهُ (¬2) الآنَ (لِتَسلْسُلِ السنَدْ) أي: إلى أَنْ يبقى الحَدِيْثُ مسلسلاً بـ: حَدَّثَنَا، و (¬3) أخبرنا، لتبقى هذِهِ الكرامةُ التي خُصَّتْ بها هذِهِ الأمةُ شرفاً لنبيِّها - صلى الله عليه وسلم -. وسَبَقَ البَيْهَقِيَّ إلى نحوِ قولِهِ شَيْخُهُ الحاكمُ، ونحوُه عَنِ (¬4) السِّلَفيِّ (¬5). وَقَالَ الذهبيُّ: ((العُمْدةُ في زمانِنا لَيْسَ عَلَى الرُّواةِ، بَلْ عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ والمقيِّدينَ الذين عُرفَتْ عدالتُهم وصدقُهم في ضَبطِ أسماءِ السَّامِعينَ)) (¬6). والحاصلُ أنَّهُ لما كَانَ الغرضُ أولاً مَعْرِفَةُ التعديلِ والتجريح، والتفاوتُ في الحِفظِ والإتقانِ، ليتوصلَ بِذَلِكَ إلى التَّصْحِيحِ، والتَّحسينِ، والتضعيفِ، شُدِّدَ باجتماعِ تِلْكَ الشُّروطِ، ولما كَانَ الغَرضُ آخِراً الاقتصارَ عَلَى مجرَّدِ وجودِ سلسلةِ السنَدِ اكتَفَى بما ذُكِرَ. مَرَاتِبُ التَّعْدِيْلِ (مراتبُ) ألفاظِ (التعديلِ)، وَهِيَ أربعةٌ، بَلْ خمسةٌ، أَوْ ستةٌ. 326 - وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ قَدْ هَذَّبَهُ ... (إِبْنُ أبي حَاتِمِ) إِذْ رَتَّبَهُ 327 - وَالشَّيْخُ زَادَ فِيْهِمَا، وَزِدْتُ ... مَا فِي كَلاَمِ أَهْلِهِ وَجَدْتُ ¬

_ (¬1) نقله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 283، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62، وفتح المغيث 1/ 389، وتدريب الرّاوي 1/ 341. (¬2) ((عنه)) سقطت من (م). (¬3) في (ع): ((أو)). (¬4) في (ع): ((من)). (¬5) قاله في جزء له جمعه في " شرط القراءة " كما قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة 2/ 62. وذكره الذهبي في السير 21/ 21 باسم: " جزء شرط القراءة على الشّيخ ". وانظر: تدريب الرّاوي 1/ 341. (¬6) الميزان 1/ 4.

328 - فَأَرْفَعُ التَّعْدِيلِ: مَا كَرَّرْتَهُ ... كَـ (ـثِقَةٍ) (ثَبْتٍ) وَلَوْ أَعَدْتَهُ 329 - ثُمَّ يَلِيْهِ (ثِقَةٌ) أوْ (ثَبْتٌ) اوْ ... (مُتْقِنٌ) (¬1) اوْ (حُجَّةٌ) اوْ (¬2) إذا عَزَوْا 330 - الحِفْظَ أَوْ ضَبْطاً لِعَدْلٍ وَيَلِي (¬3) ... (لَيْسَ بِهِ بَأسٌ) (¬4) (صَدُوقٌ) وَصِلِ 331 - بِذَاكَ (مَأَمُوْناً) (خِيَاراً) وَتَلا ... (مَحَلُّهُ الصِّدْقُ) رَوَوْا عَنْهُ إلى 332 - الصِّدْقِ مَا هُوَ كذَا (¬5) شَيْخٌ وَسَطْ ... أَوْ وَسَطٌ فَحَسْبُ أَوْ شَيْخٌ فَقَطْ 333 - وَ (صَالِحُ الْحَدِيْثِ) أَوْ (مُقَارِبُهْ) ... (جَيِّدُهُ)، (حَسَنُهُ)، (مُقَارَبُهْ) 334 - صُوَيْلِحٌ صَدُوْقٌ انْ (¬6) شَاءَاللهْ ... أَرْجُوْ بِأَنْ (لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) عَرَاهْ (¬7) (والجرْحُ والتَّعديلُ) الْمُنْقَسِمانِ إجْمالاً إلى أعلى، وأدْنى، وأوسطِ (¬8) (قَدْ هذَّبَهُ) أي: نقى كُلاً مِنْهُمَا، أي: نقَّى اللفظَ الصَّادِرَ مِنَ الْمُحدِّثينَ فِيْهِمَا الإمامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرحمانِ (إبنُ أبي حاتِمِ) - بغير تنوينٍ للوزنِ -، وبه مَعَ درجِ الهمزةِ (إِذْ رَتَّبَهُ) في مقدّمةِ كتابِهِ " الْجَرحِ والتَّعْدِيْلِ " (¬9) فأجَادَ وأحْسَنَ. ¬

_ (¬1) في النفائس: ((متفق))، والأولى ما أثبت. (¬2) الهمزات في (أو) في هذا البيت سوى الأولى مدرجة؛ لضرورة الوزن كما ذكر ذلك الشارح. (¬3) في نسخة (ج‍) من متن الألفية: ((وتلي)). (¬4) بعد هذا في (النفائس) و (فتح المغيث): ((أو))، ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. (¬5) في نسخة (أ) و (ب) و (ج‍): ((ما هو وكذا))، ولا يستقيم الوزن هكذا، وهو في النفائس وفتح المغيث: ((كذا)) بلا واو وهو الصحيح، إلا إذا سكن الواو في ((هو)) لضرورة الوزن. (¬6) بدرج همزة ((إن))؛ لضرورة الوزن. (¬7) أصاب ((عروض)) البيت الوقف وهو إسكان السابع المتحرك من التفعيلة، ويعنى أنه نقل من الرجز إلى البحر السريع. وبذا تنقل تفعيلته إلى ((مفعولات)). أما ((الضرب)) فقد أصابه ((التذييل)) وهو لا يدخل الرجز وإنما يدخل على مجزوء البسيط والكامل، والتذييل زيادة ساكن ثامن على التفعيلة، وإنما أصاب ضرب الرجز شذوذاً وضرورة وسيشير الشارح إلى ذلك. (¬8) في (م): ((وسط)). (¬9) الجرح والتعديل 2/ 37.

(والشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬1) (زَادَ) عَلَيْهِ (فِيْهِمَا) ألفاظاً من كَلامِ غيرِهِ مِنَ الأئِمّةِ، (وَزِدْتُ) أنا عَلَيْهِمَا (مَا في كَلاَمِ) أئِمَّةِ (أهْلِهِ) أي: الحَدِيْث (وَجَدْتُ) مِنَ الألفاظِ في ذَلِكَ. (فأرفَعُ) مَراتبِ (التَّعديلِ) مَا أتى - كَمَا قَالَ شيخُنا - بصيغَةِ أفْعَلَ، كأوثقِ الناسِ، أَوْ أثبتِ الناسِ، وكذا إِليهِ المُنْتَهَى في التثبُّتِ (¬2). ثُمَّ يَلِيهِ مَا هُوَ المرتبةُ الأولى عِنْدَ الذَّهَبِيِّ (¬3)، وتَبِعَهُ الناظمُ (مَا كرَّرْتَهُ) أنتَ مِن ألفاظِ (¬4) المرتبةِ الثانيةِ عندهُ، سَواءٌ اختلفَتِ الألفاظُ (ك‍: ثِقَةٍ ثَبْتٍ) أَوْ ثَبْتٍ حُجَّةٍ أَمْ لا، كَمَا ذكرَهُ بقولِهِ: (وَلَوْ أَعَدْتَهُ) أي: اللفظَ الواحدَ كثقةٍ ثقةٍ، أَوْ ثَبْتٍ ثَبْتٍ. فإنْ زادَ عَلَى مرَّتينِ، أَوْ أكثرَ كَانَ أعْلى مِنْها، والثَّبْتُ - بالإسكان - الثابتُ، وبالفتح: الثَّبَاتُ (¬5)، والحُجَّةُ، وما يُثْبِتُ فِيهِ المُحَدِّثُ سماعَهُ مَعَ أسماءِ المشاركينَ لَهُ فِيهِ. (ثُمَّ يَلِيْهِ) مَا هُوَ المرتبةُ الأولى عِنْدَ ابنِ أبي حاتمٍ (¬6)، وابنِ الصَّلاحِ (¬7)، والثانيةُ عِنْدَ الناظمِ (¬8)، والثالثةُ عِنْدَ شَيخِنا (¬9): (ثِقةٌ، أَوْ ثَبْتٌ، اوْ) فلانٌ (متقنٌ، اوْ حُجَّةٌ، ¬

_ (¬1) قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 284: ((ونورد ما ذكره - أي ابن أبي حاتم - ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره)). وقد زاد من جاء بعده أيضاً، انظر تفصيل ذلك في: مقدمة الميزان 1/ 4، وشرح التبصرة 2/ 64، والتقييد: 157، ومقدمة تقريب التهذيب: 74، ونزهة النظر: 187، وفتح المغيث 1/ 390، وتدريب الرّاوي 1/ 341، وتوضيح الأفكار 2/ 261. (¬2) نزهة النظر: 187. (¬3) ميزان الاعتدال 1/ 4. (¬4) في (ق): ((الألفاظ)). (¬5) انظر: تاج العروس 4/ 476 (ثبت). (¬6) انظر: الجرح والتعديل 2/ 37. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 284، وانظر: النكت الوفية 235/ب. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66. (¬9) انظر: تقريب التهذيب: 74.

اوْ إذَا عَزَوا) بدرج همزة ((أَوْ)) في الثَّلاثَةِ الأخيرةِ أي: أَوْ نسبَ (¬1) الأئِمَّةُ (الحِفْظَ، أَوْ ضَبْطاً لِعَدْلٍ (¬2))، كأنْ يُقالَ فِيهِ: حافظٌ، أَوْ ضابطٌ. فَمُجرَّدُ الوصفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ كافٍ في التَّوثيقِ، بَلْ بَيْنَهُمَا وَبينَ العَدْلِ عُمومٌ وخُصوصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لأنَّهما يُوجدانِ بدونِهِ، ويوجدُ بدونهما، ويوجدُ (¬3) الثَّلاثَةُ (¬4). فَعُلِمَ أنَّ الوصفَ بكلٍّ مِنْهُمَا مَعَ العَدْلِ كافٍ، وأنَّهُ يَلِي مرتبةَ التكريرِ عِنْدَ الناظمِ كالذهبيِّ، لَكِنْ جعلَهُ شَيخُنا مِنْهُمَا. (وَيَلِي) هذِهِ المرتبةَ رابعةٌ عِنْدَ شَيْخِنا (¬5)، وَهِيَ قولُهم: (لَيْسَ بِهِ بَأسٌ)، أَوْ لا بأسَ بِهِ، أَوْ (صَدُوقٌ، وَصِلِ) - بكسر اللام - مما لَمْ يذكرْهُ ابنُ الصَّلاحِ (بذاكَ) أي: بما ذكرَ في المرتبةِ الرابعةِ (مَأمُوناً)، أَوْ (خِيَاراً). كأنْ يُقالَ: هُوَ مأمونٌ، أَوْ خيارُ الناسِ. (وَتَلا) هذِهِ المرتبةَ خامسةٌ في غَيْرِ صالحِ الحَدِيْثِ، وَهِيَ: (مَحَلُّهُ الصِّدْقُ) وفاقاً للذهبيِّ (¬6)، خلافاً لابنِ أبي حاتِمٍ، وابنِ الصَّلاحِ في إدراجِهما لَها في الرابعةِ التي هِيَ ثانيةٌ عِنْدَهُما. أَوْ (رَوَوْا عَنْهُ)، أَوْ يُروى عَنْهُ، أَوْ (إلى الصِّدْقِ مَا هُوَ) أي: هُوَ قَريبٌ مِنْهُ. فحرفُ الجرِّ متعلقٌ بقريبٍ المقدَّرِ، و ((ما)) زائدةٌ (¬7). (كَذا شَيْخٌ وَسَطْ، أَوْ وَسَطٌ فَحَسْبُ) أي: بدونِ شيخٍ، (أَوْ شيخٌ فَقَطْ) أي: بدونِ وسطٍ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((نسبت)). (¬2) في (م): ((للعدل)). (¬3) في (م): ((وتوجد)). (¬4) انظر: فتح المغيث 1/ 392. (¬5) انظر: تقريب التهذيب: 74. (¬6) ميزان الاعتدال 1/ 4. (¬7) انظر: النكت الوفية: 234/ ب، وتدريب الرّاوي 1/ 350، وتوضيح الأفكار 2/ 265، ودراسات في الجرح والتعديل: 247.

وَلَمْ يَذْكُرِ ابنُ أبي حاتِمٍ، وابنُ الصَّلاحِ في هذِهِ المرتبةِ - التي هِيَ عِنْدَهُمَا الثالثةُ - غَيْرَ الأخيرةِ. (و) كَذَا (صَالِحُ الحَدِيْثِ)، وهذه عِنْدَهُمَا الرابعةُ، وعندَ الناظمِ في "شرحِهِ" (¬1) - بترددٍ - الخامسةُ، وعند شيخِنا السادسةُ. ومن المرتبةِ (¬2) الخامسةِ، قولُهم: يُعْتَبَرُ بِهِ-أي: في المُتابعاتِ والشواهدِ-أَوْ يُكتبُ حديثُهُ. (أَوْ مُقَارِبُهْ) أي: الحَدِيْثُ، وَهُوَ بكسرِ الراء من القُرْبِ ضدَّ البُعْدِ، أي: حديثُه يقارِبُ حديثَ غيرِهِ، أَوْ (جَيِّدُهُ)، أَوْ (حَسَنُهُ)، أَوْ (مقارَبُهْ) - بفتحِ الرّاء - أي: حديثُه يُقَاربهُ حديثُ غيرِهِ، فَهُوَ بالكسرِ، والفتحِ (¬3) بمعنى: أنَّ حديثَهُ لَيْسَ بشاذٍّ ولا مُنكرٍ. أَوْ (صُوَيْلحٌ)، أَوْ (صَدُوقٌ انْ شاءَ اللهْ) - بدرجِ الهمزةِ -، أَوْ (¬4) (أَرْجُوْ بِأَنْ) أي: أَنْ (لَيْسَ بِهِ بأسٌ عَرَاهْ) أي: غَشِيَهُ (¬5). وخالفَ الذهبيُّ في أهلِ (¬6) هذِهِ المرتبةِ، فجعلَ: محلَّه الصِّدقَ، وصالِحَ الحَدِيْثِ، وحَسَنَهُ، وصدوقاً إنْ شاءَ اللهُ؛ مرتبةً (¬7). ورَوَى الناسُ عَنْهُ، وشَيْخاً (¬8)، وصُويلحاً، ومُقارباً، مَعَ مَا بِهِ بأسٌ، ويُكتَبُ حديثُهُ، وما عَلِمْتُ فِيهِ (¬9) جَرْحاً أخرى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68. (¬2) لم ترد في (ع). (¬3) قال ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي 1/ 17: ((ويروى بفتح الراء وكسرها وبفتحها قرأته، فمن فتح أراد أن غيره يقاربه في الحفظ، ومن كسر أراد أنه يقارب غيره، فهو في الأوّل مفعول وفي الثّاني فاعل، والمعنى واحد))، وانظر: النكت الوفية: 236/ ب. (¬4) في (ص): ((إن)). (¬5) قال صاحب الصحاح 6/ 2423 (عرا): ((عراني هذا الأمر واعتراني، إذا غشيك)). (¬6) لم ترد في (م). (¬7) انظر: الميزان 1/ 4. (¬8) في (ع) و (ص): ((وشيخنا)). (¬9) في (ق): ((به)).

وصرَّحَ ابنُ الصَّلاحِ (¬1) بأنَّ قولَهُم: ((مَا أعلمُ بِهِ بأساً)) دُوْنَ ((لا بأسَ بِهِ)) والناظمُ بأنَّ ((أرجو أنْ لا بأسَ بِهِ)) نظيرُ ((مَا أعلمُ بِهِ بأساً))، أَوْ أرفعُ مِنْها؛ إِذْ لا يلزمُ من عدمِ العِلْمِ بِالشيءِ حصولُ الرجاءِ بِهِ (¬2). والحُكْمُ في أهلِ هذِهِ المراتبِ، الاحتجاجُ بهم في الثلاثةِ الأُوْلى بخلافِهم في الباقي؛ لأنَّ ألفاظَهم فِيهِ لا (¬3) تُشْعِرُ بشريطةِ الضَّبْطِ، بَلْ يضبطُ حديثُهم للاعتبار وللاختبارِ (¬4)، هَلْ لَهُ أصلٌ من روايةِ غيرِه؟ نَعَمْ، حديثُ بَعْضِ أهلِ الخامسةِ، لكونِها دُوْنَ الرابعةِ، قَدْ لا يكتبُ للاختبارِ. وَفِي قولِهِ: (إنْ (¬5) شاءَ اللهْ)، و (بأسٌ عراهْ) إذالةٌ وَهِيَ: زيادةُ ساكنٍ آخرَ (¬6) بَعْدَ وتدٍ مَجْمُوْعٍ مَعَ أنَّ في الأَوَّلِ القطعَ أَيْضاً، وَهُوَ: حَذْفُ ساكنِ الوتدِ المجموعِ، وتسكينُ مَا قَبْلَهُ. والإذالةُ جائزةٌ في مجزوءِ البسيطِ والكاملِ، وكأنَّ الناظمَ ارتكبَها في الرَّجَزِ تشبيهاً لَهُ بهما للضرورةِ (¬7). 335 - وَ (ابْنُ مَعِيْنٍ) قال: مَنْ أَقُوْلُ: (لاَ ... بَأْسَ بِهِ) فَثِقَةٌ وَنُقِلاَ 336 - أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ أَجَابَ مَنْ سَأَلْ: ... أَثِقَةً كَاَنَ أبو خَلْدَةَ؟ بَلْ 337 - كَانَ (صَدُوْقاً) (خَيِّراً) (مَأْمُوْنَا) ... الثِّقَةُ (الثُّوْرِيُّ) لَوْ تَعُوْنَا 338 - وَرُبَّمَا وَصَفَ ذَا الصِّدْقِ وَسَمْ ... ضُعْفاً بِ (صَالِحِ الْحَدِيْثِ) إِذْ يَسِمْ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 288. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70. (¬3) سقطت من (م). (¬4) انظر: الجرح والتعديل 2/ 37، ومعرفة أنواع علم الحديث: 285، والمقنع 1/ 283. (¬5) لم ترد في (م). (¬6) في (ع) و (م): ((آخراً)). (¬7) انظر: النكت الوفية: 235/ أ.

ثُمَّ مَا مَرَّ مِنْ أنَّ الوصفَ بثقةٍ أرفعُ مِنْهُ بـ ((لَيْسَ بِهِ بأسٌ))، قَدْ يُقَالُ: يُنافيهِ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (و) الإمامُ يَحْيَى (ابنُ مَعِيْنٍ) - بفتح الميمِ - سوَّى بَيْنَهما، إِذْ قِيلَ لَهُ: إنَّكَ تقولُ: فلانٌ لَيْسَ بِهِ بأسٌ، وفُلانٌ ضَعِيْفٌ؟ (قَالَ: مَنْ أقُوْلُ) فِيهِ: (لا بأسَ بِهِ، فَثِقَةٌ)، ومَنْ أقولُ فِيهِ: ضَعِيْفٌ، فليس بثقةٍ، لا (¬1) يُكْتَبُ حديثُهُ (¬2). ونحوهُ قولُ دُحَيْمٍ عبدِ الرحمانِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، فإنَّ أبا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ (¬3)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تقولُ في عَلِيِّ بنِ حَوْشَبٍ الفزاريِّ؟ قَالَ: لا بأسَ بِهِ (¬4). قَالَ فقلتُ: وَلِمَ لا تقولُ: ثقةٌ، ولا تعلمُ إلاَّ خيراً؟ قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ إنَّه ثقةٌ. وأجابَ ابنُ الصَّلاح (¬5) بأنَّ ابنَ مَعِيْنٍ، إنَّما نَسَبَ ذَلِكَ لنفسِهِ، بخلافِ مَا مَرَّ. وهَذَا قَدْ يشكلُ بجوابِ دُحَيْمٍ. وأجابَ الناظمُ (¬6) بما حَاصِلُهُ: أنَّ ابنَ مَعِيْنٍ، لَمْ يُصَرِّحْ بالتسويةِ بَيْنَهُمَا، بَلْ أشرَكَهَا في مطلقِ الثقةِ؛ فَلا ينافي مَا مَرَّ. (ونُقِلاَ) - بِبِنائِهِ لِلمَفْعولِ - مِمّا يُؤيّدُ أرفعيةَ الوَصْفِ بالثقةِ (أنَّ) الإمامَ (¬7) عبدَ الرحمانِ (ابنَ مَهْدِيٍّ) لَمَّا رَوَى عَنْ أبي خَلْدَةَ (¬8) خالدِ بنِ دينارٍ التميميِّ التابعيِّ ¬

_ (¬1) في (م): ((ولا)). (¬2) الكفاية (60 ت، 22 هـ‍). (¬3) تاريخ أبي زرعة الدّمشقيّ 1/ 395، ونقله المزي في تهذيب الكمال 5/ 245 (4651)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71 - 72، وفتح المغيث 1/ 396. (¬4) قول دحيم هذا اعتمده الذهبي في الكاشف 2/ 39 (3909). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 285. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71 وعبارته: ((ولم يقل ابن معين إن قولي: ليس به بأس، كقولي: ثقة، حتّى يلزم منه التساوي بين اللفظين ... )). (¬7) لم ترد في (م). (¬8) خلدة - بفتح المعجمة وسكون اللام - انظر: الكاشف 1/ 363، والتقريب (1627).

مراتب التجريح

(أَجَابَ مَنْ سألْ) مِنْهُ، وَهُوَ عمرُو بنُ عَلِيٍّ الفلاَّسُ (أثقةً كَانَ أَبُو خَلْدَةَ؟) بقولِهِ: (بَلْ كَانَ صَدُوقاً)، وَكَانَ (خَيِّراً)، ورُوِيَ خِيَاراً، وَكَانَ (مَأمُوناً، الثِّقةُ) شُعبةُ وسفيانُ (¬1) (الثَّوْرِيُّ، لَوْ) كنتُم (تَعُونَا) أي: تَفْهَمونَ مراتبَ الرُّواةِ، ومَواقعَ ألفاظِهم، مَا سألتُم عَنْ ذَلِكَ. فصرَّحَ بأرفعيةِ ((ثِقَة)) عَلَى كُلٍّ مِنْ صدوقٍ، وخيِّرٍ، ومأمونٍ، الذي كُلٍّ مِنْهُمَا في مرتبةٍ ((لَيْسَ بِهِ بأسٌ)). وقولُه: ((لَوْ تَعُونَا)) تكملةٌ. (ورُبَّمَا وَصَفَ) ابنُ مهديٍّ أَيْضاً (ذا الصِّدقِ) أي: الصدوقَ الذي (وَسْمَ ضَعْفاً) أي الموسومَ بالضعفِ لسوءِ حِفظِه وغلطِهِ، ونحوِهما: (بـ: صالحِ الحَدِيْثِ) المنحطِّ عَنْ مرتبةِ ((لَيْسَ بِهِ بأسٌ)) (إِذْ يَسِم) -بفتحِ التحتيةِ- أي: حِيْنَ يُعَلِّمُ عَلَى الرُّواةِ بما تتميَّزُ بِهِ مراتبُهم من لفظٍ أَوْ كتابةٍ. مَرَاتِبُ التَّجْرِيْحِ (مراتبُ) ألفاظِ (التجريحِ)، وَهِيَ ستةٌ: 339 - وَأَسْوَأُ التَّجْرِيْحِ: (كَذَّابٌ) (يَضَعْ) ... يَكْذِبُ وَضَّاعٌ وَدَجَّالٌ وَضَعْ 340 - وَبَعْدَهَا مُتَّهَمٌ بَالْكَذِبِ ... وَ (سَاقِطٌ) وَ (هَالِكٌ) فَاجْتَنِبِ 341 - وَذَاهِبٌ مَتْرُوْكٌ اوْ (¬2) فِيْهِ نَظَرْ ... وَ (سَكَتُوْا عَنْهُ) (بِهِ لاَ يُعْتَبَرْ) 342 - وَ (لَيْسَ بِالثِّقَةِ) ثُمَّ (رُدَّا ... حَدِيْثُهُ) كَذَا (ضَعِيْفٌ جِدَّا) 343 - (وَاهٍ بِمَرَّةٍ) وَ (هُمْ قَدْ طَرَحُوْا ... حَدِيْثَهُ) وَ (ارَمِ بِهِ مُطَّرَحُ) 344 - (لَيْسَ بِشَيءٍ) (لاَ يُسَاوِي شَيْئاً) ... ثُمَّ (ضَعِيْفٌ) وَكَذَا إِنْ جِيْئَا ¬

_ (¬1) هذا النص في التاريخ الكبير للبخاري 3/ 147 (500)، والجرح والتعديل 3/ 328 (1471)، وليس فيه: ((كان صدوقاً))، وكذلك نقله المزي في تهذيب الكمال 2/ 342 (1590)، وانظر: التقييد والإيضاح: 158. (¬2) بوصل همزة ((أو)) لضرورة الوزن كما سينبه عليه الشارح.

345 - بِمُنْكَرِ الْحَدِيْثِ أَوْ مُضْطَرِبِهْ ... (وَاهٍ) وَ (ضَعَّفُوهُ) (لاَ يُحْتَجُّ بِهْ) 346 - وَبَعْدَهَا (فِيْهِ مَقَالٌ) (ضُعِّفْ) ... وَفِيْهِ ضَعْفٌ تُنْكِرُ وَتَعْرِفْ 347 - (لَيْسَ بِذَاكَ بالْمَتِيْنِ بِالْقَوِيْ ... بِحُجَّةٍ بِعُمْدَةٍ بِالْمَرْضِيْ) 348 - لِلضَّعْفِ مَا هُوْ فيْهِ خُلْفٌ طَعَنُوْا ... فِيْهِ كَذَا (سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ) 349 - (تَكَلَّمُوا فِيْهِ) وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ ... مِنْ بَعْدُ شَيْئاً بِحَدِيْثِهِ اعْتُبِرْ (¬1) (وأَسْوَأُ التَّجريحِ) مَا أتى - كَمَا قَالَ شَيْخُنا (¬2) - بصيغةِ أفْعَلَ، ك‍: أكذَبِ الناسِ، وَكَذا إِليهِ المنتهى في الكذبِ، أَوْ الوضعِ. ثُمَّ يليهِ مرتبةٌ ثانيةٌ بالنظرِ لِذلِكَ، وَهِيَ: (كذَّابٌ)، أَوْ (يَضَعْ) أي: الحديثَ، أَوْ (يَكْذِبُ)، أَو (وضَّاعٌ، و) كَذَا (دَجَّالٌ)، أَوْ (وَضَعْ) أي: الحديثَ (¬3). وهذه الألفاظُ - وإنْ كانتْ في مَرتبةٍ - تَتَفاوتُ، كَمَا لا يَخْفَى. (وَبَعْدَهَا) أي: هذِهِ المرتبة، ثالثةٌ، وَهِيَ: فلانٌ (مُتَّهَمٌ بالكذبِ)، أَوْ بالوضعِ، (و) فلانٌ (ساقطٌ، و) فلانٌ (هالكٌ؛ فاجتَنِبِ) الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ. (و) فلانٌ (ذاهبٌ)، أَوْ ذاهبُ الحَدِيْثِ، أَوْ (متروكٌ)، أَوْ متروكُ الحَدِيْثِ، أَوْ تَرَكُوهُ، (اوْ) -بدرجِ الهمزةِ-، (فِيهِ نظرْ، و) فلانٌ (سَكَتُوا عَنْهُ)، أَوْ (بِهِ لا يُعتَبَرْ) عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ، أَوْ لا يُعتبرُ بحديثِهِ، (و) فلانٌ (لَيْسَ بالثقةِ)، أَوْ لَيْسَ بثقةٍ، أَوْ غيرُ مأمونٍ، أَوْ نحوُها. (ثُمَّ) يليها رابعةٌ، وَهِيَ: ¬

_ (¬1) قال البقاعي: ((وكلّ من ذكر)) مبتدأ مضاف إلى ((من)) و ((بعد)) مجرور بـ ((من)) ومضاف إلى ((شيئاً)) ولفظه محكيٌّ، والجر في محلّه، و ((اعتبر)) خبر المبتدأ، و ((بحديثه)) متعلق بالخبر. النكت الوفية: 240/ أ. (¬2) نزهة النظر: 187. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 75.

فلانٌ (رُدَّا) (¬1) ببنائِه للمفعولِ (حديثُهُ)، أَوْ رَدُّوْا حديثَهُ، أَوْ مردودٌ، أَوْ مردودُ الحَدِيْثِ، و (كَذَا) فلانٌ (ضعيفٌ جدّا)، وفلانٌ (واهٍ بِمرَّةٍ) أي: قَوْلاً جازماً، (و) فلانٌ (هُمْ) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ (قَدْ طَرَحُوا حديثَهُ، و) فلانٌ (ارْمِ بِهِ)، أَوْ (مُطَّرَحُ)، أَوْ مَطْرُوحُ الحَدِيْثِ، أَوْ لا يُكتَبُ حديثُهُ، أَوْ (لَيْسَ بشيءٍ)، أَوْ لا شيءَ، أَوْ لا يساوي فلساً، أَوْ (لا يُسَاوي شَيْئاً)، أَوْ نحوها. (ثُمَّ) يلي (¬2) هذِهِ خامسةٌ، وَهِيَ: فلانٌ (ضعيفٌ، وكذا إن جِيئَا) - بألفِ الإطلاقِ - في وَصْفِ الرَّاوِي (بِمُنْكَرِ الحَدِيْثِ)، أَوْ حديثُهُ منكرٌ، أَوْ لَهُ مَا يُنْكَرُ (¬3)، أَوْ مناكيرُ، (أَوْ مُضْطَرِبِهْ (¬4)) أي: الحَدِيْثِ، أَوْ (واهٍ، و) فلانٌ (ضَعَّفوهُ)، أَوْ (لا يُحتجُّ بِهْ). (وبَعْدَها) سادسةٌ، وَهِيَ: فلانٌ (فِيهِ مَقالٌ)، أَوْ أدْنى مَقالٍ، أَوْ (ضُعِّفْ) - بالتشديدِ، والبناءِ للمفعولِ -، (و) فلانٌ (فِيهِ)، أَوْ في حديثِهِ (ضَعْفٌ)، أَوْ (تُنْكِرُ) أي: مِنْهُ مرَّةً، (وتَعْرِفْ) أي: مِنْهُ أُخرى (¬5)؛ لكونِهِ يأتي مرةً بالمناكيرِ، ومرةً بالمشاهيرِ. والجزءُ الثَّانِي من عجزِ البيتِ دخلَهُ الكَفُّ، إنْ لَمْ تُشْبَعْ حركةُ ((تُنْكِر))، وَهُوَ لا يَدْخُلُ بحرَ الرَّجَزِ، وَلَوْ قَالَ: ((تُنكرهْ)) - بهاءٍ ساكنةٍ - سَلِمَ مِن ذَلِكَ، و ((تَعْرِفْ)) دَخَلهُ الخَبْنُ والقَطْعُ (¬6). وفلانٌ (لَيْسَ بِذاكَ)، أَوْ بِذاكَ القويِّ، أَوْ لَيْسَ (بالمتينِ)، أَوْ لَيْسَ (بالقويْ) أَوْ لَيْسَ (بحجَّةٍ)، أَوْ لَيْسَ (بعُمْدَةٍ)، أَوْ لَيْسَ بمأمونٍ، أَوْ لَيْسَ (بالمَرْضِيْ). ¬

_ (¬1) في (م): ((ردّ)). (¬2) في (م): ((يليها)). (¬3) في (م): ((مناكير)). (¬4) في (م): ((بمضطربه)). (¬5) في (ص): ((مرة أخرى)). (¬6) انظر: النكت الوفية: 239/ب. وما ذكره الشارح من مصطلحات عروضية تراجع في كتب العروض. انظر مثلاً: معجم مصطلحات العروض والقوافي: 225 و 70 و 202 على التوالي.

متى يصح تحمل الحديث أو يستحب

وفلانٌ مَجْهُوْلٌ، أَوْ فِيهِ جَهالةٌ، أَوْ لا أدري مَا هُوَ، أَوْ (لِلضَّعْفِ مَا هُوْ) أي: هُوَ قريبٌ مِنْهُ عَلَى مَا مَرَّ، أَوْ (¬1) (فِيهِ خُلْفٌ)، أَوْ (طَعَنُوا فِيهِ)، أَوْ مَطْعونٌ فِيهِ. (كذا (¬2) سَيِّئُ حِفْظٍ)، أَوْ (ليِّنُ)، أَوْ ليِّنُ الحديثِ، أَوْ فِيهِ لِيْنٌ، أَوْ (تَكَلَّموا فِيهِ). والحكمُ في أهلِ المراتبِ الأربع الأُوَلِ: أنَّه لا يُحتجُّ بأحدٍ مِنْهُمْ، ولا يُستَشْهَدُ بِهِ، ولا يُعتَبَرُ بِهِ. (وكلُّ مَنْ ذُكِرْ مِنْ بَعْدُ) قوله: لا يساوي (شيئاً)، وَهُوَ مَا عدا الأربعِ (بحديثِهِ اعتُبِر) لإشعارِ صيغتِهِ بصلاحيةِ المتصفِ بمضمونِها لِذلِكَ. ومَا زادَهُ من ألفاظِ الجرحِ التي أشارَ إليها فِيْمَا مَرَّ بقولِهِ: ((وزدْتُ مَا في كَلامِ أهلِهِ وَجَدْتُ)) (¬3)، وَهُوَ: يَضَعُ، ووضَّاعٌ، والثلاثةُ بعدَهُ، وهَالكٌ، وفِيهِ نَظرٌ، والتِّسعةُ بعدَهُ ولا يُساوي شيئاً، ومنكرُ الحَدِيْث، وواهٍ، وضَعَّفُوهُ، وفيه مَقالٌ، وضُعِّفَ، وتُنكِرُ وتَعْرِفُ (¬4)، وَلَيْسَ بالمتينِ، وَلَيْسَ بحُجَّةٍ إلى آخرِهِ مَا عَدا قوله: ليِّنٌ (¬5). مَتَى يَصحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ أوْ يُسْتَحَبُّ؟ (متى يَصِحُّ تحمُّل الحَدِيْثِ، أَوْ) أي ومتى (يُستحبُّ). 350 - وَقَبِلُوا مِنْ مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ ... فِي كُفْرِهِ كَذَا صَبِيٌّ حُمِّلاَ 351 - ثُمَّ رَوَى بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَمَنَعْ ... قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ (كَالسِّبْطَيْنِ) مَعْ 352 - إِحْضَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلصِّبْيَانِ ثُمّْ ... قَبُوْلُهُمْ مَا حَدَّثُوا بَعْدَ الْحُلُمْ ¬

_ (¬1) ((أو)): سقطت من (ق). (¬2) في (م): ((وكذا)) (¬3) البيت رقم (327). (¬4) المشهور في هذه الجملة: ((تعرف وتنكر)) بتاء الخطاب، وتقال أيضاً: ((يعرف وينكر)) بياء الغيبة مبنياً للمجهول. ومعنى هذه الجملة على وجهيها: أنه يأتي مرة بالأحاديث المعروفة، ومرة بالأحاديث المنكرة، فأحاديثه تحتاج إلى سبر وعرض على أحاديث الثّقات المعروفين. انظر: التعليق على الرفع والتكميل: 143. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 79.

(وقَبِلُوا) - أي: المُحَدِّثُوْنَ - الرِّوَايَةَ (من مُسْلِمٍ) مُسْتَكْمِلٍ الشروطَ (تَحَمُّلا)، الحديثَ (¬1) (في) حالِ (كُفْرِهِ)، وأدائِهِ بَعْدَ إسْلامِهِ؛ لأنَّ جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَدِمَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في فِدَاءِ أُسَارَى بدرٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَسَمِعَهُ حينئذٍ يَقْرَأُ في المغربِ بِالطُّورِ (¬2)، قَالَ: وذلك أوَّلُ مَا وَقَرَ الإيمانُ في قَلْبِي (¬3). ثُمَّ أدَّى ذَلِكَ بَعْدَ إسلامِهِ، وحُمِلَ عَنْهُ. و (كَذَا) يقبلُ عِنْدَهُم (صَبيٌّ حُمِّلا) الحديثَ (ثُمَّ رَوَى بَعْدَ البلوغِ) مَا تَحَمَّلَهُ في حالِ صِباهُ، (وَمَنَعْ قومٌ) القَبُولَ (¬4) (هُنَا) أي: في مَسْأَلَةِ الصبيِّ؛ لأنَّ الصَّبيَّ مَظِنَّةُ عَدمِ الضَّبْطِ. (ورُدَّ) عَلَيْهِمْ، بإجماعِ الأئمَّةِ عَلَى قَبولِ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِن صِغارِ الصَّحابةِ، تحمَّلُوهُ (¬5) في صِغَرِهِم، (كالسِّبطينِ) الحسنِ والحُسَينِ ابني بنتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فاطمةَ، وكعبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، والنعمانِ بنِ بَشِيْرٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ (¬6). ¬

_ (¬1) قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: 238: ((تحمل الحديث لا يشترط فيه أهلية الرّواية)). (¬2) أخرجه مالك (207)، والشافعي في مسنده 1/ 79و (142) بتحقيقنا، والطيالسي (946)، وعبد الرزاق (2692)، والحميدي (556)، وأحمد 4/ 80 و 83 و 84 و 85، والدارمي (1299)، والبخاري 1/ 194 (764) و 4/ 84 (3050) و 6/ 175 (4854)، وفي خلق أفعال العباد (47)، ومسلم 2/ 41 (463)، وأبو داود (811)، وابن ماجه (832)، والنسائي 2/ 169، وأبو يعلى (7393)، وابن خزيمة (514) و (1589)، وأبو عوانة 2/ 153 و 154، والطحاوي 1/ 211، وابن حبان (1829) و (1830)، والطبراني (1491) و (1496). كلهم من طريق محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه به. (¬3) صحيح البخاريّ 5/ 110 (4023)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 80 - 81. (¬4) وهو وجه لبعض الشافعية. انظر: الإبهاج 2/ 313، والبحر المحيط 4/ 302، ومحاسن الاصطلاح: 241، وفتح المغيث 2/ 7 - 8. (¬5) وقد بوّب الخطيب البغدادي في الكفاية: (103 - 119 ت، 54 - 66 هـ‍): ((باب: ما جاء في صحة سماع الصغير)) أورد فيه جملة من الآثار التي حفظها صغار الصحابة، ومن بعدهم، وحدثوا بها بعد ذلك، وقبلت منهم. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 81.

(مَعْ إحْضَارِ أَهْلِ العِلْمِ) مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ وغيرِهم (للصِّبْيَانِ) مجالسَ التحديثِ، (ثُمّْ قَبُولُهُمْ) مِنْهُمْ (مَا حدَّثوا) بهِ مِن ذَلِكَ (بَعْدَ الحُلُمْ) أي: البلوغِ. كَمَا وقعَ للقاضيِ أَبِي عُمَرَ (¬1) الهاشميِّ، فإنَّه سَمِعَ " السننَ " لأبي دَاوُد من اللُّؤْلُويِّ، ولِهُ خمسُ سنينَ، وَاعْتَدَّ (¬2) الناسُ بسماعِهِ، وحمَلوهُ (¬3) عَنْهُ (¬4). وَقَالَ يعقوبُ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عاصمٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ بابني إلى ابنِ جُرَيْجٍ، وسنُّهُ أقلُّ من ثلاثِ سنينَ، فحدَّثَهُ (¬5). وهذا بالنَّظَرِ إلى صِحَّةِ السَّماعِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كونِ السَّامِعِ طَلبَ الحَدِيْثَ بنفسِهِ، أَمْ بغيرِهِ. 353 - وَطَلَبُ الْحَدِيْثِ فِي الْعِشْرِيْنِ ... عِنْدَ (الزُّبَيْرِيِّ) أَحَبُّ حِيْنِ 354 - وَهْوَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَهْلُ الْكُوْفَهْ) ... وَالْعَشْرِ فِي (الْبَصْرَةِ) كَالْمَألُوْفَهْ 355 - وَفِي الثَّلاَثِيْنَ (لأَهْلِ الشَّأْمِ) ... وَيَنْبَغِي تَقْيِيْدُهُ بِالْفَهْمِ 356 - فَكَتْبُهُ بالضَّبْطِ، والسَّمَاعُ ... حَيْثُ يَصِحُّ، وَبِهِ نِزَاعُ 357 - فَالْخَمْسُ (¬6) لِلْجُمْهُورِ ثُمَّ الحُجَّهْ ... قِصَّةُ (مَحْمُوْدٍ) وَعَقْلُ الْمَجَّهْ 358 - وَهْوَ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَقِيْلَ أَرْبَعَهْ ... وَلَيْسَ فِيْهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ 359 - بَلِ الصَّوَابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا ... مُمَيِّزاً وَرَدُّهُ الْجَوَابَا ¬

_ (¬1) هو القاسم بن جعفر بن عبد الواحد بن العبّاس الهاشمي توفّي سنة (414 هـ‍). انظر: المنتظم 8/ 14، وتاريخ بغداد 12/ 451، وسير أعلام النبلاء 17/ 225. (¬2) في (م): ((واعتمد)). (¬3) في نسخة (ق) و (ع): ((وتحملوه)). (¬4) انظر: الكفاية: (116 ت، 64 هـ‍)، وفتح المغيث 2/ 11. (¬5) الكفاية: (116 ت، 64 هـ‍)، وفيه: ((يحدث بهذا الحديث والقرآن)). قال السخاوي: ((وكفى ببعض هذا متمسكاً في الرد فضلاً عن مجموعة، بل قيل: إن مجرد إحضار العلماء للصبيان يستلزم اعتدادهم بروايتهم بعد البلوغ، لكنّه متعقب بأنه يمكن أن يكون الحضور لأجل التمرين والبركة، ثمّ عن ما تقدم من سماع الصبي هو بالنظر للصحة سواء بنفسه أو بغيره)). فتح المغيث 2/ 11. (¬6) في نسخة ب من متن الألفية: ((والخمس)).

(و) أما (طلبُ الحَدِيْثِ) بنفسِهِ، وكتابتُهُ، فَهُوَ (في العِشْرينِ) -بكسرِ النون- مِنَ السنينِ (عِنْدَ) الإمامِ أبي عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِ بنِ أَحْمَدَ (الزُّبَيْرِيِّ) -بضمِّ الزاي (¬1) - (أحبُّ حِينِ) مِمّا قبلَهُ، فهي وَقْتُ استحبابِ طَلَبِ الحديثِ، وكتابتِهِ؛ لأنَّها مُجْتَمَعُ العقلِ (¬2). (وَهْوَ) أي: استحبابُ طلبِهِ فِيْهَا (الّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الكوفَهْ)، فَقَدْ كانوا لا يُخرجُونَ أولادَهم في طلبِهِ إلا عِنْدَ استكمالِ عِشْرينَ سنةً (¬3). (وَ) طلبُهُ في (العَشْرِ) مِنَ السِّنينِ (فِي) أَهْلِ (البصْرةِ، ك‍) ‍الطريقةِ (المأْلُوفَهْ) لَهُمْ حَيْثُ قيَّدوا بها (¬4)، ويجوزُ رفعُ ((العشرِ)) بالابتداءِ، وخبرُهُ: ((كالمألوفَهْ)). (و) طلبُهُ (في الثلاثينَ) مِنَ السنينِ طريقةٌ مألوفةٌ (¬5) (لأهلِ الشأْمِ). (و) الحقُّ عدمُ تقييدِهِ (¬6) بسِنٍّ مخصوصٍ (¬7)، بَلْ (يَنْبَغِي تقييدُهُ بالفَهْمِ)، لحصولِ الغرضِ بِهِ. (فَكَتْبُهُ) أي: ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ (¬8) كَتْبَ الحَدِيْثِ (بالضَّبْطِ) أي: بالتأهُّلِ لَهُ. فَفِي الوقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لابتداءِ الطَّلَبِ، أربعةُ أقوالٍ. (وَ) يَنْبَغِي أَنْ يُقيّدَ (السَّمَاعُ) أي: سَمَاعُ الصَّبيِّ لِلحديثِ (حَيْثُ) أي: بحيثُ، بمعنى حِينَ (يَصِحُّ) سَمَاعُهُ فِيهِ، وذلكَ يختلفُ بِاختلافِ الأَشْخاصِ، ولا ينْحَصِرُ في زمنٍ مَخْصوصٍ، كَمَا قالَهُ ابنُ الصَّلاحِ. ¬

_ (¬1) بضم الزاي وفتح الباء وسكون الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين في آخرها الراء، وهذه النسبة معروفة إلى الزّبير بن العوام ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأنساب 3/ 151. (¬2) المحدّث الفاصل: 187 - 188، والإلماع: 65، والكفاية: (104 ت، 55 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 289. (¬3) قاله موسى بن إسحاق. المحدّث الفاصل: 186، والكفاية: (104 ت، 54 - 55 هـ‍). (¬4) قاله موسى بن هارون الحمال. انظر: المحدث الفاصل: 187. والكفاية (104 ت، 55 هـ‍)، والإلماع: 65، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 83. (¬5) كذلك وقال القاضي عياض في الإلماع: 66: ((سمعت بعض شيوخ العلم يقول: الرّواية من العشرين والدراية من الأربعين)). (¬6) في (ع): ((تخصيص)). (¬7) انظر: فتح المغيث 2/ 12. (¬8) في (م): ((تقيد)).

قَالَ: ((وينبغي بَعْدَ أنْ صارَ الملحوظُ إبقاءَ سِلْسِلةِ الإسنادِ، أن يُبَكَّرَ بإسماعِ الصغيرِ في أوَّلِ زمانٍ يصحُّ فِيهِ سَمَاعُهُ)) (¬1). (وبِهِ) أي: وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ سَماعِهِ (نِزاعُ) بَيْنَ العُلَمَاءِ، جملتُهُ فِيْمَا ذكرَهُ أربعةُ أقوالٍ أَيْضاً. (فالخَمْسُ) مِنَ السِّنينِ التقييدُ بها (للجمهورِ). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: وَعَلَيْهِ استقرَّ عَمَلُ أَهْلِ الحَدِيْثِ المتأخِّرينَ، فَيَكْتُبونَ لابنِ خمسٍ فأكثرَ: ((سَمِعَ))، ولمنْ لَمْ (¬2) يبلغْهَا ((حَضَرَ))، أَوْ ((أُحْضِرَ)) (¬3). (ثُمَّ الْحُجَّهْ) لَهُمْ في التقييدِ بها (قِصَّةُ مَحْمُودٍ)، هُوَ ابنُ الربيعِ، (و) هِيَ: (عَقْلُ الْمجَّهْ) أي: عَقْلُهُ لها، وَهِيَ إرسالُ الماءِ من الفَمِ (¬4)، (وَهْوَ) أي: ومحمودٌ (ابنُ خَمْسَةٍ) مِنَ الأعوامِ. فَقَالَ - كَمَا في البُخَارِيِّ (¬5)، وغيرِهِ (¬6) -: ((عَقَلْتُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِيْ عَنْ دَلْوٍ وَأنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِيْنَ)). وَفَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُ مُدَاعَبةً، أَوْ تبريكاً (¬7). (وَقِيلَ): يعني، وَقَالَ ابنُ عَبْدِ البرِّ: إنَّ محموداً عَقَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ ابنُ (أربعَهْ) مِنَ الأعوامِ (¬8). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 290. (¬2) سقطت من (ص). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 292. (¬4) انظر: فتح الباري 1/ 172. (¬5) صحيح البخاري 1/ 29 (77) و2/ 74 (1185) و8/ 95 (6354) و8/ 111 (6422). (¬6) مسلم 2/ 127 (657) (265)، وابن ماجه (660) و (754)، والنّسائيّ في الكبرى (5865) و (10947)، وفي عمل اليوم والليلة (1108)، وابن خزيمة (1709). (¬7) قال السخاوي في فتح المغيث 2/ 13: ((على وجه المداعبة، أو التبريك عليه، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل مع أولاد أصحابه - رضي الله عنهم -)). (¬8) الاستيعاب 3/ 422، وقال ابن حجر في الفتح 1/ 173 عقب (77): ((لم أقف على هذا صريحاً في شيء من الروايات بعد التتبع التام، إلا إذا كان ذلك مأخوذاً من قول صاحب " الاستيعاب ": أنه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس ... )).

(وَلَيسَ فِيهِ) أي: في تعيينِ وقتِ صِحَّةِ سَمَاعِهِ (سُنَّةٌ مُتَّبعَهْ)؛ إِذْ لاَ يلزمُ مِن تمييزِ مَحْمُودٍ، أَنْ يميِّزَ غيرُهُ تمييزَهُ، بَلْ قَدْ يَنقُصُ عَنْهُ، وَقَدْ يزيدُ. ولا يلزمُ أنْ لا يَعْقِلُ ذَلِكَ، وسنُّهُ أقلُّ مِن ذَلِكَ، كَمَا أنَّهُ لا يلزمُ مِنْ عَقْلِ المجَّةِ أَنْ (¬1) يَعْقِلَ غيرَها ممَّا سَمِعَهُ (¬2). (بَلِ الصَّوابُ) الْمُعْتَبرُ في صِحَّةِ سَمَاعِهِ (فَهْمُهُ الْخِطَابا) حَالةَ (¬3) كونِهِ (مميِّزاً، وردُّه الْجَوابا) وإنْ كَانَ ابنَ أقلَّ مِنْ أرْبَعٍ (¬4). فإنْ لَمْ يكنْ كَذلِكَ، لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ، وإن زادَ عَلَى الخَمْسِ. 360 - وَقِيْلَ: (لابْنِ حَنْبَلٍ) فَرَجُلُ ... قَالَ: لِخَمْسَ عَشْرَةَ التَّحَمُّلُ 361 - يَجُوْزُ لاَ فِي دُوْنِهَا، فَغَلَّطَهْ ... قال: إذا عَقَلَهُ وَضَبَطَهْ 362 - وَقِيْلَ: مَنْ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَقَرْ ... فَرَّقَ سَامِعٌ، وَمَنْ لاَ فَحَضَرْ 363 - قال: بِهِ الَحْمَّالُ، وابْنُ الْمُقْرِيْ ... سَمَّعَ لاِبْنِ أَرْبَعٍ ذِي ذُكْرِ (و) مِمّا يَدلُّ عَلَى اعتبارِ الفَهْمِ، والتَّمييزِ دُوْنَ التَّقييدِ بسِنٍّ، أنَّهُ (قِيلَ لابن حَنْبَلٍ: فَرَجُلُ) أي: أنَّ رجلاً، وَهُوَ ابنُ مَعِيْنٍ (¬5) (قَالَ: لِخَمسَ عَشْرةَ) سنةً (التَّحمُّلُ يَجُوزُ، لا في دُوْنِها) مُحْتَجّاً بأنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ردَّ البراءَ، وابنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يومَ بدرٍ لصغرِهِمَا عَنْ هَذَا السنِّ. (فَغَلَّطَهْ) ابنُ حَنْبَلٍ، و (قَالَ): بئسَ القَوْلُ، بَلْ (إذَا عَقَلهُ) أي: الحَدِيْثَ، (وَضَبَطَهْ) صَحَّ تحمُّلُه وسَماعُهُ، وَلَوْ كَانَ صَبيّاً (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق): ((أن لا)). (¬2) انظر: النكت الوفية: 243/ أ. (¬3) في (ص) و (ق): ((حال)). (¬4) في (م): ((أربع سنين)). (¬5) انظر: فتح المغيث 2/ 16، وقال البقاعي في نكته الوفية243/أ: ((هو يحيى بن معين، وقيل: يحيى بن سعيد)). (¬6) الكفاية: (113 ت، 61 هـ‍).

قَالَ (¬1): وإنَّما التّقْييدُ بِذَلِكَ في القِتالِ، وإلاّ، فَكيفَ يعملُ بوكيعٍ، وابنِ عُيَيْنَةَ، وغيرِهما، ممَّنْ سَمِعَ قَبْلَ هَذَا السنِّ (¬2). (وَقِيلَ: مَنْ بينَ الحِمَارِ والبَقَرْ فرَّقَ)، فَهُوَ (سَامِعٌ، ومَنْ لاَ) يُفَرِّقُ بينَهُما (ف‍) ‍يُقال لَهُ: (حَضَرْ)، ولا يُقالُ لَهُ: سَمِعَ. (قَالَ بِهِ) مُوسى بنُ هارونَ (الحمَّالُ) بالمهملةِ - جواباً لمَنْ سألَهُ: متى يُسَمِّعُ للصبيِّ؟ فَقَالَ: إذَا فرَّقَ بَيْن البقرةِ، والحمارِ. وَفِي روايةٍ: بَيْن البقرةِ والدَّابةِ (¬3). (وَ) الحافظُ أَبُو بكرِ (ابنُ المُقْرِيْ) لاعتبارِهِ الفَهْمَ والتَّمييزَ، (سَمَّعَ) أي: قَالَ بصحَّةِ السَّمَاعِ (لابنِ أرْبَعٍ) مِنَ السنينِ، (ذي ذُكِرْ) - بضمِّ المُعْجَمَةِ - أي: صَاحبُ حِفْظٍ، وَفَهْمٍ. فَقَدْ قَالَ الخطيبُ: سَمِعْتُ القاضيَ أبا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرحمانِ الأصبهانيَّ، يَقُول: حَفِظْتُ القُرْآنَ وَلَيْسَ لي خمسُ سنينَ، وأُحْضِرْتُ عِنْدَ أبي بَكْرِ ابنِ المقرئ، لأسمعَ مِنْهُ، ولي أربعُ سنينَ، فأرادوا أَنْ يُسَمِّعُوا لي فِيْمَا حَضَرْتُ قراءتَهُ، فَقَالَ بَعْضُهم: إنَّه يصغرُ مِنَ (¬4) السَّمَاعِ. فَقَالَ ابنُ المقرئ: اقرأْ سورَة ((الكافرونَ))، فقرأتُها، فَقَالَ: اقرأْ سورةَ ((التكوير))، فقرأتُها، فَقَالَ غيرُه: اقرأ سورةَ ((والمرسلاتِ)) فقرأتُها، وَلَمْ أغلَطْ فِيْهَا، فَقَالَ (¬5) ابنُ المقرئِ: سَمِّعُوا لَهُ، والعُهْدَةُ عَلَيَّ (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) يعني: الإمام أحمد بن حنبل. (¬2) انظر: الكفاية: (114 ت، 62 هـ‍). (¬3) انظر: الروايتين في الكفاية: (117 - 118 ت، 65 هـ‍). (¬4) في (ق): ((عن)). (¬5) سقطت من (ص). (¬6) تاريخ بغداد 10/ 144، وهي كذلك في الكفاية: (117 ت، 64 - 65هـ)، وذكر صاحب النكت الوفية قولين آخرين: 243/ أ. (¬7) بعد هذا في (ق) و (ع): ((جعله الله تعالى ممن نوّر قلوبهم بنور صفائه النفيس)).

أقسام التحمل

أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ (¬1) (أقسامُ التحمُّلِ)، وأوَّلُهَا: سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَهُوَ أعلاها كَمَا قَالَ: 364 - أَعْلَى وُجُوْهِ الأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ ... وَهْيَ ثَمَانٍ: لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ 365 - كتَاباً او (¬2) حِفْظاً وَقُلْ: (حَدَّثَنَا) ... (سَمِعْتُ)، أَوْ (أَخْبَرَنَا)، (أَنْبَأَنَا) 366 - وَقَدَّمَ (الْخَطِيْبُ) أَنْ يَقُوْلاَ: ... (سَمِعْتُ) إِذْ لاَ يَقْبَلُ (¬3) التَّأْوِيْلاَ 367 - وَبَعْدَهَا (حَدَّثَنَا)، (حَدَّثَنِي) ... وَبَعْدَ ذَا (أَخْبَرَنَا)، (أَخْبَرَنِي) 368 - وَهْوَ كَثْيِرٌ وَ (يَزِيْدُ) اسْتَعْمَلَهْ ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ 369 - مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ، وَبَعْدَهُ تَلاَ: ... (أَنْبَأَنَا)، (نَبَّأَنَا) وَقَلَّلاَ (أعلى وُجُوهِ الأخْذِ) للحديثِ، وتحمُّلِهِ عَن الشِّيوخِ (عِنْدَ الْمُعْظَمِ) مِنَ الْمُحدِّثينَ، وغيرِهم - (وَهْيَ) أي: الوجوهُ (ثَمَانٍ) هذِهِ الجملةُ معترضةٌ بَيْنَ المبتدإِ والخبرِ- وَهُوَ (لَفظُ شَيخٍ) أي: السَّمَاعُ مِنْهُ، (فاعْلَمِ) ذَلِكَ. سواءٌ حدَّثَ (كتاباً) أي: مِن كِتابِهِ، (اوْ) (¬4) بِدرجِ الهَمْزةِ (حِفْظاً) أي: من حفظِهِ إملاءً، أَوْ غَيْرَ إملاءٍ، لكنَّهُ في الإملاءِ أعلى؛ لما فِيهِ مِن شِدَّةِ تحرُّزِ (¬5) الشَّيْخِ، ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: المحدّث الفاصل: 185، والكفاية: (103 ت، 53 هـ‍)، والإلماع: 62، ومعرفة أنواع علم الحديث: 289، والإرشاد 1/ 334 - 423، والتقريب: 100 - 121، والاقتراح: 238، والمنهل الروي: 79، والخلاصة: 98، والموقظة: 61، واختصار علوم الحديث: 108، ونكت الزّركشيّ 3/ 459 - 555، والشذا الفياح 1/ 274 - 328، ومحاسن الاصطلاح: 241، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 80 - 95، والتقييد والإيضاح: 194، ونزهة النظر: 206، والمختصر: 155، وفتح المغيث 2/ 3، وألفية السيوطي: 115 - 144، وتوضيح الأفكار 2/ 286، وظفر الأماني: 473. (¬2) بوصل همزة ((أو)) لضرورة الوزن كما سيشير إليه الشارح، ومن عجب أن ناشر (م) أثبت الهمزة في الموضعين. (¬3) في نسخة (ج‍) من متن الالفية: ((تقبل)). (¬4) أثبت ناشر (م) الهمزة، وكأنه لم يفهم قول الشارح الآتي. (¬5) في (ق): ((تحري)).

والراوي، إِذْ الشَّيْخُ مُشْتَغِلٌ بالتحديثِ، والراوِي بالكتابةِ عَنْهُ، فَهُمَا أبعدُ عَنِ (¬1) الغَفْلَةِ، وأقربُ إلى التحقيقِ مَعَ جريانِ العَادةِ بالْمُقابَلَةِ بعدَهُ. (وَقُلْ) في حالةِ الأداءِ لما سَمِعْتَهُ من لفظِ الشَّيْخِ: (حَدَّثَنَا) فُلاَنٌ، أَوْ (سَمِعْتُ) فُلاَناً، (أَوْ أَخْبَرَنَا)، أَوْ خبَّرنا، أَوْ (أنْبَأَنَا)، أَوْ نَبَّأنَا فُلاَنٌ، أَوْ قَالَ لَنَا فُلاَنٌ، أَوْ ذكرَ لَنَا فُلاَنٌ. فيجوزُ جَمِيْعُ ذَلِكَ اتِّفاقاً، كَمَا حكاهُ الْقَاضِي عياضٌ (¬2). وجوازُ جميعِه اتِّفاقاً، لا يُنافي مَا يأتي من أرفعيَّةِ بعضِهِ عَلَى بعضٍ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَيَنْبغِي فِيْمَا شَاعَ استعمَالُهُ مِن هذِهِ الألفاظِ فِيْمَا سُمِعَ مِن غَيْرِ لفظِ الشَّيْخِ أَنْ لا يُطْلَقَ فِيْمَا سُمِعَ من لفظِهِ، لما فِيهِ من الإيهامِ، والإلباسِ)) (¬3). قَالَ النَّاظِمُ: ((مَا قَالَهُ القاضِي مُتَّجِهٌ؛ إِذْ لا يجبُ عَلَى السَّامِعِ أن يبيِّنَ، هَلْ كَانَ السَّمَاعُ مِن لفظِ الشَّيْخِ، أَوْ عَرَضاً؟ نَعَمْ، ينبغي عدمُ الإطلاقِ في ((أَنْبَأَنَا)) بَعْدَ اشْتِهارِ استعمالِها في الإجازةِ؛ لأنَّه يُؤدِّي إلى إسقاطِ المرويِّ، بِها عِنْدَ مَنْ لا يَحتَجُّ بالإجازةِ)) (¬4). وبالجملةِ فهذهِ الألفاظُ متفاوِتَةٌ، (وَ) قَدْ (قَدَّمَ الخَطيبُ) مِنْها (أَنْ يَقُولاَ) أي: الرَّاوِي: (سَمِعْتُ، إِذْ) لفظُها صريحٌ في سَمَاعِ لفظِ الشَّيْخِ (¬5)، (لا يَقْبَلُ التأويْلاَ) الآتي بيانُه، بخلافِ ((سَمِعْنَا))، فإنَّه يقبلُهُ ((ك‍: حَدَّثَنَا)). (وبَعْدَها) أي: بَعْدَ ((سَمِعْتُ)) في الرُّتبةِ (حَدَّثَنَا)، و (حَدَّثَنِي)؛ لأنَّها لا تكادُ تُستَعْمَلُ في الإجازةِ بخلافِ هاتينِ، ولأنَّها -كَمَا مَرَّ- لا تَقبلُ التأويلَ بخلافِ ((حَدَّثَنَا)) (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): ((من)). (¬2) الإلماع: 69. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 294. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 89 - 90. (¬5) الكفاية: (413 ت، 284 هـ‍) وعبارته: ((فلذلك كانت هذه العبارة أرفع مما سواها)). (¬6) انظر: الكفاية: (412 - 415 ت، 284 - 286 هـ‍)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 90.

فَقَدْ رُوِيَ أنَّ الحسَنَ البصريَّ كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، ويتَأَوَّلُ: ((حَدَّثَ أَهْلَ المدينة وأنا بِها))، كَمَا كَانَ يَقُولُ: خَطَبَنا ابنُ عَبَّاسٍ بالبصرةِ، ويريدُ خَطَبَ أهْلَها (¬1). والمشهورُ أنَّ الحَسَنَ لَمْ يَسْمعْ من أبي هُرَيْرَةَ، بَلْ قَالَ يونُسُ بنُ عُبَيْدٍ: إنَّهُ مَا رَآهُ قطُّ (¬2). (وَبَعْدَ ذَا) أي: لفظُ ((حَدَّثَنَا)) و ((حَدَّثَنِي)) (أَخْبَرَنَا)، و (أَخْبَرَنِي، وَهْوَ) أي: الأداءُ بكلٍّ من هاتينِ لسماعِ لفظِ الشَّيْخِ (كَثِيْرٌ) في الاستعمالِ. (ويَزيدُ) بنُ هارونَ (اسْتَعْمَلَهْ) في ذَلِكَ، هُوَ (وَغَيرُ واحدٍ)، كحمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وابنِ المباركِ، وعبدِ الرزَّاقِ، (لِمَا قَدْ حَمَلَهْ) كلٌّ مِنْهُمْ (مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَكَانَ هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَشِيْعَ تَخْصِيْصُ ((أَخْبَرَنَا)) بالعَرْضِ)) (¬3). (وبعدَهُ) أي: بَعْدَ لَفْظِ ((أَخْبَرَنَا))، و ((أَخْبَرَنِي)) (تَلاَ) تأكيد (أَنْبَأَنَا)، و (نبَّأنا. وقَلَّلا) استعمالَهُ فِيْمَا سَمِعَ مِن لَفْظِ الشَّيْخِ أي: قَبْلَ اشتهارِهِ في الإجازةِ. ثُمَّ مَا تقرَّرَ مِنْ أنَّ ((سَمِعتُ)) راجحةٌ - لما مَرَّ - صَحِيْحٌ، لَكِنْ لـ: حَدَّثَنَا، و ((أَخْبَرَنَا)) - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ - جهةُ ترجيحٍ عَلَيْهَا مِن جِهةِ أنَّهمَا يَدلاَّنِ عَلَى أنَّ الشيخَ رَوَّاهُ الحَدِيْثَ، وخاطبَهُ بقولِهِ (¬4). 370 - وَقَوْلُهُ: (قَالَ لَناَ) وَنَحْوُهَا ... كَقُوْلِهِ: (حَدَّثَنَا) لَكِنَّهَا 371 - الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا (¬5) مُذَاكَرَهْ ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ 372 - وَهْيَ عَلى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيْ ... لاَ سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوْهُ فِي الْمُضِيْ ¬

_ (¬1) الكفاية: (413 ت، 284 هـ‍) وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم: 33 (97)، وشرح مشكل الآثار 9/ 41 عقب (3421). (¬2) المراسيل: 34 (102). قال ابن الصّلاح: ((ومنهم من أثبت له سماعاً من أبي هريرة)). انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 295، وجامع التحصيل: 164، ونكت الزّركشيّ 3/ 476 - 478. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 295. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 296. (¬5) في نسخة (ج‍) من متن الألفية: ((في استعمالها)) وهو خطأ في الوزن.

373 - أنْ لاَ يَقُوْلَ ذَا بِغَيْرِ (¬1) مَا سَمِعْ ... مِنْهُ (كَحَجَّاجٍ) وَلَكِنْ (¬2) يَمْتَنِعْ 374 - عُمُوْمُهُ عِنْدَ الْخَطيْبِ وَقُصِرْ ... ذَاكَ عَلى الَّذِي بِذَا الوَصْفِ اشْتُهِرْ (وَقَولُهُ) أي: الرَّاوِي: (قَالَ لَنَا، وَنَحْوُهَا)، مثلُ: ((قَالَ لي))، أَوْ ((ذَكَرَ لي)) (كقولِهِ: حَدَّثَنَا) فلانٌ في الحُكْمِ لها بالاتِّصالِ، (لَكِنَّها الغَالِبُ) مِنْ صَنيعِهِم (استِعْمَالُهَا) فِيْمَا سَمِعُوهُ (مذاكرهْ). وَقَالَ ابنُ الصَّلاحِ: إنَّهُ، أي لَفْظَ ((قَالَ لَنَا))، ونحوِهِ لائقٌ بما سَمِعَهُ مِنْهُ في المذاكرةِ، وَهُوَ بِهِ أشبهُ من ((حَدَّثَنَا)) (¬3). انتهى. (وَدُونَها) أي: ((قَالَ لَنَا)) و ((قَالَ لي))، ونحوِهما (قَالَ بِلاَ مُجاررهْ) أي: بغيرِ ذِكْرِ (¬4) الجارِّ والمجرورِ. وَقَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَهِيَ أوضعُ العباراتِ)) (¬5). (وَهْيَ) مَعَ ذَلِكَ مَحْمُولةٌ (عَلَى السَّمَاعِ) من لفظِ الشَّيْخِ، (إنْ يُدْرَ اللُّقي) بينَهُما (¬6)، ويسلَمَ قائلُها مِنَ التدليسِ. (لاَسيَّمَا مَنْ عَرفُوهُ) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ، بأنْ عُرِفَ بَيْنَهُم (في الْمُضيْ) أي: فِيْمَا مَضَى (أنْ لاَ يَقُولَ ذا) أي: لفظَ ((قَالَ)) عَنْ شيخِهِ (بغَيْرِ ماَ سَمِعْ مِنْهُ، كَحَجَّاجٍ) هُوَ ابنُ مُحَمَّدٍ الأعورُ، فإنَّه رَوَى كُتبَ ابن جُرَيْجٍ بلفظِ: قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ، فَحَمَلَها النَّاسُ عَنْهُ، واحْتَجّوا بِها (¬7). ¬

_ (¬1) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((لغير)). (¬2) في نسخة (ج‍) من متن الألفية: ((وليس))، والوزن صحيح في كليهما، وما أثبتناه من بقية النسخ الخطية لمتن الألفية وشروحها. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 296. (¬4) في (ص): ((ذاكر)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 297. (¬6) ((بينهما)) سقطت من (ص). (¬7) في (م): ((به)). وانظر: الكفاية: (420 ت، 290 هـ‍).

الثاني: القراءة على الشيخ

(ولكنْ يمتنعْ عُمُومُه) أي: الحُكْمُ بحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ (عِنْدَ) الحافِظِ (الخطيبِ) حَيْثُ مَنَعَ الْحُكمَ بِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفِ اتِّصافُ الرَّاوِي بأنَّه لا يَرْوِي إلاَّ مَا سَمِعَهُ (¬1)، (وَقُصِرْ ذَاكَ) (¬2) الْحُكمُ (عَلَى) الرَّاوِي (الّذِي بِذا الوَصْفِ اشتُهِرْ). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((والْمَحْفُوظُ الْمَعْروفُ مَا قَدَّمْنَاهُ)) (¬3). الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ (والثاني) مِن أَقْسامِ التَّحمُّلِ: (القراءةُ عَلَى الشَّيْخِ) 375 - ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا ... مُعْظَمُهُمْ عَرْضاً سَوَا (¬4) قَرَأْتَهَا 376 - مِنْ حِفْظٍ او كِتَابٍ او (¬5) سَمِعْتَا ... والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا 377 - أولاَ، وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ ... بِنَفْسِهِ، أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ 378 - قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ ... يَحْفَظُهُ (¬6) مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ (ثُمَّ) يَلي السَّماعَ مِنْهُ (القِرَاءةُ) عَلَيْهِ (الّتِي نَعَتَهَا) أي: سمَّاها (مُعْظَمُهُمْ) أي: الْمُحَدِّثِيْنَ (عَرْضاً)، بمعنى أنَّ القارئَ يَعْرضُ عَلَى الشَّيْخِ الحَدِيْثَ، كَمَا يُعْرضُ القُرْآنُ عَلَى الْمُقْرئ (¬7). ¬

_ (¬1) الكفاية: (418 ت، 289 هـ‍). (¬2) في (م) و (ق): ((ذلك)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 297. (¬4) في النفائس، وفتح المغيث: ((سوى)) وهو كذلك في (أ) و (ب) و (ج‍) من متن الألفية. وسيأتي نص الشارح أنها ((سوا)) بفتح أوله والقصر لغة في سواء، وعليه المعنى، وانظر: اللسان 14/ 413 (سوا). (¬5) بوصل همزة (أو)؛ لضرورة الوزن، في الموضعين، وقد سقطت من (م)، وهي ثابتة عنده بالشرح؛ لكنّه أثبت الهمزة، وَلَمْ يفهم مراد الشارح. (¬6) حقّ (يحفظه) الجزم، ولا يستقيم الوزن على هذا الضّبط، فحركت اللفظة؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح على ذلك. (¬7) الإلماع: 71، ومعرفة أنواع علم الحديث: 297، والمنهل الروي: 81، والإرشاد 1/ 345، وفتح المغيث 2/ 30. قال ابن حجر: ((بين القراءة والعرض عموم وخصوص، لأن الطّالب إذا قرأ كان أعمّ من العرض وغيره، ولا يقع العرض إلا بالقراءة، لأن العرض عبارة عما يعرف به الطّالب أصل شيخه معه، أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة)). فتح الباري 1/ 149، والتدريب 2/ 13.

(سَوَا) - بفتحِ أوَّلِهِ والقَصْرِ في لغةٍ - (¬1) أي: سَواءٌ في ذَلِكَ (قرأْتَها) أي: الأحاديثَ بنفسِكَ عَلَى الشَّيْخِ (من حِفْظٍ) مِنْكَ، (اوْ كِتَابٍ) لَكَ، أَوْ لَهُ، أَوْ لغيرِكُما، (اوْ) - بالدّرجِ فِيهِ -، وفيما قبلَهُ (سَمِعْتَا) بقراءةِ غيرِكَ عَلَيْهِ من كتابٍ، كَذلِكَ، أَوْ حِفْظِهِ أَيْضاً، (والشَّيْخُ) في حالِ القراءةِ عَلَيْهِ (حَافِظٌ لِمَا عَرَضْتَا) أنتَ، أَوْ غيرُكَ عَلَيْهِ. (أَوْ لا) (¬2) يَحْفَظُ، (ولكِنْ) يكونُ (أصلُهُ) مَعَهُ (يُمْسِكُهُ) هُوَ (بنفسِهِ، أَوْ ثِقَةٌ) غيرُهُ (مُمْسِكُهُ)، ولَو كَانَ هُوَ القارئُ فِيهِ، خلافاً لبعضِ الأصوليينَ، كَمَا سَيَأْتِي في التَّفْريعاتِ. وكأصلِهِ مَا قُوبِلَ عَلَيْهِ. (قُلْتُ): و (كَذَا) الحُكْمُ (إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ) مَعَكَ (يَحْفَظُهُ) أي: المقروءُ (مَعَ استماعٍ) مِنْهُ لَهُ، وعدمِ غفلتِهِ عَنْهُ، (فاقْتَنِعْ) بِذَلِكَ. وَكذا بخطِّ (¬3) القَارئِ فَقَطْ، كَمَا نَقَلَهُ النَّاظِمُ (¬4). وتَرَكَ جَزْمَ ((يَحْفَظُهُ)) المفسِّرُ لِشَرْطِ ((إنْ)) للوزنِ، وَلَوْ قَالَ: ((حَفِظَهُ)) لَمْ يَحْتَجْ لِذلِكَ (¬5) 379 - وَأَجْمَعوُا أَخْذاً بِهَا، وَرَدُّوا ... نَقْلَ الخِلاَفِ، وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا 380 - وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي (¬6) الأوَّلاَ ... أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلاَ 381 - عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ ... (كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ) 382 - مَعَ (البُخَارِيِّ) هُمَا سِيَّانِ ... وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ) 383 - قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ ... وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 96، وفتح المغيث 2/ 30. (¬2) في (ق): ((ولا)). (¬3) في (ص) و (ق): ((بحفظ)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 96 - 97. (¬5) انظر: النكت الوفية: 245/ ب. (¬6) في نسخة (ج‍) من متن الألفية: ((يساوي)).

(وأَجمَعُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ (أَخْذاً) أي: عَلَى صِحَّةِ الأخْذِ، والتَّحمُّلِ (بِها) أي: بالرِّوَايَةِ عَرْضاً، (وَرَدُّوا نَقْلَ الخِلافِ) فِيْهَا، (وبِهِ) أي: بالخِلافِ (مَا اعْتَدُّوا) بَلْ عَمِلوا بِخِلافِهِ. فَكانَ مَالِكٌ يُنكرُ عَلَى المخالفِ، ويقولُ: كَيْفَ لا يُجزيك هَذَا في الحَدِيْثِ، ويُجْزيكَ في القُرْآنِ، والقرآنُ أعظمُ (¬1)؟ (و) لَكِنْ (الخُلْفُ) بينَهُم (فِيْهَا) أي: في القراءةِ عَرْضاً (هَلْ تساوي) القِسْمَ (الأوَّلا) أي: السَّمَاعَ من لفظِ الشَّيْخِ، (أَوْ) هِيَ (دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ؟ فنُقِلاَ عَنْ مالكٍ (¬2)، وصَحْبِهِ، ومُعْظَمِ) عُلَمَاءِ أَهْلِ (كوفَةَ) - بمنعِ الصرفِ -، (و) أَهْلِ (الحجازِ أَهْلِ الحرمِ) أي: مَكَّةَ (مَعَ البُخَارِيِّ، هُمَا) أي: أنَّهُما في الصِّحَّةِ (سيَّانِ) (¬3). (وابنُ أبي ذِئْبٍ) أَبُو الحارثِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرحمانِ بنِ المغيرةِ المدنيُّ (¬4) (مَعَ) أَبِي حَنِيْفَةَ (النعمانِ) بنِ ثابتٍ (¬5) (قَدْ رجَّحَا العَرْضَ) عَلَى السَّمَاعِ؛ لأنَّ الشَّيْخَ لَوْ سَهَا لَمْ يتهيَّأْ للطالبِ الردُّ عَلَيْهِ، إما لجهلِهِ، أَوْ لهيبةِ الشَّيْخِ، أَوْ لغيرِ ذَلِكَ، بخلافِ الطالبِ. (وَعكْسُهُ) أي: ترجيحُ السَّمَاعِ مِنَ الشَّيْخِ عَلَى العَرْضِ (أصَحّْ)، وأَشْهَرُ، (وجُلُّ) أي: مُعظمُ (أَهْلِ الشَّرْقِ)، وخُراسَانَ (¬6) (نحوَهُ جَنَحْ) أي: مَالَ. وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُصيِّرُ العَرْضَ أَوْلى، كأنْ يَكُونَ الطالبُ أعلمَ، أَوْ أَضْبَطَ، أَوْ الشَّيْخُ في حالِ العَرْضِ أوعى مِنْهُ في حالِ قراءتهِ (¬7). ¬

_ (¬1) الكفاية: (394 ت، 271 هـ‍). (¬2) انظر: المحدث الفاصل: 420، والكفاية: (393ت، 270هـ)، والإلماع: 71. (¬3) وهو رواية عن أبي حنيفة، رواه عنه ابن كاس، انظر: المحدث الفاصل: 426. ورواه عنه مكي بن إبراهيم. انظر: الكفاية: (391 ت، 268 هـ). (¬4) الكفاية: (400 ت، 276 هـ‍). (¬5) الكفاية: (400 ت، 276 هـ‍)، والإلماع: 73. (¬6) الإلماع: 73. وصححه ابن الملقن في المقنع 1/ 298، والعراقي في شرح التبصرة 2/ 100. (¬7) انظر: فتح المغيث 2/ 34.

384 - وَجَوَّدُوا فِيْهِ قَرَأْتُ أو قُرِىْ ... مَعْ وَ (أَنَا أَسْمَعُ) ثُمَّ عَبِّرِ 385 - بِمَا مَضَى فِي أولٍ مُقَيِّدا ... (قِرَاَءةً عَلَيْهِ) حَتَّى مُنْشِدا 386 - (أَنْشَدَنَا قِرَاَءةً عَلَيْهِ) لاَ ... (سَمِعْتُ) لَكِنْ بَعْضُهُمْ قَدْ حَلَّلاَ (وَجَوَّدُوا فِيهِ) أي: رَأوا الأجودَ في أداءِ مَنْ سَمِعَ (¬1) عَرْضاً، أَنْ يَقُولَ: (قرأتُ) عَلَى فلانٍ، إن كَانَ العَرْضُ بقراءةِ نفسِهِ (أَوْ قُرِيْ) عَلَى فلانٍ إنْ كَانَ يقرأُ غيرُه (مَعْ) - بالإسكان - أي: مَعَ قولِهِ: (وأنا) -بإثباتِ الألفِ- (أَسْمَعُ) خشيةَ التدليسِ. (ثُمَّ) يَلي ذَلِكَ عباراتُ السَّمَاعِ مقيَّدةً بِما يأتي، كَمَا ذَكرَها بقولِهِ: (عَبِّرِ) أنتَ عَنْ ذَلِكَ (بِما مَضى في أَوَّلٍ) أي: في القِسمِ الأَوَّلِ (مقيِّدا) لَهُ بِقولِك (¬2): (قراءةً عَلَيْهِ). فَقُلْ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ بقراءتِي (¬3)، أَوْ قراءةً عَلَيْهِ، وأَنا أسْمَعُ، أَوْ أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ بقراءتِي، أَوْ قِراءةً عَلَيْهِ، أَوْ أَنْبَأَنَا أَوْ نَبَّأنَا فُلاَنٌ بقراءتي، أَوْ قِراءةً عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ لَنَا فُلاَنٌ بقراءتي، أَوْ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَوْ نحوَ ذَلِكَ (¬4). (حَتَّى) وَلَوْ كنتَ (مُنْشِدا) نَظْماً لغيرِكَ قرأتَهُ عَلَيْهِ، أَوْ سَمِعْتَهُ بقراءةِ غَيْرِكَ عَلَيْهِ، فَقُلْ: (أَنْشَدَنَا) فُلاَنٌ (قِرَاءةً عَلَيْهِ)، أَوْ بقراءتِي، أَوْ سَمَاعاً عَلَيْهِ. (لا) أي: إلاَّ (سَمِعْتُ) فُلاَناً، أَوْ مِنْهُ، فإنَّهُم لَمْ يجوِّزوهُ في العَرْضِ لصَراحَتِها في السَّمَاعِ مِن لفظِ الشَّيْخِ. (لَكِنْ بَعْضُهُمْ) كالسُّفيانينِ، ومَالكٍ (¬5) (قَدْ حَلَّلاَ) -بألِفِ الإطْلاقِ- ذَلِكَ ويُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ: سَمِعْتُ عَلَى فُلاَنٍ، وَحينئذٍ فالخِلافُ لَفْظِيٌّ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((يسمع)). (¬2) في (ص): ((بقول)). (¬3) في (ص): ((بقراءتي عليه)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 102. (¬5) الإلماع: 71، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 103.

387 - وَمُطْلَقُ التَّحْدِيْثِ وَالإِخْبَارِ ... مَنَعَهُ (أَحْمَدُ) ذُوْ الْمِقْدَارِ 388 - (وَالنَّسَئِيُّ) وَ (التَّمِيْمِيْ يَحْيَى) ... وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) الْحَمِيْدُ سَعْيَا 389 - وَذَهَبَ (الزُّهْرِيُّ) وَ (الْقَطَّانُ) ... وَ (مَالِكٌ) وَبَعْدَهُ (سُفْيَانُ) 390 - وَمُعْظَمُ (الْكُوْفَةِ) وَ (الْحِجَازِ) ... مَعَ (الْبُخَارِيِّ) إلى الْجَوَازِ 391 - وَابْنُ جُرَيِجٍ وَكَذَا الأوزَاعِيْ ... مَعَ (ابْنِ وَهْبٍ) وَ (الإمَامُ الشَّافِعِيْ) 392 - وَ (مُسْلِمٌ) وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) ... قَدْ جَوَّزُوا أَخْبَرَنَا لِلْفَرْقِ 393 - وَقَدْ عَزَاهُ صَاحِبُ الإِنْصَافِ ... (للنَّسَئيْ) مِنْ غَيْرِ مَا خِلاَفِ 394 - وَالأَكْثَرِيْنَ وَهُوَ (¬1) الَّذِي اشْتَهَرْ ... مُصْطَلَحاً لأَهْلِهِ أَهْلِ الأَثَرْ 395 - وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَا أَعَادَا ... قِرَاءَةَ الصَّحِيْحِ حَتَّى عَادَا 396 - فِي كُلِّ مَتْنٍ قَائِلاً: (أَخْبَرَكَا) ... إِذْ كَانَ قال أوَّلاً: (حَدَّثَكَا) 397 - قُلْتُ وَذَا رَأْيُ الَّذِيْنَ اشْتَرَطُوا ... إِعادَةَ اْلإِسْنَادِ وَهْوَ شَطَطُ (ومُطْلَقُ التَّحْدِيْثِ، والإخبارِ) ممَّنْ أخذَ عَرْضاً، بأنْ يَقُولَ: ((حَدَّثَنَا))، أَوْ ((أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ)) بِلا تَقْييدٍ بقراءتِه، أَوْ قراءةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ (مَنَعَهُ) الإمامُ (أَحْمَدُ ذُو الْمِقْدارِ) الجليلِ (¬2)، (وَالنَّسَئِيُّ، والتَّمِيميْ) -بالإسكان لما مَرَّ- (يَحْيَى) بنُ يَحْيَى (¬3)، (وابنُ الْمُبارَكِ) عَبْدُ اللهِ (¬4) (الحميدُ سَعْيَا). وَقَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الباقِلاَّنِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ (¬5). ¬

_ (¬1) بتحريك الهاء؛ لضرورة الوزن، كما سينبه الشارح عليه. (¬2) المحدّث الفاصل: 434، والكفاية (431 ت، 299 هـ‍)، والإلماع: 125. وقول النّسائيّ نقله القاضي عياض في الإلماع: 125. (¬3) الإلماع: 125. (¬4) انظر: المحدث الفاصل: 434، والكفاية: (430 ت، 298 هـ‍)، والإلماع: 125. (¬5) الكفاية: (430 ت، 298 هـ‍)، وصححه أيضاً الغزالي في المستصفى 1/ 165، والآمدي في الإحكام 2/ 90، والبحر المحيط 4/ 390. وانظر: نكت الزّركشيّ 3/ 482 - 483.

(وذَهَبَ) الإمامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ شهابٍ (¬1) (الزُّهْرِيُّ، و) يَحْيَى بنُ سَعيدٍ (¬2) (القطَّانُ)، والإمامُ أَبُو حَنِيْفَةَ (¬3)، (و) الإمامُ (¬4) (مَالِكٌ) في أحدِ قَوْلَيهِمَا، (وبَعْدَهُ سُفْيَانُ) بنُ عُيَيْنَةَ (¬5)، والإمامُ أَحْمَدُ في أحدِ قوليهِ، (وَمُعْظَمُ) أهلَيِ (الكوفةِ (¬6)، والحِجَازِ، مَعَ) الإمامِ (البُخَارِيِّ إلى الجوازِ) أي: جوازِ الإطْلاقِ، كَمَا في القِسْمِ الأَوَّلِ. (وَابْنُ جُرَيجٍ) عَبْدُ الملكِ (¬7)، (وَكَذا) أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الرحمانِ بنُ عَمْرٍو (¬8) (الأوزاعيْ، مَعَ ابنِ وَهْبٍ) عَبْدِ اللهِ (¬9)، (والإمامُ الشَّافِعيْ، و) الإمامُ (مُسْلِمٌ (¬10)، وَجُلُّ) أي: أكثرُ (¬11) (أَهْلِ الشَّرقِ، قَدْ جَوَّزُوْا) إطْلاَقَ (أَخْبَرَنَا)، دُوْنَ ((حَدَّثَنَا))، (لِلْفَرْقِ) بينَهُما اصطلاحاً، وللتَّمييزِ بَيْنَ القِسْمَينِ (¬12). ¬

_ (¬1) المحدّث الفاصل: 428، والكفاية: (438 ت، 305 هـ‍)، والإلماع: 123. (¬2) المحدّث الفاصل: 522، والكفاية: (444 ت، 310 هـ‍)، والإلماع: 71. (¬3) انظر: المحدّث الفاصل: 420 و 425 - 426 و 428، والكفاية: (440 - 441 ت، 307 هـ‍)، وجامع بيان العلم 2/ 175. (¬4) انظر: جامع بيان العلم 2/ 175، والإلماع: 123. (¬5) انظر: صحيح البخاريّ 1/ 23 عقب (60)، والمحدث الفاصل: 518، والكفاية: (424 ت، 293 هـ‍)، والإلماع: 124. (¬6) انظر: الإلماع: 71 و 123. (¬7) انظر: المحدّث الفاصل: 433، والكفاية: (434 ت، 302 هـ‍). (¬8) المحدث الفاصل: 431 - 432، ومعرفة علوم الحديث: 259، والكفاية: (434 ت، 302 هـ‍)، والإلماع: 127. (¬9) الإلماع: 125 و 127. ورواية الشّافعيّ أخرجها الرامهرمزي في المحدّث الفاصل: 425، والخطيب في الكفاية: (435 ت، 303 هـ‍)، والقاضي عياض في الإلماع: 73، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 300، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 105. (¬10) الإلماع: 73 و 125، ومعرفة أنواع علم الحديث: 300. (¬11) في (ص): ((معظم))، ورواه عن أهل المشرق القاضي عياض في الإلماع: 124 و 125 و 127، ومعرفة أنواع علم الحديث: 300، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 105. (¬12) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 105 - 106.

وَخُصَّ أَوَّلُهمَا بالتَّحديثِ، لقوةِ إشعارِهِ بالنُّطقِ، والْمُشَافَهَةِ. فلفظُ الإخْبَارِ أعَمُّ مِنَ التَّحْدِيثِ. (وَقَدْ عَزَاهُ) أي: القَوْلَ بِالْفَرْقِ، مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ (¬1) التَّمِيميُّ الْجَوْهَرِيُّ (صاحِبُ " الإنْصَافِ "، للنَّسئِي مِن غَيْرِ مَا خِلافِ) -بزيادةِ مَا- أي: مِن غَيْرِ حِكايةِ خِلافٍ عَنْهُ. وَهَذا خِلافُ مَا قَدَّمَهُ عَنْهُ، بَلْ ذاكَ هُوَ الْمَشْهورُ عَنْهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ (¬2). (والأَكْثَريْنَ) أي: وَعَزاهُ لِلأَكْثَرينَ مِن أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. (وَهُوَ) - بضم الهاء - (الَّذِي اشْتَهَرْ مُصْطَلَحاً)، مِن جِهةِ الاصْطِلاحِ (لأَهْلِهِ) أي: (أَهْلِ الأثرْ). والاصْطِلاحُ، وإنْ كَانَ لا مُشَاحَّةَ فِيهِ، لَكِنْ خَطَّأَ جماعةٌ (¬3) مَنْ خَرجَ عَنْهُ عِنْدَ الإلباسِ (¬4)، كَمَا أشارَ إِليهِ بقوله: (وبعضُ مَنْ قَالَ بِذا) أي: بالفرْقِ، وَهُوَ أَبُو حاتمٍ مُحَمَّدُ بنُ يعقوبَ الهَرَوِيُّ (¬5)، (أعادَا قِرَاءةَ الصَّحِيحِ) للبخاريِّ بَعْدَ قِرَاءتِهِ عَلَى بَعْضِ رُواتِهِ عَنِ الفِرَبْرِيِّ (¬6) (حَتَّى عَادَا) (¬7) أي: ¬

_ (¬1) هو أبو بكر محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد التميمي المصري الجوهري، كان من المعاصرين للنسائي وكتابه " الإنصاف فيما بين الأئمة في حدّثنا وأنبأنا من خلاف ". انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 300، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 106، وفتح المغيث 2/ 31. (¬2) التقريب: 105. (¬3) منهم: الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي. انظر: فتح المغيث 2/ 36 - 37. (¬4) في (ق): ((الالتباس)). (¬5) وهو أحد رؤساء الحديث بخراسان. قاله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 301. وحكاه السخاوي في فتح المغيث 2/ 37. (¬6) هو أبو عبد الله، محمّد بن يوسف بن مطر الفربريّ، راوي الجامع الصّحيح عن البخاريّ، توفّي سنة (320 هـ‍). قال صاحب الأنساب 4/ 334 عن الفربري: ((بفتح الفاء والراء، وسكون الباء الموحدة وبعدها راء أخرى. هذه النسبة إلى فربر. وهي بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى)). ومثل هذا في وفيات الأعيان 4/ 290. وفي التاج 13/ 311: ((فربر: ك‍: سبحل، وضبط بالفتح أيضاً، وذكر الحافظ في التبصير الوجهين))، وبالوجهين في سير أعلام النبلاء 15/ 12، ومعجم البلدان 4/ 245. (¬7) في (م): ((أعادا)) خطأ.

تفريعات

رَجَعَ (في كُلِّ مَتْنٍ) حالةَ كونِهِ (قَائِلاً) فِيهِ: (أَخْبَرَكَا) الفِرَبْرِيُّ (إِذْ) أي: لكونِهِ (كَانَ قَالَ) لَهُ (أَوَّلاً) لِظَنِّهِ أنَّه سَمِعَهُ مِن لَفْظِ الفِرَبْريِّ: (حَدَّثَكَا) الفِرَبْرِيُّ. بَلْ قَالَ لَهُ: تَسْمَعُني أَقُولُ حَدَّثَكُم الفِرَبْرِيُّ، فَلا تُنْكِرُ عَلِيَّ، مَعَ عِلْمِكَ بِأَنَّكَ إنّما سَمعتَهُ مِنْهُ قراءةً عَلَيْهِ (¬1). (قُلْتُ: وَذَا رأيُ الّذينَ اشْتَرَطُوا إعادةَ الإسنادِ) في كُلِّ مَتْنٍ، وَلَوْ مَعَ اتحادِ السَّنَدِ، وإلاّ لاكْتَفى بِقوْلِهِ: أَخْبرَكُمْ الفِرَبْرِيُّ بجميعِ " صَحِيْحِ البُخَارِيِّ " مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ قراءةِ جَمِيْعِ الكتابِ، ولا تكرُّرِ الصِّيغةِ في كُلِّ متنٍ. (وَهْوَ) أي: اشتِراطُ الإعادةِ (شَطَطُ) أي: جَوْرٌ، وَالصَّحِيحُ (¬2): خلافُهُ، كَمَا سَيأتي في الروايةِ مِنَ النُّسْخِ التي إسنادُها واحدٌ (¬3). تَفْرِيْعَاتٌ (تَفْرِيْعَاتٌ) سَبعةٌ لهذينِ القِسْمَينِ: أوَّلُهَا: فِيْمَا إذَا لَمْ يَحْفَظِ الشَّيْخُ مَا عُرِضَ عَلَيْهِ، وأمسكَ الأصلَ عَدْلٌ ضابطٌ، وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: 398 - وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ رِضَا ... وَالشَّيْخُ لاَ يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا 399 - فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُوْلِ يُبْطِلُهْ ... وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثْيِنَ (¬4) يَقْبَلُهْ 400 - وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ ... مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ (¬5) السَّمَاعُ رَدّْ ¬

_ (¬1) الكفاية: (436 ت، 303 - 304 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 301، ومحاسن الاصطلاح: 252 - 253، وشرح التبصرة 2/ 106، وفتح المغيث 2/ 37. وقد شكك الزّركشيّ في هذه القصة في نكته 3/ 486 - 487 ثمّ قال: ((فكأن هذه الحكاية لم تصح)). (¬2) في (ص): ((جوزوا الصّحيح)). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 301، وشرح التبصرة 2/ 107، وفتح المغيث 2/ 37. (¬4) في نسخة (أ) من متن الألفية: ((المحققين)). (¬5) في النفائس: ((فذاك))، وهو خطأ في الوزن.

(وَاخْتَلَفُوا) أي: العلماءُ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ، وَغَيْرِهِم (إنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ) حِيْنَ القِرَاءةِ عَلَى الشَّيخِ (رِضَا) أي: مَرْضِيٌّ في العدالةِ والضبطِ، وَكَانَ سَامِعاً، (والشَّيْخُ لا يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا) عَلَيْهِ، هَلْ يَصِحُّ السَّمَاعُ أَوْ لاَ؟ (فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُولِ) كإمامِ الْحَرمينِ (¬1) (يُبْطِلُهْ، وأكْثرُ الْمُحَدِّثِيْنَ)، بَلْ كُلُّهم، كَمَا اقْتَضاهُ كلامُ القاضِي عِياضٍ (¬2)، (يَقْبلُهْ، واخْتَارَهُ الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬3)، وَعَلَيْهِ العَمَلُ. (فإنْ لَمْ يُعتَمَدْ) ببنائِهِ للمفعولِ، (مُمْسِكُهُ) أي: مُمْسِكُ الأصلِ، أَوْ القارئ، (فذلكَ السَّمَاعُ ردّْ) أي: مَرْدُودٌ (¬4). وَهَذا تَصْرِيحٌ بما عُلِمَ مِنْ قَولِهِ: ((رِضَا)). أما إذَا كَانَ الْمُمْسِكُ الرِّضَا قارئاً، فَلَمْ يُبطلِ السَّمَاعَ إلاَّ بَعْضُ مَنْ شدَّدَ في الرِّوَايَةِ. 401 - وَاخْتَلَفُوا إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ ... يُقِرَّ لَفْظاً، فَرآهُ الْمُعْظَمْ 402 - وَهْوَ الصَّحِيْحُ كَافِياً، وَقَدْ مَنَعْ ... بَعْضُ أولي الظَّاهِرِ مِنْهُ، وَقَطَعْ 403 - بِهِ (أبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي) ... ثُمَّ (أبُو إِسْحَاقٍ (¬5) الشِّيْرَازِيْ) 404 - كَذَا (أبُو نَصْرٍ) وَقال: يُعْمَلُ ... بِهِ وَألْفَاظُ الأَدَاءِ الأَوَّلُ ثانيها: فِيْمَا إذَا سَكَتَ الشَّيْخُ بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ لَهُ: ((أخبرك فُلاَنٌ)). أَوْ نحوَهُ. وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (واخْتَلَفُوا) أَيْضاً، (إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ) المتيقظُ الْمُختارُ بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ لَهُ: ((أخبرك فلانٌ))، أَوْ قُلْتَ: أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ، أَوْ (¬6) نَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ فَهْمِهِ لِما قَالَهُ بأنْ لَمْ ¬

_ (¬1) البرهان 1/ 413 (586). (¬2) الإلماع: 75. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 302. ونقله عن بعض أئمة الأصول، وتعقبه الزّركشيّ في نكته 3/ 488: ((والعجب من المصنف في عزوه ذلك لبعض الأصوليين، وقد نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة))، وانظر: فتح المغيث 2/ 40. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 302. وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 108. (¬5) بالصرف؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح على ذلك. (¬6) سقطت من (ق).

يُنْكِرْهُ، (وَلَمْ يُقِرَّ لَفْظاً) بِقولِهِ: نَعَمْ، أَوْ نَحْوِه، ولا إيماءً كأنْ يومِئَ بِرأسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الطَّالِبِ أنَّ سُكوتَهُ إجابةٌ. (فَرآهُ الْمُعْظَمْ) مِنَ العُلَمَاءِ (¬1) (- وَهْوَ الصَّحِيحُ - كَافِياً) في صحَّةِ السَّمَاعِ؛ إِذْ سُكوتُه عَلَى الوجهِ المذكورِ، كإقرارِه لفظاً. ولأنَّه لا يَليقُ بدِيْنِ الشَّيْخِ (¬2) إقرارٌ عَلَى الخطإِ في مثلِ ذَلِكَ. وَحينئِذٍ فَيؤدِّي بألفاظِ العَرْضِ كُلِّها. (و) لَكِنْ (قَدْ مَنَعْ بَعْضُ أولي الظَّاهِر)، والحديثِ أَيْضاً، (مِنْهُ) أي: مِنَ الاكتفاءِ بِذَلِكَ، فاشترَطوا إقرارَه بِذَلِكَ لَفْظاً (¬3). (وَقَطَعْ بِهِ) مُطْلَقاً مِنَ الشَّافِعيّةِ (أَبُو الفَتْحِ سُلَيْمُ) بتركِ التنوينِ (¬4) (الرَّازِيْ، ثُمَّ) الشَّيْخُ (أَبُو إسْحَاقٍ (¬5)) -بالصرفِ للوزنِ- (الشِّيْرَازِيْ) و (كَذَا أَبُو نَصْرٍ) ابنُ الصَّبَّاغِ (¬6). (و) لَكِنْ (قَالَ: يُعْمَلُ بِهِ) أي: بالمرويِّ، إذَا أدَّى بما يأتي، حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: (وأَلْفَاظُ الأَدَاءِ) لِمَنْ سَمِعَ، أَوْ قرأَ كَذلِكَ، وأرادَ (¬7) روايتَهُ، هِيَ الألفاظُ ¬

_ (¬1) قال القاضي عياض في إلماعه: 79: ((وهذا مذهب الجمهور من المحدّثين والفقهاء والنظّار)). (¬2) ((الشّيخ)): لم ترد في (ص) و (م). (¬3) انظر: الإحكام 2/ 272، والإلماع: 78، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 109. وبه عمل جماعة من مشايخ أهل المشرق وأئمتهم. (¬4) بعد هذا في (م): ((للوزن)). ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. ورواية أبي الفتح نقلها ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 302، والزركشي في البحر المحيط 4/ 389. (¬5) اللمع: 48. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 302، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 109 - 110. وقال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 110: ((وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدّثنا ولا أخبرنا هو الذي صححه الغزالي وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه. وحكى الآمدي تجويزه عن الفقهاء والمحدثين، وصححه ابن الحاجب، وحكى عن الحاكم إنه مذهب الأئمة الأربعة)). انظر: المستصفى 1/ 165، والإحكام 2/ 328، لكنّه لم يسنده للمتكلمين، ومنتهى الأصول: 83، ومعرفة علوم الحديث: 259 - 260، ونكت الزركشي 3/ 489، وتدريب الرّاوي 2/ 20. (¬7) في (ق): ((وأداء)).

(الأوَّلُ) المتَّفقُ عَلَيْهَا (¬1). وَهِيَ: ((قرأتُ عَلَيْهِ))، أَوْ ((قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنا أَسْمعُ))، لاَ جميعُها، فَلا تقلْ ((حَدَّثَني))، ولا ((أَخْبَرَنِي))، ولا ((سَمِعْتُ)). بَلْ قَالَ صَاحِبُ " الْمَحْصُولِ ": لَوْ أشارَ الشَّيْخُ بِرأسِهِ، أَوْ إصْبَعِهِ، للإقرارِ بِهِ، وَلَمْ يَتَلَفظْ، لَمْ يقلْ ذَلِكَ (¬2). قَالَ النَّاظِمُ: وفيه نظرٌ (¬3). أي؛ لأنَّ الإشارةَ بِذَلِكَ، كالنطقِ في الإعلامِ بِهِ، وَهُوَ ظاهِرُ هَذَا. والْمُعتمَدُ الجوازُ، وإنْ لَمْ يُشِرْ، كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُعظَمِ، غَايتُه أنَّه فوَّتَ المستحبَّ، وَهُوَ الإقرارُ بِهِ لَفْظاً. 405 - وَالْحَاْكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا ... عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوْخِ فِي الأَدَا 406 - حَدَّثَنِي فِي الْلَفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا ... وَاجْمَعْ ضَمِيْرَهُ إذا تَعَدَّدَا 407 - وَالْعَرْضِ (¬4) إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ أَخْبَرَنَا ... أو قَارِئاً (أَخْبَرَنِي) واسْتُحْسِنا 408 - وَنَحْوُهُ عَنِ (ابْنِ وَهْبٍ) رُوِيَا ... وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رُضِيَا 409 - وَالشَّكُ فِي الأَخْذِ أكَانَ وَحْدَهْ ... أو مَعْ (¬5) سِوَاهُ؟ فَاعِتَبارُ الْوَحْدَهْ 410 - مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رأى الْقَطَّانُ ... اَلْجَمْعَ فِيْمَا أوْ هَمَ الإِْنْسَانُ 411 - فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ ... اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 302 - 303، والإرشاد 1/ 356، والمقنع 1/ 302، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 109 - 110، وفتح المغيث 2/ 43. (¬2) المحصول 2/ 222، وطبعة العلواني 2/ 1/644. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 110. (¬4) قال البقاعي 248 / ب: ((والعرض - بالجر - عطفاً على قوله: اللفظ، والمقول محذوف أي: واختار في العرض هذا التفصيل وهو أنك: إن تسمع بقراءة غيرك إلى آخره، ويجوز أن يرفع على أنه مبتدأ وخبره جملة الشرط بتقدير رابط أي: إن تسمع فيه أي: إن تكن سامعاً فقل: أخبرنا، أو تكن قارئاً فقل: أخبرني)). وكذا في جميع النسخ الخطية، وفي النفائس، وفتح المغيث بالنصب. (¬5) بتسكين العين كما قال الشارح.

ثالثُها: في افتراقِ الحالِ بَيْن صيغةِ المنفردِ، وصيغةِ مَنْ في جماعةٍ. وَهُوَ مَا ذَكَرهُ بِقولِهِ: (والْحَاكِمُ اخْتَارَ) الأَمْرَ (¬1) (الذِي قَدْ عَهِدَا) هُوَ (عَلَيْهِ أكْثَرَ الشُّيُوْخِ) لَهُ، وأئمةِ عَصْرِه (في) صيغِ (الأدا)، وَهُوَ أنْ يقولَ: (حَدَّثَنِي) فلانٌ (فِي) مَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْ شيخِهِ بِصَرِيحِ (اللفظِ، حَيْثُ انْفَرَدَا) عَنْ غيرِهِ بالسَّماعِ. (واجْمَعْ) أَنْتَ (ضَمِيرَهُ) أي: مَا تحملتَهُ، فَقُلْ: ((حَدَّثَنَا)) (إذَا تَعدَّدا) أي: مَنْ تَحمَّل بأنْ كَانَ مَعَكَ وقتَ السَّمَاعِ غيرُك، وَفِي عبارتِهِ التِفَاتٌ. (و) اختارَ أَيْضاً فِيْمَا تَتَحَمّلُه عَنْ شيخِكَ في (الْعَرْضِ) أنَّكَ (إنْ تَسْمَعْ) بقراءةِ غيرِك، (فقل: أَخْبَرَنَا) بالْجَمْعِ، (أَوْ) إن تكن (قارِئاً)، فَقُلْ: (أخْبَرنِي) بالإفرادِ، (واستُحْسِنَا) ذَلِكَ مِن فاعِلِهِ. (ونحوُهُ عَنِ ابنِ وَهْبٍ) عَبْدِ اللهِ (رُوِيَا). رَوَى عَنْهُ التِّرمذيُّ (¬2)، وغيرُهُ (¬3) أنَّه قَالَ: ((مَا قُلْتُ: ((حَدَّثَنَا)) فَهُوَ مَا سَمِعتُ مَعَ النّاسِ، وَمَا قُلْتُ: ((حَدَّثَني)) فَهُوَ مَا سمعتُ وحدي، ومَا قُلْتُ: ((أَخْبَرَنَا))، فَهُوَ مَا قُرِئَ عَلَى العالِمِ، وأنا شاهدٌ (¬4)، ومَا قُلْتُ: ((أخْبرني))، فَهُوَ مَا قرأتُ عَلَى العالِمِ)). قَالَ الناظمُ: ((وَفِي (¬5) كلامِ الحاكمِ، وابنِ وَهْبٍ، أنَّ القارئَ يَقُولُ: ((أخبرني)) سواءٌ أسَمِعَ (¬6) مَعَهُ غيرُهُ أَمْ لا)) (¬7). وَقضيتُهُ أنَّ التَّفْصيلَ لَيْسَ بواجبٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 260. (¬2) العلل الصغير 6/ 245. (¬3) الكفاية: (425 ت، 294 هـ‍)، والإلماع: 126 - 127. (¬4) في (ق): ((مشاهد)). (¬5) في (ص): ((وذي)). (¬6) في شرح التبصرة والتذكرة: ((سمع)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 112.

(وَلَيْسَ) مَا ذكرَ مِنَ التَّفْصيلِ (بالوَاجبِ) عِنْدَهُم، (لَكِنْ رُضِيَا) أي: اسْتُحِبَّ لِلتَّمييزِ بَيْن أحوالِ التَّحمُّلِ (¬1). وَمَحلُّه: إذَا عَلِمَ صُورةَ حَالِ الأخذِ عَنِ الشَّيخِ. (وَ) أما إذَا وقعَ (الشَّكُّ في الأخذِ) عَنْهُ مِن لَفْظِهِ (أكانَ وَحْدَهْ)؟ فيأتي بـ: حَدَّثَني، (أَوْ) كَانَ (مَعْ) - بالإسكانِ - (سواهُ) فيأتي بـ: ((حَدَّثَنَا)). (فَاعْتِبَارُ الوحْدهْ) أي: القولِ بِهِ (مُحْتَمَلٌ)؛ لأنَّ الأَصْلَ عدمُ غيرِهِ (¬2). وَكَذا لَوْ شَكَّ في أخْذِهِ عَنْهُ عَرْضاً أكانَ مِن قَبيلِ ((أَخْبَرَنَا))، لكونِهِ مَعَ غيرِه، أَوْ ((أَخْبرنِي))، لكونِهِ وَحْدَهُ؟، والأصلُ عدمُ غيرِهِ (¬3). لَكِنْ حَكى الخطيبُ (¬4) عَنِ البَرقَاني، أنَّهُ كَانَ يَقُولُ في هَذَا: ((قَرَأْنا)). قَالَ النَّاظِمُ (¬5): ((وَهُوَ حَسَنٌ)). لأنَّ سَمَاعَ نفسِه مُتَحَقِّقٌ، وقراءتَهُ شَاكٌّ فِيْهَا، والأَصْلُ عدمُها. ولأنَّ إفرادَ الضَّميرِ يَقْتَضي قراءتَه بِنَفْسِه، وجمعَهُ يمكنُ حملُهُ عَلَى قراءةِ بعضِ مَنْ حَضَرَ السَّمَاعَ، بَلْ لَوْ تحقَّقَ أنَّ الَّذِي قرأَ غيرُهُ، فَلا بأسَ أَنْ يَقُولَ: ((قرأنا)). قالَهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالحٍ حِيْنَ سُئِلَ عَنْهُ (¬6). وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ (¬7): ((قرأنا عَلَى مالكٍ مَعَ أنَّه إنَّما قُرِئَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ)). انتهى. ¬

_ (¬1) كما صرح به الخطيب. انظر: الكفاية (425 - 428 ت، 294 - 296 هـ‍). وذكر ذلك السخاوي في فتح المغيث 2/ 44. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 304، والإرشاد 1/ 357 - 358، والمقنع 1/ 304، والتقييد: 172، وفتح المغيث 2/ 45. (¬3) قال العراقي في شرح التبصرة 2/ 113: ((وفيه نظر؛ لأن قبيل أخبرني أن يكون هو الذي قرأ بنفسه على الشّيخ على ما ذكره ابن الصّلاح، وعلى هذا فهو يتحقق سماع نفسه، ويشك هل قرأ بنفسه أم لا؟ والأصل: أنّه لم يقرأ)) وانظر: النكت الوفية: 249/ب. (¬4) الكفاية: (431 ت، 300 هـ‍). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 114. (¬6) الكفاية: (432 ت، 300 هـ‍). (¬7) المصدر السابق.

ويُمْكِنَ حَمْلُ كلامِ مَنْ اختارَ ((أخبرني)) عَلَى مَنْ تحقَّقَ قراءةَ نفسِهِ، وشكَّ: هَلْ سمعَ مَعَهُ غيرُهُ أَوْ لا؟ ثُمَّ إذَا شَكَّ في القِرَاءةِ أَيْضاً لاَ يَتعيَّنُ ((قرأنا))، بَلْ مثلُه ((أَخْبَرَنَا))، كَمَا يُفهَمُ بالأولى. (لَكِنْ رأى) يَحْيَى بنُ سعيدٍ (¬1) (القطَّانُ الجَمْعَ) بـ: حَدَّثَنَا في مَسْأَلَةٍ تُشبِهُ الأولى، وَهِيَ: (فِيْمَا) إذَا (أَوْهَمَ) أي: وَهِمَ بمعنى: شَكَّ (الإنسانُ في) لفظِ (شيخِهِ مَا) الذي (قَالَ)؟ أحَدَّثَني أَوْ حَدَّثَنَا؟ قَالَ ابنُ الصلاحِ: وَمُقْتَضاهُ الْجَمْعُ في تِلْكَ أَيْضاً (¬2). قَالَ: وَهُوَ عِنْدي يتوجَّهُ (¬3) بأنَّ ((حَدَّثَني)) أكملُ مرتبةً، فيقتصرُ في حالَةِ الشكِّ عَلَى النَّاقصِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدمُ الزَّائدِ، وَهذا لَطيفٌ (¬4). انتهى. (والْوَحْدَةَ) بالنَّصْبِ بـ: اختار - أي: و (قَدْ اختَارَ) صِيغةَ ((حَدَّثَني)) (في ذَا) الفرعِ (الْبَيهقِيُّ) بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ القَطَّانِ (¬5)، (واعْتَمَدْ) مَا اخْتَارَهُ، وَعَلَّلَهُ بأنَّه لا يشكُّ في واحدٍ (¬6)، وإنَّما الشَّكُّ في الزائِدِ، فيُطْرحُ الشكُّ ويبنى عَلَى اليَقينِ (¬7). 412 - وَقَالَ (أَحْمَدُ): اتَّبِعْ لَفْظاً وَرَدْ ... لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلاَ تَعَدْ (¬8) 413 - وَمَنَعَ الإبْدَالَ فِيْمَا صُنِّفَا ... - الشَّيْخُ - لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا 414 - بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيْهِ مَا جَرَى ... فِي النَّقْلِ باِلْمَعْنَى، وَمَعْ ذَا فَيَرَى ¬

_ (¬1) انظر: الكفاية: (423 ت، 293 هـ‍). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 304، وعبارته: ((وهذا يقتضي فيما إذا شكّ في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول: ((حدّثنا)))). (¬3) في (ع): ((متوجّه)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 304. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 304، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 114. (¬6) في (ص): ((أحد)). (¬7) فتح المغيث 2/ 46. (¬8) أصلها: تتعدّى، فحذفت التاء الأولى تخفيفاً، ولام الفعل للجزم بالنهي، والمراد: لا تتجاوز لفظه وتبدله بغيره. انظر: النكت الوفية 249/ ب، وفتح المغيث 2/ 46.

415 - بِأَنَّ ذَا فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ ... بِالْلَفْظِ لاَ مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُبِ ورابعُها: في التقيُّدِ بلفظِ الشَّيْخِ (¬1)، وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (وَقَالَ) الإمامُ (أَحْمَدُ) بنُ حنبلٍ (¬2): (اتَّبِعْ) أنت (لَفْظاً وَرَدْ لِلشَّيْخِ في أَدَائِهِ) لَكَ مِن ((سمعتُ))، و ((حَدَّثَنَا))، و ((حَدَّثَني))، ونحوِها. (وَلاَ تَعَدْ) - بفتح العينِ وحذفِ التاء -، وأصلُهُ تَتَعَدَّ أي: لا تتجاوزْ لفظَهُ، فقُلْ مثلاً: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ وفلانٌ عَنْ فُلاَنٍ، قَالَ: أوَّلُهمَا ((حَدَّثَنَا))، وَقَالَ ثانيهما: ((أَخْبَرَنَا))، فَلا تُبدِّل شَيئاً مِن أَلفاظِهِ (¬3) بغيرِهِ. (وَ) كَذَا (مَنَعَ الإبدالَ) لـ: حَدَّثَنَا بـ: أخبرَنا، أَوْ بِعَكْسِهِ، أَوْ نحوِهِ (فِيْمَا صُنِّفَا) بِبِنَائِهِ لِلْمَفعولِ - مِنَ الكُتُبِ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬4)؛ لاحْتِمَالِ أنَّ قَائلَ ذَلِكَ، لا يَرَى التَّسويةَ بَيْنَ الصِّيغتينِ (¬5). (لَكِنْ) استدراكٌ عَلَى الأَوَّلِ (حَيْثُ راوٍ عُرِفَا) ببنائِهِ لِلمَفْعُولِ (بأنَّهُ سَوّى) بينهُما (فَفِيهِ) حينئذٍ (مَا جَرى) مِنَ الخِلافِ (في النَّقْلِ بالْمَعْنَى. وَمَعْ) -بالإسكانِ- (ذا) أي: جريانِ الخلافِ (فَيَرَى) ابنُ الصَّلاحِ (¬6) (بأنَّ ذَا) أي: الخلافَ (فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ) أي: الطالبُ مما (¬7) تحمَّلَهُ (بالْلَفظِ) مِنْ (¬8) شيخِهِ، (لاَ) في (مَا وَضَعُوا) أي: الْمُصَنِّفونَ (فِي الكُتُبِ) الْمُصنَّفةِ، فإنَّ ذَلِكَ يمتنعُ تغيِيْرُهُ قَطْعاً، سواءٌ أرويناه في التَّصْنيفاتِ (¬9)، أَمْ نَقَلْنَاهُ مِنْهَا لَفظاً، أَوْ إلى تَخارِيجِنا، أَوْ أجزائِنا، كَمَا سيأتي في الرِّوَايَةِ بالمعنى. ¬

_ (¬1) فتح المغيث 2/ 46. (¬2) الكفاية: (423 ت، 293 هـ‍). (¬3) في (ق): ((لفظه)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 305. (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 305، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 116، وفتح المغيث 2/ 46. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 305، وانظر: نكت الزّركشيّ 3/ 492. (¬7) في (ص): ((من)). (¬8) في (م): ((عن)). (¬9) في (ق): ((المصنفات)).

وَضَعَّفَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ (¬1)، بأنَّ النَّقلَ مِنْهَا لا يَنْبَغِي منعُهُ أخذاً مِن تعليلِ المنعِ بتغييرِ التَّصْنيفِ؛ إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْييرُ التَّصْنيفِ (¬2). أي: وإنْ كَانَ فِيهِ تَغْييرُ عِبارةِ المصنِّفِ. 416 - وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ ... مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاعِ 417 - (الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ) ... وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيِّ) 418 - لاَ تَرْوِ تَحْدِيْثاً وَإِخْبَاراً، قُلِ ... حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ 419 - وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلاَهُمَا كَتَبْ ... وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ 420 - بِأَنَّ خَيْراً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلاَ ... فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ، أولاَ بَطَلاَ 421 - كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيْ حَيْثُ عَدْ ... إِمْلاَءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدّاً وَسَرَدْ خامسُها: في النَّسْخِ والكلامِ ونحوهِما - مِنَ (¬3) الشَّيْخِ أَوْ الطَّالِبِ - وقتَ التحمُّلِ، وسنِّ (¬4) الإجازةِ مَعَ السَّمَاعِ، وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (واخْتَلَفوا) أي: العُلَمَاءُ (في صِحَّةِ السَّمَاعِ مِن نَاسِخٍ) وقتَ القراءةِ مُسْمِعاً كَانَ أَوْ سامعاً؛ (فَقَالَ بامْتِنَاعِ) ذَلِكَ مُطْلَقاً: الأستاذُ أَبُو إسْحَاقَ (الإسْفَرايينيْ) (¬5) -بفتح الفاء وكسر الياء- (مَعَ) أبي إسحاقَ إبراهيمَ (الحربيِّ) نسبةً إلى ((حَرْبِيَّة)) (¬6) مَحَلَّةٍ ببغدادَ (و) أبي أَحْمَدَ (ابنِ عديٍّ) في آخرينَ (¬7). ¬

_ (¬1) الاقتراح: 245. (¬2) قال الحافظ العراقي: ((قلت: لا نسلم أنه يقتضي ذلك، بل آخر كلام ابن الصّلاح يشعر: أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزي إليه، لا يجوز فيه الإبدال سواءٌ أنقلناه في تأليفٍ لنا أم لفظاً؟ والله أعلم)). شرح التبصرة والتذكرة 2/ 117، وانظر: المقنع 1/ 307. (¬3) في (م): ((عن)). (¬4) في (ص): ((وفي السّن)). (¬5) نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 305. (¬6) في (م) و (ق): ((حربة))، وما أثبتناه من (ص) و (ع)، وهو الموافق لما في الأنساب 2/ 234، ومراصد الاطلاع 1/ 390، والتاج 2/ 257. (¬7) أسنده عنهما الخطيب البغدادي في الكفاية: (120 ت، 66 هـ‍).

لأنَّ الاشتغالَ بالنَّسْخِ مُخِلٌّ بالسَّماعِ. (وَ) جاءَ نحوَهُ (عَنِ) أَبِي بكرٍ أَحْمَدَ بنِ إسحاقَ (الصِّبْغِيِّ) - بكسرِ الصاد المُهْمَلَةِ -، نسبةً إلى أبيهِ؛ لأنَّهُ كَانَ يبيعُ الصِّبَغَ (¬1). فإنَّهُ قَالَ: (لاَ تَرْوِ) أَنْتَ مَا سَمِعْتَهُ عَنْ شَيخِكَ في حالِ نَسْخِهِ، أَوْ نَسْخِكَ (تَحْديْثاً وإخْبَاراً). أي: فَلا تقلْ: ((حَدَّثَنَا))، ولا ((أَخْبَرَنَا))، بَلْ (قُلِ: حَضَرْتُ)، كَمَا يقولُه مَنْ أدَّى مَا تحمَّلَهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ قَبْلَ فَهْمِهِ الخطابَ. (و) لَكِنْ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بنُ إدريسَ (¬2) (الرَّازِيُّ، وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ) نسبةً إلى ((دَرْبِ حَنْظَلَةَ)) بالرِّي، (وابنُ الْمُبارَكِ (¬3) كِلاَهُمَا كَتَبْ). أي: نَسَخَ أَوَّلَهما في حالِ تحمُّله عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ عَارِمٍ، وعِنْدَ عَمْرِو بنِ مَرْزُوقٍ (¬4)، وثانيهِما فِي حالِ تحديثِهِ. وَذلكَ عَنْهُمَا (¬5) يقتضِي جوازَهُ، وعدمَ وجوبِ ذِكْرِ الحضورِ. (و) كَذَا (جوَّزَ): مُوسى بنُ هارونَ (الحمَّالُ) (¬6) بالمهملةِ - وغيرُهُ. (والشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬7)، كغيرِهِ، (ذهبْ) إلى القولِ: (بأنَّ خيراً مِنْهُ) أي: مِمّا ذُكِرَ مِن إطْلاقِ القَوْلِ بالجوازِ، والقولِ بِالْمَنَعِ (أَنْ يُفَصِّلا) -بألفِ الإطلاقِ-. (فَحَيْثُ) صَحِبَ النَّسْخَ (فَهْمٌ) لِلمَقْروءِ (صَحَّ) السَّمَاعُ، (أَوْ لاَ) يَصْحَبُه ذَلِكَ، وَصَارَ كأنَّه صَوْتٌ غُفْلٌ، (بَطَلاَ) أي: السَّمَاعُ، وَصَارَ حضوراً. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 305، وانظر: في ضبط اسمه وترجمته الأنساب 3/ 530، وسير أعلام النبلاء 15/ 483، والتاج 22/ 514. (¬2) الكفاية (121 ت، 67 هـ‍). وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 306. (¬3) المصدران السابقان. (¬4) الكفاية: (121 ت، 67 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 306، وشرح التبصرة 2/ 118 (¬5) في (ق) و (ع): ((منهما)). (¬6) الكفاية: (122 ت، 67 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 306، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 118. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 306.

والعملُ عَلَى هَذَا، وَقَدْ كَانَ يَفْعَلُهُ شيخُنا، بَلْ ويُفتي (¬1)، وَيَردُّ عَلَى القارئِ. (كَمَا جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيْ) (¬2) نِسبةً إلى ((دارِ القُطنِ)) بِبغدادَ. إِذْ حَضَرَ في حَداثَتِهِ إملاءَ أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلَ الصَّفَّارِ، فَرآهُ بَعْضُ الْحَاضِرينَ يَنْسَخُ، فَقَالَ لَهُ: لا يَصِحُّ سماعُك، وأنت تَنْسَخُ. فَقَالَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَهْمِي للإملاءِ خلافُ فَهْمِكَ. ثُمَّ استَظْهَرَ عَلَيْهِ (حَيْثُ عدْ إملاءَ إِسْمَاعِيْلَ) المذكورِ، أي: عَدَّ مَا أملاهُ (عَدّاً)، وأخبرَ أنَّهُ ثمانيةَ عَشَرَ حَدِيثاً - فعدَّ فوجدَ كَمَا أخبر - بَعْدَ أنْ قَالَ لِلمُنْكِرِ عَلَيْهِ: أتحفظُ كَمْ أَمْلى حَدِيثاً إلى الآنَ؟ فَقَالَ: لاَ. (وَسَرَدْ) أي: وبعدَ أن عَدَّهُ سَردَهُ عَلَى الولاءِ إسْناداً وَمَتْناً، فَعَجِبَ الناسُ مِنْهُ. 422 - وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلاَمِ أو إذا ... هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا 423 - إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ ... فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ 424 - وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ ... إِسْمَاعِهِ جَبْراً لِنَقْصٍ إنْ وَقَعْ (¬3) 425 - قَالَ: ابْنُ عَتَّابٍ وَلاَ غِنَى (¬4) عَنْ ... إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ (¬5) (وذاكَ) أي: التفصيلُ المذكورُ في النَّسْخِ (يَجْرِي في الكلامِ) مِنْ كُلٍّ مِنَ السَّامِعِ، والمُسْمِعِ وقتَ السَّماعِ، وفي إفراطِ القارئِ في الإسماعِ (¬6)، (أَوْ إذَا هَيْنَم) أي: أخفى صَوْتَهُ (¬7) (حَتَّى خَفِيَ) في جميعِ ذَلِكَ (البَعْضُ) أي: بعضُ الكلامِ. ¬

_ (¬1) في (م): ((ويفتي به)). (¬2) هذه الرّواية في تاريخ بغداد 12/ 34 - 36، وسير أعلام النبلاء 16/ 453. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 306، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 306. (¬3) في نسخة (ب) و (ج‍) من متن الألفية والنفائس: ((إن يقع)). (¬4) في نسخة (أ) و (ب) و (ج‍) من متن الألفية: ((غناء)). (¬5) في نسخة (أ) و (ب) و (ج‍) من متن الألفية: ((تقترن)) وسيشير الشارح إلى أنها هكذا في نسخة، وفي النفائس: ((يقرن)). (¬6) في (ق) و (ص): ((الإسراع)). (¬7) انظر: الصحاح 5/ 2062 (هنم).

و (كَذَا إنْ بَعُدَ السَّامعُ) عَنِ القارئِ، أَوْ عَرَضَ نُعاسٌ خفيفٌ بحيثُ يمنعانِ سَمَاعَ بعضِها. ويلتحقُ بِذَلِكَ الصلاةُ، وَقَدْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُصلِّي في حالِ قراءةِ القارئِ عَلَيْهِ، وربما يشيرُ بردِّ مَا يُخطئُ فِيهِ القارئُ (¬1). (ثُمَّ) مَع اعتمادِ التَّفْصيلِ فِيْمَا ذكرَ، (يُحْتَمَلْ) أي: يُغْتَفَرُ (في الظَّاهِرِ) مِن كلامِهِم (الكَلِمَتَانِ، أَوْ أَقَلْ) توسعةً في الرِّوَايَةِ. قَالَ شَيْخُنا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الأمرُ دائراً عَلَى مَا لا يكونُ الذهولُ عَنْهُ مُخِلاًّ بفَهْمِ الباقي. (وَيَنْبغِي) أي: يُسَنُّ (للشَّيْخِ) المُسْمِعِ (أَنْ يُجِيْزَ) لِلسَّامِعينَ رِوَايَةَ مَا رَواهُ لَهُمْ (مَعْ إسْمَاعِهِ) لَهُمْ؛ (جَبْراً لِنَقْصٍ إنْ وَقَعْ (¬2))، وَفِي نُسْخةٍ ((يَقَعْ)) في السَّمَاعِ بِسببِ شَيءٍ مِمّا ذكرَ، أَوْ نحوِه، كَخَلَلٍ في الإعرابِ، أَوْ فِي الرِّجالِ. وَذَلِكَ كأنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكُم روايتَهُ سَمَاعاً، وإجازةً، لما يُخالِفُ أَصْلَ السَّمَاعِ إنْ خَالف. بَلْ (قَالَ) أَبُو عَبْدِ اللهِ (ابنُ عَتَّابٍ) مُحَمَّدُ الأنْدَلُسِيُّ (¬3): (وَلاَ غِنَى) لطَالِبِ العلمِ (عَنْ إجَازةٍ) عَنِ الشَّيْخِ (مَعَ السَّمَاعِ) بِقراءةِ أحدِهِمَا (تُقْرَنْ) بِهِ - وَفِي نُسْخَةٍ تُقْتَرَنْ - لِجوازِ سَهْوٍ، أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ غَلَطٍ. وَظَاهِرُه الوجوبُ. ثُمَّ يَنْبغي لِكَاتبِ الطَّبقةِ أَنْ يَكتُبَ الإجازةَ عَقِبَ كِتَابةِ السَّمَاعِ. ويقال: أَوَّلُ مَنْ كَتَبَهَا فِي الطّباقِ الحافظُ أَبُو الطّاهرِ إسماعيلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عبدِ المحسنِ الأنماطيُّ، فَجَزاهُ اللهُ خيراً في سَنِّهِ ذَلِكَ لأهلِ الحَدِيْثِ، فَلَقَدْ حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ كَثِيْرٌ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: تاريخ بغداد 12/ 39، وسير أعلام النبلاء 16/ 455، وتذكرة الحفاظ 3/ 994 - 995، وتدريب الرّاوي 2/ 24. (¬2) في (م): ((وقع)). (¬3) الإلماع: 92، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 121. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 120، والمقنع 1/ 310، وانظر: فتح المغيث 2/ 52.

وَلَقَدِ انْقَطَعَتْ بسَبَبِ إهْمَالِ ذَلِكَ بِبَعضِ البِلادِ روايةُ بعضِ الكتبِ، لكونِ راويها كَانَ لَهُ فَوْتٌ، وَلَمْ يوجدْ في الطَّبقَةِ إجازةُ المُسْمِعِ للسَّامِعينَ؛ فَمَا أمْكَنَ قراءةُ ذَلِكَ الفوتِ عَلَيْهِ بالإجازةِ لعدمِ تحقُّقِها (¬1). كَمَا اتَّفَقَ لأبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ الصَّوَّافِ الشَّاطبيِّ في " سُنَنِ النَّسَائِيِّ " فَلَمْ يأخذوا عَنْهُ سِوى مَسْموعِهِ مِنْها عَلَى أَبِي بَكْرِ بنِ بَاقَا (¬2). 426 - وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا ... أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى 427 - لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ ... فِي الْحَرْفِ يَسْتَفْهِمُهُ فَلاَ يَسَعْ 428 - إِلاَّ بَأَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الشَّارِدَهْ ... عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ) 429 - وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا ... إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا 430 - مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانُ اكْتَفَى ... بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى (وسُئِلَ) الإمامُ (ابنُ حَنْبَلٍ) مِنَ ابنِهِ صالِحٍ، حَيْثُ قَالَ لَهُ: (إنْ حَرْفا) أي: لَفْظاً يَسيراً (أَدْغَمَهُ) أي: الشَّيْخُ أَوْ القارئُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ السامعُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ أنَّه كَذَا وكذا أيرويهِ عَنْهُ؟ (فَقَالَ: أرْجو) أنَّه (يُعْفَى) عَنْهُ، ولاَ يَضيقُ بِهِ (¬3). (لَكِنْ) الحافظُ (أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ) بنُ دُكَيْنٍ (مَنَعْ فِي الْحَرْفِ) أي: اللفظِ اليَسيرِ الّذي يَشْرُدُ عَنْهُ في حَالِ سَماعِهِ مِنْ سُفْيَانَ، والأعمشِ، ثُمَّ (يَسْتَفْهِمُهُ) مِن بَعْضِ رفقائِهِ (¬4). (فَلاَ يَسَعْ) أي فَقَالَ: لا يسعُهُ (إلاّ بِأَنْ) أي: أنْ (يَرْوِيَ تِلْكَ) الكَلِمةَ (الشَّاردَهْ عَنْ مُفْهِمٍ) أَفْهَمَهُ إيَّاهَا، لاَ عَنْ شَيْخِهِ. (وَنَحوُهُ) يُروَى (عَنْ زَائِدَهْ) بنِ قُدامةَ. ¬

_ (¬1) فتح المغيث 2/ 53. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 120 - 121، المقنع 1/ 310. (¬3) الكفاية: (124 ت، 68 - 69 هـ‍)، شرح التبصرة والتذكرة 2/ 121. (¬4) المحدث الفاصل: 385.

قَالَ خَلَفُ بنُ تميمٍ: سَمِعتُ مِن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلافِ حَدِيثٍ، أَوْ نحوَها، فَكُنتُ استفهمُ جَليْسي، فقلتُ لزائدةَ، فَقَالَ لي: لا تحدِّثْ مِنها إلاَّ بما تَحْفَظُ بقلبِكَ، وتَسْمَعُ بأُذُنِكَ. قَالَ: فألقيتُها (¬1). (و) أَيْضاً، فالحافظُ أَبُو مُحَمَّدٍ (خَلَفُ بنُ سَالِمٍ) المُخَرِّمِيُّ - بتشديدِ الرّاءِ المكسورةِ - نسبةً إلى ((المُخَرِّمِ)) مَحلَّةٍ ببغدادَ (¬2) (قَدْ قَالَ: نَا) مُقتصراً عَلَى النُّونِ والألفِ (إِذْ فَاتَهُ ((حَدَّثَ)) مِنْ حَدَّثَنَا مِن قَوْلِ) شيخِهِ (سُفْيَانَ) ابنِ عُيَيْنَةَ، حِيْنَ تَحْدِيثِهِ عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ. فَكانَ يُقالُ لَهُ: قُلْ: حَدَّثَنَا، فَيَمْتَنِعُ، وَيَقُولُ: إنَّه لِكَثْرةِ الزِّحامِ عِنْدَ سُفْيَانَ، لَمْ أسْمَعْ شيئاً مِن حُروفِ ((حَدَّثَ)) (¬3). هَذَا (وسُفْيَانُ) شَيْخُهُ (اكْتَفَى بِ‍) ‍‍سَمَاعِ (لَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي) أي: لَفظِهِ؛ إِذْ الْمستمْلِي (اقْتَفى) أي: اتَّبعَ لفظَ الْمُمْلِي. وَذَلِكَ أنَّ أبا مُسْلِمٍ المُسْتَملِي، قَالَ لِسُفْيَانَ: الناسُ كَثِيْرٌ لاَ يَسْمَعونَ. فَقَالَ: أتسمعُ أنتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فأسْمِعْهُم (¬4). ولعلَّ سَمَاعَ خَلَفٍ لَمْ يَكُنْ في الإملاءِ. وَهذا هُوَ الذِي عَلَيْهِ العَمَلُ مِنَ الأكابرِ الَّذينَ كَانَ يعظمُ الجمعُ فِي مَجالِسِهِم، أنَّ مَنْ سَمعَ المُسْتَمْلِي دُوْنَ الْمُمْلِي، جازَ لَهُ أنْ يَرْويَهُ عَنِ الْمُمْلِي، لَكِنْ بشرطِ أنْ يسمعَ الْمُمْلِي لفظَ المُسْتَمْلِي، كالعرضِ؛ لأنَّ المسْتَمْلِي في حُكْمِ القارئِ عَلَى الْمُمْلِي (¬5). وحينئذ، فَلا يُقال في الأداءِ لِذلِكَ: ((سَمِعْتُ فلاناً))، كَمَا مَرَّ في العَرْضِ، بَلِ الأحوطُ بيانُ الواقِعِ، كَمَا فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الأئِمَّةِ. ¬

_ (¬1) الكفاية: (126 ت، 70 هـ‍)، وقال السخاوي في فتح المغيث 2/ 54: ((وحكي عن أبي حنيفة مثله)). (¬2) الأنساب 5/ 105، ومعجم البلدان 5/ 71. (¬3) الكفاية: (125 ت، 69 هـ‍)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 123، والنكت الوفية 252/ أ. (¬4) الكفاية: (127 - 128 ت، 72 هـ‍). (¬5) انظر: فتح المغيث للسخاوي 2/ 55.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ الموْصِليُّ: مَا كتبْتُ قطُّ مِن فِي المُسْتَمْلِي، ولا التفتُ إِليهِ، ولا أدري أيَّ شيءٍ يقولُ، إنَّمَا كنتُ أكتبُ مِنْ فِي المحدِّثِ (¬1). وَهَكذا تورَّعَ آخرونَ، بَلْ صوَّبَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ: إنَّه الَّذِي عَلَيْهِ المحقِّقونَ (¬2). انتهى. لَكِنَّ الأَوَّلَ هُوَ الأرفقُ بالنَّاسِ (¬3). 431 - كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى: ... إِسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ، حَتَّى 432 - رَوَوْا عَنِ (الأَعْمَشِ): كُنَّا نَقْعُدُ ... (لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ 433 - البَعْضُ - لاَ يَسْمَعُهُ - فَيَسْأَلُ ... البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ 434 - وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ، وَقَوْلُهُمْ: ... يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ 435 - عَنَوا إذا أَوَّلَ (¬4) شَيءٍ سُئِلاَ ... عَرَفَهُ، وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلاَ (كَذَاكَ) أَبُو إِسْمَاعِيْلَ (¬5) (حَمَّادُ بنُ زيدٍ أَفْتَى) مَنْ استفهمَهُ فِي حالِ إملائِهِ عَنْ بَعْضِ الألفاظِ، وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ لَهُ (¬6): (استَفْهِمِ الَّذِي يَليْكَ). (حَتّى) إنَّهم (رَوَوْا عَنِ الأَعْمَشِ)، أنَّهُ قَالَ (¬7): (كُنّا نَقْعُدُ لِلنَّخَعِيْ) - بالإسكان لما مَرَّ - حِيْنَ تحديثِهِ، والْحَلْقَةُ مُتَّسِعَةٌ، (فَرُبَّما قَدْ يبْعُدُ) عَنْهُ (الْبَعْضُ) مِمَّنْ يَحْضُرُ، و (لاَ يَسْمَعُهُ: فَيَسْألُ) أي: البعيدُ عَنْهُ (البَعضَ) القريبَ مِنْهُ (عَنْهُ) أي: عَمَّا قَالَهُ. (ثُمَّ كُلٌّ) مِمَّن سَمِعَ مِنْهُ، أَوْ مِن رفِيقَيهِ (يَنْقُلُ) ذَلِكَ عَنْهُ، بِلا واسِطَةٍ. ¬

_ (¬1) الكفاية: (125 ت، 70 هـ‍). (¬2) الإرشاد 1/ 365. (¬3) انظر: التقييد والإيضاح: 178، واختصار علوم الحديث: 117. (¬4) يجوز بالرفع والنصب ولكل وجه. انظر تفصيل ذلك في النكت الوفية 253/ب. (¬5) الكفاية: (127 ت، 71 هـ‍)، المحدث الفاصل: 600، والإلماع: 143. (¬6) ((له)): سقطت من (ص) و (ق). (¬7) الكفاية: (129 ت، 72 هـ‍).

(وَ) لَكِنْ (كُلُّ ذَا) أي: تحديثٌ مِنْهُ بِما لَمْ يَسْمَعْهُ إلاّ مِن رَفِيقِهِ (تَسَاهُلٌ) مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ بَعْدَ أَنْ رَوى ذَلِكَ عَنِ الأَعْمَشِ: رَأيتُ أبَا نُعَيْمٍ، لا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، ولا يَرضَى بِهِ لِنَفْسِهِ (¬1). (وقَوْلُهُمْ) أي: وقَوْلُ جَمْعٍ، ك‍: عَبْدِ الرحمانِ بنِ مَهْدِيٍّ، وأبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه (¬2): (يَكْفِي مِن) سَمَاعِ (الحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ) وإنَّمَا (¬3) (عَنَوْا) بِهِ (إذَا أَوَّلَ شيءٍ) أي: طَرَفَ حَدِيثٍ (سُئِلا) عَنْهُ المُحدِّثُ (عَرَفَهُ)، واكْتَفَى بطَرَفِهِ عَنْ ذِكْرِ بَاقيهِ. فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْتُبُونَ أَطْرافَ الحَدِيْثِ ليذاكِروا الشُّيوخَ، فيُحدِّثُوهم بِهَا (¬4). (وَمَا عَنَوْا) بِهِ (تَسَهُّلاَ) أي: تَسَاهُلاً في التَّحَمُّلِ، وَلاَ فِي الأداءِ (¬5). 436 - وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ ... - عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ او (¬6) ذِي خُبْرِ 437 - صَحَّ، وَعَنْ شُعْبَةَ لاَ تَرْوِ لَنَا ... إنَّ (¬7) بِلاَلاً، وَحَدِيْثُ أُمِّنَا سادِسُهَا: في التَّحدِيثِ مِن وَرَاءِ سِتْرٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وإنْ يحدِّثْ‍) ‍‍كَ (مِنْ وَراءِ سِتْرِ) كإزارٍ، وجدَارٍ، مَن (عَرفْتَهُ بصوْتِهِ (¬8)) مِنْهُ، (اوْ) - بالدرجِ - بإخبارِ (ذي خُبْرِ) بِهِ، مِمَّنْ تَثِقُ بِعَدالتِهِ، وضبطِهِ أنَّ هَذَا صوتُهُ، إنْ كَانَ يُحدِّثُ بلفْظِهِ، أَوْ أنَّه حَاضرٌ إنْ كَانَ السَّمَاعُ عَرضاً (صَحَّ) السَّمَاعُ بخلافِ الشَّهادةِ؛ لأنَّ بابَ الرِّوَايَةِ أوسعُ (¬9). ¬

_ (¬1) الكفاية: (129 ت، 73 هـ‍). (¬2) نقلها ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 309، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 125، والنكت الوفية 253/ أ. (¬3) في (م): ((إذا)). (¬4) فتح المغيث 2/ 56. وتتمة الخبر: ((قال محمّد بن سيرين: كنت ألقى عبيدة بن عمرو السلماني بالأطراف)). (¬5) نقل ابن الصّلاح عن حمزة الكناني قوله: ((يعني: إذا سئل عن أوّل شيءٍ عرفه وليس يعني التسهل في السّماع)). معرفة أنواع علم الحديث: 309، وانظر: شرح التبصرة 2/ 125. (¬6) بوصل همزة (أو)؛ لضرورة الوزن وسينبه عليه الشارح. (¬7) بكسر الهمزة على الحكاية كما أشار إليه البقاعي. انظر: النكت الوفية 253/ ب. (¬8) في (ق) و (ع) و (م): ((بصوت))، وما أثبتناه من (ص)، وهو الموافق لما جاء في نسخ متن الألفية. (¬9) انظر: فتح المغيث 2/ 56.

وكما لا يُشترطُ رؤيتُه لَهُ لا يشترطُ تمييزُهُ لَهُ مِنَ الحاضِرينَ (¬1). ويجوزُ فِي ((مِنْ)) كَسْرُ مِيمِها، فتكونُ جارةً، وفتحُها، فتكونُ موصولةً، أَوْ نكرةً موصوفةً (وعن شُعْبَةَ) بنِ الحَجَّاجِ أنَّه قَالَ (¬2): (لا تروِ) عَمَّنْ يُحدِّثُكَ، وَلَمْ تَرَ وَجْهَهُ، فلعلَّهُ شيطانٌ قَدْ تَصوَّرَ في صورتِهِ، يَقُول: ((حَدَّثَنَا))، أَوْ ((أَخْبَرَنَا)). (لَنَا) عَلَى صِحَّةِ السَّمَاعِ مِن وراءِ الحِجَابِ اعتماداً عَلَى الصَّوتِ حَدِيث: (((إنَّ بِلالاً) يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوْا، وَاشْرَبُوْا حَتَّى تَسْمَعُوْا تَأْذِيْنَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُوْمٍ)) (¬3). فأمرَ الشارعُ - صلى الله عليه وسلم - بالاعتمادِ عَلَى صَوْتِهِ مَعَ غَيْبَةِ شَخْصِهِ عَمَّنْ يَسْمَعُهُ (¬4). (وَ) لَنَا أَيْضاً عَلَى ذَلِكَ (حَدِيثُ) أي: تَحدِيثُ (أُمِّنَا) عَائِشَةَ، وغيرِها من أُمَّهَاتِ المؤمِنينَ مِنْ وَراءِ حِجَابٍ، مَعَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُنَّ مَن سَمِعَهُ، والاحتجاجِ بِهِ في "الصَّحِيحِ" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث: 2/ 56. (¬2) المحدث الفاصل: 599، والإلماع: 137. قال ابن كثير في اختصار علوم الحديث: 118 عن مذهب شعبة هذا: ((وهذا عجيب وغريب جداً)). وقال النّوويّ في الإرشاد 1/ 366 - 367: ((وهذا خلاف الصّواب وخلاف ما قاله الجمهور)). وقال الزّركشيّ في نكته 3/ 499: ((قيل: إن فيه نظراً؛ لأن الشيطان إذا جاز أن يتصور بصورة الإنسان، فسواء وراء حجاب أو مشافهة. والحق أن الرّاوي إذا تحقق أن هذا الصوت صوته جازت الرّواية عنه وإن لم يتحقق لم تجز، لأن حديث أبي طلحة: ((وأنا أعرف صوت النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الجوع)). أخرجه البخاريّ 4/ 234 (3578)، و 7/ 89 (5381)، و 8/ 174 (6688). (¬3) أخرجه مالك (194) (195)، والشافعي (615) و (616) بتحقيقنا، والطيالسي (1819)، وعبد الرزاق (1885) (7614)، والحميدي (611)، وابن أبي شيبة (8923) و (8925)، وأحمد 2/ 9 و 57 و 62 و 64 و 73 و 94 و 107 و 123، وعبد بن حميد (734)، والدارمي (1192)، والبخاري 1/ 160 (617) و (620) و161 (622) و 3/ 37 (1918) و225 (2656) و 9/ 107 (7248)، ومسلم 3/ 128 (1092) (36) (37) و 3/ 129 (1092) (38)، والترمذي (203)، والنسائي 2/ 10، وأبو يعلى (5432)، وابن خزيمة (401) و (424) و (1931)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 137 و 138، وابن حبان (3468) (3469) (3470)، والطبراني في الكبير (13106)، والبيهقي 1/ 380 و 382 و 426، والبغوي (433) و (434) من حديث ابن عمر. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 126. قال السخاوي 2/ 57: ((فقد يخدش فيه بأن الأذان لا قدرة للشيطان على سماع ألفاظه فكيف بقوله؟)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 309، والمقنع 1/ 313، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 126 - 127، وفتح المغيث 2/ 57، وتدريب الرّاوي 2/ 28.

438 - وَلاَ يَضُرُّ سَامِعاً أنْ يَمْنَعَهْ (¬1) 439 - كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ ... مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ سابعُها: فِيْمَا إذَا مَنَعَ الشَّيْخُ الطالبَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بقولِهِ: (وَلاَ يَضُرُّ سَامِعاً) سَمِعَ مِن لَفْظِ الشَّيْخِ أَوْ عَرْضاً (أنْ يَمْنَعَهْ الشَّيْخُ) أي: مَنْعُ الشَّيْخِ لَهُ (أنْ يَرْوِيَ) عَنْهُ (مَا قَدْ سَمِعَهْ) مِنْهُ. كأنْ يقولَ لَهُ-لا لِعِلَّةٍ تمنعُ الرِّوَايَةَ-: لا تَرْوِهِ عَنِّي، أَوْ مَا أذِنتُ لَكَ فِي روايتِهِ عَنِّي (¬2). بَلْ يسوِّغُ لَهُ روايتَه عَنْهُ (¬3)؛ لأنَّهُ قَدْ حدَّثهُ بِهِ، وَهُوَ شَيءٌ لا يرجِعُ فِيهِ؛ فَلا يؤثِّرُ مَنْعُهُ (¬4). و (كَذلِكَ) لاَ يضرُّ (التَّخصِيصُ) مِنَ الشَّيْخِ لجماعةٍ - مثلاً - بالسَّمَاعِ، وَقَدْ (¬5) سَمِعَ غَيْرُهُم، سَوَاءٌ أعَلِمَ الشَّيْخُ بِسَمَاعِهِ أَمْ لَمْ يَعْلَم. وكذا لَوْ قَالَ: أُخْبِرُكُم، ولا أُخْبِرُ فُلاَناً، لا يضرُّهُ، ولا يضرُّهُ الرجوعُ بكتابةٍ، أَوْ نَحْوِهَا (¬6). بَلْ (أَوْ) بلفظٍ نَحْوُ (رَجَعْتُ) عمَّا حَدَّثْتُكُم بِهِ (مَا لَمْ يَقُلْ) مَعَ ذَلِكَ: (أَخْطَأتُ) فِيْمَا حَدَّثْتُ بِهِ. (أَوْ شَكَكْتُ) في سَمَاعِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فإنْ قَالَ مَعَهُ ذَلِكَ، لَمْ نروِهِ عَنْهُ (¬7) ¬

_ (¬1) قال البقاعي: ((أن يمنعه)) في موضع رفع على أنه فاعل ((يضرّ))، و ((الشيخ)) فاعل ((يمنع))، ... الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِيَ مَا قَدْ سَمِعَهْ و ((أن يروي)) مفعوله. النكت الوفية 253/ ب. (¬2) انظر: نكت الزّركشيّ 3/ 500. (¬3) قاله أبو إسحاق الإسفراييني كما نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 311، وانظر: النكت الوفية: 253/ب. (¬4) انظر: المحدث الفاصل: 451 - 452، والكفاية: (498 - 499 ت، 348 - 349 هـ‍)، والإلماع: 110. (¬5) في (ص): ((دون)). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 127. (¬7) انظر: المحدث الفاصل: 451 - 452، والكفاية: (498 - 499 ت، 348 هـ‍)، والإلماع: 110.

الثالث: الإجازة

الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ (الثَّالِثُ) من أقسامِ التحمُّلِ: الإجازةُ. وَهِيَ تقالُ لغةً (¬1): للعبورِ، وللإباحةِ. واصطلاحاً: للإذنِ في الرِّوَايَةِ. 440 - ثُمَّ الإِجَازَةُ تَلىِ السَّمَاعَا ... وَنُوِّعَتْ لِتِسْعَةٍ أَنْوَاعَا 441 - أرْفَعُهَا بِحَيْثُ لاَ مُنَاولَهْ ... تَعْيِيْنُهُ الْمُجَازَ وَالْمُجْازَ لَهْ 442 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ... جَوَازِ ذَا، وَذَهَبَ (الْبَاجِيْ) إِلَى 443 - نَفْي الْخِلاَفِ مُطْلَقاً، وَهْوَ غَلَطْ ... قَالَ: وَالاخْتِلاَفُ فِي الْعَمَلِ قَطْ 444 - وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بأَِنْ (¬2) للشَّافِعِي ... قَوْلاَنِ فِيْهَا ثُمَّ بَعْضُ تَابِعي (¬3) 445 - مَذْهَبِهِ (الْقَاضِي حُسَيْنٌ (¬4)) مَنَعَا ... وَصَاحِبُ (الْحَاوي) بِهِ قَدْ قَطَعَا 446 - قَالاَ كَشُعْبَةٍ وَلَو جَازَتْ إِذَنْ ... لَبَطَلَتْ رِحْلَةُ طُلاَّبِ السُّنَنْ 447 - وَعَنْ (أبي الشَّيْخِ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ) ... إِبْطَالُهَا كَذَاكَ (لِلسِّجْزِيِّ) 448 - لَكِنْ عَلى جَوَازِهَا اسْتَقَرَّا ... عَمَلُهُمْ، وَالأَكْثَرُوْنَ طُرَّا 449 - قَالُوا بِهِ، كَذَا وُجُوْبُ الْعَمَلِ ... بِهَا، وَقِيْلَ: لاَ كَحُكْمِ الْمُرْسَلِ ¬

_ (¬1) انظر: مقاييس اللغة 1/ 494، ونكت الزّركشيّ 3/ 502، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 158، والنكت الوفية 260/ب، وتاج العروس 15/ 75، وحاشية توضيح الأفكار 2/ 309. (¬2) بتخفيف ((أنّ)) المشددة؛ لضرورة الوزن كما نبّه على ذلك الشارح. (¬3) في البيت تضمين عروضي وهو تعليق البيت بالبيت الذي يليه، وهو عيب عروضي. (¬4) في (أ) من متن الألفية: ((القاضي الحسين)) وأشار الشارح إلى أنها نسخة، وفي النفائس: ((قاضي حسين))، وما أثبتناه من بقية النسخ، قال البقاعي: ((في نسخة منكّر فهو منوّن، والجزء الأخير مطوي، وفي نسخةٍ ((الحسين منعا)) مخبول لاجتماع الخبن فيه والطيّ، فيخالف قافية البيت الثاني، فالتنكير أحسن)) النكت الوفية: 254/ أ.

(ثُمَّ الإِجَازَةُ تَلي السَّمَاعَا) عَرْضاً، فَهُوَ أرفعُ مِنْها عَلَى الْمُعْتمَدِ؛ لأَنَّهُ أبعدُ مِنَ التَّصْحِيفِ والتَّحْرِيفِ. وقِيلَ: عَكْسُهُ؛ لأنَّها أبْعدُ مِنَ الكذبِ والرِّياءِ والعُجْبِ (¬1). وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ (¬2). (و) قَدْ (نُوِّعَتْ لِتِسْعَةٍ أنواعَا) مَعَ أنَّها مُتَفَاوِتَةٌ أَيْضاً، كَمَا يَأتِي. (أَرْفَعُها بِحَيْثُ لاَ مُنَاوَلهْ) مَعَهَا أي: أرفعُ أنواعِ الإِجَازَةِ الْمجَرَّدةِ عَنِ المناولةِ، وَهُوَ أَوَّلُ أنواعِها: (تَعْيينُهُ) أي: المُحَدِّثُ الكِتَابَ (الْمُجازَ) بِهِ، (و) الشَّخْصَ (المجازَ لَهُ)، كقولِهِ: أجزْتُ لَكَ، أَوْ لَكُمْ، أَوْ لفلانٍ " صَحِيْحَ البُخَارِيِّ "، أَوْ جَمِيْعَ هذِهِ الكُتُبِ (¬3). أما غيرُ المجرَّدةِ عَنْ المناولةِ، فسيأتي حُكْمُها. (وَبَعْضُهُم)، كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ (¬4) (حَكَى اتِّفَاقَهُم) أي: العُلَمَاءِ (عَلَى جوازِ ذا) النَّوعِ. (وذَهَبَ) الْقَاضِي أَبُو الوليدِ سُليمانُ بنُ خَلَفٍ الْمَالكيُّ (الباجِيْ) -بالإسكان لما مَرَّ- نسبةً لـ ((بَاجةَ)) مَدينةٍ بالأندلسِ (¬5) (إلى نَفْي الخِلافِ) عَنْ جَوازِ الإجازةِ (مُطْلَقاً) عَنِ التَّقييدِ بهذا النَّوعِ، (وَهْوَ غَلَطْ) لِما يأْتِي. (قَالَ) أي: الْبَاجِيُّ: ((لا خِلافَ في جَوازِ الرِّوَايَةِ بالإجازةِ، (والاختلافُ) (¬6) إنَّما هُوَ (فِي العَمَلِ) بِها (قطْ) أي: فَقَطْ)) أي لاَ فِي الرِّوَايَةِ (¬7). ¬

_ (¬1) قاله أبو القاسم عبد الرحمان بن منده كما ذكر ذلك السخاوي في فتح المغيث 2/ 63. (¬2) قاله بقي بن مخلد وتبعه ابنه أحمد، وحفيده عبد الرحمان فيما حكاه ابن عاتٍ عنهم. انظر: فتح المغيث 2/ 63. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 311، والإرشاد 1/ 368، وانظر: فتح المغيث 2/ 63. (¬4) الإلماع: 88. (¬5) انظر: معجم البلدان 1/ 315. (¬6) في (م): ((والخلاف)). (¬7) الإلماع: 89، ومعرفة أنواع علم الحديث: 311، ونكت الزّركشيّ 3/ 502 - 506.

(وَرَدَّهُ) أي: مَا قَالَهُ الباجيُّ، بَلْ صرَّحَ بِبطْلانِهِ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬1) (بِأَنْ) مُخفَّفةٌ (¬2) مِنَ الثَّقيلةِ، أي: بأنَّهُ (للشَّافِعيْ) وَمَالِكٍ (قَوْلانِ فِيْهَا) أي فِي الإجازةِ جوازاً وَمَنْعاً. وَقَالَ بالمنعِ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ (¬3)، والفقهاءِ (¬4)، والأصوليينَ (¬5). وردَّهُ أَيْضاً بِما لخَّصَهُ الناظِمُ بِقولِهِ: (ثُمَّ بَعْضُ تابعي مذهبِهِ) أي: الشَّافِعيِّ (¬6)، وَهُوَ (الْقَاضِي حُسَيْنٌ)، وَفِي نُسْخَةٍ: الحسَنِ (مَنَعا) الرِّوَايَةَ بِها أي: قَطَعَ بِمنعِها، (وَ) كَذَا الْقَاضِي أَبُو الحسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ (¬7) (صَاحِبُ الحاوِي بِهِ) أي: بالمنعِ (¬8) (قَدْ قَطَعَا)، وكَذا غَيْرُهُما (¬9). (قالا) القاضِيَانِ (كشُعْبَةٍ) - بالصَّرْفِ وعَدَمِهِ، والأوَّلُ أولى - وابنِ الْمُبَارَكِ، وغيرِهِما: (وَلَوْ جازَتْ) أي: الإِجَازَةُ (إذنْ) تَكْمِلةٌ (لَبَطَلَتْ رِحْلةُ) - بكسرِ الراءِ وضمِّها - أي: انتقالُ (طُلاَّبِ السُّنَنْ) مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ لاسْتِغْنَائِهِمْ بالإجازَةِ عَنْهَا (¬10). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 312. (¬2) في (م): ((محففة)) بالحاء المهملة. (¬3) انظر: الكفاية: (452 - 456 ت، 314 - 317 هـ‍)، شرح التبصرة والتذكرة 2/ 129 - 130، فتح المغيث 2/ 60، التدريب 2/ 30. (¬4) انظر قول الشّافعيّ من طريق الربيع بن سليمان في الكفاية: (455 ت، 317 هـ‍) وهو رواية عن مالك كما نقلها الخطيب في الكفاية: (455 ت، 316 هـ‍)، وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف كما حكاه الآمدي. قال الخطيب: ((قول مالك والشافعي محمولان على الكراهة لأنه قد حفظ عنهما الإجازة لبعض أصحابهما وسنذكر الخبر بذلك في موضعه)) ثمّ ذكرهما في الكفاية: (462 - 465 ت، 323 - 324 هـ‍). وانظر: المحدث الفاصل: 448، والإلماع: 93 - 94، والأحكام للآمدي 1/ 280، وفتح المغيث 2/ 64. (¬5) انظر: الإحكام في أصول الأحكام 1/ 280. (¬6) انظر: الكفاية: (455ت، 317هـ‍) و (464ت، 324هـ‍)، والبحر المحيط 4/ 397، وشرح التبصرة 2/ 130. (¬7) بفتح الميم وسكون الألف وفتح الواو وسكون الراء، وفي آخرها دال مهملة، وهذه النسبة إلى بيع ماء الورد وعمله. انظر: الأنساب 5/ 61، واللباب 3/ 165. (¬8) انظر: الحاوي 20/ 146، وأدب القاضي، له 1/ 387 - 389، ومعرفة أنواع علم الحديث: 312، وروضة الطالبين 11/ 157. (¬9) انظر: روضة الطالبين 11/ 157، وفتح العزيز 12/ 488 - 491، ومعرفة أنواع علم الحديث: 312، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 130. (¬10) مذهب شعبة بالمنع حكاه الخطيب في الكفاية: (454 ت، 316 هـ‍).

(وَ) جاءَ أَيْضاً (عَنْ أَبِي الشَّيْخِ) الحافِظِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأصْبَهَانِيِّ (¬1) (مَعَ) أَبِي إسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ (¬2) (الْحَرْبِيِّ إبْطالُهَا، كَذَاكَ) نُسِبَ إبْطَالُهَا (لِلسِّجْزِيِّ) - بكسرِ السينِ - نسبةً لسِجسْتَانَ عَلَى غَيْرِ قِياسٍ (¬3) (¬4). وَهُوَ الحافظُ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدِ اللهِ (¬5) بنُ سَعيدٍ الوائليُّ، حَيْثُ حَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وأقرَّهُ (¬6). وبالَغَ جَمَاعَةٌ في المنْعِ مِنْها، حَتَّى قَالَ إمامُ الْحَرَمَينِ: ((ذَهَبَ ذاهِبُونَ إلى أنَّهُ لا يُتَلَقَّى بالإجازَةِ حُكْمٌ، ولا يسُوغُ التَّعْوِيلَ عَلَيْهَا عَمَلاً ورِوَايَةً)) (¬7). (لَكِنْ عَلَى جَوازِها اسْتَقَرَّا عَمَلُهُمْ) أي: الْمُحَدِّثِيْنَ، وصارَ بَعْدَ الخُلْفِ إجماعاً، أَوْ كَالإجْمَاعِ. قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ، وغَيْرُه: لَوْ بَطَلَتْ لضاعَ العلمُ (¬8). قَالَ السِّلَفِيُّ (¬9): وَمِن مَنَافِعِهَا، أنَّه لَيْسَ كُلُّ طالبٍ يقدِرُ عَلَى رحلةٍ (¬10). (والأَكْثَرونَ) مِنَ العُلَمَاءِ (طُرَّا) -بضمِّ الطاءِ- أي: جميعاً، (قَالُوا بِهِ) أي: بالجوازِ (¬11). ¬

_ (¬1) الكفاية: (449 - 450 ت، 313 هـ‍). (¬2) الكفاية: (453 ت، 315 - 316 هـ‍). (¬3) انظر: الأنساب 3/ 246. (¬4) نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 312، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 130. (¬5) في (ص): ((عبد الله)) مكبراً، والمثبت من باقي النسخ وهو الموافق لمصادر ترجمته. انظر: السير 17/ 654. (¬6) حكي الإبطال عن أبي ذر الهروي، وأبي طاهر الدباس وهو أحد قولي مالك، وحكي عن أبي حنيفة، وأبي يوسف وغيرهم. انظر: الكفاية: (451 - 456 ت، 314 - 317 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 312، وإحكام الأحكام 2/ 91، ونهاية السول 3/ 196. (¬7) البرهان 1/ 645. (¬8) انظر: فتح المغيث 2/ 67. (¬9) بكسر السين وفتح اللام، وانظر في سبب هذه النسبة: الأنساب 3/ 297، ووفيات الأعيان 1/ 107، ونكت الزركشي 1/ 381، ونكت ابن حجر 1/ 489، وتاج العروس 23/ 460. (¬10) انظر: فتح المغيث 2/ 67. (¬11) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 313. قال الإمام النّوويّ في الإرشاد 1/ 271: ((والمذهب الصّحيح الذي استقرّ عليه العمل، وقال به جماهير العلماء من المحدّثين وغيرهم، جواز الرّواية بها))، وذكر الخطيب أسماء كثيرة من العلماء الذين حكى عنهم الجواز في كفايته: (449 - 450ت، =

وَمَا مَرَّ عَنِ الشَّافِعيِّ وَمَالكٍ، حَمَلَهُ الخَطيبُ عَلَى الكَراهَةِ؛ لِما صَحَّ عَنْهُمَا أنَّهُمَا أجازاهَا (¬1). وَكَمَا أنَّ المعتمدَ جوازُ الرِّوَايَةِ بها، (كَذَا) المعتمَدُ (وُجُوْبُ الْعَمَلِ) بالمرويِّ (بِها)؛ لأنَّه خَبرٌ مُتَّصِل الرِّوَايَةِ، كَالْمسْمُوعِ. (وَقِيلَ) وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَمَنْ تَبِعَهُم: (لاَ) يَجِبُ العملُ بِهِ، (كَحُكْمِ) الحَدِيْثِ (الْمُرْسَلِ) (¬2). وَرَدَّهُ الخَطيبُ (¬3)، وَغَيرُهُ بأنَّه كَيْفَ يَكُونُ مَنْ يَعْرِفُ عَينَه، وأمانتَهُ، وعَدالتَهُ كمَنْ لا يعرفُ؟ 450 - وَالثَّانِ (¬4): أَنْ يُعَيِّنَ الْمُجَازَ لَهْ ... دُوْنَ الْمُجَازِ، وَهْوَ أَيْضاً قَبِلَهْ 451 - جُمْهُوْرُهُمْ رِوَايَةً وَعَمَلاَ ... وَالْخُلْفُ أَقْوَى فِيْهِ مِمَّا قَدْ خَلاَ (والثانِ) بحذفِ الياء - مِن أنواعِ الإجازةِ الْمجرَّدةِ عَنِ الْمُنَاوَلَةِ: (أن يُعيِّنَ) المحدِّثُ (المجازَ لَهْ، دُوْنَ الْمُجازِ) بِهِ، كقولِهِ: ((أجزتُ لَكَ جَمِيْعَ مَسْموعَاتي، أَوْ مَرْويَاتِي)) (¬5). (وَهْوَ) أي: هَذَا النوعُ (أَيْضاً قَبِلَهْ جُمْهُورُهُمْ) أي: العُلَمَاءِ (رِوَايَةً) بِهِ، (وَعَمَلا) بالمرويِّ بِهِ بشَرْطِهِ الآتي في ((شَرْطِ الإِجَازَةِ)) (¬6). ¬

_ = 313 - 314 هـ‍). ونقل الزّركشيّ في نكته 3/ 507 عن ابن منده في جزء الإجازة عن الزّهريّ، وابن جريج، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، ثمّ نقل عن ابن منده قوله: ((فهؤلاء أهل الآثار الذين اعتمد عليهم في الصّحيح رأوا الإجازة صحيحة واعتدّوا بها ودوّنوها في كتبهم)). (¬1) الكفاية: (455 ت، 317 هـ‍). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 314. وقال ابن الصلاح: ((وهذا باطل؛ لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثّقة به))، والله أعلم. (¬3) الكفاية: (456 ت، 317 هـ‍). (¬4) حذفت الياء من ((الثاني))؛ لضرورة الوزن كما سينبه الشارح عليه. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 314، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 131. (¬6) قال ابن الصّلاح: ((والجمهور من العلماء من المحدّثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرّواية بها أيضاً، وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه، والله أعلم)). انظر: ومعرفة أنواع علم الحديث: 314، والبحر المحيط 4/ 399 - 400، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 131.

(وَ) لكِنْ (الخُلْفُ) فِي كُلِّ من قبولِ ذَلِكَ، والعملِ بِهِ (أَقْوَى فِيهِ) أي: في هَذَا النَّوعِ (مِمَّا قَدْ خَلاَ)، مَضَى مِنَ الخُلْفِ (¬1) فِيْمَا قَبْلَهُ، لِعَدمِ تَعْيينِ المُجَازِ بهِ. وَعَلَى قَبولِهِ يَجِبُ - كَمَا قَالَ الخطيبُ - عَلَى المجازِ لَهُ الفَحْصُ عَنْ أُصُولِ المُجيزِ مِن جِهةِ العُدولِ الأثباتِ، فمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِن ذَلِكَ حَدَّثَ بِهِ (¬2). 452 - وَالثَّالِثُ: التَّعْمِيْمُ فِي الْمُجَازِ ... لَهُ، وَقَدْ مَالَ إِلى الْجَوَازِ 453 - مُطْلَقاً (الْخَطِيْبُ) (وَابْنُ مَنْدَهْ) ... ثُمَّ (أبو الْعَلاَءِ) أَيْضاً بَعْدَهْ 454 - وَجَازَ لِلْمَوْجُوْدِ عِنْدَ (الطَّبَرِيْ) ... وَالشَّيْخُ لِلإِبْطَالِ مَالَ فَاحْذَرِ (¬3) 455 - وَمَا يَعُمُّ مَعَ وَصْفِ حَصْرِ ... كَالْعُلَمَا (¬4) يَوْمَئِذٍ بِالثَّغْرِ 456 - فَإِنَّهُ إِلى الْجَوَازِ أَقْرَبُ ... قُلْتُ (عِيَاضٌ) قالَ: لَسْتُ أَحْسِبُ 457 - فِي ذَا اخْتِلاَفاً بَيْنَهُمْ مِمَّنْ يَرَى ... إِجَازَةً لِكَوْنِهِ مُنْحَصِرَا (والثالثُ) مِن أَنْواعِ الإِجَازَةِ: (التَّعْمِيمُ فِي الْمُجازِ لَهُ) سَوَاءٌ أعيَّنَ (¬5) المجازَ بِهِ، أَمْ أطلقَ، كَقولِهِ: أجزتُ لِلْمُسْلِمينَ، أَوْ لِمَنْ أدركَ زمانِي (¬6) الكِتَابَ الفلانِيَّ، أَوْ مروياتي. (وَقَدْ مَالَ إلى الْجَوازِ) أي: - جَوَازِ هَذَا النوعِ - (مُطْلَقاً) أي: سَوَاءً الموجودُ وقتَ الإِجَازَةِ وبعدَها، قَبْلَ وفاةِ الْمُجيزِ، قَيَّدَ بِوَصْفٍ خَاصٍّ، كأهلِ الإقليمِ الفلانيِّ، أَوْ مَنْ مَلَكَ نُسْخةً مِن تَصْنيفِي هَذَا، أَوْ لَمْ يقيِّدْ كمَنْ قَالَ: ((لا إلهَ إلا اللهُ)) الحافظُ (الخطيبُ (¬7)، و) الحافظُ (ابنُ مَنْدَهْ (¬8)، ثُمَّ) الحافظُ (أَبُو العلاءِ) الحسنُ بنُ أَحْمَدَ ¬

_ (¬1) في (م): ((الخلاف)). (¬2) الكفاية: (477 ت، 334 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 80. (¬3) في نسخة (أ) من متن الألفية والنفائس: ((فاحذري)). (¬4) بالقصر؛ لضرورة الوزن وسينبه عليه الشارح. (¬5) في (ص): ((عين)). (¬6) ((زماني)): سقطت من (ص). (¬7) الإجازة للمعدوم والمجهول: 80، والكفاية: (493 ت، 345 - 346 هـ‍)، والإلماع: 98. (¬8) حكاه عنه ابن الصّلاح: 315.

العطَّارُ الهمدانِيُّ مالَ إلى جوازِهِ (أَيْضاً) (¬1). وقوله: (بَعْدَهْ) أي: بَعْدَ ابنِ مَنْدَه تأكيدٌ. (وَجَازَ) التَّعميمُ فِي المجازِ لَهُ بِقسمَيْهِ السَّابِقَينِ، لَكِنْ (لِلْمَوْجُودِ) وقتها خاصَّةً (عِنْدَ) القاضِي أَبِي الطيِّبِ طَاهِرِ (الطَّبَرِيْ) (¬2)؛ لخبرِ: ((بَلِّغُوْا عَنِّيْ)) (¬3). (والشيخُ) ابنُ الصَّلاحِ (للإبطالِ) لِذلِكَ (مَالَ)، حَيْثُ قَالَ: ((لَمْ نرَ، وَلَم نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أنَّهُ اسْتَعْمَلَ هذِهِ الإِجَازَةَ، وَلاَ عَن الشِّرْذِمَةِ (¬4) الْمُتأخِّرةِ الذين سوَّغوها، والإجازةُ في أصلِها ضَعِيْفَةٌ، وَتَزدادُ بِهذا التَّوسُّعِ ضَعْفاً كَثِيْراً، لا يَنْبَغي احتمالُهُ)) (¬5). (فَاحْذَرِ) اسْتعْمَالَها رِوَايَةً وعَمَلاً؛ لَكِنْ أجازَها جَماعَاتٌ مِنَ الأئِمَّةِ الْمُقْتَدى بِهم مِمَّنْ تقدَّمَ ابنَ الصَّلاحِ، ومِمَّنْ تأخّرَ عَنْهُ، وَرَجَّحَهُ ابنُ الحَاجِبِ (¬6)، والنَّوَويُّ (¬7)، وَغيرُهما. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 315، وابن العماد في شذرات الذهب 4/ 282. وقد حكاه عنه الحازمي كما قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة 2/ 132. وقد ناقش العراقي ابن الصلاح في هذا نقاشاً مستفيضاً في كتابه التقييد: 182 - 183. (¬2) الإلماع: 98، والإجازة للمعدوم والمجهول: 80. (¬3) أخرجه عبد الرزاق (10157) و (19210)، وأحمد 2/ 159 و 202 و 214، والدارمي (548)، والبخاري 4/ 207 (3461)، والترمذي (2669)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (133) و (398)، وفي شرح معاني الآثار4/ 128، وابن حبان (6265)، وأبو نعيم في الحلية 6/ 78، والقضاعي (662)، والخطيب في تاريخه 13/ 157، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 40، والبغوي (113) من حديث عبد الله بن عمرو. (¬4) الشرذمة: تطلق على القليل من الناس. مقاييس اللغة 3/ 273. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 315 - 316، قال العراقي في شرح التبصرة 2/ 133: ((ممن أجازها أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادي، وأبو الوليد بن رشيد المالكي، وأبو الطاهر السلفي، وغيرهم. ورجّحه أبو عمرو بن الحاجب، وصحّحه النّوويّ من زياداته في " الروضة " وقد جمع بعضهم من أجاز هذه الإجازة العامة في تصنيف له، جمع فيه خلقاً كثيراً رتبهم على حروف المعجم، لكثرتهم)). وانظر: منتهى الوصول: 83، وروضة الطالبين 11/ 158. (¬6) منتهى الوصول: 83. (¬7) روضة الطالبين 11/ 158. قال العراقي في التقييد: 182: ((أن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النّوويّ في الروضة من زيادته فقال: الأصح جوازها)).

هَذَا وَقَدْ قَالَ النَّاظِمُ مَعَ أنَّه مِمَّنْ رَوَى بِها: ((وَفِي النَّفْسِ مِنْها شيءٌ، وَأَنَا أتوقَّفُ عَنِ الرِّوَايَةِ بِهَا)) (¬1). وَقَالَ فِي " نُكَتِهِ ": ((والاحْتياطُ تَرْكُ الرِّوَايَةِ بِها)) (¬2). وَنَقَل شَيْخُنا عَدمَ الاعتدادِ بِهَا عَنْ مُتْقنِي شُيوخِهِ، وتبعَهُم فِيهِ. (وَمَا يَعُمُّ مَعَ وَصْفِ حَصْرِ، كالعُلَمَا (¬3)) -بالقصرِ- الموجودينَ (يومئذٍ) أي: يومَ الإِجَازَةِ (بالثَّغْرِ) أي: ثَغْرِ دمياطَ، أَوْ إسْكَنْدريةَ، أَوْ غَيْرِهما (¬4). (فإنَّهُ) أي: اسْتِعْمَالَ الإِجَازَةِ في هذِهِ الصورةِ، (إلى الجوازِ أقربُ) مِنْهُ فِيْمَا لا حَصْرَ مَعَهُ. قَالَهُ (¬5) ابنُ الصَّلاحِ، وعَمِلَ بِهِ، حَيْثُ أجازَ رِوَايَةَ كِتَابِهِ " علوم الحَدِيْث " (¬6) عَنْهُ لِمَنْ ملَكَ مِنْهُ نُسْخَةً. (قُلْتُ): وَقَدْ سَبَقَهُ إلى ذَلِكَ الْقَاضِي (عِيَاضٌ)، فإنَّهُ (قَالَ: لَسْتُ أَحْسِبُ) أي أظنُّ (في) جَوازِ (ذَا) أي: مَا حُصِرَ بِوصْفٍ نَحْوُ قَوْلِ المُحدِّثِ: أَجزتُ لِمَنْ هُوَ الآنَ مِنْ طَلَبةِ العِلْمِ ببلدِ كَذَا، أَوْ لِمَنْ قَرَأَ عليَّ قَبْلَ هَذَا (اختِلافاً بينَهُم) أي: العُلَمَاءِ (مِمَّنْ يَرى إجازةً) أي: جوازَ الإِجَازَةِ الخاصّةِ، ولاَ رَأيتُ مَنْعَهُ لأحدٍ؛ (لِكَونِهِ مُنْحَصِرا) مَوْصُوْفاً، كَقولِهِ: أجزْتُ لأولادِ فلانٍ، أَوْ إخوةِ فلانٍ (¬7). 458 - وَالرَّابعُ: الْجَهْلُ بِمَنْ أُجِيْزَ لَهْ ... أو مَا أُجِيْزَ كَأَجَزْتُ أَزْفَلَهْ 459 - بَعْضَ سَمَاَعاِتي، كَذَا إِنْ سَمَّى ... كِتَاباً او (¬8) شَخْصاً وَقَدْ تَسَمَّى ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 134. (¬2) التقييد والإيضاح: 183. (¬3) في (م): ((كالعلماء)) بإثبات الهمزة، ولم يفهم الناشر مراد الشارح. (¬4) في (م): ((غيرها)). (¬5) في (ق) و (م): ((قال)) وهو خطأ أحال المعنى. (¬6) الصّحيح في اسم هذا الكتاب: " معرفة أنواع علم الحديث "، وما اشتهر فيه فإنما هو تجوز. انظر: دراستنا لكتاب معرفة أنواع علم الحديث لابن الصّلاح: 57 - 62. (¬7) الإلماع: 101. (¬8) بالإدراج؛ لضرورة الوزن.

460 - بِهِ سِوَاهُ ثُمَّ لَمَّا يَتَّضِحْ ... مُرَادُهُ (¬1) مِنْ ذَاكَ فَهْوَ لاَ يَصِحْ 461 - أَمَّا الْمُسَمَّوْنَ مَعَ الْبَيَانِ (¬2) ... فَلاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ بِالأَعْيَانِ 462 - وَتَنْبَغِي الصِّحَّةُ إِنْ جَمَلَهُمْ (¬3) ... مِنْ غَيْرِ عَدٍّ وَتَصَفُّحٍ لَهُمْ (والرابعُ) من أنواعِ الإِجَازَةِ: (الجهلُ بِمَنْ أجيزَ لَهْ، أَوْ مَا أُجيزَ) بِهِ، أَوْ الجهلُ بِهمَا، المفهومُ بالأولى، بلِ الصَّادِقُ بِهِ كلامُهُ، بجَعْلِ القضيةِ فِيهِ مَانِعَةُ خلوٍّ، وَفِي مِثالِهِ الآتي إشارةٌ إِليهِ. فالأول: كأجزْتُ بعضَ النَّاسِ " صَحِيْحَ البخاريِّ ". والثاني: كأجزْتُ فلاناً بَعْضَ مَسْمُوعَاتِي. والثالث: (كأجزْتُ أَزفَلَهْ) - بفتحِ أولِهِ وثالِثِهِ - أي: جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ (¬4) (بَعْضَ سَمَاعَاتي). و (كَذَا إنْ سَمَّى) أي: المجيزُ (كِتَاباً، اوْ (¬5)) بالدرجِ (شَخْصاً). (وَقَدْ تَسَمَّى بِهِ) أي: بالكتابِ أَوْ الشَّخْصِ (سِوَاهُ)، ك‍: أجزتُ لَكَ أَنْ تَرويَ عَنِّي كِتَابَ " السُّنَنِ "، وَفِي مَرْوِيَّاتِهِ عدَّةُ كُتُبٍ يُعرفُ كُلٌّ مِنْها بالسنَنِ (¬6). أَوْ أجزْتُ مُحَمَّدَ بنَ خالدٍ الدِّمَشْقِيَّ، وثَمَّ جَمَاعَةٌ يُشَاركونَهُ في اسمِهِ ونسبتِهِ المذكورةِ (¬7). ¬

_ (¬1) في (النفائس): ((مراداه)) وهو خطأ. (¬2) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((البياني)) وهو خطأ. (¬3) قال البقاعي في نكته الوفية: 256 / أ: ((أي: جمعهم، يقال: جمل الشيء إذا جمعه، والحساب أي: ردّه إلى الجملة)). وانظر: لسان العرب 11/ 27 (جمل). (¬4) انظر: الصحاح 4/ 1716، ولسان العرب 11/ 305 (زفل). (¬5) في (م): أثبت الهمزة، ولم يفقه مراد الشارح. (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 316، وشرح التبصرة 2/ 136، والنكت الوفية: 256/ أ. قال الحافظ العراقي: ((فإن هذه الإجازة غير صحيحة)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 316، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 136، والإرشاد 1/ 377. وفي تاريخ دمشق 52/ 379 - 391 جماعة باسم محمّد بن خالد الدّمشقيّ. فانظره إن شئت.

(ثُمَّ لَمَّا) أي: لَمْ (يَتَّضِحْ مُرادُهُ) أي: المجيزُ (مِن ذاكَ (¬1)) بقرينةٍ، (فَهْوَ) أي: استعمالُ هذِهِ الإِجَازَةِ (لا يَصِحْ) (¬2) لِلِجَهلِ بالْمُرادِ، بِخِلافِ مَا إذَا اتَّضَحَ مُرادُهُ بِقَرينةٍ. كأنْ قِيلَ لَهُ: أجزتَ لِي كِتَابَ "السُّنَنِ"، لأبي داودَ؟ فيقولُ: أجزتُ لَكَ رِوَايَةَ السُّنَنِ (¬3). أَوْ قِيلَ لَهُ: أجزتَ لِمُحَمَّدِ بنِ خالدِ بنِ عليِّ بنِ محمودٍ الدِّمَشْقِيِّ؟ بحيثُ لا يلتبسُ، فَقَالَ: أجزتُ لِمُحَمَّدِ بنِ خالدٍ الدِّمَشْقِيِّ. فإنَه يَصِحُّ؛ لأنَّ الجوابَ ينزلُ عَلَى المسْؤُولِ عَنْهُ (¬4). (أمَّا) الجَمَاعَةُ (المُسَمَّوْنَ) المعيَّنُونَ في اسْتِدْعَاءٍ، أَوْ غيرِهِ، (مَعَ البَيانِ) لَهُمْ، ولأنْسَابِهِم، وَشُهْرتِهِم، بِحيثُ يزولُ الالتباسُ، (فَلاَ يَضرُّ) حينئذٍ (الْجَهْلُ) مِنَ الْمُجيزِ (بالأَعْيانِ) فِي صِحَّةِ الإِجَازَةِ، كَمَا لاَ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةَ المُسْمِعِ عينَ السَّامِعِ مِنْهُ. (وتَنْبَغِي (¬5) الصِّحَّةُ إنْ جَمَلَهُمْ) أي: جَمَعَهُم بالإِجَازَةِ (مِن غَيْرِ عدٍّ، وتَصَفُّحٍ لَهُمْ) واحداً واحداً، كَمَا في سَمَاعِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بهذا الوصفِ (¬6). 463 - وَالْخَامِسُ: التَّعْلِيْقُ فِي الإِجَازَهْ ... بِمَنْ يَشَاؤُهَا الذَّيِ أَجَازَهْ 464 - أو غَيْرُهُ مُعَيَّناً، وَالأُولَى ... أَكْثَرُ جَهْلاً، وَأَجَازَ الْكُلاَّ 465 - مَعاً (أبو يَعْلَى) الإِمَامُ الْحَنْبَلِيْ ... مَعَ (ابْنِ عَمْرُوْسٍ) وَقَالاَ: يَنْجَلِي 466 - الْجَهْلُ إِذْ يَشَاؤُهَا، وَالظَّاهِرُ ... بُطْلاَنُهَا أَفْتَى بِذَاك (¬7) (طَاهِرُ) ¬

_ (¬1) في (ص) و (ع) و (م): ((ذلك))، وما أثبتناه من (ق)، وهو الموافق لما جاء في متن الألفية. (¬2) في (م): ((لا تصح)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 137. (¬4) المصدر السابق. (¬5) في (م): ((وينبغي)). (¬6) قال ابن الصّلاح: ((فينبغي أن يصح ذلك أيضاً، كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع منه، وإن لم يعرفهم أصلاً ولم يعرف عددهم ولا تصفح أشخاصهم واحداً واحداً)). معرفة أنواع علم الحديث: 316 - 317، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 137، والإرشاد 1/ 378. (¬7) كذا في النسخ كلها، وفي النفائس: ((بذاك أفتى ... ))، ويصح الوزن به.

467 - قُلْتُ: وَجَدْتُ (ابنَ أبي خَيْثَمَةِ) ... أَجَازَ كَالَّثانِيَةِ الْمُبْهَمَةِ 468 - وَإِنْ يَقُلْ: مَنْ شَاءَ يَرْوِي قَرُبَا ... وَنَحْوَهُ (الأَزْدِيْ) مُجِيْزاً كَتَبَا 469 - أَمَّا: أَجَزْتُ لِفُلاَنٍ إِنْ يُرِدْ ... فَالأَظْهَرُ الأَقْوَى الْجَوَازُ فَاعْتَمِدْ (الخامسُ) مِن أَنْواعِ الإِجَازَة: (التَّعليقُ في الإجازهْ) (¬1)، والرِّوَايَةِ، وَلَمْ يُفْردْهُ ابنُ الصَّلاحِ بنوعٍ، بَلْ أَدْخلَهُ في نوعٍ قَبْلَهُ؛ لأنَّ فِيهِ جَهالةً وَتَعْلِيقاً (¬2). وأفْرَدَهُ النَّاظِمُ (¬3)؛ لأنَّ الصُّورةَ الأخيرةَ مِنْهُ لا جهالةَ فِيْهَا، كَمَا سَيأتِي. ثُمَّ تَعليقُ الإِجَازَةِ إمّا أنْ يَكُونَ (بِمَنْ يَشَاؤُها الذي أجازَهْ) الشَّيْخُ، يعني بمشيئةِ المجازِ لَهُ المبهَمِ، كقولِهِ: مَنْ شاءَ أَنْ أجيزَ لَهُ، فَقَدْ أجزتُ لَهُ، أَوْ أجزتُ لِمَنْ شاءَ. (أَوْ) بِمَنْ يشاؤُها (غيرُهُ) أي: غيرُ المجازِ لَهُ حالَ كونِهِ (مُعيَّناً)، كَقولِهِ: مَنْ شَاءَ فلانٌ أنْ أجيزَهُ، فَقَدْ أَجَزْتُهُ، أَوْ أَجَزْتُ لِمَنْ يَشَاؤُه فُلاَنٌ، أَوْ أجزتُ لِمَنْ شئتُ إجازتَهُ. (وَ) الصُّورةُ (الأُولى أكثرُ جَهْلاً) مِنَ الثّانِيةِ؛ لأنَّها مُعَلَّقةٌ بمشيئةِ مَنْ لا يُحْصَرُ (¬4)، والثانيةُ بمشيئةِ (¬5) مُعيَّنٍ، مَعَ اشتراكِهما في جهالةِ المجازِ لَهُ (¬6). وخَرَجَ بالمعيَّنِ المبْهَمُ في الثَّانيةِ، كقولِهِ: أجزتُ لِمَنْ شاءَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ أجيزَهُ، فهي باطلةٌ قَطْعاً، لوجودِ الْجَهالةِ فِيْهَا مِن جِهَتينِ. (وأجازَ الْكُلاَّ) أي: الصُّورتينِ السَّابقتينِ (مَعاً أَبُو يَعْلى) مُحَمَّدُ بنُ الحُسَينِ ابنِ الفَرَّاءِ (الإمامُ الحنبليْ، مَعَ) الإمامِ أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ (¬7) (¬8) (ابنِ عَمْرُوْسٍ) ¬

_ (¬1) في (م): ((بالإجازة)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 317. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 138. (¬4) في (م): ((لا يحضر)). (¬5) في (م): ((بمشيئة معلقة)). (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 317، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 138. (¬7) في (ع) و (ص): ((عبد الله)) مكبراً، وما أثبت هو الصواب. انظر: السير 18/ 73. (¬8) الإجازة للمعدوم والمجهول: 81، وانظر: الإلماع: 102.

- بفتحِ أوَّلِهِ (¬1) -. (وَقَالا) (¬2)، يعني: وَقَالَ مَنِ احتجَّ لَهُمَا، كَمَا أشارَ إِليهِ في "شرحِهِ" (¬3): لأنَّهُ (يَنْجَلِي الجهلُ) فِيْهِمَا فِي ثاني الحالِ (إِذْ) أي: حِيْنَ (يشاؤُها) أي: المعلقُ بمشيئةِ الإجازةِ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬4): (والظاهرُ بطلانُها) فِيْهِمَا، وَقَدْ (أَفْتَى بِذاكَ) أي: بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطيِّبِ (طاهرُ) بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّبريُّ لَمَّا سَألَهُ الخطيبُ عَنْهَا، وَعلَّلَ بأنَّهُ إجازةٌ لمجهولٍ، فَهُوَ كَقَولِهِ: أجزْتُ لِبعضِ النَّاسِ (¬5). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: وَقَدْ يُعلَّلُ أَيْضاً بِما فِيْهَا مِنَ التَّعليقِ بالشَّرْطِ (¬6). (قُلْتُ): لَكِنْ قَدْ (وَجَدْتُ) الحافظَ أبا بَكْرٍ أَحْمَدَ (ابنَ أبي خَيْثَمَةِ أجازَ) مَا هُوَ، (كالثَّانِيةِ الْمُبْهَمَةِ) في المجازِ لَهُ فَقَطْ،، فإنَّهُ قَالَ (¬7): قَدْ أجزتُ لأبي زكريا يَحْيَى بنِ مَسْلَمَةَ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي مَا أحبَّ مِن " تاريخي " الذي سَمِعَهُ مِنِّي أَبُو مُحَمَّدٍ القاسمُ بنُ الأصبغِ، ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأعلى، كَمَا سَمِعَاهُ مِنِّي، وأذنْتُ لَهُ في ذَلِكَ، ولِمَنْ أَحَبَّ مِنْ أصحابِهِ، فإنْ أحبَّ أنْ تَكُونَ الإِجَازَةُ لأحدٍ بَعْدَ هَذَا، فأنا أجزْتُ لَهُ ذَلِكَ بكتابِي هَذَا. وَلما فَرَغَ منْ تعليقِ (¬8) الإِجَازَةِ بمشيئَتِها، أخذَ في تَعْلِيقِها بمشيئةِ الرِّوَايَةِ، فَقَالَ: (وإنْ يقُلْ) أي: الشَّيْخُ: (مَنْ شَاءَ) أَنْ (¬9) (يَرْوِي) عَنِّي، أجزْتُ لَهُ أنْ يَرْوِيَ عَنِّي، (قَرُبَا) جَوازهُ. ¬

_ (¬1) هكذا ضبطه السمعاني في الأنساب4/ 210، والسخاوي في فتح المغيث 2/ 81، وضبطه الفيروزآبادي: بضمها ثمّ قال: ((وفتحه من لحن المحدّثين)). انظر: القاموس المحيط مع شرحه تاج العروس 16/ 281، وراجع ترجمة ((ابن عمروس)) في سير أعلام النبلاء 18/ 73. (¬2) في (م): ((وقال)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 139. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 138. (¬5) الإجازة للمعدوم والمجهول: 80، والكفاية (466 ت، 325 هـ‍). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 317. (¬7) انظر: الإجازة للمعدوم والمجهول: 83، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 141. (¬8) في (م): ((تعيين)). (¬9) في (ع) و (م): ((أنه)).

وَعِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: هُوَ أولى بالجوازِ (¬1). أي: مِمّا قبلَهُ عِنْدَ مجيزِهِ، من حَيْثُ إنَّ مُقْتَضَى كُلِّ إجازةٍ تَفْويضُ الرِّوَايَةِ بِهَا، إلى مشيئةِ المجازِ لَهُ، فَكانَ هَذَا مَعَ كونِهِ بِصيغةِ التَّعليقِ تصريحاً بما يقتضيهِ الإطلاقُ، وحكايةً لِلحَالِ لاَ تعليقاً في الحقيقةِ. وأيَّدَهُ بِتَجْويزِ البَيْعِ، بقولِهِ: بِعتُكَ هَذَا بِكَذا إنْ شِئْتَ مَعَ القَبُولِ (¬2). وردَّهُ النَّاظِمُ بأنَّ الْمُبتاعَ معيَّنٌ، والمجازُ لَهُ هنا (¬3) مُبْهَمٌ (¬4). قَالَ: نَعَمْ، وِزَانُهُ (¬5) هُنا أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تروِيَ عَنِّي إنْ شئتَ الرِّوَايَةَ عَنِّي (¬6). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬7): (ونحوَهُ) - بالنَّصْبِ بـ: ((كَتَبا)) - أي: ونحوَ مَا مَرَّ مِنَ التَّعْليقِ لَفْظاً بمشيئةِ الرِّوَايَةِ، الحافظُ أَبُو الفَتحِ مُحَمَّدُ بنُ الْحُسَيْنِ (الأزْديْ) حالَ كونِهِ (مُجِيزاً كَتَبَا) بِخطِّهِ، فَقَالَ: أَجَزْتُ رِوَايَةَ ذَلِكَ لجميعِ مَنْ أحَبَّ أَنْ يرويَهُ عَنِّي. هَذَا كُلُّهُ في تَعْلِيقِ الإِجَازَةِ، والرِّوَايَةِ مَعَ إبهامِ الْمُجازِ لَهُ. (أمَّا) مَعَ تعيينِه نَحْوَ (أَجَزْتُ لِفُلانٍ إنْ يُرِدْ). أَوْ يحبَّ، أَوْ يشاءَ، الإِجَازَةَ أَوْ الرِّوَايَةَ عَنِّي. (فَالأظْهَرُ الأَقْوى الْجَوازُ)، لانتِفاءِ الْجَهالةِ (¬8)، وحقيقةِ التعليقِ، (فاعتمِدْ) هُ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 317، وانظر: التقييد: 185. (¬2) معرفة أنواع علم الحَدِيْث: 318، وانظر: نكت الزّركشيّ 3/ 522، والتقييد والإيضاح: 185، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 141، وقارن بـ: فتح العزيز 8/ 105، والمجموع 9/ 170، ومغني المحتاج 2/ 234. (¬3) في (م): ((هاهنا)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 141. (¬5) وزانًه: أي نظيره. انظر: لسان العرب 13/ 448 (وزن). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 141. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 318. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 318، وشرح التبصرة 2/ 142، وقال الزّركشيّ في نكته 3/ 522: ((هذا نظير مسألة البيع كما سبق، وبها يعتضد وجه الصّحّة هنا، وحكى ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول في هذه الحالة خلافاً، قال: فمنع منها قوم؛ لأنها تحتمل فيعتبر فيه تعيين المجمل - قال - وهذا هو الأخذ بالاحتياط، والأولى بنجابة المحدث وحفظه))، وانظر: جامع الأصول 1/ 83.

470 - وَالسَّادِسُ: الإِذْنُ لِمَعْدُوْمٍ تَبَعْ ... كَقَوْلِهِ: أَجَزْتُ لِفُلاَنِ (¬1) مَعْ 471 - أَوْلاَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهْ ... حَيْثُ أَتَوْا أَوْ خَصَّصَ الْمَعْدُوْمَ بِهْ 472 - وَهُوَ (¬2) أَوْهَى، وَأَجَازَ الأَوَّلاَ ... (ابْنُ أبي دَاوُدَ) وَهْوَ مُثِّلاَ 473 - بِالْوَقْفِ، لَكِنَّ (أَبَا الطَّيِّبِ) رَدْ ... كِلَيْهِمَا وَهْوَ الصَّحِيْحُ الْمُعْتَمَدْ 474 - كَذَا أبو نَصْرٍ. وَجَازَ مُطْلَقَا ... عِنْدَ الْخَطِيْبِ وَبِهِ قَدْ سُبِقَا 475 - مِنِ (¬3) ابْنِ عَمْرُوْسٍ مَعَ الْفَرَّاءِ ... وَقَدْ رَأَى الْحُكْمَ عَلى اسْتِوَاءِ 476 - فِي الْوَقْفِ في صِحَّتِهِ (¬4) مَنْ تَبِعَا ... أَبَا حَنِيْفَةٍ (¬5) وَمَالِكاً مَعَا (والسَّادِسُ) مِن أَنْواعِ الإِجَازَةِ: (الإذْنُ) أي: الإِجَازَةُ (لِمَعْدومٍ تَبَعْ) -بالوقفِ بلغةِ ربيعةَ- أي: إما تَبعاً لموجودٍ، (كَقولِهِ: أجزْتُ) مَرْويَّاتِي (لفُلانِ) - بغيرِ تنوينٍ - والبيتُ دخلَهُ الشكلُ، وَهُوَ لا يَدْخُلُ الرجزَ (مَعْ أوْلاَدِهِ، وَنَسْلِهِ، وعَقِبِهْ، حَيْثُ أَتَوْا)، وَلَوْ بَعْدَ حياةِ الْمُجيزِ. أَوْ أَجَزْتُ لَكَ، ولِمَنْ يُولدُ لَكَ (¬6). (أَوْ) غَيْرَ تَبَعٍ، بأنْ (خَصَّصَ) المجيزُ (الْمَعْدُومَ بِهْ) أي: بالإذنِ، وَلَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى موجودٍ، كقولِهِ: أجزْتُ لِمَنْ يُولدُ لفلانٍ. (وَهُوَ) أي: القِسْمُ الثَّانِي (أَوْهَى) أي: أضعفُ مِنَ الأَوَّلِ، والأَوَّلُ أقربُ إلى الْجَوازِ (¬7). ¬

_ (¬1) بلا تنوين؛ لضرورة الوزن، وقد دخل هذا الشطر الشكل وهو حذف الساكن السابع في ((مستفعلن)) فتصبح ((مستفعل)) بضم اللام. وهو لا يدخل بحر الرجز الذي كتبت عليه القصيدة، وسيشير الشارح إلى ذلك. (¬2) بضم الهاء؛ لضرورة الوزن. (¬3) بكسر النون لالتقاء الساكنين. (¬4) كذا في النسخ كلها وفي النفائس: (( ... أي في صحة ... )) والوزن صحيح به أيضاً. (¬5) في نسخة (ج‍) بعدم الصرف، وكلاهما جائز، غير أن الأولى صرفه؛ لكراهة زحاف الخبل عِنْدَ العروضيين. (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 318، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 143. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 318.

(وَ) لِذا (أَجَازَ الأَوَّلا) خَاصَّةً، الحافِظُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ (بنُ أَبِي داودَ) السِّجِسْتَانيُّ، بَلْ فَعَلَهُ، فَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ الإِجَازَةَ: أَجَزْتُ لَكَ، وَلأولادِكَ، وَلِحَبَلِ الْحَبَلَةِ، يعني: الذين لَمْ يُولَدُوا (¬1) بَعْدُ (¬2). (وَهُوَ مُثِّلا) أي: شُبِّهَ (بالوَقْفِ)، والوصيةِ عَلَى الْمَعْدومِ، حَيْثُ يصِحَّانِ فِيهِ، إذَا عَطَفَ عَلَى مَوْجودٍ، ك‍: وقفْتُ، أَوْ أوصَيْتُ (¬3) فلاناً عَلَى أولادِي الموجودينَ، ومَنْ يحدِثُهُ الله لي مِنَ الأولادِ (¬4). (لَكِنَّ) القاضِي (أبا الطيِّبِ رَدْ كِلَيْهِمَا) (¬5) أي: القِسْمينِ، (وَهْوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدْ)؛ لأنَّ الإِجَازَةَ في حُكْمِ الإخبارِ جُملةً بالمجازِ؛ فَكَمَا لا يَصحُّ الإخبارُ للمعدومِ، لا تَصِحُّ الإِجَازَةُ لَهُ. وفَارَقَتِ الوَقْفَ، بأنَّ المقصودَ (¬6) فِيْهَا اتِّصالُ السَّنَدِ، ولا اتِّصالَ بَيْنَ الموجودِ، والمعدومِ. و (كَذَا) رَدَّهُما (أَبُو نَصْرٍ) ابنُ الصَّبَّاغِ (¬7). (و) لَكِنْ (جَازَ) الإذْنُ لِلمَعْدُومِ (مُطْلَقا) عَنِ التَّقييدِ بأوَّلِهما (عِنْدَ) الحافِظِ أَبِي بَكْرٍ (الخطيبِ) قياساً عَلَى صِحَّةِ الإِجَازَةِ لِلْمَوجودِ، مَعَ عَدَمِ اللِّقاءِ، وبُعْدِ الدارِ (¬8). (وَبِهِ) أي: بالجوازِ مطلقاً (قَدْ سُبِقا) أي: الْخَطيبُ (مِن ابنِ عَمْرُوْسٍ، مَعَ) أَبِي يَعْلَى ابنِ (الفَرَّاءِ)، وَغيرِهِ (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): ((يولد)). (¬2) الكفاية: (465 ت، 325 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 76 ومن طريقه أورده القاضي عياض في الإلماع: 105، قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 271: ((يحتمل أن يكون ذلك على سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة، لا أن المراد به حقيقة اللفظ)). (¬3) في (م): ((وصّيت)). (¬4) انظر: الأم للشافعي 4/ 129 - 130، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 143، وفتح المغيث 2/ 84، وقارن بـ: نكت الزّركشيّ 3/ 523، ومحاسن الاصطلاح: 271. (¬5) الإجازة للمعدوم والمجهول: 80. (¬6) في (ص): ((المقصد)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 319. (¬8) الكفاية: (466 ت، 325 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 81. (¬9) الإجازة للمعدوم والمجهول: 81، والإلماع: 102، والبحر المحيط 4/ 401.

(وَقَدْ رَأى الْحُكْمَ عَلَى استواءِ (¬1) في الوَقْفِ) أي: (في صِحَّتِهِ) أي: رأى صِحَّتِهِ في القِسْمَينِ مُعظمُ (مَنْ تَبِعَا أبَا حَنِيْفَةٍ) - بصرفهِ للوزنِ (¬2) - (وَمَالِكاً مَعَا) (¬3) أي: فيلزمُهم القَوْلُ بِهَا في الإجازةِ فِيْهَا (¬4). وَقَدْ قَدّمْتُ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا. 477 - وَالسَّاِبعُ: الإِذْنُ لِغَيْرِ أَهْلِ ... لِلأَخْذِ عَنْهُ كَافِرٍ أو طِفْلِ 478 - غَيْرِ مُمَيِزٍ وَذَا الأَخِيْرُ ... رَأَى (أَبُو الطَّيِّبِ) وَالْجُمْهُوْرُ 479 - وَلَمْ أَجِدْ فِي كَافِرٍ نَقْلاً، بَلَى (¬5) ... بِحَضْرَةِ (الْمِزِّيِّ) تَتْرَا فُعِلا 480 - وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَمْلِ أَيْضاً نَقْلاَ ... وَهْوَ مِنَ الْمَعْدُوْمِ أولَى (¬6) فِعْلاَ 481 - وَ (لِلْخَطِيْبِ) لَمْ أَجِدْ مَنْ فَعَلَهْ ... قُلْتُ: رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَدْ سَأَلَهْ 482 - مَعْ أبويْهِ فَأَجَازَ، وَلَعَلْ ... مَا اصَّفَّحَ الأَسماءَ فِيْهَا إِذْ فَعَلْ 483 - وَيَنْبَغِي الْبِنَا عَلى مَا ذَكَرُوْا ... هَلْ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؟ وَهَذَا أَظْهَرُ (¬7) (والسابعُ) مِن أنواعِ الإِجَازَةِ: (الإذْنُ) أي: الإجازةُ من الشَّيْخِ (لغيرِ أَهْلِ) وقتِها، (لِلأخْذِ عَنْهُ)، وللأدَاءِ (كَافِرٍ)، أَوْ فَاسِقٍ، أَوْ مُبتدعٍ، أَوْ مَجْنونٍ، أَوْ حَمْلٍ، (أَوْ طفلِ غيرِ مُميِّزٍ) (¬8). و ((كَافِرٍ)) مَعَ مَا بَعْدَهُ بدلٌ مِن ((غيرِ أهلِ)). (وَذَا الأَخِيْرُ) أي: الإذْنُ للطِّفْلِ - وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَى التَّصْريحِ بِهِ ابنُ الصَّلاحِ (¬9) مَعَ أنَّه لَمْ يُفْرِدْهُ بِنَوْعٍ، بَلْ ذَكَرَهُ آخرَ النَّوعِ قَبْلَهُ - (رَأَى) أي: رآهُ صَحِيْحاً الْقَاضِي ¬

_ (¬1) في (م): ((استوائه)). (¬2) أشرنا سابقاً أن الوجهين - بالصرف وعدمه - جائز. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 144. (¬4) الإجازة للمعدوم والمجهول: 81. (¬5) في (ب): ((بلا)) وهو خطأ. (¬6) في (ب): ((أولا)) وهو خطأ. (¬7) قال البقاعي: أي: أنّه يعلم أي: يعامل معاملة المعلوم. النكت الوفية: 258/ب. (¬8) بعد هذا في (م): ((تمييزاً يصح معه السّماع))، وانظر: فتح المغيث 2/ 86. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 320.

(أَبُو الطَّيِّبِ)، وفَرَّقَ بينَهُ وبينَ السَّمَاعِ، بِأنَّ الإجازةَ أوسعُ؛ فإنَّها تَصِحُّ للغالبِ بخلافِ السَّمَاعِ (¬1). (و) كَذَا رآهُ (الْجُمْهُورُ). واحتجَّ لَهُ الْخَطيبُ (¬2) بأنَّ الإجازةَ إنَّما هِيَ إباحةُ المُجيزِ الرِّوَايَةَ للمُجازِ لَهُ، والإباحةُ تَصِحُّ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ (¬3). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: وَكَأنَّهمْ رأوا الطِّفْلَ أهلاً لِتَحَمُّلِ هَذَا النَّوعِ الخَاصِّ، ليؤدِّيَ بِهِ بَعْدَ أهليتِهِ، حرصاً عَلَى بقاءِ الإسنادِ الّذي اخْتَصَّتْ بِهِ هذِهِ الأمةُ، وتقريبِهِ مِن رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وَقِيلَ: لاَ تَصِحُّ الإِجَازَةُ لَهُ لِعَدمِ تمييزِهِ. وبه قَالَ الشَّافِعيُّ، والإجازةُ لِلْمَجنونِ صَحِيْحةٌ، كَمَا شَمِلَهُ كلامُ الخطيبِ السَّابقِ. قَالَ النَّاظِمُ (¬5): (وَلَمْ أَجِدْ فِي كَافرٍ) أي: في الإِجَازَةِ لَهُ (نَقْلاً) مَعَ تَصرِيحِهم بِصِحَّةِ سَمَاعِهِ، كَمَا مَرَّ. (بَلَى) أي: نَعَمْ (بِحضْرَةِ) الحافظِ أبي الحجَّاجِ يوسفَ بنِ عَبْدِ الرحمانِ (الْمِزِّيِّ) - بكسرِ الميمِ - نسبةً للمِزَّةِ قريةٍ بدمشقَ (¬6)، (تَتْرَا) (¬7) أي: متتابعاً، (فُعِلا) (¬8). حَيْثُ أجازَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المؤمن، لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ الدَّيَّانِ، حالةَ يهوديَّتِهِ في جُمْلَةِ السَّامِعينَ جَمِيْعَ مرويَّاتِهِ، وكتبَ اسمَهُ في الطبقةِ، وأقرَّهُ المِزِّيُّ (¬9). وإذا جازَ ذَلِكَ في الكَافرِ، فَفِي الفاسِقِ والْمُبْتَدعِ أوْلَى، فإذَا زَالَ مَانِعُ الأَداءِ، صَحَّ الأداءُ، كالسَّمَاعِ. ¬

_ (¬1) الكفاية: (466 ت، 325 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 80، وانظر: النكت الوفية: 258/ب. (¬2) الكفاية: (466 ت، 325 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 80، وانظر: النكت الوفية: 258/ب. (¬3) الكفاية: (466 ت، 325 هـ‍). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 320. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 146. (¬6) معجم البلدان 5/ 122. (¬7) في (م): ((تترى)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 146. (¬9) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 146، وفتح المغيث 2/ 87.

(وَلَمْ أَجِدْ فِي) إجازةِ (الْحَمْلِ أَيْضاً نَقْلا، وَهْوَ) أي: جوازُ الإِجَازَةِ لَهُ، وإنْ لَمْ تُنْفَخْ (¬1) فِيهِ الروحُ، أَوْ لَمْ يُعطَفْ عَلَى موجودٍ (مِن) جوازِ الإِجَازَةِ (المعدومِ أوْلَى فِعْلا) أي: مِن جهةِ الفِعْلِ قياساً عَلَى صِحَّةِ الوَصيةِ لَهُ. (وَلِلْخَطيبِ) مِمَّا يُؤيِّدُ عَدَمَ النَّقْلِ في الحَمْلِ، (لَمْ أَجِدْ مَنْ فَعَلَهْ) أي: أجازَ لَهُ، مَعَ أنَّهُ ممَّنْ يَرى صِحَّةَ الإِجَازَةِ لِلْمَعْدومِ، كَمَا مَرَّ. (قُلْتُ): قَدْ (رَأَيْتُ بَعْضَهُم)، وَهُوَ شَيْخُه الحافِظُ أَبُو سَعيدٍ العلائيُّ (¬2)، (قَدْ سَألَهْ) أي: للإذْنِ لِلْحَمْلِ (مَعْ) - بالسكونِ - (أَبَويْهِ، فَأَجازَ)؛ لِكَوْنِهِ يَرَاها (¬3) مُطْلَقاً، أَوْ يغتفِرُها تَبَعاً. (و) لَكِنْ قَدْ يُقالُ: (لَعَلْ) أي: لَعَلَّهُ (مَا اصَّفَّحَ) أي: تَصَفَّحَ، بمعنى: نَظَرَ (¬4) (الأسْماءَ) التي (فِيْهَا) أي: في الاستجازةِ، حَتَّى يَعْلَمَ هَل فِيْهَا حَمْلٌ أَوْ لا؟ (إِذْ فَعَلْ) أي: حِيْنَ أجازَ بناءً عَلَى مَا مَرَّ مِن صِحَّةِ الإِجَازَةِ بدونِ تَصَفُّحٍ إلاّ أنَّ الغَالِبَ أنَّ المحدِّثينَ لا يُجيزونَ إلاَّ بَعْدَ نَظرِ أسْماءِ المسؤولِ لَهُمْ، كَمَا هُوَ المشاهدُ (¬5). (وَيَنْبَغِي الْبِنَا) بِالقَصْر للوزنِ أي: بناءُ صِحَّةِ الإِجَازَةِ للحَمْلِ، (عَلَى مَا ذَكرُوا) أي: الفُقَهَاءُ (هَلْ يُعْلَمُ الحمْلُ)؟ أي: يُعاملُ مُعاملةَ الْمَعْلومِ أَوْ لاَ؟ فإنْ قُلْنَا: نَعم (¬6)، صَحَّتِ الإِجَازَةُ، وإنْ قُلْنَا: لاَ، فَكَالْوصيةِ لِلْمَعْدومِ. (وَهَذا) أي: مَا ذُكِرَ مِنَ البناءِ، وكونِ الحَمْلِ يُعْلَمُ: (أَظْهَرُ). وَعَلَيْهِ فالإِجَازَةُ لِمَنْ ذُكِر هنا، كالسَّمَاعِ لا يشترطُ فِيْهَا الأهليَّةُ عِنْدَ التحمُّلِ بِهَا. 484 - وَالثَّامِنُ: الإِذْنُ بِمَا سَيَحْمِلُهْ ... الشَّيْخُ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّا نُبْطِلُهْ ¬

_ (¬1) في (م): ((ينفخ)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 148. (¬3) في (م): ((رآها)). (¬4) انظر: النكت الوفية 259/ أ. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 148. (¬6) في (ص) و (ق): ((يعلم)).

485 - وبَعْضُ عَصْرِيِّ (¬1) عِيَاضٍ بَذَلَهْ ... وَ (ابْنُ مُغِيْثٍ) لَمْ يُجِبْ مَنْ سَأَلَهْ 486 - وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ مَا صَحَّ لَهْ ... أو سَيَصِحُّ، فَصَحِيْحٌ عَمِلَهْ 487 - (الدَّارَقُطْنِيْ) وَسِواهُ أوحَذَفْ ... يَصِحُّ جَازَ الكُلُّ حَيْثُمَا عَرَفْ (والثامنُ) مِن أْنواعِ الإِجَازَةِ: (الإذْنُ) أي: الإِجَازَةُ (بما سَيَحْمِلُهْ الشَّيْخُ) المجيزُ يرويهِ المجازُ لَهُ بَعْدَ أنْ يتحمَّلَهُ المجيزُ. (وَالصَّحِيحُ) مَا صوَّبَهُ (¬2) الْقَاضِي عِيَاضٌ (¬3)، والنَّوَوِيُّ (¬4) (أَنَّا نُبْطِلُهْ)، كَمَا نُبطِلُ توكيلَ مَن وُكِّلَ ببيعِ مَا سيملِكُهُ؛ ولأنَّ الإِجَازَةَ في حُكْمِ الإخبارِ بالمجازِ جملةً، كَمَا مَرَّ، فَلا نجيزُ (¬5) بما لا خبرَ عِنْدَهُ مِنْهُ. وَلَمْ يُفَرِّقوا بَيْن عَطْفِهِ عَلَى مَا تحمَّلَهُ، ك‍: أَجَزْتُ لَكَ مَا رَوَيتُهُ، وَمَا سأرويهِ، وَعَدمِ عَطْفِهِ (¬6) عَلَيْهِ. (وبعضُ عَصْرِيِّ) الْقَاضِي (عِيَاضٍ)، كَمَا حَكاهُ هُوَ عَنْهُمْ (¬7)، قَدْ (بَذَلَهْ) - بالمعجمةِ - أي: أعْطى مَنْ سَألَهُ الإذنَ كَذلِكَ مَا سَأَلَهُ، ووجَّهَ بأنَّ شَرْطَ الرِّوَايَةِ أكثرُ مَا يُعتبرُ عِنْدَ الأداءِ لاَ عِنْدَ التَّحمُّلِ، فإذا ثَبَتَ عِنْدَ الأداءِ أنَّهُ تحمَّلَ بَعْدِ الإذنِ صَحَّ الأداءُ. (و) لَكِنِ الْقَاضِي أَبُو الوليدِ يونُسُ (ابنُ مُغيْثٍ) الْقُرْطُبِيُّ، (لَمْ يُجِبْ مَنْ سَأَلهْ) كَذلِكَ، بَلْ امتنعَ من إجابتِهِ، فَلاَ تَصِحُّ الإجازةُ بِهِ (¬8). ¬

_ (¬1) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((عصرتي)). (¬2) في (ق): ((صرح به)). (¬3) الإلماع: 106. (¬4) الإرشاد 1/ 386. وقال: ((وهذا الذي صححه عياض، هو الصّواب)). (¬5) في (ع): ((يجيز)). (¬6) في (م): ((عطف)). (¬7) الإلماع: 106. (¬8) المصدر السابق.

وَعَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬1)، كغيرِهِ - عَلَى مَنْ يريدُ أَنْ يَرْوِي عَنْ شَيخٍ بالإجازةِ، أَنْ يَعْلَمَ أنَّ مَا يرويه عَنْهُ، مما تحمَّلَهُ شيخُهُ قَبْلَ إجازتِهِ لَهُ، ومثلُهُ مَا يتجدَّدُ للمجيزِ بعدَهُ من نَظْمٍ وَتَأليفٍ. (و) أما (إنْ يَقُلْ) أي: الشَّيْخُ: (أَجَزتُهُ مَا صَحَّ لَهْ) أي عندَهُ حالَ الإِجَازَةِ، (أَوْ سَيَصِحُّ) عندَهُ مِن مَسْمُوعاتِي، (فَصَحِيْحٌ)، وإن كَانَ المجيزُ لا يعرفُ أنَّهُ يرويه وقتَ الإِجَازَةِ. وَقَدْ (عَمِلَهْ الدَّارَقُطْنِيْ) (¬2) -بالإسكانِ لِما مَرَّ-، (وَسِوَاهُ) مِنَ الْحُفَّاظِ. وَلَهُ أنْ يرويَ مَا صَحَّ عَنْهُ عِنْدَهُ وَقْتَ الإِجَازَةِ، أَوْ بَعْدَها، أنَّهُ تحمَّلَهُ قَبْلَهَا (¬3). فَالشَّيخُ إنْ جَمَعَ بَيْنَ ((صَحَّ)) و ((يَصِحُّ))، كَمَا تقرَّرَ، (أَوْ حَذَفْ يصحُّ، جازَ الكلُّ) أي: كُلٌّ مِنَ النوعينِ (حَيْثُمَا) زائدةٌ، (عَرَفْ) أي: الرَّاوِي حالَ الإِجَازَةِ أَوْ بعدَها، أنَّه مِمَّا تحمَّلَهُ الشَّيْخُ قبلَها. والمرادُ بِمَا صَحَّ: مَا صَحَّ حالَ الإِجَازَةِ، أَوْ بَعْدَها. وَفَارقَتْ هذِهِ بِنوْعَيها مَا قَبلَها، بأنَّ الشَّيْخَ ثَمَّ لَمْ يَروِ بَعْدُ، وَهُنَا رَوَى، لكنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ عَالِمٍ بما رَواهُ، فَيَجْعلُ الأمرَ فِيهِ عَلَى ثُبوتِهِ عِنْدَ المجاز لَهُ. 488 - وَالتَّاسِعُ: الإِذْنُ بِمَا أُجِيْزَا ... لِشَيْخِهِ، فَقِيْلَ: لَنْ يَجُوْزَا 489 - وَرُدَّ، وَالصَّحِيْحُ: الاعْتِمَادُ ... عَلَيْهِ قَدْ جَوَّزَهُ النُّقَّاْدُ 490 - أبو نُعَيْمٍ، وَكَذَا ابْنُ عُقْدَهْ ... وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَنَصْرٌ بَعْدَهْ 491 - وَالَى ثَلاَثَاً بإِجَازَةٍ وَقَدْ ... رَأَيْتُ مَنْ وَالَى بِخَمْسٍ يُعْتَمَدْ 492 - وَيَنْبَغِي تَأَمُّلُ الإِجازَهْ ... فحيثُ شَيْخُ شَيْخِهِ أَجَاْزَهْ 493 - بَلِفْظِ مَا صَحَّ لَدَيْهِ لَمْ يُخَطْ (¬4) ... مَا صَحَّ عِنْدَ شَيْخِهِ مِنْهُ فَقَطْ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 321. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 322، والإرشاد1/ 387، التقريب: 113، وشرح التبصرة والتذكرة2/ 154. (¬3) انظر: فتح المغيث 2/ 90. (¬4) قال البقاعي: ((يخط: مضارع خطاه تخطيةً، أي: لم يتعدّ ولم يتجاوز ما صحّ عند شيخه ... )). النكت الوفية: 259/ب، وانظر: شرح السيوطي للألفية 258.

(والتاسعُ) مِن أنواعِ الإِجَازَةِ: (الإذْنُ) أي: الإِجَازَةُ (بِمَا أُجِيزَا (¬1) لِشَيْخِهِ) المجيزِ، كَقولهِ: أجزتُ لَكَ مُجَازاتي، أَوْ رِوَايَةَ مَا أُجيزَ لِي (¬2). واختُلِفَ فِيهِ (فقيلَ: لَنْ يَجُوزَا) ذَلِكَ، وإن عطفَ عَلَى الإذنِ بمسموعٍ، (وَ) لكِنَّهُ (رُدَّ) حَتَّى قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: إنَّهُ قَوْلُ مَنْ لا يُعتدُّ بِهِ مِنَ الْمُتَأخِّرينَ (¬3). وَقِيلَ: إنْ عطفَ عَلَى ما ذكرَ جازَ، وإلاّ فَلاَ. (وَالصَّحِيحُ) الذِي عَلَيْهِ العَمَلُ (الاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) أي: عَلَى الإذْنِ بِمَا أُجيزَ مطلقاً، ولاَ يُشْبَهُ منْعُ الوكيلِ التوكيلَ بغيرِ إذنِ الْمُوَكِّلِ؛ لأنَّ الحقَّ ثَمَّ لموكلِهِ، فإنَّهُ ينفّذُ عَزْلُه لَهُ بخلافِهِ هنا، إِذْ الإِجَازَةُ مُخْتَصَّةٌ بالمجازِ لَهُ، فإنَّهُ لَوْ رَجَعَ المجيزُ عَنْهَا لَمْ ينفَّذْ (¬4). وَ (قَدْ جَوَّزَهُ النُّقَّادُ)، مِنْهُمْ: الحافِظُ (أَبُو نُعَيْمٍ) الأصْبَهانيُّ، فَقَالَ: الإِجَازَةُ عَلَى الإِجَازَةِ قويةٌ جائزةٌ (¬5). (وكذا) جوَّزَهُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ (ابنُ عُقْدَهْ) - بضمِّ العينِ - الكوفيُّ، (والدَّارَقُطْنِيُّ)، وغيرُهما (¬6). (ونَصْرٌ)، وَهُوَ الفقيهُ الزاهدُ ابنُ إِبْرَاهِيمَ المَقْدِسِيُّ (بَعْدَهْ) أي: بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، (وَالَى) أي: تَابعَ (ثَلاثاً) مِنَ الأجائزِ (¬7) (بإجازةٍ) (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): ((أجيز)). (¬2) انظر: فتح المغيث 2/ 90. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 322، وانظر: نكت الزّركشيّ 3/ 525، ومحاسن الاصطلاح: 274، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 152. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 322. (¬5) حكاه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 322 وجادةً عن أبي عمرو السفاقسي، قال: سمعت أبا نعيم الحافظ الأصبهاني يقول: فذكره ... . (¬6) الكفاية: (500 ت، 349 - 350 هـ‍)، معرفة أنواع علم الحديث: 322، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 153. وقال الحافظ العراقي: ((وفعله الحاكم في تاريخه)). (¬7) جمع إجازة. (¬8) حكاه عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 323. قال البلقيني في المحاسن: 275: ((القرينة الحالية من إرادة إبقاء السلسلة، قاضية بأن كلّ مجيز بمقتضى ذلك، أذن لما أجازه أن يجيز، وذلك في الإذن في الوكالة جائز)).

فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهرٍ: سَمِعْتُهُ ببيتِ الْمَقْدِسِ يَرْوِي بالإجازةِ، عَنِ الإِجَازَةِ، ورُبَّما تَابَعَ بَيْن ثلاثٍ مِنْها (¬1). قَالَ النَّاظِمُ: (وَقَدْ رَأيتُ مَنْ وَالَى) بأكثرَ مِن ثَلاثٍ، فَمِنْهُم مَنْ وَالَى بأربعٍ، وَمِنْهُمْ مَن وَالى (بِخَمْسٍ) مِمَّنْ (يُعتَمَدْ) عَلَيْهِ مِنَ الأئِمَّةِ، كالحافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الكريمِ الحلبيِّ، فإنَّهُ رَوَى في " تاريخِ مِصْرَ " لَهُ عَن عَبْدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ الأزديِّ بخمسِ أجائزَ متواليةٍ (¬2). ورَوَى شيخُنا في " أماليه " بستٍّ (¬3). (وَينْبَغِي) وجوباً لِمَنْ يريدُ بِذَلِكَ (تأمُّلُ) كيفيةِ (الإِجَازَهْ) أي: إجازةِ شَيْخِ شيخِهِ لشيخِهِ، وَكَذا إجازةُ مَنْ فَوْقَهُ لِمَنْ يليهِ. ومُقْتَضَاهَا: حَتَّى لاَ يروِيَ بِهَا مَا لَمْ يَنْدَرجْ تحتَها؛ فربَّما قيَّدَ بعضُ المجيزينَ بِمَا سَمِعَهُ، أَوْ بِمَا حَدَّثَ بِهِ مِنْ مَسْموعَاتِهِ، أَوْ بِمَا صَحَّ عِنْدَ الْمُجازِ لَهُ، أَوْ نحوِها، فَلاَ يتعدَّاهُ. (فحيثُ شَيْخُ شَيْخِهِ أجازَهْ) أي: أجازَ شيخَهُ (بلفظِ) أجزتُه (مَا صَحَّ لَدَيهِ) أي: عِنْدَ شَيْخِهِ الْمُجَازِ لَهُ فَقَطْ، (لَمْ يُخَطْ) - بالبناءِ للمفعول من خطا يَخْطُو (¬4)، إذَا مشى - أي: لَمْ يَتَعَدَّ الرَّاوِي (مَا صَحَّ عِنْدَ شيخِهِ مِنْهُ) أي: من مرويِّ الْمُجيزِ لَهُ (فَقَطْ). حَتَّى لَوْ صَحَّ شيءٌ مِن مَرويِّهِ عِنْدَ الرَّاوِي، لَمْ يَطّلعْ عَلَيْهِ شيخُهُ المجازُ لَهُ، أَوْ اطَّلعَ عَلَيْهِ، لكنَّهُ لَمْ يصحَّ عندَهُ، لا يسوغُ (¬5) لَهُ روايةٌ بالإجازةِ. وَقَالَ بَعْضُهم: يَنْبَغِي أن تُسَوَّغَ لَهُ؛ لأنَّ صِحَّةَ ذَلِكَ قَدْ وجدَتْ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ صحَّتِهِ عِنْدَ شَيْخِهِ، وغيرِهِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 154. (¬2) المصدر السابق. (¬3) تدريب الرّاوي 2/ 41. وهكذا كلما تأخر الزمن ازداد عدد الإجازات لضعف الحفظ وتقاصر الهمم، وانظر: ما كتبه العلامة أحمد شاكر - رحمه الله - في الباعث الحثيث: 121 - 122، وانظر: فتح المغيث 2/ 92 - 93. (¬4) في (ع) و (ص): ((من خطا خطواً إذا مشى)). (¬5) في (ق) و (ع): ((تسوغ)).

لفظ الإجازة وشرطها

لَفْظُ الإِجَازَةِ وَشَرْطُهَا (لفظُ الإِجَازَةِ) أي: بيانُه، (وشرطُها) في المجيز، والْمُجازِ لَهُ. 494 - أَجَزْتُهُ (ابْنُ فَارِسٍ) قَدْ نَقَلَهْ ... وَإِنَّمَا الْمَعْرُوْفُ قَدْ أَجَزْتُ لَهْ 495 - وَإِنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الإِجَازَهْ ... مِنْ عَالِمٍ بِهَا (¬1)، وَمَنْ أَجَازَهْ 496 - طَالِبَ عِلْمٍ (وَالْوَلِيْدُ) ذَا ذَكَرْ ... عَنْ (مَالِكٍ) شَرْطاً وَعَنْ (أبي عُمَرْ) 497 - أَنَّ الصَّحِيْحَ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ ... إِلاَّ لِمَاهِرٍ وَمَا لاَ يُشْكِلُ 498 - وَالْلَفْظُ إِنْ تُجِزْ بِكَتْبٍ أَحْسَنُ ... أو دُوْنَ لَفْظٍ فَانْوِ وَهْوَ أَدْوَنُ فَلَفْظُ: (أجزتُه) مَسْمُوعَاتي، أَوْ مَرْوياتي مُتَعدياً بِنَفْسِهِ، مَعَ إضْمارِ لفظِ الرِّوَايَةِ (¬2) أَوْ نَحْوِه (ابنُ فارسٍ (¬3)) أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ اللُّغَويُّ، (قَدْ نَقَلَهْ) أي: تعديهِ بنفْسِهِ. فَقَالَ: ((مَعْنَى الإِجَازَةِ في كَلامِ العَربِ مَأْخوذٌ مِن ((جَوازِ الماءِ)) الذي يسقاهُ (¬4) المال من الماشيةِ والحرثِ. يُقالُ مِنْهُ: ((استجزتُ فلاناً فأجازني)) إذَا سَقاكَ ماءً لأرضِكَ، أَوْ ماشيَتِكَ. كَذلِكَ طَالِبُ العِلْمِ، يسألُ العالمُ أَنْ يجيزَهُ علمَهُ، فيجيزُهُ إيَّاهُ)) (¬5). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬6) (وإنَّما الْمَعْروفُ) أي: لغةً واصْطِلاحاً، أَنْ يَقُولَ: (قَدْ أجزتُ لَهُ) رِوَايَةَ مسموعاتي، أَوْ مرويَّاتِي. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج‍): ((به)). وسيشير الشارح إلى هذا الفرق. (¬2) سقطت من (ق). (¬3) في (ص): ((فلاس)). (¬4) في (ق) و (ع): ((سقاه)). (¬5) هو بهذا السياق في كتابه " مآخذ العلم " كما أشار إلى ذلك الزّركشيّ 3/ 527، والسخاوي في فتح المغيث 2/ 95، وهو أيضاً بحروفه إلى قوله: ((أو ماشيتك)) في مقاييس اللغة 1/ 494، وانظر: مجمل اللغة 1/ 202، له أيضاً مادة (جوز)، وقد أسنده عنه الخطيب بتمامه في الكفاية: (446 ت، 311 هـ‍)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 158 - 159، والنكت الوفية 260/ب. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 324.

أي: مُتَعَدِّياً بالْحَرفِ، وبدونِ إضْمَارٍ (¬1). قَالَ: ((ومَنْ يَقُولُ: أجزتُ لَهُ مَسْمُوعاتي، فَعَلى سَبيلِ الإضْمارِ (¬2) الَّذي لا يَخْفى نَظيرُهُ)) (¬3). ثُمَّ أخذَ فِي بَيانِ مَحَلِّ (¬4) اسْتِحسَانِها، مَعَ بيانِ أنَّه شُرِطَ لَها عِنْدَ بَعْضِهم، فَقَالَ: (وإنما تُسْتَحْسَنُ الإِجَازَهْ مِن عَالِمٍ بِهَا)، وَفِي نسخة: ((بِهِ))، أي: بالمجازِ (ومَنْ أجازَهُ) أي: والحالُ أنَّ المجازَ لَهُ (طالِبَ عِلْمٍ) أي: من أَهْلِ العلمِ، كَمَا عبَّرَ بِهِ ابنُ الصَّلاحِ (¬5)؛ لأنَّ الإِجَازَةَ توسّعٌ، وترخيصٌ يتأهلُ لَهُ أَهْلُ العلمِ بالفنِّ لمسيسِ حاجتِهم إليها (¬6). (والوَليْدُ) أَبُو العباسِ ابنُ بَكْرٍ الْمَالِكيُّ (ذا) مفعولُ (ذَكَرْ) أي: نقلَ ذا، أي: مَا ذُكِر مِن عِلْمِ المجيزِ، وكونِ الْمُجازِ لَهُ طَالبَ عِلْمٍ (عَنْ مَالِكٍ شَرْطاً) في الإِجَازَةِ (¬7). (وَعَن أَبِي (¬8) عُمَرْ) ابنِ عَبْدِ البرِّ (¬9) (أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّها لا تُقْبلُ إلاّ لِماهِرٍ) بِالصِّناعةِ، (وَ) في (مَا لا يُشْكِلُ) إسْنَادُهُ، لكونِهِ مَعْرُوفاً مُعيَّناً؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ، لَمْ يُؤمَنْ أنْ يحدِّثَ الْمُجازُ لَهُ عَنْ شَيْخٍ، بما لَيْسَ مِن حَدِيثِهِ، أَوْ يَنْقصُ عَنْ إسنادِهِ راوياً، أَوْ أكثرَ. ¬

_ (¬1) قال النّوويّ في الإرشاد 1/ 390: ((فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرّواية، ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة إذناً، وهو المعروف ... )). وانظر: المنهل الروي: 96. (¬2) في معرفة أنواع علم الحديث: 324: ((على سبيل الحذف))، ويريد به أنه على حذف المضاف إليه مقامه، وأصل العبارة: أجزت له رواية مسموعاتي، كما في حاشية توضيح الأفكار 2/ 311. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 324. (¬4) سقطت من (ق). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 324. (¬6) سقطت من (ص). (¬7) الكفاية: (455 ت، 317 هـ‍)، والإلماع: 94 - 95. (¬8) في (ق): ((ابن)). (¬9) جامع بيان العلم وفضله 2/ 180، وانظر: الإلماع: 95 - 96.

لَكِنْ تقدَّمَ عَنْ الْجُمْهُورِ في سَابعِ أَنْواعِ الإِجَازَةِ، أنَّه لا يشترطُ التأهلُ عِنْدَ التَّحمُّلِ بِها. ثُمَّ الإِجَازَةُ قَدْ تَكُونُ بلفظِ المجيزِ مبتدئاً بِها، أَوْ بَعْدَ السُّؤالِ فِيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ بكَتْبهِ (¬1) عَلَى اسْتِدْعَاءٍ، أَوْ بدونِهِ. وَقَدْ نبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وحُكْمه فَقَالَ: (واللفظُ) - بالرفعِ مبتدأٌ خبرُهُ: أحسَنُ، أَوْ بالنَّصْبِ بِنَزعِ الْخافِضِ -، أي: و (إنْ تُجِزْ) أنت باللفظِ (بكَتْبٍ) أي مَعَهُ بأَنْ تجمعَها، فَهُوَ (أحْسَنُ)، وأولى من إفرادِ أحدِهما. (أَوْ) بكَتْب (دُوْنَ لفظٍ فانْوِ) أنت (¬2) الإِجَازَةَ، لِتَصِحَّ، لأنَّ الكِتابةَ كنايةٌ، (وَهُوَ) أي (¬3): هَذَا الصنعُ (أدونُ) رتبةٍ من الإِجَازَةِ الملفوظِ بِهَا، فإنْ لَمْ ينوِها، قَالَ النَّاظِمُ: ((فالظاهرُ عدمُ الصِّحَّةِ)) (¬4). ثُمَّ قَالَ: ((قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: وغيرُ مُستبْعَدٍ تَصْحِيحُ ذَلِكَ بمجردِ هذِهِ الكِتابةِ في بَابِ الرِّوَايَةِ الذي (¬5) جُعلَتْ فِيهِ القِرَاءةُ عَلَى الشَّيْخِ - مَعَ أنَّه لَمْ يلفظْ بِما قُرِئَ عَلَيْهِ - إخباراً مِنْهُ بِذَلِكَ)). انتهى (¬6). وَكلامُه مَحْمولٌ عَلَى مَا إِذَا نوى بِقرينةٍ في كَلامِهِ سَابقةٍ عَلَى كلامِهِ المذكورِ. فقولُه: بمجردِ هذِهِ الكتابةِ، أي: المقرونَةُ بالنِيَّةِ. واعلَمْ أنَّه (¬7) كثيراً مَا يُصرِّحون في الأجائزِ (¬8) بـ ((مَا يجوزُ لي، وعني روايتُهُ)) ومُرادُهم - كَمَا قَالَ ابنُ الجوزيِّ - بـ ((لي)) مَرْويَاتُهم، ويعني مصَنّفاتِهم، ونحوَها. ¬

_ (¬1) في (ص) و (ق): ((يكتبه)). (¬2) لم ترد في (ق). (¬3) في (ق): ((أي النّوع)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 161. (¬5) كذا في النسخ الخطية، وفي معرفة أنواع علم الحديث: 325: ((التِي)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 325، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 161. (¬7) في (ق): ((أن)). (¬8) جَمع إجازة.

الرابع: المناولة

الرَّاْبِعُ: الْمُنَاوَلَةُ (الرابعُ) من أقسامِ التحمُّلِ (المناولةُ): وَهِيَ: إعطاءُ الشَّيْخِ الطَّالِبِ شَيْئاً مِن مَرْويَّاتِه، ويقولُ لَهُ: هَذَا مِن حديثي، أَوْ مروياتي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. 499 - ثُمَّ الْمُنَاولاَتُ إِمَّا تَقْتَرِنْ ... بِالإِذْنِ أَوْ لاَ، فَالَّتِي فِيْهَا إِذِنْ 500 - أَعْلَى الإْجَازَاتِ، وَأَعْلاَهَا: إذا ... أَعْطَاهُ مِلْكَاً فَإِعَارَةً كَذَا 501 - أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ بِالْكِتَابِ لَ‍هْ ... عَرْضاً وَهَذَا الْعَرْضُ لِلْمُنَاولَهْ 502 - وَالشَّيْخُ ذُوْ مَعْرِفَةٍ فَيِنَظُرَهْ (¬1) ... ثُمَّ يُنَاولَ (¬2) الْكِتَابَ مُحْضِرَهْ 503 - يقول: هَذَا مِنْ حَدِيْثِي (¬3) فارْوِهِ ... وَقَدْ حَكَوْا عَنْ (مَالِكٍ) وَنَحْوِهِ 504 - بِأَنَّهَا تُعَادِلُ السَّمَاعَا ... وَقَدْ أَبَى الْمُفْتُوْنَ ذَا امْتِنَاعَا 505 - إِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيْ مَعَ النُّعْمَانِ ... وَالشَّافِعيْ وَأحْمَدُ الشَّيْبَانِيْ 506 - وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) وَغَيْرُهُمْ رَأوْا ... بِأَنَّهَا أَنْقَصُ، قُلْتُ: قَدْ حَكَوْا 507 - إِجْمَاعَهُمْ بِأَنَّهَا صَحِيْحَهْ ... مُعْتَمَداً، وَإِنْ تَكُنْ مَرْجُوْحَهْ (ثُمَّ المناولاتُ) المجموعةُ باعتبارِ صُورِها الآتيةِ عَلَى نوعينِ، لأنَّها (إمَّا) أَنْ (تقتَرِنْ بالإذنِ) أي الإِجَازَةِ، (أَوْ لا)، بأنْ تخلوا عَنْهَا. (فالّتِي فِيْهَا إِذِنْ)، وَهِيَ النَّوعُ الأَوَّلُ (أعْلى الإجازاتِ) مُطْلَقاً، لما فِيْهَا مِن تَعْيينِ المرويِّ وَتَشْخِيصِهِ، وَفِي هَذَا النَّوعِ صُورٌ مُتَفَاوِتَةٌ علواً (¬4). (وَأعْلاَهَا: إذَا أعطَاهُ) أي: الشَّيْخُ الطَّالِبَ مؤلَّفاً لَهُ، أَوْ أصْلاً مِن مَسْموعاتِهِ - مثلاً -، أَوْ فَرْعاً مقابلاً بِهِ (مِلْكاً) أي: عَلَى وَجْهِ التَّمليكِ لَهُ بِهبةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ ¬

_ (¬1) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((من سماعي)). (¬2) (ينظره) و (يناول) منصوبة عطفاً على يحضر في البيت السابق، وسينبه الشارح على هذا. (¬3) في نسخة (ب) من متن الألفية: ((من سماعي)). (¬4) انظر: فتح المغيث 2/ 101.

غَيْرِ ذَلِكَ، قَائِلاً لَهُ: هَذَا مِن تَأْليفي، أَوْ سَماعِي، أَوْ روايتي عَنْ فُلاَنٍ وأنا عالِمٌ بما فِيهِ، فاروهِ أَوْ حدِّثْ بِهِ عَنّي، أَوْ نَحْو ذَلِكَ. وَكذا لَوْ لَمْ يذكرِ اسمَ شيخِهِ، وَكَانَ مَذْكوراً في الكتابِ المناولِ، مَعَ بيانِ سماعِهِ مِنْهُ، أَوْ إجازتِهِ، أَوْ نحوِ ذَلِكَ (¬1). وَلَمْ يصرِّحِ ابنُ الصَّلاحِ (¬2) بكونِ هذِهِ الصُّورةِ أعلى، لكنَّهُ قَدَّمها، كالقاضِي عِيَاض (¬3) في الذّكرِ، وَهُوَ مِنْهُ (¬4) مُشْعِرٌ بِذَلِكَ. (فإعارَةً) أي: ويليها مَا يُناولُه مِن ذَلِكَ أَيْضَاً إعارةً، أي: عَلَى وَجْهِ الإعارةِ، أَوْ الإِجَازَةِ، قائلاً لَهُ مَعَ مَا مَرَّ: فانتَسخْهُ، ثُمَّ قابِلْ بِهِ، أَوْ فقابِلْ بِهِ (¬5) نسختَكَ التي انتسخْتَها، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ رُدَّهُ إليَّ (¬6). و (كَذَا) يَليها (أَنْ يَحضُرَ الطالبُ بالكتابِ) الَّذِي هُوَ أصلٌ للشيخِ، أَوْ فرعُه المقابَلُ بِهِ (لَهْ) أي للشَّيخِ (عَرْضاً) أي: لِلْعَرضِ عَلَيْهِ، ويقيِّد للتَّمييزِ عَنْ عَرضِ السَّمَاعِ السَّابقِ في مَحلِّهِ، فيُقالُ: عَرْضُ المناولةِ، كَمَا ذكرَهُ بقولِهِ: (وَهَذا العرْضُ لِلمُناولَهْ. وَالشَّيخُ) أي: يَحْضُر الطَّالبُ بِالكِتابِ لِلشَّيخِ، والحالةُ أنَّ الشَّيْخَ (ذو مَعْرِفَةٍ) ويقظةٍ، (فَيَنْظُرَهْ) مُتَصَفِّحَاً مُتأمِّلاً لَهُ ليعلمَ صحتَهُ، أَوْ فيقابِلَهُ بأصْلِهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفاً. (ثُمَّ يُنَاولَ) الشَّيْخُ (الكِتَابَ مُحْضِرَهْ) لَهُ، و (يَقُولُ) لَهُ: (هَذَا مِن حَدِيثي)، أَوْ نَحْوِهِ، (فارْوِهِ)، أَوْ حدِّثْ بِهِ عَنِّي، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث 2/ 101. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 325. (¬3) الإلماع: 79. (¬4) في (ص): ((هنا))، وفي (ق) و (ع): ((منها)). (¬5) جملة ((أَو فقابل به)) سقطت من (ص) و (ق). (¬6) انظر: الإلماع: 79، والإرشاد 1/ 393 - 394، والمقنع 1/ 325، وفتح المغيث 2/ 101. (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 325، والإلماع: 79، والكفاية: (467 - 469ت، 327 هـ‍).

ونصب (ينظرَ) و (يناولَ) بالعطفِ عَلَى (يَحْضُرَ). (وَقَدْ حكوْا) أي: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ، مِنْهُمْ: الحاكِمُ (¬1)، (عَنْ مَالِكٍ) - رَحِمَهُ اللهُ - (ونحوِهِ) مِن أَئِمَّةِ الْمَدَنيّينَ، والْمَكِّيينَ، والكوفيينَ والبصريينَ، وغيرِهم القولَ (بأنَّها) أي: المناولةَ الْمقرونةَ بالإجازةِ (تُعادِلُ السَّماعَا). بَلْ ذَهبَ جَمَاعَةٌ إلى أَنَّها أَعْلى مِنْهُ، ووُجِّهَ بأنَّ الثِّقةَ بالكتابِ مَعَ الإِجَازَةِ أكثرُ من الثِّقَةِ بالسَّماعِ، وأثبتُ لما يدخلُ من الوهْمِ عَلَى السَّامعِ، والمسمِّعِ. (و) لَكِنْ (قَدْ أبى الْمُفْتُونَ) جمعُ ((مُفْتٍ)) مِن ((أفتى في الْحَلالِ والْحَرامِ)) (ذَا) أي: القَوْلَ بأنَّها تُعادِلُ السَّمَاعَ فَضْلاً عَنْ تَرْجِيحِها عَلَيْهِ، حَيْثُ امتنعوا مِنَ القَوْلِ بِهِ (امتناعا) (¬2). وأبدل من ((المفتون)) (إسحاقُ) بنُ رَاهَوَيْه، (و) سفيانُ (الثَّوْرِيْ) - بالمثلثةِ وبالإسكانِ، لما مَرَّ - نسبةً لـ ((ثورٍ)) بطنٍ من تميمٍ (¬3). (مَعَ) باقي الأئمةِ أَبِي حَنِيْفَةَ (النعمانِ، والشَّافِعيْ) - بالإسكانِ لِما مَرَّ - (وأَحْمَدُ) بنُ حَنْبَلٍ (الشَّيبانِيْ) نسبةً لشَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ، (و) عَبْدُ اللهِ (ابنُ الْمُباركِ، وغيرُهم) كالْبُوَيْطِيِّ، وَالْمُزَنِيِّ، حَيْثُ (رَأَوْا) القولَ (بأنَّها أنقصُ) مِن السَّمَاعِ، وَصَحَّحَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬4). (قُلْتُ): وَ (قَدْ حَكَوْا) أي: جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي عِيَاضٌ (¬5) (إجْماعَهُمْ) أي: أَهْلَ النقلِ عَلَى القَوْلِ (بأنَّها صَحِيْحَهْ)، واختُلِفَ (¬6) في صِحَّةِ ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 257 - 258، وانظر: معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 326، وفتح المغيث 2/ 103. (¬2) انظر: معرفة علوم الحديث: 259 - 260، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 327، ومحاسن الاصطلاح: 281، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 164. (¬3) انظر: الأنساب 2/ 19. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 326. (¬5) الإلماع: 80. (¬6) في (ق) و (ص): ((وإن اختلف)).

الإِجَازَةِ المجرَّدةِ (معتمَداً) (¬1) - بفتح الميم - وَهُوَ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ: تمييزٌ -، أي: صَحِيْحةٌ اعْتِمَاداً (¬2). والحاصلُ أنَّهم حَكَوا الإجماعَ فِيْهَا، (وإنْ تَكُنْ) بالنِّسْبَةِ للسَّماعِ (¬3) (مَرْجُوْحَهْ) عَلَى المعتمَدِ، كَمَا مَرَّ. 508 - أَمَّا إذا نَاولَ وَاسْتَرَدَّا ... فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَالْمُجَازُ أَدَّى 509 - مِنْ نُسْخَةٍ قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ ... وَهَذِهِ لَيْسَتْ لَهَا مَزِيَّهْ 510 - عَلَى الذَّيِ عُيِّنَ فِي الاجَازَهْ ... عِنْدَ الْمُحَقِّقِيْنَ لَكِنْ مَازَهْ 511 - أَهْلُ الْحَدِيْثِ آخِراً وَقِدْمَا (¬4) ... أَمَّا إذا مَا الشَّيْخُ لَمْ يَنْظُرْ مَا 512 - أَحْضَرَهُ الطَّالِبُ لَكِنْ اعْتَمَدْ (¬5) ... مَنْ أَحْضَرَ الْكِتَابَ وَهْوَ مُعْتَمَدْ 513 - صَحَّ وَإِلاَّ بَطَلَ اسْتِيْقَانَا ... وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ إِنْ كَانَا 514 - ذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ ... يُفِيْدُ حَيْثُ وَقَعَ (¬6) التَّبَيُّنُ 515 - وإنْ خَلَتْ مِنْ إذْنِ المُنَاْولَهْ ... قِيْلَ: تَصِحُّ (¬7) والأَصَحُّ بَاْطِلَهْ ¬

_ (¬1) في (م): ((معتمد)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 165. وقال السيوطي: ((ويجوز كونه حالا مؤكدةأي: معتمداً عليها في الرواية)). قلنا: فأما قوله: ((معتمداً)) فعلى رأي الناظم - الحافظ العراقي- وغيره كالبقاعي " النكت الوفية: 264/أ " فيكون تفسيراً لـ ((صحيحة)) بمعنى: " صحيحة اعتمادا " -كما قال النّاظم- وعلى رأي السيوطي تكون حالاً مؤكدة، وذلك أن الاعتماد تتضمنه الصحة، فالتصريح به تأكيد بأحد متضمنات الصحة، وما جوزه أقرب إلى الصواب. والله أعلم. وانظر: التعليق على شرح ألفية العراقي للسيوطي: 288 هامش (6). (¬3) في (ق): ((إلى السّماع)). (¬4) انظر: النكت الوفية 265 / أ. (¬5) كذا في النسخ، وفي (النفائس) و (فتح المغيث): ((واعتمد))، والوزن صحيح في كليهما. (¬6) في نسخة (أ) من متن الألفية: ((يقع)). (¬7) في نسخة (أ) و (ج‍) من متن الألفية: ((يصح)).

وَمِن صُورِ هَذَا النَّوعِ مَا ذَكَرَهُ بِقَولِهِ: (أَمَّا إذَا نَاولَ) الكِتَابَ للطّالِبِ مَعَ إجازَتِهِ لَهُ بِهِ، (واسْتردَّا) ذَلِكَ مِنْهُ (في الوَقْتِ)، وَأَمْسَكَهُ عَنْهُ، فَقَدْ (صَحَّ) ذَلِكَ، كَمَا لَوْ لَمْ يمسكْهُ عَنْهُ (¬1). (والْمُجازُ) لَهُ بِهذهِ الْمُناولةِ (أدَّى) إمّا (مِن نُسْخَةٍ قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ) الْمُجازَ بِهِ بمقابَلتِها بِهِ، أَوْ بإخبارِ ثقةٍ بِموافَقَتِها لَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَوْ مَن مرويِّه الّذي اسْتَردَّهُ مِنْهُ، إن ظفرَ بِهِ، وغلبَ عَلَى ظنِّهِ سلامتُهُ مِنَ التَّغييرِ، كَمَا فُهِمَ بالأولى (¬2). (وَ) لَكِنَّ (هذِهِ) الصَّورةَ مَعَ أنها دُوْنَ الصُّورةِ الْمُتَقَدِّمةِ، لِعَدمِ احْتِواءِ الطَّالبِ عَلَى مَرْويِّهِ وغيبتِهِ عَنْهُ، (لَيستْ لَهَا مَزِيَّهْ عَلَى) الكِتَابِ (الذي عُيِّنَ في الإجازَهْ) المجرَّدةِ عَنْ الْمُناولةِ (عِنْدَ الْمُحقِّقيْنَ) مِنَ الفُقَهَاءِ، والأصوليينَ (¬3)؛ إِذْ المقْصُودُ تَعيينُ الْمُجازِ بِهِ، فَلا فَرقَ بَيْنَ حُضورِهِ، وغيبتِهِ. والتَّصْريحُ بنسبتِهِ للمحقِّقينَ مِن زيادتِهِ (¬4). (لَكِنْ مازَهْ) أي: جَعَلَ لَهُ مزيَّةً عَلَى ذَلِكَ، (أَهْلُ الحَدِيْثِ آخِراً وَقِدْمَا) أي: حديثاً وقديماً، كَمَا لَوْ لَمْ يمسكْ مرويَّهُ عَنْ الطَّالِبِ. ومن صُوَرِهِ أَيْضَاً مَا ذكرَهُ بقوله: (أمَّا إذَا مَا) زائدةٌ (الشَّيْخُ لَمْ يَنْظرْ مَا أحضَرَهُ) لَهُ (الطَّالِبُ)، وَقَالَ لَهُ: هَذَا مرويُّك، فناولنِيهِ، وأجزْ لي روايتَهُ، وَهُوَ لا يعلمُ أنَّه مرويُّه، (لَكِنْ) ناولَه لَهُ و (اعتمَدْ) فِي ذَلِكَ (مَنْ أحضَرَ الكتابَ، وَهْوَ) أي: محضرُهُ (مُعْتَمَد) ثقةٌ، فَقَدْ (صَحَّ) ذَلِكَ، كَمَا يَصِحُّ في القِرَاءةِ عَلَيْهِ، الاعتمادُ عَلَى الطَّالِبِ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 327، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 166. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 166. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 327، ونكت الزّركشيّ 3/ 538 - 539. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 167. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 167، والنكت الوفية 265/ب.

(وإلاّ) وإنْ لَمْ يَكُنْ مُحْضِرُهُ ثقةً (بَطَلَ) كُلٌّ مِنَ الْمُناولةِ، والإذنِ (اسْتيقَانا). نَعَمْ! إنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخبرِ ثِقَةٍ أنَّ ذَلِكَ من مَرويِّهِ، فالظاهِرُ - كَمَا قَالَ النَّاظِمُ (¬1) - الصِّحَّةُ أخذاً مِمّا يأتي؛ لزوالِ مَا كُنّا نَخْشَى مِن عَدمِ ثقةِ المخبرِ. (و) أما (إنْ يَقُل) لمحضرِهِ، وَلَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ: (أَجَزْتُهُ) لَكَ (إنْ كَانا ذَا) أي: إنْ كَانَ الْمُجازُ بِهِ (مِنْ حَديْثي)، أَوْ مرويِّ، أَوْ نحوِه، مَعَ براءتي من الغلطِ والوهْمِ، (فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ). فإنْ كَانَ المحضِرُ ثِقَةً، جازَتْ روايتُهُ بِذَلِكَ، أَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ، ثُمَّ تبيَّنَ بخبرِ ثِقَةٍ أنَّه مِنَ مرويِّ الشَّيْخِ، فَكذلِكَ؛ لتبيُّنِ كَونِهِ مِن مرويِّه، كَمَا زادَهُ بقولِهِ: (يُفيدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبيُّنُ). النَّوع الثَّانِي: مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (وإنْ خلَتْ من إذن المناولَهْ) بأنْ نَاولَهُ مرويَّهُ، واقتصرَ عَلَى قولِهِ: هَذَا مِن مرويِّ، أَوْ حديثي، أَوْ نحوِه. (قِيلَ: تَصِحُّ (¬2))، فتجوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا لإشعارِها بالإذنِ في الرِّوَايَةِ (¬3). (والأَصَحُّ) أنَّها (باطِلهْ) فَلا تجوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا، لِعَدمِ التَّصْرِيحِ بالإذنِ فِيْهَا (¬4)، وَفيهِ نَظرٌ يُؤخذُ مِن كَلامِ ابنِ أَبِي الدمِ الآتي في السَّابِعِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 167. (¬2) في (م): ((يصح)). (¬3) معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 328. ونقل ابن الصَّلاَح حكاية الخطيب عن طائفة من أهل العِلْم: أنهم صححوها وأجازوا الرّواية بِهَا، قال ابن الصّلاح: ((فهذه مناولة مختلة، لا تجوز الرّواية بِهَا، وعابَها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على الْمحدّثين الذين أجازوها، وسوغوا الرّواية بها)). وقال النّوويّ في " التقريب والتيسير ": ((لا تجوز الرّواية بها على الصّحيح الذي قاله الفقهاء، وأصحاب الأصول)). وهذا مخالف لما قاله جماعةمن أهل الأصول كصاحب المحصول والآمدي. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 328، والتقريب: 116، والمحصول 2/ 223، وطبعة العلواني 2/ 1/648، وإحكام الأحكام 2/ 91. (¬4) قال الخطيب: من فعلها لعدم التصريح بالإذن فيها فلا تجوز الرّواية بها. انظر: الكفاية: (493 ت، 346 هـ‍)، وفتح المغيث 2/ 110.

كيف يقول من روى بالمناولة والإجازة

كَيْفَ يَقُوْلُ مَنْ رَوَى بِالمُنَاولَةِ وَالإِجَاْزَةِ؟ (كَيْفَ يَقُولُ مَنْ رَوَى بِالْمُنَاولةِ، والإجازةِ) المتقدِّمتينِ؟ 516 - وَاخْتَلَفُوا فِيْمَنْ رَوَى مَا نُوْوِلاَ ... (فَمَالِكٌ) وَ (ابْنُ شِهَابٍ) جَعَلاَ 517 - إِطْلاَقَهُ (حَدَّثَنَا) وَ (أَخْبَرَا) ... يَسُوْغُ وَهْوَ لاَئِقٌ بِمَنْ يَرَى 518 - الْعَرْضَ كَالسَّمَاعِ بَلْ أَجَازَهْ ... بَعْضُهُمُ (¬1) في مُطْلَقِ الإِجَازَهْ 519 - وَ (الْمَرْزُبَانِيْ) وَ (أبو نُعَيْمِ) ... أَخْبَرَ، وَالصَّحِيْحُ عِنْدَ القَوْمِ 520 - تَقْيِيْدُهُ بِمَا يُبيِنُ الْوَاقِعَا ... إِجَازَةً تَنَاولاً هُمَا مَعَا 521 - أَذِنَ لِي، أَطْلَقَ لِي، أَجَازَنِي ... سَوَّغَ لِي، أَبَاحَ لِي، نَاولَنِي 522 - وَإِنْ أَبَاحَ الشَّيْخُ لِلْمُجَازِ ... إِطَلاَقَهُ لَمْ يَكْفِ فِي الْجَوَازِ (واخْتَلَفُوا) أي: أئمةُ الحَدِيْثِ، وغيرِهِ (في) مَا يَقُولُ (مَنْ رَوَى مَا نُوْوِلا) أي: مُنَاولةً صَحِيْحةً، (فمَالِكٌ (¬2)، وابنُ شهابٍ (¬3) جَعَلا إطلاقَهُ) أي: الرَّاوِي (حَدَّثنا، وأخبَرا) أي: وأَخْبَرَنَا (يَسُوْغُ، وَهْوَ) أي: إطلاقُهما (لائقٌ ب‍) ‍مذهبِ (مَنْ يَرى العَرْضَ) في المناولةِ، (كالسَّماعِ) أي: كَعرضِهِ، كَمَا مَرَّ في مَحلِّهِ. (بَلْ أجَازَهْ) أي: إطلاقَهُمَا (بَعْضُهُمُ) كابنِ جُريجٍ، وجماعةٍ من المتقدمينَ (¬4) (في مُطْلقِ) أي: في الرِّوَايَةِ بمطلقِ (الإِجَازَهْ) أي: المجرَّدةِ عَنْ المناولةِ. (و) أَبُو عبيدِ اللهِ (¬5) مُحَمَّدُ بنُ عمران (الْمَرْزُبَانِيْ) بَضَمِّ الزّاي وإسكان (¬6) ¬

_ (¬1) بالإشباع؛ لضرورة الوزن. (¬2) الكفاية (470 ت، 329 هـ‍). (¬3) المحدث الفاصل: 438، والكفاية (475 ت، 232 - 233 هـ‍). (¬4) الإلماع: 128، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 171. (¬5) في (ق) و (ع): ((عبد الله)). (¬6) في (م): ((وبإسكان)).

الياءِ، لما مَرَّ نسبةً لجدٍّ لَهُ اسمُه المرزبانُ، البغداديُّ (¬1)، (وأبو نُعَيْمِ) الأصبهانيُّ أطلقا في الإِجَازَةِ (أَخْبَرَ) (¬2) فَقَطْ (¬3). (والصَّحِيحُ عِنْدَ) جُمْهُورِ (¬4) (القَوْمِ) المنعُ مِن إطْلاقِ الرَّاوِي كلاً من ((حَدَّثَنَا)) و ((أَخْبَرَنَا))، ونحوِهما في المناولةِ، والإجازةِ؛ خوفاً من حملِهِ عَلَى غيرِ المرادِ، و (تَقْييْدُهُ بِمَا يُبِيْنُ الواقِعَا) في كيفيةِ التَّحمُّلِ مِن سَمَاعٍ أَوْ إجازةٍ أَوْ مناولةٍ، بحيثُ يتميَّزُ كُلٌّ عَنْ غيرِهِ. كأنْ يَقُولَ: ((حَدَّثَنَا)) أَوْ ((أَخْبَرَنَا)) فلانٌ (إجازةً)، أَوْ (تَنَاوَلاً)، أَوْ (هُمَا مَعَا) أي: إجازةً ومناولةً، أَوْ فِيْمَا (أَذِنَ لي)، أَوْ (أطلقَ لي) روايتَهُ عَنْهُ، أَوْ (أجازنِي)، أَوْ (سوَّغَ لِي)، أَوْ (أباحَ لِي)، أَوْ (نَاولني)، أَوْ نحوَها، مما يبيِّنُ كيفيةَ التحمُّلِ (¬5). مَعَ أنَّه قِيْلَ: إنّه لا يجوزُ مَعَ التَّقييدِ أَيْضَاً. (وإنْ أبَاحَ الشَّيْخُ) المجيزُ (لِلمُجَازِ) لَهُ (إطْلاَقَهُ) ((حَدَّثَنَا)) أَوْ ((أَخْبَرَنَا)) في المناولةِ، أَوْ الإِجَازَةِ، كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ المشايخِ (¬6) في إجازاتهِم، حَيْثُ قَالوا في إجازاتِهم لِمَنْ أجَازوا لَهُ: إنْ شَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا، وإنْ شاءَ قَالَ: أَخْبَرَنَا (لَمْ يَكْفِ) ذَلِكَ (في الْجَوازِ) أي: جَوازِ الإطْلاقِ. ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد 3/ 135، وميزان الاعتدال 3/ 672، وتذكرة الحفاظ 3/ 1092، وسير أعلام النبلاء 16/ 448، ومعرفة أنواع علم الحديث: 330، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 171، وطبقات المدلسين: 18. وقال العراقي: وحكى الْخَطِيْب: أن المرزبانيّ عيب بذلك. (¬2) في (م): ((أخبرنا)). (¬3) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 416، تذكرة الحفاظ 3/ 1096، ميزان الاعتدال 1/ 111، وطبقات السّبكيّ 4/ 24، والوافي بالوفيات 7/ 83. ومعرفة أنواع علم الحديث: 330، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 171. (¬4) انظر: الكفاية: (472 ت، 330 هـ‍)، والإلماع: 132، وإحكام الأحكام 2/ 91. قال السخاوي في فتح المغيث 2/ 114: ((وهو مذهب علماء الشرق، واختاره أهل التحري والورع المنع من إطلاق كلّ من حدّثنا وأخبرنا ونحوهما في المناولة والإجازة؛ خوفاً من حمل المطلق على الكامل)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 330، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 171 - 172. (¬6) يوجد ذلك في إجازات المغاربة. أفاده البقاعي في نكته 267/أ، نقلاً عَنْ ابن حجر.

523 - وَبَعْضُهُمْ أَتَى بِلَفَظٍ مُوْهِمْ ... (شَافَهَنِي) (كَتَبَ لِي) فَمَا سَلِمْ 524 - وَقَدْ أَتَى بِـ (خَبَّرَ) الأوزَاعِيْ ... فِيْهَا وَلَمْ يَخْلُ مِنَ النِّزَاعِ 525 - وَلَفْظُ ((أَنّ)) اخْتَارَهُ (الْخَطَّابي) ... وَهْوَ مَعَ الإِسْنَادِ ذُوْ اقْتِرَابِ 526 - وَبَعْضُهُمْ يَخْتَارُ فِي الإِجَازَهْ ... (أَنْبَأَنَا) كَصَاحِبِ الْوِجَازَهْ 527 - وَاخْتَارَهُ (الْحَاكِمُ) فِيْمَا شَافَهَهْ ... بِالإِذْنِ بَعْدَ عَرْضِهِ مُشَافَهَهْ 528 - وَاسْتَحْسَنُوْا لِلْبَيَهْقَيْ مُصْطَلَح‍ا ... (أَنْبَأَنَا) إِجَازَةً فَصَرَّحَا 529 - وَبَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ اسْتَعْمَلَ عَنْ ... إِجَازَةً، وَهْيَ قَرِيْبَةٌ لِمَنْ 530 - سَمَاعُهُ مِنْ شَيْخِهِ فِيْهِ يَشُكّْ ... وَحَرْفُ (عَنْ) بَيْنَهُمَا فَمُشْتَرَكْ 531 - وَفِي الْبُخَارِيْ قَالَ لِي: فَجَعَلَهْ ... حِيْرِيُّهُمْ (¬1) لِلْعَرْضِ وَالمُنَاولَهْ (وَبَعْضُهُم) أي: الْمُحَدِّثِيْنَ، كالحاكمِ (¬2) لَمْ يقْتَصِرْ عَلَى مَا مَرَّ، بَلْ (أَتَى بِلَفظٍ مُوهِمْ) غَيْرِ المرادِ فِيْمَا أَجَازَهُ بِهِ شَيْخُهُ بلفظِهِ شفاهاً، أَوْ بكتابةٍ، ك‍: أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ مُشَافَهَةً، أَوْ (شَافَهني) فُلاَنٌ، وكَ‍: أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ كِتَابَةً أَوْ مُكاتبةً، أَوْ في كِتَابِهِ، أَوْ (كَتَبَ لِي). وهذه الألفاظُ، وإنْ استعملها بَعْضُ المتأخرِينَ (فَمَا سَلِمْ) مَنِ استَعمَلَها مِنَ الإيهامِ وطرفٍ من التدليسِ. أما المشافهةُ فتُوهِمُ مشافهتَهُ بالتحديثِ، وأما الكتابةُ فتُوْهِمُ أنَّه كتبَ إِليهِ بِذَلِكَ الحَدِيْثِ بعينِهِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُه الْمتَقدِّمُونَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. (وَقَدْ أَتَى بـ: ((خبَّر) نا)) -بالتَّشْديدِ- أَبُو عَمْرٍو (الأوزاعيْ فِيْهَا) أي: في الإجازةِ، وبـ ((أخْبَرَنَا)) في القِرَاءةِ (¬3)، (وَلَمْ يَخْلُ) أَيْضَاً (مِنَ النِّزاعِ)؛ لأنَّ مَعْنَاهُما - لغةً واصْطِلاحاً - واحدٌ. ¬

_ (¬1) عنى الناظم بذلك: أبا عمرو محمد ابن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري. انظر: تعليقنا على موضعه من شرح التبصرة والتذكرة 2/ 176، وقد ذكره الشارح على الصواب. (¬2) معرفة علوم الحديث: 260. (¬3) المحدث الفاصل: 432، والكفاية (434 ت، 302 هـ‍)، والإلماع: 127.

(ولفظُ أَنَّ) - بالفَتْحِ - (اخْتَارَهُ)، أَوْ حكاهُ (الْخَطّابِي) (¬1)، فَكَانَ يَقُولُ في الرِّوَايَةِ بالسّماعِ عَنِ الإِجَازَةِ: أَخْبَرَنَا فلانٌ أنَّ فُلاناً حَدَّثَهُ، أَو أخبَرَهُ، واسْتَبعَدَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬2)، لِبُعْدِهِ عَنْ الإِشعارِ بالإجازةِ. لكنَّهُ قَالَ: (وَهْوَ مَعَ) سَمَاعِ (الإسنادِ) (¬3) فَقَطْ من شيخِهِ، وإجازتِهِ لَهُ مَا رَواهُ (ذُو اقْتِرابِ) أي: قريبٌ، فإنَّ في ((أنَّ)) إشعاراً بِوجودِ أَصْلِ الإخبارِ، وإنْ أجْملَ الْخَبَرَ، وَلَمْ يفصلْهُ، وَهذا التَّعليلُ يجْرِي في غَيْرِ مَا قَالَهُ. (وَبَعْضُهُمْ يَخْتَارُ في الإِجَازَهْ) لَفظَ (أَنْبَأَنَا، كَصَاحِبِ " الوِجازَهْ) في تجويزِ الإِجَازَةِ" وَهُوَ أَبُو العَبَّاسِ الوليدُ بنُ بكرِ بنِ مُخَلدٍ الغَمريُّ -بفتحِ المُعْجَمَة- الأندلسيُّ (¬4). (واخْتَارَهُ الحاكمُ فِيْمَا شَافَهَهْ) شَيْخُهُ (بالإذنْ) في رِوَايَتِهِ (بَعْدَ عَرْضِهِ) لَهُ عَرْضَ مُناولةٍ، (مُشَافَهَهْ) بالنصب بـ ((شافَهَهُ)). قَالَ (¬5): وَعَلَيْهِ عَهدتُ أكثرَ مَشَايخي، وأئمةَ عصري. (واسْتَحسَنُوا لِلْبَيْهقيْ) (¬6) بالإسْكَانِ لما مَرَّ، (مُصْطَلَحا)، وَهُوَ (أَنْبَأَنَا إجازةً فَصَرَّحَا)، بتقيدِ ((أَنْبَأَنَا)) بالإجازةِ، وَلَمْ يُطْلِقْهُ لكونِهِ عِنْدَهُم بمنْزلةِ ((أَخْبَرَنَا))، وراعى في ذَلِكَ اصْطلاحَ المتأخرينَ. (وَبَعْضُ مَنْ تَأخَّرَ) مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ (اسْتَعمَلَ) كثيراً لفظَ (عَنْ) فِيْمَا سَمِعَهُ مِن شَيْخِهِ الرَّاوِي عَنْ شيخِهِ (إجازةً)، فيقولُ: قَرأتُهُ عَلَى فُلاَنٍ، عَنْ فُلاَنٍ. ¬

_ (¬1) الإلماع: 129، ونكت الزّركشيّ 3/ 543 - 545. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 332. (¬3) في (م): ((إسناد)). (¬4) نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 331، وكتابه قد ذكره البقاعي في نكته الوفية 267/ب باسم: " الوجازة في تجويز الإجازة "، وكذا في تدريب الرّاوي 2/ 30، ومعجم المؤلفين 13/ 170، وانظر: الكفاية (474 ت، 332 هـ‍)، ومعرفة علوم الحديث: 260. (¬5) معرفة علوم الْحَدِيْث: 260، وقد انتقد الزّركشيّ هذا الصنيع فقال في نكته 3/ 543: ((وفيه إبهام لما تقرّر أن قول الرّاوي: ((قال لي فُلاَن، أو سمعته مِنْهُ)) إطلاق لا يستعمل إلا في السّماع، فكيف يقال مطلقاً: ((قال لي)) من غير تقييد، ويكون مناولةً وعرضاً إلا أنه اصطلاح)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 331.

وهذا وإنْ تَقدَّمَ في العَنْعَنَةِ أعادَهُ هنا، لاخْتِلافِ الغرضِ، إِذْ الغَرضُ ثُمَّ أن يرتِّب عَلَيْهِ الحكمَ بالاتصالِ، وهنا أن يرتِّبَ عَلَيْهِ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (وَهْيَ) أي: ((عَنْ)) (قَريْبَةٌ) استِعْمَالاً، (لِمَنْ) أي لِشيخٍ (سَمَاعُهُ مِن (¬1) شَيْخِهِ فِيهِ يشُكْ) مَعَ تيقُّنِ إجازتِهِ مِنْهُ. (وَحَرفُ ((عَنْ)) بَيْنَهُما) أي: السَّمَاعِ والإجازةِ، (فَمُشْتَركْ) أي: صادقٌ بِهما (¬2). وَأَدْخَلتُ ((الفاءَ)) فِي الْخَبرِ عَلَى رأي الأَخْفَشِ، لاَ الكِسائِيِّ (¬3)، كَمَا وقعَ للنّاظِمِ. (و) أمَّا مَا (في) صَحِيْحِ (البُخَارِيْ) بالإسْكَانِ - مِن قَوْلِهِ: (قَالَ لِي) فُلاَنٌ (فَجَعَلَهْ حِيْرِيُّهم) أي: الْمُحَدِّثِيْنَ، وَهُوَ - بالحاء المُهْمَلَة - أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حمدان النَّيْسَابُوْرِيُّ الْحِيْرِيُّ (للعرضِ) أي: لما أخذَهُ البُخَارِيُّ عَلَى وجهِ العرضِ، (والمناولهْ) (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): ((عن)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 332. (¬3) يشترط لجواز دخول الفاء على الخبر أن يكون المبتدأ متضمناً معنى الشرط، وذلك في حالتين الأولى: أن يكون المبتدأ اسماً موصولا. الثانية: أن يكون المبتدأ نكرة عامة موصوفة. وفي كلا الحالتين لابد أن تكون صلة الخبر أو صفته ظرفاً أو جاراً ومجروراً أو جملةً فعلية غير شرطية. وذلك نحو قوله تَعَالَى: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم} (البقرة: 274)، وقوله تَعَالَى: {وما بكم من نعمةٍ فمن الله} النحل: 53. فإن لم يكن كذلك امتنع دخول الفاء على الخبر عند الجمهور نحو ((زيد منطلق))، وأجاز أبو الحسن الأخفش دخول الفاء في هذه الحالة أيضا على اعتبار أنّ الفاء زائدة. انظر: المقرب: 93، وشرح المفصل 1/ 99 - 100، وشرح الرضي على الكافية 1/ 101، ومغني اللبيب 1/ 16، والفوائد الضيائية 1/ 289 - 291، وشرح الأشموني 1/ 225 وفتح المغيث 2/ 120، وشرح السيوطي: 292 - 293. (¬4) هذا القول تعقبه الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح 2/ 601، فقال: ((فيه نظر؛ فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث قال فيها: قال لنا فلان، وأوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ: ((حدثنا))، ووجدت في الصحيح عكس ذلك، وفيه دليل على أنهما مترادفان، والذي تبين لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة أو المستشهد بها، فيخرج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الكتاب)) وانظر: الفتح 2/ 188 و 9/ 433 و 10/ 11.

الخامس: المكاتبة

وانْفَردَ الْحِيْرِيُّ بِذَلِكَ، وخالفَهُ فِيهِ غَيْرُه، بَلْ الَّذِي استقرأَهُ شَيْخُنا (¬1) أنَّه إنَّما يَسْتَعْمِلُها في أَحَدِ أمرينِ: أنْ يَكُوْنَ الْحَدِيْثُ مَوْقُوفاً ظَاهِراً، وإنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرفعِ. أوْ يَكُونَ في إسنادِهِ مَنْ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ، وَذَلِكَ فِي الْمُتابعاتِ، والشَّواهدِ. هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ ((قَالَ)) محمولةٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَأَنَّها تُستعملُ غالباً في المذاكرةِ (¬2). الْخَامِسُ: الْمُكَاتَبَةُ (الخامسُ) مِن أقْسَامِ التحمُّلِ: (المكاتبةُ) مَعَ بيانِ إلحاقِها بالمناولةِ، وبيانِ اللفظِ الذي يؤدِّي بِهِ مَنْ تَحَمَّلَ بِهَا. 532 - ثُمَّ الْكِتَابَةُ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَوْ ... بِإِذْنِهِ عَنْهُ لِغَائِبٍ وَلَوْ 533 - لِحَاضِرٍ فَإِنْ أَجَازَ مَعَهَا ... أَشْبَهَ مَا نَاوَلَ أَوْ جَرَّدَهَا 534 - صَحَّ عَلى الصَّحِيْحِ وَالْمَشْهُوْرِ ... قَالَ بِهِ (أَيُّوْبُ) مَعْ (¬3) (مَنْصُورِ) 535 - وَالْلَيْثُ وَالسَّمْعَانِ (¬4) قَدْ أَجَازَهْ ... وَعَدَّهُ أَقْوَى مِنَ الإِجَازَهْ 536 - وَبَعْضُهُمْ صِحَّةَ ذَاكَ مَنَعَا ... وَصَاحِبُ الْحَاوِيْ بِهِ قَدْ قَطَعَا 537 - وَيَكْتَفِي أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْتُوْبُ لَهْ ... خَطَّ الَّذِي كَاتَبَهُ وَأَبْطَلَهْ 538 - قَوْمٌ لِلاشْتِبَاهِ لَكِنْ رُدَّا ... لِنُدْرَةِ اللَّبْسِ وَحَيْثُ أَدَّى 539 - فَاللَّيْثُ مَعْ مَنْصُوْرٍ اسْتَجَازَا ... (أَخْبَرَنَا)، (حَدَّثَنَا) جَوَازَا 540 - وَصَحَّحُوْا التَّقْيِيْدَ بِالْكِتَابَهْ ... وَهْوَ الِذَّي يَلِيْقُ بِالنَّزَاهَهْ ¬

_ (¬1) انظر ما سبق. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 176. (¬3) بتسكين العين؛ ليستقيم الوزن، وهي لغة في (مع). (¬4) كذا في (ب) و (ج‍)، وفي (أ) و (النفائس) و (فتح المغيث): ((السمعاني)) بإثبات الياء (ياء النسب)، ولا يصحّ الوزن بإثباتها، فيجب أن تكتب ((السمعان)) دون الياء؛ لضرورة الوزن.

(ثُمَّ الكِتَابَةُ) مِنَ الشَّيْخِ بشيءٍ مِن مَرويِّهِ، أَوْ تأليفِهِ، أَوْ نَظْمِهِ، وإرْسَالِهِ إلى الطَّالِبِ مَعَ ثِقَةٍ بَعْدَ تحريرِهِ تَكُونُ (بخطِّ الشَّيْخِ)، وَهْيَ أعلى، (أَوْ بإذنِهِ) لِثقةٍ في الكِتَابَةِ (عَنْهُ، لغَائبٍ) عَنْهُ، ويَغنِي عَنْهُ قَولُه: (وَلَوْ لِحاضِرٍ) عندَهُ ببلدةٍ (¬1)، وَهِيَ عَلَى نَوعينِ (¬2)، كالمناولةِ: (فإنْ أجازَ) الشَّيْخُ بخطِّهِ، أَوْ بإذنِهِ (مَعَها) أي: الكِتَابَةِ بشيءٍ مما ذُكِرَ، كأجزتُ لَكَ مَا كتبتُه لَكَ، أَوْ مَا كتبتُ بِهِ إِلَيْكَ (¬3)، وَهِيَ النَّوعُ الأَوَّلُ المسمَّى بِالكِتابةِ الْمَقرونةِ بالإجازةِ (أشبهَ) في القوّةِ والصّحَّةِ (¬4)، (مَا نَاوَلَ) أي: المُنَاوَلَةَ المقرونة (¬5) بالإجازةِ. (أَوْ جَرَّدَها) أي الكتابةَ عَنِ الإِجَازَةِ، وَهِيَ النَّوعُ الثَّانِي (صَحَّ) الأداءُ بِها، (عَلَى الصَّحِيحِ، والمشْهورِ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ (¬6)، كَمَا في النَّوعِ الأَوَّلِ. ولأنَّها، وإن تجرَّدتْ عَنِ الإِجَازَةِ لفظاً تضمنْتَها مَعْنَى، وَكتبهُم مَشْحونةٌ بقولهم: كتبَ إليَّ فُلاَنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ. وَقَدْ (قَالَ بِهِ أَيّوبُ) السَّخْتِيَانِيُّ (¬7) (مَعْ مَنْصُورِ) بنِ المعْتَمِرِ (¬8)، (والليثُ) بنُ سعدٍ (¬9)، وكثيرٌ من المتقدمينَ والمتأخرينَ (¬10). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 177، وفتح المغيث 2/ 119. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 333. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 333. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 177. (¬5) قال البقاعي: ((بل هي أقوى من هذه المناولة، فإنها تزيد عليها بأن المكتوب ما كتب إلا لأجل المكتوب إليه، وفي ذلك زيادة اعتناء به في تسليطه على روايته والانتفاع به)). النكت الوفية 267/ب. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 178. (¬7) نقله عنه الخطيب في الكفاية: (481 ت، 337 هـ‍) و (490 ت، 343 - 344 هـ‍)، والقاضي عياض في الإلماع: 85. (¬8) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (481 ت، 337 هـ‍) و (490 ت، 343 - 344 هـ‍)، القاضي عياض في الإلماع: 85. (¬9) أسنده إليه الخطيب في الكفاية: (490 - 491 ت، 344 هـ‍). (¬10) قال السخاوي في فتح المغيث 2/ 123: ((وصححه أيضاً غير واحد من الشافعيين، منهم الشّيخ أبو حامد الإسفراييني، والمحاملي، وصاحب المحصول وأبو المظفر السمعاني)).

(وَ) أَبُو المْمُظَفَّر (السَّمعانِ) (¬1) - بحذف ياء النسبةِ - مِنْهُمْ (قَدْ أَجَازَهْ) أي: الكِتَابَ المجرَّدَ، بَلْ (وَعَدَّهُ) (¬2) مَعَ جَمَاعَةٍ من الأصوليينَ، كالإمامِ الرَّازِيِّ (¬3) (أقوى من الإِجَازَهْ) المجرَّدةِ. (وَبَعْضُهم) أي: العُلَمَاء (صِحَّةَ ذاكَ) أي: الكِتَابَ المجردَ (مَنَعَا) كالمناولةِ المجرَّدةِ، (وَصَاحِبُ الْحَاوِيْ)، وَهُوَ الْمَاوَرْدِيُّ (¬4) (بِهِ) أي: بِالْمنعِ (قَدْ قَطَعَا). وَذَكَر نَحوَهُ ابنُ القَطَّانِ (¬5). (وَيكْتَفِي) في الرِّوَايَةِ بالكِتَابَةِ، (أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْتُوبُ لَهْ خطَّ الَّذِي كَاتَبَهُ)، وإنْ لَمْ تقمْ بِهِ بيَّنةٌ لِتَوسُّعِهِم في الرِّوَايَةِ (¬6). (وَأْبْطَلَهْ) أي: الاعتمادَ عَلَى الخطِّ (قومٌ)، مِنْهُمْ: الغَزَالِيُّ (¬7)؛ فاشْتَرطُوا البيِّنةَ برؤيتِهِ، وَهُوَ يَكْتبُ، أَوْ بإقرارِهِ بأنَّهُ خَطَّهُ (للاشْتِباهِ) في الخطوطِ، كَمَا في نَظيرِهِ مِنَ الْمُكاتباتِ الحُكْميةِ من قاضٍ إلى آخرَ. (لَكِنْ رُدَّا) هَذَا. وَقَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((إنَّهُ غَيْرُ مرضي)) (¬8) (لِنُدرَةِ اللَّبسِ) - بضم النون وفتحها - والظاهرُ أنَّ خطَّ الإنسانِ لا يشتبهُ بغيرِهِ. ¬

_ (¬1) قواطع الأدلة 1/ 330. (¬2) بعد هذا في (م): ((هو)). (¬3) المحصول 2/ 1/645. (¬4) نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 334، وانظر: الحاوي 20/ 146 وأدب القاضي له 1/ 389. (¬5) بيان الوهم والإيهام2/ 538عقب (539) وكلامه مردود، فالحديث وصله مسلم من طرق في صحيحه6/ 4حديث (1822) ثم ذكر هذه الرواية على سبيل المتابعة، وما حكم به ابن القطان لا وجه له إلا عَلَى رأيه القائل بعدم اعتبار المتابعات والشواهد وأن كل حديث مستقل بنفسه. (¬6) قال البقاعي في النكت الوفية 269/أ: ((أي بشهادة اثنين أنهما رأياه يكتب ذلك فتكون شهادة على الفعل لا بالتخمين، بأن هذا يشبه خطه، فهو هو؛ لأنه يبعد كلّ البعد أن يوجد خطّ غير خطه يحاكيه محاكاة يبعد معها التمييز)). وانظر: شرح التبصرة 2/ 180. (¬7) المستصفى 1/ 166. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 334.

السادس: إعلام الشيخ

وفارقتِ الرِّوَايَةُ مَا مَرَّ من النَّظيرِ بتوسُّعِهم فِيْهَا، كَمَا مَرَّ. (وَحَيْثُ أدّى) مَا تحمَّلَهُ بالكتابةِ، فبأيِّ لفظٍ يؤدِّي بِهِ؟ (فالليثُ مَعْ مَنْصورٍ اسْتَجَازا) أي: أجازا إطلاقَ (أَخْبَرَنَا)، و (حَدَّثَنَا) (¬1). وقولُه: (جَوازا) تكملة. لَكِنَّ الْجُمْهُورَ مَنعوا الإطلاقَ (وَصَحَّحُوا التَّقييدَ بالكِتَابهْ)، كقولِهِ: حَدَّثَنَا، أَوْ أَخْبَرَنَا كتابةً، أَوْ مُكاتبةً، أَوْ كتبَ إليَّ، (وَهْوَ الذِي يَليقُ بالنَّزاههْ) أي: التحرِّي، والبعدِ عَمَّا يوهمُ اللَّبْسَ (¬2). قَالَ الحاكِمُ: الذي أختارُهُ وَعهِدتُ عَلَيْهِ أكثرَ مشايخِي، وأئمةَ عصري، أَنْ يَقُولَ فِيْمَا كَتبَ إِليهِ المحدِّثُ مِن مدينةٍ، وَلَمْ يُشَافهْهُ بالإجازةِ: ((كَتَبَ إليَّ فُلاَنٌ)) (¬3). السَّادِسُ: إِعْلاَمُ الشَّيْخِ (السادسُ) من أقسامِ التحمُّلِ: (إعلامُ الشَّيْخِ) الطَّالِبَ لفظاً بشيءٍ من مرويِّه (¬4)، مجرداً عَنْ الإِجَازَةِ. 541 - وَهَلْ لِمَنْ أَعْلَمَهُ الشَّيْخُ بِمَا ... يَرْوِيْهِ أَنْ يَرْوِيَهُ؟ فَجَزَمَا 542 - بِمَنْعِهِ (الطُّوْسِيْ) وَذَا الْمُخْتَارُ ... وَعِدَّةٌ (¬5) (كَابْنِ جُرَيْجٍ) صَارُوْا 543 - إلى الْجَوَازِ وَ (ابْنُ بَكْرٍ) نَصَرَهْ ... وَصَاحِبُ الشَّامِلِ جَزْماً ذَكَرَهْ 544 - بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ (¬6) لَوْ مَنَعَهْ ... لَمْ يَمْتَنِعْ، كَمَا إذا قَدْ سَمِعَهْ 545 - وَرُدَّ كَاسْتِرْعَاءِ مَنْ يُحَمَّلُ ... لَكِنْ إذا صَحَّ، عَلَيْهِ الْعَمَلُ ¬

_ (¬1) انظر: الكفاية (489 ت، 343 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 334. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 335. (¬3) معرفة علوم الحديث: 260. (¬4) بعد هذا في (م): ((أو غيره)). (¬5) انظر: النكت الوفية 269 / أ. (¬6) بتخفيف النون؛ لضرورة الوزن.

(وَهَلْ لِمَنْ أعلمَهُ الشَّيْخُ بما يروِيه) سَمَاعاً، أَوْ إجازةً، أَوْ غيرَهما مجرداً عَمَّا ذكرَ (أَنْ يرويَهُ) أَوْ لا؟ (فَجَزَمَا بِمَنْعِهِ (¬1)) أَبُو حَامدٍ (الطُّوْسِيْ) مِن أَئِمَّةِ الشَّافِعيةِ - وَالظّاهِرُ كَمَا قَالَهُ النَّاظِمُ أنَّه الغزاليُّ، فإنَّهُ كَذلِكَ في " الْمُسْتَصْفَى " (¬2) - وَذَلِكَ لِعَدمِ إذنِهِ لَهُ، وربَّما لا يُجَوَّزُ روايتُهُ عَنْهُ لِخَلَلٍ يعرفُهُ فِيهِ، وإنْ سَمِعَهُ. (وذَا) أي: المنعُ هُوَ (الْمُخْتَارُ)، كَمَا قَالَ (¬3) ابنُ الصَّلاحِ (¬4)، وغيرُهُ. (وَعِدَّةٌ) كثيرونَ مِنَ الأئمّةِ الْمُحَدِّثِيْنَ، وغَيْرِهِم (كَابْنِ جُريجٍ) عَبْدِ المَلِكِ (¬5) (صَاروا إلى الْجَوازِ) قياسَاً عَلَى الشَّاهِدِ (¬6) بما سَمِعَهُ مِنَ الْمُقِرِّ، وإنْ لَمْ يَأذنْ لَهُ فِيْهَا. (وابنُ بَكْرٍ) الوليدُ (¬7) (نَصَرَهْ) واختارَهُ، (وَ) ابنُ الصبَّاغِ (¬8) (صَاحِبُ " الشَّامِلِ " جَزْمَاً ذكرَهْ) أي: ذَكرَهُ عَلَى سَبيلِ الْجَزْمِ. (بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ)، وَهُوَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ (¬9) فِيْمَا نَقَلَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬10) - فَصرَّحَ (بأنْ) أي: بأنَّهُ (لَوْ مَنَعَهْ) مِنْ روايتِهِ عَنْهُ بَعْدَ إعلامِهِ بِمَا ذكر، كقولِهِ: لا تروهِ عَنِّي ¬

_ (¬1) في (م): ((يمنعه)). (¬2) 1/ 166، وإليه ذهب ابن حزم، والماوردي، وابن القطان، والبيضاوي، وابن السّبكيّ، والآمدي. انظر: إحكام الأحكام2/ 91، والإبهاج 2/ 334، ونهاية السول 3/ 196 ونكت الزّركشيّ 3/ 549، ومحاسن الاصطلاح: 290، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 182. (¬3) في (م): ((قاله)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 336. (¬5) الإلماع: 115. قال الحافظ العراقي: ((وذهب كثيرون منهم: ابن جريج وعبيد الله العمري، وأصحابه المدنيون، وطوائف من المحدّثين، والفقهاء، والأصوليين والظاهريين، إلى الجواز. واختاره ونصره الوليد بن بكر الغمري - بفتح الغين المعجمة - في كتاب " الوجازة " له وبه قطع أبو نصر ابن الصباغ صاحب الشامل، وحكاه القاضي عياض عن الكثير)). شرح التبصرة والتذكرة 2/ 183 - 184. (¬6) في (ص) و (ع): ((شهادة الشاهد)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 183. (¬8) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 335، والبحر المحيط 4/ 395، وشرح التبصرة 2/ 184. (¬9) المحدث الفاصل: 451، وانظر: الإلماع: 108. (¬10) معرفة أنواع علم الحديث: 336.

أَوْ لاَ أُجيزُه لَكَ (لَمْ يَمْتَنِعْ) بِذَلِكَ من روايتِهِ، (كَمَا) أنَّه لا يَمْتَنِعُ (إذَا) مَنَعَهُ مِنَ التَّحديثِ بِمَا (قَدْ سَمِعَهْ) لا لِعلَّةٍ وريبةٍ في المرويِّ: لكونِهِ هُنَا أَيْضَاً قَدْ حدَّثَهُ -، أي إجْمَالاً - وَهُوَ شيءٌ لا يرجعُ فِيهِ، كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الإِجَازَةِ. (وَ) لَكِنْ (رُدَّ) أي: القَوْلُ بِالجوازِ (كاسْتِرْعاءِ) أي: كَمَا في اسْتِرعاءِ الشّاهِدِ (مَنْ يُحَمَّلُ (¬1)) الشَّهادةِ - بفتحِ الميمِ، ويجوزُ كسرُها -، أي: من تحمله الشَّهادةَ. حَيْثُ لا يكفي (¬2) إعْلامُه بِهَا (¬3)، أَوْ سَمَاعُهُ لَها مِنْهُ في غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكمِ وبيانِ السَّببِ، بَلْ لاَبُدَّ أَنْ يأذَنَ لَهُ فِي أنْ يشهدَ عَلَى شهادتِهِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ في مَحلِّهِ؛ لجوازِ أنْ يمتنعَ مِن أدائِها لِشَكٍّ يدخلُهُ، فَكَذا هُنَا. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬4): وهذا مِمّا تَساوتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ والشَّهادةُ، لأنَّ المعْنى يَجْمَعُهمَا (¬5) فِيهِ، وإن افْتَرَقَتَا (¬6) في غيرِهِ. (لَكِنْ إذَا صَحَّ) عِنْدَ أَحَدٍ، مَا حَصَلَ الإعْلامُ بِهِ مِنَ الحَدِيْثِ يجبُ (عَلَيْهِ العَمَلُ) بمضمونِهِ، وإنْ لَمْ تجزْ (¬7) لَهُ روايتُهُ؛ لأنَّ العَمَلَ بِهِ يكفي (¬8) فِيهِ صِحَّتُهُ في نفسِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ روايةٌ، كَمَا مَرَّ في نَقْلِ الحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ. هَذَا وَفِي القَوْلِ بالْمَنعِ نظرٌ يؤخذُ مِن كَلامِ ابنِ أَبِي الدمِ الآتي قريباً (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): ((تحمّل)). (¬2) في (م): ((لا يكتفي)). (¬3) في (م): ((لها)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 337. (¬5) في (ص) و (ق): ((يجمعها)). (¬6) في (ق) و (ع): ((افترقا)). (¬7) في (م): ((يجز)). (¬8) في (ص) و (ع): ((يكتفي)). (¬9) بعد هذا في (ق): ((والله تعالى أعلم)).

السابع: الوصية بالكتاب

السَّابِعُ: الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ (السابعُ) مِن أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ: (الوَصيَّةُ) مِنَ الرَّاوِي عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ سَفَرِهِ لِلطّالبِ (بِالكِتابِ)، أَوْ نحوِهِ (¬1). 546 - وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ لِلْمُوْصَى لَهُ ... بالْجُزْءِ مِنْ رَاوٍ قَضَى أَجَلَهُ 547 - يَرْوِيْهِ أَوْ لِسَفَرٍ أَرَادَهْ ... وَرُدَّ مَا لَمْ يُرِدِ الْوِجَادَهْ (وَبَعْضُهُم) كابنِ سِيرينَ (¬2)، وغيرِهِ (أجازَ) الرِّوَايَةَ بِهَا (للموصَى لَهُ بالجزءِ) أَوْ نحوِهِ، وَلَوْ بكُتُبِهِ كُلِّها وصيةً ناشئةً (مَن رَاوٍ) لَهُ بِذَلِكَ رِوَايَةً، وَلَمْ يعلمْهُ صَريحَاً بأنَّه مِن مَرْويِّهِ، وَقَدْ (قَضَى أَجَلَهُ)، وَهُوَ (يَرْويهِ) أي: مَا أوْصَى بِهِ (¬3)، (أَو) توجَّهَ (لِسَفَرٍ أرَادِهْ) أي: أَوْ أرَادَ سَفراً، وَهُوَ يرويهِ؛ لأنَّ في ذَلِكَ نوعاً مِنَ الإذْنِ، وشبَهَاً من (¬4) العَرْضِ، والمُنَاوَلَةِ. (وَ) لَكِنْ (رُدَّ) هَذَا القَوْلُ بأنَّ الوَصيَّةَ ليست بتحديثٍ، ولا إعلامٍ بمرويٍّ، كالبيعِ، عَلَى أنَّ ابنَ سيرينَ القائِلَ بالجوازِ توقفَ فِيهِ بَعْدُ. وَقَالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬5): القَوْلُ بِهِ بَعيدٌ جداً، وَهُوَ زَلَّةُ عالمٍ (مَا لَمْ يُرِدِ) قَائِلُهُ (الوِجَادهْ) الآتيةَ، أي: الرِّوَايَةَ بِهَا. قَالَ: وَلاَ يَصِحُّ تَشْبيهٌ بواحدٍ مِن قِسْمَي الإعلامِ، والمناولةِ؛ فإنَّ لمجوِّزيهما مُسْتنداً ذكرناهُ، لا يتقرَّرُ مثلُهُ، ولا قريبٌ مِنْهُ هُنَا. وأنكرَ ذَلِكَ ابنُ أبي الدَّم، وَقَالَ: الوصيةُ أرفعُ رُتبةً مِن الوِجَادَةِ، بِلاَ خلافٍ، وَهِيَ مَعْمولٌ بِهَا عِنْدَ الشَّافِعيِّ، وغيرِهِ، فهذهِ أَولى (¬6). وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا (¬7). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 337، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 187. (¬2) المحدث الفاصل: 459 - 460، وانظر: الكفاية: (503 - 504ت، 352 هـ‍)، والإلماع: 115 - 116. (¬3) في (م): بعد هذا: ((حين مات)). (¬4) في (م): ((في)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 337 - 338، وقلّده النووي. انظر: التقريب: 120، وقارن بـ: نكت الزّركشيّ 3/ 550 - 551. (¬6) انظر: فتح المغيث 2/ 133، وتدريب الرّاوي 2/ 60. (¬7) نزهة النظر: 173.

الثامن: الوجادة

الثَّامِنُ: الوِجَادَةُ (الثامنُ) (¬1) مِن أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ (الوِجادَةُ) - بكسر الواوِ -: 548 - ثُّمَ الوِجَادَةُ وَتِلْكَ مَصْدَرْ ... وَجَدْتُهُ مُوَلَّداً لِيَظْهَرْ 549 - تَغَايُرُ الْمَعْنَى، وَذَاكَ أَنْ تَجِدْ ... بِخَطِّ مَنْ عَاصَرْتَ أَوْ قَبْلُ عُهِدْ 550 - مَا لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْ ... فَقُلْ: بِخَطِّهِ وَجَدْتُ، وَاحْتَرِزْ 551 - إِنْ لَمْ تَثِقْ بِالْخَطِّ قُلْ: وَجَدْتُ ... عَنْهُ، أَوْ اذْكُرْ (قِيْلَ) أَوْ (ظَنَنْتُ) (ثُمَّ) يَلي مَا مَرَّ (الوِجَادةُ، وَتِلْكَ) أي: الوجادةُ، أي: لفظُها (مصدرْ وَجَدْتُهُ) حال كونِهِ (مُوَلَّداً) أي: غَيْرَ مَسْموعٍ مِنَ العَربِ، بَلْ ولَّدَهُ أَهْلُ الفنِّ فِيْمَا أُخِذَ مِنَ العِلْمِ مِنْ صَحيفةٍ بغيرِ سَمَاعٍ، ولا إجازةٍ، وَلاَ مناولةٍ اقتداءً بالعَرَبِ في تفريقِهِم بَيْنَ مَصادرَ ((وَجَدَ)) للتمييزِ بَيْنَ المعاني المختلفةِ؛ (لِيَظْهَرْ تَغَايُرُ الْمَعْنَى) (¬2). حَيْثُ يُقالُ: وَجَدَ ضَالَّتَهُ وِجْدَاناً، ومطلوبَهُ وُجُوْداً، في الغضبِ مَوْجِدَةً، وَفِي الغنَى وُجْداً (¬3)، وَفِي الْحُبِّ وَجْداً، كَذَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬4). وَكَأنَّه اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ للتَّمييزِ بَيْنَ المعانِي، وإلاّ فالمنقُولُ أنَّ لكِلٍّ مِمّا ذُكِرَ مصادرَ مشتركةً، وغيرَ مشتركةٍ إلاّ في الحبِّ، فمصدرُه وَجْدٌ فَقَطْ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّاظِمُ بعضَها (¬5)، والَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ مَذْكُورٌ فِي " القَامُوسِ ". وأما وجِدَ بالكسرِ، بمعنى: حَزِنَ، فَمَصْدَرُهُ وَجْدٌ، كَمَا في الْحُبِّ (¬6). ¬

_ (¬1) كلمة ((الثامن)): سقطت من (ع). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 338، وشرح التبصرة 2/ 189، وفتح المغيث 2/ 136 - 137. (¬3) ضبطه السيوطي في شرحه على ألفية العراقي: 298 بالضم، قلنا: ويجوز فيه الكسر أيضاً، فهو مثلث. انظر: الصحاح 2/ 547، ومقاييس اللغة 6/ 86، ولسان العرب 3/ 445. (¬4) وهناك مصادر أخرى للفعل لم يذكرها المصنف، انظرها في: نكت الزّركشيّ 3/ 551، والتقييد والإيضاح: 200، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 189، وتاج العروس 9/ 253. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 189 - 190. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 190.

(وذاك) أي: قسمُ الوِجادةِ نوعان: أحدُهما: (أَنْ تَجِدْ) أنتَ (بِخَطِّ مَنْ عَاصَرْتَ)، لَقيتَهُ، أَوْ لَمْ تَلْقَهُ (أَوْ قَبْلُ عُهِدْ) أي: أَوْ بِخَطِّ مَنْ عُهِد وجودُه قَبْلَ وجودِ مَنْ عاصرتَ (مَا) أي شَيْئاً (لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ، وَلَمْ يُجِزْ) لَكَ روايتَهُ. (فَقُلْ: بخطِّهِ) أي: فُلاَنٍ (وجدْتُ)، أَوْ وجدْتُ بخطِّهِ، أَوْ نحوِهِ، كَ‍: قرأتُ بخطِّهِ أَخْبَرَنَا فلانٌ، وتسوقُ سندَهُ، ومتْنَهُ، أَوْ مَا وجدتَهُ بِخَطِّهِ. (واحْتَرِزْ) أَنْتَ عَنْ الْجَزمِ (إنْ لَمْ تَثِقْ بالْخَطِّ) الَّذِي وَجدتَهُ، بَلْ (قُلْ: وَجَدْتُ عَنْهُ)، أَوْ بَلغنِي عَنْهُ، (أَوْ اذْكُرْ) أنت: وجدْتُ بخطٍّ (¬1) (قِيلَ) إنَّهُ خَطُّ فُلاَنٍ، أَوْ قَالَ لِي فُلانٌ: إنَّهُ خَطُّ فُلاَنٍ، (أَوْ ظَنَنْتُ) أَنَّهُ خطُّ فُلاَنٍ، أَوْ ذكرَ كَاتبُهُ أنَّه فُلاَنٌ بنُ فُلاَنٍ، ونَحْوُ ذَلِكَ مِمّا يفْصِحُ بالْمسْتَنَدِ في كونِهِ خطَّهُ. أما إذَا أجازَ لَكَ روايتَهُ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ: وَجدتُ بخطِّ فُلاَنٍ كَذَا، وأجازَهُ لِي، وَهُوَ واضِحٌ (¬2). 552 - وَكُلُّهُ مُنْقَطِعٌ، وَالأَوَّلُ ... قَدْ شِيْبَ وَصْلاً مَا، وَقَدْ تَسَهَّلُوْا 553 - فيْهِ (بِعَنْ)، قالَ: وَهَذَا دُلْسَهْ ... تَقْبُحُ (¬3) إِنْ أَوْهَمَ أَنَّ نَفْسَهْ 554 - حَدَّثَهُ بِهِ، وَبَعْضٌ أَدَّى ... (حَدَّثَنَا)، (أَخْبَرَنَا) وَرُدَّا 555 - وَقِيْلَ: فِي الْعَمَلِ إِنَّ الْمُعْظَمَا ... لَمْ يَرَهُ، وَبالْوُجُوْبِ جَزَمَا 556 - بَعْضُ الْمَحُقِّقِيْنَ وَهْوَ الأَصْوَبُ ... وَ (لاِبْنِ إِدْرِيْسَ) الْجَوَازَ نَسَبُوْا 557 - وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ خَطّهِ فَقُلْ: ... (قالَ) وَنَحْوَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ 558 - بِالنُّسْخَةِ الْوُثُوْقُ قُلْ: (بَلَغَنِيْ) ... وَالْجَزْمُ يُرْجَى حِلُّهُ لِلْفَطِنِ ¬

_ (¬1) في (ص): ((وجدته بخطه)). (¬2) انظر: المستصفى 1/ 166، ومعرفة أنواع علم الحديث: 339، والنكت للزركشي 3/ 553، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 191، وفتح المغيث 2/ 136. (¬3) في (أ) و (ج‍) و (م): ((يقبح)).

(وَكُلُّهُ) أي: المرويِّ بالوِجادَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الإجازةِ، سَواءٌ أوَثَقْتَ بأنَّه خطُّ فُلاَنٍ، أَمْ لا (مُنْقَطِعٌ) أَوْ معَلَّقٌ (¬1). وَعَن ابنِ كَثِيْرٍ: الوِجَادةُ لَيْستْ مِن بابِ الرِّوَايَةِ، وإنَّما هِيَ حِكايةٌ عَمَّا وَجدَهُ في الكِتابِ (¬2). (و) لَكِنْ (الأَوَّلُ)، وَهُوَ: مَا إذَا وَثَقْت (¬3) بأنَّه خطُّهُ (قَدْ شِيْبَ وَصْلاً) أي: يُوصل (مَا) لزيادةِ القُوّةِ بالوُثوقِ بالْخَطِّ. (وَقَدْ تَسَهَّلُوْا) أي: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ (فِيهِ) أي: في أداءِ مَا يَجدونَهُ بِخطِّ فُلاَنٍ، فأتوا (بِعن) فلانٍ، أَوْ نحوِها، مِمَّا يُوهِمُ أخذَهُ عَنْهُ سَمَاعاً أَوْ إجازةً، كَ‍: ((قَالَ)) مَكانَ ((وَجَدْتُ)) (¬4). (قَالَ) ابنُ الصَّلاحِ (¬5): (وهذا دُلْسَهْ) من الواجدِ (تقبح إنْ أوهَمَ) بأَنْ كَانَ مُعاصِراً لَهُ (أنَّ نفسَهْ) أي: الذي وَجَد المرويَّ بِخَطِّهِ (حَدَّثَهُ بِهِ)، أَوْ أجازَهُ بِهِ، بِخلافِ مَا إذَا (¬6) لَمْ يوهم ذَلِكَ. (وَبَعْضٌ) جَازفَ (¬7) حَيْثُ (أدَّى) مَا وَجدَهُ مِن ذَلِكَ بقولِهِ: (حَدَّثَنَا) و (أَخْبَرَنَا، ورُدَّا) ذَلِكَ بأنَّه يُوهمُ أخذهُ عَنْهُ سَمَاعاً، أَوْ إجازةً. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 339، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 192. نقل السخاوي في فتح المغيث قول الرشيد العطار في الغرر المجموعة له: ((الوجادة داخلة في باب المقطوع عند علماء الرّواية، بل قد يقال إن عده من التعليق أولى من المنقطع، ومن المرسل)). فتح المغيث 2/ 136، وانظر: نكت الزّركشيّ 3/ 553. (¬2) اختصار علوم الحديث: 128. (¬3) في (ص): ((أوثقت)). (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 339 - 340، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 192. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 339. (¬6) في (م): ((إن)). (¬7) منهم إسحاق بن راشد، وكان يقول: ((حدّثنا الزهري .. )) فقيل له: أين لقيت ابن شهاب؟ قال: لم ألقه، مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له. أسنده الحاكم في معرفة علوم الحديث: 110، وحكاه عنه القاضي عياض في الإلماع: 119.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لاَ أعلمُ مَنْ يُقْتَدى بِهِ، أجازَ النَّقلَ فِيهِ بِذَلِكَ، وَلاَ مَن عَدَّهُ مَعَدَّ المُسْنَدِ (¬1). (وَ) لكونِهِ منقطعاً (قِيلَ فِي العَمَلِ) بِمَا تضمنَّهُ: (إنَّ الْمُعْظَمَا) مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ، والفَقَهاءِ، (لَمْ يَرَهُ) قِياسَاً عَلَى المُرْسَلِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يَتَّصِلْ. (وَ) لَكِنْ (بِالْوُجُوْبِ) لِلْعَملِ (¬2) حَيْثُ سَاغَ (جَزَما) أي: قطعَ (بَعْضُ الْمُحقِّقينَ) (¬3) مِن أَصْحَابِ الشَّافِعيِّ في أصولِ الفِقْهِ عِنْدَ حُصولِ الثِّقَةِ بِهِ (¬4). (وَهْوَ) أي: القطعُ بالوجوبِ (الأصوبُ) الذي لا يتجِهُ غيرُهُ في الأَعْصَارِ الْمُتأخِّرةِ، لِقصورِ الهِمَمِ فِيْهَا عَنِ الرِّوَايَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إلا الوِجادةُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ((إنَّه الصَّحِيحُ)) (¬5). (ولابْنِ إدْرِيْسَ) الإمامِ الشَّافِعيِّ (الجوازَ نسبُوْا) أي: جَمَاعَةٌ مِن أصْحابِهِ (¬6). قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ الَّذي نَصَرَهُ الْجُوِيْنيُّ، واخْتَارَهُ غيرُهُ مِن أَرْبَابِ التَّحقيقِ (¬7). فَفي العَملِ بِهِ ثلاثةُ أقوالٍ: الْمَنْعُ، الوجوبُ، الجوازُ. النَّوع الثَّانِي: أن تجدَ ذَلِكَ بِخطِّ غَيْرِ مَنْ ذكرَ، وَهُوَ مَا ذكِرَ بقولِهِ: (وإنْ (¬8) يَكُنْ) مَا تَجِدُهُ مِن ذَلِكَ (بِغَيْرِ خَطِّهِ)، ووثقْتَ بَصِحَّةِ النُّسْخَةِ، بأنْ قوبِلَتْ مَعَ ثِقَةٍ بالأصْلِ، أَوْ بفرعٍ مقابَلٍ بِهِ، كَمَا مَرَّ، (فَقُلْ: قَالَ) فُلاَنٌ كَذَا، (وَنَحْوَهَا) مِن ألفاظِ الجزمِ، كذكَرَ فُلاَنٌ. ¬

_ (¬1) الإلماع: 117. (¬2) بعد هذا في (م): ((بِهِ)). (¬3) عنى بذلك الجويني وكلامه في البرهان 1/ 416 (592). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 341. (¬5) التقريب: 120. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 193. (¬7) الإلماع: 120. (¬8) في (م): ((فإن)).

كتابة الحديث وضبطه

(وإنْ لَمْ يَحْصُلْ) إنْ قُرئ بإسكان اللامِ دخلَهُ القطعُ، أَوْ بكسرِها سلمَ مِنْهُ، لَكِنْ يَجِبُ كسرُ لامِ ((فقل))، وإسكانُ هاءِ ((خطِّهِ)) إجراءً للوصلِ مجرَى الوَقْفِ -، أي: وإنْ لَمْ يَحْصَل (بالنُّسْخَةِ الوثوقُ)، فَلا تجزمْ بِذَلِكَ، بَلْ (قُلْ: بَلَغَنيْ) عَنْ فُلاَنٍ أنَّه ذكرَ كَذَا، أَوْ وجدتُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الكِتَابِ الفلانِيِّ، وَنحوُ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقْتَضِي الجزمَ. (وَ) لَكِنْ (الجزمُ) في مثلِهِ (يُرجى حِلُّهُ للفَطِنِ) العالمِ الذي لا تَخْفَى عَلَيْهِ غَالباً مَواضِعُ الإسقاطِ، والسَّقْط، وَمَا أحيلَ عَنْ جِهَتِهِ إلى غَيْرِهَا (¬1). كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ (كتابةُ الحَدِيْثِ، وضبطُهُ) بالشَّكلِ، والنُّقَطِ، وَمَا مَعَ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتي: 559 - وَاخْتَلَفَ الِصّحَابُ وَألأَتْبَاعُ (¬2) ... فِي كِتْبَةِ (¬3) الْحَدِيْثِ، وَالإِجْمَاعُ 560 - عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَهُمْ بالْجَزْمِ ... لِقَوْلِهِ: (اكْتُبُوْا) وَكَتْبِ (السَّهْمِيْ) (واخْتلفَ الصِّحابُ) - بِكَسْرِ الصَّادِ أفصحُ، وأشْهرُ مِن فَتْحِهَا -، أي: الصَّحَابَةُ، (والأَتْباعُ) لَهُمْ (في كِتْبَةِ) - بكسرِ الكافِ - أي: كِتَابَةِ (الحَدِيْثِ)، فكرِهَهَا جَمْعٌ مِنْهُمَا، كابنِ عُمَرَ (¬4)، وابنِ مَسْعُودٍ (¬5)، وأبي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ (¬6)، ¬

_ (¬1) فتح المغيث 2/ 140. (¬2) في (ب): ((والتّبّاع))، وفي (ج‍): ((والتّباع)) وأشار إلى أن في نسخة ((الأتباع)) نسخة. (¬3) أي: في نسخ الحديث أو كتابته. (¬4) رواه عنه الخطيب في تقييد العلم: 44، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 66. قال البقاعي في النكت الوفية 274 / أ: ((إنما في كتاب ابن الصلاح عمر ولم يذكر ابنه في شيء من القسمين ولا ذكر عمر في المجيزين)) وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 342. (¬5) رواه عنه الخطيب البغدادي في التقييد: 38 - 39، وابن عبد البر في الجامع 1/ 65. (¬6) رواه عنه أبو خيثمة في كتاب العلم: 24 رقم (95)، والدارمي في سننه (456)، (457) والخطيب البغدادي في تقييد العلم: 36 - 38، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 64.

وكالشَّعْبيِّ، والنَخَعيِّ مُحْتَجِّينَ بِخَبرِ مُسْلِمٍ: عَنْ أبِيْ سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لاَ تَكْتُبُوْا عَنِّيْ شَيْئاً سِوَى القُرْآنِ، مَنْ كَتَبَ عَنِّيْ شَيْئاً سِوَى القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ)) (¬1). وَفِي رِوَايَةٍ: ((أنَّه اسْتَأْذَنَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ كَتْبِ الْحَدِيْثِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ)) (¬2). وَجَوَّزَهُ (¬3) جَمْعٌ مِنْهُمَا، كَعُمَرَ (¬4)، وابنِهِ (¬5) أَيْضَاً، وعَلِيٍّ (¬6)، وابنِهِ الْحَسَنِ (¬7) - رضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَكَقَتَادَةَ (¬8)، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزيزِ (¬9). وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمَا: ((قَيِّدُوْا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ)) (¬10). (وَ) لَكِنْ (الإجْمَاعُ) مُنْعَقِدٌ (عَلَى الْجَوازِ بَعْدَهُمْ) أي: بَعْدَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ، (بِالْجَزْمِ)، أي: مَجْزُوماً بِهِ، بحيثُ زَالَ ذَلِكَ الْخِلافُ؛ (لِقَولِهِ) - صلى الله عليه وسلم -، كَمَا في " الصَّحِيْحَيْنِ ": (((أكْتُبُوْا) لأبِيْ شَاهٍ)) (¬11). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 8/ 229 (3004)، وأخرجه أحمد 3/ 12 و21 و39 و46 و56. والدارمي (456)، والنسائي في الكبرى (8008) وفي فضائل القرآن (33) كلهم من طريق همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري بِهِ مرفوعاً. (¬2) تقييد العلم: 32 - 33. (¬3) أي: وجوّزه بالقول أو الفعل جماعة، أي: قال بعضهم: إنّه جائز وفعله بعضهم فعلمنا بفعلهم له أنه جائز؛ لأنهم كانوا لا يقدمون على غير الجائز. وعبارة ابن الصلاح وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله ... إلى آخره أفاده البقاعي 274 / ب. (¬4) رواه عنه الرامهرمزي في المحدث الفاصل: 377، والخطيب البغدادي في تقييد العلم: 88. قلنا: ورُويَ?عنه المنع من الكتابة، كما في تقييد العلم: 49 - 50 وجامع بيان العلم 1/ 64. (¬5) رواه عنه الرامهرمزي في المحدث الفاصل: 366، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 73. (¬6) رواه عنه البخاري في صحيحه 1/ 38 حديث (111)، والخطيب البغدادي في تقييد العلم: 88 - 91، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 71. (¬7) رواه عنه الخطيب البغدادي في تقييد العلم: 91، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 82. (¬8) تقييد العلم: 41 - 48، والإلماع: 147. (¬9) المصدران السابقان. (¬10) تقييد العلم: 32 - 33. (¬11) جزء من حديث طويل، أخرجه أحمد 2/ 238، والبخاري 1/ 38 - 39 (112) و 3/ 164 - 165 (2434) و 9/ 6 (6880)، ومسلم 4/ 110 - 111 (1355)، وأبو داود (2017) و (3649) و (4505) والترمذي (2667)، وابن حبان (3717)، والدارقطني 3/ 96 - 98 والبيهقي 8/ 52، وفي دلائل النبوة 5/ 84، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 91 كلهم من طريق يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

أي: الْخُطبةَ التي سَمِعَهَا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - يومَ فَتَحِ مَكَّةَ. (وكَتْبِ السَّهْمِيْ) مِن زيادتِهِ -، أي: وَلكتب عَبْدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العَاصِ السَّهميِّ، نِسْبةً لِسَهْمِ بنِ عَمْرِو بنِ هصيصٍ، كَمَا رَواهُ البُخَارِيُّ (¬1) مِن قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثاً منِّيْ إلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو، فإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أكْتُبُ)). وكَمَا (¬2) رَواهُ أَبُو داودَ (¬3) مِن قَوْلِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: ((يا رَسُوْلَ اللهِ! أكْتُبُ مَا أسْمَعُهُ مِنْكَ فِيْ الْغَضَبِ وَالرِّضَى؟ قَالَ: نَعَمْ فَإنِّيْ لاَ أقُوْلُ إلاَّ حَقَّا)). وَجَمَعُوا بَيْنَ الأدِلَّةِ، بأنَّ النَّهيَ مُتَقَدِّمٌ، والإذنَ ناسِخٌ لَهُ. وبحملِ النَّهْي عَلَى وقتِ نِزولِ القُرْآنِ خَشيةَ الْتِباسِهِ بِغَيْرِهِ. أَوْ عَلَى مَن تَمَكَّنَ مِنَ الحِفْظِ. أَوْ عَلَى مَن خَشِيَ مِنْهُ الاتِّكالَ عَلَى الكِتَابِ دُوْنَ الْحِفْظِ. أَوْ عَلَى كِتَابَةِ غَيْرِ القُرْآنِ مَعَ القُرْآنِ فِي شيءٍ واحدٍ؛ لأنَّهم كَانوا يَسْمَعُونَ تأويلَهُ فربَّما كَتَبُوهُ مَعَهُ؛ فنُهوا عَنْ ذَلِكَ خوفَ الاشتباهِ. ¬

_ (¬1) صحيح البخاريّ 1/ 39 (113). قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 199: ((وهذا الاستدلال من الزوائد على ابن الصّلاح ممّا لم أميزه من كلامه)). (¬2) في (م): ((كما)) بدون واو. (¬3) أبو داود (3646)، وأخرجه أحمد 2/ 162 و 192، وأخرجه الخطيب في تقييد العلم: 80، والمزي في تهذيب الكمال 7/ 475 من طريق الإمام أحمد بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة (26419)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم: 89 - 90، والحاكم 1/ 105 - 106. قال ابن القيم في " تهذيب مختصر سنن أبي داود " 5/ 245: ((قد صحّ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الكتابة والإذن فيها، والإذن متأخرٌ، فيكون ناسخاً لحديث النهي، فإن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال في غزاة الفتح: ((أكتبوا لأبي شاه)) يعني خطبته التي سأل أبو شاه كتابتها، وأذن لعبد الله ابن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي، لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته، وهي الصحيفة التي كان يسميها " الصادقة " ولو كان النهي عن الكتابة متأخراً لمحاها عبد الله، لأمر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بمحو ما كتب عنه غير القرآن، فلما لم يمحها وأثبتها، دلّ على أن الإذن في الكتابة متأخّر عن النهي عنها، وهذا واضح. والحمد لله)).

وحُملَ الإذنُ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ في الْجَمِيْعِ. وبالْجُملةِ: فالكِتابَةُ مَسْنونةٌ، بَلْ قَالَ شَيْخُنا: ((لا يَبْعُدُ وجوبُها عَلَى مَن خَشِيَ النِّسْيانَ مِمَّنْ يَتَعيَّنُ عَلَيْهِ تَبْليغُ العِلْم)) (¬1). 561 - وَيَنْبَغِي إِعْجَامُ مَا يُسْتَعْجَمُ ... وَشَكْلُ مَا يُشْكِلُ لاَ مَا يُفْهَمُ 562 - وَقِيْلَ: كُلِّهِ لِذِي ابْتِدَاءِ ... وَأَكَّدُوْا مُلْتَبِسَ الأَسْمَاءِ 563 - وَلْيَكُ (¬2) فِي الأَصْلِ وَفِي الْهَامِشِ مَعْ ... تَقْطِعْيِهِ الْحُرُوْفَ فَهْوَ أَنْفَعْ (وَيَنْبَغِي) نَدْباً (¬3) (إعْجَامُ) أي نقطُ (مَا يُسْتَعْجَمُ) بِتَركِ نَقْطِهِ بحيثُ يصيرُ فيهِ عُجْمَةٌ، بأن يُميِّزَ التاءَ من الياء، والحاء من الخاء. (¬4) (و) ينبغي أَيْضَاً (شَكْلُ مَا يُشكِلُ) إعرابُه، وَهيئتُهُ مِنَ الْمُتونِ، والأسْماءِ في الكتبِ، ليزولَ إشكالُه (لا مَا يُفْهَمُ) بِلا نقطٍ وشكلٍ؛ لأنَّه اشتغالٌ بِمَا غيرُهُ أولى مِنْهُ، وتعبٌ بلا فائدة. وحُكيَ عَنْ أَهْلِ العلمِ أنهم يَكْرهونَ الإعجامَ، والإعرابَ إلا في الْمُلْبسِ، وربَّما يحصلُ للكتابِ أظلامٌ. (وَقِيلَ): بَلْ يَنْبَغِي الإعْجَامُ، والشَّكْلُ لِلْمَكْتوبِ (كُلِّهِ) الْمُشْكِلِ، وغيرِهِ (¬5). وَصَوَّبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (لِذي ابْتِدَاءِ) أي: لأجلِ الْمُبْتَدِي في الفَنِّ؛ لأنَّه لا يعرفُ الْمُشْكِلَ مِنْ غيرِهِ (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): ((الإسلام)): وما أثبتناه هو الموافق لما في نسخنا وفتح الباري 1/ 204 عقب (111). (¬2) أصلها: يكون، حذفت الواو لدخول الجازم، وحذفت النون تخفيفاً فأصبحت: ليك. (¬3) قال السخاوي في فتح المغيث 2/ 147: ((استحباباً متأكداً، بل عبارة ابن خلاد وعياض تقتضي الوجوب، وبه صرح الماوردي، لكن في حق من حفظ العلم بالخط لطالب العلم لاسيما الحديث ومتعلقاته صرف الهمة لضبط ما يحصله بخطه، أو بخط غيره من مرويه وغيره من كتب العلوم النافعة ضبطاً يؤمن معه الالتباس)). وانظر: المحدث الفاصل: 608، والإلماع: 149، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 200. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 200. (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 345، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 201. (¬6) الإلماع: 150.

وَلأنهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ واضِحاً عِنْدَ قَومٍ مُشْكِلاً عِنْدَ آخرِينَ، بَلْ رُبَّمَا يظنُّ لبراعَتِهِ الْمُشْكِلَ واضِحَاً، ثُمَّ يشكِلُ عَلَيْهِ بَعْدُ. وَرُبَّما يقعُ النِّزاعُ في حُكمٍ مُسْتنبطٍ مِن حَدِيثٍ يَكُونُ مُتَوَقِّفاً عَلَى إعْرابِهِ، كحديثِ: ((ذكَاةُ الْجَنِيْنِ ذكَاةُ أمِّهِ)) (¬1). فالجمهورُ، كالشافعيةِ، والمالكيةِ (¬2)، وغيرِهما، لا يُوجِبونَ ذكاتَهُ بناءً على رفعِ ((ذكاةُ أُمِّهِ)) بالابتدائيةِ أَوْ (¬3) الْخَبريةِ، وَهُوَ الْمشهورُ في الرِّوَايَةِ. وغيرُهم كالحنفيةِ يوجبونَها بناءً عَلَى نَصْبِ ذَلِكَ عَلَى التَّشبيهِ أي: يُذكى مثلَ ذكاةِ أمِّهِ (¬4). وكحديثِ: ((لاَ نُوْرَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ)) (¬5). فالسنِّي يرفعُ (¬6) ((صدقةٌ)) بالخبريةِ؛ لأنَّ الأنبياءَ عَلَيْهِمُ الصلاةُ والسلامُ لايورثونَ. ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق (8649)، وابن أبي شيبة (36139)، وأحمد 3/ 31 و 39 و53، وأبو داود (2827)، وابن ماجه (3199)، والترمذي (1476)، وابن الجارود (900)، وأبو يعلى (992)، وابن حبان (5898)، والدارقطني 4/ 272 و 273 و 274، والبيهقي 9/ 335، والبغوي (2789) من طريق أبي الوداك، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الترمذي: ((حسن)). وله طريق آخر عند أحمد 3/ 45 من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 202. (¬3) في (م) و (ق): ((و)). (¬4) انظر في المسألة: الإلماع: 150، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 111، والنهاية 2/ 164، وفيض القدير 3/ 563، وعون المعبود 3/ 23، وبذل المجهود 13/ 68 - 69، وسبل السلام 4/ 1855 - 1856، ونيل الأوطار 8/ 145 - 146. (¬5) أخرجه عبد الرزاق (9772)، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 314، وأحمد 1/ 25 و47 و48 و49 و60 و162 و164 و179 و191 و208، والبخاري 4/ 96 (3094) و5/ 113 (4033) و7/ 81 (5358) و8/ 185 (6728) و9/ 121 (7305)، ومسلم 5/ 151 (1757) (49) و153 (1757) (50)، وأبو داود (2963) و (2964)، والترمذي (1610)، والبزار (2) و (518)، والمروزي في مسند أبي بكر (2)، والنّسائيّ 7/ 135، وأبو يعلى (2) و (3) و (4)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 5، وابن حبان (6617)، والبيهقي 6/ 297و298، والبغوي (2738). عن أبي بكر وعمر. ويروى هذا الحديث عن عائشة ومالك بن أوس بن الحدثان وأبي هريرة. (¬6) في (ص): ((يرى)).

والمعتزليُّ ينصبُها تمييزاً، ويجعلُ ((مَا تركنا)) مفعولاً ثانياً ((لنورث)) أي: لا نورثُ مَا تركناه صدقةً، بَلْ ملكاً (¬1). (و) لَكِنْ (أكَّدُوْا) أي: العُلَمَاءُ (مُلتَبِسَ) أي ضبطَ ملتبسِ (الأسْماءِ) إِذْ لا يدخُلُها قياسٌ، ولاَ قَبْلَها وَلاَ بَعْدَهَا شيءٌ يدلُّ عَلَيْهَا. (وَلْيَكُ) ضَبْطُ الشكلِ (¬2) (في الأصلِ، وفي الْهَامِشِ) قُبالتَهُ: لأنَّ الْجمعَ بَيْنَهُمَا أَبْلغُ في الإبانةِ مِنَ الاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ في الأصْلِ. ولْيَكُ مَا فِي الْهَامِشِ ثابتاً (مَعْ تَقْطِيْعِهِ) أي: الكاتبِ، (الْحُرُوفَ) مِنَ المشكلِ (¬3)، (فَهْوَ أنفعْ). وَفَائِدَةُ تَقْطيعِها أنْ يُظهِرَ شكلَ الحرفِ (¬4) بكتابتِهِ مُفْرداً في بَعضِ الحُروفِ كالنونِ، والياءِ التحتيةِ، بخلافِ مَا إذَا كُتِبَتْ مُجْتَمِعَةً، والْحَرْفُ الْمَذْكورُ في أولِها، أَوْ (¬5) وسَطِها. 564 - وَيُكْرَهُ الْخَطُّ الرَّقِيْقُ (¬6) إِلاَّ ... لِضِيْقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلاَ 565 - وَشَرُّهُ التَّعْلِيْقُ وَالْمَشْقُ، كَمَا ... شَرُّ الْقِرَاءةِ إذا مَا هَذْرَمَا (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (¬7) (الْخَطُّ الدَّقيقُ) - بالدّالِ وَفِي نسخةٍ بالراءِ - لفواتِ الانتفاعِ، أَوْ كَماله بِهِ لِمَنْ ضعُفَ نظرُهُ، وربما ضعُفَ نظرُ كاتبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَلا ينتفعُ بِهِ. ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث 2/ 149. (¬2) في (ص) و (ق): ((المشكل)). (¬3) في (م): ((من الشكل))، وفي (ق): ((مع المشكل)). (¬4) في (م): ((الحروف)). (¬5) في (ص): ((أو في)). (¬6) في النفائس و (أ): ((الدقيق)) بالدال، وما أثبتناه من (ب) و (ج‍) وشروح الألفية وهو الموافق لما يأتي، وسوف يشير المصنف إلى هذا الاختلاف. (¬7) فتح المغيث 2/ 150.

كَمَا قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ (¬1) بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، لابنِ عَمِّهِ حَنْبَلِ بنِ إسحاقَ بنِ حَنْبَلٍ (¬2) ورآهُ يكتبُ خطَّا دقيقاً: لا تفعلْ فإنَّهُ يخونُك أحوجُ مَا تَكُونُ إِليهِ. (إلاَّ) أنْ تكونَ (¬3) دِقَتُهُ (لضيقِ رَقٍّ) (¬4) -بفتح الراء-، وَهُوَ جِلدٌ رقيقٌ أبيضُ يكتبُ فِيهِ، وَمِثلُه الورقُ، وَذَلِكَ بأنْ عجزَ عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ ثمنِهِما (¬5)، (أَوْ لِرَحَّالٍ) في طَلبِ العِلْمِ، يريدُ حَمْلَ كُتُبِهِ مَعَهُ، فتكونُ خَفيفةَ الْحَمْلِ (¬6)، (فَلاَ) كَراهةَ لعذرِهِ. والقضيةُ الْمُستثناةُ مانعةُ خُلوٍّ، فتصدقُ بطرفَيْهَا، بَلْ ذَلِكَ مفهومٌ بالأولى. (وشرُّه) أي: الخط (التَّعْليقُ)، وَهُوَ خلطُ الحروفِ التي ينبغي تفرقَتُها (¬7) (والْمَشْق) - بفتح الميم - وَهُوَ سرعةُ الكِتَابَةِ (¬8) مَعَ بَعْثرةِ الحروفِ، (كَمَا) أنَّه (شرُّ القِرَاءةِ إذَا مَا) زائدةٌ (هَذْرَما) - بالمعجمةِ - أي: أسرعَ في قراءتهِ (¬9). فعن عُمَرَ - رضي الله عنه - أنهُ قَالَ: شرُّ الكِتَابَةِ الْمَشقُ، وشرُّ القِرَاءةِ الْهَذْرَمَةُ، وأجودُ الخطِّ أبْينُهُ (¬10). 566 - وَيُنْقَطُ الْمُهْمَلُ لاَ الْحَا أَسْفَلاَ ... أَوْ كَتْبُ ذَاكَ الْحَرْفِ تَحْتُ مَثَلاَ 567 - أَوْ فَوْقَهُ قُلاَمَةً، أَقْوَالُ ... وَالْبَعْضُ نَقْطَ الِسّيْنِ صَفّاً قالَوْا 568 - وَبَعْضُهُمْ يَخُطُّ فَوْقَ الْمُهْمَلِ ... وَبَعْضُهُمْ كَالْهَمْزِ تَحْتَ يَجْعَلِ ¬

_ (¬1) الجامع لأخلاق الرَّاوِي 1/ 261 (537)، وانظر: أدب الإملاء والاستملاء: 167. (¬2) ((بن حنبل)): سقط من (م). (¬3) في (م): ((تكونه)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 205، والنكت الوفية 281/ب. (¬5) انظر: فتح المغيث 2/ 151. (¬6) المصدر السابق. (¬7) انظر: فتح المغيث 2/ 151. (¬8) الصحاح 4/ 1555 مادة (مشق). (¬9) الصحاح 5/ 2057 مادة (هذرم). (¬10) أسنده الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 262 (541)، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 347، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 205.

(وَيُنْقَطُ) الْحَرْفُ (الْمُهْمَلُ)، كَالدَّالِ والرَّاءِ (لا الْحَا (¬1)) - بالقصر - بِمَا فَوْقَ الْحرفِ المعجمِ المشاكلِ لَهُ (أسفلا) أي: أسفلَ المهمَلِ. وإنَّما لَمْ ينقطِ الْحاءُ كَذلِكَ، لئلا تلتبسَ بالْجيمِ. وَلَمْ يُصَرِّحِ ابنُ الصَّلاحِ، كالقاضِي عياضٍ (¬2) باستثنائِهما، للعلمِ بِهَا مِن علَّةِ ذَلِكَ، وَهِيَ التَّمييزُ. وَلَيْسَ هَذَا الضَّبطُ مُتَّفَقاً عَلَيْهِ بينَهُم، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَسْلُكُهُ، ومنهم من يَسْلُكُ غيرَهُ، كَمَا ذكرَهُ بقولِهِ: (أَوْ) علامتُهُ (كَتْبُ ذاكَ الْحَرفِ) الْمُهْمَلِ (تَحْتُ) أي: تَحْتَهُ (مَثَلا) بِفَتْحَتَيْنِ لغةً في ((مِثْل)) بِكَسْرِ أوَّلِهِ، وإسكانِ ثانيهِ -، أي: كتبُ مثلِ ذَلِكَ الحرفِ، لَكِنَّ الأَنْسَبَ كونُهُ أصغرَ مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذا عَمَلُ بعضِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، والأندلُس (¬3). (أَوْ) يَكْتُبُ (فَوقَهُ قُلاَمةً) أي: صُورةَ هِلالٍ، كقُلامةِ الظُّفْرِ، مُضْطَجِعةٍ عَلَى قَفَاهَا (¬4)، لتكونَ (¬5) فرجتها (¬6) إلى فَوْق. (أقوالُ) ثلاثةٌ شائعةٌ معروفةٌ (¬7)، وَهِيَ مَعَ مَا يأتِي خَمْسَةُ أقوالٍ، أَوْ ستةٌ، كَمَا سَتَراهُ، وقضيةٌ أولُها أنْ تَكُونَ (¬8) هيئةُ النَقْطِ مِن تحتُ كهيئتِهِ من فوقُ حَتَّى يَكُونَ مَا تحتَ السِّينِ الْمُهْمَلةِ كالأثافيِّ، وَعَلَيْهِ فالأنسبُ أنْ تَكُونَ النُّقْطةُ الثَّالثةُ تَحْتَ النُّقْطَتينِ الأُخرَيَيْنِ (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): ((الحاء)) بإثبات الهمزة، ولم يفهم مراد الشارح. (¬2) الإلماع: 157. (¬3) الإلماع: 157. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 348، وشرح التبصرة والتذكرة2/ 208، وفتح المغيث2/ 154. (¬5) في (ص): ((ليكون)). (¬6) في (م): ((فوهتها)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 348. (¬8) في (م): ((يَكُوْن)). (¬9) فتح المغيث 2/ 154 - 155.

(والبَعْضُ) مِمَّنْ سَلَكَ النقطَ، (نَقْطَ السِّينَ) يَكون (صَفَّاً) تَحتَها، (قالوا): وإنما قالوا ذَلِكَ لئلا يزدحمَ (¬1) بَعْضُ النَّقطِ بالسَّطْرِ الَّذِي يليه فيظلم، وربما يلبسُ (¬2). (وبعضُهم يخطُّ فوقَ الْمُهْمَلِ) خطّاً صغيراَ (¬3). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: وَذلِكَ مَوجودٌ في كثيرٍ مِنَ الكُتُبِ القَدِيْمَةِ (¬4)، ولا يفطنُ لَهُ كَثيرونَ (¬5). أي: لِخَفَائِهِ، وَعَدمِ شُيوعِهِ حَتَّى تَوهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فتحةً، فقرأ ((رَضوان)) - بفتحِ الرَّاءِ -، وَهِيَ لَيْسَتْ إلاّ عَلاَمَةُ الإِهْمَالِ. (وَبَعْضُهُم كَالْهَمْزِ تَحْتُ) أي: تَحْتَ المهملِ (يَجْعَلِ). نقله ابنُ الصَّلاَحِ (¬6) عَنْ بعضِ الكُتُبِ القَدِيْمَةِ، ونقلَهُ القاضِي عِياضٌ (¬7) عَنْ بَعْضِهِم مَعَ نَقْلِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أيْضاً، أَنَّه يَجْعَلُها فوقَ الْمُهمَلِ، وعبَّر عَنْهَا بالنَّبْرَةِ. وَيَكْتُبُ فِي بَطْنِ الكَافِ الْمُعَلَّقةِ كَافاً صَغِيْرَةً أوْ هَمْزةً، وَفي بَطْنِ الّلامِ لاماً هَكذا: ((لا)) صورة. 569 - وَإِنْ أَتَى بِرَمْزِ رَاوٍ مَيَّزَا ... مُرَادَهُ وَاخْتِيْرَ أَنْ لاَ يَرْمِزَا 570 - وَتَنْبَغِي الدَّارَةُ فَصْلاً وَارْتَضَى ... إِغْفَالَهَا (الْخَطِيْبُ) حَتَّى يُعْرَضَا 571 - وَكَرِهُوْا فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللهْ ... مِنْهُ بِسَطْرٍ إِنْ يُنَافِ مَا تَلاَهْ (وإنْ أَتَى) راوٍ في كِتَابٍ سَمِعَهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بيانُهُ (بِرَمْزِ راوٍ) بِبَعْضِ حُروفِ اسْمِهِ (مَيّزَا مُرادَهُ) بتلكَ الرُمُوزِ في أوَّلِ الكِتَابِ، أوْ آخِرِهِ. ¬

_ (¬1) في (م): ((يزدهم)). (¬2) في (م): ((يلتبس))، وانظر: فتح المغيث 2/ 155. (¬3) انظر: فتح المغيث 2/ 155. (¬4) في (ص): ((المتقدمة)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 348. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 348. (¬7) الإلماع: 157.

كأن رَوَى البُخَارِيَّ راوٍ من روايةِ الفَرَبْرِي، وإبْرَاهِيْمَ بنِ معقلِ النَّسَفيِّ. وحَمّادِ ابنِ شاكرٍ النَّسَويِّ، فيَجْعَلُ راويَهِ في كتابِهِ للفَرَبْري: ((ف))، وللنَّسفيِّ: ((س))، وَلِحَمّادٍ: ((ح)) (¬1). وَهَذا لاَ بَأسَ بِهِ، كَمَا قالَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬2). (و) مع ذَلِكَ (اخْتِيْرَ أَنْ لاَ يَرْمِزَا) أي: الأولى أنْ يَجْتَنبَ الرَّمْزَ، ويكتبَ عِنْدَ كُلِّ رِوَايَةٍ اسمَ راويهِ، بكمالِهِ؛ لأنَّ تَمْيِيْزَ الرَّمْزِ، إمَّا في أوَّلِ الكِتَابِ، أَوْ آخرِهِ، وقد تَسْقُطُ الورَقَةُ الّتي هُوَ فِيْهَا، فيوقعُ في الحيرةِ، فإنْ أخلَى كتابَهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كرِهَ له لما يُوقعُ فِيْهِ غيرَهُ مِنَ الْحَيْرَةِ فِي فَهْمِ مرادِهِ (¬3). (وَتَنْبَغِي) نَدْباً في إتْمَامِ الضَّبْطِ (الدَّارةُ) (¬4)، وَهِيَ حَلْقَةٌ (فَصْلاً)، أي: لِلْفَصْلِ بِها، لِلتَّمييزِ بَيْنَ الْحَدِيْثَيْنِ، فقد يَدْخُلُ عَجِزُ الأوَّلِ في صدرِ الثَّانِي أَوْ بالعَكْسِ فِيْمَا إِذَا تجرَّدتِ الْمُتونُ عَنْ أسانِيدِهَا. وَمِنْهُم مَنْ لاَ يَقْتَصِرُ عَلَى الدارةِ، بَلْ يَتْركُ بقِيَّةَ السَّطرِ بَياضاً. وَكذا يفعلُ في التراجِمِ، ورُؤوسِ المسائِلِ. (وارْتَضَى) ندباً (إغْفَالَها) أي: تركَهَا مِنَ النقطِ، بِحَيْثُ يَكُونُ غُفْلاً لا أثرَ بِهَا الْحَافِظُ (الْخَطِيبُ، حَتَّى) أي: إلى أَنْ (يُعْرَضَا) أي: يقابلَ كتابُهُ بالأصلِ، أَوْ نحوِهِ (¬5). وَحِينئِذٍ فَكُلُّ حَدِيثٍ فَرغَ مِن عرضِهِ يَنقُطُ في الدائِرةِ الَّتِي تليهِ نقطةً، أَوْ يخطُّ في وسطِهَا خطّاً، لئلا يَشُكَّ بعدُ هل عارَضَهُ أَوْ لاَ؟ ولِيَعْرِفَ بِهِ كَمْ عَارَضَهُ مَرّةً حِيْنَ يُخَالِفُهُ فِيْهِ غَيْرُهُ (¬6). ¬

_ (¬1) فتح المغيث 2/ 156. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 349. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 210. (¬4) الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 272 قبيل (570)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 349، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 210. (¬5) الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 273. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 210 - 211.

قَالَ الْخَطِيبُ: ((وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ لاَ يُعْتَدُّ مِن سَمَاعِهِ إلا بِمَا كَانَ كَذَلِكَ، أَوْ في مَعْنَاهُ)) (¬1). (وَكَرِهُوْا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ في الكِتَابَةِ (فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللهْ مِنْهُ) كَعَبْدِ اللهِ، أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ فُلاَنٍ، أَوْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَلاَ يكتبُ ((عَبْدَ))، أَوْ ((رَسُوْلَ)) في آخرِ سَطْرٍ، و ((اللهِ))، أَو ((الرَّحْمَانِ))، مَعَ مَا بَعْدَهُ (ب) ‍أوَّلِ (سَطْرٍ) آخرٍ، احتِرَازاً مِن قُبْحِ الصُّورَةِ (¬2)، وَهَذِهِ الكراهةُ للتَّنْزِيهِ. وَقَوْلُ الْخَطيبِ: ((يَجِبُ اجتنابُ ذَلِكَ)) (¬3) حَمَلَهُ شَيْخُنا عَلَى التأكيدِ لِلْمَنْعِ. وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ - كَمَا قَالَ النّاظِمُ (¬4) - أَسْماءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأَسْماءُ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم -، كقولِهِ: ((سَابُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَافِرٌ)) (¬5)، وقولِهِ: ((قَاتِلُ ابْنِ صَفِيَّةَ -يعني الزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ- فِيْ النَّارِ)) (¬6). فلا يكتُبْ ((سابُّ))، أَوْ ((قاتِلُ)) في آخرِ سطرٍ، وما بعدَهُ في أوّلِ آخر. بَلْ ولا اخْتِصاصَ لِلكَرَاهَةِ بِالفَصْلِ بَيْنَ الْمُتضايفَيْنِ فَغَيْرهُما مِمَّا يُسْتَقْبَحُ فِيْهِ الْفَصْلُ كَذَلِكَ. كقولِهِ في شَارِبِ الْخَمْرِ الذِي أُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ ثَمِلٌ، فَقَالَ عُمَرُ (¬7): ((أخْزَاهُ اللهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ)) (¬8). ¬

_ (¬1) الجامع 1/ 273 (571). (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 349، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 211. (¬3) الجامع 1/ 268 عقب (559). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 212. (¬5) هذا ليس حديثا وإنما هو قول عابر، وانظر المسألة في الموسوعة الفقهية 24/ 136. (¬6) أخرجه ابن سعد 3/ 105، والإمام أحمد 1/ 89 و 102 و 103، والترمذي (3745)، الطبراني (243) والحاكم 3/ 367، ومن قول علي بلفظ: ((بشّر قاتل ابن صفية بالنار سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: لكل نبي حواري وحواريي الزبير)). (¬7) في (ص): ((عمرو)). (¬8) في صحيح البخاريّ 8/ 197 (6780) من حديث عمر بن الخطاب وفيه ((قال رجل)) بالإبهام، وليس فيه التصريح أن القائل هو عمر بن الخطاب. وقال ابن حجر في الفتح 2/ 77: ((لم أر هذا الرجل المسمى ... ثم رايته مسمى في رواية الواقدي فعنده: فقال عمر)) ثم ليس في الحديث لفظة: ((ثمل)).

فلا يكتُبْ ((فَقَالَ)) في آخر سطرٍ، وما بعده (¬1) في أوَّلِ آخر. هَذَا (إنْ يُنافِ) بِالْفَصْلِ (مَا تَلاهْ)، كَمَا في الأمْثِلَةِ الْمَذْكُورةِ، فإنْ لَمْ ينافِهِ - كأَنْ يَكُوْنَ اسمُ اللهِ مَثَلاً آخرَ الكِتَابِ، أَوْ الحَدِيْثِ، أَوْ يَكُوْنَ ما بعدَهُ مَا يلائِمُه نَحْوَ قَوْلِهِ في آخرِ البُخَارِيِّ: ((سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ)) (¬2) - فَلاَ كَراهَةَ فِي الفَصْلِ بَيْنَهُمَا. وَمَعَ ذَلِكَ فَجَمْعُهُمَا أَوْلَى، بَلْ (¬3) صَرَّحَ بَعْضُهُم بِالكَرَاهَةِ فِي فَصْلِ نَحوِ: ((أَحَدَ عَشَر))، لكونهما (¬4) بِمَنْزِلَةِ اسمٍ واحدٍ، وَكَرِهوا جعلَ الكلمةِ في آخِرِ سَطرٍ، وبَعْضَهَا في أوَّلِ آخر. 572 - وَاكْتُبْ ثَنَاءَ (اللهِ) وَالتَّسْلِيْمَا ... مَعَ الصَّلاَةِ للِنَّبِيْ تَعْظِيْمَا 573 - وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ فِي الأَصْلِ وَقَدْ ... خُوْلِفَ فِي سَقْطِ الصَّلاَةِ (أَحْمَدْ) 574 - وَعَلَّهُ (¬5) قَيَّدَ (¬6) بِالرِّوَايَهْ ... مَعْ نُطْقِهِ، كَمَا رَوَوْا حِكَايَهْ 575 - وَالْعَنْبَرِيْ وَابْنُ الْمَدِيْنِيْ بَيَّضَا ... لَهَا لإِعْجَالٍ وَعَادَا عَوَّضَا (¬7) 576 - وَاجْتَنِبِ الرَّمْزَ لَهَا وَالْحَذْفَا ... مِنْهَا صَلاَةً أَوْ سَلاَماً تُكْفَى (¬8) ¬

_ (¬1) في (م): ((بعد)). (¬2) صحيح البخاري 9/ 199 (7563)، وهو آخر حديث في الصحيح، رواه عن شيخه محمد بن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)). (¬3) في (ص): ((ثم)). (¬4) في (ق) و (ص): ((لكونها)). (¬5) هي لغة في: ((لعلّ)). انظر: الصحاح 5/ 1774 (علل). (¬6) يجوز في ضبط (قيّد) البناء للمعلوم والمجهول كما أشار إليه البقاعي. انظر توجيه ذلك في النكت الوفية 284/أ. (¬7) قال البقاعي: ((أي: ورجعا إلى التعويض، أي: ورجعا بعد انقضاء سبب العجلة إلى التدارك فكتبا عوض الذي حذفاه وفوّتاه في ذلك الوقت)). النكت الوفية 284/ب. (¬8) تكفى: أي: همّك، وهذا إشارة إلى حديث أخرجه عبد بن حميد (170)، والترمذي (2457)، والحاكم 2/ 421، وحسّنه الترمذي.

(واكتُبْ) أَنْتَ نَدْباً (ثنَاءَ اللهِ) تَعَالَى، كُلّمَا (¬1) مَرَّ لَكَ ذكْرُهُ، كعزَّ وجلَّ، وَتَبَارَكَ وتَعَالَى (¬2). (وَ) اكتبْ كَذَلِكَ (التَّسْلِيمَا مَعَ الصَّلاةِ لِلنَّبِيْ) - بإسْكانِ الياءِ - صلى الله عليه وسلم -، كُلَّمَا مَرَّ لَكَ ذِكْرُهُ (تَعْظِيْما)، وإجْلالاً لَهُمَا. (وإنْ يَكُنْ) كُلُّ مِنَ الثَّلاثَةِ (أُسْقِطَ في الأَصْلِ) أي: أَصْلِ سَمَاعِهِ، أَوْ سَماعِ الشَّيخِ، فَلاَ تَتَقَيَّدْ بإسقاطِ شَيْءٍ مِنْهَا (¬3)، بَلْ تَلفَّظْ بِهِ، وَاكتُبْهُ، لأنَّهُ ثناءٌ ودعاءٌ تثبتُه، لاَ كلامٌ تَرْويهِ، ولاَ تسأَمْ مِن تكريرِهِ عِنْدَ تكرُّرِهِ، فأجْرُهُ عَظيمٌ. فَقَدْ قَالَ ابنُ حِبَّانَ في "صَحيحِهِ" (¬4) في قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أوْلَى النَّاسِ بِيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً)) (¬5): إنَّهم أهلُ الحَدِيْثِ (¬6)، لأنَّهم أَكْثَرُ صَلاةً عَلَيْهِ مِنْ غَيرهم (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص) و (ع): ((كما)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 213. (¬3) في (م): ((منهما)). (¬4) صحيح ابن حبان (الإحسان (908)). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة (31778)، والبخاري في تاريخه 5/ 177 (559)، والترمذي (484)، والبزار (1446)، وأبو يعلى (5011)، والطبراني في الكبير10/ 17 - 18 (9800)، وابن عدي في الكامل 6/ 2342 طبعة دار الفكر، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (63)، والبغوي (686)، من طريق موسى بن يعقوب الزمعي، عن عبد الله بن كيسان، أن عبد الله بن شداد أخبره، عن عبد الله بن مسعود، به، مرفوعاً. وفي بَعْض طرقه: عبد الله بن شداد، عن أبيه، عن ابن مسعود، به. قلنا: هذا سند ضعيف؛ لضعف موسى بن يعقوب الزمعي وجهالة شيخه عَبْد الله بن كيسان. وفيه اضطراب كَمَا أشار إليه البزار عقب (1446) قَالَ الحَافِظ ابن حجر في الفتح 11/ 167: وللحديث شاهد من حَدِيْث أبي أمامة بلفظ: ((صلاة أمتي تعرض عليّ كُلّ جمعة فمن كَانَ أكثرهم عَلِيّ صلاة كَانَ أقربهم مني منزلة)). أخرجه البَيْهَقِيّ 3/ 249 ولا بأس بسنده. وفي بَعْض طرقه: عَبْد الله بن شداد، عَنْ أبِيْهِ، عَنْ ابن مسعود، بِهِ. قلنا: وهذا الشاهد لا يصلح؛ للإنقطاع الذي فيه كما ذكره المنذري في الترغيب 2/ 503؛ فهو من رواية مكحول عن أبي أمامه، ولم يسمع منه. (¬6) انظر: النكت الوفية 285/أ. (¬7) صحيح ابن حبان (الإحسان) 2/ 133 عقب (908).

(وَقَدْ خُوْلِفَ فِي سَقْطِ)، بمعنى: سُقوطِ (¬1) (الصَّلاةِ)، والسَّلامِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الإمامُ (أَحْمَدْ)، فإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ كَثِيْراً اسمَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2) بِدونِ ذَلِكَ مِن جَمَاعَةٍ كَالعنبريِّ، وابنِ المدينيِّ، كَمَا سَيأتِي (¬3). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬4): (وَعَلَّهُ) أي: وَلعلَّ الإمَامَ أَحْمَدَ (قَيَّدَ) أي: تقيَّدَ في إسقاطِهِما (بِالرِّوَايَهْ)، لالتِزامِهِ اتّبَاعَها، فَلَمْ يَزِدْ فِيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا تورُّعاً، كمذهبِهِ في عَدَمِ إبدالِ ((النَّبِيِّ)) بـ ((الرَّسُوْلِ))، وإنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَعْنَى، لَكنْ (مَعْ نَطْقِهِ) بِهِمَا إِذَا قَرَأَ، أَوْ كتبَ (كَمَا رَوَوْا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ ذَلِكَ عَنْهُ، (حَكَايَهْ) لَمْ يَتَّصِلْ إسْنادُها. فَقَدْ قَالَ الْخَطيبُ: ((وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - نُطْقاً)) (¬5). وَجَرى عَلَى التَّقيُّدِ بالرِّوايَةِ ابنُ دقيقِ العِيدِ (¬6) أَيْضاً، وَقَالَ: ((إِذَا ذكرَ الصَّلاَةَ لَفْظاً مِن غَيرِ أَنْ تَكُوْنَ في الأَصْلِ، فينبغي أَنْ يصْحبَها قرينةٌ تدلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَكونِهِ يَرْفَعُ رأْسَهُ عَن النَّظرِ في الكِتَابِ، وينوِي بِقَلْبِهِ أنَّه هُوَ الْمُصَلِّي، لا حَاكياً عَن غَيرِهِ)). وَعَلَيْهِ فَمَنْ كَتَبَها، وَلَمْ تَكُنْ في الرِّوَايَةِ نبَّه عَلَى ذَلِكَ أَيْضاً برمزٍ، أَوْ غيرِهِ، كَمَا جَرى عَلَيْهِ بالرَّمْزِ الحافظُ أَبُو الْحُسَيْن اليُوْنِيْنِيُّ في نُسْخَتِهِ الَّتِي جَمَعَ فِيْهَا بَيْنَ الرِّواياتِ الّتِي وَقَعَتْ لَهُ (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): ((السقوط)). (¬2) الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 271 عقب (566). قال الزركشي 3/ 579: ((ويدل على ذلك أنه كان لا يرى تبديل لفظ النبي بالرسول في الرّواية، وإن لم يختلف المعنى)). (¬3) الجامع 1/ 272 عقب (568). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 350. (¬5) الجامع لأخلاق الرّاوي1/ 271عقب (566): قال البلقيني في المحاسن: 308: ((لا يقال: لعل سببه أن كان يكتب عجلاً لأمرٍ اعتاده، فيترك ذلك للعجلة لا للتقييد بالرواية وشبهها؛ لأنا نقول: ترك مثل هذا الثواب بسبب الاستعجال، لا ينبغي أن ينسب للعلماء الجبال)). (¬6) الاقتراح: 292. (¬7) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 209 - 210.

(وَ) عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ (الْعَنْبَرِيْ) - بالإسْكانِ لما مَرَّ - نسبةً لبني العَنْبرِ بنِ عَمْرِو بنِ تميمٍ، (و) عليُّ (ابنُ المدينيْ) - بالإسكان لما مَرَّ - نسبةً لِلْمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ (بَيَّضَا) في كتابتِهما (¬1) (لَهَا) أي: لِلصَّلاةِ أحياناً (لإعْجَالٍ) أي: لِلْعَجَلَةِ، (وَعَادا) بعدُ (عَوَّضَا) بكتابةِ مَا تَركاهُ (¬2) لِلْعَجَلَةِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سِنانٍ: سَمِعْتَهُمَا يقولانِ: ((مَا تركنا الصَّلاَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في كُلِّ حَدِيْثٍ سَمِعْناهُ وربَّمَا عجلنا فنبيض الكتابَ في كُلِّ حَدِيْثٍ حَتَّى نرجعَ إِلَيْهِ)) (¬3). وَتُسنُّ الصَّلاَةُ نَطْقاً وكِتَابَةً عَلَى سَائِرِ الأنْبِياءِ، والملائِكَةِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ إجماعِ مَنْ يُعتدُّ بِهِ. قَالَ: ((وَيُسَنُّ التَّرضِّي، والترحُّم عَلَى الصَّحَابَةِ، والتَّابعِينَ، وَسَائِرِ الأخيارِ)) (¬4). (واجتنبِ) أَنْتَ (الرَّمْزَ لَهَا) أي للصَّلاَةِ مَعَ السَّلامِ في خَطِّكَ، كأن تَقْتَصِرَ مِنْهَا عَلَى حَرْفَينِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أبناءُ العَجَمِ، وعوَامُّ الطَّلبةِ، فيكتبونَ بدلَها ((صم))، أَوْ ((صلعم)) فذلِكَ خلافُ الأولى. بَلْ قَالَ الناظمُ: إنَّهُ مَكْرُوْهٌ (¬5). ويقالُ: إنَّ من رمزَ لَهَا بـ ((صلعم)) قُطِعَتْ يَدُهُ. (و) اجتنبْ أَيْضاً (الْحَذْفا) لِشيءٍ (مِنْهَا) أي: من صِيَغِ التعظيمِ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - (صلاةً، أَوْ سلاماً) أي: حَذْفَ أحَدِهِما (تُكْفَى) مَا أهمَّكَ مِن أمرِ دينِكَ، كَمَا ثبتَ في الْخَبَرِ (¬6)، والاقتِصَارُ عَلَى أَحدِهِمَا مكروهٌ، كَمَا قَالَهُ النَّوويُّ (¬7). ¬

_ (¬1) في (ق) و (ع): ((كتابيهما)). (¬2) في (ص): ((تركناه)). (¬3) الجامع 1/ 272 (568). (¬4) الإرشاد 1/ 434، والتقريب: 125. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 216، وانظر: فتح المغيث 2/ 162 - 163. (¬6) وهو حديث أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - مرفوعاً في سؤاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، عما يجعله له من الصَّلاَة عليه، وفي نهايته: ((إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك)). أخرجه أحمد 5/ 136، وعبد بن حميد (170)، والترمذي (2457) وقال: ((حسن)) والحاكم في المستدرك 2/ 421 و 513، وأبو نعيم في الحلية 1/ 256 و 8/ 377. (¬7) التقريب: 125.

المقابلة

وَقَالَ حَمزةُ الكنانيُّ: كُنْتُ أكْتُبُ عِنْدَ ذكرِ النَّبِيِّ: ((صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ))، ولا أكتُبُ: ((وَسَلَّمَ))، فرأيتُهُ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَنامِ، فَقَالَ لِي: مَالكَ لا تُتِمُّ الصَّلاَةَ عَلَيَّ؟ فَمَا كتبتُ بعدُ ذَلِكَ: ((صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ))، إلاّ وَكَتَبْتُ: ((وَسَلَّمَ)) (¬1). الْمُقَابَلَةُ (المقابلةُ) وما مَعَهَا مِمَّا يأتِي، ويقالُ لَهَا: الْمُعارضَةُ، يُقالُ: ((قابلْتُ الكِتَابَ بالكتابِ، وعارضتُهُ بِهِ)) إِذَا جعلتُ فِيْهِ مثلَ ما في المقابَلِ بِهِ (¬2). 577 - ثُمَّ عَلَيْهِ الْعَرْضُ بِالأَصْلِ وَلَوْ ... إِجَازَةً أَوْ (¬3) أَصْلِ أَصْلِ الشَّيْخِ أَوْ 578 - فَرْعٍ مُقَابَلٍ، وَخَيْرُ الْعَرْضِ مَعْ ... أُسْتَاذِهِ بِنَفْسِهِ إِذْ يَسْمَعْ 579 - وَقِيْلَ: بَلْ مَعْ نَفْسِهِ وَاشْتَرَطَا ... بَعْضُهُمُ (¬4) هَذَا، وَفِيْهِ غُلِّطَا 580 - وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ حِيْنَ يَطْلُبُ ... فِي نُسْخَةٍ وَقالَ (يَحْيَى): يَجِبُ 581 - وَجَوَّزَ الأُسْتَاذُ أَنْ يَرْوِيَ مِنْ ... غَيْرِ مُقَابَلٍ وَ (لِلْخَطِيْبِ) إِنْ 582 - بَيَّنَ وَالنَّسْخُ مِنَ اصْلٍ (¬5) وَلْيُزَدْ ... صِحَّةُ نَقْلِ نَاسِخٍ فَالشَّيْخُ (¬6) قَدْ 583 - شَرَطَهُ ثُمَّ اعْتَبِرْ مَا ذُكِرَا ... فِي أَصْلِ الاصْلِ (¬7) لاَتَكُنْ مُهَوِّرَا ¬

_ (¬1) أسنده إليه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 351، والذهبي في السير 16/ 180، وقد عقب البقاعي على هذا المنام فقال: ((غير مرضيّ، فإن المنامات لا تصلح أن تكون أدلة لحكم شرعي)). النكت الوفية 287/ب. (¬2) انظر: فتح المغيث 2/ 164، ونكت الزركشي 3/ 582. (¬3) في النفائس: ((كان إجازة أو ... )) ولا يستقيم الوزن به. (¬4) بضم الميم؛ لضرورة الوزن. (¬5) بوصل همزة (أصل)؛ لضرورة الوزن، وتحركت نون (من) للقاء ساكن. (¬6) في (ب): ((والشيخ)). (¬7) بوصل همزة (الأصل) لضرورة الوزن، وقد تحركت اللام فيها لالتقاء الساكنين.

(ثُمَّ) بَعْدَ تَحْصِيلِ الطَّالِبِ مرويَّهُ بخطِّهِ، أَوْ بخطِّ غيرِهِ (عَلَيْهِ) وُجُوباً (العَرْضُ) لكتابِهِ عَرْضاً مَوثوقاً بِهِ، إمَّا (بَالأصْلِ) أي: أصْلِ شَيْخِهِ الّذِي أَخَذَهُ هُوَ عَنْهُ، (وَلَوْ) كَانَ أخذَهُ (إجازةً)، كَمَا لَوْ كَانَ سَمَاعاً. (أَوْ) بـ (أصلِ أصلِ الشَّيْخِ) الْمُقابَل بِهِ أصلَ الشَّيْخِ، (أَوْ) بـ (فرعٍ مُقابلٍ) بالأصْلِ، أَوْ بفرعٍ آخرَ مقابَلٍ بِهِ، وإنْ كثر العددُ بَيْنَهُمَا، لِحصولِ الْمَطْلوبِ. سَوَاءٌ أعارضَ مَعَ نَفْسِهِ، أمْ عارضَ هُوَ أَوْ ثقةٌ يَقِظٌ غيره مع شيخِهِ، أَوْ ثقةٌ يقظٌ غيره، وقعَ حالَ السَّمَاعِ أم لا. (و) لَكنْ (خيرُ العرضِ) مَا كَانَ (مَعْ أستاذِهِ) أي: شيخِهِ، بأنْ يعرضَ كتابَهُ بكتابِهِ (بِنَفْسِهِ) مَعَهُ، (إِذْ) أي: حِيْنَ (يَسْمَعْ) مِنْهُ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ يَقْرأُ لِما فِي ذَلِكَ مِنَ الاحتياطِ التّامِّ. وَقَالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((الأولى العرضُ قَبْلَ السَّمَاعِ؛ لأنَّه أَيْسرُ لِلسَّمَاعِ)) (¬1). (وَقِيْلَ):، أي: وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ الْجَارُوْدِيُّ (¬2): (بَلْ) خيرُ العَرْضِ مَا كَانَ (مَعْ نَفْسِهِ)؛ لأنَّه حينئذٍ عَلَى يقينٍ مِن مُطابقةِ الْكِتابَينِ (¬3). (وَ) لِهذا (اشْتَرَطَا بعضُهُمُ هَذَا) فجزمَ بعدمِ صِحَّةِ عَرْضِهِ مَعَ غَيْرِهِ، (وَفِيْهِ) أي: اشْتِراطِ ذَلِكَ (غُلِّطَا) قَائِلُهُ؛ فَقَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: إنَّه مَتْروكٌ، والأوَّلُ أولى (¬4). وَ ((فِيْهِ)) مُتَعَلقٌ بـ ((غَلَطَ)). (وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ) ندباً (حِيْنَ يَطْلُبُ) أي: يَسْمَعُ (فِي نُسْخَةٍ) لَهُ، أَوْ لِمَنْ حَضَرَ، فَهُوَ جديرٌ بأنْ يفهَمَ مَعَهُ مَا يسمعُ. ¬

_ (¬1) الاقتراح: 293. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 353. (¬3) وهذا يختلف من حال شخص إلى آخر، فمن كان من عادته ألا يسهو عند نظره في الأصل والفرع فهذا يقابل بنفسه، ومن كان من عادته أن يسهو عند نظره فمقابلته مع الغير أولى. انظر: الاقتراح: 296 - 297، ونكت الزركشي 3/ 583. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 354.

(وَقَالَ يَحْيَى) بنُ مَعِيْنٍ: بَلْ (يَجِبُ) النَّظرُ فِيْهَا. فَقَدْ سُئِلَ عمَّنْ لَمْ يَنْظُرْ في الْكِتَابِ، والْمُحدّثُ يقرأُ: أَيجوزُ لَهُ أنْ يحدِّثَ بِذَلِكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: ((أما عِندي فَلاَ، وَلَكِنْ عامةُ الشّيوخِ هَكَذَا سَماعُهم)) (¬1). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وهذا مِن مَذاهبِ الْمُتَشَدِّدِينَ في الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيْحُ: عدمُ اشتراطِهِ، وصِحةُ السَّمَاعِ، وَلَوْ لَمْ ينظرْ أصْلاً في الكِتَابِ حالةَ القراءةِ)) (¬2). ثُمَّ ما مَرَّ مِن أنَّه يُشْترطُ في صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الْمُقابلةُ، هُوَ مَا اعتمدَهُ كَثِيْرٌ، مِنْهُمْ: القاضِي عِيَاضٌ حَيْثُ قَالَ: ((لا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ مِن كِتَابٍ لَمْ يُقابَلْ؛ لأنَّ الْفِكْرَ يَذْهَبُ، والقلبَ يَسْهُو، والبصَرَ يزيغُ، والقلمَ يَطغَى)) (¬3). (وَجَوَّزَ الأسْتَاذُ) أَبُو إسْحَاقَ الإسفرايينِيُّ (¬4) (أنْ يَرْوِيَ) الرَّاوِي (مِنْ) كتابٍ (غَيْرِ مقابَلٍ، و) عزا الْجَوازَ أَيْضاً (للخَطيبِ) (¬5)، لَكِنْ (إنْ بيَّنَ) عِنْدَ الرِّوَايَةِ أنَّهُ لَمْ يُقابِل، (و) كَانَ (النَّسْخُ) لِذَلِكَ الكِتَاب (مِنَ اصلٍ) معتمَدٍ بدرجِ الْهَمْزةِ. وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مُقْتَصِرينَ عَلَى الشَّرْطِ الأوَّلِ. (ولْيُزَدْ) شَرْطٌ ثَالِثٌ هُوَ: (صِحَّةُ نَقْلِ ناسِخٍ) لِذَلِكَ الكِتاب، بأنْ لا يَكُوْنَ سَقيمَ النَّقْلِ كَثِيْرَ السَّقْطِ، (فَالشَّيخُ) ابنُ الصلاحِ (قَدْ شَرَطَهُ) أي مَا ذكرَ مِن صِحّةِ النَّقْلِ (¬6). (ثُمَّ اعْتبِرْ) أَنْتَ (مَا ذُكِرا) مِنَ الشُّروطِ (فِي أصْلِ الاصلِ) - بدرجِ الهمزة - كَمَا اعتبرتَها في أصلِ شيخِكَ. و (لا تَكُنْ) أَنْتَ بِقلّةِ مُبالاتِكَ بِعَدمِ الضَّبْطِ، والإتقان (مُهوِّرا)، كمَنْ إِذَا رأى سَمَاعَ شيخٍ لكتابٍ قرأَهُ عَلَيْهِ مِنْ، أي نُسخةٍ اتفقَتْ. والتهوُّر: الوقُوْعُ في الشَّيْءِ بقلةِ مبالاةٍ. قَالَهُ الجوهريُّ (¬7)، وغيرُهُ. ¬

_ (¬1) الكفاية: (351 ت، 238 هـ‍). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 354. (¬3) الإلماع: 159. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 354، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 221. (¬5) الكفاية: (352 ت، 239 هـ‍). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 355. (¬7) الصحاح 2/ 856، مادة (هور)، وانظر: النكت الوفية 29/أ.

تخريج الساقط

تَخْرِيْجُ السَّاقِطِ (تَخْرِيْجُ السَّاقِطِ) وما مَعَهُ مِمَّا يأتِي: 584 - وَيُكْتَبُ السَّاقِطُ: وَهْوَ اللَّحَقُ ... حَاشِيَةً إلى الْيِمَيْنِ يُلْحَقُ 585 - مَا لَمْ يَكُنْ آخِرَ سَطْرٍ وَلْيَكُنْ (¬1) ... لِفَوْقُ وَالسُّطُوْرُ أَعْلى فَحَسُنْ 586 - وَخَرِّجَنْ لِلسَّقْطِ مِنْ حَيْثُ سَقَطْ ... مُنْعَطِفاً لَهُ، وَقِيْلَ: صِلْ بِخَطْ 587 - وَبَعْدَهُ اكْتُبْ صَحَّ أَوْ زِدْ رَجَعَا ... أَوْ كَرِّرِ الكَلمَةَ (¬2) لَمْ تَسْقُطْ مَعَا 588 - وَفِيْهِ لَبْسٌ وَلِغَيْرِ الأَصْلِ ... خَرِّجْ بِوَسْطِ كِلْمَةِ الْمَحَلِّ 589 - وَ (لِعِيَاضٍ): لاَ تُخَرِّجْ ضَبِّبِ ... أَوْ صَحِّحَنْ لِخَوْفِ لَبْسٍ وَأُبِي (وَيُكْتَبُ السَّاقِطُ) مِن أصْلِ الكِتَابِ، (وَهْوَ) أي: السَّاقِطُ المكْتوبُ (اللَّحَقُ) بفتحِ الْلامِ والْمُهْمَلَةُ مُشْتَقٌ مِنَ اللَّحاقِ - بِالْفَتْحِ - أي: الإدراكِ (حاشية ً) أي: في حَاشيةِ الكِتَابِ، أَوْ بَيْنَ سُطورِهِ، لَكِنَّ الأوَّل أولى؛ لِسلامَتِهِ منْ تَغْليسِ مَا يقرأ، لاَسيَّمَا إنْ كانتِ السُطُورُ ضيِّقةً مُتلاَصِقَةً (¬3). و (إِلَى) جِهَةِ (اليَمِينِ يُلْحَقُ) السَّاقِطُ لِشَرَفِهَا، ولاحْتِمَالِ سَقْطٍ آخرَ، فَيُخَرَّجُ لَهُ إِلَى جِهَةِ اليسارِ. فَلَوْ خَرَّجَ للأوَّلِ إِلَى اليسارِ، ثُمَّ ظَهرَ في السَّطرِ سَقْطٌ آخرُ، فإنْ ¬

_ (¬1) في (ج‍): ((ولتكن)). (¬2) بإسكان اللام؛ لضرورة الوزن، وانظر: اللسان 12/ 523 (كلم). (¬3) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 223: ((أهل الحديث والكتابة يسمون ما سقط من أصل الكتاب، فألحق بالحاشية أو بين السطور: اللحق -بفتح اللام والحاء المهملة معاً -، وأما اشتقاقه فيحتمل أنه من الإلحاق، قال الجوهري: اللحق - بالتحريك - شيء يلحق بالأول، قال: واللحق أيضاً من التمر الذي يأتي بعد الأول. وقال صاحب المحكم: اللحق: كل شيء لحق شيئاً أو ألحق به من الحيوان والنبات وحمل النخل، ويحتمل أنه من الزيادة يدل عليه كلام صاحب المحكم فإنه قال: اللحق: الشيء الزائد. ثم قال: وقد وقع في شعر نسب إلى أحمد بن حنبل - بإسكان الحاء - ثم قال بعد إيراده: وكأنه خفف حركة الحاء؛ لضرورة الشعر)). قلنا: أشار صاحب اللسان 10/ 327 إلى أن: اللحق إن خفف كان جائزاً، فيقال: لحقٌ، ومثله في التاج 26/ 352. وانظر: الصحاح 4/ 1549، ونكت الزركشي 3/ 586، والنكت الوفية 291/ أ.

خَرَّجَ إِلَى اليسارِ أَيْضاً اشتبهَ محلُ أحدِ السقطينِ بمحلِّ آخر (¬1)، أَوْ إِلَى اليمينِ تقابِلَ طَرَفا التَّخْريْجَينِ، وربَّما التَقيا لِقُرْبِ السَّقطينِ، فَيظنُّ أنَّ ذَلِكَ ضَرْبٌ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا يأتِي في صِفَةِ الضَّربِ (¬2)، هَذَا (ما لَمْ يَكُنْ) أي: السّاقِطُ (آخرَ سَطْرٍ (¬3)). فإنْ كَانَ آخِرَهُ، ألحقَ إِلَى جِهَةِ الْيَسارِ، للأمنِ حينئذٍ مِنْ نَقْصٍ فِيْهِ بَعْدَهُ، وَلْيَكُنْ (¬4) مُتَّصِلاً بالأصْلِ. نَعَمْ: إنْ ضَاقَ الْمَحَلُّ لِقُرْبِ الكِتَابَةِ مِن طَرفِ الوَرَقَةِ، أَوْ لِلتَّجْليدِ (¬5)، خرجَ إِلَى جهَةِ الْيَمِينِ، وكالآخَرِ في الكِتَابَةِ عَلَى اليسارِ مَا قربَ مِنْهُ، وأمنَ من وقوعِ سقطٍ آخر بعدَهُ فِيْمَا يظهرُ (¬6). (وليكنْ) كتبُ السَّاقِطِ (¬7) من، أي جِهَةٍ كَانَ التَّخْريجُ صَاعِداً (لِفوقُ) (¬8) أعلى الورقةِ لا نازلاً بِهِ إِلَى أسْفلِها، لاحتمالِ وقوعٍ سقطَ آخرَ فِيْمَا بَعْدُ، فَلاَ يَجِدْ (¬9) لَهُ مَحلاً مقابِلَهُ (¬10). (وَ) وإنْ زادَ السَّاقِطُ عَلَى سَطرٍ، وكَانَ في جِهةِ اليَمينِ، فلتكُن (السُّطورُ أعْلَى) الطّرَّة نازلاً بِهَا إِلَى أسفلَ، بحيثُ تنتهي السُّطُورُ إِلَى جِهَةِ باطنِ الورقةِ، وإنْ كَانَ في جهةِ اليَسارِ ابتداءَ سُطورِهِ مِن جانبِ الكِتَابِ، بحيثُ تَنْتَهِي سُطُورُهُ إِلَى جِهَةِ طرفِ الورَقَةِ، وَهذا فِيْمَا يكتبُ لفوق، فَلَوْ كتبَ إِلَى أسْفَلَ لكونِهِ في السّقطِ الثَّانِي، أَوْ خالفَ أوَّلا، انعكسَ الحالُ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 225. (¬2) انظر: فتح المغيث 2/ 171. (¬3) في (م): ((السطر)). (¬4) في (ص): ((ويكن)). (¬5) في (م): ((لتجليدٍ)). (¬6) في (ص): ((يأتي)). (¬7) في (ص): ((السقط)). (¬8) بعد هذا في (م): ((أي)). (¬9) في (م): ((تجد)). (¬10) في (ق): ((مقابلاً)).

فإن انتَهى الهامِشُ قَبْلَ فراغِ السَّاقِطِ، كملَ في أعلى الورقةِ أَوْ (¬1) أسفلِها بحسبِ ما يَكُوْنُ من الْجِهَتَيْنِ (¬2). (فَحَسُ‍ـَنْ) بضَمِّ السينِ فِعلٌ، وَبفتحِها اسمٌ، والأوَّلُ أنسبُ -، أي: فهذا الصنيعُ قَدْ حَسُنَ مِمَّن يفعلُهُ. (وَخرِّجَنْ) أَنْتَ (لِلسَّقْطِ) أي: لِلسَّاقِطِ (مِنْ حَيْثُ سَقَطْ) خطاً صَاعِداً إِلَى تَحْتِ السَّطْرِ الَّذِي فَوْقَهُ (مُنْعَطفاً) يَسيراً (لَهُ) أي: لِلسَّاقِطِ، أي: لِجَهَتِهِ من الْحَاشِيةِ، لِيَكُونَ إشارةً إِلَيْهِ. (وَقِيْلَ): لاَ يَكْتَفِي بالانْعِطافِ، بَلْ (صِلْ) بَيْنَ الْخَطِّ، وأوَّلِ السَّاقِطِ (بِخَطْ) مُمْتَدٍّ بَيْنَهُما. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وَهُوَ غَيْرُ مرضي)) (¬3). وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: إنَّهُ تَسْخِيمٌ لِلْكِتابِ، وَتَسْويدٌ لَهُ، لاَسِيَّمَا إنْ كثُرَ التَّخْرِيجُ (¬4). نعم: إنْ لَمْ يَكُنْ مَا يُقابِلُ مَحَلَّ السّقوطِ خالياً، واضطرَّ لكتابتِهِ بِمَحلٍ آخِرَ، مدَّ حينئِذٍ الْخَطَّ إِلَى أوَّلِ السَّاقِطِ، أَوْ كتَبَ قُبالَة الْمَحَلّ ((يَتْلُوْهُ كَذَا في الْمَحَلِّ الْفُلانِيِّ))، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِن رَمزٍ، وَغيرِهِ، مِمَّا يَزولُ بِهِ اللَّبْسُ، ذَكرَهُ النَّاظِمُ. قَالَ: ((قَدْ رأيتُ في خَطِّ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يعتمِدُ (¬5) إيصالَ الْخَطِّ، إِذَا بَعُدَ السَّاقِطُ عَنْ مقابلِ محلِ (¬6) السقوطِ، وَهُوَ جيِّدٌ حسنٌ)). انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) في (ق) و (ص): ((و)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 226 - 227. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 356 - 357. (¬4) الإلماع: 164. (¬5) في نسخة (ص): ((يعتد بِهِ))، وفي (ق): ((يعتمد عليه)). (¬6) في نسخة (ص): ((محطّ)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 228.

التصحيح والتمريض

(وَبَعدَهُ) أي: بَعْدَ انتهاءِ السَّاقِطِ (اكتُبْ صَحَّ)، والأولى كونُها صغيرةً، (أَوْ زِدْ) مَعَهَا: (رَجَعا)، بَلْ أَوْ اقتصِرْ عَلَى ((رجع))، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنا، أَوْ عَلَى ((انتهى اللحقُ)) كَمَا نقلَهُ القاضِي عِيَاضٌ (¬1) عَنْ بَعْضِهم، (أَوْ كَرِّرِ الكَلْمَةَ) الَّتِي (لَمْ تَسْقُطْ) مِنَ الأصْلِ، وَهِيَ التَّالِيةُ لِلسَّاقِطِ، بأنْ تكتبَهَا عقبَهُ بِالْهَامِشِ (مَعَا) أي: مَعَهُ. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وهذا لَيْسَ بِمرضيٍّ)) (¬2). وَقَالَ غيرُهُ: ((إنَّه لَيْسَ بِحَسَنٍ)) (¬3). (وَفِيْهِ لَبْسٌ)، فرُبَّ كَلِمةٍ تجِيءُ في الكلامِ مَرَّتَينِ وَثَلاثاً، لمعنىً صَحِيْحٍ، فإذا كَرَّرنا الكلِمَةَ لَمْ نأمَنْ أن توافِقَ مَا يَتَكَرَّرُ حقيقَةً، أَوْ يشكِلُ أمرُهُ، فيوجِبُ ارتياباً، و (¬4) زيادةَ إشكالٍ. (وَلِغَيرِ الأصْلِ) مِمَّا يَكتبُ مِنْ شَرْحٍ، أَوْ تَنْبِيْهٍ عَلَى غَلَطٍ، أَوْ اخْتِلافِ رِوَايَةٍ أَوْ نُسْخَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (خَرِّجْ) لَهُ (بِوَسْطِ) - بإسْكانِ السين -، أي: بأعلى وسط (كِلْمَةِ الْمَحَلِّ) الَّتِي كُتِبَتْ الْحَاشِيةُ لأجلِها، لا بَيْنَ الكلمتينِ، ليتميّزَ بِذَلِكَ عَنْ تَخْرِيجِ السَّاقِطِ مِنَ الأصْلِ. (و) لَكِنْ (لعياضٍ لا تُخَرِّجْ) لتلكَ الكلمةِ، بَلْ: (ضَبِّبِ) عَلَيْهَا، (أَوْ صَحِّحَنْ) أي: أكتبْ عَلَيْهَا ((صَحَّ)) (لخوفِ) دخولِ (لَبْسٍ) فِيْهِ يُظَنُّ أنَّهُ مِنَ الأَصْلِ (¬5). (و) قَدْ (أُبِي) هَذَا، أي: مُنِعَ، لأنَّ الإعلامَ بِذَلِكَ، يغايرُ الإعلامَ بِمَا مَرَّ، فَلاَ لَبْس. التَّصْحِيْحُ والتَّمْرِيْضُ، وَهو التَّضْبِيْبُ وَقَدْ أَخَذَ في بَيَانِ التَّصْحِيحِ، والتَّمْريضِ (¬6)، والتَّضْبِيبِ، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) الإلماع: 162. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 356. (¬3) الإلماع: 163. (¬4) في (ص) و (ع): ((أو)). (¬5) الإلماع: 164. (¬6) ((التمريض)): سقطت من (ص).

(التَّصْحِيحُ)، وَهُوَ كِتابةُ ((صَحَّ)) عَلَى ما يأتِي، (والتَّمْريضُ، وَهُوَ التَّضْبِيبُ) الْمُشارُ بِهِ إِلَى صِحةِ الرِّوَايَةِ مَعَ فَسَادِ شيءٍ عَلَى مَا يأتي. 590 - وَكَتَبُوْا (صَحَّ) عَلى الْمُعَرَّضِ ... لِلشَّكِّ إِنْ نَقْلاً وَمَعْنًى ارْتُضِي 591 - وَمَرَّضُوْا فَضَبَّبُوْا (صَاداً) تُمَدّْ ... فَوْقَ الذَّيِ صَحَّ وُرُوْداً وَفَسَدْ 592 - وَضَبَّبُوْا فِي الْقَطْعِ وَالإِرْسَالِ ... وَبَعْضُهُمْ فِي الأَعْصُرِ الْخَوَالي 593 - يَكْتُبُ صَاداً عِنْدَ عَطْفِ الأَسْمَا (¬1) ... تُوْهِمُ (¬2) تَضْبِيْباً، كَذَاكَ إِذ مَا 594 - يَخْتَصِرُ التَّصْحِيْحَ بَعْضٌ يُوْهِمُ ... وَإِنَّمَا يَمِيْزُهُ (¬3) مَنْ يَفْهَمُ (وَكَتَبُوْا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ، وغيرُهم (((صَحَّ)) عَلَى) قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬4): أَوْ عِنْدَ (الْمُعَرَّضِ) مِن حرفٍ، أَوْ أكثرَ (للشَّكِّ)، أَوْ الْخِلافِ فِيْهِ، لتكريرٍ، أَوْ غَيْرِهِ (إنْ نَقْلاً) أي: روايةً، (وَمعْنًى ارتُضِي) مَا صَحَّحَ عَلَيْهِ؛ إشارةً إِلَى أنَّه قَدْ ضُبِطَ وَصَحَّ، فَلاَ يُبادِرُ الواقفَ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَمْ يتأمَّلْ إِلَى تَخْطِئَتِهِ. وَقَدْ يُكتبُ بدلَ ((صَحَّ)) في الحاشيةِ عددُ حروفِ الكَلِمَةِ إِذَا تكرَّرَتْ بحروفِ الجمل. (وَمَرَّضُوا) أَيْضاً (فَضَبَّبُوا) مَا مَرَّضُوهُ (صاداً) مُهْملةً مُخْتصرةً من ((صَحَّ))، ويجوزُ أنْ تَكُوْنَ معجمةً من ((ضَبَّبْتُهُ)) (تُمَدّْ) هَكَذا: ((صـ)) (فَوْقَ الذِي صَحَّ) مِن حرْفٍ، أَوْ أَكثرَ (ورُوداً) في الرِّوَايَةِ. (و) لكنَّهُ ... (فَسَدْ) مَعْنَىً، أَوْ لفظاً، أَوْ خطاً، كأنْ يَكُوْنَ مَلْحوناً، أَوْ شاذاً، أَوْ مُصَحَّفاً، أَوْ ناقِصاً من غَيْرِ إلصاقِها (¬5) بِالْمُمَرَّضِ، لِئَلا يَظنَّ ضَرباً. ¬

_ (¬1) بقصر الممدود (الأسماء)؛ لأجل التصريع هنا. (¬2) في (أ) و (ج‍): ((يوهم)). (¬3) يميزه بلا تشديد؛ لضرورة الوزن. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 358. (¬5) في (ق): ((التصاقها)).

وأشاروا بكتابتِها نِصْفَ ((صَحَّ)) إِلَى أنَّ الصَّحَّةَ لَمْ تَكُنْ فِيْمَا (¬1) هِيَ فوقَهُ مَعَ صَحَّةِ روايتِهِ، لئلا يظنَّ كَمَالَهَا فِيْهِ (¬2)، وإلى تَنْبيهِ النَّاظِرِ فِيْهِ عَلَى أنَّهُ متثبتٌّ في نَقْلِهِ غَيْرُ غافِلٍ؛ فَلاَ يظن أنَّهُ غَلطٌ فيصلحَهُ، وَقَدْ يأتِي بَعْدَ مَنْ يظهرُ لَهُ توجيهُ صِحَّتِهِ، فيسهلُ عَلَيْهِ حينئذٍ تكميلُها: ((صَحَّ)) الَّتِي هِيَ علامةُ المعرَّضِ للشكِّ (¬3). وَقَدْ تجاسرَ بَعْضُهُمْ فغيَّرَ مَا الصَّوابُ إبقاؤُهُ، واسْتُعيرَ لتلكَ الصُّورَةِ اسمُ الضبَّةِ لِشِبْهِهَا بضَبَّةِ الإناءِ الَّتِي يُصْلَحُ بِهَا خَلَلُهُ بجامِعِ أنَّ كلاً مِنْهُمَا جَعَلَ عَلَى ما فِيْهِ خللٌ، أوْ بضبةِ البابِ، لكونِ المحلِ مقفلاً بِهَا، لا تتجه قراءتُهُ، كَمَا أنَّ الضَّبةَ يقفلُ بِهَا (¬4). وبما تَقرَّرَ عُلِمَ أنَّ عطفَ ((ضببوا)) المشارَ بِهِ إِلَى ما مَرَّ عَلَى ((مرضوا)) عطفُ تفسيرٍ. (وَضَبَّبُوا) أَيْضاً (في) مَحلِّ (الْقَطْعِ، والإرْسَالِ) (¬5) في الإسْنادِ، ليتنَبَّهَ (¬6) النَّاظِرُ في ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَحلِّ السُّقُوْطِ. (وَبَعْضُهُمْ) كَانَ (في الأعْصُرِ الْخَوالِي، يكتبُ صاداً عِنْدَ عطفِ الأسْما (¬7)) بعضُها عَلَى بَعْضٍ، كَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ وفُلاَنٌ وفُلاَنٌ، فـ (تُوْهِمُ) الصاد من لا خبرةَ لَهُ كونُها (تَضْبيباً) أي: ضَبَّةً، وليستْ بضبةٍ، بَلْ كأنَّها - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬8) - علامةُ وصلٍ فِيْمَا بَيْنَها أثبتَتْ تأكيداً لِلْعَطْفِ، خَوفاً مِن أنْ تَجعَلَ (¬9) ((عَنْ)) مكان ¬

_ (¬1) في (ص): ((تكمل فيها)). (¬2) عبارة: ((لئلا يظن كمالها فيه)). سقطت من (ص) و (ق). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 358. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 233. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 360، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 234. (¬6) في (ص) و (ع): ((لينبه)). (¬7) في (م): ((الأسماء)). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 360. (¬9) في (ق) و (ع): ((يجعل)).

الكشط والمحو والضرب

الواو (¬1). (كذاك إِذْ) أي: حَيْثُ (ما) زائدةٌ (يَخْتَصِرُ التَّصْحِيحَ) أي كتابةَ ((صَحَّ)) (بَعْضٌ) مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ، فَيقْتَصِرُ عَلَى كِتَابَةِ الصادِ، (يوهِمُ) أَيْضاً كونَها ضَبَّةً، ولَيْسَتْ بضبَّةٍ (¬2). وقولُهُ: يُوهِمُ، أي ضاحٌ للاغتناءِ عَنْهُ. وكذاكَ (وإنَّما يَمِيْزُهُ) بِفَتْحِ أوَّلِهِ - في هَذِهِ والتي قَبْلَها (مَنْ يَفْهَمُ) ويُتْقِنُ. الكَشْطُ والْمَحْوُ والضَّرْبُ (الكَشْطُ والْمَحْوُ) (¬3)، وما مَعَهَا (¬4) مِمَّا يأتي: 595 - وَمَاَ يزِيْدُ فِي الْكِتَابِ يُبْعَدُ ... كَشْطاً َوَمَحْواً وَبِضَرْبٍ أَجْوَدُ 596 - وَصِلْهُ بِالْحُرُوْفِ خَطّاً أَوْ لاَ ... مَعْ عَطْفِهِ أَوْ كَتْبَ (لاَ) ثُمَّ إلى 597 - أَوْ نِصْفَ دَارَةٍ وَإِلاَّ صِفْرَا ... فِي كُلِّ جَانِبٍ وَعَلِّمْ سَطْرَا 598 - سَطْراً إذا مَا كَثُرَتْ سُطُوْرُهْ ... أَوْلا وَإِنْ حَرْفٌ أتَى تَكْرِيْرَهْ 599 - فَأَبْقِ مَا أَوَّلُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا ... اخِرُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَا 600 - أَوِ (¬5) اسْتَجِدْ قَوْلاَنِ مَا لَمْ يُضِفِ ... أَوْ يُوْصَفُ اوْ (¬6) نَحْوُهُمَا فَأَلِفِ (وَمَاَ يزِيْدُ فِي الْكِتَابِ) بأنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَكَذا ما يكتبُ عَلَى غَيْرِ وجهِهِ (يُبْعَد) عَنْهُ، إما (كَشْطاً) أي: بكشطٍ، وَهُوَ بالكافِ، وبالقافِ: سَلْخُ الوَرَقِ بسكينٍ، أَوْ نحوِها، ويعبَّر عَنْهُ بالبَشْرِ، وبالْحَكِّ (¬7). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 360، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 234. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 360، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 234. (¬3) في (م): ((الكشط والمحو والضرب)). (¬4) في (ق) و (ع): ((وما معهما)). (¬5) كسرت الواو؛ لإلتقاء الساكنين. (¬6) بوصل همزة (أو)؛ لضرورة الوزن. (¬7) في (ص): ((والحك)).

(وَ) إما (مَحْواً) أي: بمحوٍ، وَهُوَ: الإزالةُ بغيرِ سَلْخٍ إنْ أَمْكَنَ، بأنْ تَكُوْنَ الْكِتَابَةُ في لَوْحٍ، أَوْ رَقٍّ، أَوْ وَرَقٍ صَقيلٍ جداً في حَالَةِ طراوَةِ الْمَكتوبِ وأمنِ نفوذِ الْحِبْر (¬1). وتَتَنَوَّعُ طُرقُهُ، فَقَدْ يَكُوْنُ بإصبعٍ، أَوْ بخرقَةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا، فَقَدْ روي عَنْ سَحْنُوْن (¬2) مِن فُقَهاءِ المالكيَّةِ أنَّهُ كَانَ رُبَّما كَتَبَ الشيءَ ثُمَّ لَعِقَهُ. (وَ) إما (بَضَرْبٍ) عَلَيْهِ، وَهُوَ (أجودُ) مِنَ الكَشْطِ، والمحوِ؛ لأنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُضعِّف الكتابَ ويحرِّك تهمةً. وَعَنْ بَعْضِهِم أنَّهُ كَانَ يَقولُ: كَانَ الشُّيوخُ يَكْرَهُونَ حُضُورَ السكينِ مَجْلِسَ السَّمَاعِ، حَتَّى لا يُبْشَرَ (¬3) شَيءٌ، لأنَّ ما يبشرُ مِنْهُ رُبَّما يَصحُّ في رِوَايَةٍ أخْرَى، وَقَدْ يسْمَعُ الكِتَابَ مرةً أخرى عَلَى شَيخٍ آخرَ يَكُوْنُ مَا بُشِّرَ صَحِيْحاً في روايتِهِ، فَيُحْتَاجُ إِلَى إلْحَاقِهِ بَعْدَ أنْ بُشِرَ، وَهُوَ إِذَا خطَّ عَلَيْهِ من رِوَايَةِ الأوَّلِ، وصح عِنْدَ الآخرِ اكتفى بعلامةِ (¬4) الآخر عَلَيْهِ بصحته (¬5). وَفي كَيْفِيةِ الضّربِ خمسةُ أقوالٍ بيَّنَها بقولِهِ: (وصِلْهُ) أي: الضربَ (¬6) (بالحروفِ) الْمَضْروبِ عَلَيْهَا، بحيثُ يَكُوْنُ مختلطاً بِهَا (¬7)، بأنْ تخطَّ عَلَيْهَا (خطّاً). فـ ((خطاً)) منصوبٌ بِمحذوفٍ، ويجوزُ نصبُهُ حالاً، أَوْ بدلاً من الهاءِ. وكما يُسَمَّى ذَلِكَ بالضربِ يُسَمَّى أَيْضاً عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ بـ ((الشقِّ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 236؛ وانظر: فتح المغيث 2/ 178. (¬2) الإلماع: 173، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 236. (¬3) قال البقاعي في نكته الوفية 295/ب: ((البشر: القشر: وهو أخذ وجه البشر وهو حقيقة الكشط)). انظر: اللسان 4/ 60. (¬4) في (م): ((بعلاقة)). (¬5) الإلماع: 170 - 171. (¬6) فتح المغيث 2/ 180. (¬7) المصدر السابق.

وأجودُ الضربِ أن لا يطمسَ الحروفَ، بَلْ يخطُّ مِنْ فوقِها خطاً بيِّناً، يدلُّ عَلَى إبطالِهَا، ولا يَمْنَعُ القِراءةَ من تَحْتِهِ (¬1). (أَوْ لا) تصلْ بِهَا الخطَّ، بَل اجعَلْهُ فوقَها مُنْفَصِلاً عَنْهَا (مَعْ عَطْفِهِ) من طرفي الْمَضْروبِ عَلَيْهِ، بحيثُ يَكُوْنُ كالباءِ الْمَقْلُوبَةِ، مثالُهُ هكذا: (()) (¬2). (أَوْ كَتْبَ) أي: وَيبعدُ ذَلِكَ أَيْضاً بكتْبِ (لاَ) في أوَّلِهِ، (ثُمَّ إِلَى) في آخرِهِ. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬3) تَبعاً لِلْقَاضِي عِيَاض (¬4): وَمثلُ هَذَا يَحْسُنُ فِيْمَا صَحَّ فِي رِوَايَةٍ وَسَقَطَ مِنْ أُخْرى. مِثالُهُ هَكَذا: ((لاَ ـــ إِلَى)). وإنْ شِئْتَ كَتَبْتَ بدل ((لا)) ((من)). (أَوْ) بتحويقِ (نِصْفَ دَارةٍ)، كَالهِلالِ، مِثالُهُ هَكَذا: (()). (وإلاّ) أي: وإنْ لَمْ تكتبْ شيئاً مِن ذَلِكَ فاكتبْ (صِفْرا)، والمعنى: أَوْ بتحويقِ صِفرٍ، وَهُوَ دائرةٌ صغيرةٌ سمِّيتْ بِذَلِكَ، لخلوِّ ما أشيرَ إِلَيْهِ بِهَا مِنَ الصِّحَّةِ كَتَسْميةِ الْحَسَّابِ لَهَا بِذَلِكَ لِخلوِّ مَوْضعِها مِن عددِ O مثالُهُ هكذا: (( O)) (¬5). ثُمَّ إِذَا أُشيرَ لِلزائِدِ بِنِصْفِ دائرةٍ، أَوْ بصفر (¬6)، فَلْيَكُنْ (فِي كُلِّ جَانبٍ)، كَمَا رأيتَ، فإنْ ضَاقَ المحلُ جَعَلَ ذَلِكَ مِن أعلى كُلِّ جَانبٍ. (وَعَلِّمْ) أَنْتَ للزائدِ بكلٍّ من الأقْوالِ الثلاثةِ الأخيرةِ إما (سَطْرا سَطْراً إِذَا ما) زائدةٌ (كَثُرَتْ سُطُورُهْ) أي: الزائد بأنْ تُكَرِّرَ تلك العَلامَة في أوَّلِ كُلِّ سطرٍ، وآخرِهِ، لما فِيْهِ مِن زيادَةِ البيانِ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 236. (¬2) انظر: المصدر السابق 2/ 238. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 362. (¬4) الإلماع: 171. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 239 - 240. (¬6) في (م): ((لصفر)).

(أَوْ لا) سطراً سطراً، بأنْ لا تكرِّرْها، بَلْ اكْتفِ بِهَا فِي طرفي الزائدِ، وإنْ كَثُرتْ السُّطورُ (¬1). (وإنْ حَرْفٌ) فأكثرَ (أتى تَكْرِيْرَهْ (¬2)) غلطاً (فَأَبقِ) ندباً (مَا) هُوَ (أَوَّلُ سَطْرٍ)، واضربْ عَلَى الآخرِ سواءٌ أكانا (¬3) فِي أوّلِهِ أَمْ أحدُهُمَا (¬4) في آخرِهِ، والآخر (¬5) أوَّل تاليهِ، لئلا يطمسَ أولُ السطرِ. (ثُمَّ) إنْ كَانا في آخرِهِ، فأَبْقِ (مَا) هُوَ (آخِرُ سَطْرٍ) صوناً لأواخرِ السُّطُورِ، وإنَّما لَمْ يَصُنْ آخر السَّطْرِ فِيْمَا قَبْلَهُ لأنَّ مراعاة أولِهِ أولى. (ثُمَّ) إن كانا في أثناءِ السَّطْرِ فأبقِ (مَا تَقَدَّمَا) مِنْهُمَا، لأنَّهُ كُتِبَ عَلَى الصَّوابِ، واضربْ عَلَى الثَّانِي، لأنَّهُ كُتِبَ عَلَى خطأٍ، فَهُوَ أولى بالإبطالِ. (أَوِ استَجِدْ) أي: أبقِ أجودَهما صُورةً، وأدلَّهُما عَلَى قِراءتِهِ. وَهَذانِ (قَوْلانِ) أطْلَقَهُمَا ابنُ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ (¬6) من غَيْرِ مراعاةٍ، لأوائلِ السُّطُورِ وآخرها (¬7)، وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ ابنِ الصَّلاَحِ، كغيرِهِ: (ما لَمْ يُضِفِ) المكرر (أَوْ يُوصَفُ، اوْ (¬8) نحوُهما) - بالدرجِ - كَالْعَطْفِ عَلَيْهِ، والإخبارِ عَنْهُ. فإنْ كَانَ كَذَلِكَ، (فَأَلِفِ) بَيْنَ الْمُتضَايفينِ، وبينَ الصِّفَةِ والموصوفِ، وَبينَ الْمُتعاطِفَينِ، وَبينَ الْمُبتَدأِ والْخَبرِ، بأنْ يضربَ (¬9) عَلَى المتطرفِ من المتكررِ (¬10)، لا ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 240. (¬2) في (م): ((بتكريره)). (¬3) في (ص) و (ق): ((كانا)). (¬4) في (ص): ((أحدها)). (¬5) في (م): ((والآخر في)). (¬6) المحدث الفاصل: 607 (885). (¬7) في (م): ((وأواخرها)). (¬8) في (م): ((أَوْ)) بإثبات الهمزة، وَلَمْ يفطن لقول الشارح. (¬9) في (ق) و (ع): ((تضرب)). (¬10) في (م): ((المكرر)).

العمل في اختلاف الروايات

عَلَى المتوسطِ؛ لئلا يفصلَ بالضربِ بَيْنَ شَيْئَينِ بَيْنَهُمَا ارتِباطٌ مِن غَيْرِ مُراعاةٍ للأوَّلِ، أَوْ الأخيرِ، أَوْ الأجودِ؛ إِذْ مُراعاةُ الْمَعَانِي أولى مِن مُراعاةِ تَحْسينِ الصُّورةِ في الْخَطِّ (¬1). العَمَلُ في اخْتِلاَفِ الرُّوَايَاتِ (العَمَلُ) أي كَيْفِيَّتُهُ (في) الْجَمْعِ بَيْنَ (اخْتِلاَفِ الرُّوَايَاتِ): 601 - وَلْيَبْنِ (¬2) أَوَّلاً عَلَى رِوَايَهْ ... كِتَابَهُ، وَيُحْسِنِ الْعِنَايَهْ 602 - بِغَيْرِهَا بِكَتْبِ رَاوٍ سُمِّيَا ... أَوْ رَمْزَاً (¬3) اوْ (¬4) يَكْتُبُهَا (¬5) مُعْتَنِيَا 603 - بِحُمْرَةٍ، وَحَيْثُ زَادَ الأَصْلُ ... حَوَّقَهُ بِحُمْرَةٍ وَيَجْلُو (وليَبْنِ) مِنَ البناءِ، أي: يجعلُ مَنْ يريدُ ذَلِكَ (اَوَّلاً) أي: وقتَ الْكِتَابَةِ، أَوْ الْمُقابَلَةِ (عَلَى رِوَايَهْ) واحدةٍ (كِتابَهُ)، ولا يجعلُهُ ملفَّقاً مِن رِوايَتينِ لما فِيْهِ مَنِ اللَّبْسِ. (و) بَعْدَ هَذَا (يُحْسِنِ الْعِنَايهْ بِغَيْرِها) أي: بغيرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، بأنْ يبيِّنَ مَا وَقَعَ فِيْهِ التَّخَالفُ بَيْنَ الروايتينِ مِن زيادةٍ، أَوْ نقصٍ، أَوْ إبدالِ لفظٍ بآخرَ، أَوْ نحوِها (بِكَتْبِ) ذَلِكَ في الْهَامِشِ، أَوْ غيرِهِ، مَعَ كَتْبِ (راوٍ) لَهُ فوقَهُ سواءٌ (سُمِّيا)، أي: الرَّاوِي، أي: كَتَبَهُ باسْمِهِ، أَوْ بما يُغنِي عَنْهُ، (أَوْ) رمزَ لَهُ (رَمْزاً) بِمَا مَرَّ فِي كتابةِ الحَدِيْثِ وَضَبْطِهِ. (اوْ) (¬6) بالدرجِ (يكتبُها) أي: الرِّوَايَةَ الأخرى (مُعْتَنِيا) بِهِ (بحُمْرَةٍ)، أَوْ غيرِها من الألوانِ المباينَةِ للونِ الحبرِ المكتوبِ بِهِ الأصلُ (¬7). ¬

_ (¬1) فتح المغيث 2/ 182. (¬2) ((أي: يجعل كما عبّر به ابن الصلاح، شبّه كتابة سطوره وجمع حروفه بالبناء)). النكت الوفية 297/أ. (¬3) في فتح المغيث: ((رمزٍ))، وانظر: النكت الوفية 297 / أ. (¬4) بالدرج؛ لضرورة الوزن. (¬5) في (أ) والنفائس وفتح المغيث: ((بكتبها)). (¬6) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة، ولم يتنبه لقول الشارح. (¬7) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 244: ((فقد حكاه القاضي عياض عَنْ كثير من الأشياخ، وأهل الضبط كأبي ذرٍّ الهرويّ وأبي الحسن القابسيّ وغيرهما)). وانظر: الإلماع: 189 - 190، ومعرفة أنواع علم الحديث: 364، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 243 - 244.

الإشارة بالرمز

(وحيثُ زادَ الأصلُ) الَّذِي بنى عَلَيْهِ الرِّوَايَةَ شَيْئاً (حوَّقَهُ) أي: جَعَلَ عَلَى أولِهِ دارةً، وعلى آخرِهِ أُخرى، وكتبَ بَيْنَهُما اسمَ راوِيهِ (بِحُمْرَةٍ) (¬1)، أَوْ غَيْرِهَا، مِمَّا مَرَّ. وإنْ شاءَ أعلَمَ عَلَى الزّائِدِ، أنَّهُ لَيْسَ مِن رِوَايَةِ فُلاَنٍ باسْمِهِ، أَوْ بالرَّمْزِ إِلَيْهِ، (وَيَجْلُو) أي: يوضح مراده بالرَّمْزِ، أَوْ الحمرةِ أَوْ نحوِها في أوَّلِ الكِتَابِ، أَوْ آخرِهِ عَلَى ما مَرَّ (¬2). وَلاَ يَعْتَمِدْ عَلَى حِفْظِهِ، وذكْرِهِ، فَرُبَّمَا نَسِيَ ما اصطلحَ عَلَيْهِ، لِطولِ العَهْدِ، أَوْ غيرِهِ، وَقَدْ يتعطلُ غيرهُ مِمَّنْ يقعُ لَهُ كِتَابُهُ عَن الانتفاعِ بِهِ بوقوعِهِ في حَيْرَةٍ مِن رموزِهِ (¬3). الإِشَارَةُ بِالرَّمْزِ بِبَعْضِ حُرُوْفِ بَعْضِ صِيَغِ الأَدَاءِ، و (¬4) ما مَعَهَا مِمَّا يَأتِي: 604 - وَاخْتَصَرُوْا فِي كَتْبِهِمْ (حَدَّثَنَا) ... عَلَى (ثَنَا) أَوْ (نَا) وَقِيْلَ: (دَثَنَا) 605 - وَاخْتَصَرُوْا (أَخْبَرَنَا) عَلَى (أَنَا) ... أَوْ (أَرَنَا) وَ (الْبَيْهَقِيُّ) (أَبَنَا) 606 - قُلْتُ: وَرَمْزُ (قالَ) إِسْنَادَاً يَرِدْ ... (قَافَاً) وَقالَ الشَّيْخُ: حَذْفُهَا عُهِدْ 607 - خَطَّاً وَلاَبُدَّ مِنَ النُّطْقِ كَذَا ... قِيْلَ لَهُ: وَيَنْبَغِي النُّطْقُ بِذَا 608 - وَكَتَبُوْا عِنْدَ انْتِقالٍ مِنْ سَنَدْ ... لِغَيْرِهِ (ح) وَانْطِقَنْ بِهَا وَقَدْ 609 - رَأَى الرُّهَاوِيُّ (¬5) بأَنْ لاَ تُقْرَا (¬6) ... وَأَنَّهَا مِنْ حَائِلٍ، وَقَدْ رَأَى 610 - بَعْضُ أُوْلِي الْغَرْبِ بِأَنْ يَقُوْلاَ ... مَكَانَهَا: الْحَدِيْثَ قَطْ، وَقِيْلاَ 611 - بَلْ حَاءُ تَحْوِيْلٍ وَقالَ قَدْ كُتِبْ ... مَكَانَهَا: صَحَّ فَحَا مِنْهَا انْتُخِبْ ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 364. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 244. (¬3) انظر: الإلماع: 192، ومعرفة أنواع علم الحديث: 364، وشرح التبصرة 2/ 244. (¬4) في (م): ((أو)). (¬5) وضبطت (الراء) بالفتح أيضاً. انظر: النكت الوفية 299/ب، والضم اختيار الشارح كما سينص عليه. (¬6) في (أ) و (ج‍): ((يقرأ)).

(واخْتَصَرُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ (في كَتْبِهِمْ) لاَ في نُطْقِهِمْ: (حَدَّثَنَا)، عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ في كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ مِنْهَا (عَلَى: ثنا) شَطْرِها الثَّانِي، وهُوَ المَشْهُورُ، (أو) عَلَى (نا) الضَمِيْرِ (¬1). (وقِيْلَ): عَلَى (دثنا) بإسْقَاطِ الحَاءِ، كَمَا رَآه ابنُ الصَّلاَحِ (¬2) في خَطِّ الحَاكِمِ وغَيْرِهِ (¬3). (واخْتَصَرُوا) أَيْضاً (أَخْبَرَنَا) عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ في كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ مِنْهَا (عَلَى أنا) الأَلِفِ والضَّمِيْرِ، وهُوَ المَشْهُوْرُ، (أو) عَلَى (أرنا) بِحَذْفِ الخاءِ والبَاءِ. (و) اقْتَصَرَ (البَيْهَقِيُّ) (¬4)، وطَائِفَةٌ عَلَى (أبَنَا) بِحَذْفِ الخَاءِ والرَّاءِ. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ولَيْسَ بِحَسَنٍ)) (¬5). ويَرْمِزُ أَيْضاً ((حَدَّثَنِي)) فَيَكْتُبُ ((ثني))، أو ((دثني)) دُونَ أَخْبَرَنِي، وأَنْبَأَنا، وأنْبَأَنِي. (قُلْتُ: ورَمْزُ قَالَ) الوَاقِعَةِ (إسْنَاداً) أي: في الإسْنَادِ بَيْنَ رُوَاتِهِ (يَرِدْ) في بَعْضِ الكُتُبِ المُعْتَمَدَةِ (قَافَاً) مُفْرَدَةً، هَكَذَا: ((ق ثنا))، وبَعْضُهُمْ يَجْمَعُهَا بِما يَلِيها هَكَذَا ((قثنا)) (¬6)، يَعْنِي: ((قَالَ حَدَّثَنَا)). ¬

_ (¬1) في (ق) هنا زيادة (منها)، وأشار إلى أنها في نسخة هكذا. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 365. (¬3) كأبي عبد الرحمان السلمي، والحافظ البيهقي. انظر: المصدر السابق: 365. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 365. (¬5) المصدر السابق. قال السيوطي: ((لئلا تلتبس برمز حدّثنا)). تدريب الراوي 2/ 78. وزاد المسألة إيضاحاً السخاوي فقال: ((وكأنه فيما يظهر للخوف من اشتباهها بأنبأنا، وإن لم يصطلحوا على اختصار أنبأنا - كما نشاهده من كثيرين -. وكذا يظهر أنهم إنما لم يقتصروا من ((أخبرنا)) على الحرف الأخير من الفعل مع الضمير، كما فعلوا في ((ثنا)) بحيث تصير ((رنا)) للخوف من تحريف الراء دالاً، فربما يلتبس بأحد الطرق الماضية في ((حدّثنا))، وهذا أحسن من قول بعضهم: لئلا يحرف الراء زاياً)). فتح المغيث 2/ 186. (¬6) وهو الحافظ الدمياطي. انظر: فتح المغيث 1/ 187.

قَالَ النَّاظِمُ: ((وهَذَا اصْطِلاَحٌ مَتْرُوْكٌ)) (¬1). (وقَالَ الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاَحِ (¬2): (حَذْفُهَا) كُلُّهَا (عُهِدْ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ (خَطّاً) حَتَّى أنَّهُمْ يَحْذِفُونَ الأولى في مِثْلِ: ((عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -)). قَالَ: (ولاَ بُدَّ مِنَ النُّطْقِ) بِهَا (¬3) حَالَ القِرَاءةِ، أي: لِلتَّمْييزِ بَيْنَ كَلامِ (¬4) المُتَكَلِّمِيْنَ. ومَعَ ذَلِكَ صَحَّحَ في " فَتَاوِيه " (¬5) أنَّ عَدَمَ النُّطْقِ بِهَا لا يُبْطِلُ السَّمَاعَ، وإنْ أخَطَأَ فَاعِلُهُ. وجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في " شرحِ مُسْلِمٍ " (¬6) واستَظْهَرهُ في " تَقْريبه " (¬7)، قَالَ (¬8): ((للعِلْمِ بالمقْصُودِ، ويكونُ هذا مِنَ الحذْفِ لدلالةِ الحالِ عَلَيْهِ)) (¬9). و (كَذَا) عُهِدَ حَذْفُ (قِيْلَ لهُ) في مِثْلِ ((قُرِئَ عَلَى فُلاَنٍ، قِيْلَ لهُ: أَخْبَرَكَ فُلاَنٌ)). (ويَنْبَغِي) للقَارِئِ، كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬10) (النُّطْقُ بِذَا) أَيْضاً، أي: بـ ((قِيْلَ لهُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 246. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 392 - 393. (¬3) ليست في (ص). (¬4) في (ق): ((كلٍّ من)). (¬5) انظر: فتاوى ابن الصلاح: 26. (¬6) انظر: شرح صحيح مسلم 1/ 28. (¬7) التقريب: 139. (¬8) بعد هذا في (م): ((والسماع صَحِيْح))، زادها المحقق من شرح صحيح مسلم، وذكر بأنها ضرورية لاستقامة النص، والنص مستقيم بدونها؛ لأن غرض المصنف نقل تعليل الحكم فَقَطْ، وإلا فإنه قد نقل عنه الجزم بالصحة في شرح مسلم، وهذه آفة من يتصدى للتحقيق ولا يفهم مواقع كلام العلماء، فيفتأت على مصنفات السلف، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (¬9) شرح صحيح مسلم 1/ 28. (¬10) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 393.

قَالَ (¬1): ووَقَعَ في بَعْضِ ذَلِكَ ((قُرِئَ عَلَى فُلاَنٍ ثنا فُلاَنٌ))، فَهَذَا يَنْطِقُ فِيْهِ بـ ((قَالَ)) أي: لا بـ: ((قِيْلَ لَهُ)) لأنَّهُ أخْصَرُ، لا لأنَّهُ لَمْ يَصِحَّ، إذْ لَوْ قَالَ: ((قِيْلَ لهُ: قُلْتُ حَدَّثَنَا)) صَحَّ. (وَكَتَبُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ في كُتُبِهِمْ إذَا جَمَعُوا بَيْنَ إسْنَادَي حَدِيْثٍ أو أسَانِيْدِهِ (عِنْدَ انْتِقَالٍ مِنْ سَنَدْ لِغَيْرِهِ ح) - بالقَصْرِ، مُهْمَلَةً مُفْرَدَةً - واخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ مِنَ الحَائِلِ، أو مِنَ الحدِيثِ، أو مِنَ التَّحْوِيْلِ، أو مِنْ صَحَّ؟ وهَلْ يُنْطَقُ بِهَا ((حا))، أو بِمَا رَمَزَ بِهَا لهُ عِنْدَ المُرُورِ بِهَا في القِرَاءةِ أو لاَ (¬2)؟ وقَدْ أخَذَ في بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ: (وانْطِقَنْ بِهَا) كَمَا كُتِبَتْ، ومُرَّ في قِرَاءتِكَ. وَاخْتَارَهُ ابنُ الصَّلاَحِ وغَيْرُهُ (¬3). (وقَدْ رَأَى) الحَافِظُ أبو مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ (الرُّهَاوِيُّ) نِسْبَةً لـ ((الرُّهَا)) - بالضَّمِّ - الحَنْبَلِيُّ (بأَنْ) أي: أنْ (لاَ تُقْرَا) أي: اَيُنْطَقَ بِهَا، (وأنَّهَا) لَيْسَتْ مِنَ الرِّوَايَةِ، بَلْ هِيَ ((حا)) (مِنْ حَائِلٍ) تَحَوَّلَ (¬4) بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ لأنَّهَا حَالَتْ بَيْنَ الإسْنَادَيْنِ (¬5). (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ) عُلَمَاءِ (أُوْلِي الغَرْبِ، بأَنْ) أي: أنْ (يَقُوْلاَ) مَنْ يَمُرُّ بِهَا (مَكَانَهَا: الحَدِيثَ قَطْ) أي: فَقَطْ (¬6). (وَقِيْلا) إنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الحَائِلِ، ولاَ مِنَ الحَدِيثِ، (بَلْ) هِيَ (حَاءُ تَحْوِيْلٍ) مِنْ إسْنَادٍ إلى آخَرٍ، واخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 393. (¬2) شرح الكرماني على صحيح البخاري 1/ 50. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 366، والإرشاد 1/ 451. (¬4) في (ق) و (ع): ((يحول)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 366. (¬6) انظر: المصدر السابق. (¬7) انظر: شرح صحيح مسلم 1/ 30.

كتابة التسميع

(وقَالَ) ابنُ الصَّلاحِ (¬1): (قَدْ كُتِبْ مَكَانَهَا) بَدَلاً عَنْهَا (صَحَّ) صَرِيْحَةً، (فَـ ((حا))) - بالقَصْرِ - (مِنْها انْتُخِبْ) أي: اخْتِيْرَ في اخْتِصَارِها، فَهِيَ رَمْزٌ لَهَا. قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَحَسُنَ إثْبَاتُ ((صَحَّ)) هُنَا؛ لِئَلاَّ يُتَوَهَّمَ أنَّ حَدِيْثَ هَذَا الإسْنَادِ سَقَطَ، ولِئَلاَّ يُرَكَّبَ الإسْنادُ الثَّانِي عَلَى الأوَّلِ، فَيُجْعَلاَ إسْنَاداً واحِداً)) (¬2). كِتَابَةُ التَّسْمِيْعِ بِمَعْنَى السَّمَاعِ المُسَمَّى بالطَّبَقَةِ، وما مَعَ ذَلِكَ مِمَّا يأتِي (¬3): 612 - وَيَكْتُبُ اسْمَ الشَّيْخِ بَعْدَ الْبَسْمَلَهْ ... وَالسَّامِعِيْنَ قَبْلَهَا مُكَمَّلَهْ 613 - مُؤَرِّخَاً أَوْ جَنْبَهَا (¬4) بِالطُّرَّهْ (¬5) ... أَوْ آخِرَ الْجُزْءِ وَإِلاَّ ظَهْرَهْ 614 - بِخَطِّ مَوْثُوْقٍ بِخَطٍّ عُرِفَا ... وَلَوْ بِخَطِّهِ لِنَفْسِهِ كَفَى 615 - إِنْ حَضَرَ الْكُلَّ، وَإِلاَّ اسْتَمْلَى ... مِنْ ثِقَةٍ، صَحَّحَ شَيْخٌ أَمْ لاَ 616 - وَلْيُعِرِ الْمُسْمَى بِهِ (¬6) إِنْ يَسْتَعِرْ ... وَإِنْ يَكُنْ بِخَطِّ مَالِكٍ سُطِرْ 617 - فَقَدْ رَأَى حَفْصٌ وَإِسْماعِيْلُ ... كَذَا الزُّبَيْرِيْ فَرْضَهَا إِذْ سِيْلُوْا (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 366. (¬2) المصدر السابق. (¬3) في (ص): ((سيأتي)). (¬4) ((أي: إلى جنب البسملة من يمينها أو يسارها)). النكت الوفية 300 / أ. (¬5) قال البقاعي: ((الطُّرّةُ - بضمّ الطاء المهملة ثم راء مهملة مشدّدة -: هي حاشية الكتاب. قال في القاموس: وبالضم جانب الثوب الذي لا هدب له، وشفير النهر والوادي، وطرف كل شيء وحرفُهُ)). النكت الوفية 300 / أ، وانظر: التاج 12/ 43 (طرر). (¬6) قال البقاعي: ((وليُعر: اللام فيه للأمر الندبي، والمُسمى به: بإسكان السين، من أسمّى بمعنى: سمّى، قال في الصحاح: سمّيتُ فلاناً زيداً وسمّيتُهُ بزيدٍ بمعنًى، وأسميتُهُ مثله، والباء في (به) ظرفية أي: يندب له أن يعير كتابه ممّن كتب اسمه فيه)). النكت الوفية 301/أوانظر: الصحاح 6/ 2383 (سما). (¬7) أصلها (سئلوا) لكن كتبت بالياء الساكنة لمناسبة ضرب الشطر الأول (إسماعيل) صوتياً، وانظر: النكت الوفية 301 / أ.

618 - إِذْ خَطُّهُ عَلَى الرِّضَا بِهِ دَلْ ... كَمَا عَلَى الشَّاهِدِ مَا تَحَمَّلْ 619 - وَلْيَحْذَرِ الْمُعَارُ تَطْوِيْلاً وَأَنْ ... يُثْبِتَ قَبْلَ عَرْضِهِ مَا لَمْ يُبَنْ (وَيَكْتُبُ) الطَّالِبُ (اسْمَ الشَّيْخِ) الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ، أو سَمِعَ عَلَيْهِ، أو مِنْهُ كِتَاباً أو جُزْءاً، أو نَحْوَهُ، وما يَلْتَحِقُ باسْمِ الشَّيْخِ مِنْ نِسْبَةٍ، وكُنْيَةٍ، وغَيْرِهِمَا مِمَّا يُعْرَفُ بهِ مَعَ سِيَاقِ سَنَدِهِ بالمَرْوِيِّ إلى مُصَنِّفِهِ (بَعْدَ البَسْمَلَهْ). كَأَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا الكِتَابِ أبو فُلانٍ فلاَنُ بنُ فُلانٍ الفُلاَنِيُّ إلى آخِرِهِ (¬1). (و) إنْ سَمِعَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَتَبَ أسْماءَ (السَّامِعِيْنَ) إمَّا (قَبْلَهَا) أي: البَسْمَلَةِ فَوْقَ سَطْرِهَا (مُكَمَّلَهْ) مِنْ غَيْرِ اخْتِصَارٍ لِمَا لا يَتُمُّ التَّعْرِيْفُ بِدُوْنِهِ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: والحذَرُ مِنْ إسْقَاطِ اسْمِ أحَدٍ مِنْهُمْ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ (¬2). (مُؤَرِّخاً) ذَلِكَ (¬3) بوقْتِ السَّمَاعِ مَعَ ذِكْرِ مَحَلِّهِ مِنَ البَلدِ، وعَددِ مَجَالِسِهِ. (أو) كَتْبَها (جَنْبَها) أي: البَسْمَلَةِ في الوَرَقَةِ الأُوْلَى مِنَ الكِتابِ (بالطُّرَّهْ) أي: في الحَاشِيَةِ المتَّسِعَةِ (¬4). (أو) كَتَبَهَا (آخِرَ الْجُزْءِ) مَثَلاً. (وإلاَّ) أي: وإنْ لَمْ يَكْتُبْهَا فِيْمَا ذَكَرَ، فَلْيَكْتُبْهَا (ظَهْرَهْ) أي: في ظَهْرِ الجُزْءِ، بأَنْ يَكْتُبَهَا فِيْمَا هُوَ كَالوِقَايَةِ لهُ. ولْيَكُنِ المكْتُوبُ (بِخَطِّ مَوْثُوقٍ) بِهِ، غَيْرِ مَجْهُولِ الخَطِّ، بَلْ (بِخَطٍّ عُرِفا) بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ. (وَلَوْ) كَانَ التَّسْمِيْعُ (بِخَطِّهِ لِنَفْسِهِ) مَعَ اتِّصَافِهِ بِذَلِكَ (كَفَى)، كَمَا فَعَلَهُ الثِّقَاتُ. ¬

_ (¬1) انظر: الجامع لأخلاق الراوي 1/ 268، وآداب الإملاء والاستملاء: 171. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 368. (¬3) في (ص): ((وذلك)). (¬4) من قوله: ((أي: البسملة)) ... إلى هنا سقط من (ق) و (ع).

ولْيَتَحَرَّ كَاتِبُ التَّسْمِيْعِ في بَيَانِ الأَفْوَاتِ، والسَّامِعِ، والمُسَمِّعِ، والمَسْمُوعِ بِعِبَارَةٍ بَيِّنَةٍ، وكِتَابَةٍ وَاضِحَةٍ، وإِنْزَالِ كُلٍّ مَنْزِلتَهُ، ولْيَعْتَمِدْ في السَّامِعِيْنَ وتَمْيِيْزِ أفْوَاتِهِمْ ضَبْطَ نَفْسِهِ (إنْ حَضَرَ) هُوَ (الكُلَّ، وإلاَّ اسْتَمْلَى) مَا غَابَ عَنْهُ (مِنْ ثِقَةٍ) ضَابِطٍ مِمَّنْ حَضَرَ. ويَكْتَفِي بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَ (صَحَّحَ) عَلَى التَّسْمِيْعِ (شَيْخٌ) أي: الشَّيْخُ المُسْمِعُ (أمْ لاَ) اعْتِمَاداً عَلَى الكَاتِبِ الثِّقَةِ. (وَلْيُعِر) مَنْ ثَبَتَ (¬1) في كِتابِهِ الأسْمَاءَ بِخَطِّهِ أوْ خَطِّ غَيْرِهِ كِتَابَهُ، الطَّالِبَ (المُسْمَى بهِ) - بإسْكَانِ السِّيْنِ -، أي: الَّذِي اسْمُهُ في الكِتَابِ (إِنْ يَسْتَعِرْ) هُ لِيَكْتُبَ مِنْهُ، أوْ يُقَابِلَ بِهِ، أوْ يُحَدِّثَ مِنْهُ. ثُمَّ إنْ كَانَ التَّسْمِيْعُ بِخَطِّ غَيْرِ مَالِكِهِ، فالإعَارَةُ (¬2) مَنْدوبةٌ، (وإنْ يَكُنْ بِخَطِّ مَالِكٍ) لهُ (سُطِرْ (¬3)، فَقَدْ رَأَى) القَاضِيَانِ: (حَفْصٌ)، هو ابنُ غِيَاثٍ النَخَعِيُّ الكُوْفِيُّ مِنْ أصْحابِ الإمِامِ (¬4) أبي حَنِيْفَةَ (¬5)، (وإسْمَاعِيْلُ) بنُ إسْحَاقَ الأَزْدِيُّ البَصْرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ المَالِكِيَّةِ (¬6)، و (كَذَا) أبو عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرُ بنُ أَحْمَدَ (الزُّبَيْرِيْ) (¬7) - بالإسْكَانِ لِمَا مَرَّ - نِسْبَةً للزُّبَيْرِ جَدٍّ مِنْ أجْدَادِهِ (¬8) مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ (فَرَضَهَا) أي: الإعَارَةَ (إِذْ) أي: حِيْنَ (سِيْلُوا) -بِكَسْرِ السِّيْنِ وإسْكَانِ الياءِ- لمنَاسَبَةِ آخِرِ صَدْرِ البَيْتِ. فَلَو امْتَنَعَ مَالِكُهُ مِنَ الإعَارَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ، أُلْزِمَ بِهَا (إذْ خَطُّهُ عَلَى الرِّضَا بهِ) أي: بإثْبَاتِ الاسم (دَلْ)، فَكَأَنَّهُ قَدْ تَحَمَّلَ لهُ أمَانَةً، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أدَاؤُهَا، (كَمَا) ¬

_ (¬1) في (ع): ((أثبت)). (¬2) في (ص): ((فالإعادة))، وهو سهو. (¬3) في (ق) و (ع): ((سطره)). (¬4) ليست في (ص). (¬5) انظر: المحدّث الفاصل: 589 (838)، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 241 (480). (¬6) انظر: الجامع لأخلاق الراوي 1/ 241 (481). (¬7) انظر: المحدّث الفاصل: 589 (838)، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 241 (480). (¬8) انظر: الأنساب 3/ 153، ووفيات الأعيان 2/ 313.

يَجِبُ (عَلَى الشَّاهِدِ) المُتَحَمِّلِ - ولَو اتِّفَاقاً - أدَاءُ (مَا تَحَمَّلْ)، وإنْ كَانَ فِيْهِ بَذْلُ نَفْسِهِ بالسَّعْيِ إلى مَجْلِسِ الحُكْمِ؛ لأَدَائِهَا. ولأنَّ هَذَا مِنَ المَصَالِحِ العَامَّةِ المُحْتَاجِ إليها مَعَ وُجُودِ عُلْقَةٍ بَيْنَهُما تَقْتَضِي الإلْزَامَ بذَلِكَ (¬1). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ويَرْجِعُ حَاصِلُ أقْوَالِهِمْ إلى أنَّ سَمَاعَ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ في كِتابِهِ بِرِضَاهُ، فيلْزَمُهُ إعَارَتُهُ إيَّاهُ)) (¬2). وتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ في " تَقْرِيْبِهِ " (¬3). (وَلْيَحْذَرِ المُعَارُ) لهُ (تَطْوِيْلاً) أي: مِنَ التَّطْوِيْلِ بما اسْتَعَارَهُ عَلَى مَالِكِهِ إلاَّ بِقَدَرِ الحَاجَةِ. فَعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ قَالَ: إيَّاكَ وغُلُولَ الكُتُبِ. وقِيْلَ: ومَا غُلُولُ الكُتُبِ؟ قَالَ: حَبْسُهَا عَنْ أصْحَابِهَا (¬4). ¬

_ (¬1) قال البلقيني في المحاسن: 325: ((عندي في توجيهه غير ما قال ابن الصّلاح، وهو: أن مثل هذا من المصالح العامة التي يحتاج إليها مع حصول علقة بين المحتاج والمحتاج إليه، يقتضي إلزامه بإسعافه في مقصده. أصله: إعارة الجدار لوضع جذوع الجار. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - الحديث فيه. وقال بوجوب ذلك جمع من العلماء، وهو أحد قولي الشافعي - رضي الله عنه -. وإذا كان يلزم الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب؛ فلأن يلزم صاحب الكِتَاب مَعَ عدم دوام العارية، أولى، وكأن الشّيخ ابن الصّلاح إنما قاسه عَلَى أداء الشهادة من جهة أنها متفق عَلَيْهَا، لَكِنْ الفرق بينهما أن الشهادة حق يتعلق بالحكم الّذي هُوَ نظام الأمور العامة والخاصة. فلو لَمْ يقل بلزوم الأداء لتعطل هَذَا النظام، بخلاف العارية فِيْمَا نحن فِيْهِ. والأقرب في القياس والتوجيه ما ذكرته، ولا يقال: تخرجت على قول مرجوح في المذهب؛ لأنا بيّنا الأولوية التي تقتضي رجحان الإلزام فيما نحن فيه)). (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 369. (¬3) التقريب: 130. (¬4) رواهُ الخطيب في الجامع 1/ 242 (483)، والقاضي عياض في الإلماع: 224، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء: 176.

صفة رواية الحديث، وأدائه

وَلْيَحْذَرْ أَيْضاً إذا نَسَخَ الكِتَابَ المُعَارَ أوْ شَيْئاً مِنْهُ (وأنْ (¬1) يُثْبِتَ) سَمَاعَهُ فِيْمَا نَسَخَهُ (قَبْلَ عَرَضِهِ) ومُقَابَلَتِهِ. بَلْ لاَ يَنْبَغِي إثْبَاتُ سَمَاعٍ في كِتَابٍ مُطْلَقاً، إلاَّ بَعْدَ مُقَابَلَتِهِ، لِئَلاَّ يَغْتَرَّ بهِ أحَدٌ (¬2) قَبْلَها (مَا لَمْ يُبَنْ) - بِضَمِّ أوَّلِهِ، وفَتْحِ ثَانِيْهِ -، أي: مَا لَمْ يُبَيِّنْ في الإثْبَاتِ والنَّقْلِ أنَّ النُّسْخَةَ غَيْرُ مُقَابَلَةٍ. صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيْثِ، وأَدَائِهِ غَيْرُ مَا مَرَّ: 620 - وَلْيَرْوِ مِنْ كِتَابِهِ وَإِْن عَرِي ... مِنْ حِفْظِهِ فَجَائِزٌ لِلأَكْثَرِ 621 - وَعَنْ أبي حَنِيْفَةَ الْمَنْعُ كَذَا ... عَنْ مَالِكٍ وَالصَّيْدَلاَنِيْ وَإِذَا 622 - رَأَى سَمَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَعَنْ ... نُعْمَانٍ الْمَنْعُ وَقالَ ابْنُ الْحَسَنْ 623 - مَعْ أبي يُوْسُفَ ثُمَّ الشَّافِعِيْ ... وَالأَكْثَرِيْنَ بِالْجَوَازِ الْوَاسِعِ 624 - وَإِنْ يَغِبْ وَغَلَبَتْ سَلاَمَتُهْ ... جَازَتْ (¬3) لَدَى جُمْهُوْرِهِم رِوَايَتُهْ 625 - كَذَلِكَ الضَّرِيْرُ وَالأُمِّيُّ ... لاَ يَحْفَظَانِ يَضْبُطُ الْمَرْضِيُّ 626 - مَا سَمِعَا وَالْخُلْفُ فِي الضَّرِيْرِ ... أَقْوَى، وَأَوْلَى مِنْهُ فِي الْبَصِيْرِ (وَلْيَرْوِ) الرَّاوِي (مِنْ كِتابِهِ) المُقَابَلِ المَصُونِ مُعْتَمِداً عَلَيْهِ (وإنْ عَرِي) أي: خَلاَ (مِنْ حِفْظِهِ) لأحَادِيْثِهِ عِنْدَ تَحْدِيْثِهِ. (فَ‍) ‍ذَلِكَ (¬4) (جَائِزٌ للأَكْثَرِ) مِنَ العُلَمَاءِ، وصَوَّبَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬5) لِبِنَاءِ الرِّوَايَةِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ. ¬

_ (¬1) في (م): (أن). (¬2) في (ع): ((أحد به)). (¬3) في (ب): ((جاز))، والوزن بها صحيح أيضاً. (¬4) في (ص): ((ذاك)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 372.

(وَ) رُوِيَ (عَنْ) الإمَامِ (أبي حَنِيْفَةَ) النُّعْمَانِ بنِ ثَابِتٍ الكُوْفِيِّ (المَنْعُ) (¬1) مِنْ ذَلِكَ، وأنَّهُ لاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيْمَا رَوَاهُ الرَّاوِي مِنْ حِفْظِهِ، وتَذَكُّرِهِ لهُ. و (كَذَا) رُوِيَ (عَن) الإمِامِ (مَالِكٍ)، هُوَ ابنُ أنَسٍ (¬2)، (وَ) عَنْ أحَدِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أبي بَكْرٍ (الصَّيْدَلاَنِيْ) - بالإسْكَانِ لِمَا مَرَّ - المَرْوَزِيِّ (¬3). (وَإِذَا رَأَى) المُحَدِّثُ (سَمَاعَهُ) في كِتابِهِ بِخَطِّهِ، أو خَطِّ مَنْ يَثِقُ بهِ (ولَمْ يَذْكُرْ) سَمَاعَهُ لهُ، ولاَ عَدَمَهُ (فَعَنْ) أَبِي حَنِيْفَةَ (نُعْمَانٍ المَنْعُ) (¬4) مِنْ رِوَايَتِهِ، يَعْنِي: وإنْ كانَ حَافِظاً لِمَا فِيْهِ (¬5). (وقَالَ) صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ (ابنُ الحَسَنْ مَعْ) شَيْخِهِ ورَفِيْقِهِ القَاضِي (أبي يُوسُفَ، ثُمَّ) الإمِامِ (الشَّافِعِيْ والأَكْثَرِيْنَ) مِنْ أصْحَابِهِ (¬6) (بالجَوازِ الوَاسِعِ) الَّذِي لَمْ يَقُلْ ¬

_ (¬1) انظر: الكفاية: (342 ت، 231 هـ‍). (¬2) انظر: الكفاية: (337 ت، 227 هـ‍)، والإلماع: 136. (¬3) انظر: الإلماع: 139، معرفة أنواع علم الحديث: 371. قلنا: ونسبه الزركشي إلى زين الدين الكشاني من المتأخرين. نكت الزركشي 3/ 604. فائدة: قال الحميدي: ((فأمّا من اقتصر على ما في كتابه فحدّث به ولم يزد ولم ينقص منه ما يغير معناه، ورجع عما يخالف فيه بوقوف منه عن ذلك الحديث، أو عن الاسم الذي خولف فيه من الإسناد ولم يغيره، فلا يطرح حديثه، فلا يكون ذلك ضاراً في حديثه إذا لم يرزق من الحفظ والمعرفة بالحديث ما رزق غيره إذا اقتصر على ما في كتابه ولم يقبل التلقين)). الكفاية: (341 ت، 230 هـ‍). (¬4) نقل القاضي عياض عن المحاملي أنه حكاه عن أبي حنيفة وبعض الشافعية. ونقله الخطيب عن المتأخرين من الحنفية. انظر: الكفاية: (541 ت، 380 هـ‍)، والإلماع: 139، ومعرفة أنواع علم الحديث: 375. (¬5) ونسبه القاضي عياض إلى إمام الحرمين، وقال القاضي حسين من الشافعية في فتاويه: إنه كذلك من طريق الفقه، واختاره ابن دقيق العيد، فحكى القطب الحلبي قال: أتيته بجزء سمعه من ابن دراج والطبقة بخطه، فقال: حتى أنظر فيه، ثُمّ عدت إليه فقال: هو بخطي، لكن ما أحقق سماعه ولا أذكره، ولم يحدث به. انظر: الإلماع: 139، وفتح المغيث 2/ 199. (¬6) الإلماع: 139.

بِمِثْلِهِ الإمَامُ (¬1) الشَّافِعِيُّ وأكْثَرُ أصْحابِهِ في الشَّهَادَةِ؛ لأنَّ بابَ الرِّوَايَةِ أوْسَعُ (¬2). (وإنْ يَغِبْ) كِتَابُهُ عَنْهُ، ولَوْ غَيْبَةً طَوِيْلَةً بإعَارَةٍ، أوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ حَضَرَ (وغَلَبَتْ) عَلَى ظَنِّهِ (سَلاَمَتُهْ) مِنَ التَّغْيِيْرِ والتَّبْدِيْلِ، (جَازَتْ لَدَى) أي: عِنْدَ (جُمْهُورِهِمْ) أي: الْمُحَدِّثِيْنَ (رِوَايَتُهْ)؛ لأنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ كَمَا مَرَّ (¬3). قَالَ الخَطِيْبُ: وكَذَا الحُكْمُ فِيْمَنْ يَجِدُ سَمَاعَهُ في كِتابِ غَيْرِهِ (¬4)، وغَيْرُ الجُمْهُورِ مَنَعَ ذَلِكَ؛ لاحْتِمالِ التَّغْيِيرِ (¬5) في الغَيْبَةِ (¬6). (كَذَلِكَ الضَّرِيْرُ) أي: الأَعْمَى، (والأُمِّيُّ) أي: الَّذِي لا يَكْتُبُ، اللَّذَانِ (لا يَحْفَظَانِ) حَدِيْثَهُمَا مِنْ فَمِ مَنْ حَدَّثَهُمَا، تَصِحُّ رِوَايَتُهُمَا عِنْدَ الجُمْهُورِ، حَيْثُ (يَضْبِطُ) لَهُما (الْمَرْضِيُّ) الثِّقَةُ (مَا سَمِعَا) هُ يَحْفَظُ كُلٌّ منهما كِتَابَهُ عَنِ التَّغْييرِ، ولَوْ بِثِقَةٍ غَيْرِهِ، بِحَيْثُ يَغْلبُ عَلَى الظَّنِّ سَلاَمَتُهُ مِنَ التَّغِييرِ إلى انْتِهَاءِ الأدَاءِ (¬7). ومَنَعَ غَيْرُ الجُمْهُورِ ذَلِكَ لاحْتِمَالِ إدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْ سَمَاعِهِمَا عَلَيْهِمَا (¬8)، (والخُلْفُ في الضَّرِيْرِ أقْوَى، وأوْلَى مِنْهُ في البَصِيْرِ) الأُمِّيِّ؛ لِخِفَّةِ الْمَحْذُورِ فِيْهِ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ص) و (ق). (¬2) قال ابن كثير: ((وهذا يشبه ما إذا نسي الراوي سماعه، فإنه تجوز روايته عنه لمن سمعه منه، ولا يضر نسيانه، والله أعلم)). اختصار علوم الحديث 2/ 398. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 371. (¬4) انظر: الكفاية: (349 ت، 236 هـ‍). وقال الخطيب: سألت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري عن رجل وجد سماعه في كتاب من شيخ قد سمي ونسب في الكتاب غير أنه لا يعرفه؟ فقال: لا يجوز له رواية ذلك الكتاب)). الكفاية: (350 ت، 237 هـ‍)، وانظر: فتح المغيث 2/ 201. (¬5) في (ص) (م): ((ذلك التغيير)). (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 371. (¬7) انظر: الكفاية: (338 ت، 228 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 373. (¬8) قال الخطيب في الكفاية: (339 ت، 229 هـ‍): ((ونرى العلة التي لأجلها منعوا صحة السماع من الضرير البصير الأمي هي جواز الإدخال عليهما ما ليس من سماعهما)).

الرواية من الأصل

وخَصَّ الرَّافِعِيُّ وغَيْرُهُ الخِلاَفَ في الضَّرِيْرِ بِمَا سَمِعَهُ بَعْدَ العَمَى، أمَّا مَا سَمِعَهُ قَبْلَهُ، فَلَهُ أنْ يَرْوِيَهُ بِلاَ خِلاَفٍ (¬1). الرِّوَايَةُ مِنَ الأَصْلِ أو الفَرْعِ المُقَابَلِ بهِ، ومَا مَعَهَا مِمَّا يَأْتِي: 627 - وَلْيَرْوِ مِنْ أَصْلٍ أَوِ الْمُقَابَلِ ... بِهِ وَلاَ يَجُوْزُ بِالتَّسَاهُلِ 628 - مِمَّا بِهِ اسْمُ شَيْخِهِ أَوْ أُخِذَا ... عَنْهُ لَدَى الْجُمْهُوْرِ وَأَجَازَ ذَا 629 - أَيُّوْبُ وَالبُرْسَانِ (¬2) قَدْ أَجَازَهْ ... وَرَخَّصَ الشَّيْخُ مَعَ الإِجَازَهْ 630 - وَإِنْ يُخَالِفْ حِفْظُهُ كِتَابَهْ ... وَلَيْسَ مِنْهُ فَرَأَوْا صَوَابَهْ: 631 - الْحِفْظَ مَعْ تَيَقُّنٍ وَالأَحْسَنُ ... الجَمْعُ كَالْخِلاَفِ مِمَّنْ يُتْقِنُ (وَلْيَرْوِ) الرَّاوِي إِذَا رَامَ أدَاء شَيءٍ مِمَّا (¬3) تَحَمَّلَهُ (مِنْ أصْلٍ) تَحَمَّلَ مِنْهُ، (أو) مِنَ الفَرْعِ (المُقَابَلِ بهِ) مَعَ ثِقَةٍ. (ولاَ يَجُوزُ) الأدَاءُ (بالتَّسَاهُلِ) بأنْ يَرْوِيَ (مِمَّا) أي: مِنْ كِتَابٍ لَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ أصْلاً (بهِ اسْمُ شَيْخِهِ)، يَعْنِي: سَمَاعُهُ، (أو) كَانَ فَرْعاً (أُخِذَا عَنْهُ) أي: عَنْ شَيْخِهِ مِنْ ثِقَةٍ، ولَوْ سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلى صِحَّتِهِ (لَدَى) أي: عِنْدَ ¬

_ (¬1) قال الزركشي في نكته 3/ 601: ((قلت: هما وجهان لأصحاب الشَّافِعِيّ حكاهما الرافعي في كتاب الشهادات، وقال: إن الجمهور على القبول، قال: وهذا الخلاف فيما سمعه بعد العمى، فأما ما سمعه قبله فله أن يرويه بلا خلاف. وذكر الخطيب أن علة المانعين هي جواز الإدخال عليهما ما ليس من حديثهما، قال: وهي العلة التي ذكرها مالك فيمن لَهُ كتب وسماعه صحيح فيها غير أنه لا يحفظ مل تضمنت، قال الخطيب: فمن احتاط في حفظه وسلم من أن يدخل عليه غير سماعه جازت روايته)). وانظر: الكفاية: (229 ت، 339 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 373. (¬2) في النفائس: ((البرساني)) بإثبات ياء النسب، ولا يصح الوزن بذلك. (¬3) ساقطة من (ص).

(الْجُمْهُوْرِ) مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ (¬1). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((لأنَّهُ لاَ يُؤْمَنْ أنْ يَكُونَ في كُلٍّ مِنْهُمَا زَوَائِدُ لَيْسَتْ في نُسْخَةِ سَمَاعِهِ)) (¬2). (و) لَكِنْ (أجَازَ ذا) أي: الأدَاءَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَيُّوْبُ) السَّخْتِيَانِيُّ، (وَ) مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ (البُرْسَانِ) - بضَمِّ المُوَحَّدَةِ، وحَذْفِ ياءِ النِّسْبَةِ - نِسْبَةً (¬3) لِقَبِيْلَةٍ مِنَ الأَزْدِ (قَدْ أجَازَهْ) أَيْضاً تَرَخُّصاً مِنْهُمَا في ذَلِكَ (¬4). (ورَخَّصَ) فِيْهِ أَيْضاً (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاَحِ، لَكِنْ (مَعَ الإجَازَهْ) للرَّاوِي مِنْ شَيْخِهِ بذَلِكَ الكِتابِ، أو بِسَائِرِ مَرْوِيَّاتِهِ الَّتِي مَرَّ أنَّهُ لاَ غِنَى عَنْهَا في كُلِّ سَمَاعٍ احْتِيَاطاً. قَالَ: ((ولَيْسَ فِيْهِ حِيْنَئِذٍ أكْثَرُ مِنْ رِوَايةِ تِلْكَ الزِّياداتِ بالإجَازَةِ بلَفْظِ: ... ((أَخْبَرَنَا)) أو ((حَدَّثَنَا)) مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ للإجَازَةِ فِيْهَا، والأمْرُ في ذَلِكَ قَرِيْبٌ يَقَعُ مِثْلُهُ في مَحَلِّ التَّسَامُحِ)) (¬5). فإنْ كَانَ الَّذِي في النُّسْخَةِ سَمَاعَ شَيْخِ شَيْخِهِ، أو هيَ مَسْمُوعةٌ عَلَى شَيْخِ شَيْخِهِ، أو مَرْوِيَّةٌ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ، فَيَنْبَغِي لهُ حِيْنَئِذٍ في رِوَايَتِهِ مِنْهَا أنْ تَكُونَ لهُ إجَازَةٌ شَامِلَةٌ مِنْ شَيْخِهِ، ولِشَيْخِهِ إجَازَةٌ شَامِلَةٌ مِنْ شَيْخِهِ. قَالَ: ((وهَذَا تَيْسِيْرٌ حَسَنٌ - هَدَانَا اللهُ لهُ، وللهِ الحَمْدُ (¬6) - والحاجَةُ إليهِ مَاسَّةٌ في زَمَانِنَا جِدّاً)) (¬7). ¬

_ (¬1) كما حكاه الخطيب عنهم في الكفاية: (376ت، 257هـ‍). وبه قطع أبو نصر بن الصبّاغ من فقهاء الشافعية. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 374، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 261. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 374. (¬3) لم ترد في (ص) و (ع). (¬4) انظر: الكفاية: (376 ت، 257 هـ‍)، ووافقهم عليه ابن كثير من المتأخرين. انظر: اختصار علوم الحديث: 374. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 374. (¬6) في ابن الصَّلاح: 375: ((وله الحمد))، والمثبت من جَميْع النسخ الخطية. (¬7) معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 375. ورجّح الخطيب من جهة النظر لا من جهة النقل: ((أنه متى عرف أن الأحاديث التي تضمّنتها النسخة هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحة النقل بها والسلامة من دخول الوهم فِيْهَا)). الكفاية: (377 ت، 257 هـ‍).

الرواية بالمعنى

(وإنْ يُخَالِفْ حِفْظُهُ كِتابَهْ) فإنْ كانَ حِفْظُهُ مِن كتابِهِ رجعَ إليهِ وإنْ اختلفَ المعنى، (و) إنْ كانَ (ليسَ) حِفْظُهُ (مِنْهُ)، بل مِن فَمِ المُحدِّث، أو من القراءةِ عليهِ (ف‍) ‍قد (رأوا) أي: المحدِّثُونَ (صوابَهْ الحِفْظَ) أي: اعتمادَ الحِفْظِ إن كانَ (مَعَ تَيَقُّنٍ) وتَثَبُّتٍ في حِفْظِهِ، فَإنْ كَانَ مَعَ شَكٍّ، أوْ سُوءِ حِفْظٍ، فلاَ. (والأَحْسَنُ) مَعَ التَّيَقُّنِ (الجَمْعُ) بَيْنَهُمَا، فيَقُولُ: ((حِفْظِي كَذَا، وفي كِتَابي (¬1) كَذَا)) (كَالخِلاَفِ) أي: كَالمُخَالَفَةِ لهُ (مِمَّنْ يُتْقِنُ) مِنَ الحُفَّاظِ في أنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ بَيَانُ الأَمْرَيْنِ، فَيَقُولُ: ((حِفْظِي كَذَا، وقَالَ فِيْهِ فُلاَنٌ كَذَا))، أو نَحْوَ ذَلِكَ (¬2). الرِّوَايَةُ بِالمَعْنَى وما مَعَهَا مِمَّا يأْتِي: 632 - وَلْيَرْوِ بِالأَلْفَاظِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ ... مَدْلُوْلَهَا وَغَيْرُهُ فَالْمُعْظَمُ 633 - أَجَازَ بِالْمَعْنَى وَقِيْلَ: لاَ الْخَبَرْ ... وَالشَّيْخُ فِي التَّصْنِيْفِ قَطْعَاً قَدْ حَظَرْ 634 - وَلْيَقُلِ الرَّاوِي: بِمَعْنَىً، أَوْ كَمَا ... قالَ وَنَحْوُهُ كَشَكٍّ أُبْهِمَا (وَلْيَرْوِ) وُجُوْباً بلاَ خِلاَفٍ (¬3) (بالأَلْفَاظِ) الَّتِي سَمِعَ بِهَا، لاَ بِمَعَانِيْهَا (مَنْ) تَحَمَّلَهَا، وهوَ (لا يَعْلَمُ مَدْلُولَهَا) ومَقَاصِدَهَا. إذْ لوْ رَوَى بالمعْنَى لَمْ يُؤْمَنْ مِنَ الخَلَلِ. (وَ) أمَّا (غَيْرُهُ)، وهوَ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، (فالْمُعْظَمُ) مِنْ أهْلِ الحَدِيْثِ، والفِقْهِ، والأُصُولِ (¬4) (أجَازَ) لهُ الرِّوَايَةَ (بالمَعْنَى)، ولَوْ في الخَبَرِ، أوْ حِفْظِ اللَّفْظِ، أوْ أَتَى بِلَفْظٍ غَيْرِ مُرَادِفٍ، أوْ كَانَ المعْنَى غَامِضاً. ¬

_ (¬1) في (م): ((كتاب)). (¬2) وهذا هو المختار أيضاً فيما إذا خالفه بعض الحفّاظ. انظر: الكفاية: (334 ت، 225 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 375. (¬3) وأول من نقله الخطيب في الكفاية: (300 ت، 198 هـ‍)، وممن نقله القاضي عياض في الإلماع: 174. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 376، والمنهل الروي: 99.

قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وهوَ الَّذِي تَشْهَدُ بهِ أحْوَالُ الصَّحَابَةِ، والسَّلَفِ الأوَّلِيْنَ، فَكَثِيْراً مَا كَانُوا يَنْقُلُونَ مَعْنًى واحِداً في أمْرٍ واحِدٍ بأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ وذَلِكَ لأنَّ مُعَوَّلَهُمْ كَانَ عَلَى المَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ)) (¬1). وَقِيْلَ: لاَ يَجُوزُ لهُ ذَلِكَ مُطْلَقاً، وإنْ لَمْ يَتَغَيَّرِ المَعْنَى، ولاَ خَالَفَ اللَّغَةَ الفُصْحَى (¬2) خَوْفاً مِنَ الدُّخُولِ في الوَعِيْدِ حَيْثُ عَزَا للنَّبِيِّ (¬3) - صلى الله عليه وسلم - لفْظاً لَمْ يَقُلْهُ؛ لأنَّهُ قَدْ يَظُنُّ تَوْفِيَةَ لَفْظٍ بِمَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ، ولاَ يَكُونُ كَذَلِكَ في الوَاقِعِ. (وَقِيْلَ: لا) يَجُوزُ لهُ (¬4) ذَلِكَ في (الخَبَرْ) أي: خَبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويَجُوزُ لهُ في غَيْرِهِ (¬5). وقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (¬6). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 377. (¬2) وبه قال ابن سيرين والقاسم بن محمد ورجاء بن حيوة. وحكاه ابن الصلاح عن طائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم. انظر: الكفاية: (311 ت، 206 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 376. (¬3) في (ق): ((له)). (¬4) لم ترد في (ق) و (ع). (¬5) وبه قَالَ مالك. انظر: الكفاية: (288 - 289 ت، 188 - 189 هـ‍)، وجامع بَيَان العلْم 1/ 81، والإلماع: 178 و 179 - 180. (¬6) وللحافظ ابن حجر تقييد وجيه للجواز، إذ قال: ((إن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى، وليست هذه مسألة الرواية بالمعنى بل هي متفرعة منها، وينبغي أن يكون ذلك قيداً في الجواز، أعني يزاد في الشرط: أن لا يقع التعبد بلفظه ولا بدّ منه ومن أطلق فكلامه محمول عليه)). فتح الباري 8/ 304. والذي نراه أن الجواز كان مخصوصاً بعصر الصحابة ومن بعدهم بقليل، أما غيرهم فلا يجوز لهم التصرف. قال ابن العربي: ((إن هذا الخلاف إنما يكون في عصر الصحابة ومنهم، وأما من سواهم فلا يجوز لهم تبديل اللفظ بالمعنى، وإن استوفى ذلك المعنى، فإنا لَوْ جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، إذ كُلّ أحد إلى زماننا هذا قد بدّل ما نقل، وجعل الحرف بدل الحرف فيما رواه فيكون خروجاً من الإخبار بالجملة. والصحابة بخلاف ذلك فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان: =

هَذَا كُلُّهُ فِيْمَنْ أخذَ مَنْ غَيْرِ تَصْنِيْفٍ، أمَّا مَنْ أخَذَ مِنْهُ، فَهوَ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (والشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاَحِ (في التَّصْنِيْفِ قَطْعاً قَدْ حَظَرْ)، وفي نُسْخَةٍ: ((مُطْلَقاً حَظَرَ)) -، أي: مَنَعَ تَغْيِيْرَ اللَّفْظِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ. لأنَّ مَا رَخَّصُوا بِسَبَبِهِ مِنَ المَشَقَّةِ في ضَبْطِ الألْفَاظِ، والجُمُودِ عَلَيْهَا مُنْتَفٍ في المُصَنَّفَاتِ؛ ولأنَّهُ إنْ مَلَكَ تَغْيِيْرَ اللَّفْظِ، فلاَ يَمْلِكُ تَغْيِيْرَ تَصْنِيْفِ غَيْرِهِ. وقَضِيَّتُهُ تَخْصِيْصُ المَنْعِ بِما إذا رَوَيْنَا التَّصْنِيْفَ، أوْ نَسَخْنَاهُ، أمَّا إذا نَقَلْنَا مِنْهُ إلى أجْزَائِنَا وتَخَارِيْجِنا، فَلاَ: إذِ التَّصْنِيْفُ حِيْنَئِذٍ لَمْ يُغَيَّرْ. ذَكَرَهُ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ (¬1)، وأَقَرَّهُ شَيْخُنَا، وعَلَيْهِ عَمَلُ جَمَاعَةٍ. قَالَ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ: ((لَكِنَّهُ لَيْسَ جَارِياً عَلَى الاصْطِلاَحِ، فَإِنَّ الاصطِلاحَ عَلَى أنْ لا تُغَيَّرَ الألْفَاظُ بَعْدَ الانْتِهَاءِ إلى الكُتُبِ المُصَنَّفَةِ، سَوَاءٌ أَرَوَيْنَاها فِيْهَا أمْ نَقَلْنَاها مِنْهَا؟)) (¬2). ووَافَقَهُ النَّاظِمُ عَلَى ذَلِكَ (¬3). ¬

_ = أحدهما: الفصاحة والبلاغة، إذ جبلتهم عربية، ولغتهم سليقة. والثاني: أنهم شاهدوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصد كله، وليس من أخبر كمن عاين. ألا تراهم يقولون في كُلّ حديث: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كذا، ولا يذكرون لفظه، وكان ذلك خبراً صحيحاً ونقلاً لازماً، وهذا لا ينبغي أن يستريب فيه منصف لبيانه)). أحكام القرآن 1/ 35 - 36. وممن قال بهذا الماوردي والروياني. فتح المغيث 2/ 212. ووافقه على ذلك القاضي عياض، فقال: ((لكن لحماية الباب من تسلط من لا يحسن، وغلط الجهلة في نفوسهم، وظنهم المعرفة مع القصور، يجب سدّ هذا الباب، إذ فعل هذا من لم يبلغ درجة الكمال في معرفة المعاني حرام باتفاقٍ)). إكمال المعلم 1/ 95. وهذا المبحث استوعب جوانبه الشّيخ طاهر الجزائري في كتابه " توجيه النظر " 2/ 671 - 702، وانظر: الإحكام لابن حزم 2/ 86 - 90. (¬1) انظر: الاقتراح: 245 - 246. (¬2) انظر: الاقتراح: 245 - 246. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 266.

الاقتصار على بعض الحديث

لَكِنَّ مَيْلَ (¬1) شَيْخِنا إلى الجَوازِ إذَا قَرَنَ بما يَدلُّ عَلَيْهِ، كقَوْلِهِ: ((بنَحْوِهِ)). (وَلْيَقُلِ الرَّاوِي) نَدْباً عَقِبَ إيْرَادِهِ للْحَدِيْثِ (بِمَعْنَىً) أي: بالمَعْنَى: (أوْ كَمَا قَالَ، ونَحْوُهُ)، كَقَوْلِهِ: أوْ نَحْوُ هَذَا أوْ مِثْلُهُ أوْ شِبْهُهُ. وهَذَا (كَشَكٍّ) مِنَ المُحَدِّثِ أو القَارِئِ في لَفْظٍ، فإنَّهُ يَحْسُنُ أنْ يَقُوْلَ: أوْ كَمَا قَالَ، أوْ نَحْوُهُ. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وهوَ الصَّوَابُ في مِثْلِهِ؛ لأنَّ قَوْلَهُ: ((أوْ كَمَا قَالَ)) يَتَضَمَّنُ إجَازَةً مِنَ الرَّاوِي، وإِذْناً في رِوَايَةِ الصَّوَابِ عَنْهِ إذَا بانَ)) (¬2). (أُبْهِمَا) - بألِفِ الإطْلاَقِ - صِفَةٌ لـ: شَكَّ، وهوَ تَكْمِلَةٌ وإيْضَاحٌ. الاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الحَدِيْثِ 635 - وَحَذْفَ بَعْضِ الْمَتْنِ فَامْنعَ او أَجِزْ ... أَوْ إِنْ أُتِمَّ أَوْ لِعَالِمٍ وَمِزْ 636 - ذَا بِالصَّحِيْحِ إِنْ يَكُنْ مَا اخْتَصَرَهْ ... مُنْفَصِلاً عَنِ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهْ 637 - وَمَا لِذِي تُهْمَةٍ (¬3) أَنْ يَفْعَلَهْ ... فَإِنْ أَبَى فَجَازَ أَنْ لاَ يُكْمِلَهْ 638 - أَمَّا إِذَا قُطِّعَ فِي الأبوابِ ... فَهْوَ إلى الْجَوَازِ ذُو اقْتِرَابِ (وَحَذفَ بَعْضِ المَتْنِ) أي: الحَدِيْثِ، وإنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بالمُثْبَتِ تَعَلُّقاً يُخِلُّ حَذْفُهُ بالمَعْنَى (فَامْنَعْ) مُطْلَقاً؛ لأنَّ رِوَايةَ الحَدِيْثِ نَاقِصاً تَقْطَعُهُ وتُغَيِّرُهُ عَنْ وَجْهِهِ (¬4). (أوْ أجِزْ) هُ مُطْلَقاً إنِ انْتَفَى التَّعَلُّقُ المَذْكُورُ، وإلاَّ فلاَ يَجُوزُ بِلاَ خِلاَفٍ (¬5). ¬

_ (¬1) أشار ناسخ (ع) إلى أن في نسخة: ((مال)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 378. (¬3) في النفائس وفتح المغيث: ((من تهمة))، وما أثبتناه من جميع النسخ والألفية وشروحها. (¬4) قلنا: فإن كان الإسقاط للشك في الحديث، فقد سوّغ ابن كثير والبلقيني ذلك، ونقل عن مالك وغيره. انظر: شرح النووي على صحيح مُسلم 1/ 49، واختصار علوم الحديث 2/ 406، ومحاسن الاصطلاح: 337، وفتح المغيث 2/ 219. (¬5) وبه جزم أبو بكر الصيرفي وغيره. انظر: البحر المحيط 4/ 360، وشرح التبصرة 2/ 269.

(أوْ) أجِزْهُ (إنْ أُتِمَّ) - بِضَمِّ أوَّلِهِ - إيْرَادُ الحَدِيْثِ مِنْهُ، أوْ مِنْ غَيْرِهِ مَرَّةً أُخْرى لِيُؤْمَنَ بِذَلِكَ مِنْ تَفْوِيْتِ حُكْمٍ أوْ نَحْوِهِ، وإلاَّ فَلاَ، وإنْ جَوَّزَ قَائِلُهُ الرِّوَايَةَ بالمَعْنَى، كَمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬1)، وغَيْرُهُ (¬2). (أوْ) أجِزْهُ (لِعَالِمٍ) عَارِفٍ - وإنْ لَمْ يُجِزِ الرِّوَايَةَ بالمَعْنَى - لا لِغَيْرِهِ. فَهَذِهِ أرْبَعَةُ أقْوَالٍ (¬3). (ومِزْ) أي: مَيِّزْ (ذَا) القَوْلَ الرَّابِعَ - وهوَ مَا عَلَيْهِ الجُمْهُوْرُ - عَنِ البَقِيَّةِ بِوَصْفِهِ (بالصَّحِيْحِ إنْ يَكُنْ مَا اخْتَصَرَهْ) بالحَذْفِ مِنَ المَتْنِ (مُنْفَصِلاً عَنِ) القَدَرِ (الَّذِي قَدْ ذَكَرَهْ) مِنْهُ، أي: غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بهِ تَعَلُّقاً يُخِلُّ حَذْفُهُ بالمَعْنَى؛ لأنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ. أمَّا إذَا تَعَلَّقَ بهِ التَّعَلُّقَ المذْكُورَ، كالاسْتِثْنَاءِ، والغَايَةِ، والحَالِ، كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ يُبَاعُ الذَّهَبُ بالذَّهَبِ إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ)) (¬4)، فَلاَ يَجُوزُ حَذْفُهُ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ: (أوْ لِعَالِمٍ) إلى آخِرِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: ((يَنْبَغِي أنْ لاَ يَكُونَ قَوْلاً برَأْسِهِ، بلْ يُجْعَلُ شَرْطاً لِمَنْ أجَازَ، فإنَّ مَنْعَ غَيْرِ العَالِمِ مِنْ ذَلِكَ لا يُخَالِفُ فِيْهِ أحَدٌ)) (¬5). هَذَا كُلُّهُ في غَيْرِ المُتَّهَمِ. أمَّا المُتَّهَمُ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: (ومَا لِذِي) أي: لِصَاحِبِ خَوْفٍ مِنْ تَطَرُّقِ (تُهْمَةٍ) إِلَيْهِ بالحَذْفِ (أنْ يَفْعَلَهْ) سَوَاءٌ رَوَاهُ ابْتِدَاءً ناقِصاً أمْ تَامّاً؛ لأنَّهُ إنْ رَوَاهُ تَامّاً بَعْدَ أنْ رَوَاهُ نَاقِصاً اتُّهِمَ بِزِيَادةِ مَا لَمْ ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 378. (¬2) انظر: الكفاية: (290 ت، 190 هـ‍)، والبحر المحيط 4/ 361. (¬3) انظر: الكفاية: (289 - 290 ت، 190 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 379، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 269. (¬4) رواهُ الطيالسي (2181)، وعبد الرزاق (14546)، والحميدي (744)، وأحمد 3/ 9 و 47، ومسلم 5/ 42 (1584) (77)، والطحاوي في شرح المشكل (6107)، وفي شرح المعاني 4/ 67. (¬5) انظر: نزهة النظر: 128 - 129، ونسبه إلى الأكثرين.

يَسْمَعْهُ، أوْ بالعَكْسِ اتُّهِمَ بِنِسْيَانِهِ لِقِلَّةِ حِفْظِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ (¬1) أنْ يَرْوِيَهُ تَامّاً؛ لِيَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ (¬2). (فإنْ أبَى) أي: خَالَفَ، ورَوَاهُ ناقِصاً فَقَطْ، (فَجَازَ) لِهَذَا العُذْرِ (¬3)، أعْنِي خَوْفَ اتِّهَامِ الزِّيَادةِ (أنْ لاَ يُكْمِلَهْ) بَعْدَ ذَلِكَ، ويَكْتُمَ الزِّيَادةَ. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((مَنْ كانَ هَذَا حَالَهُ، فَلَيْسَ لهُ أنْ يَرْوِيَ الحَدِيْثَ نَاقِصاً، إنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أدَاءُ تَمَامِهِ؛ لأنَّهُ إذا رَوَاهُ أوَّلاً نَاقِصاً أَخْرَجَ بَاقِيَهِ عَنِ حَيِّزِ الاحْتِجَاجِ بهِ، ودَارَ بَيْنَ أنْ لاَ يَرْوِيَهُ أصْلاً؛ فَيُضَيِّعَهُ رأْساً، وبَيْنَ أنْ يَرْوِيَهُ مُتَّهَماً فِيْهِ بالزِّيَادَةِ؛ فَيُضَيِّعَ ثَمَرَتَهُ لِسُقُوطِ الحُجَّةِ فِيْهِ)) (¬4). هَذَا كُلُّهُ إذا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الحَدِيْثِ في الرِّوَايَةِ، (أمَّا إذَا قُطِّعَ) الحَدِيْثُ الواحِدُ المُشْتَمِلُ عَلَى أحكَامٍ (في الأبْوَابِ) بِحَسبِ الاحْتِجَاجِ بهِ عَلَى مَسْأَلَةٍ مَسْأَلَةٍ (فَهْوَ إلى الجَوَازِ ذُو اقْتِرَابِ) أي: أقْرَبُ، ومِنَ المَنْعِ أبْعَدُ. وقَدْ فَعَلَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ: مَالِكٌ، وأَحْمَدُ، والبُخَارِيُّ، وأبو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وغَيْرُهُمْ (¬5)، وحَكَى الخَلاَّلُ عَنْ أحْمَدَ أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ لاَ يُفْعَلَ (¬6). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ولاَ يَخْلُو مِنَ كَرَاهِيَةٍ)) (¬7). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ق). (¬2) انظر: الكفاية: (293 ت، 193 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 379. (¬3) ساقطة من (ق). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 379. (¬5) انظر: الكفاية: (294 - 295 ت، 193 - 194 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 379، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 269. (¬6) انظر: الكفاية: (295 ت، 194 هـ‍). (¬7) نازع النووي ابن الصّلاح فقال: ((وما أظنه يوافق عليه)). التقريب: 135. وقال السخاوي: ((وصرح الرشيد العطار بالخلاف فيه، وأن المنع ظاهر صنيع مُسلم فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام يورد الحديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فُلان أو نحوه)). فتح المغيث 2/ 223.

التَّسْمِيْعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّاْنِ، وَالْمُصَحِّفِ (التَّسْمِيْعُ) أي: هَذَا حُكْمُ سَمَاعِ الشَّيْخِ، (بِقِرَاءةِ اللَّحَّانِ والمُصَحِّفِ) والمُحَرِّفِ، مَعَ الحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِ النَّحْوِ، وعَلَى الأخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الشُّيُوخِ. واللَّحْنُ: الخَطَأُ في الإعْرَابِ. والتَّصْحِيْفُ: الخَطَأُ في الحُرُوْفِ، بالنُّقَطِ، كَإبْدَالِ الزايِ في ((البَزَّاز)) (¬1) رَاءً. والتَّحْرِيْفُ: الخَطَأُ (¬2) فِيْهَا بالشَّكْلِ، كَقِرَاءةِ ((حَجَر)) - مُحَرَّكٌ أوَّلُهُ وثَانِيْهِ - بتَحْرِيْكِ أوَّلِهِ وإسْكَانِ ثَانِيْهِ. 639 - وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا ... عَلَى حَدِيْثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا 640 - فَيَدْخُلاَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كَذَبَا ... فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا 641 - وَالأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لاَ الْكُتُبِ ... أَدْفَعُ لِلتَّصْحِيْفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ (وَلْيَحْذَرِ) الشَّيْخُ الطَّالِبَ (اللَّحَّانَ) أي: كَثِيْرَ اللَّحْنِ في الأحَادِيْثِ، (وَالْمُصَحِّفَا)، والمُحَرِّفَ فِيْهَا، أي: لِيَحْتَرِزْ مِنْهُمْ، (عَلَى) بمَعْنَى: ((في)) (حَدِيْثِهِ)، وهذا تَنَازُعُهُ يُحْذَرُ. واللَّحَّانُ والمُصَحِّفُ (بِأَنْ يُحَرِّفَا) أي: بِسَبَبِ تَحْرِيْفِهِ مَثَلاً؛ (فَيَدْخُلا) أي: الشَّيْخُ والطَّالِبُ، أو، أي: الشَّيْخُ المفْهُومُ مِنْهُ الطَّالِبُ بالأولَى، (في) جُمْلَةِ (قَوْلِهِ) - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ كَذَبَا) عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (¬3). لأنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ ولَحَنْتَ فِيْهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ. (فَحَقٌّ النَّحْوُ) واللُّغَةُ، أي: واجِبٌ تَعَلُّمُهما (¬4) (عَلَى مَنْ طَلَبَا) الحَدِيْثَ، بأنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَتَخَلَّصُ بهِ منْ شَيْنِ اللَّحْنِ وأخَوَيْهِ ومَعَرَّتِهَا (¬5)؛ لأنَّ ذَلِكَ مُقَدِّمَةٌ لِحِفظِ الشَّرِيْعَةِ، وهوَ واجِبٌ، ومُقَدِّمَةُ الواجِبِ واجِبَةٌ. ¬

_ (¬1) في (م) و (ق) و (ص): ((البزار))، والصواب كَمَا أثبتناه من (ع)، والله أعلم. (¬2) لم ترد في (ق). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) في (م): ((تعلمها)). (¬5) من معاني المعرة: الجناية، والمسبة، والإثم، والأمر القبيح والمكروه. انظر: تاج العروس 13/ 5 - 20.

إصلاح اللحن، والخطأ

وقَالَ الشَّعْبِيُّ: ((النَّحْوُ في العِلْمِ، كَالمِلْحِ في الطَّعَامِ، لاَ يَسْتَغْنِي شَيءٌ عَنْهُ)) (¬1). وعَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: ((مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الحَدِيْثَ، ولاَ يَعْرِفُ النَّحْوَ، مَثَلُ حِمَارٍ عَلَيْهِ مِخْلاَةٌ لاَ شَعِيْرَ فِيْهَا)) (¬2). (والأَخْذُ) لِلأَلْفَاظِ (مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) أي: العُلَمَاءِ بِهَا، (لا) مِنَ (الكُتُبِ) مِنْ غَيْرِ تَدْرِيبِ المَشَايخِ (أَدْفَعُ للتَّصْحِيْفِ) وأَخَوَيْهِ (فَاسْمَعْ) مِنِّي ذَلِكَ، (وَادْأَبِ) أي: جِدَّ، واتْعَبْ في أَخْذِهِ مِنَ المُتْقِنِيْنَ المُتَّقِيْنَ العَارِفِيْنَ، لا المدَّعِيْنَ الخَاسِرِيْنَ الخَائِبِيْنَ (¬3). إِصْلاَحُ اللَّحْنِ، وَالْخَطَأِ الوَاقِعَيْنِ في الرِّوَايَةِ مَعَ مَا يَأْتِي: 642 - وَإِنْ أَتَى فِي الأَصْلِ لَحْنٌ أَوْ خَطَا (¬4) ... فَقِيْلَ: يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطَا 643 - وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِيْنَ يُصْلَحُ ... وَيُقْرَأُ الصَّوَابُ وَهْوَ الأَرْجَحُ 644 - فِي اللَّحْنِ لاَ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ ... وَصَوَّبُوْا الإِبْقَاءَ مَعْ (¬5) تَضْبِيْبِهِ 645 - وَيُذْكَرُ الصَّوَابُ جَانِباً كَذَا ... عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوْخِ نَقْلاً أُخِذَا 646 - وَالْبَدْءُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى وَأَسَدْ ... وَأَصْلَحُ الإِصْلاَحِ مِنْ مَتْنٍ وَرَدْ (وإنْ أَتَى في الأَصْلِ)، أو نَحْوِهِ (لَحْنٌ) في إعْرَابٍ، (أو خَطَأٌ) بِتَصْحِيْفٍ، أو تَحْرِيْفٍ؛ فَقَدِ اخْتُلِفَ في كَيْفِيَّةِ رِوَايَتِهِ. ¬

_ (¬1) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 28 (1080). (¬2) أسنده الخطيب في الجامع 2/ 26 (1074). (¬3) من قوله: ((العارفين ... )) إلى هنا لم يرد في (ص). قال ابن الصّلاح: ((وأما التصحيف فسبيل السلامة منهُ، الأخذ من أفواه أهل العلم والضبط، فإن من حرم ذلك وكان أخذه وتعلمه من بطون الكتب كان من شأنه التحريف، ولم يفلت من التبديل والتصحيف)). معرفة أنواع علم الحديث: 381. (¬4) في (ب): ((خطي)). (¬5) بتسكين العين؛ لضرورة الوزن.

(فَقِيْلَ): إنَّهُ (يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطا) - بنَصْبِهِ تَمْيِيزاً، أو حالاً -، أي: كَيْفَ جَاءَ غَلَطُهُ بِلَحْنٍ (¬1)، أو غَيْرِهِ عَمَلاً بِمَا سَمِعَ (¬2). وقِيْلَ: لاَ يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ أصْلاً. واخْتَارَهُ ابنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: لأنَّهُ إنْ تَبِعَهُ فِيْهِ، فالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقُلْهُ، وإنْ أَوْرَدَهُ عَنْهُ عَلَى الصَّوابِ، فهوَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ كَذَلِكَ (¬3). وشَبَّهَ بِمَا لَوْ وَكَّلَهُ في بَيْعٍ فَاسِدٍ، فإنَّهُ لاَ يَسْتَفِيْدُ الفَاسِدُ؛ لأنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيْهِ، ولا الصَّحِيْحُ؛ لأنَّ المَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيْهِ. (ومَذْهَبُ المُحَصِّلِيْنَ) مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ (¬4): أنَّهُ (يُصْلَحُ، ويُقْرَأُ الصَّوابُ) مِنْ أَوَّلِ الأمْرِ، وظَاهِرُهُ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ المُغَيِّرِ للْمَعْنَى وغَيْرِهِ (¬5). (وَهْوَ) أي: الإصلاحُ (الأرْجَحُ) أي: الأولى (في اللَّحْنِ) الذِي (لاَ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ)، أما الَّذِي يختلفُ الْمَعْنَى (¬6) بِهِ، فيحتمِلُ أنْ يُصْلَحَ عِنْدَ الْمحصِّلينَ جزماً، وأنْ لا يَكُوْنَ الأولى عِنْدَهم إصلاحهُ. ¬

_ (¬1) في (م): ((للحن)). (¬2) وهو ما ذهب إليه مُحمّد بن سيرين وعبد الله بن سخبرة. انظر: العلم لأبي خيثمة (134)، والمحدث الفاصل: 538 عقب (701)، والجامع لأخلاق الراوي 2/ 22 (1056)، والكفاية: (186 هـ، 285 ت)، وجامع بيان العلم 1/ 80. (¬3) نقل مذهب العز بن عبد السلام تلميذه ابن دقيق العيد. انظر: الاقتراح: 294. قال السخاوي: ((قال المصنف: ولم أر ذلك لغير العز، واستحسنه بعض المتأخرين)). فتح المغيث 2/ 232 وسبقه التقي ابن دقيق العيد. الاقتراح: 294. (¬4) منهم: الأوزاعي وابن المبارك. وبه قال الأعمش والشّعبي، وحماد بن سلمة، وابن معين، وأحمد بن صالح، والحسن بن مُحمّد الزعفراني، وابن المديني. انظر مذاهبهم في المحدث الفاصل: 524 فقرة (663)، والكفاية: (295 - 300 ت، 194 - 197 هـ‍)، والجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 23 رقم (1060) و (1061)، وجامع بيان العلم 1/ 81. (¬5) وهناك قول رابع أهمله المصنف، حكاه الزركشي في نكته 3/ 622 عن القابسي أنه نقل عن شيخه أبي الحسن مُحمّد بن هاشم البصري سؤاله لأبي عمران النسوي عن اللحن يوجد في الحديث؟ فَقَالَ: ((إن كَانَ شيئاً يقوله العرب -وَلَوْ كَانَ في غَيْر لغة قريش- فَلاَ يُغير؛ لأن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يكلّم الناس بلسانهم وإن كان ممّا لا يوجد في كلام العرب فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يلحن))، واختاره ابن حزم. انظر: إحكام الأحكام 2/ 89. (¬6) ساقطة من (ص).

والثاني أوفقُ بكلامِهِ في شرحِهِ (¬1). (وَ) قَدْ (صَوَّبُوا) أي: أكثرُ الشُّيوخِ (الإبْقاءَ) لِذَلِكَ في الكُتُبِ مِن غَيْرِ إصْلاحٍ (مَعْ) بالإسْكانِ (تَضْبِيبِهِ) أي: التَّضْبِيبِ عَلَيْهِ مِنَ العارِفِ بِالْعَلامَةِ الْمنبِّهةِ عَلَى خَلَلِهِ، (وَيُذْكَرُ) مَعَ ذَلِكَ (الصَّوابُ) الذِي ظَهَرَ (جَانِباً) أي: بِجَانِبِ اللَّفْظِ الْمُخْتَلِّ عَلَى هَامِشِ الكِتَابِ. (كَذَا عَنْ أكْثَرِ الشُّيوخِ، نَقْلاً) لِلْقَاضِي عِيَاض عَنْهُمْ (¬2) (أُخِذا) مِمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُهُمْ، فَيَكْتُبُ الرَّاوِي عَلَى الْحَاشِيةِ: كَذَا قَالَ، وَالصَّوابُ كَذَا. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((فإنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَأَنْفى لِلْمفْسَدَةِ)) (¬3). أي: لِما فِيْهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الأمْرَينِ، ونفي التَّسْويدِ عَن الْكِتَابِ. قَالَ: ((والأولى سَدُّ بابِ التغييرِ، والإصْلاحِ، لِئلا يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَن لا يحسنُ، وَهُوَ أَسْلَمُ مَعَ التبيينِ، فيذكرَ ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ، كَمَا وقعَ، ثُمَّ يذكرُ وجهَ صَوابِهِ)) (¬4). (وَالْبَدْءُ (¬5) بِالصَّوابِ) أي: بَقراءتِهِ، ثُمَّ التَّنْبيهِ عَلَى مَا وَقَعَ في الرِّوَايَةِ (أَوْلَى وأسَدْ) - بِالمهملةِ -، أي: أقْوَى وأَقْوَمُ (¬6) مِن بدْئِهِ بالْخَطأِ الْمذكورِ آنفاً، كَيلا (¬7) يتقوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْهُ. (وَأصْلَحُ الإصْلاحِ) أي: أحْسَنُ مَا يعتمدُ عَلَيْهِ في الإصْلاحِ، أنْ يَكُوْنَ ما أُصلِحَ بِهِ الْخَطأُ مَأخُوذاً (مِنْ مَتْنٍ) آخرَ (وَرَدْ) مِن طريقٍ أُخْرى؛ لأنَّهُ بِذَلِكَ أَمِنَ مِنْ أن يَكُوْنَ متقوِّلاً عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْهُ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 275. (¬2) انظر: الإلماع: 185 - 186. قال ابن فارس: ((وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب)) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 277. قال الميانشي: ((وصوب بعض المشايخ هذا، وأنا استحسنه وآخذ به)). ما لا يسع المحدث جهله: 8 ط السامرائي. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 382. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 384. (¬5) في (م): ((البدأ)). (¬6) في (ص): ((أي أقوم)) وفي (ع): ((أي أقوى)) وما أثبتناه من (ق) و (م). (¬7) في (ع): ((لئلا)).

هَذَا كلُّهُ في الخطإِ بلحنٍ، أَوْ تَصْحِيفٍ. 647 - وَلْيَأْتِ فِي الأَصْلِ بِمَا لاَ يَكْثُرُ ... كَابْنٍ وَحَرْفٍ حَيْثُ لاَ يُغَيِّرُ 648 - وَالسَّقْطُ يُدْرَى (¬1) أَنَّ مِنْ فَوْقُ أَتَى ... بِهِ يُزَادُ بَعْدَ يَعْنِي مُثْبَتَا 649 - وَصَحَّحُوْا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ في ... كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ 650 - صِحَّتَهُ مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ سَنَدْ ... كَمَا إذَا ثَبَّتَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ 651 - وَحَسَّنُوا الْبَيَانَ كَالْمُسْتَشْكِلِ ... كَلِمَةً فِي أَصْلِهِ (¬2) فَلْيَسْأَلِ أما الخَطَأُ بسقطٍ يسيرٍ، فَهُوَ ما ذكرَهُ بقولِهِ: (وَلْيأتِ) الرَّاوِي (في الأصْلِ)، أَوْ نحوِهِ رِوَايَةً وإلْحَاقاً (بِمَا لاَ يَكْثُرُ) مِمَّا هُوَ معْرُوفٌ لِلْمُحَدِّثِيْنَ (كابْنٍ)، وأبي: مِن ابنِ جُريجٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ - مثلاً - إِذَا غلبَ عَلَى ظَنِّهِ أنَّهُ مِن الكَاتِبِ، لا مِن شَيْخِهِ. (وَ) مثلُ (حَرْفٍ، حَيْثُ لا يُغَيِّرُ) سُقوطه المعنى، فَلاَ بأسَ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ وإلْحَاقِهِ مِن غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى سُقوطِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الإمَامَانِ مَالِكٌ، وأحْمَدُ، وغيرُهُمَا (¬3). (والسَّقْطُ) أي: السَّاقِطُ مِن بَعْضِ الْمُتأخِّرينَ مِن الرُّوَاةِ مِمَّا (يُدْرَى أَنَّ مِن فوقُ) أي: من فوقه من الرُّوَاةِ (أتَى بِهِ، يُزَاْدُ) أَيْضاً في الأصْلِ، أَوْ نحوِهِ لَكِنْ (بَعْدَ) لفظِ: (يَعْني)، حالةَ كونِهِ (مُثْبَتَا) كتابةً. كَمَا فعلَهُ جَمعٌ، مِنْهُمْ: الْخَطيبُ، فَقَدْ رَوَى حَدِيْثَ عَائِشَةَ: ((كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُدْنِيْ إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ)) (¬4)، عَنْ أَبِي عمرَ بنِ مهديٍّ، عَنْ الْمَحَامِليِّ، بِسَنَدِهِ إِلَى عروةَ، عَنْ عمرةَ، فَقَالَ: يَعْنِي: عَنْ عَائِشَةَ. ¬

_ (¬1) كذا في (ج‍) و (فتح المغيث) و (النفائس) وجميع نسخ شرح الألفية، وفي (أ) و (ب): ((يدري))، والأولى ما أثبت. (¬2) في (النفائس) ((أصلٍ)). (¬3) انظر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 81، والكفاية: (368 - 372 ت، 250 - 253 هـ‍). (¬4) الحديث أخرجه مالك (866) رواية الليثي، وأحمد 6/ 104 و 262، ومسلم 1/ 167 (297) (6)، وأبو داود (2467)، والنسائي في الكبرى (3374)، والبيهقيّ 4/ 315، وابن عبد البر في التمهيد 8/ 316 و 317، والبغوي (1836).

وَنبَّهَ عقبه عَلَى أنَّ ذِكرَ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ في أصْلِ شَيْخِهِ مَعَ ثُبوتِهِ عِنْدَ الْمَحَامِليِّ، وَأنَّهُ لِكونِهِ لاَبُدَّ مِنْهُ ألْحقَهُ، وَلكونِ شيخِهِ لَمْ يَقُلْهُ لَهُ زادَ: ((يَعْني)) (¬1). (و) كَذَا (صَحَّحُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ (اسْتِدْرَاكَ) أي: جوازَ استدراكِ الرَّاوِي (مَا دَرَسَ في كِتابِهِ)، بنحو تقطيعٍ، أَوْ بللٍ (من) كتابِ (غيرِهِ إِنْ يَعرِفَ) الرَّاوِي (صحتَهُ) أي: ذَلِكَ الكِتَاب: بأنْ وثق بصاحِبِهِ، كَأنْ أخذَهُ عَنْ شيخِهِ، وَهُوَ ثِقةٌ، كَمَا فعلَهُ (¬2) نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ (¬3)، وغيرُهُ، حَيْثُ كَانَ السَّاقِطُ (مِن بَعْضِ مَتْنٍ، أَوْ سندْ)، فاستِدْراك ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهورِ. (كَمَا) يجوزُ فِيْمَا (إِذَا) شكَّ الرَّاوِي في شيءٍ و (ثَبَّتَهُ) فِيْهِ (مَنْ يُعْتَمدْ) عَلَيْهِ ثقةً وَضَبْطاً من حفظِهِ أَوْ كتابِهِ، كَمَا روي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وغيرِهِ (¬4). (وَحَسَّنُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ فِيْهِمَا لِلرَّاوِي، (البيانَ) لِذَلِكَ الكِتَابِ، وللمثبتِ، وإنْ لَمْ يعيِّنْهُ، كقولِ يزيدَ بنِ هَارُوْنَ: أَخْبَرَنَا عَاصمٌ، وثبتني فِيْهِ شُعْبَةُ (¬5). وكقولِ البُخَارِيِّ: عقب حَدِيْثٍ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ يونسَ: قَالَ أَحْمَدُ: ((أفهمنِي رجلٌ إسْنَادَهُ)) (¬6). وكقولِ أَبِي دَاوُدَ في " سُنَنهِ " (¬7) عقِبَ حَدِيْثٍ: ((ثبتني في شيءٍ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنا)). ¬

_ (¬1) انظر: الكفاية: (371 - 372 ت، 253 هـ‍). (¬2) في (ع): ((فعل)). (¬3) رواهُ الخطيب في الكفاية: (373 ت، 254 هـ‍). (¬4) انظر: الكفاية: (324 - 325 ت، 216 - 217 هـ‍). (¬5) عند عبد بن حميد (510) عن يزيد بن هارون?، عن عاصم. وعند الدارمي (2675) عن يزيد بن هارون?، عن شعبة?، عن عاصم. والحديث صحيح له طرق عن عاصم أخرجه أحمد 5/ 2 و 83?، وعبد بن حميد (511)، ومسلم 4/ 105 (1343) (427)، وابن ماجه (3888)، والترمذي (3439) ?والنسائي 8/ 272?، وفي الكبرى (10333) وفي عمل اليوم والليلة (499) ?، وابن خزيمة (2533)، وأبو نعيم في الحلية 3/ 122. (¬6) صحيح البُخاريّ 8/ 21 (6057). (¬7) 1/ 287 (1096).

اختلاف ألفاظ الشيوخ

وهذا (كالْمُسْتَشْكِلِ كَلِمةً) مِن غَريبِ العَربيَّةِ، أَوْ غَيرِها وجدَها (في أصْلِهِ) غَيْرَ مقيَّدةٍ، (فَلْيَسْأَلِ) (¬1) أي: فإنه يسألُ عَنْهَا العالِمينَ بِهَا، ويرويها عَلَى مَا أخبروهُ بِهِ، كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الإمامِ أَحْمَدَ وغيرِهِ (¬2). اخْتِلاَفُ أَلْفَاْظِ الشُّيُوْخِ (اخْتِلافُ أَلْفَاْظِ الشُّيُوْخِ) في مَتْنٍ، أَوْ كتابٍ، والمعنى واحدٌ، وَقَدْ بدأ بالقسمِ الأوَّلِ، فَقَالَ: 652 - وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ سَمِعْ ... مَتْناً بِمَعْنَى لاَ بِلَفْظٍ فَقَنِعْ 653 - بِلَفْظِ وَاحِدٍ وَسَمَّى الْكُلَّ: صَحّْ ... عِنْدَ مُجِيْزِي النَّقْلِ مَعْنىً وَرَجَحْ 654 - بَيَانُهُ مَعْ قالَ أَوْ مَعْ قالاَ ... وَمَا بِبَعْضِ ذَا وَذَا وَقالاَ: 655 - اقْتَرَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يَقُلِ: ... صَحَّ لَهُمْ وَالْكُتْبُ إِنْ تُقَابَلِ 656 - بِأَصْلِ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِهِ فَهَلْ ... يُسْمِي (¬3) الجَمِيْعَ مَعْ بَيَانِهِ؟ احْتَمَلْ (وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ) اثنينِ، فأكثرَ (سَمِعْ) أي: الرَّاوِي (مَتْناً) أي: حديثاً (بِمَعْنَى) واحِدٍ اتَّفَقوا عَلَيْهِ، (لا بِلَفْظٍ) واحِدٍ، بَلْ (¬4) اختلفوا فِيْهِ، (فَقَنِعْ) حِيْنَ أَوْرَدَهُ (بِلَفظِ) شَيْخٍ (واحِدٍ) مِنْهُمْ، (وسَمَّى) مَعَهُ (الكُلَّ) حَمْلاً لألفاظِ غَيرِهِ عَلَى لَفْظِهِ، كَأَنْ يَقُوْلَ فِيْمَا يَكُوْنُ فِيْهِ اللفظُ لأبِي بَكْرِ بنِ أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مثنَّى (¬5)، ومُحَمَّدُ بنُ بشارٍ، قالوا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ. ¬

_ (¬1) في (م): ((فيسأل)). (¬2) انظر: الكفاية: (374 - 377 ت، 255 - 257 هـ‍). (¬3) بتسكين السين؛ لضرورة الوزن. (¬4) ساقطة من (ع). (¬5) في (ع): ((المثنى)).

(صَحّْ) ذَلِكَ (عِنْدَ مُجِيْزِي النَّقْلِ مَعْنًى) أي: بِالْمَعْنَى، وَهُمْ الْجُمْهُوْرُ، كَمَا مَرَّ سواءٌ أبيَّنَ (¬1) ذَلِكَ، أم لا. وَمِمَّنْ فَعَلَهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ (¬2). (و) لَكِنْ (رَجَحْ) عِنْدَهُم (بَيانُهُ) أي: هُوَ أحسَنُ، بأَنْ يعيِّنَ صَاحِبَ اللفظِ الَّذِي أتى بِهِ، كأنْ يَقُوْلَ في الْمِثالِ السَّابِقِ: واللّفْظُ لأبي بكر بنِ أَبِي شَيْبَةَ، لِلْخُروجِ مِن خِلافِ جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى. وَبَيَانُهُ (¬3) ذَلِكَ يَكُوْنُ (مَعْ) إفراد (قَالَ، أَوْ مَعْ) بإسْكانِ الْعَينِ فِيْهِمَا (قَالاَ). ((أَوْ)) إما للتخْييرِ - وجرى عَلَيْهِ النَّاظِمُ (¬4) كابنِ الصَّلاَحِ (¬5) - فيقولُ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ وفُلانٌ، واللفْظُ لِفُلانٍ، قَالَ، أَوْ قَالا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ. أَوْ لِلتَّنويعِ - وَهُوَ الأَولَى - لأنَّهُ في مقامِ بيانِ ما ذُكِرَ فيقول: ((قَالَ)) إنْ أخذَهُ عَنْ شَيخٍ، كَمَا في الْمِثالِ الْمَذْكورِ، أَوْ ((قَالاَ)) إنْ أخذَهُ عَنْ شَيْخَينِ، أَوْ ((قَالوا)) إنْ أخذَهُ عَنْ أكثرَ. كأنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ (¬6)، واللَّفْظُ لِفُلانٍ وفُلاَنٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، أَوْ (¬7) واللَّفْظُ لفلانٍ وفلانٍ وفلانٍ قالوا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ. واستُحْسِنَ لِمُسْلِمٍ قولُهُ: ((حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيبةَ، وأبو سَعيدٍ الأشجُّ كِلاهُما عَنْ أَبِي خَالدٍ، قَالَ أَبُو بكرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خالدٍ الأحمرُ)) (¬8). ¬

_ (¬1) في (ع): ((بيّن)). وهو خطأ نحوي. (¬2) قال الخليلي: ((ذاكرت يوماً بعض الحفاظ فقلت: البخاريّ لم يخرج حمّاد بن سلمة في الصّحيح. وهو زاهد ثقة؟! فقال: لأنه جمع بين جماعة من أصحاب أنس، فيقول: حدّثنا قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، وربما يخالف في ذلك)). الإرشاد 1/ 417 - 418. (¬3) في (ع) و (م): ((وبيان)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 282. (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 388. (¬6) ((فلان وفلان)) الأخيرتين، ساقطة من (م). (¬7) لم ترد في (ع). (¬8) صحيح مسلم 2/ 133 طبعة إستانبول، و 1/ 465 (673) طبعة محمد فؤاد.

قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((فإعادتُهُ ثانياً ذكرَ أحدِهِما خاصةً فِيْهَا إشْعارٌ بأنَّ اللفظَ المذكور لَهُ)) (¬1). قَالَ النَّاظِمُ: ((وَيَحْتَمِلُ أنَّهُ أرادَ بإعادتِهِ بَيانَ التَّصْرِيحِ فِيْهِ بِالتَّحْدِيثِ، وأنَّ الأشجَّ لَمْ يصرِّحْ بِهِ)) (¬2). (وَمَا) أتَى فِيْهِ الرَّاوِي (بِبعضِ) لفظِ (ذَا) أي: أحدِ الشَّيخينِ (و) بَعْضِ لَفْظِ (ذَا) أي: الآخرِ مِمَّا اتَّحَدَ فِيْهِ الْمَعْنَى، (وَقَالاَ) أي: وَقَالَ الرَّاوِي: (اقْتَرَبا) أي: الشَّيخانِ، أَوْ تَقَارَبا (في اللَّفْظِ)، أَوْ قَالَ: والمعنى واحدٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. (أَوْ لَمْ يَقُلِ) شَيْئاً مِن ذَلِكَ (صَحَّ) أَيْضاً (لَهُمْ) أي: لِمُجيزِي النَّقْلِ بالمعنى. والأحسنُ أَيْضاً الْبَيَانُ، فَقَدْ عِيبَ بتركِهِ البُخَارِيُّ، وغيرُهُ، فِيْمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬3). ثُمَّ ثَنَى بالْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ: (والكُتْبُ) - بإسْكانِ التَّاءِ - الْمَسْمُوعةُ لِلرَّاوِي مِنْ شَيْخَينِ فأكثرَ (إِنْ تُقَابَلِ بأصْلِ شَيْخٍ) واحِدٍ (مِنْ شُيُوخِهِ) دُوْنَ مَنْ سِواهُ، (فَهَلْ يُسْمِي) - بإسْكانِ السِّينِ - عِنْدَ روايتِهِ لتلكَ الكُتُبِ (الْجَمِيْعَ) أي: جَمِيْع شيوخِهِ (مَعْ) - بالإسْكان - (بَيَانهِ) أَنَّ اللفظَ لِفلانِ الَّذِي قابَلَ بأصْلِهِ؟ (احْتَمَلْ) الْجَواز، كالأوَّلِ، وَهُوَ الظَّاهرُ؛ لأنَّ ما أوْرَدَهُ قَدْ سَمِعَهُ بنصِّهِ مِمَّنْ ذكرَ أنَّهُ (¬4) بلفظِهِ. واحْتمَلَ عدَمَهُ؛ لأنَّهُ لا علمَ عِنْدَهُ (¬5) بكيفيةِ رِوَايَةِ مَنْ سِواهُ، حَتَّى يُخبِرَ عَنْهُ، بِخِلافِهِ في الأوَّلِ، فإنَّهُ اطلعَ فِيْهِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمَعْنَى (¬6). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 388. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 283. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 389. (¬4) في (ق): ((ذكره)). و (أنه) لم ترد فيها. (¬5) في (ق): ((له)). (¬6) قال البدر بن جماعة: ((ويحتمل تفصيلاً آخر، وهو النظر إلى الطرق، فإن كانت متباينة بأحاديث مستقلة لم يجز، وإن كان تفاوتها في ألفاظ أو لغات أو اختلاف ضبط جاز)). المنهل الروي: 102. وانظر: نكت الزركشي 3/ 627 - 628، ومحاسن الاصطلاح: 345. ففيهما تفصيل يستحسن.

الزيادة في نسب الشيخ

الزِّيَاْدَةُ فِيْ نَسَبِ الشَّيْخِ (الزِّيَاْدَةُ) عَلَى الرِّوَايَةِ (في نَسَبِ الشَّيْخِ)، حَيْثُ لَمْ تَقَعْ فِيْهَا أصْلاً، أَوْ وقَعَتْ في أوَّلِ الْمَروِيِّ فقط، وبدأ بالقِسْمِ الأوَّلِ، فَقَالَ: 657 - وَالشَّيْخُ إِنْ يَأْتِ بِبَعْضِ نَسَبِ ... مَنْ فَوْقَهُ فَلاَ تَزِدْ وَاجْتَنِبِ 658 - إِلاَّ بِفَصْلٍ نَحْوُ هُوْ (¬1) أَوْ يَعْنِي ... أَوْجِئْ بِأَنَّ وَانْسُبَنَّ الْمَعْنِي 659 - أَمَّا إذا الشَّيْخُ أَتَمَّ النَّسَبَا ... فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ فَقَطْ فَذَهَبَا 660 - الأَكْثَرُوْنَ لِجَوَازِ أَنْ يُتَمْ ... مَا بَعْدَهُ وَالْفَصْلُ أَوْلَى وَأَتَمْ (وَالشَّيْخُ إِنْ يَأْتِ) في حَدِيْثِهِ لَكَ (¬2) (بِبَعْضِ نَسَبِ مَنْ فَوْقَهُ) مِنْ شيخِهِ، أَوْ غيرِهِ (فَلاَ تَزِدْ) أَنْتَ عَلَى مَا حَدَّثَكَ بِهِ شَيْخُكَ. وأكَّدَ ذَلِكَ بقولِهِ: (واجتَنبِ) إدْراجَهُ فِيْهِ، (إلاّ بِفَصْلٍ) يميزُ الزائدَ عَنْ كَلامِ الشَّيْخِ، (نَحْوُ: هُوْ) - بإسْكانِ الواوِ - ابنُ فُلاَنٍ، (أَوْ يَعْنِي) ابنَ فُلاَنٍ، (أَوْ جِئْ) لِلفَصْلِ، (بأنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. (وانْسُبَنَّ) بِنونِ تأكيدٍ مُشَدَّدَةٍ (الْمَعْنِي) بالزِّيادةِ، كَمَا رَوَى الْبَرْقَانِيُّ بإسْنَادِهِ (¬3) إِلَى عَلِيِّ بنِ الْمَدِيْنِيِّ، قَالَ: ((إِذَا حَدَّثَكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، وَلَمْ ينسبْهُ، وأحببتَ أَنْ تَنْسِبَهُ، فَقُلْ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ أنَّ فُلاَنَ بنَ فُلاَنٍ الفُلانِيَّ حَدَّثَهُ هَذَا)) (¬4). ولكنْ إيْرادُهُ، كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬5) بـ ((هُوَ))، أَوْ ((يعني)) أولى مِنْهُ بـ ((أنَّ)) لأنَّهُمَا أقربُ إِلَى الإشْعارِ بِحَقيقةِ الْحَالِ، وَهِيَ الإخْبارُ بأنَّ الزَّيادةَ لَيْسَتْ مِن كَلامِ شيخِهِ، ولأنَّ ((أنَّ)) استعمَلَها قومٌ في الإجازةِ، كَمَا مَرَّ. ¬

_ (¬1) بإسكان الواو في (هو)؛ لضرورة الوزن. (¬2) لم ترد في (ق). (¬3) في (م): ((بإسناد)). (¬4) وكتاب البرقاني اسمه " اللقط " كما في معرفة أنواع علم الحديث: 390، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 285. وقد أسنده الخطيب عن ابن المديني في الكفاية: (323 ت، 215 هـ‍). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 391 - 392.

الرواية من النسخ التي إسنادها واحد

ثُمَّ ثَنَّى بالثَّانِي، فَقَالَ: (أَمَّا إذَا الشَّيْخُ) الَّذِي حَدَّثَكَ (أَتَمَّ النَّسَبَا) لشيخِهِ، أَوْ مَنْ فَوْقَهُ (في أولِ الْجُزْءِ)، أَوْ الكِتَابِ، أي: في الْحَدِيْثِ الأوَّلِ مِنْهُ (فَقَطْ)، واقتَصَرَ في باقيهِ عَلَى اسْمِهِ، أَوْ بَعْضِ نسبِهِ، (فَذَهَبَا الأَكْثَرونَ) مِنَ العُلُمَاءِ (¬1) (لِجَوازِ أنْ يُتَمَّ مَا بَعْدَهُ) أي: بَعْدَ الأوَّلِ، سَوَاءٌ أفصَلَ بِمَا مَرَّ في الْقِسْمِ الأوَّلِ أَمْ لا، اعتِماداً عَلَى مَا ذَكرَهُ أوَّلاً. (وَ) لَكِنَّ (الفَصْلُ أَوْلَى) مِنْ تَرْكِهِ، لِمَا فِيْهِ من الإفْصَاحِ بِصورَةِ الْحَالِ، (وَأَتَمْ) لِجَمْعِهِ بَيْنَ الأَمْرينِ، والفصلُ بـ ((هُوَ))، أَوْ ((يعني)) أولى، وأَتَمُّ مِنْهُ بـ ((أنَّ)) لِمَا مَرَّ. الرِّوَاْيَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إسْنَاْدُهَا وَاحِدٌ (الرِّوَايَةُ من) أثْناءِ (النُّسَخِ التِي إسْنادُهَا واحدٌ): 661 - وَالنُّسَخُ الَّتِي بِإِسْنَادٍ قَطُ ... تَجْدِيْدُهُ فِي كُلِّ مَتْنٍ أَحْوَطُ 662 - وَالأَغْلَبُ الْبَدْءُ بِهِ وَيُذْكَرُ ... مَا بَعْدَهُ (¬2) مَعْ وَبِهِ وَالأَكْثَرُ 663 - جَوَّزَ أَنْ يُفْرِدَ بَعْضاً بِالسَّنَدْ ... لآِخِذٍ (¬3) كَذَا وَالإِفْصَاحُ أَسَدْ 664 - وَمَنْ يُعِيْدُ سَنَدَ الْكِتَابِ مَعْ ... آخِرِهِ احْتَاطَ وَخُلْفَاً مَا رَفَعْ (والنُّسَخُ التِي) مُتُونُها (بإسْنادٍ قَطُ) أي: واحدٌ، كنسخةِ همامِ بنِ منبهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةُ (¬4) عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرَ، عَنْهُ (تَجْدِيدُهُ) أي: الإسْنادُ (فِي كُلِّ مَتْنٍ) مِنْهَا (أحْوطُ)، بَلْ أوجبَهُ بَعْضُهُمْ. (وَ) لَكِنْ (الأغْلبُ) مِن صَنيعِهِم (¬5) (البَدْءُ بِهِ) أي: بالإسْنادِ في أوَّلِهَا أَوْ في كُلِّ مَجْلِسٍ مِن سَمَاعِها، (وَيُذْكَرُ ما بَعْدَهُ) مِنْهَا (مَعْ) قَوْلِهِ في أولِ كُلِّ مَتْنٍ مِنْهَا، (وَبِهِ) أي: وبالإسْنادِ السَّابقِ، أَوْ نحوِهِ. ¬

_ (¬1) كما نقله عنهم الخطيب في كفايته: (323 ت، 215 هـ‍). (¬2) في (النفائس): ((مع بعده)). (¬3) في فتح المغيث والنفائس: ((لأخذ كذا .. )) ولا يصح الوزن هكذا، فالصحيح ما أثبت. (¬4) في (ع): ((برواية)). (¬5) في (م): ((صنعهم)).

(والأكْثَرُ (¬1) جَوَّزَ أَنْ يُفْرِدَ بَعْضاً) مِنْهَا (بالسَّنَدْ) الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، (لآخِذٍ كَذَا) أي: جُوِّزَ ذَلِكَ لِمَنْ سَمِعَها كَذَلِكَ لأنَّ لِلْمَعْطُوفِ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِمَثابةِ تَقْطِيعِ الْمَتْنِ الواحدِ في أبوابٍ بإسْنَادِهِ الْمَذْكورِ في أَوَّلِهِ. وَقَدْ قِيْلَ لوكيعٍ: الْمُحَدِّثُ يَقُوْلُ في أَوَّلِ الكِتَابِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، ثُمَّ يَقُوْلُ فِيْمَا بَعْدَهُ: وعَنْ مَنْصُوْرٍ، فَهَلْ يُقَالُ في كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ (¬2)؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ! لاَ بَأْسَ بِهِ)) (¬3). والأقلُّ - كالأسْتاذِ أَبِي إسْحَاقَ الإسْفَرَايينِي - مَنَعَ من (¬4) ذَلِكَ؛ لإيْهَامِهِ أنَّهُ سَمِعَ كَذَلِكَ (¬5). (وَ) مَعَ جَوازِهِ، (الإفْصاحُ) بِصورَةِ الْحَالِ بأنْ يُبيِّنَ أنَّهُ أخذَهُ بِلا سَنَدٍ (أَسَدْ) بالْمُهْمَلَةِ، أي: أقْومُ وأحسنُ، كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيْرٌ (¬6)، مِنْهُمْ: مُسْلِمٌ، كقولِهِ: ((حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، عَنْ همامٍ، قَالَ: هَذَا مِمَّا حَدَّثَنَا (¬7) أَبُو هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وذكرَ أحاديثَ مِنْهَا: ((وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أدْنَى مَقْعَدِ أحَدِكُمْ فِيْ الْجَنَّةِ أنْ يَقُوْلَ لَهُ تَمَنَّ)) الحَدِيْثُ (¬8). ¬

_ (¬1) منهم: وكيع، وابن معينٍ، والإسماعيلي. انظر: الكفاية: (322 ت، 214 - 215 هـ‍). (¬2) من قوله: ((فهل يقال ... )) إلى هنا ساقط من (ق)). (¬3) الكفاية: (322 ت، 214 - 215 هـ‍). (¬4) لم ترد في (م). (¬5) قال السخاوي: ((ومنع منه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في الأسئلة التي سأله عنها الحافظ أبو سعد ابن عليك، وقال: إنه لا يجوز أن يذكر الإسناد في كلّ حديث منها لمن سماعه على هذا الوصف)). فتح المغيث 2/ 252. (¬6) انظر: نكت الزركشي 3/ 629، ومحاسن الاصطلاح: 349. (¬7) في (م): ((حدثناه)). (¬8) صحيح مسلم 1/ 114 (182) (301)، وأخرجه عبد الرزاق (20885)، وأحمد 2/ 315، وعبد الله ابن أحمد في زياداته على الزهد: 22، وبحشل في تاريخ واسط: 160. وأبو يعلى (6316)، وابن حبان (6158) و (7418)، والبيهقي (390)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 17.

تقديم المتن على السند

(ومَنْ يُعيدُ سَنَدَ الكِتَابِ)، أَوْ الْجُزْءِ (مَعْ) بِمَعْنَى ((في)) (آخرِهِ)، فَقَدْ (احْتَاطَ) لِمَا فِيْهِ من التأكيدِ، (وَ) لَكِنْ (خُلْفَاً) أي: الْخِلافُ في (¬1) إفرادِ كُلِّ حَدِيْثٍ بالسَّنَدِ (مَا رَفَعْ) لعدمِ اتِّصَالِ السَّنَدِ بِكُلِّ حَدِيْثٍ مِنْهَا، بَلْ الْخِلافُ فِيْهِ لَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ. تَقْدِيْمُ المَتْنِ عَلى السَّنَدِ (تَقْدِيْمُ الْمَتْنِ عَلَى السَّنَدِ) كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ: 665 - وَسَبْقُ مَتْنٍ لَوْ بِبَعْضِ سَنَدِ ... لاَ يَمْنَعُ الْوَصْلَ وَلاَ أَنْ يَبْتَدِي 666 - رَاوٍ كَذَا بِسَنَدٍ فَمُتَّجِهْ ... وَقالَ: خُلْفُ النَّقْلِ مَعْنَى يَتَّجِهْ 667 - في ذَا كَبَعْضِ الْمَتْنِ قَدَّمْتَ عَلَى ... بَعْضٍ فَفِيْهِ ذَا الْخِلاَفُ نُقِلاَ (وَسَبْقُ مَتْنٍ) عَلَى سَنَدِهِ، كأنْ يَقُوْلَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَذَا وكَذا، حَدَّثَنَا بِهِ فُلاَنٌ، ويذكرُ سَنَدَهُ. وَ (لَوْ) كَانَ سبقَهُ (بِبَعْضِ سَنَدِ)، كأنْ يَقُوْلَ: رَوَى عَمْرُو بنُ دينارٍ، عَنْ جابرٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَذَا وكذا، حَدَّثَنَا بِهِ فُلاَنٌ، ويسوق سندَهُ إِلَى عَمْرٍو. (لاَ يَمْنَعُ) أي: سَبقُهُ في ذَلِكَ (الْوَصْلَ) للإسْنادِ، بَلْ يُحْكَمُ بأَنَّهُ مُتَّصِلٌ. (وَلاَ) يمْنَعُ (أَنْ يَبْتَدِي راوٍ) تحمَّلَ عَنْ شَيْخِهِ (كَذَا) أي: مثل ذَلِكَ (بِسَنَدٍ)، ويؤخرَ الْمَتْنَ عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفةِ، (ف‍) ‍هُوَ (مُتَّجِهْ)، كَمَا جوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ. (وَقَالَ) ابنُ الصَّلاَحِ (¬2): (خُلْفُ النَّقْلِ مَعْنَى) أي: والْخِلافُ في النَّقْلِ بِالْمَعْنَى (يَتَّجِهْ) مَجِيئُهُ (في ذَا) الْفَرْعِ، (كَبَعْضِ الْمَتْنِ) إِذَا (قَدَّمْتَ‍) ‍هُ (عَلَى بَعْضٍ، فَفِيهِ ذَا الْخِلافُ نُقِلاَ) بناءً عَلَى جَوازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، وعدمِ جوازِها. ¬

_ (¬1) ((الخلاف في)) سقطت من (ص). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 394.

لَكِنْ ضعَّفَ النَّوَوِيُّ (¬1) مَجِيْئَ الْخِلافِ في فرعِنا بأَنَّ تقديمَ البَعْضِ، قَدْ يتغيَّرُ بِهِ الْمَعْنَى بِخِلافِ تقديمِ (¬2) الْجَمِيعِ. وذكرَ مثلَهُ الْبُلْقِيْنِيُّ (¬3). إذَا قَالَ الشَّيْخُ: مِثْلَهُ، أَوْ نَحْوَهُ 668 - وَقَوْلُهُ مَعْ حَذْفِ مَتْنٍ مِثْلَهُ ... أَوْ نَحْوَهُ يُرِيْدُ مَتْنَاً قَبْلَهُ 669 - فَالأَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ انْ (¬4) يُكَمِّلَهْ ... بِسَنَدِ الثَّاني وَقِيْلَ: بَلْ لَهْ 670 - إِنْ عَرَفَ الرَّاوِيَ بِالتَّحَفُّظِ ... وَالضَّبْطِ وَالتَّمْيِيْزِ لِلتَّلَفُّظِ 671 - وَالْمَنْعُ فِي نَحْوٍ فَقَطْ قَدْ حُكِيَا ... وَذَا عَلَى النَّقْلِ بَمِعْنَى بُنِيَا 672 - وَاخْتِيْرَ أَنْ يَقُوْلَ: مِثْلَ مَتْنِ ... قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا، وَيَبْنِى 673 - وَقَوْلُهُ: إِذْ بَعْضُ مَتْنٍ لِمْ يُسَقْ ... وَذَكَرَ الْحَدِيْثَ فَالْمَنْعُ أَحَقّْ 674 - وَقِيْلَ: إِنْ يَعْرِفْ كِلاَهُمَا الْخَبَرْ ... يُرْجَى الْجَوَازُ وَالْبَيَانُ الْمُعْتَبَرْ 675 - وَقالَ: إِنْ يُجِزْ فَبِالإِجَازَهْ ... لِمَا طَوَى وَاغْتَفَرُوْا إِفْرَازَهْ ¬

_ (¬1) انظر: الإرشاد 1/ 489. (¬2) ساقطة من (ق). (¬3) انظر: محاسن الاصطلاح: 351، ونكت الزركشي 3/ 631. قال ابن كثير: ((والأشبه عندي جواز ذلك)). اختصار علوم الحديث 2/ 415. فائدة: نقل السيوطي عن الحافظ ابن حجر أنه قال: ((تقديم الحديث على السند يقع لابن خزيمة إذا كان في السند من فيه مقال فيبتدئ به، ثمّ بعد الفراغ يذكر السند، قال: وقد صرّح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حلٍ منه، فحينئذ ينبغي أن يمنع هذا، ولو جوزنا الرّواية بالمعنى)). تدريب الرّاوي 2/ 119. ويمكن على هذا القول أن نقيد إطلاق الجواز بأن لا يكون للشيخ المروي عنه اصطلاح خاص في ذلك والله أعلم. (¬4) بالدرج؛ لضرورة الوزن - بِسَنَدِ الثَّاني وَقِيْلَ: بَلْ لَهْ

(وقولُهُ) أي: الشَّيْخِ الرَّاوِي (مَعْ حذفِ مَتْنٍ) أوْرَدَهُ بسَندٍ: (((مِثْلَهُ)) أَوْ ((نَحْوَه)) يُريدُ) بِهِ (مَتْناً) أوْرَدَهُ (قبلَهُ) بسَنَدٍ آخرَ، هَلْ يَجوزُ لِمَنْ سَمِعَهُ كَذَلِكَ، أي رادُ الْمَتْنِ الْمُحالِ عَلَيْهِ بالسَّنَدِ الْمَحْذوفِ مَتْنُهُ؟ اختُلِفَ فِيْهِ: (فالأظْهَرُ: الْمَنْعُ مِن (¬1) انْ) بالدَّرْجِ (يُكَمِّلَهْ بِسَندِ الثَّانِي) أي: بالسَّنَدِ الثَّانِي لِعَدَمِ تَيَقُّنِ تَمَاثُلِهِمَا في اللَّفْظِ، وفي قَدرِ مَا تَفَاوَتَا فِيْهِ (¬2). (وَقِيْلَ: بَلْ) يجوزُ ذَلِكَ (لَهْ) أي: لِلسَّامِعِ كَذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سُفْيَان الثَّوْريِّ (¬3). وَقِيْلَ: يجوزُ لَهُ ذَلِكَ (إنْ عَرَفَ الرَّاوِيَ بالتَّحَفُّظِ، والضَّبْطِ، والتَّمْييزِ، للتَّلَفظِ) أي: لِلَفظِ، وعددِ الْحُروفِ، فإنْ لَمْ يعرفْهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وبعضُهُم رَوَى هَذَا عَن الثَّوريِّ (¬4)، فَلعلَّ لَهُ قَوْلَينِ. (والْمَنْعُ) مِن ذَلِكَ (في ((نحوٍ))) بالتنوينِ -، أي: ((نحوِهِ)) (فَقَطْ) أي: دُوْنَ ((مِثلِهِ)) (قَدْ حُكِيَا) عَمَلاً بظاهِرِ اللفظَيْنِ، إِذْ ظاهرُ ((مثلِه)) يفيدُ التَّسَاوِي في اللَّفْظِ، دُوْنَ ظَاهِرِ ((نَحْوِهِ)) (¬5). (وذا) القولُ (عَلَى) عَدَمِ جَوازِ (النَّقْلِ بِمَعْنَى) أي: بِالْمَعْنَى (بُنِيَا). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) وبه قال شعبة. كما رواه عنه الرامهرمزي في المحدّث: 590 (841)، والخطيب في الكفاية (321 - 322 ت، 212 - 213 هـ‍)، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 12 - 13. وانظر: نكت الزركشي 3/ 631، ومحاسن الاصطلاح: 352. وتابع ابن الصّلاح في استظهاره هذا النووي، وابن دقيق العيد، والعراقي. كما في الإرشاد 1/ 490، والاقتراح: 256، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 290. (¬3) انظر: الكفاية: (320 ت، 213 هـ‍). (¬4) انظر: الكفاية: (320 ت، 213 هـ‍)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 291. (¬5) وبه قال يحيى بن معينٍ. انظر: الكفاية (321 ت، 214 هـ‍)، قال العراقي: ((وعليه يدل كلام الحاكم أبي عبد الله حيث يقول: لا يحل له أن يقول: مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد، ويحل أن يقول: نحوه، إذا كان على مثل معانيه)). شرح التبصرة والتذكرة 2/ 291. وانظر: سؤالات مسعود السجزي للحاكم (123) و (322).

أما مَنْ أجازَهُ فيسوِّي بَيْنَ اللفظينِ (¬1). (واخْتِيْرَ) مِنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ: الْخَطيبُ (¬2)، في رِوَايَةِ مثلِ ذَلِكَ (أَنْ يقولَ: ((مثلَ)))، أَوْ ((نحوَ))، أَوْ ((معنى)) (مَتْنِ) ذُكِرَ (قبلُ، ومتنُهُ كَذَا، وَيَبْنِي) الْمَتْنَ الأَوَّل عَلَى السَّنَدِ الثَّانِي، لما في ذَلِكَ مِنَ الاحتياطِ بالتعيينِ (¬3)، وإزالةِ الإبْهامِ بحكايَةِ صورةِ الْحَالِ. ثُمَّ مَا تقرَّرَ مَحِلّه إِذَا سَاقَ الْمَتْنَ بتمامِهِ. (وَ) أما (قَوْلُهُ) أي: الرَّاوِي (إِذْ) بِمَعْنَى حِيْنَ، أَوْ إِذَا (بَعْضُ مَتْنٍ لَمْ يُسَقْ) بَلْ حُذِفَ، وسيقَ بعضُهُ الآخَرُ: (((وذكرَ الْحَدِيْثَ)))، أَوْ نحوَهُ، كَقَولِهِ: ((الْحَدِيْث))، أَو ((وذكرَ الْحَدِيْثَ بِطولِهِ))، أَوْ ((بِتَمَامِهِ)) (فالمَنْعُ) مِن سياقِ تَمَامِ الْمَتْنِ في هَذِهِ الصورةِ (أحَقُّ) مِنْهُ في التِي قبلَهَا. لأنَّ تِلْكَ قَدْ سِيقَ فِيْهَا جَمِيْعُ الْمَتْنِ قبلُ بإسْنادٍ آخرَ، وفي هَذِهِ لَمْ يسقْ إلا بعضهُ؛ فَيقتصرُ هنا عَلَى القدرِ المثبتِ مِنْهُ فَقَطْ إلاّ مَعَ البيانِ الآتي بيانُهُ. وَقِيْلَ: يجوزُ ذَلِكَ مُطْلَقاً. (وَقِيْلَ)، يعني: وَقَالَ أَبُو بكرٍ الإسْماعِيلِيُّ (¬4): (إنْ يَعْرِفْ كِلاهُمَا) أي: الْمُحدِّثُ، والقارئُ ذَلِكَ (الْخَبَرْ) بِتَمامِهِ (يُرْجَى الْجَوازُ) مَعَهُ (¬5). قَالَ: (والبيانُ) مَعَ ذَلِكَ، بأنْ يقتصرَ القارِئُ عَلَى ما ذكرَهُ الْمُحدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: قَالَ: ((وذكر الْحَدِيْثَ))، ثُمَّ يَقُوْلُ ((وتَمَامُهُ كَذَا وكذا)) هُوَ (الْمُعْتَبَرْ) أي: الأولى. (وَقَالَ) ابنُ الصَّلاَحِ (¬6) بَعْدَ حِكَايَتِهِ ذَلِكَ: (إنْ يُجِزْ) هُ (فَ‍) ‍روايتُهُ (بالإجازَهْ لِمَا طَوَى) أي: لما لَمْ يذكرْهُ من الْخَبَرِ، هُوَ التَّحْقيقُ. قَالَ: لكنَّها إجازةٌ أكيدَةٌ قويةٌ مِن جِهاتٍ عَديدةٍ.، أي: لأنها إجازةُ معيَّنٍ لِمُعَيَّنٍ، وفي الْمَسْموعِ ما يدلُّ عَلَى الْمَجازِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، فأدرجَ فِيْهِ. ¬

_ (¬1) انظر: الكفاية (321 ت، 214 هـ‍). (¬2) قال الخطيب: ((وهذا الّذي اختاره)). الكفاية: (319 ت، 212 هـ‍). (¬3) في (ق): ((باليقين)). (¬4) انظر: الكفاية: (445 - 446 ت، 311 هـ‍)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 293. (¬5) ساقطة من (م) و (ق) وفي (ص): ((مع)). (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 397.

إبدال الرسول بالنبي، وعكسه

(واغْتَفَرُوا) - أي: فَاعِلُوهُ - (إفْرازَهْ) أي: عدمَ إفرازِهِ عَنِ الْمَسمُوعِ بصِيغةٍ تَدلُّ للإجازةِ، فأدرجوا ما لَمْ يسمعْ فِيْمَا سَمِعَ من غَيْرِ إفرازٍ لَهُ بلفظِ الإجازةِ. إِبْدَاْلُ الرَّسُوْلِ بِالنَّبِيِّ، وَعَكْسُهُ 676 - وَإِنْ رَسُوْلٌ بِنَبِيٍّ أُبْدِلاَ ... فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ كَعَكْسٍ فُعِلاَ 677 - وَقَدْ رَجَا جَوَازَهُ ابْنُ حَنْبَلِ ... والنووي صَوَّبَهُ وَهْوَ جَلِيْ (وإنْ رَسُوْلٌ) أي: لَفظُ ((رَسُوْلِ اللهِ)) الواقعِ في الرِّوَايَةِ (بِنَبِيٍّ) أي: ((بِالنَّبِيِّ)) (أُبْدِلاَ) وقتَ التَّحَمُّلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ الأداءِ، (فالظَّاهِرُ الْمَنْعُ) مِنْهُ. (كَعَكْسٍ فُعِلاَ) بأَنْ يبدلَ لفظُ ((النَّبِيِّ)) بلفظِ ((رَسُوْلِ اللهِ)) وإنْ جَازَتِ الرِّوَايَةُ بالْمَعْنَى، لأنَّ معناهما (¬1) مُخْتَلِفٌ، كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الكِتَابِ. وحملَهُ الْخَطِيْبُ (¬2) عَلَى النَّدْبِ (¬3) في إتباعِ الْمُحدِّثِ في لفظِهِ. (وَقَدْ (¬4) رَجَا جوازَهُ) الإمَامُ أَحْمَدُ (ابنُ حَنْبَلِ (¬5)، و) الإمامُ (النَّوَوِي صَوَّبَهُ) أي: الْجَوازَ (¬6)، (وَهْوَ جَلِيْ) واضِحٌ. وَالقَوْلُ بأنَّ مَعناهُمَا مُخْتَلِفٌ لا يَمْنَعُهُ؛ إِذْ الْمَقْصُودُ نسبةُ الْحَدِيْثِ لقائِلِهِ وَهُوَ حاصلٌ بكلٍ من الْوَصْفَينِ، وَلَيْسَ البابُ بابَ تَعبُّدٍ باللفظِ (¬7). وما استُدِلَّ بِهِ لِلْمَنْعِ في حَدِيْثِ الْبَراءِ بنِ عازبِ في تعليمِ ما يُقالُ عِنْدَ النَّومِ من ردِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قولَهُ: ((وَبِرَسُوْلِكَ الَّذِيْ ¬

_ (¬1) في (ق): ((معنيهما)). (¬2) انظر: الكفاية: (360 ت، 244 هـ‍). (¬3) المندوب عند الفقهاء: هو الفعل الّذي يكون راجحاً على تركه في نظر الشارع ويكون تركه جائزاً. انظر: التعريفات للجرجاني: 127. (¬4) في (م): ((قد)). بسقوط الواو. (¬5) انظر: الكفاية: (360 ت، 244 هـ‍). (¬6) انظر: الإرشاد 1/ 493، والتقريب: 142، وتدريب الرّاوي 2/ 121 - 122. (¬7) انظر: محاسن الاصطلاح: 356.

السماع على نوع من الوهن، أو عن رجلين

أَرْسَلْتَ))، بِقَوْلِهِ: ((لا، وَنَبِيُّكَ الَّذِيْ أرْسَلْتَ)) (¬1)، لاَ دَليلَ فِيْهِ؛ لأنَّ ألفاظَ الأذْكَارِ توقيفيَّةٌ، وربَّمَا كَانَ في اللَّفظِ سرٌّ، لاَ يَحْصَلُ بغيرِهِ (¬2). السَّمَاْعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الوَهْنِ، أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ (السَّمَاعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْوَهْنِ، أَوْ) بإسنادٍ وقعتْ فِيْهِ الرِّوَايَةُ (عَنْ رَجُلَينِ)، فأكثرَ. 678 - ثُمَّ عَلَى السَّامِعِ بِالْمُذَاكَرَهْ ... بَيَانُهُ كَنَوْعِ وَهْنٍ خَامَرَهْ 679 - وَالْمَتْنُ عَنْ شَخْصَيْنِ وَاحِدٌ جُرِحْ ... لاَ يَحْسُنُ الْحَذْفُ لَهُ لَكِنْ يَصِحْ 680 - وَمُسْلِمٌ عَنْهُ كَنَى فَلَمْ يُوَفْ ... وَالْحَذْفُ حَيْثُ وُثِقَا فَهْوَ أَخَفْ 681 - وَإِنْ يَكُنْ عَنْ كُلِّ رَاوٍ قِطْعَهْ ... أَجِزْ بِلاَ مَيْزٍ بِخَلْطِ جَمْعَهْ 682 - مَعَ الْبَيَانِ كَحَدِيْثِ الإِفْكِ ... وَجَرْحُ بَعْضٍ مُقْتَضٍ لِلتَّرْكِ 683 - وَحَذْفَ وَاحِدٍ مِنَ الإِسْنَادِ ... فِي الصُّوْرَتَيْنِ امْنَعْ لِلاِزْدِيَادِ ¬

_ (¬1) حديث صحيح، أخرجه الطيالسي (708)، وابن أبي شيبة (29287)، وأحمد 4/ 290 و 292 و293 و 296 و 300، والبخاري 1/ 71 (247) و 8/ 84 (6311)، ومسلم 8/ 77 (2710) (56) (57) (58)، وأبو داود (5046) و (5047) و (5048)، والترمذي (3394) و (3574)، والنسائي في الكبرى (10616) و (10617) (10618) و (10619) و (10620) و (10621) وفي عمل اليوم والليلة (780) و (781) و (782) و (783) و (784) و (785)، وأبو يعلى (1668)، وابن خزيمة (216)، والطحاوي في شرح المشكل (1137) و (1140). من طرق عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب، به. (¬2) وذهب البدر بن جماعة مذهباً ثالثاً فقال: ((لو قيل: يجوز تغيير النّبيّ إلى الرّسول ولا يجوز عكسه لما بعد؛ لأن في الرّسول معنى زائداً عَلَى النّبيّ، وَهُوَ الرسالة؛ فإن كلّ رسول نبي، وليس كلّ نبي رسولاً)). المنهل الروي: 104. انظر: نكت الزركشي 3/ 633 - 634، والتقييد والإيضاح: 239 - 240، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 295.

(ثُمَّ) بَعْدَ العلمِ بِمَا مَرَّ مِنَ التَّحرِّي في الأداءِ (عَلَى السَّامِعِ) مِن حِفْظِ الشَّيْخِ (بِالْمُذاكَرهْ) أي: فِيْهَا (بَيَانُه) بِحِكَايةِ الواقعِ، كأنْ يَقُوْلَ: ((حَدَّثَنَا فُلاَنٌ مذاكرةً))، أَوْ ((في الْمذاكرة))؛ لأنَّهُم يَتَسَاهَلُونَ فِيْهَا، والْحِفْظُ خوَّانٌ، فَفِيْها نَوْعُ وَهْنٍ. وظاهرُ كلامِهِ كأصْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ واجِبٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُسْتَحبٌّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطيبُ (¬1)، وفعَلَهُ بدونِ بيانِهِ غَيْرُ واحِدٍ مِن متقدِّمِي الْعُلَمَاءِ (¬2). (كنوعِ) أي: كبيانِهِ فِيْمَا إِذَا سَمِعَ عَلَى نوعِ (وَهْنٍ) أي: ضَعفٍ آخرَ (خامَرَهْ) أي: خَالَطَهُ (¬3) كأنْ سَمِعَ من غَيْرِ أصْلٍ، أَوْ كَانَ هُوَ أَوْ شيخُهُ يتحدَّثُ، أَوْ ينعسُ، أَوْ ينسخُ وقتَ السَّمَاعِ، أَوْ كَانَ سَمَاعُهُ، أَوْ سَمَاعُ شيخِهِ بقراءةِ لحَّانٍ، أَوْ مصحِّفٍ، أَوْ كتابةِ التَّسمِيعِ بِخَطِّ مَنْ فِيْهِ نظرٌ؛ إِذْ في تَرْكِ البيانِ نوعُ تدليسٍ. (وَالْمَتْنُ عَنْ شَخْصَينِ)، وفي نسخةٍ عَنْ ((شَيخينِ)) مِن شيوخِهِ (¬4)، أَوْ مِمَّنْ فوقَهُم (واحدٌ) مِنْهُمَا (جُرِحْ)، والآخرُ وُثِّقَ، كحَدِيْثٍ لأنسٍ يَرويهِ عَنْهُ - مَثلاً - ثابتُ البُنانيُّ، وأبانُ بنُ أَبِي عياشٍ، (لاَ يَحْسُنُ) مِنَ الرَّاوِي عَلَى وجهِ الاستحبابِ (الْحَذْفُ لَهُ) أي: لِلْمَجْروحِ وَهُوَ أبانُ، والاقتصارُ عَلَى ثابتٍ؛ لاحتمالِ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ شيءٌ عَنْ (¬5) أبانَ وحدِهِ، وحملَ الشَّيْخُ لفظَ أحدِهِما عَلَى الآخرِ. (لَكِنْ يَصِحْ) ذَلِكَ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬6) - اتفاقُ الرِّوَايتينِ، وَمَا ذُكِرَ من الاحتمالِ نَادرٌ بعيدٌ، فإنَّهُ مِن الإدراجِ الَّذِي لا يَجوزُ تَعَمُّدُهُ. ¬

_ (¬1) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 37 عقب (1113)، ونكت الزركشي 3/ 634. (¬2) نص عليه الخطيب في الجامع. انظر: ما سبق. (¬3) في (ص): بياض موضعها. (¬4) المثبت من (ع)، وفي (ص): ((عن شيخين عن شيوخه))، وفي (ق): ((من شخصين من شيوخه)). (¬5) في (ق): ((عند)). (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 400.

(وَمُسْلِمٌ عَنْهُ) أي: عَن الْمَجْروحِ رُبَّمَا (كَنَى) حَيْثُ يسقُطُ اسْمَهُ، ويصرحُ بالثِّقَةِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: ((وآخر)) كنايةً عَن الْمَجْروحِ، (فَلَمْ يُوَفْ) مُسْلِمٌ بالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْمَجْرُوحِ إِنْ اخْتَصَّ عَنِ الثِّقَةِ بِزَيادةٍ (¬1). وَلِهَذا الفعلِ فائدتانِ: 1 - الإشْعارُ بضعفِ الْمُبْهَمِ. 2 - وكثرةُ الطُرُقِ التِي يرجحُ بِهَا عِنْدَ الْمُعارضةِ. وإنْ قَالَ الْخَطِيْبُ: إنَّهُ لا فائِدَةَ لَهُ (¬2). (وَ) أمّا (الْحَذْفُ) لأحَدِ الرَّاويينِ (حَيْثُ وُثِقَا، فَهْوَ أَخَفْ) مِمَّا قَبْلَهُ، وإنْ تطَرَّقَ إِلَيْهِ مثلُ الاحْتِمالِ السَّابقِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ اتفاقُ الرِّوَايَتَينِ. (وإنْ يَكُنْ) مَجْمُوْعُ الْحَديثِ عَنْ رُوَاةٍ ملفَّقاً، بأنْ كَانَ (عَنْ كُلِّ راوٍ) مِنْهُمْ (قِطْعَهْ) مِنْهُ (أَجِزْ بِلا مَيْزٍ) أي: تَمييزٍ لما تحمَّلَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْهُ (بِخَلْطِ) أي: أَجِزْ (جَمْعَهْ) مُخْتلِطاً بِلاَ تَمْييزٍ، لَكِنْ (مَعَ البَيانِ) لِذَلِكَ، وَلَوْ إجْمَالاً. (كَحَدِيْثِ الإفْكِ)، فإنَّهُ في " الصَّحِيْحِ " (¬3) مِن رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة بنِ الزُّبَيْر، وَسَعيدِ بنِ الْمُسيِّبِ، وَعَلْقَمَة بنِ وقاصٍ، وعُبيدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبة، كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الزُّهْريُّ: ((وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِن حَدِيْثِها، وَبَعْضُهُم أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ)). (وَجَرْحُ بَعْضٍ) مِن الْمَرْوِيِّ عَنْهُمْ إنِ اتَّفَقَ في حَدِيْثٍ مِنْ غَيْرِ بيانٍ (مقتضٍ للتَّرْكِ) لِجَمِيْعِ الْحَدِيْثِ؛ إِذْ ما مِن قِطْعةٍ مِنْهُ إلاَّ وجَائزٌ أنْ تَكُوْنَ عَنْ ذَلِكَ الرَّاوِي الْمَجْرُوحِ. ¬

_ (¬1) وكذلك صنع الإمام البخاري والنسائي، انظر: تهذيب الكمال 4/ 255 - 256 ترجمة عبد الله بن لهيعة. (¬2) في (م): ((فيه)). وهو الموافق لما في الكفاية فانظرها: (537 ت، 378 هـ‍). قلنا: تعقبه البلقيني فقال: ((فائدته الإعلام بأنه رواه عن رجلين، وأن المذكور لم ينفرد، وفيه إعلام بتتبع الطرق)). محاسن الاصطلاح: 357. واقتبسه تلميذه الزركشي في نكته 3/ 634. (¬3) صحيح البخاري 3/ 219 (2637) و 4/ 40 (2879) و 5/ 110 (4025) و148 (4141) و 6/ 95 - 96 (4690) و 8/ 168 (6662) و 172 (6679) و 9/ 139 (7369) و 176 (7500).

آداب المحدث

(وَحَذْفَ واحِدٍ مِنَ) الرُّواةِ الْمُجْتَمِعينَ في (الإسْنادِ في الصُّورَتَيْنِ)، الثقاتِ كلِّهم، والْمَجْروحِ بعضِهم، أي (¬1): (امنعْ) حذَف مَا ذُكِرَ (للازديادِ) أي: لأجلِ الزيادةِ عَلَى بقيَّةِ الرُّوَاةِ، لما لَيْسَ مِن حَديثِهِم إنْ لَمْ يحذفْ مِنْهُ شيءٌ، و (¬2) لِجَوازِ حذفِ مَا اختصَّ بِهِ بَعْضُ الْباقِينَ (¬3) إن حُذِفَ مِنْهُ شَيْءٌ. آدَاْبُ الْمُحَدِّثِ (آدابُ) الشَّيْخِ (¬4) (الْمُحدِّثِ) مَعَ ما يأتِي: 684 - وَصَحِّحِ النِّيَّةَ فيِ التَّحْدِيْثِ ... وَاحْرِصْ عَلَى نَشْرِكَ لِلْحَدِيْثِ 685 - ثُمَّ تَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ وَاسْتَعْمِلِ ... طِيْباً وَتَسْرِيْحاً وَزَبْرَ (¬5) الْمُعْتَلِي 686 - صَوْتاً (¬6) عَلى الْحَدِيْثِ وَاجْلِسْ بِأَدَبْ 687 - لَمْ يُخْلِصِ النِّيَّةَ طَالِبُ فَعُمْ ... وَلاَ تُحَدِّثْ عَجِلاً أَوْ إِنْ تَقُمْ 688 - أَوْ فِي الطَّرِيْقِ ثُمَّ حَيْثُ احْتِيْجَ لَكْ ... فِي شَيْءٍ ارْوِهِ وَابْنُ خَلاَّدٍ سَلَكْ 689 - بِأَنَّهُ يَحْسُنُ لِلْخَمْسِيْنَا ... عَاماً وَلاَ بَأْسَ لأَِرْبَعِيْنَا 690 - وَرُدَّ. والشَّيْخُ بِغَيْرِ الْبَارِعِ ... خَصَّصَ لاَكَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيْ (وَصَحِّحِ) أَنْتَ لِلرِّوَايَةِ (النيَّةَ في التَّحْدِيثِ)، بأنْ تُقَدِّمها عَلَيْهِ، وتخلصَ فِيْهِ للهِ تَعَالَى بِحيثُ لا يشوبُكَ فِيْهِ غَرَضٌ دُنْيويٌّ، إِذْ الأعمالُ بالنِّيَّاتِ. ¬

_ (¬1) ليست في (ع). (¬2) ليست في (م). (¬3) في (م): ((الباقي)). (¬4) لم ترد في (ع). (¬5) في (ج‍): ((وذر)). (¬6) في (ج‍) والنفائس: ((صوناً)) - وَهَيْبَةٍ بِصَدْرِ مَجْلِسٍ وَهَبْ

(واحرِصْ) مَعَ ذَلِكَ (عَلَى نَشْرِكَ لِلْحَدِيْثِ)، فَقَدْ أمرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالتَّبْليغِ عَنْهُ بقولِهِ: ((بَلِّغُوْا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) (¬1). وَقَالَ: ((نَضَّرَ اللهُ امْرَءً سَمِعَ مَقَالَتِيْ فَوَعَاهَا، وَأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا)) (¬2). (ثُمَّ) إِذَا أَردْتَ نَشْرَهُ بالنِّيةِ الصَّحِيْحَةِ، (تَوَضَّأْ) وضوءَكَ للصَّلاَةِ، (واغْتَسِلْ) اغتسَالَكَ للجنابةِ، وَتَسَوَّكْ، وقصَّ أظْفَارَكَ وشاربَكَ، (واستَعْمِلِ طيباً) وبَخُوراً في بَدنِكَ وَثِيابِكَ، (وَتَسْريْحاً) لِشَعْرِ لِحْيَتِكَ، ورأسِكَ إنْ كَانَ، والبسْ أحسنَ ثيابِكَ (¬3). (وَ) استعملْ حالَ تَحْديثِكَ (زَبْرَ) أي: نَهْرَ (¬4) (الْمُعْتَلِي صَوتاً) أي: صوتَهُ (عَلَى) قِراءةِ (الْحَدِيْثِ) أخذاً مِن قَولِهِ تَعَالَى: {لاَ تَرْفَعُوْا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ النَّبِيِّ} (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 159 و 202 و 214، والدارمي (548)، والبخاري 4/ 207 (3461)، والترمذي (2669). من طرق عن حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو به. (¬2) رواه الشّافعيّ في الرسالة (1102)، والحميدي (88)، وأحمد 1/ 436، وابن ماجه (232)، والترمذي (2657)، وأبو يعلى (5126) و (5296)، والشاشي (275) و (276) و (277) (278)، وابن حبان (66) و (68) و (69)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (6) و (7) و (8)، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 260، وأبو نعيم في الحلية 7/ 231، وفي ذكر أخبار أصبهان 2/ 90، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 23 و 6/ 540، وفي معرفة السنن والآثار (44) و (46)، والخطيب في الكفاية: 69، وفي شرف أصحاب الحديث: 26، وابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1/ 40، والبغوي في شرح السنة (112). كلهم من حديث ابن مسعود. قلنا: وهو مروي من حديث غيره من الصحابة. قال العلامة ابن دقيق العيد: ((ولا خفاء بما في تبليغ العلم من الأجور لا سيما وبرواية الحديث يدخل الراوي في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها)))). الاقتراح: 264. (¬3) كلّ هذا روي عن الإمام مالك - رحمه الله - حين أرادته التحديث. انظر: المحدث الفاصل: 584 (827)، وحلية الأولياء 6/ 318، والجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 385 ... (895). (¬4) الزّبر: الانتهار، يقال: زبره عن الأمر زبراً: انتهره، والزّبر أيضاً: الزّجر والمنع ... والنّهي، يقال: زبره عن الأمر زبراً: نهاه ومنعه. انظر: اللسان 4/ 315، والتاج 11/ 399 (زبر). (¬5) الحجرات: 2.

فَقَدْ قَالَ الإمامُ مَالِكٌ: ((مَنْ رفعَ صَوْتَهُ عِنْدَ حَدِيْثِهِ - صلى الله عليه وسلم - فكأنَّمَا رفع صَوتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). (واجلسْ) حينئِذٍ متوجه (¬2) القبلةَ (بأدَبْ، وَهَيْبَةٍ) أي: مَهابةٍ وإجْلالٍ (بِصَدْرِ مَجْلِسٍ) تحدِّثُ فِيْهِ، بَلْ وعلى فراشٍ يخصُّك، أَوْ مِنْبَرٍ. وكلُّ ذَلِكَ عَلَى سبيلِ النَّدْبِ تعْظِيماَ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (وَهَبْ (¬3) لَمْ يُخلصِ النِّيةَ طَالِبُ فَعُمْ) أي: واحْسبْ واعددْ أنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُخلصِ النِّيةَ بقرائِنَ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، فَلا تَمْتَنِعْ مِن تَحْدِيثِهِ، بَلْ عُمَّ كُلَّ طَالِبِ عِلْمٍ (¬4) ندباً (¬5). فعنِ الثَّورِيِّ أنَّهُ قَالَ: ((ما كَانَ في النَّاسِ أفْضَلُ مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيْثِ)). فقيلَ لَهُ: ((يطلُبُونَهُ بغَيرِ نِيَّةٍ)). فَقَالَ: ((طَلْبُهُم لَهُ نيةٌ)) (¬6). وعن حبيبِ بنِ أَبِي ثابِتٍ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، أنَّهُمَا قالا: ((طلبْنَا الْحَدِيْثَ وَمَا لَنَا فِيْهِ نيَّةٌ، ثُمَّ رزقَ اللهُ تَعَالَى (¬7) النِّيةَ بَعْدُ)) (¬8). ¬

_ (¬1) الجامع 1/ 406 (961)، وانظر: تفسير الطبري 26/ 74، والدّر المنثور 7/ 547. (¬2) في (م): ((متوجهاً)). (¬3) هب: فعل أمرٍ من (وهب)، يقال: هبني فعلت أي: احسبني واعددني، وهي كلمةٌ للأمر فقط تنصب مفعولين. والمراد: أي احسب واعدد أنّ الطالب لم يخلص النيّة بقرائن دلّت على ذلك. انظر: اللسان 1/ 605، والتاج 4/ 367 (وهب). (¬4) لم ترد في (ص). (¬5) قال الخطيب الحافظ: ((والذي نستحبه أن يروي المحدّث لكل أحد سأله التحديث ولا يمنع أحداً من الطلبة)). الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 339 عقب (770). (¬6) رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل: 183 (40) من طريق عبد الصمد بن حسان عن سفيان. ورواه الخطيب في الجامع 1/ 339 (771) من طريق ابن مهدي عن سفيان. (¬7) لم ترد في (م) و (ص). (¬8) الرّواية عنهما عند الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي1/ 339 (773) و (774). قال الزركشي: ((قال الغزالي في الإحياء: هذه كلمة اعتبرها قوم في تعلم العلم لغير الله ثمّ رجوعهم إلى الله، قَالَ: وإنما العلم الّذي أشار إليه هَذَا القائل هُوَ علم الحديث وتفسير القرآن ومعرفة سير الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله = = تَعَالَى عنهم، فإن فيه التخويف والتحذير، وهو سبب لإثارة الخوف من الله تعالى، فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل، فأما الكلام والفقه المجرد الّذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات-المذهب منه والخلاف- فلا يرد الراغب فيه للدنيا إلى الله تعالى. بل لا يزال متمادياً في حرصه إلى آخر عمره)). نكت الزركشي3/ 643.

(ولا تُحدِّثْ) نَدْباً (عَجِلاً) أي: في حالةِ كونِكَ مُسْتَعْجِلاً لقلةِ الفَهْمِ مَعَ ذَلِكَ؛ ولأنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْهَذْرَمَة الْمَنهيِّ عَنْهَا. (أَوْ إِنْ تَقُمْ) أي: أَوْ في حالِ (¬1) قِيَامِكَ، (أَوْ في الطَّريقِ)، وَلَوْ جَالِساً، تَعْظِيماً لِلْحَدِيْثِ، ولأنَّ ذَلِكَ يفرقُ القلبَ والفَهْمَ. (ثُمَّ) بَعْدَ مَا مَرَّ (حَيْثُ احْتِيْجَ لَكَ في شَيْءٍ) مِن الْحَدِيْثِ (ارْوِهِ) وجوباً، كَمَا قَالَهُ الْخَطِيْبُ (¬2) لِخَبَرِ أَبِي داودَ (¬3)، وغيرِهِ: ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ نَافِعٍ، فَكَتَمَهُ جَاءَ يَومَ الْقِيَامَةِ مُلْجَماً بِلِجَامٍ مِنْ نارٍ)) (¬4). وَقَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((الَّذِي نقولُهُ أنَّهُ مَتَى (¬5) احتِيجَ إِلَى ما عِنْدَهُ استُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لروايتِهِ، ونشرِهِ في، أيسنٍّ كَانَ)) (¬6). وَقَالَ ابنُ النَّاظِمِ: ((والذي أقولُهُ أنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَدِيْثُ في ذَلِكَ البلدِ إلاَّ عِنْدَهُ، واحْتِيجَ إِلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وإنْ كَانَ ثَمَّ غيرُهُ. ففرضُ كِفايةٍ هَذَا)). (وابنُ خلاَّدٍ) الرَّامَهُرْمُزِيُّ (سَلَكْ) في كِتَابِهِ " الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ " (¬7) التَّحْديدَ بالسنِّ؛ فصرَّحَ (بأنَّهُ) أي: التَّحْدِيثُ (يَحْسُنُ للخَمسينَا عاماً) أي: بَعْدَهَا. ¬

_ (¬1) في (ص): ((حالة)). (¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 323 عقب (717). (¬3) سنن أَبي داود (3658). (¬4) ورواه أحمد 2/ 263، وابن ماجه (266)، وابن حبان (95)، والطبراني في الأوسط (2311) و (3346) و (3553)، وفي الصغير (160) و (315) و (452)، والحاكم 1/ 101، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 4 - 5، والبغوي في شرح السنة (140) من طريق أَبي هريرة. وانظر: كلام أبي عبد الله الحاكم على هذا الحديث بعد تخريجه في مستدركه1/ 101، وتعليق الشّيخ شعيب على هذا الحديث (¬5) في جميع النسخ الخطية: ((من))، وما أثبتناه من (م) وهو الموافق لما في معرفة أنواع علم الحديث. (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 401 (¬7) 352 (287).

وَقَالَ: ((إنَّهُ الَّذِي يَحسنُ عِنْدِي من (¬1) طريقِ الأثرِ، والنَّظَرِ؛ لأنَّها انتهاءُ الكهولةِ، وَفِيْهَا مجتمعُ الأشُدِّ)) (¬2). قَالَ: (ولا بأسَ) بِهِ (لأربعينَا) عَاماً، أي: بَعْدَهَا. ((فَليسَ ذَلِكَ بِمُسْتَنْكَرٍ، لأنَّها حدُّ الاستواءِ، ومنتهى الكمالِ)) (¬3). (ورُدَّ) أي: رَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِياضٌ ما قَالَهُ بأنَّ اسْتحسانَهُ هَذَا، لا تقومُ لَهُ حجةٌ بِمَا قَالَهُ. قَالَ: ((وَكَم مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقدمينَ، فمَنْ (¬4) بَعْدَهُم مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ مَنْ لَمْ ينْتَهِ إِلَى هَذَا السنِّ، وَقَدْ نَشَرَ مِن العِلمِ، وَالْحَدِيْثِ مَا لا يُحْصَى، هَذَا عمرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ تُوفِي وَلَمْ يُكْمِلِ الأرْبَعينَ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ لَمْ يبلغِ الْخَمْسينَ، وكذا إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ. وهذا مَالِكٌ قَدْ جَلَسَ للناسِ ابنُ نَيِّفٍ وعشرينَ سَنة - وَقِيْلَ: ابنُ سبعَ عشرةَ - والناسُ متوافرونَ، وشُيوخُه - ربيعةُ، وابنُ شِهابٍ، وابنُ هُرْمُز، ونافِعٌ، وابنُ الْمُنْكَدرِ، وغيرُهُمْ - أحياءٌ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ ابنُ شِهابٍ حَدِيْثَ الْفُرَيْعَة أختِ أَبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أُخِذَ عَنْهُ العلمُ في سنِّ الْحَداثَةِ، وانتصَبَ لِذَلِكَ في (¬5) آخرينَ مِنَ الأئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ (¬6) والْمُتأخِّرِيْنَ)) (¬7). (و) لَكِنْ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاَحِ حَملَ كلامَ ابنِ خَلاّدٍ عَلَى محمَلٍ صَحِيْحٍ، حَيْثُ (بِغيرِ البارعِ) أي: الفائِقِ لأصْحابِهِ في العِلمِ، وغيرِهِ (خَصَّصَ) كلامَهُ. فإنَّهُ قَالَ: ((وما ذكرَهُ ابنُ خلاّدٍ مَحْمُولٌ عَلَى أنَّهُ قَالَهُ فِيْمَنْ تَصَدَّى لِلتَّحْديثِ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ براعةٍ في العلْمِ تعجَّلَتْ لَهُ قَبْلَ السِّنِّ الَّذِي ذكرَهُ، فهذا إنَّما يَنْبَغِي ¬

_ (¬1) في (م): ((عن)). (¬2) انظر: المحدّث الفاصل: 352 (287). (¬3) انظر: المحدّث الفاصل: 352 (287). (¬4) كذا في جميع النسخ الخطية، وفي الإلماع: ((ومن)). (¬5) ((في)) هنا للمصاحبة بمعنى ((مَعَ)). مغني اللبيب 1/ 223. (¬6) في (م): ((المتقديمن)). (¬7) الإلماع: 200 - 204، وانظر: معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 403.

لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ استيفاءِ السِّنِّ الْمَذْكُورِ، فإنَّهُ مِظَنَّةٌ للاحتياجِ إِلَى مَا عِنْدَهُ. (لاَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيْ) وسائِرِ مَنْ ذَكَرَهُم الْقَاضِي عِيَاضُ، مِمَّنْ حَدَّثَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ ذَلِكَ لبَرَاعةٍ مِنْهُمْ في العِلْمِ تَقَدَّمَتْ، ظَهَرَ لَهُمْ مَعَهَا الاحْتِياجُ إِلَيْهِمْ، فَحَدَّثُوْا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لأنَّهُمْ سُئِلُوا ذَلِكَ إمَّا بصريحِ السُّؤَالِ، وإمَّا بقرينةِ الْحَالِ)). انتهى (¬1). فوقتُ التَّحْدِيثِ دائِرٌ بَيْنَ وقتِ الْحَاجَةِ، وسنٍّ مَخْصُوصٍ. وأما الوَقتُ الَّذِي يُنْتَهَى إِلَيْهِ، فَقَدِ اختُلِفَ فِيْهِ أَيْضاً، وَقَدْ أَخَذَ في بَيَانِهِ، فَقَالَ: 691 - وَيَنْبَغِي الإِْمْسَاكُ إِذْ يُخْشَى الْهَرَمْ ... وَبالْثَمَانِيْنَ ابْنُ خَلاَّدٍ جَزَمْ 692 - فَإِنْ يَكُنْ ثَابِتَ عَقْلٍ لَمْ يُبَلْ ... كَأَنَسٍ وَمَالِكٍ وَمَنْ فَعَلْ 693 - وَالْبَغَوِيُّ وَالْهُجَيْمِيْ وَفِئَهْ ... كَالطَّبَرِيِّ حَدَّثُوْا بَعْدَ الْمِئَهْ (وَيَنْبَغِي) لَهُ نَدْباً (الإمْساكُ) عَن التَّحْدِيثِ (إِذْ) أي: وقتَ كَوْنِهِ (يُخْشَى الْهَرَمْ) الْمُفضي غَالِباً إِلَى التَّغيُّرِ، وَخوفِ الخَرَفِ، والتَّخْلِيطِ، بِحَيْثُ يروي مَا لَيْسَ مِن حديثِهِ (¬2). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((والنَّاسُ فِي السِّنِّ الَّذِي يَحْصَلُ بِهِ الْهَرمُ مُتَفاوِتونَ بِحَسَبِ اختلافِ أحوالِهِم)) (¬3). (وبالثَّمَانِينَ) أي: بأحبيةِ الإمْساكِ عَنِ التَّحْدِيثِ عِنْدَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ (ابنُ خَلاَّدٍ) الرَّامَهُرْمُزِيُّ (جَزَمْ)، فَقَالَ: ((إِذَا تَنَاهَى العُمرُ بالْمُحَدِّثِ فأعجبُ إليَّ أَنْ يُمْسِكَ في الثَّمَانِينَ، فإنَّهُ حدُّ الْهرمِ. والتَّسبيحُ، والذِّكرُ، وتلاوةُ الْقُرْآنِ، أَوْلَى بأبْناءِ الثَّمَانِيْنَ)). قَالَ (¬4): (فإنْ يَكُنْ ثَابِتَ عَقْلٍ)، وَرأيٍ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ، ويقومُ بِهِ، (لَمْ يُبَلْ) أي: لَمْ يُبالِ بِذَلِكَ، بَلْ رجوتُ لَهُ خيراً (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 403 بتصرف. (¬2) قال القاضي عياض: ((الحدّ في ترك الشّيخ التحديث التغير، وخوف الخرف)). الإلماع: 204. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 403. (¬4) لم ترد في (ق). (¬5) المحدث الفاصل: 354 (289).

(كَأَنَسٍ) هُوَ ابنُ مَالِكٍ، (وَمَالِكٍ) هُوَ ابنُ أَنَسٍ، (وَمنْ فَعَلْ) ذَلِكَ غَيْرُهُمَا، (وَ) أَبُو القاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ (البَغويُّ، وَ) أَبُو إسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ (الْهُجَيْمِيْ) نسبةً لهُجَيْمِ بنِ عَمْرٍو، (وفئهْ) أي: جَمَاعَةٌ غَيْرُهم، (ك‍) ‍‍‍‍الْقَاضِي أَبِي الطيبِ (الطَّبريِّ) كُلُّهُمْ (حَدَّثُوْا بَعْدَ الْمِئَهْ) (¬1). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ تبعاً لِلْقَاضِي عِيَاضٍ: ((وإنَّمَا كرهَ مَنْ كَرِهَ لأصحابِ الثَّمانينَ التَّحديثَ؛ لأنَّ الغالبَ عَلَى مَنْ بلغَها ضعفُ حالِه، وتغيُّرُ فهمه؛ فَلاَ يفطنُ لَهُ إلاّ بَعْدَ أنْ يَخْرَفَ ويخلِّطَ)) (¬2). 694 - وَينْبغي إمْسَاكُ الاعْمَى إنْ يَخَفْ ... وَإِنَّ مَنْ سِيْلَ (¬3) بِجُزْءٍ قَدْ عَرَفْ 695 - رُجْحَانَ رَاوٍ فِيْهِ دَلَّ فَهْوَ حَقّْ ... وَتَرْكُ تَحْدِيْثٍ بِحَضْرَةِ الأَحَقّْ 696 - وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ الاخْذَ عَنْهُ ... بِبَلَدٍ وَفِيْهِ أَوْلَى مِنْهُ ¬

_ (¬1) انظر: الإلماع: 204 - 207. قال الزركشي: ((وظاهره أنه وقع ذلك لغيرهم، وقد رأيت في فوائد رحلة المصنف بخطه: أخبرني بنيسابور الشّيخ أبو الحسن بن محمّد الطوسي بقراءتي عليه، عن الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمّد السمعاني المروزي رحمه الله تعالى قال: لا يعرف في الإسلام محدّث حدّث بعد استيفاء مئة إلا أبو القاسم البغوي وأبو إسحاق الهجيمي وأبو الطيب الطبري. قال الشّيخ أبو عمرو: قلت: هذا الحصر مردود، فهذا الحسن بن عرفة عاش مئة وعشراً وكتب عنه خمسة قرون، وسماع إسماعيل الصفار منه - بمقتضى سنه - لا يكون إلا بَعْدَ المئة من سن الحسن، وأما قول ابن خلاد في كتابه: لا يعرف رجل في الإسلام حدّث بعد استيفائه مئة سنة إلا أبو إسحاق الهجيمي. فإنا لا نستدرك عليه؛ وذلك أنه أراد من حدّث بعد المئة ولم يحدّث قبلها، وذلك لا يعرف لغير الهجيمي فإنه آلى إلا يحدث بعد المئة إن يستوفي المئة فتم له ذلك، ولم يشاركه في ذلك البغوي والطبري وغيرهما)). نكت الزركشي 3/ 638 - 639. وانظر: المنتظم 7/ 23. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 403. قال الحافظ ابن كثير: ((إذا كان الاعتماد على حفظ الشّيخ الرّاوي، فينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن. وأما إذا كان الاعتماد على حفظ غيره وخطه وضبطه، فهاهنا كلما كان السن عالياً كان الناس أرغب في السّماع عليه)). اختصار علوم الحديث 2/ 425. (¬3) بكسر السين وتسهيل الهمزة؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح عليه.

697 - وَلاَ تَقُمْ لأَحَدٍ وَأَقْبِلِ ... عَلَيْهِمِ وَلِلْحَدِيْثِ رَتِّلِ 698 - وَاحْمَدْ وَصَلِّ مَعْ سَلاَمٍ وَدُعَا ... فِي بَدْءِ مَجْلِسٍ وَخَتْمِهِ مَعَا (وَيَنْبَغِي) نَدْباً أَيْضاً (¬1) (إمْسَاكُ الاعْمَى (¬2)) بالدرجِ - عَن التَّحْدِيثِ (إنْ يَخَفْ) أَنْ يدخلَ عَلَيْهِ في حَدِيْثِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. (وإنَّ مَنْ سِيْلَ) (¬3) - بكسر السينِ، وتَخْفِيْفِ الْهَمْزَة -، أي: وينبغي لِمَنْ سُئِلَ في أَنْ يحدِّثَ (بِجُزْءٍ)، أَوْ نَحْوِهِ، و (قَدْ عَرَفْ رُجْحَانَ راوٍ) مِنْ مُعَاصِريهِ (فِيْهِ)، لكونِهِ أَعْلى سَنداً مِنْهُ فِيْهِ، أَوْ متصلَ السَّمَاعِ بالنِّسْبةِ إِلَيْهِ، أَوْ لغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُرجِّحَاتِ، (دَلَّ) أي: يدلُّ السَّائِلُ (¬4) لَهُ عَلَيْهِ ليَأْخُذَهُ عَنْهُ. (فَهْوَ) أي: إرْشَادُهُ بالدَّلالةِ عَلَى ذَلِكَ (حَقّْ)، وَنَصيحةٌ في العِلْمِ؛ لأنَّ الراجِحَ عَلَيْهِ أحقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وغيرِهِم. قَالَ شُرَيْحُ بنُ هانِئ: ((سَأَلْتُ عائِشَةَ - رضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَن الْمَسْحِ - يعني عَلَى الْخُفَّيْنِ - فَقَالَتْ: إيتِ عَلِيّاً؛ فإنَّهُ أعلمُ بِذَلِكَ مِنِّي)) (¬5). (وَ) يَنْبَغِي نَدْباً للمحدِّثِ أَيْضاً (تَرْكُ تَحْديثٍ بِحَضْرةِ الأحقّْ)، أي: مَنْ هُوَ أحقُّ مِنْهُ بالتَّحْديثِ، فَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ إِذَا اجتمعَ مَعَ الشَّعْبِيِّ، لَمْ يتكلم إِبْرَاهِيْمُ بِشيْءٍ (¬6). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ق). (¬2) في (م): ((الأعمى)) بإثبات الهمزة، ولم يفطن لقول الشارح. (¬3) في (م): ((سئل)). (¬4) في (ص): ((السّامع)). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة (1866)، وأحمد 1/ 113، ومسلم 1/ 160 (276) (85)، والنسائي 1/ 84، وأبو يعلى (264)، وابن خزيمة (194)، وأبو عوانة 1/ 261 - 262 و 262، والبيهقي 1/ 272 و 275، والبغوي (238) كلهم من طريق أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ به، وفي رواية ابن أبي شيبة من طريق معاوية، عن الأعمش، عن القاسم، عن شريح، به ولم يذكر (الحكم). (¬6) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 320.

(وبعضُهُمْ كَرِهَ الاخذَ (¬1)) بالدرجِ (عَنْهُ بِبَلَدٍ، وَفِيْهِ) مَنْ هُوَ (أَوْلَى) بِهِ (مِنْهُ)، لسنِّهِ، أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ غيرِهِ. فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْن: ((الَّذِي يُحَدِّثُ ببلدةٍ، وفيها أولى بالتَّحديْثِ مِنْهُ أحْمَقٌ (¬2) وأنا إِذَا حدَّثْتُ ببلدٍ فِيْهِ مثلُ أَبِي مُسْهِر، فيجبُ لِلِحيَتِي أَنْ تُحْلَقَ)) (¬3). (وَلاَ تَقُمْ) نَدْباً إِذَا كُنْتَ بِمَجْلِسِ التَّحْديثِ، ولا القارِئ أَيْضاً (لأَحَدٍ) إكْراماً لِلْحَدِيْثِ. وَعَنْ الْفَقيهِ أَبِي زيدٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الْمَرْوَزِيِّ، أنَّهُ قَالَ: ((القارِئُ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا قامَ لأحدٍ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خطيئَةٌ)) (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): ((الأخذ)) بإثبات الهمزة. (¬2) لم ترد في (ق). (¬3) رواه الخطيب في الجامع 1/ 319 (701). قال الزركشي في نكته 3/ 642: ((سئل ابن المبارك وسفيان بن عيينة حاضر، فقال: نهينا أن نتكلم عند أكابرنا. قلت: إلا بإذنه. وقد بوّب ابن عبد البر باباً في فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه، واستشهد بحديث معاذ لما أراد النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن، قال: دعا أبا بكر وعمر وقال: أشيروا عليّ فيما آخذ من اليمن، قالا: يا رسول الله قد نهى الله أن يتقدم بين يدي الله ورسوله، فكيف نقول وأنت حاضر؟ فَقَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أمرتكما فلم تتقدما بَيْن يدي الله ورسوله. قال عبد الرحمان بن غنم: فقلت لمعاذ: فللرجل العالم أن يقول ومن معه عداده من الناس في الأمر لابد منه، قال: إن شاء قال وإن شاء أمسك حتّى يكفيه أصحابه وذلك أحب إلي، قال أبو عمر: هذا حديث لا يحتج بمثله لضعف إسناده، ولكنه حديث حسن نقله الناس)). وانظر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 120 - 121. وللعلامة ابن دقيق العيد تقييد حسن لهذا الإطلاق، فقال: ((ولابد أن يكون ذلك مشروطاً بأن لا يعارض هذا الأدب ما هو مصلحة راجحة عليه. ومن الآداب المذكورة: أنه إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره بإسنادٍ أعلى من إسناده، أو أرجح من وجهٍ آخر، أن يعلم الطّالب به ويرشده إليه نصحاً. وهذا أيضاً يفصل الحال فيه: وينبغي أن يكون عند الاستواء فيما عدا الصفة المرجحة، أما مع التفاوت: بأن يكون الأعلى إسناداً عامياً لا معرفة له بالصنعة، والأنزل إسناداً عارفاً ضابطاً، فهذا يتوقف فيه بالنسبة إلى الإرشاد المذكور؛ لأنّه قد يكون في الرّواية عن هذا الشخص العامي ما يوجب خللاً)). الاقتراح: 270 - 271. (¬4) نقله ابن الصّلاح. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 406، وفتح المغيث 2/ 292 - 293.

(وَ) لاَ تخُصَّ أحداً مِمَّنْ تُحدِّثُهم بإقبالِكَ عَلَيْهِ، بَلْ (أَقْبِلِ عَلَيْهِمِ) - بكسرِ الميم - جَمِيعاً نَدباً، لِقَوْلِ حبيبِ بنِ أَبِي ثابتٍ: ((إنَّهُ من السُّنَّةِ)) (¬1). (ولِلحَدِيْثِ رَتِّلِ) نَدْباً، ولا تسرُدْهُ سَرْداً يَمْنعُ السَّامِعَ مِن إدْرَاكِ بَعْضِهِ، فَفِي " الصَّحِيْحَيْنِ " (¬2) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: ((لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْرِدُ الْحَدِيْثَ كَسَرْدِكُمْ)) (¬3). زادَ التِّرْمِذِيُّ: ((وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ))، قَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيْحٌ (¬4). ولا تُطِلِ الْمَجْلِسَ، بَلْ اجْعَلْهُ مُتوسِّطاً، حَذَراً من سآمَةِ السَّامِعِ وَمَللِهِ، إلا إنْ علمتَ أن الْحَاضِرينَ لا يتبرمون بطولِهِ. فَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ وغيرُهُ: ((إِذَا طالَ الْمَجْلِسُ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيْهِ نَصِيبٌ)) (¬5). (واحْمَدْ) رَبَّكَ تَعَالَى، (وَصَلِّ مَعْ سَلامٍ) عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، (وَ) مَعَ (دُعَا) (¬6) يَلِيقُ بِالْحَالِ (في بدء) كُلِّ (مَجْلِسٍ وَ) في (خَتْمِهِ مَعَا)، فكُلُّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ. كأنْ يَقُوْلَ (¬7): ((الْحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيْراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا ¬

_ (¬1) رواه الْخطيب في الجامع 1/ 305 (685) و 1/ 411 (981). (¬2) قلّد المصنف هنا الحافظ العراقي، فإنّه عبر بنفس كلامه هنا، وقول المصنف هذا فيه إيهام أن البخاري أخرج الحديث موصولاً، وليس الأمر كذلك؛ إنما أخرجه البخاري تعليقاً 4/ 231 (3567)، قال الليث: حدَّثني يونس، عن ابن شهاب أنّه قال: أخبرني عُروة بن الزبير، عن عائشة ... ، وانظر: تحفة الأشراف 12/ 105 (16698)، فقد نص على أنَّه معلق عند البخاري. (¬3) أخرجه الحميدي (247)، وأحمد 6/ 118 و 138 و 157 و 257، والبخاري 4/ 231 (3567 معلقاً)، ومسلم 7/ 167 (2493)، وأبو داود (3654) و (3655) و (4839)، وفي الشمائل (223)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (413)، وأبو يعلى (4393) و (4677)، وابن حبان (7153) من حديث عروة عن عائشة. (¬4) الترمِذي (3639). (¬5) رواه الخطيب في الجامع 2/ 128 (1385)، وانظر: أدب الإملاء والاستملاء: 68. (¬6) في (م): ((ودعاء)). (¬7) في (ع) و (م): ((تقول)).

وَيَرْضَى اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِينَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ، وكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ الْغَافِلُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وآلِ كُلٍّ، وَسَائِرِ الصَّالِحِيْنَ، نَهَايَةَ مَا يَنْبَغِي أنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلُوْنَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا استَعَاذَ (¬1) مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). 699 - وَاعْقِدْ لِلاِمْلاَ مَجْلِساً فَذَاكَ مِنْ ... أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالاَخْذِ (¬3) ثُمَّ إِنْ 700 - تَكْثُرْ (¬4) جُمُوْعٌ فَاتَّخِذْ مُسْتَمْلِيَا ... مُحَصِّلاً ذَا يَقْظَةٍ مُسْتَوِيَا 701 - بِعَالٍ اوْ فَقَائِماً يَتْبَعُ ما ... يَسْمَعُهُ مُبَلِّغاً أَوْ مُفْهِمَا 702 - واسْتَحْسَنُوْا الْبَدْءَ بِقَارئ تَلاَ ... وَبَعْدَهُ اسْتَنْصَتَ ثُمَّ بَسْمَلاَ 703 - فَالْحَمْدُ فَالصَّلاَةُ ثُمَّ أَقْبَلْ ... يَقُوْلُ: مَنْ أَوْمَا ذَكَرْتَ وَابَتهَلْ 704 - لَهُ وَصَلَّى وَتَرَضَّى رَافِعا ... وَالشَّيْخُ تَرْجَمَ الشُّيُوْخَ وَدَعَا (واعْقِدْ) نَدْباً، إنْ كُنْتَ محدِّثاً عَارِفاً، (للاِمْلا) - بالدرجِ، والقَصْرِ للوزنِ - في الْحَدِيْثِ (مَجْلِساً) مِنْ حِفْظِكَ، أَوْ كتابِكَ، والْحِفْظُ أشْرَفُ. (فَذَاكَ) أي: الإمْلاَءُ (منْ أرفعِ) وجوهِ (الاسْماعِ) - بالدرجِ - من الْمُحَدِّثِ (والاخذِ) (¬5) -بالدرجِ- للطَّالِبِ، بَلْ هُوَ أرْفعُهَا، كَمَا مَرَّ بيانُهُ في أَوَّلِ أقسامُ التَّحَمُّلِ. وَمِن فَوَائِدِه: اعتِنَاءُ الرَّاوِي بطُرُقِ الْحَدِيْثِ، وَشَواهِدِهِ، وَمُتَابعاتِهِ. ¬

_ (¬1) في (ع): ((استعاذك)). (¬2) قال الزركشي معقّبا على هذا الكلام: ((اعلم أنّ المأثور في التحميد والصلاة أفضل من هذا، وقد ورد في التحميد سنن مشهورة فينبغي اتباعها، وكذلك تتبع السنة الصحيحة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد نبّه على هذا النووي -رحمه الله تعالى-)). نكت الزركشي3/ 646، وانظر: روضة الطالبين 11/ 65 - 66. (¬3) بدرج همزة (الإسماع) و (الأخذ) على التوالي؛ لضرورة الوزن. (¬4) في (أ): ((يكثر)). (¬5) في (م): ((والأخذ)) بإثبات الهمزة، ولم يفقه الناشر قول الشارح.

(ثُمَّ إنْ تَكْثُرْ جُمُوعٌ) مِنَ الْحَاضِرينَ (فاتَّخِذْ) وجوباً (مُسْتَمليا) يتَلَقَّنُ مِنْكَ للاحْتِياجِ إِلَيْهِ، بِخِلافِ مَا إِذَا قَلَّتْ، (مُحصِّلاً ذا يَقْظَةٍ) -بإسْكانِ القَافِ للوزنِ-، أي: مُتَيَقِّظاً بارِعاً في الفَنِّ اقتداءً بأئِمَّةِ الْحَدِيْثِ، كمالِكٍ، وشُعْبَةَ، ووكيعٍ، وأبِي عاصمٍ (¬1). وروى أَبُو داودَ وغيرُهُ من حَدِيْثِ رافِعِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ (¬2) بِمِنَى حِيْنَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَليٌّ - رضي الله عنه - يُعَبِّرُ عَنْهُ)) (¬3). فإنْ تَكَاثرَ الْجَمْعُ، بِحَيثُ لا يَكْفِي واحِدٌ فَزِدْ بِحسبِ الْحَاجَةِ، فَقَدْ أمْلَى أَبُو مُسْلِم الكَجِّيُّ في ((رَحْبَةِ غَسَّانَ)) (¬4)، وَكَانَ في مَجْلِسِهِ سبعةُ مُسْتَمْلِينَ، يُبَلِّغُ كُلٌّ مِنْهُمْ صاحبَهُ الَّذِي يَلِيهِ (¬5). وَخَرَجَ بالْمتيقِّظِ: الْمغَفَّلُ كمستَمْلِي يَزيدَ بنِ هَارُونَ، حَيْثُ قَالَ لَهُ يَزيدُ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ. فَقَالَ: عدَّةُ ابنُ مَنْ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: عدةُ ابنُ فقدتُّكَ (¬6). ويندبُ أنْ يَكُوْنَ جَهُوْرِيَّ الصَّوْتِ، (مُسْتَوِيا) أي: جالِساً (بـ) ‍مكَانٍ (عَالٍ)، كَكُرْسيٍّ (¬7)، (اوْ) (¬8) -بالدرجِ- (فَقَائِماً) -عَلَى قَدَمَيْهِ- كابنِ عُلَيَّةَ، بِمَجْلِسِ ¬

_ (¬1) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 55 - 56. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) أخرجه أبو داود (1956)، والنسائي في الكبرى (4094) كلاهما عن مروان، عن هلال بن عامر المزني، قال حدّثني رافع بن عمرو المزني، به. (¬4) رحبة: - بالفتح - الموضع المتسع بين أفنية البيوت. قال في المراصد 2/ 608: ((والرحاب كثيرة)). والذي يظهر أن هذا الموضع ساحة عامة تنسب إلى رجلٍ يدعى غسان، ولم نتحقق موضعها الآن. (¬5) انظر: تاريخ بغداد 6/ 121 - 122، والجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 53 (1160)، وأدب الإملاء والاستملاء: 96. (¬6) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 66 - 67 (1201)، وأدب الإملاء والاستملاء: 89 - 90. واسم هذا المستملي: بربخ. (¬7) قيّد ابن السمعاني ذلك بما إذا كثر عدد من يحضر السماع، وكانوا بحيث لا يرون وجه المستملي، فيستحب أن يجلس على منبر أو غيره حتّى ترى الجماعة وجهه ويبلغهم صوته. وانظر: أدب الإملاء: 50، ونكت الزركشي 3/ 650. (¬8) في (م): ((أَوْ)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول.

مَالِكٍ (¬1) وآدمِ بنِ أَبِي إياسٍ، بِمَجْلِسِ شُعْبَةَ (¬2) تَعْظِيماً لِلْحَدِيْثِ، ولأنَّ ذَلِكَ أبلغُ لِلسَّامِعينَ. (يتْبَعُ) الْمُسْتَمْلِي (مَا يَسْمَعُهُ) مِنْكَ، وَيوردُهُ عَلَى وَجْهِهِ مِن غَيْرِ تغيُّرٍ (مُبَلِّغاً) بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلغْهُ لفظُ الْمُمْلِي، (أَوْ مُفْهِمَا) بِهِ مَنْ يبلغُهُ عَلَى بُعْدٍ، وَلَمْ يَتَفَهَّمْهُ فيتوصَّلُ بِصَوتٍ الْمُسْتَمْلِي إِلَى تَفَهُّمِهِ، وتَحَقُّقِهِ (¬3). وَقَدْ تَقَدمَ بيانُ حُكْمِ مَنْ يَسْمَع إلا مِنَ الْمُسْتَمْلِي. (واسْتَحْسَنُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ مِمَّنْ تَصَدَّى للإملاءِ، أَوْ التَّحْدِيثِ (البَدْءَ) أي: الابتداءَ في مَجْلِسِهِ (بِقارِئِ تَلاَ) أي: بقراءةِ قَارِئٍ مِنَ الْمُسْتَمْلِي، أَوْ الْمُمْلِي، أَوْ غَيْرِهِما مِنَ الْحَاضِرِينَ شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ (¬4). فَقَدْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم -، إِذَا قَعَدُوا يَتَذاكَرُونَ في الْعِلْمِ يأمرُونَ رَجُلاً أَنْ يَقْرأ سُوْرَةً (¬5)، واختارَ شَيْخُنَا تَبَعاً لِلنَّاظِمِ أَنْ تَكُونَ (¬6) سورةَ ((الأعلَى))، لِمُناسَبَةِ {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى} (¬7). (وبَعْدَهُ) أي: بَعْدَ (¬8) الفَرَاغِ مِن التِّلاوَةِ (اسْتَنْصَتَ) أي: الْمُسْتَمْلِي، أَوْ الْمُمْلِي، أَوْ غيرهما إن احْتِيجَ للاسْتِنْصَاتِ اقتداءً بِمَا في " الصَّحِيْحَيْنِ " من قولِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِجَريرٍ في حجَّةِ الوَدَاعِ: ((اسْتَنْصِتِ النَّاسَ)) (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 66 (1200)، وأدب الإملاء والاستملاء: 88 - 89. (¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 56 (1155)، وأدب الإملاء والاستملاء: 15. (¬3) قال الزركشي: ((عبارة الخطيب: ويستحب له ألا يخالف، وكذا قال ابن السمعاني في أدب الإملاء، ثُمَّ صرّح بالوجوب فقال: ويستحب للمستملي ألا يخالف لفظ المملي في التبليغ عنه، بل يلزمه ذلك، خاصة إذا كان الراوي من أهل الدراية والمعرفة بأحكام الرواية)). نكت الزركشي 3/ 650، وانظر: الجامع لأخلاق الراوي 2/ 67، وأدب الإملاء: 105. (¬4) انظر: أدب الإملاء والاستملاء: 98. وقال الخطيب: سورة من القرآن. انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 68 عقب (1206). (¬5) انظر: الفقيه والمتفقه 2/ 127، والجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 68 (1207). (¬6) في (م): ((يكون)). (¬7) الأعلى: 6. (¬8) لم ترد في (م). (¬9) صحيح البخاري 1/ 41 (121) و 5/ 224 (4405) و 9/ 3 (6869) و 63 (7080) وصحيح مسلم 1/ 58 (65). وأخرجه الطيالسي (664)، وابن أبي شيبة (37164)، وأحمد= =4/ 385 و 363 و 366، والدارمي (1927)، وابن ماجة (3942)، والنسائي 7/ 127 و 128 وفي الكبرى (5882)، والطحاوي في شرح المشكل (2496)، وابن حبان (5949)، والطبراني في الكبير (2277) (2402)، وابن مندة في الإيمان (657)، والبغوي (2550).

(ثُمَّ) بَعْدَ إنصاتِهِمْ (بسمَلاَ) أي: الْمُسْتَمْلِي، أي: قَالَ: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ)) أَوَّلاً (فَالْحَمْدُ) للهِ، (فالصَّلاةُ) والسَّلامُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) لِخَبَرِ: ((كُلُّ أمْرٍ ذِيْ بَالٍ، لَمْ يُبْدَأْ فِيْهِ بِبِسْمِ اللهِ. وفِي رِوَايَةٍ: بِحَمْدِ اللهِ وفي رِوَايَةٍ: وَالصَّلاَةِ عَلَيَّ -، فَهُوَ أقطعُ)) (¬2). فَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلاثَةِ استعمالُ الرِّوَاياتِ الثَّلاثِ. (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (أَقبَلْ) أي: الْمُسْتَمْلِي عَلَى الْمُمْلِي (يَقُوْلُ) أي: قائِلاً لَهُ: (مَن) ذكرتَ، أَوْ مَن (¬3) حَدَّثَكَ مِنَ الشُّيُوخِ، (أَوْ مَا ذكرتَ) من الأحاديثِ؟ (وابتهَلْ) أي: دَعَا (لَهُ) مَع ذَلِكَ بقولِهِ: رَحِمَكَ اللهُ، أَوْ أصْلَحَكَ اللهُ (¬4) أَوْ غفَرَ اللهُ لَكَ، أَوْ نَحوَهُ (¬5). ¬

_ (¬1) ينظر الجامع لأخلاق الرواي 2/ 69، وأدب الإملاء: 98. (¬2) أخرجه أحمد 2/ 358، وأبو داود (4840)، وابن ماجه (1894)، والنسائي في الكبرى (10328)، وفي عمل اليوم والليلة (494)، وابن حبان (1) و (2)، والدارقطني 1/ 229، والبيهقي في الكبرى 3/ 208 - 209. كلهم من طريق قرة بن عبد الرحمان عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعاً موصولاً به. وقد خالف قرة في هذا الحديث أصحاب الزهري (يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز، والحسن بن عمر)) الّذين رووه عن الزهري مرسلاً. أخرجه النسائي هكذا في عمل اليوم والليلة (495) و (496) و (497)، ورجح الدارقطني في السنن 1/ 229 وفي علله 8/ 30 الرّواية المرسلة على الموصولة. وانظر: تخريجاً موسعاً كتبه الشّيخ شعيب في تعليقه على مسند الإمام احمد14/ 329 - 331 (8712)، وضعيف ابن ماجة للألباني (415)، وإرواء الغليل (2). (¬3) لفظ الجلالة لم يرد في (م). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) روي عن يحيى بن أكثم، قال: ((نلت القضاء، وقضاء القضاة، والوزارة، وكذا، وكذا. ما سررت بشيء مثل قول المستملي: من ذكرت رحمك الله)). انظر: الجامع 2/ 71 (1215)، وأدب الإملاء: 104.

(وَ) إِذَا انْتَهَى تَبَعاً لِلْمُمْلِي إِلَى ذكرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الإسنادِ (صَلّى)، وسلمَ عَلَيْهِ نَدْباً، وإنْ تكرَّرَ ذَلِكَ. (وَ) كَذَا إِذَا انْتَهَى إِلَى ذِكرِ أحدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - (تَرَضَّى) عَنْهُ (رَافِعا) صَوْتَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فإنْ كَانَ ذَلِكَ (¬1) الصَّحَابِيُّ أبُوه صَحَابِيٌّ، أَوْ أبُوهُ وجدُّهُ صَحَابِيانِ، وذَكَرَ الْجَمِيْعَ، قَالَ: رَضِيَ اللهَ عَنْهُمَا، أَوْ عَنْهُمْ. وَيندبُ أَيْضاً التَّرَضِّي، والتَّرَحُّمُ عَلَى الأئِمَّةِ، فَقَدْ قَالَ القَارِئُ لِلرَّبِيعِ بنِ سُلَيْمَانَ يَوْماً: حَدَّثَكُمْ الشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يَقُلْ: - رضي الله عنه -، فَقَالَ الرَّبِيعُ: ((وَلاَ حَرفٌ، حَتَّى يُقالَ: رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ)) (¬2). (والشَّيْخُ) الْمُمْلِي (تَرْجَمَ الشُّيُوخَ) الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُمْ بِذكرِ بَعْضِ أوْصَافِهِم الْجَمِيلَةِ، (وَدَعَا) لَهُمْ بالْمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ، وَنَحْوِهِما (¬3). لأنَّهُمْ آباؤُهُ في الدِّينِ، وَهُوَ مَأمُورٌ بالدُّعَاءِ لَهُمْ، وبِبِرِّهِم، وذِكْرِ مَآثِرِهِم والثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، كأنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، أَوْ الأَمينُ، أَوْ الْحَبِيبُ الأمينُ، أَوْ الْحَافِظُ فُلاَنٌ، أَوْ حَدَّثَنِي فُلاَنٌ، وَكَانَ مِن مَعَادِنِ الصِّدْقِ، ثُمَّ يَسُوقُ سَنَدَهُ (¬4). 705 - وَذِكْرُ مَعْرُوْفٍ بِشَيءٍ مِنْ لَقَبْ ... كَغُنْدَرٍ أَوْ وَصْفِ نَقْصٍ أَوْ نَسَبْ 706 - لأُمِّهِ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ ... يَكْرَهُهُ كَابْنِ عُلَيَّةٍ (¬5) فَصُنْ 707 - وَارْوِ فِي الاِمْلاَ عَنْ شُيُوْخِ قَدِّمِ ... أَوْلاَهُمُ (¬6) وَانْتَقِهِ وَأَفْهِمِ ¬

_ (¬1) في (م) و (ص): ((ذاك)). (¬2) انظر: الجامع 2/ 106 - 107 (1316)، وأدب الإملاء: 63. (¬3) لم ترد في (ص). (¬4) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 85 - 87 (1245) و (1246) و (1247) و (1248) و (1250) و (1254). (¬5) الأصل عدمُ صرفه، والوجهان جائز وزناً، غير أنّ النَّاظِم اختار صرفه؛ بالمراعاة كراهة العرب توالي ثلاثة متحركات. (¬6) في (ج‍): ((أعلاهم))، ويجب في كلتا الحالتين إشباع حركة الميم؛ لضرورة الوزن.

708 - مَا فِيْهِ مِنْ فَائِدَةٍ وَلاَ تَزِدْ ... عَنْ كُلِّ شَيْخٍ فَوْقَ مَتْنٍ وَاعْتَمِدْ 709 - عَالِيَ إِسْنَادٍ (¬1) قَصِيْرَ مَتْنِ ... وَاجْتَنِبِ الْمُشْكِلَ خَوْفَ الْفَتْنِ (وَ) أما (ذِكْرُ) راوٍ (مَعْرُوْفٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَقَبْ) اشتُهرَ بِهِ، (كَغُنْدَرٍ) لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ وغيرِهِ، مِمَّا يَأْتِي في بَابِ الألْقَابِ. (أَوْ) من (وَصْفِ نَقْصٍ)، كَالْحَولِ لِعَاصِمٍ، والشللِ لْمَنْصُورٍ، والْعَرجِ لعبدِ الرَّحْمَانِ بنِ هُرْمُزَ. (أَوْ) من (نَسَبْ لأُمِّهِ) كابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وابنِ بُحَيْنةَ. (فَجَائِزٌ) لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - لما سلَّمَ من رَكْعَتينِ مِن صَلاةِ الظُّهْرِ: ((أكَمَا يَقُوْلُ ذُوْ الْيَدَيْنِ؟)) (¬2)؛ ولأنَّ ذَلِكَ إنَّما يذكرُ (¬3) لِلْبَيانِ والتَّمْييزِ. هَذَا (مَا لَمْ يَكُنْ) مَنْ يوصفُ بِهِ (يَكْرَهُهُ). أمَّا إِذَا كَانَ يَكْرهُهُ (كابنِ عُلَيَّةٍ)، والأصمِّ، (فَصُنْ) نَفْسَكَ عَن ارتِكَابِهِ؛ لأنَّهُ حينئذٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَولِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج‍): ((الإسناد)). (¬2) أخرجه أبو داود (1017)، وابن ماجه (1213)، وابن خزيمة (1034). من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. مرفوعاً به. ورواه مالك (79)، والحميدي (983)، وأحمد 2/ 37 و 234 و 247 و 284، والدارمي (1504)، والبخاري 1/ 129 (482) و 183 (714) و2/ 86 (1228) و (1229) و 8/ 20 (6051) و 9/ 108 (7250)، ومسلم 2/ 86 (573) (97) (98)، وأبو داود (1008) و (1009) و (1010) و (1011)، وابن ماجه (1214)، والترمذي (394) و (399)، والنسائي 3/ 20 و 22 و 26، وفي الكبرى (486) و (487) و (488) و (1056) و (1057) و (1066) و (1067)، وابن الجارود (243)، وابن خزيمة (860) و (1035) و (1036)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 444 و 445، وابن حبان (2252) و (2253) و (2254) و (2255)، والبيهقي 2/ 346 و 353 و 354. كلهم من طرق عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، به مرفوعاً. (¬3) ((إنما يذكر)) لم ترد في (ص). (¬4) الحجرات: 11.

ولأنَّ الإمامَ أَحْمَدَ نَهَى ابنَ مَعيْنٍ، أَنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، حَيْثُ قَالَ لَهُ: قُلْ إِسْمَاعِيْلَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، فإنَّهُ بَلَغَنِي أنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أنْ ينسَبَ إِلَى أُمِّهِ، وَلَمْ يخالفْهُ ابنُ مَعِيْنٍ فِيْهِ، بَلْ قَالَ: ((قَدْ قبلناهُ مِنْكَ يَا مُعَلمَ الْخَيْرِ)) (¬1). قَالَ النَّاظِمُ هُنَا: ((والظَّاهِرُ أنَّ ما قَالَهُ أَحْمَدُ عَلَى طَرِيقِ الأدَبِ، لا اللزومِ)) (¬2). لكنَّهُ أقرَّ ابن الصَّلاَحِ في "النظم" في بَحْثِ الألْقَابِ عَلَى التَّحْرِيْمِ. وهذا فيمَنْ عُرفَ بغَيْرِ ذَلِكَ، وإلا فَلاَ تَحْريْمَ، ولا كَرَاهَةَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الإمامُ أَحْمَدُ (¬3). (وارْوِ) نَدْباً (في الاملا) (¬4) بالدرجِ والقصرِ (عَنْ شُيُوخِ) رويتَ عَنْهُمْ، ولا تَقْتَصِرْ عَلَى شَيخٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لأنَّ التَّعدُّدَ أكثرُ فَائِدةً، و (قَدِّمِ) مِنْهُمْ (أَوْلاَهُمُ) سنّاً، أَوْ عُلو إسْناد، ونحوَهُ (¬5). (وانْتَقِهِ) أي: الْمَرْوِيَّ بالإمْلاءِ أَيْضاً، أي: ائتِ بخيارِهِ بِحيثُ يَكُوْنُ أنفع، وأعمَّ فَائِدَةً. وأنْفَعُهُ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ - الأحَادِيثُ الْفِقْهيَّةُ (¬6). (وأفهِمِ) أَنْتَ، أي: بَيِّنْ نَدْباً لِلسَّامِعِينَ (مَا فِيْهِ مِنْ (¬7) فَائِدَةٍ) مِن بيانِ مُجْمَلٍ، أَوْ غَرِيبٍ، أَوْ عِلَّةٍ فِيْمَا تُمْلِيهِ (¬8). ¬

_ (¬1) أسنده الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 79 (1237). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 324. (¬3) انظر: فتح المغيث 2/ 308. (¬4) في (م): ((في الاملاء)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول. (¬5) في (ع) و (ص): ((أو نحوه)). (¬6) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 110 عقب (1327). (¬7) ليست في (ق). (¬8) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 111 عقب (1329).

ويندبُ أنْ يُنَبِّهَ عَلَى فَضْلِ مَا يَرْوِيهِ، وعلى علوِّ سَنَدِهِ، وثقةِ راوِيهِ، وَمَا انْفَرَدَ عَنْ شيخِهِ بِهِ، وَكونِ الْحَدِيْثِ لا يُوْجَدُ إلاّ عِنْدَهُ (¬1). (وَلاَ تَزِدْ) في إمْلائِكَ (عَنْ كُلِّ شَيْخٍ) مِن شُيوخِكَ (فَوْقَ مَتْنٍ) واحِدٍ، فإنَّهُ أعمُّ منفعَةً. (واعتمِدْ) فِيْمَا تَرْويهِ (عاليَ إسْنادٍ قَصيرَ مَتْنِ)، لِمَزيدِ الفائدةِ فِيْهِ (¬2)، (واجْتَنِبِ) في إمْلائِكَ (الْمُشْكِلَ) مِنَ الأحاديثِ التِي لا تَحْتملها (¬3) عُقُوْلُ الْعَوامِ، كأحَادِيثِ الصِّفَاتِ التِي ظَاهِرُهَا يقتضي التَّشْبيهَ والتَّجْسِيمَ، وإثْبَاتِ الْجَوارِحِ، والأعْضَاءِ للأزليِّ الْقَديْمِ (خَوفَ الْفَتْنِ) - بفتحِ الفاءِ من فَتَنَ -، أي: خوفَ الافتِتَانِ، والضَّلالِ؛ فإن سامعَها لجهلِهِ مَعَانِيهَا، يَحْمِلُها عَلَى ظَاهِرَها، أَوْ يُنْكِرُهَا فيردُّهَا، و (¬4) يكذِّبُ رواتها (¬5). وَقَدْ صَحَّ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كِذْباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)) (¬6). وقولُ ابنِ مَسْعُودٍ: ((إنَّ الرَّجُلَ ليحدِّثَ بالْحَدِيْثِ، فَيَسمعُهُ مَنْ لا يَبْلغُ عقلُهُ فهمَ ذَلِكَ الْحَدِيْثِ فَيَكُوْنُ عَلَيْهِ فِتْنَةً)). (¬7) وَقَوْلُ الإمَامِ مَالِكٍ: ((شَرُّ العِلْمِ: الغَرِيْبُ، وَخَيْرُ العِلْمِ: الْمَعْرُوْفُ الْمُسْتَقِيمُ)) (¬8). وأَمَّا خَبَرُ: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ وَلاَ حَرَجَ)) (¬9). فَقَالَ بعضُ العُلَمَاءِ إنَّ قَوْلَهُ: ¬

_ (¬1) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 93 عقب (1272)، و 2/ 97 عقب (1283)، و 2/ 102 عقب (1301) و (1302)، و2/ 120 عقب (1360)، و 2/ 122 عقب (1366). (¬2) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 88 عقب (1258). (¬3) في (م): ((تحملها)). (¬4) في (م): ((أو)). (¬5) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 107 - 108 عقب (1317). (¬6) الجامع2/ 108 (1319). والحديث أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه1/ 8، وأبو داود (4992). (¬7) رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 11 وفيه انقطاع. (¬8) روى نحوه الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 100 (1292). (¬9) تقدم تخريجه من حديث عبد الله بن عمرو وأخرجه الحميدي (1165)، وأحمد 2/ 474 و 502، وأبو داود (3662) من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

((وَلاَ حَرَجَ)) في مَحَلِّ الْحَالِ، أي: حَدِّثُوا عَنْهُمْ حَالَةَ كَوْنِهِ لاَ حَرَجَ في التَّحْدِيْثِ عَنْهُمْ (¬1). 710 - وَاسْتُحْسِنَ الإِنْشَادُ (¬2) فِي الأَوَاخِرِ ... بَعْدَ الْحِكَايَاتِ مَعَ النَّوَادِرِ 711 - وَإِنْ يُخَرِّجْ لِلرُّوَاةِ مُتْقِنُ ... مَجَالِسَ الإِمْلاَءِ فَهْوَ حَسَنُ 712 - وَلَيْسَ بِالإِْمْلاءِ حِيْنَ يَكْمُلُ ... غِنًى عَنِ الْعَرْضِ لِزَيْغٍ يَحْصُلُ (واستُحْسِنَ) لِلْمُمْلِي (الإنْشادُ) الْمُبَاحُ الْمُرَقِّقُ لِلْقُلُوبِ (¬3) (في الأَوَاخِرِ) من مَجَالِسِ الإِمْلاَءِ (بَعْدَ الْحِكَايَاتِ) اللّطِيْفَةِ (مَعَ النَّوادِرِ) الْحَسَنَةِ، وإِنْ كَانَتْ مُنَاسَبةً لْمَا أَمْلاَهُ، فَهُوَ أَحْسَنُ. كُلُّ ذَلِكَ بِإسْنَادِهِ عَلَى عَادَةِ الأئِمَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ (¬4). وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: ((رَوِّحُوا القُلُوبَ، وابْتَغُوا لَهَا طُرَفَ الْحِكْمةِ)) (¬5). وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ لأصْحَابِهِ: ((هَاتُوا مِنْ أَشْعَارِكُمْ، هَاتُوا مِنْ حَدِيْثِكُمْ، فَإِنَّ الأُذُنَ مَجَّاجَةٌ، وَالقَلْبُ حَمضٌ)) (¬6)، أي: مشتهٍ للحمضِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإنَّمَا أُخِذَ مِن شَهْوةِ الإبِلِ لِلحمضِ، وَهُوَ ما مَلَحَ وأَمَرَّ من النَّبَاتِ كَالأثلِ وَالطّرفاءِ، لأنَّهَا إِذَا ملَّتَ الْخلةَ، وَهُوَ مِن النَّبَاتِ مَا كَانَ حُلواً، اشْتَهَتِ الْحَمضَ، فتحولَ إليهِ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 328. (¬2) في (ج‍): ((الاسناد)). (¬3) في (ق): ((للقلب)). (¬4) بوب له الخطيب في الجامع 2/ 129 عقب (1388). (¬5) الجامع 2/ 129 رقم (1389)، وفيه محمد بن حمير مجهول، وقد قال الدارقطني: لا أعرفه. لسان الميزان 5/ 150. (¬6) الجامع 2/ 130 رقم (1392). (¬7) انظر: الصحاح 3/ 1072 (حمض). و ((الأذن مجّاجة)) أي: ((لا تعي ما تسمع، ولكنها تلقيه نسياناً، كما يُمَجُّ الشيء من الضم)). انظر: لسان العرب 3/ 439 (مجج). وانظر: تاج العروس 18/ 302.

أدب طالب الحديث

ثُمَّ ما مَرَّ مَحلُهُ في الرَّاوِي (¬1) العَارِفِ غَيْرِ العَاجِزِ. (وإنْ يُخَرِّجْ لِلرُّوَاةِ) الَّذِيْنَ لَيْسُوا أهْلاً لِلْمَعْرِفَةِ بالْحَدِيْثِ، وَعِلَلِهِ، وَاخْتِلاَفِ طُرُقِهِ، أَوْ أهْلاً لِذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ عَجزوا عَن التَّخْرِيْجِ، وَالتَّفْتِيْشِ، لِكِبَرِ سنٍّ، أَوْ ضعفِ بدنٍ (مُتْقِنُ) مِنْ حُفَّاظِ وَقْتِهِمْ (مَجَالِسَ الإمْلاءِ) التِي يُرِيْدُوْنَ إمْلاءَ هَا قَبْلَ يَوْمِ مَجَالِسِهِمْ، إمَّا بِسُؤَالٍ مِنْهُمْ لَهُ أَوْ ابْتِدَاءً (فَهْوَ حَسَنُ) وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَسْتَعِيْنُوْنَ بِمَنْ يُخَرِّجُ لَهُمْ (¬2). (وَلَيْسَ بِالإمْلاَءِ حِيْنَ يَكْمُلُ) أي: يَنْقَضِي (غِنًى عَنِ الْعَرْضِ)، وَالْمُقَابَلَةِ، (لِزَيغٍ) أي لإِصْلاَحِ مَا (يَحْصُلُ) مِنْ فَسَادِ زَيْغِ الْقَلَمِ، وَطُغْيَانِهِ (¬3). وَالْمُقَابَلةُ لِلإِمْلاَءِ تَكُوْنُ مَعَ الشَّيْخِ مِنْ حِفْظِهِ، لا عَلَى أُصُولِهِ، كَذَا حَصَرَهُ النَّاظِمُ (¬4)، وَفِيْهِ نَظَرٌ. أَدَبُ (¬5) طَالِبِ الْحَدِيْثِ (أَدَبُ)، وفي نُسخةٍ: آدَابُ (¬6) (طَالِبُ الْحَدِيْثِ) غَيْرَ ما مَرَّ: 713 - وَأَخْلِصِ الّنِيَّةَ فِي طَلَبِكَا ... وَجِدَّ وَابْدَأْ بِعَوَاِلي مِصْرِكَا 714 - وَمَا يُهِمُّ ثُمَّ شُدَّ الرَّحْلاَ ... لِغَيْرِهِ وَلاَ تَسَاهَلْ حَمْلاَ ¬

_ (¬1) في (ع): ((المخرج)). (¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 88 (1259). (¬3) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي2/ 133، ومعرفة أنواع علم الحديث: 411. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 331. (¬5) انظر في ذلك: الإلماع: 45 وما بعدها، ومعرفة أنواع علم الحديث: 411، والإرشاد 1/ 521 - 528، والتقريب: 146 - 149، والاقتراح: 280 - 284، والمنهل الروي: 108، واختصار علوم الحديث: 157 - 158، ونكت الزركشي 3/ 661 - 667، والشذا الفياح 1/ 400 - 418، والمقنع 1/ 407 - 418، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 332، ونزهة النظر: 204، وفتح المغيث 2/ 311 - 346، والتدريب 2/ 140 - 158، وقواعد التحديث: 233 - 236، وتوجيه النظر 2/ 719 - 727. (¬6) في (ص): ((آداب))، وفي نسخة: ((أدب)).

715 - وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ ... وَالشَّيْخَ بَجِّلْهُ وَلاَ تَثَاقَلِ 716 - عَلَيْه تَطْويْلاَ بِحَيْثُ يَضْجَرُ ... وَلاَ تَكُنْ يَمْنَعُكَ التَّكَبُّرُ 717 - أَو الْحَيَا (¬1) عَنْ طَلَبٍ وَاجْتَنِبِ ... كَتْمَ السَّمَاعِ فَهْوَ لُؤْمٌ وَاكْتُبِ 718 - مَا تَسْتَفيْدُ عَالِياً وَنَاِزلاَ ... لاَ كَثْرَةَ الشُّيُوْخِ صِيْتاً عَاطلاَ (وَأَخْلِصِ النِيَّةَ) للهِ تَعَالَى (في طَلَبِكَا) لِلْحَدِيْثِ؛ إِذْ النَّفْعُ بِهِ - بَلْ وبِسَائِرِ الْعُلُومِ - مُتَوقِّفٌ عَلَى الإِخْلاصِ فِيْهِ، والإعْرَاضِ عنِ الأَغْرَاضِ الدُّنْيَويَّةِ. قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إلاَّ لِيُصِيْبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ -، أي رِيْحَهَا- يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) (¬2). وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخعيُّ: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً يُريدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ، والدَّارَ الآخِرَةَ، آتاهُ اللهُ مِنَ العِلْمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ)) (¬3). (وَجِدَّ) - بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ -، أي: اجْتَهِدْ في طَلَبِكَ لَهُ، واحْرِصْ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ توقُّفٍ، ولاَ تأخِيرٍ، فمَنْ جَدَّ وَجَدَ. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ)) (¬4). وَقَالَ أَيْضاً: ((التُّؤْدَةُ في كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إلاّ في عَمَلِ الآخِرَةِ)) (¬5). ¬

_ (¬1) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬2) أخرجه أحمد 2/ 338، وسنن أبي داود (3664)، وسنن ابن ماجه (252)، وابن حبان (78)، والحاكم 1/ 85، والخطيب في تاريخه 5/ 346 - 347 و 8/ 78 جميعهم من طريق فليح بن سليمان، عَنْ عَبْد الله بن عَبْد الرَّحْمَان، عَنْ سعيد بن يسار، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ سند ضعيف لضعف فليح بن سليمان. (¬3) نحوه روى الخطيب في جامعه 1/ 104 (70). (¬4) أخرجه أحمد 2/ 366 و 370، ومسلم 8/ 56 (2664)، وابن ماجه (79)، وابن أبي عاصم في السنة (356)، والنسائي في الكبرى (10457) و (10461) وفي عمل اليوم والليلة (621) و (625)، والطحاوي في شرح المشكل (259) و (260) و (261)، وابن حبان (5730) و (5731)، والبيهقي 10/ 89 وفي الأسماء والصفات 1/ 263، من طريق الأعرج، عن أَبي هريرة، به. (¬5) رواه أبو داود (4810).

وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كثيرٍ: ((لا يُنَالُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ)) (¬1). وعَن الشَّافِعِيِّ: ((لا يَطْلبُ هَذَا العِلمَ مَنْ يطلبُهُ بالتَّمَلُّلِ - وفي رِوَايَةٍ بالْمَلَلِ - وغنَى النَّفْسِ فيُفْلِحُ، ولكِنْ مَنْ طلبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ، وضِيقِ العَيشِ، وخدمةِ العلمِ: أفْلَحَ)) (¬2). (وابْدَأْ بِعَوالِي) شُيوخِ (مِصْرِكا) أي: بِأخْذِهَا عَنْهُمْ، والزمِ العُكُوفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَوْفِيَها، (وَ) ابدأْ مِنْهَا (مَا) أي: بِمَا (يُهِمُّ) - بِضَمِّ اليَاءِ - من ذَلِكَ، وَغَيْرِهِ، كَمَرْويٍّ انْفَرَد بِهِ بَعْضُهُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ((مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بغيرِ الْمُهِمِّ، أضَرَّ بالْمُهِمِّ)) (¬3). وإن اسْتَوَى جَمَاعَةٌ في السَّنَدِ، وَأَرَدْتَ الاقْتِصَارَ عَلَى أحَدِهِمْ، فاخْتَرْ الْمِشْهُورَ مِنْهُمْ في طَلَبِ الْحَدِيْثِ، والْمُشَار إِلَيْهِ بِالإتْقَانِ فِيْهِ والْمَعْرِفَةِ لَهُ (¬4). فإنْ تَسَاوَوْا في ذَلِكَ أَيْضاً، فالأشْرَاف، وذَوِي الأنْسَابِ مِنْهُمْ، فإنْ تَسَاوَوْا في ذَلِكَ أَيْضاً، فَالأَسَنُّ (¬5). (ثُمَّ) بَعْدَ اسْتِيفَائِك لأخذِ مَا بِمِصْرِكَ مِنْ مَرْويِّ شُيُوخِهَا (شُدَّ الرَّحْلا)، أَوْ امْشِ، أَوْ ارْكَبِ البَحْرَ حَيْثُ اسْتَطَعْتَ، وَغلَبَتْهُ السَّلامَةُ (لغَيْرِهِ) أي: لغيرِ مِصرِكَ مِنَ البُلْدَانِ، وغيرِهَا؛ لِتَجْمعَ بَيْنَ عُلُوِّ الإسْنادَيْنِ وعلم الطَّائِفَتَيْنِ. وَلِخَبَرِ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيْقاً يَلْتَمِسُ فِيْهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيْقاً إِلَى الْجَنَّةِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) ساقة مسلم في صحيحه في موضع بعد أن ذكر المتابعات والطرق 1/ 428 رقم (175) طبعة محمد فؤاد، وهو في مدخل البيهقي: 277، وكذلك في جامع بيان العلم وفضله 1/ 109 بألفاظ متقاربة. (¬2) الحلية 9/ 119، والمحدث الفاصل ص 202 الفقرة (84)، وجامع بيان العلم 1/ 98، وللخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه2/ 94 عدد من الأخبار عن الشافعي بنحو هَذَا المعنى. (¬3) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 160 (1485). (¬4) الجامع 1/ 126 عقب (125). (¬5) الجامع 1/ 127 عقب (127). (¬6) جزء من حديث طويل رواه أبو خيثمة في العلم (25)، وابن أبي شيبة (26108)، وأحمد 2/ 252 و325 و406، والدارمي (351)، ومسلم 8/ 71 (2699)، وأبو داود (1455) و (3643)، وابن ماجه (225)، والترمذي و (2646) و (2945)، وابن حبّان (84)، والحاكم في المستدرك 1/ 88 - 89= = وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 13 - 14، والبغوي في شرح السنة (127) و (130)، كلهم من طرق عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة. به.

وَقَدْ رَحَلَ جَابرُ بنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أنِيسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - مَسِيْرَةَ شَهْرٍ في حَدِيْثٍ وَاحِدٍ (¬1). وإذ رحَلْتَ فاسْلُك مَا سلَكْتَهُ في مِصْرِكَ مِنَ الابتِداءِ بالأهمِّ فالأَهَمِّ، (ولا تَسَاهَلْ) - بفتحِ التَّاء - (حَمْلاَ) أي: ولا تَتَسَاهَلْ في التَّحَمُّلِ، وَالسَّمَاعِ، بِحَيْثُ تُخِلُّ بِمَا عَلِيْكَ. ولا تَشْتَغِلْ في الغربةِ إلا بِمَا تَسْتَحِقُّ لأجْلِهِ الرِّحْلَة، فشهوةُ السَّمَاعِ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ (¬2) - لا تَنْتَهِي، والنَّهْمَةُ من الطَّلَبِ لا تَنْقَضِي، والعِلْمُ كالْبِحَارِ الْمُتَعَذَّرِ كَيْلُهَا، والْمَعَادِنِ التِي لا يَنْقَطِعُ نَيْلُهَا (¬3). (واعملْ بِمَا تَسْمَعُ) بِمِصْرِكَ، وغيرِهَا مِنَ الأحَادِيْثِ التِي يُعْمَلُ بِهَا (في الفَضَائِلِ) والتَّرْغِيباتِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: ((يا رَسُوْلَ اللهِ! ما يَنْفِي عَنِّي حجَّةَ الْجَهْلِ؟ قَالَ: العِلْمُ. قَالَ: فَمَا يَنْفِي عَنِّي حجَّةَ العِلْم؟ قَالَ: العَمَلُ)) (¬4). وَقَالَ (¬5) إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلُ بنِ مجمَّعٍ: ((كنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيْثِ بالعَمَلِ بِهِ)) (¬6). وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: ((مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إلاَّ وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي في الْحَدِيْثِ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احتَجَمَ، وأعْطَى أبَا طيبةَ دِيْنَاراً (¬7)، فأعْطَيتُ الْحَجَّامَ دِيْنَاراً حِيْنَ احْتَجَمْتُ)) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: الرحلة في طلب الحديث: 104. (¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 245 عقب (1740). (¬3) لم ترد في (ق). (¬4) أخرجه الخطيب في اقتضاء العلم العمل: 4 من حديث عليّ - رضي الله عنه -. وانظر: فتح الباري 1/ 180 و 7/ 41 و 12/ 393 و 417. (¬5) في (م) و (ع) زيادة: ((الشعبي ووكيع و)). (¬6) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 259 (1789). (¬7) هذا الحديث اتفق على إخراجه الشيخان، البخاري 3/ 82 (2102) و 3/ 103 (2210) و 3/ 122 (2281) و 7/ 161 (5696). ومسلم 5/ 39 (1577). وهو في مسند أحمد 3/ 100 و 107 و 182، وانظر تخريجاً له موسعاً في كتاب " شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - " برقم (360). (¬8) أورده الذهبي في السّير 11/ 213 وصدّره بقوله: ((وقال المرّوذي: قال لي أحمد ... )).

وعن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ الْمُلائِي، قَالَ: ((إِذَا بَلَغَكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَبَرِ، فاعْمَلْ بِهِ - وَلَوْ مَرَّةً - تَكُنْ مِنْ أهْلِهِ)) (¬1). (والشَّيْخَ بَجِّلْهُ) أي: عَظِّمْهُ، واحْتَرِمْهُ لِخَبَرِ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيْرَنَا)) (¬2). (ولا تَثَاقَلِ) أي: وَلاَ تَتَثَاقَلْ (عَلَيْهِ تَطْوِيلا (¬3)) أي: بالتَّطْوِيلِ، (بِحَيْثُ يَضْجَرُ) أي: يَقْلَقُ مِنْكَ، ويَمِلُّ مِنَ الْجلُوسِ. فإنَّ الإضْجَارَ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ (¬4) - يُغيِّرُ الأَفْهَامَ، ويُفْسِدُ الأخْلاَقَ، ويحيلُ الطِّبَاعَ، ويُخْشَى - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَح (¬5) - عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ أَنْ يُحْرَمَ الانْتِفَاعَ. (وَلاَ تَكُنْ) أَنْتَ مُتَكَبِّراً، ولا مُسْتَحْيِياً بِحَيْثُ (يَمْنعُكَ التَّكَبُّرُ، أَوْ الْحَيَا (¬6)) - بالقصر - (عن طَلَبٍ) لِمَا تَحْتَاجُهُ مِن حَدِيْثٍ وعِلْمٍ. فَفِي البُخَارِيِّ (¬7): ((قَالَ مُجَاهِدٌ: لا يَنَالُ العِلْمَ مُسْتَحي ولا مُتَكّبِّرٌ)). وَعَنْ عُمَرَ، وابْنِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ)) (¬8). ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في الحلية 5/ 102. (¬2) أخرجه الترمذي (1919)، وأبو يعلى (3476)، والعقيلي في الضعفاء 2/ 84، والطبراني في الكبير 6/ (5905)، وابن عدي في الكامل 3/ 1094. من حديث أنس بن مالك. وأخرجه أحمد1/ 257، وعبد بن حميد (586)، والبزار (كشف) (1955) و (1956)، وابن حبان (458)، والطبراني في الكبير (11083) و (12276)، وابن عدي في الكامل 6/ 2353، والقضاعي في مسند الشهاب (1203)، والبيهقي في الشعب (10980)، والبغوي في شرح السنة (3452) من حديث ابن عباس. وهو مروي بألفاظ متقاربة عن جمع من الصّحابة غيرهما. (¬3) في (م): ((طويلاً)). (¬4) الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 218 عقب (409). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 414. (¬6) في (م): ((الحياء))، وهو ذهول عن قول الشارح. (¬7) صحيح البخاري 1/ 44 عقيب (129) مجزوماً به. قال الحافظ: ((وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي ابن المديني، عن ابن عيينة، عن منصور، عنه، وهو إسناد صحيح على شرط البخاري)). الفتح عقب (130). قلنا: وهو في سنن الدرامي (557)، وحلية الأولياء 3/ 287، والمدخل للبيهقي (410)، والفقيه والمتفقه 2/ 144. (¬8) انظر: تدريب الرّاوي 2/ 147.

وَهَذَا لا يُنَافِي كَوْنَ الْحَيَاءِ مِنَ الإيْمَانِ؛ لأنَّ ذَلِكَ شَرْعِيٌّ يَقَعُ عَلَى وَجهِ الإجْلاَلِ، والاحْتِرَامِ للأكابِرِ، وَهُوَ مَحْمُوْدٌ، والذي هُنَا لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ، بَلْ سَبَبٌ لِتَرْكِهِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ. (وَاجْتَنِبِ) أَنْتَ (كَتْمَ السَّمَاعِ) الَّذِي ظفرْتَ بِهِ لِشَيْخٍ، وكتمَ شَيخٍ انْفَرَدْتَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ إخْوَانِكَ رجاءَ الانْفِرَادِ بِهِ عَنْهُمْ. (فَهْوَ) أي: الكتمُ (لُؤْمٌ) مِنْ فَاعِلِهِ، ويُخْشَى عَلَيْهِ عَدَمُ الانْتِفَاعِ بِهِ. وفي الْحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ: ((الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ)) (¬1). وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ((مَنْ بَخِلَ بِالْحَدِيْثِ، وكَتمَ عَلَى النَّاسِ سَمَاعَهُمْ، لَمْ يُفْلِحْ)) (¬2). وعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- مَرْفُوعاً: ((يَا إِخْوَانِيْ! تَنَاصَحُوا في العِلْمِ وَلاَ يَكْتُمُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ خِيَانَةَ الرَّجُلِ فِيْ عِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِيْ مَالِهِ)) (¬3). نَعَمْ: لَهُ الكتْمُ عَنْ مَنْ لَمْ يَرَهُ أهْلاً، أَوْ يَكُوْنُ مِمَّنْ لا يقبلُ الصَّوَابَ إِذَا أرْشَدَهُ إِلَيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فعنِ الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ أنَّهُ قَالَ لأبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى: ((لا ترُدَّنَّ عَلَى معجبٍ خَطأً، فَيستَفِيدَ مِنْكَ عِلْماً، ويتَّخِذَكَ بِهِ عَدُوّاً)) (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه الحميدي (837)، وأحمد 4/ 102، ومسلم 1/ 53 (55) (95) (96) و 54 (55) (96)، وأبو داود (4944)، والنسائي 7/ 156، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 4/ 102 من طرق عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، به. قلنا: وهو مروي أيضاً من حديث ابن عبّاسٍ، وابن عمرو وغيرهما. (¬2) الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 240 (477). (¬3) رواه الطبراني في الكبير برقم (11701)، وأبو نعيم في الحلية 9/ 20، والخطيب في تاريخه 3/ 43 و 6/ 357 و 389، وفي الجامع 2/ 149 (1449)، وابن الشجري في أماليه 1/ 49، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 231 من طرق عن ابن عبّاسٍ، وهو حديث تالف لا يصح بحالٍ. وانظر: مجمع الزوائد 1/ 141. (¬4) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 154 (1468).

(واكتُبِ) بالسَّنَدِ عَمَّنْ لقيتَهُ، وَلَوْ دونَكَ (ما تَسْتَفيدُ) هُ مِن حَدِيْثٍ، ونَحْوِهِ (عَالياً) أي: سَنَدُهُ، (وَنَازِلاَ). فَالفَائِدةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَيْثُمَا وَجَدَهَا (¬1) التَقَطَهَا، وَهَكَذا كَانَتْ سيْرَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَكَمْ مِنْ كَبيرٍ رَوَى عَنْ صَغِيْرٍ، كَمَا سَيَأْتِي في بَابِهِ. والأصْلُ فِيْهِ قِرَاءةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ عَظِيْمِ مَنْزِلَتِهِ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْب (¬2)، فَعَلَهُ ليَتَأسَّى بِهِ غَيْرُهُ. وَلاَ يَسْتَنْكِفُ الْكَبِيْرُ أنْ يَأْخُذَ العِلْمَ عَمَّنْ (¬3) دُوْنَهُ مَعَ مَا فِيْهِ مِنْ تَرْغِيبِ الصَّغِيرِ في الازْدِيادِ إِذَا رَأَى الْكَبِيرَ يأخذُ عَنْهُ. وَقَالَ وَكِيعٌ: ((لا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عَالِماً، حَتَّى يأخُذَ عَمَّنْ هُوَ فوقَهُ، وعمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ، وعمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ)) (¬4). ولْتَكُنْ هِمَّةُ الطَّالِبِ تًحْصِيلَ الفَائِدَةِ (لا كَثْرَةَ الشُّيُوخِ صِيْتاً عَاطِلا) أي: لِمُجَرَّدِ الصِّيتِ العَاطِلِ عَن الْفَائِدَةِ، أمَّا تَكْثِيْرُهُم لِتَكْثِيرِ طُرُقِ الْحَدِيْثِ، فَلاَ بأْسَ بِهِ. 719 - وَمَنْ يَقُلْ إذا كَتَبْتَ قَمِّشِ ... ثُمَّ إذا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ 720 - فَلَيْسَ مِنْ ذَا وَالْكتَابَ تَمِّمِ ... سَمَاَعَهُ لاَ تَنْتَخِبه تَنْدَمِ 721 - وَإِنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابهِ ... لِعَارِفٍ أَجَادَ فِي انْتِخَابهِ 722 - أَوْ قَصَّرَ اسْتَعَانَ ذَا حِفْظٍ فَقَدْ ... كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ مَنْ لَهُ يُعدْ ¬

_ (¬1) في (م): ((وجدهما)). (¬2) أخرجه الطيالسي (539)، وأحمد 5/ 131، والترمذي (3898)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 5/ 132، والحاكم 2/ 224، وأبو نعيم في الحلية 4/ 187 من طريق عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، به. ورواية عاصم عن زر أعلّها العجلي وبيّنّا ذلك باسهاب في كتابنا " كشف الإيهام ". (¬3) في (م) زيادة ((هو)) ولم ترد في بقية النسخ. (¬4) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 216 (1654) و (1655).

(ومَنْ يَقُلْ) كأبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ: (إِذَا كَتبْتَ قَمِّشِ) أي: اجْمَعْ مِنْ هَاهُنَا، ومن (¬1) هَاهُنَا، أي: ارْوِ، وَلَوْ عَمَّنْ لاَ قَدْرَ لَهُ، (ثُمَّ إِذَا رويتَهُ فَفَتِّشِ (¬2)، فَلَيْسَ) هُوَ (مِنْ ذَا) أي: الاسْتِكْثَارِ العَاطِلِ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬3). قَالَ النَّاظِمُ: ((وَلَمْ يبيِّنْ مُرادَهُ بِذَلِكَ، وكأنَّهُ أرادَ: اكتُبِ الفائِدَةَ مِمَّنْ سَمِعْتَها، ولا تؤخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى تَنظرَ (¬4) فِيمَنْ حَدَّثَكَ: أَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ أَمْ لا؟ فَرُبَّمَا فَاتَ ذَلِكَ بِمَوتِ الشَّيْخِ، أَوْ سَفَرِهِ، أَوْ سَفَرِكَ، فإذا كَانَ وَقْتُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، أَوْ وَقْتُ العَمَلِ بالْمَرْوِيِّ، فَفَتِّشْ حِينئِذٍ)) (¬5). قَالَ: ((ويحتملُ أنَّهُ أرَادَ اسْتِيْعابَ الكِتَابِ الْمَسْمُوعِ، وتركَ انْتِخَابِهِ، أَوْ اسْتِيعابَ مَا عِنْدَ الشَّيْخِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فإذا كَانَ وقتُ الرِّوَايَةِ، أَو العَمَلِ نَظَرَ فِيْهِ، وتَأمَّلَهُ)) (¬6). (والْكِتَابَ) أَوِ الْجُزْءَ (تَمِّمِ) أَنْتَ (سَمَاعَهُ)، وَكِتَابَتَهُ، و (لاَ تِنْتَخِبْهُ) بأَنْ تَخْتَارَ مِنْهُ مَا تُريدُهُ. (تَنْدَمِ)؛ لأنَّكَ قَدْ تَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى رِوَايَةِ شَيءٍ مِنْهُ، فَلاَ تَجِدْهُ فِيْمَا انْتَخَبْتَهُ مِنْهُ (¬7). وَقَدْ قَالَ ابنُ الْمُبَارَكِ: ((مَا انْتَخَبتُ عَلَى عَالِمٍ قَطُّ إلاّ نَدِمْتُ)) (¬8). وفي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((ما جَاءَ مِنْ مُنْتَقٍ خَيْرٌ قَطُّ)) (¬9). وعن ابنِ مَعِيْنٍ: ((سيَنْدَمُ الْمُنْتَخِبُ في الْحَدِيْثِ، حَيْثُ لا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ)) (¬10). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ع). (¬2) قول أبي حاتم أسنده الخطيب في جامعه 2/ 220 (1670). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 415. (¬4) في (م): ((تنتظر)). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 343. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 343. (¬7) انظر: ما سبق. (¬8) الجامع 2/ 156 رقم (1471)، والإلماع: 218. (¬9) الجامع 2/ 187 رقم (1566). (¬10) معرفة أنواع علم الحديث: 416.

وفي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((صَاحِبُ الانْتِخَابِ يَنْدَمُ، وَصَاحِبُ النَّسْخِ لاَ يِنْدَمُ)) (¬1). (وَ) لَكِنْ (إنْ يَضِقْ) - كَمَا أفادَهُ الْخَطِيْبُ (¬2) - (حَالٌ) أي: الوَقْتُ (عَنِ اسْتِيعَابِهِ) أي: الكِتَاب، أَوْ الْجُزْء، لِعُسرِ النَّسْخِ، أَوْ لِكَونِ الشَّيْخِ، أَوْ الطَّالِبِ وارِداً غَيْرَ مُقيمٍ، أَوْ نَحْوَها، ووقعَ ذَلِكَ (لِعَارِفٍ) بِجَوْدَةِ الانْتِخَابِ، تَحَرَّى و (أجَادَ في انْتِخَابِهِ) بِنَفْسِهِ. (أَوْ) وَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ (قَصَّرَ) عَنْ مَعْرِفَةِ الانْتِخَابِ، (اسْتَعانَ) في انْتِخَابِ مَا يُريدُهُ (ذَا) أي: صَاحَب (حِفْظٍ)، ومَعْرِفَةٍ. (فَقَدْ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ مَنْ لَهُ) أي: للاِنْتِخَابِ (يُعَدْ) أي: يُهَيِّئُ لَهُ، بِحَيْثُ يَتَصَدَّى لِفِعْلِهِ، كأبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ، والنَّسَائِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أوْرمة الأصْبَهَانِيِّ، وهبةِ اللهِ بنِ الْحَسَنِ اللالكائِيِّ (¬3). فَإنَّهُم كَانُوا يَنْتَخِبُونَ عَلَى الشُّيوخِ، والطَّلَبَةُ تَسْمَعُ وتَكْتُبُ (¬4) بانْتِخَابِهِمْ. 723 - وَعَلَّمُوْا فِي الأَصْلِ إِمَّا خَطَّا ... أَوْ هَمْزَتَيْنِ أَوْ بِصَادٍ أَوْ طَا (وَعَلَّمُوا) أي: الْمُنْتَخِبُونَ (في الأصْلِ) الْمُنْتَخَبِ مِنْهُ مَا انْتَخَبُوهُ، لأجلِ تيسُّرِ مُعَارَضةِ ما انْتَخَبُوهُ، أَوْ لإمْسَاكِ الشَّيْخِ أصلَهُ بِيَدِهِ، أَوْ لِلتَّحْديثِ مِنْهُ، أَوْ لِكِتَابَةِ فَرْعٍ آخرَ مِنْهُ، بِتَقْدِيرِ فَقْدِ الفَرْعِ الأَوَّلِ. واخْتِيارُهُمْ في كَيْفِيَّةِ العَلامةِ مُخْتَلِفٌ (¬5)، وَلاَ حجرَ فِيْهَا، فَقَدْ عَلَّمُوْا (إمَّا خَطّا) أي: بِخَطٍّ بالْحمرةِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَرِيْضاً في الْحَاشِيَةِ اليُسرَى، كَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ صَغِيْراً في أَوَّلِ إسْنَادِ الْحَدِيْثِ كاللاَّلكَائِيِّ، وعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ عَملُ أكْثرِ الْمُتأَخِّرِينَ. (أَوْ) عَلَّمُوا بِصُورَةِ (هَمْزَتَيْنِ) بِجَرٍّ في الْحَاشِيَةِ اليُمْنَى، كأبِي الفَضْلِ عَلِيّ ¬

_ (¬1) الجامع 2/ 187 رقم (1567)، وفيه: ((المشج)) بدل: النسخ، وانظر تعليق المحقق. (¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 155 عقب (1470). (¬3) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 156 - 157. (¬4) في (م): ((تكبت)) خطأ. (¬5) انظر في علامة الانتخاب: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 158 - 159 عقب (1480).

الفَلَكِيِّ، (أَوْ بِصَادٍ) مَمْدُوْدَةٍ بِجرٍ في الْحَاشِيَةِ اليُمْنَى أَيْضاً، كَعَليٍّ بنِ أَحْمَدَ النُّعَيْمِيِّ، (أَوْ طَا) مُهْمَلَةٍ مَمْدُودَةٍ كَذَلِكَ، كأبِي مُحَمَّدٍ الْخَلاَّلِ، أَوْ بِحَائينِ إحدَاهُمَا بِجَنبِ (¬1) الأُخْرَى كَذَلِكَ، كَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، أَوْ بغَيْرِ ذَلِكَ (¬2). 724 - وَلاَ تَكُنْ مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا ... وَكَتْبَهُ مِنْ دُوْن فَهْمٍ نَفَعَا 725 - وَاقْرَأْ كِتَاباً فِي عُلُوْمِ الأَثَرِ ... كَابْنِ الصَّلاَحِ أَوْ كَذَا الْمُخْتَصَرِ 726 - وَبِالصَّحِيْحَيْنِ ابْدَأَنْ ثُمَّ السُّنَنْ ... وَالْبَيْهَقِيْ ضَبْطَاً وَفَهْمَاً ثُمَّ ثَنْ 727 - بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ مُسْنَدِ ... أَحْمَدَ وَالْمُوَطَّأِ الْمُمَهَّدِ 728 - وَعِلَلٍ، وَخَيْرُهَا لأَِحْمَدَا ... وَالدَّارَقُطْنِي وَالتَّوَارِيْخُ غَدَا 729 - مِنْ خَيْرِهَا الْكَبِيْرُ لِلْجُعْفِيِّ ... وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ لِلرَّازِيِّ 730 - وَكُتُبِ الْمُؤْتَلِفِ الْمَشْهُوْرِ ... وَالأَكْمَلُ الإِْكْمَالُ لِلأَمِيْرِ (وَلاَ تَكُنْ) أَنْتَ (مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا) الْحَدِيْثَ، (وَكَتْبَهُ) - بِفَتحِ الكافِ، وبِالنَّصْبِ عَطْفاً عَلَى مَحلِ ((أن تَسْمَعَ)) الْمَنْصُوبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ -، أي: لاَ تَقْتَصِرْ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيْثِ، وكتبِهِ (مِن دُوْنِ فَهْمٍ)، وَمَعْرِفَةٍ، لما فِيْهِ مِنَ العِلَلِ، والأحْكَامِ (نَفَعَا) أي: نَافِعٌ. وإلاَّ لَكُنتَ كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((قَدْ أَتْعَبْتَ نَفْسَكَ مَنْ غَيْرِ أَنْ تَظفَرَ بِطَائِلٍ، ولاَ تَحصل (¬3) بِذَلِكَ في عِدادِ أهْلِ الْحَدِيْثِ الأماثِلِ)) (¬4). وَعَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، قَالَ: ((الرِّئَاسةُ في الْحَدِيْثِ بِلاَ دِرَايةٍ رِئَاسَةٌ نَذلَةٌ)) (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص): ((بجانب)). (¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 158 - 159 عقب (1480). (¬3) في (ص): ((تحصيل)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 417. (¬5) المحدث الفاصل: 253 (161)، والجامع 2/ 180 - 181 رقم (1549).

قَالَ الْخَطِيْبُ: ((هِيَ اجْتِمَاعُ الطَّلَبَةِ عَلَى الرَّاوِي لِلسَّمَاعِ عِنْدَ علوِّ سِنِّهِ (¬1)، فإذا تَمَيَّزَ الطَّالِبُ بفهمِ الْحَدِيْثِ، ومَعَرِفَتِهِ، تَعَجَّلَ بركةَ ذَلِكَ في شَبيبَتِهِ (¬2))) (¬3). قَالَ: ((وَلَوْ لَمْ يَكُنْ في الاقْتِصَارِ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيْثِ، وتَخْلِيْدِهِ (¬4) الصُّحفَ، دُوْنَ التَّمْييزِ بِمَعْرِفَةِ صَحِيْحِهِ مِنْ فَاسِدِهِ، والوُقُوفِ عَلَى اخْتِلافِ وُجُوهِهِ والتَّصَرُّفِ في أنْوِاعِ عُلُومِهِ إلاّ تَلْقِيبُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَدَرِيَّةِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ بـ ((الْحَشْوِيَّةِ)) (¬5)، لَوَجَبَ عَلَى الطَّالِبِ الأنَفَةُ لنَفْسِهِ ودَفْعُ ذَلِكَ عَنْهُ، وعَنْ أبْنَاءِ جِنْسِهِ)) (¬6). (واقْرَأ)، وَلَوْ تَفَهُّماً عِنْدَ شُرُوعِكَ في طَلَبِكَ الْحَدِيْثَ (كِتَاباً في عُلُومِ الأثَرِ) أي: الْحَدِيْثِ، لِتَعْرِفَ بِهِ مُصْطَلَحَ أهْلِهِ، (كابْنِ) أي: كَكِتَابِ " عُلُوْمِ الْحَدِيْثِ "، لأبِي عَمْرٍو ابنِ (الصَّلاَحِ، أَوْ كَذَا) النَّظْمِ (¬7) (الْمُخْتَصَرِ) فِيْهِ مَقَاصدُهُ مَعَ زِيَادَةٍ - كَمَا مَرَّ - فإنَّ كلاً مِنْهُمَا جَدِيْرٌ بأنْ تَحصلَ بِهِ العِنَايَةُ (¬8). وَعَليْكَ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى السَّمَاعِ، ومُلاَزَمَةِ الشُّيُوخِ، وبالابْتِدَاءِ بِسَمَاعِ الأُمَّهَاتِ مِنْ كُتُبِ أهَلِ (¬9) الْحَدِيْثِ (¬10). ¬

_ (¬1) في (ق): ((سنده))، وفي (ص): ((الإسناد)). (¬2) في (ق) و (ص): ((شيبته)). (¬3) انظر: الجامع 2/ 181 عقب (1549) وعقب (1550). (¬4) في (ق): ((تجليده)). (¬5) الحشويّة - بالتحريك وتسكّن -: طائفة من المبتدعة، تمسّكوا بالظواهر، وذهبوا إلى التجسيم وغيره، سمّوا بذلك؛ نِسْبَة إلى الحشو أو الحشا - أي: الجانب -؛ لأنّهم ردّوا إلى حشا حلقة الحسن البصري - أي: جانبها -. انظر: متن اللغة 2/ 99، والمعجم الوسيط 1/ 177 (حشا)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 242، ومجموعة الفتاوى 4/ 55 و 12/ 97. (¬6) الجامع 2/ 180 عقب (1548). (¬7) يقصد به هذه الأرجوزة للحافظ العراقي (رحمه الله). (¬8) قال ابن الصّلاح: ((ثمّ إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن، مفصح عن أصوله، وفروعه، شارح لمصطلحات أهله، ومقاصدهم، ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصاً فاحشاً، فهو - إن شاء الله تعالى- جدير بأن تقدم العناية به)). معرفة أنواع علم الحديث: 230، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 349. (¬9) كلمة ((أهل)) سقطت من (ص). (¬10) الجامع 2/ 182 عقب (1550) و 2/ 184 عقب (1560).

(و " بِالصَّحِيْحَيْنِ ") لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (¬1) مِنْهَا (¬2) (ابدأَنْ) - بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَة - وابدأ بأوِّلِهِمَا لِشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ باسْتِنْبَاطِ الأحْكَامِ (¬3). (ثُمَّ) بَعْدَهما بكتبِ (السُّنَنْ) الْمُرَاعَى فِيْهَا الاتِّصَالُ غَالِباً. وابدأْ مِنْهَا بـ " سُنَنِ أَبِي داودَ "، لِكثْرَةِ أحَادِيْثِ الأحْكَامِ فِيْهَا (¬4)، ثُمَّ بـ: " سُنَنِ النَّسَائِيِّ " لِتَتَمَرَّنَ في كَيْفِيَّةِ الْمَشيِ في العِلَلِ (¬5)، ثُمَّ بـ " سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ " لاعْتِنَائِهِ بِبَيانِ مَا فِيْهَا مِنْ صِحَّةٍ وحُسْنٍ، وغيرِهِما (¬6). (وَ) ابدأْ بَعْدَهَا بـ" سُنَنِ " الْحَافِظِ (الْبَيْهَقِيْ) - بالإسْكَانِ لِمَا مَرَّ - لاسْتِيْعَابِهِ أكثَرَ أحَادِيثِ الأحْكَامِ (¬7) (ضَبْطاً) لِمُشْكِلِهَا (¬8)، (وَفَهْماً) لِخَفِيِّ مَعَانِيها (¬9). (ثُمَّ ثَنْ بِمَا) أي: بِسَمَاعِ مَا (اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ) إِلَيْهِ (مِنْ) كُتُبِ الْمَسَانِيدِ مثلُ (" مُسْنَدِ ") الإِمَامِ (أَحْمَدَ)، وابنِ رَاهَوَيْهِ، وأبِي داود الطَّيَالِسِيِّ (¬10). وكَذَا بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنَ الكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ (¬11) عَلَى الأبْوَابِ، وإنْ كَثُرَ فِيْهَا غَيْرُ الْمُسْنَدِ، كـ " مصَنَّفِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ "، (و " الْمُوَطَّأِ " الْمُمَهَّدِ) للإمَامِ مَالِكٍ (¬12). ¬

_ (¬1) الجامع 2/ 185 عقب (1561). (¬2) في (م): ((منهما)). (¬3) فتح المغيث 2/ 338. (¬4) المصدر السابق. (¬5) المصدر نفسه. (¬6) المصدر نفسه. (¬7) فتح المغيث 2/ 338. (¬8) المصدر السابق. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 418، قال السخاوي في فتح المغيث2/ 338: ((بحيث أنك كلّ ما مرّ بك اسم مشكل، أو كلمةمن حديث مشكلة تبحث عنها تودعها قلبك، فبذلك يجتمع لك علم كثير في زمن يسير)). (¬10) انظر: فتح المغيث 2/ 338. وذكر الحافظ السخاوي غيرها كمسند عبد بن حميد والحميدي، والعدني ومسدد، وأبي يعلى، والحارث بن أبي أسامة، والأحاديث فيها أعلى منها في التي قبلها غالباً. (¬11) في (ص): ((المصنفات)). (¬12) بعد هذا في (م): ((رضي الله تعالى عنه)).

قَالَ الْخَطِيْبُ: وَهُوَ الْمُقَدَّمُ في هَذَا النَّوْعِ، وَيَجِبُ الابْتِدَاءُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ (¬1). (وَ) ابْدَأ بَعْدَ مَا ذَكَرَ بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ كُتُبِ (عِلَلٍ)، كالعلَلِ للإمَامِ أَحْمَدَ، وابنِ الْمُدَيْنِيِّ، وابنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ (¬2). (وخيرُهَا) العِلَلِ (لأحْمَدَا) (¬3)، ولابْنِ (¬4) أَبِي حَاتِمٍ (وَ) لأبِي (¬5) الْحَسَنِ (الدَّارَقُطْنِيْ) - بالإسْكَانِ لما مَرَّ (¬6) - وَهُوَ عَلَى الْمَسَانِيدِ (¬7). (وَ) كَذَا بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجةٌ مِنْ كُتُبِ (التَّوَارِيخُ) لِلْمُحَدِّثِيْنَ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أحْكَامٍ في أَحْوالِ، كابنِ مَعِيْنٍ، وأبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيِّ (¬8) التِي (غَدا) عَلَى النَّاسِ (مِنْ ¬

_ (¬1) الجامع 2/ 186 قبيل (1564)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 418، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 350 - 351. (¬2) انظر: فتح المغيث 2/ 339. (¬3) قال ابن الصّلاح: 418: ((ومن كتب علل الحديث ومن أجودها: كتاب "العلل" عن أحمد بن حنبل، وكتاب " العلل " عن الدارقطني)). (¬4) في (ص): ((وابن)). (¬5) في (ص): ((وأبي)). (¬6) عبارة ((لما مرّ)) سقطت من (ص). (¬7) كتاب العلل للدارقطني من أجمع الكتب وهو ليس من جمعه، بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني؛ لأنه كان يسأله عن علل الأحاديث، فيجيبه عنها بما يقيده عنه بالكتابة، فلما مات الدارقطني وجد البرقاني قمطرة قد امتلأت من صكوك تلك الأجوبة فاستخرجها وجمعها في تأليف نسبه لشيخه ذلك. وذكر الحافظ أبو الوليد بن خيرة في ترجمة أستاذه القاضي أبي بكر بن العربي من برنامج شيوخه قال: ومثل هذا يذكر في البارع في اللغة لأبي عليّ البغدادي، فإنّه جمعه بخطه في صكوك، فلما توفي أخرجه أصحابه ونسبوه إليه. انظر فتح المغيث 2/ 339 - 340. (¬8) وتاريخ خليفة بن خياط العصفري، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وأحمد بن أبي خيثمة النسائي، وأبي زرعة الدمشقي، وحنبل بن إسحاق الشيباني، ومحمد ابن إسحاق السراج النيسابوري. انظر: الجامع 2/ 186.

خَيْرِهَا) " التَّارِيخُ (الكَبِيرُ) " بالنسبةِ لِلأَوْسَطِ والصَّغِيرِ (¬1) (لِلْجُعْفِيِّ) أي: البُخَارِيِّ (¬2). فإنَّهُ كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ: يُرْبِي -، أي يَزِيدُ - عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ كُلِّهَا (¬3). (وَ) مِنْ خَيْرِهَا أَيْضاً (¬4) (" الْجَرْحُ والتَّعْدِيْلُ " لِلرَّازِيِّ) أَبِي الفَرَجِ (¬5) عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ. (وَ) كَذَا بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ (كُتُبِ الْمُؤْتلِفِ) والْمُخْتَلِفِ، النَّوْعِ (الْمَشْهُورِ) بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ الآتِي مَعَ غَيْرِهِ في مَحَلِّهِ (¬6). (والأكْمَلُ) مِنْهَا (" الإكْمَالُ " لِلأَمِيْرِ) أَبِي نَصْرٍ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ ماكولا، والأمِيرُ لَقبُهُ (¬7). 731 - وَاحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ ثُمَّ ذَاكِرِ ... بِهِ وَالاتْقَانَ (¬8) اصْحَبَنْ وَبَادِرِ 732 - إذا تَأَهَّلْتَ إلى التَّأْلِيْفِ ... تَمْهَرْ وَتُذْكَرْ وَهْوَ (¬9) في التَّصْنِيْفِ 733 - طَرِيْقَتَانِ جَمْعُهُ أبوابَا ... أَوْ مُسْنَدَاً تُفْرِدُهُ صِحَابَا ¬

_ (¬1) فتح المغيث 2/ 340. (¬2) قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 418: ((ومن كتب معرفة الرجال وتواريخ المحدّثين، ومن أفضلها: تاريخ البخاريّ الكبير، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم)). (¬3) الجامع 2/ 187 قبيل (1565). قال أبو العباس بن سعيد بن عقدة: ((لو أن رجلاً كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ البخاريّ)). المصدر السابق. وأضاف إليه الحافظ السخاوي في فتح المغيث 2/ 341: ((تواريخ مصر لابن يونس، والذيل عليه، وبغداد للخطيب والذيول عليه، ودمشق لابن عساكر، ونيسابور للحاكم والذيل عليه، وأصبهان لأبي نعيم. وهي من مهمات التواريخ لما يقع فيها من الأحاديث والنوادر)). (¬4) فتح المغيث 2/ 341. (¬5) كَذَا في جَمِيْع الأصول المعتمدة، ولا خلاف في أن كنيته (أبو مُحَمَّد). انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 263. (¬6) بعد هذا في (ق): ((إن شاء الله تعالى)). (¬7) قال ابن الصّلاح: 419: ((ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء، ومن أكملها كتاب " الإكمال " لأبي نصر بن ماكولا)). (¬8) بدرج همزة (الإتقان) لضرورة الوزن. (¬9) في (أ): ((وهي)).

734 - وَجَمْعُهُ مُعَلَّلاً كَمَا فَعَلْ ... يَعْقُوْبُ أَعْلَى (¬1) رُتْبَةً وَمَاكَمَلْ 735 - وَجَمَعُوْا أبواباً اوْ شُيُوخَاً اوْ (¬2) ... تَرَاجُمَاً أَوْ طُرُقَاً وَقَدْ رَأَوْا 736 - كَراهَةَ الْجَمْعِ لِذِي تَقْصِيْرِ ... كَذَاكَ الاخْرَاجُ (¬3) بِلاَ تَحْرِيْرِ (واحْفَظْهُ) أي: الْحَدِيْثَ (بالتَّدرِيجِ) قَليلاً قَليلاً، مَعَ الأيَّامِ والليَالِي (¬4). فَذَلِكَ أدْعَى لِتَحْصِيلِهِ، وَعَدَمِ نِسْيَانِهِ، وَلاَ تَأخُذْ مَا لاَ تُطِيقُهُ لِخَبَرِ: ((خُذُوْا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُوْنَ)) (¬5). وَعَنْ الثَّوْرِيِّ قَالَ: ((كُنْتُ آتِي الأعْمَشَ، وَمنْصُوراً، فأسْمَعُ أرِبَعةَ أحَاديثَ، أَوْ (¬6) خَمْسةً، ثُمَّ انْصَرِفُ كَرَاهِية أنْ تَكْثُرَ وتَفَلَّتْ)) (¬7). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج‍): ((أعلا)). (¬2) بدرج همزتي (أو) في هذا الشطر؛ لضرورة الوزن. (¬3) بدرج همزة (الإخراج)؛ لضرورة الوزن. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 419، وفتح المغيث 2/ 341. (¬5) أخرجه أحمد 6/ 84 و 128 و 189 و 233 و 249، والبخاري 3/ 50 (1970)، ومسلم 3/ 161 (782)، والنسائي 4/ 151، وابن خزيمة (1283) و (2078) و (2079) من طريق يحيى بن أَبي كثير، عن أَبي سلمة، عن عائشة، به. ويروى أيضاً من طريق الصديقة عائشة رضي الله عنها بلفظ: ((عليكم من العمل ما تطيقون. فوالله لا يملّ الله حتّى تملّوا ... )). أخرجه عبد الرزاق (20566)، وأحمد 6/ 46 و 51 و 199 و 212 و 231 و 247 و 268، وعبد بن حميد (1485)، والبخاري 1/ 17 (43)، ومسلم 2/ 189 (785) (220) و 190 (785) (221)، وابن ماجه (4238)، والترمذي في الشمائل (311)، والنسائي 3/ 218 و 8/ 123، وفي الكبرى (1216)، وابن خزيمة (1282)، وأبو يعلى (4651)، والطحاوي في شرح المشكل (650)، وابن حبان (323)، والبيهقي 3/ 17، والبغوي (933) و (934) من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة. (¬6) (أو): سقطت من (ص). (¬7) الجامع 1/ 232 (448).

وعن الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ((مَنْ طَلَبَ العِلْمَ جُمْلَةً، فاتَهُ جُمْلَةً، وإنَّمَا يُدْرَكُ العِلْمُ حَدِيْثٌ و (¬1) حَدِيْثَانِ)) (¬2). وَعَنْهُ أَيْضاً قَالَ: ((إن هَذَا العِلْمَ إنْ أخَذْتَهُ بالْمُكَاثَرَةِ لَهُ غَلَبَكَ، وَلَكِنْ خُذْهُ مَعَ الأيَامِ، والليَالِي أخذاً رَفِيقاً، تَظْفرُ بِهِ)) (¬3). (ثُمَّ) بَعْدَ حِفْظِهِ (ذاكِرِ بِهِ) الطَّلَبَةَ، ثُمَّ مَعَ نَفْسِكَ، وكرِّرْهُ عَلَى قَلبْكَ؛ إِذْ (¬4) الْمُذاكَرَةُ تُعِيْنُ عَلَى ثُبُوتِ الْمَحْفُوظِ (¬5). وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: ((تَذَاكَرُوا هَذَا الْحَدِيْثَ، إن لاَ تَفْعَلُوا يُدْرَسُ)) (¬6). وَعَن ابنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ((تَذَاكَرُوا الْحَدِيْثَ، فإنَّ حَيَاتَهُ مُذَاكَرتُهُ)) (¬7). وعن الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: ((ذَاكِرْ بِعِلْمِكَ تذكر ما عِنْدَكَ، وتستفِدْ (¬8) مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)) (¬9). (والاتْقَانَ) - بالدرجِ -، وبالنَّصْبِ بقولِهِ: (اصْحَبَنْ) مَعَ الْمُذَاكَرَةِ. فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ((الْحِفْظُ الإتْقَانُ)) (¬10). (وَبَادِرِ إِذَا تَأَهَّلْتَ) لِمَعْرِفَةِ التَّأْلِيفِ (إِلَى التَّأْلِيفِ)، وَهُوَ لِكَوْنِهِ (¬11) مُطْلَقَ الضمِ أعمُّ من التَّصْنِيفِ (¬12)، وَهُوَ: جَعْلُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ. ¬

_ (¬1) في (م): ((أو)). (¬2) الجامع 1/ 232 (450). (¬3) الجامع 1/ 232 (452). (¬4) في (ص): ((إذا)). (¬5) فتح المغيث 2/ 342. (¬6) المحدث الفاصل: 545 فقرة (721)، والجامع 1/ 236 (465). (¬7) المحدث الفاصل: 546 (726). (¬8) في (ص): ((تستفده)) وفي (ق) و (ع): ((تستفيد)). (¬9) الجامع 2/ 273 - 274 (1834)، شرح التبصرة والتذكرة 2/ 353، وفتح المغيث 2/ 342. (¬10) المحدث الفاصل: 206 (89). (¬11) ((لكونه)): سقطت من (ق). (¬12) فتح المغيث 2/ 343.

وَمِنَ الانْتِقَاءِ (¬1)، وَهُوَ: التِقَاطُ مَا يَحْتَاجُهُ مِنَ الكُتُبِ (¬2). وأعم مِنَ التَّخْرِيجِ، وَهُوَ إخْرَاجُ الْمُحَدِّثِ الأحَادِيثَ مِن بُطُونِ الكُتُبِ، وَسِيَاقِها مِن مَرْوِيَّاتِه، أَوْ مَرْوِيَّاتِ شَيْخِهِ، أَوْ أقرانِهِ، كَمَا سيأتي (¬3). وَكَثيراً مَا يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهَا (¬4) عَلَى البَقِيَّةِ. وباعْتِنَائِكَ بالتألِيفِ (تَمْهَرْ) في الْحَدِيْثِ، وَتقفْ عَلَى غَوَامِضِهِ، (وتُذْكَرْ) بِذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى آخِرِ الدُّهُورِ (¬5). (وَهْوَ) أي: التَّألِيْفُ الوَاقِعُ (في التَّصْنِيفِ) في الْحَدِيْثِ (طَرِيْقَتَانِ) مَعْرُوفَتَانِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (¬6): الأوْلَى: (جَمْعُهُ) أي: التَّصْنِيفُ (أبْوَابا) أي: عَلَى الأبْوَابِ في الأحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا. (أَوْ) جمعُهُ (مُسنَداً) أي (¬7): عَلَى الْمَسَانِيدِ (تُفْرِدُهُ) أَنْتَ (صِحَابَا) أي: لِلصَّحَابَةِ وَاحِداً فَوَاحِداً، وإنْ اخْتَلفَتْ (¬8) أنْوَاعُ أحَادِيْثِهِ، كَ‍" مُسْنَدِ الإمَامِ أَحْمَدٍ "، وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، وَكَ‍"مُسْنَدِ عُبيدِ اللهِ " (¬9) بنِ مُوسَى العَبْسِيِّ، وأبي بَكرِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ. وهذه هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: ¬

_ (¬1) المثبت من (ص) و (ع)، وفي (ق) و (م): ((الانتفاء)). (¬2) انظر: فتح المغيث 2/ 343. (¬3) بعد هذا في (ق): ((إن شاء الله تعالى)). (¬4) في (ق): ((منهما)). (¬5) انظر: فتح المغيث 2/ 343. (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 420، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 354 - 355. (¬7) ((أي)): سقطت من (ع). (¬8) في (ص): ((اختلف)). (¬9) في (ق): ((عبد الله)).

وَأهلُهَا مِنْهُمْ مَنِ يُرَتِّبُ أسْمَاءَ الصَّحَابَةِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، كَالطَّبَرَانِيِّ في "مُعْجَمِهِ الكَبِير"، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَتِّبُ عَلَى القَبَائِلِ، فَيُقُدمُ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ الأقْرَبَ فالأقْرَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَسَباً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَتِّبُ عَلَى السَّابِقَةِ في الإسْلامِ، فيقدِّمُ العَشَرَةَ، ثُمَّ أَهْلَ بدرٍ (¬1)، ثُمَّ أهْلَ الْحُدَيْبِيةِ (¬2)، ثُمَّ مَنْ أسْلَمَ، وَهَاجَرَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيةِ، والفَتْحِ، ثُمَّ مَنْ أسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، ثُمَّ الأصَاغِرَ سِنّاً (¬3)، كالسَّائِبِ بنِ يَزِيدٍ، وأبِي الطُفَيلِ (¬4). ثُمَّ النِّسَاءَ، ويَبْدَأ مِنْهُنَّ بأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْخَطِيْبُ: ((وَهِيَ أحبُّ إلَيْنَا)) (¬5). وَقَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((إنَّهَا أَحْسَنُ وَالأوْلَى أَسْهَل)) (¬6) أي: ثُمَّ الثَّانِيةُ. (وجَمْعُهُ) أي: الْحَدِيْث في الطَّرِيقَتَينِ (مُعَلَّلاً) أي: عَلَى العِلَلِ، بأنْ يَجْمَعَ في كُلِّ حَدِيْثٍ طُرقَهُ، واختلافَ الرُّوَاةِ فِيْهِ، بِحَيْثُ يَتَّضِحُ إرْسَال مَا يَكُوْنُ مُتَّصِلاً، أَوْ وقفُ ما يَكُوْنُ مَرْفُوعاً، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ - كَمَا مَرَّ - في بابِهِ. فَفِي الأبْوَابِ، كَمَا فَعَلَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ (¬7)، وفي " الْمَسَانِيدِ "، (كَمَا فَعَلْ) الْحَافِظُ أَبُو يُوسُفَ (يَعْقُوبُ) بنُ شَيْبَةَ السَّدُوسِيُّ (أَعْلَى) أي: جَمْعُهُ عَلَى العِلَلِ في الطَّرِيقَتَينِ أعْلَى (رُتْبَةً) مِنْهُ فِيْهِمَا بِدُونِهِ، إِذْ مَعْرِفَةُ العِلَلِ أجَلُّ أنَواعِ الْحَدِيْثِ، حَتَّى قَالَ ابنُ مَهْدِيٍّ: ((لأنْ أعرِفَ عِلَّةَ حَدِيْثٍ، هُوَ عِنْدِي، أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أكْتُبَ عِشْرِينَ حَدِيْثاً لَيْسَ عِنْدِي)) (¬8). (وَ) لَكِنْ " مُسْندُ يَعْقُوبَ " (مَا كَمَلْ)، كَمَا زَادهُ النَّاظِمُ (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): ((البدر)). وانظر: الجامع 2/ 292 عقب (1890). (¬2) الجامع 2/ 292 عقب (1891). (¬3) ((سناً)): سقطت من (ق). (¬4) الجامع 2/ 293 عقب (1892)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 420 - 421. (¬5) الجامع 2/ 292. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 421، وانظر: فتح المغيث 2/ 346. (¬7) فتح المغيث 2/ 347. (¬8) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 9، وقد نقله الحاكم في معرفة علوم الحديث: 112، والخطيب في الجامع 2/ 295 (1900)، وابن رجب في شرح العلل 1/ 470. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 356.

قَالَ الْخَطِيْبُ: ((والذي ظَهَرَ مِن " مُسْنَدِ يَعْقُوبَ " مُسْنَدِ العَشَرَةِ، والعَبَّاسِ، وابنِ مَسْعُودٍ، وعَمَّارٍ، وعُتْبَةَ (¬1) بنِ غَزْوَانَ، وبعْضِ الْمَوالِي)) (¬2). قَالَ الأزْهَرِيُّ: ... ((وَسَمِعْتُ الشُّيُوخَ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَمْ يُتَمَّ مُسنَدٌ مُعَلَّلٌ قَطُّ)) (¬3). ومِنْ طُرُقِ التَّصْنِيفِ أَيْضاً: جَمعُهُ عَلَى الأطْرَافِ، فيذكرُ طَرَفَ (¬4) الْحَدِيْثِ الدَّالِّ عَلَى بَقِيَّتِهِ، ويجمعُ أسانِيدَهُ إما مُسْتَوْعِباً، أَوْ مُقيداً بكُتُبٍ مَخْصُوصَةٍ. (وَجَمَعُوا) أَيْضاً (أبْوَاباً) مَخْصُوصَةً كُلُّ مِنْهَا مُنْفَردٌ بِالتَّأْلِيفِ، كَكِتابِ " رَفعِ اليَدَينِ "، وكِتَابِ " القِرَاءةِ خَلْفَ الإمَامِ " لِلْبُخَارِيِّ، وكِتَابِ " التَّصْدِيقِ بالنَّظَرِ للهِ " للآجُرِّيِّ (¬5). (اوْ) (¬6) -بالدرجِ - جَمعُوا (شُيُوخاً) مَخْصوصِينَ، كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ، كالإسْمَاعِيليِّ في حَدِيْثِ الأعْمَشِ، والنَّسَائِيِّ في حَدِيْثِ الفُضَيلِ بنِ عِيَاضٍ (¬7). (اوْ) (¬8) - بالدرجِ - جَمعُوا (تراجُماً) مَخْصُوصَةً، كَمَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عمَرَ. وسُهَيلِ (¬9) بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬10). (أَوْ) جَمَعُوا (طُرُقاً) لِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، كَطُرُقِ حَدِيْثِ: ((قبضِ العلمِ)) لِلطُّوسِيِّ وغَيْرِهِ، وطُرُقِ حَدِيْثِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً)) لِلطَّبَرَانِيِّ، وَغَيْرِهِ (¬11). (وَقَدْ رأَوْا) أي: الْعُلَمَاءُ (كَرَاهَةَ الْجَمْعِ) أي: التَّألِيفِ (لِذِي) أي: صَاحِبِ (¬12) (تَقْصِيرِ) عَنْ مَرْتَبَتِهِ (¬13). ¬

_ (¬1) في (ع): ((عقبة)). (¬2) تاريخ بغداد 14/ 281. (¬3) المصدر السابق. (¬4) في (ع): ((طرق)). (¬5) انظر: فتح المغيث 2/ 348. (¬6) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 357. (¬8) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول. (¬9) في (ع): ((سهل)). (¬10) فتح المغيث 2/ 348 - 349. (¬11) معرفة أنواع علم الحديث: 421، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 358. (¬12) في (ع): ((لصاحب)). (¬13) لأنه إما أن يتشاغل بما سبق به، أو بما غيره أولى منه، أو بما لم يتأهل بعد لاجتناء ثمرته واقتناص فائدة جمعه. انظر: فتح المغيث 2/ 350.

العالي والنازل

فَعَن ابنِ الْمَدِيْنِيِّ: ((إِذَا رَأيْتَ الْمُحَدِّثَ أَوَّلَ مَا يَكْتُبُ يَجْمعُ حَدِيْثَ الغُسْلِ، وَحَدِيْثَ: ((مَنْ كذَبَ عَلَيَّ))، فاكتب عَلَى قَفَاهُ: لا يُفْلِحُ)) (¬1). و (كَذَاكَ (¬2) الاخْراجُ) - بالدرجِ - لما صَنَّف، أي: رأوْا كَرَاهَةَ إخْرَاجِهِ لِلنَّاسِ (بلا تَحْريرِ) وتَهْذِيبٍ، وتَكْرِيرٍ للنَّظَرِ فِيْهِ؛ لأنَّهُ يُوْرِثُ غَالِباً نَدماً، وتَعْييراً (¬3)، وذماً (¬4). العَالِي والنَّازِلُ (¬5) (العَالِي والنَّازِلُ) مِنَ المسْنَدِ (¬6)، وما مَعَهُمَا (¬7) مِمَّا يَأْتِي: الإسْنَادُ خِصيْصَةٌ فَاضِلةٌ مِنْ خَصَائصِ هذِهِ الأُمَّةِ، قَالَ ابنُ المبارَكِ: ((الإسْنادُ مِنَ الدِّيْنِ، ولوْلاَ الإسْنادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ)) (¬8). ¬

_ (¬1) الجامع 2/ 301 رقم (1912)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 422، وشرح التبصرة 2/ 359. (¬2) في (م): ((كذلك)). (¬3) في (ق) و (ع): ((تغييراً)). (¬4) نقل الحافظ السخاوي في فتح المغيث2/ 350قول ابن المعتز: ((بأن لحظة القلب أسرع خطوة من لحظة العين، وأبعد غاية وأوسع مجالاً، وهي الغائصة في أعماق أودية الفكر، والمتأملة لوجوه العواقب، والجامعة بين ما غلب وحضر، والميزان الشاهد على ما نفع وضر، والقلب كالمملي للكلام على اللسان إذا نطق، واليد إذا كتبت، فالعاقل يكسو المعاني وشي الكلام في قلبه، ثمّ يبدئها بألفاظٍ كواشٍ في أحسن زينة، والجاهل يستعجل بإظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها واستكمال محاسنها)). (¬5) انظر فيه: معرفة علوم الحديث: 5 - 14، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 115 وما بعدها، وجامع الأصول 1/ 110 - 115، ومعرفة أنواع علم الحديث: 423، والإرشاد 529 - 537، والتقريب: 150 - 152، والاقتراح: 301 - 308، واختصار علوم الحديث: 159 - 164، والشذا الفياح 2/ 419 - 434، والمقنع 2/ 421 - 426، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 360، ونزهة النظر: 156، وفتح المغيث 3/ 3 - 26، وتدريب الراوي 2/ 159 - 172، وتوضيح الأفكار 2/ 395 - 401، وتوجيه النظر 1/ 393. (¬6) في (ع): ((السّند)). (¬7) في (م): ((معها)). (¬8) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 15، والترمذي في العلل الصغير 6/ 232، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/ 16، والرامهرمزي في المحدّث الفاصل: 209، وابن حبان في المجروحين1/ 26، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 6، والخطيب في شرف أصحاب الحديث: 41، وفي الجامع 2/ 213 (1643)، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 56، وابن طاهر في العلو والنزول رقم (6).

وعَنْهُ قَالَ: ((مَثَلُ الذي يَطْلُبُ أمْرَ دِيْنِهِ، بلا إسْنادٍ، كَمثلِ الذي يَرْتَقِي السَّطْحَ بلاَ سُلَّمٍ)) (¬1). وعَنِ الثَّوْرِيِّ قالَ: ((الإسْنادُ سِلاحُ المؤْمِنِ، فإذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلاحٌ فَبِأَيِّ شَيءٍ يُقَاتِلُ؟)) (¬2). 737 - وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ وَقَدْ ... فَضَّلَ بَعْضٌ النُّزُوْلَ وَهْوَ رَدّْ (وَطَلَبُ الْعُلُوِّ) في السَّنَدِ، أو قدم سَمَاعِ الرَّاوِي، أو وفَاتِهِ (¬3) (سُنَّةٌ) عَنْ مَنْ سَلَفَ، وعَنْ مُحَمَّدِ بنِ أسْلمَ الطُّوسِيِّ، قَالَ: ((قربُ الإسْنادِ قُرْبٌ - أو قَالَ: قربةٌ - إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ)) (¬4). وَقَالَ الحَاكِمُ: ((إنَّ طلبَ العُلُوِّ سُنَّةٌ صَحِيْحَةٌ)) (¬5) مُحْتَجّاً في ذَلِكَ (¬6) بخبر أنَسٍ في مجيءِ ضمامِ بنِ ثَعْلَبةَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ليسْمَعَ مِنْهُ مُشَافَهةً مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِهِ إليهِ؛ إذْ لوْ كَانَ طَلبُ العُلُوِّ غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ، لأنْكَرَ - صلى الله عليه وسلم - (¬7) سُؤالَهُ عَمَّا أَخْبَرَ بهِ رَسُولُهُ عَنْهُ، ولأمَرَهُ بالاقْتِصَارِ عَلَى خبرِ رَسُولِهِ عَنْهُ (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه السمعاني بسنده في أدب الإملاء والاستملاء: 6. (¬2) أدب الإملاء والاستملاء: 8. (¬3) انظر: فتح المغيث 2/ 7. (¬4) الجامع 1/ 123 رقم (115)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 424، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 360. قال ابن الصّلاح: ((وهذا كما قال؛ لأن قرب الإسناد قرب إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - والقرب إليه قرب إلى الله عز وجل)). معرفة أنواع علم الحديث: 424. (¬5) معرفة علوم الحديث: 5. (¬6) في (ص): ((بذلك)). (¬7) في (م): ((عليه الصلاة والسلام))، وفي معرفة علوم الحديث: 6: ((المصطفى - صلى الله عليه وسلم -))، وما أثبتناه من النسخ الخطية. (¬8) معرفة علوم الحديث: 5 - 6. وحديث ضمام: = =أخرجه أحمد 3/ 143، و 168 و 193، وعبد بن حميد (1285)، والدارمي (656)، والبخاري 1/ 24 (63)، ومسلم 1/ 32 (12) (10)، وأبو داود (486)، وابن ماجه (1402)، والترمذي (619)، والنّسائيّ 4/ 121 و 122، وابن خزيمة (2358)، وابن حبان (154)، وأبو عوانة 1/ 3، وابن منده (130)، والبيهقي 4/ 325، والبغوي (3) و (4).

لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لجوازِ أنْ يَكُونَ إنَّما جَاءهُ وسَأَلَهُ؛ لأنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ رَسُولَهُ (¬1)، أوْ لأنَّهُ أرادَ الاسْتِثْبَاتَ لاَ العُلُوَّ. (وَقَدْ فَضَّلَ بَعْضٌ) مِنْ أهلِ النَّظَرِ (النُّزُولَ) أي: طَلَبَهُ؛ إذْ عَلَى الرَّاوِي أنْ يَجْتَهِدَ في مَعْرِفَةِ جَرْحِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ، وتَعْدِيْلِهِ، والاجْتِهَادُ في أحْوَالِ رُواةِ النَّازِلِ أكْثَرُ، فَكَانَ الثَّوابُ فِيهِ أوْفَرَ (¬2). (وهْوَ) أي: هَذَا القَوْلُ (رَدّْ) أي: مَرْدُودٌ لِضَعْفِهِ، وضَعْفِ حُجَّتِهِ. قَالَ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ: ((لأنَّ كَثْرَةَ المشَقَّةِ لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً لِنَفْسِهَا)) (¬3). قَالَ: ((ومُرَاعاةُ المَعْنَى المقْصُودِ مِنَ الرِّوَايَةِ - وَهُوَ الصِّحَّةُ - أولَى)) (¬4). وأَيَّدَهُ النَّاظِمُ بأَنَّهُ: ((بِمَثَابَةِ مَنْ يَقْصدُ المسْجِدَ لِصَلاةِ الجَمَاعَةِ، فَيَسْلُكُ طَرِيْقَةً بَعِيدَةً؛ لِتَكْثِيْرِ الخُطَا، وإنْ أدَّاهُ سُلُوكُها إلى فَواتِ الجَمَاعةِ التِي هِيَ المقْصُودُ (¬5))). وَذَلِكَ أنَّ المقْصُودَ مِنَ الحَدِيْثِ التَّوَصُّلُ إلى صِحَّتِهِ، وبُعْدُ الوَهَمِ، وكُلَّمَا كَثُرَ رِجَالُ الإسْنَادِ تَطَرَّقَ إليهِ احْتِمَالُ الخَطَأِ والخَلَلِ، وكُلَّمَا قَصرَ السَّنَدُ كَانَ أسْلَمَ، اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ يَكُونَ رِجَالُ السَّنَدِ النَّازِلِ أوْثَقَ، أوْ أحْفَظَ، أوْ أفْقَهَ، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ البابِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) بعد هذا في (ق) و (ع): ((عما أخبر به)). (¬2) انظر: المحدّث الفاصل: 216، والجامع 1/ 116، وفتح المغيث 2/ 10. (¬3) الاقتراح: 303. (¬4) المصدر السابق. (¬5) في (م): ((المقصودة))، وهو خلاف نص العراقي. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 361 - 362، وانظر: فتح المغيث 3/ 10.

738 - وَقَسَّمُوْهُ خَمْسَةً فَالأَوَّلُ ... قُرْبٌ مِنَ الرَّسُوْلِ وَهْوَ الأَفْضَلُ 739 - إِنْ صَحَّ الاسْنَادُ (¬1) وَقِسْمُ القُرْبِ ... إلى إِمَامٍ وَعُلُوٍّ نِسْبِي 740 - بِنِسْبَةٍ لِلْكُتُبِ السِّتَّةِ إِذْ ... يَنْزِلُ مَتْنٌ مِنْ طَرِيْقِهَا أُخِذْ (وَقَسَّمُوْهُ) أي: قَسَّمَ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، كَأبي الفَضْلِ بنِ طَاهِرٍ (¬2)، وابنِ الصَّلاحِ العُلُوَّ أقْسَاماً (خَمْسَةً) (¬3)، وإنِ اخْتَلَفَ كَلاَمُ هذينِ في مَاهِيَّةِ بَعْضِهَا. وتَرْجِعُ الثلاَثَةُ الأُوَلُ مِنْها إلى عُلُوِّ مَسَافَةٍ، وَهُوَ قِلَّةُ العَدَدِ، والأخِيْرانِ إلى عُلُوِّ صِفَةٍ في الرَّاوِي، أو شَيْخِهِ (¬4). (فَالأَوَّلُ) مِنْها: عُلُوٌّ مُطْلَقٌ، وَهُوَ: مَا فِيهِ (قُرْبٌ مِنَ الرَّسُولِ) - صلى الله عليه وسلم - بالنَّظَرِ لِسَائِرِ الأسَانِيْدِ، أوْ لإِسْنَادٍ آخَرَ فأَكْثَرَ، لِذلِكَ الحَدِيْثِ بِعَيْنِهِ (¬5). (وَهْوَ) أي: هَذَا القِسْمُ (الأفْضَلُ) والأجَلُّ، (إنْ صَحَّ الاسْنَادُ (¬6)) - بالدرجِ -؛ لأنَّ القُرْبَ مَعَ ضَعْفِ الإسْنَادِ لا اعْتِبَارَ بهِ (¬7). (و) الثَّانِي مِنْها: عُلُوٌّ نِسْبِيٌّ، وَهُوَ: (قِسْمُ القُرْبِ إلى إمامٍ) مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وإنْ كَثُرَ العَدَدُ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو لَمْ يَكُنِ الإمامُ مِنْ أرْبَابِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، كَالأعْمَشِ، وابنِ جُرَيْجٍ، والأوْزَاعِيِّ، وشُعْبَةَ، والثَّوْرِيِّ مَعَ صِحَّةِ الإسْنادِ إليهِ أيضاً. (و) الثَّالِثُ مِنْها: (عُلُوٍّ نِسْبِي) أيْضاً، لَكِنْ (¬8) مُقَيَّدٌ (بِنِسْبَةٍ لِلْكُتُبِ السِّتَّةِ) مَثَلاً " الصَّحِيْحَيْنِ " و " السُّنَنِ الأرْبَعَةِ " (¬9) (إذْ يَنْزِلُ مَتْنٌ مِنْ طَرِيْقِها أُخِذْ) أي: نُقِلَ ¬

_ (¬1) بدرج همزة (الإسناد)؛ لضرورة الوزن. (¬2) في جزء له سمّاه " العلو والنزول ": 57، وتبعه في ذلك المصنف كما أشار إلى ذلك الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 362. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 424. (¬4) فتح المغيث 3/ 12. (¬5) المصدر نفسه. (¬6) في (م): ((الإسناد)). بإثبات الهمزة. (¬7) انظر: فتح المغيث 3/ 12. (¬8) في (ع): ((لكنّه)). (¬9) فتح المغيث 3/ 15.

أي (¬1): إذْ لَوْ رَوَيْنا الحَدِيْثَ مِنْ طريقِ كِتَابٍ مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ يَقَعُ أنزَلَ مِمَّا لَوْ رَوَيْناهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيْقِها. وقَدْ يَكُونُ عَالِياً مُطْلَقاً أيضاً، كَحَدِيْثِ ابنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعاً: ((يَوْمَ كَلَّمَ اللهُ مُوْسَى عَلَيْهِ (¬2) السَّلامُ كَانَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوْفٍ))، الحَدِيْثَ (¬3). فإنَّا لَوْ رَوَيْناهُ مِنْ ((جُزْءِ ابنِ عَرَفَةَ))، عَنْ خَلَفِ بنِ خَلِيفَةَ، يَكُونُ أعْلَى مِمَّا لَوْ رَوَيْنَاهُ مِنْ طَريقِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ، عَنْ خَلَفٍ. فَهَذَا - مَعَ كَوْنِهِ عُلواً نِسْبِيّاً - علوٌّ مُطْلَقٌ؛ إِذْ لا يقعُ هَذَا الْحَدِيْثُ اليَوْمَ أعْلَى مِن رِوايَتِهِ مِن هَذَا الطَّرِيقِ (¬4). وسَمَّى ابنُ دَقِيقِ العِيدِ هَذَا القِسمَ عُلُوَّ التَّنْزِيلِ (¬5)، وَفِيْهِ تَقَعُ الْمَوافَقَاتُ والأبْدَالُ، والْمُسَاوَاةُ والْمُصَافَحاتُ (¬6)، كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ: 741 - فَإِنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ قَدْ وَافَقَهْ ... مَعَ عُلُوٍّ فَهُوَ (¬8) الْمُوَافَقَهْ 742 - أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ فَالْبَدَلْ ... وَإِنْ يَكُنْ سَاوَاهُ عَدّاً قَدْ حَصَلْ 743 - فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ وَحَيْثُ (¬7) رَاجَحَهْ ... الأَصْلُ باِلْوَاحِدِ فَالْمُصَاَفَحَهْ (فإنْ يَكُنْ) أي: الْمُخرِّجُ (في شَيْخِهِ) أي: شَيْخِ أحدِ الأئِمَّةِ السِّتةِ، (قَدْ وَافَقَهْ)، كَحَدِيْثٍ يَرويهِ البُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ (¬9) عَبْدِ اللهِ الأنْصَارِيِّ، عَنْ حميدٍ، ¬

_ (¬1) ((أي)): سقطت من (ص). (¬2) في (ق): ((عليه الصلاة والسلام)). (¬3) أخرجه أبو يعلى (4983)، وابن عدي في الكامل 2/ 688، والحاكم 1/ 28 و 2/ 379، والمزي في تهذيب الكمال 2/ 313. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 365، وفتح المغيث 3/ 15 - 16. (¬5) الاقتراح: 306. (¬6) انظر: فتح المغيث 3/ 16. (¬7) في النفائس: ((فحيث)). (¬8) كان حق الهاء هنا أن تسكن، لكنها حركت؛ لضرورة الوزن وسينص الشارح على ضبطها. (¬9) المثبت من نسخنا، وقد سقط من (م).

عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعاً، فإذا رَوَيْنَاهُ مِن " جُزْءِ الأنْصَارِيِّ " يَقَعُ مُوافَقَةً لِلبُخَارِيِّ في شَيْخِهِ (مَعَ عُلُوٍّ) بِدَرَجَةٍ، كَمَا في هَذَا، وَقَدْ يَكُوْنُ بأكْثَرَ، (فَهُوَ) -بِضَمِّ الْهَاءِ (¬1) - (الْمُوَافَقهْ)؛ لأنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا في الأنْصَارِيِّ (¬2). (أَوْ) إنْ يَكُنْ قَدْ وَافَقَهُ في (شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ) أي: مَعَ عُلوٍّ بِدَرَجةٍ، فَأَكْثَرَ، كَحَدِيْثِ ابنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ. (ف‍َ) ‍هُوَ (البدلْ)، لِوُقُوعِهِ مِنْ طَرِيقِ رَاوٍ بَدلِ الرَّاوِي الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَحَدُ السِّتَّةِ، وَقَدْ يُسمُّونَهُ مُوافَقَةً مُقيَّدةً، فيُقَالُ: هُوَ مُوافَقَةٌ في شَيْخِ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ مَثَلاً (¬3). وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَقْيّيدِ الْمُوافَقَةِ، والبَدَلِ بالعُلُوِّ ذكرَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬4)، لَكِنْ خالَفَهُ غَيْرُهُ فَأطْلَقُوهُمَا بِدونِهِ، فإنْ عَلاَ قِيْلَ: مُوافَقَةٌ عَالِيةٌ، أَوْ بَدَلٌ عَالٍ، نبَّه عَلَى ذَلِكَ النَّاظِمُ (¬5). (وإنْ يَكُنْ) أي: الْمُخرِّجُ (سَاوَاهُ) أي: أَحَدُ السِّتَّةِ (عَدّاً قَدْ حَصَلْ) أي: مِنْ جِهَةِ العَدَدِ الْحَاصِلِ لَهُ في السَّنَدِ، بأنْ يَكُوْنَ بَيْنَ الْمُخرِّجِ، وبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَرْفُوعِ، أَوْ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ قبلَهُ في غَيْرِهِ إِلَى شَيْخِ أحدِ السِّتَّةِ، كَمَا بَيْنَ أحد السِّتَّة، وأحد من ذَكَرَ مِن العَدَدِ (فَهْوَ (¬6) الْمُسَاواةُ) لكنَّهَا مَفْقُودَةٌ الآنَ (¬7). (وَحَيْثُ رَاجَحَهْ الأصْلُ) أي: عَلاَ سَنَدُ أحَدِ السِّتَّةِ (بالوَاحِدِ) أي: براوٍ (¬8) واحِدٍ عَلَى سَنَدِ الْمُخْرِّجِ (ف‍َ) ‍هُوَ (الْمُصَافَحَهْ) لَهُ، بِمَعْنَى أنَّ الْمُخَرِّجَ كأنَّهُ لقيَ أحدَ السِّتَّةِ، وَصَافَحَهُ بِذَلِكَ الْحَدِيْثِ. ¬

_ (¬1) في (م): ((الحاء)). (¬2) فتح المغيث 3/ 16. (¬3) انظر: فتح المغيث 3/ 16. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 426. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 367. (¬6) في (م): ((هو)). (¬7) بعد هذا في نسخة (ع): ((إلاّ أن يكون عدد ما بين المخرج وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلاً في حديث كعدد ما بين أحد الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر))، وقد ضرب عليها ناسخها. انظر: فتح المغيث 3/ 17. (¬8) في (ق): ((راوٍ)).

وَمَعَ كَوْنِهِ مُصَافَحَةً لَهُ، هُوَ مُسَاوَاةٌ لِشَيْخِهِ، فَإنْ كَانَتْ الْمُسَاوَاةُ لِشَيخِ شَيْخِهِ، كَانَتْ الْمُصَافَحَةُ لِشَيْخِهِ، أَوْ لِشَيْخِ شَيْخِ شَيْخِهِ كَانَتْ (¬1) لِشَيخِ شَيْخِهِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ (¬2) مُصَافَحَةً، لِجَرَيَانِ العَادَةِ غَالِباً بِهَا بَيْنَ الْمُتَلاَقِيَيْنِ (¬3). 744 - ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ ... أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الْتِفَاتِ (¬4) 745 - لآخَرٍ فَقِيْلَ لِلْخَمْسِيْنَا ... أَو الثَّلاَثِيْنَ مَضَتْ سِنِيْنَا 746 - ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ السَّمَاعِ ... وَضِدُّه النُّزُوْلُ كَالأَنْوَاعِ 747 - وَحَيْثُ ذُمَّ فَهْوَ مَا لَمْ يُجْبَرِ ... وَالصِّحَّةُ الْعُلُوُّ عِنْدَ النَّظَرِ (ثُمَّ) الرَّابِعُ مِنَ الأقْسَامِ: (عُلوُّ) الإسْنَادِ لأجلِ (قِدَمِ الوَفَاةِ) لأحدِ رُوَاتِهِ بِالنّسبَةِ لِرَاوٍ آخَرَ مُتَأَخِّرِ الوَفَاةِ عَنْهُ شَارَكَهُ في الرِّوَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ. فمَنْ سَمِعَ " سُنَنَ أَبِي داودَ " عَلَى الزكيِّ عَبْدِ العَظِيمِ أَعْلَى مِمَّنْ سَمِعَهُ عَلَى (¬5) النَّجِيبِ الْحَرَّانِيِّ، ومَنْ سَمِعَهُ عَلَى النَّجِيبِ أَعْلَى مِمَّنْ سَمِعَهُ عَلَى ابنِ خَطيبِ الْمِزَّةِ والفَخْرِ ابنِ البُخَارِيِّ، وإنْ اشْتَرَكَ الأرْبَعَةُ في رِوَايَتِهِ عَنْ شَيخٍ واحِدٍ، وَهُوَ ابنُ طَبَرْزَذْ لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الزَّكيِّ عَلَى النَّجِيْبِ، وَوفَاةِ النَّجِيْبِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وقضيةُ ذَلِكَ أنَّهُ (¬6) يَكُوْنُ أَعْلِى إسْنَاداً سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ (¬7) سَمَاعُهُ أَمْ اقْتَرَنَ أَمْ تَأخر؛ لأنَّ مُتَقَدِّمَ الوَفَاةِ يَعِزُّ وُجودُ الرُّوَاة (¬8) عَنْهُ بالنَّظَرِ لِمُتأخِّرِهَا، فَيرغبُ في تَحْصِيلِ مَرْوِيِّهِ (¬9). ¬

_ (¬1) في (ع): ((كانت المصافحة)). (¬2) في (ع): ((بذلك)). (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 426 - 427، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 370 - 371، وفتح المغيث 3/ 18. (¬4) في النفائس: ((مع الثقات)). (¬5) ((على)): سقطت من (ع). (¬6) في (ق) و (ص): ((أن)). (¬7) في (ق): ((تقدم)). (¬8) في (ق): ((الرّواية)). (¬9) انظر: فتح المغيث 3/ 22.

لَكِنَّ الأخْذَ بِالقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَحلُّهُ في غَيْرِ (¬1) تأخُّرِ السَّمَاعِ لَهُ أخذاً مِمَّا يَأْتِي في القِسْمِ الْخَامِسِ. ثُمَّ هَذَا في العُلُوِّ المفادِ مِنْ تَقَدمِ الوَفَاةِ مَعَ الالتِفَاتِ لِنِسْبَةِ شَيْخٍ إِلَى شَيخٍ. (أمَّا العُلُوُّ) المفادُ مِن مُجَرَّدِ تَقَدُّمِ وَفَاةِ الشَّيخِ (لاَ مَعَ التِفَاتِ لآخَرٍ) - بالصَّرْفِ للوزنِ - أي: لِشَيخٍ آخَرَ، فَقَدْ اخْتُلِفَ في وَقْتِهِ، (فَقِيلَ): يَكُونُ (لِلْخَمْسِينَا) مِنَ السِّنِينِ مَضَتْ بَعْدَ (¬2) وَفَاتِهِ (¬3)، (أَوْ الثَّلاَثِينَ مَضَتْ) بَعْدَ وَفاتِهِ (سِنِينَا) أي: مِنَ السِّنِينِ (¬4). (ثُمَّ) خَامِسُ الأقْسَامِ: (عُلُوُّ) الإسْنَادِ لأجلِ (قِدَمِ السَّمَاعِ) لأحدِ رُوَاتِهِ بالنِّسْبَةِ لِرَاوٍ آخرَ شارَكَهُ في السَّمَاعِ مِنْ شَيْخِهِ، أَوْ لِرَاوٍ سَمِعَ مِن رَفيقِ شَيْخِهِ، فالأوَّلُ أعْلَى، وإنْ تَقَدَّمَتْ وَفَاةُ الثَّانِي (¬5). وَلِهَذَا قَدْ يَقَعُ التَّدَاخُلُ بَيْنَ هَذَا، والقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، بِحَيْثُ جَعَلَهُمَا ابنُ طَاهِرٍ (¬6) ثُمَّ (¬7) ابنُ دَقِيقِ العِيدِ قِسْماً وَاحداً (¬8). ثُمَّ زَادَا بدلَ السَّاقِطِ العُلُوَّ إِلَى البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، ومُصَنِّفِي الكُتُبِ الْمَشْهُوْرَةِ، وجَعلَ ابنُ طَاهِرٍ هَذَا قِسْمَيْنِ: أحدَهُما: عُلُوٌّ إِلَى البُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وأبِي دَاوُدَ، وأبِي حَاتِمٍ، وأبِي زُرْعَةَ. وثانيَهمَا (¬9): عُلُوٌّ إِلَى كُتُبٍ مُصَنَّفَةٍ لأقْوامٍ كابنِ أَبِي الدُّنْيَا، والْخَطَّابِيِّ (¬10). ¬

_ (¬1) ((غير)): سقطت من (م). (¬2) في (م): ((على)). (¬3) هو قول الحافظ أبي الحسن ابن جوصا. الإرشاد 2/ 535. (¬4) وهذا قول الحافظ ابن منده. المصدر السابق. قال ابن الصّلاح: ((وهذا أوسع من الأول)). معرفة أنواع علم الحديث: 428، وانظر: فتح المغيث 3/ 23. (¬5) فتح المغيث 3/ 24. (¬6) العلو والنزول: 76 - 83. (¬7) في (ق): ((و)). (¬8) الاقتراح: 307 - 308، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 374، وفتح المغيث 3/ 24. (¬9) في (ع): ((ثانيهما)). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 374.

قَالَ: و ((كُلُّ حَدِيْثٍ عَزَّ (¬1) عَلَى الْمُحَدِّثِ، وَلَمْ يَجِدْهُ عَالِياً، ولاَبُدَّ لَهُ مِن إيْرَادِهِ في تَصْنِيفٍ، أَوْ احْتِجَاجٍ بِهِ، فمِنْ أيِّ وَجْهٍ أوْرَدَهُ، فَهُوَ عَالٍ لِعِزَّتِهِ)) (¬2). (وضدُّهُ) (¬3) - أي: العُلُوِّ - (النُّزُولُ) فتَتَنَوَّعُ أقْسَامُهُ (كالأنْواعِ) السَّابِقَةِ لِلْعُلُوِّ، فأقْسَامُهُ خَمْسَةٌ، وَتَفْصِيلُهَا يدركُ من تَفْصِيلِ أقْسَامِ العُلُوِّ (¬4). (وَحَيْثُ ذُمَّ) النُّزُولُ، كَقَوْلِ ابنِ الْمَدِيْنِيِّ (¬5)، وغَيْرِهِ (¬6): ((إنَّهُ شُؤْمٌ)). وَقَوْلِ ابنِ مَعِيْنٍ: ((إنَّهُ قرحةٌ (¬7) في الوجْهِ)) (¬8)، (فَهْوَ مَا لَمْ يُجبَرِ) بِصِفَةٍ مرجَّحَةٍ. فإنْ جُبِرَ بِها كَزِيَادَةِ الثِّقَةِ في رِجَالِهِ عَلَى العَالِي، أَوْ كونِهِمْ أحْفَظَ، أَوْ أضْبَطَ، أَوْ أفْقَهَ، أَوْ كونِهِ مُتَّصِلاً بِالسَّمَاعِ. وَفِي العَالِي (¬9) حُضورٌ، وإجَازَةٌ، أَوْ مُناوَلَةٌ، أَوْ تَسَاهُلٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ في الْحَمْلِ، فالنُّزُولُ حِيْنَئذٍ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ، ولا مَفْضُولٍ بَلْ فَاضَلٌ، كَمَا صرَّحَ بِهِ السِّلَفيُّ (¬10) وغيرُهُ (¬11). قَالُوْا: ((والنَّازِلُ حِينْئِذٍ هُوَ العَالِي في الْمَعْنَى عِنْدَ النَّظَرِ والتَّحْقِيقِ)). وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بقولِهِ: (والصِّحَّةُ) مَعَ النُّزُولِ هِيَ (العُلُوُّ) الْمَعْنَوِيُّ (عِنْدَ النَّظَرِ). والعَالِي عَدَداً عِنْدَ فَقْدِ الضَّبْطِ، والإتْقَانِ عُلُوٌّ صوريٌّ، فَكَيفَ عِنْدَ فَقْدِ التَّوْثِيقِ (¬12)؟ ¬

_ (¬1) في العلو والنزول: ((عسر))، وما أثبتناه أشبه بالصواب. (¬2) العلو والنزول: 86 (62). (¬3) كتب ناسخ (ع) نصاً مفاده بلوغ المقابلة. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 430، وفتح المغيث 3/ 24 - 25. (¬5) الجامع 1/ 123 (119). (¬6) هو أبو عمرو المستملي. الجامع 1/ 123 - 124 رقم (120). (¬7) القرحة: البشرة إذا دبّ فيها الفساد. انظر: المعجم الوسيط 2/ 724 (قرح). (¬8) الجامع 1/ 123 (118). (¬9) في (ع): ((المعالي)). (¬10) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 376. (¬11) كابن معينٍ وابن مهدي وعبيد الله بن عمرو وأبي بكر بن الأنباري ومحمد بن عبيد الله العامري. كما نقله عن جميعهم الخطيب في الجامع 1/ 124 - 125. (¬12) بعد هذا في (ق): ((فتأمل)).

فَهَذَا - مَعَ كَوْنِهِ عُلواً نِسْبِيّاً - علوٌّ مُطْلَقٌ؛ إِذْ لا يقعُ هَذَا الْحَدِيْثُ اليَوْمَ أعْلَى مِن رِوايَتِهِ مِن هَذَا الطَّرِيقِ (¬1). وسَمَّى ابنُ دَقِيقِ العِيدِ هَذَا القِسمَ عُلُوَّ التَّنْزِيلِ (¬2)، وَفِيْهِ تَقَعُ الْمَوافَقَاتُ والأبْدَالُ، والْمُسَاوَاةُ والْمُصَافَحاتُ (¬3)، كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ: 741 - فَإِنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ قَدْ وَافَقَهْ ... مَعَ عُلُوٍّ فَهُوَ (¬4) الْمُوَافَقَهْ 742 - أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ فَالْبَدَلْ ... وَإِنْ يَكُنْ سَاوَاهُ عَدّاً قَدْ حَصَلْ 743 - فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ وَحَيْثُ (¬5) رَاجَحَهْ ... الأَصْلُ باِلْوَاحِدِ فَالْمُصَاَفَحَهْ (فإنْ يَكُنْ) أي: الْمُخرِّجُ (في شَيْخِهِ) أي: شَيْخِ أحدِ الأئِمَّةِ السِّتةِ، (قَدْ وَافَقَهْ)، كَحَدِيْثٍ يَرويهِ البُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ (¬6) عَبْدِ اللهِ الأنْصَارِيِّ، عَنْ حميدٍ، عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعاً، فإذا رَوَيْنَاهُ مِن " جُزْءِ الأنْصَارِيِّ " يَقَعُ مُوافَقَةً لِلبُخَارِيِّ في شَيْخِهِ (مَعَ عُلُوٍّ) بِدَرَجَةٍ، كَمَا في هَذَا، وَقَدْ يَكُوْنُ بأكْثَرَ، (فَهُوَ) -بِضَمِّ الْهَاءِ (¬7) - (الْمُوَافَقهْ)؛ لأنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا في الأنْصَارِيِّ (¬8). (أَوْ) إنْ يَكُنْ قَدْ وَافَقَهُ في (شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ) أي: مَعَ عُلوٍّ بِدَرَجةٍ، فَأَكْثَرَ، كَحَدِيْثِ ابنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ. (ف‍َ) ‍هُوَ (البدلْ)، لِوُقُوعِهِ مِنْ طَرِيقِ رَاوٍ بَدلِ الرَّاوِي الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَحَدُ السِّتَّةِ، وَقَدْ يُسمُّونَهُ مُوافَقَةً مُقيَّدةً، فيُقَالُ: هُوَ مُوافَقَةٌ في شَيْخِ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ مَثَلاً (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 365، وفتح المغيث 3/ 15 - 16. (¬2) الاقتراح: 306. (¬3) انظر: فتح المغيث 3/ 16. (¬4) كان حق الهاء هنا أن تسكن، لكنها حركت؛ لضرورة الوزن وسينص الشارح على ضبطها. (¬5) في النفائس: ((فحيث)). (¬6) المثبت من نسخنا، وقد سقط من (م). (¬7) في (م): ((الحاء)). (¬8) فتح المغيث 3/ 16. (¬9) انظر: فتح المغيث 3/ 16.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَقْيّيدِ الْمُوافَقَةِ، والبَدَلِ بالعُلُوِّ ذكرَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬1)، لَكِنْ خالَفَهُ غَيْرُهُ فَأطْلَقُوهُمَا بِدونِهِ، فإنْ عَلاَ قِيْلَ: مُوافَقَةٌ عَالِيةٌ، أَوْ بَدَلٌ عَالٍ، نبَّه عَلَى ذَلِكَ النَّاظِمُ (¬2). (وإنْ يَكُنْ) أي: الْمُخرِّجُ (سَاوَاهُ) أي: أَحَدُ السِّتَّةِ (عَدّاً قَدْ حَصَلْ) أي: مِنْ جِهَةِ العَدَدِ الْحَاصِلِ لَهُ في السَّنَدِ، بأنْ يَكُوْنَ بَيْنَ الْمُخرِّجِ، وبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَرْفُوعِ، أَوْ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ قبلَهُ في غَيْرِهِ إِلَى شَيْخِ أحدِ السِّتَّةِ، كَمَا بَيْنَ أحد السِّتَّة، وأحد من ذَكَرَ مِن العَدَدِ (فَهْوَ (¬3) الْمُسَاواةُ) لكنَّهَا مَفْقُودَةٌ الآنَ (¬4). (وَحَيْثُ رَاجَحَهْ الأصْلُ) أي: عَلاَ سَنَدُ أحَدِ السِّتَّةِ (بالوَاحِدِ) أي: براوٍ (¬5) واحِدٍ عَلَى سَنَدِ الْمُخْرِّجِ (ف‍َ) ‍هُوَ (الْمُصَافَحَهْ) لَهُ، بِمَعْنَى أنَّ الْمُخَرِّجَ كأنَّهُ لقيَ أحدَ السِّتَّةِ، وَصَافَحَهُ بِذَلِكَ الْحَدِيْثِ. وَمَعَ كَوْنِهِ مُصَافَحَةً لَهُ، هُوَ مُسَاوَاةٌ لِشَيْخِهِ، فَإنْ كَانَتْ الْمُسَاوَاةُ لِشَيخِ شَيْخِهِ، كَانَتْ الْمُصَافَحَةُ لِشَيْخِهِ، أَوْ لِشَيْخِ شَيْخِ شَيْخِهِ كَانَتْ (¬6) لِشَيخِ شَيْخِهِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ (¬7) مُصَافَحَةً، لِجَرَيَانِ العَادَةِ غَالِباً بِهَا بَيْنَ الْمُتَلاَقِيَيْنِ (¬8). 744 - ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ ... أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الْتِفَاتِ (¬9) 745 - لآخَرٍ فَقِيْلَ لِلْخَمْسِيْنَا ... أَو الثَّلاَثِيْنَ مَضَتْ سِنِيْنَا ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 426. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 367. (¬3) في (م): ((هو)). (¬4) بعد هذا في نسخة (ع): ((إلاّ أن يكون عدد ما بين المخرج وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلاً في حديث كعدد ما بين أحد الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر))، وقد ضرب عليها ناسخها. انظر: فتح المغيث 3/ 17. (¬5) في (ق): ((راوٍ)). (¬6) في (ع): ((كانت المصافحة)). (¬7) في (ع): ((بذلك)). (¬8) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 426 - 427، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 370 - 371، وفتح المغيث 3/ 18. (¬9) في النفائس: ((مع الثقات)).

746 - ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ السَّمَاعِ ... وَضِدُّه النُّزُوْلُ كَالأَنْوَاعِ 747 - وَحَيْثُ ذُمَّ فَهْوَ مَا لَمْ يُجْبَرِ ... وَالصِّحَّةُ الْعُلُوُّ عِنْدَ النَّظَرِ (ثُمَّ) الرَّابِعُ مِنَ الأقْسَامِ: (عُلوُّ) الإسْنَادِ لأجلِ (قِدَمِ الوَفَاةِ) لأحدِ رُوَاتِهِ بِالنّسبَةِ لِرَاوٍ آخَرَ مُتَأَخِّرِ الوَفَاةِ عَنْهُ شَارَكَهُ في الرِّوَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ. فمَنْ سَمِعَ " سُنَنَ أَبِي داودَ " عَلَى الزكيِّ عَبْدِ العَظِيمِ أَعْلَى مِمَّنْ سَمِعَهُ عَلَى (¬1) النَّجِيبِ الْحَرَّانِيِّ، ومَنْ سَمِعَهُ عَلَى النَّجِيبِ أَعْلَى مِمَّنْ سَمِعَهُ عَلَى ابنِ خَطيبِ الْمِزَّةِ والفَخْرِ ابنِ البُخَارِيِّ، وإنْ اشْتَرَكَ الأرْبَعَةُ في رِوَايَتِهِ عَنْ شَيخٍ واحِدٍ، وَهُوَ ابنُ طَبَرْزَذْ لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الزَّكيِّ عَلَى النَّجِيْبِ، وَوفَاةِ النَّجِيْبِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وقضيةُ ذَلِكَ أنَّهُ (¬2) يَكُوْنُ أَعْلِى إسْنَاداً سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ (¬3) سَمَاعُهُ أَمْ اقْتَرَنَ أَمْ تَأخر؛ لأنَّ مُتَقَدِّمَ الوَفَاةِ يَعِزُّ وُجودُ الرُّوَاة (¬4) عَنْهُ بالنَّظَرِ لِمُتأخِّرِهَا، فَيرغبُ في تَحْصِيلِ مَرْوِيِّهِ (¬5). لَكِنَّ الأخْذَ بِالقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَحلُّهُ في غَيْرِ (¬6) تأخُّرِ السَّمَاعِ لَهُ أخذاً مِمَّا يَأْتِي في القِسْمِ الْخَامِسِ. ثُمَّ هَذَا في العُلُوِّ المفادِ مِنْ تَقَدمِ الوَفَاةِ مَعَ الالتِفَاتِ لِنِسْبَةِ شَيْخٍ إِلَى شَيخٍ. (أمَّا العُلُوُّ) المفادُ مِن مُجَرَّدِ تَقَدُّمِ وَفَاةِ الشَّيخِ (لاَ مَعَ التِفَاتِ لآخَرٍ) - بالصَّرْفِ للوزنِ - أي: لِشَيخٍ آخَرَ، فَقَدْ اخْتُلِفَ في وَقْتِهِ، (فَقِيلَ): يَكُونُ (لِلْخَمْسِينَا) مِنَ السِّنِينِ مَضَتْ بَعْدَ (¬7) وَفَاتِهِ (¬8)، (أَوْ الثَّلاَثِينَ مَضَتْ) بَعْدَ وَفاتِهِ (سِنِينَا) أي: ¬

_ (¬1) ((على)): سقطت من (ع). (¬2) في (ق) و (ص): ((أن)). (¬3) في (ق): ((تقدم)). (¬4) في (ق): ((الرّواية)). (¬5) انظر: فتح المغيث 3/ 22. (¬6) ((غير)): سقطت من (م). (¬7) في (م): ((على)). (¬8) هو قول الحافظ أبي الحسن ابن جوصا. الإرشاد 2/ 535.

مِنَ السِّنِينِ (¬1). (ثُمَّ) خَامِسُ الأقْسَامِ: (عُلُوُّ) الإسْنَادِ لأجلِ (قِدَمِ السَّمَاعِ) لأحدِ رُوَاتِهِ بالنِّسْبَةِ لِرَاوٍ آخرَ شارَكَهُ في السَّمَاعِ مِنْ شَيْخِهِ، أَوْ لِرَاوٍ سَمِعَ مِن رَفيقِ شَيْخِهِ، فالأوَّلُ أعْلَى، وإنْ تَقَدَّمَتْ وَفَاةُ الثَّانِي (¬2). وَلِهَذَا قَدْ يَقَعُ التَّدَاخُلُ بَيْنَ هَذَا، والقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، بِحَيْثُ جَعَلَهُمَا ابنُ طَاهِرٍ (¬3) ثُمَّ (¬4) ابنُ دَقِيقِ العِيدِ قِسْماً وَاحداً (¬5). ثُمَّ زَادَا بدلَ السَّاقِطِ العُلُوَّ إِلَى البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، ومُصَنِّفِي الكُتُبِ الْمَشْهُوْرَةِ، وجَعلَ ابنُ طَاهِرٍ هَذَا قِسْمَيْنِ: أحدَهُما: عُلُوٌّ إِلَى البُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وأبِي دَاوُدَ، وأبِي حَاتِمٍ، وأبِي زُرْعَةَ. وثانيَهمَا (¬6): عُلُوٌّ إِلَى كُتُبٍ مُصَنَّفَةٍ لأقْوامٍ كابنِ أَبِي الدُّنْيَا، والْخَطَّابِيِّ (¬7). قَالَ: و ((كُلُّ حَدِيْثٍ عَزَّ (¬8) عَلَى الْمُحَدِّثِ، وَلَمْ يَجِدْهُ عَالِياً، ولاَبُدَّ لَهُ مِن إيْرَادِهِ في تَصْنِيفٍ، أَوْ احْتِجَاجٍ بِهِ، فمِنْ أيِّ وَجْهٍ أوْرَدَهُ، فَهُوَ عَالٍ لِعِزَّتِهِ)) (¬9). (وضدُّهُ) (¬10) - أي: العُلُوِّ - (النُّزُولُ) فتَتَنَوَّعُ أقْسَامُهُ (كالأنْواعِ) السَّابِقَةِ لِلْعُلُوِّ، فأقْسَامُهُ خَمْسَةٌ، وَتَفْصِيلُهَا يدركُ من تَفْصِيلِ أقْسَامِ العُلُوِّ (¬11). ¬

_ (¬1) وهذا قول الحافظ ابن منده. المصدر السابق. قال ابن الصّلاح: ((وهذا أوسع من الأول)). معرفة أنواع علم الحديث: 428، وانظر: فتح المغيث 3/ 23. (¬2) فتح المغيث 3/ 24. (¬3) العلو والنزول: 76 - 83. (¬4) في (ق): ((و)). (¬5) الاقتراح: 307 - 308، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 374، وفتح المغيث 3/ 24. (¬6) في (ع): ((ثانيهما)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 374. (¬8) في العلو والنزول: ((عسر))، وما أثبتناه أشبه بالصواب. (¬9) العلو والنزول: 86 (62). (¬10) كتب ناسخ (ع) نصاً مفاده بلوغ المقابلة. (¬11) معرفة أنواع علم الحديث: 430، وفتح المغيث 3/ 24 - 25.

(وَحَيْثُ ذُمَّ) النُّزُولُ، كَقَوْلِ ابنِ الْمَدِيْنِيِّ (¬1)، وغَيْرِهِ (¬2): ((إنَّهُ شُؤْمٌ)). وَقَوْلِ ابنِ مَعِيْنٍ: ((إنَّهُ قرحةٌ (¬3) في الوجْهِ)) (¬4)، (فَهْوَ مَا لَمْ يُجبَرِ) بِصِفَةٍ مرجَّحَةٍ. فإنْ جُبِرَ بِها كَزِيَادَةِ الثِّقَةِ في رِجَالِهِ عَلَى العَالِي، أَوْ كونِهِمْ أحْفَظَ، أَوْ أضْبَطَ، أَوْ أفْقَهَ، أَوْ كونِهِ مُتَّصِلاً بِالسَّمَاعِ. وَفِي العَالِي (¬5) حُضورٌ، وإجَازَةٌ، أَوْ مُناوَلَةٌ، أَوْ تَسَاهُلٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ في الْحَمْلِ، فالنُّزُولُ حِيْنَئذٍ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ، ولا مَفْضُولٍ بَلْ فَاضَلٌ، كَمَا صرَّحَ بِهِ السِّلَفيُّ (¬6) وغيرُهُ (¬7). قَالُوْا: ((والنَّازِلُ حِينْئِذٍ هُوَ العَالِي في الْمَعْنَى عِنْدَ النَّظَرِ والتَّحْقِيقِ)). وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بقولِهِ: (والصِّحَّةُ) مَعَ النُّزُولِ هِيَ (العُلُوُّ) الْمَعْنَوِيُّ (عِنْدَ النَّظَرِ). والعَالِي عَدَداً عِنْدَ فَقْدِ الضَّبْطِ، والإتْقَانِ عُلُوٌّ صوريٌّ، فَكَيفَ عِنْدَ فَقْدِ التَّوْثِيقِ (¬8)؟ ¬

_ (¬1) الجامع 1/ 123 (119). (¬2) هو أبو عمرو المستملي. الجامع 1/ 123 - 124 رقم (120). (¬3) القرحة: البشرة إذا دبّ فيها الفساد. انظر: المعجم الوسيط 2/ 724 (قرح). (¬4) الجامع 1/ 123 (118). (¬5) في (ع): ((المعالي)). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 376. (¬7) كابن معينٍ وابن مهدي وعبيد الله بن عمرو وأبي بكر بن الأنباري ومحمد بن عبيد الله العامري. كما نقله عن جميعهم الخطيب في الجامع 1/ 124 - 125. (¬8) بعد هذا في (ق): ((فتأمل)).

الغريب، والعزيز، والمشهور

الغَرِيْبُ، وَالْعَزِيْزُ، وَالْمَشْهُوْرُ (¬1) 748 - وَمَا بِهِ مُطْلَقاً الرَّاوِي انْفَرَدْ ... فَهْوَ الْغَرِيْبُ وَابْنُ مَنْدَةَ (¬2) فَحَدْ 749 - بِالإِْنْفِرَادِ عَنْ إِمَامٍ يُجْمَعُ ... حَدِيْثُهُ فَإِنْ عَلَيْهِ يُتْبَعُ 750 - مِنْ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ فَالْعَزِيْزُ أَوْ ... فَوْقُ فَمَشْهُوْرٌ وَكُلٌّ قَدْ رَأَوْا 751 - مِنْهُ الصَّحِيْحَ وَالضَّعِيْفَ ثُمَّ قَدْ ... يَغْرُبُ (¬3) مُطْلَقاً أوِ اسْنَاداً (¬4) فَقَدْ (¬5) (ومَا بهِ) أي: بروايتِهِ (مُطْلَقاً) عَنِ التَّقْييدِ بإمامٍ يَجْمَعُ حديثَهُ (الرَّاوِي انفَرد) عَنْ كُلِّ أحدٍ إما بِجَميعِ المَتْنِ، كحديثِ: ((النَّهي عَنْ بيع الولاء، وهبَتِهِ)) (¬6) فإنه لمْ يَصِحَّ إلا من حديثِ عَبْد اللهِ بنِ دينارٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ. ¬

_ (¬1) انظر في معرفة الغريب والعزيز والمشهور: معرفة علوم الحديث: 92 - 96 وجامع الأصول 1/ 174 - 178، ومعرفة أنواع علم الحديث: 432 - 436، والإرشاد 2/ 538 - 549، والتقريب: 152 - 155، والاقتراح: 309 - 310، والموقظة: 43، واختصار علوم الحديث: 165 - 167، والشذا الفياح 2/ 434 - 450، والمقنع 2/ 427 - 442، ونزهة النظر: 62 - 71، وطبعة عتر 24 - 28، وفتح المغيث 3/ 27 - 41، وتدريب الراوي 2/ 173 - 183، وتوضيح الأفكار 2/ 401 - 411، وظفر الأماني: 39 - 76، وتوجيه النظر 1/ 425 - 429. (¬2) يصحّ الوزن بالمنع من الصرف وإن كان صحيحاً عند صرفه إلاّ أن هذا لا يعدّ اضطراراً كما ذهب إليه صاحب فتح المغيث 3/ 30 إذ هو موزون على أصله فلا ضرورة للإعراض عنه. (¬3) ورد في نسخة (ب) من متن الألفية تعليقة نصّها: ((بالضم الراء -كذا - سواء كان ماضيه بالضم أو الفتح، والغريب الغامض من الكلام)) وذيّلها بقوله: ((بقاعي)). قلنا: انظر: لسان العرب 1/ 429، وتاج العروس 3/ 456 (غرب). (¬4) بإدراج همزة (إسناداً)؛ لضرورة الوزن. (¬5) في (ب): ((فَقَطْ)). (¬6) أخرجه مالك (2268) رواية الليثي، والشافعي 2/ 72، والطيالسي (1885)، وعبد الرزاق (16138)، والحميدي (639)، وسعيد بن منصور (276)، وابن أبي شيبة 6/ 121، وأحمد 2/ 9 و 79 و107، والدارمي (2575) و (3160) و (3161)، والبخاري 3/ 192 (2535) و 8/ 192=

أو ببعضِهِ، كحديثِ زكاة (¬1) الفطرِ (¬2) حيثُ قيلَ: إن مالكاً انفردَ عَنْ سائرِ رواتهِ بقولِهِ: ((مِنَ المُسلمينَ)) (¬3). ¬

_ = (6756)، ومسلم 4/ 216 (1506) (16)، وأبو داود (2919)، وابن ماجه (2747) والترمذي (1236)، والنسائي 7/ 306، وابن الجارود (978)، والطحاوي في شرح المشكل (4995) و (4996) و (4997) و (4998) و (4999) و (5000) و (5001) و (5002) و (5003)، وابن حبان (4955)، (4956) و (4957)، والطبراني في الكبير (13625) و (13626)، وفي الأوسط (7937)، والبيهقي 10/ 292، والبغوي (2225) و (2226). (¬1) في (م): ((ذكاة)). (¬2) أخرجه مالك (773)، والشافعي في مسنده 1/ 250 (663) و (666)، وعبد الرزاق (5763)، والحميدي (701)، وابن أبي شيبة (10354) و (10355)، وأحمد 2/ 5 و55 و63 و66 و102 و 114 و 137، وعبد بن حميد (743)، والدارمي (1668) و (1669)، والبخاري 2/ 161 (1503) و (1504) و (1505) و 162 (1511) و (1512)، ومسلم 3/ 68 (984) (12) (13) (14) (15) و 69 (984) (16)، وأبو داود (1611) و (1612) و (1613)، وابن ماجه (1825) و (1826)، والترمذي (675)، والنسائي 5/ 46 و47 و48 و 49، وأبويعلى (5834)، وابن خزيمة (2392)، (2393) و (2395) و (2397) و (2398) و (2399)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 44، وابن حبان (3296) و (3297) و (3298) و (3299) و (3300)، والدارقطني 2/ 139 و140 و141، والحاكم 1/ 409، والبيهقي 4/ 159 و160 و 161، والبغوي (1593)، (1594) من حديث ابن عمر. (¬3) كتاب العلل للترمذي 6/ 253. قلنا: وكذا قال ابن الصلاح مقلّداً في هذا الإمام الترمذي، وفيه نظر، إذ اعترض عليه ... الإمام النووي فقال في إرشاد طلاب الحقائق 1/ 230 - 231: ((لا يصح التمثيل بحديث مالك؛ لأنه ليس منفرداً، بل وافقه في هذه الزيادة عن نافع: عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان: الأول في صحيح البخاري، والثاني في صحيح مسلم)). وبنحوه قال في التقريب والتيسير: 72. ولعلّ أقدم من تكلّم في هذه المسألة وبيّن عدم انفراد الإمام مالك بهذه الزيادة، الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح المشكل 9/ 43 - 44 عقب (3423)، فقال: ((فقال قائل: أفتابع مالكاً على هذا الحرف، يعني: من المسلمين، أحد ممن رواه عن نافع؟ فكان جوابنا لَهُ في ذَلِكَ بتوفيق الله عزّوجلّ وعونه: أنه قَدْ تابعه عَلَى ذَلِكَ عبيد الله بن عمر، وعمر بن نافع، ويونس بن يزيد)). ثُمَّ ساق متابعاتهم، وسنوردها لاحقاً. =

.................................................. ¬

_ = وقد بيّن الحافظ العراقي في التقييد: 111 - 112 أنّ كلام الترمذي لا يفهم تفرد مالك، بل هو من تصرف ابن الصلاح في كلامه، فقال: ((كلام الترمذي هذا ذكره في العلل التي في آخر الجامع، ولم يصرح بتفرد مالك بها مطلقاً، فقال: وربّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس ... فذكر الحديث، ثم قال: وزاد مالك في هذا الحديث ((من المسلمين))، وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه: ((من المسلمين)). وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه. انتهى كلام الترمذي. فلم يذكر التفرد مطلقاً وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرّح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لم يعتمد على حفظه، فأسقط المصنف آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه الزيادة، بل تابعه عليها جماعة من الثقات)). قلنا: قد وجدنا له ثماني متابعات هي: 1 - عبيد الله بن عمر: وقد اختلف عليه فيه، وعامّة أصحابه لا يذكرون هذه الزيادة في حديثه ومنهم: - يحيى بن سعيد القطان: عند أحمد 2/ 55، والبخاري 2/ 162 (1512)، وأبي داود (1613)، وابن خزيمة (2403)، والبيهقي 4/ 160، وابن عبد البر 14/ 316. - محمد بن عبيد الطنافسي: عند أحمد 2/ 102، وابن زنجويه في الأموال (2357)، والبيهقي في الكبرى 4/ 159 و 160، وابن عبد البر 14/ 317. - عيسى بن يونس: عند النسائي 5/ 49، وفي الكبرى (2284)، وابن عبد البر 14/ 316. - عبد الله بن نمير: عند مسلم 3/ 68 (984) (13). - أبان بن يزيد العطار: عند أبي داود (1613). - بشر بن المفضل: عند أبي داود (1613)، وابن عبد البر 14/ 316. - حماد بن أسامة: عند ابن أبي شيبة (10355)، ومسلم 3/ 68 (984) (13). - عبد الأعلى بن عبد الأعلى: عند ابن خزيمة (2403). - المعتمر بن سليمان: عند ابن خزيمة (2403). - سفيان الثوري: عند الدارمي (1669)، وابن خزيمة (2409)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 44، وأبي نعيم في الحلية 7/ 136، والبيهقي 4/ 160. =

................................................. ¬

_ = ورواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به. وذكر الزيادة. أخرجه: أحمد 2/ 66، والطحاوي في شرح المشكل (3424) و (3425)، والدارقطني 2/ 145، والحاكم 1/ 410، والبيهقي 4/ 166، وابن عبد البر 14/ 318. وقال أبو داود عقب (1621): ((رواه سعيد الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، قال فيه: ((من المسلمين))، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه: ((من المسلمين)) ... )). وقال ابن عبد البر: ((وأما عبيد الله بن عمر فلم يقل فيه: ((من المسلمين)) عنه أحد - فيما علمت - غير سعيد بن عبد الرحمان الجمحي)). قلنا: سعيد ليست حاله ممن يحتمل له مثل هذا التفرد لا سيّما مع شدة المخالفة فقد قال الإمام أحمد: ((الجمحي روى حديثين عن عبيد الله بن عمر، حديث منهما في صدقة الفطر. وقال: أنكر على الجمحي هذين الحديثين)). مسائل صالح لأبيه الإمام أحمد 2/ 458. وقال ابن عدي: ((له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يهم عندي في الشيء بعد الشيء: يرفع موقوفاً ويوصل مرسلاً، لا عن تعمد)). الكامل 4/ 456. قال الدكتور بشار في تعليقه على الموطأ 1/ 382، وعلى جامع الترمذي 2/ 54: ((في هذا نظر فقد تابع سعيداً سفيان الثوري في روايته هذه عن عبيد الله)). كذا قال!! وأنت خبير بأن تسعة من أصحاب عبيد الله بن عمر رووه عنه بلا ذكر لهذه الزيادة البتة، في حين أنه - وهو: سفيان الثوري - رواه أيضاً من غير هذه الزيادة، ومن ادّعى أنه رواه عن عبيد الله بهذه الزيادة فقد حمّل روايته ما لا تحتمله، وإليك البيان: روى الدارمي هذا الحديث عن الفريابي عن الثوري، ورواه البقيّة من طريق قبيصة عن الثوري، كلاهما الفريابي وقبيصة لم يذكرا فيه هذه الزيادة عن الثوري. ولكن الرواية التي يدعي الدكتور متابعة سفيان فيها لسعيد الجمحي، أخرجها عبد الرزاق ... (5763) ومن طريقه الدارقطني 2/ 139، عن الثوري وابن أبي ليلى مقرونين عن عبيد الله. فأنت ترى أن عبد الرزاق خالف الفريابي وقبيصة في روايته عن الثوري لهذا، لكن روى الدارقطني 2/ 139 من طريق ابن زنجويه، عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبيد الله، به، غير مقرون بابن أبي ليلى وفيه هذه الزيادة. والراجح رواية الفريابي وقبيصة؛ لأن العدد أولى أن يسلّم لَهُ بالصواب؛ ولأن عبد الرزاق ضعّف بالاختلاط، ومن الراجح أن سماع ابن زنجويه كان بعده، فلعلّ بعض الرواة حمل رواية الثوري على رواية ابن أبي ليلى، ومن هنا قال ابن حجر: ((يحتمل أن يكون بعض رواته حمل لفظ ابن أبي ليلى على لفظ عبيد الله)). فتح الباري 3/ 370. =

أو ببعضِ السَنَدِ، كحديثِ ((أُمِّ زرعٍ)) (¬1) إذِ المحفوظُ فيهِ روايةُ عيسى بنِ يونُسَ، وغيرِهِ عَنْ هشامِ بنِ عروة، عنْ أخيه عَبْد اللهِ، عَنْ أبيهِما، عَنْ عائشةَ، ورواهُ الطبرانيُّ ¬

_ = ومن هذا يظهر أن هذه الزيادة في حديث سفيان الثوري عن عبيد الله غير محفوظة، والصحيح أنه روى الحديث كسائر أصحاب عبيد الله بن عمر من غير زيادة. 2 - كثير بن فرقد: عند الدارقطني 2/ 140، والحاكم 1/ 410، والبيهقي 4/ 162، وابن عبد البر 14/ 319. 3 - عبد الله بن عمر: عند عبد الرزاق (5765)، وأحمد 2/ 114، والدارقطني 2/ 140. وكذا ابن الجارود في المنتقى (356)؛ لكن وقع فيه تحريف، فوقع فيه ((عبيد الله)) مصغراً. 4 - ابن أبي ليلى: عند الدارقطني 2/ 139. ورواه عبد الرزاق (5763) عنه وعن الثوري مقرونين. ورواه الطحاوي في شرح المعاني 2/ 44 من طريق يحيى بن عيسى الفاخوري عن ابن أبي ليلى، وليس فيه الزيادة. 5 - يونس بن يزيد: عند الطحاوي في شرح المشكل (3427)، وفي شرح المعاني 2/ 44، وابن عبد البر 14/ 319. 6 - المعلى بن إسماعيل: عند ابن حبان (3300)، والدارقطني 2/ 140. 7 - عمر بن نافع: عند البخاري 2/ 161 (1503)، وأبي داود (1612)، والنسائي 5/ 84، والطحاوي في شرح المشكل (3426)، وابن حبان (3299)، والدارقطني 2/ 139، والبيهقي 4/ 162، والبغوي (1594). 8 - الضحاك بن عثمان: عند مسلم 3/ 69 (984) (16)، وابن حبان (3298). قال الدارقطني في السنن 2/ 139: ((وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي، عن ... عبيد الله بن عمر، وقال فيه: ((من المسلمين)). وكذلك رواه مالك بن أنس والضحاك ابن عثمان، وعمر بن نافع والمعلى بن إسماعيل وعبد الله بن عمر العمري وكثير بن فرقد ويونس بن يزيد، وروى ابن شوذب عن أيوب عن نافع كذلك)). وبهذا تبين أن الإمام مالكاً لم ينفرد بهذه الزيادة، وإن لم يكن من تابعه يبلغ مرتبةً في الحفظ والإتقان، إلا أن دعوى التفرد لا تصح في كل حال. وقد قال الإمام أحمد: ((كنت أتهيب حديث مالك ((من المسلمين)) يعني: حتى وجدته من حديث العمريين، قيل له: أمحفوظ هو عندك ((من المسلمين))؟ قال: نعم)). شرح علل الترمذي 2/ 632. والله أعلم. (¬1) أخرجه البخاريّ 7/ 34 (5189)، ومسلم 7/ 139 (2448) من طريق هشام بن عروة، عن أخيه عبدالله بن عروة، به.

مِنْ حَديثِ الدَّراوَرْديِّ، وغيرِهِ عَنْ هشامٍ بدونِ واسطةِ أخيهِ (¬1). (فَهْوَ) أي: ماحصَلَ بِهِ الانفرادُ بوجهٍ مِمَّا ذُكِرَ (الغريبُ) سمّيَ بهِ، لانفرادِ راويه عَنْ غيرِهِ، كالغريبِ الَّذِي شأنُهُ الانفرادُ عَنْ وطنهِ. (و) أما أبو عبدِ الله (ابنُ مَنْدَةَ فَحدْ) هُ (بالانفرادِ) عَنْ كُلِّ أحدٍ بروايةِ شيءٍ مِمَّا ذُكِرَ (عَنْ إمامٍ يُجْمَعُ حَدِيْثُهُ) أي: مِنْ شأنهِ لجلالتهِ أنْ يُجْمَعَ حديثُهُ، وإنْ لَمْ يجمع، كالزهريِّ وقتادةَ (¬2). وكانَ ابنُ مَنْدَه يُسمِّي الغريبَ فرداً. (فَإنْ عَليهِ) أي: المرويِّ مِنْ طَريقِ إمامٍ يُجْمَعُ حديثُهُ (يُتْبَعُ) راويهِ (مِنْ) راوٍ آخرَ (واحدٍ، وَ) كَذَا من (اثْنَينِ)، وَلَوْ في طبقةٍ واحدةٍ، (ف‍) ‍هُوَ (العزيزُ). سُمِّيَ بهِ لِقِلَّةِ وجودِهِ من: عَزَّ يَعِزُّ بكسر عينِ مُضَارِعِهِ، أولكونهِ قَوِيَ بمَجيئهِ من طريقٍ آخرَ (¬3)، من عَزَّ يَعَزُّ -بفتحها -، ومنهُ قولُهُ تَعَالَى: {فَعَزَّزْنا بثَالِثٍ} (¬4). قَالَ شيخُنا (¬5): ((وَقدْ ادَّعى ابنُ حبانَ أنَّ روايةَ اثنينِ عَنْ اثنينِ لا توجدُ أصلاً، فإنْ أرادَ روايةَ اثنينِ فَقطْ عَن اثنين فَقَطْ فَمُسَلَّم، وأما صورةُ العزيزِ الَّتِي جوزوها (¬6) فَموجودةٌ بأنْ لا يرويهِ أقلُّ من اثنين عَنْ أقلَّ من اثنينِ)). (أو) يَتبعُ راويهِ عنْ ذلكَ (¬7) الإمام مَنْ رَوَاهُ (فَوْقُ) أي: فوق الاثنينِ، كثلاثةٍ ما لَمْ يبلُغْ حدَّ التواترِ، (فَمَشهورٌ) سُمِّي بهِ لِشُهْرَتِهِ، ووضوحِ أمرِهِ (¬8). ¬

_ (¬1) المعجم الكبير 23/ 164 - 177. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 379. (¬3) نزهة النظر: 65. (¬4) يس: 20. وانظر: فتح المغيث 3/ 31. (¬5) نزهة النظر: 69. (¬6) ما أثبتناه هو ما اتفقت عليه النسخ الخطية، وفي المطبوع من النزهة: ((حررناها)) (¬7) في (ص): ((ذاك)). (¬8) تدريب الرّاوي 2/ 173.

وَيُسمّى بالمستفيضِ لانتشارهِ، وشيوعهِ في النَّاسِ. وَبَعْضُهُم غايرَ بيْنَهُما بأنَّ المستفيضَ يكونُ من ابتدائهِ إلى انتهائهِ، سواءً، والمشهورُ أعمُّ منْ ذلكَ بحيثُ يَشْمَلُ (¬1) ما أوَّلُهُ مَنْقوُلٌ عَنْ الواحدِ (¬2). فَعُلِمَ من كلام الناظمِ أنَّ ما وقعَ في سندهِ راوٍ واحد فَغَريبٌ، أو اثنانِ أو ثلاثةٌ فعزيزٌ، أَوْ فوقَ ذلكَ فمشهورٌ. وَقَدْ يكونُ الحديثُ عزيزاً مَشْهُوراً، كحديثِ: ((نَحْنُ الآخِرُوْنَ السَّابِقُوْنَ يومَ القيامةِ)) فَهو عزيزٌ عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، رواهُ عَنْهُ حذيفةُ، وأبو هريرةَ، ومشهورٌ عَنْ أبي هريرةَ، رَواهُ عَنْهُ سبعةٌ: أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمانِ (¬3)، وأبو حازمٍ (¬4)، وطاووسُ (¬5)، والأعرجُ (¬6)، وهمامٌ (¬7)، وأبو صالحٍ (¬8)، وعبدُ الرحمانِ مولى أمِّ بُرْثُن (¬9). (وكلٌّ) من الأنواعِ الثلاثةِ، لايُنافي الصَّحيحَ والضَّعيفَ، بَلْ (قَدْ رأوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ (مِنْهُ الصَّحيحَ) الشاملَ للحسنِ، (والضعيفَ)، وإن لَمْ يُصّرِّحِ ابنُ الصَّلاح بِذلكَ في العزيزِ، لكنَّ الضعيفَ في الغريبِ أكثرُ، ولهذا كرهَ جمعٌ من الأئمةِ تتبُّعَ الغرائبِ (¬10). ¬

_ (¬1) في (ص): ((ليشمل)). (¬2) فتح المغيث 3/ 33، وتدريب الرّاوي 2/ 173. (¬3) أخرجه أحمد 2/ 502. (¬4) أخرجه مسلم 3/ 7 (856) (22)، والنسائي 2/ 87، وفي الكبرى (1578)، وأبو يعلى (6216). (¬5) أخرجه الحميدي (955)، وأحمد 2/ 249 و341، والبخاري 2/ 6 (896) و 4/ 215 (3486)، ومسلم 3/ 6 (855) (19)، والنسائي 3/ 85، وفي الكبرى (1579) و (1580)، وابن خزيمة (1720) و (7161). (¬6) أخرجه الحميدي (954)، وأحمد 2/ 243 و 249، والبخاري 1/ 68 (238) و 2/ 2 (876) و 4/ 60 و 9/ 8 و175، ومسلم 3/ 6 (855) (19)، والنسائي 3/ 85، وفي الكبرى (1580)، وابن خزيمة (1720). (¬7) أخرجه أحمد 2/ 274 312، والبخاري 8/ 159 (6624) و9/ 53 (7036)، ومسلم 3/ 7 (855) (21)، وابن حبان (2779) (¬8) أخرجه أحمد 2/ 249 و274، ومسلم 3/ 6 (855) (20). (¬9) أخرجه أحمد 2/ 236 و388 و491 و509 و512. (¬10) في (ع): ((الغريب)). وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 437.

(ثُمَّ) إنَّ الحديثَ (قَدْ يَغْرُبُ مطلقاً) أي: متناً وإسناداً وشيخاً، كحديثٍ انفردَ بروايتهِ راوٍ واحدٌ (¬1). (أو اسناداً (¬2)) - بالدرج - أي: أو يغربُ إسناداً (فَقَدْ) أي: فقطْ كأنْ يكونَ متْنُهُ معروفاً بروايةِ جماعةٍ من الصَّحابةِ، فينفردَ بِهِ راوٍ من (¬3) حديثِ صَحابيٍّ آخرَ، فَهُوَ منْ جهتهِ غريبٌ مَعَ أنَّ متنَهُ غيرُ غريبٍ. قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((ومِنْ ذلكَ غرائبُ الشيوخِ في أسانيدِ المتونِ الصَّحِيْحَةِ)) (¬4). قالَ: ((وهذا الَّذِي يقولُ فيهِ الترمذيُّ: غريبٌ من هَذَا الوجهِ)). (¬5) قالَ: ولا أرى هَذَا النوعَ - يعني: غريبَ الإسنادِ فقط (¬6) - ينعكسُ إلا إذا اشتهرَ الحديثُ الفردُ عمَّنْ انفردَ بِهِ، فرواهُ عَنْهُ عددٌ كثيرٌ، فإنهُ يصيرُ غريباً مشهوراً، وغريباً متناً لا إسناداً، لكنْ بالنظرِ إلى أحدِ طرفَي الإسنادِ، فإنَّ إسنادَهُ غريبٌ في طرفِهِ الأوَّلِ، مشهورٌ في طرفهِ الأخيرِ، كحديثِ: ((إنما الأعمالُ بالنِّياتِ)) (¬7) لأنَّ الشهرةَ إنما طرأتْ لَهُ من عندِ يَحْيَى بنِ سعيدٍ. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 437. (¬2) أثبت الهمزة ناشر (م)، ولم يفقه قول الشارح. (¬3) في (ص): ((ومن)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 438، وانظر: محاسن الاصطلاح: 396. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 438. (¬6) ((فقط)) لم ترد في (م). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 438. والحديث أخرجه الطيالسي (9)، والحميدي (28)، وأحمد 1/ 25 و43، والبخاري 1/ 2 (1) و21 (54) و 3/ 190 (2529) و5/ 72 (3898) و7/ 4 (5070) و8/ 175 (6689) و 9/ 29 (6953)، ومسلم 6/ 48 (1907) (155)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، والنسائي 1/ 85 و 6/ 158 و7/ 13، وفي الكبرى (78)، وابن الجارود (64)، وابن خزيمة (142) و (143) و (455)، والطحاوي في شرح المشكل (5107) و (5108) و (5109) و (5110)، وابن حبان (388) و (389)، والدارقطني 1/ 50 - 51، وأبو نعيم في الحلية 8/ 42، والبيهقي 1/ 41 و298و2/ 14و4/ 112و235و6/ 331و7/ 341، والبغوي (1) و (206).

وقدْ عُلمَ منْ كلامِ الناظمِ: أنَّ الغريبَ عِنْدَ غيرِ ابنِ مَنْدَه قسمانِ: مطلقٌ، ونسبيٌ، وَهُوَ عَلَى وزان الأفرادِ السابق بيانُهُ في بابِهِ، حَتَّى قِيْلَ: إنه لا فَرْقَ بَيْنَ البابينِ. لكنْ قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وَلَيْسَ كُلُّ مايُعَدُّ من أنواع الأفرادِ معدوداً من أنواع الغريبِ، كَمَا في الأفرادِ المضافةِ إلى البلادِ)) (¬1) أي كأهلِ البصرةِ. وما ذكرهُ (¬2) منْ أنَّ غريبَ الإسنادِ، لا (¬3) ينعكسُ، هُوَ بالنظرِ إلى الوجودِ، وإلا فالقسمةُ العقليَّةُ تقتضي العكسَ. ومِنْ ثَمَّ قَالَ أبو الفَتْحِ اليَعْمريُّ فِيْمَا شَرحَهُ من الترمذيِّ: ((الغريبُ أقسامٌ: (¬4) 1 - غَريبٌ سنداً ومتناً. 2 - ومتناً لا سنداً. 3 - وسنداً لا متناً. 4 - وغريبٌ بَعْضُ السندِ. 5 - وغريبٌ بعضُ المتنِ. وَلَمْ يمثل للثاني لعدم وجودِهِ. 752 - كَذَلِكَ الْمَشْهُوْرُ أَيْضاً قَسَّمُوْا ... لِشُهْرِةٍ مُطْلَقَةٍ كَـ ((الْمُسْلِمُ 753 - مَنْ سَلِمَ الْحَدِيْثَ)) وَالْمَقْصُوْرِ ... عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْ مَشْهُوْرِ 754 - ((قُنُوتُهُ بَعْدَ الرُّكُوْعِ شَهْرَا)) ... وَمِنْهُ ذُوْ تَوَاتُرٍ مُسْتَقْرَا 755 - فِي طَبَقَاتِهِ كَمَتْنِ ((مَنْ كَذَبْ)) ... فَفَوْقَ سِتِّيْنَ رَوَوْهُ وَالْعَجَبْ 756 - بِأَنَّ مِنْ رُوَاتِهِ لَلْعَشَرَهْ ... وَخُصَّ بِالأَمْرَيْنِ فِيْمَا ذَكَرَهْ 757 - الشَّيْخُ عَنْ بَعْضِهِمِ، قُلْتُ: بَلَى ... ((مَسْحُ الخِفَافِ)) وَابْنُ مَنْدَةٍ (¬5) إلَى 758 - عَشْرَتِهِمْ ((رَفْعَ اليَدَيْنِ)) نَسَبَا ... وَنَيَّفُوْا عَنْ مِئَةٍ ((مَنْ كَذَبَا)) ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 438. (¬2) في (ق): ((ذكر)). (¬3) في (م): ((ولا)). (¬4) النفح الشذي 1/ 304 - 405، وانظر شرح التبصرة والتذكرة 2/ 387 - 388. (¬5) بالصرف؛ لضرورة الوزن.

(كَذَلِكَ المشهورُ أيضاً قَسَّموا) أي: كَمَا قَسَّموا الغريبَ إلى مُطْلَقٍ، ونسبيٍّ، قسَّموا المشهورَ أيضاً (لِـ) ‍ذِي (شُهْرةٍ مُطْلَقَةٍ) بَيْنَ المحدثينَ، وغيرِهم (ك‍) ‍حَدِيْثِ: (((المسلمُ من سَلِمَ ... الحَدِيْث))) أي: ك‍: ((من سَلِمَ المُسْلِمونَ من لِسانهِ وَيَدِهِ)) (¬1). (وَ) لِلْمَشْهُورِ (الْمَقْصُورِ) شهرتُهُ (عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْ مَشْهورِ: قُنُوْتُهُ) أي: من نَحْوِ حَدِيْثِ أنس: ((أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ (بَعْدَ الرُّكوعِ شَهْرا) يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذكوانَ)) (¬2). فَقَدْ رواهُ عَنْ أنسٍ جمعٌ (¬3) ثُمَّ عَنْ التابعينَ جمعٌ مِنْهُمْ: سليمانُ التيميُّ عَنْ أبِي مِجْلَزٍ، ثُمَّ عَنْ التيميِّ جمعٌ بحيثُ اشتهرَ بينَ المحدثينَ (¬4). أما غَيْرُهم فقدْ يستغربونَهُ لكونِ الغالبِ عَلَى روايةِ التيميِّ عَنْ أنسٍ: كونَها بلا واسطةٍ، وهذا الحديثُ بواسطةِ أبي مِجْلَزٍ (¬5). وينقسمُ أيضاً باعتبارٍ آخرَ إلى متواترٍ، وغيرِهِ، كَمَا أشارَ إليهِ بقوله: ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 2/ 379، والترمذي (2627)، والنسائي 8/ 104 - 105، وابن حبان (180)، والحاكم 1/ 10، من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: ((حسن صحيح)). وأخرجه البخاري 1/ 10 (11)، ومسلم 1/ 48 (42)، والترمذي (2504) و (2628) والنسائي 8/ 106 - 107 من حديث أبي موسى بنحوه. (¬2) أخرجه أحمد 3/ 116 و 204، والبخاري 2/ 32 (1003) و 5/ 136 (4094)، ومسلم 2/ 136 (677) (299)، والنسائي 2/ 200 جميعهم من حديث سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس، فذكره. (¬3) منهم: عاصم الأحول عند أحمد 3/ 167، والدارمي (1604)؛ والبخاري 2/ 32 (1002) و 4/ 121 (3170) و 5/ 137 (4096)، ومسلم 2/ 136 (677) (301) (302)، وقتادة بن دعامة عِنْدَ أحمد 3/ 115 و 180 و 191 و 217 و 249 و 252 و 261، والبخاري 5/ 134 (4089)، ومسلم 2/ 137، وابن ماجه (1243)، والنسائي 2/ 203، وعبد العزيز بن صهيب عند البخاري 5/ 134 (4088). (¬4) منهم: ((يحيى بن سعيد، ومعاذ بن معاذ، وزائدة بن قدامة، والمعتمر بن سليمان، وجرير بن عبد الحميد)). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 390.

(وَمِنْهُ) أي من المَشْهُوْرِ (ذُوْ تَواتُرٍ)، فكلُّ متواترٍ مشهورٌ، ولاينعكسُ، وإن غلبَ المشهورُ في غيرِ الْمُتَوَاتِرِ (¬1). والمتواترُ ما يَكونُ (مُسْتَقْرا) أي: مُتتبَّعاً (¬2) (في) جميعِ (طبقاتِهِ)، بأنْ يرويهِ جَمْعٌ عَنْ جَمْعٍ غَيْرِ مَحْصُورينَ في عددٍ معيَّنٍ، ولا صِفةٍ مَخْصُوصَةٍ، بَلْ بحيث يَبلغونَ حداً تُحيل العادةُ معهُ تواطؤهم عَلَى الكذبِ (¬3). (كَمَتْنِ) أي: كحديثِ: (((مَنْ كَذَبْ) عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ من النَّارِ)). فَقَدْ اعتنى بجمعِ طرقهِ جَمْعٌ من الحفَّاظِ (ففوقَ سِتِّينَ) صَحَابِيّاً باثنين (روَوهُ)، بَل وفوقَ تِسْعين، (والعَجَبْ بأنَّ) أي: من أنَّ (مِنْ رُواتِهِ لَلْعَشَرهْ) - بفتح اللام - المشهودِ لهم بالجنَّةِ. (وَ) إنه (خُصَّ بالأمْرَينِ): اجتماعُ أزْيدَ من ستِّين صحابيَّاً عَلَى روايتِهِ، وَكَونُ العَشَرةِ مِنْهُمْ (فِيْمَا ذَكَرَهْ الشَّيخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬4) (عَنْ بَعْضِهِمِ)، فَلَمْ يُخَصَّ بالأمرينِ مَعَهُ (¬5) غيرُهُ. (قُلْتُ: بلى) قَدْ خصَّ بهما مَعَهُ (¬6) (مَسْحُ الْخِفَافِ) أي حديثُهُ، فَقَدْ رَوَاهُ جمعٌ فوقَ ستِّين صحابياً، مِنْهُمْ: العشرةُ. بَلْ رُوِي من طريقِ الْحَسَنِ البصريِّ أنَّه قَالَ: ((حَدَّثَنِي سبعونَ من الصحابةِ بالمسحِ عَلَى الخفَّيْنِ)) (¬7). وجعلَه ابنُ عَبْدِ البرِّ متواتراً (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 390. (¬2) في (ق): ((متبعاً)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 391، وفتح المغيث 3/ 37. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 436. (¬5) في (ق): ((مع)). (¬6) في (ع): ((معه بهما)). (¬7) التمهيد 11/ 137، والمجموع 1/ 477، وفتح الباري 1/ 305. (¬8) التمهيد 11/ 137، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 393.

غريب ألفاظ الأحاديث

(و) أيضاً فأبو القاسمِ (ابنُ مَنْدَةٍ)، والحاكمُ (¬1) وغيرُهما (إلى عَشْرَتِهِمْ) - بإسكان الشين - أي الصحابةِ (رَفْعَ اليَدَينِ) أي: حديثَهُ (نَسَبا) بَلْ خَصَّهُ الحاكمُ بذلكَ أيضاً، وجعلَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ متواتراً (¬2). وبالجملةِ، فحديثُ: ((منْ كذبَ)) أكثرُ وروداً عَنِ الصَّحَابَة، كَمَا نبَّه عَلَيْهِ ابنُ الصَّلاحِ، حَتَّى قالَ أبو موسى الْمَدِينِيُّ: إنهم نحوُ الْمِئَةِ (¬3). بَلْ (وَنيَّفُوا) أي: زادوا (عَنْ مِئَةٍ) مِنْهُمْ باثنين في حَدِيْث (مَنْ كَذَبَا) بألفِ الإطلاقِ. غَرْيِبُ أَلْفَاْظِ الأَحَاْدِيْثِ (غَريبُ أَلْفاظِ الحَديثِ) هُوَ ما يقعُ فيهِ مِنَ الألفاظِ الغامِضةِ، والمشتَبهةِ، وَتَتأكدُ (¬4) العِنايةُ بِهِ لمَنْ يروي بالمعْنى. 759 - وَالنَّضْرُ أَوْ مَعْمَرُ (¬5) خُلْفٌ أَوَّلُ ... مَنْ صنَّفَ الْغَرِيْبَ فِيْمَا نَقَلُوْا 760 - ثُمَّ تَلَى أبو عُبَيْدٍ وَاقْتَفَى ... القُتَبِيُّ ثُمَّ حَمْدٌ صنَّفَا 761 - فَاعْنِ بِهِ وَلاَ تَخُضْ (¬6) بالظَّنِّ ... وَلاَ تُقَلِّدْ غَيْرَ أَهْلِ الْفَنِّ 762 - وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ بِالْوَارِدِ ... كَالدُّخِّ بِالدُّخَانِ لاِبْنِ صَائِدِ (¬7) 763 - كَذَاكَ عِنْدَ التِّرْمِذِيْ، وَالْحَاكِمُ ... فَسَّرَهُ الْجِمَاعَ وَهْوَ وَاهِمُ (والنَّضْرُ) بنُ شُمَيلٍ المازنيُّ (¬8) (أو) أبو عُبَيْدةَ (¬9) (مَعْمَرُ) - بمنع ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 92. (¬2) الموضوعات2/ 98. (¬3) تدريب الرّاوي 2/ 177. (¬4) في (ص): ((تأكد)). (¬5) بمنعه من الصرف؛ لضرورة الوزن. (¬6) في (أ): ((ولا تخص)). (¬7) في (ب): ((لابن مالك))، وهو خطأ. (¬8) معرفة علوم الحديث: 88، ومعرفة أنواع علم الحديث: 439، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 396 - 397. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 439، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 397.

صَرْفِهِ - للوزن - ابنُ المُثَنَّى وقع (خُلْفٌ) أيُّهما (أوَّلُ مَنْ صَنَّفَ) في الإسْلامِ (الغريبَ فِيْمَا نَقَلوا) أي: رواةُ الأخبارِ. فجزمَ الحاكمُ بأولِهما (¬1)، وغيرُهُ بثانيهِمَا (¬2). ثُمَّ صَنَّفَ فيهِ عَبدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبٍ الأصمَعِيُّ عصريّ مَعْمَر (¬3). (ثُمَّ تَلا) الْجَمِيعَ (أبو عُبَيْدٍ) القاسمُ ابنُ سَلاَّمٍ بعدَ المئتين (¬4). (وَاقْتَفَى) أَثَرَهُ، وَحَذا حذوَهُ أبو مُحَمَّدٍ عَبد الله بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ الدَّينَورِيُّ - بفتح الدالِ - (القُتَبِيُّ) نِسْبَةً لجَدِّهِ (¬5) فزادَ عَليهِ مَواضِعَ وتتبَّعهُ في مواضع (¬6). وصَنَّفَ فيهِ أيْضاً جَماعةٌ كَأَبي إسْحَاقَ الحرْبِيِّ (¬7). (ثُمَّ) بَعْدَهُمْ أبو سُلَيْمَانَ (حَمْدٌ) بنُ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ الخَطَّابِيُّ (صَنَّفَا) كِتَابَهُ فَزَادَ عَلَى القتبيِّ، ونَبَّهَ عَلَى أغَالِيْطَ لهُ (¬8). وصَنَّفَ فيهِ أيضاً جماعَةٌ، مِنْهُمْ: قاسمُ بنُ ثابِتِ بنِ حَزْمٍ السَّرَقُسْطِيُّ، وعبدُ الغافِرِ الفَارسِيُّ، وأبو الفَرَجِ بنُ الجوْزِيِّ، وأبو عُبَيْدٍ أحمدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 88. (¬2) انظر مقدمة النهاية 1/ 5، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 397. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة: 2/ 397. (¬4) انظر: النهاية 1/ 6، وشرح التبصرة والتذكرة: 2/ 397، وفتح المغيث 3/ 45. (¬5) قُتَيْبة: هي تصغير قِتبة - بكسر القاف - وهي واحدة الأقتاب، والأقتاب: الأمعاء، وبها سميّ الرجل، والنسبة إليه قتبيّ - بضم القاف وفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وكسر الباء المنقوطة بواحدة - والمراد به أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. انظر الأنساب 4/ 431، ووفيات الأعيان 3/ 44، وسير لأعلام النبلاء 13/ 296. (¬6) النهاية في غريب الحديث 1/ 6، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 397، وفتح المغيث 3/ 45. (¬7) انظر: فتح المغيث 3/ 45. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 397 - 398، وفتح المغيث 3/ 45 - 46.

(فاعْنِ بِهِ) أي: بعلمِ الغريبِ، أي: اجْعلْهُ في (¬1) عِنَايَتِكَ حِفْظاً وتَدَبُّراً (¬2)، (ولا تَخُضْ) فيهِ رَجْماً (¬3) (بالظَّنِّ). فَقَدْ قالَ الإمامُ أحمدُ حِيْنَ سُئِلَ عَنْ حَرْفٍ مِنْ غريبِ الحَدِيْثِ: ((سَلُوا أصْحابَ الغَريبِ، فإنِّي أكْرَهُ أنْ أتَكَلَّمَ في قولِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالظَّنِّ)) (¬4). وسُئِلَ الأصْمَعِيُّ عَنْ حدِيثِ: ((الجَارُ أحَقُّ بِسَقَبِهِ)) (¬5)، فقالَ: ((أنا لاَ أُفَسِّرُ حديثَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولكِنَّ العَرَبَ تَزْعُمُ أنَّ السَّقَبَ: اللُّزَيْقُ)) (¬6). (ولاَ تُقَلِّدْ غَيْرَ أهْلِ الفَنِّ) أي: الغَرِيْبَ في النَّقْلِ عَنْهُ. (وخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ) أي: الغريبَ بهِ مَا كانَ (ب‍) ‍الْمَعْنَى (الوَارِدِ) في بَعْضِ الرِّواياتِ مُفَسِّراً لِذلِكَ الغريبِ. (كالدُّخِّ) - بضمِّ الدَّالِ أشْهَرُ مِنْ فَتْحِها، وبالمعْجَمةِ - فإنَّهُ جاءَ في رِوَايةٍ أُخْرَى مَا يَقْتَضِي تفْسِيرَهُ (بالدُّخَانِ)، مَعَ أنَّهُ لغةٌ فِيهِ، حَكَاها الجَوْهَرِيُّ، وغيرُهُ في ¬

_ (¬1) في (ق): ((من)). (¬2) فتح المغيث 3/ 47. (¬3) المصدر السابق. (¬4) العلل ومعرفة الرجال (رواية المروذي): 217 رقم (413). (¬5) أخرجه الحميدي (552)، وأحمد 6/ 10 و 390، والبخاري 3/ 114 (2258) و 9/ 35 (6978) و 36 (6980) و 37 (6981)، وأبو داود (3516)، وابن ماجه (2495)، والنسائي 7/ 320 والبغوي 8/ 242 من حديث أبي رافع. وأخرجه ابن أبي شيبة (22721)، وأحمد 4/ 389 و 390، وابن ماجه (2496)، والنسائي 7/ 320، وابن الجارود (645)، والطحاوي 4/ 324، والدارقطني 4/ 224، والبيهقي 6/ 105 من حديث الشريد بن سويد. وجاء في بعض ألفاظ الحديث: ((بصقبه)) بالصاد وهما بمعنى؛ قال ابن الأثير في النهاية 2/ 377: ((السقب بالسين والصاد في الاصل: القرب، يقال: سقبت الدار وأسقبت، أي: قربت)). (¬6) شرح السّنّة 8/ 242، ومعرفة أنواع علم الحديث: 439، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 400، وفتح المغيث 3/ 47.

القِصَّةِ المشْهُورةِ (لابنِ صَائِدِ) أبي عمارةَ عبدِ اللهِ - ويُقالُ لهُ: ابنُ صَيَّادٍ (¬1) أيضاً - أخرجَهَا الشَّيْخَانِ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قالَ لهُ (¬2): ((خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيْئاً، فَمَا هوَ؟ قَالَ: هُوَ الدُّخُّ)) (¬3). (كَذاكَ) (¬4) أي: كَوْنُ مَعْناهُ الدُّخانُ ثَبَتَ (عِنْدَ التِّرْمِذِيْ) (¬5) - بالإسْكانِ لما مَرَّ - وصَحَّحَهُ، وكذا عِنْدَ أبي دَاوُدَ (¬6)، قَالا: وخَبأ - يَعْنِي النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِيْنٍ} (¬7). وحَكَى أبو مُوسَى الْمَدِيْنِيُّ: أنَّ السِّرَّ في امْتِحَانِهِ لَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ الإشَارَةُ إلى أنَّ عِيْسَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (¬8) يَقْتُلُ الدَّجَّالَ بِجَبَلِ الدُّخَانِ (¬9)، كَمَا جَاءَ في رِوَايةِ الإمامِ أحمدَ (¬10)، فأرادَ التعريضَ لَهُ بِذَلِكَ؛ لأنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أنَّهُ الدَّجَّالُ. (والحَاكِمُ فَسَّرَهُ الْجِمَاعَ)، أي (¬11): بِهِ (وَهْوَ) - كَمَا قَالَ الأئِمَّةُ: - (وَاهمُ) في ذَلِكَ (¬12). ¬

_ (¬1) في (ص): ((صايد)) (¬2) ((له)): سقطت من (ق). (¬3) صحيح البخاريّ 8/ 49 (1354) و (1355)، وصحيح مسلم 8/ 189 (2930) من حديث عبد الله بن عمر. (¬4) في (ع) و (م): ((كذلك)). وما أثبتناه من (ص) و (ق). وهو الموافق لما جاء في نسخ مَتْن الألفية. (¬5) التّرمذي (2249) وفي (2235) مختصراً. (¬6) سنن أبي داود (4329) و (4757). (¬7) الدخان: 10. (¬8) في (م): ((عليه السلام)). (¬9) قال ابن الاثير في النهاية 2/ 107: ((الدخّ - بضم الدال وفتحها -: الدّخان. وفسّر في الحديث أنه أراد بِذَلِكَ: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}، وَقِيْلَ: إن الدجال يقتله عيسى عليه السلام بجبل الدّخان. فيحتمل أن يكون أراده تعريضاً بقتله؛ لأن ابن صيّاد كان يُظَن أنه الدجال)). (¬10) مسند الإمام أحمد 3/ 367 - 368. (¬11) ((أي)) سقطت من (ق). (¬12) قال ابن الصّلاح: ((وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن)). معرفة أنواع علم الحديث: 440. وتعقب الحافظ العراقي الحاكم في شرح التبصرة والتذكرة2/ 404، وانظر: تاج العروس 7/ 249.

المسلسل

ولَفْظُهُ: ((سَأَلْتُ الأُدَباءَ عَنْ تَفْسِيْرِ ((الدُّخِّ))، فَقَالَ: يَدُخُّهَا ويَزُخُّهَا، أي: يُجَامِعُهَا)) (¬1). وَوَهِمَ فِيهِ أيضاً الخَطَّابِيُّ فَفَسَّرَهُ: ((بأنَّهُ نَبْتٌ يَكُونُ بَيْنَ النَّخِيْلِ)). وَقَالَ: ((لا مَعْنَى للدُّخَانِ هُنَا؛ لأنَّهُ لاَ يُخَبَّأُ إلاَّ أنْ يُرِيْدَ بـ: ((خَبَّأْتُ)): أضْمَرْتُ)) (¬2). الْمُسَلْسَلُ (¬3) (الْمُسَلْسَلُ) من الأحاديث باعتبار الرُّواةِ، أو الأسانيدِ. 764 - مُسَلْسَلُ الْحَدِيْثِ مَا تَوَارَدَا ... فِيْهِ الرُّوَاةُ وَاحِداً فَوَاحِدَا 765 - حَالاً لَهُمْ أوْ وَصْفاً اوْ (¬4) وَصْفَ سَنَدْ ... كَقَوْلِ كُلِّهِمْ: سَمِعْتُ فَاتَّحَدْ 766 - وَقَسْمُهُ إلى ثَمَانٍ مُثُلُ ... وَقَلَّمَا يَسْلَمُ ضَعْفاً يَحْصُلُ 767 - وَمِنْهُ ذُوْ نَقْصٍ بِقَطْعِ السِّلْسِلَهْ ... كَأوَّلِيَّةٍ وَبَعْضٌ وَصَلَهْ ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 91. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 404، وتاج العروس 7/ 262 (دخن). (¬3) انظر في المسلسل: معرفة علوم الحديث: 29 - 34، ومعرفة أنواع علم الحديث: 442، والإرشاد 2/ 554 - 558، والتقريب: 155 - 156 والاقتراح: 201 - 205، والموقظة: 43 - 44، واختصار علوم الحديث: 168 - 169 والشذا الفياح 2/ 456 - 459، والمقنع 2/ 447 - 449، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 405، ونزهة النظر (167) وطبعة عتر: 64 - 65، وفتح المغيث 3/ 53 - 58، وتدريب الراوي 2/ 187 - 189، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 158، وتوضيح الأفكار 2/ 414 - 416، وظفر الأماني: 287 - 323، وتوجيه النظر 1/ 403 - 404. والمسلسل: اسم مفعول، يقال: سلسل الأشياء، وصل بعضها ببعض، كأنها سلسلة، والماء ونحوه: صَبَّهُ شيئاً فَشيئاً في حدور واتصال، وتسلسل: تتابع، يقال: تسلسل الماءُ: جرى في حدور واتصال، وشيء مسلسل متصل بعضه ببعض. انظر: المقاييس 3/ 60، واللسان 11/ 345، والمعجم الوسيط1/ 442. (¬4) بدرج همزة (أو)؛ لضرورة الوزن.

(مُسَلْسَلُ الْحَدِيثِ ما تَواردَا) أي: تَشَارَكَ (فِيهِ الرُّواةُ) لَهُ (واحداً فَواحدا حَالاً) أي: عَلى حَالٍ (لَهُمْ) قولياً كَانَ الْحَالُ، كقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ: ((إنِّي أحِبُّكَ، فَقُلْ فِيْ دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ: اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (¬1). فإنَّهُ (¬2) مُسَلْسَل بقولِ كُلٍّ من رواتِهِ: إني أحبُّكَ، فَقُل. أَوْ فعلياً، كقولِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((شَبّكَ بِيَدِي أَبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: خَلَقَ اللهُ الأرْضَ يَوْمَ السَّبْتِ)) (¬3) الْحَدِيْثُ. فإنَّهُ مسلسلٌ بتشبيكِ كُلِّ مِنْهُمْ بيد مَنْ رواهُ عَنْهُ. وقد يجتمعانِ، كَمَا في حَدِيْثِ أنسِ: ((لاَ يَجِدُ الْعَبْدُ حَلاَوَةَ الإِيْمَانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ. وَقَالَ: وَقَبَضَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى لِحْيَتِهِ، وَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدْرِ ... إلى آخِرِهِ)) (¬4)، فإنَّهُ مسلسلٌ بقبضِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى لحيتِهِ مع قولِهِ: ((آمنتُ بالقدر (¬5))) إلى آخرِهِ. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 5/ 244 و 247، وأبو داود (1522)، والنسائي 3/ 53، وفي الكبرى (1226) و (9937)، وفي عمل اليوم والليلة (109)، وابن خزيمة (751) جميعهم من طريق حيوة بن شريح، قَالَ: سَمِعْتُ عقبة بن مُسْلِم، قَالَ: حَدَّثني أبو عَبْد الرَّحْمَان الحبلي، عَنْ الصنابحي، عَنْ معاذ بن جبل. وفي آخره: ((وأوصى بِذَلِكَ معاذ الصنابحي، وأوصى الصنابحي أبا عَبْد الرَّحْمَان، وأوصى أبو عَبْد الرَّحْمَان عقبة بن مُسْلِم)) وانظر: المناهل السلسلة: 24 - 27. (¬2) في (م): ((فإن)). (¬3) السند المسلسل أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 33، واللكنوي في ظفر الأماني: 290، وبدون التسلسل أخرجه أحمد 2/ 327، ومسلم 8/ 127 (2789)، وأبو يعلى (6132)، وأبو الشيخ في العظمة (878) و (879)، والبيهقي في الأسماء والصفات: 383 - 384، وأشار إلى ضعف تسلسله. وكذا قال السخاوي. وانظر: العجالة: 13 و 14، وظفر الأماني: 290. (¬4) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 31 - 32 - كما سبق -، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 5/ 251 و 23/ 208 (5042)، والذهبي في السِّيَر 8/ 287 من طريق أبي بكر محمد بن أحمد العامري عن سليمان بن شعيب، به. وقد عزاه اللكنوي في ظفر الأماني: 298 بالسند إلى السيوطي من طريق الحاكم النيسابوري. وقد عزاه صاحب الكنْز 1/ 351 (1571) إلى ابن عساكر من طريق سليمان بن شعيب بسند آخر يخالف الذي في تاريخ دمشق. (¬5) من (ص) و (ق) فقط.

(أَوْ وَصْفَاً) أي: أَوْ ما تواردَ فِيْهِ رواتُهُ عَلَى وصفٍ لَهُمْ قولياً كَانَ الوَصْفُ، وَهُوَ مقاربٌ لحالِهِم القولي، بَلْ مماثلٌ لَهُ، كالمسلسلِ بقراءةِ سورةِ الصفِ، أَوْ فعلياً كالمسلسلِ بالقُرَّاءِ وبالْحُفَّاظِ، وبالفُقُهَاءِ، وبالمحمدين (¬1)، وبروايةِ الأبناءِ عَنْ الآباءِ. (اوْ (¬2) وَصْفَ سَندْ) -بالدرجِ- أي: أَوْ ما تواردَ فِيْهِ رواتُهُ عَلَى وَصْفِ سندٍ بِمَا يرجعُ إلى التَّحمُّلِ إما في صيغِ الأداءِ، (كَقَوْلِ كُلِّهِمْ) أي: الرُّوَاةِ (سَمِعْتُ) فلاناً، أَوْ نحوَهُ كَ‍: حَدَّثَنَا وأَخْبَرَنَا فلانٌ (فَاتَّحَدْ) ما وقعَ مِنْهَا لَهُمْ، فصارَ الحديثُ بِذَلِكَ مُسَلْسَلاً. بَلْ جعلَ الحاكِمُ (¬3) مِنْهُ أَنْ تكونَ ألفاظُ الأداءِ مِنْ جَمِيْعِ الرُّوَاةِ دالةً عَلَى الاتصالِ، وإن اختلَفَتْ، فَقَالَ بعضُهم: سَمِعْتُ، وَقَالَ بَعضُهم: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ بعضُهم: حَدَّثَنَا. لَكِنَّ الأكثرَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بالتوارُدِ في صِيغةٍ واحدةٍ (¬4). وإما فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَنِ الرِّوَايَةِ، كَالْمُسَلْسَلِ بقصِّ الأظفارِ يومَ الْخَميسِ، أَوْ بمكانِهَا، كَالْمُسَلْسَلِ بإجابةِ الدُّعاءِ في الْمُلْتَزمِ (¬5)، أَوْ بِتَارِيْخِها، كَكَون الرَّاوِي آخرَ مَنْ يَروي عَنْ شَيْخِهِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أنواعِ الْمُسَلْسَلِ التي لا تَنْحَصِرُ، كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): ((بالمجتهدين))، وفي (ق) و (ع): ((بالمحدثين))، وما أثبتناه من (ص)، وهو الموافق لما في فتح المغيث وشرح السيوطي على ألفية العراقي وتدريب الرّاوي وظفر الأماني. (¬2) في (م): ((أَو)) بإثبات الهمزة. (¬3) معرفة علوم الحديث: 31. (¬4) انظر فتح المغيث 3/ 53. (¬5) إشارة إلى حديث ابن عباس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء وما دعا الله فيه عبد دعوة إلا استجاب له)). قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالله ما دعوت الله عز وجل فيه قط منذ سمعت هذا الحديث إلا استجيب لي. وهكذا تسلسل بقول كلّ راوٍ من رواته ((وأنا ما دعوت الله بشيء منذ سمعته إلا استجيب لي)). رواه مسلسلاً الأيوبي في المناهل السلسلة: 19 - 21. ولكنه مقدوح في صحته فانظر: المصدر نفسه. الْمُلْتَزم: بالضم ثم السكون وتاء مفتوحة، ويقال له: الْمَدْعَى والمتَعوّذ، وهو ما بين الحجر الأسود والباب، من الكعبة المعظَّمة بمكة. مراصد الاطلاع 3/ 1305. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 442.

(وَقَسْمُهُ) أي: وَتَقْسِيمُ الْمُسَلْسَلِ (إلى) أنواعٍ (ثمانٍ)، كَمَا فعلَهُ الحاكِمُ (¬1) إنَّما هِيَ (مُثُلُ) لَهُ، وَلَمْ يُرد الحصرَ فِيْهَا كَمَا فهمَهُ ابنُ الصَّلاَحِ عَنْهُ، وكلامُهُ مؤذنٌ بأنهُ إنما ذكر مِن أنواعِهِ مَا يدلُّ عَلَى الاتّصالِ (¬2). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ومن فضيلتِهِ اشتمالُهُ عَلَى مزيدِ الضبْطِ من الرُّوَاةِ)). قَالَ: ((وخيرُ الْمُسَلْسَلاتِ مَا كَانَ فِيْهِ دَلاَلَةٌ عَلَى اتصالِ السَّمَاعِ، وعدمِ التدليسِ)) (¬3). (و) لَكِنْ (قَلَّما (¬4) يَسلَمُ) الْمُسَلْسَلُ (ضَعْفاً) أي: من ضَعْفٍ (يَحصُلُ) في وصفِهِ لا في أصْلِ الْمَتْنِ. (وَمِنْهُ ذُو نَقْصٍ) لِلتَّسَلْسلِ (بقَطْعِ السِّلْسِلَهْ) في أوَّله، أَوْ وسطه، أَوْ آخره (كأوّليّةٍ) (¬5) أي: كَحَدِيْثِ عبدِ اللهِ بن عمرو بنِ العاص: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَانُ)) المسلسلِ بالأوليةِ، فإنه إنَّما صَحَّ تسلسُلُهُ إلى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وانقطعَ فِيْمَنْ (¬6) فوقَهُ (¬7) ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 31 - 34. (¬2) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 411: ((لم يقل الحاكم إنه ينحصر في ثمانية أنواع، كما فهمه ابن الصّلاح، وإنما قال بعد ذكره الثمانية: ((فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس وآثار السّماع بين الراويين ظاهرة))، فالحاكم إنما ذكر من أنواع المسلسل ما يدل على الاتصال)). وانظر فتح المغيث 3/ 54، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 160. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 443. (¬4) في (م): ((قلّ ما)). (¬5) في (م): ((كالأولية)). (¬6) في (م): ((ممن)). (¬7) وقد رواه مسلسلاً اللكنوي في ظفر الأماني: 287 - 288. وقد أخرجه بدون التسلسل الحميدي (591) و (592)، وابن أبي شيبة (25346)، وأحمد 2/ 160، والبخاري في تاريخه الكبير9/ 64 (574)، وأبو داود (4941)، والترمذي (1924)، والحاكم 4/ 159، والبيهقي 9/ 41، والخطيب في تاريخه 3/ 260 و 438 جميعهم من طريق سفيان، عن عمرو ابن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الراحمونَ يرحمهمُ الرحمانُ، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شُجْنَةٌ من الرحمن، فمَنْ وصَلَها وصَلَه اللهُ ومن قطعها قطعه اللهُ))، واللفظ للترمذي.

الناسخ، والمنسوخ

(وبعضٌ) من الرُّوَاةِ (وَصَلَهْ) (¬1) أي: تسلسلَهُ، وَلَمْ يَصِحَّ (¬2). قَالَ شَيْخُنا: ((مِنْ أصحِّ مُسلسلٍ يُرْوى في الدنيا، الْمُسَلسلُ بقراءةِ سورةِ الصَّفِّ)). النَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوْخُ (¬3) (النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوْخُ) من الْحَدِيْثِ: 768 - وَاَلنَّسْخُ رَفْعُ الشَّارِعِ السَّابقَ مِنْ ... أَحْكَامِهِ بِلاَحِقٍ وَهْوَ قَمِنْ (¬4) 769 - أَنْ يُعْتَنَى بِهِ وَكَانَ الشَّافِعِي ... ذَا عِلْمِهِ ثُمَّ بِنَصِّ الشَّارِعِ 770 - أَوْ صَاحِبٍ أَوْ عُرِفَ التَّارِيْخُ أَوْ ... أُجْمِعَ تَرْكاً بَانَ نَسْخٌ وَرَأَوْا (¬5) 771 - دَلاَلَةَ الإِجْمَاعِ لاَ النَّسْخَ بِهِ ... كَالْقَتْلِ فِي رَابِعَةٍ بِشُرْبِهِ ¬

_ (¬1) في (ص): ((وصل)). (¬2) انظر: المجلس الأول من أمالي ابن ناصر الدين: 19 - 28، والإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع: 61 - 66. (¬3) انظر فيه: معرفة علوم الحديث: 85 - 88، وجامع الأصول 1/ 145 - 152، ومعرفة أنواع علم الحديث: 444، والإرشاد 2/ 559 - 565، والتقريب: 157 - 158، واختصار علوم الحديث: 169 - 170، والشذا الفياح 2/ 460 - 466، والمقنع 2/ 450 - 468، شرح التبصرة والتذكرة 2/ 414، نزهة النظر: 105 - 106، وطبعة عتر: 39، وفتح المغيث 3/ 59 - 66، وتدريب الراوي ... 2/ 189 - 192، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 161، وتوضيح الأفكار 2/ 416 - 419، وتوجيه النظر 1/ 424 - 425. قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 414: ((النسخ يطلق لغة عَلَى الإزالة، وعلى التحويل. وأما نسخ الأحكام الشرعية، وهو المحدود هنا فهو عبارة عن رفع الشارع حكماً من أحكامه سابقاً، بحكم من أحكامه لاحق)). ثُمَّ شرع في شرح هذا التعريف، فراجعه. وانظر عن معاني النسخ اللغوية: الصحاح 1/ 433، وتاج العروس 7/ 355. (¬4) قمن: أي جدير. انظر: الصحاح 6/ 2184. (¬5) في (أ): ((ورووا)).

(والنَّسْخُ) لُغَةً: الإزالةُ والتَّحْويلُ (¬1). واصْطِلاحاً (¬2): (رَفْعُ الشَّارِعِ) الحكمَ (السابقَ مِنْ أحكامِهِ ب‍) ‍حكمٍ مِنْهَا (لاحقٍ). والمرادُ برفْعِهِ: قطعُ تعلُّقِهِ بالْمكلَّفينَ لأنَّه قديمٌ لا يرفعُ، وخرجَ بِهِ بيانُ المجملِ (¬3) والشرطِ، ونحوِهما. وبالشارعِ: قولُ الصَّحَابِيِّ مَثلاً: ((خبرُ كذا ناسخٌ لكذا)) فليس بنسخٍ، وإن لم يحصلِ التكليفُ بالخبرِ المشارِ إِلَيْهِ إلاّ بإخبارِهِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بلغَهُ قَبْل. وبالسابقِ مِن أحكامِهِ رفعُ الإباحةِ الأصْليّةِ. وبحكمٍ مِنْهَا: الرفعُ بالموتِ، والنومِ، والغفلةِ (¬4)، والجنونِ. وبلاَحِقٍ: انتهاءُ الحكمِ بانتهاءِ وقتِهِ، كخبرِ: ((إنَّكُمْ لاَقُوْا الْعَدُوَّ غَداً وَالْفِطْرُ أقْوَى لَكُمْ فَأفْطِرُوْا)) (¬5) فَالصَّوْمُ بَعدَ ذَلِكَ (¬6) اليومِ ليس بنسخٍ، وإنَما المأمورُ بِهِ مؤقَّتٌ (¬7) بوقتٍ، وَقَدْ انقضى وَقتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ اليومِ المأمورِ بإفطارِهِ. ¬

_ (¬1) الصحاح 1/ 433، وتاج العروس 7/ 355 (نسخ). (¬2) انظر في تعريفه: المعتمد 1/ 394، والإحكام 3/ 155، وأصول السرخسي 2/ 54، والاعتبار: 5، والمحصول 1 / ق3/ 423 ط العلواني. وقال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 405: ((وينبغي أن يقال: رفع الشارع حكماً منه متقدماً متعلقاً بالمحكوم عليه، بحكم منه متأخر، ليخرج بذلك تخفيف الصلاة ليلة الإسراء من خمسين إلى خمسٍ، فإنه لا يسمّى نسخاً، لعدم تعلقه بالمحكوم عليه، لعدم بلاغه لهم وأما في حقه - صلى الله عليه وسلم - فمحتمل إلا إن لمح أنه إنما يتعلق بعد البيان، وهي غير مسألة النّسخ قبل وقت الفعل، لوجود التعلق، بخلاف البيان)). (¬3) عند الأصوليين: هو ما لم تتضح دلالته، ولا يفهم المعنى المراد منه إلا باستفسار من المجمل، وبيان من جهته يعرف به المراد. انظر: جمع الجوامع 2/ 58، وأصول السرخسي 1/ 168. (¬4) في (ص): ((العقل)). (¬5) جزء من حديث أخرجه أحمد في مسنده 3/ 35، ومسلم في صحيحه 3/ 144 (1120)، وأبو داود (2406)، وابن خزيمة (2023) بنحوه من حديث أبي سعيد الخدري. (¬6) في (ق): ((مضي)). (¬7) سقطت من (ع).

(وَهْوَ) أي: النَّسْخُ (قَمِنْ) - بكسر الميم، وفتحها، والكسر هُنا أنسبُ - أي: حقيقٌ (¬1) (أنْ يُعْتَنَى بِهِ) لجلالَتهِ، وغموضِهِ. (وَكَانَ) الإمامُ (الشَّافِعِي) رَحِمَهُ اللهُ تعالى (ذا) أي: صاحبَ (عِلْمِهِ) اتقاناً، واستنباطاً، وترتيباً. وَقَدْ قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ: ((مَا علمنا الْمجْمَل من المفسَّرِ، ولا ناسخَ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن منسوخِهِ حَتَّى جالسنَا الشَّافِعِيَّ)) (¬2). (ثم بِنَصِّ الشارِعِ) - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نسخِ أحدِ الخبرينِ بالآخرِ، كقولِهِ: ((هَذَا ناسخٌ لهذا))، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُوْرُوْهَا)) (¬3). (أَوْ) بنصِّ (صاحبٍ) مِن أصْحابِهِ عَلَيْهِ، كقولِ (¬4) جابرٍ: ((كَانَ آخِرَ الأمْرَيْنِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْكُ الوُضُوْءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) (¬5). (أَوْ) بأنْ (عُرِفَ التَّاريخُ) بأَنْ عُرِفَ تأخرُ تاريخِ أحدِهمَا عَنِ الآخرِ وَتعذَّرَ الْجَمْعُ بينَهُما، كَخبرِ شدَّادِ بنِ أوسٍ مَرْفُوعاً: ((أفْطَرَ الْحَاجِمُ والْمَحْجُوْمُ)) (¬6). ذكرَ الشَّافِعِيُّ (¬7) أنَّه منسوخٌ بخبرِ ابنِ عباسٍ: ((أنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ)) (¬8)، فإنَّ ابنَ عَبَّاسِ إنما صَحِبَهُ مُحرماً في حجةِ الوداعِ سنةَ عشرٍ، ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح 6/ 2184. (¬2) أسنده إليه أبو نعيم في الحلية 9/ 97، والبيهقي في مناقب الشافعي 1/ 262، والحازمي في الاعتبار: 3. (¬3) أخرجه أحمد 5/ 356و359و361، ومسلم 3/ 65 (977) و6/ 82 (1977)، أبو داود (2535)، وابن ماجه (3405)، والترمذي (1054) و (1510) و (1869)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 186 و228، وفي شرح المشكل (4745)، والبغوي (1553). (¬4) في (م): ((كقوله)). (¬5) أخرجه أبو داود (192)، والنسائي 1/ 108، وابن خزيمة (43) جميعهم من طريق علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر. (¬6) أخرجه أحمد 4/ 123 و124، والدارمي (1737)، وأبو داود (2368) و (2369)، وابن ماجه (1681)، والنسائي في الكبرى (3138) - (3155). (¬7) اختلاف الحديث: 144. أخرجه بسنده إليه الحازمي في الاعتبار: 108. (¬8) أخرجه الشافعي 1/ 255 وفي المسند بتحقيقنا (915) (916)، والطيالسي (2700) وعبد الرزاق (7541)، والحميدي (501)، وعلي بن الجعد (3104)، وابن أبي شيبة (14588)، وأحمد 1/ 215= =و222، وأبو داود (2373)، والترمذي (777)، وأبو يعلى (2471)، والطحاوي 2/ 101، والطبراني (12137)، والدارقطني 2/ 239، والبيهقي 4/ 263، وانظر التعليق على جامع الترمذي 2/ 139.

وفي بَعْضِ طُرقِ خبرِ شدادٍ أنَّ ذَلِكَ كَانَ (¬1) زمنَ الفتحِ سنةَ ثمانٍ (¬2). (أَوْ) بأَنْ (أُجْمِعَ تَرْكاً) أي: عَلَى تَرْكِ العَمَلِ بِمَضْمُونِ الخبرِ، (بَانَ) أي: ظَهَرَ بكلٍّ مِن هَذِهِ الْمَذْكوراتِ (نَسْخٌ) لِلْحُكْمِ. لَكِنْ محلُّ الثَّانِي مِنْهَا عِند الأصوليينَ: إذا أخبرَ الصحابيُّ بأَنَّ هَذَا متأخِرٌ أَوْ (¬3) ذكرَ مستندَهُ، فإنْ قَالَ: هَذَا ناسخٌ، لَمْ يثبتْ بِهِ النسخُ لجوازِ أنْ يقولَهُ عَن اجتهادٍ بناءً عَلَى أَنَّ قولَهُ لَيْسَ بحُجَّةٍ (¬4). قَالَ النّاظمُ: ((وَمَا قالَهُ المحدِّثونَ أوضحُ وأشهرُ؛ إِذْ النسخُ لا يُصارُ إِلَيْهِ بالاجتهادِ والرأي، وإنما يُصارُ إِلَيْهِ عندَ مَعرفةِ التاريخِ، والصحابةُ أورعُ من أنْ يحكمَ أحدٌ مِنْهُمْ عَلَى حُكمٍ شرعيٍّ بنسخٍ من غيرِ أَنْ يعرفَ تأخُّرَ الناسخِ عَنْهُ، وفي كلامِ الشافعيِّ ما يوافقُ (¬5) الْمُحَدِّثينَ)). انتهى (¬6). (و) الرابعُ: ليسَ عَلَى إطلاقِهِ في أنَّ الإجماعَ نَاسِخٌ، بَلْ (رَأَوا) أي: جُمْهُورُ المحدِّثينَ، والأصوليينَ (دلالةَ الإجماعِ) عَلَى وجودِ نَاسِخٍ غَيرِهِ، بمعنى أنَّه يَسْتَدِلُّ بالإجماعِ عَلَى وجودِ خبرٍ يقعُ بِهِ النسخُ (لا) أَنَّهم رأوا (النسخَ بِهِ)، لأنَّهُ لا يَنْسَخُ بمجرَّدِهِ (¬7)؛ إِذْ لاَ ينْعَقِدُ إلا بعدَ وفاةِ الرَّسُوْلِ (¬8) - صلى الله عليه وسلم -، وبعدَها ارتفعَ النسخُ (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): ((كان في)). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 419. (¬3) في (ق): ((وذكر)). (¬4) انظر: المستصفى 1/ 128، والبحر المحيط 4/ 155، الإبهاج 2/ 262. (¬5) في (ع): ((ما يوافق قول)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 418. وقال العراقي عقبه: ((فقد قال فيما رواه البَيْهَقِيّ في " المدخل ": ((ولا يستدل على النّاسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بوقت يدلّ على أن أحدهما بعد الآخر أو بقول من سمع الحديث أو العامة)). (¬7) قال النووي 2/ 565: ((والإجماع لا يَنْسَخُ ولا يُنْسَخُ، ولكن يدل على وجود ناسخ)). (¬8) في (ق): ((النبي)). (¬9) انظر: والفقيه والمتفقه 1/ 123، وفتح المغيث 3/ 62، إرشاد الفحول: 192.

ولذلكَ أمثلةٌ: (ك‍): حَديثِ معاويةَ (¬1)، وجابرٍ (¬2)، وأبي هُريرةَ (¬3)، وغيرِهم (¬4) في (القَتْلِ) لشاربِ الخمرِ (في) مرَّةٍ (رابعةٍ ب‍) ‍سَببِ (شُربهِ)، فَقَدْ حَكى الترمذيُّ في آخر "جامعِهِ" (¬5) الإجماعَ عَلَى تركِ العملِ بِهِ - وإن خالفَ فِيْهِ ابنُ حزمٍ (¬6) - بناءً عَلَى أن خلافَ الظاهريةِ لا يقدحُ في الإجماعِ (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق (17087)، وأحمد 4/ 95 و96 و100، وأبو داود (4482)، والترمذي (1444)، وأبو يعلى (7363)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 159، وابن حبان (4452)، والطبراني في الكبير 19/ (767) و (768)، والحاكم 4/ 372، والبيهقي 8/ 313. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (17084)، وأبو داود (4485)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 161، والبيهقي 8/ 314، والترمذي تعليقاً عقب (1444) وفيه زيادة ستأتي. (¬3) أخرجه الطيالسي (2337)، وعبد الرزاق (13549) و (17081)، وأحمد 2/ 280، والدارمي (2105)، وابن ماجه (2572)، والنسائي في الكبرى (5172) و (5296)، وابن الجارود (831)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 159، وابن حبان (4453)، والحاكم 4/ 371 - 372، وابن حزم 11/ 367، والبيهقي 8/ 313، والحازمي في الاعتبار: 200. (¬4) منهم: عبد الله بن عمر أخرج حديثه أحمد 2/ 136، وأبو داود (4483)، والنسائي 8/ 313، والحاكم 4/ 371، والبيهقي 8/ 313، والحازمي في الاعتبار: 158. وعبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه أخرجه أحمد 2/ 166 و191 و211، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 159، والحاكم 4/ 372، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 125، والحازمي في الاعتبار: 158. وأبو سعيد الخدري عند ابن حبان (4451). وجرير عند الحاكم 4/ 371. وغضيف بن الحارث عند البزار (1563)، والطبراني في الكبير 18/ 662. وقبيصة بن ذؤيب عند الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 125. (¬5) جامع الترمذي 6/ 227. (¬6) المحلى 11/ 365 (2288). (¬7) ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وإمام الحرمين، والغزالي، كما قال الزركشي في البحر المحيط 4/ 471.

التصحيف

ومِمَّنْ حكى الإجماعَ أيضاً النوويُّ، وَقَالَ: ((القولُ بالقتلِ قولٌ (¬1) باطلٌ مُخالفٌ لإجماعِ الصَّحابةِ فمَنْ بعدَهُم، والحديثُ الواردُ فِيْهِ منسوخٌ إما بحديثِ: ((لا يحلُّ دَمُ امْرِءٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بإحْدَى ثَلاَثٍ)) (¬2)، وإما بأَنَّ الإجماعَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ)) (¬3). انتهى. وَمَعَ ذَلِكَ وردَ ناسخٌ، كَمَا قالَهُ الترمذيُّ مِن حَديثي (¬4) جابرٍ وقَبِيْصةَ بنِ ذؤَيْبٍ، أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أمرهِ بقتلِ مَنْ شرِبَ في الرابعةِ أتي برجلٍ قَدْ شرب فِيْهَا، فضربَهُ الحدَّ، وَلَمْ يَقْتلْهُ (¬5). التَّصْحِيْفُ (¬6) (التصحيفُ) الواقعُ في المشتَبِهِ، وما يقاربُهُ (¬7)، وَهُوَ فنٌّ مهمٌّ. ¬

_ (¬1) سقطت من (ق) و (ع). (¬2) أخرجه أحمد 6/ 58 و181 و205 و214، وأبو داود (4353)، والنسائي 7/ 91 و 101 و8/ 23. (¬3) شرح صحيح مسلم 3/ 291 وفي النقل تصرف وتقديم وتأخير. (¬4) في (ص): ((حديث)). (¬5) انظر: جامع الترمذي عقب (1444). (¬6) انظر في هذا: معرفة علوم الحديث: 146 - 152، ومعرفة أنواع علم الحديث: 447، والإرشاد 2/ 566 - 570، والتقريب: 158 - 159، واختصار علوم الحديث: 170 - 174، والشذا الفياح2/ 467 - 470، والمقنع2/ 469 - 479، وشرح التبصرة والتذكرة 422 - 431، ونزهة النظر: 127 - 128، وطبعة عتر: 49، وفتح المغيث 3/ 67 - 74، وتدريب الراوي 2/ 193 - 195، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 156، وتوضيح الأفكار 2/ 419 - 422، وظفر الأماني: 282 - 287، وتوجيه النظر 1/ 439 - 444. ولا بدَّ من الإشارة إلى أن المتقدمين - ومنهم ابن الصلاح، ومتابعوه - كانوا يطلقون ... المصحّف والمحرّف جميعاً على شيء واحد، ولكن الحافظ ابن حجر جعلهما شيئين وخالف بينهما، وقد جرى عَلَى اصطلاحه السيوطي. قال ابن حجر في النزهة: 127: ((إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كان ذَلِكَ بالنسبة إلى النَّقْط فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشَّكْل فالمحرّف)). انظر: تدريب الراوي 2/ 195، وألفية السيوطي: 203، وتوضيح الأفكار 2/ 419 مع حاشية محيي الدين عبد الحميد. (¬7) في (ص): ((قاربه)).

772 - وَالْعَسْكَرِيْ وَالدَّارَقُطْنِيْ صَنَّفَا ... فِيْمَا لَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ صَحَّفَا 773 - فِي الْمَتْنِ كَالصُّوْلِيِّ ((سِتّاً)) غَيَّرِ ... ((شَيْئاً))، أوِ الإِسْنَادِ كَابْنِ النُّدَّرِ 774 - صَحَّفَ فِيْهِ الطَّبَرِيُّ قالاَ: ... ((بُذَّرُ)) بالبَاءِ وَنَقْطٍ ذَالاَ (وَ) أَبُو أَحْمَدَ (الْعَسْكَريْ (¬1)) المزيدُ عَلَى ابنِ الصَّلاَحِ، (و) أَبُو الْحَسَنِ (الدَّارَقُطْنِيْ) - بإسكانِ يائيهما لما مَرَّ - (صَنَّفَا فِيْمَا لَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ صَحَّفا). والتصحيفُ يقع إما (في الْمَتْنِ، ك‍) ‍مَا وقعَ لأبي بَكْرٍ (الصُّوْليِّ)، فإنه لما أَمْلَى حَدِيْثَ: ((مَنْ صَامْ رَمَضَانَ وَأتْبَعَهُ (سِتّاً) مِنْ شَوَّالٍ)) (¬2) (غَيَّرِ) ذَلِكَ (شَيْئاً) (¬3) - بمعجمةٍ ومثناةٍ تحتيةٍ -. وكقولِ أَبِي موسى مُحَمَّدِ بنِ المثنَّى في حديثِ: ((أَوْ شاةٌ تنعرُ)) (¬4) -بالنونِ-، وإنما (¬5) هُوَ بالياءِ التحتيةِ (¬6). ¬

_ (¬1) وكتبه: "تصحيفات المحدثين" و "التصحيف والتحريف" و "شرح ما يقع فيه التصحيف" كلها مطبوعة. (¬2) أخرجه الطيالسي (594)، وعبد الرزاق (7918)، والحميدي (381) و (382)، وابن أبي شيبة (9723)، وأحمد 5/ 417 و 419، وعبد بن حميد (228)، والدارمي (1761). ومسلم 3/ 169 (1164)، وأبو داود (2433). وابن ماجه (1716)، والترمذي (759)، والطحاوي في شرح المشكل (2337) و (2338)، وابن حبان (3636)، والبيهقي 4/ 392، والبغوي (1780) من حديث أبي أيوب الأنصاري. (¬3) انظر: تاريخ بغداد 3/ 431، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 296 رقم (633). ومشارق الأنوار 2/ 206، والتطريف: 48. (¬4) نَعَرَ يَنْعَِرُ كـ (منعَ وضربَ): صاحَ وصَوَّتَ بخيشومه. التاج 14/ 257 (نعر). (¬5) سقطت من (ص). (¬6) وذلك أن أبا موسى العَنَزي حدّث بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يأتي أحدُكم يوم القيامة ببقرةٍ لها خُوار، فقال فيه: ((أو شاةٍ تَنْعَرُ)) بالنون، وإنما هو: ((تَيْعَرُ)) - بالياء -. الجامع لأخلاق الراوي 1/ 295 رقم (631)، وتصحيفات المحدثين 2/ 28 و 312، وهذا جزء من حديث أخرجه الحميدي (840)، وأحمد 5/ 423، والدارمي 1676 و 2496، والبخاري 8/ 162 (6636)، ومسلم 6/ 11 (1832) من حديث أَبي حميد الساعدي. وتَعَرَ ك‍: مَنَعَ، أي: صاح يَتْعَرُ تَعْراً. انظر: التاج 10/ 286 (تعر).

(أَوِ) في (الإسنادِ كَابنِ) أي: كعُتْبَةَ بنِ (النُّدَّرِ) - بِنون، ومهمَلَةٍ مشدَّدةٍ (¬1) - حيثُ (صَحَّفَ فِيْهِ) مُحَمَّدُ بنُ جَريرٍ (الطَّبَرِيُّ، قَالاَ) بألفِ الإطلاق (بُذَّرُ بالباءِ) الموحَّدةِ، (ونَقْطٍ ذَالا) أي: بالذالِ (¬2) بالْمُعجَمَةِ. وَكَقولِ يَحيى بنِ مَعينٍ (¬3): العوامُ بنُ مزاحمٍ، بزاي ومهملة، وإنّما هُوَ براءٍ وجيمٍ. 775 - وَأَطْلَقُوْا التَّصْحِيْفَ فِيْمَا ظَهَرَا ... كَقَوْلِهِ: ((احْتَجَمْ)) مَكَانَ ((احْتَجَرا)) 776 - وَوَاصِلٌ بِعَاصِمٍ وَالأَحْدَبُ ... بِأَحْوَلٍ (¬4) تَصْحِيْفَ سَمْعٍ لَقَّبُوا 777 - وَصَحَّفَ الْمَعْنَى إِمَامُ عَنَزَهْ ... ظَنَّ الْقَبِيْلَ بحَدِيْثِ ((الْعَنَزَهْ)) 778 - وَبَعْضُهُمْ ظَنَّ سُكُوْنَ نَوْنِهْ ... فَقالَ: شَاَةٌ خَابَ فِي ظُنُوْنِهْ (وَ) كَذا (أطلقُوا) أي: الَّذِيْنَ صَنَّفوا في هَذَا الفنِّ (التَّصْحِيفَ فِيْمَا ظَهرا) أي: عَلَى ما ظَهَرَتْ حُروفُهُ مِن غَيرِ اشتباهٍ في الخطِّ بِغيرِها، وإنما غلطَ فِيْهِ الناسخُ، أَوْ الرَّاوِي بإبدالٍ، أَوْ نقصٍ، أَوْ زيادةٍ (كقولِهِ) يعني: ابنَ لَهِيْعَةَ (¬5)، في حَدِيْثِ زيدٍ بنِ ثابتٍ: (احْتَجَمْ) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَسْجِدِ (¬6)، (مكانَ احْتَجَرَا) - بإبدال الراء مِيماً (¬7) -. ¬

_ (¬1) انظر: الإكمال 1/ 218، وتبصير المنتبه 1/ 70، والتقريب (4443). (¬2) في (م): ((وبالدال)). (¬3) انظر: العلل للدارقطني 3/ 64 - 65 (287)، والمؤتلف والمختلف 3/ 2078 - 2079. (¬4) بالصرف؛ لضرورة الوزن. (¬5) تصحيف ابن لهيعة ذكره مسلم في التمييز: 187، والجورقاني في الأباطيل 2/ 9. (¬6) عند أحمد 5/ 185، وابن سعد في الطبقات 1/ 445، من طريق ابن لهيعة بلفظ ((احتجم)). (¬7) أخرجه البخاري 8/ 34 (6113)، ومسلم 2/ 188 (781). وأخرجه البخاري أيضاً 1/ 186 (731)، و 9/ 117 (7290)، ومسلم 2/ 188 بلفظ: ((اتَّخذَ حُجْرةً)).

وَكما رَوَى يَحيى بنُ سَلاَّم المفسِّرُ عَنْ سعيدٍ (¬1) بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادةَ في قولِهِ تعالى: {سَأُرِيْكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (¬2)، قَالَ: ((مصرُ)) (¬3). وَقَدْ استَعْظَمَهُ أَبُو زرعةَ الرازيُّ، واستَقْبَحَهُ، وذكرَ أنَّهُ في تفسيرِ سعيدٍ عَنْ قتادةَ: ((مصيرُهم)) (¬4). وكحديثِ أَبِي (¬5) سعيدٍ في خطبةِ العيدِ: ((كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ، فيُصَلِّيْ بالنَّاسِ رَكْعَتَينِ، ثم يُسَلِّمُ فَيَقِفُ عَلَى رِجْلَيهِ، فَيَسْتَقْبِلُ النَّاسَ وَهُمْ جُلُوْسٌ)) (¬6)، حيثُ أبدلَ بعضُهم ((رجليهِ)) بـ ((راحِلتِه))، والصوابُ: رجليهِ. فأطلقوا عَلَى مثلِ ذَلِكَ تصحيفاً، وإنْ لَمْ يشتبه. (وَ) كذا (واصلٌ) حيثُ أُبدِلَ اسمُهُ (بعاصمٍ)، (وَ) أُبدِلَ (الأَحْدبُ) لقبُهُ أيْضاً (بأحولٍ) - بصرفه للوزنِ - لقبِ عاصمٍ. وذلك بأنْ يكونَ الْحَدِيْثُ لواصلٍ الأحدبِ، فيُبْدِلَ بعاصمٍ الأحول، كَمَا في حَدِيْثِ شعبةَ عَنْ واصلٍ الأحدبِ، عَنْ أَبِي وائلٍ، عَنْ ابنِ مسعودٍ: ((أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟)) (¬7) حَيْثُ أبدلَ بعاصمٍ الأحول، أَوْ عكسُهُ بأَنْ يكونَ الحديثُ لعاصمٍ الأحولِ (¬8)، فيُبدِلَ بواصلٍ الأحدبِ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((أبي سعيد)). (¬2) الأعراف: 145. (¬3) هذا القول ذكرته كتب التفسير عن مجاهد، والذي ذكروه عن قتادة أنه قَالَ: ((منازلهم))، وقال أيضاً: ((مصر))، وقال أيضاً: ((الشام)). انظر: تفسير الطبري 9/ 41، وتفسير البغوي 2/ 234، والبحر المحيط 4/ 389، والدر المنثور 3/ 562. (¬4) الضعفاء لأبي زرعة الرازي 2/ 340. (¬5) في (ق): ((ابن)). (¬6) أخرجه عبد الرزاق (5634)، وأحمد 3/ 31 و36 و42 و54 و56، والبخاري 2/ 22 (956)، ومسلم 3/ 20 (889)، والنسائي 3/ 187 و190، وأبو يعلى (1343)، وابن خزيمة (1430) و (1445) و (1449)، وابن حبان (3318)، والبيهقي 3/ 297. (¬7) أخرجه أحمد 1/ 434 و 464، والبخاري 6/ 137 (4761) و 8/ 204 (6811)، والترمذي (3183)، والنسائي 7/ 90. (¬8) رواه النسائي 7/ 90.

وَضَابطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُوْنَ الاسمُ واللقبُ، أَوْ الاسمُ واسمُ الأبِ بوزنِ اسمٍ آخرَ ولقبِهِ، أَوْ اسمٍ آخرَ واسمِ أبيهِ، والحروفُ (¬1) مختلفةٌ شكلاً، ونقطاً، أَوْ أحدُهما فيشتَبِهُ ذَلِكَ عَلَى السمْعِ. (تصحيفَ) بالنصبِ بـ ((لقبوا)) (سَمْعٍ) في الْمَتْنِ، أَوْ الإسنادِ (لَقَّبُوا) أي: وكلَّ مَا أطلقوا عَلَيْهِ مِمَّا لاَ يشتبِهُ بغيرِهِ في الخطِّ تَصْحيفاً، لقَّبوهُ تصحيفَ السَّمعِ، ثُمَّ مَا مَرَّ هُوَ تصحيفٌ في اللفظِ. (وَ) قَدْ (صَحَّفَ المعنَى) فَقَطْ أَبُو موسى مُحَمَّدُ بنُ المثنى (إمَامُ عَنَزهْ) أحدُ شيوخِ الأئِمةِ الستةِ (¬2) حَيْثُ (ظَنَّ القبِيلَ) مرخمُ القبيلةِ (بحديثِ العَنَزهْ) التي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلي إِلَيْهَا؛ فَقَالَ يوماً: ((نحنُ قومٌ لنَا شرفٌ، نحنُ من عَنَزةَ قَدْ صلى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا)) ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ (¬3). فصحَّفَ ابنُ المثنى معنى لفظِ العنَزةِ. (وَبَعْضُهُمْ) صَحَّفَ معناه، ولفظَهُ مَعاً حَيْثُ (ظنَّ سكونَ نونِهْ)، ثُمَّ رواه بالمعنى، (فقالَ: شاةٌ) فأخطأَ و (خَابَ في ظنونِهْ)؛ إِذْ الصوابُ ((عَنَزَة)) - بفتح النون -، وَهِيَ الْحَرْبَةُ تُنْصَبُ بين يديهِ. ¬

_ (¬1) في (ص): ((بحروف)). (¬2) قال الصفدي في الوافي بالوفيات (4/ 384): ((كان أرجح من بندار وأحفظ؛ لأنه رحل وبندار لم يرحل، واتفقا في المولد والوفاة)). (¬3) الخبر في الجامع للخطيب 1/ 295 - 296 رقم (632) وأشار الذهبي في السير 12/ 125 إلى أن ذلك كان مزاحا فقال: ((كان ثقة ثبتا، احتج به سائر الأئمة. ويروى أن أبا موسى مزح مرة فقال: نحن قوم لنا شرف، صلَّى إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم -)). والعنزةُ: مثل نصف الرمح أو أكبر، فيها سنان مثل سنان الرمح، ومحمد بن موسى عنزيٌ، فأوهم في مزحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى إليهم، وانظر عن العنزة: الصحاح 3/ 887، والتاج 15/ 247 (عنز).

ومن أمثلةِ تصحيفِ المعنى فَقَطْ مَا رَوَاهُ الخَطَّابِيُّ (¬1) عَنْ بَعْضِ شيوخِهِ بالحديثِ، أنَّه لَمّا رَوَى حَدِيْثَ النهيِ عَن التَّحليقِ (¬2) يومَ الْجُمعةِ قَبْلَ الصَّلاةِ (¬3) قَالَ: ((منذ أربعينَ سنةً ما حلَّقْتُ رأسي قبل الصَّلاةِ)). فُهِمَ مِنْهُ حلقَ الرأسِ، وإنما المرادُ تحليقَ الناسِ حِلَقاً (¬4). مُخْتَلِفُ الْحَدِيْثِ (¬5) (مُخْتَلفُ الْحَدِيْثِ) أي: مَعْرِفَتُهُ، وَهُوَ مِن أَهمِ الأَنْواعِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الأئمةُ ¬

_ (¬1) ذكر ذَلِكَ الخطّابي في معالم السنن 2/ 13، وفي غريب الْحَدِيْث 3/ 226، وفي إصلاح غلط الْمُحَدِّثِيْنَ: 28، وَقَدْ أورد ابن الجوزي القصةفي تلبس إبليس: 112 ونسبها للخطّابي. (¬2) في المصادر التي أخرجت الحديث بلفظ: ((التَّحَلُّق))، وفي بعضها: ((عن الحِلَق)) وفي بعضها: ((أن يُحَلَّقَ))، وفي بعضها: ((أن يَتَحَلَّقَ)). والحِلَقُ - بكسر الحاء وفتح اللام -: جمع الحَلْقة، وهي الجماعة من الناس مستديرون كحَلْقَة الباب وغيرها. والتَّحَلُّقُ: تَفَعُّل منها، وهو أن يتعمَّدوا ذلك. وتَحَلَّقَ القومُ: جَلَسُوا حَلْقةً حلقةً. انظر: الصحاح 4/ 1464، واللسان 10/ 62، والنهاية 1/ 426، والتاج 25/ 186 (حلق). (¬3) جزء من حديث أخرجه ابن أبي شيبة (7906)، وأحمد 2/ 179و212، وأبو داود (1079)، وابن ماجه (749) و (766) و (1133)، والترمذي (322)، والنسائي 2/ 47 و 48، وابن خزيمة (1304) و (1306)، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 130 من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ((نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلق الناس فيه يوم الجمعة قبل الصلاة)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 431. (¬5) لابدَّ من الإشارة إلى أن المراد بـ ((مختلف الحديث)) يختلف في الاصطلاح باختلاف ضبط كلمة: ((مختلف)) فمن المحدِّثين مَنْ ضبطها -بكسر اللام- على وزن اسم الفاعل. ويكون المراد بـ ((مختلف الحَدِيْث)) عَلَى هَذَا: ((الْحَدِيْث الَّذِي عارضه -ظاهراً- مِثْلَهُ)). ومنهم من ضبطها - بفتح اللام - عَلَى أنّه مصدر ميمي، بمعنى: أنّه الحَدِيْث الَّذِي وقع فِيهِ الاختلاف، ويكون المراد حينئذٍ بـ ((مختلف الْحَدِيْث))، ((أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً))، أي أن التعريف عَلَى الضبط الأول يُراد بِهِ الْحَدِيْث نفسه في حِيْنَ يُراد بالتعريف عَلَى الضبط الثاني التضاد والاختلاف نفسه، ويلاحظ تقييد التعارض - في التعريف - بكونه ظاهراً؛ وذلك لأنّ التعارض: ((الحقيقي)) في الثابت من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - محالٌ. انظر: مختلف الحديث بين المحدِّثين والأصوليين والفقهاء: 25 - 26. وانظر في مختلف الحديث: =

الجامعونَ بَيْنَ الفقهِ والحديثِ. وأوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه - في كِتابِهِ "اختلافِ الْحَدِيْثِ" من كتابِ "الأمِّ"، ثُمَّ صنَّفَ فِيْهِ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ قُتَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بنُ جريرٍ الطبريِّ، وغيرُهما. 779 - وَالْمَتْنُ إِنْ نَافَاهُ مَتْنٌ آخَرُ ... وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلاَ تَنَافُرُ 780 - كَمَتْنِ ((لاَ يُوْرِدُ)) مَعْ ((لاَ عَدْوَى)) ... فَالنَّفْيُ (¬1) لِلطَّبْعِ وَفِرَّ عَدْوَا (¬2) 781 - أَوْلاَ فَإِنْ نَسْخٌ بَدَا فَاعْمَلْ بِهِ ... أَوْ لاَ فَرَجِّحْ وَاعْمَلَنْ بِالأَشْبَهِ (وَالْمَتْنُ) أي: مَتْنُ الْحَدِيْثِ الصالحِ للحُجِّيَّةِ (إنْ نَافَاهُ) ظَاهِراً (مَتْنٌ آخرُ) مثلُهُ (وأمكنَ الجمعُ) (¬3) بَيْنَهُمَا بِمَا يَرفعُ الْمُنافاةَ؛ (فَلاَ تَنَافُرُ) أي: لا (¬4) مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يُصارُ إِلَيْهِ، ويعملُ بِهِمَا، فهو أولى مِن إهمالِ أحدِهما. (كمتنِ: ((لاَ يُوْرِدُ) - بكسرِ الرّاء - مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) (¬5) المساوِي لِمَتْنِ: ((فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأسَدِ)) (¬6) المشارِ إِلَيْهِ بَعْدَ (مَعْ) مَتْنِ: (((لاَ عَدْوَى) ولاَ طِيَرَةَ)) (¬7). ¬

_ = معرفة علوم الحديث: 122 - 128، ومعرفة أنواع علم الحديث: 454، وإرشاد طلاب الحقائق 2/ 571 - 575 والتقريب: 159 - 161، واختصار علوم الحديث: 174 - 175، والشذا الفياح 2/ 471 - 476، والمقنع 2/ 480 - 482، وفتح المغيث 3/ 75 - 78، وتدريب الراوي 2/ 196 - 202، وتوضيح الأفكار 2/ 423 - 426. (¬1) في (أ): ((النفي)). (¬2) في (أ) و (ج‍): ((عدوى)). (¬3) في (م): ((الجميع)). (¬4) من (م) فقط. (¬5) أخرجه البخاري 7/ 179 (5771)، ومسلم 7/ 31 (2221) من حديث أبي هريرة. (¬6) أخرجه البخاري 7/ 164 (5707). (¬7) أخرجه البخاري 7/ 179 (5771)، ومسلم 7/ 31 (2221)، والطِّيَرَة - بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تُسَكَّن -: هي التشاؤم بالشيء، وكان ذلك يَصُدّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، وأبطله ونهى عَنْهُ، وأخبر أنه ليس له تأثير في جَلْبِ نَفْعٍ أو دَفْعِ ضرٍّ. انظر: النهاية 3/ 152.

إِذِ الثالثُ منافٍ للأوَّلَيْن، فَزَعَمَ جَماعةٌ نَسخَهُما بِهِ، والحقُّ الجمعُ بينهما كَمَا ذكرَهُ بقولِهِ: (فالنفيُ) لِلعدوى في الثالثِ إنَّما هُوَ (لِلطَّبعِ) أي: لما كَانَ يعتقدُهُ أهْلُ الجاهليةِ، وبعضُ الحكماءِ من أنَّ الجذامَ والبرصَ ونحوَهما تُعْدِي بطبعِها (¬1)؛ ولهذا قَالَ في الْحَدِيْثِ: ((فمَنْ أعدى الأوَّلَ))؟ أي: إنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي ابتدأَهُ في الثاني، كَمَا ابتدأَهُ في الأوَّلِ. والنَّهْيُ والأمرُ في حديثي: ((لاَ يُوْرِدُ))، (وفِرَّ عَدْوَا) أي: سريعاً، كنايةً عَنْ فرارِكَ من الأسدِ للخوفِ منَ المخالطةِ التي جعلَها الله تَعَالَى سَبباً عادياً للإِعداءِ، وَقَدْ يتخلفُ عَنْ سَببهِ، كَمَا أَنَّ النارَ لا تحرقُ بطبعِها، ولا الطعامَ يشبعُ بطبعِهِ، ولا الماءَ يُرْوِيْ بطبعِهِ، وإنما هِيَ أسبابٌ عاديةٌ (¬2). وَقَدْ وجدْنا مَنْ خالطَ المصابَ بشيءٍ مما ذكر، وَلَمْ يتأثر بِهِ، وَوَجدنَا مَن احترزَ عَنْ ذَلِكَ الاحترازَ الْمُمْكنَ، وأخذَ بِهِ. ومُمْرِضٌ في الْحَدِيْثِ مِن: أمْرَضَ الرَّجُلُ، إذا أصابَ ماشيتَهُ مرضٌ (¬3)، ومُصِحٌّ من: أصَحَّ، إذا أصابَ (¬4) ماشيَتَهُ مرضٌ ثُمَّ صحَّتْ مِنْهُ. (أَوْ لاَ) أي: وإنْ لَمْ يَكُنِ الجمْعُ بَيْنَهُمَا (فإنْ نَسْخٌ بَدَا) أي: ظهرَ (فَاعْمَلْ بِهِ) أي: بِمقْتَضَاهُ، (أَوْ لاَ) أي: وإن لَمْ (¬5) يبدُ نسخٌ (فرجِّحْ) أحدَ المتنينِ بوجهٍ مِن وجوهِ الترجيحاتِ المتعلقةِ بالمتنِ أَوْ بإسنادِهِ، ككونِ أحدِهما سَماعاً أَوْ عرضاً، والآخرِ كتابةً أَوْ وِجادةً أَوْ مُناولةً، وَ (¬6) ككثرةِ الرُّوَاةِ، أَوْ صفاتهم (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): ((بطبعهما)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 455، والمقنع 2/ 481، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 434. (¬3) انظر: تاج العروس 19/ 58 ((مرض)). (¬4) في (م): ((أصابت)). (¬5) في (م): ((لو لم)). (¬6) في (م): ((أو)). (¬7) انظر: فتح المغيث 2/ 73.

خفي الإرسال، والمزيد في الإسناد

(واعْمَلَنْ) بَعْدَ النظرِ في المرجِّحاتِ (¬1) (بِالأَشْبَهِ) أي: بِالأَرْجَحِ مِنْهَا، فإنْ لَمْ تجدْ مُرجِّحاً فَتَوَقَّفْ عَن العَمَلِ بِشيءٍ مِنْهَا (¬2) حَتَّى يظهَرَ الأرجحُ. وَقَدْ ذكرتُ في " لبِّ الأصولِ "، كالأصلِ معَ زيادةِ ما هُوَ أقْعدُ مِمَّا ذكر هنا في هَذِهِ المسألةِ. خَفِيُّ الإِرْسَالِ (¬3)، وَالْمَزِيْدُ فِي الإِسْنَادِ (¬4) (خَفِيُّ الإرسالِ، والمزيدُ في) مُتَّصِلِ (الإسنادِ): هَذان مِن أهمِّ الأنواعِ، وليسَ المرادُ هُنا بالإرسالِ: إسقاطَ الصحابيِّ من السَنَدِ، كَمَا هُوَ المشهورُ في حدِّ المرسلِ، بَلْ مطلقَ الانقطاعِ، وَهُوَ نوعانِ: ¬

_ (¬1) وقد ذكر ابن الصّلاح أن وجوه الترجيح خمسون وأكثر، وتبع الحازمي في ذلك، وسردها العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 435 - 438، وفي التقييد: 286 فذكر ما يزيد على المئة. انظر: الاعتبار: 7 - 15، ومعرفة أنواع علم الحديث: 456، والكفاية: (609 - 610 ت، 434 - 436 هـ‍‍). (¬2) في (م): ((منهما)). (¬3) انظر في هذا النوع: الكفاية في علم الرواية (546 ت-384 هـ‍‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 458، والإرشاد 2/ 581 - 583، التقريب: 162، واختصار علوم الْحَدِيْث: 177 - 178، والشذا الفياح 2/ 479 - 482، والمقنع 2/ 487 - 489، ونزهة النظر: 109 - 112، وطبعة عتر: 43 - 44، وفتح المغيث 3/ 79 - 82، وتدريب الرَّاوِي 2/ 205 - 206، وتوجيه النظر 2/ 556 - 572. (¬4) انظر في هذا النوع: معرفة أنواع علم الحديث: 456، والإرشاد 2/ 576 - 580، والتقريب: 161 - 162، واختصار علوم الحديث: 176 - 177، والشذا الفياح 2/ 477 - 478، والمقنع 2/ 483 - 486، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 440، وفتح المغيث 3/ 79 - 82، وتدريب الراوي 2/ 203 - 204، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 170، وتوضيح الأفكار 2/ 64 - 67، وتوجيه النظر 2/ 593. قال ابن كثير: هو أن يزيد راوٍ في الإسناد رجلاً لَمْ يذكُرْهُ غيرُهُ. وقال ابن حجر: هُوَ ما كانت المخالفة فيه بزيادة راوٍ في أثناء الإسناد، ومن لَمْ يزدها أتقن ممن زادها. قال: وشرطه أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلاَّ فمتى كَانَ معنعناً - مثلاً - ترجحت الزيادة. انظر: اختصار علوم الحديث 2/ 485، ونزهة النظر: 126.

1 - ظاهرٌ: وَهُوَ أنْ يرويَ الشخصُ عمَّنْ لَمْ يعاصرْهُ بحيث لا يشتبهُ إرسالُه باتصالِهِ (¬1). 2 - وخفيٌّ (¬2): وَهُوَ الانقطاعُ بين راويينِ مُتَعاصِرينِ، لَمْ يَلتقِيَا، أَو التقيا (¬3)، وَلَمْ يقعْ بينَهُما سَمَاعٌ أصلاً، أَوْ لِذَلِكَ الْحَدِيْثِ (¬4). ويعرفُ بِما ذكرَهُ بقولِهِ: 782 - وَعَدَمُ السَّمَاعِ وَالِلِّقَاءِ ... يَبْدُو بِهِ الإِرْسَالُ ذُوْ الْخَفَاءِ 783 - كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ فِي السَّنَدْ ... إِنْ كَانَ حَذْفُهُ بِعَنْ فِيْهِ وَرَدْ 784 - وَإِنْ بِتَحْدِيْثٍ أَتَى فَالْحُكْمُ لَهْ ... مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ حمَلَهْ 785 - عَنْ كُلٍّ الاَّ (¬5) حَيْثُ مَا زِيْدَ وَقَعْ (وَعَدمُ السَّمَاعِ) لِلراوي مِنَ المروي عَنْهُ، وإنْ تَلاقيا، (و) عدمُ (اللقاءِ) بينهما، وَقَدْ تعاصَرَا كأَنْ أخبرَ الرَّاوِي عَنْ نفسِهِ بِذَلِكَ، أَوْ جزمَ أمامٌ بأنَّهمَا لَمْ يَتَلاقيا (يبْدو بِهِ) أي: يظهر بكلٍّ من عدمِ السماعِ، وعدمِ اللقاءِ (الإرسالُ ذُو الخَفَاءِ). وَ (كَذَا) يُظهرُه (زِيادةُ اسمِ راوٍ في السَّنَدْ) بَينَ راويينِ يظنُّ الاتصالُ بَيْنَهُمَا عَلَى روايةٍ أخرى حُذِفَ مِنْهَا ذَلِكَ الاسمُ (إنْ كَانَ حَذْفُهُ) مِنْهَا (بِعَنْ)، أَوْ ((قَالَ)) ¬

_ (¬1) مثل الحديث الذي رواه النسائي في الكبرى (3014) من رواية القاسم بن محمّد، عن ابن مسعود، قال: أصاب النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه، ثمّ نام حتّى أصبح ... الحديث. فان القاسم لم يدرك ابن مَسْعُود؛ لأن وفاة ابن مسعود سنة 32 هـ‍، وولادة القاسم سنة 34 هـ‍في أقل ما قيل وأعلى ما قيل: سنة 42 هـ‍. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 441. (¬2) في (م): ((خفي)) بدون واو. (¬3) سقطت من (ق). (¬4) وقد أفرده ابن الصّلاح بالذكر عن نوع المرسل، وتبعه العراقي. انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحديث: 458، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 441. (¬5) بدرج همزة (إلاّ)؛ لضرورة الوزن - وَهْماً وَفِي ذَيْنِ الْخَطِيْبُ قَدْ جَمَعْ

أَوْ نحوِهما مما لا يقتضِي الاتصالَ (فِيْهِ) أي: في السَنَدِ الناقصِ (وَرَدْ) فتكونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ معلَّةً (¬1) بالإسنادِ الزائدِ، لأنَّ الزيادةَ مِنَ الثِّقةِ مقبولةٌ (¬2). وسُمِّي هَذَا النوعُ بالخفيِّ لخفائِهِ عَلَى كَثِيْرٍ، لاجتماعِ الراويين في عصرٍ واحدٍ، وَهُوَ أشبهُ برواياتِ الْمُدَلِّسِيْنَ. (وإنْ) كَانَ حذفُ الزائدِ من السَّندِ الناقصِ (بِتَحْدِيثٍ)، أَوْ إخبارٍ، أَوْ سَمَاعٍ، أَوْ نحوِها (¬3)، مِمَّا يَقْتَضِي الاتصالَ (أَتَى)، وراويه أتقن (فَالْحُكْمُ لَهُ) أي: لِلسَّنَدِ الناقِصِ؛ لأنَّ مَعَ راويهِ حينئذٍ زيادةً، وَهِيَ إثباتُ سماعِهِ مِنْهُ، مَعَ كونِهِ أتقنَ. وهذا هُوَ النوعُ المسمَّى بـ: ((المزيدِ في متصلِ الأسانيدِ))، والزيادةُ حينئذٍ غلطٌ من راويها، أَوْ سهوٌ. إِذْ المدارُ في ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ (¬4). هَذَا كلُّه (مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ) أي: الرَّاوِي (قَدْ حَمَلَهْ) أي: الْحَدِيْثَ (عَنْ كُلٍّ) مِنَ الراويين، إِذْ لاَ مَانِعَ مِن أنْ يَسْمَعَهُ مِن وَاحدٍ عَنْ آخرَ ثُمَّ يسمعُهُ من الآخرِ (¬5). (الاَّ) (¬6) - بالدرجِ - (حَيْثُ مَا زِيْدَ) هَذَا الرَّاوِي، أي: إلا أن توجدَ قرينةٌ تدلُّ عَلَى أنَّ مَنْ زيدَ في هَذِهِ الرِّوَايَةِ (وَقَعْ وَهْمَاً) مِمَّنْ زادَهُ، فيزولُ بِذَلِكَ الاحتمالُ، فيكونُ الحكمُ للناقصِ قَطْعاً، وإن لَمْ يأتِ بتحديثٍ، أَوْ نحوِهِ. (وَفِي ذَيْنِ) النَّوعيْنِ: أي (¬7): الإرسالِ الخفيِّ، والمزيدِ في متصلِ الإسنادِ، (الخطيبُ قَدْ جَمَعْ) تصنيفينِ مفردينِ، سمَّى الأوَّلَ بـ: " التفصيلِ لْمُبْهَمِ المراسيلِ "، والثاني بـ: " تمييزِ المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ ". ¬

_ (¬1) في (م): ((معلقة)) وذكر في الحاشية إنها من نسخة (ز) وهو تحريف، قلنا: وهذا تخليط فاحش. (¬2) انظر: فتح المغيث 2/ 75. (¬3) في (م): ((نحوهما)). (¬4) انظر: فتح المغيث 2/ 75. (¬5) في (م) هنا زيادة ((آخراً))، وهي -زيادة على كونها خطأ نحوي - فهي زيادة سقيمة، أحالت المعنى وأتلفت السياق. (¬6) أثبت ناشر (م) الهمزة، إذ لم يفقه قول الشارح الآتي. (¬7) سقطت من (م).

معرفة الصحابة - رضي الله عنهم

قَالَ الناظمُ: ((وَفِي كثيرٍ مِمَّا ذكرَهُ فِيْهِ نَظرٌ، والصوابُ مَا ذَكرَهُ ابنُ الصَّلاَحِ، واقْتَصَرْتُ عَلَيْهِ)) (¬1)، من التفصيلِ بَيْنَ أَنْ يؤتى في السنَدِ الناقصِ بِمَا لا يَقْتَضِي الاتصالَ، وأَنْ يُؤْتَى فِيْهِ بِمَا يقتَضِيهِ. مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - (¬2) (مَعْرِفَةُ الصَّحَابَة): هِيَ فَنٌّ مُهِمٌّ، وفائِدتُهُ: تَمْييزُ الْمُرْسَلِ، والحكمُ لَهُمْ بالْعَدالَةِ، وغيرُهُمَا، وفيه تصانِيفُ كثيرةٌ. وَالصَّحَابِيُّ لغةً: مَنْ صَحِبَ غيرَهُ ما ينطلقُ عَلَيْهِ اسمُ الصُّحْبَةِ، وإنْ قلَّتْ. واصطِلاحاً: ما ذكرَهُ بِقولِهِ: 786 - رَائي النَّبِيِّ مُسْلِماً ذُو صُحْبَةِ ... وقِيْلَ: إنْ طَالَتْ وَلَمْ يُثَبِّتِ 787 - وقِيلَ: مَنْ أقَامَ عاماً أو غَزَا (¬3) ... مَعْهُ (¬4) وذَا لابْنِ المُسَيِّبِ عَزَا (¬5) (رَائي النَّبِيِّ) - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ وَفَاتِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُسْلِماً) مميِّزاً، ولو بلا مُجالسةٍ ومكالَمَةٍ، إنسياً أَوْ جِنِّيّاً (ذُو صُحْبَةِ) اكتفاءً بِمُجرَّدِ الرُؤْيَةِ، لشرفِ مَنْزِلةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فيظهرُ أثر نُورِهِ في قَلْبِ الرَّائِي، وَعَلَى جَوَارِحِهِ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 444. (¬2) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 22 - 25، والكفاية: (93 - 102 ت، 46 - 52 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 460، والإرشاد 2/ 584 - 605، والتقريب: 162 - 165، واختصار علوم الحديث: 179 - 191، والشذا الفياح 2/ 483 - 518، والمقنع 2/ 490 - 505، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 5 - 56، وفتح المغيث 3/ 83 - 138، وتدريب الراوي 2/ 206 - 233، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 171، وتوضيح الأفكار 2/ 426 - 471، وظفر الأماني 496 - 513، وتوجيه النظر 1/ 399. (¬3) في (أ) و (ب) و (ج‍) والنفائس وفتح المغيث: ((وغزا))، والوزن صحيح بالروايتين. (¬4) بسكون العين لضرورة الوزن العروضي. (¬5) في (أ): ((عزى))، وهو خطأ، وصوابه ما أثبت.

وجرى تَبَعاً لابن الصَّلاَحِ (¬1) في التَّعْبيرِ بالرُّؤْيَةِ عَلَى الغالِبِ، وإلاّ فالأولى - كَمَا قَالَ (¬2) - التَّعْبيرُ بـ ((لاقي)) النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أي: ليدخلَ نَحْوُ ابنِ أمِّ مَكْتومٍ. ثُمَّ قَالَ: ((فالعِبارَةُ السَّالِمَةُ مِن الاعتِرَاضِ، أَنْ يُقَالَ: ((الصَّحَابِيُّ مَنْ لقيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْلِماً، ثُمَّ ماتَ عَلَى الإِسْلاَمِ)) لِيخْرجَ مَنِ ارتَدَّ، وماتَ كافِراً، كابنِ خَطَلٍ، ورَبِيعَةَ بنِ أُمَيَّةَ)) (¬3). قَالَ: ((وفي دُخُولِ مَنْ لقيَهُ مُسْلِماً، ثُمَّ ارتَدَّ، ثُمَّ أسلَمَ بَعْدَ وفاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصحابةِ نَظَرٌ كَبِيْرٌ، كَقُرَّةَ بنِ هُبَيْرةَ، والأشْعَثِ بنِ قَيْسٍ)) (¬4). قَالَ شَيْخُنَا: ((وَالصَّحِيْحُ دخُولُهُ فِيْهِمْ، لإطْبَاقِ الْمُحَدِّثِيْنَ عَلَى عَدِّ الأشْعَث بن قَيْسٍ، ونحوِهِ مِنْهُمْ)) (¬5). أما مَنْ رجَعَ إلى الإِسْلاَمِ في حَياتِهِ، كَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَرْحٍ، فلا مانِعَ مِنْ دُخُولِهِ فِيْهِمْ بدخُولِهِ الثَّانِي في الإِسْلاَمِ. قَالَ النَّاظِمُ (¬6): ((وقولُهم: مَنْ رأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - هَل الْمُرَادُ أنَّهُ رآهُ في حالِ نبوَّتِهِ، أَوْ أعمُّ؟))، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدلُّ عَلَى أنَّ الْمُرِادَ الأوَّلُ. وخرجَ بـ ((قَبْلَ وَفَاتِهِ)): مَنْ رآهُ بَعْدَهَا، وبـ ((الْمُسْلِمِ)): الكافِرُ، وَلَوْ أسْلَمَ بعدُ، وبـ ((المميِّزِ)) غَيْرُهُ، وإنْ رآهُ، كَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عدِيِّ بنِ الخيار الَّذِي أحضِرَ إِلَيْهِ غَيْرَ مميِّز. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 461. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 6. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 6 - 7، وهذا ما عرف به ابن حجر في الإصابة1/ 7، ونزهة النظر: 149. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 7. لأن الردة محبطة للعمل عند أبي حنيفة، والشافعي وصححه الزركشي، وحكى الرافعي عن الشّافعيّ: ((أنها إنما تحبط بشرط اتصالها بالموت)). انظر: بدائع الصنائع 7/ 136، والبحر المحيط 4/ 304، والأم 6/ 169، ومغني المحتاج 4/ 133. (¬5) الإصابة 1/ 8، ونزهة النظر: 149 - 150. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 8.

(وَقِيْلَ): إنَّمَا يَكُوْنُ من ذُكِرَ صَحَابِياً (إنْ طَالَتْ) عُرْفاً صُحْبَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكَثُرَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ، والأخْذِ عَنْهُ (¬1). وبهِ جزَمَ ابنُ الصَّبَّاغِ في " العدة ". (وَ) هَذَا القولُ (لَمْ يُثَبَّتِ) - بِضَمِّ التَّحْتيةِ، وتَشْديدِ الْمُوحَّدَةِ الْمَفتوحَةِ - أي: لَمْ يُقَوَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ، والأصوليينَ. (وَقِيْلَ): إنَّما يَكُوْنُ صَحابياً (مَنْ أقامَ) مع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (عاماً) أَوْ أكْثَرَ، (أو غَزَا مَعْهُ) غزوةً أَوْ أكثرَ. (وَذَا) القَوْلُ (لابنِ الْمُسَيِّبِ) سعيدٍ (¬2) - بكسرِ الياءِ وفتحِهَا وَهُوَ الأشْهَرُ، والأوَّلُ أولى لما نُقِلَ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الفتحَ (¬3)، ويقولُ: سيَّبَ اللهُ مَنْ سيَّبَنيْ - (عزا) أي: ابنُ الصَّلاَحِ متوقِّفاً في صحَّتِهِ عَنْهُ (¬4). قَالَ الشَّارِحُ: ((ولا يصحُّ عَنْهُ، ففي الإسنادِ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عمرَ الواقديُّ ضَعِيفٌ في الْحَدِيْثِ)) (¬5). وَقِيْلَ: الصَّحَابِيُّ مَنْ رآهُ مُسْلِماً بالِغاً عاقِلاً (¬6). ¬

_ (¬1) نسب ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 461 هذا القول لأبي المظفر السمعاني ثمّ قال بعده: ((وهذا طريق الأصوليين)). وانظر: قواطع الأدلة 1/ 374، ومختصر ابن الحاجب2/ 67، والمستصفى1/ 165، وإحكام الأحكام 1/ 275، وفواتح الرحموت2/ 158، ونقل الزركشي هذا القول عن أبي الحسين في "المعتمد". انظر: البحر المحيط 4/ 302. (¬2) أسنده إليه الخطيب في الكفاية (99 ت، 50 هـ‍) من طريق ابن سعد، عن الواقدي: محمد بن عمر، عن طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان سعيد بن المسيب يقول: ... فذكره، وهو سند ضعيف لشدة ضعف الواقدي. (¬3) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 219، تاج العروس 3/ 90. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 461. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 13. (¬6) نقله العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 14، والسيوطي في تدريب الراوي 2/ 12، وقد حكما على هذا القول بالشذوذ.

وَقِيْلَ: مَنْ أدْرَكَ زمنَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ وإنْ لَمْ يَرَهُ (¬1). ثُمَّ بَيَّنَ ما تُعْرَفُ بِهِ الصُّحْبَةُ، فقالَ: 788 - وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ باشْتِهَارٍ أَوْ (¬2) ... تَوَاتُرٍ أو قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَوْ 789 - قَدِ ادَّعَاهَا وَهْوَ عَدْلٌ قُبِلاَ ... وَهُمْ عُدُولٌ قِيلَ: لا مَنْ دَخَلاَ 790 - في فِتْنَةٍ، والمُكْثِرُونَ سِتَّةُ ... أَنَسٌ، وابنُ (¬3) عُمَرَ، والصِّدِّيقَةُ 791 - البَحْرُ، جَابِرٌ أَبُو هُرَيْرَةِ ... أَكْثَرُهُمْ وَالبَحْرُ في الحَقِيقَةِ 792 - أَكْثَرُ فَتْوَى وَهْوَ وابنُ (¬4) عُمَرا (¬5) ... وَابْنُ الزُّبَيرِ وَابْنُ عَمْرٍو قَدْ جَرَى (¬6) 793 - عَلَيْهِمُ (¬7) بِالشُّهْرَةِ العَبَادِلهْ ... لَيْسَ ابْنَ مَسْعُودٍ ولا مَنْ شَاكَلَهْ 794 - وَهْوَ وزَيْدٌ (¬8) وابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ ... فِي الْفِقْهِ أَتْبَاعٌ يَرَوْنَ قَوْلَهُمْ (وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ) إما (باشْتِهَارٍ) بِها قاصرٍ عَنْ التواترِ، ويُسَمَّى استفاضةً عَلَى رأي، ك‍: عُكَاشَةَ بنِ مِحْصَنٍ، وضمامِ بنِ ثَعْلَبةَ. (اوْ) (¬9) بالدرجِ (تواترٍ) بِهَا، ك‍: أبي بَكرٍ، وعمرَ، وعُثمانَ، وعليٍّ. ¬

_ (¬1) نسب العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 14 هذا القول ليحيى بن عثمان بن صالح المصري. وقد حكاه من الأصوليين القرافي في شرح التنقيح: 360. (¬2) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬3) في (أ) و (ب) و (ج‍) (ابن) من غَيْر واو، (وفي النفائس) وفتح المغيث: ((وابن)) بالواو العاطفة، والوزن صحيح بالروايتين، والأسلم إثبات الواو للإشعار بالمغايرة، على صحة حذفها هنا، والله أعلم. (¬4) في (ب): ((إبن)) بإسقاط الواو، وهو خطأ، وإن صحّ وزناً بهمزة القطع، والصواب ما ورد في (أ) و (ج‍) و (النفائس) و (فتح المغيث): (وابن) بلا همزة. (¬5) بالإطلاق في (عمر)؛ لتصريع شطري البيت. (¬6) في (ج‍): ((جرا))، وهو خطأ. (¬7) بإشباع الضمة على الميم؛ لضرورة الوزن. (¬8) هكذا في (أ) و (ب) و (ج‍)، و (النفائس)، وَهُوَ صَحِيْح بخلاف ما ورد في (فتح المغيث): ... في الفِقْهِ أَتْبَاعٌ يَرَوْنَ قَوْلَهُمْ ((وهو ابن زيد)) وهذا خطأ بيّنٌ إذ المقصود: زيد بن ثابت. (¬9) في (م): ((أَو)) بإثبات الهمزة.

(أَوْ قَوْلِ) أي: إخبارِ (صَاحِبٍ) أخبر (¬1) بِهَا صريحاً، كقولِهِ: فلانٌ لَهُ صُحْبَةٌ، أَوْ ضمناً، كقولِهِ: كنتُ أنا، وفلانٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ عُلِمَ إسلامُ فلانٍ في تِلْكَ الحالةِ (¬2). وكذا تُعرَفُ بقولِ آحادِ ثقاتِ التَّابِعينَ. (وَلَوْ قَدِ ادَّعاهَا) أي: الصُّحْبَةَ لنفْسِهِ (¬3)، (وَهْوَ) قَبلَ دَعْوَاهُ إيَّاهَا (عَدْلٌ، قُبِلا) قولُهُ، لأنَّ مقامَهُ (¬4) يِمْنَعُهُ الكذبَ. قَالَ النَّاظِمُ: ((ولابُدَّ منْ أنْ يَكُوْنَ ما ادَّعَاهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الظاهرُ، أمَّا لَوْ ادَّعاهُ بَعْدَ مُضِيِّ مئةِ سنةٍ مِن حينِ وفاتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّهُ لا يقبلُ، وإنْ ثَبَتَتْ عدالتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْخَبْرِ الصَّحِيْحِ: ((أرَأيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فإنَّهُ عَلَى رَأسِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَيْهَا أحَدٌ)) (¬5)، قالَهُ في سنةِ وفاتِهِ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬6). قَالَ: ((وَقَدْ اشترَطَ الأصُوْلِيُّوْنَ (¬7) في قَبولِ ذَلِكَ مِنْهُ مَعْرِفَةَ معاصرتِهِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬8). وَقِيْلَ: لا يُقْبَلُ قولُهُ بِذَلِكَ، لِكَونِهِ متهَماً بدعوى رتبةٍ يثبتُها لنفْسِهِ (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): ((آخر)). (¬2) انظر: الكفاية (100 ت، 52هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 462، والبحر المحيط 4/ 305، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 17، وفتح المغيث3/ 87 - 88، وتدريب الرّاوي 2/ 213. (¬3) في (ص) و (م): ((بنفسه)). (¬4) سقطت من (ق). (¬5) أخرجه عبد الرزاق (20534)، وأحمد 2/ 88 و 121، والبخاري 1/ 40 (116) و156 (601)، ومسلم 7/ 186 - 187 (2537) (217)، وأبو داود (4348)، والترمذي (2251)، والطحاوي في شرح المشكل (373) و (374)، وابن حبان (2985)، والطبراني في الكبير (13110)، والبيهقي 1/ 453، وفي الدلائل 6/ 500، والبغوي (352)، من حديث ابن عمر. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 18. (¬7) انظر: منتهى الوصول: 81، والبحر المحيط 4/ 306. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 18. (¬9) انظر: منتهى الوصول: 81، والبحر المحيط 4/ 306.

ثُمَّ بيَّنَ مَرْتَبَتَهُمْ، فَقَالَ: (وَهُمْ) كُلُّهم باتفاقِ أهلِ السُّنَّةِ عَلَى ما حَكَاهُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ (¬1) (عُدُولٌ) وإنْ دَخلُوا في الْفِتْنَةِ نظراً إلى ما اشتَهَرَ عَنْهُمْ مِنَ المآثِرِ الْجَميلَةِ، ولقولِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (¬2)، وقولِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (¬3). ولقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ تَسُبُّوْا أصْحَابِيْ، فَوَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ، لَوْ أنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا أدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ)) رَوَاهُ الشَّيْخانِ (¬4). وَقَولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهَ اللهَ فِيْ أصْحَابِيْ لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّيْ أحبهُم، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِيْ أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِيْ، وَمَنْ آذَانِيْ فَقَدْ آذَى اللهَ وَمَنْ آذَى اللهَ (¬5) فَيُوْشِكُ أنْ يَّأْخُذَهُ)) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (¬6)، وابنُ حِبّانَ في " صَحِيْحِهِ " (¬7). وَ (قِيْلَ: لاَ) يحكمُ بعدالةِ (مَنْ دَخَلاَ) مِنْهُمْ (في فِتْنَةٍ) وقعَتْ من حينِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، كالجمَلِ وصفينَ إلا بَعْدَ البَحْثِ عَنْهَا؛ لأنَّ أحدَ الفريقينِ فاسقٌ (¬8). ¬

_ (¬1) وعبارته: ((ونحن وإن كان الصحابة - رضي الله عنهم - قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين، وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول)) الاستيعاب 1/ 9. (¬2) آل عمران: 104. (¬3) البقرة: 143. (¬4) أخرجه البخاري5/ 10 (3673)، ومسلم 7/ 188 (2541) (222)، وكذلك أخرجه الطيالسي (2183)، وعلي بن الجعد (760) و (3553)، وابن أبي شيبة (32394)، وأحمد 3/ 11 و 54، وفي الفضائل له (5) و (6) و (7)، وعبد بن حميد (918)، وأبو داود (4658)، والترمذي (3861)، وابن أبي عاصم (988) إلى (991)، والبزار (2768)، وأبو يعلى (1087) و (1198)، وابن حبان (7003)، والخطيب البغدادي في " تاريخه " 7/ 144، والبغوي (359) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬5) عبارة: ((ومن آذى الله)) لم ترد في (م). (¬6) (3862). (¬7) (7265). وأخرجه أحمد 4/ 87 و 5/ 54 و 55و 57، وفي الفضائل له (3)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على الفضائل (2) و (4)، وأبو نعيم في الحلية 8/ 287، والبغوي (3860)، والمزي في تهذيب الكمال 17/ 112. من حديث عبد الله بن مغفل. (¬8) قال ابن كثير في إختصار علوم الحديث: 182: ((وقول المعتزلة: الصّحابة عدول إلا من قاتل علياً: قول باطل مرذول ومردود)).

وَقِيْلَ: يقبلُ الداخلُ فِيْهَا إذا انْفَرَدَ؛ لأنَّ الأصلَ العَدالةُ، وشَككنَا في ضِدِّهَا، ولا يقبلُ مع مُخَالفتِهِ لتحققِ (¬1) إبْطالِ أحدِهما من غيرِ تَعيينٍ. وَقِيْلَ: القَوْلُ بالعدالةِ مُخْتَصٌّ بِمَنْ اشْتُهِرَ مِنْهُمْ، ومَنْ عداهم، كسائِرِ النَّاسِ. وَالصَّحِيْحُ الأوَّلُ تَحْسِيناً للظَّنِّ بِهِمْ، وحَملاً لِمَنْ دخلَ في الفِتْنَةِ عَلَى الاجْتِهادِ. ولا التفاتَ إلى ما يذكرُهُ أهلُ السِّيَرِ؛ فإن أكثرَهُ لَمْ يصِحَّ، وما صَحَّ فَلَهُ تَأْويلٌ صَحِيْحٌ، وما أَحْسنَ قَوْلَ عمرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ - رَحِمَهُ اللهَ -: ((تِلْكَ دِماءٌ طهَّرَ اللهُ مِنْهَا سيوفَنَا، فلا نخضِّبْ بِهَا أَلْسِنَتَنَا)) (¬2). قَالَ ابنُ الأنباريِّ: ((وليسَ الْمُرادُ بِعَدَالتِهِمْ ثُبوتَ عِصْمَتِهِمْ واسْتِحَالَةَ الْمَعْصِيةِ مِنْهُمْ، بَلْ قَبولَ رواياتِهِم مِن غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ عَدالتِهِم، وطلبِ تَزْكِيَتِهمْ)) (¬3). ثُمَّ بيَّنَ الْمُكثرينَ مِنْهُمْ روايةً، وفتوى، فَقَالَ: (والْمُكْثِرونَ) مِنْهُمْ رِوَايَةً، وهم مَنْ زادَ حديثُهم عَلَى ألفٍ، (سِتَّةُ)، وَهُمْ: (أَنَسٌ) هُوَ ابنُ مالكٍ، (وابنُ عمرَ) عَبْدُ اللهِ، (وَ) عَائِشَةُ (الصِّدِّيقَةُ) بنتُ الصِّدِّيقِ، و (البَحْرُ) عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ (¬4) سُمِّيَ بَحْراً، لِسعةِ عِلْمِهِ (¬5)، و (جابِرٌ) هُوَ ابنُ عَبْدِ اللهِ، و (أَبُو هُرَيْرَةِ)، وَهُوَ (أكْثَرُهُمْ) أي: الستَّةُ رِوَايَةً؛ لأنَّهُ رَوَى خمسةَ آلافِ حَدِيْثٍ وثلاثَ مِئَةٍ وأربعةً وسبعينَ حَدِيْثاً. ¬

_ (¬1) في (م): ((لتحقيق)). (¬2) حلية الأولياء 9/ 114. (¬3) نقله السخاوي في فتح المغيث 3/ 96، ونقله عن السخاوي اللكنوي في ظفر الأماني: 507. (¬4) أطلق عليه هذا اللقب جابر كما أخرج ذلك الحاكم في " مستدركه " 3/ 535 قال: ((أخبرنا أبو عبد الله الصفار قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار قال: ذكر عند جابر لحوم الحمر الأهلية فقال: أبى ذاك البحر يعني ابن عباس ... )). وجابر هذا: هو أبو الشعثاء. (¬5) قال الحاكم في مستدركه3/ 535: ((أخبرنا أبو عبد الله، قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدّثنا ابن نمير، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا الأعمش، عن مجاهد قال: كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه)).

ثُمَّ ابنُ عُمَرَ؛ لأنَّهُ رَوَى ألفين وستمِئَةٍ وثلاثينَ. ثُمَّ أنسٌ؛ لأَنَّهُ رَوَى أَلْفَينِ ومِئَتَيْنِ وستةً وثَمَانِيْنَ. ثُمَّ عَائِشَةُ؛ لأَنَّهَا رَوَتْ أَلْفَينِ ومِئَتَينِ وعشرةً. ثُمَّ ابنُ عَبَّاسٍ؛ لأَنَّهُ رَوَى ألفاً وستمِئَةٍ وسِتِّينَ. ثُمَّ جَابِرٌ؛ لأَنَّهُ رَوَى ألفاً وخمسَ مِئَةٍ وأربعينَ (¬1). وزادَ النَّاظِمُ (¬2) سابعاً، وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؛ لأَنَّهُ رَوَى ألفاً ومِئَةً وسبعينَ. وإنَّما كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أكثرَهُمْ، لقولِهِ (¬3)، كَمَا في " الصَّحِيْحَيْنِ " (¬4): ((قلتُ: يا رَسُوْلَ اللهِ! إنِّي أسْمَعُ مِنْكَ حَدِيْثاً كَثِيْراً أنْسَاهُ. قَالَ (¬5): ابْسُطْ رِدَاءكَ. فَبَسَطتُهُ (¬6) فَغَرَفَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمَّهُ. فما نَسِيْتُ شَيْئاً بَعْدُ)). والْمُكْثرونَ مِنْهُمْ فَتْوَى سَبْعةٌ: عمرُ، وعليٌّ، وابنُ مَسْعودٍ، وابنُ عُمرَ، وابنُ عَبَّاسٍ، وزيدُ بنُ ثابِتٍ، وعائشةُ. (والبَحْرُ) ابنُ عَبَّاسٍ (في الْحَقيقةِ أكثرُ) الصَّحَابَةِ (فَتْوى)، لأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَعا لَهُ بقولِهِ: ((اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)) (¬7)، وفي لفظٍ ((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِيْ الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ)) (¬8)، وفي آخر: ((اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ، وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ)) (¬9). ثُمَّ بَيَّنَ الْعَبادِلَةَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) ذكر هذه الأعداد الحافظ ابن الجوزي في " تلقيح فهوم أهل الأثر ": 362 - 363. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 21. (¬3) في (ص): ((كقوله)). (¬4) صحيح البخاري1/ 40 (119) و 3/ 68 (2047) و 4/ 253 (3648)، ومسلم 7/ 167 (2492). وكذلك أخرجه ابن سعد2/ 362، وأحمد2/ 240و333و427، والنسائي في الكبرى (5866)، والترمذي (3834) و (3835)، والطحاوي في شرح المشكل (1659)، وأبو نعيم في الحلية 1/ 378 و 381. (¬5) في (ص) و (ع): ((فقال)). (¬6) في (ق) و (م): ((فبسطه)). (¬7) بهذا اللفظ أخرجه البخاري 1/ 29 (75) و 9/ 113 (7270). (¬8) بهذا اللفظ أخرجه ابن سعد 2/ 365، وابن أبي شيبة (32213)، وأحمد 1/ 314 و 328 و 335، وابن حبان (7064)، والطبراني (10587) و (10614)، والحاكم 3/ 543. (¬9) أخرجه أحمد 1/ 214 و 269 و 359، وفي الفضائل له (1835) و (1883) و (1923)، وابن ماجه (166)، والترمذي (3824)، والنسائي في الفضائل (76)، وابن حبان (7063).

(وَهْوَ) أي: البحرُ عَبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، (وابنُ عُمَرَا) عَبْدُ اللهِ، (وابنُ الزُّبَيْرِ) عَبْدُ اللهِ، (وابنُ عَمرٍو) ابنِ العاصِ عَبْدُ اللهِ (قَدْ جَرَى عَلَيْهِمُ بالشُّهْرَةِ: العَبَادِلَهْ). و (لَيْسَ) مَنْ جَرى عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَهُمْ (ابنَ مَسْعُودٍ) عَبْدُ اللهِ؛ لتقدُّمِ مَوتِهِ عَلَيْهِمْ (¬1)، (ولا مَنْ شَاكَلَهْ (¬2)) في التَّسْمِيةِ بعبدِ اللهِ. فإذا اجتمعتِ الأربعةُ عَلَى شيءٍ قيل (¬3): هَذَا قَوْلُ العبادلةِ. وبعضُهُم زادَ عَلَيْهِمْ، وبعضُهم نقصَ مِنْهُمْ. ثُمَّ بيَّنَ مَنْ كَانَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أتْباعٌ، وأصْحَابٌ يقولونَ برأيهِ. فَقَالَ: (وَهْوَ) أي: ابنُ مسْعودٍ، (وَزَيدٌ) هُوَ ابنُ ثَابتٍ، (وابنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ) دونَ غَيرِهِم مِنَ الصَّحَابَةِ (في الفِقْهِ أتباعٌ يَرَوْنَ) في علمِهِم وفُتْياهُم (قولَهُمْ). 795 - وَقَالَ مَسْرُوقُ: انْتَهَى العِلْمُ (¬4) إلى ... سِتَّةِ أَصْحَابٍ كِبَارٍ نُبَلا 796 - زَيْدٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَعْ (¬5) أُبَيِّ ... عُمَرَ، عَبْدِ اللهِ مَعْ (¬6) عَليِّ 797 - ثُمَّ انْتَهَى لِذَيْنِ والبَعْضُ جَعَلْ ... الأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَا (¬7) بَدَلْ 798 - وَالعَدُّ لاَ يَحْصُرُهُمْ فَقَدْ ظَهَرْ ... سَبْعُونَ أَلْفاً بِتَبُوكٍ وَحَضَرْ 799 - الحَجَّ أَرْبَعُونَ أَلْفاً وَقُبِضْ ... عَنْ ذَيْنِ مَعْ (¬8) أَرْبَعِ (¬9) آلاَفٍ تَنِضّْ ¬

_ (¬1) نسب النووي في تهذيب الأسماء 1/ 267 هذا القول للبيهقي وقال: قيل لأحمد بن حنبل: فابن مسعود قال: ليس هو منهم - يعني العبادلة - وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 464، والإرشاد 2/ 596، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 22. (¬2) في (ع) و (م): ((مشاكله)). (¬3) في (م): ((قبل)) خطأ. (¬4) في (ب): " العلم به إلى " ويختلّ الوزن بهذه الزيادة. (¬5) العين ساكنة؛ لضرورة الوزن. (¬6) كذلك. (¬7) بقصر الممدود لضرورة الوزن. (¬8) بإسكان العين؛ لضرورة الوزن. (¬9) القياس: " أربعة"، وقد أسقطت الهاء لضرورة الوزن.

ثُمَّ بيَّنَ الذينَ انْتَهَى إِلَيْهِم العِلْمُ مِن أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: (وَقَالَ مَسْرُوقُ) بنُ الأجْدعِ الكُوفيُّ: (انْتَهَى العِلْمُ) أي: وصلَ علمُ الصَّحَابَةِ (إلى سِتَّةِ) أنْفُسٍ، (أصْحَابٍ) لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أيضاً، (كِبارٍ نُبَلاَ (¬1)) أي: فُضَلاء: (زَيْدٍ) هُوَ ابنُ ثابِتٍ، و (أَبِي الدَّرْداءِ) عُوَيْمِرٍ، (مَعْ أُبَيِّ) بنِ كَعْبٍ، و (عُمَرَ) بنِ الْخّطَّابِ، و (عَبْدِ اللهِ) بنِ مَسْعودٍ، (مَعْ عَلِيِّ) بنِ أَبِي طَالِبٍ. (ثُمَّ انتَهَى) علمُ السِّتَّةِ (لِذَيْنِ) أي: لعليٍّ، وابنِ مسعودٍ. كَذَا رَوَاهُ بَعْضُهم عَنْ مَسْرُوقٍ (¬2). (وَ) لَكِنْ (البعْضُ) مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ أيضاً، وَهُوَ الشَّعبيُّ (¬3) (جَعَلْ) أَبا مُوسَى (الأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَا (¬4)) -بالقصرِ للوزنِ- (بَدَلْ) بالوقفِ بلغَةِ رَبيعةَ. وَلاَ يَقْدحُ في انتهاءِ علمِ السِّتَّةِ إلى عَلِيٍّ، وابنِ مَسْعُودٍ تَأَخُّرُ وفاةِ كُلٍّ مِنْ زَيْدٍ، وأبِي مُوسَى عَنْهُمَا؛ إِذْ لاَ مَانِعَ مِن انتِهاءِ عِلْمِ شَخْصٍ إلى آخرَ مَعَ بَقاءِ الأوَّلِ، كَمَا أفَادَهُ النَّاظِمُ (¬5). قَالَ شَيخُنا: ((ولأنَّ عَلياً، وابنَ مَسعودٍ كَانَا مَعَ مَسْرُوقٍ بِالكُوفَةِ، فانْتَهى العِلْمُ إلَيْهِمَا بِهَا، بِمَعْنَى أنَّ عُمْدَةَ أهْلِ الكُوفَة في مَعْرِفَةِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِمَا (¬6))) (¬7). ثُمَّ بيَّنَ عدمَ انحِصارِهِمْ، فَقَالَ: (وَالْعَدُّ لا يحصُرُهُمْ) لِتَفَرُّقِهِم (¬8) في البلدانِ (¬9) والنَّواحِي، (فَقَدْ) صَحَّ قَوْلُ ¬

_ (¬1) في (م): ((نبلاء)) بإثبات الهمزة. (¬2) رواه ابن سعد في طبقاته 2/ 351، وابن المديني في علله: 44، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 481، والبيهقي في المدخل: 160. (¬3) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 351، والعلل لابن المديني: 41، والمدخل للبيهقي: 161. (¬4) في (م): ((الدرداء)) بإثبات الهمزة على أن الشارح نبه على حذفها. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 25. (¬6) في (ص): ((عليها)). (¬7) ذكره السخاوي في فتح المغيث 3/ 100 قائلاً: فيما نقل عنه. (¬8) في (م): ((لتفرقتهم)). (¬9) في (ص) و (ع) و (م): ((بالبلدان)).

كَعْبِ بنِ مالكٍ في قِصّةِ تبوك: ((وأصْحابُ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثيرٌ، لا يَجْمَعُهم كِتَابٌ حافِظٌ)) (¬1) أي: دِيْوَانٌ. و (ظَهَرْ)، يعني شهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ما رُوِيَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازيِّ (سَبْعُونَ ألْفاً بتبوكٍ) (¬2). قَالَ: (وَحَضَرْ) مَعَهُ - صلى الله عليه وسلم - (الْحَجَّ أَرْبَعُونَ ألْفاً، وقُبِضْ) - صلى الله عليه وسلم - (عَنْ ذَينِ) أي: الفَريقَينِ الْمَذكورَينِ في قِصّةِ تَبُوك، وحجةِ الوَداعِ، أي مقدارُهُما، وَهُوَ مِئَةُ ألفٍ وعَشرةُ آلاف (مَعْ) زيادةِ (أرْبَعِ آلافٍ)، فَذَلِكَ مِئَةُ ألفٍ وأربَعةَ عَشَر ألفاً (¬3) (تَنِضّْ) - بكسرِ النّونِ، وتَشْدِيدِ الضادِ الْمُعْجَمة - أي: تتيسرُ. يُقال: خُذْ ما نضَّ لكَ من دَيْنٍ، أي: تيسرَ، حكاهُ الْجًوهَريُّ (¬4). والنَّضُّ والناضُ حقيقةٌ في النقدينِ، واستُعِيرَ لِلصَّحَابَةِ لرواجِهِم في النَّقْدِ وَسَلامتِهِم مِنَ الزَّيْفِ بِعَدالتِهِمْ. قَالَ النَّاظِمُ: ((وأُسْقِطَت الْهَاءُ من ((أربعٍ)) للضَرورَةِ، وإنْ كَانَ الألْفُ مذكراً)). انتهى (¬5). وَيَصِحُّ إسقاطُها تَشْبيهاً للرِّجالِ بالدراهِمِ، قَالَ صَاحِبُ " القَامُوسِ ": ((الألفُ من العددِ مذكرٌ، وَلَوْ أُنِّثَ باعتبارِ الدراهِمِ جازَ)) (¬6). ونَقَلَهُ الْجَوْهَريُّ، فَقَالَ: ((وَقَالَ ابنُ السكيتِ: لَوْ قلتُ: هَذِهِ ألفٌ، بِمَعْنى هَذِهِ الدَّراهِمُ ألفٌ، لَجَازَ)) (¬7). ¬

_ (¬1) هذا جزء من حديث طويل. أخرجه البخاري 6/ 4 (4418)، ومسلم 8/ 105 (2769) (53). (¬2) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 293 (1893). (¬3) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 293 (1894). (¬4) الصحاح 3/ 1108 (نضض). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 27. (¬6) تاج العروس 23/ 28 (ألف). (¬7) الصحاح 4/ 1331 (ألف).

800 - وَهُمْ طِبَاقٌ إِنْ يُرَدْ تَعْدِيدُ ... قِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ أَوْ تَزِيدُ 801 - وَالأَفْضَلُ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ ... وَبَعْدَهُ عُثْمَانُ (¬1) وَهْوَ الأَكْثَرُ 802 - أَوْ فَعَلِيٌّ قَبْلَهُ خُلْفٌ حُكِيْ ... قُلْتُ: وَقَوْلُ الوَقْفِ جَا (¬2) عَنْ مَالِكِ 803 - فَالسِّتَّةُ البَاقُونَ، فالبَدْرِيَّهْ ... فَأُحُدٌ، فَالبَيْعَةُ المَرْضِيَّهْ 804 - قَالَ: وَفَضْلُ السَّابِقِينَ قَدْ وَرَدْ ... فَقِيلَ: هُمْ، وَقِيلَ: بَدْرِيٌّ وَقَدْ 805 - قِيلَ: بَلْ اهْلُ (¬3) القِبْلَتَيْنِ، واخْتَلَفْ ... -أَيُّهُمُ أَسْلَمَ قَبْلُ؟ - مَنْ سَلَفْ 806 - قِيلَ: أبو بَكْرٍ، وقِيلَ: بلْ عَلِيْ ... وَمُدَّعِي إجْمَاعِهُ لَمْ يُقْبَلِ 807 - وَقِيلَ: زَيْدٌ وادَّعى وِفَاقا ... بَعْضٌ عَلَى خَدِيجَةَ اتِّفَاقا ثُمَّ بيَّنَ تفاوتَهُم في الفَضِيلةِ إجْمالاً، ثُمَّ تَفْصِيلاً، فَقَالَ: (وَهُمْ) باعتبارِ سبْقِهم إلى الإِسْلاَمِ، أَوْ الْهِجْرَةِ، أَوْ شُهودِ الْمَشَاهِدِ الفاضِلَةِ (طباقٌ إنْ يُرَدْ تَعْدِيْدُ) أي: عدّها (¬4). (قِيْلَ) أي: قَالَ الْحَاكِمُ في " عُلومِ الْحَدِيْثِ " (¬5): هِيَ (اثنتا (¬6) عشرة) طبقةً: فالأولى: مَنْ تقدمَ إسلامُه بِمَكةَ، كالخلفاءِ الأربعةِ. الثانيةُ: أَصْحَابُ دارِ النَّدْوَةِ. الثالثةُ: مَنْ هاجَرَ إلى الْحَبَشَةِ. الرَّابِعةُ: أَصْحابُ العَقبةِ الأولى. الخَامِسَةُ: أَصْحابُ العَقبةِ الثانِيَةِ، وأكْثَرُهُم مِنَ الأنْصَارِ. ¬

_ (¬1) في النفائس: (العثمان)، وهو خطأ. (¬2) بالقصر لضرورة الوزن، وجاء في (فتح المغيث) بتحقيق الهمز، ولا يصح الوزن به. (¬3) بدرج الهمزة ووصلها لضرورة الوزن. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 28. (¬5) معرفة علوم الحديث: 22 - 25. (¬6) في (م): ((اثنا)).

السَّادِسَةُ: الْمُهَاجِرونَ الذِينَ وَصَلُوا إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقباء قَبْلَ أَنْ يدخلَ الْمَدِينةَ. السَّابِعةُ: أهلُ بَدْرٍ. الثَّامِنَةُ: مَنْ هَاجرَ بَيْنَ بَدْرٍ والْحُدَيْبِيةَ. التَّاسِعةُ: أهْلُ بَيعَةِ الرّضْوانِ. الْعَاشِرَةُ: مَنْ هَاجَرَ بَيْنَ الْحُدَيبيةِ، وفتحِ مَكةَ. الْحَاديةَ عشرَةَ: مسلَمَةُ الفَتْحِ. الثَّانيةَ عشرةَ: صِبيان وأطفالٌ رأوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الفَتْحِ وحجَّةَ الوَداعِ، وغيرِهِما. (أَوْ تَزيدُ) أي: قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى اثنتي عَشْرةَ)) (¬1). وَقَالَ ابنُ سَعْدٍ: إنَّهُمْ خَمْسُ طِباقٍ فَقَطْ. الأوْلى: الْبَدْريونَ. الثَّانيةُ: مَنْ أسلمَ قديماً مِمَّنْ هاجرَ عامَّتُهُم إلى الْحَبَشَةِ، وشهِدُوا أُحُداً فما بعدَها. الثالثةُ: مَنْ شهِدَ الْخَنْدقَ فما بعدَها. الرَّابعةُ: مَسْلَمَةُ الفَتْحِ فَمَا بعدَها. الْخَامِسَةُ: الصِّبْيانُ والأطْفالُ مِمَّنْ لَمْ يغزُ. (والأَفْضَلُ) مِنْهُمْ مُطْلَقاً بإجماعِ أهْلِ السُّنَّةِ (¬2) أَبو بَكْرٍ (الصِّدِّيقُ) سُمِّيَ بِهِ لِمُبَادَرَتِهِ إلى تَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ غيرِهِ. (ثُمَّ) يَليهِ (عُمَرُ) بنُ الْخَطَّابِ بإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ أَيْضاً. (وَبَعْدَهُ) أي: عُمَرَ، إما (عُثْمَانُ) بنُ عَفَّانٍ، (وَهْوَ الأكْثَرُ) أي: قَوْلُ الأكثرِ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ، فترتيبُهُم في الأفْضَلِيةِ كترتيبِهِم في الْخِلاَفَةِ. (أَوْ فَعَليٌّ) هُوَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ (قَبْلَهُ) - إيضاحٌ - أي: قَبْلَ عُثْمَانَ (خُلْفٌ) أي: خلافٌ (حُكِيْ). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 466. (¬2) حكى الإجماع أبو العبّاس القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 8/ 148.

وإلى قَوْلِ الأكثرِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمَا (¬1)، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ والثَّوْرِيِّ، وكَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيْثِ، والفِقْهِ، وَكَثِيْرٍ مِنَ الْمُتَكَلمينَ، كَمَا قَالَ القَاضِي عِياضٌ (¬2). وإليهِ ذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الأشْعَرِيُّ، والقَاضِي أَبُو بَكرٍ الْبَاقلانِيُّ، لكنَّهُما اختَلَفَا في التَّفْضِيلِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ أهُوَ قَطْعِيُّ الدَّلِيلِ أَوْ ظنيهُ؟ فالذي مالَ إِلَيْهِ الأشْعَرِيُّ: الأوَّل، والْبَاقلانِيُّ: الثَّانِي (¬3). (قُلْتُ: وقولُ الوَقْفِ) عَنْ تفَضِيلِ أحدِ الأخِيرَيْنِ عَلَى الآخَرِ (جا) - بالقصْرِ للوَزْنِ - (عَنْ مَالِكِ (¬4))، لَكِنْ حَكَى عَنْهُ القَاضِي عِيَاضٌ قَوْلاً بالرّجوعِ عَن الوَقْفِ إلى تَفْضِيلِ عُثْمَان (¬5). قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ((وَهُوَ الأصحُّ إنْ شَاءَ اللهُ)) (¬6). وَقَدْ (¬7) تَقَدَّمَ أنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. (ف‍) ‍يلي الْخُلَفَاءَ الأرْبَعَةَ (السِّتَّةُ الْبَاقُونَ) مِنَ العَشَرَةِ الَّذِيْنَ بَشَّرَهُم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالْجَنَّةِ، وهُمْ: طَلْحَةُ، والزُّبَيْرُ، وسَعْدٌ، وسَعِيدٌ، وعبدُ الرَّحْمَانِ ابنُ عَوْفٍ، وأبو عُبَيْدَةَ بنُ الْجَرَّاحِ. (ف‍) ‍يَلِيهِم الطَّائِفَةُ (الْبَدْرِيَّهْ) أي: الَّذِيْنَ شَهِدُوْا بَدْراً، وهُمْ ثلاثُ مِئَةٍ، وبِضْعَةَ عَشَر. (ف‍) ‍يَلِيهِم (أُحُدٌ) أي: أهلُ أُحُدٍ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهَا، وكَانُوا ألْفاً. (فَ‍) ‍يَلِيهِم (الْبَيْعَةُ الْمرضِيَّهْ) أي: أهْلُ بَيعَةِ الرِّضْوَانِ بالْحُدَيْبِيةِ (¬8) الَّتِيْ نَزَلَ فِيْهَا ¬

_ (¬1) روى البيهقي عن الشّافعيّ فقط في كتابه الاعتقاد: 368 و 369. (¬2) إكمال المعلم 7/ 382. (¬3) انظر: شرح صحيح مسلم 5/ 242. (¬4) المدونة 6/ 451. (¬5) ترتيب المدارك 1/ 175، وإكمال المعلم 7/ 382. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 32، وفتح المغيث 3/ 106. (¬7) من (م) فقط. (¬8) والحديبية بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وياء ساكنة، وكسر الباء الموحدة وياء مخففة مفتوحة ك‍: دويهية، وقد تشدّد ياؤها أيضاً. عمدة القاري17/ 212، ومراصد الإطلاع 1/ 386، وتاج العروس2/ 246.

قَولُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ} (¬1) الآيَة، وَقَدْ (¬2) كَانُوا ألفاً وأرْبَعَ مِئَةٍ (¬3). (قَالَ) ابنُ الصَّلاَحِ (¬4): (وَفَضْلُ السَّابِقِينَ) الأولينَ مِنَ الْمُهَاجِرينَ، والأنْصَارِ (قَدْ وَرَدْ) في الْقُرْآنِ بِقولِهِ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالأنْصَارِ} (¬5) ... الآيةُ، وقولُهُ تَعَالَى: {لاَ يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} (¬6) ... الآيةُ، وقولُهُ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} (¬7) ... الآيةَ. وَقَدْ اختُلِفَ فِيْهِمْ، (فقيلَ) أي: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ وغيرُهُ: (هُمْ) أي: الَّذِيْنَ شَهِدوا بَيْعةَ الرضوانِ (¬8). (وَقِيْلَ) أي: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القرظيُّ (¬9)، وغيرُهُ (¬10): (بدريٌّ) أي: أهلُ بَدْرٍ. (وَقَدْ (¬11) قِيْلَ) أي: وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ (¬12) وغيرُهُ (¬13): (بَلْ ¬

_ (¬1) الفتح: 18. (¬2) من (م) فقط. (¬3) قال أبو منصور في أصول الدين: 304: ((أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم: الخلفاء الأربعة، ثمّ الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثمّ البدريون، ثمّ أصحاب أحد، ثمّ أهل بيعة الرضوان الحديبية)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 34. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 467وعبارته: ((وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم الّذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب)). وانظر: تفسير الطبري11/ 7، والاستيعاب 1/ 6. (¬5) التوبة: 100. (¬6) الحديد: 10. (¬7) الواقعة: 10. (¬8) جامع البيان للطبري 11/ 6، ومعرفة الصّحابة لأبي نعيم: 5 - 6، والاستيعاب 1/ 7، وتفسير البغوي 2/ 381، والدر المنثور 4/ 269. (¬9) الاستيعاب 1/ 7، والدر المنثور 4/ 268. (¬10) منهم عطاء بن يسار كما في الاستيعاب 1/ 7. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 468 والمقنع 2/ 499، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 35، وفتح المغيث 3/ 109. (¬11) في (م): ((قد)) بدون واو. (¬12) تفسير الطبري 11/ 6، والدر المنثور 4/ 269. (¬13) منهم: سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وقتادة. انظر: تفسير الطبري 11/ 6، والاستيعاب 1/ 6 - 7، والدر المنثور 4/ 269.

اهْلُ (¬1)) - بالدرجِ - (القِبْلَتَين) الَّذِيْنَ صَلُّوْا إلَيْهِمَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ أوَّلُهم إسْلاماً، فَقَالَ: (واخْتَلَفَ أيُّهُمُ) - بضمِّ الْمِيمِ - (أسْلَمَ قَبْلُ) أي: الْبَاقِينَ (مَنْ سَلَفْ) فاعلُ ((اخْتَلَفَ)) أي: واختَلَفَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ فمَنْ بَعْدَهُم في أيِّ الصَّحَابَةِ أوَّلُ إسْلاماً؟ (قِيْلَ) أي: فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ (¬2)، وغيرُهُ: أوَّلُهم إسْلاماً (أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيقُ، لقولِهِ رضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، كَمَا في التِّرْمذيِّ: ((ألستُ أوَّلَ مَنْ أسلمَ؟)) (¬3). ولقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - لعمرِو بنِ عبسةَ (¬4) لما سألَهُ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الأمر: ((حرٌ وعبدٌ))، يعني أبا بَكْرٍ، وبلالاً، رَوَاهُ مُسْلِم (¬5). (وَقِيْلَ) أي: وَقَالَ جابرُ بنُ عَبْدِ اللهِ (¬6) وغيرُهُ (¬7): (بَلْ) أوَّلُهُمْ إسْلاماً (عَلِيْ) بنُ أَبِي طالبٍ، لقولِهِ رضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ (¬8): ((لَقَدْ صَلَّيتُ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ ¬

_ (¬1) في (م): ((أهل)) بإثبات الهمزة. (¬2) الاستيعاب 2/ 28. (¬3) الجامع للترمذي (3667)، وفي علله الكبير (690)، وأخرجه البزار (35)، وابن حبان (6872)، والدارقطني في العلل 1/ 234، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (71) و (72). (¬4) في (ص): ((عتبة))، وفي (م): ((عنبسة))، وما أثبتناه من (ق) و (ع). وهو الموافق لما جاء في مصادر ترجمته، انظر: تهذيب الكمال 5/ 435 (4994). (¬5) صحيح مُسْلِم 2/ 208 (832)، وأخرجه أحمد 4/ 111 و 112، وعبد بن حميد (298)، وأبو داود (1277)، والترمذي (3579)، والنسائي1/ 91و279، وفي الكبرى (174) و (1460)، وابن خزيمة (1147). (¬6) الاستيعاب 3/ 27. (¬7) منهم: زيد بن الأرقم، وأبي ذر، والمقداد، وسلمان الفارسي، وخباب، وأبي سعيد الخدري وغيرهم نقله عنهم ابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 27، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 469، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 37، وفتح المغيث 3/ 111. (¬8) لم ترد في (ق).

النَّاسُ سَبْعاً)) (¬1). (وَمُدَّعِي إجْمَاعَهُ) أي: الإجْماعِ عَلَى هَذَا القَوْلِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ (¬2) (لَمْ يُقْبَلِ) مِنْهُ، بَلْ اسْتُنْكِرَ مِنْهُ، كَمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاَحِ (¬3). (وَقِيْلَ) أي: وَقَالَ معمرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ (¬4): أوَّلُهم إسْلاماً (زَيْدٌ) هُوَ ابنُ (¬5) حارِثةَ. (وادَّعَى) حالةَ (¬6) كَوْنِهِ (وِفَاقا) أي: موافِقاً لغيرِهِ، كقتادَةَ (¬7)، وابنِ إسْحَاقَ (¬8) (بعضٌ)، كالثَّعْلَبِيِّ (عَلَى) أُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ (خَدِيْجَةَ) في أنَّها أوَّلُ النَّاسِ إسْلاماً (اتِّفَاقا) مفعولُ ((ادَّعَى)). قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: ((والْخِلافُ إنَّما هُوَ في مَنْ أسْلَمَ بَعْدَهَا)) (¬9). وَهَذَا القَوْلُ قَالَ النَّوَوِيُّ: ((إنَّهُ الصَّوابُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُحَقِّقِيْنَ)) (¬10). وَقَالَ ابنُ إسْحَاقَ: ((أوَّلُ مَنْ آمَنَ: خَدِيْجَةُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَهُوَ ابنُ عَشْرٍ، ثُمَّ زيدٌ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، فأظْهَرَ إسْلامَهُ ودعى إلى اللهِ عزَّ وجل، فأسْلَمَ بدعائِهِ عُثْمانُ، والزُّبَيْرُ، ¬

_ (¬1) أخرجه الطيالسي (188) وابن أبي شيبة (32075)، وأحمد 1/ 99، وابن ماجه (120)، والبزار (751)، وابن أبي عاصم في السنة (1324)، والنسائي في خصائص علي (7)، والحاكم 3/ 111 - 112، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (337). (¬2) معرفة علوم الحديث: 23. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 468. وقال ابن كثير في اختصار علوم الحديث: 189: ((ولا دليل عليه من وجه يصح)). (¬4) الاستيعاب 1/ 528. (¬5) كتب ناسخ (ع): ((بلغ)) دليل على بلوغ المقابلة. (¬6) في (ق): ((حال)). (¬7) الاستيعاب 4/ 282. (¬8) الاستيعاب 4/ 282. (¬9) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 469، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 341، والمقنع 2/ 501، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 38، وفتح المغيث 3/ 112. (¬10) الإرشاد 2/ 602، والتقريب: 165.

وعبدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ، وسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وطلحَةُ، فَكَانَ هَؤُلاَءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيةُ أسبقَ النَّاسِ بالإسْلامِ)) (¬1). وَقِيْلَ: أوَّلُهُم إسْلاماً بلالُ، لِخَبرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ للجمعِ (¬2) بَيْنَ الأقْوَالِ: ((والأورعُ أَنْ يُقالَ: أوَّلُ مَنْ أسلمَ مِنَ الرِّجَالِ الأحرارِ: أَبُو بكرٍ، ومنَ الصبيانِ: عليٌّ، ومن النِّساءِ: خَدِيْجَةُ، ومِنَ الْمَوالي: زيدٌ، ومِنَ الْعَبيدِ: بلالٌ)). انتهى (¬3). وَحُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ رَحِمَهُ اللهُ (¬4)، وفي الْمَسْألةِ أقوالٌ أُخَرُ (¬5). 808 - وَمَاتَ آخِراً بِغَيْرِ مِرْية ... أبُو الطُّفَيْلِ مَاتَ عَامَ مِئَةِ 809 - وقَبْلَهُ السَّائِبُ بالمَدِينَةِ ... أَوْ سَهْلٌ اوْ (¬6) جَابِرٌ اوْ (¬7) بِمَكَّةِ (¬8) 810 - وقِيلَ: الاخِرُ (¬9) بِهَا: ابنُ عُمَرَا ... إنْ لا (¬10) أبُو الطُّفَيْلِ فِيهَا قُبِرَا 811 - وأَنَسُ بنُ مالِكٍ بالبَصْرَةِ ... وابنُ أبي أوْفَى قَضَى بالكُوْفَةِ 812 - والشَّامِ فَابْنُ بُسْرٍ اوْ (¬11) ذُو باهِلَهْ ... خُلْفٌ، وقِيلَ: بِدِمَشْقٍ وَاثِلَهْ 813 - وَأنَّ في حِمْصَ ابنُ بُسْرٍ قُبِضَا ... وأنَّ بالجزيرةِ العُرْسُ قَضَى ¬

_ (¬1) سيرة ابن هشام 1/ 257 - 269، والمعارف: 168، والبداية والنهاية 3/ 20 - 24. (¬2) في (ق): ((الجمع)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 469. (¬4) نقله الحاكم عنه في "تأريخه" كما قال السخاوي في فتح المغيث 3/ 113، وقال السيوطي في تدريب الرّاوي 2/ 228: ((قال البرماوي: ويحكى هذا الجمع عن أبي حنيفة)). (¬5) انظر: فتح المغيث 3/ 113 فقد نقل السخاوي منها الشيء الكثير. (¬6) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬7) كذلك. (¬8) بصرف (مكة) وهي ممنوعة من الصرف؛ لضرورة الوزن. (¬9) بدرج ووصل (الآخر) لضرورة الوزن. (¬10) في (أ) و (ب): ((إلا)). (¬11) بدرج همزة (أو)؛ لضرورة الوزن.

814 - وبِفِلَسْطِينَ أبُو أُبَيِّ ... ومِصْرَ فابنُ الحارِثِ بنِ جُزَيِّ (¬1) 815 - وقُبِضَ الهِرْمَاسُ باليَمَامَةِ ... وقَبْلَهُ رُوَيْفِعٌ ببَرْقةِ (¬2) 816 - وقِيلَ: إفْرِيقِيَّةٍ (¬3)، وسَلَمَهْ ... بادِياً اوْ (¬4) بِطِيبَةَ المُكَرَّمَهْ ثُمَّ بيَّنَ مَنْ آخرُهُمْ موتاً، فَقَالَ: (وَماتَ) مِنْهُمْ (آخِراً) مُطلقاً (بغيرِ مِرْيَةِ) - بكسر الْمِيمِ أشهرُ من ضمِّها (¬5) - أي: شكٍّ (أَبُو الطُّفَيلِ) عَامِرُ بنُ واثِلَةَ الليثيُّ (مَاتَ عَامَ مِئَةِ) مِنَ الْهِجْرَةِ، لقولِهِ كَمَا في مُسْلِم: ((رأيتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ومَا عَلَى وَجْهِ الأرْضِ رجُلٌ رآه غيرِي)) (¬6). وَقِيْلَ: ماتَ سنةَ اثنتينِ (¬7)، أَوْ سبعٍ (¬8)، أَوْ عَشْرٍ ومِئَةٍ (¬9)، وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَكَّةَ (¬10). وَقِيْلَ: بالْكوفَةِ. فهو آخرُ مَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ، أَوْ بالكوفَةَ (¬11). أَيْضاً (و) آخرُهُمْ مَوْتاً مقيَّداً بالنَّواحي (قبلَهُ) أي: قَبْلَ أَبِي الطُّفَيلِ، إمَّا (السَّائِبُ) بنُ يَزِيدَ (بالْمَدِينَةِ) النَّبَوِيَّةِ، (أَوْ سَهْلٌ) بِها، وَهُوَ ابنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، (اوْ) (¬12) بالدرجِ (جابِرٌ)، ¬

_ (¬1) الأصل: (ابن جزء) أبدلت الهمزة ياءً وأشبعت لضرورة الوزن والتصريع. (¬2) بصرف (برقة) وهي ممنوعة من الصرف؛ للتصريع بين شطري البيت. (¬3) بصرف (إفريقية) لضرورة الوزن. (¬4) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬5) الصحاح 6/ 2491 (مرا). (¬6) صحيح مسلم 7/ 84 (2340)، وأخرجه أحمد 5/ 454، والبخاري في الأدب المفرد (790)، وأبو داود (4864)، والترمذي في الشمائل (14) من طريق الجريري عن أبي الطفيل. (¬7) جزم به ابن حبان في ثقاته 3/ 291. (¬8) قاله أبو زكريا بن منده، كما نقله العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 41. (¬9) هذا الّذي صححه الذهبي في العبر 1/ 89 و 104، وفي سير أعلام النبلاء 3/ 470 وفي الكاشف 1/ 527 (2548)، وانظر: حاشية سبط ابن العجمي هناك وتعليق المحقق. (¬10) انظر: الثقات 3/ 291، والإصابة 4/ 113. (¬11) في (م): ((كوفة))، وهو ذهول. (¬12) في (م): ((أَو)) بإثبات الهمزة.

وَهُوَ ابنُ عَبْدِ اللهِ، أي: فهو آخرُهُم مَوتاً بِهَا، أَوْ بـ ((قباءَ))، (اوْ) (¬1) -بالدرجِ- (بِمَكَّةِ) بالصَّرْفِ للوزنِ، وَالْجُمْهُوْرُ عَلَى الأوَّلِ. قَالَ النَّاظِمُ: ((كَذَا اقْتَصَرَ ابنُ الصَّلاَحِ عَلَى أنَّ أخِرَهُم مَوْتاً بالْمَدينَةِ أحدُ الثَّلاَثَةِ، وَقَدْ تأخَّرَ عَنِ الثَّلاَثَةِ مَوْتاً بِهَا: مَحْمُوْدُ بنُ الرَّبِيْع، وَتُوُفِّيَ سنةَ تِسعٍ وَتِسْعِيْنَ بتقديمِ التَّاءِ فِيْهِمَا، وَمَحْمُودُ بنُ لَبِيْدٍ الأَشْهَلِيُّ (¬2) وتُوفيَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وتِسْعِينَ)) (¬3). (وَقِيْلَ: الاخِرُ) بالدرجِ - مَوْتاً (بِهَا) أي: بِمَكَّةَ (ابنُ عُمَرا) عَبْدُ اللهِ، وكلٌّ مِنْهُ، ومِنْ جَابِرٍ عَلَى القَوْلِ بأنَّهُ مَاتَ بِمَكَّةَ إنَّما يَكُوْنُ آخرهم مَوْتاً بِمَكَّةَ (إنْ لا) أي: إنْ لَمْ يَكُنْ (أَبُو الطُّفَيلِ فِيْهَا قُبِرَا)، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أنَّهُ قُبِرَ بِهَا، والْمُرادُ: ماتَ بِهَا. وَتُوفِيَ السَّائِبُ سنةَ ثَمَانِيْنَ أَوْ اثنتينِ (¬4)، أَوْ سِتٍّ، أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. أَوْ إحْدَى وتِسْعِينَ (¬5)، أقْوَالٌ. وسَهْلٌ سنةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ (¬6)، وَقِيْلَ: إحْدَى وتِسْعينَ (¬7). وجابِرُ سنةَ اثنتينِ أَوْ ثلاثٍ، أَوْ أربَعٍ، أَوْ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ، أَوْ تِسْعٍ وسَبْعِينَ، والْمَشْهُورُ: خامِسُها (¬8). ¬

_ (¬1) كذلك. (¬2) أفاده البخاري في التاريخ الكبير 7/ 402 (1762). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 44 - 45 وفي النقل تصرف. (¬4) وبه قال أبو نعيم. انظر: هامش تهذيب الكمال 3/ 105 (2158). (¬5) قاله الجعد بن عبد الرحمان، والفلاس، والواقدي، وبه جزم ابن حبان. انظر: الثقات 3/ 172، وتهذيب الكمال 3/ 106، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 43. (¬6) وإليه ذهب أبو نعيم الفضل بن دكين، والبخاري، والترمذي. انظر: التاريخ الكبير 4/ 97 (2092)، والتاريخ الصغير 1/ 181، وتهذيب الكمال 3/ 325 (2597). (¬7) وبه قال الواقدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، وابن نمير، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ورجحه ابن زبر، وابن حبان. انظر: الثقات3/ 168، وتاريخ مولد العلماء ووفياتهم 1/ 219، وتهذيب الكمال 3/ 325 (2597). (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 44.

وابنُ عُمَرَ سَنَةَ اثنتينِ (¬1)، أَوْ ثلاثٍ (¬2)، أَوْ أربَعٍ وسبعينَ (¬3)، والْمَشْهورُ ثانيها. (وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ) آخرُهُم مَوتاً (¬4) (بالْبَصْرَةِ) - بفتحِ الْمُوحَّدَةِ أشْهَرُ مِن ضَمِّهَا وكَسْرِها - وتوفيَ سنةَ تِسْعينَ، أَوْ إحْدى (¬5)، أَوْ اثنَتَينِ (¬6)، أَوْ ثلاثٍ وَتِسْعِينَ، ورجَّحَ النَّوويُّ (¬7) وغيرُهُ (¬8) أخرَها. (وابنُ أَبِي أَوْفَى) عَبْدُ اللهِ الأسْلَمِيُّ (¬9) (قَضَى) أي: مَاتَ آخراً (بالْكُوفَةِ) سنةَ ستٍّ (¬10)، أَوْ سَبْعٍ (¬11)، أَوْ ثَمَانٍ وثَمَانينَ (¬12). ¬

_ (¬1) هو قول ضمرة، رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 31/ 198 عنه بالشك فقال: ((مات ابن عمر في سنة ثنتين -أَو ثلاث- وسبعين)). وهو قول ضعيف جداً، تفرد بذكره ضمرة. وروي عنه قول آخر يأتي. (¬2) وبه قال الزبير بن بكار، وأبو نعيم الفضل، وابن أبي شيبة، وأحمد، وضمرة، وابن حبان، وأبو زرعة الدمشقي. التاريخ الكبير 5/ 2 (4)، وثقات ابن حبان 3/ 209، وتاريخ دمشق 31/ 197 - 199. (¬3) وهو قول الواقدي، وابن سعد، وخليفة بن خياط، والفلاس، وسعيد بن عفير، ونافع مولاه، ويحيى بن بكير. تاريخ بغداد 1/ 173، وتاريخ دمشق 31/ 197 - 199. (¬4) قاله قتادة وأبو هلال والفلاّس وابن المديني وابن سعد وغيرهم. انظر: وفيات ابن زبر 1/ 222، وتاريخ دمشق 9/ 378، والطبقات الكبرى 7/ 25 - 26. (¬5) وهو قول الهيثم بن عدي، وأبي عبيد القاسم بن سلاّم، وقتادة. تاريخ دمشق 9/ 380. (¬6) وإليه ذهب الواقدي، وعبد الله بن يزيد الهذلي، ورواه معن بن عيسى عن ابن لأنس ولم يسمه. طبقات ابن سعد7/ 25والتاريخ الكبير2/ 28 (1579)، وتاريخ مولد الْعُلَمَاء 1/ 222. (¬7) تهذيب الأسماء 1/ 127 وقال: ((والصّحيح الّذي عليه الجمهور)). (¬8) منهم: إسماعيل بن علية، وسعيد بن عامر، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وخليفة بن خياط، والترمذي، والسري بن يحيى، وقعنب بن المحرر. طبقات ابن سعد 7/ 26، وتاريخ خليفة: 309، والمعرفة والتاريخ 2/ 267، والتاريخ الكبير 2/ 27 - 28 (1579). وتاريخ دمشق 9/ 382 - 384. (¬9) وقد اختلف فيما بينه وبين عمرو بن حريث فإنه مات بالكوفة أيضاً. وانظر الخلاف في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 49 - 50. (¬10) وبه قال الواقدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، والفلاس، وابن عساكر. تاريخ مولد العلماء1/ 214، والكنى والأسماء 1/ 241 (127)، وتاريخ دمشق 31/ 38، وتهذيب الكمال 4/ 91 (3159). (¬11) وهو قول أبي نعيم، حكاه البخاري في تاريخه الكبير 5/ 24 (40). (¬12) وَهُوَ قول أبي نعيم في رواية محمد بن يحيى الذهلي- على الشك مع القول السابق -، هكذا عزاه المزي في تهذيبه3/ 91 (3159) وزاد بأنه قول البخاري في موضع آخر، والترمذي وغيرهم. انظر: تاريخ دمشق31/ 37

(وَ) أمّا آخرُهُم مَوْتاً في (الشَّامِ ف‍) ‍هُوَ إمّا (ابنُ بُسْرٍ) - بضَمِّ الْمُوحَّدَةِ ثُمَّ بسينٍ مُهْمَلَةٍ - عُبيدُ اللهِ الْمَازِنِيُّ (¬1) (اوْ) (¬2) بالدرجِ - أَبُو أُمَامَةَ صُدَيُّ بنُ عَجْلانَ (¬3) (ذُو بَاهِلَهْ)، أي: البَاهِلِيُّ (خُلْفٌ)، أي: خِلافٌ. وَالصَّحِيْحُ الأوَّل. وتوفيَ الأوَّلُ سَنَةَ ثَمَانِ وَثَمانِيْنَ (¬4)، وَهُوَ الْمَشْهورُ، أَوْ ست وتسعِينَ (¬5)، أَوْ سنةَ مِئَة، والثَّانِي سنةَ إحْدَى (¬6) أَوْ ست وَثَمَانِيْنَ (¬7). ثُمَّ أشارَ النَّاظِمُ (¬8) إلى طريقةٍ أُخْرَى (¬9) سَلَكَهَا أَبُو زَكَرِيا ابنُ مَنْدَه في آخِرِهِم مَوتاً بِنَواحٍ مِنَ الشَّامِ، وَهِيَ: دِمَشْقُ، وحِمْصُ، والْجَزِيرةُ، وفِلَسْطِينُ، فَقَالَ: (وَقِيْلَ): إنَّ أخرَهُم مَوْتاً (بِدِمَشْقٍ) (¬10)، وَقِيْلَ: بِالْقُدسِ (¬11)، وَقِيْلَ: بِحِمصٍ (¬12) ¬

_ (¬1) قاله الأحوص بن حكيم، وابن المديني، وابن حبان، وابن قانع، وابن عبد البر وغيرهم. انظر: تاريخ دمشق 27/ 159، والثقات 3/ 233، ومعجم الصّحابة 2/ 80 - 81، والاستيعاب 2/ 267. (¬2) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة. (¬3) روي ذلك عن الحسن البصري، وسفيان بن عيينة وبه جزم أبو عبد الله بن منده. انظر: تاريخ دمشق 24/ 58 - 73، وتهذيب الكمال 3/ 452 (2858). (¬4) وبه قال عبد الرحمان بن الضحاك، والواقدي، ومحمد بن سعد، وخليفة بن خياط، وعمرو بن علي الفلاس، وابن نمير، ويحيى بن بكير، والمفضل الغلابي، وأبو عبيد وغيرهم. انظر: الطبقات الكبرى 7/ 413، وطبقات خليفة 552 (2835)، وفيات ابن زبر 1/ 215، وتاريخ دمشق 27/ 160 - 162. (¬5) قاله عبد الصمد بن سعيد. انظر: تاريخ دمشق 27/ 146. (¬6) وبه قال إسماعيل بن عياش، وأحمد بن محمد البغدادي، وأبو اليمان. انظر: تاريخ دمشق 24/ 74 - 75، تهذيب الكمال 3/ 452 (2858). (¬7) وهو قول يحيى بن بكير، والمدائني، والفلاس، وخليفة، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وابن زبر. انظر: تاريخ خليفة 292، وفيات ابن زبر1/ 213، وتاريخ دمشق 24/ 75 - 76، تهذيب الكمال 3/ 452 (2658). (¬8) من (م): فقط. (¬9) لم ترد في (ص) و (ق). (¬10) انظر في هذا الخلاف: تاريخ دمشق 62/ 366، وتهذيب الكمال 7/ 446 (7254). (¬11) قاله أبو حاتم الرازي. الجرح والتعديل 9/ 47. (¬12) قاله ابن قانع. انظر: تهذيب الكمال 7/ 446.

(وَاثِلَهْ) بنُ الأسقعِ، وتوفيَ سنةَ ثَلاثٍ أَوْ خَمْسٍ (¬1)، أَوْ ستٍّ وَثَمَانِينَ. (وَأنَّ فِي حِمْصَ ابنُ بُسْرٍ) السَّابقُ (قُبِضَا) آخرهم. (وأنَّ بالْجَزِيرةِ) الَّتِيْ بَيْنَ دجلَةَ والفُرَاتِ (¬2) (العُرْسُ) -بضمِّ العَينِ (¬3) - ابنُ عَمِيْرة -بفتحِهَا- الكِنْدِيُّ (¬4) (قَضَى) (¬5) آخرهم. وَقِيْلَ: آخرُهُم مَوْتاً بِهَا: وابِصَةُ بنُ معبدٍ. (و) أنَّ آخرَهُم مَوْتاً (بِفِلَسْطينَ) - بكسر الفاء، وفتح اللام، وسكون المهملة (¬6) - ناحيةٌ كبيرةٌ وراءَ الأُرْدُنِّ مِنْ أرضِ الشَّامِ، فِيْهَا عدةُ مُدُنٍ: كالقُدْسِ، والرَّمْلَةِ، وَعَسْقَلاَنَ، والْمُرادُ هنا القُدْسُ (أَبُو أُبَيِّ) -بالتصغير- عَبْدُ اللهِ، ويقالُ لَهُ: ابنُ أمِّ حرامٍ. واختُلِفَ في اسْمِ أبيهِ، فقيلَ: عمرُو بنُ قَيْسٍ (¬7)، وَقِيْلَ: أُبَيُ، وَقِيْلَ: كَعْبٌ. وَقِيْلَ: إنَّمَا مَاتَ بِدَمْشق (¬8). (وَ) أما (¬9) آخرُهم مَوْتاً في (مِصْرَ فابنُ الْحَارِثِ) عَبْدُ اللهِ (بنُ جُزَيِ) بإبدال همزتِهِ ياءً ثُمَّ إشْباعِها للوزنِ، فإنَّهُ جَزْء، وَهُوَ الزُّبَيْدِيُّ - بالتَّصْغيرِ -. وَقِيْلَ: إنَّما مَاتَ بسَفْطِ القدورِ (¬10)، وتُعْرَفُ اليومَ بسَفْطِ أبي ترابٍ بالغَرْبيةِ. وَقِيْلَ: مَاتَ باليَمَامَةِ (¬11). وتوفيَ سنة خَمسٍ، أَوْ ستٍّ، أَوْ سَبعٍ، أَوْ ثَمانٍ، أَوْ تِسْعٍ وَثَمانينَ، والْمَشْهورُ ثانيها. (وقُبِضَ الْهِرْمَاسُ) - بكسرِ الْهَاءِ - بنُ زِيادٍ الْبَاهِليُّ، آخرُهم (بالْيَمَامةِ). ¬

_ (¬1) وهو الذي اقتصر عليه المزي في تهذيب الكمال 7/ 446 الترجمة (7254)، واعتمده الذهبي في الكاشف 2/ 346 الترجمة (6025). (¬2) تسمى هذه المنطقة جزيرة أقور بالقاف. انظر: مراصد الإطلاع1/ 331، واللسان 4/ 133. (¬3) بضم أوله وسكون الراء بعدها مهملة. التقريب (4552). (¬4) قاله أبو زكريا بن منده. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 52. (¬5) في (م): ((وقضي)). (¬6) انظر: مراصد الإطلاع 3/ 1042. (¬7) قاله ابن سعد وخليفة وابن عبد البر. انظر: الطبقات الكبرى 3/ 495، وطبقات خليفة: 87، والاستيعاب 4/ 14. (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 53. (¬9) سقطت من (م). (¬10) قال الزبيدي في تاج العروس19/ 352: ((سفط القدور بأسفل مصر، وهي المعروفة الآن بسفط عَبْدالله بالغربية، وبها توفي عبدالله بن جزء الزبيدي، آخر من مات من الصّحابة بمصر، وقبره ظاهر يزار زرته مراراً)). (¬11) انظر: فتح المغيث 3/ 120.

وَعَنْ عكرمةَ بنِ عَمَّارٍ أَنَّهُ لقيَهُ سَنَةَ اثنتينِ ومِئَةٍ (¬1): فموتُهُ إمّا فِيْهَا أَوْ فِيْمَا بعدَها، فإنْ صَحَّ ذَلِكَ، أُشْكِلَ بِمَا مَرَّ مِنْ (¬2) أنَّ آخرَهم مَوْتاً مُطْلَقاً: أَبُو الطُّفيلِ، وإنَّهُ مَاتَ سنةَ مِئَةٍ. (و) قُبِضَ (قبلَهُ) سنةَ ثلاثٍ، أَوْ ستٍ وخَمْسينَ (رُوَيْفِعٌ) (¬3) هُوَ ابنُ ثابِتٍ الأنصاريُّ (بِبَرْقَةِ) -بالصَّرفِ للوزنِ-مِنْ بِلادِ الْمَغْربِ (¬4). (وَقِيْلَ): قُبِضَ في (إفْرِيقيَّةٍ) -بِكسرِ الْهَمْزَةِ، وبالصَّرفِ للوزنِ (¬5) -من بلادِ الْمَغْرِبِ أَيْضاً. وَقِيْلَ: قُبِضَ بأنطابُلس (¬6). وَقِيْلَ: بالشامِ. (و) قُبِضَ (سَلَمَهْ) بنُ عَمْرٍو بنِ الأكوعِ الأسْلَمِيُّ سَنةَ أربعٍ وسَبْعِينَ. وَقِيْلَ: أربعٍ وسِتينَ (بادِياً) أي: بالْبادِيةِ، فهو آخرُهم مَوتاً بِهَا (¬7)، (اوْ) (¬8) -بالدرجِ- (بِطِيبةَ)، أي: الْمَدينَةِ (الْمُكَرَّمَهْ) بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ الصَّحِيْحُ (¬9). قَالَ النَّاظِمُ: ((وآخرُهم مَوْتاً بِخُرَاسانَ بُرَيْدَةُ بنُ الْحُصَيْبِ، وبـ ((الرُّخَّجِ)) -أي: براءٍ مَضمومةٍ ثُمَّ خاءٍ معجمةٍ مُشَدَّدةٍ مَفْتُوحَةٍ، وَقِيْلَ: ساكِنة، ثُمَّ جيم من أعمالِ سجستانَ (¬10): الْعَدَّاءُ بنُ خَالدٍ بنِ هَوْذَة، وبأصْبَهانَ: النَّابِغَةُ الْجُعْدِيُّ (¬11). وبالطَّائِفِ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ)) (¬12). ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب 11/ 28، والتقييد والإيضاح: 315. (¬2) سقطت من (م). (¬3) بضم الراء وكسر الفاء مصغر. فتح المغيث 3/ 120. (¬4) قال السخاوي في فتح المغيث 3/ 120: ((ببرقة من بلاد المغرب فيما قاله أحمد بن البرقي. قال: وقد رأيت قبره بها وكان أميراً عليها)). (¬5) انظر: مراصد الإطلاع 1/ 100. (¬6) مدينةمن أعمال برقة بين مصر وبلاد أفريقية. انظر: معجم ما استعجم1/ 199 - 200ومعجم البلدان 1/ 266 (¬7) قاله أبو زكريا بن منده. كما نقله العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 55. (¬8) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة. (¬9) قاله إياس بن سلمة، ويحيى بن بكير، وأبو عبد الله بن منده. انظر: تهذيب الكمال 3/ 251 (2446). (¬10) انظر: معجم البلدان 3/ 38، واللباب 2/ 20 (الرخجي). (¬11) ذكر وفاته أبو الشيخ في "طبقات المحدّثين بأصبهان" 1/ 273، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1/ 73. (¬12) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 55 - 56 وفي النقل اختصار وتصرف.

معرفة التابعين

مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ (¬1) 817 - والتَّابعُ (¬2) اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا ... وَلِلْخَطِيبِ حَدُّهُ: أنْ يَصْحَبَا 818 - وَهُمْ طِبَاقٌ قِيلَ: خَمْسَ عَشَرَهْ ... أَوَّلُهُمْ: رُوَاةُ كلِّ العَشَرَهْ 819 - وَقَيْسٌ الفَرْدُ بِهَذا الوَصْفِ ... وَقِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَوْفِ 820 - وَقَوْلُ مَنْ عدَّ سَعِيداً فَغَلَطْ ... بَلْ قِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ سِوَى سَعْدٍ فَقَطْ 821 - لَكِنَّهُ الأَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَا ... وعَنْهُ قَيْسٌ وَسِوَاهُ وَرَدَا 822 - وَفَضَّلَ الحَسَنَ أَهْلُ البَصْرَةِ ... والقَرَنِيْ أُوَيْساً اهْلُ (¬3) الكُوفَةِ 823 - وفي نِسَاءِ (¬4) التَّابِعِينَ الأَبْدَا ... حَفْصَةُ مَعْ عَمْرَةَ أُمِّ الدَّرْدَا (¬5) (والتّابِعُ): الأكثَرُ اسْتعمالاً التَّابِعِيُّ، هُوَ: (اللاّقِي)، وَلَوْ غَيْر مُمَيِّزٍ (لِمَنْ قَدْ صَحِبَا) أي: لِلصَّحَابِيِّ، وَلَوْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ، وَاحداً (¬6) كَانَ الصَّحَابِيُّ أَوْ أكْثرَ، سَمِعَ مِنْهُ اللاّقِي أَمْ لا. (وَلِلْخَطِيْبِ حَدُّهُ) أي: التَّابِعِيُّ: (أَنْ يَصْحَبَا) الصَّحَابِيَّ (¬7)، فَلاَ يَكْفِي اللُقيُ (¬8). والأوَّلُ أصحُّ، ومِمَّنْ صَرَّحَ بتصحيحِهِ ابنُ الصَّلاَحِ (¬9)، والنَّوَوِيُّ (¬10). ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 41 - 46، ومعرفة أنواع علم الحديث: 471، والإرشاد 2/ 606 - 616، والتقريب: 165 - 167، واختصار علوم الحديث: 191 - 194، والشذا الفياح 2/ 519 - 534، والمقنع 2/ 506 - 517، وفتح المغيث 3/ 139 - 156، وتدريب الراوي 2/ 234 - 243، وتوضيح الأفكار 2/ 471 - 473، وظفر الأماني: 513 - 514، وتوجيه النظر 1/ 413 - 417. (¬2) في (ب): ((والسابع))، وهو خطأ. (¬3) بدرج همزة (أهل) لضرورة الوزن. (¬4) في النفائس: ((النساء)). (¬5) بالقصر لضرورة الوزن والتصريع. (¬6) في (م): ((وواحداً)). (¬7) الكفاية: (59 ت، 22 هـ‍). (¬8) في (م): ((اللقاء)). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 471، وعبارته: ((والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصّحابيّ نظراً إلى مقتضى اللفظين فيهما)). (¬10) التقريب: 165 - 166.

ثُمَّ بيَّنَ تفاوتَهم، فَقَالَ: (وَهُمْ طِبَاقٌ) ثلاثٌ، كَمَا في " الطَّبَقاتِ " لِمُسْلِمٍ، وكَمَا فِيْهَا لابنِ سَعْدٍ (¬1)، وربما بلغَ بِهَا أرْبَعاً. وَ (قِيْلَ) أي: قَالَ الْحَاكِمُ: (((خَمْسَ عَشَرهْ) طبقةً، آخرُهم مَنْ لقي أنسَ بنَ مَالِكٍ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، ومَنْ لقي عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أوْفَى مِن أَهْلِ الكُوفَةِ، ومَنْ لقي السَّائِبَ بنَ يَزِيدٍ مِن أَهْلِ الْمَدينةِ)) (¬2). و (أَوَّلُهم رُوَاةُ كُلِّ العَشَرَهْ) الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، أي: الَّذِيْنَ سَمِعُوا مِنْهُمْ، (وَقَيْسٌ) هُوَ ابنُ أَبِي حَازِمٍ (الفَرْدُ) أي: انْفرَدَ مِنْهُمْ (بِهَذَا الوَصْفِ) أي: بروايتِهِ عَنْ كُلِّهم، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بنُ يُوسُفَ بنِ خِراشٍ (¬3)، وابنُ حِبَّانَ (¬4). (وَ) لكنْ (قِيْلَ) أي: قَالَ أَبُو داودَ، وغيرُهُ: إنَّهُ (لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابنِ عَوْفِ) عَبْدِ الرَّحْمَانِ (¬5)، أحدهم (¬6). (وَ) أمَّا (قَوْلُ مَنْ عَدَّ) - مَعَ قَيْسٍ، فِيْمَنْ سَمِعَ مِن العَشَرَةِ - (سَعِيداً)، هُوَ ابنُ الْمُسَيِّبِ؛ وَهُوَ الْحَاكِمُ (¬7)، (فَغَلَطْ)؛ لأنَّ سَعِيْداً (¬8) إنَّما وُلِدَ في خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَكيفَ يسمَعُ مِن أَبِي بَكْرٍ؟ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِن بَعْضِ بقيَّتِهِم أَيْضاً (¬9). ¬

_ (¬1) بعد هذا في (م): ((في الطبقات)) ولم ترد في شيء من النّسخ الخطية. (¬2) معرفة علوم الحديث: 42. (¬3) تاريخ دمشق 49/ 461 ذكره مسنداً، وهو في تهذيب الكمال 6/ 130 (5485). (¬4) الثقات 5/ 307. (¬5) سؤالات الآجري: 113. (¬6) يعني: أحد العشرة المبشرة، فالضمير عائد على العشرة المتقدمة بالذكر. (¬7) معرفة علوم الحديث: 42. (¬8) في (ق) و (م): ((سعيد)). (¬9) انظر: الجرح والتعديل 4/ 59 الترجمة (262)، والمراسيل (114)، وتاريخ يحيى بن معين (رواية الدوري) 2/ 207 (999)، وتهذيب التهذيب 4/ 87.

(بَلْ قِيْلَ): إنَّهُ (لَمْ يَسْمَعْ) مِن جَمِيعِهِمْ (سِوَى سَعْدٍ)، هُوَ ابنُ أَبِي وَقَّاصٍ (فَقَطْ) تَكْملةٌ وتَأْكِيْدٌ (¬1). ثُمَّ بَيَّنَ الْخِلاَفَ في أفْضَلِ التَّابِعِيْنَ، فَقَالَ: (لَكِنَّهُ) أي: سَعِيدَ بنَ الْمُسَيِّبِ (الأفْضَلُ) من سائِرِ التَّابِعِيْنَ، (عِنْدَ) الإمَامِ (أَحْمَدَا)، وابنِ الْمَدِيْنِيِّ (¬2)، وغيرِهِما (¬3). (وَعَنْهُ) أي: وعنْ أَحْمَدَ قَوْلٌ أخرُ: إنَّ أفْضَلَهُمْ (قَيْسٌ) السَّابِقُ، (وَسِواهُ) أي: وغيرُهُ، وَهُوَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَمَسْروقُ بنُ الأجْدَعِ (¬4) (وَرَدَا) -بألفِ الإطْلاق -. (وَفَضَّلَ الْحَسَنَ) البصريَّ (أهْلُ البَصْرَةِ)، (و) فَضَّلَ (الْقَرَنِيْ) - بفتحِ القافِ والرَّاءِ وسكون الياء (¬5) - (أُوَيْساً اهلُ (¬6) الكُوفَةِ) بالدرجِ، وفَضَّلَ سَعيدَ بنَ الْمُسَيِّبِ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ. ¬

_ (¬1) هذا القول ليس بشيء، فحديثه عن عثمان وعلي في الصحيحين. تهذيب الكمال 3/ 199، وصح عنه أنه قال: "شهدت علياً وعثمان". أخرجه أحمد في العلل: 1/ 319 (1966). وكذلك رأى عمر وسمع منه، لكنه كان صغيراً، ولم يكن سماعه منه لشيء كثير؛ لذا نفاه من نفاه، وقد صح عنه أنّه قال: " ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر". المراسيل: 73. وأخرج البخاري في التاريخ الصغير 1/ 56 و 216 عنه قال: " إني لأذكر يوم نعى عمر ابن الخطاب النعمان بن مقرن على المنبر". وقد قال الإمام أحمد حين سأله أبو طالب صاحبه: " سعيد عن عمر حجة" قَالَ: هُوَ عندنا حجة، قَدْ رأى عمر وسمع مِنْهُ، إذا لَمْ يقبل سعيد عَنْ عمر فمن يقبل؟)). الجرح والتعديل 4/ 61. وروايته عن عمر متفق عليها. صحيح البخاري 1/ 28 (475) و 7/ 219 (5969) و 8/ 79 (6287)، وصحيح مسلم 6/ 155 (2100) (75 و 76). وروايته عن علي متفق عليها أيضاً. صحيح البخاري 2/ 176 (1569)، وصحيح مسلم 4/ 46 (1223). (¬2) تهذيب الكمال 3/ 200 (2342). (¬3) منهم: أبو حاتم وابن حبان. انظر: الثقات 4/ 274، وتهذيب الكمال 3/ 200. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 475، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 16. (¬5) التقريب: (581). وانظر: الأنساب 4/ 460. (¬6) في (م): ((أهل)) بإثبات الهمزة.

وهذا التَّفْضِيلُ (¬1) حكاهُ ابنُ الصَّلاَحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ خفيفٍ، واسْتَحْسَنَهُ (¬2). لَكِنْ قَالَ النَّاظِمُ: ((الصَّحِيْحُ، بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الكُوفَةِ لِحَدِيْثِ مُسْلِمٍ (¬3) عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُوْلُ: ((إنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أوِيْسٌ ... الْحَدِيْثَ (¬4). قَالَ: فهذا الْحَدِيْثُ قاطِعٌ للنِّزاعِ. وأما تَفْضيلُ أَحْمَدَ لابنِ الْمُسَيِّبِ وغيرِهِ (¬5) فلعلَّهُ لَمْ يبلغْهُ الْحَدِيْثُ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ عندَهُ، أَوْ أرَادَ بالأفْضَلِيَّةِ الأفْضَلِيَّةَ في العِلْمِ لا الْخَيْرِيَّةِ)) (¬6) أي: عِنْدَ اللهِ. هَذَا حُكمُ ذكورِ التَّابِعِيْنَ. (و) أمَّا الْحُكْمُ (في نِسَاءِ التَّابِعِيْنَ)، فيُقالُ فِيْهِ: (الأبْدَا) (¬7) - بإسْكانِ الباءِ - يعني: أوَّلَهُنَّ في الْفَضْلِ عِنْدَ إيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ (حَفْصَةُ) بِنْتُ سِيْرِيْنَ وَحْدَهَا (¬8). وَعِنْدَ أَبِي بَكرِ بنِ أَبِي دَاودَ (¬9) حَفْصَةُ (مَعْ عَمْرَةَ) بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، وَمَعَ ثَالِثَةٍ ليسَتْ كَهُمَا (أمِّ الدَّرْدَا (¬10))، يعني: الصغرى، واسْمُها هجيمةُ، ويُقالُ: جهيمةُ، لا الكُبْرَى فتلكَ صَحَابِيَّةٌ واسْمُهَا: خيرة (¬11). 824 - وَفِي الكِبَارِ الفُقَهَاءِ السَّبْعَهْ ... خَارِجَةُ القَاسِمُ ثُمَّ عُرْوَهْ ¬

_ (¬1) في (ق): ((التفصيل)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 475. (¬3) 7/ 189 (2542) (224) و (225). (¬4) أخرجه ابن سعد 6/ 161 - 162، وابن أبي شيبة 12/ 153، وأحمد 1/ 38، والبزار (342)، وأبو نعيم في الحلية 2/ 80 من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. (¬5) لم ترد في (م). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 62 - 63. (¬7) في (م): ((الأبد)). (¬8) رواه المزي بإسناده في تهذيب الكمال 8/ 526، ونقله الذهبي في الكاشف 2/ 505، والسير 4/ 507، وابن حجر في تهذيب التهذيب 12/ 409. (¬9) نقله ابن الصّلاح عنه بلاغاً في معرفة أنواع علم الحديث: 475 - 476. (¬10) في (م): ((الدرداء)). (¬11) ترجمتها في الثقات3/ 116، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/ 321 (3862)، والإصابة 4/ 295 (386).

825 - ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللهِ ... سَعِيدُ والسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ 826 - إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ (¬1) أَوْ سَالِمُ ... أَوْ فَأَبو بَكْرٍ خِلاَفٌ قَائِمُ (وَفي الكِبَارِ) أي: كِبَارِ التَّابِعِيْنَ (الفُقَهَاءُ السَّبْعَهْ) مِن أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ، الَّذِيْنَ كَانُوا ينْتَهى إلى قَولِهم وإفْتائِهم: الأوَّلُ: (خَارِجةُ) بنُ زَيْدٍ الأنْصَاريُّ. والثَّانِي: (القَاسِمُ) بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ الصدِّيقِ. (ثُمَّ) الثالثُ: (عُرْوَهْ) بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الأسديُّ. (ثُمَّ) الرابعُ: (سُلَيْمانُ) بنُ يَسَارٍ الْهِلالِيُّ. والْخَامِسُ: (عُبيدُ اللهِ) بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ. والسَّادِسُ: (سَعِيدُ) بنُ الْمُسَيِّب. (والسابع: ذو اشْتِبَاهِ). فهو (إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ) -بالصَّرْفِ للوزنِ- ابنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَوْفٍ، وَعَلَيْهِ الأكْثرُ، (أَوْ سَالِمُ) بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ (¬2)، (أَوْ فأبُو بَكرٍ) ابنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابنِ الْحَارِثِ بنِ هِشامٍ الْقُرَشِيُّ (¬3) (خِلافٌ) فِيْهِ (قَائِمُ) بِمَعْنَى: قويمٌ، أي: قويٌّ. وبلغَ بِهِمْ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ اثنَي عَشَرَ، فنقصَ وزادَ، فَقَالَ: فَقَهاءُ الْمَدِيْنَةِ اثنا عَشَر: سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ، وأَبُو سَلَمَةَ، والقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وسَالِمُ، وَحَمْزَةُ، وزَيدُ، وعُبيدُ اللهِ، وبِلالُ بنو عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وأبانُ بنُ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ (¬4)، وقَبِيْصَةُ بنُ ذُوَيْبٍ، وخارِجَةُ وإسْمَاعيلُ ابنا زَيدِ بنِ ثابِتٍ (¬5). ¬

_ (¬1) بالصرف؛ لضرورة الوزن. (¬2) روي عن عبد الله بن المبارك أنه ذكر الفقهاء السبعة، ولم يذكر أبا سلمة بن عبد الرّحمان وذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر. انظر: المعرفة والتاريخ 1/ 325، والمدخل للبيهقي (157)، والسير 4/ 461. (¬3) روي ذلك عن أبي الزناد. انظر: المعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 325، ومعرفة علوم الحديث للحاكم: 43، والمدخل للبيهقي (156). (¬4) لم ترد في (ق). (¬5) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 44.

827 - والمُدْرِكُونَ جَاهِلِيَّةً فَسَمْ ... مُخَضْرَمِينَ كَسُوَيْدٍ في أُمَمْ (وَ) أَمَّا (الْمُدْرِكُونَ جَاهِليةً) أي: مَا قَبْلَ البِعْثةِ مَع زمنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا صُحْبَةَ لَهُمْ (فَسَم‍) ‍هِمْ مَعَ كونِهِمْ تَابِعِيْنَ (¬1) (مُخَضْرَمِيْنَ) بالْمُعْجَمَتَينِ، وبفتحِ الرَّاءِ أشْهَرُ مِن كسرِها. وَمَاحَكاهُ الْحَاكِمُ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ من أنَّ اشْتقاقَهُ من أنَّ أَهْلَ الْجَاهِليةِ مِمَّنْ أسْلَمَ ولَمْ يُهَاجِرْ كانُوا يُخَضْرِمُونَ آذانَ الإبلِ-أي يقطعونَها-لِتَكونَ علامَةً لإسْلامِهِم، إن أُغيرَ عَلَيْهِمْ أَوْ حُورِبُوا (¬2). مُحْتملٌ لَهما (¬3)، فالفَتْحُ من أجلِ أنَّهُم خُضْرِمُوا، أي: قُطعُوا عَنْ نَظائِرِهِم بِمَا ذكر، فهُمْ مفعولونَ، والكسر من أجلِ أنَّهمْ خَضْرَمُوا آذانَ الإبِلِ، فهم فاعِلُونَ. وَقَالَ صاحِبُ " الْمحكمِ ": ((رجُلٌ مُخَضْرَمٌ: إذا كَانَ نِصْفُ عمُرِهِ في الْجَاهِليَّةِ، ونصفُهُ في الإسْلامِ، وَشَاعِرٌ مُخَضْرَمٌ: أدركَ الْجَاهِليَّةَ والإسْلامَ)) (¬4). وَقَالَ ابنُ حِبَّانَ: ((الرَّجُلُ إذا كَانَ لَهُ في الكُفْرِ ستُّونَ سَنَةً، وفي الإسْلامِ ستُّونَ سَنَةً، يُدْعَى مُخَضْرَماً)) (¬5). ومُقْتَضى عَدمِ اشْتراطِهِما نفي (¬6) الصُّحْبَةِ، أَنَّ حكيمَ بنَ حِزامٍ - رضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - وشبهَهُ مُخَضْرَمٌ، وليسَ كذلك في الاصْطِلاحِ؛ لأنَّ الْمُخَضْرَمَ هُوَ: الْمُتَرَددُ بَيْنَ الطَّبَقَتَينِ لا يُدْرَى من أيِّتِهما هُوَ. وهذا هُوَ مدلولُ الْخَضْرَمَةِ لُغَةً. فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ "الْمحكمِ" (¬7): ((مُخَضْرَمٌ: ناقِصُ الْحَسَبِ. وَقِيْلَ: الدَّعِيُّ. وَقِيْلَ: مَنْ لا يُعْرَفُ أبَوَاهُ. وَقِيْلَ: مَنْ أبُوْهُ أبْيَضُ، وَهُوَ أسْوَدُ. وَقِيْلَ: مَنْ وَلَدَتْهُ السراري)). وَقَالَ هُوَ أَيْضاً، والْجَوْهَريُّ: ((لَحْمٌ مُخَضْرَمٌ: لا يُدْرَى مِنْ ذكرٍ هُوَ، أَو أُنْثَى)) (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): ((التّابعين)). (¬2) معرفة علوم الحديث: 45. (¬3) في (م): ((لها)). (¬4) المحكم 5/ 200 (خضرم). (¬5) الإحسان 4/ 341 عقب (1477). (¬6) في (ص): ((ففي)). (¬7) المحكم 5/ 200 (خضرم). (¬8) الصحاح 5/ 1914 (خضرم).

فَكَذَلِكَ الْمُخَضْرَمُونَ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ للمعاصرةِ، وبيْنَ التَّابِعِيْنَ لِعَدَمِ اللِّقَاءِ (¬1) وهُمْ كَثِيْرٌ، (كَسُوَيْدٍ) هُوَ ابنُ غفلَةَ (في أُمَمْ) أي: جَمَاعَاتٍ، كأبِي عَمْرٍو سَعْدِ بنِ إياسٍ الشَّيْبَانِيِّ، وشريحِ بنِ هَانِئ ٍ، ويسيرِ، أَوْ أُسَيرِ بنِ عمرِو بنِ جَابِرٍ، وعمرِو بنِ مَيْمُونَ الأوْدِيِّ، والأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ النَّخعيِّ، والأسْوَدِ بنِ هِلالٍ الْمحاربيِّ. وَقَدْ بَلَغَ بِهِمْ مُسْلِمُ بنُ الْحَجَّاجِ عِشْرينَ (¬2)، وَمُغُلْطَاي (¬3) أزيدَ مِن مِئَةٍ. 828 - وَقَدْ يُعَدُّ في الطِّبَاقِ التَّابِعُ (¬4) ... في تابِعِيهِمْ إذْ يَكُونُ الشَّائِعُ 829 - الحَمْلَ عَنْهُمْ كأَبِي الزِّنَادِ ... والعَكْسُ جَاءَ وَهْوَ ذُوْ فَسَادِ 830 - وَقَدْ يُعَدُّ تَابِعِيّاً صَاحِبُ ... كَابْنَي مُقَرِّنٍ ومَنْ يُقَارِبُ (وَقَدْ يُعَدُّ في الطِّبَاقِ التَّابِعُ في تَابِعيهِمْ) أي: في تَابِعِي التَّابِعِيْنَ (إِذْ يَكُوْنُ الشَّائِعُ) أي: لِكونِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ، والشَّائِعِ عَنْهُ (الْحَمْلَ عَنْهُمْ) أي: عَن التَّابِعِيْنَ. (كأَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللهِ بنِ ذكوانَ، وكَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُوسى بنِ عُقْبَةَ، فإنَّهُمْ تَابِعِيُّونَ مَعَ أَنَّهُمْ مَعْدُودُونَ عِنْدَ (¬5) أَكْثَرِ النَّاسِ في أَتْباعِ التَّابِعِيْنَ. (والعَكْسُ جَاءَ) أَيْضاً، وَهُوَ عدُّ بَعْضِ أصْحابِ الطِّبَاقِ في التَّابِعِيْنَ، بَعْضَ تَابِعي التَّابِعِيْنَ، كَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سُوَيدٍ النخعيِّ، وسَعِيدٍ، وَوَاصلٍ ابني عَبْدِ الرَّحْمَانِ البَصْرِيِّ. وزادَ قوله: (وَهْوَ) أي: العَكْسُ (ذُو فَسَادِ) يعني: أشدُّ فَسَاداً من الَّذِي قَبْلَهُ، ويُمْكِنُ تَقْريرُ كَلامِهِ بِمَا يَشْمَلُ القِسْمَينِ، بِأَنْ يُقَالَ: وَهُوَ، أي: ما ذُكِرَ مِن القِسْمَيْنِ ذُو فَسَادٍ. ¬

_ (¬1) في (ع) و (ق): ((اللقي)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 65 - 66. (¬2) ذكرهم الحاكم نقلاً عن الإمام مسلم في معرفة علوم الحديث: 44 - 45. وقد زاد عليه ابن الصّلاح اثنين، والعراقي في"شرح التبصرة والتذكرة" ثلاثة، وزاد في "التقييد" على الإمام مسلم وابن الصّلاح عشرين شخصاً. فتم العدد الّذين ذكرهم الحفاظ الثلاثة: اثنين وأربعين شخصاً. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 474، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 67، والتقييد والإيضاح: 325. وقال السخاوي في فتح المغيث 3/ 134: ((ومن طالع الإصابة لشيخنا وجد مِنْهُمْ كما قدمت خلقاً)). (¬3) في (م): ((مغلطائي)). (¬4) في (ب): السابع، وهو خطأ، والصواب ما أثبت. (¬5) في (ص): ((عن)).

رواية الأكابر عن الأصاغر

(وَقَدْ يُعَدُّ) في الطِّبَاقِ أَيْضاً (تَابِعِيَّاً صَاحِبُ) بأّنْ يُعدَّ في التَّابِعِيْنَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ غَلَطاً أَوْ لِكَونِ الصَّحَابيِّ مِن صِغارِ الصَّحَابَةِ، يُقارِبُ التَّابِعِيْنَ في أنَّ رِوَايَتَهُ أَوْ جُلَّهَا عَن الصَّحَابَةِ. والأوَّلُ: (ك‍) ‍النُّعْمانِ، وسُوَيْدٍ (ابْنَي مُقَرِّنٍ) الْمُزَنِيِّ، فإنَّهُمَا صَحَابِيَّانِ مَعْرُوفانِ مِن جُمْلَةِ الْمُهَاجِرينَ، كَمَا سَيَأْتِي في نوعِ الإخوةِ والأخواتِ، مع أنَّ الْحَاكِمَ عَدَّهُمَا غلطاً في الإخْوَةِ مِن التَّابِعِيْنَ (¬1). (وَ) الثَّانِي: وَهُوَ من زِيادَتِهِ، ك‍ (‍مَنْ يُقَارِبُ) التَّابِعِيْنَ في طَبَقتِهِمْ؛ لأجْلِ أنَّ رِوَايَتَهُ، أَوْ جُلَّهَا عَنِ الصَّحَابَةِ، كَمَا تَقَرَّرَ. فَقَدْ عَدَّ مُسْلِمٌ وابنُ سَعْدٍ في التَّابِعِيْنَ: يوسُفَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلامٍ، وَمَحْمُودَ بنَ لَبِيْدٍ، وجاءَ عكسُهُ أَيْضاً، وَهُوَ عدُّ بَعْضِ التَّابِعِيْنَ في الصَّحَابَةِ، كَعَبْد الرَّحْمَانِ بنِ غَنْمٍ الأشْعَرِيِّ. فَقَدْ عَدَّهُ مُحَمَّدُ بنُ الرَّبيعِ الْجِيْزِيُّ في الصَّحَابَةِ مَعَ أنَّهُ تَابِعِيٌّ. فائدةٌ: قَالَ البُلْقِينِيُّ: ((أوَّلُ التَّابِعِيْنَ مَوْتاً: أَبُو زَيْدٍ معمرُ بنُ زَيدٍ، قُتِلَ بِخُراسَانَ. وَقِيْلَ: بأذْرَبِيجانَ سَنَةَ ثَلاَثِينَ. وآخرُهم مَوْتاً: خلفُ بنُ خَليفةَ سَنَةَ ثَمانِينَ ومِئَةٍ)) (¬2). رِوَايةُ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ (¬3) (الأكابرُ) أي: رِوايتُهم (عَنِ الأَصَاغِرِ)، وَهِيَ نَوعٌ لَطِيفٌ، وَمِنْ فَوائِدِ مَعْرِفَتِهِ: الأمْنُ مِن ظَنِّ الانْقِلاَبِ، وتَنْزيلُ أَهْلِ العِلْمِ منازلَهُمْ، عَمَلاً بِخَبَرِ أَبِي داودَ مِن ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 154. (¬2) محاسن الاصطلاح: 458. (¬3) انظر في هذا: معرفة علوم الحديث: 48 - 49، ومعرفة أنواع علم الحديث: 477، والإرشاد2/ 617 - 619، والتقريب: 167 - 168، واختصار علوم الحديث: 195 - 196، والشذا الفياح2/ 535 - 540، والمقنع2/ 518 - 520، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 73 - 76، ونزهة النظر: 160 - 161، وطبعة عتر: 62، وفتح المغيث 3/ 157 - 159، وتدريب الراوي2/ 243 - 245، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 198، وتوضيح الأفكار 2/ 473 - 474، وتوجيه النظر 1/ 417 - 420.

حَدِيْثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: ((أنْزِلُوْا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ)) (¬1). والأصْلُ فِيْهِ رِوَايَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في خُطْبَتِهِ: خبرَ الْجساسةِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، كَمَا في مُسْلِمٍ (¬2)، وَذَلِكَ عَلَى أَضْربٍ ذكرَ مِنْهَا ثلاثةً، فَقَالَ: 831 - وَقَدْ رَوَى الكَبِيرُ عَنْ ذِي الصُّغْرِ ... طَبَقَةً وَسِنّاً اوْ (¬3) في القَدْرِ 832 - أَوْ فيهِمَا وَمِنْهُ أَخْذُ الصَّحْبِ ... عنْ تابعٍ كَعِدَّةٍ عَنْ كَعْبِ (وَقَدْ رَوَى الكَبِيرُ عَنْ ذِي الصُّغْرِ) - بضمِّ الصَّادِ وإسْكانِ الْغَيْنِ - أي: عَن الصَّغِيرِ (طَبَقَةً وَسِنّاً)، وَهُمَا مُتَلازِمانِ غَالباً، أي: إما أن يكونَ الكبِيرُ رَوَى عَنْ أصْغَرَ مِنْهُ في الطَّبَقَةِ والسنِّ، كرِوَايَةِ كُلٍّ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعيدٍ الأنْصَاريِّ عَنْ تلميذِهما الإمَامِ مَالكِ بنِ أنسٍ، وكرِوَايَةِ أَبِي القاسِمِ عُبيدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الأزْهَرِيِّ عَنْ تِلْمِيذِهِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيْبِ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ شَاباً. (اوْ) (¬4) - بالدرجِ - رَوَى عَنْ أصْغَرَ مِنْهُ (في القَدْرِ) دُوْنَ (¬5) السنِّ، كَرِوَايَةِ مَالِكٍ، وابنِ أَبِي ذِئْبٍ (¬6)، عَنْ شَيْخِهما عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وأشْبَاهِهِ. (أَوْ) رَوَى عَنْ أَصْغَرَ مِنْهُ (فِيهِمَا) أي: في القَدْرِ، والسنِّ الْمُلازِمِ (¬7) لِلطَّبَقَةِ غَالِباً، كَمَا مَرَّ كَرِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، والعُلَمَاءِ عَنْ تَلاْمِذَتِهِم، كَعَبْدِ الغَنِيِّ بنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الصُّوريِّ. ¬

_ (¬1) سنن أبي داود (4842) من حديث ميمون بن أبي شبيب، عن عائشة به مرفوعاً، وهو منقطع، قَالَ أبو داود: ((ميمون لم يدرك عائشة)) وقد أخطأ الحاكم في معرفة علوم الحديث: 49، فصححه وقلّده ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 477، وقد تعقبهما في ذلك العراقيُّ في التقييد والإيضاح: 328 - 329. (¬2) صحيح مسلم 8/ 203 (2942). (¬3) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬4) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة. (¬5) في (ص): ((ذو)). (¬6) في (ص): ((ذويب)). (¬7) في (ع): ((اللازم)).

رواية الأقران

(وَمِنْهُ) أي: مِنَ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنَ رِوَايَةِ الأكابِرِ عنِ الأصاغِرِ: (أَخْذُ الصَّحْبِ) أي: الصَّحَابَةِ (عنْ تابعٍ) لَهُمْ، (كَ‍) ‍رِوَايَةِ (عِدَّةٍ) مِنْهُمْ، فِيْهِمْ العَبَادِلَةُ الأرْبَعَةُ، وعُمَرُ، وعَلِيٌّ، وأنسٌ، وَمُعَاوِيَةُ، وأبو هُرَيْرَةَ، (عَنْ كَعْبِ) الأَحْبارِ. رِوَايَةُ الأَقْرَانِ (¬1) (رِوَايَةُ الأقْرَانِ) بأَنْ يَرْوِيَ الشَّخْصُ عَنْ قَرينِهِ، وَهِيَ نَوْعٌ لَطيفٌ، وَمِن فَوائِدِ مَعْرِفَتِهِ: الأمْنُ من ظَنِّ الزِّيَادَةِ في السَّنَدِ. ¬

_ (¬1) رواية الأقران، ويسمى بالمدبج، والمدبج بضم الميم، وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة، وآخره جيم، قال الحافظ العراقي في التقييد: 334: ((ما المناسبة المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج؟ ومن أي شيء اشتقاقه؟ لَمْ أرَ من تعرض لِذلِكَ إلا أن الظاهر أنَّهُ سمي بِذَلِكَ لحسنه فإن المدبج لغة هُوَ المزين. قَالَ صاحب المحكم الدبج النقش والتزيين فارسي معرب قَالَ: وديباجة الوجه حَسَن بشرته، ومنه تسمية ابن مَسْعُود الحواميم ديباج القُرْآن، وإذا كَانَ هَذَا مِنْهُ، فإن الإسناد الذي يجتمع فِيهِ قرينان أو أحدهما أكبر والآخر من رِوَايَة الأصاغر عن الأكابر إنما يقع ذَلِكَ غالباً فِيْمَا إذا كانا عالمين أو حافظين أو فِيْهِمَا أو في أحدهما نَوْع من وجوه الترجيح حَتَّى عدل الرَّاوِي عن العلو للمساواة أو النزول لأجل ذَلِكَ فحصل للإسناد بِذَلِكَ تحسين وتزيين كرواية أحمد بن حنبلٍ عَنْ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ، ورواية ابن مَعِيْنٍ عَنْ أحمد وإنما يقع رِوَايَة الأقران غالباً من أهل العِلْم المتميزين بالمعرفة، ويحتمل أن يقال: إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة فشبها بالخدين، فإن الخدين يقال لهما الديباجتان كما قاله صاحب المحكم والصحاح، وهذا المعنى يتجه على ما قاله الحاكم وابن الصلاح إن المدبج مختصٌ بالقرينين، ويحتمل أنَّهُ سمي بذلك لنزول الإسناد، فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما درجة، وإن كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين، وقد روينا عن يحيى بن معين، قال: الإسناد النازل قرحة في الوجه، وروينا عن علي بن المديني وأبي عمرو المستملي قالا: النزول شؤمٌ، فعلى هذا لا يكون المدبج مدحاً له ويكون ذَلِكَ من قولهم رجل مدبج قبيح الوجه والهامة حكاه صاحب المحكم، وفيه بعد. والظهر أنَّهُ إنما هو مدح لهذا النّوع أو يكون من الاحتمال الثاني، والله أعلم)). انتهى وانظر المستدرك 2/ 437، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 123، 124، والصحاح 1/ 312، ولسان العرب 2/ 65، ونزهة النظر: 160 وفتح المغيث 3/ 160، وتدريب الراوي 2/ 247. وانظر في المدبج: معرفة علوم الحَدِيْث: 215 - 220، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 480، والإرشاد 2/ 620 - 622، والتقريب: 168، والاقتراح: 311 - 313، واختصار علوم الحديث: 197، والشذا الفياح 2/ 541 - 546، والمقنع 2/ 521 - 523، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 76 - 79، ونزهة النظر: 159 - 160، وطبعة عتر: 61 - 62، وفتح المغيث 3/ 160 - 162، وتدريب الراوي 2/ 246 - 248، وتوضيح الأفكار 2/ 475 - 476، وتوجيه النظر 1/ 459.

833 - والقُرَنَا (¬1) مَنِ اسْتَوَوْا في السَّنَدِ ... والسِّنِّ غَالِباً وقِسْمَينِ اعْدُدِ 834 - مُدَبَّجاً وَهْوَ إِذَا كُلٌّ أخَذْ ... عَنْ آخَرٍ (¬2) وغيرَهُ انْفِرادُ فَذْ (والقُرَنَا) - بِالقَصْرِ للوزنِ - (مَنِ اسْتَوَوْا) وَلَوْ تَقْريباً (في السَّنَدِ)، يَعْنِي: في الأخْذِ عَن الشيوخِ (¬3)، (وَ) في (السِّنِّ)، لَكِنْ (غَالِباً)، إِذْ قَدْ يكتفى بالتَّساوِي في السَّنَدِ، وإنْ تَفاوتُوا في السِّنِّ (¬4). (وقِسْمَينِ اعْدُدِ) أي: واعدُدْ رِوَايَةَ الأَقْرانِ قِسْمَيْنِ، وأبْدِلْ مِنْهُمَا (¬5) (مُدَبَّجاً) - بضمِّ الْمِيمِ، وفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، وآخرهُ جيم -، (وَهْوَ: إِذا كُلٌّ) مِنَ القَرِيْنَينِ (¬6) (أخَذْ عَنْ آخَرٍ) - بصَرْفِهِ لِلْوَزْنِ - أي: عَن الآخرِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ أخْذاً من ديباجتَي الْوَجْهِ، وهُمَا الْخَدَّانِ (¬7) لتساويهِما وَتَقَابُلهمَا (¬8). (وغيرَهُ) بالنَّصْبِ عَطْفاً عَلَى ((مدبَّجاً)) أي: مدبَّجاً، وغيرَ مُدَبَّجٍ، وَهُوَ: (انْفِرادُ فَذْ) - بِفاءٍ وذالٍ مُعْجَمةٍ - أي: انْفِرادُ أحدِ القَرينَينِ (¬9) بِالرِّوَايَةِ عَن الآخرِ (¬10). وسَواءٌ أكانَ الْمُدْبَجُ بِواسِطَةٍ أَمْ بِدونِهَا. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج‍) بالقصر لضرورة الوزن، وجاء في (ب) بإثبات الهمزة، وهو خطأٌ عروضي، وإن كان الأصل. (¬2) بالصرف لضرورة الوزن. (¬3) قال ابن حجر في النزهة: 159: ((فإن تشارك الرّاوي ومن روى عنه في أمر من الأمور المتعلقة بالرواية مثل السن واللقي، وهو الأخذ عن المشايخ، فهو النوع الّذي يقال له: رواية الأقران؛ لأنه حينئذ يكون راوياً عن قرينه)). (¬4) قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 481: ((وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السنّ)). وانظر: معرفة علوم الحديث: 215. (¬5) في (م): ((عنهما)). (¬6) في (م): ((الفريقين)). (¬7) في (م): ((خدان)). (¬8) انظر: فتح المغيث 3/ 140. (¬9) في (م): ((القرنين)). (¬10) انظر: فتح المغيث 3/ 140.

مَثَالُهُ بِهَا كَمَا أفادَهُ شَيْخُنَا: أَنْ يروِي الليثُ، عَنْ يَزيدَ بنِ الْهَادِ، عَنْ مَالِكٍ، ويروي مَالِكٌ عَنْ يَزيدَ، عَن اللّيثِ. ومثالُهُ بدونِها: رِوَايَةُ كُلٍّ مِن أَبِي هُرَيْرَةَ، وعَائِشَةَ، عَنْ الآخر. ومثالُ غَيْرِ الْمُدبجِ: رِوَايَةُ الأعْمَشِ، عَنْ التَّيْمِيِّ، وهُمَا قَرينَانِ (¬1). وَقَدْ تَجْتَمِعُ (¬2) جَمَاعَةٌ مِنَ الأقْرَانِ في سِلْسِلَةٍ، كَرِوَايَةِ أَحْمَدَ (¬3)، عَنْ أَبِي خَيثَمةَ زهيرِ بنِ حربٍ، عَن ابنِ مَعِيْنٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الْمَدِيْنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ (¬4) بنِ معاذٍ (¬5)، لِحَدِيْثِ (¬6) أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: ((كُنَّ أزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذْنَ مِنْ شُعُورِهِنَّ حَتَّى تَكُوْنَ كَالْوَفْرَةِ)) (¬7). فالْخَمْسَةُ - كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ - أقرانٌ. ¬

_ (¬1) في (ق): ((قريبان)). (¬2) في (ع): ((يجتمع)). (¬3) لم ترد في (ص). (¬4) في (ق): ((عبد الله)). (¬5) ((أي: عن أبيه: عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة. وإنما أورده كذلك اقتصاراً على الأقران ا. هـ‍. تتائي على غرامي صحيح)). هذه تعليقة وردت في حاشية (ع). (¬6) في (م): ((كحديث)). (¬7) لم نجده في مسند الإمام أحمد ولا في بقية كتبه، ولم يذكره ابن كثير في جامع المسانيد 37/ 245 في ترجمة أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة، عن عائشة، وساقه الذهبي بسنده في السّير 18/ 571، وكذا الفاداني في كتاب " العجالة في الأحاديث المسلسلة " 1/ 36 من طريق السيوطي، عن ابن حجر، عن البلقيني كلاهما (الذهبي والبلقيني)، عن المزي وعن المزي رواه الأيوبي في المناهل السلسلة: 245 إلى الإمام أحمد، به، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه 1/ 176 (320) مطولاً من حديث عبيد الله العنبري، عن أبيه، عن شعبة، به.

الأخوة والأخوات

الأُخْوَةُ والأَخَوَاتُ (¬1) (الأُخْوَةُ والأخَواتُ) من الرُّواةِ، والعُلَماءِ، ومَعْرِفَتُهم نوعٌ لَطيفٌ، ومن فوائِدها: الأمنُ من ظنِّ الغَلَطِ، أَوْ ظَنِّ مَنْ لَيْسَ بأخٍ أخاً للاشْتِراكِ في اسمِ الأبِ، كَأَحْمَدَ بنِ أشْكابٍ، وعليِّ بنِ أشْكابٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أشْكابٍ. 835 - وَأَفْرَدُوا الأخْوَةَ بالتَّصْنِيفِ (¬2) ... فَذُوْ ثَلاَثَةٍ بَنُو حُنَيْفِ 836 - أَرْبَعَةٌ أَبُوهُمُ السَّمَّانُ ... وخَمْسَةٌ أَجَلُّهُمْ سُفْيَانُ 837 - وسِتَّةٌ نَحْوُ بَنِي سِيْرِيْنَا ... واجْتَمَعُوا ثَلاَثَةً يَرْوُونا 838 - وَسَبْعَةٌ بَنُو مُقَرِّنٍ، وَهُمْ ... مُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِيهِمْ عَدُّهُمْ 839 - وَالأَخَوَانِ جُمْلَةٌ كَعُتْبَةِ ... أَخِي ابْنِ مَسْعُودٍ هُما ذُوْ صُحْبَةِ (وَأفْرَدُوا) أي (¬3): أئِمَّةُ الْحَدِيْثِ، كابنِ الْمَدِيْنِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وأبِي داودَ، والنَّسَائِيِّ (¬4)، (الأُخْوَةَ) مِن الرُّوَاةِ والعُلَمَاءِ (بالتَّصْنِيفِ). ولَهُ أمْثِلَةٌ في الاثنَيْنِ، فأكْثَرَ: (فَذُوْ ثَلاَثَةٍ) مِنَ الصَّحَابَةِ: سهلٌ، وعبادٌ، وعُثْمَانُ (بَنُو حُنَيْفِ) -بالتَّصْغِيرِ-. ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 152 - 157، ومعرفة أنواع علم الحديث: 482، والإرشاد 2/ 623 - 631، والتقريب: 169، واختصار علوم الحديث: 198 - 199، والشذا الفياح 2/ 547 - 557، والمقنع 2/ 524 - 534، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 79 - 85، ونزهة النظر: 204، وطبعة عتر: 79، وفتح المغيث 3/ 163 - 169، وتدريب الراوي 2/ 249 - 253، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 201، وتوضيح الأفكار 2/ 476 - 477، وتوجيه النظر 1/ 442 - 445. (¬2) كذا في (أ) و (ج‍)، وجاء في (ب): بالتضعيف، وهو خطأ. (¬3) لم ترد في (ق). (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 482، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 79.

وَذُوْ (أرْبَعَةٌ) مِنَ التَّابِعِيْنَ سُهَيلٌ، ومُحَمَّدٌ (¬1)، و (¬2) صالِحٌ، وعبدُ اللهِ الْمُلَقَّبُ: عباداً (أَبُوهُمُ) ذكوانُ أَبُو صَالِحٍ (السَّمَّانُ)، ويُقَالُ لَهُ: الزَّيَّاتُ (¬3). (وَ) ذُو (خَمْسَةٌ) سُفيَانُ، وآدَمُ، وعِمْرَانُ، وَمُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، بَنُو عُيَيْنَةَ، و (أجَلُّهُمْ) عِلْماً: (سُفْيَانُ). قَالَ النَّاظِمُ (¬4): ((واقْتَصَرَ ابنُ الصَّلاَحِ (¬5) عَلَى كَوْنِهِمْ خَمْسَةً، لِكَونِهِمْ هُم الَّذِيْنَ رَوَوْا، وإلاَّ فَقَدْ عَدَّهُم غَيْرُ واحِدٍ عشرةً)). (وَ) ذُو (سِتَّةٌ، نَحْوُ) مُحَمَّدٍ، وأنسٍ، ويَحْيَى، ومعبدٍ، وحفْصَةَ، وَكَرِيْمَةَ (¬6) (بَنِي سِيْرِيْنَا)، عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمِنْهُمْ مَنْ زادَ في عَدِّهِمْ عَلَى سِتَّةٍ. (واجْتَمَعُوا ثَلاَثَةً) - بالنَّصْبِ بالْحَالِيَّةِ - أي: واجْتَمَعَ الإخْوَةُ حَالَةَ كَوْنِهِمْ ثَلاَثَةً مِن هَؤُلاَءِ السِّتةِ في إسْنَادِ حَدِيْثٍ وَاحِدٍ (يَرْوُونَا) أي: يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. وَذَلِكَ فِيْمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ في "كِتَابِ الْعِلَلِ" (¬7) مِن رِوَايَةِ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِينَ، عَنْ أخِيْهِ يَحْيَى، عَنْ أخِيْهِ أنَسٍ، عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ، أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لَبَّيْكَ حَجّاً حَقاً تَعَبُّداً وَرِقّاً)) (¬8). ¬

_ (¬1) أنكره ابن عدي حيث ذكر أولاد أبي صالح. انظر: الكامل 7/ 474 (ط أبي سنة). (¬2) سقطت الواو من (ص). (¬3) بفتح الزاي وتشديد الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، هذه النسبة إلى بيع الزيت. الأنساب 3/ 204. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 81. (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 483. (¬6) ذكر الحاكم في " تاريخه " نقلاً عن أبي علي الحافظ أن أبناء سيرين خمسة إخوة، محمّد بن سيرين، وأكبرهم معبد بن سيرين، ويحيى بن سيرين، وخالد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأصغرهم حفصة بنت سيرين فأبدل خالد مكان كريمة. كما نقله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 484. (¬7) لم نجده مسنداً في المطبوع من العلل، وقد ذكره الدارقطني في الجزء السادس: 11 السؤال 944 معلقاً بدون إسناد. (¬8) أخرجه البزار 2/ 13 (كشف الأستار) مرفوعاً وموقوفاً، وأبهم شيخه في المرفوع (مجمع الزوائد 3/ 223)، والرامهرمزي في المحدّث: 624 (904)، والصوري في فوائده: 77 (36)، والخطيب في تاريخه 14/ 215 (سقط منه ذكر أنس بن سيرين، وكلام الخطيب بعده يقتضي ذكره)، و14/ 216، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد 17/ 82، من طرق عن الحكم بن سنان والنضر بن شميل -منفردين- كلاهما، عن محمد بن سيرين، عن أخيه يحيى بن سيرين، عن أخيه أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، به مرفوعاً.

قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وهَذِهِ غَرِيْبَةٌ)) (¬1). بَلْ أفادَ ابنُ طَاهِرٍ (¬2) الْحَافِظُ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِينَ لِهَذَا الْحَدِيْثِ، عَنْ أخِيهِ يَحْيَى، عَنْ أخِيهِ معبدٍ، عَنْ أخِيهِ أنسٍ، فَقَدْ اجْتَمَعَ إخْوَةٌ أرْبَعَةٌ في إسنادٍ وَاحِدٍ (¬3)، وَهَذِهِ أغْرَبُ. (وَ) ذُو (سَبْعَةٌ) النُّعْمَانُ، ومَعْقِلٌ، وَعَقِيلٌ، وسُوَيْدٌ، وَسِنَانٌ، وعبدُ الرَّحْمَانِ، وعبدُ اللهِ (¬4) (بَنُو مُقَرِّنٍ) الْمُزَنِيِّ، (وَهُمْ) صَحَابِيُّونَ (مُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِيهِمْ) أي: في الصَّحَابَةِ مِمَّنْ حَازَ هَذِهِ الْمَكْرُمَةَ مِن الإخْوَةِ (¬5) (عَدُّهُمْ) أي: سَبْعَةٌ. وعدُّ هَؤُلاَءِ سَبْعةً هُوَ الْمَشْهُورُ، وحَكَى الطَّبَرِيُّ، وغيرُهُ، أَنَّهُمْ عشرةٌ (¬6). (والأَخَوَانِ) مِنَ الصَّحَابَةِ وغيرِهِم (جُمْلَةٌ) كَثِيرةٌ، (كَعُتْبَةِ) - بالصَّرْفِ لِمُنَاسَبَةِ الْقَافِيةِ (أخِي) عَبْدِ اللهِ (ابنِ مَسْعُودٍ)، وَ (هُمَا ذُو صُحْبَةِ) لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَكمُوسَى، وعبدِ اللهِ ابنَي عُبَيْدَة الرَّبَذِيِّ، وَبَيْنَهُمَا في العُمُرِ ثَمَانُونَ سَنَةً (¬7)، وَهُوَ غَرِيْبٌ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 484. (¬2) في (ص): ((ظاهر)). (¬3) من هذا الطريق أخرجه الصوري في الفوائد المنتقاة: 76 (35)، 87 (45). (¬4) ذكر ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 484 النعمان بن مقرن، ولم يذكر عبد الله، بل قال: ((وسابع لم يسمّ لنا)). وذكر ابن الملقن في المقنع 2/ 529: ((والذي لم يسمّ هو نعيم بن مقرّن)). وقال الحافظ العراقي: ((سمّاه ابن فتحون في ذيل الاستيعاب عبد الله بن مقرن ... )) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 82. وانظر: التقييد: 341، والإصابة 2/ 373. (¬5) قال ابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 412: ((كلهم هاجر وصحب النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وليس ذلك لأحدٍ من العرب سواهم))، ونقل ابن سعد في طبقاته 6/ 20 عن محمّد بن عمر: ((سمعت أنهم قد شهدوا الخندق)). (¬6) تاريخ الطبري 2/ 316. (¬7) قاله ابن قتيبة في المعارف: 592، وقال ابن حجر في تهذيبه 5/ 310: ((ولا نظير لهما في ذلك)).

قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ولاَ نطولُ بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ لنُدْرَتِهِ، ولعدمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ في غَرَضِنَا هُنَا)) (¬1). قَالَ النَّاظِمُ: ((وأكثرُ ما رأيْتُ (¬2) مِنَ الإخْوَةِ الذُّكُورِ الْمَشْهُورِينَ عشرةٌ، ومنهم: بَنُو الْعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ-، وهُمْ: الفَضْلُ، وعبدُ اللهِ، وعُبَيْدُ اللهِ، وعبدُ الرَّحْمَانِ، وقُثَمُ، ومعبدٌ، وعَونٌ، والْحَارِثُ، وكثيرٌ، وتَمامٌ، وَكَانَ أصْغَرَهُمْ)) (¬3). وَمِنْهُمْ: بَنُو عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي (¬4) طَلْحَةَ، وَقَدْ سَمَّاهُم ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ (¬5)، وغيرُهُ عشرةً، وسَمَّاهُم ابنُ الْجَوْزِيِّ اثْنَي (¬6) عَشَر: القَاسِمُ، وعُمَيرٌ، وَزَيْدٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَيَعْقُوبُ، وإسْحَاقُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وعُمَرُ، ويعمرُ، وعمارةُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ((وكُلُّهُمْ حُمِلَ عَنْهُ العِلْمُ)) (¬7). رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ (¬8) فَهُمَا (¬9) نَوْعَانِ مُهِمَّان، وَمِن فَوائِدِ مَعْرِفَةِ أوَّلِهما: الأمنُ مِن ظَنِّ تَحْريفٍ نَشَأَ عَنْهُ كَوْنُ الابنِ أباً، وبدأ بالأوَّلِ، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 484. (¬2) في (ع): ((رأيته)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 84. (¬4) لم ترد في (ص). (¬5) الاستيعاب 1/ 688. (¬6) في (ع): ((إثنا)). (¬7) ينظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 273، وسير أعلام النبلاء 3/ 483. (¬8) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 485و489، والإرشاد 2/ 632 - 636، والتقريب: 170 - 171، واختصار علوم الحديث: 199 - 202، والشذا الفياح 2/ 558 - 562، والمقنع 2/ 535 - 539، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 85، ونزهة النظر: 160 - 161، وطبعة عتر: 62، وفتح المغيث 3/ 170 - 182، وتدريب الراوي 2/ 254 - 255، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 206، وتوضيح الأفكار 2/ 477 - 480. (¬9) في (م): ((هما)).

840 - وَصَنَّفُوا فِيمَا عَنِ ابْنٍ أَخَذَا ... أبٌ كَعَبَّاسٍ عَنِ الفَضْلِ كَذَا 841 - وائِلُ (¬1) عَنْ بَكْرِ (¬2) ابْنِهِ (¬3) والتَّيْمِيْ ... عَنِ ابْنِهِ مُعْتَمِرٍ في قَوْمِ 842 - أَمَّا أَبُو بَكْرٍ عَنِ الحَمْرَاءِ ... عَائِشَةٍ (¬4) في الحَبَّةِ (¬5) السَّوْدَاءِ 843 - فإنَّهُ لاَبْنُ أبي عَتِيقِ ... وغُلِّطَ الوَاصِفُ بالصِّدِّيقِ (وَصَنَّفُوا) أي: أئِمَّةُ الْحَدِيْثِ، كَالْخَطِيْبِ (فِيمَا عَنِ ابْنٍ أخَذَا أبٌ) أي: فِيْمَا أخذَهُ الأبُ عَنِ ابنِهِ، أي: أَوْ بنتِهِ (كَ‍) ‍رِوَايَةِ (عَبَّاسٍ) عمِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (عَنِ) ابنِهِ (الفَضْلِ) (¬6)، كَحَدِيْثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِمُزْدَلِفَة (¬7)، وكَرِوَايَتِهِ أَيْضاً عَن ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ فَقَدْ قَالَ ابنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّهُ رَوَى عَنْهُ حَدِيْثاً. و (كَذَا) رَوَى (وائِلُ) - بغيرِ تَنْوين - بنُ داودَ (عَنْ بَكْرِ) - بغيرِ تَنْوين أَيْضاً - (ابْنِهِ)؛ ثَمَانِيَةَ أحَادِيثَ، مِنْهَا في السُّنَنِ الأرْبَعَةِ (¬8)، وَصَحِيْحِ ابنِ حِبَّانَ (¬9) ما رَوَاهُ بَكْرٌ ابْنُهُ عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنَسٍ: ((أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيْقٍ وَتَمْرٍ)). ¬

_ (¬1) بغير تنوين لضرورة الوزن. (¬2) بغير تنوين لضرورة الوزن. (¬3) في (ب): ((أبيه)) وهو خطأ. (¬4) بالصرف هنا لضرورة الوزن. (¬5) في (ب): ((في الجنة))، وهو خطأ. (¬6) في (م): ((فضل)). (¬7) لم نجده بهذا السند، وهو في كتاب الخطيب: " رواية الآباء عن الأبناء " - وهو مفقود، لم نقف عليه مطبوعاً ولا مخطوطاً - كما أشار إليه المصنف، وقبله ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 485، وحديث: ((جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة)) ثابت من حديث أسامة بن زيد عند أحمد في المسند 5/ 202، ومسلم 4/ 74 (1286). (¬8) سنن أبي داود (3744)، وابن ماجه (1909)، والترمذي (1095) و (1096)، وفي الشمائل له (177)، والنسائي في الكبرى (6601). (¬9) صحيح ابن حبان (4062) و (4066) ط الفكر.

(و) كَذَا رَوَى سُلَيْمَانُ بنُ طَرْخَانَ (التَّيْمِيْ عَنِ ابْنِهِ مُعْتَمرٍ) حَدِيْثَيْنِ، وَقَدْ رَوَى الْخَطِيْبُ مِن رِوَايَةِ مُعْتَمرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَتنِي أنْتَ عَنِّي عَنْ أيُّوبَ، عَن الْحَسَنِ أنَّهُ قَالَ: ((وَيْح (¬1) كَلِمَةُ رَحْمَةٍ)). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وَهَذا ظَرِيفٌ يجمَعُ أنْوَاعاً)) (¬2). أي: رِوَايَةُ الآبَاءِ عَن الأبْنَاءِ، وعَكْسِهِ، والأكابِرُ عَن الأصاغِرِ، والْمُدَبَّجِ والتَّحْدِيثِ بَعْدَ النِّسْيَانِ، وغيرِهَا. (في قَوْمِ) آخَرِينَ رَوَوْا عَنْ أَبْنَائِهِم، كأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، رَوَى عَنْ ابْنهِ غَيْرِ مُسَمَّى حَدِيْثاً، وَزَكَرِيّا بنِ أَبِي زَائِدةَ رَوَى عَن ابْنِهِ يَحْيَى حَدِيْثاً، ويونُسَ بنِ أَبِي إسْحَاقَ رَوَى عَن ابْنِهِ إسْرَائِيلَ حَدِيْثاً. قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وأكْثَرُ ما رَويناهُ لأبٍ عَن ابْنِهِ، مَا رَوينا في كِتَابِ الْخَطِيْبِ عَنْ أَبِي عُمَر حَفْصِ بنِ عُمَرَ الدُّوْرِيِّ الْمُقرِئ، عَن ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ سِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ)) (¬3). (أمَّا أَبُو بَكْرٍ) الَّذِيْ رَوَى (عَنِ الْحَمْرَاءِ) الْمُعبَّرِ عَنْهَا في رِوَاياتٍ بـ ((الْحُمَيْرَاء)) لَقَبٍ لأمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ (عَائِشَةٍ) - بالصَّرفِ للوزنِ - حَدِيْث: (((في الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ) شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ)) (فإنَّهُ لابْنُ) بِلامِ الابْتِداءِ (أَبي عَتِيقِ) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (¬4)، واسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَعَائِشَةُ عَمَّةُ أبيهِ، (وغُلِّطَ الوَاصِفُ) لَهُ (بالصِّدِّيقِ) أَبِي عَائِشَةَ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: الصحاح 1/ 417، وتاج العروس 7/ 220. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 487. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 487. (¬4) أخرجه البخاري 7/ 160 (5687)، وابن ماجه (3449)، والمزي في تهذيب الكمال 2/ 347 مصرحاً بابن أبي عتيق. (¬5) هكذا ساقه المنجنيقي في كتابه " رواية الأكابر عن الأصاغر "، كما قال ابن حجر في فتح الباري 10/ 143 - 144.

مع أنَّ ابنَ الْجَوْزِيِّ (¬1) ذَكَرَ أنَّ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيق أبَاهَا، رَوَى عَنْهَا حَدِيْثَيْنِ، وأنَّ أُمَّ رومان - أمَّهَا - رَوَتْ عَنْهَا حَدِيثَينِ. 844 - وَعَكْسُهُ صَنَّفَ فِيهِ الوَائِلي ... وهْوَ مَعَالٍ لِلْحَفِيدِ النَّاقِلِ 845 - وَمِنْ أَهَمِّهِ إذا مَا أُبْهِمَا ... الأبُ أَوْ جَدٌّ وَذَاكَ قُسِمَا 846 - قِسْمَينِ عَنْ أَبٍ فَقَطْ نَحْوَ أَبِي ... العُشَرَا (¬2) عَنْ أَبِهِ عَنِ النَّبِي ... 847 - واسْمُهُما (¬3) على الشَّهيرِ فاعْلَمِ ... أُسَامَةُ بنُ مَالِكِ بنِ قِهْطَمِ 848 - وَالثَّانِ (¬4) أنْ يَزِيدَ (¬5) فيهِ بَعْدَهُ ... كَبَهْزٍ اوْ (¬6) عَمْرٍو أباً أَوْ جَدَّهُ 849 - والأَكْثَرُ احْتَجُّوا بعمرٍو حَمْلاَ ... لَهُ على الجَدِّ الكَبِيرِ الأَعْلَى 850 - وَسَلْسَلَ الآبَا (¬7) التَّمِيمِيُّ فَعَدّْ ... عَنْ تِسْعَةٍ قُلْتُ: وَفَوْقَ ذَا وَرَدْ ثُمَّ بَيَّنَ النَّاظِمُ النَّوْعَ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَعَكْسُهُ) وَهُوَ رِوَايَة (¬8) الأبْنَاءِ عَن الآبَاءِ (صَنَّفَ فِيهِ) الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللهِ (الْوَائِلي) - نِسْبَةً لبكْرِ بنِ وَائِلٍ - كِتَاباً. ¬

_ (¬1) التلقيح: 704. (¬2) هو أبو العشراء، قصر؛ لضرورة الوزن. وجاء هَذَا الشطر في (أ) و (ج‍) وفتح المغيث: العشراء عَنْ أبيه عَنْ النبيّ، ولا يستقيم الوزن هكذا. وجاء في النفائس: العشراء عن أبه عن النبيّ، ولا يصح الوزن بهذا أيضاً. أمّا في (ب) فقد جاء: العشرا عن أبه عن النبيّ -بسكون الشين- ولا يصح الوزن بهذا أيضاً، وإن كان هذا هو الأقرب؛ إذ الصحيح ما أثبتناه -بالقصر وفتح الشين وحذف الياء- من أبيه. (¬3) في (ب): ((واسمها))، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬4) في (أ): ((والثاني))، ولا يصح عروضياً، وما أثبت من (ب) و (ج‍) وفتح المغيث والنفائس. (¬5) في (ب): ((يريد))، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬6) بدرج الهمزة من (أو) لضرورة الوزن. (¬7) الأصل: الآباء، وقصر لضرورة الوزن. (¬8) في (م): ((ورواية)).

(وَهْوَ) أي: هَذَا النَّوْعُ (مَعَالٍ) أي: مفاخرٍ، (لِلْحَفِيدِ) أي: ولدِ الابنِ (النَّاقِلِ) رِوَايَةً عَنْ أبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((حَدَّثَنِي أَبُو الْمُظَفَّرِ بنُ السَّمْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ (¬1) عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الفاميِّ، سَمِعْتُ أبَا القَاسِمِ مَنْصُورَ بنَ مُحَمَّدٍ العَلَويَّ، يَقُوْلُ: الإسْنَادُ بَعْضُهُ عَوَالٍ، وبَعْضُهُ مَعَالٍ (¬2)، وَقَوْلُ الرَّجُلِ: ((حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي)) مِنَ الْمَعَالِي)) (¬3). (وَمِنْ أَهَمِّهِ) أي: هَذَا النَّوْعِ (إذا مَا أُبْهِمَا الأَبُ)، فَلَمْ يُسَمَّ، (أَوْ) سُمِّيَ وأُبْهِمَ (جَدٌّ، وَذَاكَ) النَّوعُ بِحَسبِ هَذَا (قُسِمَا قِسْمَيْنِ): أحدُهُما: مَا تَكُوْنُ الرِّوَايَةُ فِيْهِ (عَنْ أَبٍ فَقَطْ) أي: دون جَدٍّ، (نَحْوَ) رِوَايَةِ (أَبِي العُشَرَا (¬4)) - بالقَصْرِ للوزنِ - الدارميِّ، (عَنْ أَبِهِ، عَن النَّبِيِّ) - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في جميع النّسخ و (م)، وهو الموافق لما جاء في مصادر ترجمته. انظر: الأنساب 4/ 318، وتذكرة الحفاظ 4/ 1309، والعبر 4/ 124، وطبقات الحفاظ: 471، وشذرات الذهب 4/ 140. وجاء في معرفة أنواع علم الحديث لابن الصّلاح: 491: ((النضر))، ومثله في السير 20/ 297. (¬2) لم ترد في (ص). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 491. وانظر: محاسن الاصطلاح: 485 - 489، وتدريب الرّاوي 2/ 257. (¬4) في (م) بتحقيق الهمزة، ولم يفطن الناشر لقول الشارح. (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة (19830)، وأحمد 4/ 34، والدارمي (1978)، والبخاريّ في تاريخه الكبير 2/ 22، وأبو داود (2825)، وابن ماجه (3184)، والترمذي (1481)، والنسائي 7/ 228، وأبو يعلى (1503) و (1504)، وابن عدي في الكامل 1/ 209، والطبراني في الكبير (6719) و (6720) و (6721)، وأبو نعيم في الحلية 6/ 257، والبيهقي 9/ 246، والخطيب في تاريخه 1/ 413، من طريق حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللّبّة؟ قَالَ: ((لَوْ طعنت في فخذها لأجزأ عنك))، قَالَ التِّرْمِذِي: ((هَذَا حَدِيث غَرِيْب لا نعرفه إلا من حَدِيث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي الشعراء، عن أبيه غَيْر هَذَا الحَدِيْث)). وقال الخطابي في معالم السنن 4/ 280: ((وأبو العشراء الدارمي لا يدري من أبوه، ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة)). وقال البخاري في تاريخه الكبير 2/ 22 (1557): ((في حديثه واسمه وسماعه من أبيه، نظر)).

فأبُو أَبِي العُشَرَاءِ، لَمْ يُسَمَّ في طُرُقِ (¬1) الْحَدِيْثِ، (واسْمُهُما) أي: أَبِي العُشَرِاءِ وأبيهِ (على الشَّهيرِ) من الأقْوَالِ، (فاعْلَم) أنَّهُ (أُسَامَةُ بنُ مَالِكِ بنِ قِهْطَمِ)، بِهَاء، وَقِيْلَ: بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ بدلها، وَهُوَ بِكسرِ القافِ والطَّاءِ وبِفَتْحِهِمَا، وبِفَتْحِ الأوَّلِ، وكَسْرِ الثَّانِي، وعَكْسِهِ (¬2). وَقِيْلَ في اسْمِهِما: عطَارِدُ بنُ برْزٍ براء ساكِنة أَوْ مَفْتُوحة. وَقِيْلَ: بِلامٍ بدلها ثُمَّ زاي (¬3). وَقِيْلَ: يَسَارُ بنُ بلز بنِ مَسْعُودٍ (¬4). وَقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. (وَ) القِسْمُ (الثَّانِ) بِحَذْفِ الياء: (أنْ يَزِيدَ) الرَّاوِي (فِيْهِ) أي: في السَّنَدِ (بَعْدَهُ) أي: بَعْدَ الأبِ (كَبَهْزٍ، اوْ (¬5) عَمْرٍو) -بالدرجِ- (أباً) آخرَ يَكُوْنُ جداً، (أَوْ) يزيدَ (جَدَّهُ) أي: جَدَّ الأبِ. وَفِي البَيْتِ - كَمَا قَالَ النَّاظِمُ (¬6) - لفٌ وَنَشْرٌ (¬7)، وَتَقْدِيْمٌ وَتَأْخِيْرٌ، تَقْدِيرُهُ: والثَّانِي: أن يزيدَ بَعْدَ الأبِ أباً (¬8)، كبَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، أَوْ جَدّاً كَعَمْرِو بنِ شُعَيبِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ. ولِعَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عَنْ أبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ نُسْخَتَانِ: كَبِيْرَةٌ، وصَغِيرَةٌ، وَقَدْ اخْتُلِفَ في الاحْتِجَاجِ (¬9) بِكُلٍّ مِنْهُمَا، (والأكْثَرُ) مِن الْمُحَدِّثِيْنَ (احْتَجُّوا ب‍) ‍حَدِيْثِ (عَمْرٍو ¬

_ (¬1) في (م): ((طريق)). (¬2) انظر: الأسامي والكنى لأحمد (77)، والتاريخ الكبير 2/ 21 (1557)، وكنى مسلم (2667)، والكنى والأسماء للدولابي 2/ 31، وتسمية من يعرف بكنيته لأبي الفتح الأزدي (194)، وتهذيب مستمر الأوهام: 337. (¬3) ذكره الإمام البخاري في تاريخه الكبير 2/ 21 (1557). (¬4) ذكره الإمام البخاري في التاريخ الكبير 2/ 21 (1557)، ووقع في المطبوع: ((سيار)) بتقديم السين على الياء، وأشار محققه إلى: أنه في نسخة: ((يسار)). (¬5) أثبت ناشر (م) الهمزة، وهو ذهول. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 94. (¬7) انظر في هذا الإيضاح في علوم البلاغة: 202. (¬8) بعد هذا في (ص): ((أي)). (¬9) في (ق): ((بالاحتجاج)).

حَمْلا لَهُ) أي: لِجَدِّهِ في الإطْلاقِ، (عَلَى الْجَدِّ الْكَبِيرِ الأعْلَى) علواً نسبياً، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ دُوْنَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ والدِ شُعَيبٍ، لما ظَهَرَ لَهُمْ مِن إطْلاَقِهِ ذَلِكَ. فَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ: ((رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وعَلِيَّ بنَ الْمَدِيْنِيِّ، وإسْحَاقَ بنَ رَاهَوَيْهِ، وأبَا عُبَيْدٍ (¬1)، وعامةَ أصْحَابِنَا، يَحْتَجُّونَ بِحَدِيْثِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عَنْ أبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، ما تركهُ، أحَدٌ مِن الْمُسْلِمِينَ)). قَالَ البُخَارِيُّ: ((فَمنِ النَّاسُ بَعْدَهُمْ؟)) (¬2). وَقَالَ مرةً: ((اجْتَمَعَ عَلِيٌّ، وابنُ مَعِيِنٍ، وَأَحْمَدُ، وأبُو خَيْثَمَةَ، وشُيوخٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَتَذَاكَرُونَ حَدِيْثَ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، فَثَبَّتُوهُ، وَذَكَرُوا أنَّهُ حُجَّةٌ)). وَخَالفَ آخَرُونَ، فضَعَّفَهُ بَعْضُهُم مُطْلَقاً (¬3)، وَبَعْضُهُمْ في رِوَايَتِهِ عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ دُوْنَ مَا إذا أفْصَحَ بِجَدِّهِ، فَقَالَ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ. وَبعضُهُم فَصَّلَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ ذكرَ آبَائِهِ، كأنْ يَقُوْلَ الرَّاوِي: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ، وأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قولِهِ: ((عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ))، فلا. وعَمرٌو ثِقَةٌ في نفسِهِ، وإنَّمَا ضُعِّفَ مِن قِبَلِ أنَّ حَدِيْثَهُ مُنْقَطِعٌ (¬4)؛ لأنَّ شُعَيباً لَمْ يَسْمعْ من عَبْدِ اللهِ، أَوْ مُرْسَلٌ؛ لأنَّ جَدَّهُ مُحَمَّداً لا صُحْبَةَ لَهُ. قَالَ النَّاظِمُ: ((قَدْ صَحَّ سَمَاعُهُ مِن عَبْدِ اللهِ)) (¬5). ¬

_ (¬1) في (ع): ((عبيدة)). (¬2) التاريخ الكبير 6/ 342 (2578)، تهذيب الكمال 5/ 422 الترجمة (4974)، والكاشف 2/ 79 (4173)، وسنن الدارقطني 3/ 51، وانظر لزاماً: التعليق على الكاشف والتعليق على تهذيب الكمال. (¬3) قال الشّافعيّ في الأم 4/ 226: ((حديث عمرو بن شعيب ضعيف لا تقوم به حجة)). (¬4) قال الشّافعيّ في الأم 5/ 33: ((وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع)). وانظر: تهذيب الكمال 5/ 423 وما بعدها. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 96. وقد صرح بذلك البخاري، وأحمد. انظر: التاريخ الكبير 4/ 218 (2562)، وسؤالات أبي داود للإمام أحمد: 175، وانظر لزاماً كتابنا أثر علل الحديث: 85 - 89.

ثُمَّ هَذَا النَّوْعُ قَدْ تَقِلُّ (¬1) فِيْهِ الآبَاءُ، وَقَدْ تَكْثُرُ (¬2)، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بقولِهِ: (وَسَلْسَلَ الآبَا) -بالقَصْرِ- أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الوَهابِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الْحَارِثِ بنِ أسدِ بنِ اللّيثِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الأسْوَدِ بنِ سُفْيَانَ بنِ يَزِيدَ بنِ أكَينة (¬3) بنِ عَبْدِ اللهِ (التَّمِيمِيُّ) الْحَنْبَلِيُّ، (فَعَدّْ) مِن جُمْلةِ مَا رَوَاهُ: رِوَايَتَهُ (عَنْ تِسْعَةٍ) كُلٌّ مِنْهُمْ رَوَى عَنْ أَبِيْهِ فِيْمَا رَوَاهُ الْخَطِيْبُ، قَالَ: ((حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهابِ مِن لفْظِهِ، سَمِعْتُ أَبِي أبَا الْحَسَنِ عَبْدَ العزِيزِ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أبَا بَكْرٍ الْحَارِثَ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أسداً، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي الليثَ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي سُلَيْمَانَ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي الأسودَ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي سُفْيَانَ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يزيدَ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أَكينة، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْحَنَّانِ الْمَنَّانِ، فَقَالَ: الْحَنَّانُ: هُوَ الَّذِيْ (¬4) يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أعْرَضَ عَنْهُ، والْمَنَّانُ: الَّذِيْ يبدأ بالنوالِ قَبْلَ السُّؤَالِ)) (¬5). (قُلْتُ): كَذَا (¬6) اقْتَصَرَ ابنُ الصَّلاَحِ عَلَى هَذَا العَدَدِ (¬7) (وَ) لَكِنْ (فَوْقَ ذَا) العَدَدِ (وَرَدْ)، فَقَدْ ورَدَ باثْنَي عَشَرَ أباً، وبأرْبَعَةَ عَشَرَ. وَمَثَّلَ للأوَّلِ (¬8): بِمَا رَوَاهُ رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهابِ التَّمِيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ عَبْدِ العَزِيزِ بِسَنَدِهِ السَّابِقِ إلى أكينةَ، عَنْ أَبِيْهِ الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُوْلُ: ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذِكْرٍ إلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ)). ¬

_ (¬1) في (ق): ((نقل))، وفي (م): ((يقل))، وما أثبتناه من (ص) و (ع). (¬2) في (م): ((بكثر)). (¬3) في (م) و (ق): ((أكنية))، وما أثبتناه من (ص) و (ع). (¬4) سقطت من (م). (¬5) أخرجه الخطيب بسنده في تاريخ بغداد 11/ 32، ومن طريقه ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 490 - 491، ووقع في تاريخ بغداد: سبعة آباء فقط، ونقله الذهبي في الميزان 2/ 625، عن تاريخ بغداد بذكر عشرة آباء، وهذا دليل على سقم طبعة تاريخ بغداد. (¬6) في (ص): ((قد)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 490. (¬8) ساقه الذهبي في الميزان 2/ 625 الترجمة (5092) في منكرات عبد العزيز بن الحارث أبي الحسن التميمي، ثم قال: ((المتهم به أبو الحسن، وأكثر أجداده لا ذكر لهم، لا في تاريخٍ ولا في أسماء رجالٍ)). والمتن من غير تسلسل صحيح مشهور أخرجه مسلم 8/ 71 (2699) وغيره من حديث أَبي هريرة.

السابق واللاحق

ومَثَّلَ لِلثَّانِي بِمَا رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بـ ((بلخ))، عَنْ أَبِيْهِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي طَالِبٍ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيْهِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيْهِ الْحُسَينِ، عَنْ أبِيْهِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ الْحُسَينِ، عَنْ أَبِيْهِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ الْحُسَينِ، عَنْ أَبِيْهِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ)) (¬1). فائدةٌ: يَلْتَحِقُ بِرِوَايَةِ الرَّجُلِ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، رِوَايَةُ الْمَرْأةِ عَنْ أُمِّهَا عَنْ جَدَّتِهَا، وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو داودَ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ أُم جنوبِ بِنْتِ نميلةَ، عَنْ أُمِّها (¬2) سويدةَ بِنْتِ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّها عقيلةَ بِنْتِ أسمرَ بنِ مضرسٍ، عَنْ أَبِيْهَا أسمرَ، قَالَ: أتَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَايَعْتُهُ، فَقَالَ: ((مَنْ سَبَقَ إلى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فهو لَهُ)) (¬3). السَّابِقُ وَاللاَّحِقُ (¬4) مَعرفةُ مَنِ اشْتركَ في الرِّوَايَةِ عَنهُ راويانِ: مُتقدِّمٌ، وَمُتأخِّرٌ - بحيث (¬5) يَكُونُ بينَ وَفاتَيْهِما أمَدٌ بعيدٌ - نوعٌ لطيفٌ، ومِنْ فَوائدهِ: الأمنُ من ظَنِّ سقوطِ شيءٍ من إسنادِ المتأخِّرِ، وتقريرُ حلاوةِ علوِّ الإسنادِ في القلوبِ (¬6). ¬

_ (¬1) الحديث من غير تسلسل: أخرجه أحمد 1/ 271، وابن حبان (6222)، والطبراني في الأوسط (25) و (28)، وابن عدي في الكامل، الطبعة العلمية 5/ 440، 8/ 453، وأبو الشيخ في الأمثال (5)، والحاكم في المستدرك 2/ 321، والخطيب في تاريخ بغداد 6/ 56 من حديث ابن عباس. (¬2) لم ترد في (ص). (¬3) سنن أبي داود (3071). (¬4) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 493، والإرشاد 2/ 640 - 642، والتقريب: 171، واختصار علوم الحديث: 205، والشذا الفياح 2/ 570 - 572، محاسن الاصطلاح: 491، والمقنع 2/ 547 - 548، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 102، ونزهة النظر: 162، وطبعة عتر: 62، وفتح المغيث 3/ 183 - 186، وتدريب الراوي 2/ 262 - 263، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 213، وتوضيح الأفكار 2/ 480 - 481. (¬5) في (ص): ((حيث)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 493، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 102، وفتح المغيث 3/ 158.

851 - وَصَنَّفُوا في سَابِقٍ ولاَحِقِ ... وَهْوَ اشْتِرَاكُ رَاوِيَيْنِ سَابِقِ 852 - مَوْتاً كَزُهْرِيٍّ وَذِي تَدَارُكِ ... كَابْنِ دُوَيْدٍ رَوَيَا عَنْ مَالِكِ 853 - سَبْعَ (¬1) ثَلاَثُونَ وَقَرْنٍ وافِي ... أُخِّرَ كَالجُعْفِيِّ والخَفَّافِ (وَصَنَّفُوا) أي: أئمةُ الحديثِ، كالخطيبِ، والذَّهَبيِّ (¬2)، (في سَابِقٍ ولاَحِقِ وَهْوَ) أي: هَذَا النَّوعُ: (اشْتِرَاكُ رَاوِيَيْنِ سَابِقِ مَوْتاً، كَزُهْرِيٍّ) محمدِ بنِ مسلمِ بنِ شهابٍ، (و) لاحقٍ (ذِي تَدَارُكِ) للسابقِ، (كابْنِ دُوَيْدٍ) - بدالينِ مهملتين - زكرياء الكنديِّ فإنَّهُما (رَوَيا عَنْ مَالِكِ) بنِ أنسٍ، و (سَبْعَ) و (ثلاثونَ) سنةً (وَقَرْنٍ) أي: مئةَ سنةٍ، (وافِي) أي: تام، هُوَ تأكيدٌ (أُخِّرَ) أي: ابن دُوَيْدٍ. أي: أُخِّرَتْ وفاتهُ عَنْ وفاةِ الزُّهْرِيِّ بمئةٍ وسبعٍ وثلاثينَ سنةً، أو أكثرَ؛ فإنَّهُ توُفيِّ سنةَ نَيِّفٍ وستينَ ومئتينِ، وَتُوفِّي الزهريُّ سنةَ أربعٍ وَعِشْرينَ ومئةٍ (¬3). قالَ النَّاظمُ: ((كَذَا مثَّلَ ابنُ الصلاحِ تبعاً للخطيبِ البغداديِّ بابنِ دُوَيْدٍ وَهُوَ وإن رَوَى عَن مالكٍ، لَكِنَّهُ كذَّابٌ كَانَ يضعُ الحديثَ. وَالصَّوَابُ: أنَّ آخِرَ الرُّواةِ عَنْ مالكٍ - كَمَا قالهُ المِزِّيُّ - أحمدُ بنُ إسماعيلَ السَّهميُّ، وإن لَمْ تبلغِ المدَّةُ بينهُ وبينَ الزهريِّ تلكَ المدَّةَ، فإنَّ السهميَّ تُوفِّيَ سنةَ تِسعٍ وَخَمْسينَ ومئتينِ، فيكونُ بينَهُ وبينَ الزهريِّ مئةٌ وخمسٌ وثلاثونَ سنةً. والسَّهميُّ وإنْ كَانَ ضعيفاً أيضاً فَقَدْ شَهِدَ لَهُ أبو مصعبٍ أنَّهُ كَانَ يَحضرُ معَهُم العرضَ عَلى مالكٍ)) (¬4). و (كَالجُعْفِيِّ) محمدِ بنِ إسماعيلَ البُخاريِّ إمامِ الفنِّ، (و) أبي الحسينِ (¬5) أحمدَ بنِ أبي نصرٍ محمدٍ (الْخَفَّافِ) نسبةً لعملِ الخفافِ أو بيعها (¬6)، فإنَّهُما رويا عَنْ أبي العباسِ ¬

_ (¬1) في (فتح المغيث): ((سبع وثلاثون)) وهوخطأ عروضي. (¬2) وكتابه اسمه ((التلويح بمن سبق ولحق)) ولم نقف عليه. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 102 - 103. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 103. (¬5) في (ص): ((الحسن)). (¬6) في (م): ((بيعهما))، وانظر: اللباب 1/ 455.

من لم يرو عنه إلا راو واحد

محمدِ بنِ إسحاقَ السرَّاجِ، وبينَ وفَاتَيْهِما: مئةُ سَنةٍ وسَبعةٌ وثلاثونَ سنةً أو أكثرَ؛ لأنَّ الجعفيَّ تُوفِّيَ في شوالٍ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ ومئتينِ، والخفَّافُ في ثانيَ عشرَ شهرِ (¬1) ربيعِ الأوَّلِ سنةَ ثلاثٍ، أو أربعٍ، أو خمسٍ وتسعينَ وثلاثَ مئةٍ (¬2). مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلاَّ رَاوٍ وَاحِدٌ (¬3) (مَنْ) أي: مَعْرِفَةُ مَنْ (لَمْ يروِ عَنْهُ) منَ الصَّحَابَةِ، فمنْ بَعْدَهم (إلاَّ راوٍ واحدٌ): 854 - وَمُسْلِمٌ صَنَّفَ فِي الوُحْدَانِ ... مَنْ عَنْهُ رَاوٍ وَاحِدٌ لاَ ثانِ 855 - كَعَامِرِ بْنِ شَهْرٍ اوْ (¬4) كَوَهْبِ ... هُوَ ابْنُ خَنْبَشٍ وَعَنْهُ الشَّعْبِي 856 - وَغُلِّطَ الحَاكِمُ حَيْثُ زَعَمَا ... بأنَّ هَذَا النَّوْعَ لَيْسَ فِيْهِمَا 857 - فَفِي الصَّحِيحِ أخْرَجَا (¬5) الْمُسَيِّبَا ... وأخْرَجَ الجُعْفِيُّ لابْنِ تَغْلِبَا (وَمُسْلِمٌ صَنَّفَ فِي) المنفَرداتِ (¬6)، و (الوُحْدَانِ)، وهوَ (مَنْ) انْفَرَدَ (عَنْهُ) بالرِّوايةِ (رَاوٍ وَاحِدٌ لاَ ثانِ) لهُ، تأكيدٌ. (كَعَامِرِ بْنِ شَهْرٍ) الهمدانيِّ (¬7)، ¬

_ (¬1) ((شهر)) سقط من (م). (¬2) ينظر شرح التبصرة والتذكرة 3/ 103، والسابق واللاحق: 325. (¬3) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث 157 - 161، ومعرفة أنواع علم الحديث: 494، والإرشاد 2/ 643 - 650، والتقريب: 171 - 173، واختصار علوم الحديث: 206 - 208، والشذا الفياح 2/ 573 - 579، والمقنع 2/ 549 - 561، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 104، وفتح المغيث 3/ 187 - 189 وتدريب الراوي 2/ 264 - 268، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 213، وتوضيح الأفكار 2/ 481 - 482، وتوجيه النظر 1/ 445 - 447. (¬4) بوصل همزة (أو) لضرورة الوزن. (¬5) في (أ) و (ب) و (ج‍): ((أخرج))، وفي فتح المغيث والنفائس: ((أخرجا)) - وأخْرَجَ الجُعْفِيُّ لابْنِ تَغْلِبَا فمن أفرد راعى لفظ: ((الصحيح))، ومن ثنّى راعى المعنى في: ((الصحيح)) أي: في الصحيح للبخاري ومسلم؛ لِذَلِكَ يصحّ الوجهان. (¬6) في (ص): ((المفردات)). قَالَ الحَافِظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 105: ((وصنّف فِيهِ مسلمٌ كتابه المسمى بكتاب " المنفردات والوحدان " وعندي بِهِ نسخة بخطّ محمّد بن طاهر المقدسي، ولم يره ابن الصّلاح كما ذكر)). قلنا: وهذا كتاب مطبوع، وَقَدْ حصل خلاف في اسمه. انظره في مقدمة محقق كتاب التمييز لمسلم: 109. (¬7) انظر معرفة أنواع علم الحديث: 495.

(او) -بالدرج-، (كَوَهْبِ هُوَ ابْنُ خَنْبَشٍ (¬1)) - بِمُعْجَمَةٍ أوَّلهُ، ومُعْجَمَةٍ آخرهُ (¬2) بوزنِ جَعْفَر - الطائيِّ، وهما صحابيانِ وعدادُهما في أهلِ الكوفةِ. (وَعَنْهُ) أي: عَنْ كُلٍّ مِنْهُما انْفَردَ بالرِّوايةِ عامرُ بنُ شراحيلَ (¬3) (الشَّعْبِي) فِيْمَا ذَكَرهُ مُسْلِمٌ وغيرُهُ. (¬4) (وَغُلِّطَ) أبو عَبْد اللهِ (الْحَاكِمُ) من جمعٍ (¬5) (حَيْثُ زَعَمَا) جازماً في كتابهِ " المدخل إِلَى كتابِ الإكليل" (¬6) وتبعَهُ صاحبُهُ البيهقيُّ (¬7)، (بأنَّ هَذا النَّوْعَ) أي: نوعَ مَنْ لَمْ يروِ عنهُ إلا واحدٌ (¬8)، (لَيْسَ فِيْهِمَا) أي: في" الصَّحيحيِن ". والتغليطُ حقٌّ (¬9) (فَفِي الصَّحِيحِ) لِلْبُخاريِّ وَمُسْلمٍ (أخْرَجَا الْمُسَيِّبَا) ابنَ حَزْنٍ، وَهُوَ صحابيٌّ، كأبيهِ، أي: أخرجا حديثَهُ في وفاةِ أبي طالبٍ (¬10) مَعَ أنَّهُ لَمْ يروِ عَنْهُ غيرُ ابنهِ سعيدٍ فِيْمَا قالهُ مسلمٌ (¬11)، وأبو الفتحِ الأزديُّ. ¬

_ (¬1) في (م): ((حنبش)). (¬2) انظر الإكمال 2/ 341، وتاج العروس 17/ 195. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 495. (¬4) المنفردات والوحدان: 52. (¬5) وهم: ابن طاهر، والحازمي، وابن الصّلاح وآخرون. انظر: شروط الأئمة الستة: 17، وشروط الأئمة الخمسة: 35، ومعرفة أنواع علم الحديث: 496. (¬6): 38. (¬7) السّنن الكبرى 4/ 105، وينظر رد ابن التركماني عليه. (¬8) انظر فتح المغيث 3/ 162 - 163. (¬9) قال ابن جماعة في المنهل الروي: 77 ((هذا التغليط غلط؛ لأن الحَاكِم لايريد ذَلِكَ في الصّحابة المعروفين الثابتة عدالتهم، فَلاَ يرد عَلَيْهِ تخريج البُخَارِيّ ومسلم ذَلِكَ؛ لأنهما إنما شرطا تعدد الراوي لرفع الجهالة وثبوت العدالة، وذلك ثابت فيمن ثبتت صحبته فلا حاجة إلى تعدد الراوي عنه)) وينظر كلام الحاكم في المصدر أعلاه. (¬10) أخرجه البخاري 2/ 119 رقم (1360) باب: إذا قال المشرك: لا إله إلا الله، ومسلم 1/ 40 رقم (24) باب: الدليل على صحة من حضره الموت. (¬11) المنفردات: 31 - 32، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 107.

(وأخْرَجَ الْجُعْفِيُّ) وَهُوَ البخاريُّ (لابْنِ تَغْلِبَا) - بفتح (¬1) المثناةِ الفوقيةِ وكسرِ اللام وَهُوَ صحابيٌّ-واسمهُ: عَمْرٌو، حديثَ: ((إني لأعْطيَ الرَّجُلَ والذي أدَعُ أحبُّ إليَّ)) (¬2) مَعَ أنه لَمْ يروِ عَنْهُ غيرُ الحسنِ البصريِّ (¬3) فِيْمَا قَالَهُ مُسلمٌ (¬4)، والحاكمُ (¬5) وغيرُهُما. مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدَةٍ (مَنْ) أي: معرفةُ مَنْ (ذُكِرَ) مِنَ الرُّواةِ (بنُعُوتٍ مُتَعَدِّدَةٍ)، ومِنْ فَوائِدها الأمنُ مِنْ توهُّمِ الواحدِ اثنينِ فأكثرَ، واشتباهِ الضَّعِيفِ بالثِّقةِ (¬6) وعكسِهِ (¬7). 858 - وَاعْنِ بِأَنْ تَعْرِفَ مَا يَلْتَبِسُ ... مِنْ خَلَّةٍ (¬8) يُعْنَى بِهَا المُدَلِّسُ 859 - مِنْ نَعْتِ رَاوٍ بِنُعُوتٍ نَحْوَ مَا ... فُعِلَ في الكَلْبِيِّ (¬9) حَتَّى أُبْهِمَا 860 - مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ العَلاَّمَهْ ... سَمَّاهُ حَمَّاداً أبُو أُسَامَهْ (¬10) 861 - وبِأبِي النَّضْرِ بنِ إسْحَاقَ ذَكَرْ ... وبِأبي سَعِيدٍ العَوْفِيْ (¬11) شَهَرْ ¬

_ (¬1) في (م): ((بفتح التاء المثناة)). (¬2) صحيح البخاري 2/ 13 (923) و 4/ 114 (3145) و 9/ 191 (7535)، وهو عند أحمد في المسند 5/ 69 كلاهما من طريق جرير بن حازم، عن الحسن، قال: حدثنا عمرو بن تغلب ... . وأخرج له البخاري 4/ 51 (2927) حديثاً آخر من طريق جرير عن الحسن، قال: حدثنا عمرو بن تغلب مرفوعاً: ((إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة)). (¬3) قال ابن الملقن في المقنع 2/ 552 - 553: ((قلت: لا؟ فقد روى عنه أيضاً: الحكم بن الأعرج، كما نصّ عليه ابن أبي حاتم)). انظر الجرح والتعديل 6/ 222 الترجمة (1235)، والاستيعاب 2/ 518، وفتح المغيث 3/ 163. (¬4) المنفردات والوحدان: 46 - 49، وقال المزي في تهذيب الكمال 5/ 396 الترجمة (4921): ((روى عنه الحسن البصري، ولم يرو عنه غيره فيما قاله غير واحد)). (¬5) معرفة علوم الحديث: 159. (¬6) في (ص): ((الثّقة بالضعيف)). (¬7) انظر: فتح المغيث 3/ 164. (¬8) في (ب): ((خُلّة))، وما أثبت من بقية النسخ، وهو ما صرّح به المصنف لاحقاً. (¬9) في (ب): ((أفعل بالكلبي))، والصواب ما أثبت. (¬10) في نسخة (ق): ((أمامة)) خطأ محض. (¬11) بالسكون لضرورة الوزن.

(وَاعْنِ) أي: اجْعَل مِنْ عِنَايتِكَ اهتمامَكَ (بِأَنْ تَعْرِفَ مَا يَلْتَبِسُ) فِيهِ الأمرُ كثيراً، لاسِيَّما عَلَى غَيرِ ذَوِي المَعْرِفَةِ، والحِفْظِ (مِنْ خَلَّةٍ) - بفتح المُعْجَمَةِ (¬1) - أي: خَصْلَةٍ، (يُعْنَى) - بضمِ الياءِ، وَقَدْ تُفْتَح - أي: يهتم (بِهَا المُدَلِّسُ) من الرُّواةِ، أي: أكثرُ مَا يقعُ ذلكَ مِنهُ، وإلاَّ فَقَدْ فَعَلَهُ البُخاريُّ، وغيرُهُ مِمَّنْ (¬2) ليسَ بمدلِّسٍ (¬3). وبيَّنَ (¬4) الخَلَّةَ بقولِهِ: (منْ نَعْتِ رَاوٍ) واحدٍ (بِنُعُوتٍ) مِنْ أسْماءٍ، أو كُنَى، أو ألقابٍ، أو أنسابٍ، حيثُ يكونُ ذاكَ الرَّاوِي ضعيفاً، أو صغيرَ السِّنِّ، أو الفاعلُ لهُ مُقِلاً مِنْ الشُّيوخ، كَمَا مَرَّ في قِسْمِ تدليسِ الشيوخِ (¬5). ثُمَّ قدْ يكونُ ذلكَ مِنْ راوٍ واحدٍ، بأن يُعَرِّفَهُ بنعتٍ مرةً، وبآخرَ أُخرى، وَقدْ يكونُ مِنْ جماعةٍ، بأن يُعَرِّفَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بغيرِ مَا عَرَّفَهُ الآخَرُ بهِ (¬6). ومثالُه في الضعفاءِ (¬7): (نَحْوَ مَا فُعِلَ) من جمع (في الكَلْبِيِّ) نسبةً لكلبِ بنِ وَبْرَة (¬8)، (حَتَّى أُبْهِمَا) الأمرُ فِيهِ على كثيرٍ. أي: مَا فَعَلَ بالكلبيِّ (مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ) بنِ بِشْرٍ الكوفيُّ (العَلاَّمَهْ) في الأنسابِ أَحَدِ الضُعَفَاءِ، والكَذَّابِينَ، حيثُ (سمَّاهُ حَمَّاداً) (¬9) بدلَ مُحمدٍ (أَبُو أُسَامَهْ) حَمَّادُ بنُ أسامةَ في روايتهِ عَنْهُ، (وبِأبِي النَّضْرِ) - بمعجمةٍ - (بنِ إسْحَاقَ) مُحَمَّدٍ - صاحبِ المغَازِي - (ذَكَرْ) الكَلْبِيَّ في روايتِهِ عنهُ مرةً، وذكرهُ في رِوَايَةٍ (¬10) أُخرى ¬

_ (¬1) في (ق): ((الخاء)). (¬2) في (ص): ((ممن هو)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 109، وفتح المغيث 3/ 164. (¬4) في (ص): ((ثمّ بين)). (¬5) 1/ 294 من هذا الكتاب. (¬6) فتح المغيث 3/ 164. (¬7) ميزان الاعتدال 2/ 556. (¬8) انظر: اللباب 3/ 105. (¬9) انظر: موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 355. (¬10) المثبت من (ق) و (ص) وفي (ع) و (م): ((روايته)).

أفراد العلم

باسمهِ، (وبِأبِي سَعِيدٍ) أيضاً عَطيَّةَ بنِ سعدِ بنِ جُنادَةَ (العَوْفِيْ) - بالإسكان لما مَرَّ - نسبةً لعوفِ بنِ سعدِ بنِ ذبيانَ (شَهَرْ) الكلبي؛ لأخذه عَنْهُ التفسيرَ، مَعَ أنها ليست كُنْيَةً لهُ (¬1) حتَّى أن الخطيبَ رَوَى منْ طريق سُفْيَان الثَّوْرِيِّ، أنه سَمِعَ الكلبيَّ، يقولُ: كنّاني عطيَّةُ أبا سعيدٍ (¬2). قَالَ - أعني: الخطيبَ -: ((وإنما فعلَ ذَلِكَ ليوهِمَ الناسَ، أنه يَرْوِي عَنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ)) (¬3). قَالَ الناظمُ: ((وَمِمَّا دُلِّسَ بِهِ الكلبيُّ مِمَّا لَمْ يذكرهُ ابن الصَّلاح، تكنيتهُ بأبي هِشَامٍ، وَكَانَ لَهُ ابنٌ يُسمَّى هِشاماً، فكناهُ بِذَلِكَ القاسمُ بن الوليدُ الهمدانيُّ في روايتهِ عنهُ)) (¬4). أَفْرَادُ العَلَمِ (¬5) (أفْرَادُ) أي: مَعْرِفَةُ أفرادِ (العَلَمِ) - بفتح العين واللام - مَا يُجعَلُ علامةً عَلَى الرَّاوِي من اسمٍ، وكنيةٍ، ولَقَبٍ (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 499، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 112 - 113، وفتح المغيث 3/ 165. (¬2) موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 355. (¬3) موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 355. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 112. (¬5) انظر في هذا النوع: معرفة علوم الحديث: 177 - 182، ومعرفة أنواع علم الحديث: 500، والإرشاد 2/ 656 - 667، والتقريب: 174 - 175، واختصار علوم الحديث: 210 - 214، والشذا الفياح2/ 584 - 595، والمقنع 2/ 565 - 570، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 114، ونزهة النظر: 199 - 200، وطبعة عتر: 77 - 78، وفتح المغيث 3/ 195 - 198، وتدريب الرَّاوِي 2/ 271 - 278، وتوضيح الأفكار 2/ 482 - 483، وظفر الأماني: 117 - 118. (¬6) فتح المغيث 3/ 168.

862 - وَاعْنِ بالافْرَادِ (¬1) سُماً أو لَقَبَا ... أوْ كُنْيَةً نَحْوَ لُبَيِّ بْنِ لَبَا (¬2) 863 - أوْ مِنْدَلٍ عَمْرٌو وَكَسْراً نَصُّوا ... في المِيمِ أوْ أَبِي مُعَيْدٍ حَفْصُ (وَاعْنِ) أي: اجْعَلْ من عِنَايتِكَ اهْتِمَامَكَ (بالافْرَادِ) أي الآحادِ التي لا يكونُ منْها في الصَّحَابَةِ، فمَنْ بعدَهُم غيرُها (سماً) - بتثليث السينِ لغاتٌ في الاسمِ - وَهُوَ مَا وُضِعَ علَماً على معيَّنٍ، (أو لَقَبَا) وَهُوَ مَا دلَّ عَلَى رفعةِ المسمَّى، أو ضَعَتِهِ، (أو كُنْيَةً) وَهْوَ مَا صُدِّرَ بـ: أبٍ، أو أمٍّ. أي: اهتمَّ بمعرفةِ الأفرادِ من الأسماءِ، والألقابِ، والكُنَى (¬3). فمِنْ أفرادِ الأسماءِ (نَحْوَ لُبَيِّ) - بلامٍ، وموحدةٍ، مصغَّراً بوزنِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ- (بنِ لَبَا) - بلامٍ، وموحدةٍ أيضاً، بوزنِ فتى -وَهُوَ صحابيٌّ من بَني أسَدٍ، وَهُوَ وأبوهُ فَرْدَانِ (¬4). ومِنْ أفرادِ الألقابِ مَا ذكَرَهُ بقولهِ: (أوْ) نَحْوُ (مِنْدَلٍ) لَقَبٌ لابنِ عليٍّ العنزيِّ واسمُهُ: (عَمْرٌو) (¬5)، (وَكَسْراً نَصُّوا في المِيمِ) أي: وَنَصُّوا (¬6) عَلَى كَسْرِ مِيْمِهِ (¬7). قَالَ ابن الصَّلاحِ: ((ويَقُولُونَهُ كثيراً بفتْحِهَا)) (¬8). زادَ النَّاظِمُ (¬9) حكايةً عَنْ خطِّ محمدِ بنِ ناصرٍ الحافظِ: ((أنَّه الصَّوَابُ)) (¬10). ¬

_ (¬1) في نسختي (أ) و (ب) وفتح المغيث بالقطع وفي (ج‍) بدرج الهمزة وهو الصحيح؛ لضرورة الوزن. (¬2) في (ب): ((لبى))، والصواب: ما أثبت. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 114، وفتح المغيث 3/ 168. (¬4) انظر: الأسماء المفردة: 59 (52)، وتجريد أسماء الصّحابة 2/ 37 (406). (¬5) انظر الأسماء المفردة: 158 (365). (¬6) في (ق): ((نصوا)) بدون واو. (¬7) تاريخ بغداد 13/ 247. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 505. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 116. (¬10) انظر: التقييد والإيضاح: 367، وحاشية سبط ابن العجمي على الكاشف 2/ 294 (5627).

الأسماء والكنى

ومِنْ أفرادِ الكُنَى مَا ذَكرَهُ بقولِهِ: (أو) نحوُ (أبِي مُعَيْدٍ) - بضم الميمِ وفتحِ المُهْمَلَةِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، وآخرُهُ دالٌ مهملةٌ -، واسْمُهُ: (حَفْصُ) بنُ غيلانَ الدمشقيُّ (¬1). وبما تَقَرَّرَ عُلِمَ أنَّ ((أو)) في كلامِهِ بِمَعْنَى الواو. (¬2) الأَسْمَاءُ والكُنَى (¬3) (الأَسْماءُ والْكنى) أي: مَعْرِفَتُها: 864 - وَاعْنِ بالاسْما (¬4) والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ ... الشَّيْخُ ذَا لِتِسْعٍ (¬5) اوْ (¬6) عَشْرٍ قَسَمْ 865 - مَنِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا ... نَحْوُ أبِي بِلاَلٍ اوْ (¬7) قَدْ زَادَا 866 - نَحْوَ أبِي بَكْرِ بنِ حَزْمٍ قَدْ كُنِي ... أبَا مُحَمَّدٍ بِخُلْفٍ فَافْطُنِ (¬8) ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال 2/ 235 (1400). (¬2) بعد هذا في (ق): ((والله سبحانه وتعالى هو الموفق إلى طاعة من اصطفاه ممن يشاء)). (¬3) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 177 - 190، ومعرفة أنواع علم الحديث: 506، والإرشاد 2/ 668 - 678، والتقريب: 175 - 177، واختصار علوم الحديث: 215 - 218، والشذا الفياح 2/ 596 - 604، والمقنع ... 2/ 571 - 580، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 113 - 128، ونزهة النظر 194، وطبعة عتر: 75 - 76، وفتح المغيث 3/ 199 - 205، وتدريب الراوي 2/ 278 - 286، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 219، وتوضيح الأفكار 2/ 482 - 483، وتوجيه النظر 1/ 452 - 454. (¬4) الأصل: ((الأسماء)) دُرِجتِ الهمزة في البدء، ثمَّ قصر الاسم لضرورة الوزن. (¬5) في (فتح المغيث) و (النفائس): ((ذا التسع)). (¬6) بدرج همزة (أو)؛ لضرورة الوزن. (¬7) بدرج همزة (أو) لضرورة الوزن. (¬8) في (أ) و (النفائس): ((فافطني)) والصواب ما أثبت.

867 - وَالثَّانِ (¬1) مَنْ (¬2) يُكْنَى ولااسْماً (¬3) نَدْرِي ... نَحْوُ أبي شَيْبَةَ وَهْوَ الخُدْرِي (¬4) 868 - ثُمَّ كُنَى الأَلْقَابِ وَالتَّعَدُّدِ ... نَحْوَ أبي الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدِ 869 - وابْنُ جُريْجٍ بأبي الوَلِيدِ ... وَخَالِدٍ كُنِّيَ للتَّعْدِيدِ 870 - ثُمَّ ذَوو الخُلْفِ كُنًى وعُلِمَا ... أسْمَاؤُهُمْ وَعَكْسُهُ وَفِيْهِمَا 871 - وَعَكْسُهُ وَذُو اشْتِهَارٍ بِسُمِ ... وعَكْسُهُ أبو الضُّحَى لِمُسْلِمِ (وَاعْنِ) أي: اجْعَلْ (¬5) مِن عنايتِك اهتمامَك (بالاسْما) بالدرج، وبالقصرِ، لما مَرَّ (والْكُنَى) أي: بِمَعْرِفةِ الأسْماءِ، لِذَوي الكُنَى، وَمَعْرِفةِ الكُنَى لِذوي الأسْماءِ. وَذلِكَ نَوعٌ مهمٌ، وَمِن فَوائدِهِ: الأمنُ مِنْ ظنِّ تعدُّدِ الراوِي الواحدِ المسمى فِي مَوضعٍ، والمُكْنى في آخرَ (¬6). قَال ابنُ الصَّلاحِ: ((وَلَم يزَلْ أهلُ العِلْمِ بالْحَديثِ (¬7) يَعْتَنُونَ بِهِ، وَيتَطارحونَهُ فِيمَا بَيْنَهُم، وينتَقِصُون مَنْ جَهَلَه)) (¬8). (وَقَدْ قَسَمْ) بالتخفيفِ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (¬9) (ذَا) النوعَ (لِتِسْعٍ) مِنَ الأَقْسَامِ، بِضَمِّ مَنْ عُرفَ باسْمِهِ دُونَ كُنْيتِهِ، إلى مَنْ عُرفَ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسمِهِ. (اوْ) - بالدرجِ - (عَشْرٍ قَسَمْ) أي: أقسامٍ، بإفرادِ كُلٍّ من هذينِ بقسمٍ. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب) و (فتح المغيث): ((والثاني))، ولا يصح به الوزن، والصواب: ((والثانِ)) كما في (ج‍) و (النفائس). (¬2) في (فتح المغيث): ((قد)). (¬3) في (ب): ((أسماء))، وفي (أ): ((ولا اسم))، وفي البقية: ((اسماً)) وهو الصواب. (¬4) هذا الشطر والشطر الأول من البيت الذي يليه ساقط من (ب)، وجاء محله الشطر الثاني من البيت الذي يليه بعد سقوط شطره الأول. (¬5) في (ع): ((واجعل)). (¬6) انظر: فتح المغيث 3/ 171. (¬7) في (ق): ((الحديث)). (¬8) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 507. (¬9) انظر: ما سبق.

القسمُ الأوَّلُ من العشرةِ قِسْمانِ: أحدُهما: (مَنِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا) أي: لَيْسَ لَهُ كُنْيةٌ غَيرَ كُنْيتِه الَّتِي هِيَ اسمُهُ، (نَحْوُ أبي بِلاَلٍ) الأشْعَرِيِّ، فَقَالَ: ((اسمِي وَكُنْيتِي وَاحدٌ)) (¬1). وَكَذا قَالَ أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ راوي قراءةِ عاصمٍ، وقد اختُلِفَ في اسْمِهِ على أحدَ عشرَ قولاً (¬2)، فعلى مَا قالَهُ هو: اسْمُهُ كنيتُه، وهو ما صحَّحَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬3)، وغيرُهُ، وصحَّحَ أبو زُرْعَةَ (¬4) أنَّ اسْمَهُ شُعْبةُ، وَجَرى عَليهِ الشَّاطبِيُّ (¬5)، وغيرُهُ مِنَ القُرَّاءِ. وثانيهما: مَا ذَكرَهُ بقولِهِ: (اوْ) بالدرج (قَدْ زَادَا) على الكنيةِ التي هي اسمُه كنيةً أخرى، (نَحْوَ أبِي بَكْرِ بنِ) محمدِ بنِ عمرِو بنِ (حَزْمٍ) الأنصاريِّ، (قَدْ كُنِي أبَا مُحَمَّدٍ بِخُلْفٍ) في تكنيتِهِ، فَقِيلَ: اسْمُهُ: أبو بكرٍ، وكنيتُهُ: أبو مُحَمّدٍ (¬6)، وقيل: بلِ اسمُهُ كنيتُه وهو أَبو بَكْرٍ (¬7)، (فافطُنِ) - بضم الطاء - لِهذا الخلافِ (¬8). (و) القسمُ (الثَّانِ) مِن العشرةِ: (مَنْ يُكْنَى، ولا اسْماً) له (نَدْرِي) أي: ولا (¬9) ندري أَكنيتُهُ اسْمُهُ، كالأولِ، أو لَهُ اسمٌ، وَلَم نَقِفْ عليهِ؟ ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل 8/ 350 (1566)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 507. (¬2) انظر: تهذيب الكمال 8/ 257 (7847). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 512. وليس لابن الصلاح تصحيح فيها، بل نقل التصحيح عن ابن عبد البر، وسكت عنه، فَعَلَّ الشارح فهم من سكوته الإقرار، فنسبه إليه. (¬4) الاستغنا 1/ 445، والجرح والتعديل 9/ 349 (1565). (¬5) انظر: فتح المغيث 3/ 173. (¬6) انظر: تهذيب الكمال 8/ 259 (7849). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 507، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 122. (¬8) انظر: فتح المغيث 3/ 174. (¬9) في (ص): ((لا)).

(نَحوُ أَبي شَيْبَةَ، وهْو الْخُدْرِي) - بدال مهملة - أخو أبي سعيدٍ الْمَشْهُورِ، صَحابِيٌّ (¬1). قال أبو زرعَةَ (¬2) وغيرُهُ: لا يُعْرَف (¬3) اسْمُهُ، مَاتَ في حِصارِ القَسْطنطينيةِ، ودُفِنَ هُناكَ (¬4). والقسمُ الثالثُ: من لُقِّبَ بكنيتِهِ (¬5)، كمَا قالَ: (ثم كُنَى الأَلْقَابِ)، بأَنْ شبهت بها في رفعةِ المسمّى، أو ضَعَتِهِ، مع أنَّ لِصَاحبِها كنيةً غيرَها (¬6). (و) القسمُ الرابعُ: كُنَى (التعددِ) بأَنْ تتعدَّدَ كنيتُهُ. فالثالثُ: (نَحْوَ أبي الشَّيخِ)، فَهْوَ لقبٌ لِلحَافِظِ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ جعفرٍ الأصبهانيِّ (أبي مُحَمَّدِ)، ونحوُ أبِي تُرابٍ، لقبٌ لعليِّ بنِ أبِي طالبٍ، وكنيتُه: أبو الحَسَنِ (¬7). (و) الرابعُ: نحوُ عبدِ الملكِ بنِ عبدِ العزيزِ (ابنُ جريجٍ بأبي الوليدِ، و) أبي (خالدٍ كُنِّي) - بالتشديدِ (¬8) -. كُلٌّ من مثالَيهِ (للتَّعْدِيدِ)، الأولُ: لتعددِ (¬9) الكُنَى الْملقَّبِ بأحدِها، والثانِي: لتعدُّدِها فقط، على أنَّ ذلك تكملةٌ. (ثُمَّ) الخامسُ: ¬

_ (¬1) انظر: الكنى والأسماء للدولابي 1/ 38. (¬2) الجرح والتعديل 9/ 390. (¬3) في (ع): ((لا نعرف)). (¬4) انظر: الإصابة 4/ 104. (¬5) في (ص): ((بكنية)). (¬6) فتح المغيث 3/ 174. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 510، وشرح التبصرة 3/ 124، وفتح المغيث 3/ 174 - 175. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 510، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 124. (¬9) في (ق) و (ع): ((تعديد)).

(ذَوُو الْخُلْفِ كُنًى) - بالنصبِ عَلى التمييزِ - أي: من اختُلِفَ في كُناهم، فاجتمَع لكُلٍّ مِنْهُمْ بالاختلافِ كنيتانِ، فأكثر، (وعُلِمَا) بألفِ الإطلاقِ - بلا خلافٍ (أسْمَاؤُهُمْ)، كَأُسامةَ بنِ زيدٍ بنِ حارثةَ، الحبِّ ابنِ الْحبِّ، مولى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لاَ خِلافَ في اسْمِهِ، واختُلفَ في كنيتِهِ: أهي أبو خارجةَ (¬1)، أو أبو زيدٍ، أو أبو عبدِ اللهِ، أو أبو مُحَمَّدٍ (¬2)؟ (و) السادسُ: (عَكْسُهُ) وهو: مَنْ اختُلِفَ في أسْمائِهم دونَ كُناهُم، كأبي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ، فإنَّهُ لا خلافَ في تكنيتِهِ بِهَا، واختُلِفَ في اسْمِهِ، واسم أبِيْهِ عَلَى أَكْثرِ مِن عِشْرينَ قَولاً (¬3) أصحُّها، كَمَا قَالَ الرّافعيُّ وَالنَّوَوِيُّ (¬4): عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ صخرٍ، وهو أوَّلُ مَنْ كُنِي بِهَا. رُوِيَ عَنْهُ: إنَّمَا كُنِّيتُ بِهَا؛ لأنَّي وجدتُ أولادَ هِرَّةٍ وحشيةٍ، فحملتُها في كُمِّي، فقيل: مَا هذهِ؟ فقلتُ: هرةً. قِيْلَ: فأنْتَ أبُو هُرَيْرَةَ. قِيْلَ: وَكَانَ يُكنَّى قبلَها أبا الأسودِ. (و) السَّابعُ: من اختُلِفَ (فِيْهِمَا) أي: في أسْمائِهِم، وكناهُم، كسَفينةَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فسفينةُ لقبُهُ، وبهِ اشتُهر، واسْمُهُ عُميرٌ، أو صالِحٌ، أو مهرانُ، أو طهمانُ، أو غيرُ ذَلِكَ؛ أقْوَالٌ (¬5). وكنيتُه أبو عبدِ الرحمانِ، أو أبو البختريِّ (¬6) قولانِ. ¬

_ (¬1) هكذا في معرفة أنواع علم الحديث: 511، وكتب المصطلح، وفي تهذيب الكمال 1/ 167 (310)، وفي السير 2/ 297: ((حارثة)) بالحاء والراء المهملتين بينهما ألف ثم ثاء مثلثة. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 511، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 124. (¬3) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 125: ((قاله ابن عبد البر))، وانظر: الاستيعاب4/ 203، وقال بعد أن ساق العشرين اسماً: ((وإنه لكثرة الاضطراب لم يصح في اسمه شيء يعتمد عليه، إلا أن عبدالله أو عبدالرحمان هو الذي يسكن إليه القلب في اسمه في الإسلام)). (¬4) تهذيب الأسماء واللغات2/ 270 (436)، والإرشاد 2/ 676، وانظر: فتح المغيث 3/ 175. (¬5) ذكر الحافظ ابن حجر في اسم سفينة واحداً وعشرين قولاً. انظر: الإصابة 2/ 58، والكنى لمسلم 1/ 512، ومعرفة أنواع علم الحديث: 513، وفتح المغيث 3/ 176. (¬6) تهذيب الكمال 3/ 230 (2404).

الألقاب

(و) الثامنُ: (عَكْسُهُ)، وهو: مَنْ لم يُخْتَلَف في اسمِهِ، ولا كنيتِهِ، كأئمةِ المذاهبِ الأربعةِ: أبي حنيفةَ النعمانِ، وأبي (¬1) عبدِ اللهِ مالك، ومحمدِ بنِ إدريسَ الشافعيِّ، وأحمدَ (¬2). (و) التاسعُ: (ذُو اشْتِهَارٍ بِسُمِ) - بِضَمِّ السينِ لغة في الاسمِ غيرُ لُغةِ القصرِ فيه، فَيُعربُ بالحركاتِ الظاهرةِ (¬3) - أي: مَنِ اشتُهر باسمِهِ دون كنيتِهِ (¬4)، كطلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ كنيتُهُ أبو محمدٍ. (و) العاشرُ: (عكسُه)، وهو: مَنِ اشتُهر بكنيتِهِ دونَ اسمِهِ، مثالُه: (أبو الضُّحَى)، وفي نسخةٍ: ((والعكسُ، كأبي الضحى))، كنية (لِمُسْلِمِ) بنِ صُبَيْحِ (¬5)، - بضم المهملةِ -. الأَلْقَابُ (¬6) (الألقابُ) أي: معرفتُها (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص) و (م): ((أبا)) خطأ. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 513، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 126. (¬3) انظر: الصحاح 6/ 2383 مادة (سما)، وشرح ابن عقيل 1/ 35. (¬4) فتح المغيث 3/ 176. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 513، وفتح المغيث 3/ 176. (¬6) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 210 - 215، ومعرفة أنواع علم الحديث: 517، الإرشاد 2/ 686 - 695، والتقريب: 178 - 180 والاقتراح: 315 - 317، واختصار علوم الحديث: 220 - 223، والشذا الفياح 2/ 611 - 616، والمقنع 2/ 583 - 591، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 128 - 133، ونزهة النظر: 202، وطبعة عتر: 78، وفتح المغيث 3/ 206 - 210، وتدريب الراوي 2/ 289 - 296، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 222، وتوضيح الأفكار 2/ 482 - 483، وظفر الأماني: 118، وتوجيه النظر 1/ 459. (¬7) في (ص): ((معرفتهما)).

872 - وَاعْنِ بِالالْقَابِ (¬1) فَرُبَّمَا جُعِلْ ... الوَاحِدُ اثْنَيْنِ الذِيْ مِنْهَا عُطِلْ 873 - نَحْوُ الضَّعِيفِ أيْ بِجِسْمِهِ وَمَنْ ... ضَلَّ الطَّرِيْقَ بِاسْمِ فَاعِلٍ وَلَنْ 874 - يَجُوزَ مَا يَكْرَهُهُ المُلَقَّبُ ... وَرُبَّمَا كَانَ لِبَعْضٍ سَبَبُ 875 - كَغُنْدَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ ... وصَالِحٍ جَزَرَةَ المُشْتَهرِ (واعنِ) أي: اجعلْ من عنايتِك اهتمامَك (بالالقابِ) (¬2) - بالدرج - أي: بمعرفةِ ألقابِ المُحدِّثين، والعُلماءِ ومَنْ ذُكِرَ مَعَهُم، (فَربَّما جُعِل الواحدُ اثْنَينِ)، حيث يجيءُ مرةً باسمِهِ، وأخرى بلقبِهِ (الذِي مِنْهَا) أي: من معرفتِها (عُطِلْ) أي: خَلا: لظنِّهِ أنَّ الألقابَ أسامِي (¬3). وَقد وقعَ ذلك لجماعةٍ مِن أكابرِ الحُفَّاظِ، كعليِّ بنِ الْمَدِينِيِّ، فَفَرَّقُوا بَينَ عَبدِ اللهِ بنِ أبي صالحٍ أخي سُهيلٍ، وبين عبّادِ بنِ أبي صالحٍ، وجعلوهُما اثنين، وليسَ عبادٌ بأخٍ لعبدِ اللهِ بل هو لقبُهُ (¬4). وذلك (نحوُ الضَّعِيفِ) لقبٌ لعبدِ اللهِ بنِ محمدِ الطَّرَسُوسِيِّ، (أي): ضعيفٍ (بِجِسْمِهِ) أي: فِيْهِ، لاَ فِي حَديثِهِ (¬5)، كَمَا قالَهُ الحافظُ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ المصريُّ (¬6). ¬

_ (¬1) في (ب): ((بالأعقاب))، وهو خطأ، والصواب: ما أثبت وهو بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬2) في (م): ((بالألقاب)) بإثبات الهمزة. (¬3) فتح المغيث 3/ 177. (¬4) نقل الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 128 - 129قول الخطيب في الموضح، قال: ((وعبد الله ابن أبي صالح، كان يلقَّب عباداً، وليس عباد بأخٍ له، اتفق على ذلك أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، وأبو داود السجستاني، وموسى بن هارون بن عبد الله البغدادي، ومحمد بن إسحاق السراج)). الموضح 1/ 264 - 265. (¬5) الأنساب 3/ 596، واللباب 2/ 264، ونزهة الألباب 1/ 436. (¬6) قول الحافظ عبد الغني بن سعيد: أسنده السمعاني في الأنساب 3/ 596.

وقال النَّسائيُّ: لُقِّبَ به (¬1) لكَثْرةِ عبادتِهِ (¬2). أي: كأنَّ العبادةَ أضعَفَتْهُ. وَقَالَ ابنُ حِبَّانٍ: ((لُقِّبَ بِهِ لاتقَانِهِ وَضَبْطِهِ)) (¬3). أي: مِنْ بابِ الأضْدادِ، كَمَا قِيلَ لِمُسْلمِ بِنِ خالدٍ: الزِنجيُّ مَع أنَّه كانَ أشقرَ (¬4). (وَ) نحو (مَنْ ضَلَّ الطَّريقَ)، وهو معاويةُ بنُ عبدِ الكريمِ لُقِّبَ (ب‍ِ) ‍الضَّالِ (اسمِ فاعلٍ) مِن: ضَلَّ في الطَّرِيْقِ؛ لأنَّهُ ضلَّ في طريقِ مكةَ (¬5). قَالَ الحافظُ عبدُ الغنيِّ: ((رجلان نبيلانِ، لزمهُما لقبانِ قبيحانِ: معاويةُ الضالّ، وإنما ضَلَّ في طريقِ مكةَ، وعبدُ اللهِ الضعيفُ، وإنما كان ضعيفاً في جِسْمِهِ)) (¬6). (وَلَنْ يَجُوزَ) مِنَ الأَلْقَابِ (مَا يَكْرَهُهُ الْمُلقَّبُ) به، إلا إذا لَم يُعْرَفْ إلا بهِ، كما مَرَّ في ((آدابِ المحدِّثِ)). روى الحاكمُ وغيرهُ خبرَ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ رَمَى رَجُلاً بِكَلِمَةٍ يَشِينُهُ (¬7) بِهَا إلاَّ حَبَسَهُ اللهُ يَوْمَ القيَامَةِ في طيْنَةِ الخَبَال (¬8) حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا)) (¬9). ¬

_ (¬1) في (ق): ((بذلك)). (¬2) السنن 4/ 165. قلنا: وهذا قولٌ وجيه؛ لأن النسائي تلميذه، فهو عالم بأمره. (¬3) الثقات 8/ 362. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 129. (¬5) الأنساب 8/ 370، واللباب 2/ 257، ونزهة الألباب 1/ 435. (¬6) الأنساب 8/ 295، واللباب 2/ 264، ونزهة الألباب 1/ 436، ومعرفة أنواع علم الحديث: 518. (¬7) في (ص): ((تشينه)). (¬8) الخَبالُ لغةً: الحبس والمنع، وقيل: إنّ الخَبال هو عصارة أهل النار، أي ما سال من جلودهم. انظر: لسان العرب 11/ 198 (خبل). (¬9) أخرجه ابن المبارك في الزهد (686)، وأحمد 3/ 441، وأبو داود (4883)، والطبراني في الكبير 20/ (433)، وأبو نعيم في الحلية 8/ 188، والبيهقي في الشعب (7631)، والبغوي في شرح السنة (3527). وأخرجه البخاري مختصراً في التاريخ الكبير 1/ 377 من طريق ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن يحيى المعافري، به.

المؤتلف والمختلف

(وَرُبَّما كان لِبَعضٍ) من الألقابِ (سَبَبُ) يُعرف، وإلا فكلُّها لها أسبابٌ، (كغندَرٍ) - بفتح الدال (¬1) وضمها (¬2) - (مُحَمّدِ بنِ جَعْفَرِ) البَصريِّ، لُقِّبَ به لكونِهِ كان يكثرُ الشَّغَبَ على ابنِ جريجٍ حين قدمَ البصرةَ، وحدَّثَ بحديثٍ عن الحسنِ البصريِّ فأنكرَهُ، وشغبَ عَليهِ، فقال له ابنُ جريجٍ: أسكُتْ يا غندرُ. ثم كان بعدَهُ جماعةٌ، يلقبُ كُلٌّ منهم غندراً، وأهلُ الحجازِ يُسمُّونَ المشغبَ غندراً (¬3). (وَ) كأبي عليٍّ (صَالحٍ)، هو ابنُ محمدِ بنِ عَمرٍو البغداديِّ الملقبِ (جَزَرَةَ) -بجيم ثم زاي، ثم راء مفتوحات -، (الْمُشْتَهرِ) بالحِفظِ والضَّبطِ والثقةِ؛ لكونهِ حَكى عَن نَفْسِهِ: أنه صَحَّفَ بِذَلِكَ ((خرزة)) بمعجمةٍ ثُمَّ راء ثُمَّ زاي في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ ((أنه كَانَ يُرقِي بخرزة))، إذ سُئِل بعدَ الفراغِ من السَّماعِ عَلى عَمرِو بنِ زرارةَ: مِنْ أينَ سَمِعْتَ؟ فقالَ: ((مِنْ حديثِ الْجَزَرَةِ))، وَكانَ في حَداثتِهِ، قال: فَبَقِيَتْ عليَّ (¬4). الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ (¬5) (المؤتَلِفُ، والمختَلِفُ) أي: معرفتُهما (¬6)، وهي فنٌّ مهمٌّ يُحتاجُ إليهِ في دفعِ (¬7) مَعَرَّةِ التَّصْحِيفِ (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): ((الغين)). (¬2) ضبطه السمعاني في الأنساب 4/ 287، فقال: ((بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة)) وفي المغني (91): ((قد تضم)). (¬3) معرفة علوم الحديث: 212، الجامع 2/ 74 (1224)، وتهذيب الكمال 6/ 265 (5709)، ونزهة الألباب 2/ 58 (2101). (¬4) معرفة علوم الحديث: 213، وتاريخ بغداد 9/ 322 - 323، وتذكرة الحفاظ 2/ 642، ونزهة الألباب 1/ 170، ومعرفة أنواع علم الحديث: 522. (¬5) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 524، والإرشاد2/ 696 - 729، والتقريب: 180 - 185، والاقتراح: 313 - 314 والمنهل الروي 121 - 127، والموقظة: 92، واختصار علوم الحديث: 223 - 226، والشذا الفياح 2/ 617 - 661، والمقنع 2/ 592 - 613، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 133، ونزهة النظر: 176، وطبعة عتر: 68، وفتح المغيث 3/ 211 - 244، وتدريب الراوي 2/ 297 - 315، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 222، وتوضيح الأفكار 2/ 487 - 488، وظفر الأماني: 98 - 102. (¬6) في (م): ((معرفتها)). (¬7) في (م): ((رفع)). (¬8) انظر: فتح المغيث 3/ 182.

876 - وَاعْنِ بِمَا صُورَتُهُ مُؤْتَلِفُ ... خَطّاً وَلَكِنْ لَفْظُهُ مُخْتَلِفُ 877 - نَحْوُ سَلاَمٍ كلُّهُ فَثَقِّلِ ... لاَ ابْنُ سَلاَمِ الحِبْرُ (¬1) والمُعْتَزِلي 878 - أَبَا عَلِيٍّ فَهْوَ خِفُّ الجَدِّ (¬2) ... وَهْوَ الأَصَحُّ (¬3) في أبِي البِيكَنْدِي 879 - وابْنُ أَبِي الْحُقَيقِ وابْنُ مِشْكَمِ ... والأَشْهَرُ التَّشْدِيدُ فِيهِ فَاعْلَمِ 880 - وابْنُ مُحَمَّدِ بنِ نَاهِضٍ فَخِفْ ... أَوْ زِدْهُ هَاءً فَكَذا فِيهِ اخْتُلِفْ 881 - قُلْتُ: ولِلْحِبْرِ ابْنِ أُخْتٍ خَفِّفِ ... كَذَاكَ جَدُّ السَّيِّدي والنَّسَفِي (¬4) (واعنِ) أي: اجعلْ عنايتَك اهتمامَك (بِ‍) ‍معرفةِ (ما صُورتُهُ) مِنَ الأسماءِ، والألقابِ، والأنسابِ، ونحوِها (مُؤْتلِفُ) أي: متفقٌ (خَطّاً، وَلَكِنْ لَفْظُهُ مُخْتَلِفُ). وهذا الفَنُّ لا يدخلُهُ القياسُ، ولا قبلَهُ ولا بعدَهُ شيءٌ يدلُّ عليه، والتصانيفُ فيه كثيرةٌ، وأكملُها بالنسبةِ لما قبلَهُ كتابُ " الإكمالِ " للأميرِ أبي نَصْر بنِ ماكُولا (¬5). وهذا الفنُّ قِسْمانِ: أحدهُما، وَهوَ الأكثرُ: مَا لاَ ضَابِطَ لَهُ يُرْجَعُ إليهِ؛ لكثرتِهِ، وإنما يُعرفُ بالنَّقلِ والحفظِ (¬6)، كأسِيْدٍ وأسَيْدٍ، وحِبَّانَ وحَبَّانَ وحَيَّانَ. ثانيهما (¬7): ما ينْضَبِطُ لقلَّةِ أحدِ المشتبهين. ¬

_ (¬1) في (ب): ((الخبر))، وهو خطأ، وصوابه ما أُثْبِت. (¬2) في (النفائس): ((الجدي))، وهو خطأ، وصوابهُ ما أثبت. (¬3) في (فتح المغيث): ((الأصم))، وهو خطأ، والعجيب أنهُ كتب ((الأصحَّ)) في الشرح في (فتح المغيث)، وهكذا هو في النسخ كلها. (¬4) في (ج‍): ((والنسفِ))، والصواب ما أثبت. (¬5) قال ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 524: ((على إعواز فيه))، وقال البلقيني في محاسنه: 528: ((قد استدرك عليه الحافظ بن عبد الغني بن نقطة كتاباً ذيّل به على الأصل، وهو قريب منه، وفيه فوائد كثيرة، وقد صنف في ذلك جماعة من المتأخرين)). (¬6) انظر: فتح المغيث 3/ 184، وتدريب الراوي 2/ 298. (¬7) في (م): ((وثانيهما)).

ثم تارةً يُرادُ فِيهِ التَعْميمُ بأنْ يُقالَ: لَيْسَ لَهم فُلانٌ إلاّ كذا، والباقي كَذا، وَتارةً يُراد فيهِ التَّخْصيصُ بالصَّحيحينِ والموطَّأِ، بأَنْ يُقالَ: لَيْسَ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ فُلانٌ إلا كَذا. فمِنَ الأوَّلِ مِن هذينِ (نَحوُ سَلاَمٍ كلُّهُ فثقِّلِ) أي: لامَهُ (لا) أي: إلا عبدُ اللهِ (ابنُ سَلاَمِ) الصَّحابيُّ (الْحِبْرُ) -بكسرِ المهملةِ، أفصحُ من فتحِها الذي اقتصرَ عليه المحدّثونَ- أي: العالمُ، فهو مخفَّفُ الأبِ (¬1)، (و) إلاّ (الْمُعْتَزِلي أبا عَليٍّ) الْجُبَّائيَّ (¬2) مُحَمَّدَ بنِ عبدِ الوهّابِ بنِ سَلاَم، (فَهْوَ) أيضاً (خِفُّ) أي: مخفَّفُ (الْجَدِّ) أي: اسْمُهُ. (وَهْوَ) أي: التخفيفُ (الأَصَحُّ في) سَلاَم (أَبِي) أي: والدِ محمدِ بنِ سلامِ بنِ الفرجِ (البِيْكَنْدِي) - بكسر الموحدة (¬3) - البخاريِّ، شيخِ الإمامِ البخاريِّ. وَمقابلُ الأصحِّ، أنَّهُ بالتشديدِ، والأوَّلُ هو المنقولُ عن محمدِ بنِ سلامٍ نَفْسِهِ (¬4). (و) إلا أبا رافعٍ اليهوديَّ: سَلاَم (ابنُ أَبِي الْحُقَيْقِ) - بالتَّصغيرِ - فهو بالتخفيفِ على خلافٍ فيه (¬5). (و) إلاَّ سَلاَمُ (ابنُ مِشْكَمِ) - بتثليثِ الميمِ، وفتحِ الكافِ - كان خمَّاراً في الجاهليةِ (¬6)، فهو بالتخفيفِ على ما حكاه ابنُ الصلاحِ عن جماعةٍ (¬7). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ق). (¬2) بضم الجيم وتشديد الباء المفتوحة المنقوطة بواحدة من تحت. الأنساب 2/ 36. (¬3) هذه النسبة إلى بيكند - بالكسر وفتح الكاف وسكون النون - بلدة بين بخارى وجيحون. انظر: الأنساب 1/ 456، ومعجم البلدان 1/ 533. (¬4) انظر: تبصير المنتبه 2/ 703، وتعليق العلامة المعلمي على الإكمال 4/ 405 فقد أجاد. (¬5) قال ابن حجر في فتح الباري 7/ 342 نقلاً عن ابن إسحاق أنه بالتشديد، وذكر ابن حجر في تبصير المنتبه 2/ 702 أنه مختلف فيه، ولم يحك ابن الصلاح غير التخفيف. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 525. (¬6) قال البلقيني في: 530: ((وما ذكر عن ابن مشكم أنه كان خماراً في الجاهلية، يخالفه قول ابن إسحاق في سيرته أنه سيد بني النضير، وقال كعب بن مالك يذكر قبيلته، ومن قتل من أشرافهم: فطاح سلاَمٌ وابن سعية عنوةً ... وقيد ذليلاً للمنايا ابن أخطبا ولعله رأى قول أبي سفيان صخر بن حرب: سقاني فرواني كميتاً مدامةً ... على ظمأ مني سلام بن مشكم فظنه بذلك خماراً، وفي هذين البيتين، وهما من البحر الطويل، ما يدلك على التخفيف من سلام بن مشكم خلاف ما سبق أنه المعروف)). وانظر: سيرة ابن إسحاق 3/ 291. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 525.

ثُمَّ قَالَ: (والأَشْهَرُ) المعروفُ: (التَّشْديدُ فيه، فَاعْلَمِ) ذلكَ. واعترضَهُ شيخُنا (¬1)، كغيرِهِ، بأنَّهُ وردَ في الشِّعْرِ - الذي هُوَ دِيوانُ العربِ - مُخفَّفاً، وَسَاقَ أشعْاراً. فإن قلتَ: تخفيفُه في الأَشعارِ للضَّرورةِ. قُلت: خِلاف الأصلِ لاسيما مَعَ تكرُّرِهِ. (و) أما سَلاَمُ (ابنُ مُحَمَّدِ بنِ نَاهِضٍ) المقدسيُّ (فَخِفْ) أي: فمخفَّفٌ بلا خلافٍ، ولا هاءَ فيه (أوْ زِدْهُ هاءً)، ليبقى ((سلامة)) (¬2)، (فَكَذا فِيْهِ اخْتُلِفْ) بين الآخذين عنه (¬3). فقالهُ بالهاءِ: الطبرانيُّ (¬4)، وبدونِها: أبو طالبٍ أحمدُ بنُ نَصْرٍ الحافظُ (¬5)، فالخلافُ إنما هو في إثباتِها وحذفِها، لا في التَّخفيفِ والتَّشديدِ. واقتصرَ ابنُ الصلاحِ على هذهِ الستةِ، وزادَ عَليهِ النَّاظمُ ثلاثةً بقولِهِ: (قلتُ: وللحِبْرِ)، وهو عبدُ اللهِ بنُ سَلاَم الصَّحابيُّ (¬6) (ابنِ أختٍ) اسمُهُ: سَلاَمُ، (خَفِّفِ) لامُه أيضاً. (كذاكَ) أي: ومثلُ سَلاَم في التخفيفِ، يخففُ (¬7) سَلاَمُ (جَدُّ) سعدِ بنِ جعفرِ بنِ سَلاَمٍ (¬8) (السَّيِّدِي) -بفتح المهملةِ- نسبةً للسيِّدةِ أختِ المستنجدِ (¬9)؛ لأَنَّهُ كَان وَكيلَها. ¬

_ (¬1) تبصير المنتبه 2/ 704 قال فيه: ((هذا كلامه -يعني ابن الصلاح-، وفيه نظر؛ لأنه ورد في الشعر الذي هو ديوان العرب مخففاً، قال ابن إسحاق في السيرة: قال سِماك اليهودي في قصيدة من بحر الطويل: فلا تحسبنّي كنت مولى بن مِشكم ... سلام ولا مولى حُييّ بن أخطبا)) (¬2) تبصير المنتبه 2/ 703. (¬3) انظر: فتح المغيث 3/ 186. (¬4) المعجم الصغير (484). (¬5) انظر: تبصير المنتبه 2/ 703، وفتح المغيث 3/ 186. (¬6) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 137: ((معدود في الصحابة عدَّه فيهم ابن فتحون في تذييله على الاستيعاب)). (¬7) من (م) فقط. (¬8) انظر: تكملة الإكمال 3/ 259 (3168)، تبصير المنتبه 2/ 703. (¬9) انظر: فتح المغيث 3/ 187.

(و) كَذَا (¬1) سَلاَمٌ جدُّ أبي نصرٍ محمدِ بن يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ محمدِ بنِ موسى ابنِ سَلاَم (النَّسَفِي) -بفتح النون-، نسبةً لـ ((نِسف)) -بكسرِها-، وفُتِحَتْ للنَسَبِ، كالنمري، كذا قالَ الناظم (¬2) وغيرُهُ (¬3)، وكلامُ القاموسِ (¬4) يقتضي فتحَ نونِ ((نسف))، فلا تغييرَ في النسبةِ. 882 - عَيْنَ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ اكْسِرِ ... وَفي خُزَاعَةَ كَرِيْزٌ كَبِّرِ 883 - وَفِي قُرَيْشٍ أَبَداً حِزَامُ ... وَافْتَحْ فِي الانْصَارِ (¬5) بِرَا (¬6) حَرَامُ 884 - فِي الشَّامِ عَنْسِيٌّ بِنُونٍ، وبِبَا (¬7) ... فِي كُوْفَةٍ (¬8) والشِّيْنِ واليا (¬9) غَلَبَا 885 - فِي بَصْرَةٍ (¬10) وَمَا لَهُمْ مَنِ اكْتَنَى ... أَبَا عَبِيْدَةٍ بِفَتْحٍ والكُنَى (¬11) 886 - فِي السَّفْرِ (¬12) بالفَتْحِ وَمَا لَهُمْ عَسَلْ ... إلاَّ ابْنُ ذَكْوَانٍ (¬13) وَعِسْلٌ فَجُمَلْ (¬14) ¬

_ (¬1) بعد هذا في (ع): ((يخفف)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 138. (¬3) كذا قيده بالفتح السمعاني في الأنساب 5/ 384، واللباب 3/ 308. (¬4) القاموس مع شرحه تاج العروس 24/ 403 (نسف). (¬5) بدرج الهمزة في (الانصار) لضرورة الوزن. (¬6) بقصر همزة (براء) لضرورة الوزن. (¬7) بقصر الهمزة لضرورة الوزن، وفي (ب): ((وبنا))، وهو خطأ، وفي (النفائس) و (فتح المغيث): ((وبيا))، وهذا خطأ أيضاً، والصواب: ((ببا))، أي: (عبسي) كَمَا صرَّح الحافظ العراقي في شرحه؛ ولأنَّ (الياء) مذكورة في تتمة البيت وَهُوَ كهذا ورد في (أ) و (ج‍). (¬8) بالصرف؛ لضرورة الوزن. (¬9) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬10) بالصرف؛ لضرورة الوزن. (¬11) في (ب): ((والكنا))، والصواب ما أثبت. (¬12) ضبطت ((السفر)) بفتح الفاء في (ب) و (النفائس) و (فتح المغيث)، ولا يستقيم الوزن بهذا الضبط، والصواب بالسكون، وهو المراد من البيت كما في شرح الناظم. (¬13) في (النفائس): ((زكوان)) بالزاي، وهو خطأ، صوابه ما أُثْبِت. (¬14) في (ب): ((فحمل)) وهو خطأ، صوابه ما أُثْبِت.

887 - وَالعَامِرِيُّ بْنُ عَلِيْ عَثَّامُ ... وَغَيْرُهُ فَالنُّونُ والإعْجَامُ 888 - وَزَوْجُ مَسْرُوقٍ قَمِيْرٌ صَغَّرُوا ... سِوَاهُ ضَمَّاً وَلَهُمْ مُسَوَّرُ 889 - ابنُ يَزِيدَ وابْنُ عَبْدِ المَلِكِ ... وَمَا سِوَى ذَيْنِ فَمِسْوَرٌ حُكِي ومن ذَلكَ: عمارة، كما ذَكَرهُ بقولِهِ: (عينَ أُبَيِّ) بالتَّصْغِيرِ (بنِ عِمَارةَ) الصحابيِّ (اكْسِرِ). قال ابنُ الصَّلاحِ: ومنهم مَنْ ضمَّها. قال: ومَنْ عداه بالضمِ قطعاً (¬1). قَال الناظمُ: ((ويردُ عليه: عَمَّارَةُ - بالفتح والتشديد - وهو اسمُ (¬2) جماعةٍ من النساء، كعمَّارَةَ بنتِ عبدِ الوهّابِ الْحِمصيَّةِ، وعَمَّارَةَ بنتِ نافعِ بنِ عُمرَ الجُمَحِيِّ. وَمِنَ الرجالِ، كيَزيدَ، وعبدِ اللهِ، وبُحَاثٍ بني ثَعْلَبَةَ بنِ خزمةَ بنِ أصرمَ بنِ عَمرِو ابنِ عَمَّارة، مَعدودونَ في الصَّحابةِ)) (¬3). وعدَّ جماعةً من الفريقينِ. وَمِنْ ذَلِكَ: كُرَيْزٌ، كلُّهُ مصغَّرٌ، (و) لكنْ (في خُزاعةَ: كَرِيْزٌ كَبِّرِ)، كَطَلحةَ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ كَرِيْزٍ تابعي (¬4). وَمِنْ ذلِكَ: حِزَامُ، كَمَا قَالَ: (وَفي قُرَيْشٍ أَبَداً: حِزَامُ)، بكَسْرِ المهملة، وبالزاي، (وافتَحْ) حاءهُ أبداً (في الانْصَارِ (¬5)) - بالدرج - (بِرَا) - بالقصرِ للوزنِ -، فقُلْ: (حَرَامُ). والمرادُ، كما قَال الناظمُ: ((ضبط ما في هاتينِ القبيلتينِ فقط، وإلا فقد وقعَ: حزامُ - بالزاي - في خُزَاعَةَ، وبني عامرِ بنِ صَعْصَعَةَ، وغيرِهما)) (¬6). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 526. (¬2) في (ص): ((وهم أسماء)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 138 - 139، وانظر: الإكمال 6/ 274 - 275. (¬4) انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني 4/ 1958، واللباب 3/ 95، والتقريب (3028). (¬5) أثبت ناشر (م) الهمزة هنا. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 140.

ووقع: حَرَامُ - بالراء - في بَلِيٍّ (¬1)، وَخَثْعَمَ، وجُذَامٍ، وغيرِهم. بَلْ ولهُم: خُرَّامُ، بضم المعجمة، وتشديد الراءِ، وخَزَّامُ، بفتحِ المعجمة، وتشديد الزاي (¬2)، وذلك كلُّه مبيَّنٌ في المطولاتِ. ومِنْ ذلك: عَنْسِيٌّ، فالذي (في الشَّامِ: عَنْسِيٌّ بنُونٍ) ثم مهملةٍ نسبةً لعَنْسٍ حيٍّ من اليمنِ، كعميرِ بنِ هانئ تابعي. (وَ) عَبْسيٌّ (بِبَا) موحدةٍ -بالقصر- (في كُوْفَةٍ) -بالصرفِ للوزن- نسبةً في الأكثرِ لعَبْسِ غَطْفَانَ، كعبيدِ (¬3) اللهِ بنِ موسى. (و) عَيْشي بـ (الشِّيْنِ) المعجمة (وَاليَا) التَّحتيةِ - بالقَصْر للوزنِ - نسبةً لعائشةَ بنتِ طلحةَ؛ أحدِ العَشَرةِ، كعبيدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ جعفرٍ، ولبني عائشةَ بنتِ تيمِ اللهِ، كعبدِ الرحمانِ (¬4) بنِ المباركِ (غَلَبَا) أي: الغَالِبُ أَنَّ الثالث الَّذِي بالشينِ المعجمةِ (في بَصْرَةٍ) - بالصرفِ للوزنِ -. على أَنَّ ما ذُكِرَ في كُلٍّ منَ الشَّامِ، والكوفةِ غَالبٌ أيضاً، كما يفيدُهُ كلامُ ابنِ الصَّلاحِ (¬5). ومِنْ ذلك: أبو عُبَيْدَة، وكلُّه بالضمِّ مُصغَّراً كَمَا قَالَ: (وَمَا لَهُمْ) أي: وليسَ للرُّواةِ (مَنِ اكْتَنَى أَبَا عَبِيْدَةٍ بفتحٍ) لعينِهِ مكبَّراً (¬6). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ق). (¬2) انظر: الإكمال 2/ 411 - 416. (¬3) في (ق): ((كعبد)). وما أثبتناه من بقية النسخ الخطية و (م)، وهو الموافق لما جاء في مصادر ترجمته. انظر على سبيل المثال: السير 9/ 553، والتقريب (4345). (¬4) في (ق) و (ع): ((كعبد الله))، والمثبت من (ص) و (م)، وهو الموافق لما جاء في مصادر ترجمته. انظر: تهذيب الكمال 4/ 464 (3934)، والكاشف (3303). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 526، وكذلك قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 221، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 141. (¬6) قال الدارقطني كما حكاه ابن الصلاح بلاغاً عنه في معرفة أنواع علم الحديث: 527: ((ولا نعلم أحداً يكنى بأبي عبيدة بالفتح)).

ومِنْ ذلك: السَّفْرُ بفاءٍ ساكنةٍ في غيرِ الكُنى، ومفتوحةٍ في الكُنى، كما قال: (والكُنَى في السَّفَرِ بالفتحِ) للفاء. قال ابنُ الصلاحِ: ((ومِنَ المَغَارِبَةِ مَنْ سكَّنَها في أَبي السَّفَرِ سعيدٍ بنِ يُحْمِد (¬1)، قال: وذلك خلافُ مَا حَكاهُ الدارَقُطنيُّ (¬2) عَن أَصْحابِ الحديثِ)) (¬3). قال الناظمُ: ((ولهم في الأسماءِ والكُنى ((سَقْر)) بقافٍ ساكنةٍ، كسَقْرِ بنِ حَبِيْبٍ الغَنَوِيِّ، وكأبي السَّقْرِ يَحْيَى بنِ يَزْدَادَ. ولهم أيضاً ((شَقَر)) -بفتحِ المعجمةِ والقاف-، حيٌّ من تميمٍ يُنسبُ إليهم الشَّقَرِيُّوْنَ)) (¬4). ومِنْ ذَلِكَ: عَسَلٌ، كَمَا قَالَ: (وَمَا لَهُمْ) أي: وَلَيْسَ للرُّواة (عَسَلْ) -بفتح المهملتين- (إلاّ ابنُ ذَكْوَانٍ) الأخباريُّ البَصْريُّ (¬5)، (و) أما (عِسْلٌ) -بكسرِ أولِّهِ، وسكونِ ثانيهِ- (فجُمَلْ) -بضم الجيمِ، وفتح الميمِ- أي: فكثيرٌ. ومِنْ ذَلِكَ: عَثَّامٌ، كما قَالَ: (والعامِرِيُّ) الكوفيُّ (بنُ عَليْ) -بالإسكان لما مر- واسْمُهُ: (عَثَّامُ) بمهملةٍ ثم مثلثةٍ مشدَّدةٍ، وكذا حفيدُهُ المشاركُ له (¬6) في اسمِهِ، واسمِ أبيهِ: عَثَّامُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَثَّامِ بنِ عَلِيٍّ (¬7)، كَما شَمِلَهُ كلامُ الناظمِ (¬8). ¬

_ (¬1) في (ق) و (ع): ((محمد)). وهو خطأ، قال في التقريب (2413): ((يحمد: بضم الياء التحتانية، وكسر الميم)). (¬2) المؤتلف والمختلف 3/ 1185. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 527. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 142 - 143. (¬5) المؤتلف والمختلف 3/ 1185. (¬6) لم ترد في (ق). (¬7) لم يذكر ابن الصلاح غير عثّام بن علي، وذكره الدارقطني وحفيده. انظر: المؤتلف والمختلف 4/ 1765، ومعرفة أنواع علم الحديث: 528. (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 143 - 144.

(و) أَمّا (غَيْرُهُ) أي: غيرُ مَنْ ذُكِرَ، كغَنَّامِ بنِ أوسٍ (¬1) الصَّحَابيِّ، وعُبَيْدٍ بنِ غَنَّامِ الكوفيِّ، (فالنُّونُ) المشدَّدةُ، (والإعْجَامُ) للغين، واجبانِ فِيهِ. وَمِنْ ذَلِكَ: قَمِيْرٌ، كَمَا قَالَ: (وَزَوْجُ مَسْرُوقٍ) هُوَ ابنُ الأجدعِ، اسمُها: (قَمِيرٌ)، - مُكبَّراً - بنتُ عمرٍو. و (صَغَّرُوا) أي: الْمُحدِّثونَ (سِواهُ ضَمّاً) أي: بِضَمِّ أوَّلِهِ، أو حالةَ كونِهِ ضَماً، أي: مَضْمُوماً أوّلُه، كزُهيرِ بنِ محمدِ بنِ قُمَيْرٍ الشاشيِّ. وقولُه: ((ضَمّاً))، إيضاحٌ لـ ((صَغَّروا)). ومِنْ ذلِكَ: مُسَوَّرٌ، كَمَا قَالَ: (وَلَهُمْ مُسَوَّرُ) - بضمِ الميمِ، ثم مهملةٍ مفتوحةٍ، ثم واوٍ مشدَّدةٍ مفتوحةٍ - اثنانِ: أحدُهما: (ابنُ يَزيدَ) الكَاهليُّ المالكيُّ صَحابيٌّ (¬2). (وَ) ثانيهُما: (ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ) اليَرْبُوْعِيُّ. (وَمَا سِوَى ذَيْنِ) الرَّجُلينِ (¬3) (فَمِسْوَرٌ) - بكسرِ الْميمِ، ثم مهملةٍ ساكنةٍ - فيما (حُكِي) عِنْدَ (¬4) ابنِ الصَّلاحِ (¬5)، وغيرِهِ (¬6) 890 - وَوَصَفُوا الحمَّالَ في الرُّوَاةِ ... هَارُونَ والغَيْرُ بِجِيمٍ يَاتي 891 - وَوَصَفُوا حَنَّاطاً اوْ (¬7) خَبَّاطا ... عِيسَى ومُسلِماً كَذَا خَيَّاطَا ¬

_ (¬1) في (ع): ((أويس)). (¬2) في (ص): ((الصحابي)). (¬3) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 145: ((لم يذكر ابن ماكولا بالتشديد إلا ابن يزيد فقط، ولم يستدركه ابن نقطة، ولا مَنْ ذيَّل عليه)). (¬4) في (ص) و (ع): ((عن)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 528. (¬6) كالبخاري في التاريخ الكبير 8/ 40 (2079) و (2080). (¬7) بالدرج لضرورة الوزن.

892 - والسَّلَمِيَّ افْتَحْ في الانْصَارِ (¬1) وَمَنْ ... يَكْسِرُ لامَهُ كأَصْلِهِ لَحَنْ 893 - وَمِنْ هُنَا لِمَالِكٍ وَلَهُمَا ... بَشَّاراً افْرِدْ (¬2) أَبَ بُنْدَارِ هُمَا 894 - وَلَهُمَا سَيَّارُ أيْ أَبُو الحَكَمْ ... وَابْنُ سَلاَمَةٍ (¬3) وبِالْيَا (¬4) قَبْلُ جَمْ 895 - وَابْنُ سَعِيدٍ بُسْرُ (¬5) مِثْلُ المَازِنيْ ... وابْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَابْنُ مِحْجَنِ 896 - وَفِيهِ خُلْفٌ. وَبُشَيْراً اعْجِمِ ... في ابْنِ يسارٍ وابْنِ كَعْبٍ واضْمُمِ 897 - يُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو اوْ (¬6) أُسَيْرُ ... والنُّونُ في (¬7) أبي قَطَنْ (¬8) نُسَيْرُ 898 - جَدُّ عَلِيْ بنِ هَاشِمٍ بَرِيْدُ (¬9) ... وَابْنُ حَفِيْدِ الأَشْعَريْ بُرَيْدُ (¬10) ومِنْ ذلك: الحَمَّالُ، كَما قَالَ: (وَوَصَفُوا الحمَّالَ) - بحاءٍ مهملةٍ، ثم ميمٍ مشددةٍ - أي: به، (في الرُّواةِ) للحديثِ (هَارُونَ) بنَ عبدِ اللهِ بنِ مروانَ البغداديَّ، كان بزَّازاً، ثم تزَهَّدَ، وصارَ يحملُ الشيءَ بالأجرةِ، ويأكلُ منها، فسُمِّي لذلِكَ حَمَّالاً (¬11). ¬

_ (¬1) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬2) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬3) بالصرف لضرورة الوزن. (¬4) بالقصر لضرورة الوزن. (¬5) منع من الصرف لضرورة الوزن. (¬6) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬7) ساقطة في (فتح المغيث) ولا يستقيم الوزن دونها. (¬8) بإدغام نون ((قطن)) ونون ((نسير))؛ لضرورة الوزن، بعد تسكين نون ((قطن)). (¬9) في (ب): ((يزيد))، وهو خطأ، صوابه ما أُثبِتَ. (¬10) كذلك. (¬11) الأنساب 2/ 297، ومشتبه النسبة: 19. ونقل الذهبي في سير الأعلام 12/ 116 عن الدارقطني: ((قال الدارقطني: حدثنا ابن حيوية، أخبرنا أبو عبد الرحمان النسائي، قال: أخبرني هارون بن عبد الله، قال الدارقطني: قال الشيخ: وهو الحمّال، وإنما سمي حمّالاً؛ لأنه حمل رجلاً في طريق مكة على ظهره، فانقطع به فيما يقال)). ونقل ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 528 عن ابن الفلكي والخليلي أن سبب تسميته لكثرة ما حمل من العلم.

(والْغَيْرُ) أي: وغيرُ هارونَ، (بِجِيمٍ) بدلِ الحاءِ، (يَاتي)، كمُحَمَّدِ بنِ مِهْرانَ أبي جعفرٍ الرازيِّ، وأسِيْدِ بنِ زيدِ بنِ نَجِيْحٍ الهاشميِّ. ومِن ذَلِكَ: الْحَنَّاطُ، كَما قَالَ: (وَوَصفُوا حَنَّاطاً) بِمهملةٍ ثم نون (اوْ) -بالدرج- (خَبَّاطا) -بِمعجمةٍ، ثم موحدةٍ -، أي: بكلٍّ منهُما (عِيسَى) بنَ أبي عِيسى، (ومُسْلِماً) ابنَ أبي مُسْلِمٍ، و (كذا) وَصَفُوا كُلاً مِنهُما (خَيَّاطا) - بِمعجمةٍ ثم تحتيةٍ - أي بِهِ. فَوَصْفُ كُلٍّ منهما بوصفٍ من هذهِ الثلاثةِ صَحيحٌ؛ لأنه كَانَ يبيعُ الحِنْطَةَ، والخَبْطَ، ويَخِيْطُ الثيابَ (¬1). ومِنْ ذَلِكَ: السَّلَمِيُّ، كَمَا قَالَ: (والسَّلَميَّ) مفعولٌ (افْتَحْ) أي: افتحْ سِينَ ولامَ السَّلَمِيَّ (في الانْصَارِ) - بالدرج - كجابرِ بنِ عبدِ اللهِ، نسبةً لبني سَلِمَةَ، بفتحِ السينِ (¬2) وكسرِ اللامِ، وفتُحتْ في النَّسبِ، كنَمَرِيٍّ وصَدَفِيٍّ وبابهما. قال السَّمْعَانيُّ: ((وهذهِ النسبةُ عند النحويينَ. قَالَ: وأصحابُ الحديثِ يكسرونَ اللامَ)) (¬3). وَعَلَيْهِ اقْتَصرَ ابْنُ بَاطِيْش في ((مُشتَبِهِ النسبةِ)) (¬4)، وجعلَ الْمَفْتُوحَ اللامِ نسبةً إلى ((سَلَمِيَّة)) من عملِ حَماة (¬5). (ومَنْ يَكْسِرُ لاَمَهُ) أي: السَّلِمي وُهم أكثرُ الْمُحَدِّثِيْنَ (كَأَصْلِهِ) الْمَنْسُوبِ إليهِ، فقد (لَحَنْ) (¬6). وَمَا ذكرَهُ ضابطٌ لما في الأنصارِ خَاصةً، وإلاّ فَلَهُمْ في غَيْرِهمِ بِالفَتْحِ أيْضاً جَمَاعَةٌ. ¬

_ (¬1) انظر: المؤتلف والمختلف 2/ 939 - 940، والإكمال 3/ 275. (¬2) سقطت من (م). (¬3) الأنساب 3/ 303، وتمام كلامه: ((على غير قياس النحويين)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 148. (¬5) انظر: مراصد الاطلاع 2/ 731. (¬6) هكذا قال ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 537، ولكن ذكر النووي في الإرشاد 2/ 728 أنها لغة قليلة، ونصه في التقريب: 185: إنّه ((يجوز في لُغَية)). وانظر: شرح المفصل 5/ 145، وأوضح المسالك: 292، والمقرب: 413.

وَيَشْتَبِهُ ذَلِكَ كُلُّه بالسُّلَمِيِّ - بِضّمِّ السين وفتح اللامِ - نِسْبةً إلى بَنِي سُلَيْم (¬1)، كعبّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ، وبالسَّلْمِيِّ - بفتح السينِ وسُكون اللامِ - نسبةً إلى بَعْضِ أَجْدَادِ الْمنتسَبِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ النَّاظِمُ (¬2). (وَمِنْ هُنَا) أخذَ في بيانِ القسمِ الثانِي، وَهُوَ: ما (لِمالِكٍ)، في " موطَّإِهِ "، (ولَهُما) أي: البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ في "صَحِيْحَيْهِما" (¬3) من التَّرَاجُمِ، فَمِنْهَا: بَشَّار، كَمَا قَالَ: (بَشَّاراً) - بِموحدةٍ ثُمَّ مُعْجَمة - (افْرِدْ) -بالدرج- أي: أفردْ بِهذا الضبطِ بَشَّاراً (أبَ) أي: والدَ (بُنْدَارِهِما) أي: البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، فَلَيْسَ في صحيحيهِما إلا هذا الاسمُ، وهو محمدُ بنُ بَشَّارِ بنِ عثمانَ شيخُهما، وبندارٌ لقبٌ له (¬4). قالَ الذهبيُّ: وبشارٌ نادرٌ في التابعينَ، مَعدومٌ في الصّحابةِ (¬5). (وَلَهُمَا) أي: البخاريِّ ومسلمٍ أيضاً (سَيَّارُ) - بِمهملةٍ ثم ياءٍ تحتيةٍ مشدَّدةٍ - اثنان: هُما: سَيَّارُ بنُ أبي سيَّارٍ، (اي) بالدرج (أبو الحَكَمْ) الواسطيُّ (¬6). (و) سَيَّارُ (ابنُ سَلاَمَةٍ) - بالصرفِ للوزنِ - أبو المِنْهالِ الرِّيَاحيُّ. (و) مَا عَدا الثلاثةِ: يسارٌ (بِالْيَا) (¬7) التحتيةِ (قَبْلُ) أي: قبلَ السينِ المخفَّفةِ، وهو (جَمْ) أي: كثيرٌ في الكُتُبِ الثلاثةِ، كسُليمانَ وَعَطاءِ ابني يسارٍ. وَمِنْها: بُسْرٌ، كَما قَالَ: ¬

_ (¬1) الأنساب 3/ 301. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 149. (¬3) في (ق) و (م): ((صحيحهما)). (¬4) سُمي بذلك لأنه كان بنداراً في الحديث، والبندار: الحافظجمع حديث بلده. تهذيب الكمال6/ 247 (5675) (¬5) المشتبه: 78. (¬6) انظر: كنى الدولابي 1/ 154. (¬7) في (م): ((بالياء)).

(وابنُ سَعيدٍ) الْمدنيُّ، اسْمُهُ (بُسْرُ) - بموحدةٍ مضمومةٍ ثم سينٍ مهملةٍ، وبمنعِ الصرفِ للوزنِ - (مِثْلُ) بُسْرِ بنِ أبي بُسْرٍ (الْمازنِيْ) نسبةً لمازنِ بنِ منصورِ بنِ عِكْرِمَةَ، فهو أيضاً بموحدةٍ ثم مهملةٍ، وهو والدُ عبدِ اللهِ، ولم يذكرْهُ ابنُ الصلاحِ؛ لأنه لا ذِكرَ لَهُ في شَيءٍ من الكُتبِ الثلاثةِ، وإنْ رَقَّمَ لهُ المزِّيُّ علامةَ مسلمٍ (¬1)، بحيثُ قلَّدَهُ الناظمُ، فَهُوَ سهوٌ، كَما نَبَّهَ عَليهِ شيخُنا (¬2) كالناظم نفسِهِ في نُكتِهِ (¬3). (و) مثلُ بُسْرٍ (ابنُ عُبَيْدِ اللهِ (¬4)) الحَضْرَميِّ، (وَ) بُسْرِ (ابنُ مِحْجَنِ) الدِّيْليِّ، وَحديثُه في " الموطإِ " (¬5) دونَ " الصحيحينِ " (¬6). (وَفيهِ خُلْفٌ)، فَقَالَ الجُمْهورُ إنَّهُ بالمهملةِ. وَقَالَ غيرُهم: إنَّهُ بالمعجمةِ (¬7). ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال 1/ 339 (655). قلنا: وقع الوهم للإمام المزي بسبب تقليده لصاحب الكمال، وابن القيسراني (الجمع 1/ 56)، وصنيع المزي المتقن في تحفة الأشراف 2/ 96 يدل على اقتصار النسائي على روايته عنه، وحديثه عند النسائي في الكبرى (10123). وقد قلد الذهبي في الكاشف 1/ 266 (559) شيخه المزي فرقم عليه برقم مسلم، فوهم في ذلك وتعقبه تلميذ المصنف سبط بن العجمي في حاشيته على الكاشف. (¬2) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/ 437: ((فلم يخرج مسلم لبسر بن أبي بسر شيئاً ولا ذكره أحدٌ غير صاحب الكمال في رجال مسلم)). (¬3) قد اعتذر العراقي عن ذلك في التقييد: 392 فقال: ((ثم تبيَّن لي أن ذلك وهم، وإنه لم يخرج له مسلم، وإنما أخرج لابنه عبد الله بن بسر)). (¬4) في (ص) و (ق): ((عبد الله)) وما أثبتناه من (ع) و (م)، وهو الموافق لمصادر ترجمته. انظر: التقريب (667). (¬5) له حديث واحد في الموطأ (330) رواية أبي مصعب الزهري، و (349) رِوَايَة الليثي، و (106) رواية سويد بن سعيد، و (184) رواية ابن القاسم. (¬6) بل ليس له في الكتب الستة سوى حديث مالك السابق، وهو عند النسائي في المجتبى 2/ 112، وفي الكبرى (930). (¬7) قال الطحاوي: سمعت إبراهيم البرُلسي، يقول: سمعت أحمد بن صالح بجامع مصر يقول: سمعت جماعة من ولده ومن رهطه فما اختلف اثنان أنه بشر، كما قال الثوري - يعني: بالمعجمة -. وقال الحافظ ابن حبان في ثقاته 4/ 79: ((ومن قال بشر فقد وهم)). = = وقال الإمام أحمد في مسنده 4/ 338: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان - هو الثوري -، عن زيد بن أسلم، عن بشر أو بسر، عن أبيه، فذكر حديثه. فيحتمل أن يكون الشك فيه من وكيع. وقال ابن أبي حاتم في الجرح 2/ 423: ((ويقال بشر، وبسر أصح، برفع الباء والسين)). ومع أن الإمام الذهبي ذكره في الميزان 1/ 309، والكاشف 1/ 266 (563) باسم بُسُر بالمهملة؛ لكنه قَالَ في تاريخ الإسلام 3/ 345: ((والأصح أنه بشر بالكسر وشين معجمة، وَقَالَ مالك وغيره: بالضم والإهمال)). انظر: التمهيد 4/ 222 - 224، وتهذيب الكمال 1/ 341 (659) والتعليق عليه.

وَمَا عَدا الأربعةَ، أو الثلاثةَ، ممَّا في الكُتُبِ الثَّلاثةِ، هو بِكَسْرِ الموحَّدةِ ثُمَّ شينٍ معجمةٍ، قَالَ النَّاظِمُ: ((وقد تشتبهُ هذه الترجمةُ بأَبي اليَسَرِ كَعْبِ بنِ عمرٍو، وهو بتحتيةٍ، ثم مهملةٍ مفتوحتينِ، وحديثُهُ في صحيحِ مسلمٍ (¬1)، لكنه ملازمٌ لأداة التعريفِ غالباً، بخلافِ القسمينِ الأولين)) (¬2). ومنها: بُشَيْر، كَمَا قَالَ: (وبُشَيْراً) بموحدةٍ مضمومةٍ، ثم معجمةٍ، (أعْجِمِ في) راويينِ فقط: بُشَيْرِ (ابنِ يسارٍ) الْمدنِيِّ، حديثُهُ في " الصَّحيحينِ " و " الْموطإِ "، (و) بُشَيْرِ (ابنِ كَعْبٍ) العَدَويِّ حديثُهُ في " الصَّحيحينِ " دون " الْموطإِ ". فأَعجِم شَيْنَ هذينِ، (واضمُمِ) الْمُوحدةَ منهما (¬3) كما قررتُهُ. وأما مقاتلُ بنُ بُشَيْرٍ، فهو وإنْ كان مثلَهُما، لم يُخرِّجْ لهُ أصحابُ الكتبِ الثلاثةِ، وإنْ زعمَ صاحبُ " الكمالِ " أنَّ مسلماً أخرجَ له، فهو وَهْمٌ من عبدِ الغنيِّ المقدسيِّ (¬4). و (يُسَيْرُ) بتحتيةٍ مضمومةٍ، ثم مهملةٍ مفتوحةٍ (بنُ عَمْرٍو)، وهو الأكثرُ، أو ابنُ جابرٍ، كَمَا اختُلِفَ في اسمِهِ هو، فَقيلَ: يُسَيْرٌ كَمَا ذكر، (او) بالدرج (أُسَيْرُ) بِهمزةٍ بدلِ التحتيةِ. ¬

_ (¬1) 8/ 231 (3006). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 152 - 153. (¬3) في (ص) و (م): ((منها)). (¬4) انظر: فتح المغيث 3/ 195.

(والنُّونُ) بدلُ التَّحتيةِ (في أَبِي) أي: والدِ (قَطَنْ) - بادغَامِ نونِهِ في نونِ مَا بعدَهُ - فاسمُهُ (نُسَيْرُ)، وحديثُهُ في " صحيحِ مسلمٍ ". وَمَا عَدا الأربعةَ مما في الكُتُبِ الثلاثةِ، فبَشِيْرٌ - بموحدةٍ مفتوحةٍ، ثم معجمةٍ مكسورةٍ - كبَشيْرِ بنِ أبي مسعودٍ، وبَشِيْرِ بنِ نَهِيْك. ومنها: بَريْد، كما قال: و (جَدُّ عَلِيْ) -بالاسكانِ لما مر- (بنِ هَاشمٍ: بَرِيْدُ) بفتحِ الموحدةِ، وراءٍ مكسورةٍ. وحديثُهُ في مسلم (¬1)، (وابنُ) عبدِ اللهِ (حَفِيْدِ) أي: ولدِ ولدِ أبي موسى (الأَشْعَريْ) - بالاسكان لما مر - واسْمُهُ (بُرَيْدُ) بالتصغيرِ، وهو بُرَيْدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي بُرْدَةَ بنِ أبي موسى، وحديثُهُ في "الصَّحِيْحَيْنِ". 899 - وَلَهُمَا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَهْ ... بْنِ البِرِنْدِ فَالأَمِيْرُ كَسَرَهْ 900 - ذُوْ كُنْيَةٍ بِمَعْشَرٍ وَالعَالِيَهْ ... بَرَّاءَ أُشْدُدْ وَبِجِيمٍ جَارِيَهْ 901 - ابْنُ قُدَامَةٍ (¬2) كَذَاكَ وَالِدُ ... يَزِيْدَ قُلْتُ وكَذَاكَ الأَسْوَدُ 902 - ابنُ العَلاَ (¬3) وابْنُ أبِي سُفْيَانِ ... عَمْرٌو، فَجَدُّ ذَا وذَا سِيَّانِ (وَلَهُما) أي: البخاريِّ، ومسلمٍ من ذلك (محمدُ بنُ عَرْعَرَهْ بنِ البِرِنْدِ) الساميُّ، بمهملةٍ نسبةً لسامةَ بنِ لؤي البصريِّ، (فالأمِيرُ) أبو نصرٍ ابنِ ماكولا (¬4) (كسَرَهْ) أي: كَسَرَ الموحدةَ والراءَ منه، وبعدَهما نونٌ ساكنةٌ، وحُكِي فتحُهما (¬5). وَمَا عَدا الثَّلاثةَ ممّا فِي الكُتُبِ الثلاثةِ، فَيَزيدُ - بفتحِ التحتيةِ، وزايٍ مكسورةٍ - كيزيدَ بنِ هارونَ. ¬

_ (¬1) 4/ 162 (1444). (¬2) بالصرف؛ لضرورة الوزن. (¬3) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬4) انظر: الإكمال 1/ 252. (¬5) في (م): ((فتحها)) وقد نسب ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 530 القول بفتحهما لعبد الغني المقدسي في ((عمدة المحدثين)).

ومنها: البَرَّاءُ، كَما قَالَ: و (ذُوْ كُنْيَةٍ بِمَعْشَرٍ، والعَالِيهْ) أي: فأبو مَعْشَرٍ يوسفُ بنُ يزيدَ، وأبو العاليةِ زيادٌ، أو كلثومُ بن فيروزَ، وحديثُهما في الصحيحينِ، كُلٌّ مِنْهُمَا (بَرَّاءَ أُشْدُدْ) راءهما. ومَنْ عَداهُمَا مِمَا فِي الكُتُبِ الثّلاثةِ، فالبَرَاء -بالتَّخفيفِ- كالبَرَاءِ بنِ عازبٍ (¬1). وَمِنْها: جَاريَةُ (¬2)، كَمَا قَالَ: (وَبِجيمٍ) وتحتيةٍ (جَارِيَهْ ابنُ قُدَامَةٍ) - بالصرف للوزنِ - وَلاَ حديثَ لهُ في الكتبِ الثلاثةِ. نعم! وقع ذكرُهُ في "الفتنِ" مِنَ البُخاريِّ في أثناءِ قصةٍ، قَالَ فِيْهَا: ((فَلَمَّا كَانَ يَوْمَُ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ حيْنَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ ابْنُ قُدَامَةَ)) (¬3). (كَذَاكَ وَالِدُ يزيدَ) بنِ جاريةَ الأنصاريِّ، وحديثُهُ في "الموطإِ" (¬4)، والبخاريِّ (¬5). (قلتُ: وَكَذاكَ) اثنانِ: (الأسْوَدُ ابنُ العَلاَ) بنِ جاريةَ الثقفيُّ، وحديثُهُ في مُسْلِمٍ (¬6)، (وابنُ أَبي سُفْيانِ) بنِ أسِيْد بنِ جاريةَ الثقفيِّ، واسمُهُ (عَمْرٌو)، وحديثُهُ في " الصحيحينِ " (¬7)، (فَجَدُّ ذَا وذَا) أي: الاثنين (سِيَّانِ) تثنيةُ سِيٍّ، أي: مثلانِ، فاسمُ كُلٍّ منهما: جاريةُ إلا أنه في الثاني الجدُ الأعلى، كما تقررَ. وما عدا المذكورَيْن مما في الكتبِ الثلاثةِ، فحارثةُ بمهملةٍ ومثلثةٍ، كزيدِ بنِ حارثةَ الحِبِّ، وحارثةَ بنِ وَهْبٍ الخُزَاعيِّ. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 531. (¬2) في (م): ((الجارية)). (¬3) صحيح البخاري 9/ 63 (7078). (¬4) (1530) برواية الليثي. (¬5) 7/ 23 (5138). (¬6) صحيح مسلم 5/ 128 عقب (1710). (¬7) صحيح البخاري 4/ 82 حديث (3045) و 9/ 147 حديث (7402). وصحيح مسلم 1/ 131 حديث (198)، وكذلك هو عند الدارمي (2809) من طريق الزهري عن عمرو عن أبي هريرة مرفوعاً. وانظر: التقييد والإيضاح: 393 - 394.

903 - مُحَمَّدَ بْنَ خَازِمٍ لا تُهْمِلِ ... والِدَ رِبْعِيٍّ حِرَاِشٍ اهْمِلِ 904 - كَذَا حَرِيْزُ (¬1) الرَّحَبِي وكُنْيَهْ ... قَدْ عُلِّقَتْ وَابْنُ حُدَيْرٍ عِدَّهْ 905 - حُضَيْنٌ (¬2) اعْجِمْهُ (¬3) أَبُو سَاسَانَا ... وَافْتَحْ أَبَا حَصِيْنٍ اي (¬4) عُثْمَانَا 906 - كَذَاكَ حَبَّانُ بنُ مُنْقِذٍ وَمَنْ ... وَلَدَهُ وابْنَ هِلاَلٍ وَاكْسِرَنْ 907 - ابنَ عَطِيَّةَ مَعَ ابْنِ مُوسَى ... وَمَنْ رَمَى سَعْداً فَنَالَ بُؤْسَا وَمِنْهَا: خَازِمٌ، كَمَا قَالَ: و (مُحَمَّدَ بنَ خَازِمٍ) أَبَا مُعَاويةَ الضَّرِيْرِ، (لاَ تُهْمِلِ) أي: لاَ تُهمِلْ خاءهُ (¬5)، بَل أَعْجمْهَا. وَمَا عَداهُ مِمَّا فِي الكُتُبِ الثَّلاثَةِ، فَحَازِمٌ بالإهمالِ، كأبي حَازِمٍ الأَعْرجِ، وَجريرِ ابنِ حَازمٍ (¬6). ومنها: حِرَاشٌ كَما قَالَ: (والدَ رِبْعِيٍّ) وهو (حِرَاشٍ اهْمِلِ) (¬7) أي: حاءهُ. وَمَا عَدَاهُ مِمَّا في الكُتُبِ الثَّلاثةِ: فخِراش، بإعجامِ خائِهِ، كشهابِ بنِ خِراش. ولهم: خِدَاشٌ بمعجمةٍ ثم دالٍ مُهْملةٍ، أدخلَهُ ابنُ ماكولا في ذَلِك (¬8)، وحديثُهُ في مسلمٍ (¬9)، لكنْ قال الذهبيُّ: إنه لا يلتبسُ (¬10). ¬

_ (¬1) بمنعه من الصرف؛ لضرورة الوزن. (¬2) في (أ): ((حصين)) بالصاد، وهو خطأ صوابه ما أثبت. (¬3) بدرج الهمزة لضرورة الوزن. (¬4) بدرج همزة ((أي)) لضرورة الوزن. (¬5) في (ص) و (م): ((حاءه)). (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 157. (¬7) في (م) زيادة: ((بالدرج)). (¬8) انظر: الإكمال 2/ 427. (¬9) صحيح مسلم 5/ 33 (1563). (¬10) انظر: المشتبه: 223.

قال الناظمُ: ((فلهذا لم استدْرِكْهُ على ابنِ الصَّلاحِ)) (¬1). وَمِنْهَا: حَرِيْزٌ، كَمَا قَالَ: (كَذا) أي: و (¬2) كحراشٍ في إهْمَالِ الحاءِ (حَرِيْزُ) - بفتحها وبزاي آخره وبغير تنوينٍ للوزن - ابنُ عُثْمانَ الحمصيُّ (الرَّحَبيْ) بِمهْمَلتينِ مَفْتُوحتينِ - وبالإسكان لما مَرّ - نِسْبةً إلى رَحَبةَ، بطنٍ من حِمْيَرٍ، وحديثُهُ في " البخاريِّ " (¬3). (و) أبو حَرِيْزٍ (كُنْيَهْ) لعبدِ اللهِ بنِ الحسينِ الأزْدِيِّ البصريِّ، (قَدْ عُلِّقَتْ) روايتُهُ في " البُخاريِّ " (¬4). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 158. (¬2) الواو: ليست في (ق). (¬3) والحديثان اللذانِ أخرجهما البخاري: الأول: 4/ 219 - 220 (3509): ((إنَّ من أعظم الفرى أن يدعيَ الرجلُ إلى غير أبيه)) والثاني: أخرجه في: 4/ 227 (3546)، قالَ: حدثنا عصام بن خالد، قال: حدثنا حريز بن عثمان أنَّه سأل عبد الله بن بُسر صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شيخاً، قال: كان في عنفقته شعرات بيض. وحريز هذا قد رُمي بالنصب؛ لَكِنْ الإمام البُخَارِيّ نقل في " تاريخه الكبير " 3/ 103 (356) عَنْ أبي اليمان أنه رجع عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ تطاول الدكتور بشار في تعليقه عَلَى تهذيب الكمال (5/ 572) عَلَى إمام الْمُحَدِّثِيْنَ إذ قَالَ: ((ولعلَّ هَذَا هُوَ السبب الَّذِي جعله يخرج لَهُ في الصَّحِيْح حديثين وما فعل حسناً، فانظر تعليقنا عَلَى ترجمته)) قلنا: نظرنا في تعليقه فوجدناه علَّق عَلَى قَوْل عَمْرو بن عَلِيّ الفلاس حِيْنَ قَالَ: ((ثبت شديد التحامل على علي))، قَالَ الدكتور بشار بعد أن قدم لاسمه بأربع كلمات أو خمس: ((والله لا أدري كيف يكون ثبتاً من كان شديد التحامل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نعوذ بك اللهم من المجازفة)). تهذيب الكمال 5/ 574 الهامش (8). قلنا: هكذا قال وكأنه لا يدري ماذا تخط يمينه إذ أنه ناقض نفسه تناقضاً عجيباً في تحريره المزعوم إذ استَدَلَّ بحريز بن عثمان على أن الطعن في العقائد لا يضر 1/ 38 فكان من مبلغ تناقضه، وعدم دقته، وتلون أقواله من كتاب إلى كتاب، نسأل الله الستر والسداد. (¬4) الجامع الصحيح 3/ 224 عقيب (2650) وهو قوله: ((وقال أبو حريز عن الشعبي: لا أشهد على جَوْر)).

وَمَا عَداهُما مِمَّا في الكُتُبِ الثَّلاثَةِ، فجَرِيْرٌ - بجيمٍ مَفتُوحةٍ، وَرَائينِ مهملتينِ - كجَرِيْرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وجريرِ بنِ حازمٍ. (و) لَهم مَنْ قد يَشْتَبِهُ بِذَلِكَ، وهو (ابْنُ حُدَيْرٍ) بِحاءٍ، ودالٍ مهملتينٍ -مُصغَّراً- (عِدَّهْ)، كعمرانَ وحديثُهُ في مُسْلمٍ (¬1)، وزيدٍ وزيادٍ ابني حُدَيْرٍ، وَلَهُمَا في المغازي مِن البُخاريِّ ذكرٌ فقط (¬2). ومنها: حُضَيْنٌ، كَمَا قَالَ: و (¬3) (حُضَيْنٌ) بالتَّصْغير (اعْجِمْهُ) (¬4) -بالدرج-، أي: أَعجِمْ ضادَهُ مع إهمالِ حائِهِ، وهو ابنُ المنذرِ بنِ الحارثِ بنِ وَعْلَةَ البصريُّ، كنيتُهُ أبو محمدٍ، ولقبُه (أبو سَاسَانا) بمهملتينِ، وَحديثُهُ في مُسْلِمٍ (¬5)، وَهُوَ فردٌ لا يعرفُ غيرُهُ، كما قالَهُ المِزِّيُّ (¬6) وغيرُهُ. (وافْتَحْ أَبَا) أي: حَاء أبي (حَصِيْنٍ) باهْمَالِها مَع الصَّادِ، (اي) - بالدرج - (عُثْمَانَا) بن عَاصمٍ الأسديَّ وحديثه في " الصحيحين ". وَمَا عداهما مما في الكتبِ الثلاثةِ، فحُصَيْن باهمالِ حائِهِ، وصادِهِ مُصَغَّراً. وأما والدُ أسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ - بمهملةٍ، ثم معجمةٍ، وبالراءِ بدلَ النُّونِ مُصغَّراً - الأشهليِّ، المخرَّج لَهُ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ؛ فَلا يلتبِسُ (¬7) غالباً، قالَهُ الناظمُ (¬8). ومنها: حَبَّانُ، كَما قَالَ: ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 2/ 153 حديث (705) (58). (¬2) 5/ 220 (4391). (¬3) الواو: ساقطة من (م). (¬4) في (م): ((اعجمها)). (¬5) 5/ 126 (1707). (¬6) انظر: تهذيب الكمال 2/ 219 (1366). (¬7) في (ص) و (ق): ((يلبس)). (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 161.

(كذاكَ حَبَّانُ بنُ مُنْقِذٍ) - بموحدةٍ مشددةٍ - أي: افتحْ حاءهُ. له ذكرٌ في " الموطإِ " (¬1). (و) افتحْ أيضاً (مَنْ وَلَدَهُ)، وهم: ابنُهُ واسعٌ، وحفيدُهُ حَبَّانُ بنُ واسعٍ، وابنُ عمِّ حفيدِهِ محمدُ بنُ يحيى بنِ حَبَّانَ بنِ منقذٍ، وحديثُ الثاني في مسلمٍ (¬2)، والآخرينَ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ (¬3). (و) افتحْ من غيرِ المذكورينَ أيضاً (ابنَ هِلاَلٍ) حَبَّانَ الباهليَّ، وحديثُهُ في " الصحيحينِ ". (واكْسِرَنْ) بالنونِ الخفيفةِ (ابنَ عَطِيَّةَ)، فهو حِبَّانُ - بكسرِ الحاءِ - السُّلَميُّ، لَهُ ذكرٌ في البُخاريِّ في قصةِ حَاطبِ بنِ أبي بلتعَةَ (¬4)، (مَعَ) حِبَّان (ابنِ مُوسَى) السُّلَميِّ المروزيِّ، روى عنه الشيخانِ في صحيحيهما، وهو حِبَّانُ غيرُ منسوبٍ (¬5) أيضاً، عن عبدِ اللهِ بنِ المُبارك. (و) مع (مَنْ رَمَى سَعْداً) هو ابنُ معاذٍ الأنصاريُّ، فاسمُ الرامي حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ له ذكرٌ في " الصحيحينِ " (¬6) في حديثِ عائشةَ، أنَّ سعدَ بنَ معاذٍ رماهُ رَجلٌ من قريشٍ، يُقالُ لَهُ حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، والعَرِقَةُ بكسرِ الراءِ (¬7)، وَقِيْلَ: بفتحِها لقبُ أُمِّهِ (¬8). لُقِّبَتْ ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ (رواية أبي مصعب 1636، ورواية سويد بن سعيد 357، ورواية محمد بن الحسن 610، ورواية يحيى الليثي 1664). (¬2) صحيح مسلم 1/ 146 (236). (¬3) حديثه في الموطأ والصحيحين كثير جداً. (¬4) صحيح البخاري 4/ 92 حديث (3081) و 9/ 23 حديث (6939). (¬5) في (م) زيادة: ((إلى أبيه فيتميز بشيوخه كحبان عن شعبة)). وهي زيادة سقيمة أحالت المعنى وأفسدت النص، وما أثبتناه اتفقت عليه نسخنا الخطية، والعبارة بنصها - كما أثبتناها - في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 157. (¬6) صحيح البخاري 5/ 143 رقم (4122) وصحيح مسلم 5/ 161 حديث (1769). (¬7) كذا ضبطه الحافظ في الفتح 7/ 412، والعيني في العمدة 17/ 191، وغير واحد. (¬8) الإكمال 2/ 311، وحكاه الواقدي عن أهل مكة.

بذلكَ لطيبِ ريحِها، واسمُها قِلابةُ بنتُ سُعَيْدِ - بضم السين - بنِ سَهْمٍ، وأما اسمُ أبيهِ فقيسٌ أو أبو قيسٍ. (فَنَالَ) بسببِ رميهِ سَعْداً (بُؤسا) أي: عذاباً شديداً. وَمَا عدا المذكورين مما في الكتبِ الثلاثةِ: فحَيَّانُ، بفتحِ (¬1) المهملةِ وتشديدِ التحتيةِ. وقد يشتبهُ بذلكَ جَبَّار، بجيمٍ مفتوحةٍ، وموحدةٍ مشددةٍ، وخِيارُ، بخاء معجمةٍ مكسورةٍ، ثم تحتيةٍ، وآخرُهما راءٌ، فالأولُ: جَبَّارُ بنُ صَخْرٍ، لَهُ ذكرٌ في مُسْلِمٍ (¬2)، والثاني: عبيدُ اللهِ بنُ عدي بنِ الخيَارِ، حَديثُهُ في "الصَّحيحينِ". 908 - خُبَيْباً اعْجِمْ (¬3) في ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانْ ... وابْنِ عَدِيٍّ وَهْوَ كُنْيَةً كَانْ 909 - لابْنِ الزُّبَيرِ وَرِيَاحَ اكْسِرْ بِيا (¬4) ... أَبَا زِيَادٍ بِخِلاَفٍ حُكِيَا (¬5) 910 - وَاضْمُمْ حُكَيْماً في ابْنِ عَبْدِ اللهِ قَدْ ... كَذَا رُزَيْقُ بْنُ حُكَيمٍ وَانْفَرَدْ 911 - زُيَيْدٌ (¬6) بْنُ الصَّلْتِ وَاضْمُمْ وَاكْسِرِ ... وَفي ابْنِ حَيَّانَ سَلِيمٌ كَبِّرِ ومنها: خُبَيْبٌ، كَمَا قَالَ: و (خُبَيْباً اعجِمْ) بالدرج، أي: أَعجِم خاءهُ مُصغراً (في ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمانْ) الأنصاريِّ، حديثُهُ في الكتبِ الثلاثةِ، ومثلُه جَدُّهُ خُبَيْبُ بنُ يَسافٍ، إلاَّ أنَّهُ لا روايةَ لَهُ في الثلاثةِ. (و) أَعجِم خاءهُ أيضاً في (ابْنِ عَدِيٍّ)، له ذكرٌ في البخاريِّ، في حديثِ أبي هريرةَ، في سريةِ عاصمِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ، وقُتِلَ - رضي الله عنه - وهو القائلُ: ¬

_ (¬1) في (م) زيادة: ((الحاء)) ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. (¬2) صحيح مسلم 8/ 231 (3010). (¬3) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬4) بالقصر، لضرورة الوزن. (¬5) في (ب): ((حكما))، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬6) وفي (ب): ((زبيد ابن))، والصحيح ما أثبتناه؛ لما نصّ عَلَيْهِ الشارحُ.

ولستُ أبالي حين أُقْتَلُ مسلماً ... عَلَى (¬1) أَيِّ جنبٍ كان لله مَصْرَعِيْ (¬2) (وَهْوَ) أي: خُبَيْبٌ بالإعجامِ والتصغيرِ (كنيةً) خبرُ قولِهِ: (كَانْ) أي: كان أبو خُبَيْبٍ كنيةً (لابنِ الزُّبَيْرِ) عبدِ اللهِ، كُنِّيَ باسمِ ولدِهِ خُبيبٍ، ولا ذِكْر لولدِهِ في الكُتُبِ الثلاثةِ (¬3). وَمَا عَدا هَؤلاءِ الثَّلاثةِ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ فحَبِيْبٌ بفتحِ المهملَةِ مُكبَّراً (¬4). ومنها: رِيَاحٌ، كَمَا قَالَ: (ورِيَاحَ) بمنعِ صرفِهِ للوزن، وبنصبِهِ بقولِهِ: (اكْسِرْ بِيا) -بالقصر- أي: مع ياءٍ تحتيةٍ (أَبَا زِيَادٍ) القَيْسِيَّ، أي: أكسِرْ راءَ رِيَاحٍ، والدِ زيادٍ. حديثُهُ في " مُسْلِمٍ "، ويكنى أبا رياحٍ باسمِ أبيهِ (¬5)، والأكثرُ على أَنَّ كنيتَهُ أبو قَيْسٍ، وبه صرَّحَ مُسْلِمٌ في " صحيحِهِ " في المغازِي (¬6). (بِخِلاَفٍ) في ضَبطِ اسمِهِ (حُكِيَا) عن " تاريخِ البخاريِّ " (¬7) حيثُ ذُكِرَ فيه، مع ما مَرَّ أنهُ بفتحِ الراءِ، وبموحدةٍ. ¬

_ (¬1) في (م): ((عل)). (¬2) هذا البيت واحد من خمسة أبيات قالها خبيب بن عدي الأنصاري، من بحر الطويل ذكرها البخاري في صحيحه في قصة قتل خبيب4/ 83 عقب (3045) و9/ 147عقب (7402). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 165. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 166. (¬5) هذا القول ذكره العراقي في شرح الألفية ثم رجع عنه بأخرة إذ قال في التقييد والإيضاح: 395: ((إنَّ ما ذكره المصنف من أن كنيته أبو قيس قد خالفه المزي في التهذيب فرجَّح: أبو رياح بالمثناة كاسم أبيه، فقال: زياد بن رياح، ويقال: ابن رباح القيسي، أبو رياح، ويقال: أبو قيس، وقد كنت قلدت المزي في ترجيحه لذلك فصدرت به كلامي في شرح الألفية، ثم تبين لي أنه وهم أو خلاف مرجوح، وأن الصواب ما ذكره المصنف)). أي: أن كنيته أبا قيس كما سيذكر الشارح نقلاً عن الأكثرين. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 532، وتهذيب الكمال 3/ 47 (2027)، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 166 - 167. (¬6) صحيح مسلم 6/ 21 (1848). (¬7) التاريخ الكبير 3/ 351، وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم 4/ 515: ((وقاله البخاري: بالمثناة وبالموحدة، وقاله الجماهير: بالمثناة لا غير)).

وما عداهُ في الكتبِ الثلاثةِ، فرَبَاحٌ - بالفتح وبموحدةٍ - كرَبَاحِ بنِ أبي مَعْرُوفٍ، وعطاءِ بنِ أبي رباحٍ، وزيدِ بنِ رباحٍ، حديثُ الأولِ في " مسلمِ "، والثاني في " الثلاثةِ "، والثالثُ في " الموطإِ " و " البُخاريِّ ". ومنها: حُكَيم، كَمَا قَالَ: (واضْمُمْ حُكَيْماً) أي: حاءهُ مُصغَّراً (في ابنِ عَبدِ اللهِ) بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ القرشيِّ المصريِّ، حديثُهُ في مُسْلِمٍ (¬1) (قَدْ) أي: فيهِ الضَّمُّ فقط، ويُسمَّى: الحكيمُ أيضاً بالتعريفِ، كما وقعَ في بعضِ طرقِ حديثِهِ. و (كَذَا) يضم (¬2) (رُزَيْقُ) بتقديمِ الراءِ (بنُ حُكَيمٍ) أبو حُكيمٍ - بالضم أيضاً - الأيْلي (¬3)، والي أيْلَةَ (¬4) لعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، وذكرَ ابنُ الحَذَّاءِ أنه كَانَ حاكماً بالمدينةِ (¬5). لَهُ ذكرٌ في الحدودِ مِنَ " الموطإِ " (¬6) في قصةٍ، وله ذكرٌ في البخاريِّ في قصةٍ في بابِ الجمعةِ في القرى والمدنِ (¬7)، ولهُ ابنٌ اسمُهُ حُكَيْمٌ أيضاً، كجدِّهِ. وَمَا عَداهما (¬8) في الكُتُبِ الثلاثةِ، فحَكِيْمٌ بفتح الحاء (¬9) مكبَّراً (¬10). ومِنْهَا: زييد كَمَا قَالَ: ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 1/ 143 - 144 (232) و 2/ 5 (386). (¬2) في (ق): ((بضم)). (¬3) انظر: التقريب (1935). (¬4) بفتح أوله بعدها ياء ساكنة ثم لام مفتوحة: مدينة كانت لليهود على ساحل البحر الأحمر مما يلي الشام. انظر: معجم ما استعجم 1/ 216، ومعجم البلدان 1/ 292. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 168. (¬6) الموطأ 2/ 391 (2396) رواية الليثي. (¬7) صحيح البخاري 2/ 6 عقب (893). (¬8) في (ق): ((عداه)). (¬9) في (م): ((الراء)). (¬10) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 169.

(وانفَرَدْ) مِن بَينِ الأسماءِ على المعتمدِ (زُيَيْدٌ) بيائينِ تحتيتين (بنُ الصَّلْتِ) بنِ معدي كربَ الكنديُّ، له ذكرٌ في " الموطإِ " (¬1)، (واضمُمْ، واكْسِرِ) زاءهُ، ففيهِ الوجهانِ. وَمَا عَداهُ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ، فزُبَيْدٌ - بضم الزاي، ثم بموحدةٍ، ثُمَّ تحتيةٍ - كزبيدٍ الياميِّ، وأبو (¬2) زُبَيْدٍ عَبْثَرُ بنُ القاسمِ (¬3). وَمِنْهَا: سَلِيْمٌ، كَمَا قَالَ: (وفي ابنِ حَيَّانَ) - بفتح المهملةِ، وتشديدِ التحتيةِ - الهُذَليِّ (سَلِيْمٌ كَبِّرِ)، حديثُهُ في " الصّحيحينِ ". وَمَا عَداهُ مُصَغَّرٌ، كسُلَيْمِ بنِ أَسودَ المحاربيِّ، وسُلَيْمِ بنِ أخضرَ، وسُلَيْمِ بنِ جُبَيْرٍ. وذكرَ ابنُ الصَّلاحِ بعدَ هذا سَلْماً، وسالماً، ولا يشتبِهُ لزيادةِ الألفِ (¬4). 912 - وَابْنُ أَبي سُرَيْجٍ احْمَدُ إئْتَسَا ... بِوَلَدِ النُّعْمَانِ وَابْنِ يُونُسَا 913 - عَمْرٌو مَعَ القَبِيلَةِ ابْنُ سَلِمَهْ ... وَاخْتَرْ بِعَبْدِ الخَالِقِ بْنِ سَلَمَهْ 914 - وَالِدُ عَامِرٍ كَذَا السَّلْمَانِي ... وَابْنُ (¬5) حُمَيْدٍ وَوَلَدْ (¬6) سُفْيَانِ 915 - كُلُّهُمُ عَبِيْدَةٌ مُكَبَّرُ ... لَكِنْ عُبَيْدٌ عِنْدَهُمْ مُصَغَّرُ 916 - وَافْتَحْ عَبَادَةَ أبَا مُحَمَّدِ ... وَاضْمُمْ أَبَا قَيْسٍ عُبَاداً أَفْرِدِ (¬7) 917 - وعَامِرٌ بَجَالةُ (¬8) بنُ عَبْدَهْ ... كُلٌّ وَبَعْضٌ بِالسُّكُونِ قَيَّدَهْ ¬

_ (¬1) الموطأ (122) رواية الليثي. (¬2) هكذا في النسخ، والجادة ((وأبي)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 170. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 533، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 170. (¬5) في (النفائس): " ابن " من غير واوٍ. (¬6) بسكون الدال بنية الوقف؛ لضرورة الوزن. (¬7) في (النفائس): " وافرِدِ "، وهو الأولى هنا. (¬8) في (النفائس): ((بحاله))، وهوَ خطأ، صوابه ما أثبت.

918 - عُقَيْلٌ القَبِيْلُ وَابْنُ خَالِدِ ... كَذَا أبُو يَحْيَى وَقَافِ وَاقِدِ 919 - لَهُمْ كَذَا الأَيْليُّ لاَ الأُبُلِّي ... قَالَ: سوَى شَيْبَانَ وَالرَّا (¬1) فَاجْعَلِ 920 - بَزَّاراً انْسُبْ ابْنَ صَبَّاحٍ حَسَنْ ... وَابْنَ هِشَامٍ خَلَفاً، ثُمَّ انْسُبَنْ 921 - بالنُّونِ سَالِماً وَعَبْدَ الوَاحِدْ ... ومَالِكَ بنَ الأَوْسِ نَصْرِيّاً يَرِدْ ومنها: سُرَيْجٌ، كَمَا قَالَ: (وابنُ أَبي سُرَيْجٍ)، واسْمُهُ: (احْمَدُ) (¬2) - بالدرج - بنُ عمرَ بنِ أبي سُرَيجٍ الصباحُ. رَوى عنهُ البُخاريُّ في صحيحهِ (إئتسا) (¬3) أي: له أسوةٌ في كونِهِ بمهملةٍ، وجيمٍ (ب‍) ‍سريجٍ (وَلَدِ النُّعْمَانِ) بنِ مروانَ، (و) بسريجٍ (ابنِ يونُسَا) - بألفِ الإطلاقِ - بنِ إبراهيمَ البغداديِّ، حَديثُ كُلٍّ مِنْهُما في الصَّحيحينِ، وسَمِعَ من الثّاني مُسْلمٌ دونَ البُخاريِّ. وَمَا عَدا الثّلاثةِ ممّا في الكُتُبِ الثَّلاثةِ، فشُرَيْحٌ بمعجمةٍ، وحاءٍ مُهْمَلةٍ (¬4). وَمِنْها: سَلِمَةُ، كَمَا قَالَ: (عَمْرٌو) الجَرْميُّ إمامُ قومِهِ، واختُلِفَ في صحبتِهِ (مَعَ القَبيلةِ)، وهي الواحدةُ مِن قبائلِ العربِ الذين هُمْ بنو أَبٍ واحدٍ في الأنْصَارِ، وكُلٌّ من عَمْرٍو والقبيلةِ (ابنُ سَلِمَهْ)، بكسرِ اللامِ (¬5). (واختَرْ) كُلاً من كسرِها وفتحها (بِعَبْدِ) أي: في عبدِ (الخالقِ بنِ سَلمَهْ) الشَّيْبَانيِّ (¬6)، حديثُهُ في " مُسْلِمٍ " (¬7). ¬

_ (¬1) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 533. (¬3) في (م): ((إتسى)). (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 171. (¬5) حكى فيه الوجهين ابن ماكولا في الإكمال 4/ 336، وانظر: التقريب (3778). (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 534، ومحاسن الاصطلاح: 549. (¬7) صحيح مسلم 6/ 97 عقب (1997).

وَمَا عَدا ذلِكَ، فبالفتحِ فَقَط. وَمِنْها: عَبِيْدةُ، كَمَا قَالَ: (والِدُ عَامِرٍ) الباهليِّ، لَهُ ذِكرٌ في البُخاريِّ (¬1)، في كتابِ الأحكامِ في قصةٍ، و (كَذا) ابنُ عَمْرٍو، أو ابنُ قَيْسِ بنِ عَمْرٍو (السَّلْمَاني) بسكونِ اللامِ - وهو المناسبُ هنا - أو فَتْحِها نسبةً إلى سَلمَانَ بطنٍ مِن مرادٍ، وهو ابنُ يَشْكَرَ بنِ ناجيةَ بنِ مرادٍ، حديثُهُ في " الصحيحينِ " (¬2). (و) كَذَا (ابنُ حُمَيْدٍ) هو ابنُ صُهَيْبٍ الكوفيُّ حديثُهُ في البُخاريِّ، (وَ) كَذا (وَلَدْ) - بالاسكانِ بنيَّةِ الوقفِ - (سُفْيَانِ) بنِ الحارثِ الحضرميِّ حديثُهُ في " الموطإِ " و " مسلمٍ "، (كُلُّهُمُ) - بضم الميم - أي: كُلٌّ من الأربعةِ (عَبِيْدةٌ) - بالفتح (¬3) - (مُكبَّرُ). وَمَا عَداهُم في الكُتُبِ الثَّلاثةِ، فمصغرٌ كعُبَيْدةَ بنِ الحارثِ بنِ المطلبِ، وعُبَيْدَةَ بنِ مُعَتِّبٍ، وسعد بنِ عُبَيْدةَ (¬4). ومنها: عَبِيْدٌ، وهو بالفتحِ مكبَّرٌ (لَكِنْ) لَيْسَ هو (¬5) عِندَ أربابِ الكُتُبِ الثلاثةِ فيها، بَل (عُبَيْدٌ عِنْدَهُمْ) فيها (مُصغَّرُ) فَقَطْ. وَمِنْهَا: عَبَادَةُ بتخفيفِ الموحَّدةِ، كَمَا قَالَ: (وافتَحْ عَبَادَةَ أبا) أي: والدَ (مُحَمَّدِ) الواسطيِّ، شيخِ البخاريِّ (¬6). وَمَا عَداهُ في الكتبِ الثَّلاثةِ، فبالضَّمِّ، كعُبَادةَ بنِ الصَّامتِ، وحفيدِهِ عُبَادةَ بنِ الوليدِ. وَمِنْهِا: عُبَادٌ، كَمَا قَالَ: ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 9/ 83 حديث (7161). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 173. (¬3) وصرفت لضرورة الوزن. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 173. (¬5) ((هو)): سقطت من (ق). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 174.

(واضْمُمْ) مع التخفيفِ (أبَا) أي: والدَ (قيسٍ: عُبَاداً) القَيْسِيَّ، الضُّبَعِيَّ البصريَّ، حديثُهُ في " الصحيحينِ "، و (أَفْرِدِ) أي: وأفرِدْهُ بالضبطِ المذكورِ، عن سائرِ مَنْ في الكتبِ الثلاثةِ؛ إذ مَا عَداهُ فِيْهَا فبالفتْحِ والتَّشْديدِ، كعَبَّادِ بنِ تَميْمٍ المازنيِّ، وعَبَّادِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (¬1). وأما ما وقعَ عند أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ مطَرِّفِ بنِ المرابطِ، في " الموطإِ " من عبَّادِ بنِ الوليدِ بنِ عُبَادَةَ (¬2)، فقال القاضي عياضٌ: إنه خطأٌ، وإنما هو عُبَادَةُ. ومنها: عَبَدَةُ، كَمَا قَالَ: (وَعَامِرٌ) الكوفيُّ البَجَليُّ نسبةً إلى بجيلةَ حيٍّ مِنَ اليَمنِ، و (بَجَالَةُ) - بالفتح - التميميُّ ثم العَنْبَريُّ البصريُّ (¬3). روى للأوَّلِ مُسْلمٌ في " مقدمتِهِ " عن ابنِ مَسْعودٍ قولَهُ: ((إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِيْ صُورةِ الرَّجُلِ فَيَأتِيْ القَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمُ الحَدِيْثَ)) (¬4). وللثاني البُخاريُّ في الجزيةِ قولَهُ: ((كُنْتُ كَاتِباً لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ)) الحديث (¬5). (بنُ عَبْدَهْ كُلٌّ) أي: كُلٌّ منهما اسمُ أبيهِ: عَبَدَةُ بفتحتينِ. (وَبَعْضٌ) مِنَ الْمُحدِّثينَ (بِالسُّكُونِ)، للباءِ في الاسمينِ (قَيَّدَهْ)، ويقال في الثاني: عَبْدٌ أيضاً. وما عداهما في الكتبِ الثلاثةِ، فعَبْدَةُ بالسكونِ قطعاً، كعَبْدَةَ بنِ سُليمانَ الكِلاَبيِّ، وعَبْدَةَ بنِ أَبي لُبَابَةَ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 174. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 174. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 176. (¬4) مقدمة صحيح مسلم 1/ 9 عقب (7). (¬5) صحيح البخاري 4/ 117 (3156)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 176.

ومنها: (عُقَيْلٌ) بضمِ العينِ وفتحِ القافِ، أي: بنو عُقَيْل (القَبِيْلُ) مرخمُ القبيلةِ المعروفةِ، لها ذكرٌ في " مسلمٍ " (¬1)، (وَ) عُقَيْلُ (ابنُ خَالِدِ) الأيليُّ حديثُهُ في " الصحيحينِ " (¬2)، و (كَذَا أبُو) أي: والدُ (يَحْيَى) الخزاعيُّ البصريُّ، روى لَهُ مُسلمٌ. وَمَا عَدَا الثلاثةَ، فبفتحِ العينِ وكسرِ القافِ، كعَقِيْلِ بنِ أبي طالبٍ، له ذكرٌ في " الصحيحينِ " (¬3). وَمِنْهَا: واقدٌ، كَمَا قَالَ: (وَقَافِ واقِدِ لَهُمْ) أي: ولأربابِ الكتبِ الثلاثةِ واقدٌ بالقافِ، كواقدِ ابنِ عبدِ اللهِ ابنِ عُمرَ، وابنِ ابنِ أخيهِ: واقدِ بنِ محمدِ بنِ زيدٍ. وليس لهم وافدٌ بالفاء (¬4). ومنها الأيْلِيُّ، كَمَا قَالَ: (كَذَا) لَهُم (الأَيْليُّ)، بفتحِ الهمزةِ، وَسُكونِ التَّحتيةِ نِسْبةً إلى ((أيْلَةَ)) كَهَارونَ بنِ سَعيدٍ الأيْليِّ، ويونسَ بنِ يزيدَ الأيليِّ. (لا الأُبُلِّي) بضم الهمزةِ، والموحدةِ، وتشديدِ اللامِ نِسبةً إلى ((أبُلَّةَ)) بَلْدةٍ بقربِ البَصْرةِ، فَلَيْسَ للثلاثةِ أحدٌ مَنْسوبٌ إليَها. (قَالَ) ابنُ الصَّلاحِ (¬5): (سوى شَيْبَانَ) بنِ فَرُّوْخَ مِن شُيوخِ مُسْلمٍ، فهو أبُلِّي - بالموحدةِ (¬6) -. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 5/ 78 (1641). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 177. (¬3) وحديثه أخرجه البخاري 2/ 181 رقم (1588) و 5/ 187 رقم (4282)، ومسلم 4/ 108 رقم (1351) من حديث أسامة بن زيد. (¬4) انظر: الإكمال 7/ 294، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 178. (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 536. (¬6) انظر: محاسن الاصطلاح: 548. قال العراقي في التقييد: 400: ((وقد تتبعت كتاب مسلم فلم أجد فيه شيبان بن فروخ منسوباً، فلا تخطئة على القاضي عياض حينئذٍ فيما قاله)).

وَمِنْها: البَزَّارُ، كَما قَالَ: (والرَّا) المهملة آخراً - بالقصر للوزن - (فاجْعَلِ بزَّاراً) نسبةً للبِزْرِ يُخرَجُ دهنُهُ ويباعُ، فهو اسمٌ لمَنْ يُخْرِجُ دُهْنَ البِزْرِ (¬1) ويبيعُهُ، و (انسُبْ) إليهِ (ابنَ صَبَّاحٍ حَسَنْ) - بالوقفِ بلغةِ ربيعةَ - من شيوخِ البخاريِّ، (وابنَ هِشَامٍ خَلَفاً) مِن شُيوخِ مُسْلمٍ. قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((ولا نعلمُ في " الصحيحينِ " بالراءِ المهملةِ غيرَهُما)) (¬2). يعني: ممَّنْ يقعُ منسوباً، وإلاَّ فَيَحيَى بن مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ، أحد شيوخِ البخاريِّ، وبِشْرِ بن ثابتٍ الذي استَشْهَدَ به البخاريُّ، قد نُسِبَا لذلك، لَكِن لَم يَقَعا في "البُخاريِّ" منسوبَيْنِ (¬3). وَمَا عَدا ابنَ صَبَّاحٍ (¬4)، وابنَ هِشَامٍ في " الصَّحيحينِ "، فبزايٍ مكرَّرةٍ، كمحمدِ بنِ الصَبَّاحِ البَزَّازِ، ومُحَمَّدِ بنِ عبدِ الرحيمِ البَزَّازِ. ومنها: النَّصْريُّ، كَما قَالَ: (ثُمَّ انْسُبَنْ بِالنُّونِ) والصّادِ المهملةِ (سَالِماً) هو ابنُ عَبْدِ اللهِ، (وَعَبْدَ الوَاحِدْ) بنَ عَبدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، (ومَالِكَ بنَ الأَوْسِ) بنِ الْحَدَثانِ، أي: انسُبْ كُلاً مِنْهُمْ (نَصْرِيّاً) نسبةً إلى أبِ القبيلةِ نَصْرِ بنِ معاويةَ بنِ بُكيرٍ (¬5)، حيثُما (يَرِدْ) في الروايةِ. رَوى للأولِ مُسْلمٌ، وللثاني البُخاريُّ، وللثالثِ الثلاثةُ. وَمَا عَدَاهُمْ في الكُتُبِ الثّلاثةِ، فَبَصْريٌّ بالْمُوَحَّدَةِ. ¬

_ (¬1) في (م): ((البرز)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 536. (¬3) انظر: المقنع 2/ 609، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 179. (¬4) في (م): ((الصباح)). (¬5) انظر: اللباب 3/ 311.

922 - وَالتَّوَّزِيْ (¬1) مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ ... وَفِي الْجُرَيْرِيْ ضَمُّ جِيْمٍ يَأْتِي 923 - فِي اثْنَيْنِ: عَبَّاسٍ سَعِيْدٍ وَبِحَا (¬2) ... يَحْيَى بْنِ بِشْرِ بنِ الحَرِيْريْ فُتِحَا 924 - وَانْسُبْ حِزَامِيّاً سِوَى مَنْ أُبْهِمَا ... فَاخْتَلَفُوا وَالْحَارِثِيُّ لَهُمَا 925 - وَسَعْدٌ الْجَارِي فَقَطْ وفِي النَّسَبْ ... هَمْدَانُ وَهْوَ مُطْلَقاً قِدْماً غَلَبْ ومنها: التَّوَّزِيُّ، كما قَالَ: (والتَّوَّزِيْ) -بالاسكان لما مَرَّ، وَبفَتْحِ الفَوْقيةِ، وَتشديدِ الواوِ المفتوحةِ، وبزايٍ - نسبةً إلى تَوَّز، ويقالُ: تَوَّجُ بجيمٍ بلدةٌ بفارسَ (¬3)، هو (مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ) أَبُو يَعْلَى البَصريُّ، حديثُهُ في " البخاريِّ ". وَمَا عَداه فبمثلثةٍ وواوٍ ساكنةٍ، وراءٍ، كأَبي يَعْلى مُنْذرِ بنِ يَعْلَى (¬4) الثَّوْريِّ، وحديثُهُ في " الصحيحينِ "، وهو شديدُ الالتباسِ بالأولِ، لاشتراكِهِما في الكُنيةِ. ومنها: الْجُرَيْريُّ، كَمَا قَالَ: (وَفي الْجُرَيْريْ) - بالاسكان لما مَرَّ - (ضَمُّ جِيْمٍ) نسبةً لِجُرَيْرَ بنِ عُبَادٍ - بضمِ العينِ، وتخفيفِ الموحَّدَةِ (¬5) - (يَأْتِي في اثْنَيْنِ) فَقَطْ: (عَبَّاسٍ) هو ابنُ فَرُّوْخٍ، و (سَعِيدٍ) هُوَ ابنُ إياسٍ، حديثُ كُلٍّ مِنْهُمَا في " الصَّحيحينِ "، ويردُ ثانيهِما مُقْتَصَراً فِيهِ عَلى النِّسبةِ في مُسْلمٍ من روايتِهِ عن أَبي نَضْرةَ، وعن حَيَّانِ بنِ عُمَيْرٍ، وغيرِهِما. وأما حَيَّانُ هذا، وأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وإنْ نُسِبَا كَذلِكَ، وروى لهما مسلمٌ، فلم يردا في " صحيحِهِ " منسوبَيْنِ، بل باسمَيْهِما فقط. ¬

_ (¬1) بالسكون، وبالضبط الذي ذُكِرَ؛ ليستقيم الوزن. (¬2) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬3) انظر: الأنساب 1/ 514، 515. (¬4) في (ع): ((علي)). (¬5) انظر: اللباب 1/ 276.

(وبِحَا) مهملةٍ بالقصرِ (يَحْيَى بنِ بِشْرِ) هُو ابنُ كَثيرٍ أبو زَكريا (بنِ الْحَرِيْريْ) - بالإسكان لما مَرَّ - (فُتِحَا) حاؤُهُ، وتفرَّدَ مسلمٌ بالرِّوايةِ عَنهُ. وَالقَولُ: بأنَّه شَيْخُ البخاريِّ أيضاً وَهَمٌ، كَمَا قَالَهُ الناظمُ (¬1)؛ فشيخُ البُخاريِّ إنما هو (¬2): يَحيى بنُ بِشْرٍ البَلْخيُّ. وَلَهُمْ: يَحْيَى بنُ أَيّوبَ الْجَرِيْريُّ - بِجيمٍ مَفْتوحةٍ وراءٍ مَكْسورةٍ - نسبةً لِجَدِّهِ جَرِيْرٍ البَجَليِّ، وهو وإنِ استَشْهَدَ به البخاريُّ في كِتابِ الأدبِ من " صَحِيحِهِ " (¬3) لم يذكرْهُ مَنسوباً، بَلْ بِاسْمِهِ (¬4)، واسمِ أبِيْهِ فقط. ومنها: الْحِزَاَمِيُّ، كَمَا قَالَ: (وانسُبْ) مَنْ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ (حِزَامِيّاً) -بكسرِ المهمَلَةِ وبزاي-كإبراهيمَ بنِ المنذرِ والضَّحَّاكِ بنِ عُثمانَ، فحيثُ وقعَ ذَلِكَ في الكُتُبِ الثَّلاثةِ، فَهوَ بالزايِ، قالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬5) وَزَاد عَليهِ النَّاظمُ: (سِوَى مَنْ أُبْهِمَا) اسْمُهُ في حَديثِ (¬6) مسلمٍ (¬7)، (فَاخْتَلَفُوا) في ضَبْطِهِ، فَضَبَطَهُ الأكثرُ بفتحِ المهملةِ وبالراءِ، والطبريُّ بكسرِها، وبالزايِ، وابنُ مَاهَانَ بجيمٍ مضمومةٍ، وذالٍ معجمةٍ (¬8). وذكرَ أبو عليٍّ الْجَيَّانيُّ في ذلك من يُنْسَبُ إلى بَنِي حَرَامٍ من الأَنْصارِ، كجَابرِ بنِ عبدِ اللهِ، ولم يذكرْهُ الناظمُ كابنِ الصلاحِ. قَالَ: لأنَّه لم يُذْكَرْ مَنْسوباً، بَل باسمِهِ فَقَط. قَالَ: ولم أذكرْ فيهِ ((الجُذَاميَّ)) -بضمِ الجيمِ، وبالمعجمةِ-، كَفَرْوَةَ بنِ نِعَامَةَ الجُذَاميِّ؛ لأَنَّهُ قَد لا يلتبسُ (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 183. (¬2) لم ترد في (ق). (¬3) صحيح البخاري 8/ 2 عقب (5971)، وانظر: فتح الباري 10/ 402 - 403. (¬4) في (م): ((اسمه)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 537. (¬6) في (م) زيادة: ((أبي اليسر من صحيح)). (¬7) صحيح مسلم 8/ 231 (طبعة استانبول)، و 4/ 2302 (طبعة محمد فؤاد). (¬8) مشارق الأنوار 1/ 227، وقد نقله النووي في شرحه لصحيح مسلم 5/ 851. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 185. (¬9) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 186.

ومنها: الْحارثيُّ، كَمَا قَالَ: (والْحَارِثيُّ) بِمهملةٍ، وراءٍ مَكْسورةٍ، ثُمَّ مُثَلَّثةٍ (لَهُمَا) أي: للبخاريِّ ومسلمٍ، وَهوَ جميعُ مَا فِيهمَا، منهم: أبو أمامةَ الحارثيُّ صَحابيٌّ لَهُ روايةٌ عند مسلمٍ في كتابِ الإيْمانِ، بكسر الهمزة (¬1). (وسَعْدٌ) هو ابنُ نوفل أبو عبدِ اللهِ (الْجَارِي) -بِجيمٍ ثم ياءٍ (¬2) بعدَ الراءِ- نسبةً لجدِّهِ (¬3). وقيلَ: للجارِ مُِرْفَأ السُّفُنِ بسَاحِلِ (¬4) المدينةِ (¬5)، مِنْ: أرْفَأتُ السَّفِيْنَةَ أي: قَرَّبْتُها من الشَّطِّ. فَذَلِكَ الموضعُ يُسَمَّى مرفأً، وجاراً (¬6). وسعدٌ هذا مولى عمرَ بنِ الخطابِ، وعاملُه عَلى الجارِ مُِرفإِ السفنِ (¬7). (فَقَطْ) أي: لَيْسَ لَهُم: الجاريُّ غيرُ سَعْدٍ، وحديثُهُ في " الموَطّإِ " (¬8). وذكرَ أبو عليٍّ الْجَيَّانيُّ مَع ذَلِكَ: الخارفيَّ، بالخاءِ المعجمةِ وبالفاءِ بدلِ الثاءِ، كعبدِ اللهِ بنِ مرةَ الخارفيِّ، وَقد لاَ يلتبِسُ (¬9). وَمِنْهَا: هَمْدَانُ، كَمَا قَالَ: (وفي النَّسَبْ) إلى قبيلةِ (هَمْدَان) - بإسكانِ الميم (¬10) وإهمالِ الدال - وهو جميعُ مَا فِي الكُتُبِ الثَّلاثةِ، وإنْ كَانَ فِيهَا مَنْ هو من مدينةِ هَمَذَانَ - بالفتحِ والإعجامِ (¬11) - ببلادِ الجبلِ، إلاَّ أَنَّهُ غَيْرُ منسوبٍ. (وَهْوَ) أي: المنسوبُ إلى هَمْدَانَ - بالإسكانِ والإهمالِ - موجودٌ في الرُّواةِ (مُطْلَقاً) عن التقييدِ بالكتبِ الثلاثةِ (قِدْماً) أي: قديماً (غَلَبْ) على المضبوطِ بالفتحِ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 1/ 85 (137). (¬2) في (م) زيادة: ((نسبة)). (¬3) وهو قول القاضي عياض. انظر: مشارق الأنوار 1/ 227. (¬4) في (م): ((بساهل)). (¬5) وهو قول ابن الصلاح. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 537. (¬6) انظر: الصحاح 1/ 53، وتاج العروس 1/ 247. (¬7) انظر: اللباب 1/ 251. (¬8) الموطأ (1428) رواية الليثي. (¬9) انظر: الإكمال لابن ماكولا 7/ 419. (¬10) في (م): ((الجيم))؟ (¬11) في (ق): ((بالاعجام والفتح)).

المتفق والمفترق

والإعجامِ، أي: أكثرَ منه كما صرَّحَ به ابنُ ماكولا، حيث قال: ((والْهَمْدَانيُّ في المتقدمينَ: بسكونِ الميمِ أكثرُ، وبفتحِها في المتأخرينَ أكثرُ)) (¬1). ونحوُهُ قولُ الذهبيِّ: ((والصَّحابةُ والتابعونَ وتابعُوهم مِنَ القبيلةِ، وأكثرُ المتأخرينَ مِنَ المدينةِ. قَالَ: ولا يمكنُ استيعابُ هؤلاءِ، ولا هؤلاءِ)) (¬2). ومِمَنْ (¬3) خَرَجَ مِنَ الغالبِ، وسَكَنَ من المتأخرينَ: أبو العبَّاسِ أحمدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سعيدِ بنِ عُقْدَةَ، وأبو الفضلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَطَّافٍ، وجعفرُ ابنُ عليٍّ، وعليُّ بنُ عبدِ الصمدِ السَّخَاويُّ، وعَبْدُ الْحَكَمِ (¬4) بنُ حاتِمٍ (¬5). الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ (¬6) أي: معرفتُهُما، وَهيَ فنٌّ مهمٌّ، ومِنْ فوائدِهِ الأمنُ مِن اللَّبْسِ، فَرُبَّمَا يُظَنُّ الْمُتعدَّدُ وَاحِدَاً، عَكْسُ مَا مَرَّ في الألْقَابِ. وَرَبَّمَا يَكُوْنُ أَحَدُ الْمُتَّفقَيْنِ ثِقَةً، والآخرُ ضَعِيْفاً، فَيضعفُ مَا هُوَ صَحِيْحٌ أَوْ يُعكسُ. ¬

_ (¬1) الإكمال 7/ 419. (¬2) المشتبه للذهبي: 654. (¬3) في (م): ((ومن)). (¬4) في (ص) و (ق): ((الحكيم)). (¬5) كتب ناسخ (ع) إشارة مفادها بلوغ المقابلة. (¬6) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 538، والإرشاد 2/ 730 - 743، والتقريب: 185 - 188، والاقتراح: 314 - 315، والمنهل الروي 127 - 129، واختصار علوم الحديث: 227 - 229، والشذا الفياح 2/ 662 - 682، والمقنع 2/ 614 - 621، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 190، ونزهة النظر: 175 - 176، وطبعة عتر: 68، وفتح المغيث 3/ 245 - 258، وتدريب الراوي 2/ 316 - 329، وتوضيح الأفكار 2/ 488 - 493، وظفر الأماني: 89 - 98.

926 - وَلَهُمُ الْمُتَّفِقُ الْمُفْتَرِقُ (¬1) ... مَا لَفْظُهُ وَخَطُّهُ مُتَّفِقُ 927 - لَكِنْ مُسَمَّيَاتُهُ لِعِدَّةِ ... نَحْوَ ابْنِ أحْمَدَ الْخَلِيْلِ سِتَّةِ (وَلَهُمُ) أي: لِلْمُحَدِّثينَ (الْمُتَّفِقُ الْمُفْتَرِقُ) (¬2) من الأسْماءِ والأنسابِ ونَحْوِهما (¬3)، وهو: (مَا لفظُهُ وخطُّهُ مُتَّفِقُ، لَكِنْ مُسَمَّياتُهُ لِعِدَّةِ) أي: مُتَعدِّدة، فهوَ بهذا مفترقٌ، وَهوَ من قَبيلِ الْمشتَرَكِ اللفظيِّ. والْمُهِمُّ مِنْهُ من (¬4) يشتَبِهُ أمرُهُ لتعاصرٍ واشتراكٍ في شيوخٍ أو رُواةٍ، وهو ثَمَانِيةُ أقسامٍ: أوَّلَهَا: أنْ تَتَّفِقَ أسْمَاؤهُم، وأَسْماءُ آبائِهِمِ، (نَحْوَ ابنِ أحْمَدَ الْخَلِيْلِ، سِتَّةِ) مِنَ الرِّجالِ، عَلى مَا ذكرَ ابنُ الصَّلاحِ (¬5)، وإلاّ فَهُم أزيدُ، كَمَا قَالَ النّاظِمُ، وَسيأتي بيانُهُ. الأول: أبو عبدِ الرَّحْمانِ الْخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمرِو بنِ تَميْمٍ الأزْدِيُّ البَصْريُّ النَّحويُّ، صَاحِبُ العَروضِ - وهو أوَّلُ مَن استخرجَهُ - وصاحبُ " كتابِ العَينِ " في اللغةِ (¬6). ¬

_ (¬1) في (النفائس) و (فتح المغيث): " والمفترق "؛ لذلك سُكِّنَتِ القاف في " المتفقْ " في (النفائس)؛ لضرورة الوزن، وبإسقاط الواو كما في النسخ كلِّها لا حاجة إلى هذا التسكين لاستقامة الوزن، وتحريك (القاف) في (فتح المغيث) خطأ لا يستقيم الوزن معه. (¬2) في (م): ((المتفق والمفترق)). وللخطيب البغدادي فيه كتاب "المتفق والمفترق"، قال عنه ابن الصلاح: ((وهو مع أنه كتاب حفيل غير مستوف للأقسام التي أذكرها)). معرفة أنواع علم الحديث: 539. (¬3) في (م): ((ونحوها)). (¬4) كذا في جميع النسخ الخطية، وفي (م): ((ما)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 539. (¬6) الكتاب طبع في ثمانية أجزاء، وفي نسبته إلى الخليل كلامٌ، قال ابن جني: ((أما كتاب العين، ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل فضلاً عن نفسه)). الخصائص 3/ 288. وقدِ اتُّهِمَ الليث بن المظَفَّرِ - راوية الخليل وتلميذه - بأنه هو الذي ((نحل الخليل بن أحمد تأليف كتاب العين جملة لينفقه باسمه، ويرغب فيه مَنْ حوله)). التهذيب 1/ 28 غير أن الأزهري يضيف قائلاً: ((ولم أرَ خلافاً بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب العين لأبي عبد الرحمان الخليل بن أحمد ... وعلمت أنه لا يتقدم أحدٌ الخليلَ فيما أسسه ورسمه ... )). التهذيب 1/ 401. = = والذي جعل العين مداراً للشك كثرة الخلل الواقع فيه؛ لِذَلِكَ جوبه بنقد كَثِيْر وجهه إليه أبو حاتم السِّجِسْتَانيّ، وابن دريد، وأبو عَلِيّ القالي، وأبو بَكْر الزبيدي، وأبو مَنْصُوْر الأزهري، وأحمد بن فارس، وغيرهم. ينظر: نقاش ذَلِكَ في المعجم العربي: حسين نصار 1/ 280، وقارن بمقدمة محقق كتاب العين 1/ 18 - 27. وعدم ظهور الكتاب إلاَّ بعد خمسين سنة من وفاة الخليل، وما قيل منه إنَّ الخليل بدأه في أواخر حياته (بعد 170 هـ‍)، وهي في الأغلب السنة التي مرض فيها وتوفي بعدها (175 أو 177 هـ‍)، وقد كان عرض منهج الكتاب على تلميذه الليث بن المظَفَّرِ الذي عاد من الحج فأكمله بعد، أو وصل فيه الخليل إلى آخر حرف العين، وقيل: إنه أتمَّه ثمَّ أحرقه وألَّفهُ بعده الليث؛ لأنه كان قد قرأه، وقيل: غير ذلك. انظر: مشكلات في التأليف اللغوي، د. رشيد العبيدي، فصل (كتاب الجيم).

والثاني: الْخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بِشْرٍ الْمُزَنيُّ، ويقال: السلميُّ، وهو بصريٌّ أيضاً، وهو متأخرٌ عن الأوَّلِ، يروي عن الْمستنِيْرِ بنِ أخضرَ. والثالثُ: بصريٌّ أيضاً، قيل: يروي عن عكرمةَ، وقيلَ: عَن بعضِ أَصْحَابِ عكرمةَ (¬1). ¬

_ (¬1) ذكره أبو الفضل الهروي في كتابه " مشتبه أسامي المحدثين ": 108 (162). قال العراقي: ((وأخشى أن يكون هذا هو الخليل بن أحمد النحوي، فإنه روى عن غير واحدٍ من التابعين)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 193. وقال السخاوي: ((بل قال شيخنا - يعني ابن حجر -: أخلق به أن يكون غلطاً، فإن أقدم من يقال له الخليل بن أحمد الأول، ولم يذكر أحد في ترجمته أنه لقي عكرمة، بل ذكروا أنه لقي أصحاب عكرمة كأيوب السختياني، فلعل الراوي عنه أسقط الواسطة بينه وبين عكرمة، فظنه أبو الفضل آخر غير الأول، وليس كما ظن لأن أصحاب الحديث اتفقوا على أنه لم يوجد أحد تسمى " أحمد " من بعد قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا والد الأول)). فتح المغيث 3/ 210. قلنا: ذكر ابن الصلاح في كتابه " معرفة أنواع علم الحديث ": 539 أن هذا الثالث أصبهاني روى عن روح بن عبادة وغيره. فتعقبه العراقي في التقييد والإيضاح: 406 - 407 فقال: ((هذا وهم من المصنف، وكأنه قلّد فيه غيره فقد سبقه إلى ذلك ابن الجوزي في التلقيح، وسبقهما إلى ذلك أبو الفضل الهروي في كتاب " مشتبه أسماء المحدثين " فعدّ هذا فيمن اسمه الخليل بن أحمد، وإنما هو الخليل بن محمد العجلي يكنى أبا العباس وقيل: أبا محمد، هكذا سماه أبو الشيخ بن حيان في كتاب "طبقات الأصبهانيين" وكذلك أبو نعيم في " تاريخ أصبهان "، وروى له أحاديث في ترجمته عن روح بن عبادة وغيره، فَقَالَ: حدثنا عبد الرحمان بن محمد بن جَعْفَر، حدثنا أبو الأسود عبد الرحمان بن محمد بن الفيض، حدثنا الخليل ابن محمد، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا موسى بن عبيد، أخبرني عبد الله بن دينار، قال: قال عبد الله ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مشت أمتي المطيطاء ... الحديث)). وروى له حديثين آخرين من= =روايته عن عبد العزيز بن أبان، وحدثنا (كذا ولعل الصواب: وحديثاً) من روايته عن أبي بكر الواسطي، وهكذا ذكره الحافظ أبو الحجاج المزي في الرواة عن روح بن عبادة: الخليل بن محمد العجلي الأصبهاني، ولم أر أحداً من الأصبهانيين تسمى الخليل بن أحمد، بل لم يذكر أبو نعيم في تاريخ أصبهان أحداً اسمه الخليل غير الخليل بن محمد العجلي هذا، والوهم في ذلك من أبي الفضل الهروي وتبعه ابن الجوزي والمصنف)). وانظر: مشتبه أسامي المحدثين: 108 (163)، وذكر أخبار أصبهان 1/ 307 - 308، وتلقيح فهوم أهل الأثر: 609، وتهذيب الكمال 2/ 494، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 194، ولم نقف عليه في المطبوع من كتاب " طبقات المحدثين بأصبهان " لأبي الشيخ.

والرابعُ: أبو سَعيدٍ الْخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ (¬1) الْخليلِ السِّجْزِيُّ الحنفيُّ، قاضي سَمَرقَنْدَ يروي عن ابنِ خُزَيْمَة وغيرِهِ (¬2). والخامس: أبو سَعيدٍ الْخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمدٍ البُسْتيُّ المُهَلَّبِيُّ الشافعيُّ القاضِي. ذكر ابنُ الصَّلاحِ أنه سَمِعَ مِنَ الذي قبلَهُ، ومن أحمدَ بنِ الْمظفرِ البكريِّ، ومن غيرِهما، حدَّثَ عَنْهُ البَيْهَقيُّ (¬3). والسادس: أبو سعيدٍ الْخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ البُسْتِيُّ، الشَّافِعِيُّ، ذَكَرَهُ الْحُمَيْديُّ في " تاريخِ الأندَلُسِ " (¬4)، روى عَن أبي مُحَمَّدِ بنِ النحاسِ بِمصرَ، وأبي حامد الإسفرايينيِّ، وغيرِهما (¬5). ومن الزائدِ على الستّةِ: البغداديُّ رَوَى عن سيَّارِ بنِ حاتِمٍ (¬6). ¬

_ (¬1) لم ترد في (م) وفي (ق): ((الخليل بن أحمد الخليلي))!! (¬2) ترجمته في: يتيمة الدهر 4/ 338، ومعجم الأدباء 11/ 77، والنجوم الزاهرة 4/ 153، والطبقات السنية 3/ 216، وشذرات الذهب 3/ 91. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 540. (¬4) انظر: جذوة المقتبس: 212. (¬5) انظر: الصلة لابن بشكوال 1/ 181 (الطبعة المصرية). قال العراقي: ((وأخشى أيضاً أن يكون هذا هو الذي قبله، ولكن هكذا فرق بينهما ابن الصلاح)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 194. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 540. (¬6) ذكره العراقي في شرحه 3/ 195: وقال: ((ذكره ابن النجار في " الذيل "))، ولم نقف عليه في المطبوع منه.

أبو طاهرٍ الْخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عليٍّ الْجَوْسَقِيُّ الصَّرْصَرِيُّ، روى عَنْهُ الْحَافِظُ ابنُ النجَّارِ، وغيرُهُ (¬1). وأبو القاسمِ المصرِيُّ الشاعرُ، رَوَى عنهُ أبو القاسمِ بنِ الطَّحَّانِ (¬2). 928 - وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَجَدُّهُ ... حَمْدَانُ هُمْ أَرْبَعَةٌ تَعُدُّهُ 929 - وَلَهُمُ الجَوْنيْ أَبُوْ عِمْرانَا ... اثْنَانِ والآخِرُ مِنْ بَغْدَانَا 930 - كَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ... هُمَا مِنَ الأَنْصَارِ ذُوْ اشْتِبَاهِ 931 - ثُمَّ أَبُوْ بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ لَهُمْ ... ثَلاَثَةٌ قَدْ بَيَّنُوا مَحَلَّهُمْ 932 - وَصَالِحٌ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمُ ... ابْنُ أبي صَالِحٍ أتْبَاعٌ هُمُ (و) ثانيهما: أنْ تتفِقَ أسماؤُهُمْ، وأسماءُ آبائِهِم، وأجْدَادِهِم. ومنهم: (أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَجَدُّهُ: حَمْدَانُ) و (هُمْ أَرْبَعَةٌ) متعَاصِرُونَ في طبقةٍ واحدةٍ، (تَعُدُّهُ) أي: المسمَّى بذلكَ. فالأوَّلُ: أبو بكرٍ أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمدانَ البغداديُّ، يَرْوِي عنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حنبلٍ (¬3). والثاني: أبو بكرٍ أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حمدانَ بنِ عيسى السَّقَطِيُّ (¬4) البصريُّ، يَروي عن عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الدَّورَقيِّ، وغيرِهِ (¬5). والثالث: أحمدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حَمْدَان الدِّيْنَوَرِيُّ، روى عن جَمْعٍ، منهُم: عبدُ اللهِ بنُ محمد بنِ سنان الرَّوْحيُّ - نسبةً لشيخِهِ: رَوْح؛ لإكثارِهِ عَنْهُ (¬6) - وروى عَنْهُ عليُّ بنُ القاسمِ بنِ شاذانَ الرازيُّ، وغيرُهُ. ¬

_ (¬1) ذكره العراقي في شرحه وقال: ((توفي سنة أربع وثلاثين وست مئة، قاله ابن النجار)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 195. (¬2) ذكره العراقي في شرحه وقال: ((روى عنه الحافظ أبو القاسم بن الطحان، وذكره في ذيله على تاريخ مصر، وقال: توفي سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة. شرح التبصرة والتذكرة3/ 195. (¬3) هو القطيعي راوي المسند عن عبد الله. ترجمته في سير أعلام النبلاء 16/ 210. (¬4) بفتح السين المهملة والقاف، وكسر الطاء المهملة. انظر: اللباب 2/ 122. (¬5) توفي سنة أربع وستين وثلاث مئة، وقد جاوز المئة. انظر: الأنساب 3/ 286. (¬6) انظر: اللباب 2/ 41.

والرابعُ: أبو الحسنِ أحمدُ بنُ جَعْفرِ بنِ حمدانَ الطَّرَسُوسيُّ، يَروي عَن عبدِ اللهِ بنِ جابرٍ، وغيرِهِ. قال الناظمُ: ((ومن غرائبِ الاتفاقِ في ذلكَ: محمدُ بنُ جعفر بنِ محمدٍ، ثلاثةٌ متعاصِرونَ، مَاتوا في سنةٍ واحدةٍ (¬1)، وكُلٌّ مِنهم في عشرِ المئةِ. وهم: أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ جعفرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الهيَثَمِ الأنباريُّ (¬2). وأبو عمرٍو محمدُ بنُ جعفرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَطَرٍ النِّيْسَابُورِيُّ (¬3). وأبو بكرٍ محمدُ بنُ جعفر بنِ مُحَمَّدِ بنِ كنانةَ البغداديُّ (¬4). ماتوا في سنةِ ستينَ، وثلاثِ مئةٍ)) (¬5). وثالثُها: أنْ تتفِقَ الكُنيةُ، والنِّسبةُ معاً، كما ذكرَهُ بقولِهِ: (وَ (¬6) لَهُمُ) أي: للمحدثينَ (¬7) في أمثلتِهِ: (الْجَوْنِيْ) - بالإسكان لما مَرَّ، وبفتحِ الجيمِ (¬8) - (أَبُو عِمْرانَا) وهو (اثْنَانِ) بَصْريانِ: ¬

_ (¬1) يريد سنة (360 هـ‍) كما سيذكرها في نهاية كلامه. (¬2) البندار، ترجمته في سير أعلام النبلاء 16/ 63، والعبر 2/ 106. (¬3) ترجمته في السير 16/ 162. (¬4) ترجم الخطيب في تاريخه لمحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن كنانة أبي بكر المؤدب. ولكنه أرخ وفاته نقلاً عن ابن الفرات سنة (366 هـ‍). تاريخ بغداد 2/ 151 (الطبعة القديمة) و2/ 532 (طبعة دار الغرب). والذي أوقع العراقي في هذا الوهم - الذي تبعه عليه المصنف هنا - تقليده المحض لعبارة الذهبي في العبر 2/ 323، فإنه بعد أن أرخ وفاة هؤلاء الثلاثة سنة (360) وأوردهم في وفياتها، قال: ((ومن غرائب الاتفاقات، موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، وهم في عشر المئة، وأسماؤهم وآباؤهم وأجدادهم، شيء واحد)). وفي ذات السنة أرخ وفاته في سفره العظيم "تاريخ الإسلام". انظر: وفيات سنة (360 هـ‍): 215 (تحقيق التدمري). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 197. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) في (ص): ((المحدثين)). (¬8) نسبة إلى (جَوْن). بطن من الأزد. انظر: الأنساب 2/ 156.

فالأولُ: عبدُ الملِكِ بنُ حَبيبٍ، تابعيٌّ مشهورٌ. (والآخِرُ) بكسر الخاءِ، أي: والمتأخِّرُ منهما في الطبقةِ (مِنْ بَغْدَانَا) بنونٍ لغة في بغدادَ (¬1)، واسمُهُ: موسى بنُ سهل بنِ عبدِ الحميدِ، رَوى عَن الربيعِ بنِ سُليمانَ، وطبقَتِهِ. ومِنْ أمثلتِهِ أيضاً: أبو عُمَرَ الْحَوْضيُّ، إثنانِ (¬2). ورابعُها: أنْ يتفِقَ الاسمُ واسمُ الأبِ والنسبةُ، كما ذكرَهُ بقولِهِ: (كَذَا) أي: من المتفِقِ والمفترِقِ مما هو قريبٌ من الثالثِ: (مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ)، اثنانِ متقاربانِ في الطبقةِ، و (هُمَا مِنَ الأنْصَارِ). فالأولُ: القاضي أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ المثنى بنِ عبدِ اللهِ بنِ أَنَس بنِ مالكٍ الأنصاريُّ البصريُّ (¬3). والثاني: أبو سلمةَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيادٍ الأنصاريُّ البصريُّ، ضعيفٌ (¬4). وقَدِ اشتَركا في الروايةِ عَنْ حُمَيْدٍ الطويلِ، وسليمانَ التيميِّ، ومالكِ بنِ دينارٍ، وقُرَّةَ بنِ خالدٍ، وإلى ذلك أشارَ بقولِهِ: (ذُوْ اشْتِبَاهِ) (¬5). ولاشتراكِهِمَا واشتباهِ الأمرِ بينهما في ذلك، اقتصرَ ابنُ الصَّلاحِ (¬6) تبعاً للخطيبِ (¬7) عَليهما، وإلاَّ فلهما مشارِكُونَ في الاسمِ واسمِ الأبِ والنسبةِ، لكنَّ بعضَهُم متقدمٌ عليهِما، وبعضُهم متأخرٌ عنهما، نبَّهَ عَلى ذلِكَ الناظمُ (¬8). ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد 13/ 56. (¬2) ذكرهما الخطيب في المتفق والمفترق 3/ 2119 - 2120. (¬3) وفاته سنة (215 هـ‍). ترجمته في سير أعلام النبلاء 9/ 537. (¬4) انظر: تهذيب الكمال 6/ 371 (5936). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 199. (¬6) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 542. (¬7) انظر: المتفق والمفترق 3/ 1888 - 1889. (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 199.

وخَامِسُها: أنْ تتفقَ كناهُم وأسماءُ آبائِهِم، كَمَا ذكرَهُ بقولِهِ: (ثُمَّ أَبُوْ بَكْرِ بنِ عَيَّاشٍ) بياءٍ تحتيةٍ، وشينٍ معجمةٍ (لَهُمْ) أي: لِلمُحدِّثينَ مِنه (ثلاثةٌ (¬1) قَدْ بَيَّنُوا مَحَلَّهُمْ) أي: بيَّنُوهم في مَحَلِّهِمْ. فالأوَّلُ: أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشِ بنِ سالمٍ الأَسَديُّ الكوفيُّ، راوي قِرَاءةِ عاصمٍ، وقدَّمْتُ في الكُنى بيانَ الخلافِ في اسمهِ، والصحيحَ منه. والثاني: أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيُّ، يروي عن عثمانَ بنِ شباكٍ الشاميِّ (¬2). والثالث: أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ السلميُّ مولاهُم، واسمُهُ: حسينٌ، يروي عن جعفر بنِ بُرقانَ (¬3). وسادسُها: أنْ تتفقَ أسماؤهم وكنى آبائِهم، عكسُ الخامسِ، كما ذكرَهُ بقوله: (وصالحٌ أربعةٌ كُلُّهُمُ) أي: كُلٌّ مِنْهُمْ (ابنُ أبي صالحٍ اتْبَاعٌ) بالدرج (هُمُ). فالأولُ: أبو مُحَمَّدٍ صَالِحُ بنُ أَبِي صَالِحٍ الْمَدَنيُّ، مولى التَّوأمَةِ بنتِ أُمَيّةَ ابنِ خَلفِ الجمحيِّ، يَروي عَن أبي هُريرةَ، وابنِ عباسٍ، وغيرِهما مِنَ الصحابةِ. والثاني: صالِحُ بنُ أَبِي صالِحٍ ذكوانَ السَّمَّانِ، يروي عن أنسٍ. والثالثُ: صالِحُ بنُ أَبِي صالِحٍ السَّدُوسيُّ، يَروي عن عليٍّ، وعَائِشَةَ. والرابعُ: صالحُ بنُ أَبِي صالِحٍ مِهْرَانَ المخزوميُّ الكوفيُّ، يَروي عَن أَبِي هُريرةَ. وَلَهُم خَامِسٌ أسديٌّ، يَروي عَن الشَّعبيِّ ذكرَهُ الناظمُ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المتفق والمفترق 3/ 2121 - 2123. (¬2) ذكره ابن الصلاح، وقال: ((حدّث عنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وهو مجهول، وجعفر غير ثقة)). معرفة أنواع علم الحديث: 541. قال الذهبي في الميزان 4/ 503: ((لا يدرى من هو)). وانظر: المتفق والمفترق 3/ 2121 - 2123. (¬3) هو الباجدائي، صاحب كتاب " غريب الحديث "، توفي سنة (204 هـ‍)، وعليه فهو من متقدمي المصنفين في غريب الحديث، ومع ذلك فلم يذكره ابن الجزري في تقدمته لكتابه " النهاية في غريب الحديث "، ولا استدركه عليه محققه!؟ (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 203.

قَالَ: ((وإنما لم يذكرْهُ ابنُ الصَّلاحِ، كالخطيبِ، لكونِهِ متأخِّرَ الطبقةِ عن الأربعةِ، وأيضاً فسمَّاهُ بعضُهم: صالِحَ بنَ صالِحٍ الأسديَّ. قال البخاريُّ: والأوَّلُ أصحُّ)) (¬1). 933 - وَمِنْهُ مَا (¬2) فِي اسْمٍ فَقَطْ وَيُشْكِلُ ... كَنَحْوِ حَمَّادٍ إذَا مَا يُهْمَلُ 934 - فَإِنْ يَكُ ابْنُ حَرْبٍ اوْ (¬3) عَارِمُ قَدْ ... أَطْلَقَهُ فَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ أَوْ وَرَدْ 935 - عَنِ التَّبُوْذَكِيِّ أَوْ عَفَّانِ ... أَوْ ابْنِ مِنْهَالٍ فَذَاكَ الثَّانِي 936 - وَمِنْهُ مَا فِي نَسَبٍ كالْحَنَفِي ... قَبِيْلاً اوْ (¬4) مَذْهَباً او (¬5) باليا (¬6) صِفِ وسابعُها: أنْ تتفِقَ أسماؤهم أو كناهم أو نسبتُهم، كما ذكرَهُ بقولِهِ: (ومنهُ) أي: من فَنِّ (¬7) المتفقِ والمفتَرِقِ (مَا) الاتفاقُ فيه (في اسمٍ)، أو كنيةٍ، أو نسبةٍ (فَقَطْ)، فيقعُ في السَّنَدِ منهم واحدٌ باسمِهِ، أو كنيتِهِ، أو نسبتِهِ فقط، مهملاً مِن ذكرِ أبيهِ، أو غيرِهِ، ممَّا يَتميَّزُ بِهِ عَن المشارِكِ لَهُ فيما يَرويهِ، فَيُلبِسُ (ويُشْكِلُ) الأمرُ فيهِ. وللخطيبِ فيه كتابٌ مفيدٌ سمَّاهُ " المكملَ في بيانِ المهملِ ". (كَنَحْوِ حَمَّادٍ إذا مَا) زائدةٌ (يُهْمَلُ) من ذكرِ نسبةٍ، أو غيرِها، ويتميَّزُ ذَلِكَ عِندَ المُحدِّثينَ بِحَسَبِ مَنْ أطلقَهُ. (فإنْ يَكُ) سليمانُ (ابنُ حَرْبٍ، او (¬8)) بالدرجِ (عَارِمُ) بمهملتينِ وبغيرِ تنوينٍ، لقبٌ لِمُحَمَّدِ بنِ الفضلِ السَّدوسيِّ، شيخ البخاريِّ، (قد أَطلقَهُ، فهْوَ) حمادُ (ابنُ زَيْدٍ، أو) إنْ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 203، وانظر: التاريخ الكبير 4/ 284 الترجمة (2827). (¬2) في (فتح المغيث): ((وما))، وهي خطأ؛ إذ لا يستقيم الوزن معها. (¬3) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬4) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬5) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬6) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬7) لم ترد في (ص). (¬8) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة.

(وَرَدْ) حمادٌ مطلقاً، إما (عَن) أَبِي سَلَمَةَ موسى بنِ إسماعيلَ (التَّبُوْذَكيِّ) - بفتحِ الفوقيةِ، وضمِ الموحدةِ، وفتح المعجمةِ - (أو) عن (عَفَّانِ) بنِ مسلمٍ الصَّفَّارِ، (أو) عَنْ حَجَّاجِ (ابنِ مِنْهَالٍ)، أو عن هُدبةَ بنِ خَالدٍ، (فَذَاكَ) المُطْلَقُ هو (الثَّانِي) أي: حمادُ بنُ سَلَمَةَ، المطويُّ ذكْرُهُ. ووُصِفَ بالثاني لتأخُّرِهِ عَن ابنِ زيدٍ في الذِّكرِ باسمِ الإشارةِ وإلا فهو أقدمُ وفاةً منه. ومَثَّلَ ابنُ الصلاحِ (¬1) أيضاً لذلِكَ بما إذا أُطلِقَ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ حَكَى عَنْ سَلَمَةَ بنِ سُليمانَ أنه قَالَ: إذا قِيلَ في السَّنَدِ: عبدُ اللهِ بمكةَ، فهو ابنُ الزُّبَيْرِ، أو بالمدينةِ: فابنُ عُمرَ، أو بالكوفةِ: فابنُ مسعودٍ، أو بالبصرةِ: فابنُ عباسٍ، أو بخراسانَ: فابنُ المباركِ. ثم نَقَلَ عَنِ الخليليِّ القزوينيِّ ما يُخالفُ بعضَ ذلكَ (¬2). ومَثَّلَ (¬3) لاتفاقِ الكنيةِ بأبي حَمْزَةَ - بحاء وزاي - عن ابنِ عباسٍ إذا أطلق، ثُمَّ ذَكرَ عن بعضِ الحفاظِ أن شعبةَ إذا أطلَقَهُ عن ابنِ عباسٍ، فهو نَصْرُ بنُ عِمرانَ الضبّعَيُّ، وهو بجيمٍ وراءٍ، وإن كان يروي عن ستةٍ يروُون عن ابنِ عباسٍ، كُلُّهُم بحاءٍ وزاي؛ لأنَّه إذا رَوَى عَنْ أحدٍ مِنْهُمْ بيَّنَهُ. (و) ثامنُها: (مِنْهُ) أي: من فَنِّ المتَّفِقِ والمفتَرِق (ما) الاتفاقُ فيه (في نَسَبٍ) لفظاً، والافتراقُ فيه في أنَّ ما نُسِبَ إليه أحدُهما غيرُ مَا نُسِبَ إليهِ الآخرُ. ولأبي الفضلِ محمدِ بنِ طاهرٍ المقدسيِّ فِيهِ تَصنيفٌ حسنٌ. (كالْحَنَفِي) حيثُ يكونُ المنسوبُ إليه: (قَبِيْلاً) - بالترخيم - أي: قبيلةً، وهم بنو حنيفةَ، منهم: أبو بكرٍ عبدُ الكبيرِ، وأبو عليٍّ عبيدُ اللهِ: أبناءُ عبدِ المجيدِ الحنفيِّ، رَوى لَهُمَا الشَّيخَانِ. (او (¬4)) بالدرج - حيثُ يكونُ المنسوبُ إليه: (مَذْهَباً) وهو مذهبُ أَبِي حَنيفةَ النُّعْمَانِ بنِ ثابتٍ، والمنسوبُ إلى هذا كثيرٌ. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 543. (¬2) انظر: الإرشاد 1/ 440. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 544. (¬4) في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة.

تلخيص المتشابه

وأنت فيه مخيَّرٌ بين أنْ تقولَ: حَنَفِي بلا ياءٍ قبل الفاء، (اوْ) بالدرج (باليا (¬1)) - بالقصر للوزنِ - قبلَها (صِفِ) أي: أنسبْ لتكونَ مميِّزةً لهذا عن المنسوبِ للقبيلةِ. وكالآمُلي نسبةً إلى آمُل طَبْرَسْتَانَ، وآمُل جِيْحُوْنَ، شُهِرَ بالنسبةِ إليها: عبدُ اللهِ بنُ حمّادٍ الآمُليُّ، أحدُ شيوخِ البخاريِّ. وَمَا ذكرَهُ الغَسَّانيُّ ثم القاضي عياضُ من أنَّهُ منسوبٌ إلى آمُل طبرستانَ، قال ابنُ الصلاحِ: إنه خطأٌ (¬2). تَلْخِيْصُ المُتَشَابِهِ (¬3) مِنْ فوائِدِهِ: الأمنُ مِنَ التَّصْحِيفِ، وظنِّ الاثنينِ واحداً. 937 - وَلَهُمُ قِسْمٌ مِنَ النَّوْعَيْنِ ... مُرَكَّبٌ مُتَّفِقُ الَّلَفظَيْنِ 938 - فِي الاسْمِ لَكِنَّ أَبَاهُ اخْتَلَفَا ... أَوْ عَكْسُهُ أوْ نَحْوُهُ وَصَنَّفَا 939 - فِيْهِ الْخَطِيبُ نَحْوُ مُوسَى بنِ عَلِيْ ... وَابْنِ عُلَيٍّ وَحَنَانَ (¬4) الأَسَدِيْ (¬5) (وَلَهُمُ) أي: الْمُحدِّثينَ (قِسْمٌ) آخرُ (مِنَ النَّوْعَيْنِ) السَّابقينِ (مُرَكَّبٌ)، وَهْوَ إمّا (مُتَّفِقُ الَّلفْظَينِ) نُطْقاً وَخطَّاً (في الاسْمِ)، مفتَرِقٌ في المسمَّيين (لَكِنَّ) بالتشديدِ (أَبَاهُ) أي: أبا المتفقِ أسْماؤهما (¬6) (اختَلَفَا) نطقاً، مع الاتفاقِ (¬7) خطَّاً. ¬

_ (¬1) في (م): ((بالياء)) بإثبات الهمزة. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 545. (¬3) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 546، والإرشاد 2/ 749 - 750، والتقريب: 189، والمنهل الروي: 130، واختصار علوم الحديث: 230 - 231، والشذا الفياح 2/ 693 - 694، والمقنع 2/ 625، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 210، ونزهة النظر: 180 - 184، وطبعة عتر: 70، وفتح المغيث 3/ 264 - 265، وتدريب الراوي 2/ 334 - 335، وتوضيح الأفكار 2/ 495. (¬4) ممنوع من الصرف؛ لضرورة الوزن. (¬5) في (أ) و (ب) من متن الألفية: ((الأسدِ))، والصواب ما أثبت. (¬6) في (ق) و (ص) و (م): ((اسماءهما)) والمثبت من (ع). (¬7) في (م): ((الاتقان))!!

(أوْ عَكْسُهُ) بأنْ يتفِقَ الاسمانِ خطَّاً ويختلفا نُطْقاً، ويتفقَ أسماءُ أبويهِما نطقاً وخطَّاً. (أو نَحْوُهُ) أي: ما ذُكِرَ كأَنْ يتفِقَ الاسمانِ، أو الكنيتانِ نطقاً وخطّاً، وتختلفَ نسبتُهما نطقاً، أو تتفقَ النسبةُ نطقاً وخطاً، ويختلفَ الاسمانِ أو الكنيتانِ نطقاً. (و) قد (صَنَّفَا فِيْهِ الْخَطِيبُ) البَغْداديُّ كِتَاباً مُفيداً، سَمَّاهُ (¬1) "تلخيصَ المتشابِهِ" (¬2). فأوَّل هذهِ الأقسامِ: (نَحْوُ مُوسَى بنِ عَلِيْ) بفتح العينِ، (و) مُوسَى (ابنِ عُليٍّ) بضمِّها. فالأولُ جماعةٌ كُلُّهم متأخرونَ، منهم: أبو عيسى الخُتُّليُّ، الذي روى عَنه أبو عليٍّ الصوَّافُ، وَليسَ في الكُتُبِ السِّتَةِ، وَلاَ في "تاريخِ البُخاريِّ" مِنهم أحدٌ (¬3). والثاني: موسى بنُ عُليِّ بنِ رباحٍ اللخميُّ المصريُّ، أميرُ مِصرَ. فالمشهورُ فيهِ الضَّمُّ، وعليهِ أهلُ العراقِ (¬4)، لكن الذي صَحَّحهُ البُخاريُّ (¬5)، وَصَاحبُ " المشارقِ " (¬6): الفتحَ، وعليه أهلُ مصرَ، وكانَ هوَ وأبوُه يَكرهانِ الضمَّ، ويقولُ كُلٌّ مِنهُمَا: لا أجعلُ قائلَهُ في حِلٍّ (¬7). واختُلِفَ في سَببِ ضمِّه، فقيل: لأنَّ بني أميَّةَ كانت إذا سمعَتْ بمولودٍ اسمُهُ: عَلِيّ - بالفتح - قتلُوه، فقال أبوه: هو عُليّ، يعني: بالضمِّ (¬8). وقيل: كان أهلُ الشامِ يجعلون كُلَّ عَليٍّ عندَهُم: عُلَياً، لبغضِهِم عَلِياً - رضي الله عنه - (¬9). وثاني الأقسامِ: سُرَيْجٌ، بمهملةٍ، وجيمٍ. وشُرَيْحٌ، بمعجمةٍ، وحاءٍ مُهْمَلةٍ. ¬

_ (¬1) في (ص): ((اسماه)). (¬2) طبع بمجلدين في دمشق عن دار طلاس، بتحقيق: سكينة الشهابي، 1985 م. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 211. (¬4) انظر: طبقات ابن سعد 7/ 453 - 454، والجامع الكبير للترمذي 2/ 135 عقب (773). (¬5) انظر: التاريخ الكبير 6/ 274 (2387) و 7/ 289 (1235). (¬6) 2/ 110. (¬7) انظر: الجامع الكبير للترمذي 2/ 135 عقب (773)، والثقات 5/ 161. (¬8) هو قول أبي عبد الرحمان المقرئ. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 212. (¬9) وهو قول ابن حبان. انظر: الثقات 7/ 453 - 454.

وكُلٌّ منهما ابنُ النعمانِ، فالأوَّلُ شَيخُ البُخاريِّ (¬1) وَهوَ بغداديٌّ، واسمُ جدِّهِ: مروانُ، والثانِي كوفيٌّ تابعيٌّ. وثالثُها: مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ، اثنانِ: أحدُهما: مُخَرِّمِيٌّ - بضم الميمِ وفتحِ المعجمةِ وكسرِ الراءِ المشَدَّدةِ - نسبةً إلى المُخَرِّمِ من بغدادَ (¬2)، واسمُ جدِّهِ: المباركُ. والآخرُ: مَخْرَميٌّ - بفتحِ الميمِ وإسكانِ المعجمَةِ وفتحِ الراءِ - قال ابنُ ماكولا: ((لَعَلَّهُ من وَلَدِ مَخْرَمَةَ بنِ نَوْفلٍ، وهو مكيٌّ يَروي عن الشافعيِّ)) (¬3). ورابعُها: أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانيُّ - بفتحِ المعجَمةِ وسكونِ التحتيةِ ثم موحدةٍ - والسَّيْبَانيُّ، كذلك لكنَّهُ بمهملةٍ. فالأولُ جماعةٌ كوفيون، منهم: سعدُ بنُ إياسٍ، والآخرُ شاميٌّ اسمُهُ: زُرعة، وكُلٌّ منهما تابعيٌّ مخضرمٌ. (و) خامسُها: نحو: (حَنَانَ) - بفتح المهملةِ والنونِ المخفَّفَة، ومُنِعَ صرفُهُ للوزنِ -وحَيَّانُ - بفتح المهملةِ وتشديدِ التحتيةِ - (الأسَدِيْ)، كُلٌّ منهما. فالأولُ نسبةٌ لبني أَسدٍ بنِ شُرَيْكٍ - بضم المعجمةِ - بصريٌّ، روى عَن أَبي عثمانَ النَّهْدِيِّ حديثاً مُرْسلاً (¬4). والثاني اثنانِ تابعيانِ: ¬

_ (¬1) انظر: تسمية شيوخ البخاري مما أخرج عنهم في صحيحه: 136 (110). (¬2) انظر: اللباب 3/ 178 - 179. (¬3) انظر: الإكمال 7/ 239. (¬4) وحديثه الواحد هذا أخرجه أبو داود في المراسيل (501)، والترمذي (2791) وفي الشمائل (221)، والبغوي في شرح السنة (3172)، قال الترمذي عقبه في الشمائل: ((ولا نعرف لحنان غير هذا الحديث)). وانظر بلابد تعليقنا هناك.

أحدُهما: كوفيٌّ، يُكْنَى أبا الهَيَّاجِ، واسمُ أبيهِ حُصَيْنٌ، حديثُهُ في مسلمٍ (¬1). وثانيهِما: شاميٌّ، ويُعْرَفُ بأبي النَّضرِ (¬2). وسادِسُها: نحوُ أَبي الرِّجَالِ - بكسر الراءِ وتخفيفِ الجيمِ - وأبي الرَّحَّالِ - بفتح الراءِ وتشديدِ المهملةِ - كُلٌّ منهما أنصاريٌّ. فالأوَّلُ: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرحمانِ، مدنيٌّ حديثُهُ في " الصحيحينِ ". والثاني: مُحَمَّدُ بنُ خالدٍ، وقيلَ: خالدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وهو تابعيٌّ ضعيفٌ (¬3). وَمِنْ نَحْوِ ذَلِكَ: ابنُ عُفَيْرٍ بالمهملةِ، وابنُ غُفَيْرٍ بالمعجمةِ، مِصريانِ. فالأولُ: سعيدُ بنُ كثيرِ بنِ عُفَيْرٍ، أبو عثمانَ الْمِصْريُّ. والثاني: الحسنُ بنُ غُفَيْرٍ، قَالَ الدارَقُطنيُّ: متروكٌ (¬4). المُشْتَبَهُ المَقْلُوبُ (¬5) من فوائِدِهِ: الأمنُ من توهُّمِ القَلْبِ. 940 - وَلَهُمُ المُشْتَبَهُ المَقْلُوْبُ ... صَنَّفَ فِيْهِ الحَافِظُ الخَطِيْبُ 941 - كابْنِ يَزِيْدَ الاسْوَدِ (¬6) الرَّبَّانِيْ ... وَكَابْنِ الاسْوَدِ (¬7) يَزِيْدَ (¬8) اثْنَانِ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 3/ 61 (969)، باب الأمر بتسوية القبر. (¬2) لكن قال العراقي في شرحه 3/ 215: ((يعرف بحيان بن أبي النضر)). (¬3) الجامع الكبير (2022). وهذا الحديث أعله العراقي في تخاريجه للإحياء (1702) بالمترجم، وللحديث علة أخرى، وهي ضعف يزيد بن بيان. (¬4) انظر: المؤتلف والمختلف 3/ 1718 وفيه ((منكر الحديث)). وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 517، والكشف الحثيث: 93 (224). (¬5) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 550، والإرشاد 2/ 749، والتقريب: 189، والمنهل الروي: 130، واختصار علوم الحديث: 230، والشذا الفياح 2/ 693، والمقنع 2/ 625، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 217، ونزهة النظر: 70، وطبعة عتر: 180، وفتح المغيث 3/ 264، وتدريب الراوي 2/ 334، وتوضيح الأفكار 2/ 495. (¬6) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬7) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬8) في (ب): ((ين يد))، وهذا خطأ، صوابه ما أثبت.

(وَلَهُمُ) أي: الْمُحدِّثين (الْمُشْتَبَهُ الْمَقْلُوبُ)، وهو مركبٌ من متَّفِقٍ ومُخْتَلِفٍ، بأن يكونَ اسمُ أحدِ راويينِ كاسمِ أبِ الآخرِ خطّاً ولفظاً، واسمُ الآخرِ كاسمِ أبِ الأولِ؛ فينقلبُ عَلَى بعضِ أهلِ الحديثِ، كَما انقلبَ عَلَى البُخاريِّ في " تاريخِهِ " (¬1) ترجمةُ مسلمِ بنِ الوليدِ المدنيِّ، فجعلَهُ: الوليدَ بنَ مسلمٍ، كالوليد بنِ مسلمٍ الدمشقيِّ المشهورِ (¬2). وقد (صَنَّفَ فيهِ الْحَافِظُ الْخَطيبُ) كتاباً حسناً (¬3). وذلك (كابْنِ يَزِيدَ الاسودِ) أي: كالأسودِ بنِ يزيدَ النَّخَعيِّ (الرَّبَّانيْ) أي: العالِمِ العَامِلِ الْمُعلِّمِ، وَهُوَ مِنْ كِبارِ التَّابعينَ، وخالُ إبراهيمَ النَّخعيِّ. (وَكَابنِ الاسْوَدِ (¬4)) بالدرج (يَزيدَ) أي: وَكيَزِيْدَ بنِ الأسودِ، وهو (اثْنَانِ): أحدُهما: الخُزَاعيُّ المكيُّ، وَقيلَ: الكُوفيُّ، صَحَابيٌّ وحديثُهُ في السُّنَنِ. والآخرُ: الجُرَشِيُّ، تَابعيٌّ مخَضْرَمٌ، يُكْنَى أبا الأسودِ. وَقد يَقعُ معَ ذلك تقديمٌ وتأخيرٌ في بَعضِ حُروفِ الاسمِ المشتبهِ، كأَيّوبَ ابنِ سَيَّارٍ، وَيَسَارِ بنِ أَيّوبَ. مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيْهِ (¬5) مِن فَوائدِهِ: دفعُ توهُّمِ التَّعدُّدِ عندَ نسبةِ الرَّاوي إلى أبيهِ. 942 - وَنَسَبُوا إِلَى سِوَى الآبَاءِ ... إمَّا لأُمٍّ كَبَنِيْ عَفْرَاءِ (¬6) ¬

_ (¬1) وهي في المطبوع من التاريخ8/ 153 الترجمة (2534)، وانظر بلا بد تعليق العلامة اليماني على ذلك. (¬2) لم ترد في (ق). (¬3) سماه: " رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب ". انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 217، وكشف الظنون 1/ 830. (¬4) في (م): ((الأسود)) بإثبات الهمزة. (¬5) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 551، والإرشاد 2/ 751 - 757، والتقريب: 190 - 191، والمنهل الروي: 130، واختصار علوم الحديث: 231 - 234، والشذا الفياح 2/ 695 - 699، والمقنع 2/ 626 - 629، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 219 - 224، ونزهة النظر: 195، وطبعة عتر: 76، وفتح المغيث 3/ 266 - 269، وتدريب الراوي 2/ 336 - 339، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 255، وتوضيح الأفكار2/ 495، وظفر الأماني: 112 - 113. (¬6) بالصرف؛ ليستقيم روي البيت.

943 - وَجَدَّةٍ نَحْوُ ابنِ مُنْيَةٍ، وَجَدْ ... كَابْنِ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٍ (¬1) وَقَدْ 944 - يُنْسَبُ كَالمِقْدَادِ بالتَّبَنِّيْ ... فَلَيْسَ للأَسْوَدِ أَصْلاً بِابْنِ (وَنَسَبُوا) أي: الْمُحدِّثونَ (إِلَى سِوَى الآباءِ)، وذلكَ أربعةُ أقسامٍ: - مَنْ نُسِبَ لأمِّهِ. - ومَنْ نُسِبَ لجدَّتِهِ. - ومَنْ نُسِبَ لجدِّهِ. - ومَنْ نُسِبَ لمن تبنَّاهُ. وقد بيَّنَهَا فَقَالَ: (إمَّا لأمٍّ، كَبَنِي عَفْراءِ) -بالصرف للروي (¬2) - وَهُم: مُعَاذٌ، ومُعَوَّذٌ، وعَوْذٌ، وقيل: عَوْفٌ بالفاءِ (¬3)، وَعَفْرَاءُ أُمُّهُم، وهي بنتُ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ مِن بَني النَّجارِ، وأبوهم: الحارثُ بنُ رفاعةَ بنِ الحارثِ من بني النجَّارِ أيضاً. والثلاثةُ شَهِدوا بَدراً، وقُتِلَ ثانِيهم وثالثُهِم بِها، وَتأخَّرَ أوَّلهم إلى زمنِ عثمانَ، وَقيلَ: إلى زَمنِ عَليٍّ (¬4). وكبِلالِ بنِ حَمَامَةَ، فَحَمَامَةُ أمُّهُ، واسمُ أبيهِ: رَبَاحٌ. وكإسْماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ، فعُليَّةُ أُمُّهُ، واسمُ أَبيهِ: إبراهيمُ. (و) إما إلى (جَدَّةٍ) دُنْيا أو عُلْيا (نَحْوُ): يَعْلَى (ابنِ مُنْيَةٍ) صَحابيٌّ، فمُنْيَةُ أُمُّ أبيهِ (¬5)، وَقيلَ: أُمُّهُ، وَعَليهِ الأكثرُ. واسمُ أبي يعلى: أميةُ بنُ أبي عبيدةَ. والقولُ بأنَّ مُنْيَةَ أبوهُ، وَهَمٌ. حكاهُ صَاحِبُ " المشارقِ " (¬6). ¬

_ (¬1) في (النفائس) و (فتح المغيث) و (أ) و (ب) و (ج‍): ((جماعات)). ولا يستقيم الوزن مَعَهَا. (¬2) في (م): ((للوزن))، وفي (ق): ((للوزن للروي)). (¬3) وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر في الإصابة 3/ 41 (6086). (¬4) انظر: طبقات ابن سعد 3/ 492، والاستيعاب 3/ 331، والإصابة 3/ 428. (¬5) في قول الزبير بن بكار. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 553. (¬6) 1/ 396.

(وَ) إما إلى (جَدْ) أدنى، أو أعلى، (كَابنِ جُرَيْجٍ، وجَماعةٍ (¬1))، كابنِ الْمَاجِشُونِ، وابنِ أَبي ذئبٍ، وابنِ أَبي لَيلى، وأحمدَ بنِ حنبلٍ. إذ الأولُ: عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جُرَيْجٍ. والثاني: عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أَبي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ (¬2). والثالثُ: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحْمَانِ بنِ المغيرةِ بنِ الحارثِ بنِ أَبي ذئبٍ. والرابعُ: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبي لَيلى. والخامسُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بن حنبلٍ، كما مَرَّ. وَمن ذلكَ: قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِب، أنا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبِ)) (¬3). وقولُ الأعرابيِّ: ((أيُّكم ابنُ عبدِ المطلبِ)) (¬4). (وَقَدْ يُنْسَبُ) الشَّخْصُ (كالمِقْدَادِ) بنِ الأسودِ بنِ عبدِ يَغُوْثَ إلى رجلٍ (بالتَّبَنِّيْ، فَلَيْسَ) المقدادُ (للأسْوَدِ أَصْلاً بابْنِ) أي: لَيْسَ بابنٍ لَهُ أصلاً، وإنَّما كَانَ في حِجْرِهِ فنُسِبَ إليهِ، واسمُ أبيهِ: عَمْرُو بنُ ثَعْلَبَةَ الكِنْديُّ. وكالحسنِ (¬5) بنِ دِيْنَارٍ، أحدِ الضُّعفاءِ؛ فدينارٌ إنما هُوَ زوجُ أمِّهِ، واسمُ أبيه: واصلٌ (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): ((وجماعات)). (¬2) أشار الزبيدي في تاج العروس17/ 374 إلى أن الجيم مثلث، فيقال: بالضم، وبالفتح، وبالكسر، والكسر أشهر على ألسنة المحدثين، وعليه اقتصر ابن الصلاح والنووي وابن حجر. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 554، وشرح صحيح مسلم 2/ 427، وتقريب التهذيب (4104). (¬3) أخرجه البخاري 4/ 37 (2864)، و4/ 39 (2874)، و4/ 52 (2930) و4/ 81 (3042) و5/ 194 (4315)، و5/ 195 (4317)، ومسلم 5/ 168 (1776)، وغيرهما، وهو مخرج بتوسع في كتاب الشمائل (245). (¬4) لعله يعني بذلك حديث مالك بن أنس، عن عمه سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: ... الحديث، وهو في الموطأ (485)، وصحيح البخاري 1/ 18 (46) و 3/ 235 (2678)، وصحيح مسلم 1/ 31 (11). (¬5) في (م): ((والحسن)). (¬6) انظر: تاريخ ابن معين (رواية الدوري) 4/ 111 (3414)، وأحوال الرجال للجوزجاني: 101 (152)، والمجروحين 1/ 232، والضعفاء الكبير للعقيلي 1/ 222. وأخطأ ابن أبي حاتم فجعل ديناراً أباه، وواصلاً جده. انظر: الجرح والتعديل 3/ 11، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 223.

المَنْسُوبُونَ إِلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ (¬1) هذا قريبُ الشَبهِ مما قبلْهُ: 945 - وَنَسَبُوا لِعَارِضٍ كَالْبَدْرِيْ ... نَزَلَ بَدْراً عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو 946 - كَذَلِكَ التَّيْمِيْ سُلَيْمَانُ نَزَلْ ... تَيْماً، وَخَالِدٌ بِحَذَّاءٍ جُعِلْ 947 - جُلُوْسُهُ، وَمِقْسَمٌ لَمَّا لَزِمْ ... مَجْلِسَ عَبْدِ اللهِ مَوْلاَهُ وُسِمْ (ونَسَبُوا) أي: الْمُحدِّثونَ بعضَ الرُّواةِ لمكانٍ كانت بِهِ وَقعَةٌ، أو لبلدٍ، أو قبيلةٍ، أو صَنْعَةٍ، أو صِفَةٍ، أو وَلاءٍ، أو غيرِها، مما ليس ظاهرُهُ الذي يسبِقُ إلى الفَهْمِ من تلكِ النسبةِ مراداً، بل النسبةُ فيه (لِعَارضٍ). فالأولُ: (كَالْبَدْريْ) لمَنْ (نَزَلَ) أي: سَكَنَ (بَدْراً: عُقْبَةُ) أي: كعُقْبَةَ (بنُ (¬2) عمرِو) أبي مَسْعُودٍ الأنصاريِّ الخَزْرَجِيِّ البدريِّ، الصَّحابيِّ. فإنَّهُ إنَّما سَكَنَ بَدْراً ولم يشهدْها كَمَا قالَهُ جَمْعٌ (¬3)، لكن عَدَّهُ البخاريُّ في " صحيحهِ "، فيمَن شهِدَها (¬4). ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 555، والإرشاد 2/ 758 - 761، والتقريب: 191 - 192، والمنهل الروي: 131، واختصار علوم الحديث: 234 - 236، والشذا الفياح 2/ 700 - 702، والمقنع 2/ 630 - 631، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 224 - 228، ونزهة النظر: 196، وطبعة عتر: 76، وفتح المغيث 3/ 270 - 273، وتدريب الراوي 2/ 340 - 341، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 257، وتوضيح الأفكار2/ 496 - 497، وظفر الأماني: 114. (¬2) في (م): ((ابن)). (¬3) كالزهري، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، ويحيى بن معين، وإبراهيم الحربي، وبه جزم المعافي. انظر: تاريخ بغداد 1/ 158، وتاريخ ابن معين (رواية الدوري) 3/ 149 (634)، والأنساب 1/ 309، وسير أعلام النبلاء 2/ 493، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 224. (¬4) الجامع الصحيح 5/ 112 كتاب المغازي باب رقم (13)، وكذا ذكر مسلم في الكنى 1/ 778 (3169). وانظر: فتح الباري 7/ 318 - 319، والإصابة 7/ 24 - 25.

والثاني: كإسْماعيلَ بنِ مُحَمَّدٍ الْمَكيِّ، نُسِبَ إلى مكةَ؛ لإكثارِهِ التوجُّهَ إليها للحجِّ والعُمرةِ والمجاورةِ، لا أنَّهُ مِنها. والثالثُ: كمَنْ ذكَرَهُ بقولِهِ: (كَذَلِكَ التَّيْمِيْ) - بالإسكانِ لما مَرَّ - أَبو الْمُعْتَمِرِ (سُلَيْمَانُ) بنُ طَرْخانَ، نُسِبَ إلى بني تَيْمٍ؛ لأنَّهُ (نَزَلْ تَيماً) أي: في تَيمٍ، لا أنَّهُ مِنْهُمْ، وَهُوَ مولى لبني مُرَّة، كَما قالَهُ البُخاريُّ في " تاريخِهِ " (¬1). (و) الرابعُ: جَمْعٌ، مِنْهُمْ: (خَالِدٌ) هو ابنُ مِهْرَانَ البَصْريُّ، المعروفُ (بِحَذَّاءٍ) - بِمهملةٍ مفتوحةٍ ثم معجمةٍ مشدَّدةٍ وبالمدِّ - وُصِفَ بالحذّاءِ لنسبتِهِ (¬2) إلى رَجُلٍ يحذُو النِّعَالَ حيثُ (جُعِلْ جُلُوْسُهُ) عِندَهُ، لا لأنهُ كَانَ حذَّاءً، فإنَّهُ مَا حَذا نعلاً قطُّ (¬3). وقيل: سببُ وصفِهِ بذلك: أنَّه كان يقولُ: أحْذُ على هذا النحوِ (¬4). والخامسُ: نحوُ يَزِيْدِ الفَقِيْرِ، فإنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَقِيْراً، وإنَّما كان يشْكُو فِقارَ ظَهْرِهِ (¬5). (وَ) السادسُ: جَمْعٌ، مِنْهُمْ: (مِقْسَمٌ) - بكسر الميمِ وفتح السين - (لمَّا لَزِمْ مَجْلِسَ عَبدِ اللهِ) بنِ عَبّاسٍ (مَوْلاَهُ، وُسِمْ) أي: وصِفَ بأنَّه مولى ابنِ عباسٍ (¬6): للزومِهِ مَجْلِسَهُ مَعَ أَنَّهُ إنَّما كان مولى لعبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نَوْفَل (¬7). ¬

_ (¬1) 4/ 20 (1828). (¬2) في (ص): ((نسبة)). (¬3) وهذا قول يزيد بن هارون، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي. انظر: الطبقات الكبرى 7/ 259، والتاريخ الكبير 3/ 174 (592). (¬4) وهو قول فهد بن حيان. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 226، ونزهة الألباب 1/ 197 (711). (¬5) انظر: المقنع 2/ 631، وتقريب التهذيب (7733). (¬6) في (م): ((عبد الله بن عباس)). (¬7) انظر: الطبقات الكبرى 5/ 295، والتاريخ الكبير 8/ 33 (2057).

المبهمات

المُبْهَمَاتُ (¬1) أي: مَعْرِفَةُ مَنْ أُبْهِمَ ذِكْرُهُ في الحديثِ، أو إسنادِهِ، وَفَائِدَتُها: زَوالُ الجهالةِ، لاسيَّما الجهالةُ التي يُرَدُّ مَعَها الحديثُ، حيثُ يَكونُ الإبهامُ في الإسنادِ (¬2). وَقَد صنَّفَ في ذلك (¬3) الخطيبُ (¬4) وغيرُهُ (¬5). 948 - وَمُبْهَمُ الْرُّوَاةِ مَا لَمْ يُسْمَى (¬6) ... كَامْرَأَةٍ فِي الْحَيْضِ وَهْيَ أَسْمَا 949 - وَمَنْ رَقَى سَيِّدَ ذَاكَ الحَيِّ ... رَاقٍ أَبُو سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ 950 - وَمِنْهُ نَحْوُ ابْنِ فُلاَنٍ، عَمِّهِ ... عَمَّتِهِ، زَوْجَتِهِ، ابْنِ أُمِّهِ (وَمُبْهَمُ الرُّوَاةِ) من الرجالِ والنساءِ (مَا لَمْ يُسْمَى) من أسمَى (كَامْرَأَةٍ) سألتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن غُسْلِها (في الحَيْضِ)، فقالَ لها: ((خُذِي فِرصَةً مُمَسَّكَةً ... الحديثَ)). رواه الشيخانِ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 557، والإرشاد 2/ 762 - 768، والتقريب: 192 - 193، والمنهل الروي: 136، واختصار علوم الحديث: 236 - 237، والشذا الفياح 2/ 703 - 712، والمقنع 2/ 632 - 643، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 228 - 237، وفتح المغيث 3/ 274 - 278، وتدريب الراوي 2/ 342 - 348، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 258، وتوضيح الأفكار 2/ 497 - 498. (¬2) قال الحافظ ابن كثير: ((وهو فن قليل الجدوى بالنسبة إلى معرفة الحكم من الحديث، ولكنه شيء يتحلى به كثير من المحدثين وغيرهم، وأهم ما فيه ما رفع إبهاماً ما في إسناد، كما إذا ورد في سند: عن فلان بن فلان، أو: عن أبيه، أو: عمه، أو: أمه، فوردت تسمية هذا المبهم من طريق أخرى، فإذا هو ثقة أو ضعيف، أو ممن ينظر في أمره. فهذا أنفع ما في هذا النوع)). اختصار علوم الحديث2/ 652. (¬3) في (م): ((فيه)). (¬4) كتاباً وسماه: " الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ". طبع. (¬5) كالحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي واسم كتابه: " الغوامض والمهملات "، وكالحافظ أبي القاسم بن بشكوال واسم كتابه: " غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة ". والثاني مطبوع متداول، والأول مخطوط. انظر: الفهرس الشامل للتراث الإسلامي 2/ 1135. (¬6) في (أ) و (ب) و (ج‍): " يسما ". (¬7) صحيح البخاري 1/ 85 (314) و 86 (315) و9/ 134 (7357)، وصحيح مسلم 1/ 179 (332) (60) من حديث عائشة.

(وَهْيَ) كَما قَالَ مُسْلمٌ في رواية: (أسما) (¬1). واختُلِفَ في نَسَبِهَا: فقِيْلَ: هي بنتُ يزيدَ بنِ السَّكَنِ الأنصارِيَّةُ (¬2). وقِيْلَ: بنتُ شَكَلٍ، وهو الذي في مسلمٍ (¬3). قَالَ النَّاظِمُ: ((وهو الصوابُ)) (¬4). وَقَالَ النوويُّ في مبهماتِهِ: ((يَحْتَمِلُ أن تكونَ القِصةُ جرَت للمرأتينِ في مَجْلسٍ، أو مجلِسينِ)) (¬5). (و) ك‍ (مَنْ رَقَى سَيِّدَ ذَاكَ الحيِّ راقٍ) أي: والراقي هو (أَبُو) (¬6)، وفي نُسَخٍ (¬7): ((أبي)) أي: مُسَمًى (¬8) بأبي (سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ). ولفظُ الحديثِ كَمَا في مُسْلِمٍ وغيرِهِ: ((إنَّ نَاساً (¬9) من أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانوا في سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحيٍّ من أحياءِ العَرَبِ فَاسْتَضَافُوْهُمْ، فَلَمْ يُضَيِّفُوهُم، فقالُوا لَهُمْ: هَلْ فِيكُم راقٍ فإنَّ سَيِّدَ الحَيِّ (¬10) لَديغٌ أو مُصَابٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنهُم: نَعَمْ. فَأتَاهُ فَرَقَاهُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ، فَبَرِءَ الرَّجُلُ ... الْحَدِيْثَ)) (¬11). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 1/ 179 - 180 حديث (332) (61). (¬2) وبه قال الخطيب. انظر: الأسماء المبهمة: 28 - 29. (¬3) سبق تخريجه. وهذا ما قال به ابن بشكوال، وصوبه العراقي. وانظر: غوامض الأسماء المبهمة 1/ 469 - 471، وشرح صحيح مسلم 1/ 630، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 230، وفتح الباري 1/ 415. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 230. (¬5) الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات: 563 (113). (¬6) في (ص): ((أبي)). (¬7) في (ع) و (ق): ((نسخة)). (¬8) في (ق): ((ويسمى)). (¬9) في (ق): ((أناساً)). (¬10) في (ق): ((القوم)). (¬11) صحيح مسلم 7/ 19 (2201) (65) و7/ 20 (2201) (65) (66)، وأخرجه أيضاً البخاري 3/ 121 (2276) و 6/ 231 (5007) و7/ 170 (5736) و 7/ 173 (5749)، وأبو داود (3419)، وابن ماجه (2156)، والترمذي (2063) و (2064)، والنسائي في الكبرى (7533).

(وَمِنْهُ) أي: من المبهَمِ (نَحْوُ ابنِ فُلاَنٍ)، كابنِ مِرْبَعٍ الأنصاريِّ - بكسر الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ الموحدةِ وبمهملةٍ - هو زيدٌ، أو عَبْدُ اللهِ، أو يزيدُ (¬1). ومنه: نَحْوُ (عَمِّهِ) أي: عَمّ فُلانٍ، كزيادِ بنِ عِلاقَةَ، عن عمِّهِ هُوَ قُطْبَةُ بنُ مَالِكٍ (¬2)، وكَرافعِ بنِ خَديجِ بنِ رافعٍ، عَن بَعضِ عُمومَتِه، هو ظُهَيْرُ بنُ رافعٍ (¬3). ومِنْهُ: نحوُ (عَمَّتِهِ)، كحُصَيْنِ بنِ مِحْصَنٍ، عَنِ عمَّةٍ له، هي: أسْمَاءُ (¬4). ومِنْهُ: نحوُ (زَوْجَتِهِ)، كخبرِ: جاءت امرأةُ رِفَاعةَ القُرَظيِّ، هي: تَمِيمَةُ بنتُ وهبِ بالتكبيرِ، وقِيْلَ: تُمَيْمَةُ بالتصغير، وقِيْلَ: سُهَيْمةُ (¬5). ومِنْهُ: زوجُ فلانةٍ، كخبرِ سُبَيْعَةَ الأسلَميَّةِ: أنها ولدَت بعد وفاةِ (¬6) زوجِها بليالٍ، هو: سَعدُ بنُ خَولَةَ (¬7). ومِنْهُ: نحوُ (ابنِ أُمِّهِ)، كخبرِ أمِّ هانئ ٍ: أنَّها قالت: ((زعمَ ابنُ أمي أنه قاتلٌ رجلاً أجَرتُه ... الحديث)). هو: أخوها عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله تَعَالَى عَنْهُ - (¬8). ونحوُ ابنِ أمِّ مكتومٍ، هو: عبدُ اللهِ بنُ زائدةَ، أو عَمْرُو بنُ قيسٍ، أو غيرُ ذَلِكَ، ورجَّحَ البُخاريُّ (¬9)، وابنُ حِبَّانَ (¬10) الأولَ، ونَقَلَ ابنُ عبدِ البرِ (¬11) عن الجُمهُورِالثانيَ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 231 - 232. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 233. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 233. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 233. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 235. (¬6) لم ترد في (م). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 561. (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 235 - 236. (¬9) انظر: التاريخ الكبير 5/ 7 (12). (¬10) انظر: الثقات 3/ 214. (¬11) انظر: الاستيعاب 2/ 370، 501.

تَوَارِيْخُ الرُّوَاةِ وَالوَفَيَاتِ (¬1) (تواريخُ الرُّواة) ولادةً ووفاةً وسنّاً، (والوفياتِ) رواةً وغيرَهم، فبينهُما عمومٌ وخصوصٌ من وجهٍ. والتاريخُ: التعريفُ بوقتٍ، يُضبَطُ به ما يُرادُ ضَبْطُهُ من نحوِ ولادةٍ ووفاةٍ. وفائدتُهُ: معرفةُ كذبِ الكذابين (¬2). والوَفَيَاتُ: جَمْعُ وفاةٍ، وكثيراً ما يُقالُ: ((فلانٌ المتوفَّى))، وهو بفتحِ الفاء، ويجوزُ كسرُها على معنى أنه مستوفٍ أجَلَهُ. ويدلُّ له قولُهُ تعالى: {وَالَّذِيْنَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} (¬3) بفتحِ الياءِ، على قراءةٍ نُقِلَتْ عن عليٍّ (¬4)، أي: يستوفون آجالَهُم. 951 - وَوَضَعُوا التَّارِيْخَ لَمَّا كَذَبَا ... ذَوُوْهُ حَتَّى بَانَ لَمَّا حُسِبَا 952 - فَاسْتَكْمَلَ النَّبِيُّ والصِّدِّيْقُ ... كَذَا عَلِيٌّ وَكَذَا الفَارُوْقُ 953 - ثَلاَثَةَ الأَعْوَامِ والسِّتِّينَا ... وَفِي رَبِيْعٍ قَدْ قَضَى يَقِيْنَا 954 - سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةٍ، وَقُبِضَا ... عَامَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ التَّالِي الرِّضَا ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 202 - 210، ومعرفة أنواع علم الحديث: 562، والإرشاد 2/ 769 - 781، والتقريب: 194 - 197، والمنهل الروي 145، واختصار علوم الحديث: 237 - 242، والشذا الفياح 2/ 713 - 738، والمقنع 2/ 644 - 656، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 237، وفتح المغيث 3/ 280 - 313، وتدريب الراوي 2/ 349 - 367، وشرح ألفية السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 262، وتوضيح الأفكار 2/ 498 - 500، وظفر الأماني: 104، وتوجيه النظر 1/ 458 - 459. (¬2) قال الحافظ ابن كثير مبيناً فائدة هذا النوع: ((ليعرف من أدركهم ممن لم يدركهم، من كذاب أو مدلس، فيتحرر المتصل والمنقطع وغير ذلك)). اختصار علوم الحديث 2/ 653. وقال حفص بن غياث: ((إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسِّنّين)). الكفاية: (193ت، 119هـ‍). قال الحافظ العراقي: ((السنين بفتح النون المشددة تثنية سن، وهو العمر)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 563. (¬3) البقرة: 234. (¬4) وكذا نقلت عن عاصم والمفضل. انظر: معجم القراءات القرآنية 1/ 180.

955 - وَلِثَلاَثٍ بَعْدَ عِشْرِيْنَ عُمَرْ ... وَخَمْسَةٍ بَعْدَ ثَلاَثِيْنَ غَدَرْ 956 - عَادٍ بِعُثْمَانَ، كَذَاكَ بِعَلِيْ ... فِي الأرْبَعِيْنَ ذُو الشَّقَاءِ الأزَلِيْ (وَوَضَعُوا التَّارِيْخَ) ليختبِرُوا به من جَهَلُوا حالَهُ صِدْقَاً وعدَالةً، (لَمَّا كَذَبَا ذَوُوْهُ) أي: أصْحابُ الكذبِ (حَتَّى بَانَ) أي: ظهرَ به كذبُهُم، (لَمَّا حُسِبَا) سنُّهم وسِنُّ مَنْ زَعَمُوا لُقِيَّهم لَهُ. ومِنْ ثَمَّ قال الثَّورِيُّ: ((لما استعملَ الرُّواةُ الكذبَ، استعمَلنا لَهُم التَّارِيخَ)) (¬1). وقد صَنَّفَ في الوَفَيَاتِ جماعاتٌ (¬2)، مِنْهُمْ: القاضي أبو الحسَنِ عَبْدُ الباقي بنُ قانعٍ البغداديُّ، والقاضي أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ ربيعةَ بنِ زَبْر البغداديُّ، الدمشقيُّ. وقد بدأ ببيانِ سِنِّ جماعةٍ مبتدأً منهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (فاسْتَكمَلَ (¬3) النَّبِيُّ، و) أبو بَكرٍ (الصِّدِّيْقُ)، و (كَذَا عَلِيٌّ) بنُ أبي طالبٍ، (وَكَذَا) عمرُ بنُ الخطابِ (الفَارُوقُ) سُمِّي به؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى فرَّقَ بِهِ بينَ الحقِّ والباطلِ. أي: استكمَلَ كُلٌّ منهم (ثَلاَثَةَ الأعْوَامِ والسِّتِّينا) أي: ثلاثةً وستينَ عاماً، وهذا ما عَليهِ الجُمهورُ (¬4). وقِيْلَ في النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنّه عاشَ ستينَ (¬5)، وقِيْلَ: خمساً وستين (¬6)، ¬

_ (¬1) أسنده ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 169 - 170، ومن طريقه الخطيب في الكفاية: (193 ت، 119 هـ‍). (¬2) في (ع): ((جماعة)). (¬3) في (م): ((استكمل)). (¬4) قال الحافظ العراقي: ((فالصحيح في سنه - صلى الله عليه وسلم - أنه: ثلاث وستون سنة، وهو قول عائشة، ومعاوية، وجرير بن عبد الله البجلي، وابن عباس، وأنس - في المشهور عنهما - ... وبه قال من التابعين ومن بعدهم: ابن المسيب، والقاسم، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، ومحمد بن إسحاق، وصححه ابن عبد البر والجمهور)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 241. (¬5) وبه قال أنس بن مالك - في الرواية الأخرى عنه - وروي عن فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول عروة بن الزبير، ومالك بن أنس. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 241. (¬6) وهو ما رواه ابن سعد2/ 310، وابن أبي شيبة (36536)، وأحمد1/ 223و266 و279 و294 و312 و359، ومسلم 7/ 89 (2353)، والترمذي (3650)، وفي الشمائل (381)، وأبو يعلى (2452) و (2614)، والطحاوي في شرح المشكل (1944)، والطبراني في الكبير (12843) و (12844) من حديث عمَّار بن أبي عمار مولى بني هاشم، قال: سمعت ابن عباس يقول: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وستين. = = وهذه رواية شاذة تفرد بها عمار بن أبي عمار، وأخطأ فيها فإن المتقنين من أصحاب ابن عباس رووا عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين منهم عكرمة بن عمار وعمرو بن دينار وعروة بن الزبير وغيرهم، وقد ساق البخاري في تاريخه الصغير1/ 27 - 29، رواياتهم، ثم ساق رواية عمار، وقال: "ولا يتابع عليه، وكان شعبة يتكلم في عمار". وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية5/ 197: "ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح، فهم أوثق وأكثر، وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة، وإحدى الروايتين عن أنس، والرواية الصحيحة عن معاوية". وكذلك قد سبقه إلى مثل هذا البيهقي في دلائل النبوة7/ 241، فقد قال: "ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح فهم أوثق وأكثر". وانظر: بلا بد كتابنا كشف الإيهام الترجمة (405).

وقِيْلَ: غيرُ ذَلِكَ (¬1). وقِيْلَ في الصِّدِّيقِ: إِنَّهُ عاش خمساً وستين (¬2)، وقِيْلَ: اثنتين وستينَ، وثلاثةَ أشهرٍ، واثنين وعشرين يوماً (¬3). وقِيْلَ في الفاروقِ: إنَّه عاشَ ستينَ (¬4)، وقِيْلَ: أربعاً وخمسين (¬5)، وقِيْلَ: خمساً وخمسين (¬6)، وقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. ¬

_ (¬1) فقيل: اثنين وستين. وبه قال قتادة. انظر: سير أعلام النبلاء (قسم السيرة) 2/ 476. (¬2) حكاه ابن الجوزي. كما نقله العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 243. قلنا: وهو مخالف لما جزم به ابن الجوزي في صفوة الصفوة 1/ 112. (¬3) وهذا قول ابن حبان في كتاب " الخلفاء " على ما نقله العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 243. وانظر: ما يقارب هذا القول في الثقات 2/ 194 لابن حبان. قلنا: وإنما لم يُعدْ ذكر القول الراجح؛ لأنه محكي في النظم مجملاً. وهو أنه توفي عن ثلاث وستين سنة، وقد صح هذا عن معاوية وأنس، وهو قول الأكثرين، وبه جزم ابن قانع والمزي والذهبي وغيرهم. انظر: صفة الصفوة 1/ 112، والعبر 1/ 13، والكاشف 1/ 573 (2850)، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 242 - 243، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 76. (¬4) وبه جزم ابن قانع في " الوفيات ". انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 243. (¬5) قال السخاوي: ((وقِيْلَ أربع وخمسون، قاله بعضهم)). فتح المغيث 3/ 242. ولم نقف على تسمية هذا البعض. (¬6) رواه البخاري في التاريخ الكبير 6/ 139 (1952)، وفي الصغير 1/ 46 عن ابن عمر، وبه جزم ابن حبان في كتاب " الخلفاء " له. كما في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 244، ولَم نقف على كتاب الخلفاء - وهو قطعاً غير كتاب الخلفاء الذي في المجلد الثاني من ثقاته إذ قال في 2/ 313 ما نصه: ((قد ذكرت كيفية هذه القصة - يعني: قتل الحسين- وباليتها (كذا) في أيام بني أمية وبني العباس في كتاب الخلفاء)) - ووقع في الثقات 2/ 241: ((خمسة وستون سنة)).

وتوقَّفَ شيخُنا في تصحيحِ الأوَّلِ، بل مالَ إلى ترجيحِ أنَّهُ عاشَ سبعاً، أو ثمانياً وخمسينَ. قَالَ: لأنَّهُ أخبرَ عن نفسهِ بذلك (¬1). وقِيْلَ في عليٍّ: إنه عاش ثلاثاً، أو أربعاً وستينَ (¬2)، وقِيْلَ: اثنينِ وستينَ (¬3)، وقِيْلَ: سبعاً وخمسينَ (¬4)، وقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (¬5). ثم بَيَّنَ وفياتِ هؤلاءِ، وغيرهم، ممن يأتي، فقال: (وَفي) شَهْرِ (رَبيْعٍ) الأولِ (قَدْ قَضَى) أي: مَاتَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (يَقيْنَا) أي: قطعاً، والقولُ: بأنه ماتَ في شهرِ رمضانَ شاذٌّ (¬6)، وماتَ يومَ الاثنينِ (سَنَةَ إحْدَى عَشْرةٍ) -بإسكان المعجمة في لغة (¬7) - من الهجرةِ، والجمهورُ على أنَّه ماتَ لاثنَتي عشرةَ ليلةً خلَتْ من الشهرِ (¬8)، وقِيْلَ: في مستَّهلِهِ (¬9)، وقِيْلَ: لليلتينِ خلتا منه (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب التهذيب 7/ 441. (¬2) وهذان القولان رويا عن أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين. انظر: التاريخ الكبير 6/ 259، وتاريخ دمشق 42/ 570، وتهذيب الكمال 5/ 461. (¬3) وبه جزم ابن حبان في كتاب " الخلفاء ". انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 244. قلنا: وهو كذلك في ثقاته 2/ 303. ولكن وقع بعده بسطرين أنه ابن ثلاث وستين!!! فلا ندري من أين أتى ذلك؟؟ (¬4) قال العراقي: ((وبه صدّر ابن قانع كلامه، وقدّمه ابن الجوزي والمزي عند حكاية الخلاف)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 244. قلنا: وفي صفوة الصفوة 1/ 139 تقديم القول الأصح (ثلاث وستين). وانظر: تهذيب الكمال 5/ 261 (4678). (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 244. (¬6) عنى به رواية البزار عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي حادي عشر شهر رمضان. انظر: فتح المغيث 3/ 243. (¬7) وهي لغة أهل الحجاز، وبالكسر في لغة أهل نجد. انظر: لسان العرب 4/ 568 (عشر)، والصحاح 2/ 746 (عشر). (¬8) وبه جزم ابن إسحاق، ومحمد بن سعد، وسعيد بن عفير، وابن حبان، وابن عبد البر، وابن الصلاح، والنووي، والذهبي، وصححه ابن الجوزي، وبه صدر المزي كلامه. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 245. (¬9) قاله موسى بن عقبة، وجزم به ابن زبر في وفياته، ورواه أبو الشيخ في " طبقات المحدثين بأصبهان " عن الليث بن سعد. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 245. (¬10) وهو قول سليمان التيمي، ومحمد بن قيس. انظر: المصدر السابق.

واستُشْكِلَ (¬1) ما عليه الجمهورُ من جهةِ أنَّ الوقفةَ في ذي الحجةِ كانتْ يومَ الجمعةِ، وأولُ ذي الحجةِ كان يومَ الخميسِ؛ فَلاَ يمكنُ أن يَكُوْن ثاني عشرَ شهرِ ربيعٍ من السنةِ المذكورةِ يومَ الاثنينِ، لا بتقديرِ كمالِ الأشهرِ الثلاثةِ، ولا بتقديرِ نَقْصِها، ولا نَقْصِ بعضِها (¬2). وأجيبَ (¬3): بأنه يحتملُ أنَّ الأشهرَ كاملةٌ، وأنَّ رؤيةَ هلالِ ذي الحجةِ لأهلِ مكةَ ليلةُ الخميس، ولأهلِ المدينةِ ليلةُ الجمعةِ؛ فحصلَتِ الوقفةُ برؤيةِ أهلِ مكةَ. ثُمَّ رجعُوا إلى المدينةِ، فأرَّخُوا برؤيةِ أهلِها؛ فكانَ أوَّلُ ذي الحجةِ الجمعةَ، وآخِرُهُ السبتَ، فيلزمُ أن يكونَ أولُ ربيعٍ الخميسَ؛ فيكونُ ثاني عشر الاثنين. واختُلِفَ أيضاً في ابتداءِ مَرضِهِ، وفي مدَّتِهِ، وفي وقتِ (¬4) وفاتِهِ من يومِهِ، وفي وقتِ دفنِهِ. فالأولُ: يومُ الاثنينِ، وقِيْلَ: يومُ السبتِ (¬5)، وقِيْلَ: يومُ الأربعاء (¬6). والثاني: ثلاثةَ عَشَرَ يوماً (¬7)، وقِيْلَ: أربعةَ عَشَرَ (¬8)، وقِيْلَ: اثنا عَشَرَ (¬9)، وقِيْلَ: عشرةُ (¬10). ¬

_ (¬1) استشكله العلامة السهيلي في الروض الأنف 4/ 439. (¬2) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 246: ((وهذا التفصيل لا محيص عنه)). وبنحوه قال في التقييد والإيضاح: 433. (¬3) هذا الجواب للحافظ ابن كثير. انظر: البداية والنهاية 5/ 194 - 195، ونسبه السخاوي في فتح المغيث 3/ 244 إلى الشرف ابن البارزي وابن كثير. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) حكاهما السخاوي عن الخطابي على الشك. فتح المغيث 3/ 245. (¬6) وبه قال أبو أحمد الحاكم الكبير، وابن حبان، وابن عبد البر. انظر: الثقات 2/ 130، والاستيعاب 1/ 34، وفتح المغيث 3/ 245. (¬7) وبه قال الأكثر. (¬8) في (م) زيادة: ((يوماً)) ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. (¬9) وهذان القولان في الروضة. كما قال السخاوي في فتح المغيث 3/ 245. (¬10) في (م) زيادة: ((أيام)). ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. = =وهذا القول رواه البيهقي في "دلائل النبوة" عن سليمان التيمي بإسناد صحيح كما قال الحافظ العراقي. انظر: دلائل النبوة 7/ 234، شرح التبصرة والتذكرة 3/ 246، والتقييد والإيضاح: 434 - 435.

والثالثُ: الضُّحَى، وفي " الصَّحِيْحَيْنِ " ما يدلُّ على أنَّهُ آخِرُ اليومِ. و (¬1) جَمَعَ النَّاظِمُ بينَهُما بأنَّ المرادَ أولُ النصفِ الثاني، فهو آخرُ وقتِ الضَّحى، وهو من (¬2) آخرِ النهارِ باعتبارِ أنه من النصفِ الثاني، واستدَلَّ له بخبرٍ عن عائشةَ (¬3). والرابعُ: قِيْلَ: ساعة (¬4) وفاتِهِ، وهي حينَ الزوالِ يومُ الاثنينِ (¬5)، وقِيْلَ: ليلةُ الثلاثاءِ (¬6). وقِيْلَ: عندَ الزوالِ يومَ الثلاثاءِ (¬7)، وقِيْلَ: ليلةُ الأربعاءِ، وقِيْلَ: يومُهُ (¬8). (وقُبِضَا) أي: مات (عَامَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ) من الهجرةِ (التَّالي) له - صلى الله عليه وسلم - في الذكرِ فيما مَرَّ، وفي الولايةِ والوفاةِ، وهو أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ (الرِّضَا) أي: المرضِيُّ في جُمادى الأولى (¬9)، وقِيْلَ: في جمادى الآخرة (¬10)، وقِيْلَ: في ربيعٍ الأولِ، لليلةٍ خلَتْ منه (¬11). ¬

_ (¬1) في (م) زيادة: ((قد)) ولا وجود لها في بقية النسخ. (¬2) في (م): ((في)). (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 248، والتقييد والإيضاح: 435. (¬4) في (م): ((ساعاة)). (¬5) نقل السخاوي عن الحاكم أنه قال في الإكليل: أنه أصح الأقوال وأثبتها. انظر: فتح المغيث 3/ 245. (¬6) رواه سيف عن هشام، عن أبيه، وحكاه الحاكم. انظر: فتح المغيث 3/ 245. (¬7) رواه البيهقي عن ابن عباس. وانظر: فتح المغيث 3/ 245. (¬8) يعني يوم الأربعاء، وانظر: فتح المغيث 3/ 246. (¬9) وهو قول الواقدي، وعمرو بن عليِّ الفلاس، وبه جزم المزي في تهذيب الكمال 4/ 206 (3405) قال العراقي: ((وتقييده بجمادى الأولى مخالف لقول الأكثرين)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 249، والتقييد والإيضاح: 435. (¬10) وإليه ذهب ابن إسحاق، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والذهبي. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 249. (¬11) قال السخاوي: ((رواه البغوي من طريق الليث)). فتح المغيث 3/ 246. قلنا: لم نجده في شرح السنة ولا المصابيح، بل نص على خلافه في شرح السنة فقال: ((مات بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنتين وأشهر في آخر جمادى الآخرة يوم الاثنين سنة ثلاث عشرة)). شرح السنة 14/ 76.

(و) قضى (لِثَلاثٍ) مِنَ السنينِ مِنَ الهجرةِ (بَعْدَ عِشْريْنَ) سَنَةً مِنْهَا، في آخرِ يومٍ من ذي الحجةِ (عُمَرْ) الفاروقُ (¬1). (و) عامَ (خمسةٍ بَعْدَ ثَلاثينَ) عاماً في ذي الحجة أيضاً (غَدَرْ) أي: نَقَضَ العهدَ (عادٍ) أي: متعدٍّ في الظُّلَمِ، قِيْلَ: إنَّهُ جَبَلةُ بنُ الأيهمِ، أو سودانُ بنُ حمرانَ، أو رومانُ اليَمانيُّ، أو رومانُ رجلٌ من بني أسدِ بنِ خزيمةَ، أو غيرُ ذلك (بعُثمانَ) بنِ عفان، فقَتَلَهُ (¬2). عاشَ اثنتينِ وثمانينَ سنةً (¬3)، وقِيْلَ: ثمانين (¬4)، وقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (¬5). (كَذاك) غَدَر (بعَليْ) (¬6) بنِ أبي طالبٍ، فقتَلَهُ غِيْلَةً (في) شهر رمضانَ من عامِ (الأربعين) مِنَ الهجرةِ؛ عبدُ الرحمانِ بنُ ملجمٍ المراديُّ (ذو الشَّقَاءِ الأزليْ) أي: القديمَ، بقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في خبرِ النَّسائيِّ لعليٍّ -رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ -: ((أشقَى النَّاسِ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، والَّذي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلى رَأسِهِ، حتَّى يَخْضِبَ هَذهِ، يعني لِحْيَتَهُ)) (¬7). 957 - وَطَلْحَةٌ (¬8) مَعَ الزُّبَيْرِ جُمِعَا ... سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ مَعَا 958 - وَعَامَ خَمْسَةٍ وَخَمْسِيْنَ قَضَى (¬9) ... سَعْدٌ، وقَبْلَهُ سَعِيْدٌ فَمَضَى ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 250. (¬2) انظر: تاريخ خليفة بن خياط 1/ 175 - 176، وتاريخ الطبري 2/ 661. (¬3) قاله أبو اليقظان، وادعى الواقدي اتفاق أهل السير عليه. انظر: شرح التبصرة 3/ 251. (¬4) وبه قال ابن إسحاق. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 251. (¬5) انظر: طبقات ابن سعد3/ 53، والاستيعاب3/ 81، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 251، والإصابة2/ 462. (¬6) في (م) زيادة: ((أي)) ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. (¬7) لم نجده، ولعل المصنف يعني: حديث (10361) في تحفة الأشراف، وقد عزاه المزي للمواعظ من السنن الكبرى، وهو مما سقط من المطبوع. وذكره الهيثمي في المجمع9/ 136 من حديث عمار، ونسبه إلى أحمد والطبراني والبزار، وقال: ((رجال الجميع موثقون إلا أن التابعي لَمْ يسمع من عَمَّار)). والحديث رواه أبو يعلى في المسند 1/ 377 (485)، والطبراني في الكبير 8/ (7311)، قال الهيثمي في المجمع 9/ 136: ((وفيه رشدين بن سعد وقد وثق، وبقية رجاله ثقات)). قلنا: بل رشدين مجمع على ضعفه!! وضعَّف إسناده الشيخ حسين سليم أسد. (¬8) بالصرف؛ لضرورة الوزن. (¬9) في (ب): " قضا "، والصواب ما أُثْبِتَ.

959 - سَنَةَ إحْدَى بَعْدَ خَمْسِيْنَ وَفِي ... عَامِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ تَفِي 960 - قَضى ابْنُ عَوْفٍ، والأَمِيْنُ سَبَقَهْ ... عَامَ ثَمَانِي عَشْرَةٍ (¬1) مُحَقَّقَهْ 961 - وَعَاشَ حَسَّانُ كَذَا حَكِيْمُ ... عِشْرِيْنَ بَعْدَ مِئَةٍ تَقُوْمُ 962 - سِتُّوْنَ فِي الإِسْلاَمِ ثُمَّ حَضَرَتْ ... سَنَةَ أرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ خَلَتْ 963 - وَفَوْقَ حَسَّانَ ثَلاَثَةٌ، كَذَا ... عَاشُوْا، وَمَا لِغَيْرِهِمْ يُعْرَفُ ذَا 964 - قُلْتُ: حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ العُزَّى ... مَعَ ابْنِ يَرْبُوْعٍ سَعِيْدٍ يُعْزَى 965 - هَذَانِ مَعْ حَمْنَنَ وابْنُ نَوْفَلِ ... كُلٌّ إلى وَصْفِ حَكِيْمٍ فَاجْمِلِ 966 - وفِي الصِّحَابِ سِتَّةٌ قَدْ عَمَّرُوا ... كَذَاكَ (¬2) في المُعَمِّرِيْنَ ذُكِرُوا (وطلحةٌ) -بالصرفِ للوزنِ- بنُ عبيدِ اللهِ (معَ الزُّبيرِ) بنِ العَوَّامِ (جُمِعَا) قَتْلاً في وقعةِ الجملِ (سنةَ ستٍّ وثلاثينَ) مِنَ الهِجرةِ في يومٍ واحدٍ (مَعَا). وَكَانت وقعةُ الجملِ لعشرٍ خلونَ من جُمادى الآخرةِ (¬3)، وقِيْلَ: يومُ الخميسِ، وعَليهِ الجُمهورُ (¬4)، وقِيْلَ: يومُ الجُمعةِ (¬5)، وقِيْلَ: غيرُ ذلك. وقِيْلَ: كانت في جُمادى الأولى (¬6). وقاتِلُ طلحةَ: مروانُ بنُ الحكمِ بنِ أبي العاصِ، وقاتِلُ الزبيرِ: عمرُو بنُ جرموز (¬7)، وسنُّهُما: أربعٌ وستون سنةً (¬8). ¬

_ (¬1) بالتنوين؛ لضرورة الوزن. (¬2) في (فتح المغيث): " لذاك ". (¬3) جزم به الواقدي، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وابن زبر، وابن عبد البر، وابن الجوزي وغيرهم. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 253. (¬4) وإليه ذهب ابن سعد، وابن زبر، وابن الجوزي. انظر: المصدر السابق. (¬5) وبه قال خليفة بن خياط. انظر: تاريخه 1/ 160. (¬6) وهو قول الليث بن سعد، وابن حبان. انظر: الثقات 2/ 283، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 253. (¬7) انظر: الثقات 2/ 283 - 284. (¬8) وبه قال ابن حبان والحاكم. انظر: الثقات 2/ 339 - 340، ومعرفة علوم الحديث: 203.

وقِيْلَ في سنِّ طلحةَ: ستون (¬1)، وقِيْلَ: اثنان (¬2) وستون (¬3)، وقِيْلَ: غيرُ ذَلِكَ (¬4). وفي سنِّ الزبيرِ: بضعٌ وخمسونَ (¬5)، وقِيْلَ: ستٌ، أو سبعٌ وستون، وغيرُ ذَلِكَ (¬6). (وعامَ خمسةٍ وخمسينَ) (¬7) من الهجرةِ (قَضَى) أي: مات (سَعْدٌ)، هو ابنُ أَبي وَقَّاصٍ، وقِيْلَ: خَمسينَ، وقِيْلَ: غيرُ ذلِك (¬8)، وسنُّهُ ثلاثٌ وَسَبْعونَ، وقِيْلَ: أربعٌ وسبعونَ، وقِيْلَ: غيرُ ذلِكَ (¬9). (وقبلَهُ) مَوتاً (سَعِيْدٌ) هو ابنُ زيدٍ، (فَمَضَى) أي: فإنَّهُ مَاتَ (سنةَ إحدى بَعْدَ خَمْسِينَ) سنةً من الهجرةِ، وَقِيْلَ: سنةُ اثنتينِ وخَمْسِينَ، وَقِيْلَ: غيرُ ذَلِكَ. وسنُّه قِيْلَ: ثلاثٌ وسَبعونَ، وَقِيْلَ: أربعٌ وسبعونَ (¬10). (وَفِي عَامِ اثنتينِ وثلاثينَ) منَ الهِجْرةِ (تَفِي)، أي: تَتِمُّ، (قَضَى) أي: ماتَ عبدُ الرَّحْمَانِ (ابنُ عَوْفٍ)، وَقِيْلَ: إحدى وثلاثينَ، وَقِيْلَ: غيرُ ذَلِكَ. وسنُّهُ: قِيْلَ: اثنتانِ وسبعونَ، وَقِيْلَ: خمسٌ وسبعونَ، وَقِيْلَ: ثمانٍ وسبعونَ (¬11). ¬

_ (¬1) قاله المدائني، وبه صدّر ابن عبد البر كلامه. انظر: الاستيعاب 2/ 224، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 255. (¬2) كذا في النسخ، والصواب: ((اثنتان)). (¬3) وبه قال عيسى بن طلحة، والواقدي. انظر: الطبقات الكبرى 3/ 224، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 255. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 255. (¬5) هذا القول لم يورده العراقي في شرحه 3/ 255، ولم نقف على القائل به، وما نراه إلا تقليد لقول السخاوي في شرحه 3/ 250. (¬6) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 255. (¬7) وهو قول الجمهور، منهم، الواقدي، والهيثم بن عدي، وابن نمير، وأبو موسى الزمن، والمدائني، وعمرو بن علي الفلاس. انظر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 1/ 158 - 159. (¬8) انظر: تهذيب الكمال 3/ 130 (2213)، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 256. (¬9) انظر: تاريخ بغداد 1/ 146، وتاريخ دمشق 20/ 370. (¬10) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 257. (¬11) انظر: تاريخ دمشق 35/ 307.

(و) أبو عُبيدةَ عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجراحِ (الأمينُ) أي: أمينُ هذهِ الأمةِ (سبقَهْ) أي: سبقَ ابنَ عَوفٍ بالوفاةِ، فإنَّهُ مَاتَ (عامَ ثماني عَشْرةٍ) - بالتنوين (¬1) للوزن - منَ الهِجرةِ، ووفاتُهُ في هذا العامِ (محقَّقَهْ)، والتَّصْريحُ بهذا من زيادتِهِ. وَسنُّهُ: ثمان وخمسونَ سنةً (¬2). وهؤلاءِ العَشَرةُ الذين بَيَّنَ وفياتِهُم بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، هم المشهودُ لهم بالجنَّةِ. ثم بيَّن وَفياتِ جماعةٍ من الصَّحابةِ معمَّرِيْن، فَقَالَ: (وعاشَ حَسَّانُ) بنُ ثابتِ بنِ المنذرِ بنِ حرامٍ الأنصاريُّ، و (¬3) (كذا حَكِيمُ) بنُ حزامِ بنِ خويلدٍ، وهو ابنُ أخي خَديجَةَ (عِشْرينَ) سَنةً (بعدَ مئةٍ) مِنَ السِّنين، (تَقُوْمُ) أي: تَتِمُّ (سِتُّونَ) مِنْهَا (في الإسلامِ)، وَستّونَ قبلهُ (¬4) في الجاهليةِ، (ثُمَّ حَضَرَتْ) بالمدينةِ الشريفةِ وفاةُ كُلٍّ مِنهما (سنةَ أربعٍ وخمسينَ خَلَت) أي: مضَتْ مِنَ الهجرةِ. وَقِيْلَ في وفاةِ الأولِ: سنةُ خمسينَ. وَقِيْلَ: سنةُ أربعينَ، وَقِيْلَ: قبلها (¬5). وفي وفاةِ الثاني (¬6): سنةُ ستينَ، وَقِيْلَ: سنةُ ثمانٍ وخمسينَ، وَقِيْلَ: سنةُ خمسينَ (¬7). قال الزبيرُ بنُ بَكَّارٍ: كان مولدُ حكيمٍ (¬8) بجوفِ الكعبةِ. قَالَ شَيْخُنا: ولا يُعرفُ ذلك لغيرِهِ. (وفوقَ حسانَ) المذكورِ من آبائِهِ (ثلاثةٌ) متواليةٌ: ثابتٌ، والمنذرُ، وحرامُ، (كذا عاشُوا) أي: مئةً وعشرينَ سنةً (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): ((بالصرف)). (¬2) انظر: تاريخ دمشق 25/ 488. (¬3) الواو ساقطة من (م). (¬4) في (ع): ((قبلها)). (¬5) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 48 - 69، وأهل المئة فصاعداً: 115. (¬6) في (م) زيادة: ((في)). (¬7) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 48 - 69، وأهل المئة فصاعداً: 115. (¬8) في (ع): ((حكيم بن حزام)). (¬9) وكذا قال الإمام الترمذي في كتاب: " تسمية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (124).

وَقِيْلَ: عاشَ كُلٌّ منَ الأربعةِ مئةٌ وأربعُ سنينَ فقط (¬1). (وَمَا لِغيرِهِمْ) أي: الأربعةِ (يُعرفُ) في العَربِ مثلُ (ذا) متوالياً، قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬2). (قُلْتُ): لكن في الصَّحَابةِ أربعةٌ غيرُ حَسّانَ، وحكيمٍ، قُرشيونَ: (حُويطِبُ بنُ عبدِ العُزَّى) العامريُّ (¬3) (مَعَ ابنِ يَربُوعٍ سعيدٍ (¬4) يُعْزَى) أي: يُنْسَبُ (هَذانِ مَعْ) بالإسكان (حَمْنَن) - بفتحِ المهمَلَةِ وسكونِ الميم وفتحِ النونِ الأولى بِلا تنوينٍ للوزن - ابنِ عوفٍ، أخي عبدِ الرَّحْمَانِ بنِ عوفٍ (¬5) (و) معَ مَخْرمةَ (ابنُ نوفلِ) والدِ المِسوَرِ (¬6)، (كُلٌّ) من هؤلاءِ الأربعةِ يُعْزَى (إلى وَصْفِ حَكِيْمٍ) وحسَّانَ، في كونِ كُلٍّ منهم صَحابياً، وعاشَ مئةً وعشرينَ سنةً: نصفُها في الجاهليةِ، ونصفُها في الإسلامِ، وتوفِّيَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ، (فاجْمِلِ) عدَدهُم يكُنْ ستةً. (وفي الصِّحَابِ) أي: الصَّحَابةِ (ستَّةٌ) أيضاً (قَدْ عَمَّروا) هَذَا السنَّ، لكن لم يُعْلَم كون نصفه في الجاهليةِ، ونصفه في الإسلامِ، لتقدمِ وفاتِهِم على المذكورينَ، أو تأخُّرِها، أو لعدمِ معرفةِ تاريخِها، وهم: 1 - عاصمُ بنُ عديِّ بنِ الجدِّ العجلانيُّ، صاحبُ عُويمرٍ العجلانيُّ في قِصَّةِ اللعانِ (¬7). 2 - والمنتجعُ جدُّ ناجيةَ (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في الزهد من طريق ابن إسحاق، عن سعيد. انظر: فتح المغيث 3/ 253، وبه قال ابن حبان في ثقاته 3/ 72. (¬2) حكاية عن الحافظ أبي نعيم الأصبهاني. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 566. (¬3) انظر: المستدرك 3/ 492، ومن عاش مئة وعشرين: 58 (3)، وأهل المئة فصاعداً: 115. (¬4) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 65 (6). (¬5) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 76 (10). (¬6) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 62 (5). (¬7) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 53 (2). (¬8) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 77 (11).

3 - ونافعُ أبو سليمانَ العبديُّ (¬1). 4 - واللجلاجُ العامريُّ (¬2). 5 - وسعدُ بنُ جُنادةَ العَوفيُّ الأنصاريُّ (¬3). 6 - وعَدِيُّ بنُ حاتِمٍ الطائيُّ (¬4). (كذاكَ في المعمَّرِينَ ذُكِرُوا) أي: ذكرَهُم جماعةٌ. ونظمهُم البرهانُ الحَلَبيُّ في بيتٍ، فَقَالَ: منتجعٌ ونافعٌ مَعْ عَاصِمٍ ... وَسَعْدٍ اللّجلاجِ وابنِ حَاتِمِ 967 - وَقُبِضَ الثَّوْرِيُّ عَامَ إحْدَى ... مِنْ بَعْدِ سِتِّيْنَ وَقَرْنٍ عُدَّا (¬5) 968 - وَبَعْدُ في تِسْعٍ تَلِي سَبْعِيْنَا ... وَفَاةُ (¬6) مَالِكٍ، وَفي الخَمْسِيْنَا 969 - وَمِئَةٍ أَبُو حَنِيْفَةٍ قَضَى ... والشَّافِعِيُّ بَعْدَ قَرْنَيْنِ مَضَى 970 - لأَرْبَعٍ ثُمَّ قَضَى مَأمُوْنَا ... أحْمَدُ في إحْدَى وأَرْبَعِيْنَا ثم بيَّنَ الناظمُ وفياتِ أصْحابِ المذاهبِ الخَمسةِ، فَقَالَ: (وقُبِضَ) أي: مَاتَ أبو عبدِ اللهِ سُفيانُ بنُ سعيدٍ (الثوريُّ) - نسبةً إلى ثورِ بنِ عبدِ مناةٍ بنِ أدّ (¬7). وَقِيْلَ: إلى ثورِ همدانَ - الكوفيُّ، كان لَهُ مُقلّدون إلى بعدِ الخمسِ مئةٍ (عامَ إحدى مِنْ بعدِ سِتِّينَ، وَقَرْنٍ) أي: إحدى وستين ومئة، في شعبان بالبَصْرةِ. (عُدَّا) بألفِ الإطلاقِ تكملةٌ، وهو صفةٌ لستينَ وَقَرْنٍ، أي: مَعْدودانِ. ¬

_ (¬1) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 78 (12). (¬2) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 80 (13). (¬3) انظر: من عاش مئة وعشرين من الصحابة: 68 (7). (¬4) انظر: الطبقات الكبرى 6/ 22، وطبقات خليفة: 69، وتاريخ خليفة 1/ 260، ولكنه أرخ وفاته سنة (66 هـ‍). (¬5) في (ب): ((غدا))، والصواب ما أُثْبِتَ. (¬6) في (ب): " وفات "، والصواب ما أُثْبِتَ. (¬7) انظر: اللباب 1/ 244.

ومولدُهُ: سنة سبعٍ وتسعينَ (¬1)، وَقِيْلَ: سنةُ خمسٍ وتسعينَ (¬2). (وبَعْدُ) أي: وَبَعدَ الثوريِّ (في) سَنةِ (تِسْعٍ) بتقديمِ التاءِ (تَلي سَبْعِينَا) - بتقديم السين - بعدَ مئةٍ، كانت (وفاةُ) أَبي عبدِ اللهِ (مَالِكٍ) هو ابنُ أنسٍ، تُوفي بالمدينةِ وقُبِرَ بِها. وَقِيْلَ: تُوفِّي في صَفَر، وَقِيْلَ: صبيحةُ أربعَ عشرةَ من شهرِ ربيعٍ الأولِ (¬3). ومولدُهُ: سنة ثلاثٍ، أو إحدى، أو أربعٍ، أو سبعٍ وتسعينَ، وَقِيْلَ: سنةُ تسعينَ، وَقِيْلَ: غيرُ ذلكَ (¬4). فَسِنُّهُ: سِتٌّ، أو ثمانٍ، أو خمسٌ، أو اثنتانِ، أو تِسْعٌ وثمانُونَ سَنةً، أو غيرُ ذلِكَ (¬5). (وَفي الخَمْسينا وَمئةٍ) مِنَ السِّنينِ: (أبو حَنيفةٍ) النعمانُ بنُ ثابتٍ الكوفيُّ (قَضَى) أي: مَاتَ بِبغْدادَ وَقُبرَ بِهَا. وَقِيْلَ: سَنَةُ إحدى (¬6)، وَقِيْلَ: ثَلاثٌ وخمسينَ ومئةٌ (¬7). ومولدُهُ: سَنةُ ثمانينَ. فسنُّهُ: سَبعونَ، وَقِيْلَ: إحدى، وَقِيْلَ: ثلاثٌ وسَبعونَ سَنةً (¬8). (و) إمامنا أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إدريسَ (الشَّافِعيُّ بعدَ قَرْنَينِ) أي: مئتينِ (مَضَى)، أي ماتَ (لأربعٍ) مِنَ السنينَ بَعدهُما بمصرَ آخِرُ يومٍ من شَهْرِ رَجَبٍ. وَقِيْلَ: ليلةُ الخميسِ، آخِرُ ليلةٍ مِنْهُ. وَقِيْلَ: آخِرُ شهرِ ربيعٍ الأولِ. وقبرُهُ بالقرافَةِ ظاهرٌ مشهورٌ يُزَارُ. ¬

_ (¬1) قاله العجلي والجمهور. انظر: ثقات العجلي 1/ 410، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 267. (¬2) وبه قال ابن حبان. انظر: ثقاته 6/ 402. (¬3) وبه قال إسماعيل بن أبي أويس، وجزم به الذهبي. انظر: العبر1/ 272، وشرح التبصرة 3/ 267. (¬4) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 267. (¬5) انظر: ترتيب المدارك 1/ 102، وسير أعلام النبلاء 8/ 48. (¬6) هذه رواية ابن أبي خيثمة، عن ابن معين. انظر: تاريخ بغداد 13/ 422. (¬7) وهو قول مكي بن إبراهيم البلخي. انظر: المصدر نفسه. (¬8) انظر: سير أعلام النبلاء 6/ 390، والجواهر المضية 1/ 49 فما بعدها.

ومولدُهُ: سَنةُ خمسينَ ومئةٍ بـ ((غَزَّةَ))، وَقِيْلَ: بـ ((عَسْقَلانَ))، وَقِيْلَ: بـ ((اليمَنِ)). فَسِنُّهُ: أربعٌ وخمسونَ (¬1). وَقِيْلَ: سِنُّهُ اثنتانِ وخَمْسُونَ سَنَةً. وَهُوَ غَريبٌ (¬2)، ويلزمُ عَلَيْهِ أنَّ في وفاتِهِ، أو مولدِهِ خلافاً، ولا أعلمُهُ، بَلْ نقل النوويُّ - رحِمهُ الله تَعَالَى - في " مجموعِهِ " (¬3) الإجماعَ على أنه وُلِدَ سنةَ خمسينَ ومئةٍ. (ثم قَضَى) أي ماتَ حَالَة كونِهِ (مأمُونا) مِن فتنةِ الشيطانِ، وغيرِهِ: أبو عبدِ اللهِ (أحمدُ) بنُ محمدِ بنِ حَنْبلٍ (في) سنةِ (إحدى وأربَعينَا) بَعْدَ المئتينِ، على المشهورِ ببغدادَ. واخْتَلَفُوا في الشهرِ، وفي اليومِ؛ فقِيْلَ: تُوفِّي يومَ الجمعةِ ضَحْوةً، لاثنتَي عشرةَ ليلةً خَلَتْ من شهرِ ربيعٍ الآخِرِ. وَقِيْلَ: يومُ الجمعةِ، لثَلاثَ عَشْرةَ بَقَيْنَ مِنْهُ. وَقِيْلَ: يومُ الجمعةِ في شهرِ ربيعٍ الأولِ، وَقِيْلَ: غيرُ ذَلكَ. ومولدُهُ: في شهرِ ربيعٍ الأولِ سنةُ أربعٍ وستينَ ومئةٍ. فسِنُّه: سَبْعٌ وسَبعونَ سَنةً (¬4). ومِنْهُمْ مَنْ عَدَّ من أصحابِ المذاهبِ: الأوزاعيَّ، وإسْحَاقَ بنَ رَاهَوَيْهِ، واللَّيْثَ بنَ سَعدٍ، وسُفيانَ بنَ عُيينةَ، وداوُدَ بنَ عَلِيٍّ الظاهريَّ، ومُحَمَّدَ بنَ جَرِيْرٍ الطبريَّ. 971 - ثُمَّ البُخَارِيْ لَيْلَةَ الفِطْرِ لَدَى (¬5) ... سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ بِخَرْتَنْكَ رَدَى 972 - وَمُسْلِمٌ سَنَةَ إحْدَى في رَجَبْ ... مِنْ بَعْدِ قَرْنَيْنِ وَسِتِّيْنَ ذَهَبْ 973 - ثُمَّ لِخَمْسٍ بَعْدَ سَبْعِيْنَ أبُو ... دَاوُدَ، ثُمَّ التِّرْمِذِيُّ يَعْقُبُ (¬6) 974 - سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَهَا وَذُو نَسَا ... رَابِعَ (¬7) قَرْنٍ لِثَلاَثٍ رُفِسَا ¬

_ (¬1) انظر: ثقات ابن حبان 9/ 31، تاريخ بغداد 2/ 70، وسير أعلام النبلاء 10/ 5. (¬2) تفرد بهذا القول ابن زبر. انظر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 2/ 453. (¬3) 1/ 8. (¬4) انظر: تاريخ بغداد 4/ 422، وتاريخ دمشق 5/ 258، وسير أعلام النبلاء 11/ 179. (¬5) في (ب): ((لذا))، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬6) في (ج‍): ((نعقب)). (¬7) في (أ): (ثالث)، وهو خطأ، صوابه ما أثبت.

ثم بيَّن وفياتِ أصْحَابِ الكُتُبِ الخَمْسَةِ، فَقَالَ: (ثُمَّ) أبو عَبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ (البُخَارِيْ) - بالإسكان لما مَرَّ - (ليلةَ) عيدِ (الفِطْرِ) ليلةَ السبتِ وقتَ صلاةِ العشاءِ (لَدَى) أي: عندَ سنةِ (سِتٍّ وخمسينَ) ومئتينٍ (¬1) (بخرتَنْكَ) بفتحِ المعجمةِ، وَقِيْلَ: بكسرِها، وسكونِ الراءِ، وفتحِ التاءِ الفوقيةِ، ثم نونٍ ساكنةٍ، قريةٍ من قُرَى سَمَرقَنْدَ (¬2) (رَدَى) - بفتحِ المهملة - أي: ذَهَبَ بِالوفَاةِ. وَمَولدُهُ: يومُ الجمعةِ بعدَ الصلاةِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً خَلَتْ مِنْ شَوالٍ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومئةٍ. فسِنُّهُ: اثنتانِ وستونَ سنةً إلا ثلاثةَ عشرَ يوماً (¬3). (و) أبو الحسينِ (مُسْلمٌ) هو ابنُ الحجاجِ القُشَيْرِيُّ النيسابوريُّ (سنةَ إحدى في (¬4)) عشيةِ يومِ الأحدِ لخمسٍ بقينَ من شهرِ (رجبْ مِنْ بعدِ قَرنينِ) أي: مئتينِ (وستِّينَ) سنةً، (ذَهَبْ) بالوفاةِ بنيسابورَ. وسِنُّهُ: خمسٌ وخمسونَ سَنةً، وَقِيْلَ: سِتُّونَ، وَقِيْلَ: قاربَها. ويؤيِّدُهُ أنَّ (¬5) المعروفَ أنَّ مولدَهُ سَنةُ أربعٍ ومئتينِ (¬6). (ثُمّ) في يوم الجمعة سادسَ عشرَ شوالٍ (لخمسٍ) من السنينِ (بَعْدَ سبعينَ) سنةً تلي مئتينِ مَاتَ بالبصرةِ (أبو داودَ) سُليمانُ بنُ الأشعثِ السِّجِسْتَانيُّ. ومولدُهُ: سَنةُ ثنتينِ ومئتينِ (¬7). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ص). (¬2) انظر: الأنساب 2/ 391، ومعجم البلدان 2/ 356. (¬3) انظر: تاريخ بغداد 2/ 4، وطبقات الحنابلة 1/ 171، وسير أعلام النبلاء 12/ 391. (¬4) في (م): ((من)). (¬5) في (م): ((أنه)). (¬6) انظر: تاريخ بغداد 13/ 100، وسير أعلام النبلاء 12/ 557. (¬7) انظر: تاريخ بغداد 9/ 55، وطبقات الحنابلة 1/ 159، وسير أعلام النبلاء 13/ 203.

(ثُمَّ) أبو عيسى مُحَمَّدُ بنُ عيسى (التِّرْمِذِيُّ يَعْقُبُ) أبا دَاوُدَ في الوفاةِ بنحوِ أربعِ سنينَ، فإنَّهُ ماتَ ليلةَ الاثنينِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً مضَتْ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ (سنةَ تِسْعٍ) - بتقديمِ الفوقيةِ - (بعدَها)، أي: بعدَ السَّبعينَ والمئتينِ (¬1)، وقولُهُ: ((يعقب)) تكملةٌ وتأكيدٌ. (و) أبو عبدِ الرحمانِ أحمدُ بنُ شُعيبٍ (ذو نَسَا) - بفتحِ النونِ والسينِ المهملةِ - من كُورِ نيسابورَ (¬2)، أي: النَّسائيُّ - بالقصر والمد -، والقياسُ النَّسَويُّ، وقد يعبَّرُ بِهِ (رابعَ قرنٍ لثلاثٍ) من السنينَ (رُفِسَا)، وماتَ بالرفسِ سنةَ ثلاثٍ وثلاث مئةٍ في صَفَرَ يومِ الاثنينِ. وَقِيْلَ: ليلةَ الاثنينِ لثلاثَ عشرةَ خلَتْ مِنْهُ. والرفسُ يكونُ بالأرجُلِ (¬3). وسببُ رفْسِهِ: أنَّ أهلَ دمشقَ سَأَلُوهُ عَنْ مُعاويةَ، وما رُوِيَ من فضائِلِهِ، ليرجِّحُوهُ بِها عَلَى عَلِيٍّ - رضي اللهُ عنهما - فأجابَهُم بقوله: ((ألاَ يرضَى مُعاويةُ رأساً برأسٍ حتى يُفَضَّلَ)) فما زالوا يرفِسُونَهُ في حِضنيهِ (¬4) - أي جانبَيْهِ - حتى أُخْرِجَ من المسجدِ، ثم حُمِلَ إلى مكةَ، فماتَ بِها مَقتولاً شَهيداً. وَقِيْلَ: كانَ ذَلِكَ بالرملةِ. ودُفِنَ ببيتِ المقدسِ، وسنُّهُ: ثمانٍ وثمانونَ سنةً (¬5). وأما أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يزيَدَ بنِ ماجه القزوينيُّ، فَلَم يذكرْهُ تَبعاً لابنِ الصَّلاحِ، وَكَانَتْ وفاتُهُ سَنةَ ثلاثٍ وَسَبعينَ ومِئتينِ يومَ الثلاثاءِ، لثمانٍ بقينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقِيْلَ: سَنَةُ خمسٍ وسبعينَ (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 633، وسير أعلام النبلاء 13/ 270، والبداية والنهاية 11/ 66. (¬2) قال السمعاني في الأنساب 5/ 380: " بفتح النون والسين المهملة "، وانظر: مراصد الاطلاع 3/ 1369 ونصَّ على أنها بالقصر، بينما حكى ابن خلكان في وفياته 1/ 78: أنها بالهمز. (¬3) في اللسان: ((الرفسة: الصدمة بالرجل في الصدر ورفسهُ يرفُسه ويرفِسه رفساً: ضربه في صدره برجله وقيل من غير أن يخص به الصدر)). اللسان 6/ 100. (¬4) في (ق): ((خصيتيه)). في السِّيَر 14/ 132: ((حِضْنَيْهِ))، وفي الشذرات 2/ 240: ((خِصْيَتَيْهِ)). وانظر: وفيات الأعيان 1/ 77، وتهذيب الكمال 1/ 45، وتذكرة الحفاظ 2/ 700. (¬5) انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 125، والبداية والنهاية 11/ 123، والنجوم الزاهرة 3/ 188. (¬6) انظر: المنتظم 5/ 90، وسير أعلام النبلاء 13/ 277.

975 - ثُمَّ لِخَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ تَفِي ... الدَّارَقُطْنِيْ، ثُمَّتَ الحَاكِمُ فِيْ 976 - خَامِسِ (¬1) قَرْنٍ عَامَ خَمْسَةٍ فَنِي ... وَبَعْدَهُ بِأرْبَعٍ عَبْدُ الغَنِيْ 977 - فَفِي (¬2) الثَّلاَثِيْنَ: أبُوْ نُعَيْمِ ... وَلِثَمَانٍ بَيْهَقِيُّ القَوْمِ 978 - مِنْ بَعْدِ خَمْسِيْنَ وَبَعْدَ خَمْسَةِ ... خَطِيْبُهُمْ والنَّمَرِيْ في سَنَةِ ثُمَّ بيَّنَ وفياتِ جماعةٍ ذِي تَصانيفَ حسنةٍ، فَقَالَ: (ثُمَّ لخمسٍ وثمانينَ) سنةً، أي: لمُضِيِّهَا من القرنِ الرابعِ (تَفِيْ) أي: تَتِمُّ، في (¬3) يومِ الأربعاءِ لثمانٍ خلونَ من ذي القعدةِ ماتَ (الدارَقُطني) - بالإسكان لما مَرَّ -. ومولدُهُ: في ذي القعدةِ سَنةَ ستٍ وثلاثِ مئةٍ. فسنُّهُ: تِسعٌ وسبعونَ سنةً (¬4). (ثُمَّتَ) - لُغةٌ في ثُمَّ - أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ (الحاكِمُ) النيسابوريُّ (فيْ خَامِسِ قَرْنٍ) في صَفَرَ (عامَ خمسةٍ) مَضَتْ مِنهُ، أي: عامَ خمسٍ وأربعِ مئةٍ (فَنِيْ) أي: مَاتَ بنيسابورَ. ومولدُهُ: في شهرِ ربيعٍ الأولِ سَنَةَ إحدى وعِشرينَ، وثلاثِ مئةٍ (¬5). (وبعدَهُ) أي: الحاكمِ (بأربعٍ) من السنينَ مَاتَ أبو مُحَمَّدٍ (عبدُ الغنيْ) بنُ سعيد بنِ عليٍّ الأزديُّ المصريُّ لسبعٍ خَلَونَ من صَفرَ سَنَةَ تِسعٍ وأربعِ مئةٍ. وسنُّهُ: سبعٌ وسبعونَ سنةً (¬6). (ف‍) ‍‍بعدَهُ (في الثلاثينَ) من السنينِ بعدَ الأربعِ مئةٍ بُكْرَةَ يومِ الاثنينِ، العشرينَ مِن الْمُحرَّمِ ماتَ (أَبو نُعَيمِ) أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ الأصبهانيُّ. ومولده: في شهرِ رجبٍ سنةَ ستٍ وثلاثينَ وثلاثِ مئةٍ (¬7). ¬

_ (¬1) في (أ): " رابع قرن "، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬2) في (أ) و (ب): ((وفي)). (¬3) ساقطة من (ق). (¬4) انظر: تاريخ بغداد 12/ 34، والبداية والنهاية 11/ 317. (¬5) انظر: تاريخ بغداد 5/ 473، وسير أعلام النبلاء 17/ 162. (¬6) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 268. (¬7) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 453، والبداية والنهاية 12/ 45.

(ولثمانٍ) من السنينَ - أي: لِمُضِيِّها - ماتَ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ الشافعيُّ (بيهقيُّ القومِ) أي: الحفاظِ والفقهاءِ (مِنْ بعدِ) مضيِّ (خَمْسينَ) وأربع مئةٍ في عاشرِ جُمادى الأولى سَنَةَ ثمانٍ وخمسينَ بنيسابورَ. ودُفِنَ بـ ((بَيْهَق)) كورة بنواحي نيسابورَ، عَلَى عشرينَ فرسخاً مِنْهَا. ومولدُهُ: سنةُ أربعٍ وثمانينَ وثلاثِ مئةٍ (¬1). (وبعدَ) مضيِّ (خمسةِ) مِن وفاةِ البَيْهقيِّ، مات (خَطيبهُمْ) أي: القومِ، أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليِّ بنِ ثابتٍ البغداديُّ الشافعيُّ. (و) أبو عُمَرَ يوسفُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ البَرِّ (النَّمَرِيْ) -بالإسكان لما مَرَّ-، وبفتحِ النونِ، والميمِ نسبةً إلى ((نَمِر)) - بكسرِ الميمِ - كلاهما (في سنة) واحدةٍ، وهيَ سَنةُ ثلاثٍ وستينَ وأربعِ مئةٍ. فالخطيبُ في سابعِ ذي الحجةِ منها، ومولدُهُ: في جُمادى الآخرةِ سنةَ إحدى، أو اثنتينِ وتِسعينَ وثلاثِ مئةٍ (¬2). والنَّمَريُّ في سلخِ شهرِ ربيعٍ الآخِرِ مِنْها، ومولدُهُ: يومُ الجمعةِ، والإمامُ يخطبُ، لِخمسٍ بقينَ من شهرِ ربيعٍ الآخِرِ، سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثِ مئةٍ. فسِنُّه: خمسٌ وتسعونَ سنةً، وخمسةُ أيامٍ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الأنساب 1/ 462، وسير أعلام النبلاء 18/ 163. (¬2) انظر: المنتظم 8/ 265، وسير أعلام النبلاء 18/ 270. (¬3) انظر: ترتيب المدارك 4/ 808، وسير أعلام النبلاء 18/ 153.

معرفة الثقات والضعفاء

مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ والضُّعَفَاءِ (¬1) 979 - وَاعْنِ بِعِلْمِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ ... فَإِنَّهُ المِرْقَاةُ لِلتَّفْصِيْلِ (¬2) 980 - بَيْنَ الصَّحِيْحِ وَالسَّقِيْمِ وَاحْذَرِ ... مِنْ غَرَضٍ، فَالجَرْحُ أَيُّ خَطَرِ 981 - وَمَعَ ذَا فَالنُّصْحُ حَقٌّ وَلَقَدْ ... أَحْسَنَ يَحْيَى فِي جَوَابِهِ وَسَدْ 982 - لأَنْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ لِي أَحَبْ ... مِنْ كَوْنِ خَصْمِي المُصْطَفَى إذْ لَمْ أَذُبْ 983 - وَرُبَّمَا رُدَّ كَلاَمُ الجَارِحِ ... كَالنَّسَئِيْ فِي أَحْمَدَ بنِ صَالِحِ 984 - فَرُبَّمَا كَانَ لِجَرْحٍ مَخْرَجُ ... غَطَّى عَلَيْهِ السُّخْطُ حِيْنَ يُحْرَجُ (واعنِ) أي: اجعلْ من عِنايتكَ اهتمامَك (بِعِلْمِ الجَرْحِ) أي: التَّجريحِ (والتَّعْدِيلِ) في الرُّواةِ، ونحوِهِم (فإنَّهُ المِرْقَاةُ) أي: مَحَلُّ الرقي (للتفصيلِ بينَ الصحيحِ، والسقيمِ) أي: الضَّعيفِ من الحديثِ. وفي كُلٍّ مِنْهُما تصَانيفُ كَثيرةٌ. (واحذَرِ) أيُّها المتصدِّي لذلك، (مِنْ غَرَضٍ) قبيحٍ يَحْمِلُك عَلى التَّحَامُلِ والافتراءِ، فَذلِكَ شَرُّ الأمورِ التي تَدْخلُ عَلَى المتَصدِّي لِذلِكَ. (فَالجَرحُ) والتعديلُ كُلٌّ منهما خطرٌ؛ لأنَّ من جَرَّحَ أو عَدَّلَ بغيرِ تثبُّتٍ، كَانَ كالمثبتِ حُكمَاً لَيْسَ بثابتٍ، وَذَلِكَ في الجرحِ (أيُّ: خَطَرِ) - بفتحِ الخاءِ، والطّاءِ - مَنْ ((خَاطَرَ بِنَفْسِهِ)) أي: أشْرفَ عَلى هَلاكِهَا، والداخلُ فيهِ هَالِكٌ دنيا وأخرَى. ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 570، والإرشاد 2/ 772 - 786، والتقريب: 197 - 198، والمنهل الروي 137، واختصار علوم الحديث: 242 - 243، والشذا الفياح 2/ 739 - 743، والمقنع 2/ 657 - 661، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 277، وفتح المغيث 3/ 314 - 330، وتدريب الراوي 2/ 368 - 370، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 270، وتوضيح الأفكار 2/ 500 - 502. (¬2) في (ب) و (ج‍) من متن الألفية و (ق) من الشرح: ((للتفضيل)). (¬3) في (م): ((المسلم)). (¬4) الاقتراح: 344. (¬5) انظر: الرفع والتكميل: 56 فما بعدها. (¬6) أخرجه ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 186، والخطيب في الكفاية (90 ت، 44 هـ‍). (¬7) الضعفاء والمتروكون للنسائي (69)، وفيه: ((ليس بثقة)). (¬8) الإرشاد 1/ 424. (¬9) الميزان 1/ 103 الترجمة (406).

ولقد أحسنَ ابنُ دقيقِ العيد، بقولِهِ: ((أعراضُ المسلمينَ (¬1) حفرةٌ من حُفَرِ النارِ، وقف على شفيرِها طائفتانِ مِنَ النَّاسِ: المُحَدِّثونَ، والحُكَّامُ)) (¬2). (وَمَعَ ذَا) أي: كونِ الجَرْح خطراً فلابدَّ مِنْهُ، (فَالنُّصْحُ) في الدينِ (حقٌ) واجبٌ، وذلِكَ لحفظِ الحقوقِ مِن الدِّماءِ والأموالِ والأعراضِ وسائرِ الحقوقِ، ولكون ذَلِكَ نصيحةً لا يعدُّ غيبَةً. نعم: لا يجوزُ التجريحُ بشيئينِ إذا حصلَ الغرضُ بواحدٍ (¬3). (وَلَقدْ أَحْسنَ) الإمامُ (يَحْيَى) بنُ سعيدٍ القطانُ (في جوابِهِ)، لأبي بكرِ بنِ خَلاّدٍ حين قَالَ لهُ: أما تخشى أنْ يكونَ هؤلاءِ الذين تركْتَ حديثَهُم خصماءَ ك عندَ اللهِ يومَ القيامةِ؟ (وَسَدْ) - بفتح أولهِ - أي: وُفِّقَ للسدادِ، وَهُوَ الصوابُ، والقصدُ من القولِ والعملِ، بقوله: (لأن يكونوا خصماءَ لي، أحبْ) إليَّ (مِن كونِ خصمِي المصطفى) - صلى الله عليه وسلم -، (إذ لَمْ أَذُبْ) - بمعجمةٍ مضمومةٍ - أي: أمنعَ الكذبَ عَن حديثِهِ (¬4). ثُمَّ مِنَ المتَصدّينَ لِذَلِكَ، مَنْ يشدِّدُ في التجريحِ، ومِنْهم مَنْ يتسمَّحُ فيهِ، ومنهم من يعتدِلُ فيه (و) مع ذلك (رُبَّما رُدَّ كَلامُ الجارحِ) مع جلالتِهِ وأمانتِهِ لتحامُلِهِ، (كَالنَّسَئِيْ) - بالإسكان لما مر - (في) تجريحِهِ لأبي جعفرٍ (أحمدَ بنِ صالحِ) الْمِصْريِّ، بقولِهِ: ((لَيْسَ بثقةٍ، ولا مأمونٍ. قال ابنُ معينٍ: إنه كذابٌ يتفَلْسَفُ)) (¬5). فإنَّهُ كَمَا قَالَ أبو يَعلى الخَلِيْليُّ: ((مِمَّنِ اتفقَ الحفَّاظُ على أنَّ كلامَ النَّسائيِّ فيهِ تحامُلٌ)). قَالَ: ((ولا يقدحُ كلامُ أمثالِهِ فيِهِ)) (¬6). وَقَالَ الذهبيُّ: ((إنه آذى نفسَهُ بكلامِهِ فيه)) (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): ((المسلم)). (¬2) الاقتراح: 344. (¬3) انظر: الرفع والتكميل: 56 فما بعدها. (¬4) أخرجه ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 186، والخطيب في الكفاية (90 ت، 44 هـ‍). (¬5) الضعفاء والمتروكون للنسائي (69)، وفيه: ((ليس بثقة)). (¬6) الإرشاد 1/ 424. (¬7) الميزان 1/ 103 الترجمة (406).

معرفة من اختلط من الثقات

والناسُ كُلُّهم متفقونَ على إمامتِهِ، وثقتِهِ، واحتجَّ بهِ البُخاريُّ في "صحيحهِ"، وَقَالَ: ((إنَّهُ ثقةٌ صدوقٌ، مَا رأيتُ أحداً يَتَكَلَّمُ فيه بحجةٍ. كان أحمدُ، وابنُ نُمير يُثَبِّتُونَهُ، وكان يحيى - يعني: ابنَ معين - يقول: سَلُوهُ، فإنَّهُ ثَبْتٌ)) (¬1). وَسببُ تجريحِ النَّسائيِّ لهُ: أنه حَضَرَ مجلسَهُ، فطرَدَهُ مِنْهُ؛ فَحَمَلَهُ ذَلِكَ على تجريحِهِ (¬2). وأما ما نقلَهُ عن ابنِ مَعينٍ، فَقَالَ ابنُ حبانٍ: ((إنه اشتبَهَ عَليهِ، فإنَّ الذي جَرَّحَهُ ابنُ مَعينٍ، إنما هُو أحمدُ بنُ صالحٍ الشموميُّ الْمِصْريُّ شيخٌ بمكةَ، كَانَ يضعُ الحديثَ)) (¬3). ومعَ ذَلِكَ لا يقدحُ في النسائيِّ ما قالَهُ في أحمدَ بنِ صالحٍ، (فَربَّما كَانَ لِجرْحٍ مخرجُ) أي: مَخْلَصٌ يزولُ به، ولكنْ (غَطَّى عَليهِ السُّخْطُ حينَ يُحْرَجُ) - بمهملةٍ، فراءٍ مفتوحةٍ - أي: يضيقُ صدرُهُ بسببِ مَا نَالَهُ؛ لأنَّ الفلتاتِ لا يدعى العصمةَ مِنْهَا. فَقَدْ يقعُ من أهلِ التقوى فلتاتُ لسانٍ، لا أنهم - مَعَ جلالتِهِم، ووفُورِ ديانَتِهِم - يتعمدونَ القدحَ بما يعلمون بطلانَهُ. مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ (¬4) مَعْرِفةُ مَنِ اختلَطَ من الثِّقاتِ، فائدتها (¬5) تمييزُ المقبولِ من غَيرِهِ. ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب التهذيب 1/ 39، وهدي الساري: 385. (¬2) في (ع) بعد هذا: ((نقله ابن عدي، عن محمد بن هارون البرقي)). قلنا: انظر: الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 300. (¬3) انظر: الثقات 8/ 25 - 26. (¬4) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحَدِيْث: 573، والإرشاد 2/ 787 - 796، والتقريب: 198، والمنهل الروي: 137، واختصار علوم الحَدِيْث: 244 - 245، والشذا الفياح 2/ 744 - 780، والمقنع 2/ 662 - 667، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 283، وفتح المغيث 3/ 331 - 350، وتدريب الراوي 2/ 371 - 380، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 273، وتوضيح الأفكار 2/ 502 - 503. (¬5) في (ع): ((فائدته)).

985 - وَفِي الثِّقَاتِ مَنْ أخِيْراً اخْتَلَطْ ... فَمَا رَوَى فِيْهِ أَوِ ابْهَمَ (¬1) سَقَطْ 986 - نَحْوُ عَطَاءٍ وَهُوَ ابْنُ السَّائبِ ... وَكَالْجُرِيْرِيِّ سَعِيْدٍ، وَأَبِي 987 - إِسْحَاقَ، ثُمَّ ابْنِ أبِي عَرُوبَةِ (¬2) ... ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أَبِي قِلاَبةِ 988 - كَذَا حُصَيْنُ السُّلَمِيُّ الكُوْفِيْ ... وعَارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِي (¬3) 989 - كَذَا ابْنُ هَمَّامٍ بِصَنْعَا (¬4) إذْ عَمِي ... وَالرَّأيُ فِيْمَا زَعَمُوا والتَّوْأمِي 990 - وَابْنُ عُيَيْنَةَ مَعَ المَسْعُودِي ... وَآخِراً حَكَوْهُ فِي الحَفِيْدِ 991 - ابنُ خُزَيْمَةَ مَعَ الغِطْرِيْفِي ... مَعَ القَطِيْعِي أَحْمَدَ المَعْرُوْفِ (وَفي الثِّقَاتِ) منَ الرُّواةِ (مَنْ أخيراً اختلَطْ) أي: منِ اختلَطَ آخرَ عُمُرِهِ، أي: فسدَ عقلُهُ بأن لم تنتظِم (¬5) أقوالُهُ وأفعالُهُ. (فَمَا رَوَى) المختلطُ (فِيهِ) أي: في حَالِ اختلاطِهِ، (أو ابْهَمَ) -بالدرجِ، والبناءِ للفاعلِ- أمرَهُ، أي: اشتبَه (¬6)، فَلَمْ يُدْرَ أحَدَّثَ بالحديثِ قبلَ اختلاطِهِ أو بعدَهُ (¬7)، (سَقَطْ) أي: ما رواهُ ممَّا اعتمَدَ فيهِ على حِفظِهِ، بخلافِ مَا اعتمَدَ فيهِ على كتابِهِ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ قبلَ اختلاطِهِ، وإن حَدَّثَ بِه ثانياً، ويتميَّزُ ذَلِكَ بالراَّوي عَنْهُ، فإنَّهُ (¬8) قد يكونُ سَمِعَ مِنْهُ قبلَهُ فَقَطْ، أو بعدَهُ فَقَطْ، أو فيهما مع التَّمييزِ، ومَعَ عدمِهِ، كما بيَّنَ ذَلِكَ (¬9) النَّاظِمُ في شرحِهِ (¬10)، مع تمييزِ بعضِ السَّامِعينَ. ¬

_ (¬1) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن. (¬2) في (ج‍): ((عربة))، وهو خطأ، صوابه ما أُثْبِتَ. (¬3) في (النفائس): " والسقفي "، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬4) بالقصر؛ لضرورة الوزن. (¬5) في (ص) و (م): ((ينتظم)). (¬6) في (ع): ((استشكل)). (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 576. (¬8) في (ق): ((فإن)). (¬9) في (م): ((بين الناظم)). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 284.

والمختلطُ (نحوُ عطاءٍ، وهُو) - بضم الهاء - (ابنُ السَّائبِ) الثَّقفيُّ، الكوفيُّ التابعيُّ، أحدُ الثِّقاتِ (¬1). (وكالْجُريْرِيِّ) - مُصَغَّراً - أبو مَسعودٍ (سعيدٍ)، هو ابنُ (¬2) إياسٍ البصريُّ، أحدُ الثِّقاتِ (¬3). (و) نحوُ (أبي إسحاقَ) عمرِو بنِ عبدِ اللهِ السَّبِيْعيِّ الكوفيِّ، التابعيِّ، أحد الثِّقاتِ (¬4). (ثُمَّ) نحوُ سعيدٍ (ابنِ أبي عَرُوبةِ) مِهرانَ، أحدِ (¬5) الثِّقاتِ (¬6)، ولما اختلَطَ، طالَتْ مدَّةُ اختلاطِهِ فوقَ العشرِ سنينَ، على خلافٍ فيهِ (¬7). (ثُمَّ) نحوُ (الرَّقاشِيِّ) - بفتح الراءِ وتخفيف القافِ، نسبةً لامرأةٍ اسمُها: رقاشُ بنتُ قيسٍ - (أبي قِلاَبَةِ) عبدِ الملكِ بنِ محمدٍ الحافظِ، أحدِ شيوخِ ابنِ خزيمةَ (¬8). ¬

_ (¬1) الاغتباط: 82 (77)، والكواكب النيرات: 70 (39). قال ابن الصلاح: ((احتج أهل العلم برواية الأكابر عنه، مثل: سفيان الثوري وشعبة؛ لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخراً إلا حديثين سمعهما شعبة بأخرةٍ عن زاذان، استثناهما يحيى بن سعيد القطان)). انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 576 - 577، والمقنع 2/ 663، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 284 - 285. (¬2) في (ق): ((ابن أبي)). (¬3) الاغتباط: 59 (43)، والكواكب النيرات: 39 (24)، وقال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 285: ((وهو ثقة احتج به الشيخان)). وانظر: هدي الساري: 405. (¬4) الاغتباط: 87 (85)، والكواكب النيرات: 76 (42)، ويقال: إن سماع ابن عيينة منه بعدما اختلط، ذكر ذلك أبو يعلى الخليلي. انظر: الإرشاد 1/ 355. (¬5) في (ص): ((أجل)). (¬6) الاغتباط: 62 (47)، والكواكب النيرات 42 (25)، وانظر: تهذيب الكمال 3/ 185 (2311)، وهدي الساري: 405. (¬7) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 288. (¬8) الاغتباط: 78 (71)، والكواكب النيرات: 67 (37). قال ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 582: ((روينا عن الإمام ابن خزيمة أنه قال: ((حدَّثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد)). انظر: تاريخ بغداد 10/ 426 مسنداً، وراجع التقييد والإيضاح: 462 - 463 تجد فائدة.

و (كَذَا حُصينُ) - مُصغراً - بنُ عبدِ الرَّحْمَانِ (السُّلميُّ) - بضمِ السينِ - (الكوفيْ) أحدُ الثِّقاتِ (¬1)، ابنُ عمِّ مَنصورِ بنِ المعتمرِ. قَالَ النَّاظِمُ (¬2): ((وقولي: ((السُّلَميُّ)) من زيادتِي (¬3)، وفَائِدتُهُ: عدمُ الاشتباهِ؛ فإنَّ في الكوفيينَ أربعةً كُلّهم حصينُ بنُ عبدِ الرَّحْمَانِ، ليسَ فيهم بِهذا النَّسبِ إلا هذا)). (و) كذا (عَارِمٌ) - بعينٍ وراءٍ مهملتينِ - أبو النُّعمانِ (مُحَمَّدٌ)، هو ابنُ الفَضْلِ السَّدوسيُّ البصريُّ، أحدُ الثِّقاتِ (¬4). (و) كذا أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الوهابِ بنُ عبدِ المجيدِ (الثَّقَفيْ) نِسبةً لثقيفِ، البصريُّ، أحدُ الثِّقاتِ (¬5). و (كَذَا) عبدُ الرزاقِ (¬6) (ابنُ هَمَّامٍ) أحدُ الثِّقاتِ (بِصَنْعَا) - بالقصرِ للوزنِ، مدينةٍ باليمنِ - فهو مختلطٌ، (إذ عَمِي) (¬7). قَالَ أحمدُ: ((أتيناه قبلَ المئتين، وهو صحيحُ البصرِ، ومَنْ سَمِعَ منه بعدَ ذهابِ بصرهِ، فهو ضعيفُ السَّمَاع)). ¬

_ (¬1) الاغتباط: 50 (27)، والكواكب النيرات: 25 (14). وللحافظ العراقي في التقييد والإيضاح: 456 - 458 مناقشات طويلة حول هذه الترجمة، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 291. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 291. (¬3) في (ع): ((زياداتي)). (¬4) الاغتباط: 99 (108)، قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 3/ 291: ((روى عنه البخاري في صحيحه، ومسلم بواسطة)). انظر: تهذيب الكمال 6/ 477 (6138)، وهدي الساري: 441، والتقييد والإيضاح: 462، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 292. (¬5) الاغتباط: 80 (73)، والكواكب النيرات: 69 (38). قال الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح: 458: ((وأما الذين سمعوا منه في الصحة فجميع من سمع مِنْهُ إنما سمع منه في الصحة قبل اختلاطه. قال الذهبي في الميزان: ما ضر تغيره حديثه فإنهما حدث بحديث في زمن التغير ثم استدل على ذلك بقول أبي داود تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي فحجب الناس عنهما)). انظر: ميزان الاعتدال 2/ 681. (¬6) الاغتباط: 76 (68)، والكواكب النيرات: 58 (34). (¬7) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 294.

وَقَالَ أيضاً: كَانَ يُلَقَّنُ بعد ما عَمِي، فيتلقَّنُ. (و)، كذا شَيخُ مَالكٍ، أحدُ الثقاتِ: رَبيعَةُ بنُ أَبي عبدِ الرحمانِ فَرُّوخ (¬1) (الرأيُ) وُصفَ به؛ لأنه كانَ مع معرفتِهِ بالسُّنَّةِ قائلاً بِهِ. فهو ممَّنِ اختلطَ في آخرِ عُمُرِهِ (فيما زَعَموا)، على مَا حَكاهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬2). وَقَالَ النَّاظمُ (¬3): ((لا أعلمُ أحداً تكلم فيه بالاختلاطِ، وقد وَثَّقَهُ جماعاتٌ، إلاَّ أنَّ ابنَ سعدٍ لَمّا وَثَّقَهُ، قَالَ: كانوا يتَّقُونَهُ لموضعِ الرأي)) (¬4). (و) كذا (التَّوْأمِي) - بفتح الفوقية، وسكونِ الواوِ، ثم بهمزةٍ مفتوحةٍ - وهو صالحُ بنُ نبهان التابعيُّ (¬5)، أحدُ الثقاتِ، ويُعْرَفُ بمولى التوأمةِ (¬6) بنتِ أميةَ بنِ خَلَفٍ الجُمحِي، صَحابيةٍ، سُمِّيت بذلك لأنها كانت هي وأختٌ لها في بطنٍ واحدٍ (¬7). (و) كذا أبو محمدٍ سفيانُ (ابنُ عُيَيْنَةَ) أحدُ الثِّقاتِ (¬8)، (مَعَ) عبدِ الرحمانِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتبَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (المسعُودِي) نسبةً لجدِّهِ، أحدِ الثِّقاتِ (¬9). (وآخِراً حَكَوهُ) أي: وفي وقتِ المتأخرينَ، حَكى المحدِّثونَ الاختلاطَ آخرَ العمرِ (في الحفيدِ ابنُ خزيمةَ)، وهو: أبو طاهرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفضلِ بنِ الحافظِ أَبي بكرٍ مُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ خزيمةَ (¬10). ¬

_ (¬1) الاغتباط: 57 (39)، والكواكب النيرات: 35 (22). (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 579، وللحافظ العراقي اعتراض مطول على هذا راجعه في التقييد: 455. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 295. (¬4) طبقات ابن سعد (القسم المتمم): 324. (¬5) الاغتباط: 69 (56)، والكواكب النيرات: 56 (33). (¬6) بفتح المثناة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة. التقريب (2892). (¬7) ينظر: التقييد والإيضاح: 456. (¬8) الاغتباط: 64 (48)، والكواكب النيرات: 48 (27). وراجع معرفة أنواع علم الحدِيْث: 580، وَتَعَقْبِ الحافظ العراقي وبيانه لجملة من الأمور في التقييد والإيضاح: 459. (¬9) الاغتباط: 75 (66)، والكواكب النيرات: 62 (35). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 298، والتقييد: 452 - 454حيث أورد الحافظ العراقي اعتراضات عدة فراجعها تجد فائدة. (¬10) الاغتباط: 101 (109)، والكواكب النيرات: 93 (57). قال الحافظ العراقي: ((اختلط قبل موته بثلاث سنين وتجنب الناس الرواية عنه، وتوفي 387 هـ‍)). شرح التبصرة والتذكرة 3/ 300. وقال الذهبي: ((ما عرفت أحداً سمع منه أيام عدم عقله)). ميزان الاعتدال 4/ 9.

طبقات الرواة

(مَعَ) أحدِ الثِّقاتِ أبي أحمدَ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ الحسينِ بنِ القاسمِ بنِ الغِطْرِيْفِ الجُرْجَانِي (¬1)، (الغِطْرِيْفِي) - بغينٍ معجمةٍ مكسورةٍ - نسبةً لجَدِّ جَدِّهِ (¬2). و (مع القَطِيْعيْ) - بالإسْكانِ لما مَرّ - نسبةً لقطيعة الدقيقِ ببغدادَ أبي بكرٍ (أحمدَ) بنِ جعفرِ بنِ حمدانَ بنِ مالكٍ (¬3)، (المعروفِ) بالثقةِ والأمانةِ (¬4). فجميعُ هؤلاءِ قد اختلطوا، وتركوا على خِلافٍ في بعضِهم، كَمَا بيَّنَه الناظمُ في شرحِهِ (¬5)، وَعَلى مَا زَعَمَهُ جَماعةٌ في ربيعةَ الرأي، كَمَا تَقَرَّرَ. طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ (¬6) (طبقاتُ الرواةِ) فَائِدةُ معرفتِها: الأمنُ من اتحادِ المشتبهين، كالمتفقين في اسمٍ، أو كنيةٍ، أو نحوِ ذلك، وإمكانِ الاطلاعِ على التدليس، ونحوِهِ (¬7). 992 - وَلِلرُّوَاةِ طَبَقَاتٌ تُعْرَفُ ... بِالسِّنِّ وَالأَخْذِ، وَكَمْ مُصَنِّفُ 993 - يَغْلَطُ فِيْهَا، وَابْنُ سَعْدٍ صَنَّفَا ... فِيْهَا وَلَكِنْ كَمْ رَوَى عَنْ ضُعَفَا ¬

_ (¬1) الاغتباط: 93 (96)، والكواكب النيرات: 90 (55). (¬2) قال العراقي: ((أما الغطريفي فلم أر من ذكره فيمن اختلط غير ما حكاه المصنف - يعني ابن الصلاح - عن الحافظ أبي علي البرذعي)). التقييد والإيضاح: 463. (¬3) الاغتباط: 30 (4)، والكواكب النيرات: 18 (5). (¬4) قال ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 583: ((راوي مسند أحمد وغيره اختل في آخر عمره وحرف حتى لا يعرف شيئاً مما يقرأ عليه)). وقد نفى العراقي ذلك في نقاش طويل مع ابن الصلاح، راجعه في التقييد والإيضاح: 465. (¬5) أحلنا إلى صفات شرحه فيما سبق في ترجمة كل منهم. (¬6) انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 580، والإرشاد 2/ 797 - 799، والتقريب: 199، والمنهل الروي 115، واختصار علوم الحديث: 245، والشذا الفياح 2/ 781 - 782، والمقنع 2/ 668 - 669، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 301، وفتح المغيث 3/ 351 - 354، وتدريب الراوي 2/ 380 - 382، فتح الباقي 3/ 274 - 276، وتوضيح الأفكار 2/ 503 - 504، وظفر الأماني: 103 - 104. (¬7) فتح المغيث 3/ 292.

(وللرواةِ طبقاتٌ) أي: مراتبُ، جمعُ طبقةٍ، (تُعرَفُ) لغةً: بالقومِ المتشابهينَ، واصطلاحاً: (بالسِّنِّ)، أي: باشتراكِ المتعاصرين فيهِ، ولو تقريباً، (و) بـ (الأخْذِ) عَن المشايخِ، وَرُبَّما اكتفَوا بالاشتراكِ (¬1) في التَّلاقِي (¬2). قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((والناظرُ في هذا الفنِّ يحتاجُ إلى معرفَةِ المواليدِ والوفياتِ، ومن أخذوا عنه، ومَنْ أخذَ عنهم، ونحوِ ذلك)) (¬3). وَرُبَّ راوٍ يَكُونُ مِن طَبقةٍ لمشابهتِهِ لها مِنْ وجهٍ، وَمِن طبقةٍ أخرى لمشابهتِهِ لها مِنْ وجهٍ آخرَ، فأنسُ بنُ مالكٍ، ونحوُهُ من صِغارِ الصَّحابةِ من طبقةِ العَشْرةِ عند مَنْ عَدَّ الصَّحابةَ كُلَّهُمْ طبقةً واحدةً - كابنِ حِبانَ - لاشتراكِهِم في الصُّحبةِ، وَمِن طبقةٍ أخرى دونَ طَبقةِ العَشْرةِ عِنْدَ مَنْ عَدَّ الصحابةَ طِباقاً، والتَّابعينَ طِباقاً، كابنِ سَعدٍ (¬4). وتَقَدَّمَ في مَعرفةِ الصَّحابةِ بيانُ عدةِ طباقِهِم. (وَكَم) مرةٍ، (مُصنّفُ) مِن الْحُفاظِ (¬5) (يَغلَطُ فِيها) أي: في الطَّبقاتِ بِسَببِ اشتباهٍ في متفقينَ، فيظنُّ أحدَهما الآخرَ، أو بسببِ أنَّ الشائعَ روايتُهُ عن أهلِ طبقةٍ ربما يروي عن أقدَمَ منها، أو بغير ذلك (¬6). (وابنُ سعدٍ) محمدُ الهاشميُّ (صَنَّفَا فِيها) أيضاً ثلاثةَ تصانيفَ، والكبيرُ فيها جليلٌ، كثيرُ الفوائدِ (¬7). (و) كَان ثقةً في نفسِهِ، (لكنْ كَمْ) أي: كثيراً ما (رَوَى) في كتابِهِ الكبيرِ (عَن) أُناسٍ (ضُعَفَا) كمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ واقدٍ الواقديِّ، وهشامِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السائبِ، ¬

_ (¬1) ((بالاشتراك)) لم ترد في (ق). (¬2) انظر: فتح المغيث 3/ 292 - 293. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 584. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 583 - 584، وشرح التبصرة 3/ 303، وفتح المغيث 3/ 293. (¬5) في (ص) و (م): ((الحافظ)). (¬6) انظر: فتح المغيث 3/ 294. (¬7) انظر: المصدر السابق.

الموالي من العلماء والرواة

ونصرِ بنِ بابٍ (¬1) أبي سهلٍ الْخُراسَانيِّ (¬2). المَوَالِي (¬3) مِنَ العُلَمَاءِ والرُّوَاةِ (¬4) مَعْرِفتُهم مِن المُهمَّاتِ، بَل ربما وقعَ بعدمِها خللٌ في الأحكامِ الشرعيةِ، فيما يشترطُ فيه النسبُ، كالإمامةِ العُظمى، وكفاءةِ النكاحِ، والتوارثِ. 994 - وَرُبَّمَا إلَى القَبِيْلِ يُنْسَبُ ... مَوْلَى عَتَاقَةٍ وَهَذَا الأغْلَبُ 995 - أَوْ لِوَلاَءِ (¬5) الحِلْفِ كَالتَّيْمِيِّ ... مَالِكٍ اوْ (¬6) لِلدِّيْنِ (¬7) كَالْجُعْفِيِّ 996 - وَرُبَّمَا يُنْسَبُ مَوْلَى المَوْلَى ... نَحْوُ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ أَصْلاَ ¬

_ (¬1) ((باب)) سقط من (ق). (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 302، وفتح المغيث 3/ 294 - 295. (¬3) الموالي: جمع مولىً، واسم المولى: يقع على معانٍ كثيرة، قال ابن الأثير: هو الرب والمالك والسّيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصّهر والعبد والمعتق والمنعم عليه. وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كلّ واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليّه)). ثمّ ذكر صورة الاختلاف فيها واستدل لكل منها. النهاية 5/ 228، وانظر الصحاح 6/ 2529، والمقاييس 6/ 141، واللسان 15/ 409. ونقول موضحين: الولاء في اللغة القرابة، والعلاقة التي تكون بين اثنين أو أكثر والولاء بأنواعه من محاسن الإسلام، فكلما زادت الروابط والعلاقات بين الناس كان ذلك أدعى إلى المحبة والوفاق وعدم التنازع والخصام. ولابد أن نشير إلى أن الأصل في نسبة الرّاوي إلى قبيلة أن يكون منهم صليبة، كقولهم: قرشي، أي: من أولاد قريش، وإذا نسبوا إليها من ينتمي إليها بالولاء أضافوا كلمة مولى، فقالوا: مولى قريش، أو القرشي مولاهم. والولاء أنواع ثلاثة: للعتاق، والحلف، والإسلام وسيتكلم الشارح عن كل منها. وانظر: منهج النقد 175، والوسيط في علوم الحديث 2/ 688. (¬4) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 196 - 202، ومعرفة أنواع علم الحديث: 582، والإرشاد 2/ 800 - 803، والتقريب: 199 - 200، والمنهل الروي: 135، واختصار علوم الحديث: 246 - 247، والشذا الفياح 2/ 783 - 787، والمقنع 2/ 670 - 673، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 304، وفتح المغيث 3/ 355 - 358، وتدريب الراوي 2/ 382 - 384، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 277، وتوضيح الأفكار 2/ 504، وتوجيه النظر 1/ 457 - 458. (¬5) في (ب): ((أو لواء))، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. (¬6) بالدرج؛ لضرورة الوزن. (¬7) في (فتح المغيث): ((للدني)).

(وَرُبَّمَا إلَى القَبِيْلِ) أي: القبيلةِ (ينسَبُ مولى عَتَاقَةٍ)، كأَبي العاليةِ رُفيعِ الرياحيِّ، كَانَ مولى لامرأةٍ من بني رياحٍ (¬1)، وأَبي البُختريِّ سعيدِ بنِ فيروزَ الطائيِّ، كان مولى لمَنْ اعتقَهُ من طيٍّ، ومكحولٍ الشاميِّ الهذليِّ، كان مولى لامرأةٍ من هُذيلٍ، وغيرِهم مع إطلاق النِّسبةِ، بحيثُ يظنُّ أنَّهُم ينسبونَ نسبةً صُلبيّةً (¬2)، أي: مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ (¬3)، وَليْسَ مراداً، بل المرادُ مولى العتاقةِ (¬4). (وهذا) أي: الانتسابُ للعتاقَةِ، وإنْ كان قليلاً بالنظرِ للأصلِ في الانتِسَابِ، هو (الأغْلبُ) بالنظرِ لما يأتي. فالمرادُ بنسبةِ ولاءِ المولى (¬5) المنْسُوبُ للقبيلةِ نسبةً لولاءِ العتاقةِ، كَمَا مَرَّ. (أو لِولاَءِ الحِلْفِ) أي: العهدِ مِنَ المعاهدَةِ عَلى التَّعاضُدِ والتَّناصُرِ (¬6) على نَصْرِ المظلومِ، ونحوِهِ (كالتَّيْمِيِّ) بتشديدِ آخرهِ (مَالِكٍ) هو ابنُ أنسٍ، فإنَّهُ أصبحيٌّ صُلْبِيّةً (¬7) لكن لكونِ نفره أصبحَ مواليَ لتيمِ (¬8) قريشٍ بالحلفِ نُسِبَ تَيْماً (¬9). (او) - بالدرج - لولاءٍ (للدِّينِ)، والإسلامِ (كالجُعْفيِّ) - بتشديد آخرِهِ - أي: البُخاريِّ، فإنَّهُ انتسبَ كذلك؛ لأنَّ جَدَّ أبيهِ وَهُوَ المغيرةُ، كَانَ مَجوسيّاً فأسلمَ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 586، والإرشاد 2/ 802، وفتح المغيث 3/ 296. (¬2) هكذا في النسخ الخطية و (م) وفي كتب المصطلح ومعاجم اللغة ((صَلِيْبَة)). (¬3) انظر: فتح المغيث 3/ 296، والمعجم الوسيط 1/ 519. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 585، والمقنع 2/ 671، وشرح التبصرة والتذكرة 3/ 305، وفتح المغيث 3/ 296. (¬5) في (ق): ((الموالي)). (¬6) فتح المغيث 3/ 296. (¬7) هكذا في الأصل، انظر التعليق السابق. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 3/ 305. (¬8) وهو عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. انظر: الأنساب 3/ 123، وجمهرة أنساب العرب: 138. (¬9) في (ع) و (ق): ((تيمياً)).

أوطان الرواة وبلدانهم

على يدِ اليمانِ (¬1) بنِ أخنسَ الجعْفيِّ (¬2). (وَرُبَّما يُنْسَبُ) للقبيلةِ (مَوْلَى المَوْلَى، نحوُ) أبي الحُبَابِ (سعيدِ بنِ يَسارٍ أصلا) لا تبنِّياً، الهاشميِّ، نُسِبَ لبني هاشمٍ لكونِهِ مولى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذا اقتصرَ ابنُ الصَّلاحِ (¬3) وَقِيْلَ: إنه مولى الحسنِ بنِ عليٍّ. وَقِيْلَ: مولى ميمونة زوجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقِيْلَ: مولى بني النجارِ. وَعليهِما، فليس مولى لبني هاشمٍ (¬4) أَوْطَانُ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانُهُمْ (¬5) فَائدةُ معرفتِها: تمييزُ الرَّاوي المدلِّسِ، وَمَا في السَّنَدِ مِنَ الإرسالِ، وتمييزُ أحدِ المتفقينَ في الاسمِ، أو نحوِهِ من الآخرِ. وكانتِ العربُ تنتسِبُ إلى الشُّعوبِ، والقبائلِ، ونحوِهما. 997 - وَضَاعَتِ الأَنْسَابُ في (¬6) البُلْدَانِ ... فَنُسِبَ الأَكْثَرُ لِلأَوْطَانِ 998 - وَإنْ يَكُنْ (¬7) في بَلْدَتَيْنِ سَكَنَا ... فَابْدَأْ بِالاوْلَى (¬8) وَبِثُمَّ (¬9) حَسُنَا ¬

_ (¬1) كان والي بخارى. انظر: الأنساب 3/ 291، واللباب 2/ 284. (¬2) اللباب1/ 284. قال ابن حجر: ((نسب إلى اليمان بن أخنس نسبة ولاء عملاً بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاءه له وإنما قيل له الجعفي لِذلِكَ)). مقدمة الفتح: 477. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 587. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 306. (¬5) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث 190 - 196، ومعرفة أنواع علم الحديث: 586، والإرشاد 2/ 804 - 815، والتقريب 200 - 201، والمنهل الروي: 139، واختصار علوم الحديث 248 - 249، والشذا الفياح 2/ 788 - 792، والمقنع 2/ 674 - 678، وفتح المغيث 3/ 359 - 362، وتدريب الراوي 2/ 384 - 385، وتوضيح الأفكار2/ 504 - 506، وظفر الأماني: 105، وتوجيه النظر 1/ 454 - 457. (¬6) في (ب): ((بالبلدان))، وكلاهما صحيح. (¬7) في (ب): (تكن)، والصواب ما أثبت. (¬8) بالدرج؛ لضرورة الوزن. (¬9) في (النفائس) و (فتح المغيث): (أو)، والأُولى أولى.

999 - وَمَنْ (¬1) يَكُنْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ بَلْدَةِ ... يُنْسَبْ لِكُلٍّ وَإلَى النَّاحِيَةِ (وَ) لَمّا جَاءَ الإسلامُ، وانتشرَ النَّاسُ في الأقاليمِ والمدنِ والبلدانِ والقرى، (ضَاعتِ) كثيراً (الأنْسَابُ في البُلدانِ) المتَفَرقةِ ونحوِها، (فنُسِبَ الأكثرُ) من المتأخرينَ منهم (لِلأوطانِ) أي: محالِّهم مِن بلدةٍ أو غيرِها. ولا حدَّ للإقامةِ المسوِّغةِ للنِّسبة بزمنٍ، وإن حدَّهُ بعضهم بأربعِ سنينَ. (وإنْ يَكنْ في بلدتينِ سَكَنا)، كأنِ انتقلَ من دِمَشقَ إلى مِصْرَ، وأردْتَ نسبتَهُ إليهما (¬2) (فابدأْ بِالاولى (¬3)) -بالدرج- (وَبثُمَّ) في الثانية (حَسُنَا) أي: وحَسُنَ الإتيانُ فيها بـ ((ثُمَّ))، فيقالُ: الدمشقيُّ ثُمَّ المِصْريُّ، وجمْعُهُما أحسنُ مِنَ الاقْتِصارِ عَلى أحدِهما (¬4). (ومَنْ يكنْ من قريةٍ) ك‍ ((داريا)) (مِن) قرى (بَلْدةِ) كَدِمَشْقَ، (يُنسَبْ) جوازاً (لكُلٍّ) مِنَ القريةِ والبلدةِ، (وإلى النَّاحيةِ) التي منها القريةُ والبلدةُ وتُسمِّي الإقليمَ كالشامِ، فيُقال فيه: الداريُّ، أو الدمشقيُّ، أو الشاميُّ. فإن جَمَعَ بينها فالأولى البداءة بالأعمِّ، فيقالُ: الشاميُّ الدمشقيُّ الداريُّ. إلا أن يكون غيرُهُ أوضحَ فالبداءةُ بِهِ أولى (¬5). 1000 - وَكَمَلَتْ بِطِيْبَةَ المَيْمُوْنَهْ ... فَبَرَزَتْ مِنْ خِدْرِهَا مَصُوْنَهْ 1001 - فَرَبُّنَا المَحْمُودُ وَالمَشْكُوْرُ ... إِلَيْهِ مِنَّا تَرْجِعُ الأُمُوْرُ 1002 - وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ... عَلَى النَّبِيِّ سَيِّدِ الأَنَامِ (وَكمَلتْ) - بتثليثِ الميمِ، والفتحُ أفصحُ - أي: المنظومةُ يومَ الخميسِ، ثالثَ جُمادى الآخرةِ سنةَ ثمانٍ وستينَ، وسبعِ مئةٍ (¬6)، (بطيبةَ) أي: المدينةِ النبويةِ، وتُسمَّى طابةَ (الميمونهْ) أي: الْمُباركةِ بِدعائِهِ - صلى الله عليه وسلم - لها بالبَركةِ. ¬

_ (¬1) في (أ) من متن الألفية، و (ق): ((وإن))، وكلاهما صحيح. (¬2) في (م): ((إليها)). (¬3) في (م): ((بالأولى)) بإثبات الهمزة. (¬4) انظر: فتح المغيث 3/ 300. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 309. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 3/ 309.

(فبَرَزَتْ) أي: المنظومةُ إلى النَّاسِ بالمدينةِ الشَّريفةِ (مِنْ خِدْرِهَا) - بكسرِ الخاءِ، وإهمالِ الدالِ - أي: سِتْرِها (مصُونهْ) مِنَ الحَشْوِ بحَسَبِ الإمكانِ. (فربُّنا) أي: مَالِكُنا (المحمودُ والمشكورُ) عَلى إنعامِهِ بذلِكَ (إليهِ مِنَّا تَرجِعُ الأمورُ)، قَالَ تعالى: {وإليهِ يُرجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ} (¬1) (وأفضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ على النبيِّ) المصطَفى (سَيِّدِ الأنامِ) أي: الخلقِ، صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وسَلَّمَ (¬2)، كُلَّما ذكرَهُ الذاكِرُونَ، وغَفَلَ عن ذِكْرِهِ الغَافِلُونَ (¬3) (¬4) ¬

_ (¬1) هود: 123. (¬2) في (ع): ((صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه الأبرار المخلصين السادة الأخيار))، وفي (ص): ((صلى الله عليه وسلم))، وفي (م): ((صلى الله وسلم عَلَيْهِ)) والمثبت من (ق). (¬3) بعد هذا في (م): ((وللهِ الحمدُ، وهوَ على كل شيءٍ قديرٌ)) ولم ترد في باقي النسخ. (¬4) جاء في نهاية نسخة (ع): ((قال مؤلفه نفعنا الله به وكان الفراغ من تأليفه عاشر شهر رجب سنة ست وتسعين وثمان مئة. والحمد لله وحده وكان الفراغ من هذه النسخة على يد محمد عبادة يوم الثلاثاء (*) تسع خلت من شهر [ذي] (**) القعدة ( ... ) الذي هو من شهور سنة ألف ومئة وسبعين، والحمد لله وحده ولا نبي بعده)). وفي نهاية نسخة (ص): ((قال مؤلفه ((نوّر الله قبره)) كان الفراغ من تأليفه عاشر شهر رجب سنة ست وتسعين وثمان مئة ووافق الفراغ من هذه النسخة المباركة يوم السبت في وقت العصر في غرة المحرم 1237 على يد العبد الضعيف الراجي رحمة ربه اللطيف محمد صالح البنديجي الحنفي، غُفر له ولوالديه ولجميع المسلمين)). جاء في نهاية نسخة (ق): ((تمّ الشرح المبارك بحمد الله تعالى وعونه وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ورضي الله تعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين آمين، بقلم الفقير إلى الله عز وجل السيد حسن البغدادي الشافعي بن السيد محمد عُفي عنهما وعن المسلمين في سنة 1304)). جاء في نهاية نسخة (م): ((قال مؤلفُهُ فَسحَ اللهُ تعالى في أجلِهِ: وكان الفَراغُ مِن تأليفِهِ عاشر شهر رجبٍ سنةَ ستٍّ وتسعين وثمانِ مئةٍ. ووافق الفراغُ من هذه النسخة على يدي العبدِ الفقيرِ المعترِفِ بالذَّنبِ والتَّقصيرِ، عمر بن محمدِ بن أحمدَ بن عُبيدِ بنِ صَالحِ بنِ وليدِ بنِ عيدٍ السيعيريّ ثم المقدسيِّ الحنفيِّ؛ ثامنَ عشر رجب سنة سبع عشرةَ وتسعِ مئةٍ بالقاهرةِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلّى اللهُ عَلى سَيدِنا مُحَمَّدٍ، وآلهِ وَسَلَّمَ)) (*) في الأصل: (الثلاث) (**) زيادة لم ترد في الأصل ويقتضيها السياق. ( ... ) في الأصل: (العقدة)

§1/1